عليه وسلم هو لك يا عبد زمعة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقى الله عز وجل.
[ومن ذلك خبر المخزومية التي سرقت وإقامة الحد عليها]
وعن عائشة ان قريشا اهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجتريء عليه الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال رسول الله صلى (هو لك يا عبد بن زمعة) بنصب ابن وفي عبد النصب والرفع كنظائره وقال النووي كان فراش زمعة ثابتا اما باقراره في حال حياته واما بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (الولد للفراش) معناه اذا كان للرجل زوجة أو أمة قد صارت فراشا له وأتت بولد يمكن كونه منه لحقه وجري بينهما التوارث وغيره من الاحكام سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا خلافا لابي حنيفة في عدم اشتراط الامكان ولا تصير الأمة فراشا الا بالوطيء وقال أبو حنيفة لا تصير فراشا الا اذا ولدت ولدا واستلحقه (وللعاهر) وهو الزاني يقال عهر أى زنا وعهرت أى زنت والعهر بفتح المهملة وسكون الهاء الزنا (الحجر) بفتحتين أي الخيبة ولا حق له في الولد وعادة العرب تقول له الحجر وهو التراب ونحو ذلك أى له الخيبة وضعف النووي وغيره قول من قال المراد بالحجر الرجم لانه ليس كل زان يرجم ولانه لا يلزم من رجمه نفى الولد عنه (احتجبى منه) أمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا وورعا (لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم (من شبهه بعتبة) قال النووي فيه دليل على ان الشبه وحكم القافة انما يعتمد اذا لم يكن أقوى منه كالفراش وجاء مثل ذلك في قصة المتلاعنيين قال واحتج أبو حنيفة والاوزاعي والثوري وأحمد بهذا الحديث على ان الوطيء بالزنا له حكم الوطئ بالنكاح في حرمة المصاهرة ووجه احتجاجهم أمر سودة بالاحتجاب قال النووي وهذا احتجاج باطل وعجب من ذكره لأن هذا على تقدير كونه من الزنا فهو أجنبي من سودة لا يحل الظهور له سواء الحق بالزاني أم لا فلا تعلق لها بالمسئلة المذكورة وفي هذا الحديث ان حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن لانه صلى الله عليه وسلم حكم انه أخو سودة واحتمل بسبب التشبه ان يكون من عتبة فلو كان الحكم يحل الباطن لما أمرها بالاحتجاب قاله النووى (وعن عائشة) كما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي (المرأة المخزومية) اسمها فاطمة بنت الاسود (سرقت) بفتح الراء (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء أى محبوبه (فكلم أسامة) زاد مسلم في رواية فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم انها عادت بأم سلمة (أشفع في حد من حدود الله) استفهام انكار وتعظيم لما فعل زاد مسلم فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله ففيه حرمة الشفاعة في حدود الله تعالى بعد بلوغها الى الامام وهو اجماع ويجوز قبل بلوغها الى الامام اذا لم يكن المشفوع له صاحب شر واذاء للناس عند أكبر العلماء واما التعزيرات فيجوز الشفاعة(1/413)
الله عليه وآله وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب ثم قال انما أهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
[ومن ذلك حرمة مكة وان دخلوها عنوة يوم الفتح كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم]
وعن أبى شريح الخزاعي الكعبي انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناى حين تكلم به انه حمد الله وأثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولوا له ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب خرجاه متفقين على لفظه وانما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول حين قتلت خزاعة رجلا من هذيل بمكة ثانى يوم الفتح فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومما سبق به من الشعر قبل الفتح قول حسان ردا على أبي سفيان بن الحارث:
الا أبلغ أبا سفيان عني ... فانت مجوف نجب هواء
مطلقا بل يستحب اذا لم يكن المشفوع فيه صاحب اذاء ونحوه (ثم قام) زاد مسلم من العشى (الذين قبلكم) يعنى بني اسرائيل (وأيم الله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف بل ندبه اذا كان فيه تفخيم أمر مطلوب كما مر وللعلماء خلاف الحلف بأيم ومذهبنا انه كناية وتتمة الحديث ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها فقال يونس قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فارفع حاجتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (تنبيه) ما جاء في رواية لمسلم عن عائشة وفي سنن أبي داود والنسائى عن ابن عمر ان امرأة مخزومية كانت تستعير المناع زاد النسائي عن ألسنة جاراتها وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها المراد كما نقله النووي عن العلماء انها قطعت بالسرقة وذكر العارية للتعريف بوصفها لا ان العارية سبب القطع وقد صرحوا في سائر الروايات بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة فتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات فانها قضية واحدة مع ان جماعة من الحفاظ قالوا بشذوذ هذه الرواية والشاذ لا يعمل به وأخذ أحمد واسحاق بظاهر الحديث فأوجبا القطع على من جحد العارية (وعن أبي شريح الى آخره) روى حديثه الشيخان والترمذي والنسائي ومضى الكلام على حديثه في فضل مكة (قتلت خزاعة) وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلا من هذيل) بضم الهاء وفتح المعجمة كما مر ولمسلم رجلا من بني ليث فقتل منهم(1/414)
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا حنيفا ... رسول الله شيمته الوفاء
أتهجوه ولست له بكفؤ ... فشركما لخير كما الفداء
فان أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وفاء
ثكلت بنيتي ان لم تروها ... تثير النقع من كنفى كداء
ينازعن الأعنة مصعدات ... على أكتافها الاسل الظماء
قتلوه* شعر حسان الذي ردبه على أبي سفيان بن الحارث (برا) أى واسع الخير والنفع وقيل منزها عن المآثم (حنيفا) قيل أي مستقيما والاصح انه المائل الى الخير وقيل هو المتبع ملة ابراهيم وفي بعض النسخ بدله تقيا (شيمته) بكسر المعجمة وسكون التحتية وفتح الميم أى خلقه وسجيته (ولست له بكفؤ) أى بمثل وهو هنا بسكون الفاء مع الهمزة لا غير وقرئ في القرآن بضمها مع الهمز وتركها وسكونها مع الهمز (فشركما لخيركما الفداء) ان قلت في ظاهر هذا اللفظ ما يستبشع من حيث ان أفعل الذي للتفضيل تدل على الاشتراك في الوصف فقولك فلان شر من فلان دال على ان في كل منهما شرا فالجواب ان دلالة أفعل على الاشتراك في الوصف ليست مطردة عند اللغويين فقد أجاز سيبويه قولك مررت برجل شر منك اذا نقص عن ان يكون مثلك فبذلك يندفع الاستبشاع لا سيما وهو على حد قوله صلى الله عليه وسلم في صفوف الرجال وشرها آخرها يريد نقصان حظهم عن حظ الصف الاول ذكر معنى ذلك السهيلي وغيره (فان أبي ووالده وعرضي) احتج به ابن قتيبة لمذهبه ان عرض الانسان هو نفسه لا اسلافه لذكره عرضه واسلافه بالعطف وقال غيره عرض الانسان هي أموره كلها التى يحمد بها ويذم من نفسه واسلافه وكلما لحقه نقص يعيبه (ان لم تروها) يعنى الخيل كناية عن غير مذكور (تثير) بضم أوله رباعي أى تهيج (النقع) بفتح النون وسكون القاف أى الغبار (من كنفى) بفتح النون والفاء أى جانبى (كداء) بفتح الكاف مع المد وهى ثنية على باب مكة قال النووي وعلى هذه الرواية هذا البيت أقوال مخالف لباقيها أى لان باقيها مضموم وحق هذا الجر بالاضافة وفي بعض النسخ غايتها وفي بعضها موعدها وفي بعضها موردها وللبيهقي مطلعها (فائدة) كدى بضم الكاف مع القصر موضع عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان قال العدوي وبمكة موضع ثالث يقال له كدى بالضم والتصغير يخرج منه الى جهة اليمن (يبارين) بالموحدة وكسر الراء قال عياض هذه رواية الأكثرين ومعناها انها لصرامتها وقوة نفوسها يبارى أعنتها بقوّة جندها لها وهى ومنازعيها لها أيضا كما روى ينازعن (الاعنة) جمع عنان وروى الاسنة جمع سنان وهو الرمح قال عياض فمعناه يضاهين قوامها واعتدالها (مصعدات) أى مقبلات اليكم ومتوجهات يقال أصعد في الارض اذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع (على أكتافها) بالفوقية (الاسل) بفتح الهمزة والسين المهملة ولام أى الرماح (الظماء) أى الرقاق فكأنها لعلة مائها عطاش وقيل المراد العطاش لدماء(1/415)
تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر النساء
فان أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
والا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد سيرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء
تلاقى كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء
رواه مسلم الا الثالث والثالث عشر فمن سيرة ابن هشام قال وبلغني عن الزهري انه قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم الى أبى بكر رضي الله عنه وقال قد سيرت جندا وفي رواية قد يسرن جندا ولم تصح الرواية بيسرت*
[الكلام على غزوة حنين وشرح خبر ذلك]
واتصل بالفتح غزوة حنين وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من الفتح أخبر ان هوازن أقبلت لحربه وكان الذي جمعها عوف بن مالك النصري فاجتمع اليه الاعداء وروى الاسد الطماء بالمهملة أي الشجعان العطاش الى دمائكم (تظل جيادنا) أى خيولنا (متمطرات) بالمهملة أى مسرعات يسبق بعضها بعضا يقال جاءت الخيل متمطرة اذا جاءت كذلك (يلطمهن) بالمهملة أي يمسحهن ليزلن عنهن الغبار لعزتها وكرامتها عندهم (بالخمر) بضم المعجمة والميم جمع خمار هذا هو المعروف وهو أبلغ في اكرامها وحكى عياض انه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة قال النووي وهو صحيح المعنى (وقال الله قد سيرت جندا) من السير هذه رواية ابن هشام ورواه مسلم بشرت من التبشير وهو التهنئة والارصاد (عرضتها) بضم المهملة أى مطلوبها ومقصودها وهمتها (اللقاء) أي لقاء العدو للحرب (فنحكم) بضم أوله رباعي أى ترد وتدفع مشتق من حكمة الدابة ومعناه يقتحم ويحرس من هجانا (بالقوافي) جمع قافية (ليس له كفاء) بكسر الكاف أي مماثل ولا مقاوم (رواه مسلم) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هجاهم حسان فشفي واشتفى وقال حسان فذكره (الا الثالث) بالنصب (قال) يعنى ابن هشام* تاريخ غزوة حنين (حنين) بالتصغير والصرف واد الى جنب ذي المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات قال البكري سمى باسم حنين بن ثابت بن مهلائيل وقد تقدم انه قال في خيبر مثل هذا والله أعلم (ابن مالك النصري) بفتح النون وسكون المهملة وكان عوف يومئذ على هوازن(1/416)
ثقيف ونصر وجشم وسعد بن بكر وقليل من بني هلال ولم يشهدها أحد من قيس عيلان الا هؤلاء وجملتهم أربعة آلاف وساروا ومعهم دريد بن الصمة الجشمى متيمنين برأيه ومعرفته بالحرب وكان قد قارع الخطوب وأبلي في الحروب وله مائة وستون أو مائة وعشرون سنة كان أشار بتمنيع الذراري والأموال ولقاء الرجال بالرجال وقال ان المنهزم لا يرده شيء فأبى عوف الا المسير بهم فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني وأنشد:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها واضع
ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير اليهم أرسل الى صفوان بن أمية ابن خلف يستعير منه السلاح وكان صفوان بن أمية حينئذ مشركا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم بجيش الفتح وألفين من الطلقاء واستخلف على مكة عتاب بن أسيد (ثقيف ونصر) مصروفان (وجشم) بالجيم والمعجمة بوزن عمر غير مصروف وجشم حى من ثقيف قال البغوي وكان على ثقيف كنانة بن عبد ياليل الثقفى (قيس عيلان) بفتح المهملة وسكون التحتية (دريد) بالتصغير (ابن الصمة) بكسر المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة بن خزاعة بن عدن بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن يكنى أبا قرة قاله السهيلى (متيمنين) بزعمهم أي متبركين (قارع) بالقاف (الخطوب) جمع خطب وهو الأمر العظيم (مائة وستون) كما روى أبو صالح عن الليث (أو مائة وعشرون سنة) كما روي عن ابن اسحاق (الا المسير بهم) بالنصب (لم أشهده) أي لعدم سماع رأيه فيه كأنه لم يشهده (ولم يفتني) أي لحضوره فيه بنفسه (يا ليتني فيها) أى في هذه الحرب (جذع) بسكون العين للزجر وأصل الجذع للدواب ثم استعير للشاب القوي وتمنى كونه جذعا ليبالغ في الحرب ويمعن فيها (أخب) الخب ضرب من السير يكون مع الاسراع ومقاربة الخطا (وأضع) بالضاد المعجمة والعين المهملة أي أسرع (أرسل الى صفوان بن أمية) كما روى أبو داود عنه قال استعار مني رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا يوم حنين فقلت أغصبا يا محمد قال لا بل عارية مضمونة قال أهل السير وكان صفوان يوم الفتح هرب الى جدة ليركب منها البحر الى اليمن فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه.
فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فخرج ولحقه وجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر (عارية مضمونة) هذا أصل في ضمان العارية (بجيش الفتح) أى وهم عشرة آلاف (وألفين من الطلقاء) وكان جملتهم اثني عشر الفا وقال عطاء ستة عشر الفا وقال الكلبي كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط (عتاب) بفتح المهملة وتشديد الفوقية (ابن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/417)
الاموي فكانت مدة اقامته بمكة بعد الفتح الى ان خرج لحنين خمسة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر أو تسعة عشر يوما يقصر الصلاة لذلك. قال أصحابنا ان المسافر اذا دخل بلدا ونوى الخروج منها في كل وقت قصر الى ثمانية عشر يوما ثم يتم وقال بعضهم يقصر أبدا مادام على هذه النية وتعليله متجه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقفت حاجته على هذه المدة والظاهر أنه لو زادت حاجته لبقى على ترخصه يؤيده أيضا ما روى أبو داود وصححه ابن حبان عن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ويروى أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حنين وهو واد بين مكة والطائف وكان المشركون قد سبقوا اليه فكمنوا في أحنائه وشعابه فلما تصوب المسلمون اليه في عماية الصبح شدوا عليهم شدة رجل واحد فاشتمر المسلمون راجعين لا يلوى أحد على أحد وكان رجل من المسلمين قد قال حين رأى رأي في المنام أسيدا أباه واليا على مكة مسلما فمات كافرا وكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن احدى وعشرين سنة ورزقه كل يوم درهما وكان يقول لا أشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم حكاه السيهلي عن أهل التعبير (الأموي) بضم الهمزة نسبة الى أمية على غير قياس (خمسة عشر) كما رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس (أو سبعة عشر) كما في رواية أخرى لابي داود (أو ثمانية عشر) وقيل الى تسعة عشر يوما واختاره ابن الصلاح والسبكي وغيرهما لقول البيهقي انها أصح الروايات وقيل لا يعارض بل من روي ثمانية عشر أسقط يومي الدخول والخروج ومن روى تسعة عشر أسقط أحدهما وقدموا هاتين الروايتين على رواية سبعة عشر وخمسة عشر لأنهما أرجح وقيل لا يترخص الا أربعة لان الترخص اذا امتنع عليه بنية إقامتها فباقامتها أولى وحكاه في الشرح والروضة قولا (وقال بعضهم يقصر أبدا) وحكى الترمذي الاجماع عليه (أقام بتبوك عشرين يوما) هي على الاول محمولة على انه عد يومي الدخول والخروج (باذربيجان) بفتح الهمزة بغير مد وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها جيم فألف فنون على الأشهر وقيل بمد الهمزة وفتح المعجمة والراء وكسر الموحدة وفتحها هو اقليم معروف وراء العراق غربي ارمينية (فكمنوا في أحيائه) بالمهملة والتحتية أي معاطفه (في عماية الصبح) بفتح المهملة أي ظلمة الصبح الباقية من ظلمة الليل (شدوا) يعني الكفار (عليهم) أى على المسلمين قال البغوى ما معناه كان المشركون قد انهزموا وخلوا عن الذراري ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا (فاشتمر المسلمون) بالمعجمة أي رجعوا منهزمين قال البغوي وقال قتادة ذكر لنا ان الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل القوم هربوا (وكان رجل من المسلمين)(1/418)
تكاثر الجيش لن نغلب اليوم عن قلة فلم يرض الله قوله ووكلوا الى كلمته وولوا مدبرين هذا معنى ما ذكر ابن اسحق وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب وقد سأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفر كان في هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول- أنا النبي لا كذب- وفي رواية- أنا ابن عبد المطلب- وفي اسمه سلمة بن سلامة بن وقش (لن نغلب اليوم من قلة) قال التفتازاني هو نفى للقلة واعجاب بالكثرة يعني ان وقع مغلوبية فليس عن القلة كما قال صلى الله عليه وسلم لن تغلب اثنا عشر الفا من قلة رواه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس وقد توهم بعضهم من هذا الحديث ان القائل يوم حنين لن نغلب اليوم عن قلة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا فان هذا الحديث خرج مخرج الخبر على العموم أفكل جيش يبلغ اثنى عشر ألفا لا يغلب عن قلة وهو طرف من حديث أوله خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة وسبب التوهم أنهم كانوا يوم حنين اثني عشر ألفا فظن انه صلى الله عليه وسلم قالها لخصوص ذلك الجيش وليس كذلك والقرآن العظيم يدل على ان قائل تلك المقالة كان معجبا بالكثرة وهو المواجه بالخطاب في أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الى آخر الآية ثم قال ثم انزل الله سكينه على رسوله ولو كان الخطاب في الآية الاولى موجها اليه صلى الله عليه وسلم لقال ثم أنزل الله سكينته عليكم بل ولو كان الخطاب كذلك لما لزم منه انه صلى الله عليه وسلم قالها يومئذ والله أعلم (وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب) ورواه عنه أيضا مسلم والترمذي (لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر) وللترمذي أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم انه ما ولى (فاستقبلونا بالسهام) ولمسلم فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد (على بغلته البيضاء) قال النووي هي التي تسمى الدلدل ولا يعرف له صلي الله عليه وسلم بغلة سواها انتهى وسيأتي الكلام على ذكر البغال في محله ان شاء الله تعالى (أنا النبي لا كذب) أي حقالا أفر ولا أزول فيه جواز قول ذلك في الحرب ومثله قول سلمة- انا ابن الاكوع- وفيه ان الكلام الموزون بلا قصد لا يسمى شعرا بدليل وما علمناه الشعر وما ينبغي له مع تلفظه صلى الله عليه وسلم بذلك وقد وقع في القرآن كثير من ذلك نحو لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وجفان كالجوايى وقدور را أسيات (انا ابن عبد المطلب) هو على عادة العرب في الانتساب الى الجد اذا كان أشهر من الاب وقيل لان عبد المطلب كان قد سر به صلى الله عليه وسلم وبظهوره فأراد صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بذلك زاد الترمذى اللهم انزل نصرك ثم صفهم وزاد الطبراني عن أبي سعيد بعد قوله انا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد(1/419)
رواية فما رئي في الناس يومئذ أشد منه. وروينا في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ارادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة وكان العباس رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة فاني يأتيني اللحن (فما رئى في الناس يومئذ أشد) بالرفع (منه) ففيه دليل على قوة شجاعته صلى الله عليه وسلم وثبات جأشه وقوة ثقته بربه سبحانه وفي رواية في الصحيح قال البراء كنا اذا احمر البأس نتقي به وان الشجاع منا للذي يحاذى به (فلزمت أنا وأبو سفيان) المغيرة (بن الحارث) بن عبد المطلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مفعول (فلم نفارقه) قال النووي في هذا عطف الاقارب بعضهم على بعض عند الشدائد وذب بعضهم عن بعض (فروة) بفتح الفاء وسكون الراء (ابن نفاثة) بضم النون وتخفيف الفاء وبعد الالف مثلثة هذا هو الصحيح المعروف وفي رواية لمسلم بن نعامه بالعين والميم. قال الطبري أسلم وقال غيره لم يسلم وفي صحيح البخاري أهداها له ملك ايلة يحنه بن رؤية وانما قبل هدية الكفار هنا مع قوله في حديث آخر هدايا العمال غلول رواه أحمد والبيهقي في السنن عن أبي حميد الساعدى وأبو يعلي عن حذيفة مع رده بعض هدايا المشركين وقوله انا لا نقبل شيأ من المشركين رواه أحمد والحاكم عن حكيم بن حزام لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بالفئ بخلاف غيره فقبل صلى الله عليه وسلم ممن طمع في اسلامه لمصلحة يرجوها للمسلمين لان الهدية توجب المحبة والمودة وأما غيره صلى الله عليه وسلم من العمال والولاة فلا يحل له قبولها لنفسه والا كانت فيئا للمسلمين عند جمهور العلماء لانه لم يهدها اليه الا لكونه امامهم وان كانت من قوم هو محاصرهم فغنيمة (فطفق) بكسر الفاء أشهر من فتحها (يركض بغلته) في هذا كما قال النووي دليل أيضا على قوة شجاعته وثباته حيث يركض بغلته الى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي رواية أخرى في صحيح مسلم انه نزل الى الارض حين غشوه للمبالغة في الثبات والشجاعة والصبر أو ليواسي من كان نازلا على الارض من المسلمين (وأنا آخذ) بضم المعجمة بلا تنوين فعل مضارع وبكسرها مع التنوين اسم فاعل (ناد أصحاب السمره) هى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان وأراد صلى الله عليه وسلم ان يذكرهم ما بايعوا عليه يومئذ لانهم بايعوا يومئذ على أن لا يفروا (وكان العباس رجلا صيتا) أي شديد الصوت بحيث انه كان يقف على سلع فينادى غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم وبين سلع وبين الغابة ثمانية أميال ذكر ذلك الحازمي في المؤتلف (اين أصحاب السمره) زاد البيضاوي(1/420)
قال فو الله لكأن عطفتهم على حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بنى الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فو الله ما هو الا أن رماهم بحصياته فما زلت أري حدهم كليلا وأمرهم مدبرا* وروي أن العباس لما ناداهم جعل الرجل منهم يثني بعيره فلم يقدر عليه فيقتحم عنه ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ألف فاستعرضوا الناس وساروا قدما حتى فتح الله عليهم وكانت الهزيمة ونزل في ذلك قوله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
وغيره اين أصحاب سورة البقرة أراد المذكورين في قوله آمَنَ الرَّسُولُ قاله الطيبي (لكان عطفتهم على حين سمعوا صوتي) فيه دليل على عدم بعد فرارهم وعدم حصوله من جميعهم بل من الطلقاء ونحوهم ممن لم يستقر الايمان في قلبه (عطفة البقر) بالضم خبر كان المشددة (فاقتتلوا والكفار) بالنصب مفعول معه لا غير (والدعوة) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة (في الانصار) أي اليهم (ثم قصرت) بفتح القاف وضم المهملة (هذا حين حمى الوطيس) بفتح الواو وكسر المهملة وسكون التحتية آخره سين مهملة وهو التنور أو شبهه فيه قولان يضرب مثلا لشدة الحرب الذى يشبه حرها حره وقال الاصمعي هى حجارة مدورة اذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها وقيل هو الضراب في الحرب وقيل هو الوطس الذي يطس الناس أي يدقهم قال العلماء هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذى لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات) في رواية أخرى لمسلم فقبض قبضة من تراب الارض ثم استقبل بها وجوههم (انهزموا ورب محمد) في الرواية الأخرى فيه شاهت الوجوه أي قبحت ففي كلا الحديثين كما قال النووى معجزتان ظاهرتان احداهما فعلية والاخرى خبرية ثم الجمع بينهما انه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذامرة وبذامرة أو أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب (فما زلت أرى حدهم كليلا) بفتح الحاء أى ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (وروى ان العباس الى آخره) رواه ابن اسحق في سيرته وغيره (يثنى بعيره) يلويه وزنا ومعنى (فيقتحم عنه) أى يزل (ويؤم الصوت) أي يقصده (قدما) بضم القاف أي يقدم بعضهم بعضا وهذا وصف الشجعان (وكانت الهزيمة) تامة لا تحتاج الى خبر (ويوم حنين) أي ونصركم يوم حنين لانه معطوف على قوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ اشارة الى قول من قال لن نغلب اليوم عن قلة (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) لأن الظفر لا يكون بالكثرة وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبتها وسعتها ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ منهزمين(1/421)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ قال سعيد بن جبير أمده الله يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. قيل لم تقاتل الملائكة يومئذ وانما نزلت لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين* وروى انه لما انهزم المسلمون شمت كثير من الطلقاء وانجفلوا بالناس وقال كلدة بن حنبل الآن بطل السحر فقال له أخوه صفوان بن أمية اسكت فض الله فاك فو الله لأن يربنى رجل من قريش احب الي من أن يربني رجل من هوازن. قال الزهري وبلغنى ان شيبة ابن عثمان يعنى الحجبي فال استدبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن طلحة وعثمان ابن طلحة وكانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما في نفسي فالتفت الي وضرب في صدري وقال أعيذك بالله يا شيبة فأرعدت فرائصى فنظرت اليه فاذا هو أحب الىّ من سمعي وبصري فقلت أشهد أنك رسول الله وبأن الله قد أطلعك على ما في (ثم) بعد الهزيمة (أنزل الله سكينته) هى فعيلة من السكون أي أمنته وطمأنينته (على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل) من السماء (جنودا لم تروها) يعني الملائكة قال البغوى قيل لا للقتال ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين لانه يروي ان الملائكة لم تقاتل الا يوم بدر انتهى ومر الكلام في ذلك في غزوة أحد (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والاسر وسبي العيال وسلب الاموال (وَذلِكَ) التعذيب (جَزاءُ الْكافِرِينَ) بالله ورسوله (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) فيهديه للاسلام (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال سعيد بن جبير) كما نقله البغوى في التفسير (مسومين) بفتح الواو وكسرها كما مر في غزوة بدر قال البغوي وفي الخبران رجلا من بنى النصر قال للمؤمنين بعد القتال اين الخيل البلق والرجال عليهم ثياب بيض ما كنا نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما كان قتلنا الا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تلك الملائكة (لتحبين الكفار) أى نخذيلهم (وتشجيع المسلمين) أي تجرئتهم (وروي) في كتب السير (شمت) بفتح المعجمة وكسر الميم والشماتة فرح العدو بمصيبة ضده (انجفلوا بالناس) بهمز وصل وسكون النون وفتح الجيم والفاء أى هربوا بسرعة (كلدة) بفتح الكاف واللام والمهملة (ابن حنبل) بفتح المهملة والموحدة وسكون النون بينهما (فقال له أخوه) من أمه (فض الله فاك) أى كسر أسنانك (لان يربني) بضم الراء وتشديد الموحدة أى يتولى على (قال الزهري وبلغني ان شيبة بن عثمان الى آخره) أخرجه أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة في تاريخه من حديث شيبة (فالتفت الى) فيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث اطلع على ما في نفسه وفي حديث ابن أبي خيثمة قال فلما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فالتفت الى آخره (فارعدت) مبنى للمفعول (فرائصى) جمع فريصة(1/422)
نفسي* وروينا في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابي قتادة رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين نظرت الى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى الذي من ورائه يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذنى فضمنى اليه ضما شديدا حتى تخوفت ثم برك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر الله ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لا لتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لى وجلست ثم بدا لى فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكره عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله اذن لا تعطه أصيبع من قريش وتدع أسدا بالفاء والراء والمهملة مكبرة وهي لحمة بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع (وروينا في) الموطا و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي (عن أبي قتادة) اسمه الحارث بن ربعى كما مر ورواه أيضا أحمد وأبو داود عن أنس ورواه أحمد وابن ماجه عن سمرة (لما كان يوم حنين) بالنصب والرفع (يختله من ورائه) بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر الفوقية أي يريد ان يأخذه على غفلة (فضمنى اليه ضما شديدا) زاد مسلم حتى وجدت ريح الموت (ثم برك) بالموحدة للاكثر ولبعضهم بالفوقية (فتحلل) بالمهملة أى انفك مني (فقال أمر الله) أى حكمه وقضاؤه (على قتيل) وللبيهقى في السنن على أسير (فله سلبه) قال العلماء يستحق القاتل ولو ناقصا ومثله من أزال منعته حال الحرب وكذا الاسير جميع السلب من سلاح معه كسيف ورمح ودرع ومغفر وما عليه للزينة كطوق وسوار ومنقطة وخاتم وفرسه أيضا وكذا نفقته ونفقة مركوبه وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها والجنيبة لانه قد يحتاج اليها ويستحق من الجنائب واحدة واما الحقيبة وهي بفتح المهملة وكسر القاف الوعاء الذي يجمع فيه المتاع ويجعل خلف الراكب فليست من السلب على اشكال فيها وقد اختار السبكي وغيره دخولها (فقال رجل من جلسائه) قال ابن حجر لم يسم الا انه قرشى وعند الواقدي انه أوس بن خزاعي الاسلمي (فارضه منه) بقطع الهمزة وكسر المعجمة وفي بعض نسخ البخاري فارض منه (فقال أبو بكر) ولاحمد فقال عمر وجمع بأن كلا قال (لاها الله اذن) قال الخطابي صوابه لاها الله ذا بغير الف زادها فيه بمعنى الواو التي يقسم بها فهو بمعنى لا والله ذا معناه لاها الله ذا بمعنى أو ذا قسمى قاله المازنى أو هي زائدة قاله أبو زيد وها بالقصر والمد وهي جارة كالواو ولا يقال ها والله بجمعهما وأنكر الطيبي قول الخطابي وقال بل الرواية صحيحة ومعناها والله اذا لا أفعل قال ويحتمل ان اذا زائدة وقال القرطبي اذن هنا حرف جواب وقد وردت كذلك في عدة من الاحاديث أفيظن بوارد الرواة جميعها الغلط والتحريف معاذ الله قال النووي في هذا الحديث دليل على ان هذه اللفظة تكون يمينا قال أصحابنا ان نوى بها اليمين كانت يمينا والا فلا لانها ليست متعارفة في اليمين (لا تعطه) نهى (اصيبع) رواية القابسي في صحيح(1/423)
من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه الي فاشتريت به خرافا فكان أوّل مال تأثلته في الاسلام* وروينا في صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فاعلوا ثنية قاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتواري عني فما دريت ما صنع فنظرت الى القوم فاذاهم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقواهم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلى بردتان متزرا بأحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق أن أرى فجمعتهما جمعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأى ابن الاكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم انسانا الا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين*
[مطلب في ذكر من ثبت مع رسول الله يوم حنين]
وممن ثبت يومئذ مع البخاري والسمرقندي في صحيح مسلم باهمال الصاد واعجام العين قال النووى وصفه بذلك لتغير لونه وقيل حقره وذمه لسواد لونه وقيل معناه انه صاحب لون غير محمود وقيل وصفه بالمهانة والضعف قال الخطابي الاصيبغ نوع من الطين قال ويجوز انه شبهه بنبات ضعيف يقال له الصغا أو ما يطلع من الارض ويكون ما يلى الشمس منه أصفر ورواية غيرهما باعجام الصاد واهمال العين وهو تصغير ضبع على غير قياس كأنه لما وصف أبا قتادة بأنه أسد صغر هذا بالاضافة اليه فشبه بالضبع لضعف افتراسها وما يوصف به من العجز والحمق وفيه رواية ثالثة ذكرها بعض شراح البخاري وهى اهمال الصاد والعين معا فان صحت فمعناه انه شبهه بالاصبع الصغيرة لقصره وضعفه (من أسد الله) بضم الهمزة مع ضم السين واسكانها (خرافا) بكسر المعجمة وفي رواية في الصحيحين وغيرهما مخرفا بفتح الميم والراء وروي بكسر الراء وهي البستان وقيل السكة من النخل يكون صفين يخترف من أيهما شاء وقيل هى الجنينة الصغيرة وقيل هي نخلات يسيرة قال النووي وأما المخرف بكسر الميم وفتح الراء فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يخترف من الثمار أي يجتني (فكان أوّل) بنصب أوّل على الخبر واسم كان مضمر فيها (تأثلته) بمثلثة بين مثناتين فوقيتين أى أفنيته وتأصلته واثلة الشيء أصله (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونى (منهزما) لا حال كونه صلى الله عليه وسلم اذ لا يجوز عليه الانهزام (شاهت الوجوه) قبحت يومئذ كما مر في غزوة بدر (فما خلق الله منهم انسانا الى آخره) جملة من عدهم المصنف ثمانية ونقل البغوي عن الكلبي ان الذين ثبتوا يومئذ ثلاثمائة قال وقال آخرون لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس بن عبد المطلب(1/424)
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته علي بن أبى طالب والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأيمن ابن أم أيمن أخو أسامة بن زيد* ومن رؤساء المهاجرين أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين قال ابن اسحق فلما هزمت هوازن استجر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم تحت رايتهم سبعون رجلا وتفرق المشركون في الهزيمة فلحق عوف بن مالك في آخرين بالطائف وتركوا أولادهم وأموالهم واحتبس كثير منهم بأوطاس على أموالهم وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخله ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن رفيع السلمى دريد بن الصمة وهو في شجار له فأناخ به ثم ضربه فلم تغن شيئا فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ثم أضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فاني كنت كذلك أضرب الرجال ثم اذا أتيت أمك فاخبرها اني قتلت دريد فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ويقال انه أنشد حين تحقق الهزيمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وما أنا الا من غزية إن غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد
[الكلام على غزوة أوطاس ومقتل أبي عامر الأشعري رضى الله عنه]
«غزوة أوطاس» ثم ان النبى صلى الله عليه وسلم أمّر ابا عامر الاشعري على جيش من المسلمين وبعثه في آثار من توجه قبل أوطاس فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال فقتل أبو عامر وأخذ الراية بعده ابن أخيه أبو موسى الاشعري رضي الله عنه ففتح الله عليه وقتل قاتل أبى عامر وهزمهم وغنم أموالهم. روينا في صحيح البخاري عن أبي موسى الاشعري رضي الله وأبي سفيان بن الحارث وأيمن ابن أم أيمن (استجر القتل) بالجيم أي انجر (ربيعة بن رفيع) بالتصغير ابن أهبان بن ثعلبة (سلمى) بضم السين (في شجار له) بكسر المعجمة قال الحريري هي المحفة ما لم تكن مظللة والا فهى هودج (بئسما سلحتك) أي أعطتك من السلاح (من مؤخر الرحل) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء ويقال بفتح الهمزة والخاء المشددة ويقال موخرة بالهاء آخره وهي العود الذي في آخر الرحل (أمرتهم أمري) باشباع ضمة الميم (بمنعرج اللوى) بكسر الراء أي منعطفه (الا من غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية (غوت) بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع* غزوة أوطاس وهو واد في ديار هوازن (أبا عامر الاشعري) اسمه عبيد بالتصغير (قبل) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة (أوطاس) لا ينصرف (فناوشوه القتال) بالنون والمعجمة قال في القاموس المناوشة المنازلة في القتال (وقيل) أي أبو موسى (قاتل) بالنصب (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذي (لما رمى)(1/425)
عنه قال لما رمي أبو عامر قلت يا عم من رماك فأشار اليّ أبي موسى قال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآنى ولى مدبرا فأتبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي الا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبى عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يابن أخي أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم السلام وقل له أستغفر لى واستخلفنى أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وما عليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبى عامر وقوله قل له استغفر لى فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيدك أبي عامر ورأيت بياض ابطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك مبنى للمفعول (ذاك قاتلى الذي رماني) قال ابن اسحاق في المغازي يزعمون ان سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر وقال ابن هشام حدثني من أثق به ان الرامي له العلاء بن الحارث الجشمى وأخوه أو في فأصاب أحدهما قلبه وآخر ركبته فقتلاه فقتلهما أبو موسى فرثاهما بعضهم بأبيات منهما
* هما القاتلان أبا عامر* (فنزعته) قال المهلب فيه جواز نزع السهام من البدن وان خيف من نزعها الموت قلت ولا يخلو من نظر (فنزا منه الماء) بالنون والزاي أى صب وظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع (على سرير مرمل) بضم الميم الاولى وفتح الثانية وسكون الراء بلا تشديد وبفتح الراء مع التشديد أي معمول برمال وهي الحبال التى يضفر بها الاسرة يقال منه أرملته فهو مرمل ورملته بالتشديد فهو مرمل قال النووي وحكى رملته فهو مرمول (عليه فراش) قال القابسى الذي أحفظه في غير الصحيحين ما عليه فراش قال وأظن لفظة ما سقطت لبعض الرواة وتابعه عياض وغيره على ذلك قالوا وقد جاء في حديث عمر في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه هذا ملخص ما نقله النووى قلت ومعلوم ان رواية أثبات الفراش ان صحت لا ينافي نفيه في حديث عمر ولا ينافي تأثير الرمال بالجنب اذ ربما أثرت مع الفراش لعدم ثخانته (رمال) بكسر الراء وضمها (بظهره وجنبه) فيه قوة زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعدم اتباع ملاذها وشهواتها (فدعا بماء فتوضأ) فيه ندب الوضوء للدعاء كما في حديث جريج وحديث الاعمى الذى جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله ان يعافيني ففيه فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو (ثم يرفع يديه) فيه ندب رفع اليدين في الدعاء والمبالغة في رفعها ومر في الاستسقاء الكلام على نفى أنس له قال النووى قد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا قلت منها يوم بدر وفي الاستسقاء وفي هذا الحديث وفي حديث أبي حميد الساعدى في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية؟؟؟ الى ان قال فرفع يديه حتى رأينا عفرة ابطيه وقال اللهم هل بلغت ثلاثا وفي حديث الدعاء لدوس كما رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة وفي حديث خالد اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد(1/426)
أو من الناس فقلت ولى فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة احداهما لابى عامر والأخرى لابى موسى. وروي ابن هشام عمن يثق به من أهل العلم ان أبا عامر الاشعري لقى يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين فحمل عليه احدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم كذلك واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على أبى عامر فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم أشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد كما رواه البخارى والنسائي عن ابن عمرو في كسوف الشمس كما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة وعلى الصفا يوم فتح مكة كما رواه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة وفي البقيع اذ جاء جبريل فقال ان ربك يأمرك ان تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ففيه ثم رفع يديه ثلاث مرات كما رواه البخارى ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة وفي حديث صاحب الطفيل بن عمرو الذي قطع براجمه فشخبت حتى مات ففيه انه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال اللهم وليديه فاغفر كما رواه مسلم والبخاري في كتاب رفع اليدين وابن حبان في صحيحه عن جابر وفي قوله اللهم أمتي أمتي وبكى رفع يديه كما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وفي دعائه لسعد بن عبادة يوم زاره في منزله كما رواه أبو داود والنسائي عن قيس بن سعد ويوم شكى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر كما رواه أبو داود والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن عائشة وعند عزوراء بين مكة والمدينة كما رواه أبو داود عن سعد بن أبي وقاص وفي مرض موته وهو يدعو لاسامة كما رواه الترمذي وحسنه عن أسامة وفي مرض موته رفع يديه يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا وكان علي غائبا رواه الترمذي وحسنه عن أم عطية وفي استسقائه عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحه عن عمير مولى آبي اللحم وفي قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا بشر أيما رجل من المؤمنين آذيته الى آخره كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين عن عائشة وفي حديث الوليد لما شكته امرأته رفع يديه وقال اللهم عليك بالوليد كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين عن علي وفي غزوة تبوك لما أصابهم العطش رفع يديه فلم يرجعهما حتى حالت السماء كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عباس وفي دعائه لاهل بيته كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن جعفر وفي دعائه لعائشة كما سيأتي ذكره المحب الطبري في الخلاصة (من خلقك أو من الناس) شك من الراوي (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه) فيه جواز الدعاء بالمغفرة للحي ليضمنها الدعاء له بحسن الخاتمة وفي جوازها لعموم المسلمين خلاف والاصح كما قاله ابن عبد السلام الجواز نعم يكره ذلك لجميع الخلق اذ يدخل فيه المخلدون في النار (مدخلا كريما) بضم الميم وفتحها (قال أبو بردة) هو ابن أبي موسى واسمه الحارث وقيل عامر(1/427)
علىّ فكف أبو عامر عنه فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأه قال هذا شريد أبي عامر واستشهد من المسلمين يوم حنين وأوطاس أيمن بن عبيد الهاشمي وهو ابن أم أيمن قتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن زمعة بن الأسود الاسدي جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فقتل وسراقة بن الحارث الانصاري وأبو عامر الأشعرى أربعة رجال ولأبي الفضل عباس بن مرادس السلمى في يوم حنين جملة من الشعر وكان اسلامه قبيل ذلك ولا سلامه خبر عجيب سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر سبايا هوازن وأموالها فحبست له بالجعرانة وجعل عليها مسعود بن عمر والغفارى وقيل أبا سفيان بن حرب الاموى وقيل أبا جهم حذيفة العدوى وكانت سباياهم ستة آلاف رأس ومن الابل والشاء مالا يعد*
[الكلام على غزوة الطائف وحصاره]
ومن توابع الفتح أيضا غزوة الطائف وكان من خبرها ان النبى صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الفتح وحنين وأوطاس تحصن شراد حنين بالطائف توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوهم في عدد وعدة ففى ذلك يقول كعب (فافلت ثم أسلم) بقطع الهمزة وفتحها وفتح اللام وسكون الفاء أي غلبني وهرب (أيمن) بفتح الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة (ابن عبيد) اسم أبي أيمن (الهاشمي) مولاهم (وزيد بن زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم كما مر قال ابن عبد البر وقيل استشهد بالطائف (جمح به) أي غلبه وفر به (يقال له الجناح) على لفظ جناح الطائر (وسراقة بن الحارث) هو أبو حارثة بن سراقة الذي استشهد يوم بدر (وأبو عامر الاشعري أربعة رجال) وبقي منهم ثقف بكسر المثلثة وسكون القاف ابن عمر الاسلمي والحويرث بن عبد الله بن خلف الغفاري ومرة بن سراقة ومسعود بن عبد سعد الانصاري (عباس) بالموحدة والمهملة (مرداس) بكسر الميم وسكون الراء ثم مهملتين بينهما ألف مصروف (السلمي) بضم السين منسوب الى سليم القبيلة وهو عباس بن مرداس بن أبي وأبي هذا ابن حارثة بن عبد بن عباس بن رفاعة بن الحارث بن نهبة بن سليم قال السهيلي كان أبوه صاحبا لحرب بن أمية وقتلتهما الجن في خبر مشهور (فحبست بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون المهملة وتخفيف الراء وقيل بكسر العين وتشديد الراء وعليه عاما المحدثين وعده الخطابى من تصحيفهم وقال صاحب المطالع كلا اللغتين صواب وهو موضع بين الطائف ومكة بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا أو اثنى عشر قولان سميت باسم امرأة من تميم وقيل من قريش وبها ماء شديد العذوبة قال الفاكهي يقال انه صلى الله عليه وسلم حفر موضعه بيده الشريفة المباركة فانبجس فشرب منه وسقي الناس أو غرز رمحه فنبع (وقيل أبا جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء اسمه عامر وهو غير أبي الجهيم بالتصغير عبد الله بن الحارث بن الصمة الانصاري (وكانت سباياهم) من الآدميين (ستة آلاف) بالنصب على الخبر (ومن الابل) كما قال الشمني نحو أربعة وعشرين ألفا (ومن) الشاء فوق أربعين ألفا ومن الفضة أربعة آلاف أوقية* غزوة الطائف (شراد حنين) جمع شارد أي هارب (في عدد) بفتح العين أي جمعه (وعدة) بضمها أي آلات الحرب(1/428)
ابن مالك في قصيدة له:
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم اجممنا السيوفا
تخبرنا ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا
فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن مهل أهل نجد ثم على وادى لية وابتنى به مسجدا وقتل هناك رجلا من بنى ليث بقتيل قتله من هذيل وهو أوّل دم اقيد به في الاسلام وأمر بحصن مالك بن عوف النصرى فهدم ثم سلك من لية على ثجب ونزل تحت سدرة تسمى الصادرة وخرب حائط رجل من ثقيف ثم ارتحل فنزل على حص الطائف فقتل جماعة من أصحابه وانتقل بعيدا منه وضرب هناك قبتبين لعائشة وأم سلمة وصلى بينهما وهو موضع مسجده الذي بالطائف اليوم وفي ركنه الأيمن القبلى قبر حبر الأمة أبا العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ثم حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقطع أعنابهم ورماهم بالمنجنيق ودخل ناس من أصحابه تحت دبابة ثم زحفوا تحتها الى جدار الحصن فرمتهم ثقيف بالنار فاحترقت الدبابة فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل رويناه في الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو أو ابن عمرو رضى الله عنهما قال لما وحاصر رسول الله صلى الله عليه (وخيبر) أي ومن خيبر (ثم أجمعنا) بالجيم أرحنا (السيوفا) بألف الاطلاق من القتال بها (قواطعهن) من قواطع أي هن قواطع وهو في محل التنوين فمن ثم نصب (دوسا) بفتح الدال المهملة (قرن) بفتح القاف وسكون الراء وغلطوا من فتحها وهو جبل بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وتسمى قرن المنازل (مهل أهل نجد) أي محل إهلالهم أي احرامهم وهو بضم الميم وفتح الهاء (وادي لية) بكسر اللام وتشديد التحتية وهو واد بثقيف أو جبل بالطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية قاله في القاموس (من بني ليث) بفتح اللام وبالمثلثة قبيلة معروفة (على ثجب) بفتح المثلثة وسكون الجيم فموحدة وهو جبل بنجد لبني كلاب عنده معدن ذهب ومعدن جزع أبيض قاله في القاموس (الصادرة) باهمال الصاد والدال (فقتل جماعة) بالبناء للمفعول (حبر الامة) بفتح الحاء وكسر الهاء أي عالمها (وقطع أعنابهم) أي أشجار عنبهم (ورماهم بالمنجنيق) فيه جواز رمي الكفار به وقد مر ضبطه وأوّل من رمى به في الاسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في الجاهلية فجذيمة الابرش ذكره السهيلي ويذكر انه أوّل من أوقد الشمع (تحت دبابة) بمهملة مفتوحة وموحدة مكررة الاولى منهما مشددة بينهما ألف قال في القاموس آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها (ابن عمر) بن الخطاب هذا هو الصواب وقد زاد الحميدي في مسنده ابن الخطاب فاوضح ذلك (أو ابن عمرو) بن العاص كما للاصيلى وغيره في(1/429)
وآله وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال انا قافلون انشاء الله تعالى فثقل عليهم فقالوا نذهب ولا نفتحه فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراج فقال انا قافلون غدا انشاء الله تعالى فأعجبهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رؤيا فقصها على أبى بكر فقال أبو بكر ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا لا أرى ذلك* وروي ان خولة بنت حكيم السلمية سألته ان فتح الله عليه الطائف حلى بادية بنت غيلان أو الفارعة بنت عقيل فقال لها وان كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة فأخبرت عمر بذلك قال عمر أفلا اؤذن بالرحيل يا رسول الله قال بلى فأذن عمر بالرحيل ويقال انما انصرف عنهم حين هل ذو القعدة وهو شهر حرام وكان مدة حصارهم بضعا وعشرين ليلة ويقال سبعة عشرة واستشهد بها من المسلمين اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار وواحد من بنى ليث وعد منهم عبد الله بن أبى بكر الصديق وكان أصابه سهم فمات منه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم ختن النبي صحيح البخارى (الطائف) بلد على مرحلتين أو ثلاث من مكة من جهة المشرق قال في التوشيح قيل ان أصلها ان جبريل اقتلع الجنة التي كانت لاصحاب الصريم فصار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حول الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء (قافلون) أى راجعون الى المدينة (ان شاء الله) قالها تبركا وامتثالا لأمر ربه كما مر (فضحك النبى صلى الله عليه وسلم) تعجبا من أمرهم حيث كانوا أولا لا يحبون الرجوع فلما أصابهم ما أصابهم أحبوه وكرهوا ما كانوا يحبونه أولا لاجبنا وجزعا بل ضعفا جليا (وأنا لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (السلمية) بضم السين (بادية) بموحدة ودال مهملة وتحتية وقيل بدلها نون قال ابن حجر والاول أرجح قال وقد تزوجها عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك (بنت غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية هو الذى أسلم على عشر نسوة (أو) حلي (الفارعة) بالفاء (بنت عقيل) مكبر (سبعة من قريش) نسبا أو حلفا وهم عبد الله بن أبي بكر الصديق كما ذكره المصنف وعبد الله بن أبي أمية كما ذكره أيضا وجليحة بن عبد الله بن الحارث والحباب بن جبير الاموى حليف لهم وعبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حليف لهم وعبد الله بن الحارث السهمى وسعيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس (وأربعة من الانصار) بل هم خمسة وهم الحارث بن سهل بن أبي صعصعة النجاري وثابت بن أبى الجعد الانصارى السلمى ورقيم بن ثابت الانصارى الاوسي والمنذر بن عباد الانصاري الساعدى والمنذر بن عبد الله الانصارى الساعدى (وواحد من بنى ليث)(1/430)
صلى الله عليه وسلم وابن عمته عبد الله بن أبى أمية المخزومي وهو الذي قال له هيت المخنث يا عبد الله ارأيت ان فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم رواه البخاري زاد السهيلي بعد قوله تدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان وثدي كالرمان اذا قامت تثنت واذا قعدت تبنت وان تكلمت تغنت وهي هيفاء شموع نجلاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاتلك الله هذا بعينه النظر وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه لروضة خاخ فقيل له انه يموت بها جوعا فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس
[مطلب المخنثون على عهد رسول الله أربعة]
وكان المخنثون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة هيت وهرم وماتع وأنة ولم يكن واحد منهم يرتكب الفاحشة الكبرى وانما هو التشبه بالنساء فقط وفي الصحيح ان أبا بكرة نفيع بن الحارث تدلى من حصن الطائف على بكرة ونزل الى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف وهو عرفطة بن الحباب بن جندب فهؤلاء ثلاثة عشر (وهو الذى قال له هيت) بكسر الهاء وسكون التحتية ومثناة فوق وقيل بفتح الهاء وقيل بنون وموحدة وهو مولى لفاختة المخزومية (المخنث) بكسر النون وفتحها وهو الذي يشبه النساء في اخلاقه وكلامه وحركاته خلقة مأخوذ من التكسر في المشى وغيره (فانها تقبل باربع) أى باربع عكن من كل ناحية ثنتان (وتدبر بثمان) لان لكل واحدة من الاربع طرفين فاذا أدبرت صارت الاطراف ثمانية وأنشدوا عليه قول كعب ابن زهير
بنت أربعا منها على ظهر أربع ... فهن تحسب بهن ثمانى «1»
(زاد السهيلى) وابن الكلبى (مع ثغر) أى فم (كالاقحوان) بضم الهمزة والمهملة وسكون القاف بينهما وهو نبت طيب الرائحة حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر يشبه به الثغر اذا كان أبيض (ان قامت تثنت) بالمثلثة أى تمايلت (وان قعدت تبنت) بالموحدة أي جلست جلسة المفترش لانها ألطف الجلسات (وان تكلمت) تغنت وصفها بقوة الفصاحة (وهى هيفاء) أى ضامرة البطن (شموع) بفتح المعجمة وآخره مهملة أى كثيرة المزاح (نجلاء) بالمد واسعة العين زاد ابن الكلبى وبين رجليها كالاناء المكفوء (قاتلك الله) فيه جواز سب أرباب المعاصى ولم يرد صلى الله عليه وسلم لعنك الله وانما كانت كلمة يدعمون بها كلامهم لا يقصدون معناها (نفاه لروضة خاخ) أو الى الجمى ذكره الواقدى أو الى حمراء الاسد كما ذكره أبو منصور الماوردى وانما أخرجه صلى الله عليه وسلم لانه كان يظن انه من غير أولى الاربة وكان منهم ويتكتم بذلك ولوصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال (وهرم) بفتح الهاء وكسر الراء (وماتع) بالمثناة وقيل بالنون (وانة) على وزن جنة (ألفاحشة الكبرى) أى اللواط (نفيع) بالنون والفاء صغر (بن الحارث) هذا هو الصواب وقيل ان اسمه مسروح (ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف)
__________
(1) كذا في الأصل.(1/431)
وروي ان اهل الطائف لما أسلموا كلموا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فقال هؤلاء عتقاء الله وجعل ولاءهم لهم* وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف قيل له ادع عليهم قال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم*
[الكلام على غنائم حنين وتقسيمها]
خبر غنائم حنين ولما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف ونزل الجعرانة قسم بها الغنائم فأعطا الطلقاء ورؤساء العرب ومن ضعف إيمانه يتألفهم ويتألف بهم ووكل آخرين الى إيمانهم ويقينهم من الأنصار* وروينا في صحيح مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس كل انسان منهم مائة من الابل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال شعرا:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يخفض اليوم لا يرفع
فاتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل وذكر خارج الصحيحين جماعة من أهل المئين سوى هؤلاء وآخرين دون ذلك وأعطى من الشاء بغير عدد وفي الحديث أن اعرابيا سأله فاعطاه غنما بين جبلين فلما رجع الى قومه قال أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة وقد أتى على هذا المعنى في مدحه صلى الله عليه وسلم أحد المحبين عفيف الدين عبد الله بن جعفر التميمى رحمه الله فقال: سمي منهم ابن اسحق في غير رواية ابن هشام الازرق عبد للحارث بن كلدة والدابي بكرة والمنبعث عبد لعثمان بن عامر بن معتب وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث ويحنس النبال؟؟؟ عبد لبعض آل يسار وورد ان عبد لعبد الله بن ربيعة بن حرشة وابراهيم بن جابر عبد لحرشة أيضا قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا وزاد ابن عبد البر نافع بن الحارث أخا أبى بكرة وزاد ابن سلام نافعا مولى عيلان بن سلمة (اللهم اهد ثقيفا) أخرجه الترمذى من حديث جابر فلفظه قالوا يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع عليهم فقال اللهم أهد ثقيفا* خبر غنائم حنين (ونهب العبيد) اسم فرسه وهو مصغر وباؤه موحدة (فما كان بدر) في رواية حصن وكلاهما صحيح لانه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ونسب الى بدر لشهرته (يفوقان) يفضلان (مرداس) بترك الصرف لضرورة الشعر (وفي الخبران اعرابيا) هو صفوان بن أمية (من لا يخشي الفاقة) أى الحاجة(1/432)
القاسم الآبال رب هنيدة ... بحنين جاد بها على العربان
والقاسم الاغنام لا عدد لها ... الا بما يطيف به الجبلان
ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقاسم الجليلة وأعطى العطايا الحفيله استشره جفاة العرب واجفوه في المسئلة حتى اضطروه الى سمرة فخطفت رداءه فقال اعطوني ردائى فلو كان لى عدد هذه العضاءة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدونى بخيلا ولا كذابا ولا جبانا وحتى قال له الاعرابى الا تنجز لى ما وعدتني فقال أبشر فقال أكثرت على من قول أبشر وقال له الآخر ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فقال رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر وقال له آخر اعدل يا محمد قال ويحك ومن يعدل ان لم أعدل (القاسم الابال) بالكسر على الاضافة غير المحضة والابال جمع ابل (رب هنيدة) بالتصغير اسم للمائة من الابل كما ان الذود اسم لما بين والثلاث الي العشر والضرمة اسم لما بين العشرة الى الاربعين والهجمة اسم لما فوق ذلك والعكرة اسم لما بين الخمسين الى السبعين (بحنين) بلا صرف لضرورة الشعر (العربان) بضم العين (والقاسم الاغنام) جمع غنم وهو بالجر كما مر (لا عدد) بالتنوين لضرورة الشعر (يطيف به) بضم أوله رباعي أى يحيط به (الحفيلة) بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء أي الكثيرة المجموعة والحفل كما في الصحاح الاجتماع (استشره) تطلع (جفاة العرب) أي أجلافهم (واجفوه) بفتح الفاء أي ألحوا عليه (حتى اضطروه) بهمزة وصل وتشديد الراء أى الجأوه (فخطفت) بكسر الطاء (هذه العضاءة) بالمهملة فالمعجمة على وزن المساة كما سبق (ثم لا تجدوني الى آخره) لمسلم انهم خيروني بين ان يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل أي انهم ألحوا على في السؤال لضعف ايمانهم والجأوني بمقتضي حالهم الى السؤال بالفحش أو نسبتى الى البخل ولست ببخل فينبغى احتمال واحد من الامرين قال النووي في الحديث مداراة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم اذا كان فيه مصلحة وجواز دفع المال اليهم لهذه المصلحة (وحتي قال له الاعرابي) قيل هو الاقرع بن حابس (وقال له الاخر) هو معتب بن قثير سماه الواقدى وغيره (ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله) قال عياض حكم الشرع تكفير من سبه صلى الله عليه وسلم وقتله ولم يقتل هذا الرجل قال المازرى لانه لم يفهم منه الطعن في النبوة وانما نسبه الى ترك العدل في القسمة أو لعله صلي الله عليه وسلم لم يسمعه بل نقله عن واحد وشهادة الواحد لا يراق لها الدم قال وهذا الأويل باطل يدفعه قوله في الحديث اتق الله يا محمد واعدل يا محمد فانه خاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فقال معاذ الله ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلك غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما يكرهه (وقال له آخر) هو ذو الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (فمن يعدل ان لم اعدل) في رواية ان لم يعدل الله ورسوله بين فيها(1/433)
[تتمة في مؤاخذة النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار حين بلغه موجدتهم لتقسيمه غنائم حنين في قريش]
ولما لم يصب الانصار من هذه المقاسم قليل شيء ولا كثيره وجدوا وجدا عظيما ووقع في أنفسهم ما لم يقع قبل ذلك وقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وقالوا اذا كانت شديدة فنحن ندعى وتعطى الغنيمة غيرنا فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر موجدتهم جمعهم فخطبهم فقال يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمنّ قال ما يمنعكم ان تجيبوا رسول الله كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا أما ترضون ان يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم لولا الهجرة لكنت أمر أمن الانصار ان فعله ذلك بأمر من الله عز وجل وتتمة الحديث خبت وخسرت ان لم اعدل وهو بضم التاء فيهما ومعناه ظاهر وبفتحها على الاشهر ومعناه ان جرت لزم ان تجور أنت لأنك مأمور باتباعي فتخيب وتخسر باتباعك الجائر قال القرطبي هذا معنى ما قاله الائمة قال ويظهر لى وجه آخر وهو انه كان قال له لو كنت جائرا لكنت أنت أحق الناس بان يجار عليك ويلحقك بادرة الجور الذى صد عنك فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك يخسر كل ذلك بسبها لكن العدل هو الذى منع من ذلك وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق لك لادركك الهلاك والخسار قال في الديباج فاقول الذي عندي ان هذه الجملة اعتراضية للدعاء عليه والاخبار عنه بالحيبة والخسران وليس قوله ان لم اعدل معلقا بها بل بالاول وهو قوله ومن يعدل وما بينهما اعتراض انتهي قلت ايضاح هذا انه صلى الله عليه وسلم كأنه قال ومن يعدل ان لم اعدل خيبك الله وزادك خسرانا وما قاله محتمل لكن تأويل غيره أليق بمقام النبوة وانزه عن مكافأة ذى الشر بمثله وأعظم مدحا له صلي الله عليه وسلم بالحلم والصبر واحتمال الأذى ومقابلته بالعطاء (لم يصب الانصار) بالنصب (قليل شيء) بالرفع (وجدوا) بفتح الجيم (وجدا) بفتح الواو وقد مر ان مصدر الوجد الذى هو بمعنى الغضب موجدة بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم (وسيوفنا تقطر من دمائهم) قال السيوطى وغيره فيه قلب أى ودماؤهم تقطر من سيوفنا أو من بمعنى الباء (اذا كانت شديدة) أي حرب شديدة (وتعطى) بالفوقية مبنى للمفعول (الغنيمة) بالرفع (غيرنا) بالنصب وروي ويعطي بالتحتية مبني للمفعول الغنيمة بالنصب غيرنا بالرفع وبالتحتية مبنى للفاعل الغنيمة غيرنا بنصبهما (فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب (خبر) بالرفع (موجدتهم) أي غضبهم ومرضبطها آنفا (جمعهم) زاد مسلم في رواية فقال أفيكم أحد من غيركم قالوا لا الا ابن اخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخت القوم منهم قال النووي استدل به من يورث ذوى الارحام وأجاب المانعون بانه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه وانما معناه ان بينه وبينهم ارتباطا وقرابة ولم يتعرض للارث وسياق الحديث يقتضى ان المراد انه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك (ألم أجدكم ضلالا) بالتشديد جمع ضال (وعالة) بالمهملة وتخفيف اللام أي فقراء (الله ورسوله أمن) بتشديد النون افعل تفضيل من المن (الى رحالكم) بالمهملة أي بيوتكم (لولا الهجرة لكنت أمرا من الانصار) أراد بذلك ان يطيب قلوبهم حيث رضى بان يكون واحدا منهم أي لولا أمر الهجرة التى لا يمكن تبديلها والمعنى(1/434)
ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادى الانصار وشعبها الانصار شعار والناس دثار انكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض روي جميع ذلك البخاري. وفي رواية فيه انه صلى الله عليه وسلم جمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث بلغنى عنكم فقال فقهاء الانصار اما رؤساؤنا يا رسول فلم يقولوا شيئا واما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما ترضون ان يذهب الناس بالاموال وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم والله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون ان يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيوتكم قالوا بلى وفيها قال هشام لأنس يا أبا حمزة وأنت شاهد ذلك اليوم قال وأين أغيب عنه* وروي خارج الصحيحين ان سعد بن عبادة وحسان بن ثابت لولا ان النسبة التي لا يسعني تركها لانتسبت اليكم وتسميت باسمكم لكن خصوصية الهجرة سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلا وأشرف فلا تبدل بغيرها هذا معنى ما ذكره الخطابي (واديا) أي مكانا منخفضا وقيل الوادي مجري الماء المتسع (أو شعبا) بكسر المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة وهو الفرجة بين الجبلين قاله الخليل أو الطريق في الجبل قاله ابن السكيت (الانصار شعار) بكسر المعجمة الثوب الذي يلى الجسد استعاره لشدة قربهم منه وانهم بطانته وخاصته وألصق به من غيرهم (والناس دثار) بكسر المهملة ومثلثة الثوب الذي فوق الشعار (ستلقون بعدى أثرة) بضم الهمزة مع سكون المثلثة وبفتحهما وهو الاشهر والافصح وهو الاستئثار بالمشرك يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق وهذا من اعلام النبوة فقد وقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم (روى جميع ذلك) أحمد و (البخارى) ومسلم وأصحاب السنن عن أنس وعن عبد الله بن زيد وعن أسيد بن حضير (من أدم) أي جلود (ولم يدع معهم) روى من الدعاء ومن الودع وهو الترك (فاني اعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم) عد منهم المجد في القاموس الاقرع بن حابس وجبير بن مطعم والحارث بن قيس والحارث بن هشام وحكيم بن حزام وحكيم بن طليق وحويطب بن عبد العزي وخالد بن أسيد وخالد بن قيس وزيد الخيل وسعيد بن بربوع وسهيل بن عمرو بن عبد شمس العامرى وسهيل بن عمرو الجمحى وصخر بن أمية وصفوان بن أمية الجمحي والعباس بن مرداس وعبد الرحمن بن يربوع والعلاء بن حارثة وعلقمة بن علاثة وأبو السنابل بن عمرو بن بعكك وعمرو بن مرداس وعمير بن وهب وعيينة بن حصن وقيس بن عدى وقيس بن مخرمة ومالك ابن عوف ومخرمة بن نوفل ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن الحارث والنضر بن الحارث بن علقمة وهشام بن عمرو(1/435)
انطلقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بموجدة الانصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة هل وجدت في نفسك كما وجد قومك فقال والله يا رسول الله ما أنا الا رجل من قومي فأطرق صلى الله عليه وسلم فبينما هو يفكر إذ اندفع حسان يقول
هام الشجي فدمع العين ينحدر ... سحا على وجنتيه هاطل درر
وجدا بسلمى وقد شط المزار بها ... وغيرتها نوي في صرفها غير
غراء واضحة الخدين خرعبة ... ما عابها أود فيها ولا قصر
كأن ريقتها من بعد رقدتها ... مسك يداف بخمر حين يعتصر
فدع سليمة اذ شط المزار بها ... واصرف مديحك فيمن فيه تفتخر
ائت الرسول رسول الله أكرمنا ... ومن بطلعته يستنزل المطر
ائت الرسول وقل ياخير منتخب ... وزين من يرتجي جودا وينتظر
علام تعطي قريشا وهى نازحة ... انفال قوم هم أو واوهم نصروا
سماهم الله أنصارا لنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر
هم بايعوك وأهل الارض كلهم ... في حالة الشرك لا سمع ولا بصر
* شعر حسان (هام) أي ذهب لوجهه (الشجي) بالمعجمة والجيم بوزن القوي وهو الذي يعرض له الشجا في حلقه فيغص (ينحدر) يسيل من أعلا الى أسفل (سحا) منصوب على المصدر أو على الحال والسح في الاصل المطر العزير (على وجنتيه) وهما جانبا الجبهة وفي هاء وجنتيه تزحيف (هاطل) سائل وزنا ومعنى (درر) بفتح المهملة وكسر الراء كثير (بسلمى) بفتح السين (شط المزار) أي بعد (وغيرتها نوي) أى بعد (في صرفها) بفتح المهملة وسكون الراء أى الحادث فيها من الكروب (غير) بكسر المعجمة وفتح التحتية قال الشمني اسم من قولك غيرت الشيء فتغير (غراء) بالمد والغرة البياض في وجه الفرس واستعير هنا (واضحة الخدين) أي ظاهرتهما (خرعبة) بضم المعجمة والمهملة وسكون الراء بينهما وبالموحدة وهى البيضاء الناعمة ويقال لها الرعبوبة أيضا (أود) أي انحناء يصفها بانتصاب القامة (من بعد رقدتها) خص ذلك الوقت لأن الريق حينئذ يجف وينتن فاذا كان وصف ريقها بعد الرقدة ما ذكر فكيف اذا كانت لم ترقد والريقة أخص من الريق لانها القليل منه (يداف) يخلط به ويذاف بالمعجمة والمهملة (فدع) اترك (سليمة) بالتصغير (ائت الرسول) أمر من الاتيان (نازحة) بعيدة في الموالاة وان قويت في النسب (لنصرهم) بضم الهاء والميم وكسرهما وكسر الهاء وضم الميم وفي الميم تزحيف وفي بعض النسخ لنصرتهم (وعوان الحرب) أي الحرب العوان بفتح المهملة أي العظيمة (تستعر) تشتعل وزنا ومعنى (وأهل الارض كلهم) فيه ما في لنصرتهم (لا سمع ولا بصر)(1/436)
نحن الحماة لدين الله ننصره ... بالمشرفية والاكباد تنفطر
نجالد الناس لا نخشى غوائلهم ... ولا نهاب العدى يوما وان كثروا
وقد رأيت ببدر والسيوف لها ... وقع تطير له من حره الشرر
ونحن جندك يوم الشعب من أحد ... بالمشرفية ما في عودنا خور
والناس الب علينا فيك ليس لنا ... الا السيوف وأطراف القناوزر
لا ننثنى عن لقا الاعداء كلهم ... وليس يزجرنا عن حربهم زجر
ويوم سلع وقد خانت وقد نكلت ... من خوف أسيافنا لما أتت مضر
وكم مقام لنا في الحرب تعلمه ... قمنا وأوجهنا في ذاك تزدهر
ما ان ضجرنا ولا رابت كتائبنا ... عن العداة وأهل الشرك قد ضجروا
صخر وعمرو وصفوان وعكرمة ... وآخرون وقوم ما لهم خطر
فكيف قدمتهم يا خير مؤتمن ... وقد تبين منا فيهم الأثر
الا العطاء الذي قدمته لهم ... ولم يكن لك في سادتنا نظر
معنويان (بالمشرفية) جمع مشرفي بفتح الميم والراء وسكون المعجمة بينهما ثم فاء ثم تحتية مشددة منسوب الى مشارف الشام وهى قري من أرض العرب تدنو من الريف قاله في القاموس (والاكباد) بالموحدة (تنفطر) بالفاء تنشق (نجالد الناس) بالجيم أى نصابرهم في الحرب من الجلد وهو الصبر والقوة (غوائلهم) جمع غائلة بالمعجمة والتحتية وهى كل امر يفضي الى الفساد والشر (ولا نهاب) لا نحاف وزنا ومعنى (العدا) بكسر المهملة الأعداء (وقد رايت) بياء المتكلم يريد نفسه أو بياء الخطاب يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما في عودنا) بضم المهملة أي فينا (خور) بفتح المعجمة والواو أي ضعف (والناس إلب علينا) بكسر الهمزة وسكون اللام أي متألبون مجتمعون (فيك) أي بسببك (الا السيوف) بالرفع (واطراف القنا) يعني الرماح (وزر) بضم الواو والزاى جمع وزير أي معين (لا ننثنى) أى لا نرجع (يزجرنا) ينهانا (زجر) بفتح الزاى والجيم أي زاجر كحاكم (ويوم سلع) يريد يوم الخندق (وقد نكلت) بالنون وفتح الكاف أي امتنعت من الحرب (وكم) خبرية (مقام) مجرور بها (تعلمه) بالفوقية (ما) نافية (ان) زائدة (ضجرنا) بكسر الجيم مللنا وزنا ومعنا (ولا رابت) أي خافت (كتائبنا) جمع كتيبة وهي الخيل المجتمعة (صخر) يعني أبا سفيان بن حرب (وعمرو) يعني بن مرداس أو ابن بعكك أبا السنابل فكلاهما كان ممن أعطاه يومئذ كما مر (وصفوان) بالصرف لضرورة الشعر يعنى ابن أمية (وعكرمة) بالصرف كذلك أيضا يعني ابن أبي جهل (ما لهم خطر) بالمعجمة فالمهملة أي قدر يقال فلان عظيم الخطر أي القدر ويحتمل(1/437)
هذا ما ذكره محمد بن الحسن الكلاعى في سيرته وحذفت بعض القصيدة اختصارا
وقد ذكر ابن اسحق شيأ من ذلك وتشاركا في بعض الألفاظ وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك بكي وأمر سعدا ان يجمع قومه فجمعهم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فكلمهم بما قدمناه والله أعلم.
[الكلام على وفد هوازن واستعطافهم النبي صلى الله عليه وسلم في سباياهم]
ثم ان وفد هوازن جاؤوا مسلمين ومناشدين للنبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فقال له قائلهم يا رسول الله لو أنا ملحنا للحارث بن أبى شمر الغساني أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أحد سراتهم وهو زهير بن صرد الجشمى السعدي
أمنن علينا رسول الله في كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر
أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... في العالمين اذا ما حصل البشر
ان لم تداركهم نعم تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها درر
انه أراد الخطر الذي بمعنى الخوف أي قوم لا يخاطرون معك ولم يلقوا الشدائد دونك (الكلاعي) بفتح الكاف وتخفيف اللام منسوب الى كلاع موضع بالاندلس* خبر مجىء وفد هوازن (ملحنا) بتخفيف اللام ثم مهملة أي أرضعنا (ابن أبي شمر) بكسر المعجمة وسكون الميم (الغسانى) بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبة الى غسان القبيلة المشهورة وأصله ماء نزل عليه الأزد فنسبوا اليه (أو النعمان) بضم النون (وأنشده أحد سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء وبالفوقية أى ساداتهم (زهير بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء على لفظ الصرد الطائر المعروف وهو صحابى كما ذكره ابن عبد البر وغيره ويكنى أبا جرول وروي ابياته هذه الطبرانى في الصغير كما سيأتي (امنن) بضم الهمزة والنون أي انعم وقيل أنعم نعمة عظيمة (رسول الله) منادى حذفت أداته (فانك المرء) بفتح الميم وسكون الراء ثم همزة أي الرجل الذي (نرجوه) باشباع ضمة الهاء (على بيضة) بفتح الموحدة وسكون التحتية ثم معجمة أي جماعة (قد عاقها) بالمهملة والقاف أى شغلها عن الايمان بك قبل ان ينزل بها (قدر) قدره الله علها (مشتت) مفرق (شملها) هو ما يجتمع من الشخص ويتفرق (غير) بالمعجمة والتحتية ومضى ذكره أيضا في كلام حسان (ومنتجب) بالجيم (حصل) بالبناء للمفعول أى جمع (البشر) لمعرفة خبرها (ان لم تداركهم) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أى تتداركهم وميمه مشبع الضمة (نعم) بالرفع فاعله (على نسوة) أراد حليمة ومن يقرب منها من النساء اللاتي ينسب اليهن صلى الله عليه وسلم نسب الرضاع أو أراد مرضعة أخرى من بني سعد لم تسم فجمع لوقوع الجمع على اثنين (ترضعها) بفتح الضاد في المستقبل وكسرها في الماضى على الافصح (اذفوك) بضم الفاء اى فمك (من محضها) باهمال الحاء واعجام الضاد أي لبنها الخالص (درر) بكسر الدال وفتح(1/438)
لا تجعلنها كمن شالت بعامته ... واستبق منا فانا معشر زهر
اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر
انا لنشكر للنعمى اذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك ان العفو مشتهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج اذا ما استوقد الشرر
انا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هادي البريئة اذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة اذ يهدي لك الظفر
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وروينا ذلك من عوالى شيخنا الامام الحافظ تقى الدين الراء جمع در بكسر الدال وهي كثرة اللبن (كمن شالت) باعجام الشين أي تفرقت (نعامته) بفتح النون وتخفيف المهملة يقال شالت نعامة القوم اذا رحلوا وتفرقوا أي لا تجعلنا كمن ارتحل عنك وتفرق ويكني به أيضا عن الموت وذلك لارتفاع القدم بالموت والنعامة باطن القدم قاله أبو البقاء وقال الشاعر
فليتما أمنا شالت نعامتها ... اما الى جنة اما الى نار
والمعنى على هذا لا تجعلنا كمن مات فلا ينتفع به في الحرب وغيرها والنعامة أيضا الظلم فيجوز أن يكون قوله شالت نعامتهم منه كما يقال زال سواده ومحي ظله اذا مات قاله السهيلى (واستبق) بكسر القاف (معشر) جماعة (زهر) بضم الزاى والهاء (واذ يزينك) بفتح أوله وكسر ثانيه من زان بمعنى زين (وما تذر) تترك (من امهاتك) اراد ما ذكرته على قوله على نسوة (من مرحت) بالمهملة وفتح الراء أي مشت مختالة (كمت) بضم الكاف وسكون الميم جمع كميت وهو من الخيل الشديد الحمرة قال في كفاية التحفظ ولا يقال كميت حتى يكون عرفه وذنبه أسودين فان كانا أحمرين فهو أشقر والورد ما بين الكميت والاشقر (الجياد) جمع جواد وهو الفرس الكريم السريع ويقال له اليعبوب أيضا (عند الهياج) جمع هيجاء بالمد والقصر وهي الحرب (استوقد الشرر) أى أوقدت نار الاشتعال للحرب (تلبسه) بضم أوله من ألبس (البريئة) بالنصب وهو بالهمز من قولهم برأ الله الخلق وبتركه في الاستعمال مع التشديد (راهبه) خائفه (يهدى) مبني للمفعول (الظفر) الفلاح (ما كان لى ولبني عبد المطلب فهو لكم الى آخره) فيه ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأسى به وايثار ما يهواه صلى الله عليه وسلم وفيه صلة من هو منه بسبيل صلى الله عليه وسلم (من عوالى شيخنا) أي أسانيده العالية (تقى الدين) بالفوقية كما(1/439)
محمد بن فهر القرشى الهاشمى العلوي كان الله له قراءة مني عليه لجميعها بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة يروي ذلك بسنده الى الحافظ أبى القاسم الطبرانى قال حدثنا عبد الله بن رماجس القيسى من زمكة بزيادة رملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق وكان قد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمى فذكر الشعر وما بعده وذكر ما قبله ابن اسحق ولم يذكر الشعر في رواية ابن هشام عنه وذكره في رواية ابراهيم بن سعد عنه وفيه زيادة ونقص وقد اخترنا من ذلك البيت الثالث بدلا عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا* وروينا في الصحيحين عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين يسئلونه أن يرد اليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم ان معي من ترون وأحب الحديث الى أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما المال واما السبي وفد كنت استأنبت لكم وفي رواية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين أقبل من الطائف فلما تبين لهم أن النبى مر (ابن فهر) بفتح الفاء وسكون الهاء كما مر (الطبراني) هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد منسوب الي طبرية بفتح المهملة والموحدة وهي قصبة الاردن قاله في القاموس (رماجس) بفتح الراء وتخفيف الميم وكسر الجيم ثم سين مهملة غير مصروف وهو في الاصل الشجاع الجريء (القيسي) بفتح القاف وسكون التحتية نسبة الى قيس القبيلة المشهورة (من زمكة) بفتح الزاى بلد معروفة قريبة من مصر (بزيادة) بكسر الزاي وتخفيف التحتية (طارق) بالطاء المهملة وكسر الراء والقاف وهو ابن زهير بن صرد (أبا جرول) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو مصروف قال العلماء وهذا من ثلاثيات الطبرانى وفيه لطيفة وهي ان عبيد الله بن رماجس عاش بعد الامام الشافعي رحمه الله سبعين سنة وأكثر وأدرك بعض التابعين وهو زياد ابن طارق لانه تابعى رأي زهير بن صرد وهو صحابي كما مر (ما قبله ابن اسحق) عن محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وقد أخترنا من ذلك البيت الثالث) وهو
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... فى العالمين اذا ما حصل البشر
(عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا) وهو
أبنت لنا الدهر هنانا على حزن ... على قلوبهم العمى والغمر «1»
(وروينا في) مسند أحمد و (الصحيحين عن المسور بن محرمة) ومروان (وأحب الحديث) بالرفع ويجوز النصب بان المقدرة (الى) بتشديد التحتية (أصدقه) فيه فضيلة الصدق وكونه من شيم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم (اما المال واما السبي) بكسر همزة اما ونصب المال والسبي (استأنيت) من الاناة أي انتظرت مجيئكم وأخرت قسمة السبي لتحضروا فابطأتم على وكان صلى الله عليه وسلم ترك
__________
(1) كذا بالاصل والبيت فاسد كما لا يخفى ولم تقف على اصابه بعد البحث الشديد فليحرر(1/440)
صلى الله عليه وسلم غير راد اليهم الا احدى الطائفتين قالوا فانا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فان اخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين واني قد رأيت ان أرد اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفىء الله علينا فليفعل فقال الناس طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم في ذلك انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا من شأن بني هوازن وروي أنه كان في السبى الشيماء بنت الحرث وهي بنت حليمة فجاءت النبى صلى الله عليه وسلم فتعرفت له بالاخوة. فلما عرفها بسط لها رداءه ووهبها عبدا وجارية فزوجت العبد الجارية فلم يزل فيهم من نسلها بقية وقال أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا رأيت النبى صلى الله قسمة السبي حتى توجه الى الطائف فحاصرها ثم رجع فقسمها (بكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (غير راد) بالرفع خبران (يطيب) بضم أوله وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة أي يعطى عن طيب نفس بلا عوض (على حظه) أي نصيبه (يفىء) بضم أوله رباعي من أفاء (انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الورع حيث لم يقنع بظاهر الحال حتى يتحقق رضي جميعهم (عرفاؤكم) جمع عريف وهو الرئيس الذي يدور عليه أمر الرعية ويتعرف أحوالهم وفي ذلك ثبوت العرافة وانها لا باس بها وجاء في الحديث التحذير منها نحو لا بد من العريف والعريف في النار أخرجه أبو نعيم في المعرفة عن معاوية بن زياد وأخرج الطيالسي عن أبي هريرة العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة وهو محمول على من لم يقم بحق الرعية في النظر لمصالحهم ودرء مفاسدهم كالامارة (فهذا الذى بلغنا) هو من كلام الزهرى (وروى انه كان في السبي) ذكره عياض في الشفاء بصيغة جزم فقال ولما جيء باخته الشما الى آخره (الشيماء) بفتح المعجمة وسكون التحتية والمد قال المحب الطبرى ويقال لها الشماء بغير ياء قال وكانت تربى النبي صلى الله عليه وسلم مع امها حليمة وقد عدها ابن الاثير في الصحابة (بنت الحارث) أبي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قال المحب الطبرى أدرك الاسلام وأسلم بمكة (بالاخوة) بضم الهمزة والمعجمة وتشديد الواو (وقال أبو الطفيل الى آخره) واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر بن خمس بن سعد بن ليث بن بكر بن مناة بن كنانة بن خزيمة (وهو) على الاطلاق (آخر الصحابة) رضى الله عنهم (موتا) وكانت وفاته عام مائة من الهجرة على الصحيح قال الحافظ عبد الرحيم العراقى في ألفيته
ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة(1/441)
عليه وسلم وأنا غلام اذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته فلما انصرف وفد هوازن قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروا مالك بن عوف انه ان أتاني مسلما رددت اليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل فلما أخبروه خرج من الطائف ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فأعطاه ما كان وعده به وأسلم وحسن اسلامه وقال حين أسلم
ما ان رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم كمثل محمد
أو في وأعطى للجزيل اذا اجتدى ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد
واذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري وضرب كل مهند
ومن شعره رضى الله عنه
وبقيت سهما في الكنانة مفردا ... سيرمي به أو يكسر السهم كاسر
لكن أورد على ذلك عكراش بن ذؤيب فانه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الجمل مع عائشة وقال الاحنف كأنكم به قد أتي به قتيلا أو به جراحة لاتفارقه حتى يموت فضرب يومئذ ضربة على أنفه فعاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به وذكر ذلك ابن دريد فعلى هذا تكون وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة وعكراش لا خلاف في صحبته وأجيب بان هذه الحكاية لم يطلع لها على اسناد يثبت بمثله ذلك وأما آخر من مات بالمدينة فجابر بن عبد الله كما روي عن قتادة وقيل سهل بن سعد وقيل السائب بن يزيد وبمكة عبد الله بن عمر وقيل جابر وذكر ابن المدينى ان أبا الطفيل مات بمكة فيكون الآخر بها موتا وبالبصرة أنس وبالكوفة عبد الله بن أبي أو في وبالشام عبد الله بن بسر وقيل أبو امامة وبمصر عبد الله بن الحرث بن حزن وبفلسطين أبو أبي ابن أم حرام وبدمشق واثلة بن الاسقع وبحمص عبد الله بن بشر وباليمامة الهرماس بن زياد وبالجزيرة العرس بن عميرة وبافريقية رويقع بن ثابت وبالبادية سلمة بن الاكوع قال ابن عبد البر وقال غيره مات رويقع بحاضرة برقة وسلمة بالمدينة بعد نزوله من البادية بليال (اذا قبلت امرأة الى آخره) أخرج أبو داود من حديث عمرو ابن السائب انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه قال المحب الطبري وهذا الحديث معضل لان عمرو بن السائب يروي عن التابعين (فبسط لها رداء الى آخره) في ذلك وفيما سيأتي عقبه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم قاله عياض (ما) نافية (ان) زائدة (كلهم) فيه ما مر في قصيدة حسان (اذا اجتدي) بالجيم والمهملة أي طلب جداوة أى عطية وباهمال الحاء واعجام الذال أي سئل منه أن يحذي أى يعطى (عردت أنيابها) بالعين المهملة أي قدت وقطعت (بالسمهري) بفتح المهملة وسكون الميم وفتح الهاء أي الريح الشديد الصلب أو منسوب الى سمهر زوج ردينة كان يثقف الرماح أو الى قرية بالحبشة أقوال (كل مهند) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد النون أى سيف منسوب الى الهند(1/442)
فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهباء خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فحارب بهم ثقيفا حتى ضيق عليهم ففي ذلك يقول أبو محجن الثقفي هابت الأعداء جانبنا ثم يغزونا بنو اسلمه
ثم خرج النبى صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة وانقطعت الهجرة واستعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد وخلف مع معاذ ابن جبل يفقه الناس ويعلمهم أمر دينهم فحج عتاب ذلك العام بالناس وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في آخر ذي القعدة أو في أوّل ذي الحجة وبقى أهل الطائف على شركهم الى رمضان من سنة تسع وأوفدوا قوما منهم باسلامهم على ما سيأتي في تواريخ السنة التاسعة ان شاء الله تعالى
[مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام]
* ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة من كنانة وذلك ما رويناه في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل لان السيوف كانت تعمل بها (فكأنه ليث) أى أسد (اشباله) بالمعجمة والموحدة أولاده وزنا ومعنى (وسط) بسكون السين (الهباء) بفتح الهاء والموحدة والمد وهى الاجمة وهي الشجر الملتف (خادر) بالمعجمة أى متخذ الهباء خدرا (أبو محجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم قال ابن عبد البر اسمه مالك بن حنيف على الصحيح (هابت) بالموحدة من الهيبة (بنو سلمة) بكسر اللام (من الجعرانة معتمرا) وبه استشهد أصحابنا على تفضيل الاحرام بالعمرة منها على التنعيم قال الواقدي لمجاهد وكان احرامه صلى الله عليه وسلم بها من المسجد الاقصى الذي تحت الوادى بالعدوة القصوي قال وكان ليلة الاربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذى القعدة قال شيخنا الشهاب ابن حجر في حاشية الايضاح ولا يقال انما اعتمر بها مجتازا في رجوعه من الطائف أى فلا يستدل بذلك لتقديمها على التنعيم لما صح انه صلى الله عليه وسلم خرج من مكة ليلا معتمرا ثم عاد وأصبح كبائت (عتاب بن أسيد) تقدم في غزوة حنين ذكره (في آخر ذي القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها (ذى الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها يوم الاثنين اليوم الخامس منه وهذا هو الصحيح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة (ومما اتصل بالفتح من البعوث بعث خالد بن الوليد) وكان في شهر شوال عقب الفتح (بنى جذيمة) بجيم ومعجمة بوزن عظيمة قبيلة من عبد القيس والنسبة اليها جذمي بفتح المعجمة مع فتح الجيم وضمها قال السهيلى وتعرف تلك الغزوة بالغميصاء اسم ماء لبنى جذيمة (ما رويناه في صحيح البخارى) وسنن النسائي (بن عمر) بن الخطاب (صبأنا صبأنا) بالهمز وتركه والصابئ الخارج(1/443)
خالد يقتل ويأسر ودفع الى كل رجل منا أسيره حتى اذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيرى ولا يقتل أحد من أصحابى أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه فرفع يديه فقال اللهم انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرتين قال أهل السير ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابى طالب كرم الله وجهه في الجنة ليتلافي خطأ خالد وبعث معه بمال فودى لهم الدماء والاموال حتى ميلغة الكلب ثم بقي من المال بقية فقال أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يعلم ولا تعلمون فلما رجع علي الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت وانما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم ثم عذره في اسقاط القصاص لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين وقد سأل عمر أبا بكر في خلافته قتل خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة فقال لا أفعل لأنه متاول ثم سأله عزله فقال لا أغمد سيفا سله الله على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم*
[مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث الى هدم أصنام العرب]
ومما ذكر هنا أيضا بعث خالد بن الوليد لهدم العزى وكانت بنخلة وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من بنى سليم فهدمها خالد من دين الى دين (وياسر) بكسر السين (اذا كان يوم) بالتنوين وكان تامة (لتلافى خطأ خالد) أى تداركه وهو بالفوقية والفاء (فودى لهم) أى أدي الدية (حتى ميلغة الكلب) بكسر الميم وفتح اللام الاناء الذى يلغ فيه وهذا وصف مبالغة في انه ضمن لهم كل فائت لهم (قال) له (اصبت وأحسنت) فيه منقبة لعلى كرم الله وجهه ورضي عنه حيث استحسن صلى الله عليه وسلم ما فعله من الاحتياط (قتل مالك بن نويرة) بالنون والتصغير هو اليربوعي وله أخ اسمه متمم بن نويرة ورثاه يومئذ فقال
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسري وتبعا
فلما تفرقنا كانى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
(لانه متأول) وكان تأوله انه كان يقول له قال صاحبكم كذا وكذا يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأول خالد انه غير مصدق بنبوته صلى الله عليه وسلم ولا تغتر بما ذكره ابن عبد السلام في قواعده انه انما قتله ليتزوج امرأته ثم تزوجها بعد ذلك فليس هذه طريق تحسين الظن باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم* بعث خالد لهدم العزي (وكانت بنخلة) لا ينصرف قال البغوي وكانت لسليم وغطفان وجشم وضعها لهم على ما قاله الضحاك سعد بن ظالم العطفاني وكانت شجرة قاله مجاهد أو حجرا من الصفا أو حجرا من المروءة وثلاثة أحجار جعل التي من الصفا الصفا والتى من المروة المروة وثلاثة أحجار أسندها الى شجرة وقال هذه ربكم قاله الضحاك وقال ابن دريد كانت بيتا بالطائف (سدنتها) جمع سادن بالمهملتين والنون وهو متولي خدمتها (بنو شيبان) بفتح المعجمة وسكون التحتية فالموحدة (فهدمها خالد) قال البغوي(1/444)
ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل فهدمه* وروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التى كانت تعبد في قوم نوح عليه السلام في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان.
وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف ومناة لقديد جعل يضربها بالفاس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها (ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وأخبره بذلك فقال تلك العزي ولن تعبد أبدا (الى سواع) مصروف (صنم هذيل) بدل من سواع (بعد) مبني على الضم (اماود) بفتح الواو وضمها (فكانت لكلب) بالصرف (بدومة الجندل) بضم الدال وفتحها وفتح الجيم وسكون النون فمهملة فلام قال في التوشيح مدينة بالشام مما يلى العراق (يغوث) لا ينصرف (فائدة) ذكر ابن الاثير ان سادن يغوث اسمه العوام بن جهبذ سمع هاتفا يقول ادخل على اسم الله والتوفيق رحلة لاوان ولا مسبوق الى فريق خير ما فريق الى النبي الصادق المصدوق فرمى الصنم وأسلم (فكانت لمراد) بالصرف وهو أبو قبيلة سمى به لانه تمرد قاله في القاموس (لبني غطيف) باعجام الغين واهمال الطاء والتصغير (بالجوف) بفتح الجيم وسكون الواو وللكشميهني بالجرف بضم الجيم والراء وللنسفى بالجون بالجيم وواو ونون (يعوق) لا ينصرف (لهمدان) بسكون الميم واهمال الدال القبيلة المعروفة (نسر) بالصرف (لحمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية قبيلة من اليمن (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف وتخفيف اللام ومهملة اسمه أنفع بن باكورا ويقال اسميفع بفتح الهمزة والميم والفاء وسكون المهملة والتحتية وتتمة الحديث وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتي اذا هلك أولئك ونسخ العلم وللكشميهنى ونسخ عبدت انتهى الحديث وروي عن ابن عباس انها دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل كذلك حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب (فاللات) كانت بالطائف قاله قتادة أو بنخلة قاله زيد ابن أسلم وفي صحيح البخارى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج قال الاسماعيلى وهذا على قراءة اللات بتشديد التاء وهى قراءة ابن عباس في مجاهد وأبي صالح (لثقيف) يعبدها وعبدتها قريش معهم أيضا (ومناة) بالقصر غير مهموز وقرأ ابن كثير بالمد والهمز وكانت بالمشلل بفتح المعجمة واللام المشددة وهو جبل (لقديد) بقاف ومهملة مصغر مكان بين مكة والمدينة بقرب خليص وكانت مناة يعبدها خزاعة قاله قتادة أوهم وهذيل قاله الضحاك أو كانت تعبده بنو كعب قاله ابن زيد وجاء في الحديث قالت عائشة رضي الله عنها في الانصار كانوا يصلون لمناة وكانت حذو قديد (فائدة) قال البغوي اختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء وقف عليه بالتاء وما(1/445)
واساف ونائلة وهبل لاهل مكة وذو الخلصة لخثعم ودوس فهدمها صلى الله عليه وسلم جميعا ومما ذكر أيضا اسلام عباس بن مرداس ذكره ابن هشام عقيب فراغه من قصة الفتح وكان من خبره انه كان لأبيه مرداس صنم يعبده يقال له ضمار فأوصاه به عند موته وقال له اعبد ضمارا فانه ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عنده اذ سمع مناديا من جوفه يقول
قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد
ان الذى ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة ... قبل الكتاب الى النبى محمد
فحرقه عباس ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
[مطلب في مقدم كعب بن زهير مسلما وانشاده قصيدته المشهورة]
ومما ذكر هنا أيضا قصة كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى وكان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذيه وكان كتب بالهاء وقف عليه بالهاء (اساف) بكسر الهمزة وتخفيف المهملة وبالفاء مصروف (ونائلة) بالنون وكسر الهمزة والمد غير مصروف (و) كذا (هبل) بالموحدة بوزن عمر (وذوا الخلصة) بفتح المعجمة واللام على المشهور وحكى عياض ضم المعجمة مع فتح اللام وحكى أيضا فتح المعجمة وسكون اللام (الخثعم) بفتح المعجمة والمهملة بينهما مثلثة ساكنة بوزن جعفر أبو قبيلة من معد* ذكر اسلام عباس بن مرداس (وكان من خبره انه كان لابيه مرداس صنم يعبده الى آخره) ظاهر كلام المصنف ان تكلم ضمار كان هو السبب في اسلام عباس بن مرداس وأخرج بن أبى الدنيا في سبب اسلامه من حديثه انه كان في لقاح له نصف النهار فطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض فقال لى يا عباس بن مرداس ألم تر ان السماء كفت احراسها وان الحرب جوعت أنفاسها وان الجعال وضعت أحلاسها وان الذى نزل عليه البر والتقى يوم الاثنين ليلة الثلثاء صاحب الناقة القصوى قال فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت حتي جئت وثنا لنا يقال له ضمار وذكر القصة (ضمار) بكسر المعجمة مصروف وقيل بفتح المعجمة وبنائه على الكسر كحذام وقطام (أودي) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح المهملة أى سري الداء في كله (ضمار) بلا صرف لضرورة الشعر (قبل الكتاب) أى قبل نزوله (فحرقه عباس) بالنار (ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم) زاد ابن أبي الدنيا في ثلثمائة من قومه وفيه انهم لما قدموا المدينة دخلوا المسجد فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وقال يا عباس كيف اسلامك فقص عليه القصة فقال صدقت وأسلم هو وقومه قال عياض في الشفاء لما تعجب من كلام ضمار صنمه وانشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم اذا طائر سقط فقال يا عباس أتعجب من كلام ضمار ولا تعجب من نفسك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الاسلام وأنت جالس فكان ذلك سبب اسلامه* ذكر قصة كعب بن زهير (بن أبي سلمى) بضم السين واسم أبى سلمى(1/446)
أخوه بجير قد أسلم ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير الى كعب يخبره ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه فان كان لك في نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وكان كعب قد كتب الى بجير أبياته التي يقول فيها
الا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويلك هل لكا
سقاك بها المأمون كأسا روية ... فانهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى وتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا
على مذهب لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فلما جاءت بجيرا أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع قوله المأمون قال صدق وانه لكذوب انا المأمون وكانت قريش تسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الامين والمأمون وصدقه أيضا في البيت الآخر فقال أجل لم تلف عليه أباه ولا أمه ثم ان بجيرا كتب الى كعب أبياتا يخوفه فيها فلما بلغته ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره فسار حتى قدم المدينة فنزل على صديق له من جهينه فذهب به الى النبى صلى الله عليه وسلم فوافقوه في صلاة الصبح فلما انقضت الصلاة قال له الجهني هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام كعب فجلس بين يديه ووضع يده في يده وقال يا رسول الله ان كعب بن زهير قد جاء مسلما تائبا فهل أنت قابل منه ان جئتك به فقال رسول الله صلى ربيعة بن رباح أحد بنى مزينة قاله السهيلى (أخوه بجير) بضم الموحدة وفتح الجيم (فطر) أمر من الطيران أى سر سيرا سريعا (بها المأمون) الذى لابن اسحاق ولغيره المحمود (كأسا) هى من أسماء الخمر وهي هنا استعارة (روية) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد التحتية أي شديدة الارواء (فأنهلك) سقاك نهلا وهو الشرب الاول (وعلكا) بالف الاطلاق وكذا ما بعده أي سقاك عللا وهو الشرب الثانى (ويب) بفتح الواو وسكون التحتية ثم موحدة بمعنى ويل قال في القاموس يقال ويبك وويب بك وويب لزيد وويبا له وويب له وويبه وويب غيره وويب زيد وويب فلان بكسر الباء ورفع فلان عن ابن الاعرابي ومعنى الكل ألزمه الله ويلا (لم تلف) بالضم من الفى أى وجد (اما ولا أبا) قال ذلك لان أمهما واحدة واسمها كبشة بنت أبى عمار السجمية نقله ابن الاعرابي عن ابن الكلبي (فلما جاءت) الابيات (بحيرا) مفعول (وأشفق) أى خاف (وارجف) بالجيم والفاء أي أكثروا الكلام عليه يخيفونه بذلك (فوافوه) أي وافقوه* شرح(1/447)
الله عليه وسلم نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير فقال رجل من الانصار يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقال دعه فانه قد جاء تائبا ثم أنشد القصيدة في المسجد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم اثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين اذ برزت ... الا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكي قصر فيها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم اذا ابتسمت ... كانه منهل بالراح معلول
شجت بدي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفى الرياح القذا عنه وأفرطه ... من صوب عادية بيض يعاليل
قصيدته المشهورة (بانت) أي فارقت والبين الفراق (سعاد) غير مصروف (متبول) بتقديم الفوقية على الموحدة أي سقيم من بتله الحب أى أسقمه (متيم) مستعبد للحب (مكبول) بالموحدة مقيد والكبل بفتح الكاف وسكون الموحدة القيد الضخم (البين) الفراق كما مر (اذ برزت) للرحيل وفي بعض النسخ اذ رحلوا وعليها التخميس (الا أغن) أى مثل أغن حذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه والاغن بالمعجمة وتشديد النون ولد البقرة الوحشية (غضيض) بالاعجام أى فاتر (الطرف) أي النظر (مكحول) هو الذي غشى عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال (هيفاء) بفتح الهاء وسكون التحتية وبالفاء والمد وهي مهضومة البطن والخاصرة (عجزاء) بالمد عظيمة العجز (تجلو) تكشف (عوارض) ثعر (ذي ظلم) والعوارض الانياب والضواحك التي تلى الانياب بينها وبين الاضراس والظلم بفتح المعجمة وسكون اللام ماء الاسنان (كانه) أي الثغر الموصوف (منهل) بضم الميم وفتح الهاء أى مسقى (بالراح) أي الخمر أوّل مرة (معلول) بالمهملة مسقى بها مرة أخرى (شجت) بالمعجمة والجيم مبني للمفعول أى مزجت (بذي) أى بماء ذي (شبم) بفتح المعجمة والموحدة أي برد والشبم بالكسر الماء البارد ولا يجوز الكسر هنا لان ذا لذى بمعنى صاحب لا يضاف الا الى أسماء الاجناس وهو بالفتح جنس وبالكسر صفة (من ماء محنية) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون وهو منعطف الوادى (بابطح) وهو المسيل المتسع (أضحى) وقت الضحي كاصبح وقت الصباح (وهو مشمول) بالمعجمة أى اصابته ريح الشمال وهى رياح باردة تقابل الجنوب واذا كان الماء بهذه الصفات فهو من أبرد الماء وأصفاه (القذا) بفتح القاف وتخفيف المعجمة ما سقط (وأفرطه) بالفاء والمهملة أي ملأه (من صوب) بفتح المهملة وسكون الواو أي مطر (عادية) هى السحابة التى تأتى نهارا وفي بعض النسخ سارية وهي التى تأتي ليلا (يعاليل) بالتحتية فالمهملة جمع يعلول بفتح التحتية وهو السحاب الراوي (ويل امها) مضى شرحه على قوله صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب وفي(1/448)
سقيا لها خلة لو انها صدقت ... موعودها أو لوان النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع واخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول
ولا تمسك بالوعد الذى زعمت ... الا كما تمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيده الا الأباطيل
أرجوا وآمل ان تدنوا مودتها ... وما أخال لدينا منك تنويل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... ان الاماني والأحلام تضليل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل
بعض النسخ بدله سقيا لها أى سقاها الله سقيا (خلة) بضم المعجمة وتشديد اللام وهي الخليل ويقع على الذكر والانثى والتثنية والجمع لانه في الاصل مصدر (أولوان) بوصل ألف القطع ونقل حركته الي الواو لضرورة الشعر (سيط) بكسر المهملة واشمامها ثم تحتية ساكنة ثم مهملة أي خلط ومزج (من دمها) أى به وعدل عنه الى من ليتزن البيت (فجع) بفتح الفاء وسكون الجيم ثم مهملة أى افجاع ويقال فجعته المصيبة أى أوجعته (وولع) بالمهملة بوزن الاول أى كذب (فما تقوم) في بعض النسخ فما تدوم (كما تلون) أى تتلون فحذف تاء الاستقبال (في أثوابها) بالمثلثة والموحدة أى صفلتها (الغول) بضم المعجمة ما يغتال الانسان ويهلكه وقيل أراد السعالى وهي نوع من الجن في صفات مختلفة (ولا تمسك) بفتح الفوقية والسين أى تتمسك وبضم الفوقية وكسر السين بمعناه (بالوعد) هى اليمين والموثق والذمة (الذى زعمت) أي قالت (الماء) مفعول (الغرابيل) فاعل وهو جمع غربال بكسر المعجمة وبالموحدة وهو المنخل (عرقوب) بالصرف لضرورة الشعر وهو بضم المهملة والقاف وسكون الراء آخره موحدة ابن معبد بن أسد من العمالقة أتاه أخاله يسأله فقال اذا طلع نخلى فجاءه للوعد فقال اذا أبلح فجاءه للوعد فقال اذا أزهى فجاءه للوعد فقال اذا أرطب فجاءه للوعد فقال اذا صار تمرا فلما صار تمرا أخذه ليلا ولم يعطه شيأ فضربت به الامثال في خلف الوعد قال
وعدت وكان الوعد منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
(الاباطيل) جمع باطل على غير قياس (ان يعجلن) أى يسرعن (في أمد) أى مدة قريبة وفي بعض النسخ ان تدنو مودتها (اخال) أي وهو بكسر الهمزة عند المحدثين وبفتحها عند اللغويين (الدهر) بالنصب على المصدر (تعجيل) وفي بعض النسخ وما اخال لدينا منك تنويل أى عطاء (ما منت) أي منتك به من الوصل والوفاء والاماني جمع أمنية وهو ما يتمني الانسان مما ليس عنده ولا يقدر عليه (الاحلام) جمع حلم بضم المهملة وسكون اللام وهو رؤيا النوم (تضليل) ينسب الي الضلال وجعل ذلك مثلا لتمنيه له ووعدها اياه بالوصل والوفاء (الى العتاق) جمع عتيقة بالفوقية والقاف وهى الفرس السابقة يقال عتقت الفرس اذا سبقت ونجت (النجيبات) جمع نجيبة بمعناه (المراسيل) بمعنى مرسال بكسر الميم وهي الناقة السهلة(1/449)
ولن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين ارقال وتبغيل
من كل نضاحة الذفري اذا عرفت ... عرضتها طامس الاعلام مجهول
ترمى النجاد بعين مفرد لهق ... اذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة ... في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم لا يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول
السريعة (الاعذافرة) بضم المهملة وتخفيف المعجمة فالف ففاء مكسورة فراء خفيفة وهي الناقة الشديدة السريعة (على الاين) بالتحتية إلعناء والتعب (إرقال) بالقاف أي اسراع (وتبغيل) بالموحدة والمعجمة وهو مشى فيه اختلاف بين سير العنق والهملجة يشبه مشية البغل (نضاحة) بتشديد المعجمة وتخفيف الحاء المهملة مشتق من النضح وهو العرق ويجوز اعجام الحاء لأن معناه العين الغزيرة (الذفرا) بكسر المعجمة وسكون الفاء وفتح الراء الموضع الذي يعرق من البعير خلف اذنه (عرضتها) بضم المهملة همتها (طامس الاعلام) أى الطريق الذي اعلامه طامسة أي دارسة لبعده وقلة سالكيه والاعلام العلامات التى يستدل بها على الطريق (مجهول) لا يعلم لدروس علاماته (النجاد) بكسر النون جمع نجد وهو ما أشرف من الارض ويقال في جمعه أيضا أنجد وأنجاد ونجود ونجد وفي بعض النسخ ترمى الغيوب وهو ما غاب عنها من الارض وبعد وصفها بحدة بصرها (بعين مفرد) أى بعين كعين مفرد وهو بضم الميم وسكون الفاء وفتح الراء ثور الوحش (لهق) بفتح اللام وكسر الهاء وفتحها ثم قاف صفة للثور أي أبيض (الحزان) بكسر المهملة ويجوز ضمها وتشديد الزاي جمع حزن وهو ما غلظ من الارض (والميل) بكسر الميم وسكون التحتية جمع ميلاء وهي العقدة الضخمة من الرمل (ضخم) بالمعجمتين غليظ (مقلدها) بضم الميم وفتح اللام موضع القلادة وهو العنق (فعم) بالفاء والمهملة أي ممتلئ (مقيدها) بوزن مقلدها وهو موضع القيد من الرجل (في خلقها عن بنات الفحل تفضيل) أي انها تشبه الذكر لعظم حسنها (غلباء) بفتح المعجمة وسكون اللام ثم موحدة ثم المد وهو غلظ الرقبة (وجناء) بالجيم والنون بوزن غلباء أي عظيمة الوجنتين (علكوم) بضم المهملة والكاف وسكون اللام أي ضخمة (مذكرة) تشبه الذكر لعظمها (في دفها) بفتح الدال المهملة ثم فاء أى جنبها (قدامها) مبتدأ (ميل) خبر شبه مقدم رأسها بميل الكحل في ملاسته واستوائه أو اراد أنها بحدة نظرها تنظر نظرا يدرك به الميل وهو القدر المعلوم من الارض (من اطوم) بفتح الهمزة وضم المهملة وهى السلحفاة البحرية شبه جلدها في قوته بالذيل الذى يتخذ منه السواد وهو ظهر السلحفاة لملاسة وبرها (لا يؤيسه) بفتح الهمزة وكسر التحتية ثم مهملة أي لا يؤثر فيه (طلح) بكسر المهملة وسكون اللام ثم مهملة أى قراد (بضاحية المتنين) أى ما برز منهما للشمس والمتنان مكتنفا الصلب من يمين وشمال من عصب ولحم (مهزول) عجيف يريدان القراد الجائع المهزول(1/450)
حرف أخوها أبوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل
يمشى القراد عليها ثم تزلقه ... عنها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما قاب عينيها ومذبحها ... من خطمها ومن اللحيين برطيل
قنواء في حرتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الاحاليل
لا يؤثر في جلدها ولا يثبت عليه لملاستها (حرف) بفتح المهملة وسكون الراء ثم فاء وهي الناقة القوية الصلب شبهت بحرف الجبل (أخوها أبوها وعمها خالها) صورتها ان بعيرا نزى على بنته فجاءت ببعيرين فنزى أحدهما على أمه فجاءت بناقة فهى هذه الموصوفة (من مهجنة) بضم الميم وفتح الهاء والجيم المشددة والنون نسبة الى الابل الهجان وهي البيض وأكثر ما تكون النجابة فيها (قوداء) أى سلسلة القياد (شمليل) بكسر المعجمة أى حقيقة (ثم تزلقه) بالزاى أي تدحضه (لبان) بفتح اللام وهو الصدر (واقراب) جمع قرب بضم القاف مع ضم الراء وسكونها وهي الخاصرة (زهاليل) بالزاي جمع زهلول وهو الاملس أى انها لملاسة وبرها لا يثبت عليها القراد (عيرانة) بفتح العين والراء والنون وسكون التحتية وهي الصلبة شبهها بعير الوحش في صلابته ونشاطه (قذفت) مبني للمفعول أي رمت (بالنحض) بضم النون وسكون المهملة ثم معجمة وهو اللحم المكتنز اراد انها سمينة (عن عرض) بضم المهملة والراء أي عن كل جانب يقال خرجوا يضربون الناس عن عرض أي عن كل ناحية كيفما اتفق لا يبالون من ضربوا (مرفقها) بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه (عن بنات) بتقديم الموحدة على النون (الزور) بفتح الزاي وسكون الواو ثم راء وهو أعلا الصدر وبناته الاضلاع المتصلة به (مفتول) بالفاء أى مرفقها متباعد عن جنبها يقال مرفق أفتل ومفتول اذا كان كذلك (قنواء) أي محدودبة الأنف (حرتيها) تثنية حرة بضم المهملة وتشديد الراء وهو موضع محل القرط من الاذن وهو أسفلها وأراد بالحرتين الاذنين (للبصير بها) أى العارف الخبير بالابل (عتق مبين) بكسر العين سبق بين ومعناها ان الخبير بالابل اذا نظر لاذنيها عرف عتقها وكونها سابقة (وفي الخدين تسهيل) ملاسة واستواء وطول (كأنما قاب) أى قدر (عينيها) فيه حذف تقديره كأنما قاب بين عينها (ومذبحها) أي موضع الذبح وهو مقدم العنق وهو مرفوع عطفا على قاب ويكون فيه حذف مضاف تقديره وقاب مذبحها ويجوز الكسر عطفا على عينيها (من خطمها) بفتح المعجمة وسكون المهملة وهو مقدم الأنف والفم (برطيل) بفتح الموحدة وكسر المهملة أي حجر طويل شبه رأسها من عينيها ومذبحها الى خطمها بالبرطيل (تمر) بالضم من أمر (مثل عسيب النخل) أى ذنبا حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه والمعنى انها تمر ذنبها يمينا وشمالا وعسيب النخل جريده (ذا خصل) بضم المعجمة وفتح المهملة وهي لفائف الشعر الواحدة خصلة (في) ناقة (غارز) باعجام الغين وتقديم الراء على الزاي وهى الناقة القليلة اللبن يقال غرزت الناقة اذا قل لبنها (لم تخونه) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أي لم تتخونه لم تتعهده والهاء عائدة على الذنب لدلالة الصفة عليه (الاحاليل) جمع احليل بكسر الهمزة وسكون المهملة وهو مخرج اللبن من الضرع والمعنى أن(1/451)
تخدي على يسرات وهى لاهية ... ذوابل وقعهن الارض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يبقهن رؤس الاكم تنعيل
يوما يضل به الحرباء مرتبيا ... كان ضاحيّه بالنار مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا
كان أوب ذراعيها اذا عرقت ... وقد تلفع بالقور العساقيل
أوب يدى فاقد شنطاء معولة ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل
الناقة اذا قل لبنها وفر شعر ذنبها وحسن والاتمزق (تخدى) تسير بسرعة وفي بعض النسخ بجدي بمعجمة فمهملة والجدي ضرب من السير سريع يقال جدي يجدي جديا وجدوا (على يسرات) بفتح التحتية والمهملة والراء ثم ألف ثم فوقية وهى القوائم الخفاف (وهي لاهية) من اللهو أى غير مبالية وفي بعض النسخ لاحقة أى مدركة (ذوابل) جمع بالصرف لضرورة الشعر وهي بالمعجمة والموحدة أي ضامرة صفة لليسرات (وقعهن الارض) أى على الارض (تحليل) أى حقيقة لسرعتها في السير مأخوذ من نحلة القسم اذا فعل الحالف قدر ما يحلل به عن يمينه ولم يبالغ (سمر العجايات) السمر الذي يخالط بياضها أدنى جزء من السواد حتى يكون كلون الحنطة والعجايات بضم العين وبالجيم والتحتية جمع عجاية وهى عصبة في خف البعير (زيما) زيما بكسر الزاي وفتح التحتية أى متفرقا (رؤوس) مفعول (الاكم) بضم الهمزة وسكون الكاف جمع اكمة على غير قياس (تنعيل) فاعل يبقهن والتنعيل ان تجعل للدابة نعال تقيها من الحجارة ومعناه انها لا تحتاج الى تنعيل لصلابتها وإلفها السفر ودوس الحجر (الحرباء) بكسر المهملة وسكون الراء وهو ذكر أم حنين (مرتبيا) مرتفعا وزنا ومعنى أى غير نازل الى الارض خوفا من ان تحرقه الشمس وفي بعض النسخ بدله مصطخدا بضم الميم وسكون المهملة واهمال الطاء واعجام الخاء وفتحهما أى محرقا (كان ضاحيه) أى ما برز منه للشمس (مملول) أي تحرك بالملة وهي الرماد الحار وانما خص الحرباء لانها لا تزال متعلقة بأغصان الشجر من اقبال الشمس تنظر اليها من حين تطلع الى ان تغرب فاذا غربت انتشر في طلب المعاش (حاديهم) أى سائق أبلهم (ورق الجنادب) الورق التي يخالط سوادها بياض فيكون كلون الرماد والجنادب شبه الجراد يطير في شدة الحر ويصيح وهى الصرارة (يركضن الحصى) أى يسرن عليها بارجلهن يطلبن الظل (قيلوا) أمر من القائلة وهو النزول وقت القائلة (كأن أوب) أي رجوع (ذراعيها) أى ذراعي يديها وأراد رجوع يديها الى الارض بعد رفعهما في السير (وقد تلفع) بالفاء والمهملة أى اشتمل وتغطي (بالقور) بضم القاف جمع قارة وهي الجبل الصغير أو الاسود (العساقيل) بفتح المهملتين وكسر القاف وهو السراب وفي الكلام قلب تقديره وقد تلفعت القور بالعساقيل (أوب) بالرفع خبر كان (يدي) تثنية يد (فاقد) أى امرأة فاقدة ولدها لموته (شمطاء) سائبة (معولة) صائحة من العويل وهو الصياح وفي بعض النسخ شد النهار ذراعا عيطل نصف وشد النهار منصوب على الظرف وذراعا تثنية ذراع وارتفع لكونه خبر كان المشددة والعيطل المرأة الطويلة العنق والنصف المرأة اذا جاوزت الاربعين الى الخمسين (نكد) بضم النون وسكون الكاف فمهملة وهن اللاتي لا يعيش لهن ولد (مثاكيل) بالمثلثة اللاتي فقدن(1/452)
نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة بجنبيها وقيلهم ... انك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك اني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلى لا أبالكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وان طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
أنبئت ان رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنى بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت في الاقاويل
لقد أقوم مقاما لا يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
أولادهن شبه سرعة خبط ذراعى هذه الناقة بسرعة خبط يدي امرأة على هذه الصفة وخص الشابة لان الشابة تستحى من ذلك (نواحة) كثيرة النياحة وهي البكاء مع رفع الصوت (رخوة) بكسر الراء وهي السهلة المسترسلة (الضبعين) بفتح المعجمة العضدين (بكرها) بكسر الباء الموحدة أوّل أولادها (معقول) عقل (تفرى) تقطع (اللبان) بفتح اللام الصدر كما مر (ومدرعها) قميص مهنتها (تراقيها) جمع ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم الكاف وهى العظم الذي ما بين ثغرة النحر والعاتق (رعابيل) بالراء والمهملة والموحدة أى ممزق (الغواة) في بعض النسخ الوشاة وهو جمع واش وهو الساعي بالكلام الى من يخاف وأراد الذين أخبروه وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (بجنبيها) الكناية عائدة على الناقة (وقيلهم) بالنصب على المصدر أي ويقولون قيلهم وهو عطف جملة على جملة كانه قال يمشي الغواة بجنبيها ويقولون انك يا ابن أبي سلمي ويجوز الرفع على الابتداء وخبره الجملة التى بعده (كل صديق) أى صاحب صادق الود وفي بعض النسخ بدله خليل (لا الهينك) أي لا أشغلنك بما يلهيك عما أنت فيه من الهم (خلوا سبيلى) أى طريقى (لا أبالكم) في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف وتقديره لا أبالكم موجود وقد مضى شرح معناه (على آلة) أراد بها النعش (حدباء) مرفوعة على مناكب الرجال من الحدب وهو ما ارتفع من الارض (أوعدني) يقال في الشر أوعدني ووعدني في الخير (مهلا) منصوب على المصدر أى أمهل مهلا (نافلة القرآن) النافلة عطية التطوع وهو عز وجل لا يجب عليه لاحد شئ وكل عطاء منه نافلة (فيه مواعيظ) جمع موعظة على غير قياس وهي النصح والتذكير (وتفصيل) تبيين (الوشاة) من ذكرهم آنفا (الاقاويل) جمع أقوال وهي جمع قول (لقد أقوم مقاما) بفتح الميم وفي هذا البيت تقديم وتأخير وحذف وتقديره لقد أقوم مقاما أري فيه واسمع ما لو يقوم به الفيل ويرى ما فيه ويسمع وخصه دون غيره(1/453)
لظل ترعد من خوف بوادره ... ان لم يكن من رسول الله تنويل
حتى وضعت يمينى لا أنازعها ... في كف ذي نقمات قيله القيل
فكان أخوف عندى أن أكلمه ... وقيل انك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الارض مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل
يعدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراديل
اذا يساور قرنا لا يحل له ... ان يترك القرن الا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو طائرة ... ولا تمشى بواديه الا راجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مطرح البز والدرسين مأكول
من الدواب لقوته وعظم جثته (ترعد) بضم الفوقية وفتح المهملة أى تضطرب وتتحرك (بوارده) بالباء الموحدة ومضي ذكرها وفي بعض النسخ لظل يرعد الا أن يكون له (ننويل) عطاء (لا انازعها) أى اليمين يعني لا انزعها وفي بعض النسخ لا انازعه يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذي نقمات) بفتح النون مع فتح القاف وكسرها وهى العقوبات (قوله القيل) أى كل قول يخالف قوله فباطل (منسوب) أى مسؤل عن نسبك (ومسؤول) عما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك (من) أسد (ضيغم) بفتح المعجمتين وسكون التحتية أى شديد البأس وفي بعض النسخ من خادر ومضى ذكره (بضراء الارض) جمع ضار وفي بعض النسخ من ليوس الاسد (مخدره) موضع خدره وفي بعض النسخ منزله (ببطن عثر) بفتح المهملة وتشديد المثلثة وهو موضع أسده خبيثة (غيل) بكسر المعجمة وسكون التحتية شجر ملتف (دونه غيل) أي انه لا يقنع بالشجر المتطرف بل يتوغل فيه ويبعد عن الطرف وهذا وصف الخبيث (يعدو) بالمهملة يثب الى الفريسة (فيلحم) أي يطعم اللحم (ضرغامين) بكسر المعجمة أسدين شديدين (معفور) بالعين المهملة والفاء أي ممرغ بالتراب يقال عفره بالتراب أي مرغه فيه مأخوذ من العفر بالتحريك وهو التراب (خراديل) باعجام الحاء واهمال الدال أي مقطوع قطعا صغارا يقال خردل اللحم اذا قطعه كذلك (اذا يساور) بالمهملة والراء أي يواثب والمساورة المواثبة (قرنا) بكسر القاف وسكون الراء مثله في الشجاعة يقال فلان قرن فلان اذا كان مثله في الشجاعة (لا يحل له أن يترك القرن) لما كان لا بد له من أكل قرنه عبر عن ذلك بقوله لا يحل له (مفلول) بالفاء مكسور (سباع الجو) هى حمير الوحش كما في نسخة وهو الفراء بكسر الفاء والمد الواحد فرا بفتح الفاء والراء وهو مهموز مقصور وربما حذفت الهمزة تخفيفا (ولا تمشي) بضم أوله مع كسر الشين وبفتحهما (بواديه) أضاف الوادي اليه لسكونه الاودية كثيرا لما فيها من الشجر الملتف (الاراجيل) جمع أرجل وهي جمع رجل (أخو ثقة) هو الواثق بنفسه في القوة والشجاعة (مطرح) باهمال الطاء والحاء أي مطروح (البز) بالزاي السلاح وروي مضرج بالمعجمة والجيم أي ملطخ بالدماء (والدرسين) بكسر المهملة تثنية درس وهو الثوب وثناهما لان الغالب أن الشخص يلبس ثوبين ازار او رداء (مأكول) بالرفع ووجهه انه أضمر في قوله ولا يزال ضمير الشأن فيكون أخو ثقة مبتدأ ومطرح(1/454)
ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل مغازيل
يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب اذا عرّد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول
لا يفرحون اذ نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن الا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
البز خبره ومأكول خبر بعد خبر وتكون هذه الجملة في موضع نصب خبر ولا يزال وضمير الشأن اسمها (وصارم) هو في الاصل السيف القاطع واستعاره لشجاعته وشدة بأسه وفي بعض النسخ مهند وهو من نعوت السيف كما مر (في عصبة) وهم من الرجال من العشرة الى الاربعين (من قريش) هم ولد النضر ابن كنانة سموا بذلك من القرش وهو الجمع أو من القرش الذي في البحر كما مر (قال قائلهم) وهو سيدنا عمر رضى الله عنه (زولوا) أي هاجروا الى المدينة (انكاس) بفتح الهمزة جمع نكس بكسر النون وهم السفلة من الناس مشتق من السهم الذي انكسر فوقه بضم الفاء موضع الوتر من السهم فنكسه صاحبه في الجعبة ليلا يغلط اذا رمي عدوا أو صيدا في حال العجلة (ولا كشف) بضم الكاف والمعجمة والفاء جمع اكشف وهو الذي لا تتريس معه وشين كشف أصلها السكون كاحمر وحمر لكن حرك لضرورة الشعر (ولا ميل) بكسر الميم وسكون التحتية جمع أميل وهو الذي لا يستوي على السرج (معازيل) بالمهملة والزاى جمع معزال وهو الضعيف الاحمق والمعزال أيضا الذى لا سلاح له (الجمال الزهر) جمع أزهر وهو الابيض النير (يعصمهم) أي يمنعهم من العصمة وهي المنعة (عرد) بالعين المهملة أى قد وقطع كما مر (التنابيل) بالفوقية فالنون فالموحدة القصار واحدهم تنبال بكسر أوله (شم) بضم المعجمة وتشديد الميم جمع اشم وهو مرتفع قصبة الانف مع استواء أعلاها (العرانين) بالمهملة والنون جمع عرنين وهو الانف (أبطال) جمع بطل وهو الشجاع (لبوسهم) بفتح اللام (من نسج داود) لا على الحقيقة بل العرب يسمون دروع الحديد نسج داود وان لم يكن نسجه (في الهيجا) الحرب كما مر (سرابيل) أراد بها دروع الحديد (سوابغ) تامات وافرات (قد شكت) مبني للمفعول أى أدخل بعضها في بعض (لها حلق) بفتح المهملة وكسرها وفتح اللام جمع حلقة بفتح المهملة وسكون اللام (القفعاء) بفتح القاف وسكون الفاء ثم المهملة وهي شجر له نور احمر وثمره مقنع من تحت ورقه يشبه به حلق الدروع (مجدول) صفة لحلق وهو المحكم (ليسوا مفاريح) جمع مفراح بكسر الميم وهو كثير الفرح (مجازيعا) بالصرف لضرورة الشعر وهو جمع مجزاع وهو كثير الجزع (عن حياض الموت) أي محاله ومواطنه (تهليل) أى(1/455)
ستر الذي خار من ألفاظه كملا ... فالهم مجتمع والقلب مشغول
هذا ما ذكره ابن هشام من هذه القصيدة وزاد على ما رواه عن ابن اسحاق سبعة أبيات وقد اختلفت النسخ في ضبطها وكثر اعتناء الفضلاء بها ما بين شارح وموشح ومعارض فشرفت بشرف من صنعت فيه وأنشدت بين يديه وذكر انه لما أتى حين انشاده على قوله
ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول
نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى أصحابه كالمعجب لهم من حسن القول وجودة الشعر وانه صلى الله عليه وسلم خلع عليه بردته وقال له لولا ذكرت الانصار بخير فانهم أهل لذلك فقال أبياتا بعد فيها مناقب الانصار
[تتمة في الكلام على كعب هذا وشىء من شعره في مدح النبى صلى الله عليه وسلم]
وكان كعب هذا وأبوه وأولاده من فحول الشعراء ومن قوله في النبي صلى الله عليه وسلم
تحدي به الناقة الا دماء معتجرا ... بالبرد كالبد رجلى ليلة الظلم
ففي عطا فيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من خير ومن كرم
ومما يستجاد من قوله
لو كنت أعجب من شئ لا عجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لامور ليس يدركها ... فالنفس واجدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر
ومنه أيضا تنكيل وجبن يقال نكل فما حمل أى فما جبن (شارح) متكلم على جميعها بعبارة متسعة (وموشح) باعجام الشين واهمال الحاء متكلم على ما يحتاج الكلام منها فقط مأخوذ من الوشاح الذي تجعله المرأة في خلقها (ومعارض) منشد على قافيتها (فشرفت) بفتح المعجمة وضم الراء (وذكر انه لما أتاه حين انشاده الى آخره) ذكر ذلك أهل السير (وجودة الشعر) بفتح الجيم وضمها (خلع عليه بردته) مكافأة لما قاله ففيه جواز كسوة الشاعر واعطائه شيأ من المال ما لم يكن في ذلك اعانة على شعر محرم (لولا) أى هلا (فانهم أهل لذلك) هذا من جملة مناقبهم اذ شهد النبي صلى الله عليه وسلم باهليتهم للخير (فقال أبياتا) أولها
من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مغنم من صالحى الانصاري
(الادماء) بالمد السوداء (معتجرا) بالمهملة والجيم والراء أي شادا وسطه (ففى عطا فيه) بكسر العين تثنية عطف وهو الجانب (وهو مخبوء) بالهمز مرصد من حيث لا يشعر(1/456)
مقالة السوء الى أهلها ... أسرع من منحد رسائل
ومن دعا الناس الى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
[مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها]
ومن النوازل في سفر الفتح قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها ان النبى صلى الله عليه وسلم قد كان بعث عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى في جيش فلما كانوا ببطن إضم مر بهم عامر بن الاسبط الاشجعي فسلم عليهم فكف القوم عنه فحمل عليه محلم فقتله لعداوة كانت بينهما وذلك قبل الفتح فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه عظم ذلك عليه ونزل في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين جاءه عيينة بن حصن يطلب القود من محلم لكونه يومئذ رئيس غطفان وجاءه الاقرع بن حابس يدافع عن محلم لكونه وإياه من خندف فاختصما في ذلك وجعل صلى الله عليه وسلم يشير بالدية فقال عيينة والله لا أدعه حتي أذيق نساءه من الحر ما أذاق نسائى فقام رجل يقال له مكيتل أو مكيتر فقال يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل مثلا في غرة الاسلام الا كغنم وردت فرمت أولاها فنفرت أخراها أسنن اليوم وغير عدا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال بل يأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين اذا رجعنا فقبلوا فقام محلم فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنته بالله ثم قتلته ثم رفع رسول الله صلى الله عليه (مقالة السوء الى أهلها الى آخره) هو رابع بيت من قصيدة له أولها
ان كنت لا ترهب ذمي لما ... تعرف من صفحى عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل
فالسامع الذم شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل
قصة محلم بن جثامة وهو بضم الميم وفتح المهملة وكسر اللام المشددة وجثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة وهو أخو الصعب بن جثامة قال السهيلي مات في حمص أيام ابن الزبير انتهي ويرده سياق القصة (ابن أبى حدرد) بحاء مهملة مفتوحة فدالين مهملتين الاولى ساكنة بينهما راء مفتوحة مصروف (ببطن إضم) بكسر الهمزة وفتح المعجمة وتخفيف الميم واد بين مكة واليمامة (ابن الاضبط) باعجام الضاد واهمال الطاء بينهما موحدة (رئيس غطفان) بالنصب خبر كان وغطفان بفتح المعجمة والمهملة والفاء (خندف بكسر) المعجمة وسكون النون وكسر المهملة وفتحهما كما مر (من الحر) بالمهملة والراء أى الحرقة وهى المصيبة (مكيتل أو مكيتر) بتقديم التحتية على الفوقية مصغرا ويكبر كالاول الا ان فيه ابدال اللام (في غرة الاسلام) بضم المعجمة وتشديد الراء أي في الاسلام والغرة صلة (اسنن) أمر من السنن (وغير) أمر من التغيير(1/457)
وسلم يديه وقال اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه فمكث بعدها سبعا ومات فدفنوه ثلاث مرات فلم تقبله الارض فألقوه بين جبلين فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره قال ان الارض لتقبل من أشر منه ولكن الله أراد ان يعظكم به في جرم ما بينكم بما أراكم منه رواه ابن اسحق وأبو داود وابن عبد البر وتفاوتت ألفاظهم فيه وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا ولا خلاف ان الذي لفظته الارض محلم بن جثامة والله أعلم* وفي هذه السنة ولد ابراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده في ذي الحجة مرجع أبيه من سفر الفتح وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية بنت شمعون القبطية من هدايا المقوقس واسترضع عند أبي سيف (اللهم لا تغفر لمحلم) انما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم زجرا وتنكيلا له ولغيره عن الجرأة على اراقة الدماء ولا يلزم من الدعاء عليه بعدم المغفرة عدم كونه مسلما ولا صحابيا لان عدمها انما يقتضى التعذيب على ذلك الذنب الصادر منه ثم ربما كان في الدنيا والآخرة وربما كان في أحداهما فقط وكان تعذيب محلم عدم قبول الارض له ولا يلزم من ذلك نفي صحبته وعدالته اذ قرينة الحال دالة على انه جاء تائبا (فمكث) مثلث الكاف والضم والفتح أشهر (بعدها) أى بعد هذه القصة قال في الشفاء كان مكثه (سبعا) أي سبعة أيام وهذا يرد ما مر آنفا عن السهيلي ثلاث مرات وفي الشفاء مرات بعد ذكر ثلاث (بين جبلين) وفي الشفاء بين صدين بضم الصاد وفتحها وتشديد الدال المهملتين والصد جانب الوادى (في جرم) بضم الجيم وسكون الراء (رواه) محمد (ابن اسحق) فى السيرة (وأبو داود) في السنن (و) ساق ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن عباس رضى الله عنهما (وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا) وهو انها انما نزلت في شأن اسامة بن زيد حين قتل مرداس بن نهيك بعد ان قال لا اله الا الله محمد رسول وقصته مشهورة أو فى نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مر عليهم رجل من بنى سليم معه غنم فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله الآية رواه الشيخان وأبو داود والترمذى عن ابن عباس (لفظته) بكسر الفاء أي أخرجته* تاريخ ولادة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان مولده في) يوم الاربعاء آخر يوم من (ذي الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها كما مر (وكانت قابلته) بالفتح خبر كان و (سلمى) اسمها ويجوز عكسه وسلمى بفتح السين المهملة وسكون اللام بلا خلاف (مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقيل مولاة صفية عمته وهي زوجة أبي رافع وداية فاطمة الزهراء (مارية) بوزن حارثة (بنت شمعون) بفتح المعجمة وسكون الميم وضم المهملة (القبطية) نسبة الي القبط (المقوقس) بضم الميم وفتح القاف الاولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة كما مر (واسترضع) مبني للمفعول فيه كما قال النووي جواز الاسترضاع (أبي سيف) اسمه البراء بن أوس(1/458)
القين وامرأته أم سيف وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب اليه فيزوره عنده وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ولد لى الليلة ولد فسميته باسم أبى ابراهيم وانه دخل عليه في مرضه فوجده يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها بأخرى فقال ان العين يدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون وكان عمره سبعين ليلة (القين) بفتح القاف وسكون التحتية ثم نون الحداد (و) عند (امرأته أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر (وكان يذهب اليه فيزوره عنده) كما روى مسلم عن أنس قال ما رأيت أحدا كان ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم مسترضعا له في عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخلن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع انتهي قال النووي فيه استتباع العالم والكبير بعض أصحابه اذا ذهب الى منزل قوم ونحوه وفيه الادب مع الكبار وفيه بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال وفيه فضيلة رحمة العيال والاطفال وتقبيلهم (وورد في الحديث الصحيح) فى مسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود عن أنس (ولد) فى بعض الروايات غلام (فسميته باسم أبي ابراهيم) ففيه كما قال النووى جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز تسميته بأسماء الانبياء وانما سماه باسم ابراهيم مع ان التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ونحوهما أفضل احياء لاسم ابراهيم بأمر من الله عز وجل ويرشد الى ذلك قوله باسم ابراهيم ولم يقل فسميته ابراهيم (يجود بنفسه) أى يخرجها ويدفعها كما يجود الانسان بماله ولمسلم يقيد بنفسه بفتح الياء وكسر القاف وهو بمعناه (تذرفان) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء أى يجري دمعهما ولمسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه جواز البكاء على المريض والحزن وان ذلك لا ينافي الرضى بالقدر بل رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما المحرم الندب ونحوه من القول الباطل ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقول الا ما يرضى ربنا (وأنت يا رسول الله) قال في التوشيح معطوف على مقدر في المعنى أي الناس لا يصبرون وأنت تفعل كفعلهم ولابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف فقلت يا رسول الله تبكى أو لم تنه عن البكاء فقال انما نهيت عن صوتين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان انما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وله عن محمود بن لبيد انما أنا بشر وعن عبد الرزاق من مرسل مكحول انما انه الناس عن النياحة ان يندب الرجل بما ليس فيه (ثم اتبعها) أى اتبع الدمعة الاولى (باخرى) وقيل اتبع الكلمة بكلمة أخري (فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الاما) أي الذى (يرضي ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون) ولمسلم والله يا ابراهيم انا بك لمحزونون زاد ابن سعد في الطبقات لولا انه أمر حق ووعد صدق وسبيل مأتية وان آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا (وكان عمره سبعين ليلة) كما في سنن أبي داود لان وفاته كانت يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الاول كما مر عن الواقدي(1/459)
وقيل سبعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا وقال صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا في الجنة وكسفت الشمس يوم مات فقال الناس كسفت لموت ابراهيم فنهاهما النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته.
والزبير ابن بكار في الكسوف (وقيل) ستة عشر شهرا وقيل (سبعة أشهر) صوابه سبعة عشر شهرا واقتصر على ذلك النووي في شرح مسلم (وقيل ثمانية عشر شهرا) وقال ابن حزم سنتان الاشهرين (وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا) وفي رواية ظئران تكملان رضاعه (في الجنة) رواه مسلم عن أنس والظئر بكسر المعجمة وسكون الهمزة وراء هي المرضع ولد غيرها ويسمى زوجها ظئرا أيضا ويكون هذا الاتمام عقب موته نقله النووى عن صاحب التحرير فيدخل الجنة متصلا بموته فيتم بها رضاعه كرامة له ولابيه صلي الله عليه وسلم وظاهر هذا الكلام أنها خصوصية لابرهيم قال في الديباج وقد أخرج ابن أبى الدنيا في العزاء من حديث ابن عمر مرفوعا كل مولود يولد في الاسلام فهو في الجنة شبعان ريان يقول يا رب أورد على ابوى وأخرج ابن أبي الدنيا وابن ابى حاتم في تفسيره عن خالد بن معدان قال ان في الجنة لشجرة يقال لها طوبي كلها ضروع فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى وحاضنهم ابراهيم خليل الرحمن وأخرج ابن أبى الدنيا عن عبيد بن عمير قال ان في الجنة لشجرة لها ضروع البقر يغذى منها ولدان أهل الجنة فهذه الاحاديث عامة في اولاد المؤمنين ويمكن أن يقال وجه الخصوصية في السيد ابرهيم كونه له ظئران اي مرضعان من خلقة الآدميات اما من الحور العين أو غيرهن وذلك خاص به فان رضاع سائر الاطفال انما يكون من صروع شجرة طوبي ولا شك ان الذى للسيد ابراهيم اكمل وأتم واشرف واحسن وآنس فان الذى يرضع من مرضعتين يكرمانه ويربيانه ويؤنسانه ويخدمانه ليس كالذى يرضع مرضع شجرة او ضرع بقرة ويمكن ان يكون له خصوصية أخرى وهو ان يدخل الجنة عقب الموت بجسده وروحه ويرضع بهما معا وسائر الاطفال انما يرضعون عقب الموت في الجنة بأرواحهم لا بأجسادهم فتنزل كلام صاحب التحرير على هذا وقد نص على ما يؤخذ منه ذلك البيهقي في كتاب عذاب القبر (وكسفت الشمس الى آخره) مضي الكلام عليه في الكسوف (فائدة) الحكم في موت ابرهيم وسائر ولد النبي الذكور في حياته صلى الله عليه وسلم ما رواه الماوردى عن أنس وابن عساكر عن جابر وابن عباس وابن ابى اوفي عنه صلي الله عليه وسلم قال لو عاش ابراهيم لكان صديقا نبيا وروى ابن سعد عن مكحول مرسل لو عاش ابراهيم مارق له خال وروي أيضا عن الزهرى مرسلا لو عاش ابراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطى.
تم بتوفيق الله وعونه طبع الجزء الاول من كتاب بهجة المحافل وشرحه ويتلوه الجزء الثاني وأوله فصل اذكر فيه شيئا من السرايا والبعوث الخ وكان ذلك في أواخر شهر شوال سنة 1330 هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم(1/460)
الجزء الثاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[تتمة القسم الأول في تلخيص سيرته]
[تتمة الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وسلم وما بعدها إلى وفاته]
[فصل في السرايا والبعوث التي جهل زمنها وكان ذلك قبل الفتح]
(فصل) اذكر فيه شيأ من السرايا والبعوث مما جهل موضعه من الزمان وعلم بأدنى قرينة وقوعه قبل الفتح حرصا على تمام الفائدة ولئلا يشذ شىء منها من كتابنا والله ولى التوفيق* من ذلك ما روينا فى صحيح البخاري عن أبى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن اثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج اليه النبى صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندي خير (فصل) اذكر فيه شيأ من السرايا والبعوث (لئلايشذ) بالمعجمتين يخرج (في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن أبي داود (خيلا) أي فرسانا (ثمامة) بضم المثلثة (بن أثال) بضم الهمزة وبعدها مثلثة خفيفة وهو مصروف (من سواري المسجد) فيه جواز ربط الاسير وحبسه وجواز ادخال الكافر المسجد وقال عمر ابن عبد العزيز وقتادة ومالك لا يجوز لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ونحن نقول ان ذلك خاص بالمسجد الحرام (ما عندك ياثمامة) في الحديث انه كرر ذلك ثلاث مرات ففيه تأليف القلوب وملاطفة من يرجي اسلامه من الاشراف الذين يتبعهم على الاسلام خلق كثيرون قاله النووي(2/2)
يا محمد ان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتى كان الغد ثم قال ما عندك يا ثمامة فقال عندى ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى اذا كان بعد الغد فقال له ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك قال اطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله والله يا محمد ما كان على وجه الارض وجه أبغض الىّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه اليّ والله ما كان دين أبغض الىّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين الىّ والله ما كان من بلد ابغض الىّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد اليّ وان خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأمره ان يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال بلى ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتي يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ثمامة هذا من رؤساء (ان تقتل) وفي رواية لمسلم ان تقتلنى (تقتل ذادم) بالمهملة وتخفيف الميم قيل معناه صاحب دم خطير لدمه وقع يستشفى قاتله بقتله ويدرك ثاره أي لكونه رئيسا فاضلا وقيل معناه من عليه دم هو مطلوب به ومستحق عليه فلا عتب عليك في قتله قال عياض ورواه بعضهم فى سنن أبى داود وغيره ذاذم بالمعجمة وتشديد الميم وهي رواية الكشميهنى في البخاري أي ذاذمام وحرمة في قومه ومن اذا عقد ذمة وفي بها قال وهذه الرواية ضعيفة لانها نقلت المعنى فان من له حرمة لا يستوجب القتل انتهى وقال النووي يمكن تصحيحها ويحمل على معنى التفسير الاول أى تقتل رجلا جليلا يحتفل به قاتله لفضله بخلاف ما اذا قتل ضعيفا مهينا فانه لا فضيلة في قتله ولا يدرك به قاتله ثاره (اطلقوا ثمامة) وكان ذلك بعد ان قال أكلة من جزور أحب الى من دم ثمامة ذكره السهيلي وفيه جواز المن على الاسير وهو ما ذهب اليه جمهور العلماء (فانطلق الى نخل) بالمعجمة ولابي الوقت فى صحيح البخاري بالجيم والنجل الماء القليل النابع (فاغتسل) فيه غسل الكافر اذا أسلم وهو واجب ان كان قد أجنب في الشرك وان اغتسل فيه لعدم صحة نيته وقال بعض أصحابنا يكفيه الغسل حال الشرك وقال بعضهم وبعض المالكية لا غسل واجب على الكافر وان كان قد أجنب بل يسقط كالذنوب وخص هذا بالوضوء فانه يجب اجماعا وان لم يكن أجنب حال الشرك فالغسل مستحب وينوي به الغسل للاسلام قال أحمد واخرون بوجوبه ويحل الغسل بعد الاسلام وأما قوله فى قصة ثمامة (ثم دخل المسجد فقال الي آخره) أى المقتضي ان الغسل تقدم الاسلام فأجابوا عنه بانه أسلم قبل الغسل ثم ذهب فاغتسل ثم جاء فأعلنه (فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي أي بما حصل له من الخير العظيم بالاسلام وان الاسلام يهدم ما كان قبله (ثم أمره) أمر استحباب (أن يعتمر) أى ليراغم أهل مكة ويغيظهم بذلك (قال له قائل صبوت) هي لغة فصيحة في صبأت وفي هذا وما بعده القرينة التي أشار اليها المصنف الدالة على ان مكة يومئذ لم تفتح والا لما قال له القائل(2/3)
بنى حنيفة. وروى انه لما جاؤا به أسيرا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتدرون من أسرتم هذا تمامة بن اثال احسنوا إساره وهو أول من دخل مكة ملبيا بالتوحيد وفي ذلك يقول شاعر بني حنيفة مفتخرا
ومنا الذي لبي بمكة معلنا ... برغم أبي سفيان في الاشهر الحرم
ولما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وارتد بنو حنيفة قام فيهم مقاما حميدا وأطاعه منهم ثلاثة آلاف فانحاز بهم الى المسلمين. وذكر بعضهم ان أمير هذه السرية التي اسرت ثمامة العباس بن عبد المطلب رضى الله وذكر ابن اسحق أيضا ان ثمامة هذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معا واحد والكافر في سبعة أمعاء ولا يستقيم شىء من ذلك والله أعلم. ومن ذلك سرية غالب بن عبد الله الليثي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش صبوت ولا قال ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة (بنى حنيفة) قال في التوشيح قبيلة كبيرة تنزل اليمامة (قام فيهم مقاما حميدا) قال السهيلي وذلك انه قام فيهم خطيبا وقال يا بنى حنيفة أين عزبت قلوبكم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب أين هذا من يا ضفدع نقى كم تنقين لا الشراب تكدرين ولا الماء تمنعين مما كان يهذي به مسيلمة (فأطاعه منهم ثلاثة آلاف فانحاز بهم الى المسلمين) ففت ذلك في أعضاد بنى حنيفة (وروي) في كتب السير (اتدرون من أسرتم) استفهام تعظيم له (احسنوا اساره) بكسر الهمزة أي أسره (برغم أبى سفيان) بفتح الراء وضمها أصله الصاق الانف بالرغام بفتح الراء وهو التراب (في الاشهر الحرام) بالوقف (وذكر ابن اسحق ان ثمامة هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره) وذلك بعد ان أضافه فشرب حلاب سبع شياه ثم أسلم من الغد فشرب حلاب شاة ولم يتم حلاب ثانية وقيل ان ذلك جهجاه الغفاري وقيل نضرة بن أبي نضرة الغفارى وفي الدلائل للبيهقى ان اسمه نضلة (المؤمن يأكل في معا واحد الى آخره) رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمرو ورواه أحمد ومسلم عن جابر ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة ورواه مسلم وابن ماجه عن أبي موسى ولاحمد ومسلم والترمذي في رواية المؤمن يشرب بدل يأكل والمعا بكسر الميم مقصور بوزن الرضى وهذا مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا فليس المراد حقيقة المعا ولا خصوص الاكل وقيل لانه يأكل الحلال وهو أقل من الحرام وقيل حض المؤمن على قلة الاكل اذ علم ان كثرته صفة الكافر فان نفس المؤمن تنفر من الانصاف بصفة الكافر وقيل خرج مخرج الغالب وقيل المراد بالمؤمن تام الايمان لكثرة فكره وشدة خوفه فيمنعانه من استيفاء شهوته كحديث من كثر فكره قل طعمه ومن قل فكره كثر طعمه وقيل لان المؤمن لا يشركه الشيطان لانه يسمى فيكفيه القليل (والكافر يأكل فى سبعة امعاء) مثل لحرص الكافر وشدة رغبته في الدنيا وقيل لان الكافر يأكل الحرام(2/4)
وامره ان يشن الغارة على بنى الملوح وهم بالكديد فبيتوهم ليلا وقتلوا من قتلوا واستاقوا نعمهم فلما أصبحوا اغاروا خلفهم فلما أدركوهم جاء وادي قديد بسيل عظيم فحال بينهم وبينهم فانطلقوا على مهلهم حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم* ومن ذلك غزوة عبد الله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام وكان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في نفر من أصحابه منهم عبد الله ابن أنيس فلما قدموا عليه قربوا له القول ووعدوه ان يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معهم فلما كانوا بالقرقرة ندم ففطن له عبد الله بن انيس وهو يريد السيف فاقتحم به وكان رديفه ثم ضربه بالسيف فقطع رجليه وضربه اليسير في رأسه فأمه ثم مالوا على أصحابه من اليهود فقتلوهم الا رجلا فر على رجليه فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تقح* ومن ذلك غزوة عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان وهو أكثر من الحلال وقيل ان كثرة الاكل من صفات الكافر يدل عليه قوله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وقيل المراد شخص بعينه كما مر فاللام عهدية وقيل خرج مخرج الغالب وحقيقة السبعة غير مرادة وقيل ان الشيطان يشركه لعدم تسميته قال النووي المختار ان المرادان بعض المؤمنين يأكلون في معا واحد وان أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم ان يكون كل من السبعة مثل معا المؤمن ويدل على تفاوت الامعاء ما ذكره عياض عن أهل الطب ان أمعاء الانسان سبعة المعدة ثم ثلثة أمعاء متصلة بها الثواب ثم القائم ثم الرقيق والثلثة دقاق ثم اعورو القولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى ان الكافر لا يشبعه الاملء تلك الامعاء السبعة والمؤمن يشبعه ملء واحد قال النووي وقيل المراد بالسبعة سبع صفات الحرص والشره وطول الامل والطمع والحسد وسوء الطبع والسمن وبالواحد من المؤمن سدخلته* سرية عبد الله بن غالب الليثي (ان يشن) بالمعجمة يفرق (بني الملوح) بضم الميم وفتح اللام وفتح الواو المشددة ثم مهملة (وهم بالكديد) بفتح الكاف ومهملتين الاولى منهما مكسورة بينهما تحتية ساكنة ماء بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلا (وادي قديد) بالتصغير مر ذكره (على مهلهم) بفتح الميم والهاء والمهلة الهينة والسكون ويقال فيه مهلة بالهاء والفوقية والقرينة الدالة على كون هذه السرية قبل الفتح انها كانت بين مكة والمدينة ولم يبق بينهما بعد الفتح مشرك* غزوة عبد الله بن رواحة (اليسير) بالتحتية والمهملة مصغر (ابن رزام) بتقديم الراء على الزاي المخففة (ابن أنيس) بالنون والمهملة مصغر (بالقرقرة) بتكرير القاف والراء وهي قرقرة الكدر كما مر (ففطن) بكسر الطاء اشهر من فتحها (فاقتحم) بالقاف والفوقية وثب بسرعة (وكان) اسمها مستتر فيها أى اليسير (رديفه) خبرها (فأمه) بفتح الهمزة وتشديد الميم أي أصاب ام دماغه (وتفل) بالفوقية والفاء (فلم تقح) بفتح الفوقية وكسر القاف من اقاح الجرح صار فيه قيح ولعياض في(2/5)
الهذلى وكان بنخلة يجمع الناس لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله بن أنيس لا يعرفه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم تعريفه فقال انك اذا رأيته اذكرك الشيطان وآية ما بينك وبينه انك اذا رأيته وجدت له قشعريرة فلما انتهى اليه وجد العلامة التي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له جئتك حين سمعت بجمعك لهذا الرجل قال أجل انا في ذلك قال عبد الله فمشيت معه ساعة حتى اذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال أفلح الوجه ثم أدخلني بيته فأعطانى عصا فخرج بها عبد الله ثم رجع فقال يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية ما بيني وبينك يوم القيامة فصحبها عبد الله حتى مات وأمر بها أن تدفن معه وفى ذلك يقول عبد الله بن أنيس رضى الله عنه
تركت ابن ثور كالحوار وحوله ... نوائح تفري كل جيب مقدد
وقلت له خذها بضربة ماجد ... حنيف على دين النبي محمد
وكنت اذا هم النبى بكافر ... سبقت اليه باللسان وباليد
ومن ذلك غزوة عيينة بن حصن بني العنبر من تميم فأصاب منهم ناسا وسبي منهم سبيا ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يطلبون مفاداتهم وجعلوا الشفا فلم يمد بوزنه ومعناه والقرينة الدالة على كون هذه الغزوة قبل الفتح ان فتح مكة انما كان بعد خيبر وهذه قبل فتح خيبر. غزوة عبد الله بن أنيس (الشيطان) بالنصب مفعول (وآية ما بينك وبينه) أي علامة (قشعريرة) بتثليث القاف والفتح والضم أشهر وسكون المعجمة وفتح المهملة وكسر الراء الاولى وفتح الثانية بينهما تحتية ساكنة وهى تحرك الجلد وانقباضه من الفزع ونحوه (وأمر بها ان تدفن معه) فيه التبرك بآثار الصالحين (ابن ثور) بالمثلثة (كالحوار) بضم المهملة وتخفيف الواو ولد الناقة ما دام يرضع مشتق من الحور وهو الرجوع سمى بذلك لرجوعه الى أمه ونردده اليها (نولئح) جمع نائحة (تفرى) تقطع (ماجد) كريم (حنيف) مائل الى دين الاسلام والقرينة الدالة على ان هذه الغزوة قبل الفتح انه كان بنخلة ولم يبق بنخلة بعد الفتح مشرك (بنى العنبر) قبيلة (من تميم) على لفظ العنبر الذي فى البحر (وسبي منهم سبيا) وذلك لانهم هربوا وتركوا عيالهم لما علموا انه توجه اليهم كما في تفسير البغوي (فجاء بعد ذلك رجالهم) قال البغوي كان قدومهم المدينة وقت الظهيرة فوافقوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلا في أهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا الى آبائهم أي تهيؤا للبكاء وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة فعجلوا قبل ان يخرج اليهم(2/6)
ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلف الحجاب يا محمد أخرج الينا وهم الذين نزل فيهم قول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» ثم خرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم ففادى نصفهم وأعتق نصفهم وقال مقاتل في قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي كنت أعتقت جميعهم وذكر ابن اسحق فيمن قدم بسبب السبايا القعقاع بن معبد وقيس بن عاصم والاقرع بن حابس وفي ذلك قال الفرزدق
وعند رسول الله قام ابن حابس ... بخطة سوّار الى المجد حازم
له أطلق الاسرى التي فى حباله ... مغللة أعناقها في الشكائم
وروى البخارى في سياق هذه الغزاة عن عبد الله بن الزبير انه لما قدم ركب من بنى تميم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد بن زرارة وقال عمر بل أمر الاقرع بن حابس قال ابو بكر ما اردت الاخلافي قال عمر ما اردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت اصولتهما فنزل في ذلك قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» الآية والتى بعدها* ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون من خلف الحجر يا محمد اخرج الينا حتي ايقظوه من نومه فخرج اليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبريل فقال ان الله تعالى يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن يكون بينى وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم قالوا نعم قال سبرة لا أحكم بينهم الا وعمي شاهد وهو الاعور بن بشامة فرضوا به فقال الاعور أري ان تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضيت ففادي نصفهم واعتق نصفهم (فانزل فيهم قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) وصفهم بالجهل وقلة العقل وقال قتادة نزلت في أناس من اعراب بني تميم جاؤا الى النبى صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب (القعقاع) بفتح القافين وبتكرير المهملة الاولى ساكنة (ابن معبد) بالمهملتين والموحدة بوزن احمد وهو ابن زرارة (قال الفرزدق) بفتح الفاء والراء والمهملة وسكون الزاي آخره قاف الشاعر المشهور واسمه همام بن غالب بن صعصعة (بخطة) بضم المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة (سوار) بالمهملة وثاب وزنا ومعنى (حازم) بالمهملة والزاي (الاسرى) بفتح الهمزة وسكون السين جمع أسير لغة في الاسارى قرئ بها في القرآن (في حباله) بالمهملة والموحدة (مغللة أعناقها) أى جعل في أعناقها الغل بضم المعجمة (في الشكائم) وهى الحبال التي ربط بعضها ببعض (وروى) البخاري والترمذي والنسائى (أمر القعقاع) أمر من الامارة (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) قرئ من التقديم وهو لازم بمعني التقدم وقرأ يعقوب لا تقدموا أي لا تتقدموا من التقدم قال ابو عبيد تقول العرب لا تقدم بين يدى الامام أي لا تعجل بالامر والنهى دونه* سرية زيد بن حارثة الى مدين وهي بفتح الميم والتحتية(2/7)
ذلك سرية زيد بن حارثة الى مدين وما رواه عبد الله بن الحسن المثني عن أمه فاطمة بنت الحسين رضى الله عنهم قالت ان رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين فأصاب سبيا من أهل مينا وهي السواحل وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم فقيل يا رسول الله فرق بينهم فقال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم الا جميعا يعني الاولاد والامهات قال ابو عبد الله البخاري
[باب بعث النبي صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد إلى الحرقات السنة التاسعة من الهجرة وتسمى سنة الوفود]
(باب) بعث النبى صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة ثم روى بسنده عن اسامة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الانصارى عنه وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أسامة اقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فقلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم وذكر بعده غزوة الفتح ورواه مسلم أيضا وزاد قال قلت يا رسول الله انما قالها خوفا من السلاح فقال أفلا شققت وسكون المهملة بلدة على ثمانية أيام من مصر سميت باسم مدين ابراهيم (عبد الله بن الحسن المثني) بن الحسن بن علي بن أبي طالب (أمه فاطمة بنت الحسين) بن علي ومن ثم كان يسمي المحض أى الخالص (مينا) بكسر الميم وسكون التحتية ثم نون مقصور (جماع) بكسر الجيم أي جمع كبير (لا تبيعوهم الا جميعا) فيه حرمة التفريق بين الولد الذى لم يميز وبين أمه بنحو البيع ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع على بطلان العقد لامتناع التسليم شرعا ففى مسند أحمد وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة حسنه الترمذي وصححه الحاكم وللطبرانى في الكبير عن معقل بن يسار من فرق فليس منا (الحرقات) بضم المهملة والراء بعدها قاف نسبة الى حرقة واسمه خميس بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة (الى الحرقة) بضم الحاء والراء أيضا (فصبحنا) القوم بتشديد الموحدة جئناهم وقت الصباح (أنا ورجل من الانصار) قال ابن حجر قيل هو أبو الدرداء (رجلا منهم) قال البغوي وابن بشكوال وغيرهما هو مرداس بن مهيك رجل من بنى مرة بن عوف قال البغوى وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره (فلما غشيناه) بكسر الشين أي قربنا منه قربا كليا (قال لا إله الا الله) زاد البغوي محمد رسول الله السلام عليكم (حتى قتلته) زاد البغوي وأستقت غنمه (بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) زاد البغوى فوجد وجدا شديدا (فقلت كان متعوذا) بكسر الواو معتصما (حتى تمنيت اني لم اكن اسلمت قبل ذلك اليوم) ولمسلم اني أسلمت يومئذ أي ابتدأت الاسلام الآن وانه لم يكن تقدم اسلامي ليمحو عنى ما تقدم قال ذلك من عظم ما وقع فيه زاد البغوي ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث وقال اعتق رقبة (ورواه مسلم أيضا) في كتاب الايمان (أفلا شققت(2/8)
عن قلبه حتى تعلم اقالها خوفا أم لا وفيها قال سعد بن أبى وقاص والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة ومعنى ذلك ما رواه ابن اسحق عن أسامة قال قلت انظرنى يا رسول الله انى أعاهد الله ان لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا قال تقول بعدى يا أسامة قال قلت بعدك ولهذا اعتزل أسامة رضى الله تعالى عنه الحروب التي جرت بين الصحابة رضى الله عنهم فلم يخالط شيئا منها وذكر ابن اسحق ان أمير هذه السرية غالب بن عبد الله الكلبى والله أعلم وهذا الحديث وما سبق قبله من قصة خالد مع بني جذيمة من أعظم الزواجر على الاجتراء على اراقة الدماء مع قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً وقال صلي الله عليه وسلم لا يزال المرء عن قلبه) استفهام توبيخ وتقريع (حتى تعلم أقالها) أي القلب (ذو البطين) تصغير بطن لان أسامة كان له بطن (انظرني) بقطع الهمزة مع كسر المعجمة وبوصل الهمزة مع ضمها أى أمهملنى (قال تقول بعدى) اشارة منه صلى الله عليه وسلم الى الهنات التى وقعت بعده (ولهذا اعتزل اسامة الحروب) وممن اعتزلها من الصحابة محمد بن مسلمة وأبو بكرة وعبد الله بن عمر وأبو ذر وحذيفة وعمران بن الحصين وأبو موسى وأهبان بن صيفى وسعد ابن ابى وقاص وغيرهم ومن التابعين شريح والنخعي وغيرهما (غالب بن عبد الله الكلبي) وفي تفسير البغوي انه غالب بن فضالة الليثي (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) وهو أن يقصد الفعل والانسان بما يقتل غالبا ولم يكن ممن رفع عنه القلم ذلك اكبر الكبائر بعد الكفر كما نص عليه الشافعي (فجزاؤه جهنم) ان أراد أن يجازيه ولكنه ان شاء عذبه بذنبه وان شاء غفر له بكرمه فانه وعدانه يغفر لمن يشاء وليس اخلاف الوعيد خلفا وذما عند العرب بل اخلاف الوعد وأنشدوا عليه
واني ان أوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي ومنجز موعدي
فليس في الآية دليل على عدم قبول توبة القاتل وما رواه الطبراني في الكبير والضيا في المختارة عن أنس ابي الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة وما رواه أبو داود عن أبي الدرداء وأحمد والنسائي والحاكم عن معاوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ذنب عسى الله ان يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا وما رواه الشيخان عن ابن عباس من عدم قبول توبته فتشديد ومبالغة في الزجر فقد روى البيهقى في سننه عنه انه ان لم يقبل يقال لا توبة لك وان قتل ثم جاء يقال لك توبة وروى ذلك عن سفيان بن عيينة أيضا (خالدا فيها) نزلت في مقيس بن صبابة حيث قتل وارتد كما مر وبتقدير عمومها محمولة على من قتل مستحلا أو المراد بالخلود فيها المكث الطويل أو خرج مخرج الزجر البليغ فبطل استدلال المعتزلة ونحوهم بالآية على عدم قبول توبة القاتل وتخليد أهل الكبائر فى النار (لا يزال المرء الى آخره) أخرجه(2/9)
في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وانظر كيف لم يعذر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هؤلاء وقد كان فعلهم فى نصر دين الاسلام وقبل تقرر الاحكام وتأولوا انما قيلت في هذه الحال خوفا من القتل وهو الذي يقرب الى الافهام فلم يعذرهم بشىء من ذلك صلي الله عليه وسلم بل قال لاسامة أفلا شققت عن قلبه ومعناه لو فعلت لم يفد ذلك ولم يكن ذلك سبيلا الى معرفة ما هناك فلم يبق الا ان يبين عنه لسانه ففي هذا ان الاحكام الشرعية تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر والله سبحانه أعلم*
[ذكر وفد بنى تميم وبني حنيفة وأهل نجران]
السنة التاسعة وسميت سنة الوفود لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة أيقنت العرب بظهوره فبعثت كل قبيلة جماعة من رؤسائهم باسلامهم وأصح أحاديث الوفود حديث وفد عبد القيس ووفد بنى تميم ووفد بني حنيفة وأهل نجران: اما حديث عبد القيس فسبق في قصته وحديث بني تميم أيضا مر قريبا فى ذكر سرية عيينة بن حصن وذكر البخاري في ترجمة وفد بنى تميم حديثا واحدا وهو ما روي عن عمران بن الحصين قال أتى نفر من بنى تميم النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال اقبلوا البشرى يا بنى تميم فقالوا يا رسول الله قد بشرتنا فاعطنا فرئ ذلك فى وجهه فجاء نفر من اليمن فقال اقبلوا البشرى اذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا قد قبلنا يا رسول الله: وذكر أهل السير لوفد بني تميم جملة من الاخبار منها أنه لما قام خطيبهم وشاعرهم البخاري من حديث ابن عمر وأخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي الدرداء (في فسحة) بتثليث أوله والضم أشهر ثم مهملتين الاولى ساكنة أي سعة (من دينه) بالمهملة فالتحتية فالنون أي لا يزال دينه واسعا لا يضيق عليه وقال ابن العربي الفسحة في الدين سعة الاعمال الصالحة حتي اذا جاء القتل ارتفع القبول وللكشميهنى في البخاري بالمعجمة فالنون والموحدة أي لا يزال المؤمن في استراحة من ذنبه وفى رواية لابي داود لا يزال عفيفا صالحا (ما لم يصب دما حراما) زاد أبو داود فاذا أصاب دما حراما بلح بالموحدة والمهملة وتشديد اللام أي اعيا وانقطع قاله الهروي (تناط) بالنون والمهملة مبني للمفعول أي تعلق والنوط التعليق (بالمظان) بفتح الميم وتخفيف المعجمة وتشديد النون جمع مظنة بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد النون وهي المحل الذي يظن حصول الشيء فيه. السنة التاسعة (وتسمى) هذه (سنة) بالنصب (وأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم ثم راء ثم ألف ثم نون جبال من جبال اليمن على سبع مراحل من مكة سمى بنجران بن دبران بن سبا (قد بشرتنا فاعطنا) قائل ذلك الاقرع بن حابس (فريء في وجهه) بكسر الراء والمدلغة في رؤى (فقالوا قد قبلنا يا رسول الله) هذا من جملة فضائل أهل اليمن (وذكر) المفسرون (وأهل السير) كابن اسحق وابن سيد الناس ومغلطاي وغيرهم (جملة من الاخبار منها) انهم لما جاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم نادوا على الباب اخرج الينا يا محمد فان مدحنازين(2/10)
قام ثابت بن قيس بن شماس وحسان بن ثابت فأجاباهم فقال الاقرع بن حابس ان محمدا لمؤتى له خطب خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أحسن من شاعرنا ثم أسلم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما يضرك ما كان قبل هذا* وذكر فى وفدهم عطارد بن حاجب وهو صاحب الحلة التى جرى ذكرها في الصحيح وكان أبوه حاجب بن زرارة وفد على كسرى فكساه إياها وظهر من متفقات الاحاديث ان مجييء بني تميم مرات والله اعلم وذمناشين فخرج النبى صلى الله عليه وسلم اليهم وهو يقول انما ذلكم الله الذى مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا ليشاعرك ويفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثت ولا بالفخر أمرت ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ثم (قام ثابت بن قيس) فاجاب خطيبهم (وحسان بن ثابت) فأجاب شاعرهم فقال الاقرع بن حابس (ان محمدا لمؤتي له) بضم الميم وفتح الهمزة وتشديد الفوقية وتأتى له الامر اى تهيأ (ثم أسلم) فقال أشهد أن لا إله الا الله وانك رسول الله (ما يضرك ما كان قبل هذا اليوم) من المعاصي والذنوب لانهدامه بالاسلام زاد البغوى بعد هذا ثم أعطاهم أموالهم ونساءهم وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الاهتم بالفوقية لحداثة سنة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم (وذكر في وفدهم) بالبناء للمفعول (عطارد) بضم العين وكسر الراء مهمل مصروف (زرارة) بضم الزاي (صاحب الحلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام قال أهل اللغة الحلة ثوبان غير لفيفين سميا بذلك لان كل واحد يحل محل الآخر قال الخليل ولا يقال حلة لثوب واحد (التى جرى ذكرها في) الحديث (الصحيح) فى الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رأى عمر حلة من استبرق وفي رواية حلة سيراء تباع وفي رواية رأي عمر عطارد التميمى يقيم بالسوق حلة أى يعرضها للبيع فأتي النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول ابتع هذه فتجمل بها للعيد وللوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما هذه لباس من لا خلاق له أو قال انما يلبس هذه من لا خلاق له ثم لبث عمر ما شاء الله ان يلبث فارسل اليه بحلة ديباج فاتي عمر رضى الله عنه فقال يا رسول الله قلت انما هذه لباس من لا خلاق له ثم أرسلت الىّ بهذه فقال صلى الله عليه وسلم اني لم أرسلها اليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك (وفد على كسري) صاحب العراق ملك الفرس قاله عياض وسبب وفادته ان أباه حاجبا أتي كسرّي في جدب أصابهم يستأذنه لقومه أن يصيروا في ناحية من بلاده حتى يحيوا فقال انكم معاشر العرب ان أذنت لكم أفسدتم البلاد وأغرتم على العباد قال حاجب اني ضامن للملك أن لا يفعلوا قال فمن لى بان تفي قال أرهنك قوسي فضحك من حولهما فقال كسري ما كان ليسلمها أبدا فقبلها منه واذن لهم ثم مات حاجب ووفد عطارد ابنه علي كسرى فطلب قوس ابيه فردها عليه وكساه الحلة المذكورة ذكر ذلك المجد الشيرازي وغيره فمن ثم جاء في الصحيح حلة كسر وانية بكسر الكاف وفتحها* وفد بني حنيفة قال السهيلى واسم أبي حنيفة اياد بن(2/11)
وأما وفد بني حنيفة ففى صحيح البخارى عن ابن عباس قال قدم مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يقول ان جعل لى محمد الامر بعده تبعته وقدمها فى بشر كثير من قومه فاقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال لو تسألنى هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وانى لاراك الذى أريت فيه ما أريت وهذا ثابت يجيبك عنى ثم انصرف عنه قال ابن عباس فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لأراك الذى أريت فيه ما أريت فأخبرنى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدى سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى الى الله في المنام ان انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذا بين نجيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل (ففى صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (مسيلمة) بالتصغير وهو ابن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هنان بن ذهل بن دول بن خليفة (وقدمها) أى المدينة (فأقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء انما أقبل اليه تألفا له ولقومه من رجاء إسلامهم ولتبليغ ما أنزل الله اليه ويحتمل كما قاله عياض انه فعله صلى الله عليه وسلم مكافأة له اذ قصده من بلده وكان إذ ذاك يظهر الاسلام وانما أظهر الكفر بعد ذلك قال عياض وقد جاء في حديث آخر انه هو أتي النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل انهما مرتين (ولن تعدو أمر الله فيك) روى بالنون وهو معنى رواية مسلم ولن أتعد أمر الله فيك وبالفوقية أيضا قال عياض وهما صحيحان فمعني الاول لن أعدو أنا أمر الله فيك من اني لا أحبيبك الى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن اني أبلغك ما أنزل الى وادفع أمرك بالتي هي أحسن ومعنى الثاني ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك مما أملت من النبوة وهلاكك دون ذلك أو فيما سبق من قضاء الله تعالي وقدره من شقاوتك (ولئن أدبرت) عن طاعة الله ورسوله (ليعقرنك) بكسر القاف ليقتلنك (الله) تعالى وقتله الله يوم اليمامة كما سيأتي قال النووي وهذا من معجزات النبوة (وهذا ثابت يجيبك عنى) أى لان وظيفته اجابة الوفود عن خطبهم وسرفهم كما مر (واني لاراك) بالضم أي أظنك (الذى أريت) بضم الهمزة مبني للمفعول (رأيت في يدي) بالتشديد تثنية يد (سوارين) تثنية سوار بكسر السين وضمها وفي رواية اسوارين تثنية أسوار بضم الهمزة وكسرها وهو لغة في السوار (فاهمني) أي أتعبني (شأنهما) أمرهما وفي رواية فى الصحيح ففظعتهما بفاء ومعجمة مكسورة من الامر الفظيع أى الشديد (فاوحي إليّ في المنام) فيه دليل على ان رؤيا الانبياء وحي (ان انفخهما) بضم الفاء وسكون المعجمة (فنفختهما فطارا) فيه كما قال النووي دليل لاعجافهما واضمحلال أمرهما وذهاب أثرهما وكان كذلك وهو من المعجزات (فاولهما كذابين) ووجه مناسبة الذهب للكذاب انه يغر بصورته الحسنة أكثر الناس ويعمى بصائرهم عن التفكر فى(2/12)
يخرجان بعدى احدهما العنسى والآخر مسيلمة فاما مسيلمة فعظم أمره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكان داعية أهل الردة فندب أبو بكر لقتاله خالد بن الوليد فقتله وافنى قومه قتلا وسبيا وقتل وهو ابن مائة وخمسين سنة وكان مولده قبل عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وسمي رحمن اليمامة فكان ذلك من أعظم أسباب فتنته وكان صاحب تبرجات وتمويهات واختلاق وتزوج بسجاح فاختلط الكذابان واسلمت سجاح في خلافة عمر واما العنسي واسمه الاسود ولقبه عبهلة فاتبعه قبائل من مذحج واليمن وغلب العواقب لما يبدو لهم من الزينة فيه وكان باطنه وهو كونه صار عاليا خلاف ظاهره فمن هنا ناسب الكذاب الذى يغر ظاهرا بكذبه ويعمي البصائر عن التفكر في شأنه بما يبدي لهم من زخرف القول (يخرجان بعدى) قال العلماء المراد بقوله بعدى ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة والا فقد كانا في زمنه صلى الله عليه وسلم (أحدهما العنسي) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما نون ساكنة لقب زيد بن مالك بن أدد (فندب أبو بكر) أى أمر خالد (بن الوليد) زاد البغوى في جيش كثير (فقتله) خالد بن الوليد ظاهره انه تولى قتله وهو مخالف لما في تفسير البغوى وغيره ان قتله كان على يد وحشي بن حرب وكان يقول قتلت بهذه الحربة خير الناس في الكفر يريد حمزة وشر الناس في الاسلام يريد مسيلمة وشاركهما أيضا خداش بن بشير بن الاصم ذكره ابن الاثير وغيره (صاحب تبرجات) بفتح الفوقية وسكون الموحدة وضم الراء وبالجيم والفوقية ويقال تبريجات بالتحتية بدل الواو ونيرنجات بكسر النون وسكون الياء وفتح الراء وسكون النون ونيرنجيات بفتح النون ثم سكون النون وكسر الجيم وتشديد التحتية وكلها بمعني الكذب والتمويه (وتمويهات) وهي اظهار شيء وابطان خلافه ما خوذ من تمويه الاناء وهو ان يطلى ظاهره (واختلاق) بالقاف أى كذب (وتزوج) أيضا (بسجاح) بفتح المهملة وتخفيف الجيم آخرها مهملة قال الحريري مبنية على الكسر مثل حذام وقطام لانه معدول واشتقاقه من السجاحة وهى السهولة ومنه ملكت فاسجح وسجاح هذه هى بنت المنذر امرأة من بنى تميم من بني يربوع بن حنظلة كانت كاهنة ثم ادعت النبوة (فاختلط الكذابان) قال صاحب شمس العلوم سألت سجاح مسيلمة عما أوحي اليه فقال ألم تر الى ربك كيف خلق الخلق أخرج منها نسمة تسعي بين صفاق وحشا قالت ثم ماذا قال أوحي ان الله خلق النساء أفواجا وخلق الرجال لهن أزواجا فيولجون فيهن ايلاجا ثم يخرجون اذا شاؤا اخراجا قالت أشهد انك نبي فقال لها هل لك ان أتزوجك قالت نعم فتزوجها لعنه الله ولعن من أوحي اليه (وأسلمت سجاح في خلافة عمر) بعد أن أقرت بالكذب والضلال (وأما العنسي) بفتح المهملة وسكون النون منسوب الى عنس وهو يزيد بن مذحج بن ادد (واسمه الاسود) بن كعب وكان يقال له ذو الحمار بالمهملة وانما قيل له ذو الحمار لانه كان له حمار يقول له قف فيقف وسر فيسير قاله التفتازانى قال وكان نساء أصحابه يتعطرن بروث حماره وقيل كن يعقدن روثه بخمرهن فسمي ذو الخمار بالمعجمة (عبهلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء واللام والجمع عباهلة قال في الصحاح عباهلة اليمن ملوكهم الذين أقروا على ملكهم لا يزولون عنه (من مذحج) بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر المهملة ثم جيم بوزن مسجد وهو أبو قبيلة من اليمن وهو مذحج(2/13)
على صنعاء فقتله فيروز الديلمى غيلة بمواطأة من زوجته وكانت مسلمة وكانت تحدث انه لا يغتسل من جنابته وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتله في مرض موته ومسيلمة والعنسى وابن صياد أول الدجاجلة الذين أشار اليهم صلى الله عليه وسلم بقوله لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله* وأما أهل نجران فانما جاؤا للمحاجة في نبوة عيسي ابن بحاير بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ قال سيبويه الميم فيه من نفس الكلمة وفي القاموس كمجلس اكمة ولدت مالكا وطيئا أمهما عندها فسموا مذحجا (على صنعاء) بالمدوهي قصبة اليمن ويقال انها أول بلد بنيت بعد طوفان نوح (فقتله فيروز) بفتح الفاء وضم الراء آخره زاى (الديلمي) بفتح المهملة واللام وسكون التحتية بينهما زاد البغوى عن ابن عمر فاتي الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التى قتل فيها فقال صلى الله عليه وسلم قتل الاسود البارحة قتله رجل مبارك قيل ومن هو قال فيروز فاز فيروز وذكر الدولابي ان قيس بن مسوج ودادونه رجل من الابناء شاركا في قتله (غيلة) بكسر المعجمة وسكون التحتية أي خفية وكان ذلك انهم دخلوا عليه سربا صنعته لهم امرأته فوجدوه سكران فضربوه باسيافهم ذكره الدولابى أيضا وذكر ابن اسحاق ان امرأته سقته البنج تلك الليلة واحتفرت السرب (بمواطأة من زوجته) اسمها كما ذكره السهيلى المرزبانة وكانت من أجمل النساء فمن ثم اغتصبها (وكانت تحدث) بحذف الاستقبال وفتح الحاء مع الدال أى تتحدث وبضمها مع كسر الدال «فائدة» كان قتل فيروز له عقب ان وقعت له مع أبي مسلم عبد الله بن ثوب بضم المثلثة وفتح الواو ثم موحدة الخولاني قصة القاه الاسود العنسي بسببها في النار فلم يحترق فتركه فجاء مهاجرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالطريق (وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتله في مرض موته) وللبغوي انه بشرهم بقتله ثم مات من الغد وأتي مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الاول بعد مخرج اسامة فكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضى الله عنه (ابن صياد) اسمه صاف وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون) رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة ودجالون جمع دجال ويطلق على كل كذاب وقيل الدجال المموه (قريبا) من ثلثين ولابي نعيم في الحلية عن حذيفة سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا ينافي هذا الحديث ما رواه الطبرانى عن ابن عمرو لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا لان الدجال أخص من الكذاب فلعل الاول من عظمت فتنته كمسيلمة قال عياض لوعد من تنبأ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم الى الآن ممن اشهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته لوجد هذا العدد فيهم ومن طالع كتب الاخبار والتواريخ عرف صحة هذا* وفد نجران: قال الكلبي والربيع بن أنس كانوا سبعين راكبا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا دخلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات فحانت صلاتهم فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المشرق ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فقال السيد والعاقب قد أسلمنا مثلك فقال كذبتما (وانما جاؤا للمحاجة في نبوة عيسي) فأنكروا كونه(2/14)
ونزل بسببهم قوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ الآية ونزل فيهم أيضا آية المباهلة وهي قوله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلىّ خلفهما وهو يقول لهم ان أنا دعوت فامنّوا وهو معنى قوله تعالى ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي نتضرع في الدعاء والبهل اللعن أيضا فلما فعل ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تلاوموا بينهم وقالوا ان فعلتم اضطرم عليكم الوادي نارا ثم قالوا له أما تعرض علينا سوى هذا فقال الاسلام أو الجزية أو الحرب نبيا وزعموا انه ابن الله فحجهم النبي صلى الله عليه وسلم بان عيسى ياتى عليه الفناء ويطعم ويشرب ويحدث كغيره من المخلوقين والله عز وجل منزه عن ذلك وحجتهم انما هي كونه لا أب له (ونزل بسببهم) صدر سورة آل عمران الي قوله (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ) في كونه خلق من غيراب (كَمَثَلِ آدَمَ) في كونه خلق من غيراب ولا أم (خَلَقَهُ) الله (مِنْ تُرابٍ) وأنتم موافقون في ان آدم ليس ابنا لله مع عدم الاب والام معا فكيف لا توافقون على ان عيسى ليس كذلك وهو انما فقد الاب فقط وقال العلماء قسم الله الآدميين أربعة أقسام آدم خلقه من غير ذكر ولا انثى وحواء من ذكر بغير أنثي وبنو آدم من ذكر وأنثى وعيسي من أنثي بغير ذكر اظهارا للقدرة العالية (فَمَنْ حَاجَّكَ) جادلك وماراك (فِيهِ) أي في عيسى أو في الحق (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بكون عيسى عبد الله ورسوله (فَقُلْ تَعالَوْا) وأصله تعاليوا بتحتية بعد اللام المفتوحة فاستثقلت الضمة على الياء فخذفت قال الفراء معني تعالى ارتفع أى لانه مشتق من العلو (نَدْعُ) مجزوم بالجزاء وعلامته سقوط الواو (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قيل أراد بابنائنا الحسن والحسين ونسائنا فاطمة وأنفسنا يعني نفسه وعليا وقيل هو على العموم لجماعة أهل الدين (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) أي نتضرع قاله ابن عباس أو تجتهد ونبالغ في الدعاء قاله الكلبي أو نلتعن قاله الكسائى وأبو عبيدة (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) منا ومنكم في أمر عيسى (جاء النبى صلى الله عليه وسلم بالحسن) آخذا بيده (والحسين) محتضنا له (وفاطمة تمشى خلفه وعلى خلفهما) وانما أخر عليا عنها ليسترها من ورائها (والبهل اللعن أيضا) يقال عليه بهلة الله أي لعنته (فلما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تلاوموا بينهم) أى لام بعضهم بعضا وقال لهم العاقب لقد عرفتم يا معشر النصاري ان محمدا نبى مرسل والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم ذلك لتهلكن فان أبيتم الا الاقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا الي منازلكم وقال أسقفهم يا معشر النصاري اني لاري وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني الي يوم القيامة أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق محمد بن مروان السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال القاضى في حاشية البيضاوي وابن مروان متروك متهم بالكذب ثم روي أبو نعيم وغيره نحوه مرسلا (الاسلام أو الجزية أو الحرب)(2/15)
فصالحوه على الجزية في كل عام الف حلة في صفر والف حلة في رجب وروينا في صحيح البخاري عن حذيفه رضي الله عنه قال جاء السيد والعاقب صاحبا نجران الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فو الله لئن كان نبيا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا انا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا امينا ولا تبعث معنا الا امينا فقال لا بعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا أمين هذه الامة*
[من الوفود وفد طىء ورئيسهم زيد الخيل]
ومن الوفود وفد طىء ورئيسهم زيد الخيل وسمي بذلك لخمسة افراس كانت له مشهورة وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيد الخير وقال ما ذكر لى رجل ثم جاءنى الا رأيته دون ما يقال فابوا الاسلام وقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا يجينونا ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدي اليك في كل عام ألفي حلة (ألف حلة في) شهر (صفر وألف حلة في) شهر (رجب) رواه أبو داود عن ابن عباس وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم على ان لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا قال البغوي فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والذي نفسي بيده ان العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاشتعل نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولا حال الحول على النصاري حتى يهلكوا باجمعهم (جاء السيد) قال البغوي وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الايهم وقيل شرحبيل (والعاقب) بالمهملة والقاف وكان أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون الاعن رأيه واسمه عبد المسيح قال ابن سعد واسلما بعد ذلك (ولا تبعث معنا الا أمينا) قال النووي وهو الثقة المرضى (حق أمين الى آخره) صفة مبالغة لقوة أمانته (فاستشرف لها) أى تطلع ورغب في البعث حرصا على ان يكون هو الامين الموعود به في الحديث (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولمسلم فاستشرف لها الناس (هذا أمين هذه الامة) وللبخارى من حديث أنس ان لكل أمة أمينا وان أمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح قال النووى قال العلماء الامانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليهم وكانوا بها أخص* وفد طيء بالهمز بوزن مسجد كما مر (وزيد الخيل) باضافة زيد وكانت هذه الاضافة جاهلية (سمى بذلك لخمسة أفراس كانت له) وفي القاموس انه سمى بذلك لشجاعته وقيل سمى بذلك لان كعب بن زهير اتهمه بأخذ فرس له (وسماه النبى صلى الله عليه وسلم زيد الخير) لانه بمعناه ولما علم ما فيه من الخير ففيه تغيير الاسم الذي ليس بقبيح باحسن منه ما لم يخف على صاحبه مفسدة العجب (ما ذكر لي رجل الى آخره) رواه ابن سعد في الطبقات(2/16)
فيه الازيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه وكتب له باقطاع أرضين ولما انصرف راجعا قال النبي صلى الله عليه وسلم أى رجل ان لم تدكه ام كلبة فمات منها بالطريق.
[خبر عدى بن حاتم الطائى]
واما عدى بن حاتم الطائى فانه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطئت أطراف بلادهم ارتحل بنيه فلحق بأهل دينه من النصارى وترك أخته في الحي فجاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبحتهم فاحتملوا ابنة حاتم وجعلوها في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامتن على من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله فمن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساها واعطاها نفقة فلما قدمت على أخيها طفقت تصخب عليه وتلومه أن تركها خلفه وتلومه أيضا على تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عدي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكرمه وذهب به الى بيته وأخبره بأشياء فيما يستقبل من الزمان ولم يرو البخارى في ترجمة وفد طىء غير حديث واحد وهو ماورى بسنده عن عدي بن حاتم قال أتينا عمر في وفد فجعل يدعونا رجلا رجلا يسميهم فقلت اما تعرفني يا أمير المؤمنين قال بلى أسلمت اذ كفروا واقبلت اذ أدبروا ووفيت اذغدروا وعرفت اذ نكروا فقال عدى لا أبالي اذا وفي رواية مسلم ان أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيء حيث جيء بها الى رسول الله صلى الله عن أبي عمر الطائي (الازيد الخيل) ولفظ ابن سعد الا ما كان من زيد (فانه لم يبلغ) بضم أوله وفتح ثالثه مبني للمفعول (كل) بالرفع (ما) أى الذى فيه من الفضائل الدينية والدنيوية وذلك لكثرتها فيه وعدم احاطة علم الناس بها وفيه منقبة عظيمة له رضى الله عنه (باقطاع أرضين) فيه جواز ذلك للامام وفيه تفصيل مستوفي في كتب الفقه (أي رجل) وصف له بقوة الشجاعة ونصر الاسلام (ان لم تدركه أم كلبه) بفتح الكاف وسكون اللام ثم موحدة قال في القاموس هى الحمى (فمات منها بالطريق) هو من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في الاخبار بالغيب (عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية (حاتم) بالمهملة والفوقية قال الشمني هلك على نصرانيته وهو الذي تضرب به الامثال في الجود وسيأتي له مزيد ذكر فيما بعد (وترك أخته) قال السهيلي أحسب اسمها سفانة بفتح المهملة وتشديد الفاء والنون وهى الدرة قال الدولابي وجدت في خبر عن أمراة حاتم تذكر فيه من سخائه قالت فاخذ حاتم عديا يعلله من الجوع وأخذت أنا سفانة (في حظيرة) بفتح المهملة وكسر المعجمة (تصخب) تصيح (ان تركها) بفتح الهمزة (فقدم عدي) قال الشمني في شهر شعبان (غير حديث) بالنصب (بيضت) بالضاد المعجمة وهو كناية عن شدة الرضا(2/17)
عليه وآله وسلم*
[ومن شر الوفود وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس]
ومن شر الوفود وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وكانا تمالآ على الفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما منعهما الله من ذلك ولم يجبهما النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى ما سألا قال عامر لاملانها عليك خيلا ورجلا ولاربطن بكل نخلة فرسا فجعل أسيد بن حضير يضرب في رؤسهما ويقول أخرجا ايها الهجرسان فقال عامر ومن أنت قال أسيد بن حضير قال أحضير بن سماك قال نعم قال أبوك كان خيرا منك فقال بل أنا خير منك ومن أبى يعنى بالاسلام وقد سبق شيء من ذلك وخير ميتتهما في ذكر بئر معونة والله أعلم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفود اليمن ارسالا وفيهم. قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة* وفادة عامر بن الطفيل (وأربد) بالموحدة والمهملة بوزن أحمد بن قيس وللبغوى ابن ربيعة وربيعة زوج أمه نسب اليه قال الشمني وهو أخو لبيد بن ربيعة لامه (تمالآ) تواصيا وزنا ومعنى (على الفتك به) أى قتله على غرة كما مر قال البغوي قال عامر يا محمد مالى ان اسلمت قال لك ما للمسلمين قال تجعل لى الامر بعدك قال ليس ذلك الى انما ذاك الى الله يجعله حيث يشاء قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المبدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال أعنة الخيل تغزو عليها قال أو ليس ذلك الى اليوم قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أومأ الى اربد بن ربيعة اذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل عامر يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله وجعل عامر يوميء اليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى اربد وما صنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت انتهى ولابن اسحق قال اربد لعامر لما كلمه في ذلك والله ما هممت ان أضربه الا وجدتك بينى وبينه أفاضربك وفي رواية غيره الا رأيت بيني وبينه سورا من حديد (ولا ربطن بكل نخلة فرسا) زاد البغوى قال النبي صلى الله عليه وسلم يمنعك الله من ذلك وابنا قيلة يريد الاوس والخزرج وقيلة بفتح القاف وسكون التحتية جدة الانصار (أيها الهجرسان) تثنية هجرس بكسر الهاء والراء وسكون الجيم بينها وآخره سين مهملة هو ولد الثعلب ويسمى الثعل ايضا قال ابن الاثير ويقال انه القرد قال في القاموس والقرد والثعلب أو ولده واللئيم والدب أو كل ما يعسعس بالليل مما كان دون الثعلب وفوق اليربوع (ميتتهما) بكسر الميم* وفود اليمن (اتاكم أهل اليمن الى آخره) رواه الشيخان والترمذي عن أبى هريرة (هم الين قلوبا وأرق أفئدة) قال ابن الصلاح المشهور ان الفؤاد هو القلب فكرره بلفظين ووصفه بوصفين الرقة والضعف والمعني انها ذات خشية واستكانة سريعة الاجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدة والقسوة والغلظ الذي وصف به قلوب غيرهم وقيل الفؤاد غير القلب فقيل عينه وقيل باطنه وقيل غشاوة زاد ابن شاهين من حديث فروة(2/18)
الايمان يمان والحكمة يمانية فمنهم فروة بن مسيك المرادى اليمنى ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم وهو يوم كان لهمدان علي مراد قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوؤه ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما ان ذلك لم يزد قومك في الاسلام الاخيرا واستعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فأقام عنده حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن قول فروة بن مسيك في يوم الردم
فان نغلب فغلابون قدما ... وان نغلب فغير مغلبينا
وما ان طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
كذاك الدهر دولته محال ... تكر صروفه حينا فحينا
ابن خراش الازدى وهم انصار دين الله وهم الذين يحبهم الله ويحبونه (الايمان يمان) فيه نوع من انواع البديع وهو على ظاهره والمراد به اليمن وأهله حقيقة وصفوا بذلك لان من اتصف بشيء وقوى قيامه به نسب ذلك الشيء اليه استعارة لتميزه به وكان حالة فيه من غير نفي عن غيرهم زاد مسلم والفقه يمان (والحكمة يمانية) بتخفيف الياء التحتية والحكمة ما تكمل به النفوس من المعارف والاحكام وهي السنة أو القرآن أو فهمه أو الفقه في الدين أو العلم أو العمل به أو كل صواب من القول أو وضع الاشياء مواضعها أقوال قال النووي وقد صفى لنا من هذه الاقوال انها عبارة عن العلم المتصف بالاحكام المشتمل على المعرفة بالله تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال ابن دريد كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك الى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهى حكمة ومن الحديث أن من الشعر حكمة وفي ذلك منقبة لاهل اليمن والمراد الموجودون في زمنه صلى الله عليه وسلم من أهل اليمن لا كل أهل اليمن في كل زمان قال النووي والسيوطي وغيرهم (فمنهم فروة) على لفظ الفروة الكساء المعروف (ابن مسيك) بالتصغير (المرادي) بضم الميم وبالراء نسبة الى مراد (يوم الردم) بفتح الراء وسكون المهملة قرية بالبحرين (مثل ما) بالرفع (وزبيد) بالتصغير بطن من مذحج (فان نغلب) مبنى للفاعل (فغلابون) جمع غلاب وهو من يغلب كثيرا (وان نغلب) مبني للمفعول (فغير مغلبينا) بالف الاطلاق فيه وفي البيت الذى بعده (فما) نافية (ان) زائدة (طبنا) بالمهملة فالموحدة فالنون مفتوحات أي أمرضنا وصيرنا مجبنين كالرجل المطبوب أي المسحور قال ابن الانباري الطب من الاضداد يقال لعلاج الداء طب ويقال للداء طب وبكسر الطاء وفتحها مع ضم الموحدة أي عادتنا (جبن) خور وضعف بنا أي لم يكن سبب قتلنا ذا الجبن (ولكن) تلك (منايانا) حان أجلها (ودولة) بضم الدال وفتحها قوم (آخرينا) علينا بعد ان كانت الدولة لنا عليهم (محال) بكسر الميم قوية وفي بعض النسخ سجال وهي أنسب بالكلام وان كانت الاولى صحيحة(2/19)
ومنهم عمرو بن معدى كرب الزبيدي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع ثم ارتد زمن الردة وأسلم بعد ذلك وكان له المقامات المشهورة في وقت عمر بن الخطاب وهلك بأرض فارس بعد ان عمر كثيرا ومنهم صرد بن عبد الله الازدى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسلم ثم سار على أهل جرش فحاصرهم قريبا من شهر ثم انصرف عنهم راجعا فتبعوه فكرّ عليهم فقتلهم قتلا شديدا وكان رجلان منهم بالمدينة فنعى اليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قومهما في ذلك الحين فسألاه أن يدعو الله لهم فقال اللهم ارفع عنهم ثم قدم وفد جرش بعد ذلك فاسلموا وحمى لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى حول قريتهم والله أعلم*
[خبر وفد كندة وعليهم الأشعث بن قيس]
ومنهم وفد كندة وهم ثمانون أو ستون راكبا عليهم الاشعث بن قيس فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ولبسوا جياد الحبرات مكففة بالحرير فقال لهم ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير فنزعوه ثم قال الاشعث يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال ناسبوا بهذا النسب ربيعة بن الحرث والعباس بن عبد المطلب وكانا تاجرين فكانا اذا سارا في أرض العرب فسئلا ممن أنتما قالا بنو آكل المرار ليتعززا بذلك في العرب لان بنى آكل المرار من كندة كانوا ملوكا ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا منا ولا ننتفي من أبينا المعنى (ابن معدي كرب) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملة وسكون التحتية وفتح الكاف وكسر الراء ثم موحدة لا ينصرف لانهما اسمان مركبان (الزبيدي) بالتصغير وكتب عمر بن الخطاب الى سعد بن أبي وقاص وهو على الصائفة ان استعن في حربك عمرو بن معدي كرب وطليحة الاسدى ولاتولهما من الامر شيئا فان كل صانع أعلم بصنعته وكان عمرو من فرسان العرب وشجعلنهم وفصحائهم (جرش) بضم الجيم وفتح الراء ثم معجمة قرية من قري اليمر (وفد كندة) بكسر الكاف وسكون النون ثم مهملة قال في القاموس لقب ثور بن عفير أبى حي من اليمن لانه كند أباه النعمة ولحق باخواله والكند القطع انتهى (الاشعث) بالمعجمة والمثلثة بينهما عين (ولبسوا) بكسر الباء (جياد الحبرات) أى فاخرها والحبرات جمع حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (نحن بنو آكل المرار) بمد همزة آكل والمرار بضم الميم وتخفيف الراء شجر قال في القاموس من أفضل العشب واضخمه اذا أكلته الابل قلصت مشافرها فبدت أسنانها وانما قيل له آكل المرار لكشر كان به انتهي (ربيعة بن الحرث) بن عبد المطلب (لانقفوا منا) أي لا نتبع (ولا ننتفي من أبينا) كما كان يقوله العباس وربيعة وذلك لحرمة الانتساب الى غير الاب لان العباس وربيعة بن الحارث كانا يقولان نحن بنو آكل المرار(2/20)
[وفود همدان وفيهم مالك بن نمط ذو المشعار]
ومنهم همدان فيهم مالك بن نمط ذو المشعار واوفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرجعه من تبوك عليهم الحبرات والعمائم العدنية على المهرية والارحبية وهم يرتجزون
همدان خير سوقة وأقيال ... ليس لها في العالمين أمثال
محلها الهضب وفيها الابطال ... لها اطابات بهاوأ كال
اليك جاوزن سواد الريف* في هبوات الصيف والخريف* مخطمات بالحبال الليف ثم قال مالك بن نمط يا رسول الله نضية من همدان من كل حاضر وباد اتوك على قلاص نواج متصلة بحبال الاسلام لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام لان ام عبد المطلب من الانصار وهم كندة من أولاد سبأ فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الانتساب انما يكون الي الأب لا إلى الام أو لان دعدا بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث الكندي المذكور كانت أم كلاب بن مرة قاله السهيلى (وفد همدان) بسكون الميم واهمال الدال كما مر (ابن نمط) بفتح النون فالميم فالمهملة (ذو المشعار) بكسر الميم وسكون المعجمة ثم مهملة وقيل معجمة بعدها ألف ثم راء (علي المهرية) بفتح الميم وسكون الهاء نوع من الابل ينسب الى مهرة قبيلة من قضاعة (والارحبية) بفتح الهمزة والمهملة وسكون الراء بينهما وكسر الموحدة وتشديد التحتية ابل كريمة منسوبة الي بني أرحب من همدان (وهم يرتجزون) والرجز نوع من الشعر سمي بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه وزعم الخليل انه ليس بشعر وانما هو انصاف أبيات وأثلاث والارجوزة كالقصيدة منه وجمعها أراجيز قاله في القاموس (سوق) بضم المهملة وسكون الواو ثم قاف الرعاع ومن دون أشراف الناس (واقبال) جمع قيل بفتح القاف وسكون التحتية وهو دون الملك الاعظم (ليس لها في العالمين أمثال) أي في النجدة والشجاعة وشدة البأس وانما قالوا ذلك لغلبة أحوال الجاهلية من التفاخر عليهم وعدم معرفة أحكام الاسلام (الهضب) بفتح الهاء وسكون المعجمة الجبال المستطيلة على الارض والواحدة هضبة (الابطال) جمع جمع بطل وهو الشجاع (لها اطابات) بكسر الهمزة وتخفيف الطاء ثم الفين بينهما موحدة خفيفة آخره فوقية جمع اطاب والاطاب جمع أطبة بفتح الهمزة وقد تبدل واوا وأصلها الحيس يجمع التمر البرني والاقط المدقوق والسمن وهو هنا استعارة وأراد أن لهم مآكل حسنة رائقة لينة (وأكال) بفتح الهمزة وضمها فعلي الاول هو صفة مبالغة لمن كثر أكله وعلى الثانى جمع أكل والمراد ان لهم رعاة يأكلون الرباع وغيره مما يأكله الولاة من الرعية (الريف) بكسر الراء وسكون التحتية ثم فاء الارض المخصبة (هبوات) جمع هبوة بتثليث الهاء وسكون الموحدة والهبوة الغبرة يقال يوم هبوة ويوم راح وريح اذا كان ذا ريح (مخطمات) يعني الابل التى جاؤا راكبين عليها وهي المرادة بقوله جاوزن (الليف) المراد به ليف النخل (نضية) بفتح النون وكسر المعجمة وتشديد التحتية وهى الخيار من القوم وجمعها أنضاء واناض قاله في القاموس أو هو الهزيل (قلاص) جمع قلوص وهي الناقة الفتية الشابة ويقال في جمعها قلائص وقلص (نواج) جمع ناجية بالنون والجيم والتحتية وهى السريعة في السير (مخلاف) بكسر الميم وسكون المعجمة آخره فاء وهو الاقليم بلغة اليمن (خارف) بالمعجمة والراء المكسورة والفاء مصروف بطن من همدان ينسب الى خارف بن الحارث (ويام) بالتحتية مصروف أيضا بطن آخر أيضا(2/21)
وشاكر اهل السود والقود أجابوا دعوة الرسول عهدهم لا ينقض ما أقامت لغلع وما جرى اليعفور بصلع وكتب لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كتابا فيه هذا كتاب من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لمخلاف خارف ويام اهل جناب الهضب وحقاف الرمل ان لهم فراعها ووهاطها يأكلون علافها ويرعون عفاءها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم بذلك عهد الله وشاهدهم المهاجرون والانصار ومن قول مالك بن نمط رضي الله عنه
حلفت برب الراقصات الى مني ... صوادر بالركبان من أرض قردد
ينسب الى يام بن أصنى (وشاكر) بالمعجمة مصروف (أهل السود) بفتح المهملة (والقود) بفتح القاف أي انهم سادة قادة (لعلع) جبل من جبال المدينة غربي سلع الى جانبه مسجد القبلتين (اليعفور) بفتح التحتية وسكون المهملة ثم فاء ثم واو ثم راء وهو ولد الظبية ويسمى الشادن والغزال والطلاء والخشف (بصلع) بضم المهملة وتشديد اللام ثم مهملة الفضاء الواسع الاملس ويسمى السملق والسنى (بسم الله الرحمن الرحيم) فيه طلب استفتاح الكتب بها كما مر (جناب الهضب) بفتح الجيم وتخفيف النون أي جانبه (وحقاف الرمل) جمع حقف بكسر المهملة وسكون القاف وهو ما استطال من الرمل ويقال في جمعه احقاف أيضا (فراعها) بكسر الفاء وتخفيف الراء واهمال العين هو العالي من الارض وفي الحديث كانت سودة تفرع النساء طولا أي تعلوهن (ووهاطها) بالطاء المهملة بوزن فراعها جمع وهط بفتح الواو وسكون الهاء وهو المطمئن من الارض ويسمى الخبث والغائط والقاع (علافها) بكسر المهملة وتخفيف اللام والفاء هو جمع علف بفتح اللام يقال علف وعلاف كحمل وحمال قاله الهرويّ (عفاءها) بفتح المهملة وتخفيف الفاء والمدهوما لا ملك فيه قاله الهروي وزاد عياض في الشفاء بعد هذا لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والامانة ولهم من الصدقة الثلث والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وعليهم فيها الصالغ والقارع انتهي والدفء بكسر المهملة وسكون الفاء ثم همزة والصرام بكسر المهملة وتخفيف الراء معناه من ابلهم وغنمهم قيل وسماها دفئا لانها يتخذ من أصوافها وأوبارها ما يدفؤن به قاله الهروى والناب بالنون والموحدة آخره هي الناقة الهرمة التي طال بابها وذلك من علامة الهرم والفارض بالفاء والراء والمعجمة المسن من الابل والداجن الدابة التي تألف البيوت كما مر والحورى بفتح المهملة والواو وكسر الراء وتشديد التحتية منسوب الى الحور وهو جلود تتخذ من جلود الضان قاله ابن الاثير في النهاية وقيل المدبوغ من الجلود بغير قرظ وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل وقال الكاشغرى الحورى المكوى منسوب الى الكية الحوراء وهي كية مدورة يقال حوره اذا كواه هذه الكية والصالغ باهمال الصاد واعجام العين وكسر اللام وهو من البقر والغنم الذى كمل السنة الخامسة ودخل في السنة السادسة ويقال بالسين بدل الصاد قاله ابن الاثير في النهاية والفارح بالقاف والراء والمهملة هو الفرس القارح قاله ابن الاثير وهو من الحافر بمنزلة البازل من الابل قاله في القاموس (الراقصات) بالقاف والمهملة المتحركات في السير بسرعة كالراقص وهو الزافر (صوادر) جمع صادرة وهي ضد الواردة وهو منصوب على الحال (قردد) بفتح القاف(2/22)
بأن رسول الله فينا مصدق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتدى
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أشد على أعدائه من محمد
وأعطى اذا ما طالب العرف جاءه ... وامضى بحد المشرفي المهند
[خبر موافاته صلى الله عليه وسلّم، مقدمه من تبوك، كتاب ملوك حمير بإسلامهم]
ووافاه أيضا مقدمه من تبوك كتاب ملوك حمير باسلامهم فكتب اليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أما بعد ذلك فاني أحمد الله اليكم الذى لا إله الا هو قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من ارض الروم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين ثم كتب لهم نصب الزكاة والفريضة التي افترضها الله تعالى عليهم فيها فقال فمن زاد فهو خير له وكتب الى زرعة بن ذي يزن أن اذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك ابن عبدة وعقبة بن نمير ومالك بن مرارة واصحابهم وان اجمعوا ما عندكم من الجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلي وان أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن الا راضيا* روينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل وسكون الراء وتكرير المهملة وهو المكان الصلب وقيل المرتفع (العرف) بضم المهملة وسكون الراء أى المعروف (المشرفي) من أسماء السيف كما تقدم ضبطه (المهند) من أسمائه كما مر أيضا (فائدة) روى أبو داود عن عامر بن شهر قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لي همدان هل انت آت هذا الرجل ومرتاد لنا فان رضيت لنا شيأ رضيناه وان كرهت شيئا كرهناه قلت نعم فجئت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيت أمره وأسلم قومي وكتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الى عمير ذى مران قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مرارة الرهاوي الى اليمن جميعا قال فاسلم عك ذو خيوان قال فقيل لعك انطلق الي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذ منه الامان على بلدك ومالك فقدم فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لعك ذي خيوان ان كان صادقا في أرضه وماله ورفيقه فله الامان وذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب خالد بن سعيد ابن العاص* كتابه صلى الله عليه وسلم لملوك (حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية غير مصروف قبيلة من اليمن (بن عبد كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام (والنعمان) بضم النون (قيل) بفتح القاف وسكون التحتية كما مر (ذي رعين) بالراء والمهملة والنون مصغر (معافر) بفتح الميم وتخفيف المهملة وكسر الفاء ثم راء (وقع بنا) أى وافقنا (منقلبنا) مرجعنا نصب (الزكاة) جمع نصاب (والفريضة) بالنصب عطفا على نصب (زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وفتح المهملة (ابن ذى يزن) بفتح التحتية والزاي فنون غير مصروف (معاذ بن جبل) بالرفع بدل من رسل (ابن نمر) بفتح النون وكسر الميم ثم راء (ابن مرارة) بضم الميم وتكرير الراء (روينا في صحيح البخارى)(2/23)
حين بعثه الى اليمن انك ستأتى قوما اهل كتاب فاذا جئتهم فادعهم الى ان يشهدوا ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان هم اطاعوا لك بذلك فأخبرهم ان الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لك فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فان أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب وروينا فيه أيضا عن أبى بردة عن أبى موسى قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث كل واحد منهم على مخلاف قال واليمن مخلافان ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا فانطلق كل واحد منهما الى عمله قال وكان كل واحد منهما اذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبى موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى اليه واذا هو جالس وقد اجتمع اليه الناس فاذا رجل عنده قد جمعت يداه الى عنقه فقال له معاذ يا عبد الله وصحيح مسلم وغيرهما (حين بعثه الي اليمن) قال في التوشيح اختلف هل بعثه واليا أو قاضيا فجزم الغساني بالاول وابن عبد البر بالثاني وكان بعثه سنة عشر في ربيع الآخر وقيل سنة تسع بعد تبوك وقيل سنة ثمان ولم يزل بها الي ان قدم في عهد أبي بكر (ان يشهدوا أن لا إله الا الله الى آخره) فيه تقديم الاهم فالاهم من العبادات اذ الشهادتان أهم من الصلاة والصلاة أهم من الزكاة ولم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج مع كونهما قد فرضا يومئذ تقصيرا من بعض الرواة قاله ابن الصلاح (أطاعوا لك) قال في التوشيح عدي باللام لتضمنه معني انقادوا (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) استشهد به أكثر أصحابنا علي حرمة نقل الزكاة وهو عند غيرهم محمول علي فقراء المسلمين (اياك) بمعني احذر (وكرائم أموالهم) بالنصب فيه دليل علي عدم جواز أخذ الكريمة من النعم وعدم وجوب اخراجها (واتق دعوة المظلوم) أى تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم (ليس بينها وبين الله حجاب) أى ليس لها صارف يصرفها ولا مانع يمنعها ولأحمد من حديث أبى هريرة دعوة المظلوم مستجابة وان كان فاجرا ففجوره على نفسه وللخطيب بسند ضعيف عن على اتق دعوة المظلوم فانما سأل الله تعالي حقه وان الله لم يمنع لذى حق حقه وللطبراني في الكبير والضيا بسند صحيح عن خزيمة بن ثابت اتقوا دعوة المظلوم فانها تحمل على الغمام يقول الله عز وجل وعزتي وجلالى لانصرنك ولو بعد حين وللحاكم بسند صحيح عن ابن عمر اتقوا دعوة المظلوم فانها تصعد الى السماء كانها شرارة ولاحمد وأبي يعلي والضيا بسند صحيح عن انس اتقوا دعوة المظلوم وان كان كافرا فليس دونه حجاب (وروينا فيه أيضا) وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائى (عن أبي بردة) اسمه عامر على صحيح (يسرا ولا تعسرا) هذا من بديع كلامه صلى الله عليه وسلم وشدة فصاحته وبلاغته وفيه ندب التبشير والتحذير من التنفير (وبشرا) أمر من(2/24)
ابن قيس ايما هذا قال هذا رجل كفر بعد اسلامه قال لا انزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل فقال يا عبد الله كيف تقرأ القرآن قال اتفوقه تفوقا قال فكيف تقرا انت يا معاذ قال انام اول الليل فأقوم وقد قضيت من النوم حزبى فأقرأ ما كتب الله لى فاحتسب نومتي كما احتسب قومتي وروينا فيه ايضا عن عمرو بن ميمون ان معاذ بن جبل لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله ابراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين ام ابراهيم
[وفود بني نهد من غور تهامة]
ومنهم بنو نهد قالوا يا رسول الله جئناك من غورى تهامة بأكوار الميس ترتمى بنا العيس وشكوا له جدب بلادهم فقال اللهم بارك لبنى نهد في محضها ومخضها ومذقها وابعث راعيها في الدثر وافجر لهم الثمد وبارك لهم في المال والولد من اقام الصلاة كان مسلما ومن آتى الزكاة التبشير زاد في رواية وتطاوعا ولا تختلفا (ايما هذا) بفتح الهمزة وتشديد التحتية للاصلى ولابي ذر بسكونها وتخفيف الميم كلمة استفهام قال الحربي هي اي وما صلة قال تعالى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ وقال تعالى أَيًّا ما تَدْعُوا (اتفوقه) تفوقا بالفاء قبل القاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيأ بعد شيء وحينا بعد حين مأخوذ من فواق الناقة وهو ان تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب (حزبي) بكسر المهملة وسكون الزاي ثم موحدة أي حظي الذي كتب لي من النوم (عمرو بن ميمون) معدود من المخضرمين بالمعجمة وفتح الراء مشتق من الخضرمة وهى القطع (الاودي) بفتح الهمزة وسكون الواو ثم مهملة ثم ياء النسبة الى أود بن مصعب من سعد العشيرة من مذحج (خليلا) قال عياض قيل الخليل المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اليه ومحبته اياه اختلال وقيل الخليل المختص وقال بعضهم أصل الخلة الاستصفاء وسمى ابراهيم خليل الله لموالاته فيه ومعاداته فيه وخلة الله نصره وجعله اماما لمن بعده وقيل الخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع مأخوذ من الخلة وهى الحاجة فسمى بها ابراهيم لانه قصر حاجته على ربه وانقطع اليه بهمة ولم يجعله قبل غيره اذ جاءه جبريل وهو في المنجنيق ليرمي به في النار فقال ألك حاجة فقال اما اليك فلا وقال أبو بكر بن فورك الخلة صفاء المودة التى توجب الاختصاص بتحمل الاسرار وقال بعضهم أصل المحبة الخلة ومعناها الاسعاف والالطاف والترفيع والتشفيع (وفد بنى نهد) بفتح النون وسكون الهاء ثم مهملة (من غوري تهامة) بفتح المعجمة وسكون الواو وفتح الراء بوزن سكرى وهو كل ما انحدر مغربا من تهامة قاله في القاموس (الاكوار) جمع كور وهو مقدم الرحل (الميس) بكسر الميم جمع مائسة أي متحركة من سرعة السير (ترتمي) تسير بنا سيرا عنيفا (العيس) بكسر المهملة وسكون التحتية ثم مهملة وهي من الابل التي يخالط بياضها شيء من شقرة يقال جمل أعيس وناقة عيساء (في محضها) باهمال الحاء واعجام الضاد أي اللبن الخالص (ومخضها) بالمعجمتين ما مخض من اللبن وأخذ زبده (ومذقها) بفتح الميم فمهملة ساكنة فقاف أى لبنها المخلوط بالماء (في الدثر) بفتح الدال المهملة وسكون المثلثة ثم راء المال الكثير قال ابن الاثير ويقع على الواحد والاثنين والجماعة (وافجر لهم الثمد) بفتح المثلثة والميم واهمال الدال الماء القليل (كان مسلما) لان(2/25)
كان محسنا ومن شهد ان لا إله إلا الله كان مخلصا لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع الملك لا تلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة ولا تتثاقل عن الصلاة ولاهل اليمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبار طويلة فيما قالوا وقيل لهم. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب كل وفد بلغتهم ويجاوبهم على مقتضى فصاحتهم
[وفد ثقيف وما كان من حديثهم]
وممن وافاه مقدمه من تبوك وفد ثقيف وكان من حديثهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف عنهم تبعه عروة بن مسعود فأدركه قبل ان يصل الى المدينة فأسلم واخذ راجعا الى قومه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة لا يقيمها الا المسلمون (كان محسنا) أي الاحسان الذي هو العطاء وليس المراد الذي هو بمعنى المراقبة (كان مخلصا) أى لان من شهد بالوحدانية لله فقد أخلص (ودائع الشرك) قال السمني أى عهوده ومواثيقه يقال أعطيته وديعا أي عهدا وقيل ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الاسلام أراد انها حلال لهم لانها مال كافر قدر عليه من غير عهد ولا شرط (ووضائع) بواو ومعجمة مفتوحتين فتحتية فمهملة قال الشمني جمع وضيعة وهي الوضيعة على الملك وما يلزم الناس في أموالهم من الصدقة والزكاة يعنى ان لا نجاوزها معكم ولا نزيد فيها وقيل معناه لا نأخذ منكم ما كان يأخذه ملوككم عليكم بل هو لكم والاول يناسبه (الملك) بكسر الميم والثاني بضمها (لا تلطط) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر المهملة تعقبها أخرى واللط والالطاط المنع يقال لط الغريم والطه أي منعه والضمير في قوله لا تلطط للقبيلة (ولا تلحد) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الحاء وبالدال المهملتين أي لا يحصل منكم ميل عن الحق ما دمتم أحياء قاله ابن الاثير (ولاهل اليمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار طويلة) منها انه كتب لكم في الوظيفة العريضة ولكم الفارض والفريش وذو العنان الركوب والفلو الضبيس لا يمنع سرحكم ولا يعضد طلحكم ولا يحبس دركم ما لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرباق من أقر فله الوفاء بالعهد والذمة ومن أبى فعليه الربوة ذكر ذلك عياض في الشفاء والعريضة من الابل المسنة الهرمة قاله ابن الاثير وكذا الفارض وفي بعض نسخ الشفاء العارض بالمهملة قال الشمنى وهي الناقة يصيبها كبر أو مرض فتنحر والفريش بالفاء والمعجمة مكبر هي التي وضعت حديثا كالنفساء من النساء قاله الهروى أو التي حمل عليها الفحل بعد النتاج بسبع قاله الاصمعي والعنان بكسر المهملة سير اللجام والركوب بفتح الراء الفرس الذلول قاله ابن الاثير والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو المهر ويقال له فلو بكسر أوله وسكون ثانيه وتخفيف ثالثه والضبيس بالمعجمة فالموحدة فالتحتية فللهملة مكبر وهو العسر الصعب قاله الهروى والسرح بفتح المهملة وسكون الراء الماشية والعضد القطع والطلح شجر عظام من شجر العضاه والرماق بكسر الراء وتخفيف الميم آخره قاف هو النفاق والرباق كالاول الا انه بالموحدة بدل الميم جمع ربق بكسر الراء الحبل فيه عري شبه ما يلزم الاعناق من العهد بالرق واسعار الاكل لنقض العبد فان البهيمة اذا أكلت الربق خلصت من الشدة قاله ابن الاثير والربوة بفتح الراء وفتحها أى الزيادة في الفريضة الواجبة عقوبة عليه (وفد ثقيف) بالصرف وهو أبو قبيلة(2/26)
انهم قاتلوك فقال يا رسول الله انا أحب اليهم من أبصارهم وكان محببا اليهم مطاعا فيهم فلما جاءهم دعاهم الى الله تعالى فرموه بالنبل من كل ناحية فأصابه سهم فقتله فقال لهم ادفنونى مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم خبره قال ان مثله في قومه كمثل صاحب يس ثم أقامت ثقيف بعد قتله اشهرا وسقط في أيديهم ورأوا ان لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب فأوفدوا جماعة منهم باسلامهم ولما نزلوا قناة الفوا بها المغيرة بن شعبة يرعي الابل وكان يوم نوبته فلما رآهم ترك الركاب وانصرف مسرعا مبشرا فلقيه أبو بكر رضى الله عنه فأخبره فقال له أبو بكر أقسمت عليك بالله لا تسبقني بخبرهم ففعل فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم ثم خرج المغيرة فتلقاهم وعلمهم التحية فلم يفعلوا الا بتحية الجاهلية ثم ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد فكان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم اللات ثلاث سنين فأبى عليهم ثم سألوه شهرا فأبى عليهم ثم سألوه أن يعفيهم من الصلاة وان لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال لهم اما كسر الاوثان فسنعفيكم واما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه وثقيف لقب له واسمه قيس بن منبه بن بكر بن هوازن (انهم قاتلوك) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم (فلما بلغ النبي) بالنصب (خبره) بالرفع (كمثل صاحب يس) اسمه حبيب بن مرى النجار قال السهيلى ويحتمل انه أراد اليسع صاحب الياس فان الياس يقال في اسمه يس أيضا قال الطبرى هو الياس بن يس (وسقط في أيديهم) أي ندموا قال البغوي تقول العرب لكل نادم على أمر سقط في يده (قناة) بالقاف والنون الوادى المشهور بالمدينة (وكان يوم) بالنصب واسم كان مستتر فيها (وعلمهم التحية) يعنى السلام (بتحية الجاهلية) وهى الانحناء (ثم ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد) كما رواه الى آخره أبو داود عن عثمان بن أبى العاص قال وانما أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم ففيه جواز ادخال الكفار المسجد كما سبق (ان يعفيهم) بضم أوله وسكون المهملة وكسر الفاء أى يتركهم منها وفي سنن أبى داود فاشترطوا ان لا يعشروا ولا يحشروا (لا خير في دين لا صلاة فيه) في أبي داود ولا ركوع فيه وهو من باب التعبير بالبعض عن الكل والمراد بالحشر جمعهم للجهاد والنفر اليه والعشر أخذ العشور وحاصله انهم سألوه صلى الله عليه وسلم الاعفاء من الزكاة والجهاد والصلاة فاعفاهم مما عدا الصلاة قال الخطابي وانما أعفاهم من الجهاد والزكاة لعدم وجوبهما بعد في العاجل لان الصدقة لا تجب الا بانقضاء الحول والجهاد لا يجب الا اذا حضر العدو قال وأما الصلاة فهى راتبة فلم يجز شرط تركها انتهي وروى أبو داود أيضا عن وهب قال سألت جابرا عن شأن ثقيف اذ بايعت قال اشترطت ان لا صدقة عليها ولا جهاد وانه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيتصدقون ويجاهدون اذا أسلموا(2/27)
فقالوا فسنؤتيكها وان كانت دناءة ثم أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من احدثهم سنا وانما أمره عليهم لانه رآه أكثرهم سؤالا عن معالم الدين وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات وكان قدومهم على النبى صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان مرجعه من تبوك روى عن بعض وفدهم قال كان بلال يأتينا بعد ان اسلمنا بسحورنا وانا لنقول ان الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ويأتينا بفطورنا وانا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يضع يده في الجفنة فيلقمهم منها وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم (بسم الله الرحمن الرحيم) من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى المؤمنين ان عضاه وج وصيده لا تعضد من وجد يفعل من ذلك شيئا فانه يجلد وتنزع ثيابه (فسنؤتيكها) فسنعطيكها وزنا ومعنى (وان كانت دناءة) وضعة أى لما فيها من وضع الجباه التى هى أشرف الاعضاء بالارض وانما قالوا ذلك لغلبة الجهل وبقاء آثار الكفر عليهم وعدم الفهم لها واعتيادهم ما فيها من الخيرات والفتوح الربانية (من أحدثهم سنا) أى أصغرهم (أكثرهم) بالنصب (معالم الدين) جمع معلم وهو في الاصل الجبل الذى يهتدى به في القفار ويسمى علما أيضا (أبا سفيان) بن حرب (بسحورنا) بفتح السين اسم لما يتسحر به (وانا لنقول ان الفجر قد طلع) أي من شدة تاخير السحور كما هو السنة (بفطورنا) بالفتح أيضا اسم لما يفطر به (ما نري الشمس) بالضم أي ما نظنها (غربت) أي من شدة تعجيل الفطر كما هو السنة (الجفنة) بضم الجيم وسكون الفاء ثم نون وهي اسم لاعظم القصاع ثم تليها القصعة وهي تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع نحو الخمسة ثم المئكلة بكسر الميم ثم همزة ثم فتح الكاف تشبع الرجلين والثلاثة (ان عضاه وج وصيده الي آخره) رواه بمعناه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن الزبير رضى الله عنه وذكر الذهبي ان الشافعي صححه والعضاه بمهملة مكسورة وضاد معجمة كل شجر له شوك كالطلح والعوسج ووج واد بين الطائف ومكة سمي بوج بن عبد الحى من العمالقة ويقال فيه واج (لا يعضد) لفظ أبي داود حرم محرم لله تعالى قال الخطابى ولا أعلم لتحريمه معني الا أن يكون على سبيل الحما لنوع من منافع المسلمين أو انه حرم وقتا مخصوصا ثم أحل يدل عليه قول صاحب جامع الاصول قبل نزوله الطائف لحصار ثقيف ثم عاد الامر فيه الى الاباحة انتهى وذهب الشافعي رحمه الله الى تحريمه لكن هل يجب عليه جزاء قولان القديم نعم لقوله في الحديث (ومن وجد يفعل من ذلك شيئا فانه يجلد وتنزع ثيابه) فالجلد تعزير على الفعل أو الجزاء في مقابلة ما أتلف وعليه فالضمان بالسلب كما في الحديث وقيل كحرم مكة وعلى الاول يسلب كسلب الكفارة وقيل يترك له ساتر العورة وضححه في المجموع وصوبه في زوائد الروضة والجديد عدم الضمان لعدم كونه محلا للنسك فاشبه(2/28)
وكتب خالد بن سعيد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد على ذلك علي وابناه الحسن والحسين وذكر ان المغيرة لما أراد هدم اللات قام أهل بيته دونه خشية أن يصيبه ما أصاب عروة ولما شرع في الهدم صاح وخر مغشيا عليه مستهزأ بهم فارتجت المدينة فرحا فقام المغيرة يضحك منهم ويقول ياخبثاء ما قصدت الا الهزء بكم ثم أقبل على هدمها حتى أستأصلها وأخذ مالها وحليها وفرغ من أمرها*
[مطلب في غزوة تبوك وهي المسمّاة بساعة العسرة]
وممن ذكر في وفود هذه السنة وفد فزارة بضعة عشر رجلا ووفد تجيب ثلاثة عشر رجلا ووفد بني أسد قيل وفيهم نزل قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ووفد كلاب ووفد الداريين من لخم وهم عشرة ووفد سعد هذيم.
غزوة تبوك وهي الفردة لانها لم يكن في عامها غيرها ولم يغز صلى الله عليه وسلم بعدها حتى توفي وسماها الله تعالى ساعة العسرة لوقوعها في شدة الجدب والحر الحما والكلام في حرم المدينة كهو في وج الطائف (وابناه الحسن والحسين) يستدل به على جواز تحمل الشهادة مع كون الشاهد ليس أهلا لها عند التحمل لانهما كانا صبيين (وذكروا ان المغيرة الي آخره) وذكره ابن اسحاق وغيره (يا خبثاء) بضم المعجمة وفتح الموحدة ثم ثلاثية مع المد جمع خبيث كغرباء وغريب وبفتح المعجمة وسكون الموحدة كغرقي (الا الهزء) بضم الهاء والزاي ثم همزة تبدل واوا وهو الاشهر (فزارة) بفتح الفاء ثم زاي ثم الف ثم راء ثم هاء (تجيب) بضم الفوقية وكسر الجيم وسكون التحتية بعدها موحدة كذا يقوله المحدثون وكثير من الادباء وقيل ان أوله بالفتح والباء عند هؤلاء أصلية وهم قبيلة من كندة (بنى أسد) بن خزيمة (قيل وفيهم نزل قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) قال البغوي وذلك انهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جدبة فاظهروا الاسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر فافسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون وبروحون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون أتتك العرب بانفسها على ظهور رواحلها وجئناك بالاثقال والذراري والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنون على النبي صلى الله عليه وسلم ويريدون الصدقة ويقولون اعطنا فانزل الله هذه الآية وقال السدي نزلت في اعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار لما تخلفوا عن الحديبية بعد ان استنفروا لها قلت وقول السدي غير مرضي (ووفد كلاب) على لفظ جمع الكلب مع الصرف (الداربين) ينسبون الى جدلهم اسمه الدار هديم فغلبه عليه (غزوة تبوك) بفتح الفوقية والموحدة مكان من المدينة على أربعة عشر مرحلة جاءها النبى صلى الله عليه وسلم وهم ينزفون ماءها بقدح فقال ما زلتم تبوكونها فسميت حينئذ تبوك ذكره القتيبي وغيره (ساعة) بالنصب (العسرة) أي الشدة قال البغوي وكان جيشها يسمى جيش العسرة (لوقوعها في شدة الجدب) وهو نقيض الخصب (والحر) الشديد روى الحاكم في المستدرك بسند صحيح علي شرط الشيخين عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب حدثنا(2/29)
وقلة الزاد والظهر وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من جهاد العرب أمر الناس بالتهيئ لغزو الروم وحث المياسير على اعانة المعاسير فأنفق عثمان بن عفان رضى الله عنه فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا لذلك قيل له مجهز جيش العسرة وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ارض عن عثمان فانى عنه راض وقال ماضر عثمان ما فعل بعد اليوم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جدّبه الجد فضرب معسكره على ثنية الوداع وأوعب معه المسلمون فكان عددهم سبعين ألفا وقيل ثلاثين ألفا وتخلف عبد الله بن ابيّ ومن معه جبنا ونفاقا ودخلا وفيهم نزلت عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا الى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا ان رقابنا ستنقطع حتى ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ان الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله قال أنحب ذلك قال نعم فرفع يده فلم يرجعهما حتى خالت السماء فأظلت ثم سكبت فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر انتهى وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في استجابة الدعاء وفيه منقبة ظاهرة لسيدنا أبي بكر رضى الله عنه حيث أشار على النبى صلى الله عليه وسلم بذلك واستشاره صلى الله عليه وسلم (وقلة الزاد) قال البغوي كان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير وكان النفر منهم يخرجون ما معهم الا التمرات بينهم فاذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها فيشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم فلا يبقي من التمرة الا النواة (و) قلة (الظهر) أي الحمولات قال البغوي قال الحسن كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك (المياسير على المعاسير) جمع موسر ومعسر على غير قياس (فانفق عثمان رضي الله عنه) كما رواه الترمذى عن عبد الرحمن ابن سمرة (الف دينار) نثرها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحمل على تسعمائة بعير وخمسين فرسا) هذا خلاف ما في سنن الترمذى انه قال يا رسول الله علىّ مائة بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم قال علي ثلثمائة بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله (مجهز) بالضم (فقال النبى صلى الله عليه وسلم) وهو بارك على المنبر (ماضر عثمان) بالنصب (ما عمل) أي الذي عمله من الذنوب قبل أن يتصدق بما تصدق به فانه (بعد اليوم) مكفر عنه بصدقته (الجد) بالكسر الجهد والمبالغة في الامر (معسكره) بضم الميم موضع اجتماع العسكر (على ثنية الوداع) وهي شامي المدينة عن يسار مسجد الراية سميت بذلك لان الخارج من المدينة الى الشام يمشي معه المودعون اليها (وأوعب) أى جمع (وكان عددهم سبعين الفا) قاله أبو زرعة الرازى (وقيل ثلاثين الفا) قاله ابن اسحاق. قال النووى وهذا أشهر قال وجمع بينهما بعض الائمة بان أبا زرعة عد التابع والمتبوع وابن اسحاق عد المتبوع فقط وفي صحيح مسلم يزيدون على عشرة آلاف مع عدم تبيين قدر (وتخلف عبد الله بن أبي ومن معه) قال البغوى «1» ولم يقل ناقل العسكرين (ودخلا بالمهملة والمعجمة)
__________
(1) في ابن هشام وضرب عبد الله بن أبي معه على حدة عسكره اسفل منه نحو ذباب وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين اهـ(2/30)
سورة براءة وسماها ابن عباس الفاضحة قال ما زالت تنزل فيهم ومنهم حتى ظنوا انه لم يبق أحد منهم الا ذكر فيها وتخلف آخرون لا عن نفاق وريبة إخلادا الى الظل وكسلا وهم الذين تاب الله عليهم وتخلف آخرون ممن عذر الله تعالى في قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى الآية وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك ان بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا شعبا الا وهم معنا فيه حبسهم العذر وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الخميس وكان يحب ان يخرج فيه وذلك لخمس خلون من رجب واستخلف على خاصته ومن ترك علي بن ابي طالب فعيره المنافقون بالتخلف فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال مفتوحتين وهى الخيانة والخديعة واظهار الوفاء وابطان النقض (سورة براءة) وهي مدنية وخصت من بين السور بعدم كتب بسم الله الرحمن الرحيم أولها لان البسملة أمان وهي نزلت لرفع الامن بالكف وقد سأل ابن عباس عثمان عن ذلك فقال لما كانت قصتها شبيهة بقصة الانفال قرنت بينهما ولم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه أبو داود والترمذى وهذا يدل على ان ذلك كان باجتهاد من عثمان لا بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم لكن أخرج الحاكم حديثا يؤخذ منه ان ذلك بتوقيف (وسماها ابن عباس الفاضحة كما رواه الشيخان) عن سعيد بن جبير ومن أسمائها انها سورة التوبة وسورة البحوث بفتح الموحدة وضم المهملة آخره مثلثة والمسرة والمتغيرة والمقرة وسورة العذاب (اخلادا) مصدر أخلد بمعنى سكن وقال ويقال خلد أيضا قاله الزجاج قال واصله من الخلود وهو الدوام والمقام ويقال اخلد فلان بالمكان اذا أقام به (ليس على الضعفاء) يعني الزمنى والمشايخ والعجزة قاله ابن عباس وقيل هم الصبيان وقيل النساء (ولا على المرضى) كعابد بن عمرو وأصحابه كان بهم مرض يومئذ وكابن أم مكتوم كان أعمى (ولا على) الفقراء (الذين لا يجدون ما ينفقون) في الغزو ليس عليهم (حرج) اثم ولا ضيق في القعود عن الغزو لكن (اذا نصحوا لله ورسوله) في مغيبهم وأخلصوا الايمان والعمل لله وبايعوا الرسول (ما على المحسنين من سبيل) أي طريق للعقوبة (والله غفور) كثير المغفرة (رحيم) بالمؤمنين (ان بالمدينة أقواما الى آخره) رواه البخارى وأبو داود عن أنس ورواه مسلم عن جابر (الا وهم معنا) أى مشاركوننا في الثواب كما في رواية لمسلم الا شركوكم في الاجر انهم انما (حبسهم العذر) عن النفر معنا ولو لاه لنفروا ففيه ان الطاعات من جهاد وغيره يكتب ثوابها لتاركها بعذر وقد روى أحمد والبخاري عن أبي موسى اذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الاجر ما كان يعمل صحيحا مقيما وروى ابن عساكر عن مكحول مرسلا اذا مرض العبد يقال لصاحب الشمال ارفع عنه القلم ويقال لصاحب اليمين اكتب له أحسن ما كان يعمل فاني أعلم به وأنا قيدته (واستخلف على خاصته ومن ترك علي ابن أبي طالب) رواه الشيخان والترمذى وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص زاد الحكم في الاكليل فقال يا علي اخلفني في أهلى فاضرب وخذ واعط ثم دعا نساءه فقال اسمعن لعلي واطعن (وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) روى أبو داود عن كعب بن مالك قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الى سفر الا يوم الخميس(2/31)
اتخلفني في النساء والصبيان قال الا ترضى ان تكون منى بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبى بعدى ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه فلما مر بالحجر ديار ثمود قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم ان يصيبكم ما أصابهم الا ان تكونوا باكين ثم قنع رأسه واسرع السير حتى اجاز الوادى فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك وهي ادنى بلاد الروم اتاه يحنة بن روبه واهل جربا واذرح فصالحهم على الجزية
[كتابه صلى الله عليه وسلّم ليحنة بن روبة في صلحه وذمته]
وكتب ليحنة بسم الله الرحمن الرحيم هذا امنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن روبه واهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من اهل الشام واليمن واهل البحر (أتخلفني في الصبيان والنساء) استفهام استعظام (الا ترضي) وفي رواية في الصحيح اما ترضى (أن تكون نازلا منى بمنزلة) الباء زائدة ولمسلم انت منى بمنزلة (هرون) بن عمران بن نظهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (من) أخيه لابيه وأمه (موسي) هذا الحديث من أقوى شبه الروافض والامامية وسائر فرق الشيعة القائلين بان الخلافة كانت حقا لعلي وانه أوصى له بها قال عياض وهذا الحديث لا حجة فيه لهم لانه صلى الله عليه وسلم انما شبهه بهرون في انه صلى الله عليه وسلم استخلفه في هذه الغزاة كما استخلف موسى هرون حين ذهب لميقات ربه فهو تشبيه خاص قال ويؤيد هذا ان هرون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الاخبار والقصص (الا انه لا نبي بعدي) بعثة منشأة بشريعة مستقلة قال العلماء ففيه دليل على ان ابن مريم اذا نزل ينزل حكما من حكام هذه الامة يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم (فلما مر بالحجر ديار ثمود الى آخره) رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر وديار بدل من حجر وهى أرض ثمود بين المدينة والشام (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) فيه ندب البعد عن أماكن الكفار وأهل المعاصي وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الخوف على أمته وقوله (أن تصيبكم) منصوب باضمار خشية (الا أن تكونوا باكين) ففيه ان البكاء من خشية الله وعذابه ربما كان سببا للامان (ثم قنع رأسه) أرخي الثوب عليه (وأسرع السير) فيه ندب ذلك في كل محل غضب على أهله ومنه وادى محسر كما مر (حتى أجاز الوادي) أى قطعه وخرج منه وهو رباعي وثلاثي وفي الصحيحين انه نهاهم عن استعمال مياهها وان يستقوا من بئر الناقة والنهى عنه للتنزيه (يحنة) بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد النون ثم هاء تنقلب في الدرج فوقية (ابن روبه) بضم الراء وسكون الواو ثم موحدة ثم هاء كذلك (جربا) بجيم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فالف مقصورة على الصواب المشهور (واذرح) بهمزة ثم معجمة ساكنة فراء مضمومة فمهملة على الصواب المشهور وقيل بالجيم بدلها وهو تصحيف قال النووى هي مدينة في طرف الشام في قبلة السويك بينها وبينه نحو نصف يوم وهى في طرف السراة بفتح المعجمة في طرفها الشمالى وتبوك في قبلة أذرح (ايلة) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مفتوحة مدينة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين المدينة الشريفة ودمشق. قال الحازمي قيل هي آخر الحجاز وأول الشام (ومحمد)(2/32)
فمن احدث منهم حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه فانه طيب لمن اخذه من الناس وانه لا يحل ان يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر
[خبر إرساله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك خالد بن الوليد الى اكيدر بن عبد الملك الكندى صاحب دومة الجندل وقال انك تجده يصيد البقر فمضى خالد حتى اذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة أقام وجاءت بقر الوحش حتى حكت قرونها بباب القصر فخرج اليهم اكيدر في جماعة من خاصته فلقيتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوا اكيدر وقتلوا اخاه حسان فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية وكان نصرانيا واقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزهم ثم اخذ راجعا الى بالكسر عطف على ذمة الله (لا يحول ماله دون نفسه) أي لا يؤخذ من ماله فداء عن نفسه بل قتله حلال لمن أراده لانتقاض ذمته بالاحداث (ان يمنعوا) بالبناء للمفعول (اكيدر) بهمزة مضمومة وكاف مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة مكسورة فراء لم يسلم بلا خلاف عند أهل السير قال ابن الاثير ومن قال انه أسلم أى كالخطيب البغدادى وابن منده وأبي نعيم فقد أخطأ خطأ فاحشا انتهي وأكيدر هذا هو الذى أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فاعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم (دومة الجندل) بضم المهملة وفتحها كما مر عرفت بدومة ابن اسماعيل فيما ذكر (انك تجده يصيد البقر) هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم والمراد به بقر الوحش (بمنظر) بفتح المعجمة ومنظر (العين) موضع ادراك نظرها (وصالحه على الجزية وكان نصرانيا) قال ابن الاثير فلما صالحه النبي صلى الله عليه وسلم عاد الى حصنه وبقى فيه ثم حاصره خالد بن الوليد في زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقتله مشركا نصرانيا يعنى لنقضه العهد وذكر البلاذري انه قدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وعاد الى دومة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد فلما سار خالد من العراق الى الشام قتله انتهى وفي سيرة ابن اسحق انه صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فيه عهد وأمان وكانت صورته على ما حكاه البيهقي عن أبي عبيد بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لا كيدر حين أجاب الى الاسلام وخلع الانداد والاصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل واكنافها ان لنا الضاحية أى أطراف الارض والبور والمعافي أى المجهول من الارض واغفال الارض أي مالا أثر فيه من عمارة والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامية من النخل أي الداخلة في بلدكم والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم أي لا تحشر الى المصدق ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات أي لا تمنعون من الرعي حيث شئتم تقيمون الصلاة لوقتها وتؤدون الزكاة بحقها عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين قال أبو عبيد انا قرأته أتاني به شيخ هناك في قضم بالقاف والمعجمة أى صحيفة وهذا يؤيد ما ذكره البلاذرى من اسلامه(2/33)
[خبر موت ذي البجادين المزني]
المدينة ولما كان ببعض الطريق مات ذو البجادين المزنى ليلا قال ابن مسعود فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حفرته وهو يقول لابي بكر وعمر ادليا الى اخاكما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم قد امسيت راضيا عنه فارض عنه قال ابن مسعود حينئذ ياليتني كنت صاحب الحفرة وعن أبي امامة الباهلى رضي الله عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزنى فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام في سبعين ألفا من الملائكة فوضع جناحه الايمن على الجبال فتواضعت ووضع جناحه الايسر على الارض فتواضعت حتى نظر الى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة عليهم السلام فلما فرغ قال يا جبريل بم بلغ معاوية هذه المنزلة قال بقراءته قل هو الله أحد قائما وراكبا وماشيا رواه ابن السني والبيهقي ولما نزل (ذو البجادين) بموحدة مكسورة فجيم خفيفة فدال مهملة تثنية بجاد وهو كساء من أكسية الاعراب مخطط قال ابن عبد البر اسمه عبد الله بن عبد وقيل ابن سهم عم عبد الله بن مغفل قال وسمى ذا البجادين لانه حين أراد المسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادها وهو كساء شقته باثنتين فاتزر بواحد وارتدي بالآخر وقد روى حديث ابن اسحق وغيره عن عبد الله بن مسعود (يا ليتني صاحب هذه الحفرة) . أي ليصيبني بركة دعوته صلى الله عليه وسلم (وعن أبى امامة) اسمه صدي ابن عجلان (معاوية بن معاوية) اختلفت الآثار في اسم والده معاوية هذا قاله ابن عبد البر وله في رواية معاوية بن مقرن (المزني) ويقال الليثى قاله ابن عبد البر (فصلي عليه) زاد ابن عبد البر وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك وله في أخري ستون ألف ملك (قائما وراكبا وماشيا) لابن عبد البر في رواية عنه قل هو الله أحد وقراءته لها ذاهبا وجائيا وقائما وقاعدا وعلى كل حال (رواه ابن السني والبيهقي) وابن عبد البر في الاستيعاب بروايات بعضها عن أنس وبعضها عن أبى امامة واسم ابن السنى أحمد بن محمد بن اسحق (تنبيه) قد يوهم كلام المصنف ان معاوية المذكور هو ذو البجادين وليس كذلك فذو البجادين مات بطريق تبوك ودخل النبي صلى الله عليه وسلم حفرته كما مر واما معاوية ابن معاوية المزني فانما مات بالمدينة كما صرحت به رواية ابن عبد البر عن أنس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بها فيما مضي فاتاه جبريل فقال له يا جبريل مالي أرى الشمس طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بها فيما مضى قال ذلك ان معاوية الليثي مات اليوم في المدينة فبعث الله اليه سبعين ألف ملك وذكر تمام الحديث قال وأسانيد هذه الاحاديث ليست بالقوية ولوانها في الاحكام لم يكن في شيء منها حجة ومعاوية بن معاوية لا أعرفه بغير ما ذكرت(2/34)
[خبر مسجد الضرار وهدمه وإحراقه]
النبى صلى الله عليه وسلم بذي اوان قريبا من المدينة اتاه جبريل بخبر اهل مسجد الضرار وكانوا اثنى عشر رجلا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وأخاه عويمرا وعامر بن السكن ووحشى بن حرب قاتل حمزة وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدموه وحرقوه فخرجوا سراعا حتى أتوه وفيه اهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه اهله واتخذ موضعه كناسة تلقى فيها الجيف وقدم صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر رمضان ولما قدمها بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وكانت تلك عادته ثم جلس للناس
[حديث الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك وتوبتهم]
وجاءه المخلفون يعتذرون اليه بالباطل ويحلفون له فقبل منهم ووكل سرائرهم الى خالقهم وفيهم نزل قوله تعالى يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ الآية وما بعدها حديث الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع قال بعض الشارحين اول أسمائهم مكة وآخر أسماء آبائهم عكة روينا في الصحيحين واللفظ للبخاري عن كعب بن مالك في هذا الكتاب وفضل قل هو الله أحد لا ينكر وبالله التوفيق (بذى أوان) بهمزة مفتوحة فواو خفيفة فالف فنون واد بينه وبين المدينة ثلاثة فراسخ من جهة الشام (أتاه جبريل) بعد ان جاء الذين بنوه فسألوه ان يأتي مسجدهم فدعا بقميص ليلبسه ويأتيهم فنزل القرآن (بخبر أهل مسجد الضرار) الذين بنوه ليضاروا به مسجد قبا (وكانوا) أى الذين بنوه (اثني عشر رجلا) وهم كما قال البغوي وديعة بن ثابت وخذام بن خالد قال البغوي ومن داره أخرج هذا المسجد وثعلبة بن حاطب وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ومعتب ابن قشير وعباد بن حنيف أخو سهل وأبو حبيبة بن الازعر ونبتل بن الحارث وبجاد بن عثمان ورجل يقال له بحزج (بن الدخشم) تقدم ذكره (ومعن) بفتح الميم وسكون المهملة ثم نون (وأخاه) لم يذكره البغوي (السكن) بفتح المهملة والكاف آخره نون (الظالم) بالكسر بدل من هذا (فحرقوه) وكان الذي جاءهم بالنار مالك بن الدخشم (كناسة) قمامة وزنا ومعنى (تلقى فيها الجيف) جمع جيفة وذلك بامره صلى الله عليه وسلم (عادته) بالنصب خبر كانت (المخلفون) أي الذين خلفهم الله تعالى عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم* حديث الثلاثة الذين خلفوا (كعب بن مالك) بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين ابن كعب بن سواد بن عمرو بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم ابن الخزرج (وهلال بن أمية) ابن عامر بن قيس بن عبد الاعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسم واقف مالك بن امرئ القيس بن مالك بن أوس (ومرارة) بضم الميم وتخفيف الراء المكررة (ابن الربيع) كما في صحيح البخاري أو ابن ربيعة كما في صحيح مسلم قال ابن عبد البر يقال بالوجهين (أول أسمائهم مكة) لان الميم أول اسم مرارة والكاف أول اسم كعب والهاء أول اسم هلال (وآخر أسماء آبائهم عكة) فالعين آخر اسم الربيع والكاف آخر اسم مالك والهاء آخر اسم أمية (وروينا في الحصيحين) وسنن أبى داود والترمذي والنسائي (عن) ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن (كعب بن مالك) ان عبد الله(2/35)
رضى الله عنه قال لم اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها الا غزوة تبوك غير اني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام وما احب ان لي بها مشهد بدر وان كانت بدر اذكر في الناس منها كان من خبرى اني لم اكن قط اقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة الاورّى بغيرها حتى كان تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز وعدوا كثير فجلا للمسلمين امرهم ليتأهبوا اهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذى يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فما رجل يريد ان يتغيب الا ظن انه سيخفي له ذلك ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله ابن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي زاد مسلم وأهل السنن وكان أعلم قومه وأوعاهم لاحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليلة العقبة) التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار فيها على الاسلام وان يقوّوه وينصروه قال النووي وهي العقبة التى في طرف منى التي يضاف اليها جمرة العقبة وكانت بيعتها مرتين في سنتين كانوا في الاولى اثنى عشر وفي الثانية سبعين كما مر (حين تواثقنا على الاسلام) أي تبايعنا عليه وتعاهدنا وأخذ بعضنا على بعض الميثاق (وما أحب ان لى بها) الضمير لليلة العقبة (مشهد بدر) بالنصب اسم ان أي ما أحب اني شهدت بدرا ولم أشهدها قال ذلك لما ظهر له بحسب نظره ان ليلة العقبة كانت أفضل لانها وقعت قبل الهجرة والمسلمون قليل والاسلام ضعيف (وان كانت بدر أذكر) بالنصب أشهر عند (الناس) بالفضيلة (الاورى بغيرها) أي أوهم غيرها زاد أبو داود وكان يقول الحرب خدعة (في حر شديد) يخاف من الهلاك (ومفاوز) جمع مفازة بفتح الميم. قال النووي قيل انه من قولهم فوز الرجل اذا هلك وقيل هو على سبيل التفاؤل بفوزه ونجاته منها كما يقال للديغ سليم (وعدوا) في بعض نسخ الصحيح وعددا بتكرير الدال (فجلا) بتشديد اللام وتخفيفها أي أوضح وبين وعرفهم ذلك على وجهه بلا تورية (أهبة) بهمزة مضمومة فهاء ساكنة كل ما يحتاج اليه في السفر والحرب (غزوهم) بالمعجمتين وللكشميهني في صحيح البخاري عدوهم بالمهملتين وتشديد الواو (بوجهه) ولمسلم وغيره بوجههم أي مقصدهم (كتاب حافظ) روي في صحيح البخاري بتنوينهما وفي مسلم بالاضافة قال ابن شهاب (يريد) كعب بالكتاب الحافظ (الديوان) وهو بكسر المهملة على المشهور وحكى فتحها فارسي معرب وقيل عربي كما مر أول الكتاب (فما رجل) لمسلم فقل رجل (ان يتغيب) أي يغيب (الا ظن انه سيخفي) ووقع في مسلم حذف الا والصواب(2/36)
عليه وسلم تلك الغزة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت اغدو لكي اتجهز معهم فأرجع ولم اقض شيأ فأقول في نفسى انا قادر عليه فلم يزل يتمادى بى حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيأ فقلت أتجهز بعده بيوم او يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لا تجهز فرجعت ولم أقض شيأ فلم يزل بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهمت ان ارتحل فأدركهم وليتنى فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت اذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزننى أني لا أرى الا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سليم يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني انه توجه قافلا حضرنى همى وجعلت أتذكر الكذب وأقول اخرج به من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما راح عنى الباطل وعرفت انى لم أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله اثباتها (حين طابت الثمار) أينعت ونضجت وآن وقت أكلها (و) طابت (الظلال) زاد مسلم فأنا اليها أصعر بالاهمال أي أميل والصعر الميل (من جهازي) بفتح الجيم وكسرها أي أهبة سفري (حتى أسرعوا) باهمال السين وصحف الكشميهني في صحيح البخاري فرواها بالاعجام مع حذف الالف (وتفارط) بفاء وراء وطاء مهملة فات وسبق الغزو (مغموصا) باعجام الغين واهمال الصاد أي مطعونا عليه في دينه ومتهما بالنفاق (تبوك) بالصرف في أكثر الروايات. قال النووي وكانه صرفها لارادة الموضع دون البقعة (فقال رجل من بني سلمة) قال الواقدى في المغازى اسمه عبد الله بن أنيس (حبسه برداه والنظر في عطفيه) أى جانبيه اشارة الى اعجابه بنفسه ولباسه (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فبينما هو على ذلك رأي رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فاذا هو أبو خيمثة الانصارى وهو الذى تصدق بصاع التمر حين أمره المنافقون انتهت الزيادة والمبيض لابس الابيض واسم أبي خيثمة هذا عبد الله بن خيثمة وقيل مالك بن قيس ولهم أبو خيثمة صحابى آخر اسمه عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي واللمز العيب (حضرني همي) ولمسلم بثي بالموحدة فالمثلثة المشددة والبث أشد الحزن (قد أظل) بالمعجمة أى أقبل ودنا كانه ألقى على ظله (زاح عني الباطل) أى ذهب ويقال انزاح أيضا والمصدر زيوحا قاله الاصمعي وزيحانا قاله الكسائي (فأجمعت صدقه) أى عزمت عليه وجزمت(2/37)
صلى الله عليه وسلم قادما وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم الى الله تعالى فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشى حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت ان سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكنى والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني ليوشكن الله ان يسخطك على ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه انى لارجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط اقوى ولا ايسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك فقمت وثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لي والله ما علمنا عليك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ان لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر اليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فو الله ما زالوا يؤنبوننى حتى اردت أن ارجع فأكذب نفسى ثم قلت لهم هل بقى معى أحد قالوا رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ايها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسى الارض فما هى (لقد أعطيت جدلا) أى فصاحة وقوة كلام وبراعة بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب الي اذا أردت (المغضب) بفتح المعجمة أى الغضبان (قد ابتعت) أى اشتريت (ظهرك) أى حمولتك (ليوشكن) بكسر المعجمة أى ليسر عن (تجد علي) بكسر الجيم أى تغضب (كافيك ذنبك) بالنصب والفاعل استغفار (يؤنبونني) بالهمزة فالنون فالموحدة أي يلوموننى أشد اللوم (العمرى) بفتح المهملة واسكان الميم نسبة الى بني عمرو ابن عوف هذا هو الصواب ووقع في مسلم العامري وهو غلط (الواقفي) بقاف ثم فاء نسبة الى واقف بن امريء القيس الذى مر ذكره في نسب هلال (فيهما) لي (أسوة) اقتداء (أيها الثلاثة) قال عياض بالرفع موضعه نصب على الاختصاص (تنكرت في نفسي الارض) أى تغير على كل شيء حتى الارض فانها توحشت(2/38)
التي اعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباى فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان واما انا فكنت اشب القوم وأجلدهم وكنت اخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين واطوف في الاسواق ولا يكلمني احد وآتى رسول الله وأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة واقول في نفسى هل حرك شفتيه برد السلام ام لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فاذا اقبلت الى صلاتى اقبل الى واذا التفت نحوه اعرض عنى حتى اذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط ابي قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس الى فسلمت عليه فو الله مارد على السلام فقلت يا أبا قتادة انشدك الله هل تعلمنى احب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله اعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا انا أمشى بسوق المدينة اذا نبطى من انباط اهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى اذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان فاذا فيه أما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنانواسك فقلت لما قرأتها وهذا ايضا من البلاء فتيممت به التنور فسجرته بها حتى اذا مضت اربعون ليلة من الخمسين اذا برسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت اطلقها أم ماذا افعل فقال لابل اعتزلها ولا تقربنها علي وصارت كاني لا أعرفها قبل ذلك (فاستكانا) أي خضعا (أشب القوم) أي أصغرهم سنا (وأجلدهم) أي أقواهم (فأسارقه) بالفاء والمهملة أي انظر اليه نظرا خفيا (جفوة الناس) بفتح الجيم وضمها وسكون الفاء أي اعراضهم (أنشدك) بالهمزة وضم المعجمة أي أسألك كما مر (نبطى) بفتح النون والموحدة وهو بالمعجمة الفلاح (ملك غسان) باعجام العين واهمال السين وتشديدها قيل انه جبلة بن الايهم وجزم به السيوطي وقال ابن حجر هو الحرث بن أبي شمر (ولا مضيعة) بكسر المعجمة مع سكون التحتية بوزن قرينة وبسكون المعجمة مع فتح التحتية بوزن علقمة لغتان أى في موضع وحال يضاع فيه حقك (نواسك) مجزوم بجواب الامر وفي بعض نسخ مسلم نواسيك بلا جزم. قال النووى وهو صحيح أى ونحن نواسيك وقطعه عن جواب الامر والمواساة بالمهملة المشاركة أى الحق بنا حتى تشاركنا فيما عندنا فنكون فيه سواء (فتيممت) أي قصدت ولمسلم فتياممت وهي لغة (فسجرته) بالمهملة فالجيم أي أوقدته (بها) أنث الكتاب على معنى الصحيفة ولمسلم فسجرتها أى أحرقتها (أربعون من الخمسين) زاد مسلم واستلبث الوحي (اذا رسول) بالتنوين (لرسول الله) باللام وفي رواية رسول بالاضافة وهذا الرسول خزيمة بن ثابت بينه(2/39)
وارسل الى صاحبى مثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى بأهلك فتكونى عندهم حتى يقضي الله في هذا الامر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لرسول الله ان هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن اخدمه قال لا ولكن لا يقربنك قالت انه والله ما به حركة الى شيء والله ما زال يبكى مذ كان من أمره ما كان الى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما اذن لامرأة هلال ابن أمية ان تخدمه فقلت والله لا استأذنت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنته فيها وانا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليالى حتى كملت لنا خمسون ليلة وانا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت على نفسى وضاقت على الارض بما رحبت سمعت صارخا أو في على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر قال فخررت ساجدا لله وعرفت ان قد جاء الفرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الصبح فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل الى فرسا وسعي ساع من أسلم فأوفي على الجبل وكان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرنى نزعت له ثوبي فكسوته اياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنؤنني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة الواقدى في روايته (الى صاحبي) بالتثنية (فقلت لامرأتي) قال ابن حجر اسمها خيرة (امرأة هلال) اسمها خولة بنت عاصم قاله ابن حجر وقيل اسمها عمرة بنت عمرو بن صخر الانصارية ذكرها ابن عبد البر وغيره (وأنا رجل شاب) أى أقدر على خدمة نفسي وأخاف عليها من حدة الشباب ان أقع على امرأتي فأقع في محذور آخر (فكملت) مثلت الميم (بما رحبت) أى ضاقت علي الارض مع انها رحبة أى واسعة ومن ضاقت عليه الارض ماذا يسعه (سمعت صارخا) قال في التوشيح هو أبو بكر الصديق (أوفي) صعد وارتفع (يا كعب بن مالك) بنصب ابن وفي كعب الضم والنصب كما مر له نظائر (فخررت) بكسر الراء أى وقعت من أعلى لاسفل (وآذن) بالمد والقصر أى أعلم (وركض رجل) قال في التوشيح هو الزبير بن العوام وقال ابن حجر يحتمل أن يكون أبا قتادة لانه كان فارس النبي صلى الله عليه وسلم (وسعي ساع) قال ابن حجر هو حمزة بن عمرو الاسلمي (واستعرت ثوبين) قال الواقدى من أبي قتادة (فوجا) جماعة (ليهنك) بكسر النون وأوله تحتية أو فوقية مفتوحة (يهرول) يسعى بين المشي والعدو (وهنأني) قال ابن النحوي بالهمز (ولا أنساها لطلحة)(2/40)
قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله ان من توبتى أن انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فاني أمسك سهمى الذى بخيبر فقلت يا رسول الله ان الله إنما نجاني بالصدق وان من توبتى ألا أحدث الا صدقا ما بقيت فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث احسن مما أبلانى وما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومي هذا كذبا واني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ
ولمسلم وكان كعب لا ينساها لطلحة (أبشر بخير يوم) أراد بخير ساعة فعبر باليوم لانه محل البشارة (أمن عندك يا رسول الله) أي بغير وحي بل بدلائل عرفت بها (ذلك منه) للكشميهني فيه أى في وجهه (انخلع) باعجام الخاء واهمال العين أي أخرج منه وأتصدق به (من مالي) أراد من الارض والعقار فلا ينافي قوله فيما مر والله ما أملك غيرهما يومئذ لانه أراد من الثياب ونحوها مما يخلع ويليق بالتبشير (صدقة) حال أو مصدر أو مفعول على تضمين انخلع معني اتصدق (أبلاه الله) أي أنعم عليه والبلاء الا بلاء يطلق على الشر ولا يقال في الخير الا مقيدا فمن ثم قال أحسن مما أبلاني (كذبا) ولمسلم كذبة بسكون المعجمة وكسرها (وأنزل الله على رسوله) وهو في بيت أم سلمة حين بقي الثلث الاخير من الليل كما نقله البغوي عن اسحاق ابن راشد عن الزهري (لَقَدْ تابَ اللَّهُ) أي تجاوز وصفح (عَلَى النَّبِيِّ) انما افتتح الكلام به لانه كان سبب توبتهم (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فِي ساعَةِ) أي وقت (الْعُسْرَةِ) أي الشدة (مِنْ بَعْدِ) متعلق باتبعوه (ما كادَ) أى قرب (يَزِيغُ) بالتحتية لحمزة وحفص وبالفوقية لغيرهم أي يميل الى التخلف والانصراف (قُلُوبُ فَرِيقٍ) جماعة (مِنْهُمْ) هموا بالتخلف ثم نفروا (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) قبل توبتهم ومن قبل توبته لم يعذبه أبدا قاله ابن عباس (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ) تاب أيضا (عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) أرجيء أمرهم عن توبة أبي لبابة وأصحابه (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أى برحبها (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) هما وغما (وَظَنُّوا) أي أيقنوا (أَنْ لا مَلْجَأَ) أي لا مفزع (مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ليستقيموا على التوبة ويدوموا عليها (إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ) القابل توبة عباده (الرَّحِيمُ) بهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) في اتيان أوامره واجتناب نواهيه(2/41)
[فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت حديث كعب أحد الثلاثة الذين تخلّفوا عن تبوك]
الى قوله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فو الله ما أنعم الله علىّ من نعمة قط بعد إذ هداني للاسلام أعظم في نفسى من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا اكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فان الله قال للذين كذبوا حين انزل الوحى شر ما قال لأحد فقال الله عز وجل سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ الى قوله فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.
(فصل) واعلم ان في حديث كعب هذا فوائد منها استحباب ردغيبة المسلم كما فعل معاذ رضى الله عنه ومنها ملازمة الصدق وان شق فان عاقبته الى خير ومنها استحباب ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر قبل كل شيء ومنها انه يستحب للقادم من سفر اذا كان مقصودا ان يجلس لمن يقصده في موضع بارز كالمسجد ونحوه ومنها جريان أحكام الناس على الظاهر والله يتولى السرائر ومنها هجران اهل البدع والمعاصى الظاهرة وترك السلام عليهم تحقيرا لهم وزجرا ومنها استحباب بكائه على نفسه اذا بدرت منه بادرة معصية وحق له ان يبكي ومنها جواز احراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحة كما فعل عثمان رضى الله عنه ومنها ان كنايات الطلاق كقوله الحقى بأهلك لا يقع الا بالنية (وَكُونُوا مَعَ) محمد وأصحابه (الصَّادِقِينَ) في ايمانهم الباذلين أنفسهم وأموالهم في نصر دين الاسلام (أن لا أكون كذبته) هكذا هو في جميع نسخ مسلم وأكثر روايات البخاري ولا زائدة على حد ما منعك الا تسجد (فاهلك) بكسر اللام على الفصيح المشهور (سيحلفون بالله لكم) لانهم لا يعظمونه لنفاقهم (اذا انقلبتم) أى رجعتم (اليهم) من غزوتكم (لتعرضوا) لتصفحوا (عنهم) فلا تلومونهم (فاعرضوا عنهم) أى فدعوهم ونفاقهم (انهم رجس) نجس أى عملهم قبيح (ومأواهم) في الآخرة (جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) من المعاصي والنفاق (يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضي عن القوم الفاسقين) الخارجين عن أمر الله بالنفاق والآيتان نزلتا في الجد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكانوا ثمانين رجلا من المنافقين قاله ابن عباس أو في عبد الله بن أبىّ قاله مقاتل.
(فصل) عقده المصنف لد فوائد من حديث كعب (منها استحباب رد غيبة المسلم) بل وجوبها بالقول ما لم يخف منه فتنة والا وجب مفارقة ذلك المجلس (ان يجلس لمن يقصده) كما فعل صلى الله عليه وسلم (ومنها استحباب ركعتين) وكونهما (في المسجد عند القدوم) من السفر ويحصلان بما تحصل به التحية (ومنها هجران أهل البدع الى آخره) ولا تتقيد بثلاثة أيام (ومنها جواز احراق ورقة) ونحوها (فيها ذكر الله) صيانة لها لا اهانة ومحل الاخذ (كما فعل عثمان) حيث احرق المصاحف بعد ان استنسخ منها نسخا وجهها الى الآفاق خوفا من التباس القرآن والاختلاف فيه (لا يقع الابالنية) أى نية الطلاق مقارنة لاول اللفظ وان عزبت قبل آخره كما هو نص المختصر ورجحه كثيرون ولا يكفي اقترانها بآخر اللفظ دون أوله خلافا لما في أصل الروضة ولا يشترط مفارنتها لجميع اللفظ خلافا للمنهاج كالمحرر(2/42)
ومنها جواز خدمة المرأة زوجها من غير الزام ووجوب ومنها استحباب سجود الشكر عند حصول نعمة أو اندفاع نقمة ظاهرتين والتصدق عند ذلك ومنها استحباب التبشير والتهنئة واكرام المبشرين بكسوة ونحوها ومنها استحباب القيام للوارد اكراما له اذا كان من أهل الفضل بأى نوع كان وجواز سرور المقوم له بذلك كما سر كعب بقيام طلحة رضى الله عنهما وليس بمعارض بحديث من سره ان يتمثل له الرجال قياما فليتبوء مقعده من النار لأن هذا الوعيد للمتكبرين ومن يغضب ان لم يقم له وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة سرورا بها وتقوم هي له كرامة وكذلك كل قيام أثمر الحب في الله تعالى والسرور لأخيه بنعمة الله والبر بمن يتوجه بره والأعمال بالنيات والله سبحانه وتعالى أعلم*
[خبر نزول آية الحجاب]
وفي هذا العام وقيل فيما قبل ثم على المعتمد المراد أول لفظة الكناية كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجي خلافا لما صرح به الرافعى تبعا لابن الصباغ وصاحب البيان من ان المراد الهمزة من أنت مثلا (و) منها (جواز خدمة المرأة زوجها) كما فعلت امرأة هلال (ومنها استحباب سجود الشكر) لله تعالى (عند حصول نعمة) دينية نعمة كعب وصاحبيه أو دنيوية كحدوث ولد أو جاه أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو (أو اندفاع نقمة) كذلك وكنجاة من نحو غرق وبرء من مرض ولا يسن سجود الشكر لاستمرارها لتأديته الي استغراق العمر في السجود وقيد النووي في المجموع نقلا عن الاصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر العورات وقيدهما في الروضة والمحرر بقوله مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أى يدري ونقل ذلك في المهمات واطلاق الاصحاب يقتضى عدم الفرق بين أن يتسبب فيه أم لا ومن ثم لم يذكره في المجموع (و) منها (التصدق عند ذلك) مع سجود الشكر (والتهنئة) بالهمز وتركه (من سره ان يتمثل له الرجال الى آخره) رواه أحمد والترمذى عن معاوية (ان لم يقم له) مبني للمفعول (أثمر) أى ولد (والاعمال) كلها (بالنيات) قال صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امريء ما نوي فمن كانت هجرته الي الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن عمر بن الخطاب ورواه أبو نعيم في الحلية والدار قطنى في غرائب مالك عن أبي سعيد ورواه ابن عساكر في اماليه عن أنس ورواه العطار في جزء من تخريجه عن أبي هريرة قال العلماء وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الاسلام وعليه تدور أكثر الاحكام وأفاد بقوله وانما لكل امريء ما نوي اشتراط تعيين العمل بالنية قاله الخطابى وقوله أو امرأة ينكحها قيل انه ورد على سبب وهو ان رجلا هاجر من مكة الى المدينة لا يريد بذلك فضل الهجرة بل ليتزوج امرأة اسمها أم قيس فمن ثم خص ذكر المرأة في الحديث ذكر ذلك ابن دقيق العيد وغيره. قال في التوشيح وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور في سننه بسند على شرط(2/43)
الحجاب اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فكان من خبر ذلك ما رويناه في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال وا عجبا لك يابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت انا وجار لي من الأنصار الشيخين عن ابن مسعود قال من هاجر يبتغي شيئا فانما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس وجاء في الشق الاول بذكر الله وبرسوله ظاهرين لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما وجاء في الشق الثاني بالضمير اشعارا بالحث عن الاعراض عن ذكر المرأة والدنيا (تنبيه) بقى من فوائد هذا الحديث اباحة الغنيمة لقوله يريدون عير قريش وفضيلة أهل بدر والعقبة وجواز الحلف من غير استحلاف في غير الدعوى عند القاضى وندب التورية في الغزو والتأسف على الفائت من الخير لقول كعب فياليتنى فعلت وعدم بطلان الصلاة بمسارقة النظر والالتفات فيها وان السلام يسمى كلاما حتى يحنث به من حلف لا يكلم شخصا فسلم عليه ابتداء وجوابا ووجوب إيثار طاعة الله ورسوله على مودة الصديق والقريب وغيرهما كما فعل أبو قتادة وان الكلام عند شخص حلف لا يكلمه لا يكون تكليما ان قصد غيره واخفاء ما يخاف من اظهاره مفسدة واتلافه لتحريق كعب الكتاب الذى جاءه واستحباب الكناية في ألفاظ الاستمتاع بالنساء بقوله يأمرك ان تعتزل امرأتك ومجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهى عنه وجواز تخصيص اليمين بالنية وجواز العادية واستعارة الثياب واستحباب اجتماع الناس عند الامام والكثير في الامور المهمة واستحباب المصافحة عند التلاقي واستحباب سرور الامام وكبير القوم بما يسر أصحابه وترك التصدق بجميع المال لمن لا يصبر على الاضافة واستحباب نهى من أراد فعل ذلك والاشارة عليه ببعضه والمحافظة على ما كان سببا للتوبة من الخير كما لازم كعب الصدق ذكر معنى ذلك النووي* اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه (في الصحيحين) وغيرهما (ان تتوبا الى الله) من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم (فقد صغت) زاغت ومالت (قلوبكما) فيه جمع الاثنين (فسكبت على يديه) قال النووي فيه جواز الاستعانة في الوضوء لكنها لغير عذر خلاف الاولى (واعجبا لك يا ابن عباس) تعجب منه كيف خفي عليه هذا مع شهرته بعلم التفسير وحرصه عليه ومداخلته كبار الصحابة وأمهات المؤمنين قال ابن حجر ويجوز في عجبا التنوين وتركه بالمنون اسم فعل بمعني اعجب وغيره مصدر أضيف الى الياء ثم قلبت ألفا قاله في التوشيح (وجار لى) هو أوس بن خولى أو عتبان بن مالك قولان أرجحهما الاول فقد(2/44)
في بني امية بن زيد وهم من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وانزل يوما فاذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره فاذا نزل فعل مثل ذلك وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار اذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من آداب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتنى فانكرت ان تراجعني فقالت ولم تنكر ان اراجعك فو الله ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وان احداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعني ذلك وقلت قد خاب من فعل ذلك منهن ثم جمعت علىّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها أي حفصة اتغاضب احداكن النبي صلى الله عليه وسلم حتى الليل قالت نعم قلت قد خبت وخسرت افتأمنين ان يغضب الله تعالى لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي لا ابا لك لا تستكثري النبى صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسلينى ما بدا لك ولا يغرنك ان كانت جارتك أوضأ واحب الى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة وكنا نتحدث ان غسان تنعل الخيل لغزونا فنزل صاحبى يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابى اخرج ابن سعد في طبقات النساء من حديث عائشة كان عمر مؤاخيا لاوس بن خولى لا يسمع شيأ الاحدثه ولا يسمع عمر شيأ الاحدثه فلقيه عمر يوما فقال هل كان من خبر فقال أوس نعم عظيم قال عمر لعل الحارث ابن أبي شمر سار الينا قال أوس أعظم من ذلك فذكر الحديث (في بني امية بن زيد) قبيلة من الانصار (وكنا نتناوب) فيه ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم (واذا نزل فعل مثل ذلك) فيه قبول خبر الواحد وفيه أخذ العلم من المفضول (من أدب) بالدال المهملة أي من سيرة (نساء الانصار) وطريقتهن في البخارى في المظالم ارب أى من عقلهن (فصخبت) بالصاد للكشميهني وبالسين لغيره والصخب والسخب الزجر من الغضب (على امرأتي) اسمها زينب بنت مظعون أم حفصة وعبد الله (لتهجره اليوم) بالنصب (حتى الليل) به وبالجر (فافزعنى ذلك) بفتح الكاف (من فعل ذلك) بكسرها لانه يخاطب امرأته (لا تستكثري) أي تطلبي الكثير (ان) بفتح الهمزة (كانت جارتك) فيه الخطاب بالالفاظ الجميلة قال النووي والعرب تستعمل هذا لما في لفظ الضرة من الكراهة (أوضأ) بالهمز من الوضاءة وهي الحسن ولمسلم أوسم والوسامة الجمال (ان غسان) الاشهر ترك صرفه والمراد ملكهم وهو جبلة بن الايهم كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ولا ينافيه ما مر من حديث عائشة انه الحارث بن أبى شمر لانه كان الملك الاعظم وجهز جبلة اليهم (تنعل) بفتح أوله من نعل وبضمه من انعل واقتصر النووى على الثاني (الخيل) اسم جمع لا واحد له من لفظه وللبخاري في المظالم ينعل النعال قال في التوشيح أى يستعملها ويحتمل كونه(2/45)
ضربا شديدا وقال أنائم هو ففزعت فخرجت اليه وقال حدث أمر عظيم قلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون فجمعت علىّ ثيابى فصليت صلاة الفجر مع النبى صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فاذا هي تبكى قلت ما يبكيك أو لم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدرى هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فاذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التى هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لى فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفا فاذا الغلام يدعونى قال أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فاذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم طلقت نساءك فرفع بصره الى فقال لا فقلت الله أكبر ثم قلت وأنا قائم أستانس يا رسول الله لو رأيتنى وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمن على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت لو رأيتنى ودخلت على بموحدة ومعجمة بقرينة ذكر الخيل هنا (نائم) أي هنا (هو) يريد عمر (أجاءت غسان) ولمسلم أخا الغساني (بل أعظم) ولمسلم أشد (من ذلك) قال النووى فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من الاهتمام باحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلق التام بقلقه أو بغضبه (خابت حفصة وخسرت) ولمسلم رغم أنف حفصة (فجمعت علىّ ثيابي) فيه استحباب التجمل للقاء الكبار قاله النووي (مشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها والجمع مشارب ومشربات فيه انه لا بأس باتخاذها ولا ينافي التقلل من الدنيا والزهد فيها (فقلت لغلام اسود) اسمه وباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة كما صرحت به رواية في مسلم (استأذن لى الى آخره) فيه استحباب الاستئذان وتكريره ثلاثا (ومال حصير) بكسر الراء وقد تضم نسج الحصير وضلوعه المتداخلة بمنزلة الخبوط في الثوب (قد أثر الرمال بجنبه) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتقلل منها وعدم الميل الى فاخر الملبوسات والمفروشات (وسادة) مخدة (من أدم) جلد (ليف) من النخل (الله أكبر) فيه التكبير عند السرور (استأنس) جملة خبرية حالية وحوز القرطبى ان تكون استفهامية استئذانا لباقى الحديث والانبساط(2/46)
[فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت خبر الحجاب]
حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هى أوضأ منك وأحب الى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصرى في بيته فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت أدع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال أو في هذا أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لى فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة الى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة انك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وانا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسع وعشرون قالت عائشة فانزلت آية التخيير فبدأ بى أول امرأة فقال انى ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك قالت قد أعلم أن أبوى لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال ان الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الى قوله عَظِيماً قلت افي هذا استأمر ابوىّ فاني اريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة (فصل) في هذا الحديث من الفوائد بيان الآية التى عاتبه بها ربه (يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) فقد اختلف العلماء في الذى حرمه على نفسه وعوتب على (فتبسم أخرى) بتشديد السين المهملة وللكشميهني في البخاري تبسمة (غير أهبة ثلاثة) وللكشميهني ثلاثة أهب وهي بفتحتين وضمتين جمع اهاب على غير قياس وهو الجلد قبل الدبغ قاله الا كثرون وقيل الجلد مطلقا (فان فارس والروم) ولمسلم فان كسرى وقيصر (أو في هذا أنت يا ابن الخطاب) استفهام انكار (أولئك قوم عجلوا طيباتهم) ولمسلم في رواية عجلت لهم طيباتهم وله في أخرى أما ترضى ان يكون لهما وفي بعض النسخ لهم الدنيا ولك الآخرة وفي رواية ولنا وكله صحيح قال عياض هذا مما يحتج به من تفضيل الفقر على الغنى لما في مفهومه ان بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته في الآخرة ما كان مدخرا له لو لم يستعمله قال وقد تأوله الآخرون بان المراد ان حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولاحظ لهم في الآخرة والله أعلم (استغفر لى) أي من مقالتى هذه وفيه طلب الاستغفار من أهل الفضل والصلاح (من أجل ذلك الحديث) وهو تحريم مارية أو العسل (موجدته) أي غضبه (فبدأبها) فيه فضيلة لعائشة رضى الله عنها (الشهر) أى هذا الشهر (تسع وعشرون) وللنسائى عن أبي هريرة الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين (آية التخيير يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية وسيأتي ان وجوب التخيير من خصائصه(2/47)
تحريمه كما اختلف في سبب حلفه وكلّ ذكر ما عنده من الرواية وأصحها ما ثبت في الصحيحين من تظاهر عائشة وحفصة غيرة منهما عليه صلى الله عليه وسلم أن شرب عند زينب ابنة جحش عسلا ومكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير انى أجد منك ريح مغافير وهو شيء تشبه رائحته رائحة الخمر فدخل على حفصة فقالت له ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكنى كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحدا وفي غير الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت حفصة بذلك فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم اكتمى علىّ وقد حرمت مارية على نفسى فافشت حفصة الى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبى صلى الله عليه وسلم انه لا يقربها شهرا وقيل سبب يمينه بحكمهن وأصحها الأول ثم الثانى وعليه أكثر المفسرين لكنه لم يخرج في الصحيح وسنده مرسل واختلفوا أيضا في الحديث الذى أسره اليها فقيل ما ذكر وقيل اخبارها بأن أباها وأبا بكر يليان الأمر من بعده صلى الله عليه وسلم
[فصل في ذكر الأحكام التي تترتب على يمين اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلّم نساءه]
(فصل) في الأحكام التى تترتب على هذه اليمين اذا حرم الانسان على نفسه طعاما أو ما هو من صلى الله عليه وسلم وكان سبب التخيير سؤالهن له النفقة كما في صحيح مسلم وغيره (وأصحها ما ثبت في الصحيحين) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (تظاهر عائشة وحفصة) كما في رواية أو عائشة وسودة كما في أخرى (غيرة) بفتح المعجمة (ان) بفتح الهمزة (شرب عند زينب) كما في رواية أو عند حفصة كما في أخرى (أكلت مغافير) بفتح الميم وبمعجمة وفاء بعد الفاء تحتية على الصواب وقد تحذف في بعض النسخ وهي جمع مغفور وهو حلو كربه الرائحة لكراهة ريح شجرته وهى العرفط بضم المهملة والفاء وهو عند أهل اللغة كل شجر له شوك (وهو شيء تشبه رائحته رائحة الخمر) أو رائحة النبيذ وكان صلى الله عليه وسلم يكره ان يوجد منه رائحة كريهة (تحكمهن) أي تغليظهن (وأصحها الاول) وهو تحريمه للعسل لثبوته في الصحيحين وغيرهما (ثم الثانى) وهو تحريمه مارية (وعليه أكثر المفسرين) كما نقله البغوي وغيره (لكنه لم يخرج في الصحيح) كذا قاله عياض وردوه بان النسائي والحاكم روياه من طريق صحيحة (وسنده مرسل) عند أبي داود وقد وصله الحاكم والنسائي عن أنس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها على نفسه فنزل لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ الآية (واختلفوا أيضا في الحديث الذى أسره) بحسب اختلاف الروايات (واخبارها بان أباها وأبا بكر يليان الامر بعده) قال الكلبى وميمون بن مهران ونقله سعيد بن جبير عن ابن عباس* ذكر ما يترتب على هذه الجملة من الاحكام (اذا حرم الانسان على نفسه طعاما) أو ثوبا أو دخول مكان أو كلام شخص وسائر ما يحرمه(2/48)
نوعه لم يحرم بذلك شيء ولا شيء عليه وان حرم أمته ان نوى عتقها عتقت وان نوى تحريم ذاتها أو جملتها واطلق فعليه كفارة يمين بنفس اللفظ هذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وحكى القاضي عياض في تحريم الزوجة اربعة عشر مذهبا اما التخيير فان مذهب الجمهور ان من خير زوجته أو ازواجه فاختارته لا يكون ذلك شيأ ولو اختارت نفسها وقعت طلقة وحكي عن بعضهم انه يقع به طلقة بائنة وان اختارته ولا حجة لهم واما الايلاء المذكور في هذا الحديث فليس بالايلاء المذكور في القرآن وليس له ماله من الأحكام غير الحليلة (لم يحرم بذلك شيء) لاصل الحل خلافا لابي حنيفة (ولا شيء عليه) عندنا وعند أبي حنيفة تجب الكفارة كالحليلة (وان حرم أمته) فمذهبنا انه (ان نوي عتقها عتقت) عملا بنيته (وان نوي تحريم ذاتها أو جملتها) لزمه كفارة يمين ولا يكون يمينا (وان أطلق) فلم يقصد شيئا فعليه كفارة يمين على الصحيح في المذهب وقال مالك هذا في الامة لغو ولا يترتب عليه شيء نقله عياض وان حرم زوجته فان نوى به الطلاق أو الظهار وقع ما نواه عملا بنيته (وان نوي تحريم ذاتها الي آخره) قياسا على الامة بجامع ان كلا منهما تحريم فرج حلال بما لم يحرم به (بنفس اللفظ) من غير توقف على الاصابة لان الله فرض الكفارة من غير شرط الاصابة (أربعة عشر مذهبا) أحدها المشهور من مذهب مالك وقوع ثلاث مطلقا الا اذا نوى دونها فيقبل في غير المدخول بها وبهذا قال على وزيد والحكم والحسن الثاني كالاول ولا يقبل منه ادعاء نية أقل مطلقا وبه قال ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون المالكي الثالث يقع على المدخول بها ثلاثا وعلى سواها واحدة قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الملك المالكيان الرابع يقع به طلقة واحدة بائنة مطلقا وهى رواية عن مالك الخامس انها رجعية قاله عبد العزيز بن أبي سلمة المالكي السادس يقع ما نوي ولا يكون أقل من طلقة قاله الزهري السابع ما نوى والا فلغو قاله سفيان الثوري الثامن كذلك الا انه اذا لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين قاله الاوزاعى وأبو ثور التاسع مذهبنا وقد مر العاشر ان نوى الطلاق فطلقة وكذا ان نوي ثنتين وان نوي ثلاثا فثلاث وان لم ينو شيئا فيمين وان نوى الكذب فلغو قاله أبو حنيفة وأصحابه الحادي عشر كذلك الا انه ان نوي ثنتين وقعتا قاله زفر الثانى عشر يجب به كفارة ظهار قاله اسحق بن ابراهيم بن راهويه الثالث عشر يمين تجب به كفارة يمين قاله ابن عباس وبعض التابعين الرابع عشر كتحريم نحو الطعام فيلغو قاله مسروق والشعبى وأبو سلمة وأصبغ المالكيان (فاختارته) بان قالت اخترتك أو اخترت زوجي أو الزوج أو النكاح (لا يكون ذلك شيأ) بدليل تخييره صلى الله عليه وسلم نساءه (ولو اختارت نفسها) أو زيدا مثلا (وقعت طلقة) ان قصد بقوله اختاري تفويض الطلاق اليها والا فلغو (وحكى عن بعضهم) كعلى وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد (انه يقع) بنفس التخيير (طلقة ثانية) مطلقا (ولا حجة لهم) بل ذلك مذهب ضعيف مردود بالاحاديث الصحيحة قال عياض ولعل القائلين به لم تبلغهم هذه الاحاديث (وأما الايلاء المذكور في هذا الحديث فليس بالايلاء) الشرعى (المذكور في القرآن) في قوله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الآية (وليس له ما له من الاحكام) من ضرب المدة(2/49)
وانما المعنى هنا اليمين فقط والله أعلم*
[خبر الملاعنة التي كانت بين أخوي بني العجلان وأحكام الملاعنة]
وفي هذه السنة لا عن النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان ثم نقل القاضى عياض عن ابن جرير الطبري ان قصة اللعان في شعبان منها ولا وجه له فقد ذكر أهل السير انه صلى الله عليه وسلم خرج لغزوة تبوك في رجب ولم يرجع الا في رمضان وكان من حديث العجلانيين ما رويناه في صحيح مسلم عن ابن شهاب الزهري ان سهل بن سعد الساعدي أخبره ان عويمر العجلاني جاء الى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل سل لى عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم الى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول وهي أربعة أشهر والتخيير بعدها بين الفيئة والطلاق (وانما المعني) بكسر النون وتشديد التحتيه (هنا) الايلاء اللغوي وهو (اليمين فقط) فانها تسمي في اللغة ايلاء والية والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر قصة اللعان ولفظه مشتق من اللعن وهو الابعاد من الخير وهو شرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر الى قذف من لطخ فراشه وألحق به العار سمى لعانا لقول الرجل لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين واعتبر لفظ اللعنة دون لفظ الغضب ولفظ الشهادة لتقدمه في الآية ولقوة جانب الرجل لتقدمه ولانه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا عكس (عن ابن جرير الطبرى) هو الحافظ محمد بن جرير أحد العلماء الاعلام توفي سنة عشر وثلاثمائة (ان قصة اللعان) وقعت (في شعبان منها) أي من السنة التاسعة ولفظ النووي في شرح مسلم قالوا وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة وممن نقله القاضي عن ابن جرير انتهى وهو يفهم ان غير ابن جرير قاله أيضا (خرج في رجب ولم يرجع الا في رمضان) فكيف تقع الملاعنة في شعبان بالمدينة وهو لم يكن يومئذ بها فتعين كونها في شعبان من سنة غير التاسعة أو في التاسعة في شهر غير شعبان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم الى تبوك أو بعد مجيئه منها (ما رويناه في) صحيح البخارى و (صحيح مسلم) وسنن أبى داود والترمذي (ان عويمرا) بالتصغير وهو ابن أبيض بن محصن (أيقتله) بغير أن يقيم بينة (فتقتلونه) قودا (أم كيف يفعل) فانه اذا صبر صبر على أمر عظيم فكيف طريقه وجمهور العلماء على ان من قتل رجلا زعم انه وجده يزنى بامرأته لا يصدق بل يلزمه القصاص ما لم يثبت حصانته وزناه هذا في الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فان كان صادقا فلا شيء عليه وعن بعض السلف انه يصدق ان ادعا انه زنا بامرأته وقتله لذلك وهو قول متروك (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) انما كرهها لعدم الاحتياج اليها ظاهرا سيما وفيها هتك ستر مسلم واشاعة فاحشة وشفاعة على مسلم ولم يعلم صلى الله عليه وسلم حينئذ بوقوع القصة على ان البغوى روى عن ابن عباس ومقاتل ان عاصما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقوع القصة في(2/50)
الله صلى الله عليه وسلم قال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها قال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال صلى الله عليه وسلم قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين وخرج البخاري بمعناه وزاد ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظروا فان جاءت به أسحم ادعج العينين عظيم الاليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا الا قد صدق عليها وان جاءت به احيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمرا الا قد كذب عليها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر الجمعة الاولى وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الآية (وسط الناس) بسكون السين (فيك وفي صاحبتك) أى زوجك وكانت بنت عمه واسمها خولة بنت قيس بن محصن (فتلاعنا وأنا مع الناس) فيه ان اللعان يكون بحضرة الامام والقاضي ومجمع من الناس وهو أحد تغليظ اللعان (فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية لمسلم انه لاعن ثم لاعنت ثم فرق بينهما وفي رواية قال لا سبيل لك عليها وفي رواية (قال ابن شهاب فكانت تلك سنة) بالفتح (المتلاعنين) بالتثنية أي طريقتهم المفروضة وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين ففي مجموع ذلك ثبوت الفرقة باللعان وسيأتي الكلام عليها وأخذ أصحابنا من قوله فطلقها ثلاثا عدم حرمة جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد وموضع الدليل عدم انكاره صلى الله عليه وسلم اطلاق لفظ الثلاث عليه قال النووى وقد يعترض على هذا بانه انما لم ينكر عليه لانه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له قال ويجاب بانه لو كان الثلاث محرما لانكر عليه ارسال لفظ الثلاث مع حرمته (اسحم) بمهملتين أي اسود (ادعج) بمهملتين وجيم أى شديد سواد العين ولمسلم قضيء (العينين) بالقاف والمعجمة والهمز والمد بوزن سبيل أى فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة (خدلج الساقين) بمعجمة فمهملة فلام مشددة مفتوحات فجيم أي عظيمهما ولمسلم خدلا بفتح المعجمة وسكون المهملة وهو الممتلئ الساق وفي أخري له خمش الساقين بفتح المهملة وسكون الميم واعجام الشين أى دقيقهما (فلا أحسب) أي أظن (احيمر) تصغير احمر (كانه وحرة) بالاهمال بوزن سحرة دويبة حمراء كالعظاة شبه به في الحمرة (من تصديق عويمر) وتكذيب امرأته وذلك من اعلام البنوة وفيه ان الامور الشرعية مبنية على الظاهر وان الكشف مثلا لا يبطلها اذ حكم صلى الله عليه وسلم بما حكم ظاهرا(2/51)
وكان بعد ذلك ينسب الى أمه هذه احدي الروايات في الصحيحين وهي أتمها وثم زيادات فيهما حذفتها اختصارا*
[فصل في ذكر اختلاف العلماء في سبب نزول آية الملاعنة]
فصل واختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هي بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية الواقفي مع اتفاقهم انه لم يلاعن في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما وفي متن الحديثين دلالة على الأمرين والأكثرون على انها نزلت بسبب هلال بن أمية والداعي الى اللعان أن يقذف الرجل زوجته بالزناء ويعجز عن اقامة البينة فيجب عليه حد القذف ثمانون جلدة فيلاعن لدفعه فيقول عند الحاكم في ملأ من الناس أربع مرات ويتحرى لهما شرف الزمان والمكان أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا ويقول في الخامسة وعلىّ لعنة الله ان كنت من الكاذبين ويتعلق بلعانه خمسة من غير التفات لما علمه بعلم الباطن ومن ثم قال لولا ما مضي من كتاب الله لكان لى ولها شأن (فكان بعد) بالضم (ينسب الى أمه) وللبغوى وكان بعد أميرا بمصر لا يدرى من أبوه.
(فصل) عقده لبيان حكم اللعان (هل هي بسبب عويمر) لقوله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك (أم بسبب هلال بن أمية) كان في حديثه وكان أول رجل لاعن في الاسلام وحديثه مروي في صحيح البخاري وسنن أبى داود والترمذى عن أنس وابن عباس واسم امرأته خولة بنت عاصم واسم المرمي به شريك بن سحماء ووهم من زعم انه المرمى في حديث عويمر (والا كثرون على انها نزلت بسبب هلال) وممن ذكره من أصحابنا الماوردى في الحاوي وابن الصباغ في الشامل قال النووى ويحتمل انها نزلت في شأنهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما فسبق هلال باللعان فيصدق انها نزلت في ذا وذاك وان هلالا أول من لاعن (ان يقذف الرجل زوجته) صريحا أو كناية مع النية (ويعجز عن اقامة البينة) ليس العجز عن اقامتها شرطا لجواز اللعان بل له اللعان مع القدرة عليها (فتلا عن لدفعه) أي لدفع حد القذف وهذا أحد أسباب اللعان ومثله تعزير اللعان بان قذفها وهى غير محصنة فعليه التعزير فتلاعن لدفعه بشرط ان يقع قذفها وهى زوجه ولو في عدة رجعة والا فلا لعان لانها أجنبية بخلاف اللعان لنفي النسب فانه جائز ولو من غير الزوجة كالموطوءة بشبهة (فيقول عند الحاكم) بعد ان يلقنه كلمات اللعان وجوبا (ويتحري) أى يقصد (لهما) ندبا (أشرف الزمان) كبعد عصر الجمعة أو عصر غيره (و) أشرف (المكان) كعند منبر الجامع وعليه بالمدينة الشريفة وعند بابه لحائض فان كان بمكة فبالحطيم وهو ما بين الركن والمقام وان كانا ببيت المقدس فعند الصخرة فان كانا غير المسلمين ففي الاماكن التى يعظمونها كالكنيسة والبيعة لليهود والنصاري وبيت النار للمجوس (اشهد) هي بمعني احلف فمن ثم انكسر ما أتى بعدها والفاظ اللعان عندنا ايمان مؤكدة بالشهادة وعند أبي حنيفة بالعكس (تالله اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتى فلانة) أو هذه ان كانت حاضرة (من الزنا) واذا أثبتت عليه بالقذف قال فيما أثبتت على من رمي اياها بالزنا (والخامسة ان لعنة الله عليه) الى آخره ويشترط الاتيان بياء المتكلم(2/52)
أحكام سقوط حد القذف عنه ووجوب حد الزنا عليها وزوال الفراش ونفي الولد إن كان والتحريم المؤبد ويسقط الحد عنها بأن تلاعن فتقول أشهد بالله ان فلانا هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات وتقول في الخامسة وعلىّ غضب الله ان كان من الصادقين ويسن ان يعظهما الحاكم ويبالغ عند الخامسة ويعرفهما انها الموجبة قال العلماء وجوّز اللعان لحفظ الانساب ودفع المعرة عن الأزواج قالوا وليس شيء تتعدد فيه اليمين ويكون في جانب المدعي الا اللعان والقسامة والله أعلم*
[فصل ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية]
ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية وقد رواها مسلم متصلة بقصة ماعز بن مالك فروى بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ان ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله في على وتائه في ان كنت والموالاة بين كلماته فان طال فصل بطل ما مضى (سقوط حد القذف عنه) لها ولمن رماها به واحدا كان أو جمعا ان ذكره في لعانه والافله ان يعيد اللعان وتذكره ليسقط حقه (ووجوب حد الزنا عليها) لقوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ الآية (ونفي الولد ان كان) ونفاه في لعانه والافله اعادة اللعان لنفيه (والتحريم المؤبد) ظاهرا وباطنا صادقا كان الزوج أو كاذبا لحديث المتلاعنان لا يجتمعان أبدا رواه الدارقطني والبيهقى من حديث ابن عمر ومن حديث سهل بن سعد بلفظ ففرق بينهما وقال لا يجتمعان أبدا ولابى داود بلفظ مضت السنة بعد في المتلاعنين ان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان والفرقة هذه فرقة فسخ لاطلاق (بان تلاعن) بعد لعان الزوج لانه لا سقاط حد الزنا عنها وهو لا يجب الا بلعانه (ويسن ان يعظمها الحاكم) فيقول عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قاله صلى الله عليه وسلم لكل من هلال بن أمية وامرأته كما في الصحيحين وغيرهما (ويعرفهما انها الموجبة) توجب اللعنة ان كان كاذبا والغضب لها ان كانت كاذبة لانه صلى الله عليه وسلم قالها عند الخامسة كما رواه أبو داود ويندب أيضا ان يأمر رجلا يضع يده على فم الرجل عند الخامسة وامرأة تضع يدها على فم المرأة عندها فقد أمر صلى الله عليه وسلم بذلك كما رواه أبو داود والنسائي وبقى لذلك سماة مستوفاة في كتب الفقه (قال العلماء) كما نقله عنهم النووي في شرح مسلم (ودفع المعرة) أى النقص وهي بفتح الميم واهمال العين وتشديد الراء* قصة الغامدية باعجام الغين واهمال الدال منسوبة الى غامد أبى قبيلة واسمه عمر بن عبد الله ولقب غامدا لاصلاحه أمرا كان في قومه (وقد رواها مسلم) عن أبي سعيد وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس ورواها أيضا هو وأبو داود عن بريدة وعن عمران بن الحصين ورواها عن عمران أيضا الترمذي والنسائي (بقصة ماعز) وقد روي البخارى قصة ماعز فقط (بريدة) بالموحدة مصغر بن الحصيب بالمهملتين وآخره موحدة مصغر أيضا ابن الحارث الاسلمي أسلم قبل بدر ولم يشهدها وقيل أسلم بعدها وشهد خيبر وتوفي بمرو سنة اثنين أو ثلاث وستين (ماعز) بكسر المهملة بعدها زاى (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا في أكثر الروايات وفي رواية في صحيح مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز أحق ما بلغنى عنك قال(2/53)
اني قد ظلمت نفسي وزنيت وانى أريد ان تطهرني فرده فلما كان من الغدأتى فقال يا رسول الله اني قد زينت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومه فقال هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا فقالوا ما نعلمه الا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل اليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم وما بلغك عني قال بلغني انك وقعت بجارية آل فلان قال نعم والجمع بينهما انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم لنفر عنده فلما جاء قال له أحق ما بلغني عنك فقال نعم (اني قد ظلمت نفسى وزنيت الي آخره) انما لم يقنع ماعز والغامدية بالتوبة مع تحصيلها الغرض من سقوط الاثم بل اختارا الحد لان التوبة ربما لم تكن نصوحا أو يختل بعض شروطها فارادا حصول البراءة بطريق متيقن وهي الحد (فرده) مع تكرير الرد ثلاثا لعله يرجع عن الاقرار ولقنه ذلك فقال لعلك قبلت أو غمزت ففيه جواز التعريض للمقر بعقوبة لله تعالى بالانكار وقبول رجوعه عنه وبناء عقوبة الله على المساهلة والدرء بخلاف ما لآدمي فلا يجوز التعريض له بانكاره (تعلمون) استفهام حذفت أداته (ان بعقله بأسا) قال ذلك مبالغة في تحقيق حاله وصيانة لدم المسلم قال النووى وفيه اشارة الى ان اقرار المجنون باطل وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم سأله فقال ابك جنون فقال لا فقال هل احصنت قال نعم ففيه المبالغة في تحقيق شروط الرجم من احصان وغيره وفيه المؤاخذة بالاقرار وجاء في رواية في صحيح مسلم فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنهكه فلم يجد منه ريح خمر وظاهر ذلك عدم صحة اقرار السكران وهو خلاف الصحيح في مذهبنا قال النووي السؤال عن شربه محمول عندنا على انه لو كان سكرانا لم يقم عليه حال سكره انتهي قلت أو محمول على السكر بلا تعد فانه حينئذ أعماله لا تصح معه اقرار ولا غيره وليس في قوله اشرب خمرا ما يقتضى شربها تعديا (وفي العقل) أى كاملة (فيما ترى) بالفتح والضم (فلما كانت الرابعة) احتج به أبو حنيفة وأحمد وغيرهما علي ان الاقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات زاد ابن أبي ليلى وغيره في أربعة مجالس وقال الشافعي ومالك وغيرهما يثبت بمرة بدليل واغد يا أنيس علي امرأة هذا فان اعترفت فارجمها وبحديث الغامدية اذ ليس فيه اقرارها أربع مرات (حفر له حفرة) استدل به القائلون بالحفر للزانى سواء كان ذكرا أو انثى ثبت زناه ببينة أو باقراره وهي رواية عن أبى حنيفة وقال بها قتادة وأبو يوسف وأبو ثور وفي رواية عن أبى حنيفة لا يحفر لواحد منهما وهو قول مالك وأحمد وقال بعض أصحاب مالك يحفر لمن يرجم بالبينة فقط وقال أصحابنا لا يحفر للرجل مطلقا وأجابوا عن هذا الحديث بانه معارض بحديث أبى سعيد في مسلم فما أوثقناه ولا حفرنا له ويؤيد عدم الحفر له هربه حين اذلقته الحجارة فرواية بريدة محمولة على الحفر اللغوي وهو الايقاع في عظيمة قاله النووى قلت أو لعلهم حفروا له ليرجموه في الحفرة ظنا منهم ندبها له ثم لم يرجم فيها اما لنهي عن ذلك أو لعدم اتفاق دخوله الحفرة فروي بريدة الحفر لانه كان نسيبه وأبو سعيد عدمه لانه كان حالة الرجم حاضرا سيما وقد قال في رواية بريدة (ثم أمر به فرجم) ولم يقل فيها وأما المرأة فحاصل الاصح في مذهبنا انه يحفر لها ان ثبت زناها(2/54)
قال فجأت الغامدية فقالت يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وانه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فو الله انى لحبلى قال إما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها الى صدرها وأمر الناس برجمها بالبينة لا ان ثبت بالاقرار وسيأتي ما فيه وكان رجم ماعز بمصلي الجنائز بالبقيع ففيه دليل على ان المصلى اذا لم يوقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد والا يجتنب الرجم فيه وتلطيخه بالدماء والميتة كما نقله النووي عن البخارى وغيره من العلماء ونفي للحديث بتمامه منها انه لما اذ لقته الحجارة بالمعجمة والقاف أي اصابته بحدها هرب حتى انتهى الى عرض الحرة فانتصب لهم فرموه بجلاميدها حتى سكت زاد أبو داود والنسائى فاخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهربه فقال هلا تركتموه ففيه ندب ترك المقر اذا هرب لعله يرجع والا فلا ضمان لعدم ايجابه عليهم ومنها ان الناس كانوا فيه فرقتين قائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ما عز جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده ثم قال اقتلني بالحجارة قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال استغفروا الله لما عز بن مالك فقالوا غفر الله لما عز بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم (فائدة) كان من جملة الراجمين لماعز أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن سعد وكان رأس الذى رجموه وعمر حكاه الحاكم عن ابن جريج وعبد الله بن أنيس ذكره ابن حجر قال وهو الذي أدرك ماعزا فقتله حين هرب (فجاءت الغامدية) نسبة الي غامد بطن من جهينة وتقدم ضبطه قريبا (فلما كان الغد) بالنصب والضم (إمّالا) بكسر الهمزة وتشديد الميم وبالامالة أى اذا ثبت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعى عن قولك (فاذهبي حتى تلدى) ففيه تحريم رجم الحامل سواء كان من زنا أو غيره وكذا جلدها وذلك مجمع عليه (اذهبى فارضعيه حتى تفطميه الي آخره) فيه ان حدود الله تعالى لا يجوز استبقاؤها من المرأة الا بعد ما ذكر من الفطام لبنيانها على المساهلة بخلاف حد الآدمي لا ينتظر به الا الوضع فقط هذا مذهبنا ومذهب أحمد واسحاق ومشهور مذهب مالك وفي رواية عنه يرجم اذا وضعت من غير انتظار حصول مرضعة وكافل وهو مذهب أبي حنيفة (فلما فطمته) أي قطعته من الرضاع لاستغنائه عنه (كسرة خبز) بكسر الكاف (فدفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبي الى رجل من المسلمين) كان قد طلبه فقال الىّ رضاعه يا رسول الله وكان ذلك الرجل أيضا زنا كما في صحيح مسلم وفي رواية انه قيل له قد وضعت الغامدية فقال اذا لا يرجمها ويدع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فلما قال الانصاري اليّ رضاعه رجمها وظاهر هذه انه رجمها عقب ولادتها ويجب كما قال النووي تأويلها على وفق الاولى لانها قصة واحدة والروايتان صحيحتان فيؤول قول الانصاري الى رضاعه على انه قاله بعد الفطام واراد بالرضاع الكفالة والتربية فاطلق عليه الرضاع مجازا (فخفروا لها الى صدرها) ففيه ندب الحفر للمرأة وان ثبت زناها بالاقرار وهو ما صححه البلقينى لصحة الحديث به وقال لا يحل أن يثبت في مذهب الشافعى ما يخالف السنة (وأمر الناس برجمها) أى لانها كانت محصنة وان لم يصرح بذلك في الحديث(2/55)
فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبى الله صلى الله عليه وسلم بسبه إياها فقال مهلا يا خالد فو الذي نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت وفي رواية فقال له عمر تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله.
[فصل في تقبيح الزنا وأحكام الزانيين]
(فصل) واعلم أن الزنا فاحشة من أقبح الذنوب الداعية الى سخط علام الغيوب قال تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) وقال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وقد خلقك قلت ثم أي قال ان تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك قلت ثم أي قال ان تزنى بحليلة جارك وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى لان الحديث الصحيح والاجماع متطابقين على عدم رجم غير المحصن وفي هذا الحديث ونحوه دلالة على انه لا يجب الحضور على الامام وقت الرجم نعم بسن له ذلك خروجا من خلاف أبى حنيفة وأحمد (فيقبل) فعل مستقبل حكاية للحال (فانتضح الدم) بالمهملة كما قاله الا كثرون وبالمعجمة أي ترشش وانصب (فسبها) فقال يا زانية (فقال مهلا) أى امهل مهلا (لقد تابت توبة) عظيمة لا يحل ان تسب بالزنا بعدها (لو تابها صاحب مكس) بفتح الميم وسكون الكاف ثم مهملة وهو جابي الاموال وأخذها بغير حقها (لغفر له) مع ان المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات موجب لكثرة مطالبات الناس له بظلاماتهم المتكررة عنده وفي الحديث عدم سقوط حد الزنا لتوبة كغيره من حدود الله تعالى الا قطع الطريق (فصلى عليها) بالبناء للفاعل عند جماهير الرواة وعند الطبرى في صحيح مسلم بالبناء للمفعول قال عياض وكذا في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود قال وفي رواية لابي داود فامرهم ان يصلوا عليها (وفي رواية) صريحة في مسلم انه صلى الله عليه وسلم صلى عليها (فقال له عمر) استكثارا (يصلى عليها) استفهام حذفت أداته ففيه وفي حديث صلاته على ماعز عند البخارى دليل على ان نحو الامام يصلي على نحو المرجوم كما ذهب اليه الشافعي وما أول به أصحاب مالك من انه أمر بالصلاة ودعى اليها فتسمى صلاة على مقتضاها في اللغة ومن ان رواية صلاته صلى الله عليه وسلم ضعيفة لانها لم يذكرها أكثر الرواة فتأويلان مردودان كما قاله النووي بان التأويل انما يصار اليه عند اضطراب الادلة الشرعية الى ارتكابه ولم يوجد ذلك هنا فوجب حمل الحديث على ظاهره وبان رواية انه صلى عليه ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة (لوسعتهم) بكسر السين (ان) بفتح الهمزة
(فصل) عقده للتحذير من الزنا قال العلماء وتحريمه باتفاق الملل (ندا) بكسر النون وتشديد المهملة أى ميلا (ثم أي) بالوقف بلا تنوين (يطعم) بفتح الياء أى يأكل (ان تزني) ولمسلم تزانى (بحليلة جارك)(2/56)
الله عليه وسلم لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينزع الايمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فان تاب عاد اليه هكذا وشبك بين أصابعه رواهما البخاري والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة ثم انه ثبت في الكتاب والسنة ان التوبة الصادقة والحد يكفرانه وحد المحصن الرجم حتى يموت وغير المحصن حده جلد مائة وتغريب عام وشرائط الاحصان اربعة البلوغ والعقل والحرية ووجود الوطء في نكاح صحيح وهي بالمهملة زوجته سميت بذلك لكونها تحل له أو لكونها تحل معه وخصها لان الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه وقد امر الشارع باكرام الجار فاذا قابل ذلك بالزنا بامرأته كان في غابة القبح مع تضمنه أيضا زيادة على الزنا هى افساد المرأة على زوجها واستمالة قلبها الى الزاني (لا يزني العبد حين يزنى الى آخره) محمول على نفي كمال الايمان الباعث على كمال المراقبة المانعة على تعاطى ما ذكر كذا تأوله الجمهور وامتنع سفيان من تأويل مثل هذا بل يطلق كما أطلقه الشارع لقصد الزجر والتنفير قال في الديباج وعليه السادة الصوفية نفع الله بهم وكذا قال الزهرى هذا الحديث وما أشبهه نؤمن بها ونمرها كما جاءت ولا نخوض في معناه فانا لا نعلمه (ولا يقتل وهو مؤمن) ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة بضم النون ما ينتهب ذات شرف بالمعجمة والفاء أي ذات قدر عظيم وقيل ذات استشراف يستشرف الناس لها ناظرين اليها يرفع الناس اليه فيها أبصارهم وهو مؤمن قال عياض نبه بهذا الحديث على جميع أنواع المعاصى فبالزنا على جميع الشهوات وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالخمر على جميع ما يصد عن الله ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالقتل والنهبة على الاستخفاف بعباد الله وترك توقيرهم والحياء منهم وجمع الدنيا من غير وجهها (رواهما البخارى) ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم (وحد المحصن) بفتح الصاد المهملة وكسرها والاحصان لغة المنع وقد ورد في كتاب الله تعالى لمعان منها الاسلام والعقل والبلوغ وفسر بكل منها قوله تعالى فَإِذا أُحْصِنَّ ومنها الحرية وهي المراد بقوله تعالي فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ومنها التزويج وهى المراد بقوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ومنها العفة عن الزنا وهي المراد بقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ومنها الاصابة في النكاح الصحيح وهي المراد بقوله تعالى مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وهذا هو المراد هنا (جلد مائة) لقوله تعالى فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (وتغريب عام) لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرحم رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن عبادة بن الصامت وانما ترك الجمع بين الجلد والرجم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز والغامدية واليهوديين فدل على نسخ الجلد الواقع في حديث عبادة وقوله في الحديث البكر بالبكر ليس على سبيل الاشتراط لان البكر يجلد ويغرب وان زنا بثيب والثيب يرجم وان زنا ببكر فهو شبيه بالتقييد الخارج على الغالب (البلوغ وما بعده) خرج به الصبي والمجنون ومن(2/57)
وحد المملوك نصف حد الحر ودل مجموع الكتاب والسنة على ان حده الجلد في الحالين ولا يثبت الحد الا باقرار الزانى أو البينة وبينته أربعة ذكور عدول يشهدون برؤية الفرج في الفرج كالميل في المكحلة وهذا الحكم ثابت في التوراة والانجيل والفرقان فجعل الله سبحانه وتعالى شهادة الزنا أربعة خاصة له تغليظا على مدعيه وزجرا له على تعاطيه رحمة للعباد والستر عليهم ولو لم يكمل نصاب الشهادة حد الشهود وبرئ المقذوف وقد كان في صدر الاسلام عقوبة الزنا الامساك في البيوت وهو الحبس حتى يتوفاهن الموت ثم نسخ بالأذى وهو التوبيخ والتعيير ثم نسخ بالجلد والرجم وتقرر الحكم وصار اجماعا. أما الجلد فصريح في آية النور
[مطلب في أن الرجم ممّا نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه وفيه خطبة عمر بن الخطاب في حديث السقيفة]
وأما الرجم فانه مما نسخ لفظه من القرآن وبقى حكمه وبينته السنة. روينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كنت اقريء رجالا من المهاجرين منهم عبد الله بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها اذ رجع الى عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو فيه رق ومن لم يطأ في نكاح صحيح وكذا لو وطيء فيه وهو غير كامل لرق أوصبا ولا يشترط للاحصان الاسلام فقد رجم صلى الله عليه وسلم اليهوديين كما رواه الشيخان وأبو داود وابن حبان وغيرهم (وحد المملوك) أى من فيه رق وان قل (نصف حد الحر) وهو خمسون ونصف تغريبه وهو نصف عام قال تعالى في الاماء (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) وقيس بهن العبيد (ودل مجموع الكتاب والسنة على ان حد الجلد في الحالين) وذلك لعدم تصور تنصيف الرجم (أربعة ذكور عدول) متصفين بالحرية والعقل والبلوغ والبصر والنطق وعدم الفسق واختلال المرؤة والعداوة بينهم وبين المشهود عليه قال تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ وقال تعالى لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (برؤية الفرج في الفرج) ولا يشترط في الشهادة التصريح بالرؤية بل يكفي الشهادة بالادخال نعم لا يجوز اسنادها الا الى رؤية حقيقة (كالميل) التى يكحل به العين (في المكحلة) بضم الميم والمهملة لانهم قد يظنون نحو المفاخذة زنا ولا بد من ذكر المزني بها في الشهادة إذ قد يظنون وطيء الشبهة بوطيء امة الابن والمشتركة زنا (شهادة الزنا أربعة) ومثله اللواط واثنان البهيمة والاستمناء (ولو لم يكمل نصاب الشهادة حد الشهود) لان سيدنا عمر رضي الله عنه حد أبا بكرة ونافعا وسئل ابن معبد حين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا كما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقى وأبو نعيم في المعرفة بخلاف ما لو تم النصاب ثم ردوا لا لرق وكفر فانه يسقط عنهم حد القذف (التوبيخ والتعيير) مترادفان (روينا في صحيح البخارى) وبعض الحديث في صحيح مسلم وسنن أبى داود والترمذي وابن ماجه (هل لك في فلان) هو الزبير بن العوام أخرجه البلاذرى في الانساب باسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري لقد (بايعت فلانا) هو طلحة بن عبيد الله كما في مسند البزار والجعديات باسناد(2/58)
قد مات عمر لبايعت فلانا فو الله ما كان بيعة أبي بكر الا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال اني انشاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاهم وانهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس واني أخشى ان تقوم فتقول مقالة يطير بها عنك كل مطير وان لا يعوها وان لا يضعوها على مواضعها فامهل حتى تقدم المدينة فانها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وباشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعى أهل العلم والفقه مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال أما والله ان شاء الله لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا الى ركن المنبر فجلست حوله تمسّ ركبتى ركبته فلم أنشب أي البث ان خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فانكر علىّ فقال ما عسيت ان تقول ما لم تقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فاثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فاني قائل لكم مقالة قد قررت لي ان أقولها لا أدرى لعلها بين يدي أجلى فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ضعيف أو علىّ كما في الانساب للبلاذرى بالاسناد المار آنفا (فلتة) بفتح الفاء وسكون اللام ثم فوقية أى فجأة قال في التوشيح وأصلها الليلة التى هي من المحرم أو صفر أو هل هي من رجب أو شعبان وكانوا لا يشهرون السلاح في شهر حرام فكان من له ثأر يتربص فاذا جاء تلك الليلة أشهر الفرصة من قبل أن يتحقق انسلاخ الشهر فيتمكن ممن يريد ايقاع الشربه وهو آمن فيترتب على ذلك الشر الكثير وقد أطلق هنا على الفرصة التى وقا الله شرها (ان يغصبوهم) باعجام الغين واهمال الصاد أي يأخذوا عليهم قهرا (رعاع الناس) بفتح الراء وتكرير المهملة أي جهلتهم ورذالهم (وغوغاهم) بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة مع المد وهو سفلتهم المسرعون الى الشر وأصل الغوغاء صغار الجراد حين يبدأ في الطيران فاسفر هنا لمن ذكر ففيه صيانة الكلام الذى يخاف من ظاهره عن أراذل الناس وغير المنتفعين به واظهاره لغيرهم (على قربك) بقاف مضمومة وموحدة وخطاؤا الكشميهنى حيث ضبطها بكسر القاف والنون (يطرها) بضم أوله أي يشيعها ويظهرها وللسرخسي يطير بها بفتح أوله يحملونها على غير وجهها (كل مطير) بفتح التحتية صفة مبالغة (عقب ذى الحجة) بفتح المهملة وكسر القاف وبضم المهملة وسكون القاف فالثاني يقال لما بعد التكملة والاول لما قرب منها (فلما كان يوم الجمعة) بالنصب والرفع (زاغت) أي مالت (ما عسيت) بفتح السين وكسرها (لعلها بين يدي أجلى) هذا من جملة كرامات عمر رضي الله عنه فان الأمر وقع كما قال فطعن(2/59)
ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد ان يكذب علىّ ان الله بعث محمدا بالحق وانزل عليه الكتاب وكان فيما انزل الله عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فاخشى ان طال بالناس زمان يقول قائل والله ما أجد آية الرجم في كتاب الله فيصلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنا اذا أحصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة او كان الحبل أو الاعتراف ثم كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن ابائكم وان كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطرونى كما أطرى عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم انه بلغنى ان قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرأ ان يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وانها قد كانت كذلك ولكن الله وقاشرها وليس فيكم من يقطع الاعناق اليه مثل ابى بكر من بايع رجلا من عقب ذلك قبل مجيء الجمعة الاخرى (آية الرجم) بالرفع (ووعيناها) زاد أبو داود وابن ماجه وهي الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وقد فسر الشيخ والشيخة والمحصن والمحصنة (اذا احصن) بفتح الهمزة والصاد وبضمها وكسر الصاد (اذا قامت البينة) وهي أربعة كما مر (أو كان) بأمة (الحبل) تبع سيدنا عمر رضي الله عنه على مذهبه هذا مالك رحمه الله فاوجب الحد على من حبلت اذا لم يعلم لها حليل ولا اكراه ما لم تدع انه من زوج أو سيد وكانت غريبة طارئة قال ولا يقبل منها دعوى الاكراه الا ادا اشيعت في ذلك قبل ظهور الحمل وخالف مالك في ذلك جماهير العلماء (لا ترغبوا) في الانتساب (عن آبائكم) فتستوجبوا اللعنه في قوله صلى الله عليه وسلم من ادعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة الى يوم القيامة رواه أبو داود عن أنس ولاحمد والشيخين وأبي داود أيضا وابن ماجه عن سعد وأبي بكرة من ادعي الي غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام (فانه كفر) للنعمة قائم (بكم) أي مصاحب لكم (لا تطروني) بالطاء المهملة رباعي والاطراء المبالغة في الوصف (كما اطرى) مبني للمفعول (عيسى بن مريم) فقالت النصاري هو ابن الله (قد كانت كذلك) فيما ظهر لكم ولم يرد انها كذلك حقيقة (وفي شرها) أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر لان من المعتاد ان عدم الاطلاع على الحكم في شيء باعث على عدم الرضاء بفعله بغتة (وليس فيكم) من سبق في الفضل وبلغ غايته بحيث (تقطع الاعناق اليه) هذا مثل يقال للفرس الجواد تقطعت أعناق الخيل دون لحاقه وقيل ان الناظر الى السابق يمد عنقه لينظر حتى يغيب السابق عن النظر فعبر عن امتناع نظره بانقطاع عنقه أي فلا يطمع طامع ان يقع له (مثل) ما وقع (لابى بكر) من المتابعة له أولا في ملأ يسير ثم اجتمع عليه الناس بعد ولم يختلفوا (من بايع) بالموحدة والتحتية (من غير(2/60)
غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا وانه قد كان من خيرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم. ان الانصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا على والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون الى ابى بكر فقلت لابي بكر يا أبا بكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم ان تقربوهم اقضوا امركم فقلت والله لنأتيهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بنى ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا قال هذا سعد بن عبادة فقلت ماله قال يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم فاذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وان يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت ان اتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتنى أريد ان أقدمها بين يدى أبى بكر وكنت أدرى منه بعض الحد فلما أردت ان اتكلم قال لى أبو بكر على رسلك فكرهت ان أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أعلم منى وأوقر والله ما ترك من مشورة) بضم المعجمة وسكون الواو وسكونها وفتح الواو كما سبق مرارا (تغرة) بفوقية مفتوحة فمعجمة مكسورة فراء مشددة وهاء تأنيث مصدر غرر به أى حذرا (ان يقتلا) ومعناه ان من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضها للقتل (من خبرنا) بفتح الموحدة وللمستملي في صحيح البخاري بتحتية ساكنة أى وقد كان أبو بكر من خيرنا فعلي هذا (ان الانصار) بكسر الهمزة وعلى الاول بفتحها (لقينا) بفتح التحتية (رجلان صالحان) وهما معن بن عدى وعويمر بن ساعدة سماهما البخارى في غزوة بدر وكذا أخرجه البزار في مسند عمر قال ابن حجر وفيه رد على من زعم ان عويمر بن ساعدة مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (قال عليا لقوم) أي اتفقوا (مزمل) بالزاى أي مدثر ملفف (يوعك) أى ينزل به المعد وهى الحمي وقيل تفثها (شهد خطيبهم) قال ابن حجر قيل هو ثابت بن قيس بن شماس (رهط) أي قليل (دفت) بمهملة وفاء مشددة ففوقية جاءت (ذاته) أي عدد قليل (أي يختزلونا) بخاء معجمة وزاي أي يقتطعونا من الامر ويستبدونه دوننا (وان يحضنونا) باهمال الحاء واعجام الضاد أي يخرجونا والحضن الاخراج وللكشميهنى في صحيح البخارى يحصونا بضم الحاء وتشديد الصاد المهملتين ولابن السكن تحصونا بفتح الفوقية وتشديد الصاد المهملة أي يستأصلونا وللدار قطنى يحفظونا بالامر دوننا (قد زورت) بتقديم الزاى على الراء أي هيأت وحسنت (بعض الحد) بفتح المهملة أى الحدة (ان اغضبه) بمعجمتين من الغضب(2/61)
كلمة اعجبتنى في تزويرى الا قال في بديهة مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن نعرف هذا الأمر الا لهذا الحى من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فتبايعوا أيهما شئتم فاخذ بيدى وبيد ابى عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم اكره مما قال غيرها كان والله ان أقدم فيضرب عنقى لا يقربنى ذلك من اثم احب الى من أن اتأمر على قوم فيهم أبو بكر الا ان تسول لى نفسى عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعته المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة وللكشميهنى في صحيح البخاري بمهملتين من المعصية (في بديهة) أى على الفوردون فكر ولا روية (ما ذكرتم فيكم من خير فانتم له أهل) فيه الاعتراف بالفضل لاهله وذلك من شيم أهل الفضل فقد قال صلى الله عليه وسلم انما يعرف أهل الفضل لاهل الفضل أخرجه أحمد في المناقب بسند صحيح والخطيب عن أنس وأخرجه ابن عساكر عن عائشة (هم) أي قريش (أوسط العرب) أي أفضلهم نسبا (ودارا) المراد بها مكة (وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) قال العلماء انما قال ذلك مع علمه انه أحق بالخلافة فرارا من ان يزكي نفسه (ان اقدم) بفتح الهمزة (أحب الى) بالفتح على انه خبر كان والاسم في ان اقدم وعكسه (اللهم الا ان تسول لى نفسى عند الموت الى آخره) معني ذلك انه حلف على ما في نفسه الآن انه يختار الموت على ان يتأمر على قوم فيهم أبو بكر ثم استثنى ما عسي أن يقع في النفس عند الموت من اختيار الحياة ولو مع التأمر المذكور علي عادتها في الفرار من الموت وعدم الرضى به (فقال قائل من الانصار) هو الحباب بن المنذر أخرجه مالك وغيره (انا جذيلها) بجيم ومعجمة مصغر جذل بكسر الجيم وسكون المعجمة وهو العود (المحكك) بفتح الكاف المشددة أي المنصوب للابل الجرباء تحتك به (وعذيقها) باهمال العين واعجام الذال مصغر عذق بالفتح وهو النخلة (المرجب) بفتح الجيم المشددة آخره موحدة هو الذي جعل له رجبة بضم الراء وسكون الجيم وهي بناء تحاط به النخلة خوفا من سقوطها من الرياح ولا يفعل ذلك الا بالنخلة الكريمة الطويلة والتصغير يراد به هنا الكثير قاله الميدانى والمعنى انه رجل يستشفي برأيه وعقله زاد ابن اسحاق وغيره بعد هذا لنعيدنها جذعة (منا أمير ومنكم أمير) زاد أهل السير فان عمل المهاجري في الانصاري شيأ رد عليه الانصاري وان عمل الانصارى في المهاجرى شيأ رده المهاجري (فرقت) بكسر الراء خفت (ونزونا) بنون وزاي مفتوحة أي رأينا (فقال قائل) ولابن اسحق وغيره فقالت الانصار (قتلتم سعد بن عبادة) أي عملتم عملا أغضبتموه غضبا له وقع ويعبر بالقتل عن ذلك(2/62)
[مطلب ثم كانت بيعة عليّ لأبي بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنها]
قال عمر وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة ابي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يبايعوا رجلا منهم فاما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو لا والذى بايعه تغره أن يقتلا وروينا فيه أيضا عن الزهرى قال أخبرنا أنس بن مالك انه سمع خطبة عمر الاخيرة حين جلس على المنبر ذلك الغد حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وابو بكر جالس صامت لا يتكلم قال كنت أرجو ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك ان يكون آخرهم فان يكن محمدا قد مات فان الله عز وجل قد جعل بين اظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين وانه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر قال أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبى بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة قال القاسم بن محمد فما كان من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وان فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذى عليهم وخرجوا به يتلون وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الى الشَّاكِرِينَ* ثم كانت بيعة علي بن أبي طالب رضى الله عنه ومن معه بعد موت فاطمة وعاشت فاطمة بعد موت أبيها ستة أشهر ولما ماتت أرسل علي الى أبى بكر أن ائتنا فأتاهم فتشهد عليّ بن أبى طالب ثم قال انا قد (وذلك الغد) بالنصب (حتى يدبرنا) باهمال الدال وضم الموحدة (صاحب) بالنصب والرفع (ثانى اثنين) بسكون التحتية علامة للرفع (وكانت بيعة العامة على المنبر) في المسجد زاد أهل السير فسمع على والعباس التكبير ولم يفرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس هذا ما كنت قلت لك يا على (قال القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق (من خطبتهما) أي أبي بكر وعمر ومن تبعيضية أو بيانية (من خطبة) من زائدة (لقد بصر) بالموحدة وتشديد المهملة (قد خلت) مضت كلمة تامة (بيعة على) بالرفع (عاشت فاطمة بعد أبيها) صلى الله عليه وسلم (ستة أشهر) على الصحيح المشهور وقيل ثلاثة أشهر وقيل ثمانية وقيل شهرين وقيل سبعين يوما وكانت وفاتها رضى الله عنها لثلاث مضين من شهر رمضان سنة احدى عشرة (أن اثنتا) زاد مسلم في رواية ولا يأتينا معك أحد كراهية يحضر عمر فقال عمر لابي بكر والله لا تدخل عليهم وحدك وانما كرهوا محضر عمر كما قال النووي لعلمهم شدته وصدعه بما يظهر له فخافوا ان ينتصر لابي بكر فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكر وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له فخافوا أن يكون حضور عمر(2/63)
عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نحن نري لنا حقا لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبا بكر فلما سكت تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فانى لم آل فيها على الحق ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها الا صنعته فقال علي لأبى بكر موعدك العشية فلما صلى ابو بكر صلاة الظهر رقى ابو بكر على المنبر فتشهدو ذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر اليه ثم استغفر وتشهد علي بن أبى طالب كرم الله وجهه فعظم حق ابى بكر وانه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبى بكر ولا إنكار الذي فضله الله به ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون الى على قريبا حتى راجع الأمر المعروف رواه مسلم* وانما ذكرت الحديث الأول متمما بيان حكم الرجم وكانت الدلالة على ذلك تتم دون تمامه لما فيه وفي الحديثين بعده من الدلالة على أصل بيعة ابى بكر وانها كانت اجماعا من الصحابة الذين تقررت عصمتهم من الاجتماع على الضلال والخطأ والتمالئ عليهما وانه قد كان من على رضي الله عنه بعض تردد سببا لتغييرها وعمر انما قال لا تدخل عليهم وحدك خوفا عليه من اغلاظهم عليه في المعاتبة وعدم جواب أبى بكر والانتصار لنفسه لقوة لينه وصبره وخاف تغير قلب أبي بكر فيترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة وبحضور عمر يمتنعون من ذلك هذا معنى ما ذكره النووي قال وفي دخول أبي بكر وحده مع حلف عمر انه لا يدخل كذلك دليل علي ان ابرار القسم المأمور به في الاحاديث الصحيحة محله اذا أمكن احتماله بلا مشقة ولم يكن فيه مفسدة وهذا ظاهر (ولم ننفس عليك) بفتح الفاء أي لم نحسدك يقال نفس بكسر الفاء في الماضى تنفس بفتحها في المضارع (ولكنا كنا نري) بضم النون وفتحها (لنا في هذا الامر نصيبا) وذكر جماعة من أهل السير ان أبا بكر قال يا علي أكرهت امارتي قال لا لكن ابيت ان لا اخرج بعد موته صلى الله عليه وسلم حتى احفظ القرآن فعليه حبست نفسى (شجر بينى وبينكم) أى اختلفنا فيه وتنازعنا (لم آل) بمد الهمزة أى لم اقصر (موعدك العشية) بالنصب والضم قال أهل اللغة العشية والعشى من زوال الشمس الى الغروب (رقى) بكسر القاف في الماضي وفتحها في المستقبل كعلم يعلم (وعذره) بفتح العين والذال فعل ماض وبضمها وسكون الذال أي وذكر عذره (نفاسة) بفتح النون أى حسدا (من الدلالة علي أصل بيعة الصديق) لمبايعة من تيسر حضوره يومئذ من اهل الحل والعقد له (قد كان من علي رضى الله عنه بعض تردد) غير قادح في صحة البيعة اذ لا يجب على كل أحد اتيان الامام ووضع يده في يده ومبايعته بل يلزمه(2/64)
أول الأمر ثم شرح الله صدره فاعتذر في تخلفه تلك الايام وبايع وتابع فادّ الطاعة لأبى بكر والخلفاء بعده الى ان انتهت النوبة اليه وتعين القيام عليه فقام بها على أحسن الوجوه واكملها وأعدلها وقاتل من غلا في محبته كما قاتل من خرج عن طاعته ولم يعنف من تخلف عن نصرته وختم الله له بالسعادة والشهادة هذا وقد تعصب قوم له وادعوا له الخلافة ابتداء وان النبي أوصى اليه وتعاموا عن دلائل كثيرة صحيحة صريحة أو كالصريحة على خلافة أبى بكر اقواها بعد الاجماع إنابته اياما في الصلاة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمحضر من على رضى الله عنه وكانت الصلاة اعظم شعار في الاسلام واول امرأ حوج الى النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال علي رضي الله عنه رضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا واعظم ما وقع فيه هؤلاء من الأخطار تفسيقهم للصحابة ونسبتهم الى الخطأ ولزم من ذلك دخول علي معهم حيث القى بيديه ودخل في بيعة لا يعتقد صحتها وألزم نفسه طاعة الانقياد له وعدم اظهار خلاف ولا شق عصا وكان ذلك شأن علي في مدة تخلفه ولم يظهر على أبي بكر خلافا ولا شق العصا بل كان لعذر ولم يكن انعقاد البيعة متوقفا على حضوره فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره ولم ينقل عنه قدح في بيعة أبى بكر رضي الله عنه ولا مخالفة نعم بقي في نفسه عتب مما لا يعصم منه البشر فتأخر الى ان زال وكان عتبه انه رأى أن لا يبرم أمرا الا بمشورته وحضوره ولكن كان أبو بكر وعمر وسائر الصحابة معذورين في الاستبداد علي علىّ لانهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم المصالح وخافوا من تأخرها خلافا يترتب عليه مفاسد عظيمة ومن ثم أخروا دفن النبى صلى الله عليه وسلم حتى عقدت البيعة كيلا يقع نزاع في موضع دفنه أو في غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم حاكم يفصل أمرهم فيها وان تقديم البيعة أهم الاشياء هذا معني ما ذكره النووى (بايع) بالموحدة والتحتية (وتابع) بالفوقية والموحدة (وختم الله له بالسعادة والشهادة) فقتله عبد الرحمن بن ملجم الحميرى ثم المرادى قاتله الله وذلك يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان سنة ست وأربعين علي الصحيح عن ثلاث وستين سنة على أسد الاقوال ودفن في قصر الامارة بالكوفة ليلا وغيب قبره وقيل في رحبة بالكوفة وقيل بنجف الحرة وغسله ابناه الحسن والحسين وصلى عليه الحسن وكبر أربع تكبيرات على الصحيح (وقد تعصب قوم له) كالروافض والامامية وسائر فرق الشيعة (وبمحضر) بفتح الضاد (تفسيقهم للصحابة ونسبتهم الى الخطأ) وهذا قول الامامية وبعض المعتزلة وأما الروافض كلاب النار فانهم يكفرون سائر الصحابة في تقديمهم غير على وكفر بعضهم أيضا عليا لانه لم يقم في طلب حقه بزعمهم. قال القاضى وهؤلاء أسخف مذهبا وأفسد عقلا من ان يرد قولهم ويناظروا قال ولا شك في كفرهم لان من كفر الامة كلها والصدر الاول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم(2/65)
من لا يستحقها وقد كان له من قوة الجنان واشتداد الاركان ما لو اجتمعت الأمة بأسرها في جانب باطل لم يتابعهم وقد جهل قدره من ظن به ذلك ومن عظيم خطائهم اعتقادهم ان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الى علىّ بالخلافة فخالفوه وجرى الأمر على خلاف ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا فلم يوجد في جميع ما أخبر عنه من المغيبات خلف ولا تغيير وما ينطق عن الهوى ان هو الاوحى يوحى وبالجملة فهذا أمر قد انطوى بساطه وفرغ منه على ما انطوى عليه وما أسعد من أحب عليا لما مهد الله له من الفضائل وعرف لبقية الصحابة حقهم وأنزلهم منازلهم وأخسر من لا يصفوا له حبه الا بالتناول من غيره وعلى كل تقدير فالواقع على جانب من الخسر والوبال والساكت يسالم على كل حال وطريقة السلامة واضحة لمن ارتادها والعوائد السنية لازمة لمن اعتادها والله ولى التوفيق*
[مطلب ومن حوادث هذه السنة موت أم كلثوم ابنته صلى الله عليه وسلم]
ومن الحوادث في هذه السنة موت أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي الثانية من زوجتي عثمان بن عفان روينا في صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال شهدنا موت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا قال فانزل في قبرها فنزل في قبرها صحح ابن عبد البر انها أم كلثوم ولا يصح قول من زعم انها رقية لأن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب ببدر والله أعلم* ومعنى لم يقارف أي لم يكسب ذنبا وقيل لم يجامع وأنكره الطحاوي الاسلام (الجنان) بفتح الجيم وتخفيف النون القلب (الا بالتناول) أي السب وهو بتقديم الفوقية على النون (أرتادها) أي طلبها (والعوائد) جمع عائدة وهى ما يعود علي الشخص نفعه (السنية) بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية السامية* (موت أم كلثوم) رضى الله عنها وهي بضم الكاف والمثلثة وسكون اللام (وهى الثانية من زوجتى عثمان) قيل ولا نعلم رجلا تزوج ابنتى نبى سواه ومن ثم قيل له ذو النورين (فائدة) حضر غسلها من النساء أم عطية كما في سنن الترمذي قال ابن حجر وأسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وليلي بنت قانف (لم يقارف) بقاف وفاء (فقال أبو طلحة) اسمه زيد بن سهل كما مر (فانزل في قبرها فنزل) فيه جواز ادخال الاجنبى المرأة القبر ولو مع حضور زوجها وأبيها مثلا (من زعم) أى قال (ومعنى لم يقارف) قيل (لم يكسب ذنبا وقيل لم يجامع) وهذا هو الصحيح (و) ان (أنكره الطحاوي) باهمال الطاء والحاء واسمه أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة وهو منسوب الي طحا قرية من قرى الصعيد وكان امام الحنفية وحافظ مذهبهم قال في التوشيح وذكر في حكمه انه حينئذ يأمن من ان يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة وفي المستدرك ان عثمان تنحا قال ابن حبيب لانه جامع بعض جواريه لتلك الليلة(2/66)
وقال معناه لم يقاول الليلة لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء*
[مطلب في خبر وفاة النجاشي بالحبشة والصلاة عليه]
وفي رجب منها توفي النجاشي واسمه أصخمة ومعناه بالعربية عطية. روينا في صحيح البخاري عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فضلوا عليه قال فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صفوف قال جابر كنت في الصف الثاني وفي رواية في الصحيحين انه كبر عليه أربع تكبيرات. قال القاضى عياض اختلفت الآثار في ذلك فجاء من رواية ابن أبي خيثمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشى وكبر عليه أربعا وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم قال أصحابنا فان خمس لم تبطل في الاصح واتخذ (لم يقال) بالقاف يفاعل من القول فائدة روي الحاكم في المستدرك عن أبي امامة رضى الله عنه قال لما وضعت أم كلثوم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله فلما بنى عليها لحدها طفق يطرح اليهم الجبوب ويقول سدوا خلال اللبن ثم قال اما ان هذا ليس شيء ولكن يطيب نفس الحي انتهى والجبوب بضم الجيم والموحدة القطعة من الطين* موت النجاشي وقد مر ضبطه وضبط أصخمة (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (قد توفي اليوم) فيه المعجزة الظاهرة له صلى الله عليه وسلم واستحباب الاعلام بالميت لا على صورة نعى الجاهلية بل مجرد اعلام للصلاة عليه وتشيعه وانما المنهى عنه النعي المشتمل على ذكر المفاخرة وغيره من شعار الجاهلية (رجل صالح) هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد وفيه منقبة عظيمة للنجاشي (من الحبش) بضم المهملة وسكون الموحدة وبفتحهما (فهلم فصلوا) قال النووي فيه وجوب الصلاة على الميت وهى فرض كفاية بالاجماع (كنت في الصف الثاني) في رواية في الصف الثالث وفيه ندب جعل المصلين على الميت ثلاثة صفوف قال الاصحاب وكلهم في الفضل سواء (كبر عليه أربع تكبيرات) فيه ان تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور (قال القاضى) عياض كما نقله عنه النووى في شرح مسلم (وثبت على ذلك) أى على الاربع (حتى توفي) قال عياض واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات الى سبع وروي عن علىّ انه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا قال يوسف بن عبد البر ثم انعقد الاجماع بعد على أربع وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالامصار على ذلك للاحاديث الصحيحة وما سوى ذلك عندهم شاذ لا التفات اليه قال ولا يعلم أحد من فقهاء الامصار كان يخمس الا ابن أبى ليلى (قال أصحابنا) في كتبهم الفقهية (فان خمس) أو زاد على الخمس كما قاله الحيلى فان كان ناسيا (لم تبطل) صلاته قطعا أو عامدا فكذا (في الاصح) لانها زيادة ذكر وقد أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال(2/67)
العلماء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشى أصلا في الصلاة على الغائب وقال الخطابي من أصحابنا لا يصلي عليه الا اذا كان في موضع لا يصلي عليه كما وقع للنجاشى واستحسنه الرويانى في البحر والكلام في الغائب عن البلد أما الحاضر فلا يصلي عليه صلاة غائب سواء كبرت البلد أو صغرت والله اعلم.
[مطلب في موت عبد الله بن أبيّ بن سلول واستغفار النبي صلى الله عليه وسلّم له ونهي ربّه عن ذلك]
وفيها مات عبد الله بن ابي بن سلول وذلك بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض فقال أهلك حب يهود ولما مات أتاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أدخل فأمر به فاخرج فوضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه رواه البخاري عن جابر وروي أيضا عن عمر قال لما مات عبد الله بن أبي دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت اليه فقلت له يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا اعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخرعنى يا عمر فلما أكثرت عليه قال اني خيرت فاخترت كان زيد بن أرقم يكبر على الجنائز أربعا وانه كبر على جنازة خمسا فسألته قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرها ومقابل الاصح تبطل بالزيادة كزيادة ركعة خامسة ولا يتابع المأموم الامام فيها بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه في الاصح ومقابلة تتابعه لتأكيد المتابعة فان قلنا الزيادة مبطلة فارقه جزما (وقال الخطابي) اسمه حمد بفتح المهملة وسكون الميم بن محمد بن ابراهيم بن خطاب قال الشمني هو الامام الحافظ السبتي قال والخطابي نسبة الى جده ويقال انه من نسل زيد بن الخطاب (الروياني) بضم الراء وسكون الهمزة اسمه عبد الواحد بن اسماعيل منسوب الى رويان بلد بطبرستان (والكلام في الغائب عن البلد) سواء كان في جهة القبلة أو في غيرها (اما الحاضر فلا يجوز) ان (يصلى عليه صلاة غائب) اذ لم يرد ذلك والحضور عنده سهل* موت عبد الله بن أبي (روى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض) نقل ذلك البغوى عن أهل التفسير وقال ما معناه سبب ذلك انه بعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءه (قال أهلكك حب يهود) لا ينصرف زاد البغوى فقال يا رسول الله انى لم أبعث اليك لتؤنبني ولكن بعثت اليك لتستغفر لى وسأله ان يكفنه في قميصه ويصلى عليه (ولما مات) وكانت وفاته في ذى القعدة (وروي) البخارى (أيضا) وكذا مسلم والترمذي والنسائى (دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان الداعي ابنه عبد الله بن عبد الله وهو الذي سأل من النبي صلى الله عليه وسلم ان يلبس أباه قميصه الذي يلي جلده كما نقله البغوي وغيره عن يزيد بن هارون (وثبت اليه) أي قمت بسرعة (وقد قال يوم كذا كذا وكذا) لاصحاب السنن وقد نهاك ربك ان تصلى عليه (اني خيرت فاخترت) فان قيل كيف فهم(2/68)
لو أعلم اني ان زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم انصرف فلم يمكث الايسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم.
قيل فعل به النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل اكراما لولده حيث سأله ذلك وما سئل شيئا قط فقال لا وأما القميص فألبسه اياه مكافأة له لأنه ألبس العباس يوم بدر قميصا* خاتمتها صلى الله عليه وسلم من الآية التخيير والمفهوم من الآية انما هو التسمية بين الاستغفار وتركه كما فهمه عمر واقتضاه سياق القصة أجيب بأن قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا الى آخره تأخر نزوله عن أول الآية ففهم صلى الله عليه وسلم من ذلك القدر النازل ما هو الظاهر حينئذ من ان أو للتخيير وان عدد السبعين له مفهوم فاندفع الاستشكال الحامل لجماعة من الأكابر على الطعن في هذا الحديث منهم أبو بكر الباقلاني وامام الحرمين والغزالى والحديث لا مطعن فيه فقد اتفق الشيخان وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه (لو أعلم انى ان زدت على السبعين الى آخره) لاصحاب السنن وسأزيد على السبعين (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ) ظاهر الحديث تأخر نزول هذه الآية عن القصة وما في تفسير البغوي مما يقتضي نزولها في حياة عبد الله بن أبي مردود بما في الصحيح وفي الآية تحريم الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة والقيام على قبره (الى قوله وَهُمْ فاسِقُونَ) زاد الترمذى فترك الصلاة عليهم (من جرأتي) أى اقدامي (اكراما لولده) قيل واظهارا لحلمه عن من يؤذيه أو لرحمته إياه عند جريان القضاء عليه (ما سئل شيئا قط فقال لا) كما رواه الحاكم عن أنس كان لا يسأل شيئا الا أعطاه أو سكت (ان) بفتح الهمزة (ألبس العباس يوم بدر قميصا) ولم يكن للعباس يومئذ ثوب فوجدوا قميص عبد الله تقدر عليه فكساه إياه كما رواه البغوى عن جابر بصيغة وروى قال وقال ابن عيينة كانت له عند رسول الله يد فأحب ان يكافئه قال وروي ان النبى صلى الله عليه وسلم كافأ فيما فعل بعبد الله بن أبى فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما يغنى عنه قميصي وصلاتى من الله والله ان كنت أرجو ان يسلم به ألف من قومه وروى انه أسلم بعد موته ألف من قومه لما رأوه تبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم انتهي وفي هذا الحديث كما قال النووي بيان عظيم مكارم اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الايذاء وقابله بالحسنى فألبسه قميصه كفنا وصلى عليه واستغفر له قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ انتهى وفي هذا الحديث منقبة جليلة لعمر رضي الله عنه حيث وافق ربه (فائدة) قال ابن العربي وافق عمر ربه تلاوة ومعنى في احد عشر موضعا منها هذه القصة وفي قوله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ وفي قوله وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وفي الحجاب وفي اساري بدر وكل هذه في الصحيح وفي آية المؤمنين كما رواه أبو داود الطيالسى من حديث على بن زيد وافقت ربى لما نزلت ثم أنشأناه خلقا آخر فقلت انا تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أنس وفي(2/69)
[مطلب في حج أبي بكر تلك السنة وإردافه بعلي يؤذن ببراءة في الحج]
حج ابو بكر الصديق وكان من خبر ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك في رمضان أقام بالمدينة الى ذي القعدة وأراد الحج فذكر مخالطة المشركين وما اعتادوه من الجهالات في حجهم وان الأشهر الحرم والعهود التي لهم تمنع من منعهم فساءه ذلك وأمر أبا بكر على الحجاج وبعث معه بسورة براءة حاصلها التبرأ من عهود المشركين والتأجيل لهم أربعة أشهر ذهابا في الأرض اينما شاؤا ومن كان له عهد الى مدة ولم ينقص المسلمين شيئا ولم يظاهروا عليهم أحدا كبعض بني بكر فهو الى مدته فيما تضمنته أربعون آية من صدر سورة براءة ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعده على بن ابي طالب على ناقته العضباء تحريم الخمر كما روي أصحاب السنن والحاكم ان عمر قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها وفي قوله تعالى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ الآية ذكره البغوى وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى قلت ومنها قصة الاستغفار للمنافقين كما روي الطبرانى من حديث ابن عباس قال لما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لقوم من المنافقين قال عمر سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ومنها آية لما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج الى بدر أشار عمر بالخروج فنزل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الآية ذكره أهل السير ومنها انه لما استشاره صلى الله عليه وسلم في فراق عائشة يوم الافك قال عمر من زوجكها يا رسول الله قال الله قال أفتظن ان ربك دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك ومنها ما أخرجه أحمد وغيره انه لما جامع امرأته في رمضان ليلا بعد الانتباه وكان ذلك محرما أول الاسلام فنزل أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية ومنها ما أخرجه ابن مردويه وابن أبي حاتم وغيرهم عن أبي الاسود قال اختصم رجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما فقال الذى قضي عليه ردنا الى عمر فقال أكذلك قال نعم فقال عمر مكانكما حتى أخرج اليكما فخرج اليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا الى عمر فقتله وأدبر الآخر فقال يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي فقال ما كنت أظن ان يجترئ عمر على قتله مؤمن فأنزل الله عز وجل فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية فاهدر دم الرجل وبرأ عمر من قتله وله شاهد موصول وفي تفسير البغوي ان المقتول كان منافقا وخصمه يهوديا ومنها الاستئذان في الدخول وذلك انه دخل عليه غلامه وكان نائما فقال اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان ذكره بعض المفسرين ومنها موافقته لقوله تعالى ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ الاية أخرجه ابن عساكر في التاريخ عن جابر* حج أبي بكر الصديق (وما أعتادوه من الجهالات ك) كطوافهم بالبيت عراة (فثناه ذلك) أي رجعه (أمر) بالتشديد (على الحجاج) بضم الحاء (بسورة براءة) أى باربعين آية من صدرها ليقرأها على أهل الموسم كما سيذكره المصنف (ولم ينقص المسلمين) بالمهملة (من صدر سورة براءة) الى قوله وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ كما في رواية ابن جرير (العضباء) باهمال العين واعجام الضاد(2/70)
وأمره ان يتولى نبذ العهود ويقرأ على الناس صدر سورة براءة فلما أدرك علي عليه السلام أبا بكر قال ابو بكر امير أم مأمور فقال بل مأمور ثم مضيا ويقال ان ابا بكر لما لحقه علي رجع فقال يا رسول الله بأبى أنت وأمي أنزل في شأني شيء قال لا ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا الارجل من اهلي اما ترضى يا ابا بكر انك كنت معي في الغار وانك صاحبي على الحق ايضا قال بلى فكان ابو بكر أمير الناس وعلي يؤذن ببراءة ويؤذن المؤذنون بها عن امره روينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال بعثني ابو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وروي عنه انه قال امرني علي بن ابي طالب ان اطوف في المنازل من منى ببراءة وكنت اصيح حتى صحل حلقى فقيل له بم كنت تنادي قال بأربع أن لا يدخل الجنة الا مؤمن وان لا يحج بعد العام مشرك وان لا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله اجل أربعة أشهر ثم لا عهد له قال العلماء وكان السبب في بعث علي عليه السلام بعد أبي بكر انه كان في عرف العرب ان لا يتولى عقد العقود ونقضها الا سيدهم أو رجل من رهطه فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه واراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أن يأتى حجه من قابل على امر قد تقرر وتمهد فنسخ الله سبحانه وتعالى بابتداء سورة التوبة عهد كل ذي عهد بالشرط السابق ومن لم يكن له عهد فاحله انسلاخ شهر الله المحرم وذلك قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
ثم موحدة مع المد (نبذ العهود) من طرحها وابطالها (ويقال ان أبا بكر) ذكر ذلك البغوي بصيغة جزم (بابى أنت وأمي) افديك (أنزل في شأنى شيء) قال ذلك من شدة خوفه لله عز وجل وخشية أن يكون ليس أهلا للتأمير (وانك صاحبي) بفتح الهمزة (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي (بعثني أبو بكر في الحجة) قال الطحاوى كيف بعث أبو بكر أبا هريرة والمأمور بالتأذين علىّ وأجيب بان أبا بكر كان هو الامير وكان لعلى التأذين فقط ولم يطقه وحده فاحتاج الي من يعينه على ذلك فارسل معه أبو بكر رضى الله عنه أبا هريرة وغيره ليساعدوه (في مؤذنين) قال في التوشيح سمى منهم سعد ابن أبى وقاص وجابر (ولا يطوف) بالنصب (وروي عنه قال أمرني على) رواه النسائي بمعناه (إزاحة) بكسر الهمزة وبالزاى والمهملة والتنوين أي اماطة وتنحية (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أى انفضت ومضت قيل هي الاشهر الاربعة رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقيل هى شهور العهد سميت حرما لأن الله(2/71)
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وهذه الآية من اعاجيب القرآن لأنها نسخت من القرآن مائة واربعا وعشرين آية ثم نسخت بقوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ*
[السنة العاشرة وفيها كان إسلام أبي عبد الله جرير البجلي سيد بجيلة]
السنة العاشرة في رمضان منها تعالي حرم فيها على المؤمنين دماء أهل الشرك والتعرض لهم (فاقتلوا المشركين) أي الكفار (حيث وجدتموهم) أي ولو في الحرم (وخذوهم واحصروهم) أى احبسوهم وقال ابن عباس يريد ان تحصنوا فاحصروهم أى امنعوهم الخروج وقيل امنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الاسلام (واقعدوا لهم كل مرصد) أي على كل طريق (وان أحد من المشركين) الذين أمرت بقتلهم (استجارك) أي استأمنك بعد انسلاخ الاشهر الحرم (فاجره) فاعذه وأمنه (حتى يسمع كلام الله) فيما له وعليه من الثواب والعقاب (ثم ابلغه مأمنه) أى المحل الذى يأمن فيه وهو دار قومه ثم ان قاتلك بعد وقدرت عليه فاقتله* السنة العاشرة (ذكر اسلام جرير) بن عبد الله (في رمضان منها) كما جزم به ابن حبان والبغوي وأكثر الحفاظ المتأخرين وغلط الطحاوى ابن عبد البر وغيره ممن قال ان اسلامه قبل موت النبى صلى الله عليه وسلم باربعين يوما لما في الصحيحين وغيرهما عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع استنصت لى الناس نعم يؤيد ما قاله ابن عبد البر ما روي عن جرير قال ما كان اسلامي الا بعد نزول المائدة وقد علم ان قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ انما نزلت بعرفات في حجة الوداع وهى من جملة آياتها والجواب عنه انه أراد بعد نزول معظمها وكان قبل حجة الوداع ومن ذلك آية الوضوء منها وهي نزلت قبل غزوة تبوك بزمن طويل فان قيل قد روي الطبرانى في الاوسط والكبير بسند صحيح غريب عن جرير رضى الله عنه قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيته فقال لى يا جرير لاى شيء جئتنا قلت لاسلم على يديك يا رسول الله فالقي لى كساه ثم أقبل على أصحابه فقال اذا أتاكم كريم قوم فاكرموه وهذا يدل على ان مجيء جرير كان في أول البعثة فالجواب ان جريرا لم يرد بقوله لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته انه أتي بعد البعثة فورا والا للزم من ذلك انه أسلم بمكة ولا قائل به ومما يقوى هذا ما في تتمة الحديث في المعجم الكبير فدعانى الى شهادة أن لا اله الا الله وانى رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتؤمن بالقدر خيره وشره وذلك لان الصلاة المكتوبة انما فرضت ليلة الاسراء وهو بعد البعثة بمدة كما مر والزكاة انما فرضت بالمدينة بلا توقف فحينئذ هذا اللفظ متروك الظاهر فلا يستدل به علي قدم اسلام جرير فان قيل ففي معجم ابن نافع من حديث شريك عن أبي اسحق عن الشعبي عن جرير قال لمانعى النجاشى قال النبي صلي الله عليه وسلم ان أخاكم النجاشى هلك فاستغفروا له فهذا يدل على تقدم اسلام جرير عن رمضان لان وفاة النجاشى كانت في رجب سنة تسع كما مر فالجواب انه ليس في حديث جرير انه كان مسلما يومئذ لجواز أن يكون حديثه من مراسيل الصحابة وأما ما رواه الطبري عن جرير قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في أثر العرنيين الدال لتقدم اسلام جرير لان قصة العرنيين كانت سنة ست أو تسع فجوابه ان سند هذا(2/72)
اسلم سيد بجيلة ابو عبد الله جرير بن عبد الله البجلي الأحمسي رضي الله عنه. روينا في الصحيحين عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقام الصلاة وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وفيهما ايضا عنه قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اسلمت ولا رآنى الاضحك وكان عمر يسميه يوسف هذه الامة لفرط جماله وكان طوالا يقتحم في ذروة البعير وكان نعله ذراعا ومع تأخر اسلامه فقد اخذ في نصر الاسلام بحظ وافر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزيه مرة ويبعثه اخرى. روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم الحديث ضعيف فيه موسي بن عبيدة اليزيدي كذا أجاب الحفاظ قلت وبتقدير صحته فلا دلالة فيه اذ لم يصرح بانه كان مسلما يومئذ فلعله صلى الله عليه وسلم استعان به يومئذ وهو علي كفره (فائدة) حديث اذا أتاكم كريم قوم فأكرموه رواه ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عمر ورواه البزار وابن خزيمة وابن أبى عدي والبيهقى في الشعب عن جرير أيضا ورواه البزار أيضا عن أبى هريرة ورواه ابن أبى عدى عن معاذ وأبي قتادة ورواه الحاكم عن جرير ورواه الطبراني في الكبير أيضا عن ابن عباس وعبد الله بن حمزة ورواه ابن عساكر عن أنس وعدى بن حاتم ورواه الدولابي في الكنى وابن عساكر عن أبي راشد عبد الرحمن بن عبد الله بلفظ شريف قوم (بجيلة) بفتح الموحدة وكسر الجيم حي من اليمن من معد وهو أخو خعثم وهما من قحطان أو من ربيعة بن نزار قولان (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الاولى (ابن عبد الله) بن جابر (الاحمسي) نسبة الى أحمس بهمزة مفتوحة فمهملة ساكنة فميم مفتوحة فسين مهملة بظن من بجيلة (وروينا في الصحيحين) وسنن ابن حبان ومعجم الطبراني (علي اقام الصلاة وايتاء الزكاة) زاد البخاري في البيوع وعلى السمع والطاعة (والنصح لكل مسلم) زاد ابن حبان فكان جرير اذا اشترى شيأ أو باع يقول لصاحبه اعلم ان ما أخذنا منك أحب الينا مما أعطيناكه وللطبراني حتى انه أمر مولاه أن يشتري له فرسا بثلاثمائة درهم وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلاثمائة ثم اشتراه بثمانمائة درهم فقيل له في ذلك فقال انى بايعت النبى صلى الله عليه وسلم علي النصح لكل مسلم وانما بايع جريرا على ما ذكر لانه صلى الله عليه وسلم كان يبايع أصحابه بحسب ما يحتاج المبايع اليه من تجديد عهد أو توكيد امر فمن ثم اختلفت ألفاظهم في مبايعتهم قاله القرطبي (وفيهما أيضا) وفي سنن الترمذى (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى ما منعني الدخول عليه في وقت من الاوقات ولم يرد انه كان يدخل على أزواجه (ولا رآني الاضحك) أي تبسم كما في رواية أخرى في صحيح مسلم وغيره وفي الحديث استحباب البشاشة واللطف والاكرام للوارد وفيه فضيلة جرير (يوسف) بالفتح (لفرط جماله) ورد في حديث ضعيف انه صلى الله عليه وسلم قال كان على وجه جرير مسحة ملك (طوالا) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو صفة مبالغة للطويل (ذروة) بكسر المعجمة وفتحها أعلا سنام (البعير) زاد في الرياض المستطابة الظهر أي طويل الظهر (روينا في الصحيحين)(2/73)
قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جرير الا تريحنى من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال فتقرب اليه في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فانطلق فحرقها بالنار ثم بعث جرير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى ابا أرطاة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله ما جئك حتى تركتها كأنها جمل اجرب فبرّك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل احمس ورجالها خمس مرات ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن قبل موته فلقى بها ذا كلاع وذا عمر وقال جرير فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى ذو عمرو لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث قال وأقبلا معي حتى اذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسئلناهم فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا اخبر صاحبك انا قد جئنا ولعلنا سنعود انشاء الله ورجعت الى اليمن فاخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم قال فلما كان بعد قال لي ذو عمر ويا جرير وسنن أبي داود والنسائى (من ذي الخلصة) اختلف هل كان هذا الاسم للبيت أو الصنم وقد مر ضبطها (بيت) بالجر بدل من ذى (لحثعم) من بلاد دوس كانوا يحجون اليه ويطوفون به ويبخرون عنده يشبهون به الكعبة المكرمة قال السهيلي وفي موضعها مسجد جامع بموضع يسمى الغيلان (تدعى كعبة) بالنصب (اليمانية) بالتخفيف وباضافة كعبة الى اليمانية من باب اضافة الموصوف الى صفته وفي رواية لمسلم كان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية وفي بعض النسخ الكعبة الشامية بلا واو قال النووي وفي هذا اللفظ المام والمرادان ذا الخلصة كانوا يسمونه الكعبة اليمانية وكانت الكعبة الكريمة تسمى الكعبة الشامية فرقوا بينهما للتمييز هذا هو المراد فتأول اللفظ عليه وتقديره يقال له الكعبة اليمانية ويقال للتى بمكة الشامية ومن رواه الكعبة اليمانية الكعبة شامية بحذف الواو فمعناه كل يقال هذان اللفظان أحدهما لموضع والآخر لآخر (فنفرت) أي خرجت للقتال (فضرب بيده في صدرى) زاد النسائي وغيره حتى رأيت أثر يده في صدري (هاديا) أى دالا على طريق الهدى (مهديا) مدلولا عليها وموفقاها زاد في رواية فما وقعت عن فرس بعد (رجلا يبشره) فيه كما قال النووي استحباب ارسال البشير بالفتوح ونحوها (أبا أرطاة) بفتح الهمزة وسكون الراء ثم مهملة واسمه حصين كما في نسخ صحيح مسلم وهو الموجود في نسخة ابن هامان وحسين كما في أكثرها وذكر عياض الوجهين والصواب الصاد (جمل اجرب) أي اسود كالمطلى بالقطران لجربه قال النووى فيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة في ازالته (فبرك) يتشديد الراء (على خيل احمس ورجالها) أي قال بارك الله فيهم (خمس مرات) هذا أصل في تكرير الدعاء خمس مرات (ذا كلاع) تقدم ضبطه وذكر اسمه(2/74)
ان لك علىّ كرامة واني مخبرك خبرا انكم يا معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم اذا ما هلك أمير تأمرتم في آخر فاذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون برضا الملوك رواه البخاري وذكر ان ذا الكلاع لما أتاه جرير أسلم وأعتق ثمانية عشر ألف عبد وقيل اثنى عشر الف بنت والله أعلم*
[وفد بني الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة]
وفي شوال منها قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني الحارث بن كعب بأهل نجران وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة سمى بذلك لغصة كانت في حلقه وفيه قال عمر بن الخطاب يوما وقد خطب الناس لا تزاد امرأة في صداقها على كذا وكذا ولو كانت بنت ذي الغصة فيهم يزيد بن عبد المدان وآخرون وكان سبب وفادتهم ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث اليهم خالد بن الوليد وأمره أن يدعوهم ثلاثة أيام ثم يقاتلهم بعدها فلما قدم عليهم خالد أسلموا فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم بهم معه فقدم بهم خالد فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نشهد انك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله ثم قال رسول (كرامة) بالنصب (تأمرتم في آخر) بمد الهمزة وقصرها أى تشاورتم (فاذا كانت) أي امارة (بالسيف) أى بالقهر والغلبة كانوا أي المراد* تتمة من فضائل جرير ما روي الطبرانى في الكبير وابن أبي عدي عن على كرم الله وجهه ورضي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير منا أهل البيت ظهرا لبطن اما تاريخ وفاته فقد قال ابن عبد البر وغيره نزل جرير رضي الله عنه الكوفة واعتزل حروب الصحابة ثم تحول الي الجزيرة ونواحيها ومات بقرقيسيا بكسر القافين والسين المهملة وسكون الراء وتخفيف التحتية يقصر ويمد سنة احدى وخمسين وقيل بعدها انتهى* ذكر وفد بنى الحارث بن كعب (ابن الحصين) بالمهملتين والتصغير (ذي الغصة) بضم المعجمة وتشديد المهملة (علي كذا وكذا) أي على خمسمائة درهم (يزيد) بالتحتية والزاى (بن عبد المدان) بفتح الميم وتخفيف الدال واسم عبد المدان عمرو بن الرباب بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة الحارثي وكان من أشراف اليمن تضرب به الامثال في الشرف والمدان في الاصل الصنم من دان بمعنى أطاع (ان يقدم) بفتح الهمزة (كأنهم رجال الهند) أى في الطول والجمال وكثرة الشعر (نشهد أنك لرسول الله وان لا اله الا الله) قد يستدل به على عدم وجوب الترتيب بين كلمتى الشهادة لصحة الاسلام وهو خلاف ما نقله أصحابنا عن القاضي أبي الطيب وقرروه من اشتراط الترتيب وعليه فالجواب عن ذلك أنهم كانوا قد أسلموا ببلادهم(2/75)
الله صلى الله عليه وسلم أنتم الذين اذا زجروا استقدموا كررها عليهم ثلاثا كل ذلك لا يجيبونه فقال له يزيد بن عبد المدان في الرابعة أن نعم يا رسول الله نحن الذين اذا زجروا استقدموا قالها ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن خالدا لم يكتب انكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم فقال يزيد بن عبد المدان أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا قال فمن حمدتم قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك قال صدقتم ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا نغلب من قاتلنا يا رسول الله انا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ذي الغصة ولم يمكثوا بعد ان رجعوا الى قومهم الا أربعة اشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان انصرفوا من عنده بعث اليهم عمرو بن حزم وكتب له كتابا فيه جمل من الأحكام*
[مطلب في قصة تميم بن أوس الداري ونزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية) .]
وفي هذه السنة نزل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية الى الْفاسِقِينَ وما بعدها في قصة مشهورة وهو انه خرج تميم بن أوس الداري وعدي بن بداء النصرانيان في تجارة لهما الى الشام وخرج معهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما فمرض بديل فأوصى اليهما وكتب جميع ما معه في رقعة وجعلها في جوالقه ولم يخبرهما بذلك فمات فلما مات أخذا من متاعه اناء من فضة منقوشا بالذهب ثم قدما حتى جاءهم خالد كما هو مصرح به في كتب السير (أنتم الذى اذا زجروا) أي سيقوا يقال زجرت البعير اذا أستقته (استقدموا) أي كفاهم الزجر من غير احتياج الى ضرب وغيره وهذا مثل ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حيث آمنوا بمجرد ان جاء اليهم خالد من غير احتياج الى قتال (ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاى* سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية (في قصة مشهورة) رواها البخاري وأبو داود مختصرة والترمذي مطولة عن ابن عباس وقال ليس اسنادهما بصحيح (تميم ابن أوس) بن خارجة (الداري) نسبة الى دار بن هانيء بن حبيب بن انمار بن لخم بن عدي بن كهلان بن سبأ ويقال في نسبة الديري منسوب الى دير كان يتعبد فيه توفي ببيت المقدس سنة أربعين ولم يعقب سوى ابنته رقية التى يكني بها (ابن بداء) بفتح الموحدة وتشديد المهملة والمد مصروف (بديل) بالموحدة والمهملة مصغر وهو رجل من بنى سهم كما في البخاري وسنن أبي داود والترمذى والمراد مولاهم لانه (مولي عمرو بن العاص) كما في تفسير البغوى وغيره (في جوالقه) بالجيم المضمومة والقاف اما من جلود أو ثياب أو غيرهما فارسى معرب (اناء من فضة) للبخارى وأبي داود والترمذى جاما بالجيم وتخفيف الميم وأصله الصورة من العاج ثم استعير لغيره (منقوشا بالذهب) ولهم مخوصا باعجام الخاء واهمال الصاد أي جعل عليه صفائح من(2/76)
ببقية المتاع على اهله ففتشوه فوجدوا الكتاب ففقدوا مما ذكر فيه الاناء الذي اخذه الوصيان فسئلوهما عنه فجحداه فاختصموا الى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الانكار وحلفا فأنزل الله تعالى هذه الآية واختلف المفسرون في حكمها فقال جماعة منهم كانت شهادة اهل الذمة مقبولة فنسخت وناسخها قوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وذهب قوم الى انها ثابتة وانه اذا لم يجد مسلمين فيشهد كافرين ولما نزلت الآية دعا النبي صلى الله عليه وسلم تميما وعديا واستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر فحلفا وخلا سبيلهما ثم ظهر الاناء بعد ذلك بمكة فرفعوهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في ذلك قوله تعالى فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً اي اثما بخيانتهما وأيمانهما الكاذبة فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما يعنى مقام الوصيين من الذين استحق عليهم أي فيهم ولأجلهم الاثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الاثم وعلى بمعنى في والأوليان هما هنا نعت لقوله فَآخَرانِ ففيه جواز نعت المعرفة للنكرة وهما تثنية الأولى والأولى هو الأقرب ولما نزلت الآية بانتقال اليمين الى أولياء الميت قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهيمان فخلفا ودفع الاناء اليهما وكان تميم الداري بعد ما أسلم يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الاناء فأنا أتوب الى الله وأستغفره وانما انتقلت اليمين الى الأولياء لأن الوصيين حين وجدا الاناء ادعيا انهما ابتاعاه منه وهذا الحكم مستمر والله أعلم.
[مطلب خبر إسلام فروة بن عمرو الخزامي]
وفيها بعث فروة بن عمرو الخزامى الى رسول الله صلى الله عليه ذهب كخوص النخل زاد البغوى فيه ثلاثمائة مثقال فضة (فقال جماعة) منهم النخعى (وذهب قوم الى أنها ثابتة) اذا فقد مسلمين وكان مسافرا في الوصية فقط وبهذا قال شريح القاضي (ثم ظهر الاناء بعد ذلك بمكة) مع اناس ادعوا انهم اشتروه من تميم وعدى كما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال آخرون بل لما طالت المدة أظهره تميم وعدى مدعيين انهما اشترياه من بديل (فان عثر) أي اطلع (على أنهما) أي الوصيان (استحقا اثما) أى استوجباه (من الذين استحق) قراءة العامة بالبناء للمفعول وقرأ حصين بالبناء للفاعل أي حق ووجب عليهم الاثم يقال حق واستحق بمعنى (عليهم الاوليان) ولحمزة وأبي بكر عن عاصم الاولين بالجمع بدل من الذين (ابن أبي وداعة) بفتح الواو والمهملتين (فخلفا) زاد البغوى بعد العصر (ودفع الاناء اليهما) زاد البغوي والى أولياء الميت (لان الوصيين حين وجدا الاناء ادعيا انهما ابتاعاه منه) فكانت البينة في جهتهما واليمين في جهة الورثة لانهما يدعيان البيع والورثة ينكرونه (وهذا الحكم مستمر) ان البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما رواه الترمذى والبيهقى في السنن وابن عساكر عن ابن عمر وروى أحمد والشيخان وابن ماجه الشق الاخير عن ابن عباس* اسلام فروة بن عمرو الخزامي ويقال(2/77)
وسلم رسولا باسلامه وأهدى له فرسا وبغلة وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان ولما بلغ الروم خبر اسلامه أخذوه فحبسوه حينا ثم ضربوا عنقه ولما قدموه للقتل أنشد.
أبلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمى ومقامي
[إرسال علي بن أبي طالب خلف خالد بن الوليد إلى نجران وقصة الجارية التي وقعت لعلي في الخمس]
وفيها بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبى طالب الى نجران خلف خالد بن الوليد روينا في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد الى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال فغنمت أواقا ذوات عدد. وروينا فيه أيضا عن بريدة بن الحصين الأسلمي قال بعث النبى صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام الى خالد ليقبض منه الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى الى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فان له في الخمس أكثر من ذلك ومعنى ذلك انه رآه أخذ جارية من المغنم واغتسل منها فظن انه غلّ فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم انه أخذ أقل من حقه أحبه وكان بريدة بعدها ممن يحب عليا ويتولاه. وروي خارج الصحيحين ان الجارية وقعت في الخمس ثم خمس فصارت في سهم ذوي القربى ثم صارت في سهم علىّ وبهذا يزول الاشكال ابن عامر وابن بغائة وأنس بنائه واسم بقاء ابن نعامة ومر ذكر الخلاف في اسلامه وكان اهداؤه البغلة قبل حنين كما سبق (وكان عاملا للروم الى آخره) ذكر ذلك ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (ثم ضربوا عنقه) بماء لهم يقال له عقرى بفلسطين وقال في ذلك:
الاهل أتي سلمي بان خليلها ... على ماء عقرى فوق احدي الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مسندة أطرافها بالمناخل
(سراة) جمع سرى وهو السيد كما مر (سلم) بكسر السين وسكون اللام وبفتحهما* ذكر بعث على بن أبي طالب الى نجران (ان يعقب) بفتح العين وتشديد القاف أي يرجع الى اليمن اذ التعقيب ان يعود بعض العسكر بعد الرجوع عسي يصيبون من العدو غرة وقيل التعقيب ان يرجع في غزاة من كان في غزاة أخرى قبلها (فليقبل) بضم التحتية وكسر الباء (اتبغض عليا) فيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث اطلع على ما في نفس بريدة (أكثر) بالنصب اسم ان (اخذ جارية) كما في رواية الاسماعيلي في صحيح البخارى فاصطفي على منها سبية أى أمة مسبية (وبهذا يرول الاشكال) الحاصل في استبداد على بها لكن مع زيادة انه صلى الله عليه وسلم قد فوض(2/78)
فعليّ كرم الله وجهه في الجنة أتقى وأزهد وأورع من أن تستفزه غلبة الشهوة على ارتكاب محارم الله وقد اجتمع فيه من الدين المتين والورع الحاجز والزهادة في الدنيا وجماع الفضائل ما لم يجتمع لأحد سواه وقد أبغضته فرقة تسمى الناصبة ففرطوا في دينهم وشقوا بسببه وأحبه آخرون فأفرطوا حتى أبغضوا بسببه كثيرا من الصحابة وقد تقدم اليه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال يا علىّ ان فيك مثلا من عيسى ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبه النصارى حتى انزلوه المنزلة التي ليس بها ونكب اهل السنة والجماعة عن الطرفين فاحبوا وتولوا جميعهم ونشروا محاسنهم وجنبوا معايبهم وكذبوا نقلتها واعتذروا على ما صح منها فالمؤمن يتحرى المعاذير والمنافق يتتبع العورات ومن سلم سلم ومن اطلق لسانه بالثلب ندم ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله ولى التوفيق.
[خبر الذهيبة التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أربعة نفر]
روينا في صحيح البخاري عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث على الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع اما علقمة أو عامر بن الطفيل اليه أمر القسمة ثم يبقى الاشكال الحاصل في عدم استبرائها وجوابه ان سيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه لم يطأها بل استمتع بها بمادون الوطئ ولابدع ان يغتسل من ذلك لامكان انه أنزل به والاستمتاع بالمسبية بما دون الوطء جائز ولو صرحت رواية بانه وطئها فجوابه انه لعلها كانت بكرا وكان يري عدم وجوب استبراء البكر (يستفزه) يستخفه ويحمله (الحاجز) بالزاى المانع (وجماع الفضائل) بكسر الجيم (تسمى الناصبة) بالنون والمهملة والموحدة (ففرطوا) قصروا (وشقوا) بضم القاف (فافرطوا) غلوا وجاوزوا الحد (حتى بهتوا) بالموحدة والفوقية كما مر أى رموها بالزنا (فانزلوه المنزلة التي ليس بها) هو قولهم عيسى ابن الله (المعاذير) باهمال العين واعجام الذال جمع معذرة (ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هو حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه عن أبى هريرة ورواه أحمد والطبراني في الكبير عن الحسين بن على ورواه الحاكم في الكنى عن أبي بكر ورواه الشيرازى عن أبي ذر ورواه الحاكم في تاريخه عن على ورواه الطبراني في الاوسط عن زيد بن ثابت ورواه ابن عساكر عن الحارث بن هشام (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (بذهيبة) تصغير ذهبة وهي تأنيث الذهب وكانه ذهب به الى معني القطعة وفي رواية لمسلم بذهبة مكبر (في أديم) أى جلد (مقروظ) أي مدبوغ بالقاف والظاء شجر يدبغ به (لم تحصل) مبني للمفعول (من ترابها) أى لم يميز من تراب المعدن (اما) بكسر الهمزة (علقمة) هو ابن علاثة بضم المهملة وبمثلثة كما في رواية (واما عامر بن الطفيل) قال العلماء ذكر عامر هنا وهم ظاهر لانه توفي قبل ذلك بسنين كما مر ذكر وفاته والصواب(2/79)
فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تأمنوننى وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال يا رسول الله اتق الله قال ويلك أو لست أحق اهل الأرض ان يتقى الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد يا رسول الله الا أضرب عنقه قال لا لعله ان يكون يصلي فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لم أومر ان انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقف فقال انه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من انه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في كثير من روايات مسلم (وأنا أمين من في السماء) قال في الديباج يحتمل ان يريد به الله تعالى على حد قوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أو الملائكة لانه أمين عندهم معروف بالامانة انتهى قلت يؤيد الاول قوله (يأتيني خبر السماء) أي ان ربي استأمنني على خبر السماء وعلى الوحى الذي يوحيه الي فكيف لا تأمنوني أنتم على قسمة عرض من اعراض الدنيا ليس لي فيه غرض (فقام رجل) هو ذو الخويصرة اليمنى كما مر (غائر) بالمعجمة والتحتية منخفض (مشرف الوجنتين) أي مرتفعهما تثنية وجنة مثلثة الواو وهي لحم الخد (ناشز الجبهة) بالمعجمة والزاي أي مرتفعها من النشز وهو المكان المرتفع ولمسلم ناتيء الجبين وهو جانب الجبهة وللانسان جنبان يكتنفان الجبهة (كث) بفتح الكاف وتشديد المثلثة أى كثير (اللحية) بكسر اللام أشهر من فتحها (أحق) بالنصب (قال خالد بن الوليد) وفي أخرى لمسلم فقال عمر ابن الخطاب دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق قال النووي ليس فيهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه انتهى (قلت) هما قصتان فلعل عمر استأذن في قصه وخالد في الاخري (انقب) بضم الهمزة وفتح النون وكسر القاف المشددة وروي بفتح الهمزة وسكون النون وضم القاف أي أشق واكشف (عن قلوب الناس) أي بل امرت ان احكم بما ظهر لى من الاحوال وأكل علم الباطن الى الكبير المتعال كما قال فاذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله وقال هلا شققت عن قلبه (وهو مقف) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء أي مول قد أعطانا قفاه ضئضئى بكسر المعجمتين وسكون الهمزة الاولى وللكشميهني في صحيح البخارى بمهملتين فمعناه النسل والعقب وهو من أسماء الاصل كما مر (يتلون كتاب الله رطبا) فيه أقوال نقلها القرطبي أحدهما انه الحذق بالتلاوة والمعني انهم يأتون به على أحسن أحواله والثاني أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به والثالث ان يكون من حسن الصوت بالقراءة وفي رواية لمسلم يتلون كتاب الله لينا بالنون في بعض النسخ أى سهلا أو بحذف النون في كثير منها قال عياض ومعناه سهلا لكثرة حفظهم وقيل لما يلون ألسنتهم به يحرفون معانيه وتأويله قال ابن قتيبة وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل (لا يجاوز حناجرهم) كناية عن عدم قبوله والانتفاع به (يمرقون) بالراء المضمومة والقاف أي(2/80)
كما يمرق السهم من الرمية واظنه قال لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل ثمود ووافي علىّ مقدمه من اليمن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع فقال له النبى صلى الله عليه وسلم بم أهللت فان معناه أهلل قال أهللت بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وسلم قال أمسك فان معناه هديا رواه البخاري.
[خبر قدوم رسولي مسيلمة بكتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم]
وفي آخر هذه السنة قدم رسولا مسيلمة بكتابه وفيه من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله السلام عليك أما بعد فانى اشتركت في الأمر معك ولنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسوليه فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت اعناقكما ثم كتب اليه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وممن ذكر في هذه السنة من الوفود وفد الرهاويين ووفد عبس ووفد خولان وهم عشرة*
[مطلب في ذكر حجّة الوداع]
خاتمتها حجة الوداع وسميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها وقال خذوا عني مناسككم فانى لا ادري لعلي لا أحج بعد عامي هذا قال ابن عمر وكنا نتحدث بحجة الوداع يخرجون (كما يمرق السهم) النافذ (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية وهى الصيد المرمي فعيلة بمعني مفعولة (لاقتلنهم قتل ثمود) أى قتلا عاما مستأصلا وفي رواية في صحيح مسلم قتل اد والجمع بينهما كما قاله القرطبي انه صلى الله عليه وسلم قال كليهما فذكر أحد الرواة أحدهما وذكر الآخر الاخري وفي الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم فقد وقع الامر كما أخبر فخرجوا زمن علىّ وقاتلهم وأبو سعيد الخدرى راوى هذا الحديث معه كما رواه مسلم وغيره وقد يستدل بهذا الحديث من يكفر الخوارج وخلاف أهل الاصول في ذلك منتشر والله أعلم (فان معناه أهلل) بالنصب (رواه البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي عن جابر ورواه أبو داود والترمذي عن البراء* ذكر قدوم رسولا مسيلمة لعنه الله (لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) رواه البخاري وصحح اسناده ففيه تحريم قتل رسول الكفار الى المسلمين وكذا استرقاقه سواء كان في الرسالة مصلحة لنا أو لا كوعيد وتهديد خلافا لما قاله الماوردي وحكاه الشيخان أوائل الجزية عن الروياني من انه ان كان فيه وعيد أو تهديد فلا أمان له حتى استرقاقه قال النووى في الروضة ما قاله غير مقبول بل هو آمن مطلقا (وفد الرهاويين) بضم الراء وتخفيف الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية الاولى (ووفد عبس) بالموحدة والمهملة (ووفد خولان) بفتح المعجمة وسكون الواو* حجة الوداع (خذوا عنى مناسككم الي آخره) رواه مسلم عن جابر (لعلى لا أحج بعد عامي هذا) هذا(2/81)
والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ما ندري ما حجة الوداع رواه البخاري وكان جملة من حضرها من الصحابة أربعين ألفا وقد اختلفت روايات الصحابة في صفة حجته صلى الله عليه وسلم هل كان قارنا أو مفردا أو متمتعا وبحسب ذلك اختلاف من بعدهم قال الامام محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وطريق الجمع بين الروايات انه صلى الله عليه وسلم كان أولا مفردا ثم صار قارنا فمن روى الافراد فهو الأصل ومن روى القران اعتمد آخر الأمر ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة وهو الاقتصار على فعل واحد قال وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها قال القاضي عياض رحمه الله قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقصر مختصر قال وأوسعهم في ذلك نفسا ابو جعفر الطحاوي الحنفي فانه تكلم في ذلك في زيادة على الف ورقة. قال القاضى عياض وأولى ما يقال في هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترنا من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد منها لكان غيره يظن انه لا يجزيء فأضيف الجميع اليه وأخبر كل واحد بما أمر به وأباحه له ونسبه الى النبي صلى الله عليه وسلم إما لأمر به وإما لتأويل من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر (ما ندرى ما حجة الوداع) أي حتى توفي صلى الله عليه وسلم عقبها فعلمنا المراد حينئذ (وكان جملة من حضرها من الصحابة أربعين ألفا) كما نقله الحفاظ عن أبي زرعة الرازي (وبحسب ذلك اختلف من بعدهم) فقال الشافعي ومالك وكثيرون أفضلها الافراد ثم التمتع ثم القران لما في الصحيحين عن جابر وعائشة انه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ورواه مسلم عن ابن عباس أيضا وقال أحمد وآخرون أفضلها التمتع لما في الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعا وقال أبو حنيفة أفضلها القران لما في الصحيحين عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا وهذان المذهبان قولان آخران للشافعى وحكي الاخير عن المزنى وأبى اسحق المروزي (قال الامام النووى) في شرح مسلم (اللغوي) بضم اللام (وقال القاضى عياض) كما نقله النووى عنه ثم (في زيادة على الف ورقة) زاد النووي عنه وتكلم معه في ذلك أيضا أبو جعفر الطبري ثم أبو عبد الله ابن أبي صفرة ثم الملهب والقاضى أبو عبد الله بن المرابط والقاضي أبو الحسن القصار البغدادى والحافظ أبو عمر بن عبد البر وغيرهم (فحصناه) بالفاء والمهملتين والفحص المبالغة في البحث(2/82)
عليه وأجمع الأحاديث في سياق حجة الوداع حديث جابر وهو من ما انفرد به مسلم باخراجه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واسحق بن ابراهيم جميعا عن حاتم قال أبو بكر حدثنا حاتم ابن اسماعيل المدينى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى الىّ فقلت أنا محمد بن علي بن الحسين فاهوى بيده الى رأسى فنزع ذرى الأعلى ثم نزع ذرى الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وانا يومئذ غلام شاب فقال مرحبا بك يا ابن أخى سل عن ما شئت فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها اليه من صغرها ورداءه الى جنبه على المشجب فصلى بنا فقلت أخبرنى عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده فعقد (واجمع الاحاديث) أي أكثرها جمعا لفوائد الحديث (حديث جابر) قال النووي هو حديث عظيم مشتمل على جمع من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد (وهو مما انفرد مسلم) عن البخاري (باخراجه) في الصحيحة وقد رواه أبو داود أيضا كرواية مسلم (أبو بكر بن أبي شيبة) اسمه عبد الله بن محمد بن ابراهيم (اسحق بن ابرهيم) هو بن راهوية هي أمه وابراهيم أبوه (حاتم) بالمهملة والفوقية (المديني) بفتح الميم وكسر المهملة وسكون التحتية ثم نون ثم ياء النسبة (عن جعفر) الصادق (بن محمد) الباقر بن على بن زين العابدين بن الحسين ابن على بن أبي طالب (فسأل عن القوم) فيه ندب السؤال عن الواردين من الزوار والضيفان ونحوهم لينزلهم منازلهم كما جاء في حديث عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم (فاهوي بيده الى رأسى الى آخره) فيه اكرام أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه (وأنا يومئذ شاب) نبه بذلك على ان سبب فعل جابر ذلك التأنيس لكونه صغيرا (مرحبا بك) فيه استحباب الترحيب بالزائر والضيف ونحوهما (فصلى بنا) فيه جواز امامته للبصر وذلك اتفاق وانما الخلاف في الافضل وفيه ثلاثة مذاهب وثالثها وهو أيهما سوى التعادل فضيلتهما هو الاصح عند الاصحاب وهو نص الشافعى وفيه ان صاحب البيت أحق من غيره لانه امهم يومئذ (في نساجة) بفتح النون وتخفيف المهملة وجيم وتنوين قال النووي كذا في نسخ بلادنا قيل ومعناه ثوب ملفق وقال عياض هى رواية الفارسي وهو خطأ وتصحيف ورواية الجمهور ساجة بحذف النون وهو الطيلسان وقيل الاخضر خاصة وقال الازهري هو طيلسان مقور انتهى قال النووي قلت ليست الاولى تصحيفا بل كلاهما صحيح ويكون ثوبا ملفقا على هيئة الطيلسان وفي الحديث جواز الصلاة في ثوب واحد مع امكان الزيادة عليه (على المشجب) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم ثم موحدة اسم لاعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت (عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء وفتحها والمراد حجة الوداع (فقال بيده) هو(2/83)
تسعا فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم آذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة كثير كلهم يلتمس ان يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى اذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فارسلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلى واستثفرى بثوب واحرمي فصلى ركعتين يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى اذا استوت به ناقته على البيداء نظرت الى مد بصرى بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فاهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة من باب اطلاق القول الفعل (مكث تسع سنين لم يحج) يريد بعد الهجرة (آذن) بالمد والقصر اعلم فيه انه يستحب للامام ايذان الناس بالامور المهمة ليتأهبوا لها (أن يأتم) أي يقتدي (برسول الله صلى الله عليه وسلم) قال عياض هذا يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج لانه صلى الله عليه وسلم احرم بالحج وهم لا يخالفونه ومن ثم قال جابر ما عمل من عمل عملناه ومثله توقفهم عن التحلل بالعمرة حتى اغصبوه واعتذر اليهم ومثله تعليق على وأبي موسى احرامهما على احرامه (اغتسلى) فيه ندب الغسل للاحرام للنفساء (واستثفري بثوب) بمثلثة قبل الفاء وهو أن تشد في وسطها شيئا وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على موضع الدم وتشد أطرافها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها وهي شبيهة بثفر الدابة (واحرمي) فيه صحة احرام النفساء وهو اجماع (فصلى ركعتين) فيه استحباب ركعتى الاحرام (في المسجد) فيه ندب صلاتهما فيه ان كان بالميقات مسجد (القصواء) بفتح القاف وسكون المهملة والمد اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض ووقع في رواية العذري القصوى بضم القاف والقصر وهو خطأ ثم قال جماعة وهى الجدعاء والعضباء اسم لناقة واحدة وقال ابن قتيبة هن ثلاث نوق له صلى الله عليه وسلم قال ابن الاعرابي والاصمعي القصوى هي التي قطع طرف أذنها والجدع أكبر منه فان جاوز الربع فهو عضبا وقال أبو عبيدة القصوى المقطوعة الاذن عرضا والعضباء المقطوعة النصف فما فوقه وقال الخليل العضباء المشقوقة الاذن (البيداء) هى المفازة (نظرت مد بصرى) أي منتهاه (قال النووى) وأنكر بعض أهل اللغة مد بصري وقال الصواب مدى بصري وليس هو بمنكر بل هما لغتان المد أشهر (من راكب وماش) فيه جواز الحج راكبا وماشيا وهو اجماع وفي الافضل منهما خلاف للعلماء وجمهورهم على تفضيل الركوب للاتباع ولانه أعون له على وظائف النسك (وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله) ومعناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك (فاهل بالتوحيد) أى لبيك لا شريك لك مخالفة لما كانت الجاهلية يقولونه من تلبيتها من الشرك(2/84)
لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به اليوم فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسناننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى اذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبى يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب الى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبد أبما بدأ الله به فبدأ بالصفي فرقى عليه (وأهل الناس بهذا الذى يهلون اليوم) أي كقول ابن عمر لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك مرعوبا اليك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل (ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) قال عياض قال أكثر العلماء المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لسنا نعرف العمرة) فيه دليل لمن قال يترجح الافراد (حتى اذا أتينا البيت) فيه ندب دخول مكة قبل الوقوف للحاج (استلم الركن الى آخره) فيه ندب طواف القدوم لمن دخل مكة قبل الوقوف وفيه ان الطواف سبع وفيه ندب الرمل في الثلاث الاول من طواف يعقبه سعي ومشي الاربع الاخيرة ويندب فيه الاضطباع لصحة الحديث به في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما (ثم تقدم الى مقام ابراهيم) فيه ندب ركعتين للطواف وكونهما خلف المقام ثم في الحجر ثم في المسجد ثم في مكة ثم في الحرم ثم حيث شاء متي شاء (كان ابى يقول) قائل ذلك جعفر بن محمد (ولا اعلمه) الضمير لابيه (ذكره) أي ذكر قرأ السورتين (الا عن النبي صلى الله عليه وسلم) أى ان جابرا رواه من فعله صلى الله عليه وسلم لا من فعل نفسه وقوله لا اعلمه الى آخره ليس هو شكا في ذلك اذ لفظه العلم تباين الشك بل جزم برفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم وقد روى البيهقى بسند صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى ركعتين وقرأ فيهما قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أى في الثانية (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أى في الاولى وفيه استحباب قراءة هاتين السورتين فيهما (ثم رجع الى الركن) أي الذى فيه الحجر الاسود (فاستلمه) أي الحجر ففيه استحباب استلامه لمن طاف طواف القدوم بعد فراغه منه ومن صلاته خلف المقام (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) أي من اعلام دينه (ابدأ بما بدأ الله به) في كتابه الكريم وهذا أصل عظيم في البداءة بما بدأ الله به في القرآن لفظا ما لم تبين السنة ان الترتيب غير مراد أو ينعقد الاجماع على ذلك فخرج قوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ وقوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية (فرقى) بكسر القاف كما مر (عليه الى آخره) فيه ندب الرقى على الصفا وكذا على المروة حتى يري البيت ان أمكنه وذلك خاص بالذكر وان يقف على الصفا مستقبل القبلة ذاكر الله تعالى بهذا الدعاء المأثور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاثا على المشهور عند الاصحاب وقيل(2/85)
حتي اذا رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله الا الله وحده انجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل الى المروة حتى أنصبت قدماه في بطن الوادى حتى اذا صعدنا مشى حتى اذا أتى المروة وفعل كما فعل على الصفا حتي اذا كان آخر طوافه على المروة قال لوانى استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله العامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الاخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين ألا بل لأبد الأبد وقدم يكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين (حتى اذا انصبت) بهمز وصل وسكون النون وتشديد الموحدة والانصاب النزول من الصب وهو الموضع المرتفع (في بطن الوادى) قال عياض كذا الرواية في صحيح مسلم وفيه اسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى اذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى اذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعي حتى خرج منه وهو بمعنى رمل انتهى* قال النووي وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى اذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما وقع في الموطأ وغيره وفي الحديث ندب السعى الشديد في الموضع الذي سعى فيه صلى الله عليه وسلم والمشي بتؤدة في الموضع الذي مشى فيه في كل مرة من المرات السبع لكن يختص السعى بالذكر (آخر طوافه على المروة) فيه دليل على ان الذهاب من الصفا الى المروة مرة والرجوع من المروة الى الصفا ثانية وهكذا فيكون ابتداء السعي من الصفا وآخرها من المروة وهذا اجماع الا ما حكي عن ابن بنت الشافعي وأبي بكر الصيرفي ان الذهاب الى المروة والرجوع الى الصفا مرة واحدة فيكون آخر السبع على الصفا وذلك مردود بهذا الحديث الصحيح والاجماع العملي (لو استقبلت من أمرى ما استدبرت الى آخره) انما قال ذلك تطييبا لقلوب من لم يسق الهدي من أصحابه فامرهم بفسخ الحج الى العمرة واتمام عملها ثم الاحرام بالحج يوم التروية عند التوجه لعرفة فاخبرهم صلى الله عليه وسلم انه لو لم يسق الهدي لفعل كما أمرهم (فائدة) روى الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت فسخ الحج الى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لكم خاصة أخرجه أبو داود (العامنا هذا) فقط فيحتاج الى عمرة أخري غير هذه التى فسخنا الحج اليها (أم) هي (للابد) فلا يحتاج الى غيرها (دخلت العمرة في الحج) أي صار حكمها حكمه فكما انه لا يجب في العمر الامرة كذلك هى (فائدة) أخرج الطبراني بسند حسن من حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل في ثلاث بقين من ذي القعدة فقال دخلت العمرة في الحج الي يوم القيامة وهذا أصل في التاريخ كما قاله السيوطي (بل لأبد الابد) فيه دليل على ان العمرة لا تجب في العمر الامرة(2/86)
علىّ من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فانكر ذلك عليها فقالت أبى أمرنى بهذا قال فكان على يقول بالعراق فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة الذى صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه وأخبرته أنى أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم انى أهل بما أهل به رسولك قال فان معي الهدى فلا تحل وكان جماعة الهدى الذى قدم به علىّ من اليمن والذى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة قال فحل الناس كلهم فحلقوا وقصروا الا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فاهلوا بالحج فركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر كالحج (ولبست) بكسر الباء (صبيغا) أي مصبوغا فعيل بمعني مفعول (فانكر عليها) قال النووي فيه انكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها لانه ظن ان ذلك لا يجوز فانكره (فقالت أبى) بفتح الهمزة ثم موحدة مكسورة ثم تحتية ساكنة يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (محرشا) باهمال الحاء واعجام الشين وكسر الراء المشددة أى مغريا (صدقت صدقت) هكذا هو مكرر للتأكيد وهو بفتح القاف والياء ضمير لفاطمة (فرضت الحج) أي أوجبته على نفسك بالاحرام (اللهم اني أهل بما أهل به رسولك الى آخره) فيه جواز تعليق الاحرام وانه يكون محرما بما أحرم به ذاك (الهدي) بالنصب اسم ان وهو بسكون المهملة وتخفيف الياء وبكسر المهملة وتشديد الياء (مائة) ثلاثة وستون جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وسبعة وثلاثون جاء بها على رضي الله عنه (فحل الناس كلهم) أى معظمهم أو عائشة لم تحل ولم تهد (وقصروا) ولم يحلقوا مع كونه أفضل لانهم أرادوا ابقاء الشعر ليحلقونه في الحج وحينئذ التقصير أفضل ليحصل في النسكين ازالة شعر (الا النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب لانه مستثنى من موجب (كان يوم) بالرفع والنصب (التروية) هو ثامن ذي الحجة سمى بذلك لان الناس يتروون فيه الماء أى يستقون أو لأن ابراهيم تروى ذلك اليوم أي فكر في رؤياه التي رآها هل هي من الله أم من الشيطان خلاف (واهلوا بالحج) فيه ان الافضل ان كان بمكة وأراد الاحرام بالحج ان يؤخره الى يوم التروية وهذا مذهبنا وفيه خلاف للعلماء (فركب النبي صلى الله عليه وسلم) فيه ان الركوب في تلك الاماكن أفضل من المشي كما في جملة الطريق وقال بعض أصحابنا الافضل في جملة الحج الركوب الا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد فيها (فصلى بها الظهر الى آخره) فيه ندب المبيت بمنى ليلة التاسع وفعل الصلوات الخمس بها وأن لا يخرج منها حتى تطلع الشمس (وأمر بقبة من شعر) فيه جواز اتخاذ القباب وكونها من(2/87)
ضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش الا انه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فاجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فاتي بطن الوادى
[خطبة في حجة الوداع]
فخطب الناس وقال ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أصنع من دمائنا دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بنى سعد فقتله هذيل وربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد شعر (ضربت له بنمرة) فيه جواز الاستظلال للمحرم وهو للنازل بالاجماع وكرهه مالك وأحمد للراكب وفيه استحباب النزول بنمرة وأن لا يدخلوا عرفات الا بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر جمعا بشرطه ويندب أيضا الغسل بها للوقوف قبل الزوال فقد جاء في غير هذا الحديث (ونمرة) بفتح النون وكسر الميم وبسكون الميم مع فتح النون وكسرها موضع الى جانب عرفات وليس منها (واما المشعر الحرام) فجبل بالمزدلفة يقال له قزح بقاف مضمومة فزاى مفتوحة فمهملة كانت قريش تقف عليه في الجاهلية فظنوا انه صلى الله عليه وسلم سيقف به يومئذ فلم يفعل الا كما أمره الله في قوله ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي سائر العرب غير قريش (حتى أتي عرفة) أى قريبا منها (فرحلت) بتخفيف الحاء أى جعل عليها الرحل (ثم أتى بطن الوادي) أي وادى عرنة بضم المهملة وفتح الراء ثم نون وليست عرنة من أرض عرفات خلافا لمالك (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة يومئذ وذلك بالاتفاق خلافا له (كحرمة يومكم الى آخره) معناه متأكدة التحريم شديدته قال النووى وفيه دليل لضرب الامثال والحاق النظير بالنظير قياسا انتهي وقال بعضهم المشبه به هنا اخفض رتبة من المشبه وذلك خلاف القاعدة وجوابه ان تحريم اليوم والشهر والبلد لما كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الانفس والاموال والاعراض فكانوا يستبيحونها في الجاهلية ورد التشبيه بالمقرر عندهم اذ مناطه ظهوره لنبأ السامع (تحت قدمى) اشارة الى ابطاله (ودماء الجاهلية موضوعة) أى باطلة (دم ابن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب واسم هذا الابن اياس أو حارثة أو ثمام أو آدم أقوال لكن قال الدارقطني في الاخير هو تصحيف من دم قال عياض ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال وكذا رواة أبو داود قيل وهذا وهم لان ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم الى زمن عمر وتأوله أبو عبيد بانه انما قال دم ربيعة لانه ولى الدم فنسبه اليه قال الزبير بن بكار وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيرا يحبو بين البيوت فاصابه حجر في حرب كانت بين بنى سعد وبنى ليث (وربا الجاهلية) أي الزائد عن رأس المال كما قال تعالى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ (موضوع) باطل(2/88)
المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسئلون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذّن ثم أقام الصلاة وصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتي الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرات مردود لصاحبه (واتقوا الله في) أمر (النساء) راعوا حقوقهن وعاشروهن بالمعروف (بامانة الله) في أكثر أصول مسلم بامان الله أى ان الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الامانة وصيانتها بمراعاة حقوقها (بكلمة الله) وهي قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أو المراد كلمة التوحيد اذ لا تحل مسلمة لغير مسلم أو المراد اباحة الله والكلمة قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أو المراد بالكلمة الايجاب والقبول أقوال قال بالاول الخطابى والهروى وغيرهما وصحح النووى الثالث (ولكم) واجب (عليهن ان لا يوطئن فرشكم) أي لا يأذن في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم (أحدا) سواء كان رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحد محارم الزوجة ان كنتم (تكرهونه) أى تكرهون دخوله فخرج من علمت الزوجة رضى الزوج بدخوله فلها أن تأذن له هذا معني ما ذكره النووى وقال المازري قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زنا لان ذلك يوجب حدها ولانه حرام وان لم يكرهه الزوج قال عياض كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء ولم يكن ذلك عيبا ولا ريبة عندهم فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك (غير مبرح) بالموحدة فالمهملة أى غير شديد شاق والبرح المشقة وفي الحديث جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا فان ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله (كتاب الله) بالنصب والرفع (وينكتها الى الناس) بضم الكاف بعدها فوقية هكذا الرواية قال عياض وهو بعيد المعني وصوابه ينكبها بالموحدة ومعناه يردها ويقلبها الي الناس مشيرا اليهم انتهى وقال القرطبى روايتى وتقييدي على ما اعتمده من الائمة بضم التحتية وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الموحدة أى يعدلها الي الناس قال وروينا مكتها بالفوقية وهي أبعدها (فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر) فيه مشروعية الجمع بين الظهر والعصر ثم يومئذ وهو اجماع وسببه الشك عند أبى حنيفة وبعض أصحابنا والصحيح عندنا ان سببه السفر فنحو المكي لا يجمع يومئذ كما انه لا يقصر وفيه ان الجامع يصلى الاولى أولا ويؤذن لها ويقيم لكل واحدة منهما ويوالى بينهما وكل ذلك متفق عليه عندنا (ثم ركب) قال النووى فيه تعجيل الذهاب الي الموقف بعد الصلاة وان الوقوف راكبا أفضل كما هو أحد أقوال ثلاثة (الى الصخرات) جمع صخرة وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي يوسط جبل عرفات وفي(2/89)
وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف اسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصوى الزمام حتى ان رأسها ليصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتي جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتي المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء باذان واحد واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع الحديث ندب الوقوف بذلك المحل فان عجز ففيما قرب منه (جبل المشاة) روى بالمهملة وسكون الموحدة أى صفهم ومجتمعهم من جبل الرمل وهو ما طال منه وضخم وروي بالجيم وفتح الموحدة أي طريقهم وحيث مسلك الرجالة قال غياض والاول أشبه بالحديث (واستقبل القبلة) فيه استحباب استقبالها في الوقوف (حتى غربت الشمس) فيه انه ينبغي أن لا يخرج من أرض عرفات حتى يتحقق غروب الشمس فلو أفاض قبل الغروب اراق دما وجوبا أو استحبابا قولان للشافعي أظهرهما الثانى (حتى غاب القرص) قال عياض لعل صوابه حين غاب القرص قال النووي يوؤل بانه بيان لقوله غربت الشمس فان هذه قد يطلق مجازا على مغيب معظم القرص فازال ذلك الاحتمال به (واردف اسامة) فيه جواز الارداف اذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت به الاحاديث قاله النووي (وقد شنق) بفتح المعجمة والنون الخفيفة ثم قاف أى ضم وضيق (مورك رجله) بفتح الميم وكسر الراء هو الموضع الذي يعطف الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل اذامل الركوب وضبطه عياض بفتح الراء قال وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب يجعل في مقدم الرحل تشبه المخدة الصغيرة (السكينة السكينة) مكرر منصوب أي الزموا السكينة وهى الرفق والطمأنينة ففيه استحباب السكينة في الدفع من عرفات فاذا وجد فرجة أسرع (جبلا من الجبال) بالمهملة وسكون الموحدة لا غير والجبل التل اللطيف من الرمل الضخم (حتى تصعد) بفتح أوله مع فتح العين وضمه مع كسرها من صعد وأصعد (المزدلفة) سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لازدلاف الحجاج اليها اذا أفاضوا من عرفة أو لمجىء الناس اليها في زلف أي ساعات من الليل قولان ويسمى جمعا بفتح الجيم وسكون الميم لاجتماع الناس (فصلى بها المغرب والعشاء) فيه ندب تأخير المغرب له ليلئذ بنية الجمع ليصليها مع العشاء بمزدلفة والخلاف في سببه كما سبق (باذان واقامتين) هذا دليل الصحيح في مذهبنا وهو مذهب أحمد وأبي ثور وقال به عبد الملك بن الماجشون المالكي والطحاوى الحنفي وحكي عن عمرو بن مسعود انه يصليهما باذانين واقامتين وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف باذان واقامة واحدة ولنا كاحمد قول انه يصلى كل واحدة باقامة بغير اذان وحكى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وحكي أيضا عن ابن عمر انه يصليهما باقامة واحدة وهو مذهب الثوري (ولم يسبح) أي لم يصل ففيه استحباب الموالاة في جمع التأخير (ثم اضطجع(2/90)
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلي الفجر حين تبين له الصبح باذان واقامة ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس خلفه وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الكريمة على وجه الفضل فحول الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) قال النووي فيه ان المبيت بمزدلفة نسك وللعلماء خلاف فيه والصحيح عندنا انه واجب يجبر تركه بدم والثاني انه سنة والثالث انه ركن (حتى طلع الفجر) فيه انه يستحب أن يبقي بها حتى يصلى بها الصبح الا للضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر وأقل ما يجزي في هذا المبيت ساعة بعد نصف الليل على الصحيح عندنا (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) فيه استحباب التبكير بها في هذا الموضع متأكدا أكثر من تأكده في غيره لكثرة وظائف هذا اليوم فيتسع الوقت لها (باذان واقامة) فيه استحبابهما في السفر كالحضر وقد تظاهرت به الاحاديث الصحيحة (حتى أتى المشعر الحرام) فيه استحباب الوقوف به وفيه حجة للفقهاء على انه قزح وقال المحدثون والمفسرون وأهل السير انه جميع مزدلفة (حتى اسفر) الضمير الى الفجر المذكور أولا (جدا) بكسر الجيم أي اسفارا بليغا (وسيما) أى حسنا جميلا (ظعن) بضم الظاء والمهملة ويجوز اسكان العين جمع ظعينة وأصلها البعير الذى يكون عليه امرأة ثم سميت به مجازا لملابسها له كالراوية (يجرين) بفتح أوله من جري قال القرطبي ويضمه من أجري فالاول لازم والثاني متعد (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الاجنبيات وغضهن عن الرجال الاجانب وللترمذى وغيره فلوى عنق الفضل فقال له العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما (بطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين سمى بذلك لان الفيل الذى جاء به ابرهة ليهدم البيت حسر فيه أي أعيا وكل (فحرك قليلا) فيه استحباب الاسراع من هذا الوادي فيحرك الراكب دابته ويسرع الماشى قدر رمية حجر (ثم سلك الطريق الوسطي) فيه استحباب سلوكها في الرجوع من عرفات وهي غير الطريق الذي ذهب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سنة في كل عبادة كما مر (فرماها) فيه استحباب البداءة برمى الجمرة ويكون ذلك قبل نزوله (بسبع حصيات) فيه تعيين الحجر للرمى كما هو مذهب الجمهور وجوزه أبو حنيفة بكل ما كان من آجر الارض (يكبر) فيه ندب التكبير (مع كل حصاة) أى رمية وفيه وجوب التفريق بين الحصيات حتى لورمى باكثر من(2/91)
مثل حصى الخذف يرمي بطن الوادى ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فافاض الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بنى عبد المطلب فلولا ان يغلبكم النأس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه انتهى حديث جابر وهو عظيم الفوائد وقد اشتمل على جمل من مهمات القواعد قال القاضى عياض وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزأ كبيرا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفا حصاة دفعة بحسب الازمنة (مثل حصى الخذف) بالمعجمتين فيه استحباب كون حصى الرمي كذلك وهي قدر حبة الباقلاء وان أجزأ (من بطن الوادى) فيه استحباب الرمي منه بحيث يكون منى وعرفة والمزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره هذا في رمي يوم النحر وأما غيره فيندب استقبال القبلة فيه (ثلاثا وستين بيده) الكريمة ولابن ماهان بدله بدنة وكلاهما صواب والاول أصوب قاله عياض وفيه استحباب الاستكثار من الهدي وان ينحر أو يذبح بنفسه (ثم أعطى عليا فنحر ما غبر) بالمعجمة أي ما بقى وهو سبع وثلاثون ففيه جواز الاستنابة في ذبح الهدى وهو اجماع اذا كان النائب مسلما فان كان كافرا تحل ذبيحته فكذلك عندنا لكن النية على صاحب الهدي لعدم تأهل النائب لها قال النووي وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وان كانت كبيرة في يوم النحر ولا يؤخر بعضها الي أيام التشريق (واشركه في هديه) ظاهره انه كان شريكا في نفس الهدى قاله عياض وعندى انه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا ينحره قال والظاهر انه صلى الله عليه وسلم نحر البدن التى جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذى وأعطا عليا البدن التي جاءت معه من اليمن وهي سبعة وثلاثون (ثم أمر من كل بدنة الى آخره) قال العلماء لما كان الاكل من كل بدنة سنة وفي الاكل من لحم كل واحدة بانفرادها كلفة جعلت في قدر ليكون قد أكل من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر والاكل من هدية التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب اجماعا (بضعة) بفتح الموحدة لا غير القطعة من اللحم (فافاض الى البيت) أي طاف به طواف الافاضة وهو ركن من أركان الحج اجماعا (فصلي بمكة الظهر) لا ينافي هذا ما في صحيح مسلم عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر وصلى الظهر بمني اذقد جمع بينهما بانه لما عاد الى منى أعاد صلاة الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك (فاتي بنى عبد المطلب) أي بعد فراغه من طواف الافاضة (وهم يسقون على زمزم) يغرفون في الدلاء ويصبونه في الحياض ونحوها لشرب الناس (انزعوا) بكسر الزاى أى اسقوا بالدلاء وانزعوها بالرشا (فلولا ان يغلبكم الناس) أى فلولا اني أخاف ان يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم(2/92)
وخمسين نوعا قال ولو تقصى لزيد على هذا العدد قريب منه والله أعلم.
[فصل ومن الواردات في حجّة الوداع نزول قوله تعالى اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]
«فصل» ومن الواردات في حجة الوداع نزول قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وكان نزولها بعد العصر يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فحين نزولها كاد عضد الناقة أن يندق من شدة ثقلها فبركت روينا في صحيح البخارى عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤن آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمرانى لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم الجمعة وانّا والله بعرفة قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ولم يجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده وروى هرون بن عنترة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر قال بكائى انا كنا في زيادة من ديننا فاما اذا كمل فانه لم يكمل شيء الا نقص قال صدقت فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض والأحكام وعاش بعدها النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أحد وثمانون يوما عن الاستقاء فتزول الخصوصية به الثابتة لكم لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء (ولو تقصي) بضم الفوقية والقاف وتشديد المهملة المكسورة مبني للمفعول أي قصواه أى غايته «فصل» في الواردات في حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم) أي الفرائض والسنن والحدود والاحكام والحلال والحرام قاله ابن عباس ويروى عنه انه الذى نزلت بعدها وقال سعيد بن جبير وقتادة أكملت لكم دينكم فلم يحج معكم مشرك وقيل أظهرت دينكم وأمنتكم من العدو (واتممت عليكم نعمتي) أى وأنجزت وعدى في قولى ولأتم نعمتي عليكم فكان من تمام نعمته ان دخلوا مكة آمنين وعليها ظاهرين وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين (ورضيت لكم الاسلام دينا) لا أرتضى لكم غيره فلا تستبدلوا به وأكرموه بالسخاء وحسن الخلق (وكان نزولها بعد العصر الي آخره) ذكره البغوى في التفسير (عضد الناقة) من المرفق الى رأس الكتف (ان يندق) أى ينحطم وينفت (فبركت) بالموحدة (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذى والنسائي (طارق) بالمهملة والراء والقاف (قالت اليهود لعمر) قال ابن حجر وغيره كان القائل منهم ذلك كعب الاحبار (أنزلت يوم عرفة) أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيدا لنا لان العيد لغة السرور العائد فكل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا وللترمذي نزلت يوم عيدين لانه وافق يوم الجمعة وهو عيد المسلمين (قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد) كما نقله عن البغوي (بن عنترة) بالمهملة فالنون فالفوقية بوزن حيدرة واسمه هرون قال الذهبي وغيره ثقة وأبو عنترة الشيبانى عده ابن شاهين في الصحابة (احدى وثمانين يوما) كما في تفسير البغوى وذلك مبنى على ان وفاته كانت في ربيع(2/93)
فكأنها كانت في معنى النعي له صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما روينا في الصحيحين واللفظ للبخارى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بى من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثنى الا بنت لى واحدة أفأتصدق بثلثي مالى قال لا قلت فاتصدق بنصف مالى قال لا قلت والثلث قال والثلث كثير وانك ان تذر ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم الاول وسيأتى الخلاف فيه (النعي) الاعلام بالموت وهو بفتح النون وسكون العين وتخفيف الياء وبضم النون وكسر العين وتشديد الياء (ومن ذلك ما رويناه في) الموطأ ومسند أحمد و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عادني (النبي صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب العيادة للامام كغيره (أشفيت منه) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الفاء ثم تحيته ساكنة أشرفت (من الوجع) قال ابراهيم الحربي الوجع اسم لكل مرض وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح وانما المكروه ما كان على سبيل التسخط وهو الذي يقدح في أجر المريض (وأنا ذو مال) قال الووي فيه اباحة جمع المال لان هذه الصفة لا تستعمل في العرف الا للمال الكثير (ولا يرثنى الا ابنة لى) أراد من الولد وخواص الورثة والا فقد كان له عصبة وقيل أراد من أهل الفروض وهذه الابنة هي أم الحكم الكبري ولم يكن له سواها يومئذ وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وهي شقيقة اسحق الاكبر الذى كان يكنى به سعد بن أبي وقاص قال ابن حجر وهم من قال هي عائشة لانها لا صحبة لها وليست لسعد ابنة أخري اسمها عائشة (أفأتصدق بثلثى مالى) قال النووي يحتمل انه أراد بالصدقة الوصية ويحتمل أنه أراد بالصدقة المنجزة وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء الا ما زاد على الثلث لا ينفذ الا برضاء الوارث وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت ان يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح ودليل الجمهور قوله (الثلث والثلث كثير) مع حديث الذى أعتق ستة أعبد في مرضه فاعتق النبى صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة انتهي قال عياض يجوز نصب الثلث الاول على الاعزي «1» وعلى تقدير افعل واعط ورفعه على تقدير يكفيك فهو فاعل أو على انه مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتداؤه وضبط كثير بالمثلثة وبالموحدة وكلاهما صحيح قال النووي وفي الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية وقال العلماء ان كانت الورثة أغنياء استحب استغراق الثلث بالوصية والا استحب ان ينقص وأما الزيادة عليه فمحرمة اركان يقصد حرمان الوارث والا فلا يحرم ولا ينفذ الا باجازته سواء كان له وارث خاص أم لا وروى عن على وابن مسعود جوازه فيمن لا وارث له وذهب اليه أبو حنيفة واسحاق وكذا أحمد في احدي الروايتين عنه (أن) بفتح الهمزة (تذر) منصوب بان وروي أيضا بكسر الهمزة وجزم تذر
__________
(1) كذا في الأصل.(2/94)
عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله الا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت يا رسول الله اخلف بعد أصحابي قال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون اللهم امض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة بالشرط قال النووى وكلاهما صحيح (عالة) أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم باكفهم وفي الحديث الحث على صلة الرحم والاحسان الى القريب والشفقة على الوارث وان صلة القريب الاقرب أفضل من الابعد قال النووي واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير انتهي وفي الاستدلال به نظر (ولست تنفق نفقة) فيه الحث على الانفاق في وجوه الخير (تبتغي بها وجه الله) أي لا رياء فيها ولا سمعة ولا تريد عليها جزاء دنيويا (حتى اللقمة) بالنصب والضم (في في امرأتك) فيه ان المباح يصير طاعة بالنية وذلك لان زوج الانسان من أخص حظوظه الدنيوية وملاذه المباحة ووضع اللقمة في فيها انما يكون عادة عند المداعبة ونحوها وهذه الحالة أبعد الاشياء من الطاعة وأمور الآخرة فغير هذه الحالة أولى بحصول الاجر مع النية كذا قاله النووى (اخلف) استفهام حذفت ادانه (بعد أصحابي) أي بعد خروجهم الى المدينة اخلف عنهم بمكة وانما قال ذلك خوفا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله كما صرحت به رواية في مسلم أو خوفا من بقائه بمكة بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى المدينة بسبب المرض وكانوا يكرهوا الرجوع فيما تركوه لله تعالى لا كمن جاء في رواية أخرى اخلف عن هجرتى قال عياض قيل كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث وقيل انما ذلك لمن هاجر قبل فاما من هاجر يعده فلا (انك لن تخلف) أراد بالتخلف هنا طول العمر والبقاء في الدنيا بعد جماعات من أصحابه (الا أزددت به درجة الى آخره) فيه فضيلة طول العمر للازدياد من الطاعات وفيه الحث على ارادة وجه الله تعالى بها (ولعلك تخلف) حرف ترج وهو هنا واجب (حتى ينتفع) في بعض نسخ مسلم حتى ينفع مبني للمفعول كقوله (ويضربك آخرون) وفي الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم فان سعدا عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به قوم في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار كذلك وتوفي رضي الله عنه في قصره بالعقيق وحمل الى المدينة وعليها يومئذ مروان بن الحكم قيل وكان آخر المهاجرين موتا بالمدينة سنة ثمان أو خمس وخمسين وعن بعض بضع وستين سنة (اللهم امض لاصحابى هجرتهم) أي أتمها لهم ولا تبطلها (ولا تردهم على أعقابهم) أي بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالتهم المرضية واستدل به من قال ان بقاء المهاجرين بمكة كيف كان قادح في هجرته قال عياض ولا دليل فيه عندى لاحتمال انه دعا لهم دعاء عاما (لكن البائس) أى الفقير الذى عليه أثر البؤس أي الفقر (سعد بن خولة) هو زوج سبيعة الا سليمة وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو وفي صحيح البخاري في الوصايا يرحم الله ابن عفراء قال ابن حجر يحتمل أن يكون خولة اسم أبيه وعفراء أمه وهو من بنى عامر بن لؤي واختلف في قصته فقيل لم يهاجر من مكة حتى مات بها وذكر البخاري انه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف الى مكة ومات بها وقال ابن هشام هاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد(2/95)
رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة ومنها ما رويناه في صحيح البخارى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لجرير استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال أيضا الا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان بدرا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر وقيل سنة سبع في الهدنة خرج مختارا من المدينة الى مكة فعلى هذا وعلى الاول سبب بؤسه موته بمكة على أى حال كان لفوت الثواب الكامل بالموت في دار هجرته قال عياض وقد روي في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلا وقال إن مات بمكة فلا تدفنه بها (يرني) بالمثلثة أي يتوجع (له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان) بفتح الهمزة (مات بمكة) هذا كله من كلام الراوى وانتهى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله لكن البائس سعد بن خولة والتفسير من كلام سعد بن أبي وقاص أو من كلام الزهري قولان قلت ينبغى للقاريء ان يفصل بين الحديث والتفسير بقال وقد ثبت لفظه قال في نسخة من نسخ صحيح مسلم بخط الحافظ الصريفيني كما نقله السيوطى في الديباج (ما رويناه في) مسند أحمد (وصحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه قال (لجرير) ورواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو رواه البخارى والنسائي عن أبي بكر ورواه البخاري والترمذي عن ابن عباس (لا ترجعوا بعدى) أى بعد وفاتي (كفارا) أى تتشبهوا بهم في قتل بعضكم بعضا (يضرب) بالرفع فقط ومن جزم احال المعني قاله عياض (وقال أيضا) فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي بكرة (ان الزمان) يعني السنة (قد استدار كهيئته) أى عاد مثل حالته وكان ذلك تاسع ذى الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوى الليل والنهار وكانت العرب يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا (منها) أى من السنة (أربعة حرم) سميت بذلك لحرمتها حتى ان الجهاد كان محرما فيها أول الاسلام ثم نسخ بفعله صلى الله عليه وسلم يوم حنين اذ دخل عليه شهر ذي القعدة وهو في جهاد ثم وقال عطاء وآخرون ان ذلك غير منسوخ ونقل عنه ابن جريج انه كان يحلف ما يحل للناس ان يقروا في الحرم ولا في الاشهر الحرم ولا ان يقاتلوا فيها وما يستحب (ذو القعدة الي آخره) فيه دليل لمن يقول ان الادب المستحب في غير هذه الاشهر ان يبدأ بذي القعدة ويختم برجب وهو الصحيح وقيل يبدأ بالمحرم ويختم بذي الحجة ليكون الاربعة من سنة واحدة (فالمحرم) هذا الاسم له اسلامي كما مر وكانوا في الجاهلية يسمونه صفر الاول وهو أفضل الاشهر الحرم وثلاثة رجب ثم ذو الحجة ثم ذو القعدة (ورجب مضر) انما أضافه اليهم ليمكنهم في تعظيمه أكثر من غيرهم أو لانهم كان بينهم وبين ربيعة اختلاف فيه فكانت مضر تجعله هذا المعروف وربيعة تجعله رمضان قولان (الذي بين جمادي وشعبان) قال النووي انما قيده هذا التقييد مبالغة في ايضاحه وازالة اللبس عنه وذلك لان العرب كانت(2/96)
أيّ شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذا الحجة قلنا بلى يا رسول الله قال وأي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذه البلدة مكة قلنا بلى قال فأى يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذا يوم النحر قلنا بلى قال فان دماؤكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدى ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ولعل بعض من لم يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت- ومعنى استدارة الزمان أنهم كانوا في الجاهلية ينسئون الشهر الحرام أى يؤخرونه اذا احتاجوا الى القتال فيه فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخركما يجعلون المحرم صفر فاذا احتاجوا الى تأخير تحريم صفر أخروه الى ربيع هكذا شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم الى السنة تسمى رجب وشعبان الرجبين وسمى شعبان بذلك نتشعب العرب فيه للحرب أي تفرقهم وخروجهم في كل وجه (أى شهر هذا الى آخره) قال النووي هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التقدير والتفخيم والتنبيه على عظم مزية هذا الشهر والبلد واليوم وقول الصحابة (الله ورسوله أعلم) من حسن أدبهم فانهم عرفوا انه صلى الله عليه وسلم لا يخفي عليه ما يعرفونه من الجواب فعلموا انه ليس المراد مطلق الاخبار بما يعرفون (أليس ذا الحجة) بالنصب خبر ليس واسمها مستتر فيها وكذا ما بعده (قال محمد) هو ابن سيرين (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) فيه وجوب تبليغ العلم بحيث يتيسر وذلك فرض كفاية (فلعل بعض) النصب اسم لعل (من تبلغه) بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه (أوعى له من بعض) ولمسلم ممن (سمعه) قال النووى احتج العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم عن الشيوخ الذين لا علم عندهم ولا فقه اذا ضبط ما يحدث به (الاهل بلغت) ففي كلامه صلى الله عليه وسلم وما قبله اعتراض (ومعني استدارة الزمان) كما قاله أبو عبيد (انهم كانوا ينسئون أى يؤخرون) وقيل هو من النسيان الواقع على المنسي وهو المتروك (الشهر الحرام) اسم جنس والمراد الاشهر الحرم والعرب كانت تعظمها كلها وذلك من جملة ما تمسكت به من دين ابراهيم (تنبيه) اختلف المفسرون في أول من نسأ فقيل بنو مالك من كنانة فقام الاسلام والذى نسؤا أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقيل أول من فعله نعيم بن ثعلبة رجل من كنانة وقيل أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له القلمس بفتح القاف واللام والميم المشددة ثم مهملة وفيه يقول شاعرهم* ومنا ناسيء الشهر القلمس* وقيل أول من فعله عمرو بن طي (اذا احتاجوا الى القتال فيه)(2/97)
كلها وتحولت الشهور عن اماكنها فوافق حجة الوداع شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم ان أشهر الحج قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الامر الى ما وضع الله عليه حساب الاشهر يوم خلق السموات والأرض وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف الزمان*
[السنة المخترمة بوفاته صلى الله عليه وسلّم]
ومن ذلك ما روى ابن اسحق وغيره ومعناه في الصحيحين عن عمرو ابن خارجة قال بعثني عتاب بن أسيد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لعابها ليقع على رأسى فسمعته وهو يقول أيها الناس ان الله قد أدى إلى كل ذى حق حقه وانه لا يجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن ادعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وصدر النبي صلى الله عليه وسلم من حجته وقد أدى الناس مناسكهم وعلمهم معالم دينهم وحذر وأنذر فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع والله أعلم.
السنة المخترمة بوفات النفس الزكية المكرمة وهى سنة احدى عشرة من الهجرة وثلاث وعشرين من النبوة وثلاث وستين من المولد وكأنها آخر الدنيا قال ابن اسحق ثم قفل أو الى الصيد (حجة الوداع) بالنصب (شهر الحج) بالرفع ويجوز عكسه (ما روى ابن اسحاق) وكذا البيهقي قال الذهبي بسند صالح (فان لعابها يقع على رأسى) يستدل به على طهارة نحو لعاب الحيوان الطاهر (لا يجوز وصية لوارث) زاد الدارقطني والبيهقى عن ابن عباس الا ان يسأل الورثة وللبيهقي من طريق عمرو بن خارجة الا ان يجيزها الورثة ففيه ان الوصية للوارث باى سبب كان لا تصح حتى يجيزها باقى الورثة أي مطلق التصرف منهم اما نحو السفيه فلا يجوز الاجازة منه ولا من وليه ولا من الحاكم كما صرح به الماوردي قال أصحابنا ويكفي من الورثة لفظ الاجازة لانها تنفيذ لا ابتداء عطية (من ادعي) بهمز وصل والبناء للفاعل (فعليه لعنة الله) أى عذابه الذى يستحقه على ذلك الذنب والطرد عن الجنة أول الأمر وليست كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله ابعادا كليا (لا يقبل الله منه صرفا) بفتح المهملة وسكون الراء أي فريضة (ولا عدلا) أي نافلة وقيل عكسه وقيل الصرف التوبة والعدل القربة قال عياض قيل معناه لا يقبل ذلك منه قبول رضي وان قبل قبولا آخر قال وقد يكون القبول هنا بمعني تكفير الذنب بهما قال وقد يكون معنى القربة هنا انه لا يجد في القيامة أحدا يفدي به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عليهم بان يفديهم من النار باليهود والنصاري كما ثبت في الحديث الصحيح (وصدر) أي رجع (فكانت) مبينة (حجة) بالنصب خبرها* ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم (المخترمة) بالمعجمة (وثلاث وستين من المولد) كما رواه مسلم من رواية أنس وعائشة وابن عباس ومعاوية وهى أصح وأشهر ولمسلم رواية انه توفي(2/98)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من حجة الوداع وأقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعثا الى الشام وأمّر عليهم اسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدروم من أرض فلسطين وروى كثيرون ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يغير على ابنى صباحا وان يحرق وابنى هي القرية التى عند مؤتة حيث قتل أبوه زيد وانما أمره ليدرك ثأره وطعن ناس في أمارته لكونه مولى ولحداثة سنه وكان اذ ذاك ابن ثمانى عشرة سنة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان تطعنوا في أمارته فقد كنتم قبل تطعنون في أمارة أبيه من قبل وأيم الله ان كان لخليقا للامارة وان كان لمن أحب الناس اليّ وان هذا لمن أحب الناس الىّ بعده
[ذكر تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى الشام]
رواه البخارى وروى ابن اسحق عن رجاله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقد كان وهو ابن ستين سنة وأخرى وهو ابن خمس وستين وهما متواليان فرواية الستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس والستين حصل فيها اشتباه وقد أنكر فيها عروة على ابن عباس ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا على ان اقامته بالمدينة كانت عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة الا ما حكي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب انها كانت ثلاثا وأربعين وهى رواية شاذة وانما اختلفوا في قدر اقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة كما مر عند ذكر قصيدة أبي قيس بن الاسلت صرمة بن أبي أنس (بعث بعثا الى الشام) أى لقتال الروم وكان أمير الروم يومئذ شرحبيل بن عمرو الغساني ذكره البلاذري (تخوم) بضم الفوقية والمعجمة أي جوانب (البلقاء) بالمد (والدروم) بضم المهملة والراء (فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين ثم تحتية ساكنة ثم نون وهى بلاد بيت المقدس وما حولها (يغير) بضم أوله رباعي (أبنى) بهمزة مضمومة فموحدة ساكنة فنون مفتوحة مع القصر قال ابن الاثير اسم موضع من فلسطين بين عسفان والرملة ويقال انها يبنى بالتحتية بدل الهمزة (ثأره) بالمثلثة والهمزة وقد يسهل (فطعن) بفتح العين في الماضي والمستقبل معا ان أريد الطعن المجازى فان أريد الحقيقى ضم العين في المستقبل على المشهور (ناس) وللبخاري بعض الناس والطاعن هذا هو عباس بن أبي ربيعة المخزومى أفاده البلاذرى (ابن ثماني عشرة سنة) وقيل ابن عشرين (لخليقا) بالمعجمة والقاف أى حقيقا و (وللامارة) ولمسلم بلا مرة بكسر الهمزة وسكون الميم وهما لغتان وفي الحديث جواز امارة العتيق وتقديمه على الغير وتولية الصغير وتولية المفضول على الفاضل للمصلحة وفضيلة ظاهرة لاسامة وأبيه زيد (رواه البخاري) ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عمر (عن رجاله)(2/99)
الناس قالوا أمر غلاما على جلة المهاجرين والانصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس انفذوا بعث أسامة فلعمرى لئن قلتم في أمارته لقد قلتم في أمارة أبيه من قبله وانه لخليق للامارة وان كان أبوه لخليقا لها ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكمش الناس أي أسرعوا في جهازهم واستعر برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فخرج أسامة بجيشه حتى نزل الجرف من المدينة على فرسخ فضرب به عسكره وتتامّ اليه الناس وأقاموا ينتظرون ما الله قاض في رسوله قال أسامة لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معى الى المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعها علىّ أعرف انه يدعو لى ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتغل أبو بكر بعد انتظام أمر الخلافة الا بتجهيز جيش أسامة وكلم في استبقاء الجيش حتى ينتسق أمر الناس أو ان يولي عليهم غير أسامة فقال والله لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ما رددت جيشا أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عزلت واليا ولاه.
[فصل في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم]
(فصل) في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته وما ورد في ذلك من الروايات مما أكثره في الصحاح قال الله تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً الآية وقال أى رجال سنده (على جلة) بكسر الجيم وتشديد اللام أي معظم (انفذوا) بهمزة قطع وكسر الفاء أى لا تؤخروه (فلعمرى) انما اقسم به اقتداء بربه جل وعلا اذ أقسم به فقال لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون (وانكمش الناس) بهمز وصل وسكون النون وفتح الكاف والميم والمعجمة أى اسرعوا والانكماش في المشي الاسراع فيه (واستعر) بالعين المهلة وتخفيف الراء أي هاج (الجرف) بضم الجيم والراء (وتتام) بفتح الفوقية المكررة والمد وتشديد الميم (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) رواه الترمذى عن اسامة وحسنه (أصمت) بضم الهمزة وكسر الميم (استبقاء) بالموحدة والقاف (ينتسق) أي ينتظم (لو لعبت الكلاب الى آخره) أي لو سلط على أهل المدينة من يدخلها ويفعل فيها ما ذكره من انتهاك الحرمة ولم يمكن دفع ذلك الا باستبقاء جيش اسامة وترك تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت ذلك وفيه فضيلة ظاهرة لسيدنا أبى بكر رضى الله عنه (والخلاخيل) جمع خلخال وهو السوار الذى تجعله المرأة في رجلها.
(فصل) عقده لبيان صفة مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وسيمضى هو بعدهم أيضا أفتظنون دوام حياته (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) رجعتم (عَلى أَعْقابِكُمْ) أي الى دينكم الاول نزلت هذه الآية فيمن قال يوم أحد إذ أشيع قتله صلى الله عليه وسلم من(2/100)
تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وقال تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال تعالى وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وخرج الدارمي في مسنده ان العباس رضى الله عنه قال لأعلمن ما بقاء النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال يا رسول الله انى أراهم قد آذوك وآذاك غبارهم فلو اتخذت عريشا تكلمهم منه فقال لا أزال بين أظهرهم يطؤن عقبي وينازعونى ردائى حتى يكون الله هو الذي يخرجنى منهم قال فعلمت ان بقاؤه فينا قليل قال أهل التواريخ ابتدأ بالنبى صلى الله عليه وسلم مرضه في أول شهر ربيع الأول وأول ذلك انه خرج من جوف الليل الى البقيع فدعا لهم واستغفر وتضرع كالمودع للأموات وأصبح مريضا من يومه قالت عائشة لما رجع من البقيع وجدني وأنا أقول وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقلت واثكلتاه والله اني لأظنك تحب موتى ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا بعض أزواجك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل الى أبي بكر وابنه فاعهد ان يقول القائل أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون رواه البخاري وروي مسلم أيضا عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعى لى أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فاني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر وهذان الحديثان أهل النفاق ان محمدا قد قتل فالحقوا بدينكم الاول (وَلا تَدْعُ) أي لا تعبد (مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الخطاب معه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) فان (إِلَّا وَجْهَهُ) أي الا هو والوجه صلة (لَهُ الْحُكْمُ) الفعل والقضاء حيث قضى هلاك كل من سواه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر (فقال يا رسول الله انهم قد آذوك الى آخره) كان ذلك يوم قسم غنائم حنين وأوطاس (ذاك) بگسر الكاف (في أول شهر ربيع الاول) يوم الاثنين أو يوم السبت أو يوم الاربعاء أقوال (وا ثكلتاه) بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام (اني لاظنك تحب موتي) كانها فهمت من قوله تمنى الموت لها (لظللت) بكسر اللام الاولى (معرسا) بسكون العين (بل انا وارأساه) فيه انه لا بأس بقول ذلك ونحوه مما ليس هو على وجه التضجر كما مر قال بعضهم وفيه اشارة الى بقاء عائشة بعده (لقد هممت أو أردت) شك من الراوي (روى) البخاري (ومسلم) أيضا (وأخاك) انما طلب أخاها ليكتب الكتاب ووقع في رواية البخارى لقد هممت ان أوجه الي أبي بكر وابنه ولبعض رواة البخارى فاتيه من الاتيان وصوب هذا بعضهم قال عياض وليس كما صوب بل الصواب ابنه وهو أخو عائشة المذكور في رواية مسلم (فاني أخاف ان يتمنى متمن) فيه اشارة الى انه سيقع نزاع وكان كذلك (أنا أولى)(2/101)
من أدل الدلائل على خلافة أبى بكر وقد ثبت أصلهما من الصحيحين كما ترى
[مطلب وكان وجعه صلى الله عليه وسلّم عرق في الكلية]
وكان وجعه صلى الله عليه وسلم وهو عرق في الكلية اذا تحرك أوجع صاحبه وقيل الصداع وروي البخارى عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذى مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر فهذا أو ان وجدت انقطاع ابهرى من ذلك السم وغير مدافع انه قد كان مع ذلك حمى فيحتمل ان يكون مع وجودها تداعت أسباب هذه الاوجاع كلها وكان وجعه صلى الله عليه وسلم شديدا روينا في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه اذى شوكة فما فوقها الا كفر الله بها سيآته كما تحط الشجرة ورقها وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل وكان صلى الله عليه وسلم في مرضه يدور على أزواجه وهن يومئذ تسع حتى اشتد به المرض في يوم ميمونة أى أحق بالخلافة ورواه بعضهم في مسلم انا بالتخفيف أولا بفتح الهمزة والواو المشددة أى الاحق أولا وبعضهم انا بالتخفيف ولى بكسر اللام أى الخلافة وبعضهم انا بالتخفيف ولاه أي انا الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم انا بتشديد النون ولاه أي كيف ولاه قال عياض أجود هذه الروايات الاولى (من أدل الدلائل على خلافة أبي بكر) وثبوتها باجماع الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه وليس فيه نص صريح على خلافته والا لما وقعت منازعة من الانصار وغيرهم ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا اليه (الخاصرة) باعجام الخاء واهمال الصاد (الكلية) بضم الكاف وسكون اللام (الصداع) وجع الرأس (وروى البخارى الى آخره) تقدم الكلام عليه في غزوة خيبر (كلها) بالرفع والنصب (فمسسته) بكسر السين (وعكا) بفتح الواو وسكون العين وقد يفتح والوعك الحمي وقيل معلها (أجل) بتخفيف اللام أي نعم (ما من مسلم يصيبه أذى الى آخره) فيه تكفير الخطايا بالبلايا كما ذهب اليه أهل السنة (سيآته) بكسر التاء علامة للفتح (كما تحط) تلقى وتسقط (أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل) رواه أحمد والبخاري والترمذى وابن ماجه عن سعد رضي الله عنه وتتمته يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة انتهي والامثل الافضل وانما شدد البلاء على من ذكر لانهم لقوة دينهم لا يخاف منهم الجزع والتسخط بالقضاء الماحق لاجر البلاء فابتلوا بما تزداد به درجاتهم ولا تنقص به حسناتهم بخلاف غيرهم اذ يخاف عليه غلبة الجزع ونحوه فيبطل ثوابه ولا ينتفع بالبلاء فكان بلاء كل على قدر دينه رجمة من الله عز وجل بعباده ونظرا لهم بالاصلح الانفع فله الحمد والثناء على ما تفضل به وأسدى (في يوم ميمونة) وكان ابتداء مرضه ببيتها(2/102)
فدعاهن فاستأذنهن ان يمرض في بيت عائشة فأذنّ له فخرج صلى الله عليه وسلم ويده على عليّ عليه السلام والاخرى على الفضل بن عباس.
[مطلب في حديث السبع قرب لم تحل أوكيتهن وخروجه صلى الله عليه وسلّم إلى الناس]
وروينا في الصحيحين عن عائشة ان النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد ما دخل بيتها واشتد وجعه أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير الينا بيده ان قد فعلتن قالت ثم خرج الى الناس فصلي بهم وخطبهم وروى أهل السير ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس وقد شد رأسه بعصابة دسماء فرقي المنبر فجلس عليه مصفر الوجه وأمر بلالا فنادى في الناس أن اجتمعوا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا كبيرهم وصغيرهم وتركوا أبواب بيوتهم مفتحة وغص المسجد بمن فيه ثم قام فخطبهم خطبة بليغة فكان أول ما تكلم به صلى على قتلى أحد واستغفر لهم روينا في صحيح البخارى عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال انى بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وان موعدكم الحوض وانى لأنظر اليه من مقامي هذا وانى لست اخشى عليكم ان تشركوا ولكنى أخشى عليكم الدنيا ان تنافسوا فيها قال فكانت آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيضا ما رويناه في صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال ان عبدا خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وبكى فقال أو ببيت زينب أو ريحانة أقوال (فأذن له) بتشديد النون (أهريقوا) بفتح الهمزة مع فتح الهاء وسكونها (من سبع قرب) قيل الحكمة في هذا العدد ان فيها سرا وخاصية في دفع السم والسحر (مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين ثم موحدة اناء نحو المركن يغتسل فيه (وروي أهل السير) عن أنس (دسماء) بفتح الدال وسكون السين المهملتين مع المد والدسمة لون بين الغبرة والسواد (مصفر الوجه) بالنصب على الحال (وغص) بالمعجمة ثم المهملة أي ضاق كما يضيق حلق الغاص باللقمة (صلى على قتلى أحد) أي دعا لهم (فرط) أى سابق اتقدمكم الى الآخرة (تنافسوا فيها) بحرف الاستقبال أي يتحاسدوا عليها (آخر نظرة) بالنصب خبر كانت واسمها مستتر (ما رويناه في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذي (ان عبدا خيره الله) قال النووي انما ابهم ليظهر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق (من زهرة الدنيا) أى نعيمها وأعراضها وحظوظها (فبكي أبو بكر وبكى) كلاهما بتخفيف الكاف أي كرر البكاء لانه علم المخير صلى الله عليه(2/103)
فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أمنّ الناس علىّ بماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الاسلام لا يبقين في المسجد خوخة الاخوخة أبى بكر وأوصى يومئذ بانفاذ جيش أسامة وأوصى بالانصار فقال يا معشر المهاجرين استوصوا بالانصار خيرا فان الناس يزيدون وان الانصار على هيئتها لا تزيد وانهم كانوا عيبتي وسلم فبكا حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغير ذلك من الخيرات (فديناك بآبائنا) فيه دليل لجواز التفدية وقد قاله صلى الله عليه وسلم (هو المخير) بالنصب خبر كان وهو عماد وصلة (أعلمنا به) بالنصب خبر كان (ان أمن الناس على في ماله وصحبته أبو بكر) قال العلماء معني أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لانه أذى مبطل للثواب ولان المنة لله تعالي ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وغيره (لو كنت متخذا خليلا) غير ربى (لا اتخذت أبا بكر خليلا) ولكن محبة ربي استولت على جميع قلبي فلم يبق فيه وسع لغيره لان معني الخليل أن لا يتسع قلبه لغير خليله وللعلماء خلاف في معنى الخلة كما سبق قال ابن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الاسرار وقيل أصلها المحبة وللعلماء خلاف هل المحبة أرفع أم الخلة أم هما سواء فقالت طائفة لا يكون الحبيب الا خليلا وعكسه وقيل المحبة أرفع اذهي صفة نبينا صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث حسن الا وأنا حبيب الله وهو أفضل من الخليل وقيل الخلة أرفع فقد ثبتت لنبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وقد نفا ان يكون له خليل سوى الله مع اثبات محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها قال النووي وغيره ولا ينافي هذا الحديث قول أبي هريرة وغيره من الصحابة سمعت خليلى صلى الله عليه وسلم اذ تحسن لغيره صلى الله عليه وسلم الانقطاع اليه ولا عكس (ولا يبقين) بنون التأكيد الثقلية (خوخة) بفتح المعجمة المكررة وسكون الواو وهي الباب الصغير بين البيتين والدارين ونحوه وفيه ان المساجد تصان عن تطرق الناس اليها الا من أبوابها الا لحاجة مهمة قاله النووي (الا خوخة أبي بكر) أي فلا تسدوها وكان سبب ذلك انه رأى عليها نورا كما رواه الطبراني وذلك اشارة الى خلافته ولاحمد والنسائي وغيرهما باسانيد حسنة انه أمر بسد الابواب الا باب علىّ والجمع بينهما كما قاله الطحاوي والكلاباذي والحافظ ابن حجر وغيرهما ان الامر بسد الابواب وقع مرتين ففي الاولى استثنى عليا حيث قال لا يحل لاحد ان يستطرق هذا المسجد غيرى وغيرك وذلك قبل مرضه بمدة وفي الثانية استثنى أبا بكر وذلك في مرض موته وكانت الثانية في الخوخ والاولى في الابواب فكانهم لما أمروا بسد الابواب سدوها وأحدثوا خوخا واخطأ ابن الجوزي حيث زعم ان حديث على موضوع وضعته الرافضة ليقابلوا به حديث أبي بكر (استوصوا بالإنصار خيرا) فيه رمز الى ان الخلافة لا تكون فيهم والا لاوصاهم ولم يوص بهم (ان الانصار على هيئتها لا تزيد) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم فانهم صاروا من أقل الناس كما قال في رواية انهم يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام (عيبتي) أي خاصتى الذين أثق بهم واعتمد عليهم في(2/104)
التي أويت اليها فاحسنوا الى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتامّ به وجعه ولم يخطب خطبة بعدها.
[فصل في أمره صلى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يصلي بالناس]
(فصل) وأول عجزه عن الخروج الى الصلاة اجتمع الناس في المسجد وآذنوه بها فهم بالخروج فعجز فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت له عائشة ان أبا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة لحفصة قولى له ان أبا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكن لانتن كصواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لا صيب منك خيرا رواه الشيخان وفي رواية فيهما ان عائشة قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته الا انه لم يقع في قلبى ان يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا وانى كنت أرى انه لن يقوم مقامه أحد الا تشاءم الناس به فأردت ان يعدل ذلك رسول الله صلى أمورى والعيبة بفتح المهملة وبالموحدة وعاء معروف أكبر من المخلاة يحفظ الانسان فيها متاعه فضربها لهم مثلا لانهم محل سره وخفي أحواله (فأحسنوا الى محسنهم) أى واجهوه باللطف والبر (وتجاوزوا) اعفوا (عن مسيئهم) في بعض أصول مسلم سيئهم وذلك في غير حدود الله تعالي قاله النووي* فصل في أول عجزه عن الخروج (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فيه ان الامام اذا عرض له عذر عن حصول الجماعة استخلف من يصلي بهم ولا يستخلف الا أفضلهم وفيه فضيلة أبي بكر رضى الله عنه على جميع الصحابة وتنبيه على انه أحق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت له عائشة الى آخره) فيه جواز مراجعة أولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والاشارة بما يظهر انه مصلحة وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة (فمر عمر) يؤخذ منه أفضلية عمر على غيره بعد أبي بكر فمن ثم اشارتا به ويؤخذ ذلك أيضا من قول أبى بكر يا عمر صل بالناس ولم يقل لاحد سواه (انكن لانتن كصواحبات يوسف) أي في التظاهر على ما ترون والالحاح في طلبه وقيل في اظهاركن خلاف ما أبطنتن ووجه التشبيه ان عائشة أظهرت انها إنما تريد صلاة عمر لان أبا بكر رجل رقيق اذا قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع الناس من البكاء وأبطنت ما أخبرت به بعد انها خافت التشاؤم بمن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما حفصة فلانها أظهرت ما أظهرته عائشة وأبطنت محبة تقديم أبيها على غيره فاشبهن صواحب يوسف حيث أظهرن أنهن قعدن ليأكلن وهن انما يردن النظر الى يوسف (رواه الشيخان والترمذي وابن ماجه) عن عائشة ورواه الشيخان أيضا عن أبي موسي ورواه البخاري فقط عن ابن عمر ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وعن سالم بن عبيد (كنت أري) بضم الهمزة أي أظن(2/105)
الله عليه وسلم عن أبي بكر ورياوه أيضا باسناد واحد عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود قال دخلت على عائشة فقلت لها ألا تحدثينى عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بلى ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لى ما في المخضب قال ففعلنا فاغتسل به ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الأخيرة قالت فأرسل رسول الله عليه وآله وسلم الى أبى بكر أن يصلى بالناس فأتاه الرسول فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تصلى بالناس فقال أبو بكر وكان رقيقا يا عمر صل بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك قال فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس والثانى علىّ لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (ذهب لينوء) بفتح التحتية وضم النون ثم همزة ممدودة أي ليقوم وينهض (فاغمى عليه) فيه جواز الاغماء على الانبياء قال النووى ولا شك في جوازه فانه مرض والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون فانه لا يجوز عليهم لانه نقص (فاغتسل) أى توضأ من الاغماء لانه ناقض كذا حمله عياض على الوضوء لكن الصواب كما قال النووي ان المراد غسل جميع البدن اذ هو ظاهر اللفظ ولا مانع يمنع منه لان الغسل من الاغماء مستحب بل في وجه شاذ لبعض أصحابنا انه واجب وفي تكرير النبي صلى الله عليه وسلم الاغتسال دليل على استحباب تكرير الغسل اذا تكرر الاغماء لكن لو اغتسل مرة بعد تكرر الاغماء كفت (وهم ينتظرونك يا رسول الله) فيه ندب انتظار الامام اذا تأخر عن أول الوقت ورجى مجيئه عن قرب (والناس عكوف) بضم العين والكاف أي مجتمعون منتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم (العشاء الآخرة) في صحة قول الشخص العشاء الآخرة وهو الصواب فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ذلك وكذا عائشة وأنس والبراء وجماعة وان أنكره الاصمعى (أنت أحق بذلك) فيه الاعتراف بالفضل لاهله وان المفضول لا يقبل رتبة عرضها عليه الفاضل بل تدعى له وفيه جواز الثناء في الوجه لمن آمن عليه نحو العجب قال النووى وأما قول أبي بكر لعمر صل بالناس فقالوا للعذر المذكور قال وقد تأوله بعضهم على انه قاله تواضعا والمختار ما ذكرناه (بين رجلين أحدهما العباس) والآخر اما على بن أبى طالب كما قاله ابن عباس أو الفضل ابن العباس كما في طريق آخر في مسلم أو اسامة بن زيد كما في رواية أخرى في غير صحيح مسلم والجمع بين هذه الروايات كما قاله النووي وغيره انهم كانوا بتناوبون الاخذ بيده الكريمة وهؤلاء خواص أهل بيته الرجال الكبار وكان العباس أكثرهم ملازمة وادام الاخذ بيده وتناوب الباقون في اليد الاخرى وأكرموا العباس باختصاصه بيد لماله من السن والعمومة فمن ثم ذكرته عائشة مسمى وأبهمت الآخر اذ لم يكن أخذ الثلاثة الباقين ملازما في كل الطريق(2/106)
بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب يستأخر فأومئ اليه النبى صلى الله عليه وسلم ان لا يتأخر وقال لهما اجلسانى الى جنبه فأجلسناه الى جنب أبى بكر فكان أبو بكر يصلى وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبى بكر والنبى صلى الله عليه وسلم قاعد وقالت أم الفضل بنت الحارث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله تعالى رواه البخارى.
[فصل في آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلّم]
وآخر أحواله في الصلاة ما رويناه في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك ان أبا بكر كان يصلى بهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم سترة الحجرة فنظر الينا وهو قائم كان وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قال فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة فأشار اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ان أتموا صلاتكم قال ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك وفي رواية قال أنس فكانت آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم روى خارج الصحيحين ان آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم بأن قال الصلاة وما ملكت أيمانكم حرك بها لسانه وما يكاد يبين قال أراد بما (اجلسانى الى جنبه) فيه جواز وقوف مأموم واحد بجنب الامام لحاجة أو مصلحة (وقالت أم الفضل) سمها لبابة بنت الحارث زوج العباس رضي الله عنهما (بالمرسلات عرفا) أى بسورة المرسلات وهي الرياح أو الملائكة قولان والعرف المتتابع أو الكثير قولان (رواه) مالك و (البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه (سترة الحجرة) بكسر السين (كان وجهه ورقة مصحف) بتثليث الميم وهذا عبارة عن الجمال البارع وحسن السيرة وصفاء الوجه واستنارته (ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى فرحا بما رأى من اجتماعهم على الصلاة واتباعهم لامامهم واقامتهم شريعته واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم وهذا هو السبب في استنارة وجهه قال النووي وفيه معنى آخر وهو تأنيسهم واعلامهم بحاله في مرض وقيل يحتمل انه صلى الله عليه وسلم خرج ليصلى بهم فرأي من نفسه ضعفا فرجع انتهى (قلت) أو لعله أراد توديعهم وان يملاؤا نظرهم منه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بعد ان علم انه سيموت في ذلك اليوم وكان ذلك سبب تبسمه واستنارة وجهه فرحا بلقاء ربه (فبهتنا) مبنى للمفعول أي غشينا بهتة أي حيرة من سورة الفرح (ونكص) أى رجع (على عقبيه) أي الي ورائه قهقرا (وكانت) اسمها مستتر (آخر) خبرها (ثم روي خارج الصحيحين) في سنن أبي داود وابن ماجه عن على (الصلاة) بالنصب على الاغراء أى الزموا(2/107)
ملكت أيمانكم الرفق بالمملوك وقيل أراد الزكاة.
* [فصل في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم]
(فصل) * في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما رواه الشيخان عن عروة عن عائشة قالت دعى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في شكواه التى قبض فيها فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت فسألتها عن ذلك فقالت سارنى أبى صلى الله عليه وسلم انه يقبض في مرضه الذى وفي فيه فبكيت ثم سارنى فأخبرنى انى أول أهله يتبعه فضحكت وروينا أيضا من حديث مسروق بن الاجدع عن عائشة قالت كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم تغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة رضى الله عنها تمشى ما تخطئ مشيتها عن مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلما رآها رحب بها وقالت مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيننا بالسر ثم انت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها ما قالت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم (في شكواه التى قبض فيها) لا ينافيه ما في سنن الترمذي عن أم سلمة ان ذلك وقع عام الفتح فلعله قال لها ذلك يومئذ وأم سلمة حاضرة وقال لها ذلك في مرضه في بيت عائشة وهي حاضرة فاخبرت كل واحد منهما عما حضرته (فسارها شيء) ليس في هذا الحديث انه استأذن عائشة في المسارة فلعل غيرها كان حاضرا اما يريده غيرها أو استأذنها فلم يذكر الاستئذان لان وجوبه معلوم من غير هذا الحديث أو يكون ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لانه معصوم من المحذور في المسارة (انه يقبض في وجعه) في هذا وفي قولها (فاخبرني انى أول أهله يتبعه) معجزتان له صلى الله عليه وسلم وقولها (فضحكت) أي سرورا بسرعة اللحاق به ففي ذلك ما كانوا عليه من إيثار الآخرة والسرور بالانتقال اليها والخلوص من دار النكد (لم تغادر) أي لم تترك (منهم واحدة) كن كلهن مجتمعين عنده يومئذ (مشيتها) بكسر الميم (مرحبا بابنتي) فيه ندب الترحيب سيما بالبنت ونحوها ممن يستهجن ذلك بالنسبة اليها لما فيه «1» من ضرر النفس سباط الاتباع (عن يمينه أو عن شماله) شك من الراوي (سألتها ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم) انما سألتها لما رأته من العجب في سرعة الضحك عقب البكاء (ما كنت لا فشي) بضم الهمزة أى أظهر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره) فيه ندب كتمان السر وهو من الخصال المحمودة والشيم المرضية وربما كان الكتم واجبا ككتم سر
__________
(1) . كذا بالاصل الى آخر العبارة(2/108)
قلت عزمت عليك بمالى عليك من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أما الآن فنعم أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني ان جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وانه عارضه الآن مرتين وانى لا أرى الأجل الا قد اقترب فأتقي الله واصبرى فانه نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائى الذي رأيت فلما رأى جزعي سارنى الثانية فقال يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة قالت فضحكت ضحكي الذي رأيت هذا لفظ مسلم وليس لفاطمة في الصححين غير هذا الحديث وهو داخل في مسند عائشة والله أعلم* ومنه ما روياه واللفظ لمسلم عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال إئتونى اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا ما شأنه أهجر استفهموه الزوجة المتعلق بالجماع وما خاف من اشاعته مفسدة (لما حدثتينى) بفتح اللام (اما الآن فنعم) فيه ان افشاء السر بعد موت صاحبه لا بأس به اذا كان فيه مصلحة وكانت المصلحة في هذا بيان المعجزة وبيان فضيلتها على نساء العالمين (لا أري) بضم الهمزة أى لا اظن (السلف) هو المتقدم أى انا قدامك فتردين على (اما ترضين) هذا هو المشهور في اللغة وجاءت به أكثر الروايات وفي رواية لمسلم ترضى بحذف النون قال النووى وهو لغة (سيدة نساء العالمين) وللترمذى من طريق أم سلمة أخبرني اني سيدة نساء أهل الجنة الا مريم بنت عمران أى فانها سيدتهم مثلك وان كنت أفضل (وما يوم الخميس) معناه تفخيم أمر يوم الخميس وتعظيمه في الشدة والمكروه فيما يعتقده ابن عباس وهو امتناع الكتاب كذا قال النووي قلت أو عظم لاشتداء وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه (ائتوني) بهمز وصل (اكتب) بالجزم جواب الامر (لكم كتابا لا تضلوا بعدي) قيل أراد ان ينص على خلافة أبي بكر كيلا يقع نزاع وفتن ثم ترك ذلك اعتمادا على علمه من تقدير الله تعالى ذلك كماهم بالكتاب في أول مرضه حين قال وارأساه ثم ترك الكتاب فقال يأبي الله والمؤمنون الا أبا بكر ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه اياه في الصلاة حكي ذلك القول عن سفيان ابن عيينة عن أهل العلم قبله وقيل أراد أن يكتب كتابا فيه مهمات الاحكام ملخصة ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه وكان ذلك بوحى أو باجتهاد ثم تركه بوحي أو باجتهاد ونسخ الأمر الاول (اهجر) بهمزة استفهام للجميع رواه البخارى قال النووي وهو استفهام انكار على من قال لا تكتبوا أى أهذا انه منزه عن ذلك وهذه أحسن من رواية هجر ويهجر في مسلم قال وان صحت تلك فلعلها صدرت بغير تحقيق من قائلها وخطأ منه لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من هذه الحالة الدالة على وفاته صلى الله عليه وسلم وعظيم المصاب به وخوف الفتن المقبلة بعده وأجرى الهجر مجري شدة الوجع(2/109)
قال فدعونى فالذي أنا فيه خير أوصيكم بثلاث اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم قال وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها انا وفي رواية أخرى عن عبيد الله بن عبد الله قال فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ان يكتب لهم الكتاب من اختلافهم ولغطهم* ومنه ما رواه البخاري (دعوني) أي اتركوني من النزاع واللغط الذى شرعتم فيه (فالذي أنا فيه) أى من طلب الكتابة (خير) من عدمها كذا قال في التوشيح وأحسن منه ما قاله النووى أي الذي أنا فيه من مراقبة الله والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه خير مما أنتم فيه (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب) الصحيح انها مكة والمدينة واليمامة واليمن وقال الاصمعي هي ما بين أقصى عدن الى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها الى أطراف الشام عرضا وقال أبو عبيد هي ما بين حفر أبى موسي الي أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين الى منقطع السماوة عرضا وفي الحديث وجوب اخراج الكفار من هذه الجزيرة مطلقا عند مالك وخص الشافعي ذلك بالحجاز وهى مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها وأعمالها دون اليمن وغيره بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه ولا يمنع الكافر من التردد في الحجاز لنحو تجارة بشرط أن يخرج لدون أربعة أيام صحاح نعم يمنع عندنا في الحرم المكي ويجب اخراجه منه فان مات ودفن به بشرط ما لم يتغير وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم أيضا (وأجيزوا) أى اعطوا الجائزة (الوفد) الذي يفدون اليكم ضيافة واكراما وتطييبا لقلوبهم وترغيبا للمؤلفة ونحوهم واعانة على سفرهم ونقل عياض عن العلماء عدم الفرق بين أن يكون مسلما أو لا لان الكافر انما يفد غالبا لما يتعلق بمصالحنا ومصالحهم (قال) سعيد بن جبير (وسكت) ابن عباس (عن الثالثة أو قالها) ابن عباس (فنسيتها انا) شك سعيد بن جبير في ذلك كذا قال النووي وقال ابن حجر القائل ابن عيينة والساكت شيخه سليمان الاحول والثالثة الوصية بالقرآن قاله الداوودي وابن التين أو تنفيذ جيش أسامة قاله المهلب وابن بطال أو النهى عن اتخاذ قبره وثنا يعبد أو الصلاة وما ملكت أيمانكم قالهما عياض قال وقد ذكر مالك في الموطأ معناه مع اجلاء اليهود من حديث عمر (فكان ابن عباس يقول ان الرزية) أي النقص (كل الرزية) تأكيد لعظمها (ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ان يكتب لهم) ذلك (الكتاب) قال ذلك بحسب اجتهاده رضي الله عنه ان الكتب كان أصوب من الترك وخالف اجتهاد عمر ذلك حيث قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله قال البيهقى كان عمر قد علم ان بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها حاصل بقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فاستدل بذلك على انه لا يقع واقعة الا وفي كتاب الله أو سنة رسوله بيانها نصا أو دلالة فآثر عمر بسبب ذلك التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع ولئلا ينسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط فتفوت فضيلة الاجتهاد وعدم انكاره صلى الله عليه وسلم على عمر دليل استصواب رأيه قال الخطابى ما معناه خاف عمر أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلا الى الكلام في الدين قال ولا يجوز ان يحمل قول عمر على انه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن به غير ذلك مما لا يجوز عليه (ما رواه البخاري) ومسلم مسندا فقول(2/110)
تعليقا عن عائشة قالت لددناه في مرضه تعني النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يشير الينا ان لا تلدونى فقلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقين أحد في البيت الالد وأنا أنظر إلا العباس فانه لم يشهدكم وانما لدوه لأنهم ظنوا به ذات الجنب فلدوه بالقسط لقوله صلى الله عليه وسلم فيه سبعة أشفية يلد به من ذات الجنب ويستعط به من العذرة واللدود جعل الدواء في جانب الفم ويحركه بالأصبع قليلا* ومنه ما رواه الشيخان عن عائشة وابن عباس قال لما نزلت برسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اعتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى المصنف (تعليقا) بحسب ما فهمه من سياق كلام البخارى حيث قال حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا يحيي بن سعيدنا سفيان حدثني ابن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وعائشة ان أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت قال وقالت عائشة لددناه الى آخره وانما قال وقالت عائشة لينبه على انفرادها بذكر اللدود عن ابن عباس بعد أن شاركها في أول الحديث فكأنه قال انتهي حديث ابن عباس الي قوله وهو ميت وزادت عليه عائشة ما ذكر (تعنى) بالفوقية ضمير عائشة (كراهية) بالرفع خبر مبتدا محذوف (لا يبقى أحد في البيت الالد) أى تعزيرا لهم حيث خالفوا أمره قال بعضهم فيه ان التعزير يجوز أن يكون من جنس نسبته (الا العباس فانه لم يشهدكم) هذا يرد ما في سيرة ابن اسحاق أن العباس كان فيمن ذكره وقيل أن أسماء بنت عميس هى التي لدته (بالقسط) بضم القاف وسكون السين ثم طاء مهملتين وهو العود الهندى وتسمى كستا بالفوقية بدل الطاء (لقوله صلى الله عليه وسلم فيه سبعة أشفية) رواه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أم قيس ثلاث محضن أخت عكاشة واسمها آمنة (يلد به من ذات الجنب ويستعط به من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وهو وجع يعرض في الحلق من كثرة الدم قال الزهري بين لنا اثنتين ولم يبين لنا خمسا قال النووي اطنبوا الاطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود التي في الامعاء اذا شرب بعسل ويذهب الكلف اذا طلى به عليه وينفع من ضعف المعدة والكبد وبردهما ومن حمي الورد والدمع وغير ذلك قال وهو صنفان بحرى وهندى والبحرى هو القسط الابيض وقيل هو أكثر من صنفين ونص بعضهم أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة منه قال وانما عددنا منافع القسط من كتب الاطباء لانه صلى الله عليه وسلم ذكر منها عددا مجملا (اللدود) بضم اللام ومهملتين ان أريد الفعل وان أريد الدواء فبالفتح (لما نزل) مبني للمفعول أى نزل به ملك الموت وروي في صحيح مسلم نزلت بفتحتان وبالتأنيث الساكنة أي حضرت المنية والوفاة (خميصة) هى كساء وأعلام (لعنة الله على اليهود والنصاري) ولمسلم قاتل الله يهود وهو بمعني لعنهم وقيل قتلهم وأهلكهم وفي الحديث جواز لعن الكفار اجمالا وكذا يجوز(2/111)
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا* ومنه ما روياه أيضا عن عائشة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وامسح بيده نفسه لبركتها* ومنه ما رواه البخاري عن عبد الله بن كعب بن مالك ان ابن عباس أخبره ان علىّ بن أبى طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا حسن كيف اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له انت والله بعد ثلاث عبد العصا وانى والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفي من وجعه هذا انى لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت اذهب بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر ان كان فينا علمنا ذلك وان كان في غيرنا علمناه فأوصي بنا فقال علىّ إنا والله لأن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعنا لا يعطيناها الناس بعده وانى والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل وكان العباس قبل ذلك بيسير رأي ان القمر رفع من الأرض الى السماء فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هو ابن اخيك* ومنه ما روياه واللفظ للبخاري ان عائشة كانت تقول ان من نعم الله علىّ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته دخل علىّ عبد الرحمن وبيده سواك وانا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مات منهم بخلاف الحي فانه قد يسلم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي يصلون اليها ففيه تحريم الصلاة الى قبور الانبياء كما قاله أصحابنا (يحذر ما صنعوا) من كلام عائشة وابن عباس (ينفث) بضم الفاء وكسرها والنفث النفخ اللطيف (بالمعوذات) بكسر الواو والمراد الاخلاص والمعوذتان (ثقل) بالمثلثة والقاف أى اشتد وجعه (بارئا) اسم فاعل من برأ أي خلص من المرض (عبد العصا) أي ستصير تابعا لغيرك ليس لك من الامر شيء (لارى) بالفتح والضم (هذا الامر) يعني الخلافة (هو ابن أخيك) يعنى نفسه (ومنه ما روياه) أي الشيخان ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضا (بين سحرى) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين والسحر الرئة وما يعلوبها وأرادت به الصدر قال السهيلى وروي أيضا بين شجرى بالمعجمة فالجيم قال وسئل عمارة بن عقيل عن معناه فشبك بين أصابعه وضمها الى نحره (ونحرى) بوزن الاول موضع النحر وللبخارى في رواية مات بين حلقنتي وذاقنتي والحاقنة بالمهملة والقاف والنون الوهدة بين الترقوتين من الحلق والذاقنة الذقن وقيل طرف الحلقوم وقيل ما تناله الذقن من الصدر قاله ابن الاثير (عبد الرحمن) بن أبى بكر (وبيده سواك) جاء في رواية صحيحة انه كان من جريد النخل وفي أخري كذلك انه كان أراكا وجمع بينهما انه(2/112)
فرأيته ينظر اليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه ان نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت ألينه لك فأشار برأسه ان نعم فلينته فأمرّه وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه الماء فيمسح بهما وجهه يقول لا إله إلا الله ان للموت سكرات ثم نصب يديه فجعل يقول في الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده وفي رواية عنها قالت فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح انه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير بين الدنيا والآخرة فلما نزل به ورأسه على فخذي غشى عليه ثم أفاق فأشخص بصره الى سقف البيت ثم قال اللهم الرفيق الأعلى فقلت اذا لا يختارنا وعرفت انه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح قالت فكانت آخر كلمة تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى دخل مرتين كان السواك في مرة أراكا وفي أخرى نخلا ولم يطلع راوى الاراك بالقضية الاخري ولا عكسه فقال كل راو بحسب علمه (آخذه لك) استفهام حذفت اداته وكذا ما بعده (فامره) بتشديد الراء أي اداره في فمه وللقابسي في صحيح البخاري بامره قال ابن حجر والاول أوجه وفيه كما قال السهيلي التنظف والتطهر للموت ومن ثم يستحب نحو الاستحداد ولان الميت قادم على الله عز وجل فشرع له كما شرع التنظف للمصلي لاجل مناجاة ربه (ركوة) بفتح الراء وضمها وكسرها إناء يصنع من الجلود (العلبة) بضم المهملة وسكون اللام ثم موحدة هى الغمر والقدح الضخم يتخذ من جلود الابل يحلب فيه أواناء أسفله جلد وأعلاه خشب مدور كاطار الغربال وهو الدائرة أواناء كله من خشب أو حقبة يحلب فيها أقوال (ان للموت لسكرات) وللترمذي الهم أعنى على غمرات الموت وسكرات الموت (نصب يده) أقامها مستترا بها (في الرفيق الاعلي) ولمسلم اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى وهم الملائكة أو المذكورون في قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية أو المكان الذى يحصل فيه مرافقتهم وهي الجنة أو السماء أو المراد به الله جل جلاله لانه من أسمائه أقوال يؤيد الثاني منها ما جاء في الحديث الصحيح فجعل يقول مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وانما اختار هذه الكلمة ليضمنها التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره ان لا يشترط منه الذكر باللسان قاله السهيلى قال وقد وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها في الرفيق الاعلى وروى الحاكم من حديث أنس كان آخر ما تكلم به «1» حلال دين الرفيع فقد بلغت ثم قضى (فاشخص بصره) رفعه الى السماء (اللهم الرفيق الاعلي) بالنصب باضمار اختار (لا يختارنا) بالنصب
__________
(1) هكذا بالاصل(2/113)
وروي البخاري أيضا عن أنس بن مالك قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة وا كرباه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه اجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه أتى جبريل ينعاه فلما دفن قالت فاطمة رضى الله عنها يا أنس أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب
[فصل في دهش الصحابة عند قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم]
(فصل) ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت الرنة عليه دهش اصحابه دهشة عظيمة وركت عقولهم وطاشت احلامهم وافحموا واختلطوا وصاروا فرقا وكان ممن اختلط عمر فجعل يصيح ويحلف ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهدد من قاله وكأنه لم يتقرر قبل عنده موته واقعد علي فلم يستطع حراكا واخرس عثمان فكان يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمدا واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول مصيبته وحق لهم ولم يكن فيهم اثبت من العباس وأبو بكر روينا في صحيح البخاري عن عائشة قالت مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال عمر ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثه الله فليقطعن أيدي الرجال وأرجلهم فجاء أبو بكر وكشف عن رسول الله صلى الله جواب اذا (وروي البخاري أيضا) والنسائي (أنى جبريل) وقال في التوشيح قال سبط ابن الجوزي الصواب نعاه (فصل) في ذكر ما بعد وفاته (الرنة) بفتح الرا والنون المشددة الصيحة (دهش) بكسر الهاء (وركت) بالراء وتشديد الكاف أي ضعفت والتركيك التضعيف (فطاشت) باهمال الطاء واعجام الشين أي خفت (أحلامهم) عقولهم (وافحموا) بالفاء والمهملة مبنى للمفعول أى غلبهم الجزع والمفحم المغلوب والباكي الى ان ينقطع نفسه (وتهدد) توعد وزنا ومعني (قبل) بالضم (موته) بالرفع فاعل يتقرر (وأضنى) أصابه الضنا وهو المرض المتولد من وجع القلب (ابن أنيس) بالنون والتحتية والمهملة مصغر وهو الجهني الانصاري حلفا (حتى مات) سنة أربع وخمسين من الهجرة (كمدا) والكمد داء يتولد في القلب من شدة الحزن (وجل) عظيم (الخطب) أي الشأن والامر (وفدحهم) بالفاء والمهملتين أى أثقلهم وفوادح الدهر خطوبه افدح الأمر واستفدحه وجده فادحا أى مثقلا صعبا (اثبت) بالرفع (بالسنح) بضم المهملة وسكون النون آخره مهملة هي منازل بنى الحارث بن الخزرج (طبت حيا وميتا) زاد السهيلى في شرح السيرة وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الانبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ولولا انك نهيت عن البكاء لانفدنا عليك ماء الشؤون فاما ما لا نستطيع نفيه فكمد وادناف يتحالفان لا يبرحان اللهم فابلغه عنا اذكرنا يا محمد عند(2/114)
عليه وسلم وقبّله وقال بأبى أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين ابدا ثم خرج فقال ايها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت وقال انك ميت وانهم ميتون وقال وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال فنشج الناس يبكون وروينا فيه من رواية عائشة وابن عباس وعمر ان أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشي بثوب حبرة فكشف عن وجهه فأكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي وأمي انت والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها ثم خرج وعمر يكلم الناس قال اجلس يا عمر فأبي عمر أن يجلس فأقبل الناس اليه وتركوا عمر فقال ابو بكر اما بعد من كان منكم يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فان الله حي لا يموت قال الله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية الى الشَّاكِرِينَ قال ابن عباس والله لكأن الناس لم يعلموا ان الله أنزل هذه الآية حتى تلاها ابو بكر فتلقاها الناس منه كلهم فما سمع بشرا من الناس إلا يتلوها قال عمر والله ما هو الا ان سمعت ابا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى اهويت الى الارض حين سمعته تلاها علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد مات كل هذا من ابي بكر وعيناه تهملان ربك وليكن ممالك فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا (لا يذيقك الله الموتتين أبدا) أي أنت أكرم على الله من أن يذيقك موتة أخرى كما أذاق الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت وكما أذاق الذي مر على قرية وأشار بهذا الى الرد على عمر وغيره ممن زعم انه يتخير وليقطعن أيدى رجال وأرجلهم اذ لو صح ذلك للزم منه أن يموت موتة أخرى (على رسلك) بفتح الرا وكسرها أي آمهل (فنشج الناس) بفتح الشين المعجمة وبالجيم يقال شج الباكي أى غص بالبكاء في حلقه (فتيمم) أى قصد (بثوب حبرة) باضافة ثوب الى حبرة وهى بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (فأبى عمر أن يجلس) أي لما غلبه من الجزع (فعقرت) بفتح العين أي سقط الى الارض من قامته وحكاه يعقوب عفر بالفاء كانه من العفر وهو التراب وصوب ابن كيسان الروايتين انتهى (ما تقلني) بضم الفوقية وكسر القاف أي ما تحملني (حتى أهويت) وللكشميهنى هويت بلا ألف (وعيناه تهملان) بضم الميم تسيلان(2/115)
وزفراته تتردد في صدره وغصصه تتصاعد* وروي ان ابا بكر لما فرغ يومئذ من خطبته التفت الى عمر وقال له اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا كذا وكذا فقال عمر أشهد ان الكتاب كما نزل وان الحديث كما حدث وان الله تبارك وتعالى حي لا يموت إنا لله وانا اليه راجعون وقال فيما كان منه:
لعمري لقد أيقنت أنك ميت ... ولكن ما ابدى الذي قلته الجزع
وقلت يغيب الوحي عنا لفقده ... كما غاب موسى ثم ترجع كما رجع
وكان هواي ان تطول حياته ... وليس لحي في بقا ميّت طمع
[فصل في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلّم]
(فصل) في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم قال انس لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه اظلم منها كل شيء وما نفضنا ايدينا عن التراب وانا لفي دفنه حتى انكرنا قلوبنا رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في السنن وروي ابن ماجه ايضا عن عمر قال كنا نتقي الكلام والانبساط الى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل فينا القرآن فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمنا وأسند أيضا عن أم سلمة ما معناه قالت كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام المصلون لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فلما كان أبو بكر لم يعد بصر أحدهم موضع جبهته فلما كان عمر لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فلما كان عثمان أو كانت الفتنة التفت الناس شمالا ويمينا* وروينا في صحيح مسلم عن أنس قال قال أبو بكر بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما (وزفراته) جمع زفرة وهى ما يسمع من جوف الباكى من الازيز (وغصصه) جمع غصة وهى ما يعرض للباكى من حلقه من الشجا (يتصاعد) يتعالى ويرتفع (وروي) في كتب السير (قال يوم كذا كذا وكذا) أي كل ما يدل على موته صلى الله عليه وسلم فكيف تحلف انه ما مات (أشهد أن الكتاب) يعنى القرآن (كما نزل) أراد قوله أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (كما حدث) مبني للفاعل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجزع) بالوقف وكذا ما بعده (كما غاب موسى) يوم خر صعقا (ثم ترجع) بسكون العين لضرورة الشعر (هواى) أى مقصودي (في بقا) بالقصر لضرورة الشعر «فصل» في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم (وما نفضنا) بالفاء والمعجمة (انكرنا قلوبنا) أي لم نرلنا قلوبا لما غشينا من الهم (أن ينزل) مبني للفاعل والمفعول (لم يعد) بفتح أوله وسكون ثانيه أي لم يتعد ولم يتجاوز (موضع) بكسر الضاد (فلما كان) تامة وكذا كان عمر وكان عثمان وكانت الفتنة (انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما(2/116)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهينا اليها بكت فقالا لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله قالت ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله ولكنى أبكي ان الوحي قد انقطع من السماء فهيجتنا على البكاء فجعلا يبكيان معها وروي عنه صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من أعظم المصائب ولما ذكر صلى الله عليه وسلم البشارة لمن تقدم بين يديه فرطا من الأولاد فقالت له عائشة ومن لم يكن له فرط قال أنا فرطه يا موفقة قال السهيلي وكان موته صلى الله عليه وسلم خطبا كالحاورزءا لاهل الاسلام فادحا كاد تهدله الجبال وترجف منه الارض ويكسف النيران لانقطاع خبر السماء وفقد مالا عوض منه مع ما آذن به موته من اقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة والهزاهز المعضلة فلولا ما انزل الله تعالى من السكينة على المؤمنين واسرج في قلوبهم نور اليقين وشرح صدورهم في فهم كتابه المبين لا نقصفت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها) فيه كما قال النووى فضيلة زيارة الصالحين وزيارة الفاضل المفضول والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وزيارة الرجل للمرأة الصالحة وسماع كلامها واستصحاب نحو العالم صاحبا له في الزيارة والعبادة ونحوهما والبكاء حزنا عند فراق الصالحين والاصحاب وان كانوا قد انتقلوا الى أفضل مما كانوا عليه (من أصيب بمصيبة الي آخره) رواه ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس ورواه الطبراني في الكبير عن سابط الجمحى قال أصحابنا يجب على من مات له ميت ولدا كان أو والدا أو غيرهما ان يكون حزنه على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منه وذلك لان الحزن فرع المحبة ومحبته صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فرض لقوله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أنس (بي) بالموحدة وتخفيف التحتية (ولما ذكر) بالبناء للفاعل أي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة بهما قالت عائشة ومن كان له فرط قال ومن كان له فرط قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال أنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلى أخرجه الترمذي عن أنس وعباس (تقدم) بفتح القاف وتشديد الدال المكسورة (انا فرطه يا موفقة) هو على العموم فانه فرط كل أمته كما في هذا الحديث (كالحا) بالمهملة أى شديدا (ورزءا) بضم الراء وسكون الزاى ثم همزة أى نقصا (فادحا) بالفاء والمهملتين أى ثقيلا كما مر (النيران) يعني الشمس والقمر (آذن) بمد الهمزة أي أعلم (السحم) بضم السين وسكون الحاء المهملتين (الدهم) بضم المهملة بوزن الاول وكل من السحم والدهم لون يضرب الى السواد يوصف بهما كل أمر عظيم (المدلهمة) بضم الميم وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الهاء وتشديد الميم المظلمة يقال أدلهم الليل اذا اشتد ظلامه (والهزاهز) بتكرير الزاي (المعضلة) باهمال العين واعجام الضاد أي الضيقة الشديدة يقال اعضلت المرأة اذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج (وأسرج) بالمهملة والجيم أى أشاع (لا نقصفت) بالقاف والمهملة والفاء أى انكسرت (ولعاقهم) بالمهملة والقاف أي شغلهم(2/117)
للجزع عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أطلع اليهم رأسه ومد الى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف فأبى الله الا أن يتم نوره ويعلي كلمته وينجز موعده حيث قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فأطفأ نار الردة وحتم مادة الخلاف والفتنة على يد أبي بكر ولذلك قالت عائشة توفي رسول الله ونزل بأبى ما لو نزل بالجبال لها ضها ارتدت العرب واشرأب النفاق وقال أبو هريرة لولا أبو بكر لهلكت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها ولقد كان من قدم المدينة عقيب موت النبى صلى الله عليه وسلم سمع لأهلها ضجيجا وللبكاء في جميع أرجائها عجيجا حتى صحلت الحلوق ونزفت الدموع وحق لهم ذلك ولمن يأتي بعدهم الى يوم الدين كما روي عن أبى ذؤيب الهذلي قال بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها فظلت أقاسى حزنا طولها حتى اذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بى هاتف وهو يقول:
خطب أجل أناخ بالاسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا ... تذرى الدموع عليه بالتسجام
وذكر خبرا طويلا قال فيه وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج اذا (اطلع الهم رأسه) أشرف برأسه الهم كناية عن شدة طمعه في إغوائهم (الا أن يتم نوره) أي يظهر دينه (ويعلى كلمته) أى قول لا إله الا الله (هو الذي أرسل رسوله) محمدا صلى الله عليه وسلم (بالهدي) أى بالهداية من الضلالة وعبادة من سوى الله (ودين الحق) أى دين الاسلام (وحسم) بالمهملتين قطع (مادة) بالمد وتشديد الدال محل الامداد والاعانة على الخلاف (ونزل بأبي) تريد أبا بكر (لها ضها) بالمعجمة كسرها وفتتها (اشرأب) بهمزة وصل وسكون المعجمة وفتح الراء والهمزة وتشديد الموحدة أي أشرف متطلعا (ضجيجا) بالمعجمة وتكرير الجيم أى صوتا عاليا (عجيجا) بالمهملة وتكرير الجيم هو الصوت العالى أيضا (صحلت) بفتح الصاد وكسر الحاء المهملتين ابتحت (ونزفت) بفتح النون وكسر الزاى ثم فاء أي فرغت (أبى ذؤيب) بضم المعجمة وفتح الهمزة اسمه خويلد بن خالد (فاستشعرت) أي أضمرت (لا ينجاب) بالجيم أي لا يذهب (ديجورها) شدة ظلامها (أقاسى) أي أعاني (كان قرب) بالفتح والضم (أغفيت) بالمعجمة والفاء أي نمت نوما خفيفا (أناخ) بالنون والمعجمة أى وقع (ومعقد) بفتح القاف كسرها (تذرى) بالمعجمة ثلاثي ورباعى ويقال تذروا بالواو أي تسيل (بالتسجام) بفتح الفوقية مصدر(2/118)
أهلوا بالاحرام فقلت لهم مه فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت المسجد فوجدته خاليا فأتيت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته خاليا ووجدت بابه مرتجا وقيل هو مسجى قد خلا به أهله فقلت أين الناس فقيل في سقيفة بني ساعدة فجئتهم فتكلمت الأنصار فاطالوا الخطاب وأكثروا الصواب فتكلم أبو بكر فلله دره لم يطل الكلام ويعلم مواقع فصل الخطاب والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع الا انقاد له ومال اليه ثم تكلم عمر دون كلامه فمد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه
[مطلب في ذكر بعض المراثي التي قيلت فيه صلى الله عليه وسلّم]
قال أبو ذؤيب فشهدت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه ثم أنشد ابو ذؤيب يبكى النبى صلى الله عليه وسلم:
ولما رأيت الناس في علاتهم ... ما بين ملحود له ومضرح
متبادرين فشرجع باكفهم ... نض الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت الى الهموم ومن يبت ... جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الابطح
وتزعزعت آطام يثرب كلها ... ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته ... بمصابه وزجرت سعد الاذبح
وبكسرها اسم (مه) هي هنا بمعنى الاستفهام (مرتجا) بالفوقية والجيم أى مغلقا (مسجي) أي مدثر (فلله دره) كلمة تستعمل للمدح وقد تقدم الكلام فيها في قصة هرقل (مواقع فصل الخطاب) أي مواضع وقوعه (يبكي) يرثى وزنا ومعني (علات) بمهملتين جمع علة وهي اختلاف الناس بعضهم الى بعض وترددهم قاله في القاموس (ملحود له) أى محفور له في جانب القبر (ومضرح) باعجام الضاد واهمال الحاء وفتح الراء أي محفور له في وسط القبر (فشرجع) بمعجمة فراء فجيم فمهملة بوزن جعفر من أسماء النعش والجنازة (نض الرقاب) بضم النون وتشديد المعجمة أي منضوضون والرقاب صلة والمنضوض من دهمه أمر مكروه (أروح) بالراء والمهملة أى واسع الخلق (جار الهموم) أي ملازما لها كملازمة الجار لجاره (مروح) بفتح الراء والواو المشددة (كسفت) أي تغيرت (وتزعزعت) بتكرير الزاي المهملة أي تحركت واضطربت (بطن الابطح) يعني مكة فمن ثم ذكر يثرب بعدها (كلها) تأكيد لآطام أو ليثرب فعلى الاول يكون مرفوعا وعلى الثاني مجرورا (ونخيلها) بالرفع معطوف على آطام (مفدح) بالفاء والمهملتين المقطع وزنا ومعنى (ولقد زجرت الطير) أي نهيتها عن النعيق حين سمعت منها ما تشاءمت به وعرفت به موته صلى الله عليه وسلم (وزجرت سعد الاذبح) أي سعد الذابح وهو أحد المنازل المشهورة وسمى الذابح لكوكب(2/119)
وقالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكى أباها وقد اجتمع اليها النساء بعد دفنه:
أغبّر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران
والارض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليه كثيرة الرجفان
فلتبكه شرق البلاد وغربها ... ولتبكه مضر وكل يمانى
وليبكه الطود المعظم جوه ... والبيت ذو الاستار والاركان
يا خاتم الرسل المبارك وصفه ... صلى عليك منزل الفرقان
وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبى صلى الله عليه وسلم ترثيه رضى الله عنها:
ألا يا رسول الله كنت رجاؤنا ... وكنت بنابرا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبي لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
بين يديه يقال هي شاته التي يذبحها وتشاءم به لما في اسمه من الذبح كأنه لما علم بمرضه صلى الله عليه وسلم وأراد المسير من محله الى المدينة نظر فاذا الطالع النجم المذكور فتشاءم به وعرف بذلك موته صلى الله عليه وسلم (اغبر) أى اسود (آفاق) جمع أفق وهي الناحية (وكورت) أظلمت وذهب ضوءها (شمس النهار) اضافتها اليه لانها لا ترى الا فيه (واظلم العصران) تثنية عصر وهو ما بين وقت الظهر الى غروب الشمس وانما ثنته لضرورة الشعر أو لان العرب تثنى الواحد في الشعر كقولهم خليلى وما أشبهه (كئيبة) بالهمز والموحدة حزينة وزنا ومعنى (أسفا) أي حزنا (الرجفان) بفتح الراء والجيم مصدر رجف يرجف أى كثيرة الزلزلة والحركة (مضر) بالصرف لضرورة الشعر لانها أرادت مضر المعروف (الطود) بفتح المهملة وسكون الواو وهو الجبل (المعظم) أى العظيم وأرادت به والله أعلم أبا قبيس أو حراء أو ثورا (جوه) أي ارتفاعه في الجو وهو اسم لما بين السماء والارض (المبارك) بالرفع (منزل الفرقان) أي القرآن الفارق بين الحلال والحرام وهذا من جملة أسماء القرآن المذكور فيه وجملتها ثلاثة وسبعون اسما كذا قاله بعض القراء منها الكتاب والفرقان والوحي والقرآن والتنزيل والروح والذكر والشفاء والهدى والموعظة والرحمة والبيان والتبيان والمهيمن والمبارك والحبل والعهد والصراط المستقيم والقيم والحكم والمبين والبشري والبصائر والبرهان والمصدق والعروة الوثقى (ليبك) بلام الأمر (من الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء آخره جيم أى من الفتن والاختلاط (افاطم) بالترخيم والميم مفتوح على أصله ويجوز ضمه كنظائره (جدث) بالجيم والمهملة والمثلثة أي قبر والاجداث القبور (ثاويا) بالمثلثة وألف الاطلاق أي ماكثا(2/120)
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمى وآباي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقا نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وادخلت جنات من الله راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يبكيه:
أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها ... يكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحى والتنزيل فينا ... يروح به ويغدوا جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل
نبى كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى اليه وما يقول
ويهدينا فما يخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل
(وماليا) فيه التفات الي الخطاب (صليب العود) أى منبض الجسم كالسيف الصلت أى المصلت من غمده والعود بضم العين يكنى به عن الجسم (أبلج) بفتح الهمزة واللام وسكون الموحدة آخره جيم أي مشرق (صافيا) أى لا يكدره سواد (السلام تحية) يجوز كسر ميم السلام فتكون صفة لله وتحية بالرفع ورفعه وتحية بالنصب على الحال ويجوز رفعهما أيضا على انها بدل من السلام (راضيا) نصب على الحال (يبكى) أى من رآه بكى (نائيا) أي بعيدا وهو نصب على الحال أيضا (ابن عم) بالرفع بدل من أبي سفيان ويكتب بالالف (أرقت) بالراء والقاف سهدت وزنا (أخى المصيبة) باضافة أخى الى المصيبة أى صاحب المصيبة (فيه طول) أي فيما يظهر للمصاب والا فهو علي هيئته لا تغيير لكن أوقات الشدائد تستطال لان الشخص يتمنى زوالها وكل ما تمني زواله ظهر طوله (وأسعدني البكاء) أي وافقنى ويقال فيه ساعدنى أيضا (عشية) منصوب على الظرف (قيل) مبنى للمفعول (عراها) بالمهملة وتخفيف الراء أى دهمها وغشيها ويقال اعتري أيضا (سالت) بالمهملة أي خرجت (أو كربت) بفتح الكاف وكسر الراء أى قربت ويقال كرب اذا قرب قربا بالغا ومنه سمى الكروبيون بتخفيف الراء سادات الملائكة لانهم مقربون (بما يوحى اليه وما يقول) أى الكتاب(2/121)
أفاطم ان جزعت فذاك عذر ... وان لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول
وقال بعضهم الجزع عند المصاب مذموم وتركه أحمد إلا على احمد صلى الله عليه وسلم وأنشد في هذا المعنى:
فالصبر يحمد في المصائب كلها ... الا عليه فانه مذموم
وقد كان يدعى لا بس الصبر حازما ... فاصبح يدعى حازما حين يجزع
وقال حسان بن ثابت شاعر النبى صلى الله عليه وسلم يرثيه:
ما بال عينك لا تنام كأنها ... كحلت أماقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتنى ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبى وأمي من شهدت وفاته ... في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتنى لم أولدى
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... يا ليتنى صبحت سم الاسود
اوحل امر الله فينا عاجلا ... في روحه من يومنا او في غد
والسنة (فذاك) بكسر الكاف (ذاك السبيل) أي الطريق المرضية (لابس الصبر) أى متخذه سجية لازمه كملازمة لابس الثوب له (حازما) بالمهملة والزاي أى محتاطا لنفسه (حين يجزع) أي عليه صلى الله عليه وسلم (ما بال عينك) أي ما شأنها (أماقيها) بمد الهمزة وكسر القاف وسكون التحتية أي جفونها (بكحل الارمد) أى فاصابها الرمد بطريق العدوى (المهدي) بفتح الميم وكسر الدال وتشديد التحتية أى الموفق (ثاويا) بالفوقية أي هالكا وبالمثلثة أى مستقرا لا يبرح لموته (لا تبعد) بفتح الفوقية وضم العين (لهفي) أي يا لهفي قال في القاموس كلمة يتحسر بها على فائت ويقال يا لهفي عليك ويا لهف ويا لهفا أرضي وسمائي عليك ويا لهفاه ويا لهفياه (غيبت) بالمعجمة مبنى للمفعول (وبقيع) بالموحدة وهو مقبرة المدينة (الغرقد) بالمعجمة والقاف وهو ما عظم من العوسج كما مر اضيف اليه البقيع لانه كان كثيرا (بابي وأمى) أى أفدى (النبي) منصوب بأفدى المقدرة (فظللت) بكسر اللام (متبلدا) بالفوقية فالموحدة آخره مهملة والتبلد التحير والتلهف قاله في القاموس (متلددا) أي الوى لديدى عنقى وهما صفحتاه على هيئة الفاقد لالفه (صبحت) أى أتيت صباحا (سم الاسود) نوع من الحيات فيه سواد وهو أخبثها(2/122)
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا ... محضا ضرائبة كريم المحتد
يابكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الاسعد
لو يعلموا ان الوصى من بعده ... أوصى ونطفته قسيمة احمد
نورا تتنقل من خلاصة هاشم ... إذا بايعوه هدوا لدين محمد
نورا أضاء على المدينة كلها ... من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا ... في جنة تثنى عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلى والسوددي
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيّب في سواء الملحد
ضاقت بالانصار البلاد فأصبحت ... سودا وجوههم كلون الإثمد
والله أسمع ما حييت بهالك ... الا بكيت على النبي محمد
ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم تجحد
والله أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الاله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد
(فتقوم ساعتنا) يعنى القيامة (فنلقي طيبا) يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعني ذلك لعلمه أنه لا سبيل الى لقائه الا يوم القيامة (محضا) باهمال الحاء واعجام الضاد أي خالصا (ضرائبة) جمع ضريبة قال في القاموس هي الطبيعة (كريم المحتد) أي الاصل كما مر (يابكر آمنة) بكسر الباء أي أول ولدها وكان هو الاول والآخر صلى الله عليه وسلم (المبارك بكرها) برفعهما (محصنة) أى عفيفة (نورا) منصوب على الحال (من يهد) بضم أوله مبني للمفعول أي من يرشد ويوفق (يهتدى) يسلك طريق الهدى (ونبينا) بالنصب (تثني عيون الحسد) أى يرجعها لعدم استطاعة النظر اليها لما يترتب عليه من الحزن كما هو شأن الحسود يحزنه سرور المحسود (ما حييت) أي عشت (في سواء) بفتح المهملة والمد (الملحد) بضم الميم وفتح الحاء أى في اللحد المستوى بالتراب (ضاقت بالانصار) بحذف الهمزة لضرورة الشعر (سودا) بضم السين وبالتنوين جمع اسود (كلون الاثمد) بكسر الهمزة والميم وسكون المثلثة وهو الكحل المعروف (ولقد ولدناه) أى لان أم جده عبد المطلب منا فافتخر بذلك فناهيك بهما فخرا (وفضول) بضم الفاء والمعجمة أي زوائدا (بنا) أي فينا (مشهد) محضر وزنا ومعنى (ومن يحف بعرشه) من ملائكته المقربين (والطيبون) يعني المؤمنين (أحمد) بالكسر لضرورة الشعر(2/123)
[فصل في ذكر اليوم الذي توفّي فيه صلى الله عليه وسلمّ]
(فصل) اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين في ربيع الأول قيل لليلتين خلت منه ورجحه كثيرون وقيل لثنتى عشر ورجحه الاكثرون وذلك حين اشتد الضحى قيل في الساعة التي دخل فيها المدينة وقال ابن عباس رضي الله عنهما ولد نبيكم يوم الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وكانت مدة مرضه اثنى عشر يوما وتوفي صلى الله عليه وسلم وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة وقيل خمسا وستين وقيل ستين والأول أصح قيل ومن عجائب الاتفاقات في التاريخ انه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين سنة وأبو بكر وعمر وعلي مثله ونحر صلى الله عليه وسلم بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتق في عمره ثلاثا وستين رقبة وحين أرادوا غسله سمعوا قائلا يقول غسلوه في ثيابه فغسلوه في قميصه وكانوا يرون القائل لهم الخضر وعزاهم (فصل) في ذكر وقت وفاته (اتفقوا) يعنى الحفاظ أى أجمعوا (ورجحه كثيرون) منهم ابن الكلبي وأبو مخنف حكاه عنهما الطبري وقيل لثنتى عشرة (ورجحه الاكثرون) مع عدم امكانه للاجماع على أن تاسع عرفة تلك السنة كان الجمعة فآخره الجمعة أن ثم والا فالخميس وأول المجرم اما الجمعة واما السبت وأول صفر اما السبت واما الاحد واما الاثنيين وأول ربيع الاول اما الاحد واما الاثنين واما الثلاثاء واما الاربعاء وايما كان فلا يكون ثانى عشره الاثنين ثم رأيت السهيلي ذكر نحو ذلك ونقل عن الخوارزمي أنه توفي أول يوم منه قال وهو أقرب في القياس مما ذكره الطبرى عن ابن الكلبي وأبي مخنف (وكانت مدة مرضه) ثلاثة عشر يوما كما قاله الاكثرون وقيل أربعة عشر وقيل (اثني عشر) وقيل عشرة أيام (وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة) تقدم الكلام عليه في أول الوفاة (مثله) برفع اللام ونصبها (وحين أرادوا غسله) قالوا والله ما ندري أيجرد من الثياب كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقي الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل الا وذقنه في صدره فكلمهم مكلم من ناحية البيت الذى هو فيه اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه (فغسلوه في قميصه) يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه بالقميص دون أيديهم أخرجه أبو داود عن عائشة (الخضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين اسمه بليا بن ملكان على الصحيح كما سبق (وعراهم حينئذ) كما روى الحاكم في المستدرك عن أنس قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدقوا به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فخطى رقابهم فبكي ثم التفت الى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فقال ان في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا والى الله فارغبوا ونظره اليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجز فانصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل قال أبو بكر وعلى نعم هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طرق(2/124)
حينئذ فقال السلام عليكم يا أهل البيت ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فان المصاب من حرم الثواب*
[مطلب في ذكر من تولى غسله ودفنه وما كفن فيه]
وكان الذي تولى غسله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه والعباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولياه وحضرهم أوس بن خولي الأنصاري ونفضه علىّ حين الغسل فلم يخرج منه شيء ولا تغيرت له رائحة على طول المكث وكان غسله من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس كلها صحاح (عزاء) بالنصب اسم ان والعزاء لغة الصبر (وخلفا) بالمعجمة والفاء أي عوضا (ودركا) أى ثوابا مدروكا (فثقوا) أمر من الوثوق (فان المصاب) حقيقة (من حرم الثواب) الموعود على المصائب بترك الصبر الجميل واتباع دواعي الجزع بترك الانقياد والاستسلام لأمر الله (فائدة) روى الحاكم في المستدرك أيضا باسناد صحيح عن جابر بن عبد الله قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقالت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل فائت فبالله ثقوا واياه فارجوا فانما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفي الحديث الاول فضيلة لابي بكر وعلى رضى الله عنهما حيث عرفا الخضر دون غيرهما وفيه وفي الحديث الثاني ندب التعزية وذلك مجمع عليه فقد عزي النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بابن له توفي كما رواه الحاكم في المستدرك بسند حسن غريب وأبو بكر بن مردويه عن معاذ وروي الترمذي عن أبى بردة من عزي ثكلى كسي بردا في الجنة وروي أيضا وابن ماجه عن ابن مسعود من عزى مصابا فله مثل أجره وصفة التعزية ومن ينبغي تعزيته وما يحصل به مستوفاة في كتب الفقه (وكان الذي تولي غسله على) كان غاسلا حقيقة وكذا الفضل بن عباس (و) أما (العباس) وكان واقفا ثم كما أخرجه ابن ماجه وغيره (وقثم) بضم القاف وفتح المثلثة كان ربما ناب عن الفضل (واسامة بن زيد) كان يناول الماء كما أخرجه أبو داود وابن ماجه (وشقران) بالمعجمة والقاف بوزن عثمان كان ربما ناب عن اسامة في المناولة (أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو ثم مهملة (ابن خولى) بفتح المعجمة وسكون الواو وكسر اللام وتشديد التحتية (ونفضه على) كما رواه ابن اسحاق وغيره والنفض بالفاء والمعجمة وهو اخراج ما في البطن قال المطرزي ويكنى به عن الاستنجاء (من بئر لسعد بن خيثمة) كما رواه أحمد عن على قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على اذا أنامت فاغسلني من بئر غرس بسبع قرب لم تحلل أو كيتهن (يقال لها بئر الغرس) بفتح المعجمة وسكون الراء آخره مهملة هذا هو الصواب ويقال بضم العين أيضا وهي بئر بقباء شامي مسجد الفضيح الذي يقال له اليوم مسجد الشمس ينزل الى مائها بدر حنين شامي وغربي وعندها دكة يغسل أهل المدينة موتاهم عليها تأسيا به صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يأتيها ويشرب منها ويتوضأ وقد صب ماء وضوئه فيها وبصق فيها أيضا كما رواه أحمد وغيره وأخرج ابن سعد عن عمران بن(2/125)
وثبت في الصحيح أنه كفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وكان في حنوطه المسك وخبأ منه علي شيء لنفسه وخرج ابن ماجه باسناد جيد عن ابن عباس انهم لما فرغوا من جهاز النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سرير في بيته ثم دخل الناس ارسالا يصلون عليه حتى اذا فرغوا أدخلوا النساء حتى اذا فرغوا أدخلوا الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وفي سبب ذلك أقوال لا تحقيق فيها الا ان مثل هذا لا يكون الا عن توفيق والله أعلم* واختلف أصحابه في قبره فقال قوم يدفنه في البقيع الحكم مرسلا نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه (وثبت في) الحديث (الصحيح) في البخاري ومسلم وسنن أبي داود وغيرهما (في ثلاثة أثواب) زاد أبو داود بحراسة الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه ولابن سعد في الطبقات عن الشعبي ازار ورداء ولفافة (بيض) زاد البيهقي جدد (سحولية) بمهملتين أولاهما مضمومة وقيل مفتوحة كما هو الاشهر نسبة الى سحول بفتح السين وحكي ابن الاثير الضم أيضا قرية باليمن أو جمع سحل وهو الثوب الابيض النقى فيكون بالضم لا غير زاد في رواية في الصحيح من كرسف وهو بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة وهو القطن (ليس فيها) أي الثلاثة (قميص) ان قلت قد مر أن أبا داود قال وقميصه الذي مات فيه فالجواب انه حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لابن يزيد ابن أبى زياد أحد رواته مجمع على ضعفه سيما وقد خالف بروايته الثقاة قاله النووى رحمه الله وفي الحديث وجوب التكفين وهو اجماع وفيه ندب كون الكفن أبيض ففي الحديث الصحيح البسوا الثياب البيض فانها أظهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم رواه أحمد والترمذي والنسائى وابن ماجه والحاكم عن سمرة ومن القطن ويجوز غيره لكن في الحرير كما قال ابن المنذر وغيره يحرم للذكر كما قاله أصحابنا وفيه استحباب كون الاكفان ثلاثة للذكر وأن لا يزاد عليها كما قاله أصحابنا لظاهر قوله ليس فيها قميص ولا عمامة وتأول مالك وأبو حنفية الحديث على ان معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة وانما هما زائدان عليها ولا يخفي ضعف هذا التأويل سيما ولم يثبت انه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص ولا عمامة الا ما مضي من رواية أبى داود بما فيها (في حنوطه) بفتح المهملة وضم النون واهمال الطاء طيب مجموع قال الازهري يستعمل على الكافور والصندل الاحمر وذريرة القصب (المسك) بالضم اسم كان (وخبأ منه) بالمعجمة والموحدة والهمز أي سرا وانما فعل على ذلك تبركا (وخرج ابن ماجه) ومالك بلاغا (ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد) كما رواه البيهقي وغيره (وفي سبب ذلك أقوال) قال الشافعى لعظم تنافسهم في ان لا يتولى الامامة عليه أحد في الصلاة وقال غيره لعدم تعين امام يؤم القوم فلو تقدم واحد في الصلاة لصار مقدما في كل شيء وتعين للخلافة وقيل لعدم اتساع المكان للجماعة (قلت) أو لانه صلى الله عليه وسلم حي فجعلوا ذلك فرقا بين الصلاة على الحي والصلاة على الميت (عن توقيف) بتقديم القاف على الفاء أى بامر من الشارع صلى الله عليه وسلم بذلك ووصيته به وقد أخرج الوصية بذلك البزار من طريق قرة بن مسعود(2/126)
وقال آخرون في المسجد وقال قوم يحبس حتى يحمل الى أبيه ابراهيم فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي الا حيث يموت أخرجه ابن ماجه ومالك في الموطأ وغيرهما واختلفوا هل يلحد له أم لا وكان بالمدينة حافران أحدهما يلحد وهو أبو طلحة والآخر لا يلحد وهو أبو عبيدة فأرسلوا اليهما وقالوا اللهم اختر لنبيك واتفقوا على ان من جاء منهما أولا عمل عمله فجاء أبو طلحة ثم روي عنه صلى الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا فحفر له صلى الله عليه وسلم حول فراشه في بيت منزل عائشة ودخل قبره علي والعباس وابناه الفضل وقثم وشقران قيل وأدخلوا معه عبد الرحمن بن عوف وقيل ان أوس ابن خولي الانصاري ناشد عليا بالله كما ناشده عند الغسل فادخله معهم وفرش شقران في القبر الكريم قطيفة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها معه وقال والله لا يلبسها أحد بعدك وكان المغيرة بن شعبة يزعم انه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله وأخرجه الطبري أيضا (في المسجد) أي عند المنبر كما في رواية مالك (ما دفن نبى الا حيث يموت) فمن ثم دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها لانه مات فيها فائدة أخرج ابن سعد والبيهقى في الدلائل عن عائشة قالت رأيت في حجرتى ثلاثة أقمار فاتيت أبا بكر فقال ما أولها قلت أولها ولدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنا جميعا في بيتها (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس ورواه أحمد عن جرير وزاد من أهل الكتاب ففي الحديث تفضيل اللحد على الشق بشرطه وهو كون الارض صلبة واللحد بفتح اللام وضمها ان يحفر حائط القبر من أسفل مائلا عن استوائه قدر ما يوضع فيه الميت في جهة القبلة والشق بفتح الشين ان يحفر في وسط القبر كالنهر ويبني حافتاه بنحو لبن ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه بنحو اللبن (ودخل قبره على والعباس وابناه الفضل وقثم وشقران) كما رواه ابن حبان وصححه أو على والفضل (وعبد الرحمن بن عوف واسامة) ونزل معهم خامس كما رواه أبو داود أو على والعباس واسامة كما في رواية للبيهقي أو على والفضل (وقثم) بن عباس (وشقران) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل معهم خامس كما في أخرى للبيهقى أيضا (وقيل ان أوس بن خولي الانصاري ناشد عليا بالله كما ناشده حين الغسل فادخله معهم) ولعله الرجل المبهم في الروايتين (وفرش شقران في القبر) الكريم (قطيفة) حمراء كما أخرجه الترمذى والنسائي عن ابن عباس إلا ذكران الذى فرش شقران فرواه الترمذي عن محمد بن على بن الحسين ومع ذلك فقد قال أصحابنا يكره ان يوضع تحت الميت نحو فراش وأجابوا عن هذا الحديث بان فعل شقران لم يكن بعلم الصحابة ولا برضاهم هذا وقد قال ابن عبد البر ان القطيفة أخرجت(2/127)
عليه وسلم وذلك انه أسقط خاتما من يده في القبر فنزل يلتمسه وأنكر علي رضي الله عنه ذلك وقال أحدث الناس عهدا به قثم بن العباس وأطبق عليه صلى الله عليه وسلم تسع لبنات ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وقيل ليلة الأربعاء وذلك في شهر إيلول روي ابن اسحاق وغيره مسندا عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل فقيل لم أخر دفنه صلى الله عليه وسلم وقد كان ينهى عن ذلك قيل لعدم اتفاقهم على موته فقد قال فريق منهم انما أخذه ما كان يأخذه حال الوحي وسيفيق وقيل لاختلافهم في موضع قبره كما سبق وقيل لانهم اشتغلوا بما وقع بين المهاجرين والانصار من الخلاف وخشوا تفاقم الأمر فنظروا فيها حتى اتسق الأمر وانتظم الشمل واستقرت الخلافة في نصابها فبايع أبا بكر بعضهم ثم بايعوه من الغد على ملأ منهم ورضاء وكشف الله الكربة وطفئت نار الخلاف وهذا ما استحضرته من الاخبار المتلقية بالقبول في الابانة عن موت الرسول صلى الله عليه وسلم ومعظمها من الصحاح وقد لفق بعض جهلة القصاص في ذلك أخبارا ركيكة قدر كراسة وجاء فيها بما يعلم ببديهة العقل وضعه والله أعلم.
[فصل عن الدارمي في خبر الملائكة الذين حفوا بقبره صلى الله عليه وسلّم]
(فصل) خرج الدارمي أن كعبا دخل على عائشة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وسلم يضربون باجنحتهم ويصلون عليه حتى اذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى اذا انشقت الارض خرج في سبعين الفا من الملائكة يزفونه قبل اهالة التراب ولو سلم انها لم تخرج فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم كما نقله الدار قطنى عن وكيع (اسقط) بفتح الهمزة والقاف (وأطبق عليه صلى الله عليه وسلم بتسع لبنات) كما نقله ابن عبد البر وغيره (ودفن يوم الثلاثاء) كما رواه مالك بلاغا (ايلول) بفتح الهمزة وسكون التحتية وضم اللام من أشهر الروم (المساحي) بفتح الميم جمع مسحاة بكسرها سميت بذلك لانها يمسح بها الارض قال الجوهرى ولا يكون الا من حديد أي فهي أخص من المجرفة لانها ربما كانت من غيره (تفاقم الأمر) بتقديم الفاء على القاف أي اشتداده وامتداده في الشر وعدم جريانه على الاستوى (اتسق الامر) أى اجتمع (الشمل) بفتح المعجمة ما يجتمع من الانسان ويتفرق (نصابها) أي محلها اللائق بها (عن ملأ) أي جماعة (الابانة) مصدرا بان يبين وهي نقيض الاخفاء (لفق) أي جمع شيئا الى شيء (القصاص) جمع قاص بالمد وتشديد المهملة المخبر بالقصص
(فصل) (خرج الدارمي) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن منسوب الى دارم جد قبيلة قال المجد ذكره في باب ما أكرم الله به نبيه بعد موته عن نيشة بن وهب (يحفوا) أى يحدقوا ويحيطوا(2/128)
وفيه ايضا ان اهل المدينة قحطوا قحطا شديدا فشكوا الى عائشة فقالت انظروا قبر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا مطرا شديدا حتى نبت العشب واسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق.
[فصل في ميراثه صلى الله عليه وسلّم وأمواله]
(فصل) في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امواله من ثلاثة اوجه الصفي والهدية تهدي اليه في غير غزو وخمس خيبر وما افاء الله عليه بالمدينة وفدك روينا في صحيح البخاري عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا الا بغلته البيضاء وسلاحه وارضا جعلها صدقة ونحوه في صحيح مسلم عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء وفي المتفق عليه عنها ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر في ميراثهن فقالت عائشة أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث (قحطوا) بضم القاف وفتحها كما مر في الاستسقاء (كوي) بضم الكاف وتخفيف الواو مع القصر والتنوين جمع كوة (العشب) بضم المهملة وسكون المعجمة الرطب من الكلأ (تفتقت) أي تكسرت عكنها بعضها على بعض من السمن.
(فصل) في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصفي) بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية اسم لمكان يصطفيه أي يختاره صلى الله عليه وسلم من الغنيمة قبل القسمة فعيل بمعنى المفعول (والهدية تهدى اليه في غير غزو) منها حوائط سبعة في بنى النضير أوصى له بها مخيريق اليهودي عند اسلامه ومنها ما أعطاه الانصار من أرضهم وهو ما لا يبلغه الماء (وخمس خيبر) وكذا ما افتتح منها عنوة (وما أفاء الله على رسوله بالمدينة) كارض بني النضير حين أجلاهم (و) كذلك نصف أرض (فدك) التي صالح أهلها عليها بعد فتح الجهة وكذا ثلث وادي القرى أخذها صلحا وكذا الوطيح والسلالم من حصون خيبر (وروينا في صحيح البخارى) وسنن النسائى (ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى صهره وهو أخو ميمونة رضى الله عنها لم يخرج البخارى له سوى هذا الحديث قال ابن عبد البر وكانت وفاته بعد الخمسين قال الشمنى له ولابيه صحبة (ولا أمة) أخذ منه العلماء أخذ عتق المستولدة بموت المستولد وفي الحديث ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واجتبائه الفقر (ونحوه في صحيح مسلم) وسنن أبى داود والنسائى (وفي المتفق عليه عنها) كما أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي (لا نورث) بالنون يعنى نفسه(2/129)
ما خلفناه صدقة وروينا في كتاب الشمائل لأبي عيسي الترمذي وغيره عن أبي هريرة قال جاءت فاطمة الى أبي بكر فقالت من يرثك فقال أهلي وولدي فقالت مالى لا أرث أبى فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه وروينا في صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وروينا فيه أيضا عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد الاشطر شعير في رف لى فأكلت منه حتى طال علىّ فكلته ففنى وروينا في الصحيحين عن عائشة قالت كانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة وسائر الانبياء بدليل رواية النسائي انا معاشر الانبياء لا نورث (ما تركنا) موصول وصلته مبتدأ أى الذي نتركه بعد موتنا فهو (صدقة) بالرفع خبر ما تركنا وصحفه بعض الشيعة ويؤخذ من قوله صدقة زوال الملك عنه وهو المشهور من وجهين حكاهما الامام وصوب في الروضة الجزم به وقيل ان ما تركه باق على ملكه لان الانبياء احياء وصححه الامام* فائدة الحكمة في ان الانبياء لا يورثون انهم خزان الله والخازن لا يملك الا قوتا وغيرهم مرتزقون فمن اعطي رزقا ملكه فاذا مات الخازن لم ترثه ورثته واذا مات المرتزق ورثوه لان المرتزق أعطى ليتصرف تصرف المالك لمنافع نفسه والخازن أعطى ليصرفه في نوائب الخلق فاذا مات لم تخلفه ورثته لعدم قيامهم مقامه الا أن يكون الذي خلفه نبي فهو أمين الله بعده ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا خازن والله يعطي قاله الحكيم الترمذي ونقل النووي عن العلماء ان الحكمة في ذلك انه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوراثهم فيهلك الظان وينفر الناس عنهم (وروينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (لا تقسم ورثتى) هذا خبر لا نهى ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعد نفقة نسائى) قال الخطابى كان سفيان بن عيينة يقول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لانهن لا يجوز لهن النكاح أبدا فجرت عليهن النفقة وتركت حجرهن لهن وذلك أيضا لعظم حقهن في بيت المال لفضلهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين (ومؤنة عاملي) المراد به القائم على هذه الصدقات والناظر فيها وقيل المراد كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره لانه عامل النبي صلى الله عليه وسلم والنائب عنه في أمته (وروينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وغيرهما (شطر شعير) قال الترمذي الاشى من شعير وقيل هو نصف مكوك وقيل نصف وسق وقيل شطر وشطير كنصف ونصيف (في رف) بفتح الراء وتشديد الفاء وهو شبه الطاق قاله في الصحاح (فكلته ففني) أى فرغ والحكمة في ذلك ستر السر النبوي وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده صلى الله عليه وسلم سوى القرآن (وروينا في الصحيحين عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو داود والنسائي (كانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها) وذلك لان الحديث لم(2/130)
فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به الاعملت به انى أخشى ان تركت شيئا من أمره ان أزيغ فأما صدقته فدفعها عمر الى علىّ والعباس وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما الى من ولىّ الأمر قال فهما على ذلك الى اليوم* وروينا فيهما أيضا من رواية مالك بن أوس بن الحدثان ان عليا والعباس استأذنا على عمر وعنده عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص فقال العباس يا أمير المؤمنين اقضي بينى وبين هذا وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا عمر اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر تئدكم أنشدكم الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك قال يبلغها أو بلغها وتأولته كما نقله عياض عن بعضهم قال وفي ذلك تركت فاطمة منازعة أبى بكر بعد احتجاجه بالحديث عليها التسليم للاجماع على القضية وانها لما بلغها الحديث وتبين لها التأويل تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب وجاء في تتمة الحديث ان فاطمة هجرت أبا بكر فلم تكلمه حتى توفيت قال النووي المراد أنها لم تكلمه في هذا الامر أى لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت الى لقائه فتكلمه ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته (ان أزيغ) أى أميل عن الحق (قال فهما على ذلك الى اليوم) هذا من كلام الزهرى (ابن الحدثان) بفتح المهملتين (اقض بيني وبين هذا) زاد مسلم الكاذب ومعناه الكاذب ان لم ينصف قاله جماعة وقال المازري هذا اللفظ الذى وقع لا يليق ظاهره بالعباس وحاشي لعلي أن يكون فيه بعض هذه الاوصاف ولسنا نقطع بالعصمة الا للنبى صلى الله عليه وسلم أى لجميع الانبياء اسكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة ونفي كل رذيلة عنهم قال وقد حمل هذا بعض الناس على ان أزال هذا اللفظ من نسخته تورعا ولعله حمل الوهم على رواته قال واذا كان لا بد من أتيانه فاجود ما حمل عليه انه صدر من العباس على وجه الادلال على ابن أخيه لانه بمنزلة أبيه (تئدكم) بفتح التاء الفوقية وكسر التحتية المهموزة وفتح الدال من التؤدة وهي الرفق وللاصيلي في صحيح البخاري بكسر أوله وضم الدال اسم فعل كرويد أي على رسلكم ولمسلم إتئدا بكسر الهمزة والتحتية وفتح الفوقية أى أصبر أو امهل (هل يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الى آخره) هذا تقرير من عمر عليهما انهما يعلمان ذلك كغيرهما من الحاضرين وأن ذلك حديث مشهور سمعه منه صلى الله عليه وسلم كثيرون من الصحابة وانما سألا ذلك ومع علمهما بالحديث لما سيأتي انهما انما طلبا القيام عليه لا الارث الذي منعه الشارع صلى الله عليه وسلم(2/131)
عمر فانى أحدثكم عن هذا الأمر ان الله خص رسوله من هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ الى قوله قَدِيرٌ فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما اختارها دونكم ولا استأثرها عليكم قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقى منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته أنشدكم الله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم قال لعلي والعباس أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قال عمر ثم توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم انه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي ابو بكر فكنت انا ولى ابو بكر فقبضتها سنتين من امارتى أعمل فيها بما عمل رسول الله وبما عمل فيها ابو بكر والله يعلم اني لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم جئتمانى تكلمانى وكلمتكما واحدة وامركما واحد جئتني يا عباس تسئلنى نصيبك من ابن أخيك وجاءنى هذا يعنى عليا يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة فلما بدالى ان أدفعه اليكما قلت ان شئتما دفعتها اليكما ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها ابو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما ادفعها (والله ما أختارها) بمهملة وزاي وللكشميهنى في صحيح البخارى بمعجمة وراء (وبثها) بالموحدة فالمثلثة أى نشرها ثم قرأ (ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ الآية) قال عياض في معنى ذلك احتمالان أحدهما تحليل الغنيمة له ولامته الثاني تخصيصه بالفيء كله أو بعضه حسب اختلاف العلماء قال وهذا الثاني أظهر لاستشهاد عمر عليه بالآية (فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أى خاصة له (ينفق على أهله نفقة سنتهم) أي يعدل لهم نفقتها ثم نفقته قبل انقضاء السنة في وجوه الخير ولا يتم السنة فمن ثم توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في شعير استدانه لاهله قال البغوي وفيه جواز ادخار قوت سنة وجواز الادخار للعيال وان هذا لا يقدح في التوكل (مجعل مال الله) ولمسلم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله والكراع بضم الكاف الخيل (فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم فرأيتماه كاذبا غادرا خائنا وكذلك في عمر فرأيتماني كاذبا غادرا خائنا قال المازري المراد أنكما تعتقدان ان الواجب أن يفعل في هذه القصة خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر فنحن على مقتضى رأيكما لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه لكنا بهذه الاوصاف أو نكون معناه ان الامام انما يخالف اذا كان على هذه الاوصاف ومتهم في قضاياه فكأن مخالفتكما لنا تشعر من رأها أنكما تعتقدان ذلك فينا (بدالي) بغير همز أى ظهر (عهد الله وميثاقه) بفتحهما (وليتهما) بفتح الواو وتخفيف(2/132)
الينا فبذلك دفعتها اليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها اليهما بذلك فقال الرهط نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها اليكما بذلك قالا نعم قال افتلتمسان مني قضاء غير ذلك فو الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فان عجزتما عنها فادفعاها الى فانى أكفيكماها هذا لفظ البخاري فيها* فائدة قال ابو داود ما معناه انما سئل العباس وعلي من عمر ان يصيره بينهما نصفان وينفرد كل بنصيبه لأنهما جهلا الحكم فكره عمر أن يجري عليهما اسم القسم فيتوهم الملك قال الخطابى وما أحسن ما قاله ابو داود في هذا وما تأوله وقد زاد البرقانى من طريق معمر قال فغلب علي عليها فكانت بيده ثم بيد ابنه الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسين ثم زيد بن الحسن قال معمر ثم بيد عبد الله بن الحسن ثم وليها بنو العباس والله أعلم.
[فصل في رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في النوم]
(فصل) في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم روينا في صحيح البخاري ومسلم عن أبى هريرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول من رآنى في المنام فسيرانى في اليقظة اللام (وينفرد كل بنصيبه) يتفقان بها على حسب ما ينفعهما به الامام (لا أنهما جهلا الحكم) وهو كونه صلى الله عليه وسلم لا يورث (فكره عمر أن يجرى عليها اسم القسم فيتوهم الملك) أرى مع تطاول الزمان وأنهما ورثاه وقسمه الميراث بين البنت والعم نصفان فيلتبس ذلك ويظن أنه ملك بالارث قال أبو داود ولما صارت الخلافة لعلي لم يغيرها عن كونها صدقة وبنحو هذا احتج السفاح فانه لما خطب أول خطبة قام بها قام اليه رجل معلق في عنقه المصحف فقال أنا شدك الله ألا ما حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف فقال من هو خصمك فقال أبو بكر في منعه فدك قال أظلمك قال نعم قال فمن بعده قال عمر قال أظلمك قال نعم وقال في عثمان كذلك قال فعلي ظلمك فسكت الرجل فاغلظ له السفاح (البرقاني) بضم الموحدة وسكون الراء ثم قاف (ثم على بن الحسين) زين العابدين (ثم الحسن) المثني (بن الحسن) بن على (ثم زيد بن الحسن) المثني (ثم بيد عبد الله بن الحسن) المثنى
(فصل) في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم (روينا في صحيح البخاري ومسلم) وسنن أبى داود (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف قيل والمراد بهذا الحديث أهل عصره والمعنى من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفق للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة عيانا وقيل معناه انه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معناه سيراني في الدار الآخرة أى رؤية خاصة من القرب منه وحصول شفاعته وبحق ذلك مما يمتاز به عن رؤية جميع أمته له يومئذ ذكر هذه الاقوال النووي قال في الديباج وحمله ابن أبي جمرة وطائفة على انه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وأن ذلك كرامة من كرامات الاولياء ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مناما ثم رأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانو منها متخوفين فأرشدهم الى طريق تفريجها قال والحديث عام في أهل التوفيق وأما(2/133)
أو كأنما رآنى في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي وفي صحيح البخاري عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من رآنى في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بى ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وفيه أيضا عن ابى سعيد الخدرى انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من رآنى فقد رأى الحق فان الشيطان لا يتكونني وروينا في صحيح غيرهم فعلى الاحتمال فان خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الاملاء والاغواء كما تقع للصديق بطريق الكرامة والاكرام وانما تحصل التفرقة بينهما بالاتباع انتهي واستشكل الحافظ ابن حجر ما قاله ابن أبي جمرة بانه يلزم من ذلك كون هؤلاء صحابة وتبقى الصحابة الى يوم القيامة وان جمعا ممن رآه في المنام لم يروه في اليقظة وخبره لا يتخلف انتهى وأجيب عن الاول بمنع الملازمة اذ شرط الصحبة رؤيته صلى الله عليه وسلم وهو في عالم الدنيا لا في عالم البرزخ وعن الثانى بان الظاهر ان من لم يبلغ درجة الكرامة ومات من المؤمنين تحصل له رؤيته قرب موته عند طلوع روحه فلا يتخلف الحديث وقد وقع ذلك لجماعة قال في الديباج أما أصل رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة فقد نص على امكانها ووقوعها جماعة من الائمة منهم حجة الاسلام الغزالي والقاضى أبو بكر بن العربى والشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن أبي جمرة وابن الحاج واليافعي في آخرين (أو كانما رآني في اليقظة) أى للعلة الذى ذكرها وهو أن الشيطان لا يتمثل أى لا يتشبه به والمعني أن رؤيته صلى الله عليه وسلم حق قطعا ثم قال عياض ان هذا خاص برؤياه في صورته التى كان عليها والا كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة وضعفه النووي وقال بل الصحيح انه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري انتهي وأيده الحافظ ابن حجر بما أخرجه ابن أبى عاصم بسند ضعيف عن أبي هريرة مرفوعا من رآنى في المنام فقد رآني فانى في كل صورة قلت فلعله يحال ما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من خلاف صفته على ضبط النائم وعدم تكيفه كما ذكروه فيما لو رآه يأمر عن منهي أو ينهى عن مأمور في شريعته وربما كانت رؤياه له بحسب ثباته في دينه فمن كان ذادين كامل واتباع وافر رآه في صورته المعروفة بعين القلب السالمة من عوارض الغشاء ونحوه والا كانت رؤيته له بحسب ضعف نظره (فائدة) قال عياض اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى مناما وصحتها وان رآه على صفة لا تليق بجلاله من صفات الاجسام لان ذلك المريء غير ذات الله تعالى اذ لا يجوز عليه التجسيم ولا اختلاف الاحوال وقال ابن الباقلاني رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلوب وهي دلالات للرائى على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات (ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة) سبق الكلام عليه في بدأ الوحي (وفيه أيضا) أي في صحيح البخارى (عن أبي سعيد) وفي رواية له أخري عن أبي قتادة وقد رواه عن أبي قتادة أيضا أحمد والترمذى (فان الشيطان لا يتكونني) لا يكون على هيئتي وشكلى قال النووي قال بعض العلماء خص الله سبحانه النبى صلى الله عليه وسلم بان رؤيا الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان ان يتصور في خلقه لئلا يتدرع بالكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للانبياء بالمعجزة دليلا على صحة حالهم وكما استحال تصور الشيطان في صورته في اليقظة اذ لو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق(2/134)
مسلم عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رآنى في المنام فقد رآنى فانه لا ينبغى للشيطان ان يتمثل في صورتى وقال اذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام قال ابن الباقلانى معنى هذه الاحاديث ان رؤياه صلى الله عليه وسلم صحيحة ليست باضغاث بما جاء من جهة النبوة مخافة من هذا التصور فحماها الله من الشيطان ونزغه ووسوسته والقائه وكيده على الانبياء وكذا حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبي للشيء عن تمثل الشيطان بذلك لتصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا الى علم صحيح لا ريب فيه (وقال اذا حلم أحدكم الى آخره) رواه مسلم وابن ماجه عن جابر وحلم بفتح المهملة واللام والميم أي رأي رؤيا مكروهة (فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام) في رواية أخرى للشيخين وأبى داود والترمذي عن أبي قتادة الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فاذا رأي أحدكم شيأ يكرهه فلينفث حين يستيقظ عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها زاد في رواية وليصل ركعتين فانها لا تضره ولمسلم عن أبي قتادة أيضا الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأي رؤيا فكره منها شيأ فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فانها لا تضره ولا يحدث بها أحدا فان رأي حسنة فليسر ولا يحدث بها الا من يحب ففي مجموع هذه الاحاديث سنن ينبغي أن يعمل بها كلها فاذا رأي ما يكره نفث عن يساره ثلاثا قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها وليتحول الى جنبه الآخر وليصل ركعتين قال النووي فان اقتصر على بعضها أجزاه في دفع ضررها باذن الله كما صرحت به الاحاديث الصحيحة ولا يحدث بها أحدا لانه ربما عبرها عبرا مكروها على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى وأما قوله في الرؤيا الحسنة ولا يخبر بها الا من يحب فسببه كما قال النووى وغيره انه اذا أخبر بها من لا يحب قد يحمله البغض والحسد على عبرها بمكروه فقد يقع كذلك والا فيحصل له النكد والحزن من سوء عبرها (فائدة) قال الامام المازري مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا ان الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فاذا خلق هذه الاعتقادات فكانه جعلها علما على أمور اخر فحققها في ثاني الحال لو كان قد خلقها فاذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فاكثر ما فيه انه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيه فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما خلق الله تعالى الغيم علما علي المطر والجميع خلق الله تعالي ولكن خلق الرؤيا التى جعلها علما علي غير ما يسر بغير حضرة الشيطان وما هو علم على ما تضر بحضرته فنسبت الى الشيطان مجازا لحضوره عندها وان كان لا فعل له حقيقة انتهي قال النووى وقال غير المازري أضاف الرؤيا المختارة الى الله تشريفا بخلاف المكروهة وان كانتا جميعا من خلق الله تعالي وتدبيره وارادته ولا فعل للشيطان فيها انتهى وروى الطبراني في الكبير والضياء عن عبادة بن الصامت مرفوعا رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام ورواه في نوادر الاصول عن عبادة أيضا لكن بسند ضعيف (قال ابن الباقلانى) كما نقله عنه النووى في شرح(2/135)
أحلام ولا من تشبهات الشيطان وقيل المراد ان من رآه فقد ادركه حقيقة فلا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله فيضطر الى صرفه عن ظاهره قالوا وقد نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف صفته أو في مكانين معا وذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية فالادراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها وانما يشترط كونه موجودا ولا يقيم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث الصحيحة ما يقتضي بقاءه مع جميع الأنبياء وورد أيضا أنهم يصلون في قبورهم وتجري لهم أعمال البر كحياتهم وزاد أيضا أن سعيد بن المسيب في أيام الحرة حين هجر المسجد النبوي كان لا يعرف وقت الصلاة الا بهمهمة كان يسمعها من داخل الحجرة المقدسة ولا يبعد أن يكون ذلك خاصا لهم ولمن شاء الله من خواص عباده والله أعلم* قال العلماء ولو رأى صلى الله عليه وسلم يأمر أو ينهى بخلاف ما تقرر في شرعه ورواه عنه الاثبات الثقات يقظة لم يعمل به وليس ذلك لشك في الرؤيا وانما هو لانحطاط درجة النائم عن حالة الضبط والتيقظ المشترط في رواية الحديث والله أعلم
مسلم (ولا من تشبيهات الشيطان) لقوله فقد رأي الحق أى الرؤية الحقيقية قال وان كان قد يراه الرائى بخلاف صفته المعروفة كما يراه أبيض اللحية وقد يراه الشخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل واحد منهما في مكانه (وقيل المراد من رآه الى آخره) نقل ذلك الماذرى عن جماعة (والعقل لا يحيله) أي لا يجعله مستحيلا لا يتصور (فيضطر) بالنصب جواب النفي (تحديق الابصار) أي النظر بالحدقتين (بل جاء في الاحاديث الصحيحة ما يقتضي بقاء من جميع الانبياء) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أوس بن أوس ولفظهم ان من أفضل أيامكم يوم الجمعة فاكثروا علي من الصلاة فان صلاتكم معروضة على قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت قال ان الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء (وورد انهم يصلون في قبورهم) رواه أبو يعلى عن أنس (وورد أيضا ان سعيد بن المسيب في أيام الحرة الى آخره) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (بهمهمة) أى صوت (ان يكون ذلك خاصا لهم) مستثني من عموم حديث اذا مات العبد انقطع عمله (ولمن شاء الله من خواص عباده) كرامة لهم فقد حكى ان بعض أهل الكشف اطلع على الشيخ الولى الكبير محمد بن أبي بكر الحكمي أحد العشرة المشار اليهم في رؤيا الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي وهو يصلى في(2/136)
[الباب الخامس في ذكر بنيه صلى الله عليه وسلّم وأزواجه وأعمامه وعمّاته إلى آخره]
(الباب الخامس) في ذكر بنيه صلى الله عليه وسلم وبناته وازواجه وأعمامه وعماته ومرضعاته وأخواته من الرضاعة واخوته وذكر مواليه وخدمه من الاحرار ومن كان يحرسه ورسله الى الملوك وكتّابه ورفقائه العشرة النجباء وأصحابه النقباء وأهل الفتوى في حياته: وفيه فصول حسبما تضمن من التراجم.
[فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم]
(الفصل الاول في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم) وكان له من الولد القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وهو الطيب والطاهر وقيل اسمه الطيب فقط والطاهر آخر وابراهيم والبنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وهلك البنون قبل النبوة الا ابراهيم وماتوا وهم يرضعون وقيل بلغ القاسم ان يركب على الدابة ويسير على النجيبة. وأما البنات فأدركن الاسلام وهاجرن وتوفين بالمدينة وأكبر بنيه صلى الله عليه وسلم القاسم ثم الطيب ثم الطاهر ثم ابراهيم وأكبر بناته زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وفيه خلاف واسع والله أعلم وكل أولاده من خديجة الا ابراهيم فانه من مستولدته مارية القبطية وكلهم مات قبله الا فاطمة فانها عاشت بعده ستة أشهر لم تفتر فيها ضاحكة وكانت زينب تحت أبى العاص بن الربيع العبشمي وهو ابن خالتها وفرق الاسلام بينهما فلما أسلم أبو العاص ردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول وهذا موضع تنازع بين العلماء في كيفية رده صلى الله عليه وسلم لزينب على أبى العاص بن الربيع لان تلاحقهما قبره فقال له الى الآن تصلى فقال أو قد آمنت* الباب الخامس- (وذكر مواليه) بالكسر (ورسله) بالكسر أيضا فيه وفيما بعده* ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم (كان له من الولد الى آخره) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أولاد ذكور أربعة من خديجة عبد الله وهو أكبرهم والطاهر وقيل هو عبد الله فهم ثلاثة والطيب والقاسم وابراهيم من مارية وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة أخرجه رزين (وتوفين بالمدينة) ودفن كلهن بالبقيع كما مر (وأكبر بنيه القاسم) هذا خلاف ما أخرجه رزين عن ابن عباس انه عبد الله (الا ابراهيم) بالنصب (لم تفتر) بالفاء وتشديد الراء أى لم تتبسم (وهو ابن خالتها) هالة بنت خويلد (العبشمى) نسبة الى بني عبد شمس كما مر (لان تلاحقهما(2/137)
في الاسلام كان بعد انقضاء العدة وزمن طويل قدر ست سنين والصحيح انه ردها عليه بنكاح جديد وتأولوا الحديث الوارد في ردها عليه بالنكاح الأول ان معناه على مثله والله أعلم وولدت زينب من أبى العاص أمامة وعلى وكان علىّ بن أبى طالب تزوج أمامة بعد موت خالتها فاطمة وكانت رقية وأم كلثوم تحت عتبة وعتيبة ابني أبى لهب فطلقاهما في خبر يطول ذكره وتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة وماتا عنده وتزوج البتول فاطمة الوصى على ابن أبى طالب رضى الله عنهما فنشر منهما الخير الكثير ولا يعلم للنبى ذرية الا من جهتهما وقد ذكرت أولادهم وتنزيل بطونهم في كتابى الرياض المستطابة في جملة من روي في الصحيحين من الصحابة.
في الاسلام (كان بعد انقضاء العدة) والنكاح ينفسخ بانقضائها أى يتبين به الانفساخ من يوم اختلاف الدين قال ابن شهاب لم يبلغنا ان امرأة هاجرت الى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا ان يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضى عدتها وانه لم يبلغنا ان امرأة فرق بينها وبين زوجها اذا قدم وهي في عدتها (والصحيح انه ردها عليه بنكاح جديد) قال المحققون لا حاجة الى هذا التأويل لان النكاح يومئذ لم يكن موقوفا على انقضاء العدة لان هذا الحكم انما شرع بانه تحريم المسلمات على المشركين بعد صلح الحديبية فلما نزلت الآية توقف نكاح زينب على انقضاء عدتها من حين نزول الآية فلم يلبث أبو العاص بعد ذلك الايسيرا حتى جاء مسلما قبل انقضاء العدة من حين نزول الآية وان كان بين اسلامها وهجرتها ست سنين (امامة) بضم الهمزة وهي التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة (وعليا) وهو الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه ونفسه تقعقع كأنها في شنة (وكان على بن أبي طالب تزوج امامة بعد موت خالتها فاطمة) بوصية من فاطمة رضى الله عنها وتزوجت بعد على المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بوصيته من على (عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية ثم موحدة (وعتيبة) بالفوقية والموحدة مصغر واختلف في الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يسلط الله عليه كلبا من كلابه هل هو عتبة أو عتيبة والمشهور انه عتيبة وأما عتبة فاسلم هو وأخوه معتب يوم الفتح ولم يهاجرا من مكة وعلى الاول بنى عياض كلامه في الشفاء (البتول) بفتح الموحدة وضم الفوقية سميت بذلك لتبتلها وانقطاعها عن النساء بالفضيلة وتسمى الزهراء أيضا وسبب تسميتها بذلك انها لم تحض أخرجه الغساني والخطابي بلفظ ابنتى فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث (فنشر) بالنون والمعجمة (منهما الخير الكثير) كان أولاد على من فاطمة ثلاثة ذكور حسن وحسين ومحسن وبنتين زينب وأم كلثوم وكلهم أعقبوا ما عدا محسنا وكانت زينب تحت عبد الله بن جعفر وأم كلثوم زوجها على من عمر رضى الله عنهما كما أخرجه رزين عن ابن عباس وأمهرها عمر أربعين ألف دينار وذكر ابن المعلى ان عمر(2/138)
[فصل في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ذكر كثير منهم متفرقا في حوادث السنين ونذكرهم هنا جملة وبالله التوفيق* أولهن وأولاهن بالذكر خديجة بنت خويلد الأسدية وأمها فاطمة بنت زائدة العامرية تزوجها وهي بكر عتيق بن عايذ المخزومى فولدت له جارية ثم هلك عنها فتزوجها بعده أبو هالة النباش ابن زرارة التميمى فولدت له ابنا وبنتا ثم هلك عنها فتزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت عنده في التاريخ المتقدم ولم يتزوج عليها حتى ماتت ومذهب المحققين انها أفضل من عائشة وان فاطمة أفضل من الجميع* ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة بنت زمعة العامرية وكانت قبله تحت السكران بن عمر والغامري أخى سهيل بن عمرو وانفردت بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موت خطبها الى على فقال هي صغيرة فقال عمر أريدها فارسل اليه بها وقال قد زوجته ان قبل فلما أقبلت اليه رفع طرف ثوبها فقالت أرسل الثوب فلولا انك أمير المؤمنين للطمت وجهك قال وكانت وفاتها هى وابنها زيد بن عمر في يوم واحد وكانت ولادتها في حياته صلى الله عليه وسلم (تنبيه) في تزويج سيدنا عمر اياها مع كونها صغيرة اشكال من حيث ان الاب لا يزوج الصغيرة جبرا الا بكفوء وسيدنا عمر وان كان أفضل منها بل ومن أبيها فليس كفؤ لها من حيث النسب والجواب انهما كانا يريان صحة النكاح ثم تخير بعد البلوغ كما ذهب اليه كثير من العلماء وهي لما بلغت لم تخير الفسخ أو كانا يريان صحة التزويج مطلقا بحسب اجتهادهما
(فصل) في ذكر أزواجه (بنت زائدة) بالزاي والتحتية (عتيق بن عايذ) بالتحتية والمعجمة بن عمران بن مخزوم (المخزومي) أخو عمرو بن عائذ أبي فاطمة أم عبد الله والد النبى صلى الله عليه وسلم (فولدت له جارية) اسمها هند قاله الزبير بن بكار وولدت له ذكرا يسمي عبد مناف بن عتيق قاله ابن أبي خيثمة (أبو هالة) قال السهيلى اسمه هند بن زرارة بن النباش ولقبه النباش بالنون والموحدة المشددة والشين المعجمة أيضا (النباش) اسمه هند قال السهيلي مات بالطاعون طاعون البصرة وقد مات ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها فصاحت نادبته واهبل بن هنداه واربيب رسول الله فلم يبق جنازة الا تركت وحملت جنازته على أطراف الاصابع ذكره الدولابي (و) ولدت له أيضا بنتا قال السهيلي اسمها هالة وولدت له أيضا ابنا آخر اسمه الطاهر لم يذكره المصنف (ومذهب المحققين انها أفضل من عائشة) استدل له أبو بكر بن أبي داود بان خديجة جاءها السلام من ربها وعائشة من جبريل (وأن فاطمة أفضل من الجميع) لحديث فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبنى رواه البخاري عن المسور وروى أحمد والحاكم عنه فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها وينشطني ما ينشطها وأن الانساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى ونسبتى وصهرى وقد مر حديث أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة (سودة بنت زمعه) بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حسان ابن عامر بن لوئ (السكران) بفتح المهملة وسكون الكاف وهو أحد الذين ماتوا على القبلة الاولى بمكة كما(2/139)
خديجة ثلاثة أعوام ولما أحست ان النبي صلى الله عليه وسلم رغب عنها وأراد طلاقها وهبت نوبتها من القسم لعائشة تبتغي بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم والبقاء في عصمة نكاحه فكانت احدى التسع التى مات عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت في خلافة عمر وقيل ماتت سنة خمس وخمسين وهو الصحيح* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم عبد الله عائشة بنت أبى بكر التيمية وكان عقد بها قبل الهجرة وهى بنت ست سنين وقيل سبع ودخل بها المدينة وهى ابنة تسع سنين ودفع أبو بكر في صداقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة أوقية ونشا وتوفي صلى الله عليه وسلم عنها وهى ابنة ثمانية عشرة سنة وكانت أحظى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده ولم يتزوج بكرا غيرها وعنها قالت تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمى فأدخلتني الدار فاذا نسوة من الانصار في البيت فقلن لى على الخير والبركة وعلى خير طائر فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى رواه البخاري توفيت بالمدينة سبق (وهبت نوبتها) كما رواه الشيخان وغيرهما (من القسم) بفتح القاف وسكون المهملة مصدر (لعائشة) زاد المحب الطبري وقالت لا رغبة لى في الرجال وانما أريد أن أحشر في أزواجك (تبتغي بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (وهي بنت ست سنين وقيل بنت سبع) هما روايتان في الحديث والاولى أكثر قال النووي الجمع بينهما انه كان لها ست وكسر فاقتصرت في رواية على الست وعدت الكسر في الاخرى وفي الحديث جواز تزويج الاب الصغيرة بشرطه والجد كالاب عندنا (وهي بنت تسع) أخذ أحمد وأبو عبيد بظاهره فقالا يجبر الولى علي تسليم بنت تسع سنين دون من دونها وذلك عندنا كمالك وأبي حنيفة منوط باقامة الجماع وذلك مختلف باختلاف النساء ولا ينضبط بسن قال الداوودي وكانت عائشة يومئذ قد شبت شبابا حسنا (اثنتى عشر أوقية ونشا) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن عائشة وفيه أنها قالت للسائل أتدرى ما النش قال قلت لا قالت نصف أوقية وهو بفتح النون وتشديد المعجمة ومقدار ذلك خمسمائة درهم لان الاوقية اربعون درهم قال العلماء يستحب أن لا يزاد علي هذا القدر وأن لا ينقص من عشرة دراهم وما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا عندنا لما روى الطبراني ولو قضيبا من اراك وقدره أبو ثور وأبو حنيفة ومالك بنصاب السرقة وهو عند أبي ثور خمسة وعند أبي حنيفة عشرة وعند مالك ثلاثة (احظى) باهمال الحاء واعجام الظاء أى أرفع منزلة (فاتتني أمى) أم رومان زاد في رواية في الصحيح واني لفي أرجوحة ومعى صواحب لى فاتيتها لا أدري ما تريد مني فاخذت بيدى فأوقفتنى علي باب الدار (فاذا نسوة من الانصار في البيت فقلن علي الخير والبركة وعلى خير طائر) فأسلمتنى اليهن فأصلحن من شأنى (فلم يرعنى الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحي) فأسلمتنى اليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين (رواه البخارى) ومسلم وأبو داود والنسائي وفي هذا الحديث ندب الدخول(2/140)
سنة ثمان وخمسين عن خمس وستين سنة ودفنت في البقيع ليلا وصلى عليها أبو هريرة قيل انها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ولا يصح ذلك وانما كناها النبي صلى الله عليه وسلم بابن أختها عبد الله بن الزبير كما رواه أبو داود وكانت قد تبنته ودعاها أما والله أعلم* وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى البدري توفي عنها بالمدينة وقد سبق ان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فأمره جبريل بمراجعتها توفيت سنة خمس وأربعين وقيل توفيت حين بويع لمعاوية وذلك سنة احدى وأربعين وصلى عليها مروان ونزل في قبرها أخواها عبد الله وعاصم وابن أخيها سالم* وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة رملة بنت ابى سفيان الاموية وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش الاسدي وهاجرت معه الى الحبشة وتنصر هناك وأتم لها الله هجرتها وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحبشة وأصدقها عنه النجاشى قيل كان المتولى نكاحها عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص وكانا من عشيرتها وقيل النجاشى وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص في النكاح لا تختص لغيره ثم جدد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها ثانيا من في شوال فان ذلك في الصحيحين وغيرهما وكذا التزويج لانه صلى الله عليه وسلم تزوجها في شوال وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل من الزوجين وفيه يستحب تنظيف العروس وزينتها لزوجها واجتماع النساء لذلك وفيه جواز الزفاف نهارا وفيه جواز اللعب باللعب المسمي بالبنات ففي رواية زفت اليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها وأما الارجوحة وهي بضم الهمزة أحسبه يلعب عليها يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب وينزل آخر ومعنى قولها لم يرعني بالراء أي لم يفاجأني ويأتيني بغتة الا هذا (توفيت بالمدينة سنة ثمان وخمسين) وقيل سنة ست وخمسين (قيل أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا) فسمي عبد الله وكنيت به كما خرج ابن الاعرابي في ذلك حديثا مرفوعا ولا يصح ذلك الحديث قال السهيلى لانه يدور على داود بن المحبر وهو ضعيف (خنيس) باعجام الخاء واهمال السين وبالنون مصغر (وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها) كما رواه أبو داود والنسائى عن عمر (فأمره جبريل أن يراجعها) كما في تفسير البغوى فراجعها قال المحب الطبري ولما بلغ عمر طلاقها حثي على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد هذا (توفيت سنة احدى وأربعين) وقيل سنة خمس وأربعين وقيل غير ذلك (رملة) بفتح الراء وسكون الميم (وأصدقها عنه النجاشى) أربعمائة دينار كما مر (ثم جدد النبى صلى الله عليه وسلم نكاحها) أخذ ذلك من ظاهر سؤال أبي سفيان ذلك كما في صحيح مسلم قال(2/141)
ابيها أبى سفيان تطييبا لقلبه والله أعلم توفيت أم حبيبة بالمدينة سنة أربع وأربعين* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند ابنة ابى امية بن المغيرة المخزومية وكانت قبله تحت ابى سلمة عبد الله ابن عبد الاسد المخزومي وولدت له عمر وسلمة وزينب ودرة وتوفي عنها بالمدينة وثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرنى في مصيبتي واخلف لى خيرا منها الا أخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبى سلمة أول بيت هاجر الى الله ثم انى قلتها فأخلف الله لى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبني له فقلت ان لى بنتا واني غيور فقال اما ابنتها فتدعو الله ان يغنيها عنها وادعو الله ان يذهب بالغيرة عنها وتوفيت ام سلمة بالمدينة سنة اثنين وستين وقيل سنة تسع وخمسين ودفنت بالبقيع وتزوج* صلى الله عليه النووي ولم ينقل وقد مضي الكلام على ذلك في محله (وتزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة) قال ابن اسحاق وأصدقها محبسه وهي الرحبى وذكر مع «1» الرجى أشياء لا تعرف قيمتها منها خفيه وفراش وأخرج البزار من حديث أنس أصدقها متاعا قيمته عشرة دراهم قال ويروى أربعون درهما (درة) بضم المهملة وتشديد الراء وصحف من أعجم الذال (فيقول ما أمره الله) فيه دليل على أن المندوب مأمور به لانه صلى الله عليه وسلم سماه مأمورا به والا أنها يقتضى ندبه (اللهم أجرنى) بالقصر على المشهور وحكى صاحب الافعال المد أيضا أى اعطنى أجر صبري على هم المصيبة (واخلف لى) بقطع الهمزة وكسر اللام اي رد على يقال اخلف لمن ذهب له ما يتوقع حصول مثله وخلف بغير الف لما لا يتوقع مثله كأب (وأنا غيور) بفتح المعجة ويقال في المرأة غيرى أيضا (أن يذهب بالغيرة) يقال ذهب الله بالشيء قال تعالي ذهب الله بنورهم وأذهبه والغيرة بفتح المعجمة الانفة (ودفنت بالبقيع) وهى آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا (فائدة) أخرج النسائي عنها قالت لما انقضت عدتي بعث الىّ أبو بكر يخطبني فلم أتزوجه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه فقالت أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انى امرأة غيرى واني مصبية وليس أحد من أوليائي شاهد فذكر ذلك له فقال ارجع اليها فقل لها أما غيرتك فسأدعو الله تعالى أن يذهبها عنك وأما صبيتك فستكفين أمرهم وأما أولياؤك فليس أحد منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه واستدل بهذا الحديث الأئمة الثلاثة والمزني على ان الابن يزوج أمه بالبنوة وأجاب عنه أصحابنا بان عمر كان صغيرا يومئذ لانه ولد بارض الحبشة للسنة الثانية من الهجرة وزواج النبى صلى الله عليه وسلم بامه كان في الرابعة ولو صح انه زوجها وانه كان بالغا فانما ذلك ببنوة العم فانه ابن ابن عم ابنها مع أن نكاحه صلى الله عليه وسلم لا يفتقر الى
__________
(1) كذ في الاصل وكذا عند قوله والا انها يقتضى ندبه(2/142)
وسلم زينب بنت جحش الاسدية وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وكان لزواجها الشأن العظيم والخطب الجسيم وقد سبق ذكر ذلك توفيت بالمدينة سنة عشرين* وتزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية المصطلقية وكان اسمها برة فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جويرية وكانت قبله عند مسافع بن صفوان الخزاعى وكانت حين سبيت وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فأدى عنها وتزوجها وذلك سنة ست من الهجرة توفيت بالمدينة في ربيع الأول سنة خمس أوست وخمسين** وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حي بن أحطب النضرية وأمها برة بنت سموال أخت رفاعة بن سموال وهي من سبط لاوي بن يعقوب ثم من ولد هرون بن عمران أخي موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم عليهما وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت كنانة بن أبي الحقيق فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر واصطفاها لنفسه وأعتقها وتزوجها وقد تنوزع في كيفية زواجها توفيت سنة ست وثلاثين وقيل سنة خمس وثلاثين* وتزوج صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت قبله تحت أبى رهم العامري وهي خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في عمرة القضاء بسرف ودخل بها فيه وماتت ودفنت فيه سنة احدى وخمسين فهؤلاء غير خديجة جملة من مات عنهن النبي صلى الله عليه وسلم* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم المساكين زينب بنت خزيمة الهلالية وأقامت عنده شهرين أو ثلاثة وماتت معه وكانت قبله تحت عبد الله ولي وأجاب ابن الجوزي بانها أرادت عمر بن الخطاب فظن بعض الرواة أنها أرادت ابنها (أميمة) بالتصغير (توفيت بالمدينة سنة عشرين) في خلافة عمر رضى الله عنه (جويرية بنت الحارث) قال ابن اسحاق أسلم الحارث وأسلم ابناه وهما الحارث وعمرو بن الحارث (وكان اسمها برة) كما كان اسم زينب أيضا وهو بفتح الموحدة وتشديد الراء (وسماها جويرية) تفاديا من التزكية في برة (مسافع) بضم الميم واهمال السين والعين وكسر الفاء (توفيت بالمدينة سنة خمس أوست وخمسين) أو سنة خمسين أقوال أصحها الثالث (بنت سموال) بكسر المهملة بوزن غربال (لاوى بن يعقوب) بكسر الواو وتخفيف التحتية (تحت كنانة بن أبي الحقيق) وكانت قبل كنانة تحت سلام بن مشكم (توفيت سنة ست وثلاثين) وقيل سنة خمسين في امارة معاوية وهذا هو الصحيح (تحت ابى رهم) بضم الراء وسكون الهاء (سنة احدى وخمسين) على الصحيح وقيل سنة تسع(2/143)
ابن جحش وقيل الطفيل بن الحارث* وتزوج صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك ولما نزلت آية التخيير فارقها وكانت ممن اختارت الدنيا ثم ندمت فلم يحل لها الرجوع اليها: قيل وتزوج صلى الله عليه وسلم اساف أو شراف بنت خليفة أخت دحية بن خليفة ولم تقم عنده الا يسيرا حتى توفيت وقيل هلكت قبل أن يدخل بها* وذكر في أزواجه صلى الله عليه وسلم عالية بنت ظبيان وطلقها حين أدخلت عليه* وذكر في أزواجه خولة وقيل خويلة بنت حكيم يقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل الواهبة أم شريك ويجوز أن يكونا معا* وذكر فيهن بنت الصلت وماتت قبل أن يدخل بها* وتزوج امرأة من بنى غفار فلما نزعت ثيابها رأى بها بياضا فقال الحقى بأهلك واتفقوا على نكاح الجونية ثبت في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليها قال هبي نفسك لى قالت وهل تهب الملكة نفسها لسوقة فأهوى بيده ليضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال عذت بمعاذ وثلاثين (أساف) كاسم الصنم (أو شراف) بفتح المعجمة وتخفيف الراء آخره فاء (عالية) بالمهملة والتحتية (بنت ظبيان) بفتح المعجمة وضمها وتقديم الموحدة على التحتية (وطلقها حين أدخلت عليه) لانه رأي بكشحها بياضا أي بجنبها كذا قال ابن باطيس أنها هي وسيأتي الخلاف فيها (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (وقيل خويلة) بالتصغير (وقيل الواهبة) ميمونة بنت الحارث وقيل زينب امرأة من الانصار وقيل (أم شريك) بنت دودان ويقال بنت جابر وأخرج ذلك النسائي عن عائشة وأم شريك بفتح المعجمة وكسر الراء اسمها غزية وقيل غزيلة (بنت الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام ثم فوقية (وتزوج امرأة من بنى غفار) قال الحاكم اسمها أسماء بنت النعمان الغفارية (رأى بها) أى بكشحها (بياضا) أي برصا فردها على أهلها (فقال الحقي باهلك) وقال لاهلها دلستم علىّ رواه أبو نعيم في الطب والبيهقي والحاكم باسناد ضعيف ففي ذلك ثبوت الخيار في النكاح بالبرص وان قل قال أصحابنا ولم يذكر الشافعي هذا الحديث لانه ضعيف وبتقدير صحته فيحتمل انه ردها بطلاق لافسخ وانما ذكر بسند صحيح الى عثمان ايما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص الى آخره (علي نكاح الجونية) اسمها أسماء وقيل عميرة وقيل أميمة بنت النعمان وقيل بنت يزيد وقيل بنت كعب بن الجون بن شراحيل وقيل ابن الاسود بن الحارث بن شراحيل بن النعمان من كندة (ثبت في صحيح البخاري) وسنن النسائي عن عائشة (وهل تهب الملكة نفسها لسوقة) بضم المهملة وسكون الواو بعدها قاف يقال ذلك للواحد من رعية والجمع سموا سوقة لان الملك يسوقهم قال ابن المنير وهذا من بقية ما كان من عزهم في الجاهلية يسمون من ليس بملك سوقة وقيل إنها لم تعرفه (فأهوى بيده) اى امال بها (فقال قد عذت) أي استعذت (بمعاذ) بفتح الميم اسم لما يستعاذ به وفي رواية أخرى في الصحيح لقد عذت بعظيم ألحقى باهلك وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم انه يجب عليه مفارقة من كرهت(2/144)
ثم قال صلى الله عليه وسلم يا أبا أسيد أكسها رازقتين وألحقها بأهلها قيل وكان قولها ذلك على تعليم زواجه قلن لها انه يحب ذلك* وخطب صلى الله عليه وسلم امرأة فقال أبوها ازيدك انها لم تمرض يصفها بذلك فتركها* وخطب امرأة الى أبيها فقال ان بها برص ولم يكن بها وجع فرجع فاذا هى برصاء (وذكر ابن هشام) وغيره تبعا لابن اسحاق ان جملة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة زوجة ست قرشيات وسبع عربيات واسرائيلية وذكر ابن سعد في شرف النبوة ان جملتهن احدى وعشرون واتفقوا على انه صلى الله عليه وسلم دخل باحدى عشرة مات ثنتان قبله وتوفي عن تسع وكان يقسم لثمان وكان أكثر صداق عقد به صلى الله عليه وسلم لنفسه وبناته خمسمائة درهم فهى سنة فينبغى تحريها والوقوف عليها والارتسام بها والله أعلم
[فصل في ذكر الأعمام والعمات]
(فصل) في ذكر الأعمام والعمات: ولم يذكر أحد له صلى الله عليه وسلم خالة ولا خالات ولا اخوة وكان عمومته صلى الله عليه وسلم أحد عشر ذكر وست نسوة (أولاهم بالذكر) أولا أسد الله وأسد رسوله وأخوه من الرضاعة أبو يعلي وقيل أبو عمارة حمزة بن المقام عنده (يا أبا أسيد) بالتصغير واسم أبي أسيد مالك بن ربيعة (أكسها) بضم الهمزة والسين (رازقتين) برا فزاي فقاف والرازقية نياب بيض طوال من الكتان يكون في لونها زرقة في هذا الحديث وجوب المتعة للمفارقة قبل الدخول كما قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الى قوله فَمَتِّعُوهُنَّ وفيه جواز كونها من غير النقد وجواز التوكيل في ادائها (وألحقها) بفتح الهمزة وكسر الحاء (أزبدك) في وصفها (فتركها) زاد المحب الطبري وقال ما لهذه عند الله من خير (فاذا هى برصاء) بالمد (مات ثنتان قبله) وهما خديجة وزينب بنت خزيمة (وتوفي عن تسع) وهي عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومية وجويرية بنت الحارث وميمونة بنت الحارث وسودة بنت زمعة وصفية بنت حي وقد نظمتهم فقلت
توفي خير الخلق عن تسع نسوة ... فخذ عدهن نظما واصغ له السمعا
فناة أبي بكر وحفصة زينب ... ورملة هند ثم ميمونة تدعا
جويرية مع سودة وصفية ... كملن بهذا النظم يا سائلي تسعا
وكان يقسم لثمان وهن ما عدا سودة وقع في مسلم ما عدا صفية وهو وهم بالاتفاق (تحريها) بالمهملة وتشديد الراء أى قصرها (والارتسام بها) أي الاحتباس عندها لا تتجاوزها.
(فصل) في ذكر الاعمام والعمات (أسد الله وأسد رسوله) سماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الديلمى في مسند الفردوس عن ابن عباس (وأخوه من الرضاعة) من ثويبة ومن حليمة أيضا فقد أخرج ابن سعد عن ابن عباس وأم سلمة حمزة بن عبد المطلب أخي من الرضاعة (أبو عمارة) بضم العين شهد مع(2/145)
عبد المطلب أسلم قديما وعز الاسلام باسلامه وشهد بدرا وأبلى فيها واستشهد بأحد ولم يخلف الا ابنة واحدة ذكر ذلك المحب الطبري ولا يصح ذلك فقد ذكر مصعب الزبيرى ان ابنه يعلى الذى كنى به أعقب خمسة من البنين ثم انقرضوا وذكر غيره ان له ابنة اسمها عمارة كنى بها أيضا وجرى ذكرها في العتق في سنن الدار قطنى ولها قصة وابنته أمامة وهى التى جرى ذكرها في عمرة القضاء وتنازع فيها على وجعفر وزيد وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم الا تتزوج بنتا الحمزة والله أعلم (ثانيهم) أبو الفضل العباس كان اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين أسلم يوم بدر وقيل لم يتعين وقت اسلامه لانه كان من أول أمره مسددا مقاربا شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وشهد له العقد مع الانصار ولما أسلم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له مقامك بمكة خير لك فكان عونا للمستضعفين من المسلمين وكان يكتب الى النبى صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين ثم لقى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا في سفر الفتح فرجع معه فشهد معه الفتح وحنينا وابلى فيها وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعظمه ويبجله وكذلك الخلفاء بعده مات سنة اثنين وثلاثين في خلافة عمر بعد ان كف بصره وكان له من الولد عشرة بنين وثلاث بنات وعد من الصحابة منهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد ولا يعلم بنو أم تباعدت قبورهم كبني العباس فقبر الفضل باليرموك من أرض الشام وعبد الله بالطائف وعبيد الله بالمدينة وقثم بسمرقند ومعبد بأفريقية رضى الله عنهم أجميعن (ثالثهم أبو طالب) واسمه عبد مناف وهو أخو عبد الله ابى النبي صلى الله عليه وسلم لامه أمهم وأم عاتكة فاطمة بنت عمرو المخزومية وله من الولد أبو طالب وعقيل وجعفر وعلىّ كلهم صحابيون الا طالبا اختطفته الجن فذهب ولم يعلم باسلامه قيل ومن العجائب ان بين كل واحد منهم وبين أخيه في السن عشر سنين وكان له من البنات النبى صلى الله عليه وسلم العقبة وهو على دين قومه كما مر (ومات) بالمدينة الشريفة ليلة الجمعة لثنتى عشر خلت من ربيع الاول (سنة اثنين وثلاثين) أو أربع وثلاثين عن ثمان وثمانين سنة (في خلافة عثمان) وكان هو الذي صلى عليه (وكان له من الولد عشرة بنين) وقد سبق ذكرهم (باليرموك) بالتحتية (بافريقية) بكسر الهمزة والراء والقاف وسكون الفاء وتشديد التحتية (عاتكة) بالمهملة والفوقية اختلف في اسلامها(2/146)
أم هانئ واسمها فاختة وقيل هند وذكر من بناته أيضا جمانة والله أعلم* رابعهم الحارث وهو أكبرهم في السن وانما قدمت حمزة والعباس عليه لشرف الاسلام وقدمت أبا طالب لشرف كفالة النبي صلى الله عليه وسلم ولا مزية لبقيتهم ومن ولد الحارث أبو سفيان أسلم في سفر الفتح وحسن اسلامه وعاد يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان كان يهجوه ولم يكن له عقب ونوفل بن الحارث أسلم أيام الخندق وهاجر وله عقب وعبد شمس بن الحارث وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله عقبه بالشام* خامسهم قثم بن عبد المطلب مات صغيرا وهو أخو الحارث لامه* سادسهم الزبير وكان من أشرف قريش وهو الذي سعي في حلف الفضول وابنه عبد الله بن الزبير شهد حنينا وثبت يومئذ واستشهد بأجنادين وجد الى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتل ومن ولده ضباعة بنت الزبير صحابية وأم الحكم لها صحبة ورواية* سابعهم عبد الكعبة* ثامنهم الغيداق سمى بذلك لسخائه وجوده* تاسعهم حجل واسمه المغيرة* عاشرهم ضرار أخو العباس لأمه* الحادي عشر أبو لهب واسمه عبد العزى كنى بأبى لهب لحسن وجهه وكان من أسوأ أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حالا فيه وكفاه من الذم ما ورد في حقه في التنزيل وفي صحيح البخاري انه أريه بعض أهله بشر هيئة أي حال فقال (أم هاني) اسمها فاختة وقيل هند تزوجها هبيرة ابن أبي وهب بن عايذ بن عمرو بن مخزوم فولدت له جعدة وهانئا وماتت في زمن معاوية (جمانة) بضم الجيم وتخفيف الميم (أبو سفيان) اسمه المغيرة على الصحيح كما مر ابن الحارث بن عبد المطلب سبق ذكره عند ذكر اسلامه وقيل قال النبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة رواه الحاكم بسند صحيح عن عروة مرسلا (ونوفل) بفتح النون والفاء بينهما واو ساكنة (قثم) بضم المقاف وفتح المثلثة (الزبير) وهو شقيق عبد الله وأبي طالب كما مر (باجنادين) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها نون فألف فمهملة مفتوحة ومكسورة موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر رضى الله عنه (ضباعة) بضم المعجمة بعدها موحدة واهمال العين هى التى قال لها النبى صلى الله عليه وسلم احرمي وأشترطى وقولى اللهم محلي حيث حبستنى (وأم الحكم) بفتح الحاء والكاف اسمها كنيتها (الغيداق) بفتح المعجمة وسكون التحتية بعدها مهملة (سمى بذلك لسخائه وجوده) مأخوذ من الماء الغدق وهو الكثير ويسمى كريم الخلق غيداقا قاله في القاموس (حجل) بمهملة مفتوحة فجيم ساكنة كذا في القاموس وضبطه ابن عبد البر بتقديم الجيم وصححه ابن الاثير (واسمه المغيرة) ولقب جحلا بتقديم الجيم لحسنه وعظمه (ضرار) بكسر المعجمة (أخو العباس لامه) واسمها نتيلة بالنون والفوقية مصغر بنت حباب النمرية قيل وهى أول اعرابية كست الكعبة الحرير وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت ان وجدته أن تكسوها (ان أريه بعض أهله) هو العباس كما مر (هيئة) بفتح المهملة وكسرها وتقديم التحتية على الهمزة(2/147)
لم ألق بعدكم خيرا لكني شفيت في هذه يعني نقرة الابهام بعتقى ثويبة وقد سبق ذكر ذلك مبينا عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ومن أولاد أبى لهب عتبة ومعتب ثبتا مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين ودرة صحابية أيضا وأما عتيبة فقتلته الأسد بالزوراء من أرض الشام على كفره بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما العمات فست أولهن صفية أم الزبير وهى أخت حمزة لامه أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة في خلافة عمر ثانيتهم عاتكة اختلف في اسلامها وهى صاحبة الرؤيا في يوم بدر وكانت عند أبى أمية المخزومي فولدت له أم المؤمنين أم سلمة وعبد الله وله صحبة وزهيرا وقريبة الكبرى. ثالثتهم أروى وكانت تحت عمير بن وهب العبدرى فولدت له طليب بن عمير وكان من المهاجرين الأولين شهد بدرا واستشهد بأجنادين ولا ولد له. رابعتهم أميمة كانت تحت جحش بن رباب فولدت له زينب أم المؤمنين وعبد الله واستشهد بأحد ودفن مع خاله الحمزة وأبا أحمد الأعمى الشاعر وأم حبيبة وحمنة كلهم لهم صحبة وعبيد الله أسلم ثم تنصر بالحبشة ومات بها. خامستهم برة وكانت عند عبد الاشهل بن هلال المخزومي فولدت له أبا سلمة زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم. سادستهم أم حكيم واسمها البيضاء وهى تؤمة عبد الله أبى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عند كريز بن ربيعة العبشمى فولدت له أروى بنت كريز أم عثمان ابن عفان.
(درة) بضم المهملة وتشديد الراء (بالزوراء) بتقديم الزاى على الراء وبالمد (بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم) قال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وقد مر الخلاف فيه هل هو عتبة أو عتيبة (أخت حمزة لامه) وهي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة (ابي أمية المخزومى) اسمه حذيفة كما مر مرات (وعبد الله) الذى أسلم هو وأبو سفيان بن الحارث في غزوة الفتح (وزهيرا) عده ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وكان من المؤلفة وهو أحد الخمسة المتمالئين على نقض الصحيفة كما مر (وقريبة) بالقاف والموحدة مصغر (أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو والقصر (عمير بن وهب) بالتصغير بن عبد مناف بن عبد الدار (طليب) باهمال الطاء مصغر (وأبا أحمد) قال ابن عبد البر اسمه عبد بن جحش (وأم حبيبة بنت جحش) لا يعرف اسمها (وحمنة) بفتح المهملة والنون بينهما ميم ساكنة (برة) بفتح الموحدة والراء المشددة (عبد الاسد) بالمهملة وقيل بالمعجمة كما مر (أم حكيم) بفتح الحاء وكسر الكاف (اسمها البيضاء) بالمد سميت بذلك لفرط جمالها (كريز) بتقديم الراء على الزاى مصغر (ابن ربيعة) بن عبد شمس وهو أخو عتبة وشيبة ابنا ربيعة (أروي) تقدم ضبطها قريبا (أم عثمان بن عفان) وأم الوليد وخالد وعمارة وأم كلثوم بنى عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس.(2/148)
[فصل في مرضعاته وأخواته من الرضاعة]
(فصل) في مرضعاته وأخواته من الرضاعة أرضعته أولا ثويبة مولاة أبى لهب فكان اخوته منها عمه حمزة وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وعبد الله بن جحش وابنها مسروح وهو صاحب اللبن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك لثويبة ويصلها من المدينة ولما افتتح مكة سأل عنها وعن ابنها مسروح فأخبر أنهما ماتا فسأل عن قرابتها فلم يجد أحدا منهم حيا وسبق قريبا ما حصل لأبى لهب بعتقه ثويبة ثم أرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية وكان بنوها اخوته وهم عبد الله والشيماء وأنيسة بنو الحارث بن عبد العزى أسلموا كلهم وبسبب هذا الرضاع أعتق صلى الله عليه وسلم سبي هوازن وكانوا ستة آلاف وذكر أهل السير ان حليمة ردته الى أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين وشهر ثم لم تره بعدها الا مرتين احداهما بعد تزويجه لخديجة جاءته تشكو اليه جدب بلادهم فاستوهب لها من خديجة عشرين رأسا من الغنم وبكران والثانية يوم حنين وذكر بعضهم في اخوته من حليمة ابن عمه أبا سفيان بن الحارث والله أعلم.
(فصل) في ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء أما الذكور فأحد وثلاثون. أولهم زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وكان من سبى العرب فاشتراه حكيم ابن جزيمة لعمته خديجة ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه وتبناه فكان يدعى زيد ابن محمد وفيه نزل قوله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ وثبت له منقبة لم تثبت لغيره من الصحابة وهي انه ذكر في القرآن العظيم باسمه العلم فقال تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وقد سبقت الاشارة الى ذلك مع ما ثبت له في الاسلام من المشاهد الجميلة الجليلة وختم الله له بالشهادة فاستشهد بمؤتة سنة ثمان رضي الله عنه. ثم ابنه اسامة بن زيد حبّ رسول الله (فصل) في مرضعاته (وابنها مسروح) بالمهملة أو بالجيم كما مر (وأنيسة) بالنون وبالتحتية والمهملة مصغر وبقي من مرضعاته خمس بعد أمه ذكرتهم أول الكتاب عند ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم.
(فصل) في ذكر مواليه (الكلبي) سبق ذكر نسبه في بدء الوحي (زيد بن محمد) بالفتح (فلما قضي زيد منها) أى من زينب وقد تقدم ذكر زيد وترجمته وفائدة تتضمن كرامة له في أول الكتاب (حب رسول الله)(2/149)
صلى الله عليه وسلم وابن حبه وابن أمه وابن أمته الخليق للامارة ابن الخليق لها توفي اسامة بوادي القرى وحمل الى المدينة سنة أربع وخمسين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة. ثم ثوبان بن بجدد قيل انه من حمير أصابه سبأ في الجاهلية فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولازمه حتى توفي وبعده انتقل الى الشام وتوفي سنة خمس وأربعين وقيل سنة أربع وخمسين. ثم أبو كبشة وكان من مولدى مكة وقيل أرض «1» دوس اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه وشهد بدرا توفي أول يوم استخلف عمر. ثم أنيسة من مولدى السراة اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه. ثم شقران واسمه صالح قيل ورثه من أبيه وقيل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف وأعتقه. ورباح اسود نوبى اشتراه من وفد عبد القيس وأعتقه. ثم يسار توفي أيضا أصابه في بعض الغزوات وهو الذى قتله العرنيون ومثلوا به وحمل الى المدينة ميتا. ثم أبو رافع القبطى واسمه أسلم وقيل ابراهيم وهبه العباس للنبى صلى الله عليه وسلم فأعتقه حين بشره باسلام العباس وزوجه مولاته سلمى فولدت له عبيد الله كاتب على توفي ابو رافع بعد عثمان وحديثه مع أبى لهب في خبر يوم بدر وانتصار أم الفضل له مشهور والله أعلم. أبو مويهبة من مولدى مزينة اشتراه صلى الله عليه وسلم وأعتقه. فضالة نزل الشام ومات بها. رافع كان لسعيد بن العاص فورثه ولده فأعتقه بعضهم بكسر الحاء أي محبوبة (وابن أمه) الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لانه كان يقول أم أيمن أمى بعد أمي كما رواه ابن عساكر عن سلمان بن أبي سلخ مفصلا (الخليق) بالمعجمة والقاف الحقيق وزنا ومعنى (توفي أسامة) بالمدينة أو (بوادي القري) أو بالجرف (وحمل الى المدينة) أقوال وكانت وفاته (سنة أربع وخمسين) أو سنة أربعين بعيد على قولان وقال ابن عمر عجلوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس كما نقله ابن عبد البر وغيره (وله عشرون سنة) وقيل دون ذلك ثم ثوبان بفتح المثلثة والموحدة بينهما واو ساكنة وآخره نون (ابن بجدد) بموحدة مضمومة فجيم ساكنة فمهملة مكررة الاولى منهما مضمومة مصروف (ولازمه) حضرا وسفرا (انتقل الى الشام) فنزل الرملة ثم انتقل الى حمص فابتنى بها دارا (أبو كبشة) بفتح الكاف والمعجمة بينهما موحدة ساكنة لا يعرف اسمه (ثم أنيسة) بالنون والتحتية والمهملة مصغر (السراة) بفتح المهملة والراء آخره هاء مثقلة موضع بنجد اليمن (شقران) بضم المعجمة وسكون القاف كما مر (رباح) بفتح الراء والموحدة (نوبي) بضم النون وكسر الموحدة وتشديد التحتية (يسار) بتحتية فمهملة مفتوحتين (ومثلوا به) بالتخفيف والتشديد قال المحب الطبرى قطعوا يديه ورجليه وغرزوا في عينيه الشوك (أبو رافع اسمه أسلم) بوزن أحمد (وقيل ابراهيم) وقيل ثابت وقيل هرمز (سلمى) بفتح السين كما مر (أبو مويهبة) بالموحدة مصغر لا يعرف اسمه (فضالة) بفتح الفاء والمعجمة
__________
(1) كذا في الاصل.(2/150)
وتمسك بعضهم فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم ما أدى قيمته فكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مدعم وهبه له رفاعة بن زيد الجزامي فقتل بوادى القرى وهو الذى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ان الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا. كركرة وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وكان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي فأعتقه. زيد جد هلال بن يساف ابن زيد. عبيدة. طهمان. مأبور القبطى من هدايا المقوقس وكان خصيا وهو ابن عم مارية أم ابراهيم. واقد أبو واقد. هشام بن ضميرة كان من الفيء فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. عسيب واسمه أحمر. أبو عبيد. سفينة واسمه مهران وكنيته أبو أحمد لقب سفينة لانه حمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأسفار قيل وعبر بها بعض الانهار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انما أنت سفينة قال فلو حمل على بعدها وقر سبعة أبعرة ما ثقل علي الا ان تحفو وجرى له مع الأسد معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك انه ركب سفينة فانكسرت قال فركبت لوحا منها فطرحنى الى الساحل فلقيني الأسد فقلت يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فطأطأ رأسه وجعل يرفعني بجنبه حتى (مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين (وهبه له رفاعة بن زيد الخزامي) وهو أحد بني الضبيب بضم المعجمة وفتح الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم موحدة كما في الصحيحين وغيرهما (فقيل بوادي القرى) عند انصرافهم من خيبر رمي بسهم وهو يحل رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيه حتفه فقال الناس هنيئا له الشهادة يا رسول الله (وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم) جوابا لما قالوا كلا والذي نفس محمد بيده (ان الشملة التى غلها) بخيبر لم تصبها المقاسم (لتشتعل عليه نارا) كذا في الموطأ انه مدعم وفي صحيح البخاري في رواية انه مدغم وفي أخرى انه كركرة وفي هذا الحديث تغليظ حرمة الغلول وانه ينفي عن الشهيد اسم الشهادة بالنسبة الي الآخرة وفيه ان الشهادة لا تكفر تبعات الخلق وهو كذلك كما جاء في الحديث الصحيح الا الذين كذلك قال لي جبريل (كركرة) بكسر الكاف الثانية مع كسر الاولى وفتحها (هوذة) بفتح الهاء والمعجمة بينهما واو ساكنة (ابن على الحنفي) صاحب اليمامة (ابن يساف) بفتح التحتية والمهملة آخره فاء وربما ابدلوا أوله بهمزة مكسورة (عبيدة) بالتصغير (طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء (مأبور) بالموحدة (واقد) بالقاف (أبو واقد) كذلك أيضا (حنين) بالتصغير (عسيب) على لفظ عسيب النخل (سفينة) على لفظ السفينة المعروفة (واسمه مهران) بكسر الميم وقيل بجران بالموحدة المضمومة وسكون الجيم (الا ان تحفو) أي تعظم حفيه (وجري له مع الاسد معجزة) ذكرها عياض في الشفاء بصيغة تمريض فقال ومن هذا الباب ما روى من تسخير الاسد سفينة (فطرحنى الى الساحل) وفي الشفاء فخرج الي جزيرة (يرفعنى) بضم(2/151)
أوقفني على الطريق وهمهم وظننت انه يودعني وكان سفينة من مولدى العرب وقيل من أبناء فارس اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وقيل أعتقته ام سلمة وشرطت عليه خدمة النبي صلى الله عليه وسلم مات سفينة مع جابر بعد سبعين من الهجرة ذكر البخارى في التاريخ انه بقى الى زمن الحجاج وفيه نظر. ابو هند ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية واعتقه وهو الذى قال في حقه زوجوا ابا هند وتزوجوا اليه. انجشه حادى القوارير.
انسة وكان حبشيا فصيحا شهد بدرا وما بعدها واعتقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومات في خلافة ابى بكر. ابو لبابة كان لبعض عماته فوهبته له فأعتقه. رويفع سباه من هوازن فأعتقته هؤلاء من ذكر المحب الطبرى وفي بعضهم تجوز وقد زدنا في تراجم بعضهم ونقصنا من بعضهم والله أعلم: وأما الاماء فسبع احداهن سلمى أم رافع وسلمى هي قابلة فاطمة وابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم ولد أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. بركة أم أيمن وهي أم اسامة بن زيد ورثها من أبيه فحضنته بعد وفات أمه فلما كبر صلى الله عليه وسلم أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة وكانت قبله عند عبيدة الحبشي فولدت له أيمن الذى كنيت به وله في الاسلام مشاهد جميلة وهو الذى قال فيه حسان يوم خيبر معتذرا حين تغيب عن أوله وفتح الراء وكسر الفاء المشددة (وهمهم) أى صوت علي هيئة المتنحنح (وظننت انه يودعني) في رواية في الشفاء ان هذه القضية وقعت له اذ وجهه النبي صلى الله عليه وسلم الى معاذ باليمن في ذهابه وفي منصرفه أيضا (وشرطت عليه خدمة النبى صلى الله عليه وسلم) زاد المصنف في الرياض عشر سنين (أبو هند) بكسر الهاء وسكون النون (أنجشة) بفتح الهمزة والجيم والمعجمة وسكون النون بوزن علقمة كان حبشيا يكنى أبا مارية (حادى القوارير) الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم رويدك بالقوارير وفي رواية لمسلم لا تكسر بالقواير وظاهر كلامه ان المراد بالقوارير في الحديث الابل وهذا ضعيف والصواب ان المراد بالقوارير النساء شبههن بقوارير الزجاج في ضعفها واسراع الانكسار اليها ومقصود الحديث الرفق في السير لان الابل تسرع في المشي عند سماع الحداء مستلذة به فيخاف منها ازعاج الراكب واتعابه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لان النساء يضعفن عن شدة الحركة ويخاف ضررهن وقيل كان انجشة حسن الصوت وكان يحدو وينشد شيأ من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن صلى الله عليه وسلم تعنيهن بحسن صوته ويقع في قلوبهن حداؤه فامره بالكف عن ذلك ومن أمثالهم الغثاء رقية الزنا وهذا ما قال عياض انه أشبه بمقصوده صلى الله عليه وسلم وبمقتضي اللفظ وجزم به الهروى وصاحب التحرير في الآخرين (أنسة) بفتح الهمزة والنون والمهملة بوزن حسنة (أبو لبابة) بضم اللام وتكرير الموحدة (رويفع) بالراء والفاء والعين المهملة مصغر (عبيد الحبشى)(2/152)
خيبر وعيرته أمه فقال:
على حين ان قالت لا يمن أمه ... جبنت ولم تشهد فوارس خيبر
وأيمن لم تجبن ولكن ممهرة ... أضرّ به شرب المديد المخمر
ولام أيمن مناقب جليلة منها انها حضنت النبى صلى الله عليه وسلم ونشأ في حجرها وكان يقول أم أيمن أمي بعد أمى وهاجرت على قدميها من مكة الى المدينة منفردة في حر شديد وعطشت فسمعت خفيقا فوق رأسها فالتفتت فاذا دلو قد أدليت اليها من السماء فشربت منها فلم تظمأ أبدا وكان لها على النبى صلى الله عليه وسلم بسطة وادلال كثير وكان يزورها الى بيتها وكذلك أصحابه بعده وكانت أول أهله لحوقا به بعد فاطمة ولم يحصل لامامة وابنه الحظوة من النبي صلى الله عليه وسلم الا بسببها ومناقبها كثيرة شهيرة وكان أصلها من سبي الحبشة أصحاب الفيل والله أعلم* مارية القبطية من هدايا المقوقس وهي أم ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ست عشر في خلافة عمر* ريحانة بنت عمر والقرظية اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم من سبي بنى قريظة* ميمونة بنت سعد* خضرة* رضوى
بالتصغير (جبنت) بفتح الجيم وتثليث الموحدة أى ضعف قلبك وعلاك الخورك (مهرة) هو الفتى من الخيل (المديد) بفتح الميم وكسر المهملة وسكون التحتية (المخمر) بالمعجمة والمديد ما يحسن من الحنطة أي وغيرها من الحبوب ثم يبل ويترك حتى يخمر ثم يسقى الخيل (خفيقا) باعجام الخاء وتقديم الفاء على القاف أى صوتا (فاذا دلو قد أدليت اليها من السماء) ذكر ذلك الواقدى وغيره من أهل السير وفيه اثبات كرامات الاولياء وقد روي مثل قصتها عن أم شريك الرومية انها عطشت في سفر فلم تجد ماء الا عند يهودى وأبا أن يسقيها الا أن تدين بدينه فأبت الا أن تموت عطشا فدليت اليها دلو من السماء فشربت ثم رفعت الدلو وهى تنظر ذكر قصتها ابن اسحاق في السيرة من غير رواية ابن هشام (فلم تظمأ أبدا) قال السهيلي وكانت تتعمد الصوم في حراره القيظ لتظمأ فلا تظمأ ولا ينافي ذلك ما رواه ابن جريج عنها أنها قامت ذات ليلة وهى عطشا فشربت بوله صلى الله عليه وسلم وهي لا تعلم اذ لعل ذلك كان بمكة قبل الهجرة (وادلال) بكسر الهمزة وسكون المهملة أي اجترأ (وكان يزورها الى بيتها) قضاء لما عليه لها من حق التربيه (وكانت) أم أيمن (أول أهله) بالنصب خبر كانت (وأبيه) زيد (خضره) بفتح المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة مكسورة (رضوي) بتثليث الراء والضم أشهر وسكون المعجمة وفتح الواو(2/153)
[فصل في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم وهم أحد عشر أولهم أولاهم بالذكر أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجى أهدته أمه أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم فقبله وخدمه من حين قدم المدينة الى أن توفي. روي عنه قال خدمته تسع سنين فما قال لى لشيء فعلته يا أنس لم فعلته وقالت أمه أم سلمة يا رسول الله خادمك أنس فادع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته قال فانى لمن أكثر الانصار مالا وحدثتني أمينة ابنتي انه قال دفن لصلبي الى مقدم الحجاج خمس وعشرون وماية سوى ولد ولدي وان نخلى لتثمر في العام مرتين وعمر كثيرا وكان له وجه عند الخلفاء وغيرهم بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جرى له مع الحجاج واقعة تضمنت منقبة لعبد الملك بن مروان وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر وتوفي بالبصرة سنة تسعين وقيل احدى وتسعين وقيل ثلاث وتسعين وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين* هند وأسماء ابنا حارثة الأسلميان* ربيعة بن كعب الاسلمى (فصل) في ذكر خدمه من الاحرار (روى عنه قال خدمته تسع سنين) في أكثر الروايات في الصحيحين وغيرهما عشر سنين وكلتا الروايتين صحيح لانه خدمه تسع سنين وأشهرا ففي رواية التسع العي الكسر وفي رواية العشر حسب الكسر سنة (فما قال لى لشيء فعلته الى آخره) فيه بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته وحلمه (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) في الحديث فضيلة لانس رضى الله عنه وفيه جواز الدعاء بالدنيا ونحوها لكن لمن لا يخاف عليه منها فتنة ومنه اذا دعى بشيء له تعلق بالدنيا يضم الى دعائه طلب البركة فيه ليكون رحمة وخيرا ونفعا لا ضرر فيه دنيوى ولا أخروي (أمينة) بالنون مصغر (الى مقدم الحجاج) البصرة وكان مقدم الحجاج سنة خمس وسبعين (خمس وعشرون ومائة) في رواية البخارى عشرون ومائة هذا وقد ولد له بعد مقدم الحجاج أولاد كثيرة وكان من أكثر الناس أولادا لصلبه ومثله المهلب بن أبي صفرة فانه وقع الى الارض من صلبه ثلاثمائة ولد قاله ابن قتيبة وقال ابن خلكان ان المعمر بن ادريس خلف مائة ذكر وستين انثي (وان نخلي لتثمر في العام مرتين) زاد الترمذي وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك (وعمر كثيرا) كان عمره مائة سنة وثلاث سنين أو وعشر سنين أو وسبع سنين أو بضعا وتسعين سنة أقوال قال ابن عبد البر وأصح ما فيه ان عمره مائة سنة الا سنة (حتى جرى له مع الحجاج واقعة) وذلك انه ختم في عنقه بالحديد أراد ان يذله بذلك (تضمنت منقبة لعبد الملك بن مروان) حيث كتب الى الحجاج يأمره بفك أنس ويذكره انه كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان (وقيل ثلاث وتسعين) وهو الصحيح كما قاله خليفة بن خياط وغيره وقال مورق العجلي يوم موته ذهب اليوم نصف العلم كان أهل الاهواء اذا خالفونا في الحديث قلنا لهم هلم الى من سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم (ابنا حارثة) بالمهملة والمثلثة (ربيعة بن كعب الاسلمى) هو الذى سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته(2/154)
كان من أصحاب الصفة توفي سنة ثلاث وستين* عبد الله بن مسعود الهذلى وكان صاحب نعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام ألبسه اياهما واذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم وكذلك كان يخبأله سواكه حتى يحتاجه وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعرى قال قدمت أنا وأخى من اليمن فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه الا من أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم من كثرة دخوله ودخول أمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات عبد الله بالكوفة وقيل بالمدينة سنة ثلاثين عن بضع وستين سنة عقبة بن عامر الجهني كان صاحب نعل النبى صلى الله عليه وسلم يراعيه ويقود به في الأسفار وتنبل بذلك فيما بعد فصار من سادة الصحابة أميرا شريفا ولى مصر لمعاوية ومات بها سنة ثمان وخمسين بلال بن رباح ويقال له أيضا ابن حمامة وهى أمه اشتراه أبو بكر حين كان يعذب في الله وأعتقه فخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازمه حضرا وسفرا وتولى الأذان وهو أول من أذن في الاسلام في الجنة فقال أعنى على نفسك بكثرة السجود (كان من أصحاب الصفة) زاد في الرياض ولزم النبي صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا روى عنه قال كنت أتيت على باب النبى صلى الله عليه وسلم وأعطيه الوضوء فاسمعه الهون من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه الهون من الليل يقول الحمد لله رب العالمين (توفي سنة ثلاث وستين) بعد الحرة (وكان صاحب نعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي صحيح البخاري أليس فيكم صاحب النعلين والوسادة أو قال والسواد بكسر المهملة أي السوار والمطهرة (وفي الصحيحين) وسنن الترمذى (أنا وأخي) سبق ذكر اخوته عند ذكر مجيئهم (فمكنا حينا) أي قطعة من الزمان (ما نرى) بالضم أي ما يظن (ابن مسعود وأمه) اسمها أم عبد بنت عبدود هذلية أيضا (ولزومهم له) فيه جمع الاثنين وهو جائز بالاتفاق قال فقد صغت قلوبكما بل الاثنان أقل الجمع عند طائفة من أهل اللغة لكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة وعليه فجمع الاثنين مجاز وكان قصيرا جدا كما مر وركب يوما شجرة فضحك الصحابة من حموشة ساقيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لساقه في الميزان أثقل من أحد (سنة ثلاثين) أو اثنين وثلاثين أو ثلاثة وثلاثين سنة أقوال (عن بضع وستين سنة) ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان أو الزبير أو عمار أقوالا وخلف تسعين ألف دينار ما عدا المواشى والرقيق (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن عامر) بن عبس (الجهنى) القضاعي (وتنبل) بفوقية فنون فموحدة أى صار تنبلا أي عظيما قال الذهبى فيه صحابى كبير أمير شريف فصيح مقري فرضى شاعر ولي غزو البحر وقال ابن حجر اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد (ولى مصر) لمعاوية سنة أربع وأربعين وكان قبل ذلك بدمشق (ابن رباح) بن خلف الجمحي بفتح الراء والموحدة (ابن حمامة) على لفظ الحمامة الطائر المعروف ووقع في الصحاح بن حمام وهو وهم (اشتراه أبو بكر) من أمية بن خلف الجمحي بخمس أواق(2/155)
وكان المؤذنون سواه ابن أم مكتوم وأبا مخدورة قال عمر أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب الى الشام للجهاد وقدم مرة المدينة زائرا فطلبوا منه ان يؤذن لهم فأذن ولم يتم أذانه فلم ير باكيا أكثر من ذلك اليوم مات بدمشق سنة عشرين عن أربع وستين سنة سعد مولى أبى بكر ذو مخمر ويقال ذو مخبر ابن اخى النجاشى وقيل ابن اخته بكير بن شداخ الليثي أبو ذر الغفارى سيد الصحابة وأصدقهم بلفظ المصطفي اسلم رضي الله عنه قديما وقصة اسلامه مشهورة في الصحيح ثم رجع الى بلده فأقام بها حتى مضت الخندق وما قبلها ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمه حتى توفي سيره عثمان الى الربذة ومات بها سنة اثنين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود رضى الله عنهم
أو ببردة وعشر أواق أو بغلام اسمه بسطاس وكان كافرا أقوال (ابن أم مكتوم وأبا مخدورة) وسعيد القرط كما سبق (قال عمر) هنا لنفسه وتواضعا (أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا) يعني بلالا رواه البخارى عن جابر قال في التوشيح السيادة لا تقتضى الافضلية فقد قال ابن عمر ما رأيت أسود من معاوية مع انه رأي أبا بكر وعمر (بدمشق) بكسر الدال وفتح الميم وسكون المعجمة بعدها قاف (سنة عشرين) أو احدي وعشرين عن أربع وستين أو ثلاث وستين ودفن بباب الصعيد أو بباب كيسان ولم يعقب قال في الاستيعاب ولبلال أخ اسمه خالد وأخت اسمها عفيرة وهى مولاة عبد الله مولا عفيرة (ذو مخمر) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة (ذو مخبر) كالاول الا ان فيه بدل الميم الثانية موحدة (بكير) مصغر (ابن شداخ) بفتح المعجمة وتشديد المهملة آخره معجمة أيضا ويقال بكسر أوله مخفف (أبو ذر) اسمه جندب وقيل بربر بتكرير الراء مصغر واسم أبيه جنادة أو عبد الله أو السكن أقوال (في) الحديث (الصحيح) في الصحيين وغيرهما (سيره عثمان) من المدينة (الى الربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة وهو مكان بين مكة والمدينة وكان نزول أبي ذر الربذة باختياره وذلك ان عثمان أمره أن يخرج من المدينة لرفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه وهو تحريم امساك ما فضل عن الحاجة من الاموال ووجوب التصدق به فاختار هو الربذة لانه كان يأتيها في زمنه صلى الله عليه وسلم فسيره عثمان اليها وكان المغضبون على عثمان تسعون عليه بنفي أبى ذر حتى ان ناسا من أهل الكوفة قالوا لابى ذر وهو بالربذة ان هذا الرجل فعل بك وفعل هل أنت ناصب لنا راية يعني فنقاتله قال لا لو أن عثمان سير بي من المشرق الى المغرب لسمعت وأطعت أخرجه ابن سعد في الطبقات وقيل له بعد ان قتل عثمان ألا ترجع الى المدينة قال لا والله لا طيعنه حيا وميتا وليس لابي ذر رضى الله عنه عقب(2/156)
[فصل فيمن كان يحرسه صلى الله عليه وسلم في غزواته]
(فصل) فيمن كان يحرسه صلى الله عليه وسلم في غزواته وهم ثمانية سعد بن معاذ سيد الانصار وأبركهم اسلاما حرسه يوم بدر حين نام في العريش ذكوان بن عبد الله بن قيس محمد بن مسلمة الانصاري حرسه بأحد الزبير بن العوام حرسه يوم الخندق عباد بن بشير سعد بن أبي وقاص أبو أيوب الانصار حرسه بخيبر حين دخل بصفية بلال حرسه بوادي القرى قال عبد الله بن شقيق عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلما نزلت أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله.
[فصل في رسله صلى الله عليه وسلم الى الملوك]
(فصل) في رسله صلى الله عليه وسلم الى الملوك وهم أحد عشر وقد سبق بعضهم في تاريخ السنة السادسة وذكرنا هناك ما ثبت من ذلك في الصحيح ونذكرهم هنا جملة لتتم الفائدة* ذكر ابن اسحاق في خبر متداخل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية فقال أيها الناس ان الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عنى يرحمكم الله ولا تختلفوا على كما اختلفت الحواريون على عيسى بن مريم قالوا يا رسول الله وكيف كان اختلافهم على عيسى بن مريم قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من قرب به فأحب وأسلم وأما من بعد به فكره وأبي فشكى ذلك عيسى منهم الى الله عز وجل فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذى وجه اليهم* فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي وقد سبق انه لما ورد عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن سريره وأنصف كل الانصاف وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه يوم مات وروي انه لا يزال يرى على قبره النور* وأرسل دحية بن خليفة الى قيصر وقد قدمنا (فصل) فيمن كان يحرسه (في العريش) الذى ضرب له ببدر ومحله الآن مسجد يسمى مسجد العريش (ذكوان) بفتح المعجمة (محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة (الانصاري) الاوسي الحارثى توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين وهو في عشر الثمانين (ابن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن شقيق) بفتح المعجمة وكسر القاف الاولى (عن عائشة) أخرجه عنها الترمذي في السنن (تحرس) زاد الترمذي ليلا (حتى نزلت هذه الآية) وكان نزولها عام تبوك كما مر (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ) أى يحفظك ويمنعك (مِنَ النَّاسِ) من ان يقتلوك وقيل والله يخصك بالعصمة من بين الناس.
(فصل) في رسله الى الملوك (يرحمكم الله) بالجزم على جواز الأمر ويجوز الرفع على القطع (من قرب به) أي رزق القرب الى الله عز وجل بسببه (وأما من بعد به) أي شقى بالبعد من الله بسببه(2/157)
ما ثبت من ذلك في الصحيح وانه قارب الاسلام فلما رأى نفرة الروم غلب عليه حب الرئاسة فتقعدد اليها. وروى انه وضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصبة من ذهب فهم يتوارثونه ويستفتحون به وروى انه أرسل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع دحية اني مسلم ولكنى مغلوب فكذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة الى كسرى فمزق كتابه فدعى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق واسم كسرى الذي مزق الكتاب أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ومعنى أبرويز بالعربية المظفر. وروي ابن هشام عن الزهرى ما معناه أن كسرى كتب الى باذان عامله على صنعاء وهو الرابع من ملوكها وهو يأمره أن يسير الى النبي صلى الله عليه وسلم ويستتيبه فان تاب والا بعث اليه برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى الى النبى صلى الله عليه وسلم فكتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم ان الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا فلما ورد الكتاب على باذان فوقف مترقبا صدق ذلك فقتله ابنه شبرويه في ذلك اليوم فحينئذ بعث باذان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه واسلام من معه والله أعلم* وبعث حاطب بن أبي بلتعة اللخمى الى المقوقس واسمه جريج ابن مينا وهو والى مصر والاسكندرية وكان متحكما لهرقل ولما ورد عليه حاطب قال له انه قد كان قبلك رجل يزعم انه الرب (نفرة) بتثليث النون وسكون الفاء أي نفورهم (فتقعدد) يتعلل من القعود أي اخلد وركن (وروى انه وضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصبة من ذهب فهم يتوارثونه ويستفتحون به) ذكر ذلك السهيلى وزاد حتى كان عند ادنوس الذي تغلب على طليطلة وما أحد أخذها من بلاد الاندلس ثم كان عند ابن نبيه المعروف بالسلطتين قال وحدثنى بعض أصحابنا انه حدثه من سأله رؤيته من قواد أجناد المسلمين كان يعرف بعبد الملك بن سعيد قال فاخرجه الى فاستعرت وأردت تقبيله فاخذ بيدي ومنعنى عن ذلك صيانة له وضنا به على انتهى (ابرويز) بفتح الهمزة والراء بينهما تحتية ساكنة وبكسر الواو وسكون التحتية الثانية آخره زاي كذا ذكره السهيلي وغيره وقيل فيه برويز بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الواو (انوشروان) بالنون وفتح المعجمة كما مر (باذان) بالموحدة والمعجمة (وهرز) بفتح الواو وسكون الهاء وكسر الراء ثم زاي (شبرويه) بفتح المعجمة وسكون الموحدة فيه الوجهان اللذان قرأ في نفطويه وريحويه وسحنويه وراهويه (جريج) بالجيمين مصغر (ابن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية ثم نون ثم مد (قبلك رجل) يريد فرعون(2/158)
الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم أنتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك فان لك دينا لن تدعه الا لما هو خير منه وهو الاسلام الكافي به الله فقد ما سواه ان هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى الا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله والأنبياء أجمعين وما دعانا إياك الى القرآن الا كدعائك أهل التوراة الى الانجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فانت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به فلما قال له ذلك قارب وسدد وأهدى أنواعا من الهدايا وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى الجلندي وأخيه ملكي عمان وهما من الازد فقال الجلندى بعد ان وعظه عمرو وأبلغ انه والله قد دلني على هذا النبي الأمي انه لا يأمر بخير الا كان أول من أخذ به ولا ينهى عن شر الا كان أول تارك له وانه يغلب ولا يبطر ويغلب فلا يضجر ثم أسلما وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عندهم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامرى الى هوذة بن على الحنفي فلما ورد عليه أكرمه وكتب الى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعوا اليه وأجمله وأنا خطيب قومي وشاعرهم فاجعل لى بعض الامر فابى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ومات زمن الفتح وبعث صلى الله عليه وسلم شجاع ابن وهب الاسدي الى الحارث بن أبي شمر الغسانى ملك البلقى قال شجاع انتهيت اليه وهو بغوطة دمشق فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى به وقال أنا سائر اليه وعزم على ذلك فمنعه قيصر. ثم بعث أيضا شجاع بن وهب الى جبلة بن الايهم الغسانى فقال جبلة والله لوددت ان الناس اجتمعوا على هذا النبي الامى اجتماعهم على خلق السموات والارض ولقد سرنى اجتماع قومي له وأعجبني قتل أهل الاوثان واليهود واستبقاء النصاري ولقد (نكال) عقوبة (فانتقم به) من بني اسرائيل (ثم انتقم منه) فاغرقه في اليم (ولا يعتبر) بالنفي والنهى (أشدهم) خبر كان (قريش) اسمها (الجلندى) بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح المهملة (عمان) بضم المهملة مخفف صقع عند البحرين وقال السهيلي قرية باليمن سميت بنعمان بن سنان (يبطر) بالموحدة والمهملة أي لا ناشر (فلا يضجر) أي لا يمل (سليط ابن عمرو) بالمهملتين مكبر (شجاع بن وهب) بضم المعجمة (بغوطة دمشق) بضم الغين المعجمة واهمال الطاء وصحف من اعجمها وهي بلدة بدمشق قال(2/159)
دعاني قيصر الى قتال الصحابة يوم مؤته فابيت عليه فانتدب ملك بن رافلة من سعد العشيرة فقتله الله ولكني لست أرى حقا ينفعه ولا باطلا يضره والذى يمدنى اليه أقوي من الذي يختلجنى عنه وسأنظر وأسلم جبلة بعد ثم تنصر من أجل لطمة حاكم فيها الى أبى عبيدة فحكم عليه بالقصاص فانف واستكبر ومات على نصرانيته وله في ذلك خبر يطول وكان طول جبلة اثنى عشر ذراعا وكان يمسح برجليه الارض وهو راكب. وبعث صلى الله عليه وسلم المهاجر ابن أبي أمية المخزومى الى الحارث بن عبد كلال الحميري أحد مقاولة اليمن فقال له المهاجر يا حارث انك كنت أول من عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم فحظيت عنه وكنت أعظم الملوك قدرا فاذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك واذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم فتردد الحارث ولم يسلم وبعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمى الى المنذر بن ساوى العبدى ملك البحرين فدفع اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يا منذر ان هذه المجوسيه شر دين تنكحون ما يستحى من نكاحه وتأكلون ما يتكرم عن أكله وتعبدون في الدنيا نارا تاكلهم في الآخرة فقال المنذر قد نظرت في هذا الدين الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعنى من دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده ثم أسلم. وبعث صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الى اليمن داعيين الى الاسلام فأسلم عامة اليمن ملوكهم وسوقتم طوعا من غير قتال الواحدى جنان الارض أربع غوطة دمشق وشعب بوان وايلة البصرة وسعد سمرقند (ابن رافلة) بالراء والفاء المكسورة (العشيرة) بفتح المهملة وكسر المعجمة (يختلجنى) بالمعجمة قبل الجيم أي يأخذني عنه ويمسكني (ومات على نصرانيته) كما قاله الجمهور وقالت طائفة عاد الى الاسلام (المهاجر) على صفة اسم الفاعل (مقاوله) بفتح الميم والقاف وكسر الواو (كنت) اسمها مضمر (أول) بالنصب خبرها (فحظيت) باهمال الحاء واعجام الظاء أى كنت ذا رتبة علية عند الناس من الحظوة (العلي) بفتح المهملة والمد (ابن ساوي) باهمال السين والامالة في أكدا (أمنية الحياة) أي ما يتمنى ويشتهي فيها (أمس) مبنى على الكسر(2/160)
[فصل في كتّابه صلى الله عليه وآله وسلم]
(فصل) في كتّابه صلى الله عليه وآله وسلم وهم خمسة وعشرون علي وأبو بكر وعمر وعثمان وعامر بن فهر وعبد الله بن الأرقم وأبى بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد ابن العاص واخوه حبان وحنظلة بن أبي عامر الاسيدى وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن عبد الله بن أبىّ بن سلول والزبير بن العوام ومعيقيب بن أبى فاطمة الدوسى والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد والعلاء بن الحضرمي وعمرو بن العاص وجهيم بن الصلت وعبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سعد بن ابى سرح.
(فصل) في رفقائه صلى الله عليه وسلم العشرة النجباء الذي اخبر انهم في الجنة هم ابو بكر عبد الله بن عثمان التيمى ابو حفص عمر بن الخطاب العدوى ابو عمرو عثمان بن عفان الاموي ابو الحسن على بن ابى طالب الهاشمي أبو محمد طلحة بن عبد الله التيمى أبو عبد الله الزبير بن العوام الاسدي أبو اسحاق سعد بن أبى وقاص مالك بن أهيب (فصل) في كتابه (ابن الارقم) بالقاف (وأبى بن كعب) كان أول من كتب له بالمدينة (الأسيدي) بضم الهمزة وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة واسكانها مخففة منسوب الى بني أسد بطن من علم (وشرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة وكسر الموحدة ثم تحتية (ابن حسنة) بفتح المهملتين والنون (ومعيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وسكون التحتية وكسر القاف بعدها تحتية ثم موحدة هو الذي أصابه علة الجذام (وجهيم) بالتصغير (وعبد الله بن سعد بن أبي سرح) .
(فصل) في رفقائه العشرة (أخبر أنهم في الجنة) أى جمعهم كلهم في حديث وهو ما رواه أحمد بسند صحيح والضياء عن سعيد بن زيد ورواه الترمذى عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ولا ينافي ما أخبر به بالنسبة الى غيرهم كعبد الله بن سلام والحسن والحسين وأبي سفيان بن الحارث وفي هذا الحديث تفضيل هؤلاء العشرة على من سواهم من الصحابة وأفضلهم الخلفاء الاربعة بترتيبهم المشهور عند أهل السنة ثم باقيهم في الفضل سواء (التيمى) نسبة الى تيم بن مرة ويشاركه في هذا النسب طلحة أيضا كما مر (العدوى) نسبة الى عدى بن كعب ويشاركه في ذلك سعيد بن زيد (الاموي) نسبة الى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (الهاشمى) نسبة الى هاشم بن عبد مناف فعبد مناف يجمع عثمان وعليا (الاسدي) نسبة الى أسد بن عبد العزى بن قصى يسمونه أسد قريش ليفرقوا بذلك بينه وبين أسد(2/161)
الزهري أبو محمد عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وقد جمعهم بعض الفضلاء في بيتين فقال:
علىّ والثلاثة وابن عوف ... وسعد منهم وكذا سعيد
كذاك أبو عبيدة فهو منهم ... وطلحة والزبير ولا مزيد
وأنشدنا فيهم أيضا الفاضل الناسك الأصيل أبو بكر محمد الصوفي فقال:
عتيق والفتى عمر النقى ... وعثمان ومولانا علىّ
وطلحة وابن عوف وابن زيد ... وسعد من بهم فخرت لؤي
كذاك أبو عبيدة فهو منهم ... وليثهم الحواري الكمىّ
أولاك السابقون الى المعالى ... فدع قول الروافض فهو غي
[فصل في أنصاره الإثني عشر النقباء]
(فصل) في أنصاره الاثني عشر النقباء وقد سبق ذكرهم وما قيل فيهم من الشعر وقد جمعهم أيضا الشيخ الهمام سيد الحفاظ وقدوة النبهاء الايقاظ علىّ بن أبى ذكريا الداودى الحسينى فقال:
أبيات شعر في أسامي النقبا ... أنصار هذا الدين لما نصبا
عينهم جبريل للرسول ... كذا عن الزهرى في المنقول
فاسعد نقيبهم لا يجهل ... فتى ذرارة فذاك الأول
خزيمة الذي ينسب اليه عبد الله بن جحش (الزهري) نسبة الى زهرة بن كلاب ويشاركه في ذلك عبد الرحمن بن عوف (أبو الاعور) بالراء (الفهري) نسبة الى فهر بن مالك فهم تيميان وعدويان ومنافيان وزهريان وأسدى وفهري وقد نظمتهم على مقتضي هذا فقلت:
أبو بكر وطلحة نجل تيم ... وفاروق سعيد من عدى
وعثمان التقى كذا على ... لعبد مناف ذي الشرف العلي
وسعد ذو الفضائل وابن عوف ... لزهرة وهو صاح أخو قصى
ومن أسد زبير وابن جرا ... حهم من فهر فاحفظ يا أخي
(والثلاثة) يعني أبا بكر وعمر وعثمان (ولا مزيد) بالضم لضرورة الشعر (أبو بكر) كنيته و (محمد) اسمه و (الصوفي) لقبه وهو من بنى عبد الرحمن سكنه القراض (عتيق) سمى بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم له أنت عتيق الله من النار أخرجه الترمذى عن عائشة (فاسعد) بالصرف لضرورة الشعر(2/162)
وابن الربيع وفتى رواحه ... ورافع بن مالك جناحه
ثم ابن معرور وذاك البرا ... ثم أبو جابر فيهم ذكرا
ثم عبادة سليل الصامت ... الخزرجي زاكي المنابت
وابن عبادة وذاك سعد ... والمنذر بن عمرهم من بعد
وابن حصين ثم سعد خيثمه ... ثم رفاعة أتت منظمه
فالتسعة الاولى صميم الخزرجي ... تليهم الأوس كرام المهج
[فصل في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير]
(الباب السادس في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير) ونعمه وغنمه وسلاحه وبيوته وملبوساته وغير ذلك من أنواع الآته.
وفيه عدد سراياه وغزواته صلى الله عليه وسلم
(فصل) في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير: كان له صلى الله عليه وسلم عشرة أفراس السّكب كان أدهم وهو أول فرس ملكه اشتراه من أعرابي من بني فزارة بعشر أواقى وكان تحته يوم أحد وكان اسمه عند الاعرابى الضّرس بفتح الضاد وكسر الراء المهملة كالشرس وزنا ومعنى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم السكب وكان أغر محجلا طلق اليمين مسبحة وكذا زرارة (جناحه) بفتح الجيم ثم نون ثم حاء ثم هاء الضمير وهو منصوب على الحال (ثم أبو جابر) بترك الصرف لضرورة الشعر (ثم عبادة) بالصرف لذلك أيضا (سعد خيثمة) باضافة سعد (صميم) بالمهملة أي خالص (كرام المهج) جمع مهجة وهي القلب وقيل دم القلب (تنبيه) سقط على المصنف ذكر أهل الفتوى في حياته صلى الله عليه وسلم مع انه قد ترجم لهم وهم كما قال المحب الطبري في كتاب مناقب العشرة الخلفاء الاربعة وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسلمان الفارسي وأبو موسي الاشعرى لكن لم يفت منهم بحضرته صلى الله عليه وسلم سوي أبو بكر رضي الله عنه.
(الباب السادس) في ذكر دوابه (عشرة أفراس) المتفق عليهم سبعة السكب واللحيف وسبحة والضرب ولزاز والمرتجز والورد وفي باقيها الخلاف (السكب) بفتح المهملة وسكون الكاف وقد يضم سمي بذلك لانسكابه في الجرى كما ينسكب الماء (اغر) أى ذاغرة في وجهه (طلق اليمين) بفتح المهملة وسكون اللام الثانى (سبحة) بفتح المهملتين بينهما موحدة ساكنة اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم من رجل من جهينة بعشرين من الابل وسميت بذلك لحسن مديدها في الجري اذا(2/163)
وهو الذى سابق عليه فسبق ففرح به المرتجز اشتراه من سواء بن الحارث المحاربى وانطلق لينقده ثمنه فأعطى أكثر من ذلك فجحد بيع النبي صلى الله عليه وسلم فطلب شاهدا من النبي صلى الله عليه وسلم وقال هلم شاهدا يشهد لك انى بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشهد لى فقال خزيمة بن ثابت أنا فقال كيف تشهد ولم تحضر فقال نصدقك في خبر السماء ولا نصدقك فيما في الأرض فقال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه فسمي ذو الشهادتين وثبت لخزيمة منقبة أخرى وهي انه رأى انه يسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فاضطجع له وسجد على جبهته رواه الامام أحمد بسند جيد وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد الفرس على الأعرابي وقال لا بارك الله لك فيها فأصبحت شائلة برجلها. لزاز من هدايا المقوقس وكان يعجبه ويركبه في أكثر غزواته. اللحيف أهداه له ربيعة بن البراء فأثابه فرائض من نعم بني كلاب. الظرب أهداه له فروة بن عمرو الجذامي. الورد أهداه له تميم الدارى فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله ثم أضاعه الذى حمل عليه عمرو أخرجه للبيع فأراد عمر ان يشتريه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم لا تشتره وان اعطاكه بدرهم فان العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه. والورد جرت (فسبق) مبنى للفاعل (المرتجز) زاد الطبراني عن ابن عباس قال وكان اشقر وذكره الحاكم والبيهقى أيضا عن على سمي بذلك لحسن صهيله (سواء بن الحارث) مثلث السين والفتح أشهر وهو ممدود (المحاربي) نسبة الى بني محارب بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء (فجحد بيع النبي صلى الله عليه وسلم وقال هلم شاهدا يشهد اني بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشهد لى الى آخره) رواه أبو داود والنسائي (وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رد الفرس) ذكره عياض في الشفا (شايلة) بالمعجمة والتحتية رافعة وزنا ومعنى (لزاز) ذكره البيهقي عن سهل بن سعد وهو بكسر اللام ثم زاى مكررة سمي به لقوة نزعه في الجرى كانه يلز الارض أي يجمعها بقوائمه (اللحيف) ذكره الشيخان عن سهل بن سعد أيضا وهو بمهملة مصغر وقيل مكبر بوزن رغيف سمي بذلك لطول ذنبه فعيل بمعني فاعل كانه يلحف الارض بذنبه وقال البخاري في صحيحه وقال بعضهم اللخيف أي بالمعجمة مصغر ومكبر أيضا (فرائض) جمع فريضة بالفاء والمعجمة وهي الهرمة من الابل (الظرب) ذكره البيهقي في السنن عن سهل أيضا وهو بفتح المهملة وكسر الراء سمى بذلك لعظم جنبيه كالطرب وهو الخيل الصغير والرائية ويقال فيه الضرب بالضاد لغة رديئة في الطرب ويقال الطرب بالمهملة مشتق من الطرب كانه لا يسأم من كثرة المشى (الورد) بفتح الواو وسكون الراء (فحمل عليه عمر) أى تصدق به على من يركبه (في سبيل الله) أي في الجهاد (العائد في هبته الى آخره) رواه أحمد(2/164)
من ألوان الخيل الذى لونه بين الكميت والشقر. الصرم بفتح أوله وكسر ثانيه. ملاوح وكان لأبى بردة بن نيار. البحر اشتراه من تجار قدموا من البحرين فسبق عليه ثلاث مرات فمسح صلى الله عليه وسلم وجهه وقال ما أنت الا بحر. وثبت في الصحاح انه وقع فزع في المدينة ليلا فركب صلى الله عليه وسلم فرسا لأبى طلحة عريا يقال له مندوب وكان بطيئا فاستبرأ الخبر فرجع فتلقاه الناس وقال ما وجدنا من فزع وان وجدناه لبحرا فكان بعد ذلك لا يجارى والله أعلم: وكان له صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء يقال له دلدل من هدايا المقوقس وهي أول بغلة ركبت في الاسلام وعاشت بعده حتى كبرت وزالت أضراسها فكان الصحابة يضيفونها ويجشون لها الشعير وبقيت الى زمن معاوية وماتت بينبع وذكر بعضهم الاجماع على ان الدلدل كان ذكرا والله أعلم: وكان له صلى الله عليه وسلم بغلة أخرى يقال لها فضة وهبها من أبى بكر. وبغلة أخرى يقال لها الايلية أهداها له ملك ايلة. وبغلة أخري والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن ابن عباس (الكميت) الفرس الشديد الحمرة (والاشقر) كذلك لكن يكون عرف الكميت وذنبه أسودين والاشقر كله أحمر (الصرم) بالمهملة والراء سمى به لصرامته أي حدته (ملاوح) بضم الميم وكسر الواو آخره مهملة سمي بذلك لكثرت الضرب بذنبه يمينا وشمالا (لابي بردة) اسمه هاني (بن نيار) بكسر النون ثم تحتية (البحر) سمي به لاتساعه في الجرى (وثبت في) الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما (عريا) أي ليس عليه سرج ولا غيره من الاداة ويقال في الآدميين عريان (مندوب) بالنون والمهملة (يطيئا) في رواية في الصحيح قطوفا وهو الذي يقارب خطاه وقيل الضيق المشى يقال قطفت الدابة تقطف بكسر الطا وضمها قطافا (فاستبرأ الخبر) أى تحققه (يجارى) بضم أوله أي لا يسابق في الجري وفي الحديث ما يدل على قوة شجاعته صلى الله عليه وسلم وثبات جأشه وانه من ذلك بالمقام الاعظم وفيه جواز ركوب الخيل من غير اداة عليها وأن ذلك غير مكروه وفيه طهارة عرق الفرس ونحوه من كل حيوان طاهر وفيه المعجزة الظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث صار الفرس بركوبه اياه لا يجارى وكان قبل ذلك بطيئا بالبناء للفاعل (شهباء) كما رواه البيهقي في السنن عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا (دلدل) بضم المهملة المكررة وسكون اللام مصروف كذا قال المحب الطبرى أنه اسم للبغلة التى أهداها له المقوقس وفي شرح مسلم للنووى أن الدلدل اسم للبغلة التي أهداها له فروة بن نفاثة الخزامي (ويجشون) بضم الجيم وتشديد المعجمة أى يقحفون (يقال لها فضة) سميت بذلك لصفاء لونها (وهبها) بضم الواو وكسر الهاء (الايلية) بفتح الهمزة ثم تحتية وبقي من البغال على ما ذكره مغلطاى في سيرته بغلة أهداها له ابن العلماء بفتح المهملة وسكون اللام مع المد وأخرى أهداها له كسري وأخري من دومة الجندل(2/165)
أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى وكانت بيضاء وهى التي ركبها يوم حنين ولما أخذ القبضة التي رمى بها وجوه الكفار تطأطأت به حتى بلغ بطنها الارض. وكان له حمار يقال له اليعفور أهداه له فروة بن عمرو الجذامي مات في حجة الوداع وقيل بقى بعده والقى نفسه في بئر يوم موته صلى الله عليه وسلم وعفير أهداه له المقوقس. واما الحمار الذي ذكر انه أصابه بخيبر وكلمه بكلام طويل وانه بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام تردى في بئر فقال الحفاظ هو حديث منكر اسنادا ومتنا.
[فصل في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر انه اقتنى من البقر شيئا. كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة يراح له منها كل ليلة بقربتين عظيمتين لبنا* منهن الحناء والسمراء والعديس والعدثة والبغوم والنسيرة والرناء وبردة ومهرية. وكانت ناقته التي يركبها القصواء وهي الجدعاء والعضباء وكل هذه الالقاب لنقص يكون في الأذن ولم يكن بناقة النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك وانما هي ألقاب لزمتها وكان النبى صلى الله عليه وسلم اذا نزل عليه الوحى غيرها. وثبت في سبب ملكها ما رويناه في صحيح مسلم ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسروا رجلا من بنى عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد بما أخذتنى وبما أخذت سابقة الحاج فقال أخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف وذكر الحديث وفيه قصة. وقال وأخرى أهداها له النجاشي (يقال له يعفور) ذكره البيهقي في السنن عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا ورواه الطبراني عن ابن عباس وهو بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الفاء (وعفير) بالمهملة والفاء مصغر رواه أحمد عن على والطبراني عن ابن مسعود قال مغلطاي في سيرته يقال أن يعفور وعفيرا واحد قال وكان للنبى صلى الله عليه وسلم حمارا آخر أعطاه سعد بن عبادة.
(فصل) في ذكر نعمه (لقحة) بكسر اللام وسكون القاف وهي ذات اللبن من الابل (الحناء) بفتح المهملة وتشديد النون مع المد سميت له لكثرة حنينها (والسمراء) سميت بذلك لان لونها كان أسمر (والعديس) بالمهملات مصغر (والبغوم) بفتح الموحدة وضم المعجمة (والنسيرة) بالنون والمهملة مصغرة (والرنا) بفتح الراء وتشديد النون (وبردة) بضم الموحدة وسكون الراء (ومهرية) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء وتشديد التحتية نسبة الى مهرة قبيلة من قضاعة كما مر في ذكر وفود اليمن (ما رويناه في صحيح مسلم) وسنن أبي داود عن عمران بن الحصين وأخرج الترمذى منه طرفا يسيرا (من بني عقيل) بضم المهملة وفتح القاف وانما أسروه لان ثقيفا كانت حلفاء لبنى عقيل فاسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (سابقة الحاج) يعني ناقته العضباء (بجريرة) بالجيم وتكرير الراء أى جناية (حلفائك) يعنى ثقيفا حيث أسروا الرجلين (وذكر الحديث) تتمته ثم انصرف عنه فناداه يا محمد يا محمد وكان صلى الله عليه وسلم رحيما(2/166)
آخرون دل تعدد الاسماء على تعدد المسميات وان القصوى ابتاعها من أبي بكر يوم الهجرة والله أعلم وكان له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم لا يريد عليها زيادة فاذا راح الراعى بسخلة ذبح مكانها أخرى. صلى الله عليه وسلم شاة يختص بها يشرب لبنها تدعى عيبة. وكان له ديك أبيض.
[فصل في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم كان له أربعة أرماح ثلاثة أصابها من سلاح بنى قينقاع وواحد يقال له المثنى. وكان له صلى الله عليه وسلم عنزة وهي حربة دون الرمح كان يمشى بها في يده وتحمل بين يديه في العيدين تركز أمامه فتكون سترته. وكان له محجن قدر الذراع يتناول به الشيء وكان له مخصرة تسمى العرجون. وقضيت يسمى الممشوق.
رقيقا فرجع اليه فقال ما شأنك قال اني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال اني جائع فاطعمني فظمآن فاسقنى قال هذه حاجتك فابتديء بالرجلين قال وأسرت امرأة من الانصار وأصيبت العضباء فكانت امرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدى بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فاتت الابل فجعلت اذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى انتهت الى العضباء فلم ترغ وهي ناقة منوقة أى مدربة وروى مدرية وروى مجرسة قال فقعدت في عجزها ثم ضربتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فاعجزتهم قال ونذرت لله ان نجاها لتنحرنها فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال سبحان الله شر ما جزتها نذرت ان نجاها الله عليها لتنحرنها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد انتهي الحديث وفيه من الفوائد عدم جواز أسر الكافر فقط وأنه لو أسلم بعد الاسر حقن دمه وبقي الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء وفيه جواز المفاداة وفيه عدم صحة نذر المعصية وعند أحمد تجب كفارة يمين وفيه عدم صحة النذر فيما لا يملك الشخص اذا أضافه الى معين نحو ان شفا الله مريضي فلله على عتق عبد فلان وفيه جواز سفر المرأة وحدها اذا كان سفر ضرورة كالهجرة وهذه المرأة التى أسرت هي امرأة أبي ذر قال السهيلى واسمها ليلى والناقة مدربة بالمهملة والموحدة المؤدبة المخرجة التي ألفت المشى في الدروب والمجرسة بالجيم والمهملة المجربة في السير أيضا (سخلة) بفتح المهملة وسكون المعجمة الصغيرة من ولد الغنم (عيبة) بفتح المهملة والموحدة بينهما تحتية ساكنة سميت بذلك كأنها عبية اللبن أي وعاء إذا لعيبة وعاء يحفظ فيه المسافر المتاع وكان له ديك أبيض أفرق ثم صار بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى على وورد في الامر باتخاذه أحاديث ضعيفة
(فصل) في ذكر سلاحه (يقال له المثنى) سمى بذلك لانه كان يثنى لينا (وكان له عنزة) بفتح النون والزاى أهداها له النجاشى كما في طبقات ابن سعد وكان اسمها النمر كما رواه الطبراني عن ابن عباس وروى أيضا عنه انه كان له حربة أخرى تسمى النبعاء بالنون فالموحدة والمهملة (مخصرة) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح المهملة وهي ما تتخصر عليه أى يتكأ (وقضيب) بالقاف والمعجمة من شوحط (يسمى الممشوق)(2/167)
وكان له صلى الله عليه وسلم أربعة قسى اثنان من شوحط يسميان الروحاء والبيضاء. وأخرى من نبع تسمى الصفراء وأخرى تسمى الكتوم كسرت يوم بدر* وكان له صلى الله عليه وسلم جعبة تسمى الكافور وكان له صلى الله عليه وسلم ترس عليه تمثال عقاب أهدى له فوضع يده عليه فاذهبه الله* وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف ذو الفقار تنقله يوم بدر وهو الذى رأى فيه الرؤيا وكان قبله لمنبه بن الحجاج السهمى* وثلاثة أسياف من سلاح بنى قينقاع أحدهم سيف قلعى وآخر يدعي البتار وآخر يدعي الحتف. وكان له سيف يدعى المخذم وسيف يسمى الرسوب وآخر ورثه من. أبيه وكان له صلى الله عليه وسلم سيف يقال له العضب أعطاه إياه سعد بن عبادة وسيف يدعي القضيب وهو أول سيف تقلده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أنس كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة وقبيعته فضة وما بين ذلك حلق الفضة. وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أدراع أحدهما يسمى الخرنق سميت به للينها بالمعجمة والقاف رواه الطبرانى عن ابن عباس والممشوق الطويل الدقيق قاله في القاموس (من شوحط) بفتح المعجمة والمهملة بينهما واو ساكنة آخره طاء مهملة شجر له شوك (الروحاء) بفتح الراء والمد بينهما واو ساكنة (من نبع) بفتح النون وسكون الموحدة ثم مهملة (الصفراء والكتوم) بفتح الكاف وضم الفوقية سميت بذلك لعدم ظهور صوت لها عند الرمى كانها تكتمه وفي القاموس قوس كتم وكتوم وكاتم وكاتمة لا صدع في نبعها وللطبراني عن ابن عباس أن قوسه كانت تسمى ذا السداد كانت له جعبة بفتح الجيم وضمها وسكون المهملة ثم موحدة أى كنانة (تسمى الكافور) سميت به من الكفر وهو الستر لانها تستر السهام وللطبراني في الكبير عن ابن عباس أنها كانت تسمى ذا الجمع فلعلها كانت تسمى بالاسمين معا (وكان له ترس) بضم الفوقية وسكون الراء بعدها مهملة كما رواه الطبرانى عن ابن عباس (عقاب) الطائر المعروف (فوضع يده عليه) ليذهب لحرمة التمثيل (فاذهبه الله) بمجرد ان وضع يده عليه ففيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (ذو الفقار) كان محليا قائمته من فضة ولعله من فضة وفيه حلق من فضة وهو بفتح الفاء قبل القاف سمى بذلك كما قال السهيلى لحفر صغار فيه نحو ثماني عشرة (تنقله يوم بدر) وكان للعاص بن المنبه فقتل يومئذ قاله في القاموس (وهو الذي رأي فيه الرؤيا) يوم أحد (يدعي البتار) بفتح الموحدة وتشديد الفوقية أي القطاع والبتر القطع (الحتف) بفتح المهملة وسكون الفوقية بعدها فاء والحتف الموت وسمي به من باب اطلاق المسبب على السبب (المخذم) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الذال المعجمتين وهو من أسماء السيوف ونعوته والخذم القطع (الرسوب) بفتح الراء وضم المهملة سمى به كان اذا ضرب به رسب في الجلد أي نشب بالموحدة (العضب) بفتح المهملة وسكون المعجمة وهو من أسماء السيف (الخرنق) بكسر المعجمة والنون بينهما(2/168)
وأخرى تسمى البتراء لقصرها. وذات الفضول لطولها وهى التى مات وهى مرهونة* وذات الوشاح وذات الحواشى وفضة والسعدية قيل وهى درع داود التى كانت عليه حين قتل جالوت ودرعان أصابهما من بنى قينقاع ذكر ذلك الكمال الدميرى. قلت ودرعه الخطمية التي سلحها عليا وأمره أن يجعلها صداقا لفاطمة. وروي أنه أمر أن يبيعها في جهازها فباعها باربعمائة وثمانين درهما وظاهر صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين بين درعين وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر يقال له السبوغ. ومنطقة من أديم فيها ثلاث حلق فضة وكانت له راية سوداء مخملة يقال لها العقاب وكان له لواء أبيض وربما جعل الألوية من خمر نسائه صلى الله عليه وسلم
[فصل وكان له صلى الله عليه وسلم يوم مات تسعة أبيات]
(فصل) وكان له صلى الله عليه وسلم يوم مات تسعة أبيات وكان بعضها من جريد مطين بالطين وكان بعضها من حجار مرضومة بعضها فوق بعض وسقف الجميع من جريد النخل وكان سماؤها قامة وبسطة وكان لكل بيت حجرة من أكسية الشعر مربوطة في خشب عرعر. وبعد وفات أمهات المؤمنين خلط الوليد بن عبد الملك البيوت والحجر راء ساكنة آخره قاف وهو في الاصل الفتى من الارانب أو ولد الارنب قاله في القاموس (وأخرى تسمى البتراء) بفتح الموحدة وسكون الفوقية بعدها راء ثم مد (وذات الفضول) بضم الفاء والمعجمة أى الزوائد (وذات الوشاح) سميت به لانها كانت موشحة بنحاس كما رواه الطبراني عن ابن عباس (وذات الحواشى) بفتح المهملة وكسر المعجمة (وفضة) سميت به لصفائها (الخطمية) بفتح المعجمة وكسر الميم وتشديد التحتية (يقال له السبوغ) بفتح المهملة وضم الموحدة سميت به لانها كانت سابغة أي تامة (منطقة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة ما يتمنطق به أى يحتزم (وكانت له راية سوداء) كما رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس ورواه أبو داود والترمذى عن البراء ابن عازب وزاد وكانت مربعة من نمرة والنمرة برد من الصوف يلبسه الاعرابى ولابي داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء وهى محمولة على التعدد (مخملة) بضم الميم الاولى وتشديد الثانية بينهما معجمة مفتوحة أي ذات خمل أى اهداب (العقاب) بضم المهملة كما مر (وكان له لواء أبيض) كما رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس وهو الذى دخل به مكة يوم الفتح كما رواه الترمذى عن جابر (خشب عرعر) بتكرير المهملتين بوزن جعفر شجر السرو.
(فصل) كان له يوم مات (مرضومة) باعجام الضاد أي مطروح بعضها فوق بعض (وكان سماؤها) أي كثرة ارتفاعها في السماء (عرعر) بتكرير المهملة والراء خشب طيب الرائحة يشبه الصندل(2/169)
في المسجد ولما ورد كتابه بذلك ضج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته صلى الله عليه وسلم وكان ذلك على يدي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
[فصل في ملبوساته صلى الله عليه وسلم وغيرها من أنواع آلاته]
(فصل) في ملبوساته صلى الله عليه وسلم وغيرها من أنواع آلاته ترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وازارا عمانيا ورداء أخضر حضرميا يشهد فيه العيدين طوله أربعة أذرع وشبر وعرضه ذراعين وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يمنية وخميصة وكساء أبيض ملبدا وقلانس صغارا لا طية ثلاثا أو أربعا وإزارا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة وكان له عمامة سوداء وأخرى يقال لها السحاب كساها عليا وكان يلبس ما وجد مرة شملة ومرة حبرة يمانية ومرة جبة ومرة قباء وتوشح مرة بثوب قطري ومرة ببرد نجرانى غليظ الحاشية وكان أحب الثياب اليه القميص والحبرة وقال البسوا البياض فانه اطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم وأهدي له النجاشى خفين سادجين فلبسهما وأهدى له أيضا دحية الكلبي خفين فلبسهما حتى تخرقا وكان له نعلان جردوان لهما قبالان (فصل) في ملبوساته (ثوبي حبرة) بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (عمانيا) بضم العين وتخفيف النون نسبة الى عمان بلدة باليمن كما مر (صحاريين) بضم الصاد وفتح الحاء المهملة نسبة الى صحار بلدة باليمن أيضا (لاطية) بكسر المهملة وهى نوع من أنواع القلانس معروف (وملحفة) أى لحاف (مورسة) أى مصبوغة بالورس والزعفران كما رواه الخطيب عن أنس قال وكان يدور بها على نسائه فاذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء واذا كانت ليلة هذه رشتها وفيه بيان انه صلى الله عليه وسلم انها اتخذها لنسائه وانه كان لا يلبسها فلا ينافيه تحريم لبس المزعفر ونحوه على الرجل (كساء ملبدا) بفتح الموحدة المشددة قال النووى هو المرقع وقيل هو الذى ثخن وسطه حتى صار كاللبد (وكان له عمامة سوداء) وهى التى دخل بها يوم الفتح على رأسه (يقال لها السحاب) سميت بذلك لانها تظل لابسها كما يظل السحاب (قطري) بكسر القاف وسكون المهملة وكسر الراء ثم ياء النسبة الى قطر بلدة بين القطيف وعمان معروفة (وكان أحب الثياب اليه القميص) كما رواه أبو داود والترمذى والحاكم عن أم سلمة (والحبرة) كما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أنس (البسوا البياض الى آخره) رواه أحمد والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم عن سمرة بن جندب (سادجين) بفتح المهملتين والجيم والسادج من الحقاق ذو الطبعتين (جرداوين) بفتح الجيم والمهملة والواو وسكون الراء والالف المكررة أى لا شعر عليهما وكان (لهما قبالان) كما أخرجه الترمذي عن أنس والقبال بكسر القاف ثم موحدة الدمام الذى يجرى بين(2/170)
مثنى شراكهما. واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم نبذه ولم يراجعه وكان له خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله وهو الذي كان يختم به وكان بيد ابو بكر بعده ثم بيد عمر السبابة والوسطي والذمام القبال الذى يجري بين السبابة والابهام (مثني شراكهما) أي معطوف باثنتين والشراك الخيط الصغير الذي يشد به رأس القبال الى النعل ويسمى شسعا أيضا (واتخذ خاتما من ذهب) حين كان مباحا (ثم نبذه) من يده لما حرم وقال والله لا ألبسه أبدا رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وتحريمه على الرجال اجماع الا ما حكي عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حرم انه أباحه وعن بعضهم انه مكروه كراهة تنزيه قال النووى وهذان النقلان باطلان وقائلهما محجوج بالاحاديث الصحيحة (وكان له خاتم من ورق) بفتح الواو وكسر الراء أى من فضة وكان فصه حبشيا كما رواه مسلم عن أنس والحبشي حجر من جزع أو عقيق فان معدنهما بالحبشة واليمن وقيل لونه حبشى أي أسود وللبخارى عن أنس أيضا ان فصه كان منه ففيه جواز جعل الخاتم فص من فضة ويحرم من الذهب ولابى داود والنسائي ان خاتمه كان من حديد ملونا عليه فضة وهو محمول على التعدد (نقشه محمد رسول الله) فيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه ونقش اسم الله تعالى وذكر الزبير بن بكار ان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله وقال غيره كان نقش خاتمه عبد ذليل لرب جليل وروى ان نقش خاتم الامام مالك كان حسبي الله ونعم الوكيل وكان نقش خاتم الشافعى هو الله يعني محمد بن ادريس (فائدة) في طبقات بن سعد عن ابن سيرين مرسلا ان نقش الخاتم كان بسم الله محمد رسول الله ولم يتابع على هذه الزيادة ولابي الشيخ من حديث أنس لا اله الا الله محمد رسول الله قال في التوشيح وهي زيادة شاذة قلت وكذلك كان نقش خاتم سليمان ابن داود أخرجه أبو بكر الخطيب من حديث جابر وللدار قطني في الافراد عن يعلى بن أمية انه الذى صاغ الخاتم ونقشه وقد جاء في صحيح البخاري ان صفة النقش محمد سطر ورسول سطر والله سطر قال الاسنوي في المهمات وفي حفظى انها كانت تقرأ من أسفل فصاعدا ليكون اسم الله فوق الجميع قال الحافظ ابن حجر ولم أر التصريح بذلك في شيء من الاحاديث وورد في الصحيحين وغيرهما النهى عن أن ينقش أحدا على نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم وسبب النهي انه انما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل قال في التوشيح وهذا يفهم اختصاص ذلك بحياته صلى الله عليه وسلم وفي الديباج انه نهى تحريم مؤبد الى يوم القيامة وليس ذلك بظاهر وجاء فيهما أيضا انه كان يجعل فصه مما يلى كفه أى ليكون أبعد من التزين وفي رواية لابي داود وجعل فصه في ظهر كفه فان صحت فلعله كان يعمل هذا البيان نادرا لجواز وجاء فيهما أيضا انه كان يختم في اليد اليمني ووردت أحاديث اخر انه كان يلبسه في اليسار قال البيهقي والبغوى وغيرهم الاول منسوخ فقد أخرج ابن أبى عزي وغيره من حديث ابن عمرو بن عساكر من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم حوله الى يساره وكره مالك التختم(2/171)
ثم بيد عثمان حتى سقط في بئر أريس فنز حوها فلم يوجد ومن بعد ذلك اختلف الناس عليه ورأي صلى الله عليه وسلم على رجل خاتما من شبه فقال مالى أجد منك ريح الاصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتما من حديد فقال مالى أرى عليك حلية اهل النار فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا وكان له ربعة فيها مرآة تسمي المدلة ومشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك وكان له وسادة من أدم حشوها ليف وكان له صلى الله عليه وسلم سرير مرمل بشريط وكان له قبة يضربها في اسفاره تسع واربعين رجلا وكان له سفرة يأكل عليها وكان له قصعة يقال لها الغراء يحملها اربعة رجال لها اربع حلق وكان له قدح من خشب بثلاث ضبات من فضة وقيل من حديد وفيه حلق حلقة تعلق بها وكان بعده عند انس ثم عند بنته بعد وكان له قدح من زجاج وقدح آخر يدعي الريان وتور من في اليمني وهذا كله يخالف ما صححه معظم أصحابنا ان اليمين أفضل لانه زينة واليمين أحق بها لشرفها (بئر اريس) براء وسين مهملة بوزن عظيم مصروف وهي بئر في حديقة قرب مسجد قبا (فنزحوها) بالنون والزاي كما مر في غزوة الحديبية (واختلف الناس عليه) لأن الخاتم كان فيه شيء من السر الذي في خاتم سليمان فمن ثم انتقض الأمر على عثمان وخرج عليه الخارجون لما فقد الخاتم النبوي كما ذهب ملك سليمان لما فقد خاتمه قاله بعض العلماء (ورأي صلى الله عليه وسلم على رجل خاتما من شبه الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي عن بريدة قال النووي وغيره هو حديث ضعيف فمن ثم جازت الزيادة في الخاتم على المثقال ما لم يجاوز العادة والشبه بفتح المعجمة والموحدة صفر أبيض يشبه الفضة يسمي اللجين (كان له ربعة) بفتح الراء والمهملة بينهما موحدة ساكنة إناء من الخشب (مرآة) بكسر الميم وسكون الراء ومد الهمزة وكانت (تسمى المدلة) كما رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس سميت بذلك للاستدلال بها على الصور (ومشط) بضم الميم مع ضم المعجمة وفتحها (ومكحلة) بضم الميم والمهملة بينهما كاف ساكنة كان يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه كما أخرجه الترمذى وابن ماجه عن ابن عباس (ومقراض) بالقاف والمعجمة أى مقص كان يسمى الجامع كما أخرجه الطبراني عن ابن عساكر (وكان له وسادة) أى مخدة (من أدم) أي جلد (حشوها ليف) من النخل وهى التي كان ينام عليها بالليل كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة (وكان له قصعة تسمى الغراء الي آخره) رواه أبو داود عن عبد الله بن بشر ورواه الطبراني عن عبد الله بن زيد (وكان له قدح من خشب) كما رواه البخاري عن عاصم الاحول وقال في صفته وهو قدح عريض من نضار والنضار بفتح النون وتخفيف المعجمة قال معمر هو شجر بنجد وقيل هو خشب إثل يكون بالغور (مضيب ثلاث ضبات من فضة) استدل به أصحابنا على جواز التضبيب بالفضة بشرطه (وكان له قدح من زجاج) يشرب فيه كما رواه ابن ماجه عن ابن عباس وقال من قوارير (يدعي الريان) سمى بذلك لانه يروى فيه (وتور) بفتح الفوقية وهو القدر من الحجر(2/172)
حجارة ومخضب من شبه يكون فيه الحناء والكتم يوضع على رأسه اذا وجد حرا وكان له مغتسل من صفر وصاع يخرج به فطرته صلى الله عليه وسلم
[فصل في عدد الغزوات والسرايا]
(فصل) في عدد الغزوات والسرايا وبين علماء التواريخ في عددها تنازع واختلاف وأقل ما قيل في ذلك ما روى في الصحاح عن زيد بن أرقم أنهن تسع عشرة وعن بريدة انهن ست عشرة وأكثر ما قيل انهن سبع وعشرون وفيما بين العددين خلاف واسع وليس في ذكر الاقل نفي الاكثر والله أعلم. وكان القتال في تسع منها وهي بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف وعد بعضهم وادى القرى والغابة. والسرايا والبعوث ست وخمسون وقيل خمسون وقيل ثمانية وثلاثون والله أعلم.
وقد تم قسم السيرة الغراء وعيون الواردات على سنى عمر المصطفي على أحسن وجوه (الحناء) بالمد (والكتم) بفتح الكاف والفوقية نبت يخلط بالوسيمة يختضب به (خاتمة) كان له صلى الله عليه وسلم برد يلبسه في العيدين والجمعة أخرجه البيهقى في السنن عن جابر وكان له سرج يسمى الراج بالمهملة والجيم وكان له بساط يسمى الكز بالكاف والزاى وكان له ركوة تسمى الصادر أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن أميمة بنت رقيقة وهو الذي شربت منه أم أيمن بوله صلى الله عليه وسلم والعيدان بفتح المهملة جمع عيدانة وهى النخلة الطويلة
(فصل) في عدد الغزوات والسرايا (انهن سبع عشرة) «1» وهي الابواء وبواط والعسرة وبدر والنضير وأحد وحمراء الاسد والاحزاب وقريظة والمصطلق وخيبر ووادى القرى وذات الرقاع ومكة وحنين والطائف وتبوك (وعن بريدة انهن ست عشرة) لعله خفي عليه واحدة وعن جابر احدى وعشرين أخرجه أبو نعيم بسند صحيح عنه فلعل زيد بن أرقم خفي عليه ثنتان وعن ابن المسيب أربع وعشرون أخرجه عبد الرزاق عنه (وأكثر ما قيل) كما عده يوسف بن سعد ان التي خرج فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه (سبع وعشرون) غزوة (وكان القتال في تسع) المتفق عليه سبع وهي بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والطائف على ما قاله المحب الطبري في خلاصة السير قال وفي خمس الخلاف وهى الفتح وحنين والغابة ووادي القرى والنضير (و) اما (السرايا والبعوث) فهي (ست وخمسون) على ما رجحه النووى أو ست وثلاثون على ما قاله ابن اسحاق (أو ثمان وثلاثون) أو ثمان وأربعون على ما قاله الواقدي أو ستون على ما قاله المسعودي أو أكثر من سبعين على ما قاله العراقي أو أكثر من مائة على ما قاله الحاكم في الاكليل ولعله أراد بضم المغازي اليها قاله الحافظ ابن حجر (السير) بكسر المهملة وفتح التحتية جمع سيرة وهي الحالة لكنها أطلقت على أبواب الجهاد لانها متلقاة من أحواله صلى الله عليه وسلم في غزواته (سني عمر المصطفي) بتخفيف الياء وحذفت النون للاضافة
__________
(1) هكذا في الاصل ورواية المتن تسع عشرة(2/173)
الاختصار متضمنا لصحيح الاخبار مما أغفله قدماء المؤرخين ونقله أئمة الحديث بعدهم مع ذكر جمل من أصول الاحكام وبيان الحلال والحرام والفوائد التوام وقد تركت كثيرا مما علم وروده قطعا وجهلت محله زمانا لا خلاله بشرطى وهو أني لا أخرج إلا ما علمت محله من السنين ولو مع الخلاف والله اعلم.
[ (القسم الثانى) في اسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته]
وفيه اربعة أبواب كما سبق
[الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات]
«الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات» اعلم رحمك الله وإياى ان هذا الباب واسع جدا وقد أفرده غير واحد بالتصنيف فمن أوعب التصانيف في ذلك كتاب الشيخ الفاضل أبى الحسين الحرانى المغربى فانه جاء بتسعة وتسعين أسما مبنية عن أوصاف جميلة وشرحها شافيا وأنا أنقل منه ومن غيره مستعينا بالله وبالله التوفيق فمن أجل الاسماء وأعظمها مطابقة للمسمى وأحقها بالتقديم ما ثبت في القرآن العظيم وهو اسمه أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما متضمنا للمدحة وعظيم المنحة أما أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره مرة بعد مرة مثل ممدوح ثم أنه لم يكن محمد حتى كان أحمد وذلك انه حمد ربه ونبّاه وشرفه وذلك تقدم فذكر في الكتب السابقة باحمد فكان حمده لربه قبل حمد الناس له فكان صلى الله عليه وسلم أجل من حمد ربه وأتم من القى عليه الحمد في نفسه فهو أحمد المحمودين واحمد الحامدين وهذا من عظيم العناية أن تضمنت أسماء الثناء عليه فمن مناسبات هذين الاسمين أن انزلت عليه سورة الحمد (والفوائد التوام) جمع تامة أى كاملة.
(القسم الثاني) في أسمائه الكريمة (وهو اسمه أحمد) قال تعالى وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (ومحمد) قال تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وقال تعالي وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وقال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الآية (للمدحة) بكسر الميم أى المدح (والمنحة) أى العطية (أجل) بالنصب (أحمد المحمودين) أي أفضل من استوجب ان يحمد ويثنى عليه بخصال الكمال (وأحمد الحامدين) أي أفضل وأكثر من حمد الله تعالى وأثنى عليه فان حمده ربه جل وعلا حسب معرفته به وبصفاته وهو أفضل من عرف الله تعالى وعرف ما ينبغي ان يئني عليه به (ان تضمنت) بفتح الهمزة (أنزلت عليه سورة الحمد) وهي الفاتحة وتسمى سورة الشكر أيضا وفاتحة الكتاب وام القرآن وسورة الكنز والوافية والكافية وسورة الدعاء وتعليم المسئلة والصلاة لوجوب قراءتها(2/174)
وجعل بيده لواء الحمد وخص بالمقام المحمود الذى تحمده فيه الاولون والآخرون ويفتح عليه من المحامد ما لم يؤت غيره وشرع له ولامته والحمد عند افتتاح الامور وختامها وعند تجدد النعم وتطاور النقم ولذلك ورد وصفهم في كتب الله القديمة بالحمادين لله على كل حال ولم يزل مولاه يرقيه في محامد الاخلاق ومكارم الشيم حتى بلغ اعلاها مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التى استتم بها البناء وقد أتي على هذا المعنى عباس بن مرداس حيث يقول فيه:
ان الاله بنا عليك محبة ... من خلقه ومحمدا سماكا
وقال ابو جعفر:
سمي محمد أنّ الحمد مجتمع ... فيه وفي الاسم للاخلاق تأويل
ثم انه قد ظهر من هذين الاسمين اشتقاق من اسم مولاه فمن اسمائه جل وعلا الحميد ومعناه المحمود ومحمد بمعني محمود وكذا وقع اسمه في الزبور واحمد بمعنى اكثر من حمد واجل من حمد وقد اشار الى هذا المعني حسان حيث يقول:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
ثم ان تسمية اهله له بهذا الاسم على جاهليتهم وجهالتهم لم يكن إلا من عنية فيها والشافية والشفاء والسبع المثاني والقرآن العظيم والنور والرقية وسورة المناجاة وسورة التفويض وفاتحة القرآن وأم الكتاب وسورة الحمد الاولى وسورة الحمد القصري وسورة السؤال (وجعل بيده) يوم القيامة (لواء الحمد) الذي يكون تحته آدم فمن بعده من النبيين (وخص بالمقام المحمود) سبق أول الخطبة الخلاف فيه (وتطاور النقم) اختلافها وتقلبها (ومكارم الشيم) جمع شيمة وهى الخلق أيضا (فهو اللبنة) بفتح اللام وكسر الباء ويجوز اسكانها مع فتح اللام وكسرها (استتم) أي تم وكمل (بها البناء) أشار بذلك الى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنا بيتا فاحسنه واجمله الا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فانا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين (سماكا) بالف الاطلاق (وقال) عبد الله (ابن جعفر) هو الجحفي (سمى) مبني للمفعول آخره سكون لضرورة الشعر (محمد) بترك التنوين لذلك أيضا (ان الحمد) بفتح الهمزة (وفي الاسم) بقطع الهمزة لذلك أيضا (أكثر من حمد) مبني للفاعل (وأجل من حمد) مبني للمفعول (من اسمه) بقطع الهمزة لذلك أيضا (عنية) بتثليث العين والكسر أشهر(2/175)
ربانية وحكمة إلهية قيل ان امه رأت قائلا يقول لها انك قد حملت بسيد هذه الامة فسميه محمدا. ثم من عجائب خصائصه أن منع الله هذين الاسمين على شهرتهما في كتبه القديمة فلم يسم بهما قبل زمانه لئلا يدخل لبس أو شك على ضعفاء القلوب الى ان شاع قبيل وجوده على السنة الاحبار والرهبان والكهان ان نبيا قد اظل زمانه اسمه محمد فسمى قوم من العرب ابناءهم بذلك ولم يدع ممن تسمى بها النبوة ولا ادعاها له احد وصار بعضهم من اصحابه واتباعه
[فصل ومن أسمائه وصفاته في القرآن العظيم]
(فصل) ومن اسمائه وصفاته في القرآن العظيم الرؤف الرحيم ورحمة للعالمين ومزكيهم ومعلمهم الكتاب والحكمة وهاديهم الى صراط مستقيم والمزمل والمدثر والرسول الكريم والنور والمنذر والشاهد والمبشر والنذير والداعى الى الله باذنه والسراج المنير وعبد الله ورسوله وخاتم النبيين والرسول النبى الأمى وطه ويس والنجم الثاقب والشهيد والرسول المبين وسكون النون أعينا (قد أظل زمانه) بالمهملة أي أشرف ويجوز اعجامها (فسمى قوم من العرب أبناءهم بذلك) أى رجاء ان يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالاته قال في الشفاء وهو محمد بن أحيحة بن الجلاح الاوسي ومحمد بن مسلمة الانصارى ومحمد بن البراء البكرى ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفي ومحمد بن خزاعي السلمي لا سابع لهم قال ويقال أول من سمى بذلك محمد بن سفيان واليمن تقول بل محمد بن اليحمد من الازد انتهى وليس هذا من الذين ذكرهم عياض فهم به سبعة وبقى منهم على ما في سيرة ابن مغلطاى محمد بن عزي بن ربيعة بن مسعد المنقري ومحمد بن عثمان السعدي ومحمد الاسرى ومحمد الفقيمى ومحمد بن عيّوارة الليثي ومحمد بن حرمان العمري ومحمد بن خولة الهمداني ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن اسامة بن مالك (وصار بعضهم من اتباعه وصحابته) منهم ابن أحيحة كما ذكره ابن عبد البر وأبو موسي وغيرهما ومحمد بن براء كما عده أبو موسي أيضا في الصحابة ومحمد بن سفيان على خلاف فيه ومحمد بن مسلمة شهد بدرا وغيرها ومات بالمدينة (الرؤف الرحيم) قال تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وهذان الاسمان من جملة ما سماه الله به من أسمائه الحسني وقد عقد لها عياض في الشفاء فصلا ذكر فيه جملة من الاسماء (ورحمة للعالمين) قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (ومزكيهم) أى مطهرهم وقيل يزكيهم يوم القيامة حين يشهدون للرسل (وهاديهم الى صراط مستقيم) وهو دين الاسلام (والمزمر والمدثر) روي النقاش عنه صلى الله عليه وسلم قال في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله (والمنذر) أي المخوف (والنور) أي الذي يهتدى به من ظلام الشرك والاهواء (والشاهد) على أمته يوم القيامة (والمبشر) للمطيع بالجنة (والنذير) للعاصى بالنار (والداعى الى الله) أي الي توحيده (باذنه) أي بأمره (وخاتم النبيين) بفتح الفوقية وكسرها (والامي) سمي به لانه كان أميالا يحسب ولا يكتب ولا يقرأ وهو منسوب الى الام أى هو على ما ولدته أمه وقيل منسوب الي أم القرى وهي مكة (وطه) سمى به لطهارته وهدايته (ويس) سمي به لانه سيد البشر وللمفسرين في تأويل طه ويس تأويلات أخر (والنجم الثاقب)(2/176)
وقدم الصدق ونعمة الله والعروة الوثقى والرسول الامين. قال شيخنا الحافظ برهان الدين ابراهيم بن حسن النحوى أخبرنى شيخي الامام الحافظ على بن احمد الزينبي فيما قرأته عليه ان شاء الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعى في السماء احمد وفي الارض محمد وقيل في القرآن محمد وفي الانجيل أحمد وفي التوراة ابو القاسم والله أعلم.
[فصل ومن اسمائه في كتب الله القديمة]
(فصل) ومن اسمائه في كتب الله القديمة المتوكل والمختار ومقيم السنة والمقدس وقثم وهو الجامع وصاحب القضيب وهو السيف ويحتمل ان القضيب الممشوق الذى يمسكه وصاحب الهراوة وهي العصا وصاحب التاج وهي العمامة وروح الحق وهو معنى البار قليط في الانجيل قيل وهو الذى يفرق بين الحق والباطل وماذ ماذ ومعناه طيب طيب وحمطايا والخاتم والخاتم الاول بكسر الناء والثانى بفتحها ومعناه بالفتح أحسن الانبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسريانية مشقح والمنحمنا واسمه في التوراة أحيد وفي أول سفر منها في وصف أي المضئ المستنير (وقدم صدق) سمي به لانه أول الصادقين في اخلاص العبادة لربه جل وعلا (والعروة الوثقى) سمي به لانه السبب في الوصول الى رضا الله تعالي (الزينبي) بفتح الزاي والنون وسكون التحتية وكسر الموحدة بعدها ياء النسبة (يدعي في السماء أحمد) بالفتح (وفي الارض محمدا) بالنصب والتنوين
(فصل) ومن أسمائه في كتب الله تعالى القديمة (وقثم) بالمثلثة (وهو الجامع الكامل) في خلقه وخلقه قال ابن الاثير ومنه الحديث أتاني ملك فقال أنت قثم وخلقك قثم أى مستقيم (وصاحب الهراوة) بكسر الهاء (وهى العصا) التى كانت تغرز بين يديه فيصلى اليها (وصاحب التاج) بالفوقية والجيم (البار قليط) بموحدة فالف فراء مكسورة فقاف ساكنة فلام مكسورة فتحتية ساكنة بعدها طاء مهملة (وهو الذى يفرق بين الحق والباطل) وقيل هو الحماد وقيل الحامد وقيل الحمد وقيل المخلص (ماذ ماذ) بفتح الميم بعدها ألف غير مهموزة فذال معجمة وقيل انه بميم مضمومة واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف (وحمطايا) بمهملة مفتوحة فميم مشددة فمهملة فالف فتحتية فالف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمي الحرم ويمنع من الحرام ويوطيء الحلال (والخاتم) بالمعجمة (والحاتم) بالمهملة وزعم المصنف ان كليهما بالمعجمة (الاول بكسر التاء والثاني بفتحها) وليس ما زعمه بصحيح بل الكسر والفتح لغتان في الخاتم (بالسريانية) بضم المهملة (مشقح) بميم مضمومة فمعجمة مفتوحة فقاف مكسورة مشددة فمهملة أي ميزت اعلام الهدي بعد اخفائها (و) يسمي بالريحانية «1» (المنحمنا) هو بمعنى محمد قاله أبو الفتح اليعمري في سيرته وهو بميم مفتوحة فنون ساكنة فمهملة مفتوحة فميم مكسورة فنون مشددة مفتوحة فالف (أحيد) بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح التحتية وكسرها آخره مهملة وهو بمعنى محمد
__________
(1) كذا بالاصل.(2/177)
اسمعيل وسيدا عظيم الأمة عظيمة وفيها أيضا يا أيها النبى انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرز للأميين انت عبدي ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا تدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا إله الا الله ويفتح به اعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفي حديث آخر ولا صخب في الاسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدده لكل جميل واهب له كل خلق كريم واجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والاسلام ملته وأحمد اسمه أهدى به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأسمى به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وألف به بين قلوب مختلفة واهواء متشتتة وأمم متفرقة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس.
(فصل) ومن أسمائه التي سمي بها نفسه ما رواه مسلم وغيره عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لى خمسة اسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذي يمحو الله بي الكفر وقيل معناه يحيد أمته عن النار أي يوقفهم عنها (وفيها أيضا) كما رواه البخارى (وحرزا) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أى حفظا (للأميين) هم العرب لان الكتابة عندهم قليلة والأمي من لا يحسن الكتابة (ليس بفظ) أي سيء الخلق (ولا غليظ) أي شديد القول (ولا صخاب) بالمهملة فالمعجمة المشددة من الصخب وهو رفع الصوت ولغة ربيعة فيه بالشين بدل الصاد (الملة) يعني ملة ابراهيم (العوجاء) أى التى غيرتها العرب عن استقامتها فصارت كالعوجاء (وقلوبا غلفا) جمع اغلف وهو ما كان في غلاف وغشاء بحيث لا يوصل اليه (صخب) هو بمعنى صخاب (للخنا) بفتح المعجمة والنون مع القصر وهو الفحش في الكلام (والهدي امامه) بكسر الهمزة (اهدى) بفتح الهمزة أى ارشد (واعلم) بضم الهمزة وتشديد اللام (بعد الجهالة) بفتح المعجمة أى بعد السقوط (واسمى) بضم الهمزة وتشديد الميم (واغنى) بضم الهمزة وسكون المعجمة (بعد العيلة) بفتح المهملة أي الفقر.
(فصل) ومن أسمائه التى سمى بها نفسه (ما رواه) البخارى و (مسلم) والترمذى والنسائي (وانا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) قال العلماء المراد محوه من مكة والمدينة وبلاد العرب وما زوى له من الارض ووعدان يبلغه ملك أمته أو المراد المحو العام وذلك بظهور الحجة والغلبة وجاء في حديث آخر تفسير الماحى في بابه يمحى به سيئات من اتبعه فيكون المراد بمحو الكفر محو ما كان فيه من المعاصى(2/178)
وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمى وأنا العاقب الذى ليس بعده أحد. وروي في حديث آخر عشرة أسماء وذكر هذه الخمسة وزاد وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفي قفيت النبيين وأنا قيم. وروينا في صحيح مسلم أيضا عن أبى موسى الاشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى لنا نفسه اسماء فقال أنا أحمد وأنا محمد والمقفي والحاشر ونبيّ التوبة ونبيّ الرحمة ومن ذلك القاسم وأبو القاسم كما ورد في الصحاح النهى عنهما لغيره فقال انما بعثت قاسما أقسم بينكم وفي رواية فأنا أبو القاسم أقسم بينكم المغفورة بالاسلام (وانا الحاشر) باهمال الحاء واعجام الشين (الذى يحشر الناس على قدمى) بتخفيف الياء على الافراد وتشديدها على التثنية ولما في رواية على عقبي ومعنى ذلك انهم يحشرون على أثره صلى الله عليه وسلم وزمان نبوته ورسالاته لانه خاتم الانبياء لا نبي يبعث بعده وقيل المراد انهم يتبعوه (وأنا العاقب الذى ليس بعده نبي) قال ابن الاعرابى العاقب والعقوب الذى يخلف في الخير من كان قبله ومن ثم سمى ولد الرجل عقبه (وروى في حديث آخر) ذكره في الشفاء وغيره (لى عشرة اسماء) أي موجودة في كتب الله المتقدمة مشهورة عند الامم السالفة فلا ينافي ان له أسماء كثيرة سواها (وأنا رسول الرحمة) أى بعثت بالتراحم قال تعالي رحماء بينهم. وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (قلت) أو لانه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين للمؤمنين في الدارين وللكفار في الدنيا بتأخير العذاب عنهم (ورسول الرحمة) سمى بذلك لان الله جعل ملته حنيفية سهلة سمحة ليس فيها شيء من الآصار والاغلال التي كانت على من قبلنا من بنى اسرائيل (ورسول الملاحم) سمي بذلك لانه بعث بقتال الكفار عموما (وأنا المقفي) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء (قفيت النبيين) بتشديد الفاء أيضا قال ابن الاعرابي أي هو المتبع للاشياء يقال قفوته أقفوه مخفف وقفيته أقفيه مشدد اذا اتبعته فقافية كل شيء آخره (وأناقيم) بفتح القاف وكسر التحتية مشددة وهو الجامع الكامل قال عياض كذا وجدته ولم أروه وأري ان صوابه قثم بضم القاف وفتح المثلثة قال وهو أشبه بالتفسير قال وقد وقع قيم بالتحتية في كتب الانبياء قال داود اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفترة فيكون القيم بمعناه (ونبى التوبة) سمى بذلك لانه جاء بالتوبة التى لم تكن مقبولة قبله الابان يقتل الشخص نفسه أو نحو ذلك مما كان في التوراة من التغليظ وان قلت عندهم كما هى عندنا فقصة الذى قتل تسعة وتسعين نفسا فعلى ندور وقلة (كما ورد في) الاحاديث الصحاح (النهى عنهما لغيره) بقوله تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أنس ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن جابر (انما بعثت قاسما اقسم بينكم في رواية فانا أبو القاسم اقسم بينكم) وفي اخرى انما أنا قاسم والله يعطي من يشاء قال عياض هذا يشعر بان الكنية انما تكون نسب وصف صحيح في المكني أو نسب اسم أبيه قال ابن بطال معناه لم استأثر من مال الله تعالى شيء دونكم وقاله تطييبا لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال هو الله الذى يعطيكم(2/179)
وللعلماء في جواز التسمي بالقاسم والتكني بأبى القاسم مذاهب كثيرة أقربها الى الصواب ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم لئلا يشتبه اسمه باسم غيره فينادى بذلك عند النداء وذلك مصرح به في الحديث ومن ذلك الأمين والمأمون والولى وسيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة ودعوة ابراهيم وأول من تنشق عنه الارض كما ورد ذلك في أحاديث متفرقة انه تسمى بها.
لا أنا وانما أنا قاسم فمن قسمت له شيئا فذلك نصيبه قليلا كان أو كثيرا (وللعلماء في جواز التكنى بابي القاسم مذاهب كثيرة) أحدها عدم الجواز مطلقا لظاهر هذا الحديث ثانيها ان النهي منسوخ لان هذا الحكم كان لمعنى مذكور في الحديث وهوان رجلا بالبقيع نادى يا أبا القاسم فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى لم اعنك انما دعوت فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى وقد زال ذلك المعنى ثالثها ان النهى غير منسوخ ولكن النهى للتنزيه والادب لا للتحريم رابعها ان النهي عن النكنى بابي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر سنذكره خامسها انه ينهى عن التكني بابى القاسم مطلقا وعن التسمية بالقاسم كيلا يكنى أبوه بابي القاسم سادسها ان التسمية بمحمد ممنوعة مطلقا وجاء فيه حديث عنه صلى الله عليه وسلم تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم رواه البزار وأبو يعلي والحاكم عن أنس (أقربها الى الصواب) كما قال النووي ما ذهب اليه مالك وهو أحد ثلاثة مذاهب للشافعي (ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم) دون ما بعده كيلا يجد الكفار سبيلا الى أذاه صلى الله عليه وسلم (وذلك مصرح به في الحديث) كما ذكرته أولا وورد في حديث صحيح ان اليهود يكنوا وكانوا ينادون أبا القاسم فاذا التفت النبى صلى الله عليه وسلم قالوا لم نعنك والمذهب الثانى عدم الجواز مطلقا والثالث الجواز لمن ليس اسمه محمد دون غيره ودليله ما رواه ابن حبان عن جابر من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتى ومن تكنى بكنيتى فلا يسمي باسمى قال البيهقى اسناده صحيح (ومن ذلك الامين والمأمون) سمى بذلك لما اشتهر بامانته عند قريش وغيرهم وسماه الله أمينا على القول بانه المراد في قوله تعالى مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وسمى بذلك نفسه فقال وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء (والولى) سمى بذلك لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقال تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وقال صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم (وسيد ولد آدم) كما روى انه صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد ولد آدم رواه أحمد والترمذى وغيرهما عن أبي شعبة والمراد بالحديث انه سيد آدم وولده وسائر الخلق وانما لم يقل سيد آدم تأدبا مع آدم واذا كان سيد ولد آدم وفي ولده من هو أفضل منه فلأن يكون سيده أولي (وسيد الناس يوم القيامة) كما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة (ودعوة ابراهيم) وهو قوله رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ (وأول من تنشق عنه الارض) كما رواه الشيخان وروى الترمذى والحاكم أنا أول من تنشق عنه الارض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معى ثم انتظر أهل مكة(2/180)
[فصل ومما اشتهر على ألسنة الأمة]
(فصل) ومما اشتهر على ألسنة الامة وروته الخلف عن السلف المصطفي والمجتبى والشفيع والمشفع والمتقى والمصلح والطاهر والصادق والمصدوق وامام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب رب العالمين وصاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود والمحضر المشهود وصاحب الازواج الطاهرات والعلو والدرجات العربي القرشى التهامي المكى المدنى الأبطحي وسيد المرسلين شفيع المذنبين قائد الوافدين على رب العالمين هذا وجميل صفاته وجليل أسمائه باب واسع لا يوقف على نهاية وتكبو خطباء الافكار دون بلاغ غاياته نقل أبو بكر العربى في كتابه الأحوذى في شرح الترمذي عن بعضهم ان لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم أيضا* وذكر القاضى عياض فيما منح الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من أسمائه الحسنى ووصفه به من صفاته العلى فصلا مستقلا جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما وذكر انه لم يسبق الى مثل ذلك ثم ذيلها بفصل آخر رأينا اثباته جملة لما فيه من عظيم الفائدة. قال رحمه الله وها أنا أذكر نكتة أذيل بها هذا الفصل وأختم بها هذا القسم وأزيح بها الاشكال فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم سقيم الفهم تخلصه من مهاوى التشبيه وتزحزحه عن شبه التمويه وهو ان يعتقد ان الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسن أسمائه وعلي صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبّه به وانّ ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق وعلى المخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقى اذ صفات القديم بخلاف صفات المخلوق فكما ان ذاته تعالى لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين اذ صفاتهم لا تنفك عن الاعراض والاغراض (فصل) ومما اشتهر على السنة الامة (والصادق) فيما قاله (والمصدوق) فيما يأتيه له من الوحى (والمحضر) بفتح المعجمة محل الحضور (سماته) بكسر المهملة وبالفوقية جمع سمة أى علامة (وتكبو) بفتح الفوقية وسكون الكاف وضم الموحدة أى يقف يقال كبا الفرس يكبو اذا استقام ولم يبرح (ألف اسم) بالفتح (جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما) وهي الحميد والرؤف الرحيم والحق المبين والنور والشهيد والكريم والاكرم والعظيم والجبار والخبير والفتاح والشكور والعليم والاول والآخر والقوي وذو القوة المتين والصادق والولي والمولى والعفو والهادى والمؤمن والمهيمن وطه ويس (ثم ذيلها) بفتح المعجمة والتحتية المشددة أى جعل لها ذيلا أى طرفا كذيل الثوب (وأزيح الاشكال) بضم الهمزة وكسر الزاي وفي آخره مهملة أى أبعد وأنحى وأزيل (من مهاوى) جمع مهواة وهى المحل الذي يهوي فيه من أعلي لاسفل ويخاف على صاحبه الهلاك (التشبيه) أي تشبيه الباري جل وعلا بغيره (وتزحزحه) أى تؤخره وتنحيه (عن شبه) بضم المعجمة جمع شبهة (وعلو صفاته) بضم المهملة وفتح اللام وبفتحها وكسر اللام وتشديد التحتية (صفات المخلوقين) بكسر التاء علامة الفتح (لا تنفك) أي لا تخلو (عن الاعراض والاغراض) كلاهما باعجام الضاد مع اهمال عين الاول(2/181)
وهو تعالى منزه عن ذلك بل لم يزل بصفاته وأسمائه وكفي في هذا قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ولله در من قال من العلماء العارفين المحققين التوحيد اثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات وزاد هذه النكتة الواسطى رحمه الله بيانا وهي مقصودنا فقال ليس كذاته شيء ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة الا من جهة موافقة اللفظ اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون له صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. وقد فسر الامام أبو القاسم القشيرى قوله هذا ليزيده بيانا فقال هذه الحكاية تشتمل على مسائل التوحيد وكيف تشبه ذاته ذات المحدثات وهي بوجودها مستغنية وكيف يشبه فعله فعل الخلق وهو لغيرها جلب أنس أو دفع نقص حصل ولا بخواطر واغراض وجد ولا بمباشرة ومعالجة ظهر وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه قال وقال آخر من مشايخنا ما توهمتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم وقال الاملم أبو المعالى الجويني من اطمأن الى موجود انتهى اليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن الى النفي المحض فهو معطل وان قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد. وما أحسن قول ذى النون المصري حقيقة التوحيد ان تعلم ان قدرة الله في الاشياء بلا علاج وصنعه له بلا مزاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله بخلافه وهذا كلام عجيب نفيس محقق والفصل الآخر تفسير لقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ والثانى تفسير لقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ والثالث تفسير لقوله إِنَّما
واعجام عين الثاني وعكسه (الواسطى) هو أبو بكر محمد بن موسى خراساني الاصل من فرغانة قال القشيري صحب الجنيد والثورى وكان عالما كبيرا وأقام بمرو ومات بها بعد العشرين وثلاثمائة (ولا بخواطر واغراض) بالغين المعجمة (وجد) بضم الواو وكسر الجيم ثم مهملة (الامام أبو المعالى الجويني) هو إمام الحرمين عبد الملك النيسابوري جاور بمكة والمدينة أربع سنين فمن ثم قيل له امام الحرمين ثم عاد الى نيسابور ومات بها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (وما أحسن قول ذى النون) ثوبان ابن ابراهيم الاخميمي (المصري) قال القشيري كان أبوه نوبيا قال ومن كلامه مدار الكلام على أربعة اضرب حب الجليل وبغض القليل واتباع التنزيل وخوف التحويل توفي سنة خمس وأربعين ومايتين وكان سبب مقالته هذه انه قام رجل بين يديه فقال أخبرني عن التوحيد ما هو فقال أن تعلم أن قدرة الله الى آخره (ولا علة لصنعته) زاد القشيري في الرسالة وليس في السموات العلى ولا في الارضين السفلى مدبر غير الله عز وجل (والفصل الآخر) وهو قوله ما تصور في وهمك فالله بخلافه لانه عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (والثاني) وهو قوله علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه فلا يسئل عما يفعل لان الشيء اذا لم يكن له علة فلا معنى للسؤال عنه (والثالث) وهو قوله أن يعلم أن قدرة الله في الاشياء بلا علاج بل(2/182)
قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثبتنا الله واياك على التوحيد والاثبات التنزيه وجنبنا طرفي الضلالة والغواية عن التعطيل والشبيه بمنه وكرمه ورحمته.
[الباب الثاني في صفة خلقه وخلقه]
(الباب الثاني في صفة خلق سيد المرسلين وخلقه الوسيم وتناسب) «أعضائه واستواء أجزائه وما جمع الله فيه من الكمالات» اعلم رحمك الله وإياي انه ورد في كثير من الاحاديث عن جمع من الصحابة دخل حديث بعضهم في بعض انه صلى الله عليه وسلم كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد الدانى وليس بالابيض الأمهق ولا بالآدم أزهر اللون وفي رواية أبيض مشربا بحمرة وسيما قسيما في عينيه دعج وفي بياضهما عروق رقاق حمرا نجل أهدب الاشفار أبلج أزج الحواجب سوابغ من غير قرن بينهما عرق يده الغضب أقني أفلج أشنب هى يقول كن (التعطيل) هو تعطيل الباري جل وعلا من صفاته كما تقوله المعتزلة.
(الباب الثاني) في صفة خلقه الوسيم (عن جمع من الصحابة) منهم على وأنس بن مالك وأبو هريرة والبراء وعائشة وابن أبي هالة وأبو جحيفه وجابر بن سمرة وأم معبد وابن عباس ومعرض بن معيقيب وأبو الطفيل والعداء بن خالد وحذيم بن فاتك وحكيم بن حزام (كان ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة وفتحها أى مربوعا متوسطا وسمي مقصدا أيضا (البائن) الخارج في الطول عن حد الاعتدال لان فرط الطول مما يذم به الشخص وكذا فرط القصر وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سجد شكرا لرؤية رجل قصير (الامهق) بالقاف هو الناصع البياض كلون البرص (ولا بالآدم) بمد الهمزة أي الاسمر وهذا الحديث يرد ما في رواية عن أنس أنه كان أسمر فان هذه الرواية عن أنس أيضا أزهر اللون أي نيره وحسنه ومشرقه (مشربا) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الراء مخلوط (وسيما) أي حسنا جميلا (قسيما) بالقاف بوزن الاول ومعناه (في عينيه دعج) بفتح المهملتين ثم جيم والدعج شدة سواد الحدقة (أنجل) بفتح الهمزة والجيم بينهما نون ساكنة أي واسع العينين حسنهما (أهدب) بالمهملة (الاشفار) أي أشفار العينين وهي حروف أجفانهما والمعنى انه كان كثير الاهداب وهي الشعر النابت على حرف العين (أبلج) بفتح الهمزة واللام بينهما موحدة ساكنة آخره جيم أي مشرق الوجه نقي الشعر بين الحاجبين (أزج الحواجب) بفتح الهمزة والزاى والجيم أي مقوسمها مع طول فيهما وامتداد ودقة (سوابغ) أي توام (من غير قرن) بفتح القاف والراء أي من غير أن يتصل شعر حاجبيه والقرن ضد البلج وهذا الحديث مقدم على حديث أم معبد انه كان أقرن (بينهما) أى بين الحاجبين (عرق) مستطيل (يدره) بضم أوله وكسر المهملة وتشديد الراء أي يظهره (اقنى) أى محدودب (الأنف) لارتفاع وسطه على طرفيه (افلج) بالفاء والجيم أي متباعد ما بين الثنايا (أشنب) بالمعجمة والنون الموحدة أي أبيض الفم نيره(2/183)
سهل الخدين مدور الوجه واسع الجبين ظاهر الوضاءة معتدل الأجزاء ليس بمطهم ولا مكلثم كث اللحية تملأ صدره عظيم الهامة رجل الشعر كانه مشط فتكسر قليلا يبلغ مرة الى منكبيه ومرة الى أصول أذنيه ومرة الى فروعهما ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء يواريهن الدهن في صوته صحل وفي عنقه سطع كانه جيد دمية في صفاء الفضة بادنا متماسكا ويفتر عن مثل البرق أو عن مثل حب الغمام يخرج نور من بين ثناياه اذا تكلم تلألأ وجهه نورا تلألأ القمر ليلة البدر وان صمت فعليه الوقار وان تكلم سماه وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نذر ولا هذر كان منطقه خرزات نظمن دقيق المسربة من لبته الى سرته كالخط أو كالقضيب أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر سواء البطن والصدر مسيح الصدر (سهل الخدين) أى أملسهما ليس فيهما نتو ولا انخفاض (مدور الوجه) أي مستديره (واسع الجبين) وهو جانب الجبهة (ظاهر الوضاءة) بفتح الهمزة والواو والمعجمة ومد الهمزة أي الحسن والجمال (ليس بمطهم) بضم الميم وفتح المهملة والهاء المشددة وهو المنتفخ الوجه والفاحش السمن قولان (ولا مكلثم) بضم الميم وفتح الكاف والمثلثة وسكون اللام وهو القصير الحنك الناتيء الجهة (كث) أى كثير شعر (اللحية) بكسر اللام أشهر من فتحها (رجل الشعر) بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها قال في الصحاح الشعر الرجل الذي ليس شديد الجعودة ولا سبطا (يواريهن الدهن) أي يسترهن فلا يبدين معه (صحل) بفتح المهملتين أي بحه (سطع) أى ضوء (كأنه جيد) بكسر الجيم وسكون التحتية ثم مهملة أي عنق (دمية) بضم المهملة وسكون الميم ثم تحتية وهو الصورة من العاج (بادنا) بالنون أى ذا لحم ليس بنحيف ولكن كان (متماسكا) أى يمسك بعضه بعضا يعني أنه مع كونه كبير الجثة ليست خارجة عن حد الاعتدال في العظم (يفتر) أى يبدى اسنانه (عن مثل سنا البرق) بفتح المهملة والنون أي نوره (حب الغمام) هو البرد (فعليه الوقار) أي الهيبة (وعلاه البهاء) بفتح الموحدة أي الجمال (وابهاه) أى ابهاهم قال أبو حاتم وغيره هكذا تقول العرب فأنهاه يريدون وأنهاهم ومنه الحديث خير نساء ركبن الابل نساء قريش أشفقه على ولد واعطفه على زوج (فصل) بفتح الفاء وسكون المهملة أي بين ليس بهذا لا يفهم (لا نذر) بفتح النون وسكون الزاي ثم راء أى ليس قليلا يدل على عدم القدرة على الكلام (ولا هذر) بوزن الاول أي كثيرا بغير حاجة بل كان كلامه وسطا بين القليل وغير المفيد والكثير الممل كما في حديث آخر لا فضول فيه ولا تقصير (دقيق المسرية) بفتح الميم وسكون المهملة وضم الراء وفتح الموحدة وهي حبة الشعر بين الصدر والسرة (من لبته) بفتح اللام والموحدة المشددة بعدها فوقية واللبة المنحر وجمعه لبات ولبت وموضع القلادة من الصدر (شعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر) أي كثير الشعر في هذه الاماكن بخلاف الابط والعانة فانه لم يكن له شعر بهما (سواء البطن والظهر) أي مستويهما والسواء بالفتح والمد (مسيح الصدر) بالمهملتين والتحتية بوزن عظيم(2/184)
ضخم العظام عبل العضدين والذراعين والاسافل بعيد ما بين المنكبين طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين واسعهما مسح القدمين ينبو عنهما الماء اذا زال زال تقلعا ويخطو تكفوأ ويمشى هونا ذريع المشية اذا مشى كانما ينحط من صبب قال أبو هريرة إنا لنجهد أنفسنا وانه غير مكترث نظره الى الأرض أطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة واذا التفت التفت جميعا اذا عرق انحدر مثل الجمان في رائحة المسك من رآه بديهة هابه وفرق لرؤيته ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله. قال البراء بن عازب ما رأيت من ذي لمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة ما رأيت شيأ أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه واذا ضحك تلألأ وجهه كالبدر. وقال جابر بن سمرة قال رجل كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف فقال لا بل مثل الشمس والقمر وكان مستديرا وقال أنس ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط كانت أطيب من رائحة أى ممسوح الصدر مستوبه (ضخم العظام) عظمها (عبل) بفتح المهملة وسكون الموحدة بمعني ضخم (والاسافل) يعنى الفخذين والساقين (الزندين) بفتح الزاى وسكون النون عظم الذراعين (رحب) بفتح الراء وسكون المهملة أى واسع (شثن) بفتح المعجمة وسكون المثلثة قال في النهاية معناه أن كفيه وقدميه يميلان الى الغلظ والقصر وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر وذلك محمود في الرجال (مسح القدمين) أي أملسهما فمن ثم قال (ينبو عنهما الماء) بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة أى يرتفع ويزول لملاستهما وقيل معناه انه ليس له أخمص وقيل لا لحم عليهما (اذا زال) اذا مشى (زال تقلعا) بفتح الفوقية والقاف وضم اللام المشددة بعدها مهملة والتقلع رفع الرجل بقوة (ويخطو تكفوأ) بفتح الفوقية والكاف وضم الفاء ثم همزة أي يتمايل الى قدام وقال شمر مال يمينا وشمالا كما تتكفأ السفينة وخطأه الازهري وقال ان هذه مشية المختال وقال عياض لا بعد فيما قاله شمر اذا كان خلقة وجبلة والمذموم منه ما كان مستعملا مقصودا قال ابن الاثير ويروي أيضا غير مهموز وذلك لانهم تركوا الهمزة منه تخفيفا فالتحق بالفعل المعتل نحو تمشا تمشيا واثبات الهمزة هو القياس (ويمشى هونا) بفتح الهاء وسكون الواو أي مع رفق ووقار (ذريع المشية) باعجام الذال واهمال العين أى واسع الخطو يرفع رجليه بسرعة ويمد خطوه خلاف مشية المختال مع رفق ونثبت دون عجلة (كانما ينحط من صبب) بفتح المهملة وتكرير الموحدة أى مكان مرتفع (غير مكترث) بالمثلثة أي غير مبال (جل) بضم الجيم وتشديد اللام أى معظم (مثل الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم حب اللؤلؤ (ذى لمة) بكسر اللام وتشديد الميم الجمة سميت بذلك لا لمامها بالمنكبين (في حلة) بضم المهملة وتشديد اللام وهي الثوبان غير لفيفين ازار ورداء (ما مسست) بكسر السين الاولى على الاشهر (ولا شممت) بكسر الميم الاولى على الاشهر أيضا(2/185)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ينشد عند رؤيته:
أمين مصطفي بالخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلام
وقد أسلم غير واحد لبديهة رؤيته. وقد قال نفطويه في قوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ انه مثل ضربه الله لنبيه يقول كان منظره يدل على نبوته وان لم يتل قرآنا كقول ابن رواحة:
لو لم يكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره يأتيك بالخبر
وكان عمر ينشد بين جلسائه قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان:
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة البدر
ثم يقول عمر وجلساؤه كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن كذلك غيره وقيل ان امرأة استأذنته في المدح فأذن لها فقالت:
وأفطن منك لم تر قطّ عيني ... وأحسن منك لم تلد النساء
حسنت طرفا وشرفت قدرا ... كأنك قد خلقت كما تشاء
وقالت عائشة بأبي وأمى أنت لو رآك الشاعر لعلم انك أحق بقوله:
ومبرأ من كل غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضل
واذا نظرت الى أسرة وجهه ... برقت كمثل البارق المهّلل
وقال شرف الدين الا بوصيري:
(زايله) بفتح الزاى والتحتية واللام أي زال عنه وذهب (انه مثل) بكسر الهمزة (منظره) بفتح المعجمة
(لو لم يكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره يأتيك بالخبر)
قبل هذا البيت
نفسي الفداء لمن أخلاقه شهرت ... بانه خير مبعوث الى البشر
عمت فضائله كل الانام كما ... عم البرية ضوء الشمس والقمر
(هرم) بفتح الهاء وكسر الراء (ابن سنان) بكسر المهملة بعدها نون (وافطن) بالنصب ويجوز الضم (طرفا) بفتح المهملة وسكون الراء ثم فاء (غبر) بضم المعجمة وتشديد الموحدة أى بقايا (معضل) هو الذي أعيا الاطباء (أسرة وجهه) بفتح الهمزة وكسر المهملة وتشديد الراء وهي الخطوط التى في الوجه (المتهلل) المستضئ(2/186)
أكرم بخلق نبي زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر مبتسم
كالزهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدهر في همم
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف ... من معدنئ منطق منه ومبتسم
وقال أيضا
منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقال أيضا
أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
والأخبار والأشعار في نعوت خلقته الجليلة كثيرة منتشرة ولو ذهبت في تتبعها لخرجت عن المقصود فسبحان من جمع له المحاسن التامة وجعله رحمة للناس عامة وقرن محبته بمحبته وطاعته بطاعته وجعل صلاح الدارين منوطا باتباعه ولقد أحسن من قال:
هذا هو المجد الذي قدغدا ... لا يصل الكل الى بعضه
سماؤه في أرضه وهى لم ... تكن لتعلو سوى أرضه
فكل من قام به حبّه ... قام بفرض الله في فرضه
عين رضى الله رضاه فمن ... أراد يرضي الله فليرضه
(فصل) في صفة خاتم النبوة فهو من جملة أجزائه الخلقية صلى الله عليه وآله وسلم وأوله ان الملكين لما شقا قلبه ولأماه وضعا الخاتم حينئذ والحكمة فيه انه لما ملئ حكمة وإيمانا ختم (مشتمل) بالخير صفة نبي (بالبشر) بكسر الموحدة (مبتسم) بالفوقية فالمهملة أي متخلق (في ترف) بفتح الفوقية والراء ثم فاء أي في لين (في شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي علو (المكنون) المحفوظ في الصدف (في صدف) بفتح المهملتين بعدهما فاء (من معدني منطق منه ومبتسم) حاصله تشبيه كلامه صلى الله عليه وسلم في كونه فصلا باللؤلؤ المنظوم في تتابعه وتشبيه مبسمه به في صفائه (غير منقسم) على غيره بل هو مستأثر به لم يقاسمه فيه أحد (إن له) بكسر الهمزة (من قلبه نسبة) أي كما أن قلبه شق صلى الله عليه وسلم كذلك شق له البدر مناسبة (وقرن محبته بمحبته) فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (وطاعته بطاعته) قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (المجد) الكرم (من قام به) أي وجد فيه (حبه) أى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قام بفرض الله) أى بواجب الله (في فرضه) أي في اتخاذ محبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(فصل) في صفة خاتم النبوة (وأوله أن الملكين لما شقا قلبه ولأماه وضعا الخاتم الى آخره) سبق أول الكتاب أن هذا قول عياض رحمه الله وأن النووى قال أنه ضعيف باطل وذكرت الجمع بينهما(2/187)
عليه كالوعاء المملوء مسكا اودرا ثم يختم عليه ومحله أسفل من غضروف كتفه اليسرى وهو الموضع الذى يوسوس منه الشيطان من غيره وهو بضعة ناشزة لونها كلون جسده عليها خيلان والخلاف في صفته منتشر نحو من عشرين قولا منها كزر الحجلة وكبيضة الحمامة وكالسلعة وكالجمع وكأثر المحجمة القابضة على اللحم وكالتفاحة وقد سبق انه لم يكن لنبي قبله وان فيه اشارة انه خاتم النبيين.
ثم (غضروف) بضم الغين وسكون الضاد المعجمتين وضم الراء وسكون الواو ثم فاء وهو العظم الدقيق الذي على طرف الكتف وسمى ناغضا ونغضا بالمعجمتين وقيل الناغض أعلى الكتف (بضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة ثم عين مهملة أى قطعة من لحم (ناشزة) أى مرتفعة (خيلان) بكسر المعجمة وسكون التحتية جمع خال وهي الشامة في الجسد منها انه كان (كزر الحجلة) كما في الصحيحين وغيرهما وزرها بزاي ثم راء والحجلة بفتح المهملة والجيم وهي واحدة الحجال وهى البشخانة وهي بيت كالقبة لها ازرار كبار وعري هذا هو الصواب المشهور الذى قاله الجمهور وقيل الحجلة الطائر وزرها بيضها وروي بتقديم الراء على الزاي وعليه فيكون المراد البيض يقال أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي اذا كبست ذنبها في الارض فباضت ومنها انه كان (كبيضة الحمامة) كما في صحيح مسلم وغيره (و) منها انه كان (كالسلعة) بكسر السين وسكون اللام رواه قاسم بن ثابت في دلائله وأسنده أحمد أيضا (و) منها انه كان (كالجمع) بضم الجيم وسكون الميم وهو صورة الكف بعد جمع الاصابع وضمها رواه مسلم في صحيحه أيضا (و) منها انه كان (كأثر المحجمة القابضة) رواه أحمد وابن هشام في السيرة وغيرهما (و) منها انه كان (كالتفاحة) رواه أحمد والترمذي وغيرهما ومنها انه كان كركبة عنز رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ومنها انه كان من نور رواه يحيى بن مالك ومنها انه كان بضعة ناشزة من لحم كما مر في كلام المصنف ذكره الترمذى وابن اسحاق وغيرهما وعزاه النووي وغيره الى رواية البخاري أيضا ومنها انه كان ثلاث شعرات مجتمعة رواه أبو بكر بن أبى خيثمة ومنها انه كان شامة بين كتفيه خضراء منحفرة في اللحم قليلا رواه ابن أبي خيثمة أيضا ومنها انه كان خيلانا مجتمعة رواه ابن أبى خيثمة أيضا ومنها انه كان كثبة صغيرة تضرب الي الدهمة رواه الحاكم في تاريخ نيسابور عن عائشة واتفقت الروايات كلها على انه كان في الجانب الايسر الا ابن أبي خيثمة فقال كان الخاتم مما يلى منكبه الايمن فيه شامة سوداء تضرب الي الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها من عرف فرس وللترمذي الحكيم في باطنه الله وحده لا شريك له وفي ظاهره توجه حيث شئت فانك المنصور وأنكر ذلك ابن دحية في كتاب الآيات البينات (خاتمة) روي الحاكم في تاريخ نيسابور عن عائشة انها قالت لمسته حين توفي فوجدته قد رفع ونحوه في دلائل البيهقي عن أسماء بنت عميس.(2/188)
[الباب الثالث في خصائصه صلى الله عليه وسلم]
(الباب الثالث في خصائصه صلى الله عليه وسلم وهى نوعان حسبما تقدم)
[النوع الأول فيما اختص به صلى الله عليه وسلم هو وأمته من الفضائل وأنواع الكرامات]
النوع الاول فيما اختص به صلى الله عليه وسلم هو وأمته من الفضائل وأنواع الكرامات وهذا الباب واسع يستدعى الكلام فيه الى مجلدات ومحله التتبع والنقل ونحن نذكر طرفا صالحا من عيونه ان شاء الله تعالى
[فمن ذلك شفاعته العظمى في اراحة الناس من موقف القيامة]
فمن ذلك شفاعته العظمى في اراحة الناس من موقف القيامة حين يموج الناس بعضهم في بعض ويذهب عرقهم في الارض سبعين ذراعا ويلجم بعضهم الجاما فتفزع اليه الأولون والآخرون بعد فزعهم الى الانبياء قبله واعتذار كل واحد منهم وقوله نفسى نفسى اذهبوا الى غيري حتى يقول آخرهم عيسى صلوات الله عليه لست لها ولكن عليكم بمحمد عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون محمدا فيقول أنا لها ويخر ساجدا شافعا فيقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فيوضع الصراط ويحاسب الناس ويراحون وهذا هو المقام المحمود الذي وعده يحمده فيه الأولون والآخرون. روينا في صحيح البخاري عن آدم بن على قال سمعت ابن عمر يقول ان الناس يصيرون يوم القيامه حتى كل أمة تتبع نبيها فيقولون يا فلان اشفع لنا يا فلان اشفع لنا حتى تنتهى الشفاعة الى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد الناس يوم القيامة وتدرون لم ذاك يجمع الله الأولين والآخرين وذكر حديث الشفاعة ودل متفرقات الاحاديث على ان له صلى الله عليه وسلم سوى هذه الشفاعة شفاعات أربعا احداهن في تعجيل من لا حساب عليه من أمته الى الجنة وهم سبعون ألفا مع كل ألف (الباب الثالث في خصائصه) (يموج الناس) أى يختلط بعضهم ببعض (ويلجم) بالجيم أى يصير موضع اللجام (عبد) بالجر بدل من محمد (جثا) بضم الجيم وفتح المثلثة المخففة جمع جثوة وهي الشيء المجموع قاله ابن الاثير وروى بتشديد المثلثة جمع جاث وهو الجالس على ركبتيه (أنا سيد الناس يوم القيامة) انما خص يوم القيامة مع كونه سيدهم في الدنيا والآخرة لان سودده يظهر يومئذ لكل أحد فلا يبقى منازع ولا مشارك ولا معاند بخلاف الدنيا فقد وجد ذلك فيها وهذا على حد قوله تعالى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ مع أن الملك له جل وعلا قديما وأخيرا لكن كان في الدنيا من يدعي الملك ويضاف اليه مجازا فانقطع كل ذلك في الآخرة (شفاعات اربعا) بل أكثر سنذكره اختص ببعضها وشورك في الباقي (احداهن في تعجيل من لا حساب عليه من أمته) كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة فارفع رأسى فاقول أمتي يا رب أمتى يا رب فيقال يا محمد ادخل من أمتك(2/189)
سبعون ألفا. الثانية فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم. الثالثة فيمن قال لا إله الا الله الرابعة في رفع درجات ناس في الجنة. وورد في حديث لا أزال أشفع حتى يقول خازن النار يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة*
[ومنها أنّه صلى الله عليه وسلّم أول الناس خروجا حين البعث]
ومن خصائصه يوم القيامة ما رواه الترمذي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس خروجا اذا بعثوا وأنا قائدهم اذا وفدوا وأنا خطيبهم اذا أنصتوا وأنا شفيعهم اذا حبسوا وأنا مبشرهم اذا أبلسوا لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ويطوف علىّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم في ذلك المقام غيري وعن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لى فأدخلها فيدخلها معي فقراء المهاجرين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. وفي حديث آخر ما ترضون أن يكون ابراهيم من لا حساب عليهم من الباب الايمن من أبواب الجنة وهذه من خصائصه كالتى في فصل القضاء (الثانية فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم) وحديثها مروي في الصحيحين وغيرهما من وجوه متعددة بطرق كثيرة وهذه ليست من خصائصه نعم قال عياض ان شفاعته لاخراج من في قلبه مثقال حبة من ايمان مختصة به (الثالثة فيمن قال لا اله الا الله) لا يحسن عد هذه شفاعة مستقلة بل هي من جملة الاولى (الرابعة في رفع درجات ناس في الجنة) قال مجد الدين الشيرازى وما لذلك عندنا من دليل صريح غير انه يستأنس له بحديث أنس عن مسلم يرفعه أنا أول شفيع في الجنة انتهي وبقي من الشفاعات شفاعته في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلوها أخرج حديثها أحمد من حديث أنس وأخرجه البيهقي من حديث ابن عباس وشفاعته في تخفيف العذاب عمن استحق الخلود في النار كابي طالب ونسبه انها من خصائصه وشفاعته في فتح باب الجنة أخرج حديثها أحمد ومسلم من حديث أنس وهي من الخصائص وشفاعته لمن مات بالمدينة وشفاعته لمن صبر على لأوائها وجهدها وكل هذه مروية في الاحاديث الصحيحة وشفاعته لمن أجاب المؤذن ثم صلى عليه وسأل له الوسيلة وشفاعته في أطفال المشركين حتى يدخلوا الجنة ذكرها القاضي عن بعضهم وشفاعته لجماعة من صلحاء المؤمنين فيتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكرها القزويني في العروة الوثقي وشفاعته في زائريه رواها ابن حبان عن أنس (اذا حبسوا) مبنى للمفعول (اذا أبلسوا) بالموحدة أي يئسوا كما في بعض نسخ الترمذى (بيدى) بكسر المهملة وتخفيف التحتية على الافراد روي أحمد والترمذي (عن أبى سعيد)(2/190)
وعيسى فيكم يوم القيامة ثم قال أنهما في أمتي يوم القيامة أما ابراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلنى في أمتك وأما عيسى فالانبياء اخوة بنو علات أمهاتهم شتى وان عيسى أخى ليس بيني وبينه نبى وأنا أولى الناس به.
[ومنها اختصاصه صلى الله عليه وسلّم بالوسيلة والحوض والكوثر]
ومن خصائصه في الجنة اختصاصه بالوسيلة وهى أعلا درجة في الجنة قال صلى الله عليه وسلم من سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة. ومن ذلك اختصاصه بالحوض والكوثر وهو نهر يسيل في حوضه حافتاه قباب اللؤلؤ ومجراه على الدر والياقوت سعد بن مالك بن سنان كما مر (بنو علات) بفتح المهملة وتشديد اللام جمع علة وهي الضرة سميت بذلك لان الرجل يتزوجها على ولاء كانت قبلها فكانه عل منها والعلل الشرب الثاني فبنو العلات أولاد الرجل من نسوة ومعنى هذه ان الانبياء كلهم متفقون على أصول الشريعة متباينون في فروعها بخلاف عيسى فانه موافق شريعته صلى الله عليه وسلم أصولا وفروعا لانه سيقضي بها بعد نزوله (فائدة) الاخوة اذا كانوا من نساء شتي فهم بنو العلات وان كانوا من أب أو أم فهم بنو اعيان وان كانوا من أم واحدة وآباؤهم شتى فهم بنو أخياف بالمعجمة والتحتية والفاء (وأنا أولي الناس به) وذلك لما ذكر من عدم الواسطة بينهما ولانه من اتباعه كما مر ولما أخرجه الترمذى عن عبد الله بن سلام قال مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه قال أبو داود المدنى قد بقي في البيت موضع قبر (قال صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى (من سأل الله لى الوسيلة) هذا طرف من حديث أوله اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو (حلت عليه الشفاعة) أى وجبت له (بالحوض) هو الذى يشرب منه المؤمنون عند خروجهم من القبور (والكوثر) يشربون منه بعد دخولهم الجنة كما ذكره القرطبي وغيره وما ذكره من الاختصاص غير صحيح فقد أخرج الترمذي عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبي حوضا ترده أمته وانهم يتباهون ايهم أكثر وارده قال الترمذي حسن غريب وقال البكرى لكل نبي حوض الا صالحا فان حوضه ذرع ناقته واعلم ان أحاديث الحوض صحيحة والايمان به فرض وهو عند أهل السنة على ظاهره وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو بكر الصديق وعمر وابن عمر وأبو سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وام سلمة وعقبة بن عامر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وأبو امامة وعبد الله بن زيد وأبو ندرة وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابجي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبى بكر وخولة بنت قيس وأبو هريرة وعائذ بن عمرو وأبو ذر وغيرهم وخرجه من الحفاظ أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم بروايات متعددة وصفات متنوعة (حافتاه) بالمهملة والفاء والفوقية أي جانباه (قباب) بالقاف والموحدة جمع قبة (ومجراه على الدر والياقوت)(2/191)
وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ومن خصائصه ما روي أبو ذر وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة انه قال أعطيت خمسا وفي بعضها ستا لم يعطهن نبي قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فايما رجل من أمتى وتربته أطيب ريحا من المسك كما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر (وأبيض) أى أشد بياضا كما جاء في كثير من الروايات وهذا الحديث يدل على صحة التعجب بافعل فيما زاد ماضيه على ثلاثة أحرف وكان لغة قليلة وهو خلاف ما يقوله النحويون انه انما يتعجب من مصدره ويبنى له فعل ثلاثي فلا يجوز عندهم ما أبيض زيدا مثلا بل ما أشد بياضه (من الثلج) وفي رواية من الورق أى الفضة وفي أخري من اللبن وكل ذلك على جهة التمثيل لشدة بياضه فذكر صلى الله عليه وسلم مرة الثلج ومرة الورق ومرة اللبن فروي كل ما سمعه ومن تتمة حديث الحوض ان كيزانه وفي رواية أكوزه وفي أخري آنيته كنجوم السماء من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا زاد الترمذي والحاكم عن ثوبان أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا يفتح لهم السدد وان عرضه كما بين صنعاء والمدينة وفي رواية مسيرة شهر وفي أخرى من عدن الى عمان البلقاء وفي أخرى كما بين ايلة والجحفة وفي أخرى بين ناحيتيه كما بين جرنا وأذرح وفي اخرى ما بين الكعبة الى بيت المقدس قال عياض وغيره وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجبا للاضطراب فانه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الروايات عن جماعات من الصحابة سمعوها في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك من الافهام لبعد ما بين البلاد المذكورة لا على التقدير بل للاعلام بعظم بعد المسافة فيهن تجتمع الروايات انتهي قال النووي وليس في القليل من هذه المسافاة منع الكثير فالكثير ثابت على ظاهر الحديث ولا معارضة (فائدة) خرج صاحب الغيلانيات من حديث حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان على حوضي أربعة أركان فاول ركن منها في يد أبي بكر والركن الثاني في يد عمر والركن الثالث في يد عثمان والركن الرابع في يد على فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه على (أعطيت خمسا) هذه رواية في الصحيحين وسنن النسائى (وفي بعضها ستا) في رواية لمسلم عن أبى هريرة (نصرت بالرعب) زاد أحمد من حديث أبي امامة يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر) بالنصب وللطبراني عن أبن عباس نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيره شهرين وأراد شهرا أمامه وشهرا خلفه كما أخرجه الطبراني عن السائب بن بريد مرفوعا والمراد مسيرة شهر من أول بلاد الكفر المتصلة ببلاد الاسلام على الصحيح (وجعلت لي الارض) زاد أحمد عن أبي امامة ولأمتي (مسجدا) أى موضع سجود أى صلاة زاد ابن عمر وفي رواية وكان من قبلى انما يصلون في كنائسهم (وطهورا) ولمسلم من حديث حذيفة وجعلت تربتها لنا طهورا اذا لم يجد الماء ونحوه لاحمد عن على واستدل به أصحابنا على تعين التراب للتيمم (فانما) ما زائدة وما مبتدا (رجل) بالجر باضافة(2/192)
أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم تحل لنبي من قبلي وبعثت الى الناس كافة وأعطيت الشفاعة وفي رواية وقيل لى سل تعطه وفي أخرى وعرض علىّ أمتى فلم يخف على التابع من المتبوع وفي حديث نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وبينا أنا نائم أذجئ بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدي وفي رواية وختم بي النبيون. وفي حديث عن أبى وهب انه قال قال تعالى سل يا محمد فقلت ما أسأل يا رب اتخذت ابراهيم خليلا وكلمت موسي تكليما واصطفيت نوحا وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده فقال الله تعالى ما أعطيتك خير من ذلك أعطيتك الكوثر وجعلت اسمك مع اسمي ينادى به في جوف السماء وجعلت الأرض طهورا لك ولامتك وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر فأنت تمشي في الناس مغفورا لك ولم أصنع ذلك لأحد قبلك وجعلت قلوب أمتك مصاحفها وخبأت لك شفاعتك ولم أخبأها لنبى غيرك. وفي حديث أعطاني ربى ان لا تجوع أمتى ولا تغلب وأعطانى النصر والعزة والرعب يسعى بين يدى أمتى شهرا وأحل لنا كثيرا أي اليه (أدركته الصلاة فليصل) أى لان عنده طهوره ومسجده كما لاحمد عن أبي امامة ونحوه وللبيهقي عنه (وأحلت لي الغنائم) وللكشميهني في البخاري المغانم وأراد المأخوذ من مال الكفار فيأ كان أو غنيمة (ولم يحل) بالبناء للمفعول وللفاعل والاول أحسن من أجل أحلت (لنبى) في رواية لاحد (قبلى) أي لان أكثرهم لم يؤذن له في الجهاد ومن أذن لهم فيه كانوا اذا غنموا شيئا لم يحل لهم أكله فتجئ نار بيضاء من السماء فتحرقه وبعثت الى الناس كافة في رواية عامة ولمسلم الي كل أحمر وأسود وكان غيره من الانبياء يبعث الى قومه خاصة واستشكل ذلك بنوح حيث دعا على جميع أهل الارض فاهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا اليهم لما أهلكوا وأجيب عن هذه الجوابات أحسنها ما قاله الحافظ ابن حجر أنه لم يكن في الارض عند ارسال نوح الا قومه فبعثه خاصة لكونها الى قومه فقط لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا اليهم قال في التوشيح وترشحه أمران أحدهما قرب مدته من آدم فكان النسب بينه وبين الموجودين شيأ قريبا غير بعيد وهو المراد بالقوم والثانى طول مدته فان الف سنة الا خمسين عاما يتيسر فيها من عشيرة الانسان ما يملأ الارض (في يدى) بالافراد والتثنية (أعطيتك الكوثر) يعنى الثانى الذي في الجنة فهو من خصائصه وانما شاركه الانبياء في الاول (وجعلت قلوب أمتك مصاحفها) أي يقرؤن القرآن عن ظهر غيب وهو معني حديث آخر اناجيلهم في صدورهم وكان من سبق لا يقرأ الكتاب المنزل الا الفذ منهم قال أهل التفسير لم يقرأ التوراة الا أربعة موسى ويوشع وعزير وعيسي (غيرك) بالجر والنصب (أن لا تجوع أمتى) أى لا يعمهم الجوع حتى يجتاحهم بل اذا أجذبت جهة أخضبت أخري (ولا تغلب) أي لا يسلط عليهم الكفار حتى يغلبوهم ويقهروهم (وأحل لنا) مبنى للفاعل وكذا(2/193)
مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم ان جعل الله أمته خير الامم ونسخ بشريعته جميع الشرائع فلا يسع أحد بعدها التمسك بغيرها وجعل الله معجزته القرآن وحفظه من التحريف والتبديل وجعله معجزة باقية تبقى ببقاء الدنيا وسائر معجزات الأنبياء ذهبت للحين ولم يشاهدها الا الخاص لها ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن عيانا لا خبرا الى يوم القيامة وعصم الله أمته من الاجتماع على الضلال وجعلت صفوفهم كصفوف الملائكة. ومن خصائصه انه كان لا ينام قلبه اذا نامت عيناه ولا ينتقض وضوءه بالنوم ويرى من وراء ظهره كما ترى من أمامه وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما في الثواب ويتعين على المصلى اجابته ولا تبطل الصلاة بخطابه مما شدد (من حرج) أي ضيق (جعل الله أمته خير الامم) قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (التمسك) بالرفع (وعظم) أى حفظ (الله أمته من الاجتماع على الضلال) فمن ثم كان الاجماع عندنا حجة قال صلى الله عليه وسلم ان أمتى لن تجتمع على ضلالة فاذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الاعظم أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أنس وفي سنده ضعف لكن أخرج الحاكم له شواهد منها في الصحيحين لا يزال من أمتى أمة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك (ومن خصائصه) كغيره من الانبياء (انه لا ينام قلبه اذا نامت عيناه) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة ان عيني تنامان ولا ينام قلبي زاد البخاري في خبر الاسراء عن أنس وكذلك الانبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم وفي هذا اشكال وجوابه مر في حديث نومه صلى الله عليه وسلم بالوادي ومن فروع هذا أنه (لا ينتقض وضوءه) ولا غيره من الانبياء (بالنوم) لان النوم ليس ناقضا لذاته بل لانه مظنة للنقض بخروج شيء عند ذهاب الحس وهذا مفقود فيمن قلبه يقظان وقد نام صلى الله عليه وسلم حتى نفخ ثم قام فصلي ولم يتوضأ أخرجه الشيخان عن عائشة وينتقض وضوءهم بالاغماء كغيرهم (ويرى من وراء ظهره) ادراكا حقيقة فيه خلاف سبق والاحاديث الواردة في الصحيحين وغيرهما مقيدة بحالة الصلاة فهى مقيدة لقوله لا أعلم ما وراء جدارى هذا هكذا قاله الشهاب ابن حجر قال زكريا وفيه نظر إذ ليس فيها أنه كان يري من وراء الجدار وقياس الجدار على جسده صلى الله عليه وسلم فاسد كما لا يخفي (وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما في الثواب) بخلاف غيره فان صلاته قاعدا على النصف من صلاة القائم وصلاته مضطجعا على النصف من صلاة القاعد ودليل ذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى من حديث ابن عمر وصلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ولكني كنت كاحد منكم وانما كان تطوعه كذلك لانه صلى الله عليه وسلم مشرع ولان الباعث على القعود بالنسبة لغيره هو الكسل والتثاقل عن الصلاة وذلك مفقود فيه (ويتعين) أى يجب (على المصلي) ولو فرضا (اجابته) لما روي البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد بن المعلى بضم الميم وفتح المهملة واللام قال كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجبته ثم أتيته فقلت يا رسول الله انى كنت أصلي فقال ألم يقل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ وروي الترمذي عن أبي هريرة مثل هذه القصة لابي بن كعب (ولا تبطل الصلاة) باجابته بالقول وكذا بالفعل ولو كثيرا كما(2/194)
وكان يتبرك ويستشفي ببوله ودمه ويقرر ذلك ولا ينكره وبهذا استدل على طهارتهما منه ويكفر شانئه ومؤذيه ويقتل ولا يستتاب بخلاف غيره والله أعلم.
[النوع الثانى فيما اختص به من دون غيره من أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات]
النوع الثانى فيما اختص به من دون غيره من أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات وجرى عادة كثير من أصحابنا بذكرها في أول كتاب النكاح لأن أكثر الخصائص فيه وأول سابق الى ذلك المزنى ذكر في كتابه المختصر ومنع أبو على بن جبران الكلام في الخصائص قال لأنه أمر تقضى فلا معنى للكلام فيه وخالفه سائر الأصحاب واستحسنوا الكلام فيه لما فيه من زيادة العلم قال النووي الصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيد الا انه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث فعمل بها أخذا بأصل التأسى فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها قال وأي فائدة أهم أكثر من هذه رجحه الاسنوي وغيره وطرد بعضهم ذلك في عيسى أيضا يوم نزوله ولا تبطل الصلاة بقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي وكذا لو خاطبه في غير التشهد (وكان يتبرك ويستشفي ببوله ودمه) وسائر فضلاته أخرج الدارقطني بسند فيه ضعف أن أم أيمن شربت بوله فقال اذا لا تلج النار بطنك وروى ابن حبان في الضعفاء أن غلاما حجم النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجامته شرب منه فقال ويحك ما صنعت بالدم قال عممته في بطنى قال اذهب فقد أحرزت نفسك من النار وهذا الغلام هو أبو طيبة واسمه نافع بن دينار قال الشمني وعاش ماية وأربعين سنة (فائدة) ممن شرب دمه صلى الله عليه وسلم مالك بن سنان وذلك يوم أحد وعبد الله بن الزبير كما رواه الحاكم والبيهقى والطبراني والدارقطني وسالم ابن الحجاج وسفينة مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقي وعلى بن أبي طالب ذكره الرافعي في فتح القدير (ويكفر شانئه) بضم أوله وفتح الكاف والفاء المشددة أي يحكم بكفره وبفتح أوله وسكون الكاف وضم الفاء بالبناء للفاعل وشانئه مهموز كما جاء في القرآن ويكفر (مؤذيه) بشتم أو قذف أو غيرهما وكذا غيره من الانبياء وذلك اجماع كما يؤخذ من كلام عياض وغيره وقد روى الدارقطني والطبرانى عن على من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابي فاضربوه وهذا الحديث وان كان في اسناده ضعف فقد اعتضد بالاجماع (ويقتل) حدا (ولا يستتاب) بل لو تاب لم يسقط قتله كذا قاله أبو بكر الفارسي من أصحابنا في كتاب الاجماع وادعى فيه الاجماع ووافقه القفال لكن رجح الغزالي في الوجيز ما نقله عن أبي اسحاق المروزي أنه كسائر المرتدين يستتاب فان تاب لم يقتل وهذا هو الاصح (ومنع أبو على) الحسين بن صالح بن (جيران) بفتح المعجمة وسكون التحتية هو البغدادي قال الشمني طلبه الوزير ابن الفرات للقضاء من الخليفة فامتنع فوكل عليه بوابه وحتم عليه سبعة عشر يوما حتى احتاج الى الماء فلم يقدر عليه الا بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر الوزير فافرج عنه وتوفي سنة عشرين وثلاثمائة (قال النووى) في الروضة (باصل التأسي) أى الاقتداء(2/195)
فأول ذلك ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الواجبات والحكمة فيه زيادة الزلفي والدرجات قال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه لن يتقرب الىّ عبدي بمثل اداء ما افترضت عليه وفي حديث ان ثواب الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة فمن ذلك ركعتا الضحى والاضحية والوتر والسواك والمشاورة والتهجد وهو ان يصلي بالليل وان قل والارجح انه غير الوتر وانه نسخ عنه صلى الله عليه وسلم كما نسخ عن غيره ومنه مصابرة العدو وان كثر عددهم لانه معصوم ومنه قضاء دين الميت المعسر وفي وجه كان يجب عليه اذا رأى شيأ يعجبه ان يقول لبيك ان العيش عيش الآخرة أما النكاح فقد أوجب الله عليه تخيير نسائه كما حكته الآية الكريمة والمعنى فيه انه صلى الله عليه وسلم آثر الفقر وصبر عليه فامر بتخييرهن لئلا يكن مكرهات على ما صبر عليه ولما اخترنه كافأهن الله على حسن صنعهن فحرم عليه التزوج عليهن والتبدل بهن فقال تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى يا أَيُّهَا
(زيادة الزلفي) أي القربى (ركعتا الضحى والاضحية والوتر والسواك) وسنة الصبح لحديث أحمد والحاكم عن ابن عباس ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الضحى والفجر ولاحمد والبيهقى الفجر والوتر وركعتى الضحي وللبيهقي عن عائشة الوتر والسواك وقيام الليل وهذه الاحاديث صعفها الحفاظ فمن ثم قال البلقيني وابن العراقى والزركشى وغيرهم إن في إيجاب ما ذكر عليه صلى الله عليه وسلم نظرا ورد بان الحديث يعتضد بما يصيره حسنا وخرج من ذلك قيام الليل بدليل ونفي غيره والواجب من ذلك أقل ما جرى فيه ففي الضحي ركعتان وفي الوتر ركعة والواجب في السواك ما يستحب لنا أو عند كل صلاة أو عند نزول الوحي احتمالات أوجهها الثاني (والمشاورة) لذوى الرأى في أمر الحرب وغيره من أمور الدنيا والدين قال تعالى وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وحكمته تطييب قلوبهم والتنبيه لهم على طرق الاجتهاد وليتأسى به الحكام ونحوهم والا فقد كان غنيا بالوحي بل وبالاجتهاد الذي لا يخطيء (والتهجد) على ما قاله الرافعي (والارجح) كما قاله النووى (أنه غير الوتر) الواجب عليه ولا يكفي عنه الوتر بخلاف غيره (وأنه نسخ عنه صلى الله عليه وسلم) وان قال الجمهور بوجوبه ففي كلام عائشة حيث قالت صار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ما نزل عليه قاله النووى (ومنه قضاء دين الميت) من المسلمين (المعسر) لحديث الصحيحين وغيرهما أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ووجه الخصوصية ان كان القضاء من ماله ظاهر كما هو مقتضى كلامهم وان كان من مال المصالح على ما في شرح مسلم أى ان اتسع المال أنه لا يجب على الائمة بعده والاصح انه كان تحرم عليه الصلاة على المدين المعسر الا ان كان له ضامن ثم نسخ فصار يصلى عليه مطلقا ثم يقضيه (كما حكته الآية الكريمة) في قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها الآية(2/196)
النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الآية وصحح كثيرون انه صلى الله عليه وسلم لم يحرم عليه طلاقهن بعد ما اخترنه ومما يجب على الغير لاجله انه يجب على زوج من رغب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاحها ان يطلقها له. قال الغزالى ولعل السير فيه امتحان الزوج من جهة ايمانه ومن جهة النبى صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر ومنعه من الاضمار الذي يخالف الاظهار. وقد سبق فيه كلام عند ذكر زواج زينب أحسن من هذا وأليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على من خطبها وهى خلية اجابته ويحرم على غيره خطبتها ويجب على الخلق اجتناب ما يؤذيه مطلقا وان كان في مباح كما في قصة علىّ رضى الله عنه وخطبته على فاطمة رضى الله عنهما. أما المحرمات فقد كان صلى الله عليه وسلم محرما عليه الزكاة وكذا الصدقة على أظهر القولين ويحرم على أقربائه ومواليهم الزكاة فقط ويكره له الاكل متكئا وأكل الثوم وما في معناه وقيل يحرم ومنع من الخط والشعر فكان لا يحسنهما وكان يكره اذا لبس لامة الحرب ان ينزعها حتى يقاتل فقيل هى كراهة تحريم وقيل تنزيه وهذا على ما علق قولهم انه لا يبتدئ تطوعا الا لزمه اتمامه وذلك معارض بدخوله في الصوم تطوعا (كما في قصة على وخطبته) بنت أبى جهل (على فاطمة) فخطب صلى الله عليه وسلم وقال في خطبته والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله في عصمة رجل وقال انما فاطمة بضعة منى يؤذيني ما أذاها كما في الصحيحين وغيرهما عن المسور بن مخرمة (محرما عليه الزكاة) المفروضة لقوله ان هذه الصدقات انما هي أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم وغيره (وكذا الصدقة) تطوعا لابانتها عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه فابدل بها الفيء الذى هو بالعكس (ويحرم على أقربائه) وهم بنو هاشم وبنو المطلب (ومواليهم) أى عتقاؤهم لقوله صلى الله عليه وسلم ان مولي القوم منهم صححه الترمذي وغيره (الزكاة) المفروضة (فقط) ولا يحرم عليهم صدقة التطوع لما رواه الشافعى عن ابراهيم بن محمد عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر انه قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة وهو مرسل اعتضد بقول أكثر أهل العلم ومثل الزكاة المفروضة الكفارة والجزاء وكذا النذر على المعتمد (ويكره له الاكل متكئا) لقوله اما أنا فلا آكل متكئا والاتكاء ان يجلس جلسة متمكنة على هيئة من يريد الاستكثار ومثله في كراهة الاتكاء غيره (وأكل النوم) بضم المثلثة (وما في معناه) كبقل وكراث لانه نياجى الملائكة (والشعر) قال تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ (وكان يكره) للبناء للفاعل (اذا لبس لامة الحرب) بالهمز (ان ينزعها حتى يقاتل) حيث أمكن القتال بان لم ينهزم العدو وذلك لاحاديث منها حديث أحمد والدارمي انه ليس لنبى اذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ومر معني ذلك في غزوة أحد (فقيل هى كراهة تحريم وقيل) كراهة (تنزيه)(2/197)
ثم أفطاره أثناء نهاره. وكان يحرم عليه مد عينيه بالاستحسان الى متع الدنيا الفانية. وكان يحرم عليه الايماء بالعقوبة خلاف ما يظهر وهي خائنة الاعين لمشابهته الخيانة ولا يحرم ذلك على غيره الا في محرم وكان صلى الله عليه وسلم يخدع في الحرب ويعمي عن وجه مقصده ومنع صلى الله عليه وسلم من المن ليستكثر ومعناه ليعطى شيئا ليأخذ أكثر منه. ومن المحرمات في النكاح ان يمسك من كرهته وان ينكح كتابية أو أمة مسلمة أما المباحات والتخفيفات فقد كان صلى الله عليه وسلم يواصل في الصوم ويختار الصفي من الغنيمة ومنهن صفية بنت حي وكان له خمس الخمس من الغنيمة وأربعة أخماس من الفيء وكان له دخول مكة بغير احرام ولم يورث صلى الله عليه وسلم قيل كان ما خلفه باقيا على ملكه وقيل صدقة وهو ظاهر الخبر وأقر نساءه بعده على مساكنهن وأجرى عليهن النفقة لانهن أمهات المؤمنين ومحرمات على التأبيد ولأنهن كالمعتدات وكان له صلى الله عليه وسلم ان يشهد لنفسه ويقبل شهادة من شهد له ويحكم لنفسه وولده لثبوت عصمته وكان له صلى الله عليه وسلم ان يأخذ الطعام والشراب عند الضرورة عن من هو محتاج اليهما ويفدى بنفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وكان يحل له في النكاح الزيادة على أربع ولا ينحصر على تسع على الاصح والأصح ان طلاقه ينحصر في ثلاث كغيره وان نكاحه ينعقد بلفظ الهبة والصحيح الاول (وكان يحرم عليه مدعينيه الى آخره) لقوله تعالى لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية (الى متع) بضم الميم وفتح الفوقية جمع متعة (وكان يحرم عليه الايماء بالعقوبة خلاف ما يظهر) ويسمى ذلك خائنة أعين لشبهه بالخيانة من حيث خفاؤه ولا يحرم الايماء لغيره الافي محظور والاصل في ذلك قصة عبد الله بن سعد ابن سرح يوم الفتح حيث أمسك صلى الله عليه وسلم عن متابعته ليقتله بعض أصحابه فقالوا بعد ذلك هلا أو مأت الينا بعينك فقال انه لا ينبغي لنبي ان يكون له خائنة الاعين رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم (ومنع من المن ليستكثر) أى حرم عليه ذلك قال تعالى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وحاصل ذلك حرمة البذل للجزاء مطلقا سواء طلب أكثر أو أقل أو مساويا (وان يمسك من كرهته) لخبر ابنة الجون (وان ينكح كتابية) لكراهتها صحبته ويجوز له تسريها على الاصح (أو أمة) مطلقا لانه معصوم لا يخاف العنت (كان يواصل في الصوم) مع حرمته على غيره لحديث الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقيل يا رسول الله انك تواصل فقال اني لست كهيئتكم اني أطعم واسقي والمواصلة صوم يومين مع عدم تناول مفطر بالليل بينهما (ويختار الصفي) بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية (وكان له دخول مكة بغير احرام) واجب عليه على القول بوجوبه على غيره كذا نقله صاحب التلخيص وغيره والاصح جواز ذلك(2/198)
وكان يجوز له عقد النكاح وهو محرم على المختار. قال الرافعى والخلاف مبني على ان النكاح في حقه صلى الله عليه وسلم هل هو كالتسرى في حقنا ان قلنا نعم وهو الذى قطع به صاحب البحر لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق والعقد بلفظ الهبة وبمعناها وبلا ولى وشهود ومهر ولم يجب القسم وان قلنا لا انعكس الحكم والاصح ان القسم كان واجبا عليه
[الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات]
(الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات) اعلم ان هذا الباب بحر واسع لا يعلم قدره ولا يبلغ قعره وكل سابح فيه حرى ان ينسب نفسه الى التقصير لتعلقه بأجل المقادير وأطول من علمت فيه باعا وأقوى اتساعا القاضى عياض فانه جاء بجمل متكاثرات من أمهات ضروب المعجزات مع مقدمة قدمها وقواعد مهدها أبان فيها عن قوة علمه وبراعة فهمه جدير بمصنفي هذا الفن ان يجعلوها في فاتحة كتبهم كالعنوان أو كالتاج على ذى سلطان وها أنا أذكر محاسنها مع ان كلها عندى حسن وأزيد ما تيسر من ذكر عيون المعجزات بعدها وبالله التوفيق.
قال اعلم ان الله تعالى جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء كما حكى عن سنته في بعض الأنبياء وجائز ان يوصل اليهم جميع ذلك بواسطة وتكون تلك الواسطة اما من غير البشر كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم كالانبياء مع الامم ولا مانع لهذا من حيث دليل العقل واذا جاز هذا ولم يستحيل وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به لأن المعجزة مع التحدى من النبى صلى الله عليه وسلم قائمة مقام قول الله صدق عبدى فأطيعوه واتبعوه فشاهده على صدقه فيما يقوله قال وهذا كاف واختلف العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين فقيل هما سواء وقيل مفترقان من وجه اذ قد اجتمعا في النبوة التى هى لغيره أيضا (والاصح ان القسم) بين الزوجات في المبيت (كان واجبا عليه) كغيره لقوله اللهم هذه قسمتى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه ابن حبان وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم ومقابله وجه انه لا يجب عليه لقوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الآية وبقى من الخصائص ما ينيف على مائتين وليس هذا محل بسطها وقد استوفاها السيوطي في انموذج اللبيب في خصائص الحبيب وفي أصله أيضا.
(الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات) (مع التحدى) باهمال الحاء والدال أي الاستعجاز بطلب مثله(2/199)
الاطلاع على الغيب والاعلام بخواص النبوة وحوز درجتهما وافترقا في زيادة الرسالة وهو الامر بالانذار والاعلام وذهب بعضهم الى أن الرسول من جاء بشرع مبتدأ ومن لم يأت به فنبي غير رسول وان أمر بالابلاغ والانذار والصحيح والذى عليه الجم الغفير ان كل رسول نبيّ وليس كل نبي رسولا وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وفي حديث أبى ذر رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم ان الانبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي. وذكر ان الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر هذا ملخص ما ذكر القاضى قلت ورأيت نظما لبعضهم في أصحاب الشرائع منهم فقال الناظم:
ألا ان أصحاب الشرائع خمسة ... من الانبياء والمرسلين الى الورى
فأولهم نوح وبعد محمد ... وموسى وعيسى والخليل بن آزر
وخمستهم في آية قد جمعتهم ... وفي آية الشورى تبين لمن قرا
وذو الملك منهم خمسة قد جمعتهم ... فاصخ وكن ندبا أديبا مشهرا
سليمان وداود ويوسف يافتى ... وموسى وهرون وقف ناقة السرا
وأصحاب الشرائع منهم هم أولوا العزم وقد جمعهم بعضهم في بيت واحد فقال
أولوا العزم نوح والخليل كلاهما ... وموسى وعيسى والنبي محمد
(ان كل رسول نبي) لانه شارك النبى في حده وزاد عليه بالرسالة فهو أخص منه لانه ربما أوحي اليه ولم يؤمر بالتبليغ (وأول الرسل آدم وآخرهم محمد) هو حديث أخرجه الحكيم عن أبى ذر وتتمته وأول أنبياء بني اسرائيل موسي وآخرهم عيسى وأول من خط بالقلم ادريس (وثلاثة عشر) والمذكورن منهم في القرآن باسم العلم خمسة وعشرون متفق عليهم وهم محمد صلى الله عليه وسلم وآدم وادريس ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسي والياس واليسع ويونس وذو الكفل وثلاثة مختلف في نبوتهم وهم عزير وذو القرنين ولقمان (في آية جمعتهم) وهى واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسي وعيسي ابن مريم (وفي سورة الشوري) وهى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية (فاصخ) باهمال الصاد واعجام الخاء أى اصغ (وكن ندبا) بفتح النون وسكون المهملة بعدها موحدة والندب الظريف الاديب قاله في القاموس (أديبا) بالموحدة أي فطنا حاذقا (داود) بالصرف لضرورة الشعر (وهرون) بالصرف أيضا لذلك(2/200)
[فصل وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الإتيان بمثلها]
(فصل) وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الاتيان بمثلها وهى نوعان نوع في مقدور البشر فعجزوا عنه وتعجيز الله لهم عنه دال على صدق نبيه كصرفهم عن تمني الموت وعن الاتيان بمثل القرآن على رأي من رأى انه كان في مقدورهم وان الله صرفهم عنه.
النوع الثانى خارج عن قدرتهم كاحياء الموتى وقلب العصى حية واخراج ناقة من صخرة وغيرهما مما لا يمكن ان يفعله أحد الا الله فيتحدي النبي صلى الله عليه وسلم من يكذبه ان يأتى بمثله تعجيزا له وقد كانت معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من النوعين معا وهى بكثرتها لا يحيط بها ضبط فان واحدا منها وهو القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا بألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحداهم بسورة منه فعجزوا واقصر السور انا أعطيناك الكوثر فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ثم فيها نفسها معجزات ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين قسم منها قطعي كالقرآن فلا مرية فيه ولا خلاف بمجىء النبي به وظهوره من قبله وانكار معانديه كانكار وجود محمد في الدنيا ثم انه قد علم على الجملة ضرورة انه صلى الله عليه وسلم جرى على يديه جمل من الآيات وخوارق العادات كما يعلم ضرورة جود حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف وان كان تفاصيل أخبارهم لا يبلغ هذا المبلغ وقسم آخر (فصل) في تسمية المعجزة (واخراج ناقة من صخرة وغيرها) ككلام الشجر ونبع الماء وانشقاق القمر (جود حاتم) هو ابن عبد الله الطائى والدعدي الصحابى هلك على كفره وبه ضربت الامثال في الجود وكان اذا اشتد البرد أمر غلامه يسارا فاوقد نارا في بقاع من الارض ليهتدي بها من ضل عن الطريق فيعمد نحوها ومن قوله في ذلك
أو قد فان الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر
على بدا نارك من يمر ... ان أجلبت ضيفا فانت حر
قالوا ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يجود بهما واخباره في الجود أكثر من أن يحاط بها (وشجاعة عنترة) بتقديم النون على التاء الفوقية هو ابن معاوية بن شداد العبسى بالموحدة فالمهملة كان شديد السواد وأمه اسمها زبيبة كانت أمة سوداء لابيه وكان عنترة من أشهر فرسان العرب وأشدهم بأسا وكان يقال له عنترة الفوارس (وحلم أحنف) هو ابن قيس أبو بحر واسمه الضحاك وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمر بن كعب بن زيد مناة بن تميم دار وهو أحنف والاحنف الاعرج والحنف الاعوجاج في الرجل وهو اقبال احدي الابهامين من احدي الرجلين على الاخري وقيل الذي يمشي على ظهر قدميه من شقها الذي يلى(2/201)
لا يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين نوع مشتهر منتشر وهو ما جرى وقوعه في المحافل والمجموع المتكاثر من الصحابة ونقله الينا عنهم الجمم الغفير والعدد الكثير ونوع آخر احتفل به الآحاد ولم يشتهر اشتهار ما قبله لكنه اذا جمع الى مثله اتفقا في المعنى واجتمعا على الاتيان بالمعجز ولحق بالمشتهر المنتشر من هذا الوجه والله أعلم
قال القاضى عياض رحمه الله
[فصل في إعجاز القرآن وفيه وجوه]
(فصل) في اعجاز القرآن اعلم ان كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الاعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه
[أولها حسن تأليفه والتئام كلمه]
أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه ايجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب وذلك انهم كانوا أرباب هذا الشأن وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الامم وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت انسان ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب جعل الله ذلك طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به الى كل سبب فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ويرتحزون به بين الطعن والضرب ويمدحون ويقدحون ويتوسلون ويتوصلون ويرفعون ويضعون فيأتون بذلك بالسحر الحلال ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللآل فيجدعون الألباب ويذللون الصعاب ويذهبون الاحن ويهيجون الدمن خنصرها قالوا وكانت أمه ترقصه في صغره وتقول
والله لولى حنف في رجله ... ما كان في الحي فتى كمثله
أسلم في زمنه صلى الله عليه وسلم ودعا له فقال اللهم اغفر للاحنف ولم يتفق له روية مات بالكوفة سنة سبع وستين في امارة بن الزبير (المحافل والجموع) مترادفان (والتئام) بكسر الفوقية وفتح الهمزة أى توافق (كلمه) بفتح الكاف وكسرها وهاء الضمير (وفصاحته) بالرفع معطوف على حسن (والحكم) بكسر الحاء وفتح الكاف جمع حكمة (ذرابة اللسان) حدته وهى بفتح المعجمة وتخفيف الراء والموحدة (يقيد الالباب) يمسكها ويحبسها من القيد (ويدلون) بضم أوله وسكون المهملة مأخوذ من أدلي دلوه اذا أوردها في البئر (وشديد الخطب) بالمعجمة (ويقدحون) بالقاف يرمون (سمط اللآل) بكسر السين المهملة وسكون الميم ثم مهملة والسمط الخيط ما دام فيه الخرز ونحوه والا فهو سلك قاله في الصحاح (ويذهبون الاحن) جمع احنة بكسر الهمزة وسكون المهملة وهي الحقد كما مر (ويهيجون) بضم أوله وفتح الهاء وكسر التحتية المشددة بعدها جيم ويجوز كسر الهاء وسكون التحتيتين مع التخفيف (الدمن) جمع دمنه(2/202)
ويجرؤن الجبان ويبسطون يد الجعد البنان ويصيرون الناقص كاملا ويتركون النبيه خاملا منهم البدوى ذو اللفظ الجزل والقول الفصل والكلام الفخم والطبع الجوهرى والمنزع القوى ومنه الحضرى ذو البلاغة البارعة والالفاظ الناصعة والكلمات الجامعة والطبع السهل والتصرف في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة والقدح الفالج والمهيع الناهج لا يشكون ان الكلام طوع مرادهم والبلاغة ملك قيادهم قدحو وافنونها واستنبطوا عيونها ودخلوا من كل باب من أبوابها وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين وتفننوا في الغث والسمين وتقاولوا في القل والكثر وتساجلوا في النظم والنثر فما راعهم الا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر ايجازه واعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه وتبارت بكسر المهملة وسكون الميم وهى الجهد أيضا (ويجرؤن) بالهمز من الجرأة (الجعد) بفتح الجيم وسكون العين ثم دال مهملتين قال الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال للكريم من الرجال جعد فان قيل جعد اليدين أو جعد الانامل أو جعد (البنان) بفتح الموحدة وتخفيف النون فهو النحيل والبنان هنا مجرور بالاضافة غير الحضة (النبيه) بالنون فالموحدة بوزن العظيم وهو من له صيت وذكر (خاملا) بالمعجمة ساقطا لا ذكر له (البدوي) الذي يسكن البادية (الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاي نقيض الركيك (والقول الفصل) أي المفصول الذى تبينه به من سمعه ولا يشكل عليه وهو بمعني الفاصل الذى يفصل بين الصواب والخطأ (والكلام الفخم) بفتح الفاء وسكون المعجمة أي العظيم (الحضري) الذى يسكن القرى (والالفاظ الناصعة) بالنون والمهملتين أي الخالصة (القليل الكلفة) باضافة القليل الى الكلفة وهي غير محصية وكذا ما بعده (والقدح) بكسر القاف وسكون الدال ثم حاء مهملتين هو السهم قبل أن يراش ويجعل فيه نصله (الفالج) بالفاء واللام المكسورة والجيم هو الفائز والظاهر والمفلح بالحاء (والمهيع) بفتح الميم والتحتية وسكون الهاء آخره مهملة هي الطريق (الناهج) بالنون والجيم السالك (ملك) بكسر الميم (قيادهم) بكسر القاف بعدها تحتية أى ان البلاعة تنقاد لهم ولا تستصعب (فنونها) أنواعها (واستنبطوا) استخرجوا (عيونها) جمع عين وهي الماء الجاري (صرحا) أى بناء عاليا ومنه قوله تعالى ابْنِ لِي صَرْحاً (في الخطير) باعجام الخاء واهمال الطاء أى العظيم القدير (والمهين) الضعيف الذي لا خطر له (في الغث) أي الهزيل وهو بفتح المعجمة وتشديد المثلثة (وتقاولوا) بالقاف (في القل والكثر) بضم القاف والكاف مصدر قل يقل قلا وكثر يكثر كثرا ويقال قلة وكثرة بكسر القاف وفتح الكاف (وتساجلوا) بالمهملة والجيم أي تفاخروا والمساجلة المفاخرة وأصلها ما مر في قولهم الحرب سجال (فما راعهم) أي أفزعهم (مقول) بفتح الميم وضم القاف (وتبارت) من المباراة بالموحدة والراء قال(2/203)
في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه واعتدل مع ايجازه حسن نظمه وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه وهم افصح ما كانوا في هذا الباب مجالا وأشهر في الخطابة رجالا وأكثر في السجع والشعر ارتجالا وأوسع في الغرايب واللغة مقالا بلغتهم التى بها يتحاورون ومنازعهم التي عنها يتناضلون صارخا بهم في كل حين ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رؤوس الملأ أجمعين أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ الى قوله وَلَنْ تَفْعَلُوا قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ الآية قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. ولم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع ويونجهم اشد التوبيخ ويسفه احلامهم ويحط اعلامهم ويشتت نظامهم ويذم آلهتهم وآباءهم ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته محجمون عن مماثلته مخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب والاعتراء بالافترى وقولهم ان هذا الا سحر يؤثر. وسحر مستمر. وافك افتراه. وأساطير الاولين. والمباهتة والرضى بالدنية كقولهم قلوبنا غلف وفي أكنة مما تدعونا اليه. وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ولا تسمعوا لهذا الجوهري المباراة المعارضة وفلان يباري فلان أى يعارضه (الخطابة) بكسر المعجمة مصدر خطب (في السجع) بفتح المهملة وسكون الجيم وهو في الاصل هدير الحمام ونحوها قال الشمنى يحتمل أن يكون مصدرا وهو يوافق الالفاظ الواقعة في أواخر الفقر وأن يكون جمع سجعة وهي الكلمة الاخيرة من العقيرة باعتبار كونها موافقة للكلمة الاخيرة من العقيرة الاخرى (ارتجالا) بهمز وصل وسكون الراء وكسر الفوقية ثم جيم والارتجال التكلم على البديهة من غير فكر ولا روية (يتحاورون) بالمهملة يتجاوبون (يتناضلون) بالمعجمة أى يترامون (ومقرعا) بالقاف والمهملة أي موبخا (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي اختلق محمد القرآن وجاء به من تلقاء نفسه (قُلْ) ان كان في وسع البشر الاتيان بمثله (فَأْتُوا) أنتم (بِسُورَةٍ) وفي الآية الاخرى بعشر سور (مِثْلِهِ) الضمير للقرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يظاهرونكم ويعينونكم على ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ان محمد افتراه وانكم لو شئتم قلتم مثله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شك (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) محمد صلى الله عليه وسلم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أى القرآن والا فاستدلوا بعجزكم مع بلاغتكم وفصاحتكم على أنه نبي حق وأن القرآن كتاب منزل ليزول بذلك عنكم الريب (ويسفه أحلامهم) أى ينسب عقولهم الى السفه أي الضعف (ويشتت) يفرق وزنا ومعنى (ناكصون) بالنون والمهملة أي راجعون (محجمون) بتقديم المهملة على الجيم ويجوز تأخيرها أى متوقفون (بالتشغيب) بالمعجمتين الصراخ (الاعترا) بالمهملة والفوقية (وقولهم) بالجر معطوف على التشغيب (سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أى ينقل (وأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أى ما يسطر في كتب الاولين (والمباهتة) بالموحدة والفوقية (بالدنيئة) بالهمز وقد يسهل أى الخصلة الخبيثة (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أى صمم(2/204)
القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون والأدعاء مع العجز بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وقد قال لهم الله ولن تفعلوا فما فعلوا ولا قدروا ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم وسلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم والا فلم يخف على أهل الميز منهم انه ليس من نمط فصاحتهم ولا جنس بلاغتهم بل ولوا عنه مدبرين وأتوا مذعنين من بين مهتد وبين مفتون هذا وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه وسجد آخرون دهشة لقوته وبكى أناس منهم فرقا واعترتهم روعة لمفاجأته وكلهم ممن لم يفهم معناه ولا تفسيره روي أن نصرانيا سمع قارئا فوقف يبكي فقال بكيت للشجا والنظم وان اعرابيا سمع قارئا يتلو فاصدع بما تؤمر فخرّ ساجدا وقال سجدت لفصاحته وفي الصحيح عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ الى قوله الْمُصَيْطِرُونَ كاد قلبي أن يطير وكلم عتبة بن ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليه حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ الى قوله مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فامسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف. قال القاضى عياض وأنت اذا تأملت قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وقوله (والادعا) بالكسر أيضا (عواره) بضم المهملة وقد يفتح قال الجوهرى العوار العيب (الفوه) بكسر اللام وضم الفاء أي اعتادوه ويجوز سكون الواو مع فتح الفاء أي موجدوه بفتح الميم وسكون التحتية ثم زاى مصدر ماز يميز بمعني ميز يميز تمييزا (وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه) قال عياض في الشفاء حكي أن عمر ابن الخطاب كان يوما نائما في المسجد فاذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق فاستخبره فاعلمه انه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب وغيرها وأنه سمع رجلا من أسري المسلمين يقرأ آية في كتابكم فتأملتها فاذا هي قد جمع فيها ما أنزل الله على عيسى بن مريم من أحوال الدنيا والآخرة وهي قوله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ الآية (فرقا) أي خوفا (للشجا) بفتح المعجمة والجيم والمد يقال شجاه يشجوه اذا أحزنه واذا أطربه أيضا (وقال سجدت لفصاحته) ذكر ذلك عياض في الشفا عن أبي عبيد القاسم بن سلام بالتشديد وفي الحديث (الصحيح) في البخاري وغيره (حم كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ الى آخره) قد سبق ذكر هذه القصة (وَلَكُمْ فِي) وجوب (الْقِصاصِ) على الجاني عمدا (حَياةٌ) وذلك لانه اذا علم أنه سيقتص منه ترك القتل فحي هو ومن أراد قتله وقيل في المثل القتل انفي للقتل وقيل في المثل القتل قلل(2/205)
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وقوله ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وقوله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي الآية وقوله فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً الآية وأشباهها من آلاى بل أكثر القرآن حققت ما بينته من ايجاز الفاظها وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وان تحت كل لفظة منها جملا كثيرة وفصولا جمة وعلوما زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها ثم هو في سرد القصص الطوال وأخبار القرون السالفة التى يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام ويذهب ماء البيان آية لمتأمله من ربط الكلام بعضه ببعض والتئام سرده وتناصف وجهه كقصة يوسف على طولها ثم اذا ترددت قصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى تكاد كل واحدة تنسى في البيان صاحبتها وتناصف في الحسن وجه مقابلتها ولا نفور للنفس من ترديدها ولا معاداة لمعادها
[الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب]
الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذى جاء عليه ووقفت مقاطع آيه وانتهت فواصل كلماته اليه ولا يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه بل القتل (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ فَزِعُوا) لرأيت أمرا يعتبرنه (فَلا فَوْتَ) أي لا يفوتوننى كقوله وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وقيل لا فوت ولا نجاة اذ فزعوا عند الموت (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي من تحت أقدامهم أو من بطن الارض الى ظهرها وأراد بالمكان القريب عذاب الدنيا وهو يوم بدر قاله الضحاك أو خسف يكون بالبيداء قاله ابن ابزي (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي أصبر عند الغضب واحلم عند الجهل واعف عند الاساءة قاله ابن عباس فاذا فعلت ذلك خضع لك عدوك وصار (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) كابي سفيان بن حرب (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) قريب (حَمِيمٌ) صديق (وقيل) بعد تناهى أمر الطوفان (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) الذى على وجهك (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) اتركي صب الماء (فَكُلًّا) من كفار الامم السالفة (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) من غير أن يفوتونا (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أى ريحا تحمل الحصباء وهي الحصا الصغار وهؤلاء قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهم ثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهم قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) وهم قوم نوح وفرعون وقومه (بل أكثر) بالنصب (القصص) بكسر القاف جمع قصة (آية لمتأمله) بمد الهمزة وتحتية (سرده) بفتح المهملة وسكون الراء ثم مهملة أي يتابعه يقال سرد الحديث سرده سردا اذا تابعه وجاء به شيأ بعد شيء (صاحبتها) بالنصب (لمعادها) بضم ما أعتد منها (والاسلوب) بضم الهمزة واللام وسكون المهملة والواو بعدها موحدة أى الفن (آية)(2/206)
حارت فيه عقولهم وتدلهت دونه أحلامهم ولم يهتدوا الى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر ولهذا ما روي عن الوليد بن المغيرة وقد سئل عنه فقال والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا وقال عتبة بن ربيعة يا قوم قد علمتم انى لم اترك شيئا الا وقد علمته وقرأته وقلته والله لقد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ونحوه ما روى في اسلام أبى ذر رضى الله عنه وقول أخيه أنيس له لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعته على اقراء الشعر فلم يلتئم وما يلتئم على لسان أحد بعدي انه شعر وانه لصادق وانهم لكاذبون والأخبار في هذا صحيحة كثيرة ومع ذلك فقد كانوا أحرص شيء على معارضته واخفاء ظهوره واطفاء نوره لقيام التحدى فما جلوا في ذلك خبيئة من بنات شفاههم ولا أتوا بنطفة من معين مياههم مع طول الأمد وكثرة العدد وتظاهر الوالد وما ولد بل أبلسوا فما نبسوا ومنعوا فانقطعوا هذا وقد كانوا أعظم قرون الدنيا في الفصاحة والبلاغة وتوابعهما وكان ذلك همتهم وقصاراهم فكانوا يجتمعون في مواسمهم ومجامعهم للتفاخر بالخطابة والشعر وهذا كما قالوا ان الله سبحانه وتعالى لم يبعث رسولا الا جعل معجزته بحسب الفن الذي يعظمه أهل زمانه وبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وحمله معارف العرب وعلومها. اربعة. الخطب والشعر. والخبر. والكهانة. فانزل الله عليه القرآن الخارق لهذه الاربعة فلم يهتدوا في المنظوم بمد الهمزة وهاء الضمير جمع آية (حارت) بالمهملة أي تحيرت (وتدلهت) باهمال الدال وتشديد اللام من التدله وهو ذهاب العقل من الهوي (ولا بالكهانة) بكسر الكاف وفتحها وهو نوع من أنواع السحر يزعم صاحبها معرفة ما سيحدث في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الاسرار وأن له تابعا من الجن ورئيا يلقى اليه الاخبار والعراف من يزعم معرفة الامور باسباب يستند بها من كلام من سأله أو من فعله أو حاله كمن يدعى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة قاتل الله متعاطي ذلك وزاعمه (ونحوه ما روى) في الصحيحين وغيرهما (أنيس) بالنون والمهملة مصغر (اقرأ الشعر) بفتح الهمزة والراء وسكون القاف والمد وهى طرق الشعر وأنواعه كما قاله الهروى (فما جلوا) بفتح الجيم واللام أي ما أخرجوا (خبية) بالمعجمة فالموحدة فالتحتية المشددة فعلية بمعنى مفعولة (من بنات) جمع بنت بالباء فالنون فالفوقية (بنطفه) بالمهملة والفاء أي شيء يسير وفي بعض نسخ الشفاء بنقطه بالقاف بمعناه (من معين) بالمهملة بوزن عظيم وهو الماء الكثير الجاري (ابلسوا) بالموحدة يئسوا (فما نبسوا) بنون فموحدة تخفف وتشدد مفتوحتين فمهملة مضمومة قال الجوهرى يقال ما نبس بكلمة أي ما تكلم (وقصاراهم) بضم القاف وتخفيف المهملة أي غاية أمرهم (الخارق)(2/207)
الى طريقه ولا علموا في اساليب الا وذان منهجه واكبر على الكوائن والاحداث ومخبآت الضمائر بما ظهر فيه صدقه واعترف المخبر عنه بصحة ذلك وان كان اعدى الاعادي وابطل الكهانة التى تصدق مرة وتكذب عشرا ثم اجتثها من اصلها برجم الشهب ورصد النجوم وجاء من الاخبار عن القرون السالفة وانباء الانبياء والامم البائدة والحوادث ما يعجز من تفرغ لهذا العلم عن بعضه على ما سيأتي في الوجهين الآخرين ان شاء الله تعالى الوجه الثالث من اعجازه على يد النبي صلى الله عليه وسلم ما انطوى عليه من الاخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي اخبر كاخباره عن الفتح وعن غلبة الروم واستخلاف الله المؤمنين في الارض وقوله سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وغير ذلك من كشف اسرار المنافقين واليهود وهتك استارهم الى غير ذلك مما اخبر به من الكوائن والاحداث في العصور الآتية ومن آية ذلك انه لم يمرّ عصر ولا زمن الا ويظهر فيه صدقه بظهور مخبره على ما اخبر فيتجدد الايمان ويتظاهر البرهان وليس الخبر كالعيان والمشاهدة زيادة في اليقين والنفس أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين وان كان كل واحد عندها حقا وسائر معجزات الانبياء صلوات الله عليهم انقرضت بانقراضهم وعدمت بعدم ذواتها ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تبيد ولا تنقطع وآياته تجدد ولا تضمحل والى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما من نبي من الانبياء الا أعطي من الآيات ما مثله أمن عليه البشر وانما كان ما أوتيت وحيا أوحاه الله اليّ فارجو ان اكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. الوجه الرابع من اعجازه ما أنبأ به بالمعجمة والقاف (الى طريقه) بهاء الضمير (ثم اجتثها) بهمز وصل وسكون الجيم وفتح الفوقية وتشديد المثلثة أى قطعها (ورصد النجوم) بفتح الصاد (البائدة) بالموحدة والتحتية والمهملة الهالكة ويجوز ابدال الدال راء بمعناه (وقوله) بالجر معطوف على كاخباره (مخبره) بضم الميم وفتح الموحدة أى ما أخبر به (ليس الخبر كالعيان) هو حديث أخرجه الطبرانى في الاوسط عن أنس وأخرجه الخطيب عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والطبراني في الاوسط أيضا والحاكم عن ابن عباس وزاد وان الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الالواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الالواح فانكسرت (والنفس أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين) فمن ثم سأل ابراهيم ربه ان يريه كيف يحيى الموتي وكان في أعلا درجات العلم بقدرة الله تعالى على الاشياء (ولا تضمحل) باعجام الضاد واهمال الحاء أى لا تذهب (ما من نبي من الانبياء الا أعطى من الآيات الى آخرها) أخرجه الشيخان وغيرهما (وانما كان ما) أي الذى (أوتيت وحيا أوحاه الله الي) وانما(2/208)
من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة الا الفذ من اخبار أهل الكتاب الذى قطع عمره في تعلم ذلك وقد علم انه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة وقد كان علماء الكتاب يقترحون عليه السؤالات فينزل الوحى باخبارهم كقصص الانبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف واخوته وأصحاب الكهف وذى القرنين ولقمان وابنه واشباه ذلك مما صدقه فيه علماء الكتاب وأذعنوا له ولم يحك عن أحد منهم مع شدة عداوتهم وحسدهم انه كذبه في شيء من ذلك ولا أظهر خلاف قوله من كتبه ولا أبدى صحيحا ولا سقيما من صحفه قال الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الآيتين هذا تلخيص ما ذكره القاضي من الوجوه الاربعة مع تقديم وتأخير وزيادة في بعض الألفاظ ونقص من بعضها وذكر هو وغيره وراء ذلك من براهينه وآياته وبركاته وجوها (منها) ان الله سبحانه حافظه من التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص على تطاول الدهور وانقضاء الفصول وكثرة الحاسد والمعاند قال الله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وقال لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (ومنها) الروعة التي تعترى سامعيه من الابرار والفجار فاما الفاجر فيستثقله خصه مع ان له معجزات كثيرة أخر لانه أعظم المعجزات ولبقائه بعده صلى الله عليه وسلم (الا الفذ) بفتح الفاء وتشديد المعجمة أى الفرد الواحد (ولا مثافنة) بالمثلثة قبل الالف والنون بعد الفاء قال الجوهرى يقال ثافن فلانا أي جالسه ويقال اشتقاقه من الثفنة واحده ثفنات بالقصر وهي ما يقع على الارض من اعضائه اذا استناخ كالركبتين كانك الصقت ثفنة ركبتك بثفنة ركبته (وابنه) أى ابن لقمان واسمه أنعم أو مسكم قولان (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) يعنى القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) قال بعض العلماء تولى الله عز وجل حفظ كتاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه فلم يجد المعاندون سبيلا الي تحريفه ولا تبديله وسائر الانبياء استحفظوا كتبهم كما قال الله تعالي بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وشأن المخلوق العجز فمن ثم وصل اليها التحريف والتبديل (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) أى الشيطان قاله قتادة والسدي (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا يستطيع أن يغيره ولا ان يزيد فيه ولا ينقص قال الزجاج انه محفوظ من النقص فيأتيه الباطل من بين يديه ومن الزيادة فيه فيأتيه الباطل من خلفه وقال مقاتل لا يأتيه تكذيب من الكتب السالفة ولا يأتى بعده(2/209)
ويزيده نفورا وأما المؤمن فيقشعر جلده ويكسبه ذلك هشاشة وبشاشة وقد مات كثير من الصلحاء عند سماعه واعترت جماعة ممن رام معارضته روعة وهيبة حملتهم على التوبة
[الوجه الثالث وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم]
(ومنها) أي وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم فلم يقدروا كقصة تمنى الموت والمباهلة
[الوجه الرابع انه لا يزال غضا طريا لا تمجه الاسماع ولا تستثقله الطباع]
(ومنها) انه لا يزال غضا طريا لا تمجه الاسماع ولا تستثقله الطباع وغيره من الكلام لو بلغ في الحسن أي مبلغ يمل مع الترديد ويعادي اذا أعيد (ومنها) جمعه لعلوم معارف لم يحط بها أحد من علماء الامم ولا أحاطت بها كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طريق الحجج العقليات والرد على فرق الأمة ببراهين قوية وأدلة بينة سهلة الالفاظ موجزة المقاصد كقوله تعالى أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ. وقل يحييها الذي أنشأها أول مرة. لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الى ما حواه من علوم السير وأنباء الأمم والمواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الاداب والشيم «قال الله جلّ اسمه» ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وقال صلى الله عليه وسلم ان الله أنزل هذا القرآن آمرا وزاجرا وسنة خالية ومثلا مضروبا فيه نباؤكم وخبر ما كان قبلكم ونباء ما بعدكم كتاب فينسخه (وقد مات كثيرون من الصلحاء عند سماعه) أو عند تلاوته منهم زرارة بن أوفا مات عند تلاوة قوله تعالى فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ الآية وروي القشيري في الرسالة عن ابن الجلاء قال كان بالمغرب شيخان كل له أصحاب وتلامذة يقال لاحدهما حبلة والثاني رزيق فزار رزيق يوما جبلة في أصحابه فقرأ رجل من أصحاب رزيق شيأ فصاح واحد من أصحاب جبلة ومات فلما أصبحوا قال جبلة لرزيق أين الذي قرأ بالامس فليقرأ آية فقرأ فصاح جبلة صيحة فمات القارئ فقال جبلة واحد بواحد والبادى أظلم وأسند أيضا الى عبد الواحد بن علوان قال كان شاب يصحب الجنيد فكان اذا سمع شيأ يتغير ويضبط نفسه حتى كانت كل شعرة من بدنه تقطر بدم فسمع يوما من الايام قارئا يقرأ فصاح صيحة تلفت نفسه وكان ابن أبي الجوارى اذا قريء عنده القرآن يصيح ويصعق وفي روض الرياحين لليافعي ذكر جماعة ممن مات لذلك (كقصة تمني الموت) قال تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال صلى الله عليه وسلم والله لو تمنوا الموت لنص كل بريقه وما بقي على وجه الارض يهودي الامات أخرجه البيهقي في الدلائل (غضا) بالمعجمتين أي رطبا (موجزة) بضم الميم وسكون الواو وفتح الجيم بعدها زاي أى مختصرة (ان الله أنزل هذا القرآن الى آخره) أخرجه بمعناه الترمذى عن على (آمرا) بمد الهمزة اسم فاعل (وزاجرا) أي ناهيا وأقسام القرآن جمعها مجد الدين الشيرازى فقال
ألا انما القرآن تسعة أحرف ... أتيت بها في بيت شعر بلا خلل(2/210)
وحكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد ولا تنقضى عجائبه هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به فلج ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدى الى صراط مستقيم ومن طلب الهدى من غيره أضله الله ومن حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم وحبل الله المتين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد (ومنها تيسير) حفظه لمتعلميه وتقريبه على متحفظيه قال الله تعالى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وقال الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وكتب الله القديمة كان لا يحفظها الا الواحد الفذ من أهلها والقرآن تيسر حفظه للغلمان في أقرب مدة (ومنها) مشاكلة بعض أجزائه بعضا وحسن ائتلاف أنواعها والتئام أقسامها وحسن التخلص من قصة الى أخري والخروج من باب الى غيره على اختلاف معانيه وانقسام السورة الواحدة على أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد واثبات نبوءة وتوحيد وتعزير وترغيب وترهيب الى غير ذلك من فوائده وعوارفه ولطائفه التي لا تحصى ولا تعد ولا تستقصى* قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف وأقل ما وقع به التحدى سورة
حلال حرام محكم متشابه ... بشير نذير قصة عظة مثل
(لا يخلقه) بضم أوله وكسر تاليه لا غير أي لا تبليه ويصير خلفا (فلج) بالجيم وفتحات أى ظهر وفاز (أقسط) رباعى أي عدل وأما الثلاثي فمعناه جار وحكي انه من الاضداد يأتى بمعنى جار وبمعنى عدل (قصمه الله) بالقاف والمهملة أي أهلكه (وحبل الله) قال ابن الاثير حبل الله نور هداه وقيل عهده وأمانه الذى يؤمن به من العذاب والحبل العهد والميثاق (المتين) بالفوقية أي القوى (فيقوم) بالنصب جواب النهي (فيستعتب) بالنصب أيضا (ولا يخلق) بفتح أوله وضم ثالثه وبضم أوله وكسر ثالثه أى لا يبلى والمراد انه لا تذهب جلاوته وجلالته زاد البغوي في رواية ولا تلتبس به الالسنة ولا يشبع منه العلماء هو الذي لم تدريه الجن اذ سمعته حين قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد زاد في رواية أخرى من حديث عبد الله ابن مسعود فاتلوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف منه عشر حسنات اما اني لا أقول ألم حرف ولكن الالف حرف واللام حرف والميم حرف (قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من سبعة وسبعين أنف كلمة ونيف) وهو تسعمائة وأربع وثلاثون كما روي عن ابن مسعود هذه الكلمات وأما الحروف فروي عنه أيضا ثلثمائة ألف وأربعة آلاف وسبعمائة وأربعون واخرج الطبراني في الاوسط عن عمر القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأ صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين (التحدي) بفتح الفوقية والحاء وكسر الدال المهملتين وهو الاستعجاز يقال فلان يتحدى فلانا أي ينازعه ليغلبه(2/211)
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وكلماتها عشر ونسبتها من القرآن أزيد من سبعة آلاف جزء كل واحد منهما معجز في نفسه ثم اعجاز كل جزء بوجهين بطريق النظم وطريق البلاغة فيتضاعف العدد من هذا الوجه الى غير ذلك من وجوه التضعيف التي تفهم بمن حاول احصاؤها انها صفة من صفة الله لا تشبه الصفات كما ان ذاته سبحانه لا تشبه الذوات ولقد أحسن صاحب البردة حيث يقول في وصف آيات القرآن العظيم وفي تحقيق معنى ما قدمناه أيضا:
آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهى تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة ... من النبيين اذ جاءت ولم تدم
محكمات فما تبقين من شبه ... لدى شقاق وما تبقين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حرب ... أعدى الا عادي اليها ملقى السلم
ردت بلاغتها دعوى معارضها ... رد الغيور يد الجانى على الحرم
لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره في الحسن والقيم
فما تعد ولا تحصي عجائبها ... ولا تسام على الاكثار بالسأم
قرت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
ان تتلها خيفة من حر نار لظى ... أطفأت نار لظي من ورده الشبم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤه كالحمم
(وكلماتها عشر) باسقاط البسملة (محدية) أى ابدالا وهو معني قوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ان أريد بالذكر القرآن فان أريد ما يترتب عليه من الذكر فظاهر (صفة) الله عز وجل (الموصوف بالقدم) وجل قديم الذات ان يكون صفاته محدثة (دامت) أى بقيت (لدينا) أي عندنا (ففاقت) أي فضلت (كل معجزة من) معجزات (النبيين اذ جاءت) معجزاتهم (ولم تدم) كدوام القرآن بل ذهبت بذهابهم (محكمات) بالتشديد وهو بمعنى محكمات بالتخفيف (ما يتعين) أى ما يطلبن (من حكم) زيادة على ما فيهن بل حزن الحكم جميعها (من حرب) بفتح المهملة والراء أى هلاك (ملقى) بالنصب على الحال (رد الغيور) بفتح المعجمة أى الذي يغير به الغيرة وهي الانفة (عن الحرم) بضم المهملة وفتح الراء كموج (البحر) أي في الكثرة (وفوق جوهره) أى جوهر البحر (بالسام) أي بالملل (من وردها) بكسر الواو أى مائها (الشبم) بفتح المعجمة وكسر الموحدة أى النادر (كالحمم) بضم المهملة وفتح الميم جمع حممة وهى الفحم (معدلة) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين أى عدلا(2/212)
وكالصراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن بحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو غير الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
[فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية]
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية
[فمن ذلك انشقاق القمر]
فمن ذلك انشقاق القمر وهو ما أثبته القرآن العظيم ورواه العدد الكثير من الصحابة قال الله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. روينا في صحيح البخاري عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا* وعن أنس قال سئل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين حتى رأوا حراء بينهما قال بعضهم وفي انشقاق القمر له مناسبة لشق قلبه حين شقه الملكان ولذلك قال صاحب البردة:
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (اقتربت الساعة وانشق القمر) ما ساقه المصنف من ان المراد بانشقاق القمر انشقاقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما عليه جمهور العلماء من المفسرين وغيرهم قال القرطبي ومن العلماء من قال معني وانشق القمر أى ينشق كقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ أي يأبي ونقل عن الحليمى انه قال رأي الهلال وهو ابن ليلتين منشقا نصفين عرض كل منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ومازلت أنظر اليهما حتى اتصلا كما كانا ولكنهما في شكل اترجة ولم أمل طرفي عنهما الي ان غابا وكان معى ليلتئذ جمع من الناس وكلهم رأي ما رأيت وأخبرني من أثق به انه رأي الهلال وهو ابن ثلاث منشقا نصفين قال الحليمى فقد ظهر ان قول الله تعالى وَانْشَقَّ الْقَمَرُ انما خرج علي الانشقاق الذي هو من اشراط الساعة دون الذي جعله الله تعالى آية لرسوله (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرهم (عن ابن مسعود) وقد روي ذلك جماعة من الصحابة سوى ابن مسعود منهم أنس وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى وجبير بن مطعم (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد الاعمش عن ابن مسعود ونحن بمنى ومسروق عنه ونحن بمكة وزاد فقال كفار قريش سحركم ابن أبي كبشة فقال رجل منهم ان محمدا ان كان سحر القمر فانه لا يبلغ من سحره ان يسحر الارض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا مثل هذا فاتوا فسألوهم فاخبروهم انهم رأوا مثل ذلك (مرتين) زعم بعضهم أخذا بظاهر هذا الحديث ان الانشقاق وقع مرتين وليس كذلك كما قاله ابن قيم الجوزية وانما المراد بمرتين فلقتين وان كانت المراة أكثر ما يستعمل في الافعال فقد يستعمل في الاعيان أيضا قال عياض في الشفاء أكثر طرق أحاديث انشقاق القمر صحيحة والآية مصرحة به ولا يلتفت الى اعتراض مخذول بانه لو كان هذا لم يخف على أهل الارض ثم دفع حجتهم باجوبة منها ان القمر ليس في حد واحد لجميع أهل الارض فقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين أو يحول بينهم وبينه حائل وأيضا عادة الناس بالليل الهدو والسكون(2/213)
أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
[ومن ذلك احتباس الشمس]
ومن ذلك احتباس الشمس وذلك انه صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا بقدوم غيرهم من الشام يوم الاربعاء فولى النهار ولم تجئ فدعى فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس ومن ذلك ما روت اسماء بنت عميس انه صلى الله عليه وسلم أوحى اليه ورأسه في حجر على وفوّت علىّ صلاة العصر لمراعاته فلما أفاق صلى الله عليه وسلم قال اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت اسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقفت على الجبال والارض وذلك بالصهباء في خيبر.
وايجاف الابواب وقطع البصر ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيأ الا من رصد ذلك (فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس) كما رواه ابن اسحاق في السيرة ورواه غيره أيضا ومعناه أوقفت له حتى تقدم العير قبل غروبها كما أخبر (ومن ذلك ما) أخرجه الطحاوي في مشكل الحديث من طريقين ثابتين ورواتهما ثقات قال (روت أسماء بنت عميس) الى آخره (فلما أفاق صلى الله عليه وسلم) قال أصليت يا على قال لا (اللهم انه كان في طاعتك) الى آخره (ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت) قال بعضهم هذا ابلغ في المعجزة من وقوفها المذكور في الحديث الاول وقال آخرون بل ذاك أبلغ لان طلوع الشمس من مغربها أمر سيكون بخلاف وقوف الشمس في مجراها فانه لم يعهد ولا يكون وكانت صلاة سيدنا على هذه اداء والا لما كان رجوعها بعد غروبها بالنسبة اليه (فائدة) وان كان فيه اظهار المعجزة الا ان سياق القصة يقتضى ان عودها كان سببه (وذلك بالصهبا) بفتح المهملة والموحدة وبالمد موضع على مرحلتين من خيبر قال عياض في الشفا وحكي الطحاوي ان أحمد ابن صالح كان يقول لا ينبغي لمن سبب له العلم التخلف عن حديث اسما لانه من علامات النبوة انتهى (قلت) وفي حديثها من الفوائد تقديم الاهم عند تعارض المصالح فمن ثم ترك سيدنا على الصلاة مراعاة له صلى الله عليه وسلم وذلك من خصائصه ان من فوت شيأ من الصلاة بسببه يكون معذورا ومنها ان محل الوعيد في تفويت العصر لمن فوتها لغير عذر وذلك ظاهر ومنها انه لا بأس بان يجعل نحو الامام رأسه في حجر بعض اتباعه سيما مع علم محبتهم ذلك وبلوغه رتبة من يتبرك به وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه حيث ردت الشمس بسببه (فائدة) قد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم في بعض أيام الخندق كما ذكره عياض في الشفاء وغيره وقد حبست الشمس ليوشع بن نون حيث قال لها انك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست وذكر الخطيب في كتاب النجوم بسند ضعيف انها حبست لداود وردت لسليمان بعد ان توارت بالحجاب أى غربت كما حكاه البغوى وغيره من المفسرين عن على فيحصل في الشمس معجزتان رجوعها بعد غروبها ووقوفها في مجراها وجمعنا لنبينا صلى الله عليه وسلم ولم يحصل لغيره سوي واحدة منهما(2/214)
[فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين أصابعه]
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين أصابعه وتفجيره وتكثيره ببركته من ذلك حديث أبى طلحة المشهور في الصحاح واطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص شعير حملها أنس تحت ابطه ومنه حديث جابر انه ذبح عناقا وطحنت زوجته صاعا من شعير ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بجميع اهل الخندق وهم الف فبصق صلى الله عليه وسلم في عجينهم وبرمتهم وبرك قال جابر فاقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانخرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وان عجيننا لنخبزه. قلت هذا ما صخ من حديث جابر واما ما اولع به المداح من احياء بسطية وشاته فهو مختلق لا اصل له والله اعلم. ومن ذلك حديث ابى هريرة حين اشتد به الجوع وجلس في طريق المسجد يتعرض لمن مر به ويستقريهم الآيات فلم يقعوا على حاجته فلما مر صلى الله عليه وسلم ضحك في وجهه ثم استتبعه فوجد في بيته قدح لبن قد اهدى له فقال ادع لى اهل الصفة قال ابو هريرة قلت ما هذا اللبن فيهم كنت احق به ان اصيب منه بشربة أتقوى بها ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد قال فدعوتهم فشربوا حتى رووا أجمعون ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم اشرب فشرب وما زال يقولها حتى قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا فأخذ صلى الله عليه وسلم القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. ومنه حديث سمرة بن جندب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون. ومنه حديث عبد الرحمن بن ابى بكر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائه وذكر في الحديث انه عجن صاع من (فصل) ومن معجزاته تكثير القليل من الطعام (المشهور) في الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما (ومنه حديث جابر) في الصحيحين أيضا (انه ذبح عناقا) في رواية بهيمة (وبرك) أي دعا بالبركة (حتى تركوه) أي من الشبع (وانحرفوا) أى رجعوا (لغط) بفتح أوله وكسر المعجمة ثم مهملة أي يعلي ويسمع لها صوت قال النووي قد تضمن حديث جابر علمين من اعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام القليل والثاني علمه صلى الله عليه وسلم بان هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس سيكثر ويكفي ألفا وزيادة فدعا له ألف قبل أن يصل اليه وقد علم انه صاع وبهيمة (مختلق) كذب (ومن ذلك حديث أبي هريرة) وهو في البخاري والترمذى (مسلكا) بفتح الميم واللام أى مساغا (الفضلة) بفتح الفاء وسكون المعجمة الباقى وفي هذا مع المعجزة ندب كون ساقي القوم آخرهم شربا كما جاء في روايات متعددة (حتى الليل) بالكسر (حديث عبد الرحمن بن أبي بكر) في الصحيحين أيضا(2/215)
طعام وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال وأيم الله ما من الثلاثين ومائة الا وقد حزله حزة من من سواد بطنها ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل من القصعتين فحملته على البعير ومنه حديث سلمة بن الاكوع وأبو هريرة وعمر بن الخطاب ذكروا ان الناس أصابهم مخمصة شديدة في بعض الغزوات فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقية الازواد فجاء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك وأعلاهم من جاء بالصاع من التمر فجمع على نطع قال سلمة فحزرته كربطة العنز فما بقى في الجيش وعاء الا ملؤه وبقى منه. ومنه حديث أبي أيوب الانصارى في أول الهجرة انه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادع ثلاثين من أشراف الانصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوه ثم قال ادع ستين وكان مثل ذلك ثم قال ادع سبعين فأكلوا حتى تركوا وما خرج فيهم أحد حتى أسلم وبايع قال أبو أيوب فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا وعن ابى هريرة قال امرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادعو له اهل الصفة فتتبعتهم حتى جمعتهم فوضعت بين ايدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا وهى مثلها حين وضعت الآن فيها اثر الاصابع* وعن علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وكانوا اربعين منهم قوم يأكلون الجذعة ويشربون الفرق فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا وبقى كما هو ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا وبقى كانه لم يشرب وامر صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ان يزودوا اربعمائة راكب من احمس من قليل تمر قدر الفصيل الرابض فزودهم منه وبقى على حاله ومن ذلك حديث جابر وشكى (حزة) بضم المهملة وتشديد الزاى أي قطعة (في بعض الغزوات) في صحيح مسلم انها في غزوة تبوك (على نطع) فيه أربع لغات أشهرها كسر النون مع فتح المهملة والثانية بفتحهما والثالثة فتح النون مع سكون الطاء والرابعة كسر النون مع سكون الطاء (أهل الصفة) للبخاري من حديث أبي هريرة لقد رأيت سبعين من أهل الصفة وعد أبو نعيم في الحلية منهم مائة وسبعا وفي عوارف المعارف انهم كانوا نحو أربعمائة (كربضة) بالموحدة والمعجمة أي محل ربوض والاشهر في الراء الفتح وقال ابن دريد الكسر (العنز) بالمهملة فالنون فالزاى (أبي أيوب) اسمه خالد بن زيد كما مر (زهاء) بضم الزاي مع المد أي قرب (حين وضعت) بالبناء للمفعول (أثر الاصابع) بالنصب (بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين وهو قدح ضخم (ومن ذلك حديث جابر) في البخارى وسنن أبي داود(2/216)
الى النبي صلى الله عليه وسلم اشتداد غرماء أبيه عليه في ديونهم وكان بذل لهم اصل ماله فلم يقبلوه وكان ثمره لا يفي بخلاصهم سنين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يجدّ تمره وان يبدر كل نوع على حدته ففعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم حول أعظمها بيدرا وأمره أن يوفيهم منه فاوفاهم الذي لهم وبقى كانه لم ينقص منه تمرة وسلمت البيادر كلها. ومنه حديث أبى هريرة قال أصاب الناس مخمصة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من شيء قلت نعم شيء من التمر في المزود قال فأتني به فادخل يده فاخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ثم قال ادع عشرة فاكلوا حتى شيعوا ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا قال خذ ما جئت به وادخل يدك واقبض منه ولا تكبه فقبضت على أكثر مما جئت به فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر الى أن قتل عثمان فانتهب منى فذهب وفي رواية قال فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله وهذا الباب واسع وأكثره من الصحاح وكذلك معجزاته في الماء* فمنها حديث الاستسقاء وآيته عظيمة وسبق ذكره في تواريخ السنين. ومنها حديث أنس قال جاءت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم باناء فيه ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاناء يده وأمر الناس ان يتوضؤا والنسائى (اشتداد غرماء أبيه) في الشفاء انهم كانوا يهود فعجبوا من ذلك (ان يجد) بالمعجمة والمهملة أى يقطع (وان يبدر) بضم أوله أوله وفتح الموحدة وسكون التحتية وكسر المهملة بعدها راء يصير بيدرا بفتح الموحدة والمهملة بينهما تحتية ساكنة (وبقي كانه لم ينقص منه تمرة) زاد أبو داود فاتا جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده يصلى العصر فلما انصرف أخبره بالفضل قال أخبر بذلك ابن الخطاب فذهبت اليه فاخبرته فقال عمر قد علمت حين مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها (ومنه حديث أبى هريرة) في سنن الترمذى (مخمصة) أى مجاعة (المزود) بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الواو ثم مهملة الاناء الذي يتزود فيه (ولا تكبه) كذا في الشفاء وفي سنن الترمذى ولا تنبزنبزا فقوله هنا تكبه تصحيف (وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر) زاد الترمذى وكان لا يفارق حقوي (فانتهب) وللترمذى فانقطع زاد رزين فخرنت عليه (وفي رواية) في الشفاء وغيره (فقد حملت من ذلك الثمر الى آخره) زاد في الشفاء وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك وان التمر كان بضع عشرة تمرة وكذلك معجزاته في الماء (ومنها حديث أنس) في الصحيحين وسنن الترمذى والنسائي (وحانت) أي جاء (حينها) أى وقتها (الوضوء) بفتح الواو على المشهور وهو الماء الذي يتوضأ به (ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغتمر)(2/217)
منه قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم قال له قتادة كم كنتم قال زهاء من ثلاثمائة ومثله عن ابن مسعود وعن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها واقبل الناس نحوه وقال ليس عندنا الا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كامثال العيون قال سالم بن أبى الجعد لجابركم كنتم قال لو كنا مائة الف لكفانا كنا خمس عشر مائة ونحوه عن جابر أيضا في غزوة بواط وذكر حديثها الطويل وفيه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جابر ناد بالوضوء فأتى بقطرة في عزلاء شجب فغمزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفه وتكلم بشيء لا أدرى ما هو وقال ناد بجفنة الركب فأتيتها فوضعتها بين يديه وبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في الجفنة وفرق بين اصابعه وصب جابر عليه وقال بسم الله قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلئت وامر الناس بالاستسقاء فاستقوا حتى رووا فقلت هل بقى احد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملآنة قال الترمذي وفي الباب عن عمران بن حصين. واما تفجير الماء روي المهلب انه كان بمقدار وضوء رجل واحد (فرأيت الماء ينبع) بتثليث الموحدة أى يخرج من بين (أصابعه) حكي عياض في كيفية هذا النبع قولين أحدهما وهو ما قاله أكثر العلماء ان الماء كان يخرج من نفس أصابعه الكريمة وينبع من ذاتها ويؤيد هذا رواية فرأيت الماء ينبع من أصابعه والثانى يحتمل ان الله تعالي كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين الاصابع لا من ذاتها ولا شك ان كليهما معجزة ظاهرة (من عند آخرهم) من هنا بمعنى الى وهو لغة (زهاء ثلاثمائة) في رواية لمسلم عن أنس ما بين الستين الى الثمانين وقال الحفاظ هما قضيتان جرتا في وقتين (عن ابن مسعود عن جابر) في الصحيحين (كنا خمس عشرة فانه) سبق الكلام على الخلاف في كميتهم يومئذ مع الجمع بين الاقوال في غزوة الحديبية فراجعه (ونحوه عن جابر أيضا) في آخر في صحيح مسلم (ناد بالوضوء) بفتح الواو (بقطرة) بفتح القاف أي شيء يسير من الماء (في عزلاء) بفتح المهملة وسكون الزاي وبالمد أي في فم (شجب) بفتح المعجمة وسكون الجيم ثم موحدة وهو السقاء (فغمزه) بالمعجمة والزاي أى عصره (بكفه) ليس هذا في صحيح مسلم بل في نسخة بيديه وفي أخرى بيده (وتكلم بشيء) لعله دعا الله عز وجل بالبركة (ناد بحفنة الركب) بفتح الجيم (بسم الله) أي توضؤا قائلين ذلك ففيه ندب التسمية للوضوء وان هذا أقلها وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم (قال الترمذى وفي الباب عند عمران بن حصين) أي له حديث أيضا في تكثير الماء وان الناس شكوا الى(2/218)
فروي معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك انهم وردوا العين وهى تبض بشيء من ماء مثل الشراك فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم اعاده فيها فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق ثم قال يوشك يا معاذ ان طالت بك حياة ان ترى ماء ها هنا قد ملأ جنانا ونحوه في غزوة الحديبية من رواية سلمة بن الاكوع والبراء بن عازب وفي الحديث انهم وجدوا في بئرها ماء قليل فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها وأتى بدلو فبصق ودعا فيها فجاشت فروا أنفسهم وركائبهم وفي رواية أنه أخرج سهما من كنانته فوضع في قعر قليب ليس فيه ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن ومن المشهور في الصحيح حديث ميضأة ابن أبى قتادة وحديث صاحبة المزادتين.
رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره فدعا بالميضاء فجعلها في سننه ثم التقم فمها فالله أعلم نفث فيها أم لا فشرب الناس حتى رووا وملأوا كل أناء معهم فخيل الى انها كما أخذها مني وكانوا اثنين وسبعين رجلا وروى مثل هذه القصة لابي قتادة أيضا (فروي معاذ بن جبل) في الموطأ وصحيح مسلم (وهي تبض) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وتشديد المعجمة وروي باهمالها أي تبرق (مثل الشراك) بكسر المعجمة وهو سير النعل والمعني ماء قليل جدا (فانخرق) بالمعجمة والقاف (ماء له حس كحس الصواعق) هذا لفظ ابن اسحاق في السيرة ولفظ مسلم فجرت العين بماء منهمر أى كثير (قدملا جنانا) جمع جثة وهي البستان وهذا أيضا من المعجزات (ونحوه في غزوة الحديبية) وسبق الكلام عليه ثم (ميضأة أبي قتادة) روي حديثها مسلم في أبواب الصلاة عند ذكر نومه صلى الله عليه وسلم بالوادي وفيه أنه قال لابي قتادة احفظ على ميضأتك فانه سيكون لها نباء والميضأة بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المعجمة الاناء الذى يتوضأ منه قال عياض في الشفاء وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح وأن النبى صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا لاهل مؤتة عند ما بلغه قتل الامراء (وصاحبة المزادتين) حديثها مروى في الصحيحين وغيرهما عن عمران بن حصين حاصله مع الاختصار أنه صلى الله عليه وسلم وجد عليا وعمران بعد أن أصابهم عطش شديد وأعلمها أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان فوجداها وأتيا بها الى النبى صلى الله عليه وسلم فجعل في اناء من مزادتيها فقال فيه ما شاء الله ان يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم فتحت عداليهما وأمر الناس فملؤا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيأ الا ملاؤه ثم جمع للمرأة من الازواد حتى ملأ ثوبها وقال اذهبى فانا لم نأخذ من مائك شيأ ولكن الله هو الذى سقانا (خاتمة) ذكر عياض في الشفاء عن عمرو بن شعيب أن أبا طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلم وهو رديفه بذي المجاز عطشت وليس عندي ماء فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بقدمه الارض فخرج الماء فقال اشرب.(2/219)
[فصل في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم
[من ذلك قصة حنين الجزع]
من ذلك قصة حنين الجزع وهو حديث مشتهر منتشر متواتر رواه من الصحابة بضع عشرة ورواه عنهم اضعافهم من التابعين وقد قدمنا ذكره عند ذكر المنبر وفي الخبر عنه انه كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عليه فلما اتخذ المنبر وعدل عنه سمعوا له صوت كصوت العشار وارتج المسجد لخواره وكثر بكاء الناس لما رأوا ما به فوضع صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكت وقال ان هذا بكى لما فقد من الذكر والذى نفسى بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر وفي احدى رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان شئت ان أردك الى الحائط الذى كنت فيه ينبت لك عروقك ويكمل خلقك وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم اصغي اليه النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول فقال بل تغرسني في الجنة فيأكل منى أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه فسمعه ما يقول من يليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال اختار دار البقاء على دار الفناء وكان الحسن البصرى اذا حدث بهذا الحديث بكى وقال يا عباد الله الخشبة تحن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا اليه لمكانه من الله فانتم أحق أن تشتاقوا الى لقائه (فصل) في نطق الجمادات (رواه من الصحابة بضعة عشر) زاد في الشفاء منهم أبى بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة (ورواه عنه أضعافهم من التابعين) قال في الشفاء رواه عن جابر حفص بن عبيد الله بن حفص وأيمن وأبو نضرة وابن المسيب وسعيد بن أبى كرب وكريب وأبو صالح ورواه عن أنس ابن مالك الحسن وثابت واسحاق بن أبي طلحة ورواه عن ابن عمر نافع وأبو حسن ورواه عن أبى سعيد أبو نضرة وأبو الوداك ورواه عن ابن عباس عمار بن أبى عمار ورواه عن سهل بن سعد ابنه عباس بن سهل وأبو حازم ورواه عن المطلب كثير بن زيد ورواه عن بريدة ابنه عبد الله ورواه عن أبى ابنه الطفيل (وارتج) بهمز وصل وسكون الراء وفتح الفوقية وتشديد الجيم أى سمع رجة أي صوت (لخواره) يضم المعجمة وتخفيف الواو وهو صوت الشاة والظبي والبقر وبضم الجيم وفتح الهمزة صوت الناس والبقر (تحزنا) بفتح الفوقية والمهملة وضم الزاى ثم نون تفعلا من الحزن (فدفن تحت المنبر) قال السهيلى انما دفنه صلى الله عليه وسلم لانه صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه الى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ينضم الى قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الآية والى قوله صلى الله عليه وسلم في النخلة مثلها كمثل المؤمن (وفي احدي رواياته) وهى رواية بريدة بن الحصيب الاسلمي (من ثمرك) بفتح المثلثة والميم وروي البخاري والترمذي والنسائي(2/220)
وعن عبد الله بن مسعود قال كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه وقال أنس أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في يد أبى بكر فسبحن ثم في أيدينا فما سبحن*
[ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم]
ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم وقال أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الى بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل الا قال السلام عليك يا رسول الله وقال صلى الله عليه وسلم انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث انى أعرفه الآن وحديث العباس اذ اشتمل عليه النبى صلى الله عليه وسلم وعلى بنيه بملاءة ودعا لهم بالستر من النار كستره اياهم بملاءته فامنت اسكفة الباب وحوائط البيت آمين آمين* ويقرب من هذا رجفان أحد وحراء به وباصحابه وسقوط الاصنام التى كانت حول البيت لاشارته وقد كانت مشدودة بالرصاص وروي ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر وَما قَدَرُوا
(وعن عبد الله بن مسعود) قال كنا نعد الآيات وأنتم تعدونها نحونا كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال أطلبوا فضلة من ماء فجاؤا باناء فيه ماء قليل فادخل يده فيه ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله تعالى قال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه ولقد (كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه) الضمير للطعام ففي رواية ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن) زاد في الشفاء من حديث أبي ذر اذ لم يصرح يبقي ذلك بالنسبة الى عمر وعثمان بل لو صرح بذلك في حديثه لما كان فيه نفي ذلك عنهما لاحتمال أن أبا ذر سمع دونه أوان ذلك كان في قصة أخري (وقال على) كما حكاه عنه عياض في الشفاء بهذه الصيغة أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن سمرة كما مر مع الكلام عليه (انى لاعرف حجرا بمكة الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن سمرة كما مر مع الكلام عليه (وحديث العباس) هو ما روي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يا عم اذا كان غداة الاثنين فأتنى أنت وولدك أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك قال فغد او غدونا معه فألبسنا كساء ثم قال اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا اللهم احفظه في ولده أخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وزاد رزين في في رواية واجعل الخلافة باقية في عقبه وما ذكره المصنف هو لفظ الشفاء (بملآة) بضم الميم مع المد وهى الملحفة وجمعها ملاء (أسكفة الباب) عتبته السفلى وهى بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ساكنة وتشديد الفاء ويقال فيها أسكوفة (آمين آمين) فيها لغات أشهرها مد الهمزة وتليها مدها مع الامالة وتليها القصر مع تخفيف الميم وتليها المد مع تشديد الميم وتليها القصر مع تشديد الميم وهي اسم فعل معناه اللهم استجب وقيل(2/221)
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثم قال يمجد الجبار نفسه أنا الجبار أنا الجبار أنا الكبير المتعال فرجف المنبر حتى قلنا ليخرن عنه.
[وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة]
وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم يرى شيئا يستتر به فاذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أحدهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي باذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده وفعل بالأخرى كذلك حتى اذا كان بالمنصف قال التئما علىّ باذن الله فالتأمتا وفي رواية أنه أمر جابرا أن يأمر احداهما ان تلحق بصاحبتها ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته رجعت الى منبتها وأمر صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد أن يأتى الى نخلات واحجار فيأمرهن ان يتقاربن لقضاء حاجته فأمرهن قال اسامة فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة تتعاقدن حتى صرن ركاما خلفهن فلما قضي حاجته قال لى قل لهن يفترقن فو الذي نفسي بيده لرأيتهن يفترقن حتى عدن الى افعل كذلك يكون وقيل لا تخيب رجاءنا وقيل غير ذلك (يمجد) أى يعظم (الجبار) سمى بذلك قيل لانه يجير خلقه على ما أراد وقيل من قولهم جبرت الكسر اذا أصلحته (الكبير) هو ذو الكبرياء وهى كمال الذات والصفات (المتعالى) هو بمعني العلى مع نوع من المبالغة والعلي هو الذى لا رتبة فوق رتبته وجميع المراتب منحطة عنه (ليخرن) أى ليقعن واللام لام القسم ففي الحديث (الصحيح) في صحيح مسلم (عن جابر بن عبد الله) في حديثه الطويل في غزوة بواط (كالبعير المخشوش) باعجام الخاء والشين المكررة هو الذى يحصل في أنفه خشاش بكسر أوله وهو نحو عود يجعل في أنف البعير الصعب ويشد فيه حبل ليذل وينقاد (الذى يصانع قائده) بالمهملتين والنون أى الذى يذهب برأسه عن قائده يمينا وشمالا لصعوبته (بالمنصف) بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة وفي آخره فاء وهو نصف المسافة (التئما) بفتح الفوقية وكسر الهمزة أي اجتمعا (رجعت كل واحدة منهما الى منبتها) من تتمة الحديث انه لما انتهي الى جابر قال يا جابر هل رأيت مقامي قال قلت نعم يا رسول الله قال فانطلق الى الشجرتين فاقطع من كل منهما غصنا فاقبل بهما حتى اذا قمت من مقامي فارسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك قال جابر فقمت فاخذت حجرا فحسرته فاندلق لى قال فاتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يمينى وغصنا عن يسارى ثم لحقت فقلت قد فعلت يا رسول الله نعم ذاك قال اني مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتي ان يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين (نخلات) جمع نخلة (والحجارة) بالنصب(2/222)
مواضعهن* ومنه عن يعلي بن مرة وغيلان بن سلمة الثقفي وفي خبر الجن أنهم قالوا له من شهد لك قال هذه الشجرة تعالى يا شجرة فجاءت تجر عروقها لها قعاقع ونحوه في اعرابي قال له من يشهد لك قال هذه الشجرة فاقبلت تخد الارض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت انه كما قال ثم رجعت الى مكانها وسئله اعرابى آية فامره أن يدعوا له شجرة هنالك فتمايلت من كل جانب فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الارض تجر عروقها مغيرة حتي وقعت بين يديه فقالت السلام عليك يا رسول الله قال الاعرابي مرها فلترجع الى منبتها فرجعت فدلت عروقها فاستوت فقال الاعرابي أتأذن لى أن أسجد لك قال لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها قال فاذن لى ان أقبل يدك ورجلك فاذن له. وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف ليلا وهو وسن فاعترضته سدرة فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما وبقيت على ساقين وأصلهما واحد. وقال صلى الله عليه وسلم لأعرابي أرأيت ان دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال (عن يعلي بن مرة) ويقال له ابن سيابة بفتح المهملة وتخفيف التحتية وبعد الالف موحدة وهي أمه ومرة أبوه ولهم أيضا يعلى بن أمية التميمى هو ابن منبه بضم الميم وسكون النون ثم تحتية وهي أمه أيضا وأمية أبوه (غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية مات في آخر خلافة عمر قال المزي وغيره من الحفاظ ليس في الرواة عيلان بالمهملة الا في قيس عيلان بن ضمر (ابن سلمة) بفتح اللام (وفي خبر الجن) كما نقله عياض في الشفاء عن ابن مسعود (تعالى) بفتح اللام (لها قعاقع) بتكرير القاف والمهملة بوزن منابر أي صوت كصوت السلاح (ونحوه في اعرابي) رواه في الشفاء مسندا عن ابن عمر (قال هذه الشجرة) زاد في الشفاء السمرة (وسأله اعرابى آية الى آخره) رواه الحاكم عن بريدة (تخد الارض) أى تشقها وهو باعجام الخاء واهمال الدال المشددة (مغيرة) أى مسرعة (لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها) رواه الترمذي عن أبى هريرة ورواه أحمد عن معاذ ورواه أبو داود والحاكم عن قيس بن سعد بلفظ لا مرت النساء أن يسجدن لازواجهن لما جعل لهم عليهم من الحق وفي الحديث تحريم السجود بلا سبب مطلقا وكذا الركوع وفيه تأكد حق الزوج على المرأة (فاذن له) فيه انه لا بأس بتقبيل يد العلماء والصلحاء وتقبيل أرجلهم تبركا وتعظيما لحرمات الله لا رياء ولا سمعة (وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف الى آخره) حكاه عياض في الشفاء عن ابن فورك (وسن) بفتح الواو وكسر المهملة أي نعسان (وبقيت على ساقين) زاد في الشفاء عن ابن فورك الي وقتنا وهي هناك معروفة معظمة (وقال صلى الله عليه وسلم لاعرابى الى آخره) أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال حديث صحيح (العذق) بكسر المهملة(2/223)
نعم فدعاه فجعل ينقز حتى أتاه فقال ارجع فعاد الى مكانه.
[فصل فيما جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات]
(فصل) فيم جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات من ذلك ما روت عائشة قالت كان عندنا داجن فاذا كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه فلم يجىء ولم يذهب فاذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وذهب وروي عن عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في محفل من أصحابه إذ جاء اعرابى قد صاد ضبا فقال من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا ضب فأجابه بلسان عربى مبين لبيك وسعديك يا زين من وافي القيامة قال من تعبد قال الذى في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه قال فمن أنا قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وخاب من كذبك فأسلم الاعرابى. ومنه قصة كلام الذئب المشهورة عن أبى سعيد الخدري وغيره وفيها طول واختلاف بين الرواة وسكون المعجمة ثم فاء وهي الكناسة قال الجوهري وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب (ينقز) بضم القاف بعدها زاى أى يثب
(فصل) في معجزاته في الحيوانات (ما روت عائشة) كما أسنده عنها عياض في الشفاء (داجن) بالمهملة والجيم المكسورة وهى ما تألف البيت من الحيوانات كما مر (ضبا) هو بفتح المعجمة وتشديد الموحدة دويبة شبه الورل ذكروا من عجائبه ان له ذكرين في أصل واحد وانه يعيش نحو سبعمائة سنة ولا يشرب الماء بل يكتفي بالنسيم ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن وذكر الزركشى في شرح البخارى على قوله صلى الله عليه وسلم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه انه انما خص الضب لان العرب تقول هو قاضي الطيور والبهائم وانها اجتعت اليه لما خلق الله الانسان فوصفوه له فقال الضب وصفتم خلقا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من البحر فما كان ذا جناح فليطر وما كان ذا مخلب فليحتفر (أو) بمعنى حتى (يؤمن) بالنصب بها (عن أبي سعيد وغيره) كابى هريرة (وفيها طول) حاصلها ان الذئب لما عرض للراعي وأخذ شاة من الغنم استنقذها الراعي منه فاقعى الذئب وقال للراعى ألا تتقى الله حلت بينى وبين رزقى قال الراعى العجب من ذئب يتكلم بكلام الانس فقل الذئب الا أخبرك باعجب من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بانباء من قد سبق فاتي الراعي النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال قم فحدثهم ثم قال صدق (واختلاف بين الرواة) في اللفظ فقط ففي حديث أبي هريرة فقال الذئب أنت أعجب واقف بين غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه قدرا قد فتحت له أبواب الجنة وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم وما بينك وبينه الا هذا الشعب فتصير في جنود الله وفي الحديث ان الذئب حفظ الغنم للراعي(2/224)
قال ابن عبد البر كلم الذئب من الصحابة رافع بن عميرة وسلمة بن الاكوع وأهبان بن أوس السلمى قلت وكلم أيضا أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية حين كانا مشركين ومثله لابى جهل بن هشام ويتضمن كلام كلهم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيها لكل منهم على نبوئته وحثا على اتباعه. ومنه حديث الجمل وهو حديث مشهور اخرجه الحاكم وصححه ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثعلبة بن مالك وجابر بن عبد الله ويعلى ابن مرة وعبد الله بن جعفر قال وكان لا يدخل أحد الحائط الا شد عليه الجمل فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم دعاه فوضع مشفره في الارض وبرك بين يديه فخطمه وقال ما بين السماء والأرض شيء الا يعلم انى رسول الله الاعاصى الجن والانس وفي رواية أنه جاء وعيناه تذرفان وفي أخرى انه سجد وأخرى قال أتدرون ما يقول زعم انه خدم مواليه أربعين وفي أخرى عشرين حتى كبر فنقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى اذا كان لهم غرض أرادوا ان ينحروه غدا فأمرهم أن يحسنوا اليه حتى يأتى أجله. ومثله انقياد الفحلين له وقد تغلبا على صاحبهما فلما جاء صلى الله عليه وسلم بركا بين يديه فخطمهما ودفعهما اليه أخرجه ابو نعيم الحافظ.
ومنه ما روى انه صلى الله عليه وسلم لما اراد ان ينحر البدن ازدلفن اليه بأيهن يبدأ. وروي أن حمام حتي ذهب فاسلم ثم رجع فوجدها كما هى لم يأخذ الذئب منها شيأ (ابن عميرة) بفتح المهملة وكسر الميم (وسلمة ابن) عمرو بن (الاكوع) زاد عياض وانه كان صاحب هذه القصة وسبب اسلامه (واهبان) بضم الهمزة وسكون الهاء ثم موحدة (ابن أوس) زاد عياض وانه كان صاحب القصة والمحدث بها وتكلم الذئب (السلمى) بضم السين (أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية) نقله في الشفاء عن ابن وهب (حين كانا مشركين) وكانت القصة انهما وجدا ذئبا قد أخذ ظبيا فدخل الظبى الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك فقال الذئب أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم الى الجنة وتدعونه الى النار (و) وقع (مثله) أي مثل هذا المحكي (لابي جهل بن هشام) حكاه عياض في الشفاء بصيغة روى (مشفره) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء قال الجوهري المشفر للبعير كالجحفة للفرس وهي لذى الحافر كالشفة للانسان (من علفه) بفتح اللام اسم ما يعلف به وبالسكون المصدر (تغلبا) أى امتنعا من السير وغلباه (اخرجه أبو نعيم) اسمه أحمد بن عبد الله الاصبهاني ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان (ومنه ما روي) عن صدقة بن قرظ بضم القاف وفتح الراء ثم معجمة قال ابن عبد البر كان اسمه في الجاهلية شيطانا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (فازدلفن) بالزاي والفاء أي تفدين (وروى ابن حمام(2/225)
مكة اظلت عليه يوم الفتح فدعا لها بالبركة وان حما متين وقفنا على فم الغارحين طلبه المشركون ونسجت على فم الغار العنكبوت. ومنه حديث الظبية وقد اخرجه الدارقطني والطبراني والبيهقى بالفاظ مختلفة وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم وجدها موثقة قد صادها أعرابى فسألته ان يطلقها حتى ترضع أولادها وترجع فاطلقها فذهبت ورجعت فاوثقها الاعرابى فشفع اليه في اطلاقها فاطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه قصة الاسد مع سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قصة مشهورة وقصة العضباء ونداء الوحوش ها إنك لمحمد وروي أنها لم تأكل بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت. وكلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقوله اسمي يزيد بن شهاب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا وكان يوجهه الى دور أصحابه فيستدعيهم له وروى انه لمات النبي صلى الله عليه وسلم تردى في بئر جزعا وحزنا فمات. وحديث الناقة التي شهدت لصاحبها عند النبي صلى الله عليه وسلم انه ما سرقها وأنها ملكه. والشاة التي حلبها لعسكره وهم زهاء ثلاثمائة فاروتهم ثم قال لرافع اربطها وما أراك فربطها فوجدها قد ذهبت فقال ان الذي جاء بها هو الذي ذهب بها ونزل عن فرس له ليصلي وقال له لا تذهب بارك الله فيك فما حرك عضوا وأخذ صلى الله عليه وسلم باذن شاة فبقى اثريده كالميسم وكان في دراريها.
[فصل في كلام الموتي والصبيان صلى الله عليه وسلّم]
«فصل» في كلام الموتي والصبيان روي أنس ان شابا من الأنصار توفى وله أم عجوز عمياء قال فسجيناه وعزيناها به فقالت مات ابني قلنا نعم فقالت اللهم ان كنت تعلم اني هاجرت اليك والى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملني على هذه المصيبه فما مكة الى آخره) ذكره في الشفاء عن ابن وهب (ومنه حديث الظبية) وهو حديث صحيح كما قاله الزركشى والقاضي زكريا وغيرهما (وقد رواه الدار قطنى والطبراني والبيهقى) كلهم عن أم سلمة (وقصة العضباء) ذكرها عياض في الشفاء عن الاسفرائيني (لم تأكل) زاد في الشفاء ولم تشرب (وكلام الحمار الذى أصابه بخيبر) رواه في الشفاء عن ابراهيم بن حماد بسنده (اسمى يزيد) وقيل زياد ومن كلامه كان في ابائى ستون حمارا كلهم ركبه نبي وأنت نبي الله فلا يركبني أحد بعدك ذكره السهيلى في كتاب التعريف (ما أراك) بالضم أى ما أظنك (لا تذهب بارك الله فيك) زاد عياض في الشفاء وجعله قبلته (كالميسم) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المهملة.
(فصل) في كلام الموتي (روي أنس) كما ذكره عنه في الشفاء (فلا تحملن) بفتح أوله وسكون ثانيه(2/226)
برحنا أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمناه واستشهد ثابت بن قيس بن شماس باليمامة فلما أدخل القبر سمعوه يقول محمد رسول الله صدق أبو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم* وحسر زيد بن حارثة الثوب عن وجهه بعد الموت وقال محمد رسول الله النبي الامي وخاتم النبيين ذلك في الكتاب الاول ثم قال صدق صدق وذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم قال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ثم عاد ميتا* وأما كلام الاطفال فمنه حديث مبارك اليمامة وفيه انه كلم النبى صلى الله عليه وسلم يوم ولد ثم لم يتكلم بعدها حتى شب فكان يسمى مبارك اليمامة* ومنه حديث الصبية التى طرحها أبوها بواد وأضلها فانطلق معه النبي صلى الله عليه وسلم الى الوادى وناداها يا فلانة اجيبي باذن الله فخرجت وهى تقول لبيك وسعديك فقال لها ان أبويك قد أسلما فان أحببت ان أردك عليهما فقالت لا حاجة لى بهما وجدت الله خيرا لى منهما.
[فصل في ابراء المرضى وذوى العاهات.]
(فصل) في ابراء المرضى وذوى العاهات. من ذلك ما روى أهل الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم تفل في عيني على كرم الله وجهه في الجنة يوم خيبر وبه رمد شديد فبرأ من حينه ولم يرمد بعدها. ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان يوم أحد وقد برزت على خده وكسر ثالثه (واستشهد ثابت بن قيس الى آخره) حكاه عياض في الشفاء عن عبد الله بن عبيد الله الانصارى وانه كان فيمن دفنه (باليمامة) كانت وقعتها في خلافة الصديق رضى الله عنه (وحسر زيد بن حارثة الي آخره) حكاه عياض عن النعمان بن بشير وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال الذهبي زيد بن حارثة المتكلم بعد الموت على الصحيح وقيل المتكلم بعد الموت أبوه وذلك وهم لانه قتل يوم أحد (حديث مبارك اليمامة) أخرجه البيهقى في الدلائل عن معرض بن معيقيب (انه كلم النبي صلى الله عليه وسلم يوم ولد) وذلك في حجة الوداع قال له النبي صلى الله عليه وسلم من أنا قال رسول الله قال بارك الله فيك (تنبيه) مبارك اليمامة هذا آخر من تكلم في المهد وهم عشرة نبينا صلى الله عليه وسلم كما ذكره الواقدي في السير وابراهيم كما ذكره الثعلبي وغيره وعيسي كما هو مشهور ويحيى كما أخرجه الثعلبي عن الضحاك وصاحب جريج قال له من أبوك قال فلان الراعى كما في الصحيحين وغيرهما والطفل المراضع لامه حين مر برجل ذي هيئة فقالت اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله الى آخره كما في الصحيحين أيضا وفي قصة أصحاب الاخدود وجيء بامرأة لتلقى في النار لتكفر ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال يا أماه اصبرى فانك على الحق كما في مسلم وشاهد يوسف وابن ماشطة فرعون كما أخرجهما أحمد والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا (ومنه حديث الصبية الى آخره) ذكره عياض عن الحسن البصرى
(فصل) في ابراء المرضى (ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان الى آخره) رواه ابن اسحاق في السير عن عاصم بن عمر بن قتادة وأخرجه مالك في الموطأ من حديث جابر وفيه قال ان لى امرأة(2/227)
وكانت أحسن عينيه ففي ذلك يقول أحد بنيه مفتخرابه:
أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد
وروى الدارقطني أن عينيه سقطتا معا. ومنه حديث الاعمى الذى امره أن يتوضأ ويصلى ركعتين ويتوجه الى الله به صلى الله عليه وسلم ففعل فرد الله عليه بصره. وأصاب ابن ملاعب الاسنة استسقاء فبعث الى النبى صلى الله عليه وسلم فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده حثوة من الارض وتفل عليها ثم أعطاها رسوله فأتاه بها وهو على شفا حفرة فشربها فشفاه الله. وانكسرت رجل عبد الله بن عتيك حين قتل أبا رافع فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها قال فكأنها لم أشتكها قط. ونفث صلى الله عليه وسلم على ضربة بساق سلمة بن الاكوع أصيبها يوم خيبر فبرئت. وأثقل خالد بن الوليد بالجراحة يوم حنين فجاء صلى الله عليه وسلم يعوده ويقول من يدلنى على رحل خالد فجاء وقد أسند الى مؤخرة رحله فنفث على جرحه فبرأ. وجاءته امرأة بابن لها به جنون فمسح صدره فثع ثعة فخرج من صدره مثل الجر والاسود فشفي.
أحبها واخشى ان رأتنى تقذرني فاخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وردها الى موضعها وقال اللهم اكسه جمالا فكانت أحسن عينيه واحدهما نظرا وكانت لا ترمد اذا رمدت الاخرى (ففي ذلك يقول أحد بنيه) أي أحد ذريته (مفتخرا) بعد ان وفد على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر من أنت فقال
(أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد)
تتمته
فعادت كما كانت لاول أمرها ... فياحسن ما عين ويا حسن مارد
فوصله عمر بن عبد العزيز وقال
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
(وروي الدار قطنى) ومالك في الموطأ (ان عينيه سقطتا) لكن قال الدار قطنى هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة ورواه عن ابراهيم الحربي عن عمار بن نصر (ومنه حديث الأعمي) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم كلهم عن عثمان بن حنيف وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبى جعفر وهو غير الخطمى (وأصاب ابن ملاعب الاسنة الى آخره) أخرجه بن منده وأبو نعيم وذكره عياض في الشفاء بصيغة روي واسم ملاعب الاسنة هذا عمرو بن مالك واسم ابنه مالك (ثم أعطاها رسوله) زاد في الشفاء فاخذها متعجبا يري أن قد هزئ به (على شفا) بفتح المعجمة والقصر يقال أشفا المريض على الموت وما بقى منه الاشفاء أي قليل (ونفث على ضربة بساق سلمة بن الاكوع) كما أخرجه البخارى في أحد ثلاثياته وأبو داود عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة (وأثقل خالد بن الوليد بالجراحة الى آخره) أخرجه الكشي (وجاءته امرأة الى آخره) ذكر في الشفاء عن ابن عباس (فثع ثعة) بالمثلثة والفاء أى قاء (مثل الجر والاسود) هذا(2/228)
وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة فمنعته القبض على السيف وعنان الدابة فعركها صلى الله عليه وسلم بكفه حتى ارتفعت فلم يبق لها أثر. وسألته صلى الله عليه وسلم جارية طعاما وهو يأكل فناولها من بين يديه وكانت قليلة الحياء فقالت انما أريد الذى في فيك فناولها ما في فيه ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسأل شيئا فيمنعه فلما استقر في جوفها ألقى عليها من الحياء ما لم يكن بالمدينة امرأة أشد حياء منها.
[فصل في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم]
* (فصل) * في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة كان صلى الله عليه وسلم اذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده. فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لانس ابن مالك وقد سبق ذلك. ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة فاشتهر من يساره ما اشتهر حتى صولحت احدى زوجاته الاربع وهي التى طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا وأوصى بخمسين ألفا بعد هذا وعدا صدقاته ألفاشية ونفقاته في سبيل الله ألوافية أعتق يوما واحدا ثلاثين عبدا وتصدق مرة بتسعمائة بعير بما تحمل من الخيرات وباقتابها وأحلاسها.
ودعى لسعد بن أبى وقاص أن يكون مستجاب الدعوة فما دعا سعد لاحد أو عليه الا استجيب له. ودعا بعز الاسلام بعمر أو بابى جهل بن هشام فاستجيب له في عمر. وقال للنابغة لا يفضض تصحيف وانما هو مثل الخرء الاسود (شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة وقيل ان اسمه شراحيل ذكره في القاموس (الجعفي) بجيم فمهملة ففاء بوزن الكرسى منسوب الى جعفي بوزن كرسى ابن سعد العشيرة الى حي باليمن قاله في القاموس (سلعة) بكسر المهملة وسكون اللام وفتح المهملة زيادة تحدث في الجسد كالغدة تكون من قدر الحمصة الى قدر البطيخة قاله الشمنى فعركها بفتح العين المهملة في المضارع كالماضي (فيمنعه) بالفتح جواب فلم يكن (أشد حياء) بالفتح خبر يكن
(فصل) في اجابة دعائه (قال حذيفة) كما أخرجه عنه أحمد (دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة) سبب الدعاء انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم باربعة آلاف درهم فقال كان عندي ثمانية آلاف فامسكت أربعة لنفسى وعيالى وأربعة أقرضتها ربي فقال صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت رواه ابن عبد البر وغيره (على نيف وثمانين ألفا) وقيل مائة ألف (اعتق يوما واحدا الى آخره) من جملة تصدقاته الارض التى تصدق بها على أمهات المؤمنين فبيعت باربعين ألفا أخرجه الترمذي وصححه عن عائشة (وأوصى بخمسين ألفا) في سبيل الله كما نقل عن عروة بن الزبير قال الشمنى وقال الزهرى أوصى عبد الرحمن لمن بقي من أهل بدر لكل رجل باربعمائة دينار وكانوا مائة فاخذوها وأخذ عثمان ممن أخذوا وأوصي بالف فرس في سبيل الله (وقال للنابغة) بالنون والموحدة والمعجمة هو الجعدي واسمه قيس بن(2/229)
الله فاك فعاش عشرين ومائة سنة لم يسقط له سن. وقال لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فسمى بعد ذلك البحر وترجمان القرآن. ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه فما اشترى شيئا الاربح فيه. ودعا بمثل ذلك للمقداد وبمثله لعروة بن الجعد البارقى. قال البخارى وكان لو اشترى التراب ربح فيه. ودعا لعلى أن يكفي الحر والقر فكان يلبس ثياب الشتاء في الصيف وعكسه ولا يبالى. ودعا لفاطمة ابنته أن لا يجيعها الله قالت فما جعت بعد ذلك.
ودعا على مضر بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حصّت كل شيء حتى استعطفوه فعطف عليهم. ودعا على كسرى أن يمزق الله ملكه كل ممزق فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رئاسة. وقال لرجل رآه يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا أسطعت فلم يرفعها الى فيه. ودعا على عتيبة بن أبى لهب أن يسلط الله عليه كلبا من كلابه فافترسه الاسد. ودعا على قريش حين وضعوا السلا على رقبته وسمى سبعة منهم قال ابن مسعود فلقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم ألقوا في القليب. وكان الحكم بن ابى العاص يختلج بوجهه ويغمز النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه فقال كذلك كن فلم يزل يختلج حتى مات. ودعا على محلم بن جثامة فلم تقبله الارض يوم مات.
[فصل في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في كراماته وبركاته وانقلاب الاعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم.
من ذلك الآية الباهرة والعبرة الظاهرة وهو ما ثبت في الصحاح من خبر فرس أبى طلحة وجمل جابر. وخفق صلى الله عليه وسلم فرسا لجعيل الاشجعي بمخفقة كانت معه فلم يملك رأسها عبد الله وقيل بالعكس قال الشمنى قال الشعر ثم بقي ثلاثين سنة لا يقوله ثم نبغ فيه فسمى النابغة (فعاش عشرين ومائة سنة) زاد في الشفاء وقيل أكثر (لم يسقط له سن) في رواية في الشفاء وكان أحسن الناس ثغرا اذا سقطت له سن نبتت له أخرى (البحر وترجمان) بنصبهما (ودعا بمثل ذلك للمقداد) زاد في الشفاء وكان عنده غرائب من المال (البارقي) بالموحدة والقاف نسبة الى بارق بطن من الازد نزلوا الى جنب جبل يسمى بارقا فنسبوا اليه وحديثه مشهور في الصحيحين وغيرهما (كان لو اشترى التراب ربح فيه) قال في الشفاء فقال عروة لقد كنت أقوم بالكناسة فما ارجع حتى اربح أربعين ألفا (القر) بضم القاف وتشديد الراء البرد (حصت) بفتح الحاء وتشديد الصاد المهملتين أي أذهبت (وقال لرجل يأكل بشماله) قال الخطيب هو بسر بن راعى العير الاشجعي صحابي مشهور وغلط من زعم نفاقه وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة كما قاله جلال الدين المحلى وغيره وحديثه في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع (ودعا على عتيبة) بالتصغير على الصواب كما سبق (فافترسه) بالمهملة (يختلج) بالمعجمة أي يميل.
(فصل) في كراماته (لجعيل) مصغر وهو ابن سراقة الضمري (بمخفقة) بكسر الميم وسكون(2/230)
نشاطا وباع من بطنها باثني عشر ألفا. وركب حمارا قطوفا لسعد بن عبادة فكان بعد لا يساير وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد فكان يستفتح بها في حروبه فيفتح عليه وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فسكتا. وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيكفيهم ريقه الى الليل وكاتب سلمان الفارسى مواليه على ثلاثمائة ودية يغرسها ويعمل عليها حتى تطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب فغرسها صلى الله عليه وسلم بيده فأطعمت من عامها الا واحدة غرسها غيره فقلعها صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فاجدت وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من الذهب بعد أن أدارها على لسانه فوزن منها أربعين أوقية وبقى عنده مثل الذى أعطاهم وقال حنش بن عقيل سقانى رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة من سويق شرب أولها وشربت آخرها فما برحت أجد شبعها اذا جعت وريها اذا عطشت وبردها اذا ظمئت. وانكسر سيف عكاشة يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذل حطب فصار في يده سيفا صارما يشهد به الحروب الى أن استشهد في قتال أهل الردة وكان هذا السيف يسمى العون. ودفع صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش يوم أحد عرجونا فرجع في يده سيفا ومن بركته صلى الله عليه وآله وسلم درة الحوائل كشاة أم معبد وغنم حليمة وشارفها وشاة المقداد. ومسح صلى الله عليه وسلم على رأس قيس بن زيد الجذامي ودعا له فمات وهو ابن مائة سنة ورأسه أبيض وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود فكان يسمى الاغر. ومسح صلى الله عليه وسلم على بطن عتيبة بن فرقد وظهره فكان له طيب يعدل طيب نسائه. وسلت الدم على وجه عامر بن عمرو وكان جرح يوم حنين فكانت له غرة كغرة الفرس. ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق يتراءي فيه كالمرآة. ونضح المعجمة وفتح الفاء ثم قاف وهي الدرة التي يضرب بها (وكاتب سلمان الفارسي) روي قصته الدارمي وابن عبد البر (ودية) بفتح الواو وكسر المهلة وتشديد التحتية هي صغار النخل (أوقية) بضم الهمزة على المشهور وبحذفها في لغة وهي أربعون درهما (فغرسها غيره) روى البخاري في صحيحه ان الذي غرسها سلمان وروي ابن عبد البر ان الذي غرسها عمر وجمع بينهما بانهما غرساها معا فاضاف الراوي مرة غرسها لهذا ومرة لهذا (فاجدت) بالمعجمة والمهملة كما مر نظيره (مثل) بالرفع (حنش) علي لفظ الجنس المعروف (ابن عقيل) مكبر (عكاشة) بتشديد الكاف أشهر من تخفيفها (جذل) بفتح الجيم وسكون المعجمة (العون) بفتح المهملة وسكون الواو (عرجونا) هو أصل العذق الذي يقطع منه الشماريخ فيبقي علي النخل يابسا (وشاة المقداد) زاد في الشفاء وشاة عبد الله بن مسعود وكانت لم ينز عليها فحل (الاغر) بالنصب (ملحان) بكسر الميم وسكون(2/231)
الماء في وجه ربيبته زينب بنت أم سلمة فاكسبها ذلك جمالا عظيما. وأمر آدر أن ينضحها من عين مج فيها ففعل فبرئ ومج في دلو وصبت في بئر فكان يشم منها رائحة المسك وأحاديث هذا الفصل واسعة وبركاته صلى الله عليه وسلم عظيمة عميمة. روينا في سنن أبي داود والترمذى باسناد جيد عن أبى جرىّ جابر بن سليم الهجيمى قال رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيأ الا صدروا عنه قلت من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتي قل السلام عليك قلت انت رسول الله قال أنا رسول الله الذي اذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك واذا أصابك عام سنة فدعوته انبتها لك وان كنت بأرض قفراء وفلاة فضللت راحلتك فدعوته ردها عليك قال قلت أعهد الى قال لا تسبن أحد قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة قال ولا تحقرن من المعروف شيئا وان تكلم أخاك وأنت منبسط اليه بوجهك ان ذلك من المعروف وارفع أزارك الى نصف الساق فان أبيت وإياك فالى الكعبين وإياك واسبال الازار فانها من المخيلة وان الله لا يحب المخيلة وان أمرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فانما وبال ذلك عليه وفي اللام بعدها مهملة (فاكسبها ذلك جمالا عظيما) لفظ الشفاء فما يعرف كان في وجه امرأة من الجمال ما بها (آدر) بمد الهمزة ثم مهملة ثم راء من به الادرة وهو انتفاخ الخصيتين (أبى جرى) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد التحتية (ابن سليم) بالتصغير الهجمى نسبة الى بنى الهجم بضم أولها وفتح الجيم قبيلة معروفة (لا تقل عليك السلام) هو نهي تنزيه وتعليم للاكمل والا فهو ينادي به أصل السنة (تحية) بالرفع ووهم من فتحه ظنا انه اسم ان (الموتى) أخذ بهذا القاضي والمتولى فقال اذا سلم على الميت قال عليكم السلام ولا يقول السلام عليكم لانهم ليسوا أهلا للخطاب واستدل الجمهور بما في مسلم ومسند أحمد وغيرهما ان التسليم على الميت كهو على الحي وأجابوا عن الاول بانه اخبار عن عادتهم لا تعليم لهم وبان اخبار السلام عليكم أصح وأكثر وقول القاضي والمتولى ليسوا أهلا للخطاب ممنوع وقد أخرج ابن عبد البر باسناد حسن ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه السلام (قلت) هذا التعليل عجيب فان عليك السلام كالخطاب في السلام عليك (أنت رسول الله) بمد الهمزة للاستفهام (عام) بالاضافة (سنة) مجرور بها والسنة عند العرب الجدب (بارض) بالتنوين (قفر) بفتح القاف وسكون الفاء أى خالية (اعهد الي) أي أوصني (واسأل) منصوب على التحذير (من المخيلة) بفتح الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية أى الخيلاء وهي العجب بالنفس(2/232)
معنى حديث ابى جرى قول العفيف بن جعفر حيث يقول:
لذ بالنبي اذا نابتك نائبة ... فعقدها برسول الله محلول
[فصل وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر]
«فصل» وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر. روينا في سنن أبى داود عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك الى قيام الساعة الا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه اصحابى هؤلاء وانه ليكون منه الشيء فاعرفه واذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل اذا غاب عنه ثم اذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما ادري انسي اصحابى ام تناسوا والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة الى ان تنقضى ايام الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا الا وقد سماه لنا باسمه واسم ابيه وقبيلته وقد خرج اهل الصحاح من ذلك اخبارا واسعة من ذلك اخباره أصحابه بالظهور على أعدائهم وفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق وفتح خيبر على يد علىّ في غد يومه واختلاف أمته وافتراقهم على نيف وسبعين فرقة الناجية منها واحدة واخباره ان أمته اذا مشوا المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله بأسهم بينهم وسلط الله شرارهم على خيارهم وقوله صلى الله عليه وآله وسلم زويت لى الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى بما زوى لى منها وامتد ملكهم في المشرق (فصل) في ذكر ما أخبر به من الغيوب (في سنن أبي داود عن حذيفة) وخرجه عنه الشيخان أيضا (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما) قد جاهد المقام مبينا في حديث عمرو بن أخطب قال صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فاخبر بما كان وما هو كائن فاعلمنا احفظنا خرجه مسلم وللترمذي من حديث أبى سعيد صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بنهار ثم قام فخطبنا فلم يدع شيأ يكون الى يوم القيامة الا اخبرناه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه (واختلاف أمته الى آخره) خرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة باسانيد صحيحة قال بعضهم أصول هذه الفرق ست الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية وكل فرقة منهم تنقسم الى اثني عشرة فهذه اثنان وسبعون سوي الناجية (الناجية منها) سئل عنها صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا عليه وأصحابي (اذا مشوا المطيطاء الى آخره) أخرجه الترمذى عن ابن عمر وقال حديث غريب والمطيطاء بضم الميم وفتح الطاء المكررة وسكون التحتية قال ابن الاثير يمد ويقصر وقال الجوهرى بالمد فقط مشية فيها تبختر والمد لليدين ماخوذ من مطيمط اذا مد (زويت لى الارض الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود(2/233)
والمغرب أعظم من امتداده في الشام واليمن واخباره بملك بني أمية واتخاذهم مال الله دولا وعباده خولا وخروج ولد العباس بالرايات السود وملكهم أضعاف ما ملكوا وخروج المهدى وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم وقوله صلى الله عليه وسلم لعلى ان أشقاها الذى يخضب هذه من هذه يعني لحيته من رأسه بالدم وان فيه مثلا من ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا والترمذى عن ثوبان وزويت بالزاي أي ضمت وجمعت (واخباره بملك بنى أمية) أخرجه الرويانى وابن عساكر عن أبي ذر (وخروج ولد العباس بالرايات السود) من خراسان حتى تنصب بايليا أخرجه الترمذى عن أبي هريرة (وخروج المهدي) أخرجه احمد وأبو داود عن على وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود وعبد الرزاق والترمذى عن أبي سعيد وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وعن ثوبان وعن عبد الله بن الحارث بن جزء باسانيد صحيحة (تنبيه) أحاديث خروج المهدى معارضة بما أخرجه ابن ماجه ثنا يونس بن عبد الاعلى ثنا محمد بن ادريس الشافعي قال حدثنى محمد بن خالد الجندي عن ابان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزداد الامر الاشدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الاعلى شرار الخلق ولا مهدي الا عيسى بن مريم وخرجه أبو الحسن الآجرى أيضا وأجاب عنه الحفاظ بانه حديث لا يصح لانه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندى وهو مجهول كما قاله البخارى واختلف عليه في اسناده فتارة يرويه عن ابان عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا مع ضعف وتارة برويه عن ابان عن الحسن عن أنس والاحاديث في خروج المهدى ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لما دونه (فائدة) كان أهل البيت يزعمون أن محمد بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن هو المهدي وذلك بمواطأة اسمه واسم أبيه اسمه صلى الله عليه وسلم واسم أبيه ولولا عدم اجتماع علامات المهدى فيه لقطع به سيما وهو كان يسمى المهدى ويسمى النفس الزكية لان حديث يدفن هاهنا رجل من أهل بيتى نفس زكية فدفن حيث أشار صلى الله عليه وسلم وذلك بالمدينة الشريفة قتله جند العباسيين حين قام على المنصور سنة مائة وخمسين من الهجرة (ان أشقاها) أي البرية (الذي يخضب هذه) يريد لحيته (من هذه) يريد ناصيته وهذا الحديث أخرجه ابن عبد البر وغيره عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على تدرى من أشقى الاولين قال الذي عقر ناقة صالح قال صدقت قال تدري من أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال الذى يضربك على هذه وأشار الي نافوخه بالمعجمة فيبتل منها هذه وأخذ بلحيته وذهب ابن عبد البر وغيره أن عليا كان عند تراكم الفتن يقول والله لوددت أن لو بعث أشقاها (وأن فيه مثلا من ابن مريم) أخرجه بن عبد البر وغيره عن على (بهتو(2/234)
أمه وأحبه النصارى حتى أنزلوه المنزلة التى ليست له وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له وبأن عمار تقتله الفئة الباغية وقال لعبد الله بن الزبير ويل لك من الناس وويل للناس منك وقال في قزمان وكان قد أبلى مع المسلمين وأعجب المسلمون بنفعه انه من أهل النار فقتل نفسه وقال لجماعة من اصحابه آخركم موتا في النار فكان آخر أولئك موتا سمرة بن جندب احترق في نار ومات واخبر ان في ثقيف كذابا ومبيرا وان مسيلمة يعقره الله وان فاطمة اول اهله لحوقا أمه) أى كذبوا عليها ونسبوها الى الفجور قاتلهم الله (حتى أنزلوه المنزلة التي ليس بها) فقالوا هو ابن الله سبحان الله عن الصاحبة والولد وقد ظهر مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فقد تدينت الناصبة وأشبهاههم ببغضه حتى أنهم يلعنونه ويسبونه على منابرهم انتقم الله منهم له وأحبته فرق الشيعة حتى غلا بعضهم في محبته وادعي له النبوة وزاد بعضهم في الغلو فادعي له الربوبية وكلا الفرقتين كافر باجماع من يعتبر به (وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له) خرجه بن عبد البر في الاستيعاب وذكر أن عليا نادى الزبير يوم الجمل يا عبد الله ادن الى أذكرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علىّ الامان فقال عليك الامان فبرز فاذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما الى بعض أما انك ستقاتل عليا وأنت له ظالم فقال الزبير اللهم اني ما ذكرت هذا الا هذه الساعة وثناعنان فرسه (وبأن عمارا تقتله الفئة الباغية) كما أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مر (وقال لعبد الله ابن الزبير الى آخره) أخرجه الدار قطنى في السنن (ويل لك) عذاب يأتيك في الدنيا (من الناس) يعني الحجاج بن يوسف الثقفي (وويل) في الآخرة (للناس) للحجاج (منك) أى بسببك فقتل الحجاج عبد الله وصلبه كما أخرجه مسلم عن أبي نوفل (قزمان) بضم القاف وسكون الزاي هو ابن على الظفرى وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما (وكان قد أبلي مع المسلمين) يوم خيبر (آخركم) موتا (في النار) أخرجه بن عبد البر في الاستيعاب (احترق في نار ومات فيها) قال ابن عبد البر أصاب سمرة مرض فكان يعالج بالقعود على قدر مملوه ماء حارا فسقط ذا يوم في القدر فمات فيها وذلك بالبصرة سنة ثمان أو سبع وخمسين (وأخبر ان في ثقيف الى آخره) أخرجه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر وأخرجه الترمذي عن ابن عمر وأخرجه الطبراني عن حذيفة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بالاتفاق قال النووى ومن أقبح كذبه دعواه أن جبريل يأتيه قال الشمنى وكان المختار واليا على الكوفة وكان يلقب بكيسان واليه تنسب الكيسانية وكان خارجيا ثم صار زيديا ثم صار شيعيا وكان يدعو الى محمد بن الحنفية ومحمد يتبرأ منه وكان أرسل ابن الاشتر بعسكر الى ابن زياد قاتل الحسين فقتله وقتل من كان في قتل الحسين ممن قدر عليه ولما ولى مصعب بن الزبير على البصرة من جهة عبد الله ابن الزبير قاتل المختار بن عبيد وقتله (ومبيرا) بضم الميم وكسر الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم راء أى مهلكا والبوار الهلاك قال تعالى وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكا وهذا المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي بالاتفاق أيضا وروى الترمذي عن هشام بن حسان قال أحصى من قتل الحجاج صبرا فوجد مائة ألف وعشرون ألفا(2/235)
به وبان الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا فكانت كذلك بمدة الحسين وقال للحسن بن على ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين واخبر بقتل الحسين بالطف واخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه واخبر بشأن اويس القرنى وبأن الانصار يستأثر عليهم بالدنيا وبأنهم يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام واخبر بكتاب حاطب الى اهل مكة ينذرهم واخبر عمه العباس حين اسر ببدر بماله الذى تركه عند زوجته أم الفضل ولم يعلم به أحد وأخبر أنه يقتل أبي بن خلف فقتله بيده واعلم بمصارع كفار بدر فما ماط أحد عن موضع يده وقال لسعد لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا وبموت النجاشى وان اسرع ازواجه لحقوقا به اطولهن يدا فكانت زينب وكان طول يدها (وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنة وأبو يعلى وابن حبان عن سفينة فكانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر وخلافة عمر عشر سنين وثلاثة أشهر وخلافة عثمان إحدي عشر سنة وإحدى عشر شهرا وخلافة على خمس سنين وخلافة الحسن سبعة أشهر وبها تمت الخلافة وهذا اصح ما قيل ووراء ذلك أقوال أخر (أن أبنى هذا سيد الي آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي بكرة (ولعل الله) هي هنا واجبة ففي رواية خارج الصحيح وسيصلح الله (به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) في الحديث أن البغي لا يزيل اسم الاسلام والمراد به هنا الايمان ليوافق قوله تعالى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الآية وقد ظهر مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وذلك أن سيدنا الحسن رضي الله عنه سار من العراق الى معاوية وسار اليه معاوية ومع كل منهما كتائب أمثال الجبال فلما تقاربا وذلك بناحية الانبار من أرض السواد ورأي الحسن تكاثر الجيوش تحنن عليهم وأخذته رأفة المسلمين فقال عمرو بن العاص اني لاري كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية أي عمرو ان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لى بامور المسلمين من لى بضيعتهم فكتب معاوية بالصلح على أن يسلم له الحسن الامر ويكون له من بعده فرضي بذلك وافترق الجمع حسب ما ذكره ابن عبد البر وغيره (وأخبر بقتل الحسين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس بن مالك وأخرجه بن السكن عن أنس بن الحارث وزاد فمن أدركه منكم فلينصره فقتل أنس بن الحارث مع الحسين بن على (بالطف) بفتح المهملة وتشديد الفاء موضع بناحية الكوفة (وأخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه) كما زاده أحمد وفيه أن أم سلمة أخذت التربة فصرتها في خمارها قال ثابت بلغنا أنها كربلاء وأخرج الترمذى عن سلمي امرأة من الانصار قالت دخلت على أم سلمة رضى الله عنها وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب وهو يبكى فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا (وأخبر بشأن إويس) بن عامر (القرني) كما أخرجه مسلم عن أسد بن جابر والقرني بفتح القاف والراء نسبة الي قرن بن ردمان ابن ناجية بن مراد قال الكلبي ومراد اسمه جابر بن مالك بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن(2/236)
الصدقة وقال في يزيد بن صوحان سبقه عضو منه الى الجنة فقطعت يده في الجهاد واخبر بامارات القيامة وأشراطها فمنها ان تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان وتقارب الزمان وقبض العلم وظهور الفتن والهرج وذهاب الامثل فالأمثل من الناس وخروج ثلاثين دجالا كذابا آخرهم الدجال الأعظم وقال ويل للعرب من شر قد اقترب الى ما اخبر به من اسرار المنافقين وهتك استارهم حتى قال بعضهم لصاحبه اسكت فو الله لو لم يكن عنده من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء الى ما اخبر به من احوال يوم القيامة وتطوره واحداثه والله اعلم. وقال القاضى رحمه الله:
سبأ وغلط الجوهرى فقال أنه منسوب الى قرن المنازل (ابن صوحان) بالصاد المضمومة والحاء المهملتين (بامارات القيامة) أى علاماتها (ان تلد الامة ربتها) للبخارى في التفسير ربها زاد مسلم يعني السرارى ولاحمد أن تلد الاماء أربابهن والمراد بالرب المالك أو السيد قال الخطابى معناه اتساع الاسلام واستيلاء أهله على بلاد الترك وسبي ذراريهم واتخاذهم سرارى فاذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة سيدها لانه ولده ونقل النووي ذلك عن الاكثرين قال في التوشيح ويقدر من هذا قول وكيع في تفسيره ان تلد العجم العرب ويوجه بان الاماء تلد الملوك فتصير الام من جملة الرعية والملك سيد رعيته وقيل معنى ذلك كثرة العقوق في الاولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة والضرب والسب والاستخدام فاطلق عليه ربها مجازا وحقيقة بمعنى المربي (العالة) أي الفقراء (رعاء) بكسر الراء مع المد (الشاء) بالمد أيضا (يتطاولون) أي يتفاخرون (في) طول (البنيان) والمراد الاخبار عن تبدل الحال بان يستولى أهل البادية على الامر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم الى تشييد البنيان والتفاخر «1» ذكر معنى ذلك (والهرج) بفتح الهاء وسكون الواء ثم جيم هو القتل (وذهاب الامثل فالامثل) كما أخرجه أحمد والبخارى عن مرداس الاسلمي الامثل الفاضل الخيار (وويل للعرب الى آخره) أخرجه البخاري عن زينب بنت جحش وأخرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة وزاد أفلح من كف يده قال القرطبي والمراد بالويل في هذا الحديث الحرب قاله ابن عرفة فأخبر صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده من أمر العرب وما يستقبلهم من الويل والحرب وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به من الملك والدولة والاموال والامارة وصار ذلك في غيرهم من الترك والعجم وتشتتوا في البوادي بعد أن كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه الصلاة والسلام ولما جاءهم به من الدين والاسلام فلما لم يشكروا النعمة سلبها الله منهم ونقلها الى غيرهم ومن ثم قالت زينب في سياق هذا الحديث أنهلك وفينا الصالحون قال نعم اذا كثر الخبث.
__________
(1) بياض في الاصل(2/237)
[فصل ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم]
(فصل) ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه وسياسة عباده ومصالح امته وما كان في الامم قبله وقصص الانبياء والرسل والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم الى زمنه وحفظ شرائعهم وكتبهم ووعى سيرهم وسرد أنبائهم وأيام الله فيهم وصفات أعيانهم واختلاف أرائهم والمعرفة بمددهم واعمارهم وحكم حكامهم ومحاجة كل أمة من الكفرة ومعارضة كل فرقة من أهل الكتابين بما في كتبهم واعلامهم باسرارها ومخبآت علومها واخبارهم بما كتموه من ذلك وغيروه الى الاحتواء على لغات العرب وغريب الفاظ فرقها والاحاطة بضروب فصاحاتها والحفظ لايامها وأمثالها وحكمها ومعاني أشعارها والتخصيص بجوامع كلمها الى المعرفة بضرب الامثال الصحيحة والحكم البينة لتقريب التفهيم للغامض والتبيين للمشكل الى تمهيد قواعد الشرع الذى لا تناقض فيه ولا تخاذل مع اشتمال شريعته عن محاسن الاخلاق ومحامد الآداب وكل شيء مستحسن مفضل لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيأ الا من جهة الخذلان بل كل جاحد وكافر من الجاهلية به اذا سمع ما يدعوا اليه صوبه واستحسنه دون طلب اقامة برهان عليه ثم ما أحل لهم من الطيبات وحرم عليهم من الخبائث وصان به أنفسهم واعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحد ودعا جلا والتخويف بالنار آجلا الى الاحتواء على ضروب العلوم وفنون المعارف كالطب والعبارة والفرائض والحساب والنسب وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأصولا في علمهم كقوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا لاول عابر وهي على رجل طائر (فصل) ومن معجزاته الباهرة (أحل لهم) بفتح الهمزة مبنى للفاعل وكذا وحرم (والعبارة) بكسر المهملة ثم موحدة هي تعبير الرؤيا (والفرائض) جمع فريضة بمعنى مفروضة (الرؤيا لاول عابر) ليس هذا على الاطلاق كما قاله النووى وانما ذلك اذا أصاب وجهها فمن ثم قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر حين عبر الرؤيا أصبت بعضا وأخطأت بعضا وفي قوله تعالى قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ دليل لذلك فان الرؤيا كانت رؤيا صحيحة على حسب ما فسره سيدنا يوسف ولو كانت لاول عابر مطلقا لما أخطأ أبو بكر في بعض ما عبر ولكانت الرؤيا التى عبرها يوسف أضغاث أحلام (وعلى رجل طائر) تتمة الحديث فاذا عبرت وقعت ولا تقصها الا على وادّ أودى رأي أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن رزين ومعنى قوله على رجل طائر كما قاله الهروى على قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وقال ابن قتيبة أراد انها غير مستقرة يقال للشيء اذا لم يستقر هو على رجل(2/238)
واذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وقوله عليه السلام أصل كل داء البردة أي التخمة وخير ما تداويتم به السعوط واللدود والمشي والحجامة وخير الحجامة يوم تسع عشرة وسبع عشرة واحدى وعشرين وفي العود الهندي سبعة اشفية وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام وقوله من يصبح سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر وقوله في السنا طائر وعلى قرن ظبي وبين مخالب طائر (اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب) تتمة الحديث وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أخرجه الشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة والمراد اذا قارب الزمان ان يعتدل ليله ونهاره قاله الخطابي وغيره وقيل المراد اذا قارب القيامة والاول أشهر قاله النووي وقوله وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا هو على الاطلاق ونقل عياض عن بعض العلماء ان هذا يكون في آخر الزمان اذا انقطع العلم ومات العلماء والصالحون ومن يستدل بقوله وعمله فجعله الله له جابرا وعوضا ومنبها لهم قال النووي والاول أظهر لان غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل الي رؤياه (أصل كل داء البردة) أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف عن أنس وأخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن على وأبي سعيد وعن الزهرى مرسلا والبردة بفتح الموحدة والراء والمهملة قال الشمني هى التخمة وثقل الطعام على المعدة لان ذلك يبرد المعدة (خير ما تداويتم به الى آخره) أخرجه بمعناه أحمد والطبراني والحاكم عن سمرة وأخرجه أحمد والنسائي عن أنس وأخرجه أبو نعيم في الطب عن على (السعوط) بمهملات وفتح السين ما يتداوى به في الانف وهو الانتشاق أيضا (واللدود) بتكرير المهملة وفتح اللام ومر ذكره في الوفاة (والمشي) بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد التحتية قال ابن الاثير هو الدواء المسهل الذي يحمل صاحبه على المشي والتردد الى الخلاء (وخير الحجامة يوم سبع عشرة الى آخره) أخرجه البزار وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس ولابن سعد والطبرانى وابن عدى من حديث معقل بن يسار الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء الداء سنة (عليكم بالعود الهندي الى آخره) قد تقدم الكلام عليه في الوفاة (وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة والحبة السوداء هو الشونيز بضم المعجمة وفتحها وكسر النون وسكون التحتية ثم زاى قال النووي هذا الصواب المشهور الذي ذكره الجمهور وقيل انها الخردل وقيل الحبة الخضراء وهي البطم والعرب تسمى الاخضر أسود وقوله من كل داء قيل هو على عمومه وانها تدخل في كل دواء بالتركيب وقيل هو من العام الذى أريد به الخاص أي من كل داء يقبل العلاج بها والسام بالمهملة بلا همز وهو الموت (من يصبح سبع تمرات عجوة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص وأراد تمر المدينة فقط كما جاء في الاحاديث الصحيحة قال النووي تخصيص عجوة المدينة دون غيرها وعدد السبع مما علمه الشارع صلى الله عليه وسلم ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الايمان بها واعتقاد فضلها والحكمة وهي كاعداد الصلوات ونصب الزكاة وغيرها (سم) مثلث السين والفتح أفصح (وقوله في السناء) بفتح المهملة مع المد والقصر قال في القاموس بنت مسهل(2/239)
انه حار بارد وسئل عن سبأ ارجل هو أم امرأة أم أرض فقال رجل ولد عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة الحديث بطوله وقال حمير رأس العرب ونابها ومذحج هامتها وغلصمها والازد كاهلها وجمجمتها وهمدان غاربها وذروتها وتعليمه لكاتبه تصوير الحروف باسمائها مع كونه اميالا يكتب وأما جوابه لوفود العرب على اختلافهم وخطاب كل منهم بلغته وتكلمه بالرطانة في بعض الاحيان فامر شائع هذا كله. وهو امي لا يحسب ولا يكتب ولا علّم ولا نقل انه اشتغل بمدارسة كتب ولا بمجالسة احد مما علمها قال تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وقال تعالى وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
وهذا تلخيص ما ذكره القاضى مع زيادات زدتها والحق بالمعجزات ايضا كفاية الله له وعصمته من الناس في حال اجتماعه وانفراده وكثرة المحاسد والمعاند قال الله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وقال واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال للصفراء والسوداء والبلغم (انه حار بارد) ولابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن أم حرام عليكم بالسناء والسنون فان فيهما شفاء من كل داء الا السام والسنون بفتح المهملة وضم النون أو كسر المهملة وفتح النون وسكون الواو ثم فوقية العسل (وسئل عن سبأ) كما نقله البغوي عن أبى سبرة النخعى عن فروة بن مسيك القطيعي (كان رجلا من العرب) هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (تيامن منهم ستة) وهم كندة والاشعريون والازد ومذحج وانمار وحمير (وتشآم منهم أربعة) وهم عاملة وجراد ولخم وغسان (حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية (ونابها) بالنون والموحدة (ومذحج) بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر المهملة بعدها جيم كما مر ذكر نسبه (وغلصمها) بفتح المعجمة وسكون اللام وكسر المهملة هو رأس الحلقوم وهو الموضع الثانى في الحلق (وكاهلها) هو ما بين الكتفين (وهمدان) بسكون الميم واهمال الدال كما سبق (وغاربها) ما بين السنام والعنق (وذروتها) بضم المعجمة وكسر التاء أعلاها (ولا علم) بتخفيف اللام (وما كنت تتلو من قبله) أي قبل القرآن (تنبيه) ترك المصنف من المعجزات كثيرا مما ذكره عياض في الشفاء فليراجع فان فيه اشياء من المعجزات وخوارق العادات في كل فنّ من هذه الفنون التى ذكرها المصنف ولولا خوف الاشهار والتطويل في ذكرها لذكرتها (خاتمة) قال ابن الجوزى في المنتخب شارك نبينا صلى الله عليه وسلم الانبياء في مناصبهم وزاد سبطه قوله: أين انشقاق البحر من انشقاق القمر أين انفجار الماء من الحجر من انفجاره من الاصابع أين التكليم عند الطور من قاب قوسين أين تسبيح الجبال في أماكنها من تسبيح الحصا في الكف اين علو سليمان بالريح من ليلة المعراج أين احياء عيسى الموتي من تكليم الذراع قال ونقل الرازي عن البيهقى ان الامام الشافعى قيل له ان الله أعطي عيسى احياء الميت فقال الشافعي حنين الجذع أعظم منه ان احياء الخشبة أعظم من احياء الميت وقال فلق القمر أعظم من فلق البحر لان فلق القمر سماوي وخروج الماء من الحجر معتاد بخلاف الاصابع فان خروجه من اللحم والدم أعجب والله أعلم.(2/240)
اليس الله بكاف عبده وقال انا كفيناك المستهزئين وقال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين والاخبار في اذى الكفار له صلى الله عليه وسلم وحرصهم على الفتك به وتظاهرهم على ذلك واسعة شائعة فلا نطول بسردها والله اعلم.
[القسم الثالث في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله]
«القسم الثالث في شمائله وفضائله واقواله وافعاله في جميع احواله» قال المؤلف كان الله له لا خفاء على من مارس شيئا من علوم النقل وزينه الله بادنى مسكة من عقل انه صلى الله عليه وسلم قد كان مجبولا على اكرم الخصال واحمدها في المآل وانه قد كان يأتى منها على البديهة بما يشق على غيره وذلك من غير تأديب ولا تعليم فطرة من العزيز العليم وكفي في تعزيز ذلك قوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ويتلخص الكلام من هذه الجملة في ثلاثة ابواب حسب ما تقدم
[الباب الأول في عادته وسجيته في المباحثات والمعتادات الضروريات صلى الله عليه وسلم]
«الباب الاول» في عادته وسجيته في المباحثات والمعتادات الضروريات صلى الله عليه وسلم وهى لا حقة في حقه بالطاعات وفي حق غيره من قرنها بالنيات الصالحات. فمن ذلك عادته في الغذاء والنوم ولم تزل الحكماء والعلماء اهل الفطن السليمة يتمادحون بالتقلل منهما ويذمون بضده لما يتولد منه من الاذي عاجلا وآجلا وأيضا فان الدواعي الباعثة على التوسع فيهما رديئة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا في ذلك بالطريقة المثلى وما هو أو في أما الطعام فكان يتناول منه على حد الضرورة وقوام الجسد من غير تنطع ولا تشبع (القسم الثالث) (مارس) بالراء والمهملة أي خالط (مسكة) مثلث الميم والضم أشهر وسكون المهملة العقل الوافر قاله في القاموس (المآل) بمد الهمزة المرجع (شق) بضم المعجمة وكسرها (من غير تأديب) من أحد من الخلق بل تأديب ربه جل وعلا كما روى السمعاني في أدب الاملاء بسند ضعيف عن ابن مسعود أدبنى ربى فاحسن تأديبي (وانك لعلى خلق عظيم) قال بعض العارفين حقيقة الخلق انه صورة الانسان الباطنة وهي النفس وأوصافها ومعانيها وللنفس أوصاف قبيحة وحسنة وللثواب والعقاب تعلق بتلك الاوصاف الباطنة أكثر مر تعلقها باوصاف الصورة الظاهرة وسبق الكلام أول الخطبة على الخلق العظيم التي أرادها جل وعلا وأثنى على حبيبه صلى الله عليه وسلم بها.
(الباب الاول) (في الغذاء) بكسر الغين وفتح الذال المعجمتين والمد ما يتغذى به من الطعام والشراب (رديئة) بالهمز وتركه (بالطريقة المثلى) بضم الميم وسكون المثلثة تأنيث الامثل (تنطع) بفتح الفوقية(2/241)
قالت عائشة لم يمتل جوف النبى صلى الله عليه وسلم شبعا قط وكان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهّاه ان أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما سقوه شرب وكان أحب الطعام اليه ما كان على ضفف أي كثرة الايدى (وروى) المقداد بن معدي كرب عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم من أكلات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وفي المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الاربعة وفي رواية لمسلم وطعام الاربعة يكفي الثمانية. وروى أبو داود عن وحشى بن حرب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله انا نأكل ولا نشبع قال فلعلكم تتفرقون قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس على الطعام مستوفزا مقعيا وربما جثى على ركبتيه ويقول انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد. وقال له اعرابى ما هذه الجلسة قال ان الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا. وقال والنون وضم الطاء ثم عين مهملتين أي مبالغة (لم يمتل) كذا الرواية بلا همز وهو في الاصل مهموز (على ضفف) بفتح المعجمة والفاء الاولى قاله عياض في الشفاء (أى كثرة الايدي) وهذا قول الخليل بن أحمد وفسره أبو زيد بالضيق والشدة وفسره الاصمعي بان يكون الا كلة أكثر من الطعام (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه الي آخره) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وأبو نعيم كلهم عن المقدام بن معدي كرب (حسب ابن آدم) بفتح الحاء وسكون السين المهملتين أي يكفيه وابن مجرور باضافة حسب اليه (اكلات) بضم الهمزة وفتح الكاف جمع أكلة بضم الهمزة وسكون الكاف وهى اللقمة وزنا ومعنى وأما الاكلة بفتح الهمزة فهي المرة من الاكل كالغدوة والعشوة وأكلات بالضم فاعل حسب (فان كان لا محالة) له عن الاستكثار والزيادة على قدر ما يقوم به الجسد (فثلث) بالرفع أى فحسبه ثلث بضم اللام وسكونها (لنفسه) بفتح الفاء (وفي المتفق عليه) ما رواه الشيخان والترمذي عن أبى هريرة (طعام الاثنين يكفي الثلاثة) وقبله لاحمد ومسلم والترمذى والنسائى عن جابر طعام الواحد يكفي الاثنين (وفي رواية لمسلم) واحمد والترمذي والنسائي عن جابر (وطعام الاربعة يكفي الثمانية) زاد الطبرانى عن ابن عمر فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا وفي هذه الاحاديث الحث على المواساة في الطعام وانه وان كان قليلا يحصل منه الكفاية المقصودة ويقع فيه بركة تعم الحاضرين لخصوصية الاجتماع (وروى أبو داود عن وحشى بن حرب) وقد رواه عنه أيضا احمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم بسند صحيح قالوا وليس لو حشى في كتب السنة سوى هذا الحديث (يبارك) مجزوم بجواب الامر (مقعيا) بضم الميم وسكون القاف وكسر المهملة أى جالسا على وركيه محتفزا مستوفزا قاله النضر بن شميل (ويقول انما أنا عبد الي آخره) أخرجه ابن سعد وأبو يعلي عن عائشة (ان الله) تعالى (جعلنى عبدا كريما الى آخره) أخرجه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن بسر بالموحدة واهمال السين (عنيدا) بالنون أي معرضا عن الحق(2/242)
أما انا فلا آكل مثكئا وكان صلى الله عليه وسلم يأمر مواكليه بحسن الأدب في الاكل كما قال لربيبه عمر بن أبى سلمة وكانت يده تطيش في الصحيفة سم الله يا غلام وكل بيمينك وكل مما يليك وقال البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه. وأكل عنده رجل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت ما منعه الا الكبر فما رفعها بعد الى فيه رواه مسلم ونهى المتواكلين عن القران في التمر الا أن يستأذن الرجل أخاه. وكان من أدب أصحابه معه اذا وضع الطعام لا يضعون أيديهم حتى يضع يده. وحضروا معه مرة على طعام فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها ثم جاء أعرابى كانما يدفع فاخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر عليه اسم الله وانه جاء بهذه الجارية يستحل بها فاخذت بيدها فجاء بهذا الاعرابى يستحل به فاخذت بيده والذي نفسي بيده ان يده في يدى مع أيديهما مجانبا له (اما انا فلا آكل متكئا) أخرجه بهذا اللفظ الترمذى عن أبى حنيفة بسند صحيح قال في الشفاء الاتكاء التمكن للاكل في الجلوس والتقعدد له كالتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته والجالس على هذه الهيئة يستدعى الاكل ويستكثر منه وليس معني الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين (وقال لربيبه عمر بن أبي سلمة) كما أخرجه الشيخان والترمذى والنسائي عنه (تطيش) باهمال الطاء واعجام الشين أى يتحرك ويضطرب ويمتد الي نواحى الصحفة ولا يقتصر على موضع واحد (سم الله) فيه ندب التسمية أثناء الطعام اذا ترك في أوله قالوا ولعل ذلك كان قبل أن يسمى غيره ممن حضر الطعام والا كان قد حصلت سنة التسمية لانها سنة كفاية كذا قاله النووى وغيره (قلت) أو لعله أراد تعليمه آداب الاكل وسننه المستحبة مطلقا فمن ثم قال (وكل بيمينك) ولم يكن حينئذ يأكل الا بها (وكل مما يليك) محله في غير الرطب كما ورد في الحديث الصحيح (بركة تنزل من وسط الطعام الى آخره) أخرجه أحمد والبيهقي في السنن عن ابن عباس ولابي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر كلوا من حواليها وذروا ذروتها يبارك فيها ولابن ماجه من حديث واثلة بن الاسقع كلوا باسم الله من حواليها واعفوا رأسها فان البركة تأتيها من فوقها (ونهى المتواكلين عن القران في التمر الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر والنهي للكراهة إن تيقن رضاهم والا فللتحريم وبهذا يجمع بين ما نقله عياض عن أهل الظاهر انه للتحريم وعن غيرهم انه للكراهة (لا يضعون أيديهم حتى يضع يده) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن حذيفة (كأنها تدفع) أي لشدة اسراعها (يستحل الطعام) أي يتمكن منه (أن لا يذكر) بضم أوله وفتح الكاف مبنى للمفعول (مع أيديهما) في بعض نسخ مسلم مع يدها وفي أخري مع يدهما ولابي داود مع(2/243)
ثم ذكر الله فيها وأكل رواه مسلم. وروي أبو داود والنسائى عن أمية بن مخشى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم الله حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها الى فيه قال بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله استقاء ما في بطنه. وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء اعرابى فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما انه لو سمي الله لكفاكم رواه الترمذي وصححه. وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال اذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان. وأمرنا أن نسلت القصعة أيديهما (رواه مسلم) وأبو داود والترمذى عن حذيفة الا قوله ثم ذكر الله تعالى وأكل فلمسلم فقط (وروي أبو داود) واللفظ له (والنسائي) والحاكم في المستدرك والدارقطني (عن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية قال الدارقطني لم يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث (ابن مخشي) بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد التحتية (أوله وآخره) بنصبهما (استقاء ما في بطنه) هو على وجه ضرب المثل لعود البركة المفقودة لفقد التسمية وقد يؤخد منه ندب التسمية لتاركها عقب الفراغ لقصد عود البركة كما قاله بعضهم ويجاب عنه بان الشارع صلى الله عليه وسلم انما أخبر بذلك في محل بقاء شيء من الطعام الذى تركت عليه التسمية لاشعار ذكرها آخر الطعام بعدم استغراق الغفلة لهذا الشخص عن ذكر الله عز وجل وشكره على ما أنعم به فناسب أن تعود له البركة المعبر عنها باستقاء الشيطان بخلاف من ترك التسمية حتى أكل الطعام فان تركها مشعر باستغراق الغفلة فناسب أن يحرم عود البركة المذكورة (أما) بفتح الهمزة مخفف (انه) بكسر الهمزة (رواه الترمذى) وحسنه (وصححه) ورواه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه (كان يأكل بثلاث أصابع) رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن كعب بن مالك ورواه الطبراني عن عامر بن ربيعة وزاد ويستعين بالرابعة وهذه الثلاثة التي كان يأكل بها السبابة والوسطى والابهام (وقال أنس) كما أخرجه البخارى عنه وأخرجه مسلم وأحمد وأبو داود عن كعب بن مالك (لعق) بكسر العين في الماضى وفتحها في المضارع (أصابعه الثلاث) كان يبدأ بالوسطي ثم بالسبابة ثم بالابهام كما أخرجه الطبراني من حديث كعب بن عجرة (اذا سقطت لقمة أحدكم) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه عن جابر (فليمط) بضم التحتية وكسر الميم ثم مهملة أى فلينزل (عنها الاذى) ظاهر الحديث عدم الفرق بين كونه نجسا أو طاهرا لكن ازالة الاول لا تكون الا بالماء (ولا يدعها للشيطان) تتمة الحديث ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها فانه لا يدري في أى طعامه البركة (أن نسلت) بفتح النون وسكون المهملة وضم اللام ثم فوقية أي نمسح (القصعة) أخرج أحمد والترمذي(2/244)
وقال انكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم. وكان يجب الدباء ويتتبعه من حوالى الصحفة ويحب الحلواء والعسل ويثني على الثريد والخل قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الادام الخل وقالت أم هانئ دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعندك شيء فقلت لا الا خبز يابس وخل فقال هاتى ما أقفر بيت من ادم فيه خل وكان يحب من الشاة ذراعها ولذلك سم فيه وقال أطيب اللحم لحم الظهر. وكان يسمى أول الطعام ويحمد آخره فيقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا وقال من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمنى هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منى ولا وابن ماجه عن شيبة الهذلى من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة (كان يحب الدباء) أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه عن أنس (ويتتبعه من حوالي القصعة) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس والدباء بضم المهملة والمد على المشهور وحكى عياض القصر أيضا هو اليقطين (ويحب الحلواء والعسل) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر (قالت عائشة) أخرجه عنها مسلم والترمذى وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن جابر (نعم) بكسر النون وسكون المهملة (الادام) بكسر الهمزة ما يؤدم به (وقالت أم هانيء) أخرجه عنها الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية وأخرجه الحاكم عن عائشة (ما) نافية (أقفر) بضم الهمزة والفاء بينهما قاف ساكنة أي ما خلي من الأدم مأخوذ من الارض القفر وهى الخالية (الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال جمع إدام (كان يحب من الشاة ذراعها) أخرجه أبو داود عن ابن مسعود وأخرجه أبو نعيم في الطب وابن السنى عن أبي هريرة وزاد أو كتفها (أطيب اللحم لحم الظهر) أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقى في الشعب عن عبد الله ابن جعفر (وكان يسمى أول الطعام) كما أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة في قصة شرب اللبن (ويحمد آخره) بفتح الميم (الحمد لله حمدا كثيرا الى آخره) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي (غير مكفي) بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتية من الكفاية على الصحيح والضمير فيه عائد الى الله تعالى قاله الخطابي ومعناه أنه تعالى غير مكفي رزق عباده بل هو الذي يكفيهم لا يكفيهم أحد غيره وقال الفراء الضمير للعبد ومعناه أنا غير مكف بنفسى عن الكفاية وقال صاحب المطالع وغيره الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الاكفاء وهو القلب لانه لا يكفي الا بالاستغناء عنه قال ابن بطال على هذا معناه أنه غير مردود عليه انعامه (غير مودع) بضم الميم وفتح الواو والدال ثم عين مهملتين أى متروك زاد البخارى في رواية ولا مكفور أى مجحود فضله ونعمه (ولا مستغنى) بفتح النون مع التنوين (ربنا) بالرفع خبر مبتدا محذوف أو مبتدا خبره ما سبق وبالنصب باضمار أعنى أو على الاختصاص أو النداء وبالجر على البدل من الضمير في عنه أو من الله (وقال من أكل طعاما فقال الحمد لله الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري(2/245)
قوة غفر له ما تقدم من ذنبه. وحث على غسل اليد قبل الطعام وبعده وربما مسح يده بالمنديل من غير غسل. وكان يحب الثفل من الطعام يعنى البقايا وأخذ كسرة من خبز الشعير فوضع عليها تمرة وقال هذه ادام هذه وأكل صلى الله عليه وسلم البطيخ بالرطب بكلتا يديه وقال هما الأطيبان. وقال برد هذا يعدل حر هذا وحر هذا يعدل برد هذا. واكل القثاء بالملح وكان يشتد عليه ان توجد منه رائحة كريهة فلم يأكل ثوما ولا بصلا ولا كراثا قط الا مطبوخا. وكان يعاف اكل ما لم يتعوده ومع ذلك فلم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه وربما مدحه رافعا عنه علة التحقير كما ورد انه كان يعظم النعمة وان دقت وكان صلى الله عليه وسلم ربما يأتى عائشة فيقول أعندك غدا فتقول لا فيقول انى صائم قالت فأتي يوما فقلت يا رسول الله اهدي لنا هدية قال وما وقال الترمذي حسن غريب ومن تتمته ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر والحكمة في مغفرة ما تأخر في حديث اللباس دون الطعام أن اللباس أعظم نفعا في الدين من الطعام فكان الشكر عليه أعظم من الشكر على الطعام فزيد في جزائه على جزاء الشكر على الطعام (وحث على غسل اليد قبل الطعام وبعده) بقوله بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن سلمان والمراد الوضوء اللغوي وهو غسل اليد (بالمنديل) بكسر الميم (وكان يحب النفل) أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل والحاكم عن أنس والثفل بضم المثلثة وسكون الفاء (وأكل البطيخ بالرطب) اخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد وأخرجه الترمذي عن عائشة وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن جعفر وأخرجه عنه أيضا أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه بلفظ كان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بكسر القاف على المشهور وحكي ضمها (بكلتا يديه) وكان القثاء باليمين والرطب في الشمال فكان يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة كما أخرجه الطبراني في الكبير وأخرج في الاوسط والحاكم وأبو نعيم في الطب عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة اليه ولا تعارض بين الروايتين بل مرة فعل هذا وأخرى فعل هذا (برد هذا يعدل حر هذا الى آخره) أخرجه أبو داود والبيهقي في السنن عن عائشة بلفظ يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا (وكان يشتد عليه أن توجد منه رائحة كريهة) أخرجه البخاري عن عائشة (فلم يأكل ثوما الى آخره) أخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب عن أنس (وكان يعاف أكل ما لا يتعوده) كالضب وحديثه مشهور في الصحيحين وغيرهما كالمرارة والمثانة والحيا والذكر والانثيين والغدة كما أخرجه الطبراني في الاوسط عن ابن عمر وأخرجه البيهقي في السنن عن ابن عباس وكالكليتين كما أخرجه ابن السني في الطب عن ابن عباس (ذواقا) بفتح المعجمة أى طعاما سمى به لانه يذاق أي يطعم (غداء) بفتح المعجمة مع المد اسم لما يؤكل قبل الزوال (انى صانم) أخذ منه أصحابنا(2/246)
هى قلت حيس قال أما انى أصبحت صائما ثم أكل وكان يحب الهدية ولا يحقرها ويكافيء عليها ويجيب من دعاه الى الطعام ولو كان صائما فربما أكل وربما لم يأكل وكان اذا دعى الى طعام في عدد معين فتبعهم غبرهم استأذن له. وكان ربما يغشى بعض حوائط الانصار عند الحاجة فيستضيفهم ويؤثر بذلك من يتأهل له. قال جابر بن عبد الله اتانا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له شاة فقال كأنهم علموا انا نحب اللحم. وكان في صفة أكله اللحم ربما رفع العضو الى فيه فانتهس منه وربما احتز بالسكين وأكل الدجاج والحبارى وجاء الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر الى سلمى مولات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسن أكله فقالت يا بني لا يشتهنّه اليوم قالوا بلى اصنعيه لنا قال فقامت فطحنت شعير وجعلته في قدر وصبت عليه شبئا من الزيت ودقت عليه الفلفل والتوابل وقربته اليهم وقالت هذا ما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[فصل وأما الشراب]
«فصل» وأما الشراب ففي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم كان يتنفس فيه ثلاثا. ونهى. ان يتنفس في الاناء وفي جامع الترمذى عنه صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا اذا أنتم شربتم وأحمدوا اذا أنتم جواز صوم النفل منه قبل الزوال بشرط عدم تقدم مفطر (أما اني أصبحت صائما ثم أكل) فيه جواز الخروج من صوم النفل وعدم وجوب اتمام الصوم عليه بعد شروعه فيه (كان يحب الهدية الى آخره) كما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة (فانتهس) بالمهملة أكل بمقدم أسنانه وبالمعجمة بالاضراس (احتز) أي قطع (الدجاج) مثلث الدال والفتح أشهر (الحبارى) بضم المهملة ثم موحدة ثم ألف ثم راء مفتوحة طائر معروف قال في القاموس يقع على الذكر والانثى والواحد والجمع وألفه للتأنيث. وغلط الجوهري اذ لو لم يكن. للتأنيث لا نصرفت وجمعه. حبارات (وجاء الحسن بن على الي آخره) أخرجه البخاري وغيره (ويحسن أكله) بضم أوله وفتح الحاء (الفلفل) بضم الفائين وكسرهما (والتوابل) بتقديم الفوقية على الموحدة واحدتها تابل كصاحب وتابل كهاجر وتوبل كجوهر وهى ابزار الطعام قاله في القاموس.
(فصل) في صفة شربه (كان يتنفس فيه ثلاثا) كما أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ورواه الطبرانى وابن السنى عن ابن مسعود وزاد يسمى عند كل نفس ويشكر في آخرهن وللترمذي وابن ماجه عن ابن عباس كان اذا شرب تنفس زاد مسلم ويقول هو أروى وأمرأ وابرأ ومعنى أروى أكثر ريا ومعني ابرأ أي من ألم العطش وقيل أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد ومعني أمرأ أي اكمل انسياغا (ونهى أن يتنفس في الاناء) أي داخله وذلك لانه(2/247)
رفعتم. وكان صلى الله عليه وسلم اذا شرب أعطى من على يمينه وان كان مفضولا وربما استأذنه لكون الحق له فان أذن والا أعطاه ونهى عن الشرب من في السقاء وربما شرب منه نادرا لبيان الجواز ونهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الاناء قال أهرقها قال فانى لأروي بنفس واحد قال فابن القدح اذا عن فيك رواه الترمذي وصححه. وروي مسلم عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يشرب قائما قيل لأنس فالأكل قال ذلك أشر وأخبث وفي رواية فيه عن أبى هريرة لا يشربن أحدكم قائما فان نسى فليستقئ ثم ان النهي هنا للتنزيه وتعليم الأفضل والأكمل وقد شرب صلى الله عليه وسلم قائما في بعض الاحوال يقذره (أعطى من على يمينه وان كان مفضولا) كما أعطى الاعرابي وأبو بكر عن يساره (وربما استأذن) كما استأذن ابن عباس رضى الله عنهما وكان خالد بن الوليد عن شماله وذلك في بيت ميمونة وقد جاءتهم باناء من لبن كذا جاء مبينا في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي حديث حسن وقد أخرج ذلك الشيخان مع ابهام من على يمينه وشماله قال العلماء انما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس في هذا الحديث ولم يستأذن الاعرابي في الحديث الاول لان الاعرابي ربما لم يعرف الحكم عند الاستئذان وهو كراهة الايثار في القرب فيحمله الاستئذان على الايثار المكروه وابن عباس علم صلى الله عليه وسلم ما عنده من العلم بهذا الحكم كغيره فاستأذنه ليظهر هذه السنة من قبله ويكون له بذلك فضيلة على غيره (نهي عن الشرب من في السقاء) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عباس بهذا اللفظ وأخرجه مسلم بمعناه وسبب ذلك أنه يقذره وربما كان في السقاء ما يؤذيه فيدخل جوفه من حيث لا يشعر وفي هذا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والرحمة (ونهي عن النفخ في) الطعام و (الشراب) أخرجه أحمد عن ابن عباس وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد من غير ذكر الطعام وأخرجه الطبرانى عن زيد بن ثابت بلفظ نهي عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب والمعني في ذلك أنه يقذره (فاني لا أروى بنفس واحد) معناه أن عادته أنه يشرب بنفس فلا يروي فقال له (فأبن القدح اذا عن فيك) فانك إذا فعلت ذلك حصل لك الرى لما ذكره في التنفس أنه اهنأ وامرأ وابرأ وأبن بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي أزل القدح مأخوذ من الابانة وهي القطع رواه الترمذي وصححه ورواه سمويه في فوائده وحسنه والبيهقى في الشعب عن ابن سعيد وزاد ثم تنفس (وروي مسلم) والضياء (نهى أن يشرب قائما) زاد الضياء أو يؤكل ولمسلم (قيل لانس فالاكل) وظاهرها أن النهى عن الاكل موقوف عليه والنهي في كل منهما للتنزيه كما سيأتى (أشر وأخبث) كذا في أصول مسلم بالالف وهى لغة (فان نسى فليستقئ) هذا أمر ندب وارشاد من جهة الطب وذلك لانه يورث الاستسقاء (وقد شرب صلى الله عليه وسلم في بعض الاحوال قائما) كما في صحيح البخاري أنه شرب من زمزم كذلك(2/248)
وكان صلى الله عليه وسلم اذا سقى أصحابه بدأ بهم قبل نفسه فربما قالوا له لو شربت قال ساقى القوم آخرهم شربا. ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار فقال له ان كان عندك ماء بات في شنة والا كرعنا رواه البخاري وكان أحب الشراب اليه الحلو البارد وكان رجل من الانصار يبرد له الماء في أشجاب له على حمارة له من جريد وربما استعذب له الماء من السقيا وهى عين بينها وبين المدينة يومان. وكان أحب الشراب اليه اللبن وقال من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال ليس شيء يجزيء مكان الطعام والشراب غير اللبن وشرب مرة لبنا ثم دعا بماء فمضمض وقال انّ له دسما. وكان صلى الله عليه وسلم ينبذله غدوة فيشربه عشيا وينبذ عشيا فيشربه غدوة وربما شرب منه ثلاثة أيام ثم يسقى الخدم أو يهراق والظاهر ان تغيره بعد يوم وليلة يختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف وحسن المنبوذ قال أنس سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشراب كله الماء والنبيذ والعسل واللبن فلولا انى رأيت (ساقي القوم آخرهم) أخرجه أحمد والبخارى في التاريخ وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي قتادة وأخرجه الطبراني في الاوسط والقضاعي عن المغيرة. (بات في شنة) بفتح المعجمة وتشديد النون وهى الحلقة والحكمة في طلب البائت انه أبرد وأصفي (والا كرعنا) الكرع بفتح الكاف وسكون الراء شرب الماء بالفم من غير اناء ولا كف وقال ابن دريد لا يكون الكرع كرعا الا اذا خاض الماء بقدميه فشرب منه وفي سنن ابن ماجه النهى عنه وهاهنا لبيان الجواز وذلك محمول على ما اذا بطح الشارب على بطنه (وكان أحب الشراب اليه الحلو البارد) أخرجه أحمد والترمذى عن عائشة (وكان رجل من الانصار يبرد له الماء الى آخره) أخرجه مسلم عن جابر في حديثه الطويل (في اشجاب) بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شجب وهو السقاء الخلق البالى (على حمارة) بكسر المهملة وتخفيف الميم والتنوين وهى أعواد تعلق عليها أسقية الماء (وربما استعذب له الماء من السقياء) وفي رواية يستسقي له الماء العذب من بئر السقياء أخرجه أحمد وأبو داود عن عائشة والسقياء بضم المهملة وسكون القاف ثم تحتية مع المد (وكان أحب الشراب اليه اللبن) أخرجه أبو نعيم في الطب عن عائشة وأحب بالنصب خبر كان واللبن مرفوع اسمها ويجوز عكسه (من أطعمه الله طعاما الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عباس (يجزي) بفتح أوله أى يكفي (غير) بالنصب والرفع (وشرب مرة لبنا الى آخره) أخرجه البخاري وابن ماجه عن ابن عباس وسهل بن سعد مضمضوا من اللبن (ان له دسما) بفتح المهملتين أى لزوجة كلزوجة اللحم والسمن ونحوه مما يخاف على صاحبه مس الجن وقيل المراد المضمضة منه للصلاة وهو ظاهر تبويب البخاري (نبذله عدوة الى آخره) أخرجه(2/249)
أصابعه في هذه الحلقة لجعلت عليها الذهب والفضة. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وقال الذى يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة انما يجرجر في بطنه نار جهنم
[فصل وأما النوم]
«فصل» وأما النوم فدلت الاحاديث الصحيحة الصريحة انه كان صلى الله عليه وسلم فيه على حد الاعتدال والاقلال ومن تأمل حاله في الغذاء علم ذلك ضرورة وكان ينام على الجانب الأيمن استظهارا على قلة النوم لأن القلب والأعضاء الباطنة منوطة بالجانب الأيسر فاذا نام على الأيمن تعلقت ومنع ذلك الاستغراق ومع ذلك فقد قال ان عيني ينامان ولا ينام قلبي وكان فراشه من أدم حشوه ليف. وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك قالت مسح نثنيه بثنيتين فينام عليه فلما كان ذات ليلة قلت لو ثنيته باربع ثنيات كان أوطأ له فثنيناه باربع فلما أصبح قال ما فرشتم لى الليلة قلنا هو فراشك الا انا ثنيناه باربع قال ردوه بحاله الاول فان وطأته منعتني صلاتى الليلة وكان أحيانا ينام على سرير مرمول بشريط بغير فراش. وكان صلى الله عليه وسلم اذا نام نفخ ولا يغط غطيطا الشيخان وغيرهما (لولا اني رأيت أصابعه في هذه الحلقة) أى وأحببت التبرك باثرها (نهي عن الاكل والشرب الي آخره) أخرجه بهذا اللفظ النسائي عن أنس (الذى يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة الى آخره) أخرجه الشيخان وابن ماجه عن أم سلمة الا أو يشرب فمن زيادة مسلم (يجرجر) بضم أوله وفتح الجيم الاولى وكسر الثانية بينهما راء ساكنة مكررة من الجرجرة وهى صوت يردده البعير في حنجرته اذا هاج قال في التوشيح وضبطه بعض الفقهاء بفتح الجيم الثانية للمفعول ولا يعرف في الرواية (نار جهنم) زاد الطبراني عن أم سلمة الا ان يتوب ونار بالنصب مفعول والفاعل ضمير الشارب وبالرفع فاعل يجرجر على ان النار هى التى تصوت في البطن أو على انه خبران وما موصولة وسمى المشروب نارا لانه يؤول اليها كما قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً.
(فصل) في صفة نومه (كان ينام على الجانب الايمن) أخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن البراء وأخرجه أحمد والترمذى عن حذيفة وأخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود (منوطة) بالمهملة أي معلقة (الاستغراق) بالنصب مفعول (وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه الترمذي في الشمائل (مسحا) بكسر الميم وسكون السين ثم حاء مهملتين أى لباسا (كان اذا نام نفخ) أخرجه أحمد والشيخان عن ابن عباس وأخرجه أحمد عن عائشة (ولا يغط) بكسر المعجمة وتشديد المهملة(2/250)
واذا رأى في منامه ما يروعه قال هو الله ربى لا شريك له. وقال اذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذى كان عليه وكان اذا أخذ مضجعه استقبل بوجهه القبلة ووضع كفه تحت خده وقال رب قني عذابك يوم تبعث عبادك اللهم باسمك أموت وأحيا واذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور.
[فصل فيما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم في النكاح والتعطر]
«فصل» فيما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم في النكاح والتعطر قال صلى الله عليه وسلم حبب الى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة فاما النكاح فلم يزل التمادح به عند الفضلاء والعقلاء عادة جارية وسنة مأثورة وحسبك في ذلك ما خص الله به نبيه أى يشخر (واذا رأي في منامه ما يروعه الى آخره) أخرجه النسائي عن ثوبان (كان اذا أخذ مضجعه الى آخره) أخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن البراء وأخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود
(فصل) في عادته في النكاح (حبب الىّ من دنياكم الى آخره) أخرجه أحمد والنسائى والحاكم والبيهقي في السنن عن أنس وفي قوله صلى الله عليه وسلم من دنياكم تصريح بان التزوج والتطيب بالنسبة اليه ليس من حظوظ دنياه هو وان كانت من حظوظ دنيا غيره بل للفوائد الاخروية المترتبة على التزوج كتحصينهن وقيامته بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته اياهن وأما الطيب فللقاء الملائكة ولانه مما يعين على الجماع ويحض عليه وتحرك أسبابه هذا معنى ما ذكره عياض في الشفاء (ثلاث) زيادة ثلاث ليست في الحديث بل من تصرف بعض الرواة ثم درج عليه من درج كالغزالى في الاحياء وعياض في الشفاء في بعض النسخ والزمخشرى في الكشاف ثم قال وطوي ذكر الثالث أي ان قرة عينى في الصلاة كلام مبتدأ قصد به اعراض عن ذكر الدنيا وليست عطفا على الطيب والنساء كما يسبق الى الفهم لانها ليست من الدنيا قاله التفتازاني والكلام على حذف ثلاث ظاهر (وجعلت قرة عينى في الصلاة) أي لانها محل الحب الحقيقي ومحل مشاهدة جبروت المولى ومناجاته تعالى فمن ثم ميز بين حب النساء والطيب وبين حب الصلاة بقوله وجعلت قرة عيني الى آخره ولم يقل النساء والطيب والصلاة ونقل ابن فورك عن بعض العلماء ان معنى قوله وجعلت قرة عينى في الصلاة أى في صلاة الله وملائكته علىّ وأمره أمتي بالصلاة علىّ الى يوم القيامة ويؤيد الاول ما أخرجه أحمد عن ابن عباس قال لى جبريل قد حببت اليك الصلاة فخذ منها ما شئت (فائدة) أخرج الشيخ أبو محمد النيسابورى ان أبا بكر رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام قال وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث القعود بين يديك والصلاة عليك وانفاق مالى لديك فقال عمر رضي الله عنه وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة حدود الله تعالى فقال عثمان وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث اطعام الطعام وافشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام فقال على كرم الله وجهه ورضي عنه وأنا حبب اليّ من الدنيا ثلاث الضرب بالسيف والصوم في الصيف(2/251)
صلى الله عليه وسلم من القوة والعدد مما سبق ذكره في قسم الخصائص وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما خير هذه الامة أكثرها نساء مشيرا اليه صلى الله عليه وسلم حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد وقال سهل بن عبد الله التسترى قد حببن الى سيد المرسلين فكيف يزهد فيهن وقد كان زهاد الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كثيرى الزوجات والسرارى وقد كره غير واحد أن يلقى الله تعالى عزبا. قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن احدى عشرة يغسل واحد وكنا نتحدث وقرى الضيف فنزل جبريل فقال وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث النزول على النبيين وتبليغ الرسالة للمرسلين والحمد لله رب العالمين ثم عرج ثم رجع فقال يقول الله تعالي وهو حبب اليه من عباده ثلاث لسان ذاكر وقلب شاكر وجسم على بلائه صابر (وقال ابن عباس) أخرجه عنه البخاري (خير هذه الامة) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو (الذى هو أكثرها نساء) هذا هو الارجح انه كان (مشيرا اليه صلى الله عليه وسلم) ولم يرد العموم وبتقدير ارادته فلم ير الخبرية العامة بل المترتبة على التزوج من التحصين ونحوه (سهل بن عبد الله) قال القشيرى في الرسالة أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات توفي كما قيل سنة ثلاث وثمانين ومايتين وقيل سنة ثلاث وسبعين (التستري) بفوقية مضمومة وأخرى مفتوحة بينهما مهملة ساكنة منسوب الى تستر مدينة بخوزستان قاله النووى وقال ابن خلكان هي بلدة من كورة الاهواز ويقول الناس لها سستر (يزهد فيهن) بفتح النون مبني للفاعل وبضم التحتية مبني للمفعول وقد قال ابن عيينة كما قاله سهل حكاه عنه في الشفاء (كثيرى الزوجات والسرارى) زاد في الشفاء وحكي في ذلك عن على والحسن وابن عمر وغيرهم غير شيء والسراري جمع سرية بضم المهملة وكسر الراء المشددة ثم تحتية مشددة أشتقاقها من السرر وأصله السر وهو الجماع أطلق عليها ذلك لكتمان أمرها عن الزوجة غالبا (وقد كره غير واحد) من السلف (ان يلقي الله عزبا) اذ في الحديث شراركم عزابكم وأرذل موتاكم عزابكم أخرجه أحمد عن أبي ذر وأخرجه أبو يعلى عن عطية بن بشر وعلة ذلك ان العزوبة سبب للمعاصي المترتبة على هذه الشهوة التي هي أعظم فتنة على الانسان فربما جاء الموت وهو غير تائب من النظر المحرم ونحوه هذا بالنسبة الي عوام الخلق وأما الخواص فيخافون مجيء الموت والقلب مشغول بغير الله عز وجل وهذه الشهوة من أعظم الشواغل عنه (قال أنس) فيما أخرجه البخاري والنسائى عنه قال في الشفاء وروي عنه عن أبي رافع (وهن احدي عشرة) في رواية اخري في صحيح البخارى وهن تسع وجمع بينهما بانه عد في الحديث الاول مع نسائه جاريتيه مارية وريحانة واقتصر في الحديث الثاني على نسائه التسع وقال ابن حبان حكى عن أنس هذا النقل في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة وجاريتان ولا يعلم انه اجتمع عنده احدي عشرة امرأة بالتزوج (بغسل واحد) لا يعارضه ما في الشفاء عن سلمي قالت طاف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي(2/252)
أنه أعطى قوة ثلاثين وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس باربع بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع وقوة البطش قالت عائشة ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه الا مقنعا يرخى الثوب على رأسه وما رأيته منه ولا رآه مني. وأمر من بنى بامرأة أن يأخذ بناصيتها ثم ليقل اللهم اني أسألك من خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. وقال لو ان أحدكم اذا أراد ان يأتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا. وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه يلطف بهن ويلاطفهن ويحتمل منهن على وجه الغيرة ما يعظم خطره في حق غيرهن فربما تصاخبن وتشاتمن بمحضره ومنظره وربما اغتابت احداهن الاخري فينهاها الاخري وقال هذا أطهر وأطيب بل هما قصتان بين صلى الله عليه وسلم في الاولي الجائز وفي الاخري الاكمل (أعطى قوة ثلاثين) رجلا ولابي نعيم في الحلية عن مجاهد أعطي قوة أربعين رجلا كل منهم بقوة سبعين رجلا وصححه ويروي بقوة مائة رجل وقال صحيح غريب قال في التوشيح وقد قيل ان كل من كان أتقي لله فشهوته أشد لان من لا يتقي تتفرق شهوته بالنظر وغيره (وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم) أخرجه الطبرانى في الاوسط والاسماعيلى في معجمه عن أنس (بالسخاء) بفتح المهملة والمعجمة والمد (وقالت عائشة) كما أخرجه البخاري وغيره عنها (مقنعا) بفتح القاف والنون المشددة والمهملة (وما رأيته منه ولا رآه مني) كناية عن غير مذكور لدلالة الكلام عليه وارادة الفرج (وأمر من بنى بامرأة ان يأخذ بناصيتها الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على ما ذكرناه من رواية الأئمة الثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (لو أن أحدكم اذا أراد ان يأتى أهله الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ابن عباس (بسم الله) فيه ندب التسمية للجماع (اللهم جنبنا الشيطان) انما شرع التعوذ منه حينئذ لما روي عن جعفر بن محمد ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فاذا لم يسم الله ولم يتعوذ أصاب معه امرأته وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل حكاه عنه البغوي وغيره وذلك منه لا يكون من قبل الرأي (لم يضره) بتثليث الراء والضم أحسن اتباعا للضمة (الشيطان) قال عياض لم يحمل هذا الحديث أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والاغواء بل المراد انه لا يصرعه أولا يطعن فيه عند ولادته كغيره قولان (وربما تصاخبن) أي رفعن أصواتهن (بمحضره ومنظره) كفعل عائشة وزينب وهو في صحيح مسلم وغيره (وربما اغتابت احداهن الاخري) كذكر عائشة خديجة وقولها له صلى الله عليه وسلم ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين الي آخر ما ذكرته وهو في الصحيحين وغيرهما (فنهاها) كقوله لحفصة اتقي الله يا حفصة حين قالت في صفية انها ابنة يهودي وهو في سنن الترمذى(2/253)
وأهدت اليه أم سلمة قصعة من ثريد وهو عند عائشة فضربت عائشة يد الخادم فسقطت القصعة وانكسرت وتبدد الخبز فجعل صلى الله عليه وسلم يجمع الخبز ويقول غارت أمكم غارت أمكم ثم جلّس الرسول وأعطاه قصعة غيرها. وسهر ليلة معهن فقالت احداهن كان الحديث حديث خرافة فقال صلى الله عليه وسلم أتدرون ما خرافة ان خرافة كان رجلا من بني عذرة اسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهرا ثم ردوه الى الانس فكان يحدث بما رأى فيهم من الاعاجيب فقال الناس حديث خرافة. وقال لعائشة كنت لك كأبى زرع لام زرع. واما الطيب فقد كان صلى الله عليه وسلم طيب الجملة وطابت منه الفضلات التى تستقذر من غيره ومع ذلك فقد كان يتطيب ليقتدى به وللقاء الملائكة ولانه من أقوي الاسباب المعينة على الجماع قال أنس كنا نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أقبل بطيب رائحته وما عرض عليه طيب فرده وكان يطلب الطيب في جميع رباع نسائه وعن عائشة قالت كان أحب الطيب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم العود وكان يتبخر به مع والنسائي (واهدت له أم سلمة قصعة الى آخره) أخرجه البخاري من غيران يذكر اسمها (غارت أمكم) قال الداودى يعنى سارة زوج ابراهيم يعنى لا تعجبوا مما وقع من عائشة من الغيرة فقد غارت تلك قبل ذلك ورد ذلك العلماء بان المخاطبين لم يكونوا من أولاد سارة اذ ليسوا من بني اسرائيل وجزموا بان المراد عائشة أم المؤمنين (ثم جلس) بالتشديد أي أمر بالجلوس (وأعطاه) من بيت عائشة (قصعة غيرها) تطييبا لقلب أم سلمة وكلتا القصعتين ملكه صلى الله عليه وسلم فلا ينافي ان المتقوم لا يضمن بمثله ولو ثبت ان القصعة ملك لام سلمة وان الضمان حقيقي فضمان المتقوم بمثله جائز مع الرضا (خرافة) بضم المعجمة وتخفيف الراء فائدة اخرج المفضل الضبى من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله خرافة انه كان رجلا صالحا (وقال لعائشة) في الحديث المشهور بحديث أم زرع هي بنت أكهل بن ساعدة كذا في التوشيح زاد الهيثم في الالفة والرفاه لافي الفرقة والجلاء زاد الزبير بن بكار الا انه طلقها وأنا لا أطلقك فقالت عائشة بابى أنت وأمى لانت خير لي من أبى زرع* وأما الطيب (وما عرض عليه طيب فرده) كما رواه أحمد والبخاري والترمذى والنسائى عن أنس بل نهي عن ذلك بقوله لا تردوا الطيب وقد ورد انه كان لا يرد أشياء جمعها شيخ شيوخنا وجيه الدين الديبع في قوله
قد كان من سنة خير الورى ... صلى عليه الله طول الزمن
أن لا يرد الطيب والمتكي ... والتمر والدهن كذا اللبن
(رباع) بكسر الراء ثم موحدة جمع ربعة وهى اناء من خشب يجعل فيه الطيب (أحب) بالنصب (العود) بالرفع(2/254)
الكافور وكان يتطيب بأطيب ما يجد عنده اذا أراد أن يحرم وقال طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه وقال اذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فانه خرج من الجنة وكان يتطيب بالغالية والمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه. وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل بالاثمد عند النوم في كل عين ثلاثا وربما اكتحل في اليمين ثلاثا واثنان في اليسار وربما اكتحل وهو صائم وقال عليكم بالاثمد فانه يجلو البصر وينبت الشعر. وقال خيرأ كحالكم الاثمد. وكان يكثر دهن رأسه ولحيته ويسرحهما ويكثر القناع حتى كأن ثوبه ثوب زيات.
ونهى عن الترجل الاغبا قال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مفتت. وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله وكانت يمينه لطهوره وطعامه وكان اليسرى لخلائه وما كان من اذا. وكان صلى الله عليه ويجوز عكسه (طيب الرجال ما ظهر ريحه الى آخره) أخرجه الترمذى عن أبي هريرة وأخرجه الطبرانى وأيضا عن أنس (وطيب النساء) ان أردن الخروج الى المسجد (ما ظهر لونه وخفي ريحه) وذلك لما يخاف من ظهور ريح الطيب من الفتنة اما اذا تطيبت المرأة في بيتها لزوجها فتطيب بما شاءت (اذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في مراسيله والترمذى عن أبى عثمان النهدى والمراد بالريحان جميع الطيب (بالغالية) بالمعجمة والتحتية طيب مركب من أنواع من الطيب (وبيصه) بالموحدة فالتحتية فالمهملة أي بريقه ولمعانه (كان يكتحل بالاثمد كل ليلة) رواه ابن أبى عدي عن عائشة وتتمته ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة (وربما اكتحل وهو صائم) أخرجه الطبراني والبيهقى عن أبى رافع وفعل ذلك لبيان الجواب (عليكم بالاثمد الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجه عن جابر وأخرجه ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر وزاد عند النوم وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن على بلفظ عليكم بالاثمد فانه منبتة للشعر مذهبة للقذا مصفاة للبصر (كان يكثر دهن رأسه ولحيته) أخرجه البيهقي في الشعب عن سهل بن سعد (ويكثر القناع الي آخره) أخرجه الترمذى في الشمائل والبيهقي في الشعب عن أنس والقناع بكسر القاف تغطية الرأس بالرداء (ثوب زيات) بالزاى وتشديد التحتية وهو بياع الزيت ومعناه انه كان يكثر دهن رأسه ويكثر التقنيع بثوبه عليه فيكسب الثوب من الدهن (ونهي عن الترجل) بالجيم أي مشط شعر الرأس واللحية (الاغبا) بكسر المعجمة وتشديد الموحدة أى بعد أيام بحسب الحاجة اليه لا كل يوم كعادة المترفين (غير مقتت) بالقاف وتكرير الفوقية أي غير مخلوط بغيره (كان يحب السمن الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة والسمن بتشديد الميم لغة في السامن (في ترجله) أي تسريح رأسه (وتنعله) أي لبسه النعال (وطهوره) بضم الطاء أي غسله ووضوئه (وفي شأنه كله) أي مما كان من باب التكريم كالاكتحال والحلق ونتف الابط وقص(2/255)
وسلم ينظر وجهه في المرآة وربما نظر وجهه في الماء وسواه ويقول اللهم كما حسنت خلقى فأحسن خلقى وحرم وجهى على النار الحمد لله الذي سوى خلقى فعدله وأحسن صورتي وزان منى ما شان من غيري. وكان صلى الله عليه وسلم لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن والمكحلة والمرآة. والمشط والمقراض. والسواك والخيوط. والابرة. وكان صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالسدر ويخضبه بالحناء والكتم.
[فصل وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم بالأخدعين وبين الكتفين]
«فصل» وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم بالأخد عين وبين الكتفين واحتجم على ظهر قدميه وهو محرم وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة واحدى وعشرين وقال ان أفضل ما تداويتم به الحجامة. ونهى عن كسب الحجام غير محرمة وكان اذا احتجم واخذ من شعره أو ظفره بعث به الى البقيع فدفنه فيه. وروى ان عبد الله بن الزبير شرب من دم حجامته. فلم ينكر ذلك عليه وأمر صلى الله عليه وسلم بالتداوى وقال ان لكل داء دواء فاذا أصيب دواء الداء برئ باذن الله. ونهى عن التداوى بالخمر وقال ليس بدواء ولكنه داء الشارب وتقليم الاظفار والمصافحة والاخذ والعطاء (ويقول اللهم كما حسنت خلقى الي آخره) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن مسعود وأخرجه البيهقى عن عائشة وأخرجه أبو بكر بن مردويه عن أبي هريرة وعائشة (شان) بالمعجمة أى قبح (كان لا يفارقه في اسفاره الى آخره) أخرجه العقيلي عن أنس ولفظه لا يفارقه في الحضر ولا في السفر (يغسل رأسه بالسدر) أخرجه ابن سعد عن أبى جعفر مرسلا وأوله كان يسعط بالسمسم.
(فصل) في حجامته (يحتجم) في الاخدعين والكاهل وهو المراد بقول المصنف (وبين الكتفين) أخرجه الترمذى والحاكم عن ابن عباس (احتجم على ظهر قدميه وهو محرم) أخرجه البخاري وغيره (كان يحتجم لسبع عشرة الى آخره) هو تتمة حديث كان يحتجم في الاخدعين فرواته رواته (قلت) وكان يحتجم على هامته أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي كبشة وأخرجه الخطيب عن ابن عمر وزاد ويسميها أم مغيث (ونهي عن كسب الحجام) أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود وللنسائى عن رافع بن خديج شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام (غير محرمة) بدليل اعطائه أبا طيبة أجرة حجامته وفي هذا الحديث كراهة أكل ما اكتسب بالحجامة ونحوها من النجاسات بالنسبة الي الحر (ان لكل داء دواء الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم عن جابر وللحاكم عن أبي سعيد ان الله تعالى لم ينزل داء الا انزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله الا السام وهو الموت (فاذا أصاب الدواء الداء برئ باذن الله) فان قال قائل نحن نجد كثيرين من المرضى يداوون فلا يبرأون فالجواب كما قال النووي انما هو لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء (ولكنه داء) زاد الطبراني عن أم سلمة ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم قال(2/256)
وقال ان كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن اكتوى. وبعث الى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه. وقال الحمى من فيخ جهنم فأبردوها بالماء. وقال التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن. وقد سبق السبكى ما يقوله الاطباء في التداوى بالخمر فشيء كان قبل التحريم وأما بعده فان الله قادر على كل شيء سلبها ما كان فيها من المنافع وقوله فيما حرم عليكم خاص بالخمر ونحوها وذلك لما يترتب عليها من السكر المترتب عليه جمل من المفاسد الدينية بخلاف غيرها من المحرمات (ان كان في شيء من أدويتكم الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى عن جابر (ففي شرطة محجم الى آخره) قال النووي هذا من بديع الطب عند أهله لان الامراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فان كانت دموية فشفاؤها اخراج الدم وان كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالاسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها وكأنه نبه بالعسل على المسهلات وبالحجامة على اخراج الدم بها وبالفصد وذكر الكي لانه يستعمل عند عدم نفع الادوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكى والشرطة بفتح المعجمة وسكون الراء شق الجلد لوضع المحجمة (لذعة) باعجام الذال واهمال العين (وما أحب أن اكتوي) وذلك لان الكي احراق بالنار وتعذيب بها وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من فتنة النار وعذاب النار وفي الاكتواء تعجيل لالم ما استعاذ منه. وقال النووي فيه اشارة الى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر اليه لما فيه من استعجال الالم الشديد في دفع ألم قد يكون أخف من ألم الكى انتهي ولا بدع ان يبيح الشارع صلى الله عليه وسلم شيأ لامته ولا يفعله وذلك كاكل الضب ونحوه (وبعث الي أبيّ بن كعب طبيبا) هذا بخلاف ما في الصحيحين عن جابر ان سبب الكي انه رمي يوم الاحزاب على أكحله اذ لعل القطع كان بعد الرمي (ثم كواه عليه) ولمسلم فحسمه بالمهملتين بمعني كواه (الحمى من فيح جهنم الي آخره) هذا الحديث رواه من الصحابة ابن عباس وابن عمر وعائشة ورافع بن خديج وأسماء بنت أبي بكر وأخرجه من الحفاظ أحمد والشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه ولابن ماجه من حديث أبى هريرة الحمى كنز من كنز جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد وللطبراني عن أبي امامة وأبي ريحانة الحمي كنز من جهنم فهى نصيب المؤمن من النار وللطبراني في الاوسط من حديث أنس الحمي حظ أمتي من جهنم ولابن قانع من حديث أسد بن كرز الحمى تحت الخطايا كما تحت الشجرة ورقها وقوله من فيح جهنم قيل هو على الحقيقة وقيل بل على جهة التشبيه قال في التوشيح والاول أولى (فابردوها) بهمز وصل وضم الراء وحكي الكسر يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن أقتل قتلا أى سكنت حرارتها وفي لغة ابردته حكاها عياض بقطع الهمزة وكسر الراء من أبرد الشيء اذا عالجه فصيره باردا (بالماء) زاد ابن ماجه البارد وفي رواية لاحمد والنسائى وابن حبان والحاكم بماء زمزم فقيل خاص به وقيل عام وليس المراد الغسل بل الرش كما في حديث أسماء فان تفسير الراوى اذا كان صحابيا مقدم على غيره سيما أسماء التي هى ممن يلازم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال التلبينة مجمة الفؤاد المريض الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان عن عائشة والتلبينة بفتح الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة حساء يجعل في دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل وسميت تلبينة لشبهها باللبن في بياضها ورقتها (مجمة لفؤاد المريض) بفتح الميم والجيم ويقال بضم الميم(2/257)
قوله في القسط والحبة السوداء. وأكل معه عليّ تمرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مه يا على فانك ناقه فكف عنه علىّ ثم جىء اليه بمطبوخ سلق وشعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا علىّ من هذا فأصب فانه أوفق لك ودنا ليأكل معه مرة رطبا وهو أرمد فقال له صلى الله عليه وسلم أتأكل الحلو وأنت ارمد فتنحى علىّ ناحية فرمى اليه النبي صلى الله عليه وسلم برطبة ثم اخرى حتى بلغ سبعا ثم قال حسبك فانه لا يضر من التمر ما أكل وترا
[فصل في صفة جلسته صلى الله عليه وسلم منفردا ومع أصحابه]
«فصل» في صفة جلسته صلى الله عليه وسلم منفردا ومع أصحابه قال أبو سعيد الخدري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس في المجلس احتبى بيديه وكذلك أكثر جلوسه محتبيا فربما احتبى بيديه وربما احتبى بثوبه وفي حديث قيلة بنت مخرمة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القر فصاء فلما رأيته أرعدت من الفرق وذكر الحديث وفي حديث جابر بن سمرة انه صلى الله عليه وسلم تربع قال أهل الغريب الحبوة بضم الحاء وكسرها وقد تبدل الياء من الواو وهو ان يعقد الثوب على مجموع ظهره وركبتيه وربما احتبي صلى الله عليه وسلم بيديه وربما عقده على الركبتين فقط والقرفصاء بضم القاف والفاء مع المد وبكسرهما مع القصر وفسرها البخاري بالاحتباء باليد والتربع ان يخالف قدميه بين يديه ويجلس على وركيه متوطئا وكان صلى الله عليه وسلم ربما أسند الى جدار أو سارية وربما اتكأ على أحد جانبيه وربما استلقى على قفاه ووضع إحدى يديه على الأخرى. وفي حديث جبريل حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم انه أسند ركبتيه الى ركبتيه كالتشهد. قال المؤلف دل مجموع هذه الاحاديث على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس كيف ما تيسر وعلى حسب وكسر الجيم أى تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه (مه) بمعني أكفف (ناقه) بالنون والقاف وهو المعني من المرض الذي قربت عهدته لم يتراجع اليه كمال صحته (سلق) بكسر السين وسكون اللام ثم قاف.
(فصل) في صفة جلوسه (قال أبو سعيد) أخرجه عنه أبو داود والبيهقى في السنن (قيله) بفتح القاف وسكون التحتية (بنت مخرمة) بفتح الميم والراء وسكون المعجمة عنزية على الصحيح وقيل عدنية (أرعدت) أى علتني رعدة أي ارتعاش (الفرق) أي الخوف وذلك من وقاره صلى الله عليه وسلم وهيبته (وذكرت الحديث) هو قوله صلى الله عليه وسلم يا مسكينة عليك السكينة (القر فصاء) بضم القاف والفاء مع المد وبكسرهما مع القصر كذا قاله الفراء وقال ابن قرقول يمد ويقصر ويقال بكسر القاف والفاء (وفسرها البخاري) والجوهري في الصحاح (بالاحتباء باليد) مكان الثوب زاد الجوهري ويلصق فخذه ببطنه وقال أبو المهدى هو أن يجلس على ركبتيه متكئا ويلصق بطنه بفخذيه ويعابط كفيه وهي جلسة الاعراب (وربما استلقى على قفاه الي آخره)(2/258)
ما اتفق وان أكثر جلوسه الاحتباء كما سبق فدل ذلك على ان الاحتباء من أمثل الجلسات المختارة في الوحدة والجماعات ولهذا اختارها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند حديثهم عنه كما ورد في صحيح البخاري ان ابن عباس أمر ابنه عليا ومولاه عكرمة ان يقصدا أبا سعيد الخدرى ليسمعا منه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤا وهو يعمل في حائط له فلما كلماه في ذلك ترك العمل واحتبي وجعل يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد كره قوم الحبوة في مجالس الحديث والعلم وحال الأذان ومنهم الصوفية في حال السماع ولا أعلم له دليلا بالنقل ولا مقبحا من العقل نعم روى أبو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة في يوم الجمعة والامام يخطب ثم روى أبو داود بعده عن شداد ابن أوس قال شهدت مع معاوية ببيت المقدس فجمع بنا فنظرت فاذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبيين والامام يخطب قال أبو داود وكان ابن عمر يحتبى والامام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد ابن المسيب وابراهيم النخعى ومكحول واسمعيل بن محمد بن سعيد ونعيم بن سلامة قال ولا بأس بها ولا يبلغنى ان أحدا كرهها إلا عبادة بن نسىء. قلت وعلى تقرير النهي فقد قال الخطابى في شرح السنن انما نهى عنه في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض الطهارة للانتقاض فنهى عن ذلك وأمر بالاستغفار وقد تبعه النووى على ذلك فقال لانه يجلب النوم فتفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء ففسر النهى بذلك وقد تتبعت الكلام عليه فلم أجد للنهى فائدة سوى ذلك وهو اللائق الموافق فلم يكن صلى الله عليه وسلم يلازم ما يكره أو يقبح أو ما هو خلاف الاولى والأدب وكأن مدار من كرهها على الاستحسان العرفي الذى يختلف الامر فيه باختلاف البلدان والازمان ولا معول عليه فانه ربما استقبح أخرجه البخارى والنهى عن مثل ذلك محمول على ما اذا خيف انكشاف العورة (من أمثل) أى أفضل (الوحدة) بفتح الواو أشهر من كسرها وضمها (وحال الاذان) بالفتح والكسر (نعم روي أبو داود والترمذى) وأحمد والحاكم عن معاذ بن أنس (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والامام يخطب) زعم جماعة منهم السيوطى أن ذلك منسوخ بل نسبه السيوطي الى الجمهور (شداد) بفتح المعجمة وتشديد المهملة وتكريرها (وشريح) باعجام الشين واهمال الحاء مصغر هو القاضي كاتب على (صعصعة) بتكرير المهملتين بوزن علقمة (ابن صوحان) بمهملتين الاولى مضمومة كما مر (ونعيم) بالنون والمهملة مصغر (ابن سلامة) بفتح المهملة واللام الخفيفة (عبادة) بضم المهملة وتخفيف الموحدة (ابن نسىء) بفتح النون وسكون المهملة ثم همزة منونة (وكان) بفتح الهمزة وتشديد النون(2/259)
أهل زمن أو بلد شيئا وهو مستحسن عند غيرهم وقد يكون ما استحسنه الشارع صلى الله عليه وسلم وتكرر منه كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يردف خلفه على الحمار رجلا في المدينة من غير سفر ولا مشقة ويركب الفرس عريا ولو فعل هذا في قطرنا آحاد الناس فضلا عن الاعيان لاستنكر منهم والمستقبح حقيقة هو ما استقبحه الشارع صلى الله عليه وسلم وليس بدعا ان يستنكر منهم الناس ما خالف عاداتهم فقد صح في صحيح مسلم عن طاووس قال قلنا لابن عباس انا لنراه جفاء بالرجل يعني الاقعاء في الجلوس بين السجدتين فقال بل هى سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد فهمت مما تقدم كيف كان الحال وان لا دليل على الكراهة وأما الحديث المذكور في الاحتباء يوم الجمعة فقد سبق تأويل العلماء له وان النهى ليس لنفس الحبوة ولذلك لم يقولوا لانها جلسة تكبر وتجبر بل قالوا لانها جلسة وطيئة قد تجلب النوم فتفوت سماع الخطبة التي يتحتم سماعها على الحاضرين مع ان الحديث في نفسه ليس مما يقطع بصحته ويغلب على صحاح الاحاديث وقد جعله الترمذى في حيز الحسان. وقال بعض من قبح الحبوة وان كان قد ورد في الاحتبى أثر فانما هو دليل الجواز واذا تأملت ما تقدم صدر هذا الفصل وقولهم أكثر جلوسه محتبيا فهمت خلل هذا الكلام وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل الواجب والمندوب والمباح ولا يفعل المحرم ولا المكروه فان فعل شيئا مما كره تنزيها فانما يفعله مرة لبيان الجواز وطريقة الانصاف أن يقال استعمال الجلسات الواردات عنه صلى الله عليه وسلم لا يوصف منها شيء بكراهة الا ما دل عليه دليل ويغلب منها ما كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وأقرب الجلسات الى التواضع جلسة الجائى (كان يردف خلفه على الحمار) كما في قصة أبي هريرة وقوله لا والذي بعثك بالحق لا صار عنك الثالثة (ويركب الفرس عريا) بل والحمار كما أخرجه الحاكم في المستدرك عن أنس (وليس بدعا) أي عجيبا (في صحيح مسلم) وفي صحيح البخارى أيضا (انا لنراه) بضم النون وفتحها (جفاء بالرجل) بفتح الراء وضم الجيم أى الانسان وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم ولم يصوبه الجمهور (يعني الاقعاء) بكسر الهمزة وسكون القاف مع المد وهو نوعان أحدهما أن يلصق اليتيه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كاقعاء الكلب وهذا النوع مكروه ورد فيه النهى في سنن الترمذى عن على وفي سنن ابن ماجه عن أنس وفي مسند أحمد عن سمرة وأبي هريرة والثاني أن يجعل أليتيه على عقبيه وهذا الثاني سنة (في الجلوس بين السجدتين) وان كان الافتراش أفضل لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد نص على هذا الشافعي في البويطي والاملاء (وطيئة) بالهمز على وزن عظيمة (في حيز) بفتح المهملة وكسر(2/260)
على ركبتيه كهيئة التشهد والله أعلم بالصواب* وأما الآداب المذكورة في مجالس الحديث وأكثرها عن مالك وأصحابه فما أحسن استعمالها لكن في بعضها افراط في التغليظ وقد كانت مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم معمورة بالوحى والتنزيل لحضور جبريل وميكائيل ثم ان بها جماع الفوائد والمراشد مبنية على أكمل الآداب وأتم العوائد ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم ربما قام من مجلسه لورود من يتأهل للقيام وربما عرض بعض الجفاة في مجلسه بكلام ينافي آداب المجالسة فلم يعنفه وربما كان في كلام متسق فعرض غيره فقطع كلامه. حتى ورد ان قتلة ابن أبى الحقيق اليهودي انتهوا اليه وهو في خطبة الجمعة فأقبل اليهم يسئلهم ثم عاد الى خطبته* وان الحسن والحسين جاؤا وهو يخطب الناس وعليهما قميصان وهما يعثران ويقومان فنزل صلى الله عليه وسلم وضمهما اليه ثم قال معتذرا عن ذلك أيها الناس صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة لم أملك نفسي حين رأيت هذين الولدين يعثران ويقومان حتى فعلت بهما الذي رأيتم وقد كان أموره صلى الله عليه وسلم كلها مبنية عن القصد والاعتدال لا افراط ولا تفريط وقال خير الأمور أوسطها وبعثت بالحنيفية السمحة وقال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ والمعول على الآداب القلبية وصلاح النية وكل شيء بعدها مغتفر والله ولى التوفيق.
[فصل في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته]
«فصل» في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته قالت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس اليه. وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه واذا أتى قوما سلم عليهم ثلاثا. وقال أبو الدرداء كان رسول الله صلى التحتية المشددة ثم زاي أي جانب (وقولهم) بالنصب (مبنية) بالنصب (بالجفاة) جمع جاف وهو الجلف من سكان البادية (يعثران) بضم المثلثة يسقطان وزنا ومعنى (كلها) بالضم تأكيد لاموره (مبنية) بالنصب خبر كانت (القصد) أى التوسط (بعثت بالحنيفية السمحة) فمن خالف سنتى فليس منى أخرجه الخطيب عن جابر (من حرج) أى ضيق.
(فصل) في صفة نطقه صلى الله عليه وسلم (وعن أنس) كما أخرجه عنه الترمذى والحاكم (واذا أتي قوما سلم عليهم ثلاثا) ولاحمد وأبي داود عن عبد الله بن بشر يقول السلام عليكم السلام عليكم مرتين وهذا ينبهك على أن تكريره انما كان لعدم سماع المسلم عليهم فان كان اذا سمعوا سلامه في أول مرة لم يرد(2/261)
الله عليه وسلم اذا حدث بحديث تبسم في حديثه. وفي حديث ابن أبى هالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلام فصلا لا فضول فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجافي ولا المهين اذا أشار أشار بكفه كلها واذا تعجب قلبها واذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى بطن ابهامه اليسرى. وفيه أيضا كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكير. فاما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره ففي ما يبقى ويفنى* وأما فصاحته صلى الله عليه وسلم فمن تأمل حديثه وسيره وجوامع كلمه وأدعيته وبديهات خطبه ومخاطبته مع وفود العرب على اختلاف لغاتها وجواب كل منهم على نحو أو في المرة الثانية لم يزد عليها (متواصل الاحزان) قال ابن قيم الجوزية هذا الحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف وكيف يكون متواصل الاحزان وقد صانه الله تعالى عن الحزن في الدنيا واشباهها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن أين يأتيه الحزن بل كان دائم البشر ضحوكا انتهي وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسا وقال ابن تيمية ليس المراد بالحزن في حديث أبي هالة الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فان ذلك منهي عنه ولم يكن من حاله وانما المراد الاهتمام والتيقظ لما استقبله من الامور انتهى (قلت) ما ذكره ابن القيم الجوزية مبتعد اذ ليس من لازم كونه مغفورا له مع ما ذكره أن لا يعتريه الحزن صلى الله عليه وسلم الذي هو من سمات البشر فليس في حديث هند هذا أن حزنه كان للذنوب المنزه عنها ولا على الكفار بل حزنه صلى الله عليه وسلم لاجل أمته كما هو في الحديث بل لو قيل أن حزنه صلى الله عليه وسلم كان خوفا من ربه جل وعلا لم يناقض كونه مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد قال والله اني لاخشاكم لله واتقاكم له فاذا حزن وخاف من هو دونه في الحسنة فما ظنك به صلى الله عليه وسلم الحالّ باعلا الدرجات منها ويلزم على ما قاله ابن قيم الجوزية أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يبكى وبكاؤه صلى الله عليه وسلم حتى كان يسمع لجوفه أزيزكأزيز المرجل مشهور في الاحاديث الصحيحة وان كان البكاء ربما كان فرحا الا أن قرينة الحال تقتضى انه كان خوفا أو شوقا له جل وعلا أما اذا كان فلا بد معه من الحزن ولا ينافي هذا ما جاء في حديث الطبراني الذي ذكرته آنفا لان ذلك كان سيرته مع أصحابه بسطا لهم وايناسا وعملا بقوله لا تحقرن من المعروف شيئا الحديث (السكت) بفتح الفوقية وسكون الكاف أى السكوت (دمثا) بفتح المهملة وكسر الميم ثم مثلثة من الدمائة وهي سهولة الخلق (ولا المهين) قال الشمنى بفتح الميم وضمها من الاهانة أى لا يهين أحدا من الناس وبالفتح من المهانة أى الحقارة (اذا أشار أشار بكفه كلها) قال ابن الاثير ما معناه كانت اشارته صلى الله عليه وسلم مختلفة فما كان في ذكر التوحيد والتشهد كان بالمسبحة فقط وما كان في غير ذلك كان بكل الكف فرقا بين الاشارتين (وفيه أيضا) أى في حديث هند بن أبي اهالة (والحذر)(2/262)
لغته ومنزع بلاغته علم ذلك ضرورة وحقيقة معرفة وكذلك كمل الله له ولجميع الانبياء الجوارح البدنية كما أتم لهم المحاسن المعنوية. من ذلك ما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه وبه فسر قوله تعالى «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» . وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يستوي في نظره الضوء والظلمة وأنه كان يرى من الثريا أحد عشر نجما. وكان موسى صلى الله عليه وسلم نبينا وعليه وسلم بعد تجلى الله له يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ. وصارع صلى الله عليه وسلم ركانة وهو أشد أهل وقته فصرعه وصارع أبى ركانة ثلاث مرات كل ذلك يصرعه صلى الله عليه وسلم.
[فصل في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكائه وعلامة رضائه وسخطه]
«فصل» في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكائه وعلامة رضائه وسخطه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضحك وجل ضحكه التبسم. وغايته أن تبدو نواجذه بفتح المهملة والمعجمة (كان يستوى في نظره الضوء والظلمة) أخرجه البيهقى في الدلائل عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي عدى عن عائشة (كان يرى من الثريا الى آخره) ذكره عياض في الشفاء بصيغة حكى (أحد عشر نجما) قال السهيلي الثريا اثنا عشر نجما وكان صلى الله عليه وسلم يراها كلها جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس فقول القرطبى أنها لا تزيد على سبعة فيما يذكرون لا يقدح في هذا لان ذلك بحسب ما يظهر للناس والا فمن أين أخذ حصرها سبعة (وكان موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم بعد تجلي الله له الى آخره) أسنده عياض في الشفاء عن أبي هريرة (عشرة فراسخ) جمع فرسخ قال الجوهرى وهو فارسي معرب ومر قدره في القصر (ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف قال الشمني أسلم يوم الفتح وتوفي بالمدينة سنة أربعين (وصارع أبا ركانة) كلاهما ذكره عياض في الشفاء وصارع أيضا أبا الاسد بن الجهمى ذكره السهيلي ويزيد بن ركانة أو ركانة بن زيد رواه البيهقي هكذا على الشك وأبو داود في مراسيله
(فصل) في صفة ضحكه وبكائه (كان كثير الضحك) وقد ورد النهى عن كثرته والجمع بينهما يؤخذ من حديث أخرجه هناد عن الحسن مرسلا الضحك ضحكان ضحك يحبه الله وضحك يمقته الله فأما الضحك الذي يحبه الله فالرجل يكشر في وجه أخيه حداثة عهد وشوقا الى رؤيته وأما الضحك الذي يمقته الله تعالى عليه فالرجل يتكلم بالكلمة ألحق والباطل ليضحك أو يضحك يهوي بها في جهنم سبعين خريفا (قلت) الحاصل أن النهى عن كثرة الضحك محله اذا كان فيه قهقهة أو صوت فاحش أو استهزاء بمسلم أو يترتب عليه ذم أو استغراق مشعر بشدة الغفلة عن الله عز وجل والامن من مكره أو كان في المسجد فقد ورد في حديث ضعيف أن الضحك فيه ظلمة في القبر أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس وفي بعض هذه يحرم كما لا يخفي وما عدا ذلك من الضحك فتارة يكون سنة وهي ما اذا ترتب عليه إيناس صاحب ونحوه أو تطييب لقلبه كان حدث بحديث مباح يقتضى التعجب فينبغى استدعاء الضحك تطييبا له وتارة يكون مباحا وهو ما ليس في حيز الاول ولا في حيز الثاني وهذا كله محله اذا استدعاه أما اذا غلبه الضحك فلا محذور اذ الله عز وجل أضحك وأبكى و (جل) ضحكه بضم الجيم أي معظمه(2/263)
قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته انما كان يتبسم وسبق من حديث ابن أبى هالة أنه كان يفتر على مثل سنا البرق أو مثل حب الغمام وهو البرد وكان يرى كالنور يخرج من بين ثناياه* وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فثبت عن عبد الله بن الشخير قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولجوفه أزيزكأزيز المرجل من البكاء وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علىّ فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال انى أحب ان أسمعه من غيرى فقرأت سورة النساء حتى بلغت «وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» قال حسبك الآن فالتفت فرأيت عينيه تهملان صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الاستسقاء صلى الله عليه وسلم سجد فجعل ينفخ ويبكى ويقول رب ألم تعدنني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ألم تعدنني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك وثبت انه صلى الله عليه وسلم بكى عند ما رفع اليه ابنه ابراهيم وهو يجود بنفسه وعند موت ابن بنته وعند تقبيله لعثمان بن مظعون وهو ميت وعند نعي الصحابة أهل غزوة مؤتة وكله من غير صوت. وروي انه لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله فلما رأته ابنته أجهشت في وجهه فانتحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال هذا شوق الحبيب الى حبيبه* وأما علامة رضاه صلى الله عليه وسلم فكان اذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر وتبرق أسارير وجهه سرورا* وأما علامة سخطه ففي حديث وصف ابن أبى هالة انه صلى الله عليه وسلم كان بين حاجبيه عرق يدره الغضب وانه كان اذا غضب أعرض وأشاح بوجهه واذا فرح غض طرفه. وانه كان (مستجمعا) أى مستغرقا في الضحك (لهواته) جمع لهاة بفتح اللام وتخفيف الهاء وهي اللحمة المعلقة في أقصى الحنك (ابن الشخير) بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين صحابي نزل البصرة (ازيز) بتكرير الزاي على وزن عظيم أى صوت من البكاء وقيل هو أن يحبس صوته فيغلى البكاء كغليان (المرجل) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم هو القدر (وعن عبد الله بن مسعود) أخرجه عنه البخاري وغيره (أقرأ عليك) بمد الهمزة للاستفهام وهو استفهام تعجب (اني أحب أن أسمعه من غيري) أى لقوة المستمع على التدبر أكثر من القاريء ونفسه أحلى وأبسط للتدبر من القاريء لاشتغاله بالقراءة وأحكامها قاله ابن بطال (فانتحب) بالمهملة أى سمع له صوت (وكان اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) أخرجه الشيخان عن كعب بن مالك في حديث الثلاثة (وتبرق أسارير وجهه) كما في حديث عائشة يوم دخل عليها بعد أن سمع المدلجى وهو يقول في زيد وابنه أسامة لا إله الا الله ان هذه الاقدام بعضها من بعض والاسارير بالمهملة خطوط الوجه (وأشاح) باعجام(2/264)
تتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه. وفي غيره انه كان صلى الله عليه وسلم اذا غضب احمر وجهه حتى كأنه الصرف وربما خسف لونه واسود ويكثر عند غضبه من مس لحيته. وعن علىّ كرم الله وجهه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال واذا رأى ما يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[فصل في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم وما كان يلبسه]
(فصل) في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم. الازار والقميص والرداء والعمامة والخاتم والنعل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة ثم يسميه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد كما كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان اذا ائتزر يضع صنفة أزاره على فخذه اليسرى وكان ازاره الى نصف ساقه. قال حذيفة بن اليمان أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقى او ساقه فقال هذا موضع الازار فان أبيت فاسفل فان أبيت فلا حق للازار في الكعبين.
الشين واهمال الحاء والمشح من شحي وجهه عن الشيء قاله الخليل بن أحمد وقال الاكثرون المشح الحذر الجاد في الامر وقيل المقبل وقيل الهارب وقيل المقبل اليك المانع لما وراء ظهره واما هنا فالمراد به الاول الذى قاله الخليل بقرينة قوله أعرض (لا يشتهي) مبنى للفاعل (ولا يؤيس) بضم أوله وسكون الهمزة وكسر التحتية أي لا يبعد بعدا كليا بحيث ييأس منه من تكلم بالكلمة التى لا يشتهيها ولا يمكنه مراجعته بل يبقى قريبا منه (كانه الصرف) بكسر المهملة وسكون الراء ثم فاء صبغ أحمر يصبغ به الجلود ويسمى الدم أيضا صرفا (فخسف) أي تغير (ويكثر من مس لحيته) كعادة المتفكر وللشيرازى من حديث أبي هريرة كان اذا اغتم أخذ لحيته ينظر فيها وكان اذا غضب احمرت وجنتاه كما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود وعن أم سلمة وكان اذا غضب وهو قائم جلس واذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه كما أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن أبي هريرة وكان اذا غضب لم يجترئ عليه أحد الا علىّ كما أخرجه أبو نعيم في الحلية والحاكم عن أم سلمة (وعن على) وعائشة كما أخرجه ابن ماجه (على كل حال) أي وان كان حالا مكروها (الذي بنعمته تتم الصالحات) أى وما رأيت الآن من جملة نعمه فهذا وجه المناسبة للفرق بين الحمد على ما يكرهه والحمد على ما يسره.
(فصل) في صفة لباسه (القميص) بالنصب وكذا ما بعده (كان اذا استجد ثوبا الى آخره) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري وقال الترمذي حديث حسن وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم الا (يوم الجمعة) فمن رواية الخطيب عن أنس (كما كسوتنيه) لفظهم أنت كسوتنيه (صنفة) بفتح المهملة وكسر النون (بعضلة) بفتح المهملة والمعجمة وهي في الاصل كل لحمه مكتنزة (أو ساقه)(2/265)
وكان قميصه فوق الكعبين مطلق الازرار وكمه الى الرسغ وكان يتقنع بردائه وربما خالف بين طرفيه على عاتقه الايسر وكان اذا اعتم يدير كور العمامة على رأسه ويعرشها من ورائه ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه. وكان يتختم في يمينه ويقول اليمنى أحق بالزينة من الشمال وكان يجعل فص الخاتم في باطن كفه وربما تختم في شماله. وكان يبدأ في لبس نعليه وخفيه باليمين وفي الخلع باليسار ونهى عن المشى في نعل واحدة أو خف واحدة وان ينتعل الرجل قائما.
[فصل وأمر صلى الله عليه وسلم باحفاء الشارب وأعفاء اللحا]
«فصل» وأمر صلى الله عليه وسلم باحفاء الشارب وأعفاء اللحا فكان يجز شاربه ويقلم شك من الراوي (وكان قميصه فوق الكعبين) وكان كمه مع الاصابع أخرجه الحاكم عن ابن عباس (وكمه الى الرسغ) أخرجه أبو داود والترمذي عن أسماء بنت يزيد (وربما خالف بين طرفيه) وهو الاضطباع (كان يدير كور العمامة على رأسه الي آخره) أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر وكور العمامة بضم الكاف وسكون الواو ثم راء (ذؤابة) بضم المعجمة وفتح الهمزة المخففة أى عذبة قال السيوطى وأقل ما ورد في قدرها أربع أصابع وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبر (كان يتختم في يمينه) قد سبق الكلام على ذلك في ذكر ملبوساته (نهي عن المشى في نعل واحدة) لما فيه من المثلة وخرم المرؤة (وأن ينتعل الرجل قائما) لانه يخاف عليه السقوط لانقلاب النعل ونحو ذلك.
(فصل) في ذكر بعض خصال الفطرة (وأمر باحفاء الشوارب الي آخره) فقال احفوا الشوارب واعفوا للحاء أخرجه مسلم والترمذي والنسائى عن ابن عمر وأخرجه ابن أبي عدى عن أبى هريرة وأخرجه الطحاوي عن أنس وزاد ولا تشبهوا باليهود وأخرجه ابن أبى عدي والبيهقي في الشعب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد وانتفوا الشعر الذي في الاناف واحفاء الشوارب بكسر الهمزة وسكون المهملة ثم فاء هو استئصال أخذ شعرها يقال أحفا وحفا شاربه اذا استأصل أخذ شعره رباعى وثلاثي والفعل على الاولى بقطع الهمزة وعلى الثاني بوصلها وليس المراد هنا استئصال الشارب من أصله بل المراد إحفاء ما طال على الشفتين قال النووى المختار أنه يقص جانبيه وطرف الشفة انتهى وأخذ المزني بظاهر الحديث فكان يستأصل شاربه (وإعفاء اللحا) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الفاء ثم مد وهو ثلاثى ورباعي كالاعفاء يقال منه أعفيته وعفوته والمراد به توفير اللحية خلاف عادة الفرس من قصها ولمسلم في رواية وأوفوا اللحا وهو بمعنى اعفوا وفي اخري وارخوا بالمعجمة من الارخاء ولابن ماهان بالجيم بمعناه أيضا من الارجاء وهو التأخير وأصله ارجئوا بالهمز فحذف تخفيفا وحاصل الحديث النهى عن توفير الشوارب وقص اللحا لان فيه تشبها باليهود نعم لا بأس بقصن ما زاد من اللحية على قبضة فقد كان ابن عمر يفعله وأخرج الترمذي عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها وهو محمول على ذلك (كان يجز شاربه الى آخره) أخرجه البيهقى في الشعب عن أبى هريرة الا ذكر حلق العانة(2/266)
أظفاره ويحلق عانته ويتحرى لذلك يوم الجمعة ووقّت لهم في ذلك ان لا يتركوا أكثر من أربعين يوما فكان اذا احتجم أو أخذ من شعره أو من ظفره بعث به الى البقيع فدفنه.
[فصل ولم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الا لحج أو عمرة]
«فصل» ولم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الا لحج أو عمرة ووفر في سائر أحواله فالحلق وان كان مباحا على الجملة فالتوفير أفضل منه ولم يكن عادتهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الحلق الا للأطفال وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج انه قال سيماهم التحليق وقد صار الغالب على القضاة والفقهاء والاعيان في هذه الاعصار في كثير من الامصار الحلق وهو خارج عن نمط التسنن وأما ما اعتاد الناس أخذه من جانب الوجه وهو الذي يسمى التحذيف ومنهم من يديره على الرأس كله فهو عادة سيئة وبدعة قبيحة ان لم يكن حراما كان مكروها فقد صحح العلماء ان موضع التحذيف من الرأس وصح ان النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وانه رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فقال احلقوه كله أو اتركوه كله وقد قال النووي في رياض الصالحين والجز بالجيم والزاى القص وكذا التقليم (ووقت لهم في ذلك أن لا يتركوا أكثر من أربعين يوما) أخرجه مسلم بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي أن لا يترك تركا يتجاوز به أربعين ليلة لا انه وقت لهم الترك أربعين.
(فصل) في بيان انه صلى الله عليه وسلم كان عادته توفير الشعر (ووفر) بتشديد الفاء أي ترك الشعر وافرا (فالتوفير أفضل منه) أي من الحلق ومحل ذلك اذا علم انه يقوم باكرام الشعر بالدهن والطيب وغيرهما والا كان الحلق أفضل (عادتهم) بالرفع اسم كان (الحلق) بالنصب خيرها ويجوز عكسه (وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم) في صحيح مسلم وغيره (في وصف الخوارج انه قال سيماهم) أي علامتهم (التحليق) ولفظ مسلم التحالق أى حلق الرؤس قال النووي استدل به بعض الناس على كراهة حلق الراس ولا دلالة فيه لانه ذكر علامة والعلامة قد تكون بمباح (الغالب) بالرفع اسم صار (الحلق) بالنصب خبرها ويجوز عكسه (عن نمط) أى نوع (التسنن) أي الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم (التحذيف) باهمال الحاء واعجام الذال أي اشتقاقه من الحذف وهو الازالة (سيئة) بالتحتية فالهمز (فقد صحح العلماء) أي جمهورهم والا فقد صحح الرافعى في المحرر انه من الوجه (نهي عن القزع) كما أخرجه الشيخان وأبو داود عن ابن عمر زاد أبو داود وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة وهو بفتح القاف والزاى ثم مهملة وعلة النهى ما فيه من تشويه الخلقة أو لانه زى أهل الشر والشطارة أوزي اليهود وقد قال هذا في رواية لابي داود (احلقوه كله أو تركوه كله) أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر(2/267)
باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض ففسره بذلك وأما ما أفتى به الشيخ برهان الدين العلوي بأنه لا بأس به للمتزوج وكأنه أدخله في باب تحسن الرجل لزوجته وجوزه لهذا المعنى فلا يتابع على ذلك ولا دليل له فان النساء هن اللاتي محل التحسن والتطرية للحسن وأبيح لهن في ذلك ما لا يباح للرجال وقد نهين عن الزيادة في شعورهن أو أخذ شيء منها لاجتلاب الحسن. وصح في الصحاح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الواصلة والمستوصلة وانه لعن الواشمات والمستوشمات والناصمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فاذا تقرر عندك ذلك فهمت ان الاجزاء الخلقية لا يقدم على تغيير شيء منها بمثل هذا الخيال الفاسد مع انه قد قام الدليل على المنع من حلق البعض وترك البعض وقد قال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ونهى عن نتف الشيب (وهو حلق بعض الرأس دون بعض) ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الاول وهو تفسير نافع مولى ابن عمر راوى الحديث قال النووي وهو غير مخالف للظاهر موجب العمل به (والتطرية) بفتح الفوقية وسكون المهملة وكسر الراء ثم تحتية مخففة هى التحسين (وصح في) الاحاديث (الصحاح) في مسند أحمد والصحيحين وسنن أبي داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر (لعن الله) أي أبعد عن رحمته ابعادا ليس بكلى (الواصلة) هي التى تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) هى التى تطلب من يفعل بها ذلك وفي الحديث تحريم وصل شعر المرأة مطلقا ومحله في الحلية أو من وصلت بشعر آدمى ولو روجها أو شعر نجس أو كان بغير اذن حليلها (وانه لعن الواشمات الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود والواشمة بالمعجمة هي التى تفعل الوشم وهو غرز نحو ابرة في بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بكحل أو نورة فيخضر (والمستوشمة) هى التي تطلب فعل ذلك بها والوشم حرام على كل من الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة لذلك قال أصحابنا ويصير هذا الموضع نجسا فيجب ازالته على تفصيل مشهور (والنامصات) بالنون والمهملة التي تزيل الشعر من الوجه (والمتنمصات) بتقديم الفوقية على النون على المشهور ورواه بعضهم بالعكس وهي التى تطلب فعل ذلك بها قال النووي وهذا الفعل حرام الا اذا ثبت للمرأة لحية أو شارب فلا يحرم ازالتها بل يستحب عندنا وقال ابن جرير يحرم مطلقا حتى في اللحية ونحوها وعندنا ان النهى خاص بالحواجب وما في أطراف الوجه (والمتفلجات) بالفاء والجيم هي التى تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ويسمى ذلك وشرا بالمعجمة والراء ومنه لعن الواشرة والمستوشرة (للحسن) خرج بذلك ما اذا فعلته لحاجة كعلاج أو عيب في السن فلا بأس به (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم عن عائشة ومعنى قوله فهو رد أي مردود على فاعله غير مقبول منه وهو مصدر وموضع المفعول على حد الدرهم ضرب فلان (ونهى عن نتف الشيب)(2/268)
وتغييره بالسواد تطرية للحسن وايهاما للشباب وأمر بتغييره بالصفرة والحمرة فانهما وان غيرا لونه فقد أفهما ان ثم شيبا.
[فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه]
«فصل» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو عض بها صوته وحمد وقال اذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فان الشيطان يدخل وقال ان الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فاذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى أخرجه الترمذي والنسائى عن ابن عمر وعلة النهى ما أخرجه البيهقى في الشعب عن ابن عمر والشيب نور المؤمن لا يشيب رجل شيبة في الاسلام الا كان له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة ولابن عساكر من حديث أنس الشيب نور من خلع الشيب فقد خلع نور الاسلام (و) نهى أيضا عن (تغييره بالسواد) وقال من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة أخرجه الطبراني في الكبير عن أبى الدرداء والخضاب بالسواد حرام على الصحيح الا للمجاهدين (وأمر بتغييره بالصفرة والحمرة) أخرج الشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة ان اليهود والنصاري لا يصبغون فخالفوهم واخرج ابن أبي عدي عن ابن عباس بسند ضعيف اخضبوا لحاكم فان الملائكة تستبشر بخضاب المؤمن واخرج ابن عساكر عن واثلة عليكم بالحناء فانه ينور رؤسكم ويطهر قلوبكم ويزيد في الجماع وهو شاهد في القبر قال عياض اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل ورووا فيه حديثا مرفوعا في النهي عن تغيير الشيب وروى هذا عن عمر وعلى وأبي وآخرين وقال آخرون الخضاب أفضل وخضب جماعة من الصحابة وقال الطبرى الاحاديث بالخضاب والنهى عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض ولا ناسخ ولا منسوخ بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبى قحافة والد أبى بكر والنهي لمن شمط فقط قال واختلاف فعل السلف في الامرين بحسب اختلاف أحوالهم ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض انتهي كلام الطبرى وقال غيره هو على حالين فمن كان في موضع عادة أهله الصبغ أو الترك فخروجه عن العادة شهرة مكروه والثاني انه يختلف باختلاف نظافة الشيب فمن كان شيبه نقيا حسنا فترك الخضب في حقه أولي ومن كان مستبشعا فالصبغ أولى انتهى وقال النووي الاصح الا وفق للسنة وهو مذهبنا استحباب حضاب الشيب للرجل والمرأة بحمرة أو صفرة.
(فصل) في كيفية عطاسه (وكان اذا عطس الى آخره) أخرجه أبو داود والحاكم والنسائى عن أبي هريرة وأخرج الحاكم والبيهقى عنه اذا عطس أحدكم فليضع يده على وجهه وليخفض صوته و (اذا تثاءب أحدكم الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي سعيد (فان الشيطان يدخل) هو على ضرب المثل لكون التثاؤب مبنى على الكسل والتثاقل عن الطاعات وذلك من تثبيط الشيطان وهو معنى قوله والتثاؤب من الشيطان (وحمد الله) ولو بنحو الحمد لله ويندب زيادة رب العالمين قالت الملائكة(2/269)
كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله وأما التثاؤب فانما هو من الشيطان فاذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فان أحدكم اذا تثاءب ضحك منه الشيطان رواه البخارى وفي رواية فيه فليقل يعني العاطس لمن شمته يهديكم الله ويصلح بالكم.
[وكان صلى الله عليه وسلّم يتوكأ على العصا وقال التوكؤ عليها من أخلاق الأنبياء]
وكان صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العصا وقال التوكؤ عليها من أخلاق الانبياء وربما اتكأ على غيره لضرورة ولا ينفك من عصا يحملها معه فربما حمل عسيبا او عرجونا او عنزة او محجنا. وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة رحمك الله وللبخاري في الادب عن على موقوفا عليه من قال عند كل عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال كان لم يجد وجع الضرس ولا الاذن أبدا قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح البارى هذا موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأى فله حكم المرفوع (كان حقا) أي مستحبا متأكدا (التثاؤب من الشيطان) أي من وسوسته وكيده ومكره ليثبط عن الطاعات ويكسل عنها (رواه البخارى) وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ولمسلم فان أحدكم اذا قال هاضحك منه الشيطان وللترمذى وابن سنى عن أبي هريرة واذا قال آه آه فان الشيطان يضحك من جوفه وللترمذى عن دينار العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان (لمن شمته) باعجام الشين واهمالها فعلى الاول أصله الدعاء بحفظ الشوامت وهي التى بها قوام الشيء وذلك لان العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق فاذا قيل له يرحمك الله كان معناه يعطيك رحمة يرجع بها كل عضو الى حاله قبل العطاس وعلى الثانى أصله الدعاء بان يرجع كل عضو الى سمته الذى كان عليه (يهديكم الله ويصلح بالكم) أو يرحمنا الله واياكم أو يغفر الله لنا ولكم كما كان يقوله ابن عمر أخرجه مالك عن نافع عنه (أو عنزة) بالمهملة فالنون فالزاي مفتوحات وهى عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربة القصيرة (كان يحب الفأل) كما في الصحيحين والمستدرك عن عائشة وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة والفأل بالهمز ويجوز تركه وجمعه فؤول كفلس وفلوس ويقال منه تفال بالمد مع التخفيف ويقال بالتشديد قال النووي والتشديد الاصل والاول مخفف منه مقلوب عنه قال وقال العلماء يكون الفأل فيما يسر وفيما يسؤ والغالب في السرور فقد قال صلى الله عليه وسلم حين قالوا ما الفأل قال الكلمة الطيبة الصالحة يسمعها أحدكم وانما أحبه لما فيه من تأميل الفوائد من الله عز وجل وفضله فهو على خير في الحال وان غلط في جهة الرجاء فالرجاء له خير فقد جاء في الحديث انتظار الفرج بالصبر عبادة أخرجه ابن أبي عدي والخطيب عن أنس وأخرجه القضاعى عن ابن عمر وعن ابن عباس وأخرجه ابن عساكر عن على قال النووى ومن أمثله التفاؤل ان يكون له مريض فيسمع من يقول يا سالم أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول يا واجد (ويكره الطيرة) بالمهملة فالتحتية بوزن الغيبة على الصحيح المشهور. وحكى عياض عن ابن الاثير سكون الياء وهو مصدر يطير طيرة ولم يجيء له نظير الاتخير خيرة والطيرة التشاؤم وأصله كل مكروه وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء(2/270)
ويقول ما منا الا من يجد في نفسه ولكن الله يذهبه بالتوكل وكان اذا جاءه ما يحب قال الحمد لله رب العالمين واذا جاءه ما يكره قال الحمد لله على كل حال. وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل بالشعر ويستنشده من غيره ويستزيده.
[وكان إذا أهمه أمر رفع رأسه الى السماء]
وكان اذا أهمه أمر رفع رأسه الى السماء فقال سبحان الله العظيم واذا اجتهد في الدعاء قال يا حى يا قيوم واذا استصعب عليه أمر. قال اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلا وانت تجعل الحزن اذا شئت سهلا. وقال ما يمنع احدكم اذا عسر عليه امر معيشته ان يقول اذا خرج من بيته بسم الله على نفسي ومالى وديني اللهم رضني بقضائك وبارك لى فيما قدرت لى حتى لا احب تعجيل ما اخرت ولا تأخير والطيور فان أخذت ذات اليمين تبركوا به او ذات الشمال تشاءموا وتركوا ما أرادوه من نحو سفر فنفي الشارع ذلك وابطله ونهى عنه وأخبر انه ليس بشيء بل جاء في الحديث الطيرة شرك أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود قال النووى أى اعتقاد انها تنفع وتضر اذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك انتهي قال العلماء ولا تكون الطيرة الا فيما يسوء وقد يستعمل مجازا في السرور وانما كرهت لما فيها من سوء الظن وتوقع البلاء ففيها قطع الرجاء والامل من الله تعالي (الا من يجد في نفسه) قال ذلك على سبيل هضم النفس والتواضع والا فمن حل بادني محل من التوكل لا يجد فكيف بمن حل ذروته وفي قوله (ولكن الله يذهبه بالتوكل) أي لان من قام في مقام التوكل والتفويض لمولاه لا يلتفت لشيء سواه (كان يتمثل بالشعر) كقوله* ويأتيك بالاخبار من لم تزود* أخرجه الطبراني عن ابن عباس وأخرجه الترمذي عن عائشة ولابن سعد في الطبقات عن الحسن مرسلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بهذا البيت* كفا بالاسلام والشيب للمرء ناهيا* (ويستنشده من غيره) كقوله لعامر بن الاكوع في طريق خيبر اسمعنا من هنياتك أخرجه الشيخان وغيرهما عن سلمة (ويستزيده) أخرج مسلم عن عمرو بن الشريد قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال هيه فانشدته بيتا فقال هيه حتى انشدته مائة بيت قال أن كان ليسلم (كان اذا دهمه أمر رفع رأسه الى السماء) لما قيل انها قبلة الدعاء (فقال سبحان الله العظيم) وللحاكم من حديث ابن مسعود يا حي يا قيوم برحمتك استغيث وأخرجه الترمذي من حديث أنس وأخرجه النسائي من حديث ربيعة بن عامر (واذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم) أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك عن على قال الحاكم صحيح الاسناد ليس في اسناده مذكور يخرج (واذا استصعب عليه أمر الى آخره) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أنس (الحزن) بفتح المهملة وسكون الزاي نقيض السهل (لا أحب)(2/271)
ما عجلت. وكان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين اعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه ويقول لهما ان اباكما يعني ابراهيم كان يعوذ بهما اسماعيل واسحاق صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين. وكان صلى الله عليه وسلم اذا خاف ان يصيب شيئا بعينه قال اللهم بارك فيه ولا تضره وقال ما انعم الله على عبد نعمة في اهل ومال وولد فقال ما شاء الله لا قوة الا بالله فيرى فيها آفة دون الموت. وقال اذا رأى احدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فان العين حق بالنصب والضم (يعوذ) بضم أوله وفتح المهملة وكسر الواو المشددة وبفتح أوله وضم العين وتخفيف الواو (اعيذ كما بكلمات الله) فيه دليل على ان القرآن وجميع كلمات الله ليست مخلوقة والا لما عوذهما بمخلوق كما استدل به أحمد وغيره والمراد بكلمات الله كلامه مطلقا وقيل أقضيته وقيل مواعيده (التامة) هي الكاملة أو النافعة أو الشافية أو المباركة أو الماضية التى تمضى وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب أقوال (وهامة) بالتشديد وجمعها هوام وهي ذوات السموم (عين لامه) أى داء وآفة قلم بالانسان من جنون ونحوه قال أبو عبيد هي من الممت الماما يعنى انها تأتي وقتا بعد وقت قاله ابن الانباري قال والاصل ملمة وانما قال لامه لمواجهة هامه (وقال ما أنعم الله على عبد الى آخره) أخرجه أبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس (دون الموت) يحتمل أن يكون دون بمعنى الا ويحتمل انها بمعني فعل (اذا رأى أحدكم ما يعجبه الى آخره) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عامر بن ربيعة (العين حق) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أبى هريرة زاد أحمد والطبراني والحاكم من حديث ابن عباس تستنزل الحالق وزاد أحمد ومسلم عنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين واذا استغسلتم فاغسلوا وزاد الكجي في سننه عن أبى هريرة يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ولابن أبي عدي وأبي نعيم في الحلية عن جابر العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وأخرجه ابن أبي عدي أيضا عن أبى ذر قال المازري أخذ جماهير العلماء بظاهر هذا الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة والدليل على فساد قولهم ان كل معني ليس مخالفا في نفسه ولا يؤدي الي قلب حقيقة ولا افساد دليل فانه من مجوزات العقول فاذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه قال ومذهب أهل السنة ان العين تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر وقوله واذا اغتسلتم فاغسلوا قال المازرى كيفيته عند العلماء ان يؤتي بقدح ماء ولا يوضع في الارض فيأخذ العائن منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الايسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم يغسل قدمه اليمني ثم اليسرى ثم ركبته اليمني ثم اليسري على الصفة المتقدمة وكل ذلك في القدح ثم داخل ازاره وهو المتدلى الذي يلى الايمن واذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه وهذا المعني لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلا يدفع هذا بان لا يعقل معناه قال وهو أمر وجوب يجبر(2/272)
وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبياز حين يولدون فيحنكهم بريقه مع التمر ويدعو لهم ويسميهم وأمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق قال العلماء السنة لمن أراد العق أن يؤخر التسمية ولغيره تقديمها جمعا بين الأحاديث وذكر انه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة.
[فصل في مزاحه صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في مزاحه صلى الله عليه وسلم قال العلماء المزاح فيه مباح ومذموم والمذموم ما دوّم عليه وكان فيه افراط في الضحك وان كثرته تقسي القلب وتورث الغفلة وتسقط المهابة والوقار واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه وأما المباح فهو ما كان على النذور لتطييب نفس وايناس ويلحق بالطاعات عليه العائن على الصحيح قال ولا يبعد الخلاف فيه اذا خشى على المعين الهلاك وكان وصف العائن مما جرت العادة بالبر منه أو كان الشرع اخبر به خبرا عاما ولم يمكن زوال الهلاك الابه فانه يصير من باب من تعين عليه احياء نفس مشرفة على الهلاك وقد تقرر انه يجبر على بذل الطعام للمضطر فهذا أولى (فائدة) نقل عياض عن بعض العلماء انه اذا عرف أحد بالاصابة بالعين يجتنب ويحترز منه وينبغي للامام منعه من مداخلة الناس ويأمره بلزوم بيته فان كان فقيرا رزقه ما يكفيه ويكف اذاء عن الناس فضرره أشد من ضرر اكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد لئلا يؤذى المسلمين ومن ضرر المجذوم الذى منعه عمر والخلفاء بعده الاختلاط بالناس (وكان يؤتي بالصبيان حين يولدون فيحنكهم) كما في قصة ابى طلحة ومجيء انس به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين وغيرهما (وأمر بتسمية المولود الى آخره) اخرجه الترمذى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (قال العلماء السنة لمن أراد العق ان يؤخر التسمية) الى السابع (ولغيره تقديمها) يوم الولادة (جمعا بين الاحاديث) التي فيها أن التسمية تكون يوم الولادة لحديث انس في الصحيحين ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة حين ولد الى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه انه صلى الله عليه وسلم حنكه بتمر وسماه عبد الله والتى فيها أن التسمية يوم السابع كحديث الترمذي المار آنفا وأول من جمع بهذا البخاري رحمه الله قال الحافظ ابن حجر انه لطيف لم أره لغيره (عق عن نفسه بعد النبوة) اخرجه البيهقى وهو حديث باطل قاله النووي في المجموع (فصل) في مزاحه (المهابة) (والوقار) مترادفان (لا تمار أخاك ولا تمازحه الى آخره) أخرجه الترمذي عن ابن عباس واخرج ابو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن معاذ اذا احببت احدا فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه أحدا فعسى ان توافي له عدوا فيخبرك بما ليس فيه فيفرق ما بينك وبينه (فتخلفه بالنصب(2/273)
ومكارم الأخلاق بحسب المقاصد وكذلك كان مزاحه صلى الله عليه وسلم. وروينا في كتاب الترمذي عن أبى هريرة قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انك تداعبنا قال انى لا أقول الا حقا فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأخى أنس وكان له نغير يلعب به فمات فحزن عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير وكان يقول لأنس يا ذا الأذنين. وأتاه رجل يستحمله فقال انى حاملك على ولد الناقة فقال يا رسول الله وما أصنع يولد الناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل الا النوق وجاءته امرأة فقالت يا رسول الله ان زوجى مريض وهو يدعوك فقال لعل زوجك الذي في عينيه بياض فأخبرت زوجها فقال ويحك وهل أحد الا وفي عينيه بياض. وجاءته امرأة أخرى فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أم فلان لا يدخل الجنة عجوز فولت المرأة وهي تبكي فقال صلى الله عليه وسلم اخبروها انها لا تدخل الجنة وهى عجوز ان الله تعالى يقول إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً قالت عائشة سابقته صلى الله عليه وسلم أولا فسبقته فلما كثر لحمى سابقته فسبقنى فضرب كتفي وقال هذه بتلك. وكان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حزام وكان قصيرا جدا وكان يهدى للنبى صلى الله عليه وسلم من طرف البادية فيجهزه بمثلها من الحاضرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان زاهرا باديتنا ونحن حاضروه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويداعبه فجاء يوما وهو يبتع متاعا له في السوق فاحتضنه من خلفه ووضع يده على عينيه فلما عرف انه النبى صلى الله عليه وسلم على جواب النهى (وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة) وفي معجم الطبرانى الكبير عن ابن عمر وفي ادب البخاري عن انس (تداعبنا) تمازحنا وزنا ومعنى (لاخي انس) من امه وهو ابن ابي طلحة الذى مات وهو غائب (نغير) بضم النون وفتح المعجمة نوع من أنواع العصافير (يا أبا عمير) قال النووى فيه جواز تكنية من لم يولد له وجواز تكنية الصغير وعمير مصغر (النغير) بضم النون وفتح المعجمة وسكون التحتية (وما اصنع بولد الناقة) معناه انه ظن ان سيحمله على الجواز الصغير الذى لا يطيق الحمل (الابل) بالنصب مفعول (الا النوق) بالضم فاعل (فاخبرت زوجها) ظنا منها انه أراد بياضا في سواد عينه (لا يدخل الجنة عجوز) متصفة بالعجز حال دخولها (وهي تبكي) تظن من اتصفت به في الدنيا (عربا) متحببات الى ازواجهن (اترابا) متساويين في السن (قالت عائشة) اخرجه عنها احمد وابو داود (زاهر) بالزاى أوله والراء آخره قال ابن عبد البر اشجعي شهد بدرا (ابن حزام) بكسر الحاء وبالزاي وقيل بفتحها وبالراء (من طرف) بضم المهملة وفتح الراء جمع طرفة وهي الهدية التي لم يعط مثلها يقال(2/274)
جعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري مني العبد فقال الرجل يا رسول الله اذا تجدنى كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكنك عند ربك لست بكاسد. ووجد الحسن بن علىّ مع الصبيان فطلبه وجعل الحسن يفر ها هنا وها هنا وهو يضاحكه حتى أخذه فجعل أحدى يديه تحت ذقنه والاخرى فوق رأسه. وكان ربما دخل على عائشة والجواري عندها فينقمعن منه فيسر بهن اليها وقال لها يوما وهي تلعب بلعبها ما هذا يا عائشة قالت حيل سليمان بن داود فضحك وطلب الباب فابتدرته واعتنقته وكان ربما أدلع لسانه للحسن بن على فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش اليه وأكل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه تمرا فجاء صهيب وقد غطى على عينيه وهو أرمد فسلم وأهوى الى التمر يأكل فقال صلى الله عليه وسلم تأكل الحلو وأنت أرمد فقال يا رسول الله صلى الله عليك انى آكل بشق عيني الصحيحة فضحك صلى الله عليه وسلم. وكان أصحاب رسول الله يتمازحون بالقول والفعل فربما تراموا بالبطيخ وتحاملوا الحجر لاختبار قوتهم.
اطرف فلان فلانا اذا اهدى له كذلك ويقال اطرافنا من كلامك أي اسمعنا ما لم نسمع به (لا يألو) لا يقصر (اذا تجدنى) بالنصب (كاسدا) أي بائرا وزنا ومعنى (فينقمعن) بالنون والقاف أي تجنبن حياء وهيبة (فيسر بهن اليها) بفتح المهملة وتشديد الراء أي يرسلهن نحوها (بلعبها) بضم اللام وفتح المهملة واللعب هى المسماة بالبنات (واعتنقته) زاد المحب الطبري في الخلاصة فقال مالك يا حميراء فقالت بابى أنت وامي أدع الله ان يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر قالت فرفع يديه حتى رأيت بياض أبطيه وقال اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا ولا تكسب بعدها اثما وقال فرحت عائشة فقالت «1» والذي بعثك بالحق فقال أما والذي بعثني بالحق ما خصصتك بها من بين أمتى وانها كصلاتي لامتى في الليل والنهار فيمن مضى منهم ومن بقي ومن هو آت الى يوم القيامة وانما ادعو لهم والملائكة يؤمنون على دعائى (ادلع) بالمهملتين (فيهش) بفتح الهاء (وأكل هو واصحابه تمرا) زاد المصنف في الرياض وهم بقباء (صهيب) بالمهملة والموحدة مصغر هو ابن سنان بن مالك النمري نسبة الى النمر بن قاسط فخذ من ربيعة بن نزار قال ابن عبد البر كان والد صهيب وعمه عاملين لكسري وكانت منازلهم على دجلة عند الموصل وقيل كانوا بناحية الجزيرة واغارت عليهم الروم فاخذوا صهيبا وهو صغير فنشأ فيهم ونسب اليهم فابتاعه قوم من كلب منهم فباعوه من عبد الله بن جدعان فاعتقه وولد صهيب يزعمون انه لما كبر في الروم وعقل عقله هرب منهم ثم قدم مكة وحالف ابن جدعان (الحلو) بضم المهملة وكسرها وسكون اللام (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في الرياض حتى بدت نواجذه
__________
(1) . كذا بالاصل وفيه نقص فليحرر(2/275)
(فصل) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بملاعبة الزوجة والولد وتأديب الفرس وتعلم الرمى والسباحة وحث على ذلك ورخص في اللعب بالدف للعرس والعيد وقرر الجواري على اللعب بالأرجوحة والتلعب بالبنات لعلة التدريب وقرر الحبشة أيضا على لعبهم بالحراب والدرق في المسجد وقام طويلا ليستر عائشة وهى تنظر اليهم فلما ملت قالت حسبي قال فاذهبي اذا والله أعلم.
[الباب الثانى في الأخلاق المعنويات]
(الباب الثانى في الاخلاق المعنويات) التي حمدت شرعا وعقلا وشرف المتخلق بها أو بالوا حد منها عرفا وعادة كالعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها وهي التى جماعها حسن الخلق الذى عظمه الله من نبيه وأصلها العقل الذى يحمل صاحبه على اقتناء الفضائل وتجنب الرذائل وبه ظهر شرف الحيوان الانسانى على سائر الحيوانات وبتفاوته «فصل» في ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بملاعبة الزوجة (وأمر بملاعبة الزوجة) كقوله لجابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وجاء فيه وفي تأديب الفرس وتعلم الرمى حديث حسن اخرجه احمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارموا واركبوا وان ترموا أحب الى من ان تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل الارمي الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فانهن من الحق ومن ترك الرمى بعد ما علمه فقد كفر الذى علمه (والسباحة) اخرج النسائى عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب الا ان يكون أربعة ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الفرضين وتعليم الرجل السباحة (وحث على ذلك) كقوله عليكم بالرمي فانه من خير لهوكم اخرجه البزار عن سعد واخرجه عنه أيضا الطبراني في الاوسط بلفظ فانه من خير لعبكم (ورخص في اللعب بالدف) بل أمر به فقال اعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف أخرجه الترمذي عن عائشة واخرج احمد والترمذى وابن ماجه عن محمد ابن حاطب
(فصل) ما بين الحلال والحرام ضرب الدفوف والصوت في النكاح وأخرج عبد الله بن احمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه عن أبي حسن المازني قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره نكاح السر حتى يضرب بدف والدف بضم الدال وفتحها (للعرس) بضم الراء وسكونها (والعيد) والحديث فيه مشهور في الصحيحين.
(الباب الثانى) في الاخلاق المعنويات (والصمت) بفتح المهملة وكسرها (والتوءدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة ثم مهملة وهي التأنى (جماعها) أي الجامع لها (اقتناء) اكتساب وزنا ومعنا(2/276)
تتفاوت درجات الرجال وقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه منزلا لا يقدر قدرها ولا يرام سبرها قال وهب بن منبه قرأت في أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها ان الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا الى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم الا كحبة رمل بين رمال الدنيا.
[فصل اعلم أن الأخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة]
(فصل) * اعلم ان الاخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة ومع الاكتساب لا بد أن يكون في أصل الجبلة شعبة من أصولها فتكون جالبة لبقيتها ثم انها قد تكون دنيوية اذا لم يرد بها وجه الله ولكنها تعد محاسن على كل حال باتفاق الفضلاء وقد كان صلى الله عليه وسلم محتويا على كمالها مجبولا عليها في أصل خلقته وأول فطرته وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يحصلوه بممارسة ولا رياضة بل بجود إلهي وخصوصية ربانية* قال القاضي عياض وقد نجد غيرهم على بعض هذه الأخلاق دون بعض جميعها ويولد عليها فيسهل عليه اكتساب تمامها عناية من الله تعالى كما نشاهد من خلقة بعض الصبيان على حسن الصمت والشهامة وصدق اللسان والسماحة وقد نجد بعضهم على ضدها فبالاكتساب يكمل ناقصها وبالرياضة والمجاهدة يستجلب معدومها ويعتدل محترفها وكل ميسر لما خلق له (لا يقدر) أى لا يعبر عنه بقدر لخروجه عن التقدير (سبرها) بفتح المهملة وكسرها وسكون الموحدة وهى قدرها أيضا (وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ثم موحدة (ابن منبه) بالنون فالموحدة كأسم الفاعل ابن سيج بكسر المهملة وقيل بفتحها وسكون التحتية ثم جيم قال الشمني تابعى جليل مشهور بمعرفة الكتب الماضية (كحبة رمل بين رمال الدنيا) وعن كعب الاحبار قال خلق الله العقل ألف جزء فقسم جزأ بين الخلائق كلها وأعطى نبيه محمدا تسعمائة وتسعة وتسعين.
(فصل) في بيان ان الاخلاق الحميدة هل هى مكتسبة أو غريزية (غريزية) بفتح المعجمة وكسر الراء والزاى بينهما تحتية ساكنة وتحتية مشددة وهى ما جبل عليه الشخص وكان في أصل خلقته (الجبلة) بكسر الجيم والموحدة وتشديد اللام أى الخلقة (شعبة) بضم المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة أي فرقة وقطعة (لم يرد) مبنى للمفعول وللفاعل فعلى الاول (وجه الله) مرفوع وعلى الثانى منصوب (محاسن) بالنصب (باتفاق العقلاء) زاد في الشفاء وان اختلفوا في موجب حسها وتفضيلها (محتويا) يقال احتوي على الشيء اذا استأثر به دون غيره (حسن السمت) بفتح المهملة وسكون الميم وهي الطريقة وهيئة الحسن (والشهامة) بفتح المعجمة قال الشمنى مصدر شهم الرجل بضم الهاء فهو شهم أى جلد ذكي الفؤاد (وكل ميسر لما خلق له) هو حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن عمران بن حصين وأخرجه الترمذى عن عمر وأخرجه أحمد عن أبي بكر.(2/277)
وهذا حين أذكرها مفصلة من نبينا صلى الله عليه وسلم.
[فصل في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم أما العلم فقال الله تعالى وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. وقال تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً. كلت الألسن عن وصف قدر منحته من العلم وأمر بسؤال الزيادة عليها وقال تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
. قال القاضي عياض ولما كان ما كاشفه من ذلك الجبروت وشاهد من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل لحمل سماع أدناه العقول رمز عنه تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
وقال في قوله تعالى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. انحصرت الافهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى. قال المؤلف واذا أردت ان تعلم مكانته صلى الله عليه وسلم من العلم فانظر الى ما تضمنته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الاحكام وأسرار المعانى التي جهل وجه الحكمة في أكثرها ولزم الخلق (فصل) في علمه وحلمه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعني القضاء بما أوحي اليه (وَقُلْ رَبِّ) أي يا رب (زِدْنِي عِلْماً) أى بالقرآن ومعانيه أو علما الى علمى قال البغوى وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرأ هذه الآية قال اللهم زدنى ايمانا ويقينا (كلت الالسن) أى ضعفت وأعيت (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وكان الذي أوحاه اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قاله سعيد بن جبير وقال ابن عباس وأكثر المفسرين أوحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد وذكر عن جعفر بن محمد الصادق قال أوحي الله اليه بلا واسطة وذكر مثله عن الواسطي وحكي عن ابن مسعود وابن عباس والاشعري وقيل أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمتك (قال القاضي) عياض في الشفاء (الجبروت) بفتح الجيم والموحدة وضم الراء ثم واو ثم فوقية هي مقلوب من الجبر وهو القهر (الملكوت) فعلوت من الملك وكذلك الرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة (ولا تستقل) أى لا تحمل (أدناه) بفتح الهمزة وسكون المهملة (رمز عنه) أي أشار اليه والرمز الاشارة ومنه قوله تعالى أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال في الشفاء وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم أبلغ أبواب الايجاز (لَقَدْ رَأى) هذه لام القسم أى والله لقد رأي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء جملة (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي العظام وأراد ما رآه في مسيره تلك الليلة وعوده بدليل لنريه من آياتنا وقيل معناه لقد رأي من آيات ربه الكبري وأخرج البخاري عن ابن مسعود رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء (انحسرت) أى كلت وانقطعت (وتاهت) تحيرت (ولزم الخلق) بالنصب(2/278)
الانقياد لها والتسليم فقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً الى علمه صلى الله عليه وسلم بكتب الله القديمة وحكم الحكماء وسير الامم الخالية وفنون العلم الثابتة كالعبارة والطب والحساب والفرائض والنسب وغير ذلك مما قدمنا الاشارة اليه في باب المعجزات* وأما الحلم والاحتمال والعفو مع القدرة والصبر على ما يكره ومعانيها متقاربة وهى مما يلقاها صلى الله عليه وسلم عن أمر ربه بالقبول والاقبال وبلغ فيها أعلى درجات الكمال فقال تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سأل جبريل عن تأويلها فقال له (الانقياد) بالرفع (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية) سبب نزولها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن الزبير انه خاصم رجلا من الانصار قد شهد بدرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير يا زبير اسق يا زبير ثم أرسل الى جارك فغضب الانصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر الحديث وهذا الرجل هو حاطب بن أبي بلتعة وهو لخمي أو مذحجي قولان ولكن كان له حلف في قريش وفي الانصار فمن ثم نسب في هذا الحديث الى الانصار وقوله تعالى فَلا أي ليس الامر كما زعموا انهم مؤمنون بك ثم لا يرضون بحكمك وقوله وَرَبِّكَ استئناف قسم قال البغوى ويجوز أن تكون لا صلة كقوله لا أُقْسِمُ (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي يجعلوك حكما (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أى اختلف واختلط من أمرهم والتبس حكمه عليهم وسمى الشجر لالتفاف اغصانه بعضها الى بعض (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) من حكمك أى شكا قاله مجاهد أو ضيقا قاله غيره أو اثما بانكارهم قضاءك قاله الضحاك (وَيُسَلِّمُوا) أى ينقادوا الحكمك (تَسْلِيماً) أي انقيادا (وحكم) جمع حكمة (والحلم) قال في الشفاء الحلم حالة توقر وثبات عند الاسباب المحركات (والاحتمال) قال هو حبس النفس عند الآلام والمؤذيات ومثله الصبر (والعفو) قال هو ترك المؤاخذات (ومعانيها متقاربة) لكن يظهر أن الاحتمال أبلغ من الحلم لان من حبس نفسه عند الآلام والمؤذيات سهل عليه التوقر والثبات عند الاسباب المحركات اذ هذا حبس النفس أيضا ولا شك ان العفو أبلغ منهما لان الحليم والمحتمل ربما عاقب بخلاف العفو (خُذِ الْعَفْوَ) أي من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسن وذلك مثل قبول العذر والعفو والمساهلة وترك البحث عن مالا يعنى قاله ابن الزبير ومجاهد او معناه خذ ما عفي لك من الاموال وهو الفضل عن العيال ثم نسخ بفرض الزكاة قاله ابن عباس والسدى والضحاك والكلبي (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي بالمعروف وهو كل ما يعرفه الشرع أو لا إله الا الله قولان (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) كابي جهل وأصحابه نسختها آية القتال (روي ان النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره) هكذا هو في تفسير البغوى والشفاء(2/279)
حتى اسئل العالم ثم ذهب فأتى فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعف عمن ظلمك وقال تعالى (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقال تعالى (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فغير خاف على من تأمل أحواله وأقواله وحققها معرفة أنه صلى الله عليه وسلم قد نزل من هذه الاخلاق منزله لا ترتقى وامتطى منها مطية لا تمطى وانه كان لا يستخفه كثرة الأذي ولا طيش الجهال وفي بعض كلام عمر بن الخطاب الذى بكى به النبي صلى الله عليه وسلم بأبى أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون.
[فصل وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم]
«فصل» وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم وبين هذه الألفاظ فروق لطيفة ويجمعها بذل المال على وجه التكرم وغير مدافع ان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة (حتى أسئل العالم) بكسر اللام يعنى الله عز وجل (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الاذى وهذه احدى الجمل الاربع التي أمر لقمان ابنه بها وهي اقامة الصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (فَإِنَّ ذلِكَ) المذكور وهى الخصال الاربع (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أى من الامور التي يعزم عليها لوجوبها (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذو والحزم قاله ابن عباس أو ذو والجد والصبر قاله الضحاك ومر ذكر أولى العزم والكاف في قوله كما هي لسبقية أصل الصبر بالصبر والا فمقدار صبره صلى الله عليه وسلم لا يبلغه مقدار صبرهم أو معناه اصبر صبرا يناسب حالك كما صبر أولو العزم صبرا يناسب حالهم (فائدة) أخرج أبو الشيخ في مسنده عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغي لمحمد ولآل محمد يا عائشة ان الله لم يرض من أولى العزم الا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض الا ان كلفني ما كلفهم فقال فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وانى والله ما يدمن طاعته والله لا صبرن كما صبروا واجهدن ولا حول ولا قوة الا بالله (وامتطى) بهمز وصل وسكون الميم وفتح الفوقية والمهملة والامتطاء الركوب على مطاء الدابة بفتح الميم فالمهملة أى ظهرها (رَبِّ لا تَذَرْ) أي لا تترك (دَيَّاراً) أي دائرا في الارض يذهب فيها ويجيء فيقال من الدوران وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل دارا (مثلها) بالنصب (لهلكنا من عند آخرنا) كما هلك الذين دعا عليهم نوح من آخرهم (وطيء ظهرك) هذا مثل لمن يجترأ عليه ويهان ولعله أراد ما فعله عقبة بن أبي معيط من وضع السلا على رقبته.
(فصل) في جوده وكرمه وسخائه وسماحته (فروق لطيفة) فرق بها بعضهم فقال الكرم الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه ويسمى حرية وهو ضد الندالة والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب(2/280)
خص من هذه الخلق بأتمها وأعمها وانه ما سئل شيئا قط فقال لا وأشتهرت الأخبار بجوده وعطاياه في حنين المائتين من الأبل ورده يومئذ على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف رأس وأعطى العباس عمه من الذهب ما لا يطيق حمله وأعطى رجلا يسئله غنما بين جبلين فرجع الى قومه فقال اسلموا فان محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة وحمل اليه تسعين ألف درهم فوضعت على حصير فما قام وثم منها درهم والأخبار في ذلك واسعة وقد قال صلى الله عليه وسلم انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
[فصل في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم لا خلاف انه صلى الله عليه وسلم قد كان أشجع الناس وأشدهم شكيمة وانه قد شهد جملة من الحروب وأبلى فيها وحفظت لكل من كماة أصحابه جولة سواه. قال علىّ كرم الله وجهه كنا اذا اشتد البأس واحمرت الحدق أتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه ولقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ به وهو أقربنا الى العدو وقال أنس بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس واجود الناس واشجع الناس لقد فزع اهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم الى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة ما لا يحمد وهو الجود وهو ضد التقتير والسماحة التجافي غما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاسة (فغير مدافع) بفتح الفاء (ما سئل شيأ قط فقال لا) للحاكم من حديث أنس كان لا يسأل شيأ الا أعطاه أو سكت معناه ان كان عنده أعطاه وان لم يكن عنده سكت (فما قام وثم منها درهم) لفظ عياض في الشفاء فما رد سائلا حتى فرغ منها واخرج الترمذى ان رجلا سأله فقال ما عندى شيء ولكن ابتع على فاذا جاءنا شيء قضيناه فقال له عمر ما كلفك الله ما لا تقدر عليه فكره مقالة عمر فقال له رجل من الانصار يا رسول الله انفق ولا تخش من ذى العرش اقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه وقال بهذا أمرت (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) أخرجه ابن سعد والبخارى في الادب والحاكم والبيهقى في الشعب عن أبي هريرة.
(فصل) في شجاعته ونجدته قال في الشفاء الشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل والنجدة ثقة النفس عند استرسالها الي الموت حيث يحمد فعلها دون خوف (شكيمة) بالمعجمة بوزن عظيمة وهي أن يكون الانسان شديد النفس أنفا أبيا كما مر في ذكر اسلام حمزة (جولة) بفتح الجيم أي نفور وانهزام (البأس) بالهمز الحرب (واحمرت الحدق) كناية عن اشتداد الحرب وتغير حدق الاعين من الفشل (اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم) أى جعلناه واقيا وحاجزا بيننا وبين العدو (فما يكون أحد) بالرفع (أقرب) بالنصب (وقال أنس) أخرجه عنه الشيخان والترمذي وابن ماجه (لن تراعوا) أي لن(2/281)
عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا وقصة قتله لأبى بن خلف مبينة عن ثبات قلبه وقوة جأشه وقد سبق ذكرها في قسم السير.
[فصل وأما حياؤه وإغضاؤه صلى الله عليه وسلم]
«فصل» واما حياؤه واغضاؤه صلى الله عليه وسلم فقد كان اشد الناس حياء واكثرهم عن العورات اغضاء قال الله تعالى إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وعن ابى سعيد الخدرى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذارى في خدرها وكان اذا كره شيئا عرفناه في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه احدا بما يكره ولا يثبت بصره في وجه احد خافض الطرف نظره الى الأرض اطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة وكان يكني عما اضطره الكلام اليه مما يستحى من ذكره كقوله تتبعي بها أثر الدم في نظائر له كثيرة قالت عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.
[فصل في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وحسن أدبهم معه]
«فصل» في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وحسن أدبهم معه كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس كرامة لأصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم يأتيكم روع أو فزع (جأشه) بالجيم والمعجمة والهمز أى قلبه
(فصل) في حياته (واما حياؤه) وهو رقة تعترى وجه الانسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيرا من فعله قاله في الشفاء (واغضاؤه) بكسر الهمزة وسكون الغين ثم ضاد معجمتين مع المد وهو التغافل عما يكره الانسان بطبيعته قاله فيه أيضا (أشد) بالنصب خبر كان واسمها مضمر وكذا وأكثرهم (وعن أبي سعيد الخدرى) أخرجه عنه أحمد والشيخان وابن ماجه (العذراء) بفتح المهملة مع المد هي المرأة التى لم تتزوج (في خدرها) بكسر الخاء أى سترها (كان اذا كره شيأ عرفناه في وجهه) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الاوسط عن أنس (كان لا يواجه أحدا بما يكره) أخرجه أحمد والبخارى في الادب وأبو داود والنسائي عن أنس (ولا يثبت) بضم أوله وسكون المثلثة وكسر الموحدة (بصره) بالنصب (جل نظره) أي معظمه (يكنى) بفتح أوله وسكون ثانيه ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه مشددا (كقوله) للسائلة عن دم الحيض وهي أسماء بنت يزيد بن السكن ووقع في مسلم انها فاطمة بنت شكل (تتبعى بها) أي بالفرضة الممسكة (أثر الدم) أي اجعليها في فرجك فكنى عن ذلك بقوله تطهرى بها قالت كيف اتطهر بها يا رسول الله قال سبحان الله تطهرى بها قالت عائشة فاخذتها الى وقلت يعنى تتبعي بها أثر الدم أخرجه الشيخان والنسائى عن عائشة وتتبعي بها أثر الدم من لفظها لا من لفظه صلى الله عليه وسلم فقول المصنف كقوله نظرا الى المعنى لا الى اللفظ.
(فصل) (في حسن عشرته) وهي بكسر المهملة أشهر من ضمها وسكون المعجمة المخاطبة والعشير المخالط(2/282)
ويحذر الناس ويحترس منهم من غير ان يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه ويعطى كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه ان أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول قد وسع بسطه الناس وخلقه وصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء بهذا وصفه ابن أبى هالة قال وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ وبذلك وصفه ربه فقال فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وكان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويخالطهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ويعود مرضاهم ويشهد موتاهم ويقبل عذر المعتذر منهم ويكنيهم ويدعوهم بأحب أسمائهم اليهم ويقبل هداياهم ويكافئ عليها ويجيب من دعاه الى طعام أو الى وليمة ويذهب اليها وكان يشيع مسافرهم ويودعهم ويوصيهم ويتلقى قادمهم واذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته فيتحملهم بين يديه وخلفه وكان يتحمل لأصحابه فضلا عن تحمله لاهله فاذا أراد أن يخرج اليهم نظر في الماء والمرآة وسوى شعره وعدل عمامته ويقول ان الله يحب من عبده اذا خرج الى اخوته ان يتهيأ اليهم ويتجمل وكان يتفقد أصحابه فمن خاف ان يكون وجد في نفسه شيئا قال لعل فلانا وجد علينا في شي أو رأى منا تقصير اذهبوا بنا اليه فينطلق الى منزله وكان ينزل الناس منازلهم فيكرم أهل الشرف من غير تقصير في حق غيرهم وكان لا يدع أحدا يمشى ولا يجلس خلفه ويقول خلوا ظهري للملائكة ولا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم اذا ضاق المكان ولا يقدم ركبتيه أمام ركبهم (ويحذر الناس) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه (الشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (لا يحسب) بالرفع والضم (أكرم) بالرفع (قاربه) بالموحدة (هو المنصرف) بالفتح وهو صلة (الناس) بالنصب (بسطه وخلقه) بالرفع (سواء) بالنصب (ابن أبي هالة) اسمه هند كما مر (فيما رحمة من الله) أي فبرحمة وما صلة (لنت لهم) أى سهلت اخلاقك لهم واحتملتهم ولم تسرع اليهم بالمعاقبة فيما كان منهم يوم أحد من الفرار (ولو كنت فظا) أي جافيا سيء الخلق قليل الاحتمال (غليظ القلب) قاسيه (لانفضوا) أي لنفروا (من حولك) وتفرقوا عنك (في حجره) بفتح المهملة وكسرها (كان يتجمل) بالجيم (فضلا) أى زيادة (وجد) أى غضب (خلوا ظهري للملائكة) أخرجه ابن سعد عن جابر(2/283)
ولا يدع أحدا منهم يمشى معه وهو راكب حتى يحمله فان أبى قال له تقدمني الى المكان الذى يريد وركب صلى الله عليه وسلم حمارا عريا الى قبا وأرادان يردف خلفه أبا هريرة فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم أراد ان يركب ثانية فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم عرض عليه الثالثة فقال لا والذي بعثك بالحق لا صرعتك ثالثا. وكان صلى الله عليه وسلم يكرم الداخل عليه وربما بسط له ثوبه وآثره بالوسادة وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس اليه أحد وهو يصلى إلا خفف صلاته وسأل عن حاجته وكان له صلى الله عليه وسلم خدم وعبيد واماء فكان لا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ويخدم من خدمه* قال أنس خدمته نخوا من عشر سنين فكانت خدمته لى أكثر من خدمتى له وأمر صلى الله عليه وسلم في بعض الاسفار باصلاح شاة فقال رجل على ذبحها وقال آخر على سلخها فقال صلى الله عليه وسلم وعلى جمع الحطب فقالوا نحن نكفيك فقال قد علمت انكم تكفونى ولكنى أكره ان أتميز عليكم ثم قام وجمع الحطب وذهب مرة ليعقل ناقته فقالوا نحن نكفيك فقال لأن يستغنى أحدكم من الناس ولو في قضمة من سواك. وأما أدب أصحابه معه صلى الله عليه وسلم فسبق في حديث صلح الحديبية قول عروة بن مسعود لقريش أي قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر والنجاشى وكسرى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل الا ذلك بها وجهه وجلده فاذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له.
[فصل وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق]
(فصل) وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق فقال تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فمن شفقته صلى الله عليه وسلم تألفه العرب ورؤساء القبائل بالعطايا حتى كان (ولو في قضمة) بفتح القاف وسكون المعجمة والجواب محذوف أى لكان خيرا له.
(فصل) في بيان شفقته ورحمته ورأفته (لقد جاءكم رسول) هو محمد صلى الله عليه وسلم (من أنفسكم) تعرفون حسبه ونسبه وقال السدى من العرب من بنى اسماعيل وقد مر أول الكتاب انه قرئ بفتح الفاء (عزيز عليه) أي شديد وعظيم (ما عنتم) قيل ما صلة أى عنتكم وهو دخول المشقة عليكم والمضرة لكم وقال القتبي ما أعنتكم وقال ابن عباس ما ضللتم وقال الكبى ما اثمتم (حريص عليكم) أى على هدايتكم وصلاحكم أو على ضالكم ان يهديه الله (بالمؤمنين رؤف رحيم) قيل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين (كان(2/284)
سبب اسلامهم وفلاحهم قال صفو ان بن أمية والله لقد أعطانى ما أعطانى وانه لا بغض الخلق الى فما زال يعطينى حتى انه لاحب الخلق الى وأعطى اعرابيا عطاء ثم قال له أحسنت اليك قال الاعرابى لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا اليه فأشار اليهم ان كفوا فزاده شيأ ثم قال له أحسنت اليك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فأمره ان يخبرهم بذلك فأخبرهم ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها الا نفورا فناداهم صاحبها خلوا بينى وبين ناقتى فانى أرفق بها منكم واعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الارض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وانى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار وقال صلى الله عليه وسلم لا يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيأ فانى أحب ان أخرج اليهم وأنا سليم الصدر ومن شفقته صلى الله عليه وسلم سؤاله ربه التخفيف عن أمته وتركه أشياء خشية ان تفرض عليهم فيعجزوا عنها فيقعوا في الحرج. وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبي فيخفف خشية ان يشق على أمه وربما أصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى. وروي انه صلى الله عليه وسلم لما تناها اذى قريش وحرج صدره سبب) بالفتح (ولا اجملت) بالجيم أي ولا فعلت جميلا (فامره أن يخبرهم بذلك) لفظ الشفاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انك قلت ما قلت وفي أنفس أصحابى من ذلك شيء فان أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك قال نعم فلما كان الغداة وقال العبشمى جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا الاعرابي قال ما قال فرددناه فزعم انه رضي أكذلك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا (من قمام الارض) بضم القاف وتخفيف الميم جمع قمامة وفي ذلك من بديع المثل تمثيل عرض الدنيا التى دفعها للاعرابى بالقمامة (وقال لا يبلغنى أحد الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود (سؤاله) بالرفع (ربه) مفعول (التخفيف) مفعول ثان (عن أمته) أي من الصلاة من خمسين الي خمس وغير ذلك (وتركه) بالرفع (أشياء) منها قيام رمضان وترك قول نعم للاقرع بن حابس حين قال له في الحج أكل عام يا رسول الله وغير ذلك (وكان يدخل في الصلاة يريد اطالتها الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه عن أنس (فيسمع بكاء الصبى) أى وتكون أمه في المصلين خلفه صلى الله عليه وسلم (فيخفف) كى تسرع الانصراف الى ولدها وهو معنى التجوز في رواية اخرى (حسنة ان يشق على أمه) في رواية اخري مما اعلم من شدة وجد أمه من بكائه (وربما أصغى الاناء للهرة الى آخره) للطبراني في الاوسط وأبي نعيم في الحلية من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي للهرة الاناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها (وروى انه صلى الله عليه وسلم لما تناهي أذى قريش الي آخره) أخرجه(2/285)
لذلك ناداه ملك الجبال وسأله ان يطبق عليهم الاخشبين فأبى صلى الله عليه وسلم وقال أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وقال ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
[فصل وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم]
(فصل) وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم فقد حاز السبق فيها وأبرز خافيها حتى ورد في الصحاح انه كان يكرم صدائق خديجة ويصلهم ويرتاح لهم فسئل عن ذلك فقال ان حسن العهد من الايمان. ومن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم بأمه وأخته من الرضاعة كما سبق في غزوة حنين وأعتق بسببهم ستة آلاف رأس ومنه ما روي عن عبد الله بن أبى الحمساء قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته ان آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فاذا هو في مكانه فقال يافتى لقد شققت على انا هنا منذ ثلاث انتظرك ولقد صدقت فراسة خديجة فيه حيث قالت في ابتداء الوحى ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق.
الشيخان وغيرهما وقد مر في صدر الكتاب (وقال ابن مسعود) أخرجه عنه البخارى وغيره (يتخولنا) بالمعجمة وتشديد الواو ثم لام أى يتعهدنا وقال أبو عمرو بن العلاء الصواب ينحو بنا بالنون ومعناه يتعهدنا وقال أبو عمرو الشيباني الصواب يتحولنا بالمهملة واللام أي يتطلب أحوالنا التي يبسط فيها للموعظة والصواب من حيث الرواية كما قاله الحافظ ابن حجر في الاول وقد صح المعني فيه (مخافة) كذا في موضع من صحيح البخاري وفي آخر كراهة وزعم في التوشيح انه من تصرف الرواة (السآمة) بالمهملة على وزن المخافة وهى الفتور والملال (علينا) هو ظاهر على رواية مخافة وكذا على رواية كراهة اذهى بمعنى مخافة.
(فصل) في بيان خلقه (السبق) بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبق يسبق سبقا وأما بفتح الموحدة فهو المال المبذول في السبق (وابرز) أى أظهر (خافيها) ياؤه في الاصل مفتوحة لانه مفعول ويجوز أن تسكن لمجاورة فيها (وورد في) الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة (ويرتاح) أي يستأنس (حسن العهد من الايمان) أخرجه الحاكم عن عائشة (ومنه ما روي) في سنن أبي داوود وغيرها (ابن أبي الحمساء) بفتح المهملة وسكون الميم ثم مهملة مع المد ووقع في بعض النسخ الشفاء الخنساء بالمعجمة والنون قال الشمنى وهو تصحيف وفي بعضها عن أبي الحمساء وهو غلط اذ ابو الحمساء لم يسلم (فراسة) بكسر الفاء والمهملة وهو النظر بالفعل والتدبر به وربّما كانت فيه زيادة قوة بحسب صفاء القلب وكدورته فيصل بسبب التفرس شيء يقع في القلب تسميه أهل الطريقة مكاشفة وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله أخرجه البخاري في التاريخ والترمذى عن أبى سعيد وأخرج الحكيم وسيبويه(2/286)
[فصل وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه]
«فصل» وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه فانه منتشر والخبر به مشهور وحسبك انه خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا فقال له اسرافيل فان الله قد أعطاك بما تواضعت له انك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الارض وأول شافع. وكان صلى الله عليه وسلم يجيب من دعاه وان كان دنيا بلبيك ويعود المساكين ويسلم على الصبيان اذ امر عليهم ويجالس الفقراء ويجلس بين أصحابه محيطا بهم حيث ما انتهى به المجلس ويعجب مما يعجبون ويضحك مما يضحكون. وقالت عائشة كان في بيته في مهنة أهله يفلى ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويهنئه ومر بغلام يسلخ شاة وما يحسن فقال له تنح حتى أريك فادخل يده صلى الله عليه وسلم بين اللحم والجلد فدحس حتى دخلت الى الابط وكان يذبح أضحيته وبدنه ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن مع أزواجه ويحمل بضاعته من السوق ودخل عليه صلى الله عليه وسلم رجل فارتعد من هيبته فقال هون عليك فانى لست بملك انما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد ودخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح مطأطئا رأسه حتى كاد يمس عثنونه قادمة الرحل والطبراني وابن أبى عدى عن أبي امامة وأخرجه ابن جرير عن ابن عمر.
(فصل) في تواضعه صلى الله عليه وسلم (وحسبك أنه خير الي آخره) هذا لفظ عياض في الشفاء (ويسلم على الصبيان) فيه استحباب السلام على الصبى المميز وذكر أبو نعيم في كتابه عمل اليوم والليلة أن صفة السلام على الصبيان السلام عليكم يا صبيان (في مهنة أهله) أي خدمتهم وهو بفتح الميم وحكي أبو زيد والكسائي الكسر وانكره الاصمعي وعن المزي أن كسر الميم أحسن ليكون على الخدمة وزنا ومعني (وكان يفلي ثوبه) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عائشة. قال الشمنى قيل إنه عليه الصلاة والسلام لم يقع عليه ذباب قط ولم يكن القمل يؤذيه تكريما له وتفخيما (ويحلب شاته) أخرجه أبو نعيم أيضا عنها وكذا قوله ويخدم نفسه (ويرقع ثوبه ويخصف نعله) أخرجه أحمد عنها والخصف باعجام الخاء واهمال الصاد هو الخرز (ويقم) بضم القاف أي يكنس (البيت) زاد أحمد ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم (ويهنئه) بالنون بوزن يلزمه أى يطلبه بالبناء بالهمز والمد وهو القطران (فدحس) بمهملات (وكان يذبح أضحيته) بيده أخرجه أحمد عن أنس (ناضحه) باعجام الضاد واهمال الحاء أي بعيره وأصل الناضح الذي يستقى عليه ثم استعمل في غيره توسعا (فارتعد من هيبته) ولعياض في الشفاء فاصابته من هيبته رعدة (تأكل) بالفوقية (القديد) اللحم المقدد أي المقطع (عثنونه) بضم المهملة والنون المكررة وسكون المثلثة بينهما قال في القاموس العثنون اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلى أو هو طولها أو شعرات(2/287)
وذلك حين عجب النفوس وحج في حجة الوداع على رحل رث عليه قطيفة ما تساوى أربعة دراهم. وقال اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة واهدى فيها مائة بدنة وعن أنس ان امرأة كان في عقلها شيء جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان لى اليك حاجة قال اجلسى يا أم فلان في أى طرق المدينة شئت اجلس اليك قال وكانت الامة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت وقال أبو هريرة اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراويل من السوق فذهبت لاحملها عنه فقال صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله ولما جاء أبو بكر بابيه يوم الفتح قال له صلى الله عليه وسلم لم عنيت الشيخ الا تركته حتى أكون انا آتيه في منزله وكان صلى الله عليه وسلم يقول لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى انما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقال لا تفضلوا بين الانبياء ولا تفضلونى على يونس بن متى ولا تخيرونى على موسى ونحن أحق بالشك من ابراهيم طوال تحت حنك البعير (رث) بتشديد المثلثة أي خلق بال (وقال) تعليما لامته (اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة) أخرجه ابن ماجه عن أنس (حاجة) بالنصب (يا ام فلان) هي ام زفر بضم الزاى وفتح الفاء ثم راء ماشطة خديجة واسمها شعيرة الحبشية (وقال أبو هريرة) كما أخرجه عنه الطبراني في الاوسط وابن عساكر (سراويل) قال الشمنى لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم لبسها ولكنه اشتراها ولم يلبسها وفي الهدى لابن قيم الجوزية انه لبسها قالوا وهو سبق قلم قال واشتراها باربعة دراهم وفي الاحياء أنه اشتراها بثلاثة دراهم (ألا تركته) بالتخفيف على العرض وبالتشديد بمعن هلا (لا تفضلوا بين الانبياء) قال العلماء هو محمول على تفضيل يؤدي الى تنقيص المفضول أو يؤدي الى الخصومة والفتنة كما هو سبب الحديث أو مختص بالتفضيل في نفس النبوة ولا تفاضل فيها وانما التفاضل بالخصائص وفضائل اخرى. قال النووي ولا بد من اعتقاد التفضيل بعد ما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (لا تخيروني على موسى) قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل منه أو هضما لنفسه وتواضعا (لا تفضلوني على يونس) في رواية اخرى في الصحيحين من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب وفي الاخرى ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى فاما على الرواية الاولى فالكلام عليه كما سبق في قوله لا تخيرونى على موسى وكذلك في الروايتين الأخيرتين ان قلنا ان الضمير في اناله صلى الله عليه وسلم وأما ان قلنا الضمير للقائل فمعناه لا يقول ذلك بعض الجاهلين المجتهدين في نحو العبادة فانه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة (نحن أحق بالشك من ابراهيم) قال في التوشيح قيل هو شك كان قبل النبوة وقال ابن جرير سببه حصول وسوسة من الشيطان لكنها لم تستقر ولا زلزلت الايمان الثابت والمختار خلاف ذلك وأن معنى الحديث نفي ذلك الشك عنه أى لم يحصل لابراهيم شك حين قال ربى أرني كيف تحيى الموتى وأنه لا أعظم من ذلك ولو شك لكنا نحن أحق منه بذلك قال ذلك تواضعا منه أي وقد علمتم اني لم أشك وابراهيم لم يشك وانما أراد طمأنينة القلب بالترقى الى مرتبة عين اليقين التى هي أبلغ من علم اليقين وقيل سأل ذلك(2/288)
ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاء الداعى لاجبته.
[فصل وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته]
(فصل) وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته فكان صلى الله عليه وسلم آمن الناس واعدل الناس واعف الناس واصدقهم لهجة منذ كان اعترف به محادوه وعداه وكانوا يسمونه الأمين ولذلك رضوه حكما بينهم في وضع الحجر الاسود وفي سؤال هرقل لابى سفيان هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال قال لا وقال ابو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وفي وصف على له أصدق الناس لهجة وأليتهم عريكة.
وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس لم تمس يده يد امرأة قط لا يملك رقها أو نكاحها أو تكون استئنافا ومحبة للمشاهدة حيث استدل بذلك نمروذ في قوله رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وقيل المراد ليطمئن قلبى بالخلة وقيل باجابة دعائي انتهى قال البغوى قيل لما نزلت هذه الآية يعنى قوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ الآية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لابراهيم (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) وهو اثنتي عشرة سنة (لاجبت الداعي) الذى أرسله الملك ليأتي بيوسف فقال ارجع الى ربك ولم يبادر بالخروج مع طول مدة حبسه وحاصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وصف يوسف بقوة الصبر وذلك منه أيضا على سبيل التواضع
(فصل) في عدله وأمانته (آمن الناس) بمد الهمزة وفتح الميم (وأصدقهم لهجة) قال الجوهري اللهجة اللسان قال وقد يحرك فيقال فلان فصيح اللهجة بفتح الهاء واللهجة بسكونها (محادّوه) بالحاء والدال المشددة المهملتين أي مخالفوه (وعداه) بكسر المهملة وضمها والقصر أى أعداءه (يسمونه الامين) بالنصب (رضوه) بضم المعجمة وأصله رضوء فاستثقلت الكسرة مع الياء (وقال أبو جهل) فيما حكاه ناجية بن كعب (انا لا نكذبك) فانك نشأت فينا صغيرا الى أن كبرت وبلغت أشدك فلم نجرب عليك قط كذبا قال البغوي قال السدي التقى الاخنس بن شريق وابو جهل بن هشام فقال الاخنس لابي جهل يا أبا جهل اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فانه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فانزل الله عز وجل قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ انك كاذب (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) قرأ نافع والكسائي من الاكذاب وهو أن يتخذ الشخص كاذبا وقرأ غيرهم من التكذيب وهو النسبة الى الكذب يعنى انهم لا يكذبونك في السر لانهم قد عرفوا صدقك فيما مضى (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بِآياتِ اللَّهِ) ومنها ان جعلك نبيا (يَجْحَدُونَ) ظاهرا مع اعترافهم اذ هذا حقيقة الجحد (عريكة) بالمهملة(2/289)
ذارحم محرم وفي وصف عائشة له ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه. قال المبرد قسم كسرى أيامه فقال يصلح يوم الريح للنوم ويوم الغيم للصيد ويوم المطر للشرب واللهو ويوم الشمس للحوائج قال ابن خالويه ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة اجزاء جزأ لله وجزأ لاهله وجزأ لنفسه ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول ابلغونى حاجة من لا يستطيع ابلاغى فانه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.
[فصل وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه]
(فصل) وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه فكان صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وامانة لا ترفع فيه الاصوات ولا تؤبن فيه الحرم واذا مشى مشى مجتمعا يعرف في مشيته والراء طبيعة وزنا ومعنى (ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما) قال عياض يحتمل ان يكون تخييره من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فكان يختار الايسر في هذا كله واما قولها (ما لم يكن اثما) فانما يتصور اذا خيره الكفار والمنافقون أو يكون التخيير من الله او من المسلمين ويكون الاستثناء منقطعا (فايدة) أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال ما خير عمار بين أمرين الا اختار أيسرهما قلت لعله يشير الى قصته التى وقعت له من الاكراه فانهم خيروه بين الكفر وبين أن يقتلوه فاختار الكفر ظاهرا وكان هو الايسر لانه سلم من القتل ومن الكفر (المبرد) بضم الميم وفتح الموحدة والراء المشددة ثم مهملة اسمه محمد بن يزيد (ابن خالويه) بالمعجمة وفيه ما مر أول الكتاب في يعطونه ونحوه (يستعين بالخاصة على العامة) قال ابن الاثير أى ان العامة لم تكن تقدر على الوصول اليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد الى العامة بالخاصة (ويقول أبلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغي الى آخره) أخرجه الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء بلفظ أبلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغ حاجته (ثبت الله قدميه) زاد الطبراني على الصراط (يوم القيامة) فيه عظيم فضل معاونة المؤمن وموازرته ولو بنحو ما ذكر. (فصل) في وقاره (كان أوقر الناس في مجلسه الى آخره) أخرجه أبو داود في مراسيله عن خارجة ابن زيد (ولا تؤبن) بضم الفوقية وسكون الهمزة وفتح الموحدة ثم نون قال الجوهري فلان يؤبن بكذا أى يذكر بقبيح وفي مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يؤبن فيه الحرم أى لا تذكر بسوء انتهى وكذا فسره عياض في الشفاء فما ذكر بعض شراحه أنه بالمثلثة والزاى من الاثر وهو الرمي أو بالموحدة والراء من أبرته العقرب أي لدغته بابرتها وان كان صحيحا في المعني فليس في الرواية زاد عياض بعد هذا ولا تثني فلتاته وهو بالنون(2/290)
انه غير غرض ولا وكل ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء. وقال عبد الله بن مسعود ان أحسن الهدي هدى محمد وفي وصف ابن ابى هالة انه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة ان يغفلوا او يميلوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم وافضلهم عنده اعمهم نصيحة واعظمهم عنده منزلة احسنهم مواساة ومؤازرة وسبق في سيرته مع اصحابه كثير مما يدخل في هذا الفصل.
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ازهد الناس ويكفيك في تعريف ذلك ان فقره صلى الله عليه وسلم كان فقر اختيار لا فقر اضطرار لانه صلى الله عليه وسلم فتحت عليه الفتوح وجلبت اليه الاموال ومات ودرعه مرهونة عند يهودى في نفقة عياله وهو يدعو اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. وقالت عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله ولو شاء لا عطاه الله ما لا يخطر ببال. وعنها قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا شاة ولا درهما ولا بعيرا ولقد مات وما في بيتى شيء يأكله ذو كبد الاشطر شعير في رق لى وقال لى انى عرض على ربي أن يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما فاما اليوم الذى أجوع فيه فأتضرع اليك وأدعوك وأما اليوم الذى أشبع والمثلثة أى لا يتكلم بغليان أي لم يكن في مجلسه فان كانت من أحد سترت (غير غرض) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء ثم معجمة أي غير ضجر ولا قال من الغرض بفتحتين وهو الضجر والملال (ولا وكل) بفتح الواو وكسر الكاف أى عاجز يكل امره الى غيره ويتكل عليه ويقال وكله ويكله ومواكل (ان أحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة أي الطريقة وبضم الهاء وفتح المهملة (يحسن الحسن) بالتشديد (ويوهنه) بالتحتية والنون أى يضعفه (عتاد) بفتح المهملة وتخفيف الفوقية والعتاد ما يهيء للشيء ويعدله
(فصل) في بيان زهده (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) أخرجه مسلم والترمذى وابن ماجه عن أبى هريرة ومعنى قوتا كفافا كما جاء في رواية والكفاف الذى لا زيادة فيه عن قدر الحاجة (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه مسلم عن عائشة (تباعا) بكسر أوله أى متتابعة (ما لم يخطر) بكسر المهملة أى يحدث ويجوز ضمها أي يمر (اني عرض على ربى أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا الى آخره) أخرجه أحمد والترمذى عن أبي امامة وفي حديث آخر أن جبريل نزل عليه فقال له ان الله يقرئك السلام ويقول لك أتحب أن أجعل لك هذه الجبال ذهبا وتكون معك حيث ما كنت فاطرق ساعة ثم قال يا جبريل ان الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له أخرجه أحمد والبيهقي في الشعب(2/291)
فيه فأحمدك وأثنى عليك. وعنها قالت ان كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا ان هو الا التمر والماء. وعنها قالت لم يمتل جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط ولم يبث الى أحد شكوى وكانت الفاقة أحب اليه من الغنى وان كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا يمنعه من صيام يوم ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الارض وثمارها ورغد عيشها ولقد كنت أبكى له رحمة مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما به من الجوع وأقول نفسى لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول يا عائشة مالى وللدنيا اخوانى أولوا العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم وأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم وأجدنى أستحى ان ترفهت في معيشتى ان يقصرنى غدا دونهم وما من شيء هو أحب الى من اللحوق باخوانى واخلائى قالت فما أقام بعد الاشهرا ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
[فصل وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به]
(فصل) وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به ولذلك قال فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا زاد في رواية أبى ذر رضي الله عنه انى أرى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء عن عائشة مرفوعا وأخرجه البيهقي في الشعب أيضا عن ابن مسعود موقوفا (آل محمد) اختصاص (ان هو) أي ما هو أي مأكولنا الذى نأكله (لم يبث) بالموحدة (الفاقة) بالرفع وهي الحاجة (أحب) بالنصب (الغنى) بكسر المعجمة مقصور (وثمارها) بالنصب عطفا على جميعها وبالجر عطفا على كنوز (ورغد) بفتح المعجمة (يقوتك) بضم أوله وفتح القاف وكسر الواو والمشدد (مآبهم) بمد الهمزة وبالموحدة مرجعهم (أن يقصر) بالبناء للمفعول (هو أحب) بالنصب والرفع.
(فصل) في بيان خوفه (فيما روي أبو هريرة عنه) وأخرجه عنه البخاري وغيره وأخرجه أيضا أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس (لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلا ولبكيتم كثيرا) أي لازددتم خوفا من الله عز وجل ولكان حالكم ما ذكر لان خوف المرء على قدر علمه بربه جل وعلا قال تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وأنشد بعضهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ... فلا عالم الا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ... وخائف مكر الله بالله عارف
(زاد في رواية أبي ذر) عند الترمذي (اني أرى ما لا ترون) يعني مواقع الفتن (وأسمع ما لا تسمعون) يعنى قوله (أطت السماء الى آخره) وهو بفتح الهمزة والمهملة المشددة ثم فوقية قال ابن الاثير أطيط الاقتاب وأطيط الابل أصواتها وحنينها أي ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا على(2/292)
وحق لها ان تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله بالدعاء ومن خوفه صلى الله عليه وسلم بكاؤه عند تلاوة القرآن وفي تهجده وعند سماعه من غيره كما ورد في جملة من الاحاديث وفي حديث ابن أبى اهالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم الفكر ليست له راحة وقال إنى لاستغفر الله في اليوم مائة مرة وجماع خلقه صلى الله عليه وسلم فيما رواه على كرم الله وجهه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته فقال المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى ضرب المثل لكثرة الملائكة وان لم يكن ثم أطيط وانما هو كلام للتقريب أريد به تقريب عظمة الله تعالى (وحق لها) بضم المهملة وفتح القاف ولابن مردويه من حديث أنس ويحقها (أن تئط) والذى نفسي بيده (ما فيها موضع) شبر بدل (أربع أصابع) في حديث أبي ذر وكلاهما على وجه المثل لكثرة الملائكة قاله صلى الله عليه وسلم مرتين قال في مرة أربع اصابع فسمع ذلك ابو ذر فرواه وقال في اخرى موضع شبر فسمعه انس فرواه (ساجدا لله تعالى) زاد ابن مردويه يسبح الله ويحمده (ولبكيتم كثيرا) زاد الحاكم من حديث أبى ذر ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب (الصعدات) بضم الصاد والعين ثم دال مهملات أي الطرقات جمع صعد والصعد جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وقيل جمع صعدة الظلمة وهي فناء الباب وممر الناس بين يديه (تجأرون) بالجيم فالهمز فالراء بوزن يعلمون أي يرفعون أصواتهم والجؤار رفع الصوت (الى الله تعالى) زاد الطبرانى في الكبير والحاكم والبيهقى في الشعب من حديث أبي الدرداء لا يدرون أينجون أو لا ينجون وللحاكم من حديث أبي هريرة لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكتيم كثيرا يظهر النفاق وترتفع الامانة وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اناخ بكم الشر والجور الفتن كامثال الليل المظلم (وقال) صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبي (واني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن الاغر المزني قالوا وليس له في الكتب الستة سوي هذا الحديث وقوله ليغان على قلبى بالمعجمة قال السيوطي المختار ان هذا من المتشابه التى لا يخاض في معناه وقد سئل عنه الاصمعي فقال لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت عليه ولكن العرب تزعم أن الغين الغيم الرقيق واخرج البخاري والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله انى لاستغر الله وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وأخرج البخاري في الادب من حديث ابن عمر توبوا الى الله فاني أتوب اليه كل يوم مائة مرة (عن سنته) أي طريقته اللازمة له (والمعرفة) بالله عز وجل (رأس مالي) أى لان من عرف الله عز وجل وعرف أنه هو المتكفل بارزاق العباد وان لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وثق به جل وعلا كما يثق صاحب التجارة برأس ماله (والعقل) أراد به الذي ينظر به الشخص في عواقب الامور (أصل ديني) أي لانه الباعث(2/293)
والحب اساسي والشوق مركبى وذكر الله انيسى والثقة كنزى والحزن رفيقى والعلم سلاحى والصبر زادى والرضى غنيمتى والعجز فخرى والزهد حرفتي واليقين قوتى والصدق شفيعى والطاعة حسبى والجهاد خلقى وقرة عيني في الصلاة وفي حديث آخر وثمرة فؤادي في ذكره وغمى لاجل أمتى وشوقى الى ربى.
«فصل» قال القاضى عياض اذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرنا ووجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو اثنتين ان اتفقا له في كل عصر حتى يعظم قدره وتضرب باسمه الامثال فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال الى ما لا يأخذه عدّ ولا يعبر عنه مقال ولا ينال بكسب ولا حيلة الا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء والاسراء والرؤية والقرب والدنو والوحى والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث الى الاحمر والاسود والصلاة بالانبياء والشهادة بينهم وبين أممهم وسيادة ولد آدم ولواء الحمد والبشارة والنذارة والمكانة عند ذى العرش والطاعة ثم الامانة والهداية ورحمة للعالمين واعطاء الرضا والسؤال والكوثر وسماع القول واتمام النعمة والعفو عن ما تقدم وما تأخر وشرح الصدر ووضع الوزر على الاعمال الصالحة وترك ما يسخط الباري تعالى من المعاصي والخلود الى الدنيا الفانية (والحب) لله عز وجل (أساسي) أي أصلي كأساس البناء يعني أن خلقتى ركبت في الاصل على المحبة لا أحتاج فيها الى تكلف (والشوق) الى ربي (مركبي) الذى أقطع عليه الطريق اليه سبحانه وتعالى وأراد أن شوقى اليه يعيننى على التقرب اليه بطاعته ومجانبة سخطه (وذكر الله أنيسي) الذى آنس به أي لان ذاكر الله تعالى واقف على درجات القرب ومقام المشاهدة والحضور وكيف يدخل الخوف ممن سوى الله على من هو كذلك (والثقة) بالله (كنزي) الذي لا أخاف عليه نفادا كما يخافه صاحب الكنز (والحزن) أى لاجل امتى (رفيقي) أي لا يفارقني (والعلم) بالله واحكامه (سلاحى) الذي أسطوبه على ابليس وجنوده فلا يستطيع أحد منهم أن يكيدني (والصبر) بانواعه (ردائى) أي خلقى وسجيتى فعبر عن ذلك بالرداء (والرضى) بقضاء الله (والزهد) في الدنيا وفيما في أيدي الناس (والصدق) في القول والعمل (والطاعة) لله في اتيان ما أمر به واجتناب ما نهي عنه (حسبي) أي كفايتى (والجهاد) للكفار (وغمي) هو الحزن الذى يأخذ بالنفس.
(فصل) قال القاضي (ووجدنا الواحد) في بعض نسخ الشفاء ورأينا (والخلة) بضم المعجمة (ووضع)(2/294)
ورفع الذكر وعزة النظر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة وايتاء الكتاب والحكمة والسبع المثانى والقرآن العظيم وتزكية الامة والدعاء الى الله تعالى وصلاة الله وملائكته عليه والحكم بين الناس بما آتاه الله ووضع الاصر والاغلال عنهم والقسم باسمه واجابة دعوته وتكليم الجمادات والعجم واحياء الموتى واسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق القمر ورد الشمس وقلب الاعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل الغمام وتسبيح الحصا وأبراء الآلام والعصمة من الناس الى ما لا يحويه محتفل ولا يحيط بعلمه الا مانحه ذلك ومفضله به لا إله غيره الى ما اعدله في الدار الآخرة من منازل الكرامة ودرجات القدس ومراتب السعادة والحسني والزيادة التي تقف دونها العقول ويحاردون درايتها الوهم
[الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات]
(الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات) اعلم علمنا الله واياك ان مما يذم في التقليد التعصب للمذاهب والجمود عليها واستثقال كل بخلاف ما وطن نفسه عليه من تبعية امامه ولا يقبل غيره وان قام الدليل على خلافه حتى كأن الحق منحصر فيه أو كأن امامه نبيه وكل ذلك لعدم الانصاف ولقد انصف الشافعى حيث قدم الى أصحابه ما معناه اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولى اشفاقا منه عليهم ان توقعهم العصبية في المخالفة وقد كان له تضلع في علم الحديث فلم يقم الدليل على خلاف مذهبه الا باداء مما لا يعصم البشر عن وقوع مثله وربما اعتل بعض المقلدين عند قيام الحجة الاصر وهو العهد والذنب والثقل (ونزول السكينة) هي فعيلة من السكون وهى الرحمة أو الطمأنينة أو الوقار أو ما يسكن اليه الشخص أقوال (والاغلال) أي المواثيق اللازمة لزوم الغل للعنق (وتكليم الجمادات) جمع جماد وهو ما ليس بحيوان (والعجم) بضم المهملة وسكون الجيم جمع أعجم وهو من لا يقدر على الكلام أصلا (محتفل) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية وكسر الفاء والمحتفل بالشيء هو المعتنى به والمبالغ فيه (ما أعدله) مبنى للفاعل والمفعول
(الباب الثالث) في شمائله في العبادات (التعصب) بالفتح (والجمود) بضم الميم أى الوقوف كوقوف الشيء الجامد (كان الحق) بفتح الهمزة وتشديد النون (اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولي) وفي رواية اخرى عنه فهو مذهبي وفي اخرى عنه فاضربوا بمذهبي عرض الحائط (تضلع) باعجام الضاد واهمال العين أى صار ضليعا أي عظيما (اعتل) بهمز وصل وسكون المهملة وفتح الفوقية وتشديد اللام(2/295)
عليه قال لعل امامي علم في ذلك ما لم اعلمه أو يرى من ينهه عن ذلك لا يتأهل للترجيح والاجتهاد وكل ذلك قصور وتقصير فقد نص جهابذة العلماء على ان الاجتهاد يتجزأ وان يجوز ان يكون الانسان محتهدا من حج في مسئلة أو باب دون غيره ومظنة الترجيح عليه الظن بعد البحث في وجوه الادلة وسيأتي في طي هذا الباب ما يفهمك فائدة تقديم هذه القاعدة جعلنا الله ممن يقبل الهدي أينما كان وعلى لسان من ظهر واصفين منصفين آمين* اعلم رحمك لله واياى ان هذا الباب واسع جدا موضع بسطه الحديث ومبسوطات كتب الفقه وانما أذكر نكتا وعيونا من أسرار عوائده التي واظب عليها صلى الله عليه وسلم وكادت لكثرة التسهيل والاهمال ان يذهب أكثرها فأنبه على ذلك على وجه الاختصار والايجاز مستعينا بالله وسائلا منه التوفيق
[فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء]
فمن ذلك عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء كان في غالب الأحوال يتوضأ لكل فريضة وقال من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات قال العلماء وانما يحصل هذا الثواب لمن استعمل الوضوء الأول وربما صلى في بعض الأوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع بالمد ونهى عن كثرة استعمال الماء وقال لسعد بن أبى وقاص لا تسرف وان كنت على نهر جار وقال ان للوضوء شيطانا يقال له الولهان واعتل بكذا معناه جعله علة له (لا يتأهل) أي لا يصير أهلا (جهابذة) جمع جهبذ بكسر الجيم والموحدة بينهما هاء ساكنة وآخره معجمة النقاد الخبير قاله في القاموس (كان في غالب الاحوال يتوضأ لكل فريضة) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أنس (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمرو ذلك لان هذا الوضوء من جملة الحسنات وهي مضاعفة الى ما ذكر (وانما يحصل هذا الثواب) ان صح كون الوضوء الثانى عبادة ولا يكون ذلك الا (لمن استعمل الوضوء الاول) أى صلى به صلاة ما ولو ركعة لا سجدة تلاوة ونحوها وليس الطواف في ذلك كالصلاة لان للصلاة أثرا عظيما في هذا الدين فكانت سببا لضعف الوضوء المحوج الى التجديد بخلاف غيرها هذا ان قلنا ان سنية التجديد معقولة وان قلنا تعبدية فكذلك أيضا لان التجديد انما ورد فيها ولا يقاس عليها العظمها (وربما صلى في بعض الاوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات) كما فعل يوم الخندق صلى أربع صلوات بوضوء واحد وصلى أيضا يوم فتح مكة الخمس بوضوء واحد (كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) أخرجه الشيخان وأبو داود عن أنس ولمسلم من حديث سفينة كان يغسله الصاع ويوضئه المد والمد رطل وثلث وهو ربع الصاع وأخرج أبو داود باسناد حسن انه صلى الله عليه وسلم توضأ باناء فيه قدر ثلثى مد (ان للوضوء شيطانا الى اخره) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبىّ بن كعب (الولهان) بفتح الواو واللام(2/296)
فاتقوا وساوس الماء وقال انه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون بالطهور والدعاء ففي هذه الأخبار ذم الاسراف في صب الماء فانه من الشيطان وقد صحت الأخبار عن محمد المختار انه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وغالب أحواله ثلاثا ثلاثا وكره الزيادة عليها والنقصان منها فكأنها حد بين الاقلال والاكثار وقد كانت أموره صلى الله عليه وسلم على حد الاعتدال ويصلح لمن كان على بعض أعضائه اذى أن يغسله قبل الوضوء ثم يتوضأ ليتم له الاقتصار على التثليث مع انه قد صحح الأكثرون ان غسلة واحدة تنوب عنهما وربما ثلث صلى الله عليه وسلم في بعض الأعضاء ونقص في بعضها وربما ثلث في الكل وغسل الرجلين بغير عدد وأما الرأس فأكثر الروايات وأصحها على التوحيد في مسحه وروي التثليث في حديث حسن فينبغي التثليث من أجله وكان صلى الله عليه وسلم يعم جميع رأسه بالمسح ويقبل بيديه ويدبر وحيث ما اقتصر على بعضه لعمامة ونحوها كمل بالمسح عليها ولم يقتصر (وسواس الماء) بفتح الواو (سيكون في هذه الامة قوم يعتذرون الى آخره) أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معقل المزني وأخرجه أيضا عن سعد بدون ذكر الطهور (في الطهور) بضم الطاء (والدعاء) قال الخطابي ليس معني الاعتداء الاكثار وانما هو مثل ما روي عن سعد يعنى انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذبك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا أي ومثل ما روي عن عبد الله بن معقل انه سمع ابنه يقول اللهم إنى أسألك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها وقال ابن جريج من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح وقال عطية الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل فيقولون اللهم اخزهم اللهم العنهم وقال أبو مجلزهم الذين يسألون منازل الانبياء (وقد صحت الاخبار) في صحيح البخاري وغيره (وكره الزيادة عليها) أى الثلاث (والنقصان منها) بقوله هكذا الوضوء فمن أزاد أو نقص فقد أساء وظلم أخرجه أبو داود باسانيد صحيحة وفي رواية للنسائى فقد أساء وتعدي وظلم قال امام الحرمين أساء معناه ترك الافضل وتعدى السنة وظلم أى وضع الشيء في غير موضعه (ويصلح) بمعني ويسن (اذي) طاهرا كان أو نجسا (صحح الاكثرون) ومنهم النووي وكذا الرافعي في غير النجس (ان غسلة واحدة تنوب عنهما) ما لم تكن نجاسة عينية أو غير نجاسة وصعب وصول الماء الى المحل أولم يمنعه ولكنها غيرته تغيرا يخرج به الماء عن كونه طهورا (وروي التثليث في حديث) أخرجه أبو داود باسناد حسن (و) كان (يقبل بيديه ويدبر) اخرج الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن زيد انه صلى الله عليه وسلم مسح بيديه فاقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه قال العلماء واستحباب الرد يختص بمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل الى جميعه والا اقتصر على الذهاب (كمل بالمسح عليها) كما أخرجه مسلم عن المغيرة بن شعبة بلفظ فمسح بناصيته وعلى العمامة ففيه ندب استيعاب(2/297)
على بعض مسح الرأس من غير تتميم على العمامة أبدا وأما المضمضة والاستنشاق فأصح الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها بيمينه ويستنثر بشماله قال ابن الصلاح ولم يثبت في الفصل شيء. قلت رواه أبو داود بسند لم يضعفه فهو حجة عنده والله أعلم. وكان صلى الله عليه وسلم يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما قال شيخ شيوخنا القاضي مجد الدين الشيرازي ولم يثبت في مسح الرقبة حديث (تنبيه) في سنن أبى داود من رواية ابن عباس رضى الله عنهما عن علىّ كرم الله وجهه حين أراه كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ففيه انه أدخل يده في الاناء جميعا فغسل وجهه ثلاثا وهو فعل حسن يعرف حسنه بالمشاهدة وفيه انه بعد غسل الوجه أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تشتر على وجهه وكأنه والله أعلم فعل ذلك استظهارا على غسل مقدم الوجه فهاتان سنتان قل من يعمل بهما ويثابر عليهما وفيه انه غسل رجليه في النعلين وفتلهما ليصل الماء الى ما تحت السيور* قال ابن عباس قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال ذلك ثلاثا ففيه تأييد لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما صلى في نعليه وقال تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم وقد صحح جماعة من أصحابنا جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين وكان صلى الناصية ثم التتميم (جمع بينهما بثلاث غرفات الي آخره) أخرجه الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم (ويستنثر) بفوقية فنون فمثلثة أى يستخرج الماء من انفه واشتقاقه من النثرة وهي طرف الانف (رواه أبو داود) عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده (بسند لم يضعفه) لكن ضعفه غيره (كان يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما) أخرجه أبو داود عن ابن عباس وصححه الترمذى وابن حبان وكان يمسحهما بماء خلاف الماء الذي لرأسه أخرجه البيهقى عن عبد الله بن زيد (لم يثبت في مسح الرقبة حديث) وأما خبر مسح الرقبة امان من الغل وأثر ابن عمر من توضأ ومسح عنقه وقى الغلى يوم القيامة فقال النووي وغيره الخبر المذكور موضوع والاثر غير معروف ومسح الرقبة بدعة وتعقب بعض المتأخرين كلام النووي بان الخبر روى بسند ضعيف أي وهو يعمل به في الفضائل وقد صحح الرافعي في الصغير انه سنة (قبضة) بضم القاف اسم للشيء المقبوض وبالفتح المرة من القبض (تشتر) بالمعجمة أي تنصب متفرقة (يثابر) بالمثلثة والموحدة يحافظ وزنا ومعني (وفتلهما) بالفاء أى ادارهما يعنى رجليه (وربما صلى في نعليه) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أنس (تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) أخرجه أبو نعيم في الحلية عر أنس (وقد صحح جماعة من أصحابنا) أحد قولى الشافعي وهو (جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله) نجاسة جافة لا جرم لها ولم يتعمدها (اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين) وذلك بالقياس على موضع الاستنجاء والثاني وهو الاصح لا تجزئه كما لو مسح النجاسة عن ثوبه وصلى فيه وفارق الاستنجاء بانه(2/298)
الله عليه وسلم يرفّع في غسل أعضاء الوضوء وقال ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم ان يطيل غرته وتحجيله فليفعل أخرجه الشيخان والغرة مقدم الرأس مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضدين مع الذراعين وبعض الساقين مع الرجلين وغايته استيعاب العضد والساق فكان صلى الله عليه وسلم يسمى الله أوله ووردت أحاديث تدل على التحتم في التسمية وكلها مؤولة أو ضعيفة وكان يقول في أثنائه ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح عن أبى موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول اللهم اغفر لى ذنبى ووسع لى في داري وروى في ذاتى وبارك لى في رزقى فقلت يا رسول الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال وهل تركن من شيء وكان يقول بعد فراغه ما رواه عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء رواه مسلم وزاد الترمذى فيه اللهم اجعلني يتكرر بخلاف هذا (غرا) بضم المعجمة جمع أغر والغرة بياض يكون في وجه الفرس (محجلين) أى بيض الاوجه والايدى والارجل (أخرجه الشيخان) عن أبي هريرة ولمسلم عنه أيضا أنتم الغر المحجلون الى آخره (مقدم الرأس مع الوجه) وكذا صفحة العنق (استيعاب العضد) بان يغسل الى المنكب (والساق) بان يغسل الى الركبة (فكان يسمى الله أوله) أخرجه النسائي بسند جيد كما في المجموع عن أنس قال طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوأ فلم يجدوا فقال صلى الله عليه وسلم هل مع أحد منكم ماء فاتي بماء فوضع يده في الاناء الذى فيه الماء ثم قال توضؤا بسم الله وهذا اقل مجزى فيها والاكمل كما في المجموع بسم الله الرحمن الرحيم لحديث كل أمر ذى بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الخطيب (وورد أحاديث تدل على التحتم في البسملة) كحديث لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبرانى والحاكم عن أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه عن سعيد بن زيد وأبى سعيد وسهل بن سعد (وكلها مؤولة) بان المراد نفي كمال الوضوء كحديث لا صلاة بحضرة طعام (أو ضعيفة) يرد هذا ان الحاكم صحح اسناده وقال الترمذى قال محمد بن اسماعيل يعنى البخاري أحسن شيء في هذا الباب هذا الحديث (ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح) لكن فيه عباد بن عباد بن علقمة وقد وثقه أيضا أبو داود ويحيى بن معين وابن حبان واسم ابن السنى أحمد بن محمد بن اسحاق (عن أبي موسى الاشعرى) وأخرجه الترمذي من حديث أبى هريرة ولم يذكر الوضوء (وروي في ذاتي) بالمعجمة والفوقية أى اجعل ذاتي واسعة لا ضيق فيها (وهل تركن من شيء) ينبغى الدعاء به من امور الدنيا والآخرة (من توضأ) زاد أبو داود والنسائى فاحسن الوضوء (فقال) زاد ابن ماجه من حديث أنس ثلاث مرات (الثمانية) بالرفع (رواه مسلم) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (وزاد الترمذي) من حديث أبي ادريس الخولاني وأبى عثمان النهدى عن(2/299)
من التوابين واجعلنى من المتطهرين زاد النسائى سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك. وأما الدعاء المفرق على الأعضاء فقد ادعى الامام النووي رحمه الله انه لا أصل له واستدرك عليه في هذه العبارة فقد روى فيه ابن حبان حديثا من جهة عباد بن صهيب. وقد قال أبو داود فيه انه صدوق والله أعلم.
[فصل في تيممه صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في تيممه صلى الله عليه وسلم أصح الاحاديث في كيفيته ما اتفق الشيخان على تخريجه عن عمار بن ياسر قال بعثنا النبى صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انما يكفيك ان تضرب بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وفي رواية لهما وضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه ففي هذا الحديث أدل دليل على انه لا يشترط فوق ذلك ولا يجزئ دونه لأنه خرج مخرج التعليم والارشاد الى القدر الكافي في التيمم وبه أخذ عامة المحدثين قيل ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين ولا مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين عمر (فقد ادعى النووى انه لا أصل له) كذا قاله في الروضة والمنهاج ومراده أنه لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به في الاذكار والتنقيح (فقد روي فيه ابن حبان) في التاريخ وابن أبى حاتم في العلل وجمع فيه ابن عساكر جزأ.
(فصل) في تيممه (كما تتمرغ) للبخاري بحذف تاء الاستقبال (ففي هذا الحديث أدل دليل على) ما في القديم واختاره النووي في المجموع والشيخ من حيث الدليل (أنه لا يشترط) بمعنى لا يجب (فوق ذلك) أى فوق مسح اليدين الى الكوعين فقط (ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين) الا ما أخرجه الطبراني والحاكم عن ابن عمر موقوفا عليه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين مسح باحداهما وجهه وبالاخرى ذراعيه لكن فيه راو ليس بالقوي عند أكثر المحدثين ذكره في المجموع فمن ثم صحح ان الضربتين انما هما سنة لكن الثاني هو المعروف من مذهب الشافعى (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط (مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين) الا ما مر في حديث الطبراني والحاكم لكن قال الشافعى صح عنه صلى الله عليه وسلم مسح وجهه وذراعيه قال وهذا الذى منعنا أى في القول الجديد أن نأخذ برواية عمار قال وهذا أحفظ وأشبه بالقرآن فانه تعالى أوجب طهارة الاعضاء الاربعة في الوضوء في أول الآية ثم أسقط منها عضوين في التيمم في آخر الآية فبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء اذ لو اختلفا لبينهما انتهى قال الخطابي الاقتصار على الكفين أصح رواية ووجوب مسح الذراعين أشبه في(2/300)
ولا التحتم في التيمم لكل فريضة ولأنه لا يجزى غير التراب الذى له غبار بل قال النبى صلى الله عليه وسلم جعلت لى الارض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل وفي حديث آخر فحيث ما أدركت رجلا من أمتى الصلاة فعنده مسجده وطهوره والله أعلم.
[فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات]
(فصل) في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات وما اشتملت عليه صلاته من الكيفيات المختلفات والاسرار الخفيات. اعلم ان الصلاة أعظم شعائر الاسلام ولم يعبد بها أحد غير الله ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم اسلام أحد دونها ولهذا ما ورد ان أهل الطائف سألوه ان يقبل اسلامهم ويحط عنهم الصلاة فأبى عليهم وقال لا خير في دين ليس فيه ركوع وقال أول ما يحاسب به العبد الصلاة فهى في هذا الدين كالعنوان أو كأساس البنيان لذلك ما ذكر في أصل مشروعيتها من عظيم الشأن وترديد النبي صلى الله عليه وسلم بين موسى وربه في التحطيط منها حتى رجعت من خمسين الى خمس قال تعالى هي خمس وهن خمسون يعني في الثواب كما هو في أم الكتاب ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد. وقد نطق القرآن العظيم بفضلها وعظم موقعها وجلالة قدرها وجاءت السنة بأضعاف ذلك فمن مجموع ذلك انها معينة على قضاء الاصول وأصح في القياس (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (التحتم في التيمم لكل فريضة) أراد حديثا مرفوعا اليه صلى الله عليه وسلم والا فقد أخرج البيهقي باسناد صحيح عن ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة وان لم يحدث واستدل لذلك بقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى أن قال فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقى التيمم على مقتضاه وعلله الاصحاب بانه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (أنه لا يجزي) بفتح أوله بلا همز وضمه مع الهمز (غير التراب الذي له غبار) بل أخذ أصحابنا من قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا كما نقل عن تفسير ابن عباس وغيره (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود عن أبي ذر وهو عام خصصه رواية مسلم وتربتها لنا طهورا ورواية الدارقطني وأبي عوانة عن حذيفة وترابها وزيادة الثقة مقبولة.
(فصل) في عادته في الصلاة (غير الله) بالرفع والنصب (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) فان صلحت صلح له سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله أخرجه الطبراني في الاوسط والضياء عن أنس ولا يعارض هذا الحديث ما أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء لان هذا فيما بين العباد وذاك فيما بين العبد وبين الله تعالى قاله النووي ويؤيد قول النووى ما أخرجه النسائي(2/301)
الحاجات المهمات لقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ومنه قوله تعالى فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتضاعف الحسنات وتغسل ادران الذنوب وترفع الدرجات وجاء فيها انها نور مطلق وشافعة للمصلى عند ربه ومسهلة عليه المرور على الصراط وكاشفة لكربه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه شيء فزع الى الصلاة ثم انها جالبة للرزق كما في قوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وجاء انها شفاء من وجع البطن قم فصل فان الصلاة شفاء وفضلها أجل من ان يحصر وأشهر من ان يذكر ولأجل ما استجمعت من الخيرات ودفع المكروهات قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة. وفي رواية الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من حب الصلاة وقال أقم الصلاة يا بلال وأرحنا بها* وقد قدمنا ما يلحق مفوتها من الوبال والخزي والنكال في صلاة الخوف في طى غزوة ذات الرقاع. ونشرع الآن في مهمات من وجوه تحسينها والأمور المؤدية الى قبولها فركنها الأعظم بعد النية وأعمالها الطاهرة التي لا تصلح الا بها الخشوع والتدبر والخضوع* قال الله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وقال تعالى من حديث ابن مسعود أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضي بين الناس في الدماء (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي نادت زكريا (فِي الْمِحْرابِ) أى في الغرفة (وتغسل أدران) بالمهملة والراء أي أو ساخ (الذنوب) ففي الحديث الصحيح أرأيتم لوان نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقي من درنه شيء قالوا لا قال كذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا لفظ مسلم (وجاء فيها أنها نور مطلق) أخرجه القضاعى وابن عساكر عن أنس (وكان اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة) أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة وحزبه بالمهملة فالزاى أهمه وانما كان يفزع الي الصلاة امتثالا لامر ربه في قوله وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (قم فصل فان في الصلاة شفاء) أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (وأرحنا بها) أي ادخل علينا الروح والراحة التى نجدها في الصلاة ومناجاة الله تعالى (الخشوع) هو غض البصر وخفض الصوت ومحله القلب وعن علي أن الخشوع أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا وعن ابن جبير أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره وعن عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وعن ابن سيرين هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وعن عطاء هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة وقيل هو جمع الهيئة والاعراض عما سوى الصلاة (والتدبر) فيما يجرى على لسانه من القراءة والذكر وأصل التدبر اتباع الدبر أي القفا فكان المتدبر يتقفي ما يلفظ به لسانه فيتعقل معناه (والخضوع) قال البغوي هو قريب من الخشوع الا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أى مخبتون أذلاء قاله ابن عباس(2/302)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ قال بعضهم وان كانت الآية في سكر الخمر ففي قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ تنبيه على سكر الدنيا فكم من مصل لم يشرب الخمر وهو لا يعلم ما يقول ولا يدري كم صلى من استغراق همه بالوساوس الدنيوية وربما كانت في معصية فيكون الوبال فيها أعظم. ومثل من انطوت صلاته على هذه القاذورات مثل من اتخذ صناديق المصاحف وعاء للخمر والنجاسات. وروي عنه صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه وروي عن الحسن البصرى كل صلاة لم يحضر فيها القلب فهى الى العقوبة أسرع وقد أتى على هذا المعنى الفقيه الفاضل صفي الدين اسماعيل بن أبى بكر المقري في قصيدته الواعظة المشهورة فقال
ذنوبك في الطاعات وهى كثيرة ... اذا عددت تكفيك عن كل زلة
تصلى صلاة يعلم الله أنها ... بفعلك هذا طاعة كالخطيئة
وقد مثلت الصلاة في صورة حيوانية روحها النية والاخلاص وحضور القلب ويديها الاعمال كالقيام والقعود. ورأسها الركوع والسجود والاركان التى لا بد منها. وجوارحها ووجوه تحسينها يجرى مجرى الابعاض والسنن ومثلوا المصلى في توجهه بها الى ربه كمثل من يهدي جارية الى ملك معظم فان أداها بلا نية فهو كمن أهدى الجارية ميتة وان أداها فاقدة الاركان فهى كمن أداها مقطوعة الاعضاء وان أداها فاقدة الابعاض والآداب فهى كمن أداها مشوهة فيكون المهدى في جميع ذلك مستحقا للعقوبة لا للمثوبة لان هديته لمن يعظم قدره ممن هو بهذه الصفات المذمومة فيه نوع استهزاء وتهاون بقدر المهدى اليه. وروى البيهقى وغيره عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فابلغ الوضوء ثم قام الى الصلاة فاتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتنى ثم يصعد بها الى السماء ولها ضوء ونور فتفتح أبواب السماء حتى ينتهى بها الى الله تعالى فتشفع لصاحبها واذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة قالت ضيعك الله كما ضيعتنى ثم يصعد بها الى السماء وعليها ظلمة فتغلق دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب أو خائفون قاله الحسن وقتادة أو متواضعون قاله مقاتل أو ما مر من الأقوال (وان كانت الآية في شرب الخمر) على ما قاله الأكثرون أو في النوم على ما قاله الضحاك (لا ينظر الله) أي لا يقبل (لا للمثوبة) بفتح الميم وضم المثلثة أي الثواب (لمن يعظم) بفتح الياء وسكون المهملة وضم المعجمة (المهدى اليه)(2/303)
بها وجه صاحبها. وخرج أيضا عن أبى هريرة ذكرت السرقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أى السرقة تعدون أقبح. قالوا الرجل سرق من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أقبح السرقة الذى سرق صلاته قالوا وكيف يسرق أحدنا صلاته قال لا يتم ركوعها وسجودها ولا خشوعها. ومن تخريجه أيضا مرفوعا من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها اذا خلا فتلك استهانة استهان بها ربه. ومن تخريجه أيضا مرفوعا ان الرجل ليصلى الصلاة ماله منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها يعنى بمقدار ما استحضر منها وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ميزان فمن أوفا استوفي ونحوه عن سلمان موقوفا الصلاة مكيال فمن وفا أوفي له ومن نقص فقد علمتم ما للمطففين. وقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهدا ان شاء غفر له وان شاء عذبه رواه أبو داود وغيره. وروي عن عمر بن الخطاب انه قال وهو على المنبر الرجل لتشيب عارضاه في الاسلام وما أكمل الله له صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها واقباله على الله تعالى فيها. وكان الحسن البصري يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك اذا هانت عليك صلاتك. وقال أيضا تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق والاحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة معلومة فانظر يا أخى عظم موقع الصلاة من الدين وما ورد في أصل تفويتها من الوعيد الشديد المفضى الى شقاوة الدارين والعياذ بالله ثم ما ورد في التساهل في أفعالها والتهاون بها من الخسران والخيبة والحرمان والله المستعان فينبغى للعاقل المتصف بالسنة أن يحيط بعلومها بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة (ومن تخريجه) أي البيهقى عن ابن مسعود (مرفوعا) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحسن الصلاة الى آخره) وأخرجه عن ابن مسعود أيضا أبو يعلى وعبد الرزاق في الجامع (استهانة) أي اختيارا (ومن تخريجه أيضا) عن عمار بن ياسر (ان الرجل ليصلى الصلاة الى آخره) وأخرجه أيضا أبو داود وأحمد وابن حبان (تسعها) بضم ثانيه وسكونه وكذا ما بعده الا نصفها فليس فيه سوى السكون (يعنى بمقدار ما استحضر منها) مدرج من كلام الراوي (وروي أيضا) البيهقى في الشعب (فقد علمتم ما للمطففين) وهو الويل المذكور في القرآن (رواه أبو داود وغيره) كالبيهقي في السنن (المفضي) بضم الميم وسكون الفاء وكسر المعجمة أى الموصل(2/304)
وان يفرغ وسعه في تقويمها ويتعرف الآيات الواردة في فضلها والحث عليها ويراجع تفسيرها ويتأمل المأثور من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فبذلك يتجوهر باطنه ويتزين بالشرع ظاهره ويتروح بالعبادات وتخف على قلبه كلف المجاهدات كما قال بعض السادة جاهدت للصلاة عشرين سنة وتنعمت بها بقية العمر وهذا المقام الذي أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله قرة عينى في الصلاة ويا بلال أقم الصلاة وارحنا بها. واعلم ان التفريط والتساهل في أفعال الصلاة ان جرى من العلماء المقتدي بهم الذى تلاحظ العامة أفعالهم عظم خطره وعم ضرره لانهم سبب الهداية والضلال وطباع الناس الى المتابعة في الافعال أميل منها الى المتابعة في الاقوال ومثل من يأمر بالاستقامة وينحرف عنها كمن يكذب بعضه بعضا ويتبع ابرامه نقضا ويحل عليه مقت الله تعالى قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. قال ابن السماك وعظت الناس يوما فأعجبنى وعظي فسمعت هاتفا يقول
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأنى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم
وقال صاحب البردة:
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم
(وأن يفرغ وسعه) أى يبذل طاقته (يتجوهر باطنه) أى يصبر كالجوهر صافيا لا كدر فيه (ويتروح بالعبادات) أي يستريح بها (كلف) بضم الكاف وفتح اللام جمع كلفة وهي المشقة (ويتبع ابرامه) بالنصب والا برام الاحكام (نقضا) بالنصب مفعول ثان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت حين قالوا لو علمنا أحب الاعمال الى الله تعالى لعملناه ولبذلنا أنفسنا وأموالنا فأنزل الله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين قاله أكثر المفسرين أو لأن الله أخبر رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية قاله محمد بن كعب القرظي أو نزلت فيمن قال قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب قاله الضحاك أو نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين بان ينصرون وهم كاذبون قاله ابن زيد (كبر) أي عظم (مقتا) أي بغضا شديدا (ان تقولوا ما لا تفعلون) أي ان تعدوا من أنفسكم شيأ ثم لم توفوا به (ابن السماك) بفتح المهملة وتشديد الميم (وتأتي مثله) بالنصب على جواب النهي (ائتمرت)(2/305)
وأعظم ما في ذلة العالم من الخطر ان تبقى سنة مأثورة بعده ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه ولذلك قيل ان الصغائر من العلماء كالكبائر من العامة وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وان كان التساهل في الصلاة والاخلال جرى من العامة الجهال فينبغى للعلماء تعريفهم لما أخذ الله على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقد ردد النبي صلى الله عليه وسلم المسئ صلاته ثلاث مرات كل ذلك يقول له ارجع فصل فانك لم تصل وانما لم يعلمه اول مرة ليكون أبلغ في التبكيت وأوقع في النفس. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل ممن صلى خلفه يا فلان ألا تحسن صلاتك ألا تنظر المصلى اذا صلى كيف يصلى فانما يصلى لنفسه. انى والله لأبصر من ورائى كما أبصر من بين يدى. ورأى حذيفة رجلا يصلى لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال حذيفة منذكم صليت قال منذ أربعين سنة قال له حذيفة ما صليت ولو قدمت مت على غير الفطرة التى فطر الله عليها محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك مروي في الصحيحين. وقال ميمون بن مهران مثل الذي يرى الرجل يسيء صلاته فلا ينهاه مثل الذي يرى النائم تنهشه حية فلا يوقظه* واعلم ان العالم الذي تنجع موعظته وتؤثر كلمته هو الذي صلحت منه النية وحاز الوراثة النبوية وصدقت عليه الأوصاف الرسولية وصدق عليه المثل الأول من أمثال الغيوب السماوية وكان مقامه في الخلق مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم ولذلك صار موته ثلمة في الاسلام قال بعضهم اذا صدرت الموعظة من القلب وقعت في وسط القلب واذا صدرت من ظاهر اللسان لم تجاوز الآذان وقيل لبعضهم ما بال علماء السلف كانت تؤثر موعظتهم وليس كذلك علماء الوقت فقال سبب ذلك ان علماء السلف كانوا ايقاظا والناس نياما والمستيقظ يوقظ النائم وعلماء الوقت نيام بياء المتكلم (من سن في الاسلام الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبى عدى والبيهقى في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة (المسىء صلاته) هو خلاد بن رافع الزرقي أخو رفاعة بن رافع (ورأي حذيفة رجلا يصلي) أخرجه البخاري معلقا وأخرجه أحمد مسندا (لا يتم الركوع والسجود) زاد أحمد (فقال له حذيفة منذ كم صليت قال منذ أربعين سنة) قال في التوشيح هذه الزيادة اما شاذة أو وهم وذلك لان حذيفة مات سنة ست وثلاثين والصلاة لم تفرض قبل هذه المدة باربعين سنة انتهى (قلت) لعل حذيفة قال له ذلك قرب موته والصلاة فرضت قبل هذا بسبع وثلاثين سنة فقال منذ أربعين تقريبا لا تحديدا (مقام الانبياء) بالنصب(2/306)
والناس موتى والنائم لا يوقظ الميت اللهم انا نسئلك التوفيق ونعوذ بك من الخذلان.
[فصل فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله]
(فصل) فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله من ذلك ما روي ان زين العابدين علىّ بن الحسين رضى الله عنهم كان يتغير عند كل وضوء ويصغر لونه فاذا قام الى الصلاة أخذته رعدة فقيل له في ذلك فقال ما تدرون بين يدى من أقوم ووقعت نار في بيت وهو ساجد فيه فجعلوا يصيحون به فلم يرفع رأسه حتى وقعت النار في جانب البيت ولم تتعداه فلما رفع رأسه كلموه في ذلك فقال الهتني عنها النار الآخرة* وقال عبد الرزاق ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج يركد كأنه اسطوانة ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وكان عبد الله بن الزبير اذا سجد تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذم حائط من طول السجود وقال سعد بن معاذ رضى الله عنه ثلاث أنا فيهن رجل وما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيأ قط الا علمت انه الحق من عند الله لا شك فيه ولا صليت صلاة قط فحدثت نفسى بغيرها حتى أفرغ منها ولا شهدت جنازة قط فحدثت نفسى بغير ما هى قائلة أو مقول لها. وقال الزهرى رحمه الله وسعدا أن كان لمؤتمنا على ما قال ولقد بلغنى انها خصال لا يعطاهن الا نبي أو من كان شبيها بنبي. وقال أبو بكر الوراق ربما أصلى فأنصرف منها وأنا أستحى من الله حياء رجل انصرف من الزنا. وحكي عن محمد بن يوسف الفرغانى انه رأى حاتم الأصم واقفا يعظ الناس فقال يا حاتم أراك تعظ الناس فتحسن ان تصلى قال نعم قال كيف تصلى قال أقوم بالأمر وأمشى بالسكينة وأدخل بالهيبة وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم على السنة وأسلمها الى ربى وأحفظها أيام حياتى وأرجع (فصل) (فيما ذكر من صلاة السلف الصالحين) (على بن الحسين) بن على بن أبى طالب كان رضي الله عنه نهاية في العلم غاية في العبادة قال الزهرى ما رأيت قرشيا أفضل منه توفي سنة ثلاث وتسعين وجميع الحسنيين من نسله وأمه أم ولد واسمها سلافة قال السهيلى وهى بنت كسرى يزدجرد (رعدة) بكسر الراء كما مر (الهتني) أي شغلتني (اسطوانة) أى دعامة (جذم حائط) بكسر الجيم وسكون المعجمة أي أصل حائط (وقال سعد بن معاذ) أخرجة ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس قال قال سعد فذكره (وقال أبو بكر) اسمه محمد بن عمر (الوراق) بفتح الواو وتشديد الراء آخره قاف الترمذى قال القشيري أقام ببلخ وصحب أحمد ابن حصرويه وغيره وله تصانيف في الرياضات (أصلى فانصرف الي آخره) قال ذلك لعظم الادب عنده ومعرفة كل انسان بأدب الصلاة على قدر حظه من القرب قاله السهروردى في عوارف المعارف (الفرغاني) بفتح الفاء وسكون الراء ثم معجمة وبعد الالف نون منسوب الى فرغانة ناحية بالشرق (بالترتيل) أي بالتنزيل(2/307)
باللوم على نفسى وأخاف ان لا تقبل مني وأرجو أن تقبل مني وأنا بين الرجاء والخوف وأشكر من علمني وأعلمها من سألني وأحمد ربى إذ هداني. قال له محمد بن يوسف مثلك يصح ان يكون واعظا فرحم الله حاتما ما أحسن ما وصف من حال صلاته ولقد صدق عليه وعلى أمثاله قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. وقال الشيخ الصالح القانت عبد الله بن خليل المقدسى سمعت بعض العلماء المحدثين يثنى على والدى بأنه يحسن الصلاة قال فتغير باطني لها لما علمت من جلالة قدر والدى وغزارة علمه ومعرفته بالله تعالى ثم بعد ذلك ظهر لى انه قد أبلغ في الثناء. قلت وتصديق ذلك عن بعض المحققين انه قال للصلاة ستمائة أداب ولا يحيط بذلك الا من زين الله باطنه بالمراقبة والخشوع وظاهره باتباع السنة والآن نرجع الى ما نحن بصدده من تسيير صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحر المعارف ومعدن اللطائف فنذكرها على الولاء من التحريم الى السلام ثم ما يتبعها من الاذكار عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم وبالله التوفيق وقبل ذلك انه صلى الله عليه وسلم كان اذا فرغ المؤذن من الاقامة وقام الى الصلاة لا بد ان يتخذ سترة بين يديه شيأ خطا أو غيره وكان المقصود من ذلك والله أعلم تهيئة حريم للصلاة حتى يمنع من مرّ دونها ويسكن في حركاته اليها وينكف بصره عليها ثم يأمرهم بتسوية الصفوف وتعديلها والتراص فيها ووصلها وسد الفرج وتقاربها ويحض على ذلك ويبالغ فيه بالقول والفعل والترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتهديد على من خالف ذلك حتى ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يتخلل الصف من ناحية الى ناحية ويمسح بيده الشريفة مناكبهم وصدورهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم (مثلك) بكسر الميم وسكون المثلثة (والذين يؤتون ما أتوا) وقرائة عائشة والذين يأتون ما أتوا أى يعملون ما عملوا من اعمال البر (وقلوبهم وجلة) أى خائفة ان ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وان أعمالهم لا تقبل منهم (انهم الي ربهم راجعون) لانهم يوقنون بالرجوع اليه تعالى قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا وخافوا ان يرد عليهم وأخرج الثعلبى عن عائشة قالت قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه (من خال) بالمعجمة مكبر (من تسيير) بتقديم المهملة على التحتية المكررة (لا بد أن يتخذ سترة) أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة تسمى بها بين يديه فاذا صلى ركزها بين يديه (وكان المقصود) بالتشديد (والتراص فيها) بفتح الفوقية والراء وتشديد الصاد المهملة أى التلاصق (وسد الفرج) جمع فرجة وهى الخلل في الصف (ويقول) استوواو (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) أخرجه(2/308)
وانه عدلهم مرة فلما أراد ان يكبر رأي رجلا باديا صدره من الصف فقال عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم حتى كان أحدهم يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة منتشرة فهي من السنن المؤكدة التى حض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها ولم يرخص في تركها وواظب عليها الخلفاء الراشدون بعده ولما اتسعت دائرة الاسلام في خلافة عمر اتخذ معدلين للصفوف ولا يكبر حتى يخبروه باستوائهم وكذلك فعل عثمان وكان علىّ كرم الله وجهه يقول تقدم يا فلان تأخر يا فلان فينبغى للأئمة الاهتمام بذلك والحرص على الاقتداء برسول الله صلى عليه وسلم وامتثالا لأمره وفرارا من نهيه وأن لا يكبروا حتى يستكمل تعديل الصف كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا رأى ان قد استووا كبر ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم منطوقا ولا مفهوما انه تلفظ بالنية ولا بالمنوى ولا دخل في الصلاة بغير التكبير واماما اعتاده الناس أمام التكبير من الشغل بالالفاظ التى تشترط نيتها كقصد فعل الصلاة وتعيينها ومفروضها فلا بأس به وقد قال العلماء يستحب ان يساعد بلسانه قلبه ولا كلام انه ان تكلم بلسانه من غير نية لم يجزه وان نوى بقلبه وتكلم بالتكبير فقط كما هو المنقول عنه صلى الله عليه وسلم أجزأه وبعض الناس يزيد في التحريم ألفاظا فيذكر النية واستقبال القبلة وعدد الركعات في تطويل وتهويل أحدثوه ما لم يرد به كتاب ولا سنة ولا أثر عمن تتم به أحمد ومسلم والنسائي عن ابن مسعود ولاحمد والشيخين وأبي داود والنسائى بن حديث أنس سووا صفوفكم فان تسوية الصف من اقامة الصلاة وللطبرانى في الاوسط وأبى نعيم في الحلية منه استووا تسووا قلوبكم تماسوا تراحموا وللدارمي من حديث البراء سووا صفوفكم لا تختلف قلوبكم والمراد بالتسوية اعتدال القائمين على سمت واحد ويطلق أيضا على سد الفرج التى في الصف وقوله فتختلف بالنصب على جواب النهى ومعنى اختلاف القلوب مسخها والعياذ بالله وتحويلها عن صورها وايقاع العداوة والبغضاء بينهم واختلاف القلوب كما يقال بغير وجه فلان على أى ظهر لى من وجهه الكراهة لى وتغير قلبه على وذلك لان مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر وهي سبب لمخالفة البواطن (عباد الله لتسون صفوفكم الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير وأخرجه ابن ماجه عنه أيضا بلفظ سووا صفوفكم الى آخره وقوله لتسون بضم الفوقية وفتح المهملة وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملي في صحيح البخارى لتساوون بواوين واللام لام القسم (أو يخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم) فيه القولان في اختلاف القلوب ويؤيد كونه حقيقيا حديث أحمد أو ليطمسن الوجوه (يلزق) يلصق (امام التكبير) بفتح الهمزة (قلبه) بالنصب(2/309)
القدوة ومما أحدث أيضا وعم العمل به حتى توهم كثير من الناس انه سنة أو واجب ما اعتاده المأمومون بأجمعهم من التكبير لتكبير احرام امامهم ثم يعيدون ينظمون الالفاظ ويكررونها لا حرام أنفسهم حتى يطول الفصل ويفوتهم فضيلة ادراك تكبيرة احرام الامام وأما حسن تلك التكبيرة الزائدة لو كانت تكبيرة عقد احرامهم وادركوا بها الفضيلة فقد قال محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وادراك تكبيرة الاحرام فضيلة وانما تحصل بالاشتغال بالتحريم عقيب تحريم امامه
[فصل في الموسوسين واستحكام إبليس عليهم]
ثم ان طائفة من الموسوسين استحكم عليهم تلبيس ابليس وعدلوا عن المعلوم الى الموهوم وجانبوا المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتحققت منهم طاعة اللعين. وصيرتهم الى سنة المجانين. فترى أحدهم يلعب بيديه عند التكبيرة في الهوى ونارة يعركها ويتلجي ويبلو نفسه في تردد عبارة الاحرام ويتلوي حتى كانه يحاول أمرا فادحا أو يتسوغ أجاجا مالحا حتى تفوته فضيلة تكبيرة احرام الامام جملة وربما فاتته الفاتحة فلم يطلقه شيطانه الا على رأس الركوع وربما فاتته الركعة الاولى أو الصلاة جملة فيقع في الخيبة والحرمان ويتحقق عليه استيلاء الشيطان. حتى تتأتى منه التكبيرة بمشقة وصوت فاحش يتآذي به من حوله وربما أذاهم وشوش عليهم بالجهر بالالفاظ السرية ولا يري انه يسمع نفسه الا بذلك فيتضاعف وزره مع مخالفته للسنة* ومنهم من أنكر العيان ومسموع الاذان حتى أنكر شيأ صدر مفعول يساعد (باجمعهم) بضم الميم (تلك التكبيرة) بالنصب على التعجب (لو كانت) اسمها مضمر فيها (عقد احرامهم) خبرها فقد (قال الامام محيى الدين النووي) وهذا لفظه في المنهاج (وادراك تكبيرة الاحرام) مع الامام (فضيلة) لورود الحث على ذلك عن السلف الصالح وأخرج الترمذى بسند منقطع من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولى كتبت له ثوابان برآة من النار وبرآة من النفاق (وانما يحصل) بشيئين بحضوره تكبيرة الامام و (بالاشتغال بالتحريم عقب تحريم امامه) من غير تراخ ولا وسوسة ظاهرة كما قاله في المجموع فافهم ان الوسوسة اليسيرة لا تمنع الادراك ودليل اشتراط الحضور يؤخذ من حديث الترمذي المار آنفا لان من أحرم الامام وهو غائب لا يسمى مدركا وكذا من أحرم في حضوره ولم يعقبه ويدل عليه فاذا كبير فكبروا والفاء للتعقيب ومن خشى فوات التكبيرة لم يسن له الاسراع ليدركها بل يمشى بسكينة كما لو لم يخف فوتها لقوله صلى الله عليه وسلم اذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة والوقار فما. أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وكذا لو خشي فوت الجماعة على المنقول خلافا للفارقي وابن أبي عصرون وقضيته كلام الرافعي (استحكم) أى غلبت (تلبيس ابليس) تخليطه وتشكيكه(2/310)
منه وسمعه غيره وشاهده فضلا عنه حتى اشبه بذلك مذهب السوفسطائية الذين أنكروا حقائق الموجودات والامور المحسوسات الضروريات وربما عظم الضرر باخذ الموسوسين حتى عجز عن النطق ضرورة قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي في كتابه الذي سماه كتاب ذم الوسواس وأهله قال لى انسان منهم قد عجزت عن قول السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قلت الآن وقد استوحت ونحو هذا وأوصافهم كثيرة قال وقد بلغ الشيطان منهم الى أن أغواهم في الدنيا وأخرجهم عن اتباع نبيهم المصطفي وأدخلهم في جملة المتنطعين الغالين في الدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا* واعلم ان مبادئ الوسواس ومنشأ سببه اما ضعف في العقل أو جهل بالسنة واقتدى الجاهلين بالمهملين. وروينا عن السيد الجليل أحمد بن عطاء الروذرباى رحمه الله ونفع به قال كان في استقضي في أمر الطهارة وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت يا رب عفوك عفوك فسمعت هاتفا يقول العفو في العلم فزالت عنى ذلك ونعم لقد صدق رحمه الله فلو تأمل طائفة الموسوسين أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تعرفوها (الى شبه) بكسر المعجمة وسكون الموحدة (السوفسطائية) بضم المهملة وسكون الواو وفتح الفاء ثم مهملتين وبعد الالف نون فتحتية واشتقاق اسمهم من سوفسطا اسم للحكمة المموهة والعلم المزخزف لان سوفا معناه العلم والحكمة وسطا معناه المزخرف (الذين ينكرون حقائق الموجودات) ويزعمون انها اوهام وخيالات باطلة وهذه فرقة منهم تسمى العبادية ومنهم فرقة تسمى العبدية ينكرون ثبوت الامور ويزعمون انها تابعة للاعتقادات حتى ان اعتقدنا الشيء جوهرا فجوهر أو عرضا فعرض أو قديما فقديم أو حادثا فحادث ومنهم أخرى تسمى اللادرية ينكرون العلم بثبوت شيء ولا بثبوته ويزعم انه شاك وشاك في انه شاك وهلم جرا (والامور) بالنصب عطفا على حقائق وبالجر عطفا على الموجودات (ابن قدامة) بضم القاف ثم مهملة (المقدسى) نسبة الى بيت المقدس (المتنطعين) بالفوقية فالنون فالمهملتين وهم الغالون في الدين المجاوزون حد الاعتدال المبالغون المشددون في غير محل التشديد (الذين ضل سعيهم) أى بطل عملهم الذى عملوه (في الحياة الدنيا) وهم اليهود والنصاري قاله ابن عباس وسعد ابن أبي وقاص أوهم أهل حروراء قاله على بن أبي طالب وقيل هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع (وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) أي عملا أي يحسبون ان عملهم حسن فاتعبوا أنفسهم فيه يرجون نوالا فنالوا هلاكا وبواوا ووبالا كمن اشترى سلعة يرجو فيها ربحا فخسر وخاب سعيه (أحمد بن عطاء) يكني أبا عبد الله قال القشيري هو ابن اخت أبي على الروذباري شيخ الشام في وقته مات بصور سنة تسع وستين وثلاثمائة (الروذبارى) بضم الراء وسكون الواو وفتح المعجمة والموحدة فالف فراء نسبة الى روذبار مدينة بالشام (كان في) بتشديد الياء (عفوك عفوك)(2/311)
اذا لم يعلموها من غيرهم وعرفوا يسيره وتيسيره وانه كان يؤاكل الصبيان ويأكل طعام عامة المسلمين وأهل الكتاب والذميين ويتوضأ في آنيتهم من غير بحث ويغتسل هو والمرأة من نسائه من الجنابة في اناء واحد دفعة واحدة تختلف أيديهم فيه وانه صلى مرة وهو حامل امامة بنت أبى العاص بن الربيع على ظهره اذا قام حملها واذا سجد وضعها فانه كان يتوضأ باسار الدواب ويصغى الاناء للهرة حتى تشرب منه وتوضأ هو وأصحابه من مزادة مشتركة وانه لم ينقل انه تردد في التكبير ولا تلفظ بقول أصلى وما بعده وقد أوجب الله علينا اتباعه في الأفعال والأقوال على كل حال فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وقال تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وأخبرنا تعالى ان الشيطان يقعد لنا في طرق الطاعات كما سيوصله لنا في المخالفات فقال تعالى مخبرا عنه لاقعدن لهم صراطك المستقيم منصوب باضمار أسألك (كان يغتسل هو والمرأة من نسائه الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أحمد والبخارى عن أنس (وانه صلى مرة وهو حامل امامة الى آخره) أخرجه الشيخان وغير هما قال العلماء فيه دليل لتغليب الاصل على الظاهر كما هو أحد قولى الشافعى وذلك لان الغالب نجاسة ثوب الصبي وغيره من بدنه وفيه جواز ادخال الصبي غير المميز المسجد اذا أمن منه التنجيس وفيه عدم بطلان الصلاة بالعمل القليل وفيه اللطف بالصغار والرفق بهم (ويصغي) أى يميل (وضوء) بفتح الواو (وتوضأ هو وأصحابه) في حديث ذات المزادتين (من مزادة) بفتح الميم ثم زاى هي القربة العظيمة سميت بذلك لانه يجعل في رأسها زيادة (قُلْ) يا محمد لليهود والنصارى الذين زعموا انهم أبناء الله وأحباؤه أو لقريش الذين زعموا انهم انما يعبدون الاصنام حبا لله تعالى وتقربا اليه (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) فعلامة محبته اتباعي (فَاتَّبِعُونِي) أي اتبعوا شريعتى وسنتي (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فاني رسوله اليكم وحجته عليكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بين ذلك كيفية محبته وانها ليست ميل القلب الذي تنزه عنه تعالي وانما المراد ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم (وَأَنَّ) بكسر الالف وتشديد النون على الاستئناف للكسائي وبفتحها لغيره ما عدا ابن عامر فانه يقرأ بكسر الهمزة وتخفيف النون وعلى قراءة الاكثر قال الفراء واتل عليكم ان (هذا) يعنى دين الاسلام (صِراطِي) أى طريقي وديني (مُسْتَقِيماً) أي مستويا لا عوج فيه (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أى الطرق المختلفة التى عدا هذه الطريق كسائر ملل الكفر وقيل أراد الاهواء والبدع (فَتَفَرَّقَ) أى فتتفرق أي تميل (بِكُمْ) وتتشتت (عَنْ سَبِيلِهِ) أي طريقه ودينه الذى ارتضى وبه أوصى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي لا جلسن لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أى دينك القائم(2/312)
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقد عظمت عنية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الاعتناء بسنته وحملهم أنفسهم على هديه وطريقته فربما عرض لاحدهم عارض من باب التغليظ في الطهارة والتشديد في الدين ثم تركه لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله* فروينا عن عمر انه كان يهم بالأمر ويعزم عليه واذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه حتى قال لقد هممت أن أنهى عن لبس الثياب المصبوغة فانه بلغنى انها تصبغ ببول العجائز فقيل له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولبست في زمانه فصدق ذلك وترك وقال مرة لابنه أو لغلامه أبغني ثوبا لخلائى غير ثوب صلاتى فانى رأيت الذباب ربما يقع على الخلاء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا ثوب واحد وترك ما هم به* وروى مثل ذلك لزين العابدين على ابن الحسين رضي الله عنهم وهذا ما تأملوه وفهموه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قربهم منه مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة وقوله صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) أى قبل الآخرة فاشككهم فيها (ومن خلفهم) أى ارغبهم في دنياهم (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم (وعن شمائلهم) اشهى لهم المعاصى قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عطية عنه من بين أيديهم من قبل دنياهم يعنى أرمها في قلوبهم ومن خلفهم أي من قبل الآخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيآتهم وقال الحكم من بين أيديهم من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يثبطهم عنها وعن أيمانهم من قبل الحق يصرفهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يزينه لهم وقال قتادة من بين أيديهم أخبرهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من قبل الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيآت والمعاصى ودعاهم اليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير انه لم يأتك من فوقك لم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة ربك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الخبيث ذلك ظنا فاصاب قال تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ (عنية) أي اعتناء واهتماما (بهم) بفتح التحتية وضم الهاء وتشديد الميم (ابغني ثوبا) بالوصل ثلاثى أي اطلب لي وبالقطع من الرباعى أى أعني على الطلب (وقوله صلى الله عليه وسلم) بالجر (ان هذا الدين متين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس والمتين بالفوقية القوى يعنى انه لقوته يغلبك كما في الحديث الصحيح لن يشاد الدين أحد الاغلبه (فاوغل) بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر المعجمة أي ادخل فيه جادا مجتهدا لكن برفق أى معه فلا تشدد حتى تخرج(2/313)
فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثا ليس عليه أمرنا فهو رد* وقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة* وقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى* وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى عند النزاع بالرجوع الى الكتاب والسنة فقال تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية وقال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فانظر كيف حتم الله على الخلق اتباعه في أحكام شريعته وحمل الانفس وان لم تقتضيه هواها على هديه وسنته كما قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال السيد كبير الشأن الجنيد ابن محمد البغدادى الطرق كلها مسدودة الاعلى من اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري كان من مضي من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة وقال حسان بن عطية ما ابتدع قوم بدعة في دينهم الا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها اليهم الى يوم القيامة فاذا فهمت أيها الموسوس ما قررناه وحررناه وتقرر عندك ان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة أصحابه وصلاة الطبقة الأولى من التابعين قد كانت خالية عن مثل ما استحدثه جهلك أو بسوء رأي من اقتديت به وعلمت بالنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مبادئ ذلك من الشيطان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شيطان الوضوء اسمه الولهان وشيطان الصلاة اسمه خنزب علمت الي حد الغلو (فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي) والمنبت بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وتشديد الفوقية قال ابن الاثير يقال للرجل اذا انقطع في السفر وعطبت راحلته أنبت من البت وهو القطع يريد انه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره فمثل صلى الله عليه وسلم للغالى في الدين بهذا المنبت المنقطع وذلك ان الغالى بمدرج أي يمل وينقطع عمله فيعطب في الطريق اليه تعالى ولا يصل وهذا من بديع الامثال عند أرباب اللسان (وقوله) بالجر أيضا (كل بدعة ضلالة) هذا من العام الذي أريد به الخاص (وقوله) بالجر أيضا (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي اختلفتم (فِي شَيْءٍ) من أمر دينكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) أي الى كتابه (وَالرَّسُولِ) مادام حيا وبعد وفاته الي سنته قال البغوي فالرد الى كتاب الله والسنة واجب ان وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد وقيل الرد الى الله والرسول ان يقول لما لا يعلم الله أعلم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فهذه سبيل أهل الايمان (ذلِكَ) أي الرد الى الله والرسول (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أى مآلا وعاقبة ومرجعا (وَما آتاكُمُ) أي أعطاكم (الرَّسُولُ) من الفيء والغنيمة (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) من الغلول وغيره (فَانْتَهُوا) قال المفسرون الآية نازلة في أموال الفيء وهي عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه (هواها) مقصور (خنزب) بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الزاي وكسرها ويقال أيضا بفتح المعجمة وضمها مع فتح الزاي(2/314)
ركاكة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال وأى خير في صلاة اشتملت على بدعة أو خلاف سنة قال تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ* وروينا في مسند الدارمي عن هشام بن حجير قال كان طاووس يصلى ركعتين بعد العصر فقال له ابن عباس اتركها قال اتنهى عنها ان يتخذ سلما قال ابن عباس فانه قد نهى عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله تعالى يقول وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* وقال رجل لسعيد بن المسيب وقد نهاه عن ذلك يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك بخلاف السنة وكم مريد للخير لم يصبه ومتقرب الى الله بما يباعده عنه ومتحبب اليه بما يبغضه عليه قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً أعاذنا الله من ذلك وبصرنا بعيوبنا وجعلنا ممن يأمر ويأتمر وينهى وينتهى ويقول ويفعل متبعين غير مبتدعين بجاه سيد المرسلين وخاتم النبيين وفيما ذكرنا وسطرنا كفاية لمن وفق وشرح الله صدره فاما من أشرب هواه واتبع أولاه أخراه وحرج صدره فلم يتبع غير مهواه فيري نفسه وشيطانه قد تظاهرا عليه وحسنا له ما يدعو انه اليه فيعنف واعظه ويبذ عليه ويرى انه أسدى اليه سيئة فيكافئه بمثلها ويقول لمثلى تقول هذا فيشبه حينئذ بوصف من قال الله فيه واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وكان طريقة السلف رحمهم الله اذا وعظ أحدهم فوضح له وجه الصواب شكر واعظه ورجع فيهما (ركاكة الحال) أى ضعفه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى تأس واقتداء (ابن حجير) بالمهملة فالجيم مصغر (سلما) بضم المهملة وفتح اللام المشددة (وكم) خبرية (مريد) مجرور بها (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي زين له الشيطان ذلك بالوسواس نرلت في أبي جهل ومشركى مكة قاله ابن عباس وفي أصحاب الاهواء والبدع قاله سعيد بن جبير قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأما أهل الكبائر فليسوا منهم لانهم لا يستحلونها ومعنى زين شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبيحه (فَرَآهُ حَسَناً) وفي الآية حذف أي من كان كذلك يكون كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا وهذا استفهام نفي أي ليس هو كمن ذكر (اشرب هواه) مبنى للمفعول (واتبع أولاه) أي ما كان قبل الموعظة (أخراه) أى ما كان بعدها أي ان حاله سواء ان وعظ وان لم يوعظ (وحرج صدره) أي ضاق (فيعنف واعظه) أي يلومه (ويبذ عليه) بالموحدة فالمعجمة أي يفحش لسانه (أسدي اليه) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الدال المهملتين أي اصطنع (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ) أي خفه (أَخَذَتْهُ) أي حملته (الْعِزَّةُ) وحمية الجاهلية والعزة التكبر والمنعة (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أى كافية (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي الفراش قال البغوى قال عبد الله بن مسعود ان من أكبر الذنب عند الله ان يقال للعبد اتق الله فيقول عليك(2/315)
على نفسه باللوم والعتاب وكان عمر بن الخطاب يقول رحم الله من أهدى الىّ عيوبى واعترضته امرأة في كلام تكلم به في ملأ من الناس فصاح على نفسه بالخطأ. وقال شيخ جهل وامرأة علمت فانظر يا أخى كيف كان حالهم في اقتدائهم بسنة نبيهم ورجوعهم الى الحق بعد معرفته وذلك لقوة ايمانهم وضعف قوى أنفسهم عند ظهور الحق واخناس شيطانهم فدن الله بما دانوا ومت على ما ماتوا تنج وتسلم وتغنم وبالله التوفيق* أما الوسواس في النية التي نحن بصددها فقد قال الشيخ الامام عبد الله بن قدامة المقدسى اعلم ان النية هى القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه في النية لفظا بحال ولا سمعنا عنهم ذلك وهذه العبارات التي حدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة وجعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقفهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في اللفظ بها حتى كأنه يحمل ثقلا يدفعه وليست من الصلاة أصلا وانما النية قصد فعل الشيء وكل عازم على فعل شيء فهو ناوله فمن قصد الوضوء فقد نواه ومن قصد الصلاة فقد نواها ولا يكاد عاقل يقصد شيئا من عباداته ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لافعال الانسان المقصودة لا يحتاج الى تعب ولو أراد اخلاء أفعاله عنها لعجز عن ذلك ولو كلفه الله تعالى الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وان شك في حصولها منه فهو نوع جنون فان علمه بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل هذا معني كلامه.
[فصل في رقية الوسواس]
(فصل) في رقية الوسواس روينا في صحيح مسلم عن عثمان بن أبى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتى وقراءتى يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك بنفسك وروي انه قيل لعمر بن الخطاب اتق الله فوضع خده على الارض تواضعا لله عز وجل (ورجوعهم الى الحق) بالضم عطفا على حالهم وبالكسر عطفا على اقتدائهم (قوى) بضم القاف وفتح الواو والقصر القوة (واخناس شيطانهم) بالمعجمة فالنون (فدن) أمر من دان يدين بمعنى أطاع (تنج) بالجزم على جواب الامر وكذا ما بعده (ذكر ذلك) بالنصب (معتركا) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية والراء.
(فصل) في رقية الوسواس (حال بيني وبين صلاتي) أى منعنى لذتها والفراغ للخشوع فيها (يلبسها على)(2/316)
فاذهبه الله تعالى وقال الامام القطب محيى الدين النووى قال بعض العلماء يستحب قول لا إله الا الله لمن ابتلى بالوسوسة في الوضوء والصلاة واشباههما فان الشيطان اذا سمع الذكر خنس والله أعلم.
[فصل في كيفية صلاته صلى الله عليه وسلّم من ابتدائه في تكبيره الإحرام إلى تشهده]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام يرفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ويحاذى بأطرافهما أذنيه ويستقبل ببطونهما القبلة فاذا فرغ من التكبير أرسلهما باناة وقبض بيمينه على ظهر يساره وجعلهما تحت صدره ثم ان كانت الصلاة جهرية سكت سكتة طويلة يأتى فيها بدعاء الاستفتاح وثبت في مجموعة أحاديث كثيرة بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أي يخلطها على ويشككنى فيها (سمع الذكر خنس) أي تأخر (فائدة) من رقية الوسواس قراءة قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أخرجه أبو داود عن ابن عباس.
(فصل) في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام الي آخره) اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما كان اذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فاذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك واذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع من السجود زاد البخارى ولا يفعل ذلك حين يسجد واذا قام من الركعتين رفع يديه وفي رواية لمسلم كان اذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه أى اعاليهما ولابي داود من حديث وائل ابن حجر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع ابهاميه في الصلاة الي شحمة أذنيه وجمع الشافعي بين الروايات بانه كان يحاذي بكفيه منكبيه وبابهاميه شحمتي أذنيه وبرؤس أصابعه أعلاهما (باناة) أى برفق (وقبض بيمينه على ظهر يساره) أخرج مسلم من حديث وائل بن حجر انه وضع يده اليمنى على اليسري زاد البزار عند صدره ولابن خزيمة على صدره ولابي داود وضع كفه اليمني على ظهر كفه اليسري والرسغ والساعد وحكمته تسكين اليدين وليجاور بهما القلب الذى خشوعهما بالسكون فرع خشوعه بالمهابة والخشية (ثم ان كانت الصلاة جهرية) وكذا سرية (سكة سكتة) أى ترك الجهر بالاستفتاح ولم يرد السكوت الحقيقى (يأتي فيها بدعاء الافتتاح) أخرج مسلم قال كان اذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا زاد ابن حبان مسلما وما أنا من المشركين الى قوله وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وثبت في مجموعه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وعن واثلة بن الاسقع وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة ومنها اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب الى آخره أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ومنها اللهم أنت الملك لا اله الا أنت الى آخره أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى عن علي ومنها الحمد(2/317)
يستحب الاتيان بجميعها ومن آثر الاختصار لغرض فيحسن اقتصاره على قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وهذه احدى سكتاته الاربع صلى الله عليه وسلم ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم* قال النووي المختار ان يتعوذ في كل ركعة سرية في حال الجهر والاسرار ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم وكان صلى الله عليه وسلم ربما جهر بها وربما أخفي وبين العلماء تنازع في وجوبها والجهر بها والأسرار ثم يقرأ الفاتحة ويرتلها ويقف عند آخر كل آية منها ويمد آخر الكلمة. قال أصحابنا وفيها أربع عشر تشديدة يتعين الاتيان بجميعها ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها في موضع الجهر ويسر بها في لله حمدا كثيرا طيبا مباركا أخرجه مسلم وأبو داود عن أنس ومنها الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا أخرجه مسلم والترمذي والنسائى عن ابن عمر (يستحب الاتيان بجميعها) لمنفرد وامام محصورين راضيين بالتطويل لم يطرأ عليهم غيرهم ولم يتعلق باعتنائهم حق ولم يكن المصلى مطروقا (وجهت وجهى) أي أخلصت عبادتي (ونسكى) أي عبادتي (ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أخرجه أبو داود والحاكم وابن ماجه وابن حبان وابن عساكر عن جبير بن مطعم (ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم) أخرجه ابن خزيمة والحاكم من حديث أم سلمة بلفظ عد البسملة أنه من الفاتحة وللدار قطني من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال اذا قرأتم الْحَمْدُ لِلَّهِ فاقرؤا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أنها ام القرآن وام الكتاب وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ احدى آياتها (وبين العلماء) رحمهم الله (تنازع في وجوبها) بحسب تنازعهم في أنها آية من الفاتحة أم لا والقائلون بانها ليست من الفاتحة يستدلون بحديث الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال قمت وراء أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فكلهم كانوا لا يقرؤن بسم الله الرحمن الرحيم اذا افتتح الصلاة (و) بهذا يستدل أيضا من قال بعدم (الجهر بها) ومذهب الشافعى والثوري وابن المبارك وطوائف من السلف والخلف أن البسملة آية من الفاتحة وأنه يجهر بها حيث يجهر بالفاتحة وذلك لما مر ولانها كتبت في المصحف باتفاق الصحابة واجماعهم على أن لا يثبتوا فيه بخط القرآن سوى القرآن وأجمع بعدهم المسلمون على ذلك وأجمعوا على أنها ليست في أول برآة وأنها لا تكتب فيها وأجابوا عن حديث أنس بان أصل روايته وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة وما ذكر في بعض الاحاديث من نفي البسملة فتضرف من بعض الرواة ظنا منه انه المراد فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة أي لا يأتون بالبسملة (ثم يقرأ الفاتحة) أخرج الشيخان وغيرهما لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولابن خزيمة والدار قطنى لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب (ويرتلها) امتثالا لقوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ (يتعين الاتيان بجميعها) أي التشديدات لان المشدد حرفان فاذا خفف بطل حرف (ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها الى آخره) أخرجه أبو داود من(2/318)
موضع الاسرار. واعلم ان التأمين مستحب للامام والمنفرد داخل الصلاة وخارجها وردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره والسنة ان يؤمن المأمومون بأسرهم لقراءة أمامهم ويقترن تأمينهم بتأمين امامهم لا قبله ولا بعده لانه صح ان الملائكة تؤمن لقراءة الامام فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وليس في الصلاة موضع يستحب ان يقترن فيه قول المأموم بقول الامام الا في التأمين واما باقى الاقوال فيتأخر قول المأموم عن قول الامام والسنة ان يسكت بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة ليعلم ان أمين ليست من الفاتحة.
[فصل وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة]
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة فهى سنة قل من الأئمة من يستعملها فهى من السنن المهجورة.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح والأولين من باقى حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال آمين رفع بها صوته (مستحب للامام) لما مر أنه صلى الله عليه وسلم رفع بها صوته (و) المأموم لما أخرجه البيهقى عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد اذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين وفي البخاري معلقا آمين أمن الزبير ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة (والمنفرد) قياسا (ووردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره) كقوله صلى الله عليه وسلم وقد سمع داعيا يدعو وجب إن ختم فقال رجل من القوم بأي شيء يختم فقال بآمين فانه ان ختم بآمين فقد أوجب أخرجه أبو داود عن أبى زهير النميرى وأمن صلى الله عليه وسلم على دعاء زيد بن ثابت ورجل آخر وأبي هريرة وهم في المسجد يدعون أخرجه النسائي والحاكم عن زيد بن ثابت وأمن صلى الله عليه وسلم على المنبر ثلاثا أخرجه الحاكم في المستدرك عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن مالك بن الحويرث ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء طويل وأمن في تفاصيله أخرجه الحاكم من حديث أم سلمة وأخرج ابن أبي عدي والطبراني من حديث أبي هريرة آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده وأخرج ابن شاهين في السنة من حديث علي أمنوا اذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (باسرهم) بفتح الهمزة أى باجمعهم (لانه صح) عنه صلى الله عليه وسلم (ان الملآئكة تؤمن لقراءة الامام الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة (فمن وافق قوله قول الملائكة) أى وقتا وزمانا أو صفة وخشوعا واخلاصا قولان والمراد بالملآئكة الحفظة او غيرهم لقوله في الحديث الآخر قول أهل السماء قولان (غفر له ما تقدم من ذنبه) المراد غفران الصغائر كما في نظائره زاد الجرجانى في الامالى وما تأخر (الا في آمين) فانه يستحب اقتران قول الامام والمأموم (فهى) أي سكتة الامام بعد التأمين (سنة) قال أصحابنا لكن يشتغل فيها بقراءة وهي أولى أو ذكر فليس هذا سكوتا حقيقيا.
(فصل) في قراءته صلى الله عليه وسلم السورة (كان يقرأ في صلاة الصبح والاولتين من باقي(2/319)
الفرائض سورة بعد الفاتحة فيجعلها في الصبح والظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره وهذا غالب حالاته في الصلوات وربما غيرها بحسب الحاجات والضرورات فثبت انه صلى الله عليه وسلم ربما دخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبى وأمه من المقتدين به فيخفف مخافة ان يشق على أمه وغضب على معاذ غضبا شديدا حين طول في العشاء وعين له سورة والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الاعلى والليل اذا يغشى وقال اذا أم أحدكم الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة فاذا صلى وحده فليصل كيف شاء* وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يطول في الاولى مالا يطول في الثانية ويبالغ في الاسرار في موضعه حتى لا يعلمون قراءته الا باضطراب لحيته وربما أسمعهم الآية أحيانا وكره صلى الله عليه وسلم للمأمومين الجهر بالقراءة خلف أمامهم فثبت في الصحيح انه صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فلما سلم قال أيكم قرأ خلفي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال بعضهم انا ولم أرد بها الا الخير قال قد علمت ان بعضكم خالجنيها أى نازعنيها لهذا الحديث. قال العلماء تستحب السورة التى بعد الفرائض سورة الى آخره) أخرجه الشيخان في غير المغرب وأخرجه النسائي فيه باسناد حسن وكان يقرأ في غير الاولتين أيضا كما أخرجه الشيخان في الظهر والعصر ومالك في المغرب ومن ثم كان للشافعى قول بسنية السورة في جميع الصلاة وفي ترجيح الاصحاب القول الثاني وهو القراءة في الاوليين فقط تقديم للدليل النافي على الدليل المثبت عكس الراجح في الاصول وجمع بعضهم بينهما بان ذلك بحسب اختلاف المأمومين فحيث آثروا التطويل قرأ السورة في غير الاوليين وحيث كثروا تركها والاوليان تثنية اولى (من طوال) بكسر الطاء فقط (المفصل) سمي بذلك لكثرة فصوله أى لقصر سوره وغير ذلك (وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره) وحكمة ذلك أن الصبح والظهر يكونان عقب النوم غالبا فشرع صلى الله عليه وسلم التطويل ليدرك من قام من النوم وأن المغرب ضيقة الوقت فشرع لها القصار وأما العصر والعشاء فلأن المذكور في محل التطويل والاختصار لم يوجد فيهما فاختصا بالوسط وآخر المفصل آخر القرآن وفي أوله عشرة أقوال للسلف أصحها انه من الحجرات وقيل من الصافات وقيل من الجاثية وقيل من الفتح وقيل من سورة محمد وقيل من قاف وقيل من الحديد وقيل من الصف وقيل من تبارك الملك (اذا أم أحدكم الناس فليخفف الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أبي هريرة (العصر) بالنصب وكذا ما بعده (فليصل كيف شاء) في رواية اخرى فليطول ما شاء (وكان يطول في الاولى) زاد أبو داود وغيره فطننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى (خالجنيها) بالمعجمة فالجيم وللترمذي(2/320)
الفاتحة للمأموم كما تستحب للامام والمنفرد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه في رفع صوته لا في أصل القراءة وهذا كله فيما يسر به الامام أما ما يجهر به فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة فان لم يسمع قراءة الامام أو سمع هينمة لم يفهمها استحب له السورة بحيث لا يشوش على غيره واعتاد كثير من الناس من الموسوسين وغيرهم الجهر بالقراءة خلف الامام والتشويش على من بقربهم من المصلين وهى عادة سيئة وربما علم بعضهم النهي عن ذلك فلم ينته فيصير علمه حجة عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه أتعب صاحبه نفسه في جمعه ثم لم يصل الى نفعه.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد الفراغ من القراءة سكتة لطيفة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهويّ الى الركوع ثم يكبر رافعا يديه كاحرامه ثم يركع فيضع كفيه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويسوي ظهره ورأسه من غير ترفيع ولا تنكيس وينصب ساقيه ولا يثني ركبتيه ثم يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا باسناد حسن مالي انازع القرآن أما (ما يجهر به) الامام (فلا يزيد المأموم فيه على) قراءة (الفاتحة) لقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (هينمة) بفتح الهاء والنون بينهما تحتية ساكنة هي الصوت الذي لا يفهم (استحب له السورة) لانه اذا لم يسمع الامام فأي معنى لسكوته (علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه) أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة بلفظ لا ينتفع به وله عن ابن عمر لا يقال به وللقضاعي عن ابن مسعود علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه.
(فصل) في سكوته بعد الفراغ من الفاتحة (سكتة لطيفة) بقدر سبحان الله (الهوى) بضم الهاء وفتحها وكسر الواو وتشديد التحتية (رافعا يديه كاحرامه) كما مر تخريجه (فيضع كفيه على ركبتيه) أخرجه البخاري من حديث أبى حميد الساعدي وأخرج هو ومسلم عن سعد بن أبي وقاص كنا نطبق في الركوع فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب والتطبيق جعل بطن احدى الكفين على بطن الاخرى ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه وهو منسوخ بحديث سعد هذا عند الجمهور بل قالوا بكراهيته ومذهب ابن مسعود وصاحبيه علقمة والاسود أنه غير منسوخ (ويفرق بين أصابعه) أخرجه الحاكم والبيهقي عن وائل بن حجر (ويجافي مرفقيه عن جنبيه) أخرجه بمعناه البيهقي من حديث البراء بن عازب (ويسوي ظهره ورأسه) أخرجه مسلم عن عائشة (من غير ترفيع) هو معنى قولها لم يشخص رأسه (ولا ينكس) هو معنى قولها ولم يصوبه وأخرج ابن ماجه من حديث وابصة كان اذا ركع سوى ظهره حتى لوصب عليه الماء لاستقر وأخرجه الطبرانى في الكبير عن ابن عباس وأبي برزة وعن أبى مسعود (وينصب ساقيه ولا يثنى ركبتيه) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقى (ثم يقول سبحان ربي العظيم) وبحمده (ثلاثا)(2/321)
فقد جاء في كتب السنن انه صلى الله عليه وسلم قال اذا قال أحدكم سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه* وثبت في صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح* وثبت في غيره بأسانيد صحيحة عن عوف ابن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة الا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب الا وقف وتعوذ قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة واذكار الركوع واسعة وذهب الامام أحمد بن حنبل وجماعة الى أن الذكر في الركوع واجب فينبغي المحافظة عليه للخروج من الخلاف ولحديث أما في الركوع فعظموا فيه الرب* واعلم ان الركوع ذمام الصلاة وبادراكه تدرك الركعة وبفواته تفوت ولهذا قال العلماء يستحب للامام اذا أحس بداخل وهو راكع أن ينتظره ويمكث حتى يعلم منه الاحرام والركوع والطمأنينة ولا ينتظره فيما بعده من الاركان الا في التشهد الاخير أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر (اذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه) وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في سجودكم (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (سبوح قدوس) بضم أولهما على المشهور ومعناهما مسبح ومقدس والمسبح المبرأ من كل النقائص ومن الشريك في الملك والخلق وكل مالا يليق بالباري تعالى (رب الملائكة والروح) قال الخطابي فيه قولان أحدهما أنه جبريل خص بالذكر تفضيلا له على سائر الملائكة والثاني أنه خلق من الملائكة يشبهون الانس في الصور وليسوا انسا وقيل هو ملك عظيم أعظم من الملائكة خلقا انتهى (فائدة) الروح تطلق على القرآن كما قال تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية وعلى عيسى قال تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ وعلى روح الانسان وعلى جبريل وعلى ملك آخر من الملائكة قيل وهو المراد بقوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ وعلى صنف من الملائكة (وثبت في غيره) أي في سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والنسائى (وذهب الامام أحمد) بن محمد (ابن حنبل وجماعة) من المحدثين (الى ان الذكر في الركوع) والسجود (واجب) آخذا بظاهر الحديث في الامر به مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي أخرجه البخاري وغيره وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة والجمهور الى عدم وجوبه محتجين بحديث المسىء صلاته فانه صلى الله عليه وسلم لم يأمره به وأجابوا بان الامر بالتسبيح محمول على الاستحباب (أما الركوع فعظموا فيه الرب) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس أى سبحوه ونزهوه ومجدوه (زمام الصلاة) بكسر الزاى أى من أدركه فقد أدرك الصلاة كما أن من أدرك زمام الدابة فقد أدركها (ولهذا قال العلماء يستحب للامام الى آخره) اعلم أن في الانتظار قولين للشافعي أرجحهما ينتظر(2/322)
فانه يستفاد بادراكه صلاة الجماعة
[فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده]
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كما يرفعهما للاحرام. فاذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملأ السموات والارض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ووردت عنه صلى الله عليه وسلم في الاعتدال عن الركوع اذكار كثيرة وهذا أقل ما يقتصر عليه. قال النووى فان بالغ في الاقتصار اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فلا أقل من ذلك. واعلم أنه قد صحح كثيرون من أصحابنا ان الاعتدال ركن قصير وهو خلاف المنقول فقد ثبت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده وقام بشروط معروفة وفي حكاية القولين طرق أشهرها طريقان أحدهما أن القولين في الكراهة وعدمها وحكاه الرافعى عن المعظم والثاني أنها في الاستحباب وجرى عليه النووى في زوائد الروضة واقتصر كلامه في المجموع على ترجيحه ومشى عليه في المنهاج ودليل استحباب الانتظار القياس على استحباب ابتداء فعلها لتحصيل الجماعة للغير الثابت في حديث من يتصدق على هذا فيصلي معه وقد قال تعالى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى
(فصل) في رفعه من الركوع (كان يقول سمع الله لمن حمده) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث رفاعة بن رافع ومعنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمده تعالى متعرضا للثواب استجاب له باعطاء ما تعرض له فانا أقول (ربنا لك الحمد) ليحصل ذلك (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه) هذا لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله بل سمع رجلا قاله فلما انصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والطبراني عن رفاعة بن رافع الا قوله بضعة وثلاثين ملكا ففي مسلم بدله اثني عشر ملكا وللطبراني ثلاثة عشر وزاد النسائي كما يحب ربنا ويرضى وهذا الرجل المبهم هو رفاعة بن رافع راوي الحديث كما جاء مصرحا به في رواية النسائي (فائدة) قال النووي وغيره الحكمة في هذا العدد المذكور في البخاري أنه مطابق لعدد الحروف في الذكر المذكور والعدد المذكور في مسلم مطابق لعدد كلماته (ملأ) بالنصب وهو أشهر والرفع وحكى عن الزجاج عدم جواز غيره قال العلماء معناه حمدا لو كان جسما لملأ السموات والارض (وملأ ما بينهما) هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث على ومن حديث ابن عباس (وملأ ما شئت من شيء بعد) أي كالعرش والكرسي وغيرهما مما استأثر تعالى بعلمه (أذكار كثيرة) منها اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الا بيض من الوسخ أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي أوفي ولمسلم في رواية من الدرن بدل الوسخ وفي أخرى من الدنس ومنها أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدا لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أخرجه مسلم وأبو داود(2/323)
حتى يقول القائل قد أوهم وصححه النووى في التحقيق انه ركن طويل والله أعلم. واعلم أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة ثابتة رواها العدد الكثير من الصحابة منهم العشرة المبشرة ورواها عنهم الجم الغفير من التابعين ومع ذلك فقل من يستعملها ويواظب عليها والله المستعان. واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين في تكبيرة الاحرام وما بعدها وأحسنها ما روي الشافعي انه قال فعلته اعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[فصل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا مكبرا فيضع ركبتيه أولا ثم يديه وربما وضع يديه أولا رواه البخاري معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه ابن خزيمة والبيهقى موصولا مرفوعا وهو أيسر استعمالا وأليق حالا ثم يضع جبهته وأنفه وكان يضع يديه حذو منكبيه مضمومة الاصابع بخلاف الركوع. وصح انه صلى الله عليه وسلم كان اذا سجد جنح وفي رواية خوّى. وفي رواية فرج بين يديه حتى يرى وضح أبطيه. وفي رواية حتى لو شاءت بهيمة أن تمر لمرت فلهذا قال العلماء يسن للمصلى أن يفرق بين ركبتيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه قالوا والحكمة فيه انه أشبه بالتواضع وأبعد والنسائي عن أبي سعيد (قد أوهم) بفتح الهمزة والهاء وسكون الواو أي تشكك (فعلته أعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع الشافعي رحمه الله في هذا الكلام بين الاشارة الى ان الرفع معلل وهو معنى قوله اعظاما لله لان شأن المعظم له تعالى ان يرفع يده الى السماء وبين الاشارة الى انه يقتدي وهو معنى قوله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الاتباع مقصود في ذاته وان لم يعقل معناه وقيل ان حكمة الرفع ان المصلى يجمع بين ما يكنه القلب من اعتقاد دعاء وكبرياء لله وعظمته وبين الترجمة عنه باللسان والاظهار بما يمكن اظهاره من الاركان وقيل الاشارة الى طرح ما سوي الله سبحانه والاقبال بالكلية على عبادته ويقرب من هذا قول من قال الاشارة الي طرح اعراض الدنيا ونبذها وراء ظهره والاقبال على صلاته.
(فصل) في هويه للسجود (ربما وضع يديه أولا) هذا منسوخ على ما قيل (رواه البخارى معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه) عنه (ابن خزيمة والبيهقي موصولا مرفوعا) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر وصححه ابن خزيمة (ثم يضع) ممكنا (جبهته وأنفه) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي حميد (وصح) في صحيح مسلم وغيره (جنح) بفتح الجيم والنون المشددة ثم مهملة (خوي) بالمعجمة بوزن جنح (فرج) بالفاء والجيم بوزن ما قبله وللبيهقى من حديث البراء بن عازب وتفاج بفتح الفوقية والفاء وبعد الالف جيم مشددة ومعنى هذه الالفاظ باعد بين مرفقيه وعضديه عن جنبيه (حتى يري) بالبناء للمفعول وبالنون بالبناء للفاعل (وضح) بفتح الواو فالمعجمة فالمهملة أى بياض (أبطيه) وكان أبيض الابط غير متغير اللون أى لا شعر عليه (بهيمة) تصغير بهيمة قال الجوهرى من(2/324)
من هيئة الكسالى وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف. وينبغي للمتصف بالسنة أن يحرص على سنة المجافاة ويحمل نفسه على فعلها حتى يعتادها فيأتيها بغير مشقة فليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا استعمالها والله الموفق.
(فصل) وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن يزيد الخطمى. قال حدثني البراء بن عازب وهو غير كذوب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده فقيه دليل طول الطمأنينة وتأخر أفعالهم عن فعله صلى الله عليه وسلم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا ركع فاركعوا دليل على ذلك والله أعلم.
[فصل في السجود والقيام واختلاف العلماء في أيهما أفضل]
(فصل) اعلم انه ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة واختلف العلماء فيه وفي القيام في الصلاة أيهما أفضل فمذهب الشافعى ان القيام أفضل وذهب غيره الى ان الركوع والسجود أفضل وقال احمد بن حنبل ورد فيه حديثان ولم يقض فيه بشيء وأما أذكاره فوردت فيه أحاديث كثيرة أولاد الضأن وتطلق على الذكر والانثى قال والسخال أولاد المعز (الخطمى) بفتح المعجمة وسكون المهملة منسوب الى خطمة فخذ من الانصار (لم يحن) بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر النون ويجوز ضمها.
(فصل) في فضل السجود (ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة) منها أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (فمذهب الشافعي أن القيام أفضل) وأن تطويله أفضل من تطويل الركوع والسجود لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت أخرجه أحمد ومسلم والترمذى عن جابر وأخرجه الطبراني عن أبي موسى وعن عمر ابن عبسة وعن عمير بن قتادة الليثي والمراد بالقنوت القيام ولان ذكر القيام القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ولانه نقل عنه صلى الله عليه وسلم تطويل القيام أكثر من تطويل الركوع والسجود (وذهب غيره) كابن عمر (الى أن الركوع والسجود أفضل) من القيام وتطويلهما أفضل من تطويله وذلك للحديث المار آنفا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال العلماء وذلك لان السجود أعظم أركان الصلاة تواضعا فان الانسان يضع فيه أشرف أعضائه في مواطيء الاقدام والنعال والقائل بتفضيل الركوع يقول هو زمام الصلاة فبادراكه وفواته تدرك الركعة وتفوت وقال اسحاق بن راهويه تكثير الركوع والسجود أفضل نهارا وتطويل القيام أفضل ليلا الا أن يكون له بالليل حزب يأتى عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ حزبه ويربح كثرة الركوع والسجود (ولم يقض) بفتح أوله وسكون القاف ثم معجمة (أما اذكاره) أي السجود (فوردت فيه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي(2/325)
وأدنى الكمال من ذلك سبحان ربى الاعلى ثلاثا* روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت افتقدت بالنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحسست فاذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله الا أنت. وفي رواية وقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قال الخطابى وفيه معنى لطيف وذلك انه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والمعاقبة. فلما صار الى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير. وله شرح طويل* واعلم ان ركن السجود الاعظم الدعاء كما أن ركن الركوع أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة ومنها سبوح قدوس رب الملائكة والروح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عنها ومنها اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره أخرجه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة ودقه وجله بكسر أولهما أى قليله وكثيره ومنها سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى في الشمائل عن عوف ابن مالك الاشجعى ومنها سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العزة والجبروت سبحان الحي الذي لا يموت أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب وقال صحيح على شرط البخاري ومنها اللهم سجد لك سوادي وخيالى وبك آمن فؤادى أبؤ بنعمتك علىّ وهذا ما جنيت على نفسى يا عظيم يا عظيم اغفر لي فانه لا يغفر الذنوب العظيمة الا الرب العظيم أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود (وأدني الكمال من ذلك) ما يستحب لكل من المنفرد والامام مطلقا والمأموم وهو (سبحان ربي الاعلى) ونحوه (ثلاثا) وأكثره احدى عشر فيسن للمنفرد وللامام محصورين بشرطه (وروينا في صحيح مسلم) وسنن النسائي (افتقدت) في رواية اخرى في مسلم فقدت (فتحسست) بالمهملة (وفي رواية) في مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (فوقعت يدى على بطن قدميه) فيه دليل لابي حنيفة وغيره ممن يقول ان اللمس لا ينقض الوضوء (أعوذ برضاك من سخطك) قال النووى فيه دليل لاهل السنة في جواز اضافة الشر الى الله تعالى كما يضاف اليه الخير (لا احصي ثناء عليك) أي لا اطيقه ولا آتي به وقيل لا أحيط به وقال مالك لا أحصى نعمتك واحسانك والثناء بها عليك وان اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت على نفسك) قال النووى اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وانه لا يقدر على بلوغ حقيقته فرد الثناء الى الجملة دون التفصيل والاحصاء والتعيين فوكل ذلك الى الله سبحانه المحيط بكل شيء جملا وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لان الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء اثنى به عليه وان كثر وطال وبالغ فيه فقدر الله تعالى أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكثر وأكبر وفضله وديم احسانه أسبغ وأوسع (الاعظم)(2/326)
تعظيم الرب والله سبحانه وتعالى أعلم وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وفيه أيضا عنه انه رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلى ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل الى ابن عباس فقال مالك ولرأسى فقال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف فانظر الى قوة ايمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيرهم وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه ومبالغتهم مرة بالقول ومرة بالفعل بحسب الحال والمقدرة نفع الله بهم.
[فصل في كيفية رفع رأسه صلى الله عليه وسلّم من السجود]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من السجود رفع مكبرا حتى يستوى جالسا ويفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وربما يجلس مقعيا فيجعل اليتيه على عقبيه وكل سنة وكان يجعل يديه بقرب ركبتيه منشورتين ثم يقول أرب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى وارزقني واهدنى وعافني* واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل مقصود ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تطويله نحو الركوع والسجود وفي حديث انه كان يطوله حتى يظن انه قد نسى ولهذا اختار المحدثون من الفقهاء تطويله والله أعلم.
بالنصب صفة ركن (وفي صحيح) البخاري وصحيح (مسلم عن ابن عباس) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة) هكذا رواية مسلم عن ابن عباس والمراد سبعة أعظم كما في رواية أخري فيه وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وهى الجبهة واليدان والرجلان وأطراف القدمين (ونهى ان يكف شعره أو ثيابه) وهي نهي تنزيه اجماعا كما حكاه محمد بن جرير الطبرى وحكي ابن المنذر وجوب اعادة الصلاة اذا صلى كذلك عن الحسن البصرى قال النووي ومذهب الجمهور النهي مطلقا وقال الدراوردي يختص من فعل ذلك للصلاة والمختار الصحيح الاول والحكم فيه ان الشعر وأطراف ثيابه يسجد معه (وفيه أيضا) أي في صحيح مسلم (عنه) أي عن ابن عباس وأخرجه أيضا عنه أحمد والطبراني (ورأسه معقوص) بالقاف والمهملة أى مربوط (انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف) فكما ان المكتوف لا تسجد معه يداه كذلك هذا لا يسجد معه شعره وهو جزء منه بمثابة اليدين ولا ثيابه التي هي ملحقة بالجزء منه في وجوب تطهيرها وعدم جواز السجود عليها (وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه) أى وان لم يكن محرما ومبادرتهم الي ذلك.
(فصل) في رفعه من السجود (وكل سنة) لكن الافتراش أفضل كما مر (رب اغفر لى وارحمنى الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس الا اجرني فمن رواية الحاكم (واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل) كما نقله النووي في الروضة عن الجمهور وفي المجموع عن الاكثرين لكن رجح في الروضة والمنهاج كاصلهما انه ركن قصير وفي سجود السهو انه طويل (انه قد نسى) بفتح النون(2/327)
[فصل في جلسته للاستراحة وقيامه من السجدة الثانية وافتراشه في التشهد الأول]
(فصل) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بعد السجدة الثانية حتى يستوي جالسا والفقهاء يسمونها جلسة الاستراحة وجعلها بعضهم مسنونة وحملها بعضهم على الحاجة ومعناه انها لا تسن في حق من لم يحتج اليها والصواب الأول فقد ثبت في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث انه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فاذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلى قال في التتمة ويكون جلوسه فيها بقدر الجلوس بين السجدتين والصواب دون ذلك فقد قالوا الصحيح انه يمد التكبير في الرفع من السجود الى أن يستوي قائما ولا يتصور ذلك مع التطويل قالوا ويسن فيها الافتراش لانها جلسة أستفزاز والله أعلم.
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من السجدة الثانية ومن كل جلوس في الصلاة اعتمد على يديه قال العلماء وكيفيته أن يجعل بطونهما على الأرض فاذا استوى قائما شرع في القراءة وكان يصلى الثانية كالأولى الا أن الأولى تختص بتكبيرة الاحرام ودعاء الاستفتاح وزيادة في تطويل القراءة والله أعلم.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في التشهد الاول ويخففه حتى ورد في حديث انه كان اذا صلى جلس فيه كأنما يجلس على الرضف فاذا قام منه قام مكبرا وتخفيف المهملة وبضمها وتشديد المهملة.
(فصل) في جلوسه (والصواب الاول) أى ندب جلسة الاستراحة ولو لمن لم يحتج اليها لان الأصل فيما فعله صلى الله عليه وسلم التشريع (فقد ثبت في صحيح البخارى عن مالك بن الحويرث) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى (قال) المتولى (في التتمة) وما قاله جري عليه أكثر الاصحاب في كتبهم الفقهية (بقدر الجلوس بين السجدتين) أى بقدر الواجب منه (ولا يتصور ذلك) أى مدة التكبيرة (مع التطويل) الذي ذكره في التتمة واطلاق منع التصور مردود لانه اذا انقطع نفسه أثناء التكبيرة تنفس ثم عاد الى التكبير ثانيا (جلسة) بفتح الجيم وكسرها.
(فصل) في اعتماده على يديه في القيام من السجود وغيره (اعتمد يديه) كما في صحيح البخاري في رفعه من السجود وقاس عليه أصحابنا القيام عن القعود (وكيفيته ان يجعل بطونهما على الارض) قال في المجموع بلا خلاف وقال وسواء في الاعتماد القوى والضعيف والرجل والمرأة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاول (كان يفترش في التشهد الاول) كما أخرجه البخارى وأبو داود والترمذي عن أبي حميد الساعدي (الرضف) بفتح الراء وسكون المعجمة هو الحجارة المحماة.(2/328)
رافعا يديه ويمد التكبير الى أن يستوي قائما ورفع اليدين هنا وان لم يقل به أكثر الفقهاء فقد ثبت انه سنة وصح في صحيح البخارى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو الموضع الرابع من مواضع الرفع باعتبار تكبيرة الاحرام وقد صنف البخارى تصنيفا عظيما قرر فيه سنة الرفع في هذه المواضع ورد فيه على منكريه وذكر انه رواه سبعة عشر صحابيا وان لم يثبت عن أحد من الصحابة عدم الرفع وقد سبق نحو ذلك قريبا والله أعلم.
[فصل في اقتصاره على الفاتحة في الثالثة والرابعة وأنّه كان يكبر في كل خفض ورفع وتوركه في التشهد الأخير]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة وقد يقرأ فيهما سورة مختصرة على سبيل الندور وثبت فيه حديث في صحيح مسلم والله أعلم.
(فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة الا رفعه من الركوع وجملة التكبيرات في صلاة الصبح احدى عشرة وفي المغرب سبعة عشرة وفي الرباعية اثنتان وعشرون والسنة أن يجهر الامام بجميع التكبيرات بحيث يسمعه المأمومون ويسن للمأموم بحيث يسمع نفسه والسنة في جميعها المد ومحله بعد اللام من الله ويبالغ في المدالى أن يصل الى الركن الذى بعده لئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر وأما تكبيرة الاحرام فلا تمد ولا تمطط بل يقولها مدرجة مسرعا والله أعلم.
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورك في التشهد الاخير بخلاف سائر الجلسات قبله وسببه انه جلوس لا يتبعه حركة ولا قيام بل يسن بعده المكث للتسبيحات والدعاء للحاضرين وانصراف النسوة ونحو ذلك وافترق الأئمة الاربعة في صفة جلوسه صلى (فصل) في قرائته في الركعتين الاخيرتين (وثبت فيه حديث في صحيح مسلم) وغيره كما مر.
(فصل) في تكبيره (كان يكبر في كل خفض ورفع) أخرجه مسلم عن أبى هريرة وأخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن ابن مسعود (الارفعه) بالنصب (وجملة التكبيرات) في الصبح احدى عشرة ست في الاولى وخمس في الثانية وفي المغرب سبع عشرة ست في الاولي وخمس في الثانية وخمس في الثالثة وتكبيرة الانتقال من التشهد الاول الى القيام وفي الرباعية اثنتان وعشرون لان فيها زيادة ركعة على المغرب وفيها خمس تكبيرات الي سبع عشرة التي في الثلاث وهذا الذي ذكره بالنسبة الي الامام والمنفرد اما المأموم فيتصور فيه أكثر لاجل المتابعة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاخير (كان يتورك في التشهد الاخير) أخرجه البخاري وغيره عن أبي حميد ورفعه قبل (وسببه انه جلوس) الى آخره ولان ذلك أقرب الى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن المسبوق اذا رأى الامام علم في أي التشهدين هو وصفة الافتراش والتورك مشهور في كتب الفقه (وافترق الائمة الاربعة في صفة جلوسه) فذهب مالك وطائفة الى التورك فيهما وذهب أبو حنيفة وطائفة الى(2/329)
الله عليه وسلم في التشهدين على أربعة أحوال المختار منها ما قررناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في الاول ويتورك في الثانى وهو الموافق للاحاديث الصحيحة واليه ذهب الشافعي وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان اذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم. وصفة هذا العقد عند الحساب أن يقبض أصابع يمناه ما عدا المسبحة ويجعل الابهام تحت المسبحة وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم عقد في جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر وحلق الوسطى بالابهام وأشار بالسبابة رواه ابن حبان مثله.
[فصل في الأحاديث الواردة في ألفاظ التشهد]
(فصل) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في لفظ التشهد أحاديث كثيرة في الصحيحين الافتراش فيهما وذهب أحمد وطائفة الى التورك في الاول والافتراش في الثاني (اذا قعد في التشهد) وغيره اذ رواية مسلم اذا قعد في الصلاة (وعقد ثلاثة وخمسين) شرطه عند أهل الحساب كما قال النووي ان يضع طرف الحنصر على البنصر وليس ذلك مرادا بل المراد انه يضع الحنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين (عند الحساب) بضم الحاء وتشديد السين المهملتين جمع حاسب (وحلق) بفتح المهملة واللام المشددة.
(فصل) في تشهده (التشهد) تفعل من شهد سمي بذلك لانه مشتمل على الشهادتين تغليبا لهما على سائر اذكاره لشرفهما (أحاديث كثيرة) منها التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود وفي رواية للنسائي سلام بالتكبير وله في أخرى وان محمدا واخرج البيهقى هذا أيضا عن عائشة ومنها التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي موسي ولفظ النسائي أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ومنها التحيات الطيبات والصلوات والملك لله أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب ومنها بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله واسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك عن جابر ومنها التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مالك في الموطأ والحاكم في المستدرك عن عمر موقوفا عليه وقد عد ابن الملقن التشهدات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في تخريج أحاديث الرافعى فبلغت(2/330)
وغيرهما وأفضلها عند الشافعى حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال الرافعى والمنقول انه كان ثلاثة عشر تشهدا (وأفضلها عند) الامام (الشافعي حديث ابن عباس) الذى أخرجه عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (التحيات) جمع تحية وهي الكلام الذي يحيى به الملك قال في التوشيح قال ابن قتيبة لم يكن يحيى الا الملك خاصة وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله وقال غيره لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقيل التحيات لله أي انواع التعظيم له (المباركات) أي المحقق فيه بانواع البركات (الصلوات) اي الخمس وأعم منها من الفرائض والنوافل في كل شريعة والمراد العبادات كلها أو الدعوات أو الرحمة أو التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية أقوال (الطيبات) هي العبادات المالية أو كل ما طاب من الكلام وحسن ان يثني به على الله او هي الاعمال الصالحة أقوال (السلام عليك أيها النبى) قال في التوشيح الحكمة في ذكر التحيات منه بلفظ الغيبة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الخطاب انه كان بين أظهرهم ففي الاستئذان من الصحيح عن ابن مسعود بعد ان ساق حديث التشهد قال وهو بين ظهر انينا فلما قبض قلنا السلام على النبي وكذا أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قال السبكى وهذا دليل على ان الخطاب غير واجب فيقال السلام على النبي وكذا قال الاسنوي وغيره وقال ابن حجر ولهذا الحديث شاهد قوى قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج اخبرنى عطاء ان الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبى فلما مات قالوا السلام على النبي واخرج سعيد ابن منصور عن ابن عباس قال انما كنا نقول السلام عليك أيها النبى اذ كان حيا انتهي (السلام علينا) فيه استحباب البداءة بالنفس في الدعاء (وعلى عباد الله الصالحين) الاشهر في تفسير الصالح انه القائم بالواجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد ويتفاوت درجاته قال الترمذي الحكيم من أراد أن يحيط بهذا السلام الذي سلمه الخلق في صلاتهم فليكن عبدا صالحا والاحرم هذا الفضل العظيم قال الفاكهى ينبغى أن يستحضر في هذا المحل جميع الانبياء والملائكة والمؤمنين وفي فتاوى القفال ان تارك الصلاة يضر بجميع المسلمين لاخلاله بذكر السلام عليهم (فائدة) قال الترمذى وغيره أصح حديث ورد في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وقال به سفيان الثوري وابن المبارك واحمد واسحق قالوا لانه روى عنه من نيف وأربعين طريقا ولان الرواة عنه من الثقاة لم يختلفوا في الفاظه بخلاف غيره ولانه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا ولانه ورد بصيغة الأمر ولانه صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلمه الناس أخرجه احمد وانما رجح(2/331)
صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده وانى رسول الله ذكره في كتاب الأذان. واختلف العلماء في وجوب التشهدين فقال جمهور المحدثين هما واجبان لان النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلى وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء هما سنتان ومذهب الشافعي ان الاول سنة والثانى واجب وهو أقواها دليلا لان النبي صلى الله عليه وسلم قام عنه في بعض صلواته ولم يعد اليه وجبره بسجود السهو وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير فاوجبها الشافعى وأحمد واسحاق وبعض أصحاب مالك وخالفهم الجمهور فجعلوها سنة وقد تتبعت دليل الوجوب فلم يظهر لى كل الظهور وجميع روايات التشهد خالية عن ذكرها والله أعلم ولا يجب في الاول بلا خلاف فاما الدعاء بعد التشهد فيثبت كونه سنة بالاحاديث الصحيحة الصريحة وهو السابع من المواطن التى يسن فيها الدعاء في الصلاة ويجوز الدعاء بأمور الآخرة والدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم حين علمهم التشهد ثم ليختر من الدعاء أعجبه اليه وفي رواية ما شاء ومن المأثور فيه اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا انت الشافعى حديث ابن عباس لانه أجمع اذ فيه زيادة المباركات وهو الموافق للفظ القرآن (كان يقول في تشهده واني رسول الله) وقال غيره بل المنقول انه كان يقول وان محمدا (فقال جمهور المحدثين هما واجبان) وذهب اليه احمد وطائفة (فاوجبها الشافعى واحمد) في أحد الروايتين عنه (واسحاق وبعض أصحاب مالك) واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم اذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء أخرجه أبو داود والترمذى وابن حبان والحاكم والبيهقى عن فضالة بن عبيد وبحديث ابن مسعودان بشير بن مسعد قال للنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا الله ان نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد أخرجه الشيخان الا صدره فاخرجه مسلم وفي رواية لاحمد وصحيحا ابن حبان والحاكم كيف نصلي عليك اذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال قولوا الى آخره وهذا يدل على ان فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة كان معروفا عندهم وزعم عياض في الشفاء ان الشافعي شدد في ذلك قال ولا سلف له في هذا القول ولا شبه يتبعها قال وقد بالغ في انكار هذه المسئلة عليه لمخالفته فيها من تقدمه جماعة وسعوا عليه الخلاف فيها منهم الطبري والقشيرى وغير واحد انتهى قال النووى نقل أصحابنا فريضة الصلاة في التشهد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ونقله الشيخ ابو حامد عن ابن مسعود وأبى سعيد الخدرى ورواه البيهقي عن الشعبى (فائدة) لا بأس بزيادة سيدنا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لما تقرر انه سيد ولد آدم هذا هو المعتمد وخبر لا تسيدوني في الصلاة لا أصل له (ما قدمت) من الذنوب قبل ان أسئل (وما أخرت) أى اذا وقع منى ذنب بعد ذلك ولا مانع من طلب مغفرة ما سيقع اذا وقع(2/332)
رواه مسلم ومنه اللهم انى اعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم انى اعوذ بك من المأثم والمغرم رواه الشيخان. وفي سنن ابو داود باسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل كيف تقول في الصلاة قال أتشهد واقول اللهم انى أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما انى لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبى صلى الله عليه وسلم حولها يدندون* قال العلماء وهذا كله في التشهد الآخر اما الاول فيكره فيه الدعاء لانه مبني على التخفيف قالوا ويسن أن لا يزيد الدعاء على قدر التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.
(فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد التشهد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرتين يلتفت في الاولى على جانبه الأيمن حتى يرى خده الايمن وكذا في الجانب الايسر وبه يخرج من الصلاة وعلى هذا لازم واستمر عمله عليه حتى توفاه الله. ورواه عنه العدد الكثير من الصحابة وعليه واظبوا. ثم ان مذهب الشافعي انه لا يجب الا تسليمة واحدة والثانية سنة وعنده أيضا ان الالتفات الى الجانبين مسنون غير واجب وقال مالك وآخرون تسن تسليمة واحدة* وقال أبو حنيفة لا يجب السلام وعنده يحصل التحلل من الصلاة بكل شيء كقول الشخص اللهم ان فعلت ذنبا فاغفره لى فلا يحتاج الي تأويل (رواه مسلم) وابو داود والترمذي والنسائي عن أنس عن على (فتنة المحيا) ما يعرض للانسان في حياته من الفتنة بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها أمر الخاتمة عند الموت اعاذنا الله من سوء الخاتمة بمنه وكرمه (و) فتنة (الممات) أي الفتنة عند الممات أو فتنة القبر احتمالان (المأثم) هو الاثم (والمغرم) هو الدين (رواه الشيخان) وأبو داود والنسائي عن عائشة وللنسائي فقالت له عائشة ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف وهو في غير رواية النسائي مع ابهام السائل قال السيوطى سر دعائه صلى الله عليه وسلم بذلك تعليم أمته وسلوك طريق التواضع واظهار العبودية والتزام خوف الله تعالى واعظامه والافتقار اليه والرغبة (وفي سنن أبى داود باسناد صحيح) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحديث ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبى صالح عن أبي هريرة (قال لرجل) قال الخطيب هو سليم الانصاري السلمي (دندنتك) بفتح الدال المهملة المكررة والنون الثانية والفوقية وبين الدالين نون ساكنة قال الهروى قال أبو عبيد هو أن يتكلم الرجل بالكلام يسمع نغمته ولا يفهم وهو مثل الهينمة والهيلمة الا انها ارفع قليلا منها حولها أى حول هذه الدعوة (خاتمة) من اذكار التشهد اللهم انى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى انك أنت الغفور الرحيم أخرجه الشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبى بكر(2/333)
ينافيها وينبغى الاحتياط واستعمال السلام مرتين والالتفات فيها الى الجانبين فهو المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دواما وقد روي البخاري انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتمونى أصلي* وقال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فقال صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام والله أعلم.
[فصل في أن جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلّم رويت بلفظ التوحيد]
(فصل) جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلم في نفس الصلاة رويت بلفظ التوحيد* قال شيخ شيوخنا القاضى مجد الدين الشيرازي فان قيل ورد انه صلى الله عليه وسلم قال لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فان فعل فقد خانهم ثم نقل عن ابن خزيمة انه قال قال هذا الحديث موضوع وقال بعض العلماء ان ثبت هذا الحديث فيكون المراد به دعاء ورد بلفظ الجمع. قلت وظهر لي والله أعلم ان كل دعاء يدعو به الامام ويدعو المأموم بمثله يكون بلفظ الافراد وكل دعاء يؤمن فيه المأموم لدعاء أمامه يكون بلفظ الجمع فان أفرد وقع في النهى وهذا أولى مما ذكره القاضى مجد الدين لأن الحديث الذي نقل عن ابن خزيمة وضعه خرجه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن.
[فصل وكان صلى الله عليه وسلّم ربما سها في صلاته بزيادة أو نقص]
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما سهى في صلاته بزيادة أو نقص ولا يمنعه من البناء ما فعله على وجه السهو فيثبت من حديث ذى البدين انه صلى الله عليه الصديق وقوله كثيرا ورد في مسلم بالمثلثة وبالموحدة فينبغي الاتيان بهما ومعني قوله من عندك أي بفضلك وان لم يكن أهلا لها يعمل ومنها التعوذ من عذاب جهنم أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائى عن أبي هريرة ومنها اللهم اني أسئلك بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ان تغفر لى ذنوبي انك أنت الغفور الرحيم أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن محجن بن الاذرع ومنها اللهم حاسبنى حسابا يسيرا أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة وقال صحيح على شرط مسلم فصل في السلام (تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام) أخرجه الترمذي وصححه.
(فصل) في بيان كيفية دعائه صلى الله عليه وسلم (فيخص) بفتح الصاد على جواب النهي (هذا الحديث موضوع) أى مختلق كذب (المراد) اسم كان (دعا) خبرها (خرجه أبو داود والترمذي) وابن ماجه عن ثوبان (وقال) الترمذى (حديث حسن) وأخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي هريرة
(فصل) في بيان انه صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة (ربما سهي في صلاته بزيادة) كصلاته الظهر خمسا أخرجه الشيخان وغيرهما (أو نقص) كسلامه من ركعتين في إحدى صلاتي العشاء أخرجه الشيخان وغيرهما أيضا (ذي اليدين) سمي بذلك لطول يديه أو لأنه كان يعمل بهما جميعا واسمه الخرباق(2/334)
وسلم سلم في الرباعية من اثنتين ومشى الى الجذع وخرج السرعان ودخل منزله وخرج فلما ذكر رجع وبنى على صلاته وأتمها* قال النووى عند الكلام على هذا الحديث والمشهور في المذهب يعني مذهب الشافعى ان الصلاة تبطل بذلك قال وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها والله أعلم.
[فصل وكان إذا سلّم من صلاته استغفر ثلاثا]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم استغفر ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام وكان يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وقال من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده بكسر الخاء وسكون الراء فالموحدة وبعد الالف قاف ابن عمرو (في الرباعية) وكانت صلاة العصر على الصحيح (من اثنتين) في رواية لمسلم عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في ثلاث ركعات قال النووي هي قضية ثالثة في يوم آخر (وخرج السرعان) بفتح السين والراء قيل بسكون الراء وقيل بضم السين وسكون الراء جمع سريع وهم المسرعون الي الخروج (وبني على صلاته وأتمها) وسجد للسهو قبل السلام (ان الصلاة تبطل بذلك) أي بالعمل الكثير ولو مع عذر من جهل أو نسيان (وتأويل الحديث صعب على من أبطلها) فمن ثم اختار في التحقيق عدم بطلان الصلاة بالعمل الكثير مع العذر.
(فصل) في اذكاره بعد السلام (كان اذا سلم) ولفظ الحديث كان اذا انصرف من صلاته (استغفر ثلاثا إلى قوله والاكرام) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ثوبان زاد البزار بعد قوله استغفر ثلاثا ومسح بيده اليمنى قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي استغفاره صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ من الصلاة استغفار من رؤية الصلاة (اللهم أنت السلام) أى هذا من جملة أسمائك الحسني التى أمرتنا ان ندعوك بها ومنك السلام أي نطلب منك السلام وقيل منك السلام على أوليائك في الجنة واليك يعود أي يرجع السلام أي منشأه ومبدأه من قبلك لا يرجي الا منك (يا ذا الجلال) كذا بحرف النداء لمسلم عن عائشة ولغيره بحذفها (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله قدير) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن عبد الله بن الزبير وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن المغيرة بن شعبة مع زيادة (اللهم لا مانع لما أعطيت الى آخره) زاد البخارى والنسائي انه كان يقول التهليل وحده ثلاث مرات (ذا الجد) بفتح الجيم أي ذا الحظ والغنى (منك الجد) أى لا ينفعه منك جده أي حظه وغناه وروي بكسر الجيم وهو بمعنى الهرب أى لا ينفع ذالهرب منك هربه (من سبح الله دبر كل صلاة الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة وللنسائي من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة(2/335)
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت له خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وكان يقول في دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة الا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وكان يتعوذ في دبر كل الصلوات بهؤلاء الكلمات. اللهم انى أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك ان أرد الى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر كل هذه الأحاديث مروية في الصحيحين أو في أحدهما فينبغى الاعتماد عليها وأجلها حديث التسبيح ثلاثا وثلاثين لكونه ورد في الصحيحين من طرق عديدة بوعود مختلفة وأحاديث هذا الباب واسعة ليس هذا موضع بسطها والله أعلم* ويستحب الدعاء عقيب الصلاة لما روى عن أبى امامة قال قيل يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات* قال الترمذى حديث حسن. وروى معاذ بن جبل قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى وقال يا معاذ والله انى لأحبك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أبو داود والترمذى باسناد صحيح. قال المؤلف كان الله له وهذا ما يسر الله ذكره من شرح صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاختصار والافهى تحتمل مجلدا ضخما بل مجلدات والذى قصدنا وهلل مائة وحمد مائه غفرت ذنوبه وان كانت أكثر من زبد البحر وهو وسخة (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله الكافرون) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن الزبير (الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة الخور والضعف (أرذل العمر) أضعفه والسن التى ينتهي فيها الشخص الى الهرم والخرف (اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدنيا الى آخره) أخرجه البخارى والترمذي والنسائى عن سعد بن أبي وقاص (وأحاديث هذا الباب واسعة) منها قراءة المعوذات أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان عن عقبة بن عامر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ومنها لا اله الا الله عشر مرات أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال حسن غريب ومنها قراءة آية الكرسى أخرجه النسائي عن أبي امامة ومنها رب قنى عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن البراء وأخرجه أيضا أبو عوانة عنه وعنده يوم تبعث من غير شك ومنها اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن على وأخرجه مسلم مختصرا (رواه أبو داود والترمذى) والنسائي والحاكم وابن حبان (باسناد صحيح) قال الحاكم على شرط الشيخين (ضخما) بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين أى(2/336)
التعريف بالعادات النبوية في الصلوات وما أهمل الناس فيها فهي من السنن المأثورات.
[فصل أذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه فيما اتفق عليه الشيخان]
(فصل) اذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه ذكر شيء من رواياته المكتوبات فمنه ما اتفق عليه الشيخان انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين خفيفتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وكذا بعدهما وركعتين بعد المغرب والعشاء والجمعة. وروى البخارى عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر. وروى مسلم عنها انه كان يصليهن في بيته وروى الترمذى انه صلى الله عليه وسلم كان يصليهن وقال انها ساعة تفتح فيها أبواب السموات وأحب ان يصعد لى فيها عمل صالح. وروى غيره انهن يعدلن بصلاة السحر وانهن ليس بينهن تسليم. وقال صلى الله عليه وسلم من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه الترمذي والحاكم وصححه. وروي الترمذى وحسنه انه صلى الله عظيما (التعريف) بالرفع خبر الذي (خاتمة) أخرج العقيلى بسند فيه ضعف عن أبى سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة قال ثلاث مرات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين واخرج أبو داود والنسائي عن زيد بن أرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلاة اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد انك الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك أنا شهيد ان العباد كلهم اخوة اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلنى مخلصا لك وأهلى في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والاكرام اسمع واجب الله الاكبر الاكبر الاكبر الله نور السموات والارض الله الاكبر الاكبر الاكبر حسبى الله ونعم الوكيل الله الاكبر الاكبر الاكبر وأخرج النسائي والحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط مسلم عن أبى بكرة انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة اللهم انى أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر واخرج الحاكم في المستدرك عن أبي أيوب الانصارى قال ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم الا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول اللهم اغفر لى خطاياي وذنوبي كلها اللهم العشنى واحيني وارزقني واهدنى لصالح الاعمال والاخلاق انه لا يهدى لصالحها ولا يصرف سيئها الا أنت.
(فصل) في ذكر أنواع من الصلوات (ما اتفق عليه الشيخان) عن ابن عمر وأخرجه عنه أيضا مالك وأبو داود والنسائى (والجمعة) في رواية وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته (وروى البخاري عن عائشة) أخرجه عنها أبو داود والترمذي (أربعا قبل الظهر) تتمته وركعتين قبل الغداة (وروي غيره انهن يعدلن بصلاة السحر) أخرجه الطبراني في الاوسط عن أنس بلفظ أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر (وانهن ليس بينهن تسليم) أخرجه أبو داود والترمذى في الشمائل وابن ماجه وابن خزيمة عن أبي أيوب (حرمه الله على النار) أي لا يدخلها أبدا فان دخلها لم يخلد ففي ذلك بشارة له بحسن الخاتمة (رواه) أبو داود و (الترمذي) والنسائى وابن ماجه (والحاكم)(2/337)
عليه وسلم كان يصلى أربعا قبل العصر يفصل بينهما بالتسليم. وروى هو وأبو داود انه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا حسنه الترمذى وصححه ابن حبان وسكت عنه أبو داود. وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل المغرب فروى البخارى انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب قالها ثلاثا فقال في الثالثة لمن شاء كراهة ان يتخذها الناس سنة قال المحدثون المراد بالسنة هى الطريقة اللازمة لا المعنى المصطلح عليه. ورواه أبو داود ولفظه صلوا قبل المغرب ركعتين وفي الصحيحين ان كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري لهما اذا أذن للمغرب. وفي رواية لمسلم حتى ان الغريب ليدخل المسجد فيحسب ان الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها وفيهما أيضا حديث بين كل أذانين صلاة وهو ثابت في الصحيحين وهو دليل أيضا على استحباب ركعتين قبل العشاء وبين يدي كل صلاة مكتوبة. قال العلماء شرطهما أن لا تصليا بعد شروع المؤذن في الاقامة ولا يفوتا فضيلة تحرم الامام. قلت تسن المواظبة ما دكرنا أولا مما أتفق عليه الشيخان فهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى ثنتى عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيت في الجنة رواه مسلم. وفي رواية له أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وبعد العشاء وقبل صلاة الفجر وأخرج ركعتى الجمعة وهو موافق لهذا العدد أيضا والله أعلم. ومنه الوتر وقد حض النبى صلى الله عليه وسلم عليه فقال ان الله وتر يحب الوتر فاوتروا يا أهل القرآن وقال ان الله قد أمركم بصلاة هى خير وصححه عن أم حبيبة (كان يصلي أربعا قبل العصر) أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان عن على ولابي داود عن على أيضا كان يصلي قبل العصر ركعتين ولا معارضة بينهما بل كان يفعل هذا تارة وهذا اخرى (وروى هو) أى الترمذي (وأبو داود) وابن حبان عن ابن عمر (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) للطبراني من حديث ابن عمر ومن صلى قبل العصر أربعا حرمه الله على النار (فروى البخاري) عن عبد الله بن معقل المزنى (يبتدرون السواري) أى يصلونهما بجنبها (فيحسب ان الصلاة قد صليت) أي وان الناس يصلون راتبة المغرب المؤخرة (بين كل أذانين) يعني بين الاذان والاقامة (شرطهما) أي شرط كونهما مطلوبتين وليس المراد بشرط صحتهما (تصليا) بالفوقية (بعد شروع المؤذن في الاقامة) أو قريبة من الشروع لان ما قارب الشيء أعطى حكمه (ثنتي عشرة ركعة) تطوعا (بنى له بهن بيت) في رواية بنى الله له بيتا (رواه) أحمد و (مسلم) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة (ومنه الوتر) بفتح الواو وكسرها (فأوتروا يا أهل القرآن) الحكمة في تخصيصهم طلب التيقظ منهم بالليل لدراسته وتلاوته في وترهم (قد أمركم) في رواية أمدكم بالمهملة من الامداد وفي أخرى قد زادكم رواهما أبو داود(2/338)
لكم من حمر النعم وهى الوتر فاجعلوها فيما بين العشاء الى طلوع الفجر رواهما أبو داود والترمذى. واختلفت عادات النبي صلى الله عليه وسلم في وقته فروت عائشة قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه وآخره وانتهى وتره الى السحر متفق عليه. وعن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم. واختلف العلماء في عدده بحسب اختلاف الروايات من ركعة الى ثلاث عشرة وغالب الاحوال ثلاث وعليه العمل أكثر واختلفوا هل الوتر التهجد الذى أمر الله نبيه به أم هو غيره والصواب أنه غيره وانما هما صلاتان مهما سمي أحدها باسم الآخر توسعا وأطلق على ذلك أكثر الروايات. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما فصله وربما وصله والفصل أكثر. ومذهب الشافعى ان أفضل الرواتب الوتر ثم ركعتا الفجر وقد قال بعض العلماء بوجوبهما وثبت في صحيح مسلم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل
[فائدة يشرع القنوت في الفجر والوتر]
(فائدة) يشرع القنوت في الفجر والوتر وفي سائر المكتوبات للنازلة (والترمذى) عن على وروي الاول أيضا ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه أبو نصر عن أبي هريرة وعن ابن عمر (ربما فصله) قالت عائشة كان يوتر بخمس لا يجلس الا في آخرها وفي رواية اخرى يصلى تسع ركعات لا يجلس الا في الثامنة ولا يسلم ثم يقوم فيصلى التاسعة ثم يسلم أخرجهما مسلم (وربما وصله) كما في حديث ابن عباس ليلة بات عند خالته ميمونة وفي الصحيحين من حديث عائشة كان يصلى ما بين ان يفرغ من صلاة العشاء الي الفجر احدي عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة (أفضل الرواتب الوتر) للخلاف في وجوبه (ثم ركعتا الفجر) كقوله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها أخرجه مسلم والترمذى والنسائي عن عائشة ثم باقى الرواتب (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وفي مسند الرويانى والطبراني في الكبير عن جندب (أفضل الصلاة لغير المكتوبة صلاة الليل) تتمته وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم والحديث في صلاة الليل محمول على النفل المطلق (فائدة) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعات الثلاث سبح اسم ربك الاعلى في الاولى والكافرون في الثانية والاخلاص والمعوذتين في الثالثة أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه النسائي والدار قطنى عن أبيّ بن كعب (يشرع القنوت في) صلاة (الفجر) للاتباع كما أخرجه أحمد في مسنده عن أنس وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبى هريرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن (و) في (الوتر) لحديث الحسن بن على الآتي (وفي سائر) أى باقى (المكتوبات للنازلة) ففي الصحيحين عن أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا في الصلاة يدعو على احياء من العرب رعل(2/339)
ومحله قبل الركوع عند مالك وبعده عند الشافعى ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين وقد اختار بعض المحدثين ان يقنت في الفجر بعد الركوع وفي الوتر قبله عملا بالأمرين ثم ان مذهب الشافعى أنه لا يندب في الوتر الا في النصف الثانى من رمضان والمختار استمراره في جميع السنة لاطلاق حديث الحسن بن على عن جده صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه الحفاظ بالاسناد الصحيح عن الحسن بن على رضى الله عنهما. قال علمنى جدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث قال الترمذي ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيأ أحسن من هذا. قال محمد بن الحنفية وهو الذى كان يدعو به في صلاة الفجر
[فائدة فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلّم بعد الوتر]
(فائدة أخرى) رواه ابو داود وغيره باسانيد صحيحة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس ويرفع صوته بالثالثة. واذا قد فرغنا من المكتوبات ورواتها فنشرع الآن في ذكر الصلوات وذكوان وعصية وهم الذين قتلوا السبعين ببئر معونة وأخرجه أبو داود عن ابن عباس والدعاء كان لدفع تمرد القاتلين على المسلمين لا بالنظر الى المقتولين اذ لا يمكن تداركهم (ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين) وغيرهما (لا يندب في الوتر الا في النصف الثاني من رمضان) لان عمر رضى الله عنه جمع الناس على أبيّ بن كعب في التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني أخرجه أبو داود وأخرج المنذري في تخريج أحاديث المهدى وصححه عن عمر قال السنة اذا انتصف رمضان ان يلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده (والمختار) في التحقيق وهو أقوي من حيث الدليل قال في المجموع (وهو ما رواه الحفاظ) أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه (كلمات أقولهن في الوتر) ولاحمد بن الخواس في قنوت الوتر زاد الحاكم اذا رفعت رأسى ولم يبق الا السجود (اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث) أي وعافنى فيمن عافيت وتولنى فيمن توليت وبارك لى فيما أعطيت وقنى شر ما قضيت انك تقضي ولا يقضي عليك وفي الترمذى واحدى روايات النسائي فانك بالفاء وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وزاد النسائي فيه ولا يعز من عاديت وفي رواية له وصلى الله على النبي (وقال محمد بن) على بن (الحنفية) وهي امه واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة (كان أبي) يعنى عليا (رواه أبو داود وغيره باسانيد صحيحة) عن أبيّ بن كعب وأخرجه عنه أيضا النسائي والدار قطنى في السنن (ويرفع صوته) للدار قطني ويمد صوته (في الثالثة) زاد ويقول رب الملائكة والروح وأخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك أعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك قال الترمذى حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة وللنسائي في احدى رواياته اذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه(2/340)
المتفرقات التى وعدنا بذكرها أولاهن بالذكر أولا الجمعة وقد أمر الله بها وحض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها وأوعد العقوبة على تركها وأطنب في وصف يومها. عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فاحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغى. وعنه عن النبي صلى وفيها لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك (الجمعة) بضم الميم وسكونها وفتحها وكسرها والاشهر الاول ثم ما يليه على الترتيب سمى بذلك لان كمال الخلائق جمع فيه أخرجه أبو حذيفة والبخاري في المبتدا بسند فيه ضعف أو لجمع خلق آدم فيه أخرجه أحمد وابن خزيمة من حديث سلمان وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي عن أبي هريرة موقوفا وأخرجه عنه أحمد مرفوعا لكن بسند فيه ضعف وأول من سماه بذلك الانصار حين جمع بهم أسعد بن زرارة ذكره عبد بن حميد عن ابن سيرين أو كعب ابن لؤي أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا أو قصي ذكره تعلب في اماليه او لاجتماع الناس للصلاة فيه ذكره ابن حزم وقال انه اسم اسلامي لم يكن في الجاهلية وانما كان يسمي العروبة ورد هذا بان أهل اللغة ذكروا ان العروبة اسم قديم كان في الجاهلية قيل وأول من سماه العروبة كعب بن لؤى ذكره الفراء وغيره والاكثرون على انها فرضت بالمدينة وبه جزم البغوي في التفسير لكن الصحيح ما قاله الشيخ أبو حامد انها فرضت بمكة زاد غيره ليلة الاسراء مع فرض الصلوات الخمس ويدل عليه حديث أبي داود وابن خزيمة عن كعب بن مالك كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وانما لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لعدم التمكن من ذلك فقد كانوا يستخفون بالصلاة فضلا عنها (وقد أمر الله بها) في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الآية (عن أبي هريرة) أخرجه عنه مسلم (من توضأ) فيه دليل على عدم وجوب غسل الجمعة مع قوله من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائى عن سمرة بن جندب وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم الرازى (فاحسن الوضوء) فيه طلب تحسين الوضوء قال النووى ومعنى احسانه الاتيان ثلاثا ثلاثا وذلك الاعضاء واطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة (فاستمع) أي اصغ (وأنصت) أى سكت وفي بعض نسخ مسلم أنتصت بزيادة فوقية وكذا نقله عياض عن الباجي وآخرين ثم قال وهو وهم قال النووي ليس وهما بل هي لغة صحيحة يقال أنصت ونصت وانتصت بمعني (وزيادة) بالنصب (ثلاثة أيام) قال العلماء لان الحسنة بعشر أمثالها وفعله ما ذكر في يوم الجمعة حسنة فضوعفت الى عشر من الجمعة الى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام (ومن مس الحصي فقد لغي) أخرج هذه الزيادة أيضا ابن ماجه عن أبي هريرة قال النووى فيه النهى عن مس الحصى ونحوه من أنواع العبث في حالة الخطبة وفيه اشارة الى اقبال القلب والجوارح على الخطبة والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود انتهي (وعنه) أى عن أبى هريرة(2/341)
الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. وعنه وعن ابن عمر أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها. وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله تعالى شيئا الا أعطاه اياه وأشار (الصلوات الخمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي (والجمعة الي الجمعة) أي في حق من صلاها وفيمن تركها لعذر قولان (ورمضان الى رمضان) أي في حق من صامه وفيمن تركه لعذر قولان أيضا (اذا اجتنبت الكبائر) ليس المراد ان اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصغائر بل المراد ان الكبائر لا تكفر بذلك بل الصغائر فقط هذا هو الصحيح نعم قال النووي اذا لم يكن له صغائر رجونا أن يخفف عنه من الكبائر (فائدة) قال النووي قد يقال اذا كفر الذنوب الوضوء فماذا تكفر الصلوات والجمعات ورمضان وصوم عرفة وعاشوراء وتأمين الملائكة قال والجواب ما أجاب به العلماء ان كل واحد من المذكورات صالح للتكفير فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره وان لم يصادف كبيرة ولا صغيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات (وعنه) أي عن أبي هريرة (وعن ابن عمر) أخرجه عنهما مسلم وأخرجه النسائي عن أبي هريرة فقط (لينتيهن) هى لام القسم (ودعهم) بفتح الواو وسكون المهملة أى اتركهم (أو ليختمن الله على قلوبهم) أي ليطبعن عليها ويعطبها والرين مثل الطبع وقيل الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الاقفال قال عياض اختلف المتكلمون في هذا اختلافا كثيرا فقيل هو اعدام اللطف وأسباب الخير وقيل خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمى أهل السنة وقال غيرهم هو الشهادة عليهم وقيل علامة جعلها الله في قلوبهم يعرفهم بها الملائكة (ثم ليكونن) بضم النون (وعنه) أي عن أبى هريرة (خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن حبان في صحيحه (فيه خلق آدم الى آخره) قال عياض الظاهر ان هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلة لان اخراج آدم من الجنة وقيام الساعة لا تعد فضيلة وانما هو بيان ما وقع فيه من الامور العظام وما يشفع لتأهب العبد فيه بالاعمال الصالحة لينل رحمة الله تعالى ودفع نقمته وقال ابن العربى في الاحوذي الجمع بين الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والانبياء والصالحين والاولياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أو طار ثم يعود اليها وأما قيام الساعة مسبب لتعجيل جزاء النبيين والصديقين والاولياء وغيرهم واظهار كراماتهم وشرفهم (وعنه) أى عن أبي هريرة أخرجه عنه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه (لا يوافقها) أي يصادفها (وهو قائم) حال منه مرادفة أى مبدأ حاله (يصلى) حال من ضمير يوافقها (سأل الله) حال من ضمير قائم أو جملة تفسيرية لقائم أو بدل منه (شيئا) للمحاري في الطلاق خبرا ولابن ماجه ما لم يسأل حراما ولاحمد ما لم يسأل انما أو قطيعة رحم (وأشار)(2/342)
بيده يقلبها روى جميعها مسلم والاحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة وبالجملة فهو يوم مشتمل على فوائد وخصائص لا توجد في غيره. ذكر بعضهم في خواصه اثنتين وثلاثين خاصية واختلف العلماء فيه وفي يوم عرفة أيهما أفضل وذلك فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام.
واختلفوا أيضا في تعين ساعة الاجابة فيه على أحد عشر قولا أرجحهما ما ثبت في صحيح مسلم أنها ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى ان يقضى الصلاة ويتلوه في الرجحان ما ثبت في يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مالك من رواية أبي مصعب (يقللها) ولمسلم في رواية وهي ساعة حقيقة (روي جميعها مسلم) وغيره ممن ذكرته (ذكر بعضهم) هو ابن قيم الجوزية (اثنتين وثلاثين خاصية) وهى هيئتها وانها يوم عيد ولا يضام منفردا وقراءة الم تنزيل وهل أتي في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها والغسل لها والتطيب والسواك ولبس أحسن ثيابه وتبخير المسجد والتكبير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة والانصات وقراءة الكهف ونفي كراهة النافلة وقت الاستوى ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب اليها بكل خطوة أجر سنة ونفي حر جهنم في يومها وساعة الاجابة وتكفير الآثام وانها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الامة وخير أيام الاسبوع ويجتمع فيه الارواح ولا تخص ليلتها بقيام وقراءة الجمعة والمنافقين في عشاء ليلتها والكافرين والاخلاص في مغرب ليلتها والامان من عذاب القبر لمن مات في يومها وليلتها واختصاص صلاتها بفرض الجماعة في الاولى والعدد المختلف فيه انتهى وفي هذه التى ذكرها أشياء ليست من خصائصها وهي كراهة صوم يومها منفردا فان السبت والاحد مشاركا لها في ذلك والغسل فان العيد والكسوف والاستسقاء وغيرهما مما يحصل فيه الاجتماع يشاركونها فيه والسواك فانه سنة لكل صلاة ولبس أحسن ثيابه كذلك وساعة الاجابة فان الليل فيه ذلك أيضا (ايهما أفضل) والقائلون بتفضيل الجمعة يستدلون بحديث خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره (فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام) وفيه وجهان للاصحاب أصحهما انها تطلق يوم عرفة ما لم يقصد يوم الجمعة والا وقعت فيه أما اذا قال أنت طالق في أفضل أيام السنة تطلق يوم عرفة قطعا (واختلفوا أيضا) في ساعة الجمعة هل رفعت أو هي باقية والصحيح الثاني وعليه هل هي في جمعة واحدة من كل سنة أو في كل جمعة والصحيح الثاني وعليه هل هى مبهمة أو معينة والصحيح الثاني وعليه هل يستوعب الوقت أو يبهم فيه والصحيح الثانى وعليه ما ابتداؤه وما انتهاؤه وهل يستمر أو ينتقل وعليه هل يستغرق الوقت أو بعضه (على أحد عشر قولا) بل على نحو خمسة وأربعين قاله في التوشيح قال وقد بسطتها في شرح الموطأ وأقرب ما قيل في تعيينها انها عند أذان الفجر أو من طلوع الفجر الي طلوع الشمس أو أول ساعة بعد طلوع الشمس أو آخر الساعة الثالثة من النهار أو عند الزوال أو عند أذان صلاة الجمعة أو من الزوال الى خروج الامام أو منه الى احرامه بالصلاة أو الى غروب الشمس أو ما بين خروج الامام الى أن تقام الصلاة أو (ما ثبت في صحيح مسلم) عن أبي موسى مرفوعا (انها ما بين ان يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة) أو ما بين أول الخطبة والفراغ منها أو عند الجلوس بين الخطبتين أو عند(2/343)
حديث آخر صحيح انها بعد صلاة العصر وأنها آخر ساعة من النهار وعلى هذا اكثر الصحابة والتابعين والله أعلم
[فائدة فيما ذكر من أوقات الإجابة وأماكنها]
(فائدة) حصر الشيخ الامام الحافظ ابو الخير الجزري في كتابه العدة اوقات الاجابة واحوالها واماكنها فقال ليلة عرفة ويوم عرفة وليلة القدر وشهر رمضان وليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة وهى ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة قال والأقرب انها عند قراءته الفاتحة حتى يؤمن وجوف الليل ونصفه الثانى ونصفه الآخر ووقت السحر. وعند النداء بالصلاة وبين الاذان والاقامة وبعد الحيعلتين للمخبت المكروب وعند الاقامة وعند الصف في سبيل الله وعند التحام القتال ودبر الصلوات المكتوبات وفي السجود وعقيب تلاوة القرآن لا سيما الختم وعند قول الامام ولا الضالين وعند شرب ماء زمزم وصياح الديكة واجتماع المسلمين وفي مجالس الذكر وعند تغميض الميت وعند نزول الغيث وبين جلالتي سورة الانعام وعند رؤية الكعبة وفي المساجد الثلاثة وفي الطواف وعند الملتزم وفي داخل البيت وعند زمزم وعند نزول الامام من على المنبر أو عند اقامة الصلاة أو من اقامة الصلاة الي تمامها وورد في سنن الترمذى مرفوعا أو هى الساعة التى كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فيها الجمعة أو من صلاة العصر الى غروب الشمس أو في صلاة العصر أو بعد العصر الى آخر وقت الاختيار أو من حين اصفرار الشمس الى أن تغيب (ما ثبت في حديث آخر صحيح) أخرجه ابو داود والحاكم عن جابر مرفوعا وأصحاب السنن عن عبد الله بن سلام موقوفا (انها آخر ساعة من النهار) أو اذا تدلي نصف الشمس للغروب أخرجه البيهقى وغيره عن فاطمة مرفوعا قال في التوشيح فهذه خلاصة الاقوال وباقيها يرجع اليها انتهى وقال المحب الطبرى أصح الاحاديث فيها حديث أبي موسي وأشهر الاقوال قول عبد الله بن سلام واختلف السلف في ترجيح القولين فرجح البيهقي وابن الغربى والقرطبي الاول قال النووى وهو الصحيح أو الصواب ورجح الثاني ابن حنبل واسحاق بن راهويه وابن عبد البر وجماعة وقد اورد ابو هريرة على عبد الله بن سلام انها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فاجابه ان منتظر الصلاة في حكم المصلي وهذا كما قاله في التوشيح وارد على حديث ابي موسي أيضا اذحال الخطبة ليس ساعة صلاة قال العلماء (فائدة) ابهامها كليلة القدر واسم الله الاعظم بعث الدواعى على التأهب بالاكثار من الصلاة والدعاء وان يدعى الله بجميع أسمائه الحسنى والا لا تكل الناس على ذلك وتركوا ما عداه (ابو الخير) اسمه محمد بن محمد (الجزرى) منسوب الي جزيرة ابن عمر لانه ولد بها وكانت وفاته بشيراز سنة ثلاث وثلاثين وثماثمائة (في العدة) أى عدة الحصن الحصين (ليلة عرفة ويوم عرفة الى آخر ما ذكره) احاديث ذلك مشهورة فلا نطيل بسردها (للمخبت) بالمعجمة فالموحدة فالفوقية (لا سيما) بالتشديد والتخفيف فالواو هي لاولوية ما بعدها بالحكم مما قبلها لا مستثنى بها والا فصح جرما بعدها وتقديم لا عليها بل قال المحققون حذفها لحن والسي لغة الميل وما صلة (وصياح) بضم اوله وكسره (الديكة) جمع الديك وهو بوزن العنبة(2/344)
الصفا والمروة وخلف المقام وفي عرفات والمزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث وعند قبور الانبياء ولا يصلح قبر نبي بعينه سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقط بالاجماع وقبر ابراهيم عليه الصلاة والسلام داخل السورة من غير تعيين. قال وجرب استجابة الدعاء عند قبور الصالحين بشروط معروفة
[فرع في تعيين وقت الجمعة]
(فرع) وقت الجمعة وقت الظهر وكان صلى الله عليه وسلم يبكر بالخروج اليها وكان خروجه متصلا بالزوال وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة وحض على التكبير فرواه أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الاولى فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فاذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر أخرجه البخارى ومسلم قال مالك وبعض أئمة الشافعية (بشروط معروفة) وفي الخشوع والخضوع واستعمال الادب بترك العبث ونحوه وكمال الاعتقاد واستحضار كونه واسطة بينه وبين ربه (وقت الجمعة وقت الظهر) عند سائر العلماء من الصحابة فمن بعدهم الا ابن حنبل واسحاق فجوزاها قبل الدخول مستدلين بحديث سهل بن سعد ما كنا نقيل ولا سعدا الا بعد الجمعة وهو في الصحيحين وغيرهما وهذا الحديث وما أشبهه من الاحاديث محمول عند الجمهور على المبالغة في تعجيلها وانهم كانوا يؤخرون الغداة والقيلولة في هذا اليوم الى ما بعد صلاة الجمعة لانهم ندبوا الى التكبير فلو اشتغلوا شيئا من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التكبير اليها (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) قال النووى أى كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه المراد غسل الجنابة حقيقة قالوا ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه انتهي قال في الديباج فيه حديث مشهور في شعب الايمان من حديث أبى هريرة مرفوعا أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة فان له أجرين اثنين اجر غسله وغسل امرأته (ثم راح) أي ذهب أول النهار كما في الموطأ في الساعة الاولى وراح يستعمل في جميع الاوقات بمعنى ذهب قاله الازهري وأنكر على من قال لا يكون الرواح الا بعد الزوال (قرب بدنة) أى تصدق بها متقربا الى الله تعالى أوساقها هديا الى البيت والبدنة هي البعير ذكرا كان أو أنثى والهاء للوحدة لا للتأنيث (كبشا أقرن) انما وصفه بذلك لانه أكمل وأحسن صورة ولان قرنه ينتفع به (دجاجة) بتثليث الدال يقع على الذكر والانثى (بيضة) يقرب ان المراد بها بيضة الدجاجة (حضرت الملائكة يستمعون الذكر) لمسلم في رواية طوو الصحف زاد النسائى فلم يكتبوا أحدا (أخرجه) مالك (والبخاري ومسلم) والنسائى زاد في رواية بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي أخرى بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة اسنادهما صحيح (وبعض أئمة الشافعية)(2/345)
المراد بالساعات هي لحظات لطيفة بعد الزوال ومذهب الجمهور أنها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس وفي هذا الحديث تأكيد غسل الجمعة وانه يعم الرأس وجميع البدن كغسل الجنابة وقد أوجبه بعض الصحابة وكثيرون من السلف ومذهب الجمهور انه سنة مؤكدة ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث والله أعلم. ثم اختلف العلماء في العدد الذي ينعقد بهم الجمعة وأين تقام على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار مع اتفاقهم انها لا تصح الا في جماعة وبلد جامع قال ابن الصلاح وغيره من أئمة المحدثين لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت وأفتى كثيرون من متأخرى أصحاب الشافعى باقامتها بدون أربعين وهو قول قديم للشافعى اختار جماعة منهم ان تصلى جمعة ثم تعاد ظهرا وهو النهاية في الاحتياط والله أعلم (فائدة) يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة كالقاضي حسين وامام الحرمين (المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال) وعلى ذلك جرى في أهل الروضة لئلا يستوى فيها رجلان جاء في طرفي ساعة ولانه لو أريد ذلك لاختلف الامر في اليوم الثاني في الصائف (ومذهب) الشافعى و (الجمهور انها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس) وعلى ذلك جرى النووي في شرح المهذب ومسلم قال لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الاخير وبدنة المتوسط متوسطة كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة أي فالمراد ساعات النهار الفلكية اثنا عشر ساعة زمانية صيفا كان أو شتاء والعميرة بخمس ساعات منها طال الزمان أو قصر قال الغزالى الساعة الاولى الى طلوع الشمس والثانية الى ارتفاعها والثالثة الى انبساطها حتى يرمض العضال والرابعة والخامسة الى الزوال (فائدة) أول من قدر النهار اثنى عشرة ساعة وكذا الليل نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام حين كان في السفينة أخرجه ابن عساكر في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عباس (وقد أوجبه بعض الصحابة) وبه قال أهل الظاهر (وكثيرون من السلف) كما حكاه بن المنذر عن مالك وحكاه الخطابى عنه وعن الحسن البصرى (ومذهب الجمهور) من السلف والخلف (انه سنة مؤكدة) ليس بواجب (ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث) اما الاول فدليله نحو قوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم واما دليل الثاني فقد مر والجواب عن الاول ان الاحاديث الواردة في الامر محمولة على الاستحباب جمعا بين الادلة وقوله واجب أي متأكد (ثم اختلف العلماء في العدد) فعند الشافعى وجماعة يشترط أربعون وعند مالك وجماعة اثنا عشر وعند أبي حنيفة وجماعة يجوز باثنين (لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت) انما استدل الشافعي بما في سنن أبي داود عن كعب بن مالك قال أول من صلى بنا الجمعة في بقيع الخصمان أسعد ابن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان وغيره (يستحب) سورة (الكهف) والاستكثار منها (في يوم الجمعة) لما أخرجه الحاكم والبيهقى في السنن عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة اضاءله النور(2/346)
وليلتها وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما وان يقول قبل صلاة الغداة في يومها أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه ثلاث مرات وان يجتهد في الدعاء في جميع يومها رجاء مصادفة ساعة الاجابة ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين سبعا سبعا وقد جاء في جميع ذلك أحاديث نبوية تركتها اختصارا والله أعلم.
[مطلب في صلاة الجماعة وفضيلتها]
صلاة الجماعة اعلم ان صلاة الجماعة سنة مؤكدة وقيل فرض كفاية للرجال وسنة للنساء وقيل فرض عين وهذان الأخيران قويان من حيث الدليل وعلى كل حال لا رخصة في تركها بالاعذار التى ترخص في ترك الجمعة دليله ما رويناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس قائد يقودنى الى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال له هل تسمع النداء فقال نعم قال فأجب. وروي أبو داود باسناد حسن ان ابن أم مكتوم الأعمى ما بين الجمعتين قال الحاكم صحيح الاسناد (وليلتها) لما أخرجه الدارمى موقوفا عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاءله من النور ما بينه وبين البيت العتيق (وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها) لحديث أكثروا من الصلاة على في كل يوم جمعة أخرجه البيهقى عن أبى امامة وأخرجه عن أنس وزاد وليلة الجمعة (ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين سبعا سبعا) فقد ورد ان من فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أخرجه أبو سعيد القشيري في الاربعين عن أنس وأخرجه ابن السنى من حديث عائشة بدون الفاتحة وقال أعاذه الله بها من السوء الى الجمعة الاخري (صلاة الجماعة سنة مؤكدة) لحديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أخرجه أحمد ومالك والشيخان والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر ولاحمد والبخارى وابن ماجه من حديث أبي سعيد بخمس وعشرين وكذا لمسلم من حديث أبي هريرة ولا يعارض بين الروايتين وليس في نفي الاقل نفي الاكثر كما في نظائره وعلى هذا وهو كونه سنة جري الرافعى في المحرر (وقيل فرض كفاية) لحديث ما من ثلاثة في قرية الآتي (وقيل فرض عين) كالجمعة لحديث لقد هممت ان آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب فاحرق عليهم بيوتهم بالنار أخرجه الشيخان وغيرهما وعلى الصحيح فالجواب من هذا مستوفا من كتب الفقه (رجل أعمي) هو ابن أم مكتوم الا آتى في رواية أبى داود (فرخص له الى آخره) استدل بهذا من قال ان الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور بانه سأل هل له رخصة في ان يصلي في بيته ويحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقال لا قال النووي ويؤيد هذا ان حضور الجماعة يسقط بالعذر بالاجماع واما ترخيصه له ثم رده وقوله فاجب فبوحى نزل في الحال أو باجتهاد أو رخص(2/347)
قال يا رسول الله ان المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمع حى على الصلاة حى على الفلاح فحى هلا. وفي الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لقد هممت ان آمر بحطب فيحطب ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف الىّ رجال فأحرق عليهم بيوتهم. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال من سره ان يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فان الله عز وجل شرع لنبيكم سنن الهذى ولوانكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المخالف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولو رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف رواه مسلم. وفي رواية له عنه أيضا قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وان من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وعن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة في قرية ولا بلدة لا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فانما يأكل الذئب القاصية من الغنم رواه أبو داود باسناد صحيح حسن وكل هذه الأحاديث في الصحيح وما يقاربه وكلها تدل على الحرج والضيق وعدم الرخصة هذا وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة بوعود جليلة وفي صلاة الصبح والعشاء زيادة تخصيص من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء له أولا في دفع الوجوب تم ندبه الى الافضل احتمالات (الهوام) بتشديد الميم ما يدب على الارض من نحو الحية والعقرب (فحي هلا) بتنوين هلا وقيل بلا تنوين أي عليك بالاجابة (فاحرق عليهم بيوتهم) ذكر بعضهم ان الحديث ورد على ما كان في أول الامر من العقوبة بالمال لان تحريق البيوت عقوبه مالية وقد نسخت قال في الديباج وقال بعض المحققين ان هذا الحديث ونحوه باق فيما اذا احتاج انكار المنكر الى ردع شديد لانهماك الناس في الفساد وعدم رجوعهم بما دون ذلك وقد حرق عمر بن الخطاب قصر سعد وحانوت الخمار وغير ذلك واستمر عليه ولاة الامور من بعده انتهى (سنن الهدى) بضم السين وفتحها ومعناهما متقارب أى طريق الهدى والصواب (يهادي بين الرجلين) أى يمسكه رجلان من جنبيه بعضديه يعتمد عليهما (الصلاة) بالنصب اسم ان (استحوذ) أي غلب (القاصية) البعيدة (من الغنم) التى نظر الراعى ليس عليها وشبه النبي صلى الله عليه وسلم تارك الجماعة لبعده عن محل رعاية الله تعالى الحاصلة للجماعة بسبب الاجتماع وتسلط ابليس عليه بالشاة البعيدة التي يتسلط عليها الذئب ويتمكن من أخذها (رواه) أحمد و (أبو داود باسناد حسن)(2/348)
جماعة فكأنما قام الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله رواه مسلم. وعن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبوا متفق عليه
[مطلب في صلاة الليل وتهجده صلى الله عليه وسلّم]
صلاة الليل قال الله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وقال تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ الآية وقال تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وقال تعالى وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه والنسائي وابن حبان والحاكم (ومن صلى الصبح في جماعة فكانما) قام نصف الليل فبانضمامه الى النصف الحاصل بصلاة العشاء في جماعة كانه (صلي الليل كله) هذا هو الصحيح في تأويله وقيل بل يحصل له بصلاة الصبح فقط قيام الليل كله حتى ان من صلى العشاء والصبح معا في جماعة كانه قام ليلة ونصفا (رواه) أحمد و (مسلم) عن عثمان بن عفان وللطبرانى من حديث أبي امامة من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر (لو يعلمون ما فيهما) أي من الفضل والخير (لاتوهما) ان لم يستطيعوا المشي يحبون (حبوا) ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد صلاة الليل (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أى قم بعد الهجود وهو النوم (نافِلَةً) أي زيادة (لَكَ) وجه تخصيصه مع كونها نافلة له ولغيره على الصحيح ان نوافل غيره كفارة لذنبه وهو صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله رفع درجات (عَسى) هي من الله واجب (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) يوم القيامة (مَقاماً مَحْمُوداً) هو مقام الشفاعة الذي يحمده فيه الاولون والآخرون (تَتَجافى) أي ترتفع (جُنُوبُهُمْ) جمع جنب (عَنِ الْمَضاجِعِ) جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفراش وهو هم المتهجدون بالليل ونزلت هذه الآية في الانصار كانوا يصلون المغرب فلا يرجعون الي رحالهم حتى يصلوا العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيمن يصلي صلاة الاوابين بين المغرب والعشاء روي عن أنس أيضا وقال به أبو حازم وابن المنكدر أو هم الذين لا ينامون حتى يصلون عشاء الآخرة قاله عطاء أو هم الذين يصلون العشاء والصبح في جماعة حكي عن أبي الدرداء وأبي ذر وعبادة بن الصامت والاشهر قول الحسن ومجاهد ومالك والاوزاعي وجماعة أن المراد الصلاة بالليل (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي ينامون والهجوع النوم بالليل دون النهار وما صلة أي كانوا يهجعون قليلا من الليل أى يصلون أكثره أو معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا قاله ابن جبير عن ابن عباس معنى كانوا أقل ليلة تمر بهم الا صلوا فيها شيأ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ) في الليل (سُجَّداً) على وجوههم (وَقِياماً) وعلى أقدامهم قال ابن عباس من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدا وقائما عليكم (بقيام الليل الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقى في السنن عن بلال وأخرجه الترمذى والحاكم عن أبي امامة وأخرجه ابن عساكر عن أبي الدرداء وأخرجه الطبراني في الكبير عن سلمان وأخرجه بن السنى(2/349)
دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم الى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الاثم وقال صلى الله عليه وسلم من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين ومن صلى بمأتى آية فانه يكتب من الفائزين المخلصين رواهما الحاكم. وقال الأول على شرط البخارى والثانى على شرط مسلم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة في الصحيحين وغيرهما ونشرع الآن في ذكر بيان وقته وعدده والمتلو فيه مع فوائد تتعلق بذلك كثيرة. أما الوقت ففي الصحيحين عن عائشة قالت من كل ليلة قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه ومن آخره وانتهى وتره الى السحر وقد سبق ذلك قريبا وموضع الدلالة منه ان وتره صلى الله عليه وسلم كان ملازما لتهجده وأفضل الاجزاء الليلية لذلك السدس الرابع والخامس باعتبار قسمة الليل ستة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم أحب الصلاة الى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه رواه الشيخان. وأما العدد فاختلفت الروايات عنه صلى الله عليه وسلم واختلافها يدل على تغاير أحواله صلى الله عليه وسلم وذلك بحسب اختلاف الأوقات والأحوال وأغلب العادات النبوية في ذلك ما رويناه في الصحيحين عن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على أحد عشر ركعة تصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عيني تنامان ولا ينام عن جابر (دأب الصالحين) أي عادتهم (قبلكم) يؤخذ منه ان قيام الليل من الشرائع القديمة (ومكفرة) بفتح الميم والفاء وسكون الكاف ولفظ من مر وتكفير (للسيئات) قال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ بعد ان قال وَزُلَفاً أى ساعات من الليل (ومنهاة عن الاثم) ان من خاصية الليل تجلى نفحات البارى تعالى على أهل القيام ونزول الرحمة عليهم وشهودهم قربه فيحبب اليهم الطاعات ويبغض اليهم الاثم زاد من مر ومطردة للداء عن الحسد وحكمة ذلك قلة أكلهم وايثار الجوع الذى هو سبب نقلة النوم الذي ألفوه وقد علم ان أصل كل داء الاستبطان وامتلاء المعدة (رواهما الحاكم) اما الاول فقد مر من رواه معه وأما الثاني فاخرجه الحاكم عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والنسائي عن تميم بلفظ من قرأ مائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة (المتلو فيه) أى ما يتلى أي يقرأ فيه (رواه) أحمد و (الشيخان) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو (ما كان يزيد الى آخره) قال في التوشيح فيه دلالة ظاهرة على انه لم يصلي التراويح عشرين ركعة (فلا تسأل) أنت (عن حسنهن وطولهن) أى انهن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور(2/350)
قلبي وورد في كثير من الروايات ثلاث عشرة وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة وقد كان للسلف عادات في التهجد منهم من كان ورده مائة ركعة وآخرون ألف ركعة ومنهم من قدره بقوته فلا يزال يتهجد حتى يعجز فيأتى فراشه حبوا ذكره ابن خليل في التحفة قلت وهذا الأخير مذموم شرعا وقد ورد في جملة من الأحاديث النهى عنه وتخطئة فاعله فينبغى للانسان ان يأخذ نفسه بالتدريج أولا بركعتين فقد ورد في الحديث انهما خير من الدنيا وما فيها ثم يدرجها في العمل حتى ينتهى الى احدى عشرة أو عدد يقدر عليه فيلازمه ويتخذه وردا يعتاده ويطالب نفسه بأدائه ويتمرن على العمل به وان فات عليه لعارض أصبح مهموما عليه وتدارك قضاءه في النهار فقد روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم فينبغي للانسان أن لا يهمل حظه من الليل ولو ركعتين فقد سبق قريبا ما ورد فيهما ومن لم يدرك الخير كله فلا يتركه كله والقليل يجر الكثير والله ولى التوفيق وليحذر كل الحذر أن يستحكم على رأسه عقد الشيطان يبول في أذنيه فيمضى عليه كل الليل بفوائده العظيمة وخيراته العميمة حسنهن وطولهن عن ان يسأل عنهن (ورد في كثير من الروايات) كحديث ابن عباس (ثلاث عشرة) كانه عد الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل قال عياض لا خلاف انه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه بل صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الاجر وانما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه (وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة) فقيل الاختلاف منها وقيل من الرواة عنها قال النووي فيحتمل ان اخبارها باحدي عشرة على الاغلب والباقي ربما كان يقع نادرا في بعض الاوقات (يعجز) بكسر الجيم مضارعا وفتحها ماضيا أشهر من عكسه (فيأتي) بالنصب (خير من الدنيا وما فيها) زاد ابن نضر عن حسان بن عطية مرسلا ولولا ان أشق على أمتي لفرضتها عليهم وللديلمي في مسند الفردوس من حديث جابر ركعتان في جوف الليل يكفران الخطايا (فيلازمه) بالنصب (صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة) قال النووى فيه دليل على استحباب المحافظة على الاداء وانها اذا قامت تقضى (من نام عن جزبه) ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم عن وبرة (كانما قرأه من الليل) ولهم فليصله اذا ذكره (ويبول في أذنه) أشار الى الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه وذكره المصنف(2/351)
ويصبج فقيرا منها خبيث النفس كسلان لا ينبسط ولا ينكف عن شر* روينا في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم اذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فان استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة وان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس والا أصبح خبيث النفس كسلان* وروينا فيهما أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح فقال ذلك بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه وليحذر كل الحذر أيضا من ترك تهجدا اعتاده والاعراض عنه بالكلية فيكون أسوأ حالا ممن لم يتهجد رأسا وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور في ما بعد وهو على حقيقته أو كناية عن سد الشيطان اذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر أو أن الشيطان ملأ سمعه بالاباطيل فحجبه عن الذكر أو المراد أن الشيطان ازدراه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول أقوال وانما خص الاذن بالذكر مع أن الغير أنسب بالنوم اشارة الى ثقل النوم فان المسامع موارد الانتباه وخص البول لانه أسهل مرحلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الاعضاء فيحصل التثبيط عن القيام للصلاة قاله الطبي (الشيطان) هو حقيقة أو كناية عن تثبيط قولان (قافية) بالقاف قبل الفاء (رأس أحدكم) أى مؤخره اذا (هو نام) هو على عمومه أو خصوصه بمن نام قبل صلاة العشاء قاله الملوي وابن حجر زاد ابن حجر ويمكن أن يخص منه أيضا من قراءة آية الكرسي عند نومه فقد ثبت انه تحفظ من الشيطان (يضرب) أي بيده على العقدة تأكيدا لها واحكاما قائلا ذلك أو معناه تحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قولان (على كل عقدة مكانها) قال في التوشيح وقد اختلف في هذا العقد فقيل على حقيقته وانه كما يعقد الساحر من سحره فيأخذ خيطا يعقد فيه عقدة ويتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها ولابن ماجه على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد ولابن حبان عن جابر ما من ذكر ولا أنثي الا على رأسه جرير معقود حين يرقد وفي فوائد المخلص عن أبى سعيد ما أحد ينام الا ضرب صماخيه بجرير معقود والجرير بالجيم الحبل وقيل مجاز شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور بجامع المنع من التصرف (عليك ليل طويل) لمسلم في أكثر الاصول بالنصب على الاغراء (انحلت عقده) بلفظ الجمع (طيب النفس) أى من سر صلاة الليل فاقل ما يحصل به حل عقد الشيطان ركعتان لحديث ابن خزيمة فحلو عقد الشيطان ولو بركعتين فمن ثم استحب استفتاح صلاة الليل بركعتين حقيقية للامرية في صحيح مسلم مبادرة الى حل العقد وفي فوائد المخلص عن أبي سعيد وان استيقظ ولم يتوضأ ولم يصلى أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في أذنه قال في التوشيح فيستفاد منه وقت بول الشيطان (رأسا) على لفظ الرأس أي أصلا (وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه(2/352)
وهو النقص بعد الزيادة والرجوع من حال سنى الى حال دنئ نعوذ بالله من ذلك وقال لعبد الله ابن عمرو بن العاص يا عبد الله لا تكون مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل متفق عليه.
[فصل وأما ما يقرأ في صلاة الليل]
وأما ما يقرأ في صلاة الليل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهجد بالقرآن درسا ويطيل ويجهر ويخفي ويراعى في كل وقت ما يناسبه وأطول ما ورد في ذلك ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح البقرة فقلت يقف على المائة ثم مضي فقلت يصلى بها ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر بآية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربى العظيم وكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربى الاعلى فكان سجوده عن عبد الله بن سرخس والحور بفتح المهملة الرجوع والكور بفتح الكاف آخره راء كما في رواية العذري في صحيح مسلم وكذلك هو عند الترمذي أو نون كما هو في رواية الاكثر وزعم الحربى ان عاصما وهم فيه وانما هو الكور بالراء (وهو النقص بعد الزيادة) يقال فيه حار بعد ما كار (والرجوع من حال سنى) كايمان واستقامة وصلاح (الى حال دني) ككفر وخلل وفساد أعاذنا الله من ذلك بمنه ويمنه. ما يقرأ في صلاة الليل (ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقلت يقف على المائة) زاد النسائي فمضي فقلت يركع عند المائتين (ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة) قال النووى معناه ظننت انه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى ركعتان قال ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده وعلى هذا فقوله ثم مضي معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظنى انه لا يركع الركعة الاولى الا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الاولى بها فجاوز وافتتح النساء (ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران) قال عياض فيه دليل لمن يقول ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وانه لم يكن من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وكله الى أمته بعده وهذا قول مالك وجمهور العلماء واختاره أبو بكر الباقلاني وقال هو أصح القولين مع احتمالها والذى يقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين ولا في التعليم وانه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حسد يحرم مخالفته وكذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال فاما على قول من يقول ان ذلك بتوقيف حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان وانما اختلف في المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف فتأول قراءته صلى الله عليه وسلم هنا انه كان قبل التوقيف وكانت هاتان السورتان كذا في المصحف أبي ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالي على ما هى عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الامة عن نبيها صلى الله عليه وسلم (مترسلا)(2/353)
قريبا من قيامه* قال الامام محيى الدين النووى واما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمنهم عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد بن جبير قلت واستمر فعل كثير من السلف والخلف على سبع القرآن كل ليلة في ركعات التهجد واحسن ما يمكن الدوام عليه بغير ملل ولا اخلال ويطيقه كل أحد في عموم الأحوال اعتياد ختمتين في كل شهر أحداهما في صلاته بالليل لكل ليلة جزء والأخرى خارج الصلاة والله ولى التوفيق هذا في حق من يحفظ القرآن وأما غيره فيقرأ من السور القصار وما أمكنه وأحسن الأوراد له قراءة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثا فقد ورد في الصحاح ان من قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ السورة في ركعة واقتصر عليها وربما قرأ سورتين أو أكثر في ركعة كما في حديث حذيفة السابق وحديث أبى لأعرف النظائر الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين من المفصل أي مرتلا (من قرأها ثلاثا فكانما قرأ القرآن كله) أخرجه بهذا اللفظ العقيلى عن رجاء الغنوي وللضياء من حديث أبي هريرة من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكانما قرأ ثلث القرآن ولمالك وأحمد والبخاري وأبى داود والنسائى من حديث أبي سعيد قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وأخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة بن النعمان وأخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء وأخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي من حديث أبى أيوب وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصارى وأخرجه الطبرانى من حديث ابن مسعود ومعاذ وأخرجه أحمد من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه أبو عبيد من حديث بن عباس وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر وزدا وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن ولمسلم في رواية ان الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزأ من أجزاء القرآن والمراد انها تعدل بثلث القرآن في الثواب وقيل ان القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ متمحضة للصفات فهى ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل هذا من متشابه الحديث الذى لا يدري تأويله فائدة ورد في يس ان من قرأها مرة فقد قرأ القرآن عشر مرات أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وورد في اذا زلزلت انها تعدل نصف القرآن أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس قال الحاكم صحيح الاسناد وورد في اذا جاء نصر الله انها تعدل ربع القرآن كقل يا أيها الكافرون أخرجه الترمذى من حديث أنس بن مالك وقال حديث حسن (وحديث أبى لا عرف النظائر الي اخره) قاله ابن مسعود للرجل الذى قال لابي لا قرأ المفصل في ركعة والرجل هو نهيك بن سنان كما عند مسلم (يقرن) بضم الراء على الصحيح وفي لغة بكسرها (عشرين من المفصل) أى معظمها فلا ينافي ما في رواية(2/354)
في عشر ركعات وربما غشيه البكاء في تهجده وخنقته العبرة وقام ليلة حتى أصبح بقوله إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وروى مثل ذلك عن عمر انه صلى بالناس صلاة الصبح فلما أتى على قوله تعالى نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
خنقته العبرة فبكى حتى سمع نشيجه المأمومون وقام تميما الدارى بقوله تعالى. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
. وقام سعيد بن جبير بقوله تعالى. وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ
أخرى في مسلم ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم قال النووي وفيه دليل على ان المفصل ما بعد آل حم والمراد بآل حم السورة التى أولها حم كقولك فلان من آل فلان قال عياض ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير آل داود أي داود نفسه انتهي قال العلماء القرآن السبع الطوال ثم رواية المائين وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها ثم الثاني ثم المفصل وقد سبق الخلاف في أوله وورد بيان هذه السور في رواية عند أبى داود من طريق أبي اسحاق عن علقمة والاسود عنه وفي أخري عند ابن خزيمة من طريق أبي خالد الاحمر عن الاعمش عنه الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل سائل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان واذا الشمس كورت في ركعة وليس في هذه الرواية من آل حم سورة (في عشر ركعات) قال عياض هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس ان قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان احدي عشرة بالوتر (بقوله تعالى) حكاية عن قول عيسي يوم القيامة (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أي على معاصيهم (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ولا اعتراض على المالك فيما يصنع بالعبيد (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ما دون الشرك أو هو بان توفقهم للاسلام (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الملك (الْحَكِيمُ) في القضاء وقرأ ابن مسعود الغفور الرحيم ليناسب وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وعلى قراءة الجمهور فيه تقديم وتأخير تقديره إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فلما أتى على قوله تعالى) حكاية عن قول يعقوب (َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي) هما مترادفان لان البث أشد من الحزن فهو أخص منه فمن ثم قدمه ومعناه انما أشكو حزني الشديد على يوسف وحزني الذى على بنيامين أخيه لان حزنه عليه كان دون حزنه على يوسف كذا ظهر لى (أَمْ حَسِبَ) أى احسب والميم زائدة (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) أي اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) أي المعاصى (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال المفسرون نزلت هذه الآية في نفر من قريش قالوا للمؤمنين لئن كان ما يقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا في الدنيا (وَامْتازُوا) أي اعتزلوا من الصالحين قاله مقاتل أو تميزوا قاله أبو العالية أو كونوا على حدة قاله السدى أو انفردوا عن المؤمنين قاله الزجاج والخلاف لفظى والمعني كله متقارب (الْيَوْمَ) يعنى يوم القيامة (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أى الكافرون قال الضحاك ان لكل كافر بيتا في النار يدخل ذلك البيت ويردم بابه(2/355)
وقام النووى بقوله تعالى. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. وهذا على قدر ما يظهر لهم بدقائق الافكار من لطائف المعارف وعجائب الاسرار قال السيد الجليل ابراهيم الخواص رضي الله عنه دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين
[تنبيه كره العلماء قيام كل الليل خشية الانقطاع]
(تنبيه) قال العلماء يكره قيام كل الليل خشية أن يمل وينقطع عنه كله* روينا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وافطر وقم ونم وذكر الحديث قالوا ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى لما ثبت في صحيح مسلم عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخصوا ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالى ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الايام الا ان يكن في صوم يصومه احدكم قال* محيى الدين النووى بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى (وَقِفُوهُمْ) أي أحبسوهم عند الصراط لان السؤال يكون عنده (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) أي عن جميع أقوالهم وأفعالهم أو عن لا اله الا الله روايتان عن ابن عباس (ابراهيم) بن أحمد (الخواص) قال القشيري من أقران الجنيد والثورى وله في التوكل والرياضات حظ كبير مات بالري سنة احدى وتسعين ومائتين كان مبطونا فكان كلما قام توضأ ودعا الى المجلس في المسجد يصلى ركعتين فدخل مرة بيت الماء فمات فيه رحمه الله ونفع به (وخلاء البطن) يعني بقليل الطعام والاقتصار على ما يحصل به استمساك البدن لا اخلاؤه أصلا (التضرع) هو الدعاء وأصله الدعاء بجبر الضرع وهو ضعف الجسد ثم استعمل في الدعاء كله ومن كلامه رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية وانما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وان كان قليل العلم (قال العلماء) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (يكره) لمن يجد مشقة يخاف منها محذورا (قيام كل الليل) دائما لحديث عبد الله بن عمر الآتي وأما من لا يجد مشقة فلا يكره له بل يستحب لا سيما المتلذذ بمناجات ربه سبحانه ولا يكره احياء بعض الليالى كلها كالعشر الاخيرة من رمضان وليلتى العيد بل يندب (كله) بالجر تأكيد للضمير (وذكر الحديث) تتمته فان لنفسك عليك حقا وان لزوجك عليك حقا وان لزورك عليك حقا وان لولدك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه وفي حديث عبد الله بن عمر وهذا فوائد ليس هذا محل بسطها (ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى) وما في الاحياء من استحباب قيامها حمل على قيامها مضافا الى أخري قبلها أو بعدها كالصوم وخص بعضهم الكراهة بمن يضعف بذلك عن وظائف الجمعة (لا تخصوا) الذي في أصول مسلم لا يختصوا في الاول ولا يخصوا في الثاني (ولا تخصوا يوم الجمعة الى آخره) قال العلماء الحكمة في ذلك ان يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة فاستحب الفطر فيه ليكون أعون على وظائفه وهو نظير الحاج في(2/356)
في شرحه لمسلم عند الكلام على هذا الحديث احتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها بأنها بدعة منكرة من البدع التي هى ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصى هذا كلامه بحروفه وله عليها في فتاويه كلام طويل قلت اشتد نزاع العلماء في هذه الصلاة وصلاة ليلة النصف من شعبان وطريق الانصاف البعيدة عن الاعتساف أن يتجنب صلاة الرغائب لمصادمتها هذا الحديث الصحيح الذى لا محيص عنه ولا معزل الا بحديث يقاومه في الصحة ولا سبيل اليه فقد نص جهابذة المحدثين أهل النقد والصناعة في هذا الفن ان الحديث المذكور فيها باطل موضوع لا اصل له وانها لم تحدث الا في آخر القرن الخامس ببيت المقدس واهل كل فن يسلم لهم في فنهم وان يشاركهم غيرهم فيه فاذا تحققت ذلك فلا تلتفت على من صلاها أو ذكرها فان القدوة لا تتم الا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكل احد يؤخذ من قوله ويترك غيره صلى الله عليه وسلم وما يؤمن ان يحرص الانسان على طاعة فيقع في خلاف سنة فلا تقاوم احداهما الأخرى وقد قدمنا عن سعيد بن المسيب انه قيل له يا ابا محمد أيعذبنى الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك الله بخلاف السنة فاذا تحققت ذلك فاختر لنفسك ما يترجح لك فيه النجاة والسلامة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل* واما صلاة النصف يوم عرفة وظاهر هذا عدم كراهة أفراده لمن لا يضعف بالصوم عن الوظائف وبه أخذ بعض أصحابنا وقيل الحكمة خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به قال النووي وهو ضعيف منقوض بصلاة الجمعة وقيل لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منقوض بيوم الاثنين والخميس (الصلاة المبتدعة) وهي ثنتا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة وقال الجزرى خمس من رجب (الرغائب) جمع رغباء بفتح الراء مع المد وبضمها مع القصر وحكى فيها الفتح مثل شكوي والرغباء الطلب والمسألة (ومخترعها) أي مبتدعها (ودلائل قبحها) بالرفع مبتدأ خبره أكثر (وصلاة ليلة النصف من شعبان) وهي مائة ركعة (الاعتناء) هو التكلف (والصناعة) بفتح المهملة (وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك) هو حديث يروى عن ابن عباس موقوفا عليه ما من أحد الا يؤخذ من قوله ويدع (غيره) بالجر بدل من أحد وبالنصب على الاستثناء (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) أي قوله الحق (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أى يرشد الى طريق الحق وسبيل النجاة(2/357)
من شعبان فلا يتعلق فعلها بمأثم لخلوها عن النهى والأولى لمن رغب فيها أن يصليها منفردا لأن مثل هذا الشعار الظاهر لا يقوم الا بدليل ظاهر والله أعلم بالصواب.
[مطلب في صلاة التراويح وقيام رمضان]
صلاة التراويح وقيام رمضان اعلم ان قيام رمضان سنة بالاجماع وللعشر الاواخر منه زيادة تخصيص. روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه* وروينا فيهما أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر. أما أصل استحبابها على هذا الوجه الذى يفعله الناس اليوم فانه ورد في الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم في رمضان ليالى في المسجد وكانوا في كل ليلة يتزايد جمعهم فلما رأى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يخرج اليهم وصلى بقية الشهر في بيته واعتذر اليهم فقال انى خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها. قال في صحيح البخاري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر في هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضي صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبى بن كعب فاستقر الامر على ذلك والصحابة صلاة التراويح (وقيام) بالضم عطفا على صلاة (روينا في الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن أبى هريرة) وفي السنن وعن جندب (ايمانا) أي تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلة (واحتسابا) أى يريد به الله تعالى وحده ولا يقصد روية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الاخلاق (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد النسائي وغيره وما تأخر (وروينا فيهما أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أبو داود والنسائى وابن ماجه وللبيهقى في الشعب عنها كان اذا دخل شهر رمضان شد مئزره ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ وأخرج أيضا عنها كان اذا دخل رمضان تغير لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وأشفق لونه (أحيا الليل) أي سهره فأحياه بالعبادة وأحيا نفسه بالسهر فيه (وأيقظن أهله) أى للصلاة وغيرها من العبادات (وشد المئزر) بكسر الميم مهموز أى الازار وهذا كناية عن اعتزال النسا أو عن الجد في العبادة والتشمير لها قولان الاول أولى قاله القرطبي قال لانه قد ذكر الجد والاجتهاد أولا فحمل هذا على فائدة مستنجدة أولى زاد البيهقى وابن أبي شيبة واعتزل النساء وهو يؤيد التفسير الاول (ليالى) بالنصب على الظرف (قال في صحيح البخارى) وفي صحيح مسلم أيضا (والامر على ذلك) كذا للكشميهنى ولغيره والناس على ذلك (ثم جمعهم) أى الرجال (على أبى ابن كعب) وأما النساء فعلى سليمان بن أبى خيثمة كما أخرجه البيهقي وفيه وفي الموطأ انه كان يصلي بهم عشرين ركعة وفي رواية في الموطأ ثلاثا وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث قال في التوشيح ووردت روايات أخر بخلاف ذلك ففي رواية احدى عشرة وفي أخري ثلاث(2/358)
متوافرون من غير انكار من أحد منهم ثم ان مذهب الشافعى والجمهور استحبابها جماعة وقال مالك وأبو يوسف وبعض أصحاب الشافعى والافضل فرادي في البيت والصواب الاول لما ذكرناه من فعل عمر واجماع الصحابة وقد قال صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى. وقال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأما عددها وتسميتها بالتراويح فرواه البيهقى بالاسناد الصحيح عن فعل عمر والصحابة وتسمى كل تسليمتين منها ترويحة لانهم كانوا اذا صلوا تسليمتين استروحوا ساعة. قال الحليمى في منهاجه ما حاصله ان الافضل في وقتها بعد مضي ربع الليل فصاعدا سواء أخر العشاء اليها أو صلاها ثم نام قال فاما اقامة العشاء لأول وقتها ووصل القيام بها فذلك من بدع الكسالى والمترفين وليس من القيام المسنون في شيء قال أصحابنا ولا يصح التراويح بنية مطلقة بل ينوي في كل ركعتين سنة التراويح أو قيام رمضان. قال النووي وأما القراءة فيها فالمختار الذى قاله الاكثرون وأطبق الناس على العمل به أن يقرأ الختمة بكمالها في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ويستحب أن يرتل القراءة ويبينها وليحذر من التطويل عليهم بقراءة عشرة وفي أخرى احدى وعشرين (استحبابها جماعة) لفعل الصحابة رضى الله عنهم (وأبو يوسف) هو من أصحاب أبي حنيفة (والافضل فرادا في البيت) لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة أخرجه النسائى والطبراني من حديث زيد بن ثابت (وسنة الخلفاء الراشدين) تتمة الحديث عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة (أصحابي كالنجوم) أخرجه رزين في جامعه وعبد بن حميد والدار قطنى قال المزني وغيره من أهل النظر المراد في النقل لان جميعهم عدول انتهى قال ابن عبد البر وليس المراد في الفتوى والا لما احتاج ابن عباس الى اقامة التنبيه على دعواه حيث قال للمسور بن محرمة يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل فأرسل ابن عباس الى أبي أيوب يسأله بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه انتهى. قلت بل المراد انهم قدوة فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ولم يكن فيه نص من كتاب أو سنة والذي يمارى فيه ابن عباس والمسور فيه نص من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستدل به على ما ذكره ابن عبد البر كيف وقد رجع المسور الي ما قاله ابن عباس فلم يكن بينهما اختلاف (وأما عددها) وهو عشرون قال الحليمى والسر فيه ان الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضو عفت لأنه وقت جد وتشمير قال أصحابنا لاهل المدينة فعلها ستا وثلاثين لعله مشهورة في كتب الفقه (الحليمي) بفتح المهملة وكسر اللام يكني أبا عبد الله اسمه الحسين بن محمد بن الحسن منسوب الى حليم بن وضاح قاله في القاموس (ان الافضل) بكسر الهمزة (المترفين) بضم الميم وسكون الفوقية وفتح الراء المنعمين (وليس من القيام المسنون في شيء) هذا ضعيف لم يقله أحد غير(2/359)
أكثر من جزء هذا كلامه. قلت ومما يتعين الاعتناء به والتنبيه عليه ما اعتاده كثيرون من أئمة المصلين بالناس في التراويح من الادراج في قراءتها والتخفيف من أركانها وحذف أذكارها وقد قال العلماء صفتها كصفة باقى الصلوات في الشروط والآداب وجميع الاذكار كدعاء الافتتاح فاذكار الاركان والدعاء بعد التشهد وغير ذلك ومن ذلك طلبهم لآيات الرحمة حتى لا يركعوا الا عليها وربما أداهم ذلك الى تفويت أمرين مهمين من آداب الصلاة والقراءة وهما تطويل الركعة الثانية على الاولى والوقوف على الكلام المرتبط بعضه ببعض ويسبب جميع ذلك اهمال السنن واندراسها لقلة الاستعمال صار المستعمل لها مجهلا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه السواد الاعظم وذلك لفساد الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة. حتى يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا فعليك بلزوم السنة طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم وتغنم. قال السيد الجليل ابو على الفضيل بن عياض رضى الله عنه لا تستوحش طرق الهدى لقلة اهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين.
[مطلب في صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة.]
(صلاة الاستخارة) اعلم انه ورد في الاستخارة احاديث كثيرة وأصحها في هذا الباب ما رويناه في صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول اذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم انى استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسئلك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الأمر خير لى الحليمى ولا مانع يمنع من تسميته قياما فان الليل كله محل للقيام وانما يتفاوت فضيلته (مجهلا) بضم الميم وفتح الجيم والهاء المشددة أي مستويا الى الجهل وعدم العلم (الفضيل بن عياض) قال القشيري خراساني من ناحية مرو وقيل انه ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم روي بسنده الى أبي عمار قال كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين ابيورد وبين سرخس وكان سبب توبته انه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران اليها اذ سمع تاليا يتلو الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله الآية فقال يا رب قد آن فرجع فأواه الليل الى خربة فوجد فيها رفقة فقال بعضهم نرتحل وقال قوم حتى يصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا فأتي الفضيل وامنهم وجاور الحرم حتى مات. صلاة الاستخارة (ما رويناه في صحيح البخاري عن جابر) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (من غير الفريضة) هذا محمول على الندب والا فهي ينادى بغيرها من فرض أو سنة ما لم ينقص عن ركعتين كالتحية كما سيأتي (استخيرك) أي أسألك ان تختار لى (بعلمك) أى بما تعلمه لى من الخير (واستقدرك) أي أسألك تقدير الخير وفي احدى الروايات للنسائي(2/360)
في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاقدره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به قال ويسمى حاجته. قال العلماء يحصل ركعتاها براتبة وتحية وغير ذلك والاستقلال بسبب الاستخارة أو لا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد قال بعضهم ويقرأ أيضا بعد قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الآية وبعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وهذا لا بأس به وفيه مناسبة حسنة ولو تعذرت عليه الصلاة في الحال استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه وختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أدب في جميع الأدعية. ويستحب أن يقول اللهم خرلى واخترلى فقد روينا ذلك في حديث مرفوع في جامع الترمذى وضعفه ويقرأ بعد الصلاة والدعاء أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ثم يمضى بعد ذلك لما ينشرح له صدره فلا شك أن الخير فيه وان ظهر له منه شر فلا شك أن في طيه خير فان الخير ما هو عند الله خير لا ما يظهر للناس قال تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. ويستحب أن تكون الصلاة والدعاء سبع مرات فقد روينا في كتاب ابن السنى بسند فيه مجاهيل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه وينبغي أن لا تترك الاستخارة في كل الأمور وان كانت طاعة كالحج ونحوه واستشهدك (أو قال عاجل أمرى وآجله) شك من الراوى وينبغى للمستخير الاتيان بجميعه (واقدر) بهمز وصل وضم المهملة بمعنى قدر (ثم أرضني به) وللنسائي بقضائك (قال ويسمى حاجته) وللحاكم في المستدرك من حديث أبي أيوب الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اكتم الخطيبة ثم توضأ فاحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فان رأيت في فلانة تسميها باسمها خيرا لى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى وان كان تأخيرها خير الى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى (فالحمد) بالرفع على الحكاية (ويستحب ان يقول اللهم خر لى واخترلي)(2/361)
للحديث السابق ولما رواه البيهقى ابه صلى الله عليه وسلم قال من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله عليه ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله.
«صلاة حفظ القرآن» روينا في جامع الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال بابى أنت وأمي يا رسول الله تفلّت هذا القرآن من صدرى فما أجدنى أقدر عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينتفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك فقال أجل يا رسول الله فعلمنى قال اذا كان ليلة الجمعة فان استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فانها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فان لم يستطع فقم في وسطها فان لم تستطع ففي أولها وصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان. وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فاذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصلى علىّ وعلى آلى وأحسن على سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولاخوانك الذين سبقوك بالايمان ثم قل في آخر ذلك اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمني ان أتكلف ما لا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنى وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى للاتباع أخرجه الترمذى من حديث أبي بكر (ولما رواه) الترمذى و (البيهقى) والحاكم بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص* صلاة حفظ القرآن (في جامع الترمذي عن ابن عباس) بسند حسن غريب (تفلت) بفتح الفوقية فالفاء فاللام المشددة فالفوقية أى تغلب على وخرج (من صدري) كما تفلت الدابة (كان ليلة) بالرفع والنصب (ساعة مشهودة) أى يشهدها الملائكة وتنزل فيها رحمة البارى تعالى وبركاته (في وسطها) بفتح السين (اللهم ارحمني بترك المعاصى) يؤخذ منه ان المعاصى ربما كانت سببا لنسيان القرآن وغيره من العلوم واخرج أحمد عن ابن مسعود موقوفا عليه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا قوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً الآية (يعنيني) بفتح أوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبتدعهما(2/362)
لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصرى وأن تطلق به لسانى وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدرى وأن تستعمل به بدنى فانه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم قال يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب إن شاء الله تعالى والذى بعثني بالحق نبيا ما أخطأ مؤمنا قط. قال ابن عباس رضى الله عنهما ما لبث عليا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس فقال يا رسول الله انى كنت فيما خلا لا آخذ الا أربع آيات ونحوهن فاذا قرأتهن على نفسى تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها فاذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عينىّ ولقد كنت أسمع الحديث فاذا رددته تفلّت على وأنا اليوم اسمع الاحاديث فاذا تحدث بها لم أخرم منها حرفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن. قال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه الا من حديث الوليد بن مسلم. قلت وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين وادعى انه على شرطهما وشهد على صحته ما صح منه بالتجربة والله أعلم.
[مطلب في صلاة التسابيح التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلّم عمّه العباس]
(صلاة التسبيح) التى علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وقال له عند ذلك يا عباس يا عم ومخترعهما على غير مثال سابق (لا يرام) أى لا يطلب لليأس من ادراكها (ان تلزم) بضم أوله وكسر ثالثه (على النحو) أي السنن والطريق (وان تفرج) بفتح الفوقية وسكون الفاء وضم الراء وبضم الفوقية وفتح الفاء وكسر الراء مع تشديدها (وان تشرح) أي توضع (وان تستعمل به بدنى) كذا وخص في بعض نسخ الترمذى من الاستعمال وبعضها بغسل من الغسل (غيرك) بالضم ويجوز النصب (ثلاث جمع) بالصرف (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) منصوب لوقوع اخطأ عليه (حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب رسول لانه مفعول جاء والفاعل مستتر وهو على (فيما خلا) أي مضى وسلف (أربعين آية أو نحوها) (فائدة) أخرج الزهري عن عمر موقوفا عليه تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فان جبريل نزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات خمس آيات (بين عينى) بالتثنية أى كأنما اقرأه في مصحف (لم اخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء أي لم انقص (مؤمن ورب الكعبة) أى لما مر في قوله ما أخطأ مؤمنا وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي الله عنه حيث شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالايمان وقد سماه الله تعالى بذلك في كتابه العزيز حيث قال إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قال أكثر المفسرين المراد على كرم الله وجهه ورضى عنه (ما صح عنه بالتجربة) ان أراد تجربة غير سيدنا على فظاهر وان أراد تجربة سيدنا على فذلك عن الحديث فكيف يشهد بصحة نفسه صلاة التسبيح (علمها عمه العباس) أخرجه(2/363)
ألا أصلك ألا أحبوك الا أنفعك فقال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات وذكر الحديث وقال في آخره فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفر الله تعالى ذلك لك وفي رواية قال اذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته قال في احدى رواياتها ان استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل وان لم تفعل ففي كل جمعة مرة فان لم تفعل ففي كل شهر مرة فان لم تفعل ففي كل سنة مرة فان لم تفعل ففي عمرك مرة واعلم ان صلاة التسبيح قدرواها جماعة من الحفاظ بطرق عديدة ووعود متداخلة وضعفوا طرقها وممن ضعفها أبو الفرج بن الجوزى في كتابه الموضوعات وأبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الاحوذى في شرح الترمذى وصحهها آخرون منهم الحافظ على بن عمر الدار قطنى والحاكم في المستدرك وابن خزيمة وعلى الجملة فقد تلقاها الناس بالقبول وعمل بها أكابر العلماء لانها وان لم يقطع بصحتها فهي مرتفعة عن نوع الموضوع. وقد قالوا فضائل الاعمال يعمل فيها بالضعيف ما لم يتعلق بنهى حديث أصح منه واختار كثيرون من رواياتها رواية عبد الله بن المبارك وهى ما رواها الترمذى فقال حدثنا احمد بن عبدة الضبي قال حدثنا ابن وهب قال سألت ابن المبارك عن الصلاة التى يسبح فيها قال يكبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يركع فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا يصلى أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة ثم يقرأ ثم يسبح عشرا قال فان صلى ليلا فأحب أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس (الا احبوك) أي نعطيك والحباء العطية وهو بالمهملة فالموحدة (فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج الى آخره) أخرجه الطبراني وفيه مثل زبد البحر (غفر لك) بالبناء للمفعول (وصححها آخرون) وحسنها ابن الصلاح والنووى في تهذيب الاسماء واللغات لكنه ضعفها في المجموع والتحقيق (عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلى التميمي مولاهم المروزي قال ابن الانصارى ولد سنة ثمانى عشرة ومائة ومات في رمضان سنة احدي وثمانين وقبره بهيت مدينة على شاطيء الفرات سميت بذلك لانها في هوة اي منخفض وقبره يزار بها (الضبي) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة منسوب الى ضبة بن أدغم بن تميم بن مر (ابن وهب) اسمه عبد الله (يسبح فيها) بالبناء للمفعول (ثم يقول خمس عشرة مرة) في رواية غير ابن المبارك انه لا يسبح قبل قراءة الفاتحة ويسبح بعدها خمس عشرة ويسبح عشرا في جلسة الاستراحة ويسن في الاولى بعد الفاتحة الهاكم وفي الثانية والعصر وفي الثالثة الكافرون وفي الرابعة الاخلاص قاله الشيخ(2/364)
الىّ أن يسلم في كل ركعتين وان صلى نهارا فان شاء سلم وان شاء لم يسلم.
[مطلب في صلاة الضحى]
(صلاة الضحى) وبيان فضلها ووقتها وأقلها وأكثرها روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل ان انام وعن ابى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحي رواه مسلم. وروى أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعا ويزيد ما شاء وفي الصحيحين عن أم هانئ ما معناه قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل فلما فرغ من غسله صلى ثمانى ركعات وذلك ضحى سماها الجوزى وغيره صلاة الفتح ومعناهم انها تسن عند الفتوحات والظفر. وروي البيهقى وغيره باسناد فيه مقال ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابى ذر ان صليت الضحى ثنتى أبو حامد في الرونق (فان شاء سلم وان شاء لم يسلم) والتسليم أفضل فقد اخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه صلاة الليل والنهار مثنى مثني صححه ابن حبان* صلاة الضحى (وبيان) بالرفع عطفا على صلاة (وركعتي الضحي) فيه ان اقلها ركعتان (وان أوتر قبل ان أنام) هذا محمول على انه صلى الله عليه وسلم علم منه عدم التيقظ آخر الليل (سلامى) بضم المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وأصلها عظام الاصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن وجمعها سلاميات بضم السين وتخفيف التحتية وجملة هذه السلاميات ستون وثلاثمائة كما جاء في مسلم أيضا (صدقة) سبب ذلك الشكر لله عز وجل كما أصبح معافا على نعمة الاسلام (ويجزيء من ذلك) بضم أوله مع الهمزة من أجزي وبفتحه بغير همز من أجزي بمعنى كفي (يركعهما) بالتحتية أي أحدكم (رواه مسلم) وأبو داود (وروى) مسلم (أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أحمد (كان يصلى الضحي أربعا) قال النووي وغيره هذا صريح في ان عائشة قصدت بقولها وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحي قط واني لا سبحها نفي رؤيتها له لا نفي صلاته بالكلية قالوا وسبب عدم رؤيتها انه صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عندها في وقت الضحي الا نادرا من الاوقات بل قد يكون مسافرا أو حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وان كان عند نسائه فلما كان لها يوم من تسعة أيام أو من سبعة فصح قولها ما رأيته يصليها ويكون قد علمت بخبره أو بخبر غيره ان صلاها (ويزيد ما شاء) فيه دليل لما اختاره السيوطي وغيره ان صلاة الضحي لا تنحصر في عدد مخصوص قال في الديباج وقد نبه الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي على ذلك وانه ليس في الاحاديث الواردة في اعدادها ما ينفي الزائد ولا يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم انها تنحصر في عدد بحيث لا يزاد عليه (ان صليت الضحى(2/365)
عشرة ركعة بني الله لك بيتا في الجنة وهذا بيان أكملها ونقل النووى في شرح المهذب عن الاكثرين ان أكثرها ثمان وذكر فيه ان ادنى الكمال أربع وافضل منه ست وانه يسلم من كل ركعتين وينوي ركعتين من الضحى. واما وقتها فقال العلماء وقتها من حين ترتفع الشمس كرمح الى الزوال وهذا ما جزم به الرافعى في شرحه وتبعه على ذلك النووى في شرحه المهذب وفي كتابه التحقيق وخالف في الروضة فقال ان الأصحاب قالوا يدخل وقتها بالطلوع وان التأخير الى الارتفاع مستحب والصواب ان صلاتها عند الطلوع مكروهة وان النهى عن الصلاة لا يزول لنفس الطلوع بل لا بد من طلوعها طلوعا حسنا بيضاء نقية وقدر العلماء ذلك برمح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة في حديثه الطويل صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فدل ذلك على أن النهى لا يزول بنفس الطلوع. وذكر القاضى عياض أحاديث النهى وجمع ألفاظها ثم قال وهذا كله يبين ان المراد بالطلوع يعنى في الروايات المطلقة ارتفاعها واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها قال النووي في شرع مسلم وهذا الذي قاله القاضى صحيح متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات والله أعلم. وذكر النووى في شرح المهذب والتحقيف ان وقتها المختار حين يمضى ربع النهار وكأنه تبع في ذلك الغزالى فانه ذكر ذلك في كتابه الاحياء وقال حتى لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة. قلت والدليل على استحباب ذلك ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم انه رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن ثنتى عشر ركعة بني الله لك بيتا في الجنة) أول الحديث ان صليت الضحي ركعتين لم تكتب من الغافلين أو أربعا كتبت من المحسنين أوستا كتبت من القانتين أو ثمانيا كتبت من الفائزين أو عشرا لم يكتب عليك ذنب ذلك اليوم (حسنا) بفتح الحاء والسين المهملتين والتنوين أي طلوعا حسنا (نقية) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية أى صافية لا يخالط بياضها شيء (ابن عبسة) بمهملتين بينهما موحدة بوزن شجرة (في حديثه الطويل) في مسلم وغيره (ثم اقصر) بقطع الهمزة وكسر المهملة أى اترك (ارتفاعها) بالضم وكذا ما بعده (ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم) وأخرجه عنه أحمد أيضا وأخرجه عبد(2/366)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال «فائدة» قال بعض العلماء ينبغي لمن صلى الضحى ركعتين أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بالشمس وضحاها وَالضُّحى وان صلاها أربعا قرأ في الآخرتين بقل يا أيها الكافرون وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وهذا لا بأس به ولكن لم يصح في هذا الباب شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[مطلب في صلاة الضر والحاجة]
«صلاة الضر والحاجة» اعلم ان صلاة الحاجة رواها جماعة من المحدثين على وجوه كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبى أوفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له الى الله حاجة أو الى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله الا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسئلك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لى ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا حاجة هى لك رضى الا قضيتها يا أرحم الراحمين* وروي أيضا ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله لى أن يعافينى قال ان شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم انى أسئلك واتوجه اليك بنبيك محمد صلى ابن حميد وميمونة من حديث عبد الله بن أبى أوفي (ان) بكسر الهمزة (صلاة الأوابين) هم الرجاعون الى الله عز وجل بالتوبة وانما سميت بذلك لحديث لا يحافظ على الضحى الا أواب وهي صلاة الاوابين أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وأخرجه عنه أيضا الديلمى بلفظ صلاة الضحى صلاة الأوابين وهذا الاسم مشترك بين صلاة الضحي وبين صلاة الغفلة التي بين المغرب والعشاء (حين ترمض) بفتح الميم أي تصيب اخفافها حر الرمضاء (الفصال) جمع فصيل وهو ولد الناقة ما دام صغيرا (لكن لم يصح في هذا الباب شيء) قلت بل أخرج البيهقي في السنن والديلمي في مسند الفردوس بسند يعمل به في الفضائل عن عقبة بن عامر صلوا ركعتى الضحى سورتهما والشمس وضحاها والضحى* صلاة الضر والحاجة (ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبي أوفي) وصححه لكن أخرجه عنه أيضا الحاكم في المستدرك (موجبات رحمتك) أي الاعمال الذي من فاز بها استوجب ان يرحم (وروى) الترمذي (أيضا) عن عثمان بن حنيف ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي (ضرير البصر) أي أعمى وهو كذلك في رواية عند الترمذى (ان شئت) بتاء الخطاب (دعوت) بتاء المتكلم (وان شئت صبرت) بتاء الخطاب فيهما (قال فادعه) بضم العين والهاء الضمير لله عز وجل فهى متحركة ويحتمل انها هاء السكت فهي ساكنة (ان يتوضأ فيحسن وضوءه) زاد النسائى في بعض طرقه(2/367)
الله عليه وسلم نبى الرحمة يا محمد انى توجهت بك الى ربك في حاجتي هذه لتقضى لى اللهم فشفعه فيّ. وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم قال تصلى اثنتى عشرة ركعة من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فاذا جلست في آخر صلاتك فأثني على الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وأسجد وأقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسى سبع مرات وقل هو الله أحد سبع مرات ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل اللهم انى أسئلك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وأسألك باسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك وسلم عن يمينك وشمالك واتق السفهاء ان يعلموها فيدعون ربهم فيستجاب لهم قال البيهقى انه كان قد جرب فوجد سببا لقضاء الحاجة قال الواحدى التجربة فيه عن جماعة من العلماء على ان في سنده من لا نعرفه* قلت وفي النفس منه شيء من قبل قراءة القرآن في السجود وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال نهيت ان أقرأ القرآن وأنا ساجد وراكع والله أعلم* وقد رأينا ان نختم هذه الصلوات بصلاة التوبة تفاؤلا ان يختم الله لنا بها. اعلم انه قد ورد فيها أحاديث منها ما روينا في الصحيحين عن عثمان بن عفان انه توضأ وضوءا متمما ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بكلام غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبى بكر الصديق عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى فتوضأ ثم صلى ركعتين (اللهم فشفعه في) زاد الحاكم فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وياء في مشددة (بمعاقد العز) أى جمل انعقاده وتمكنه (فيدعون) صوابه فيدعوا وذاك جائز على القطع* صلاة التوبة (من توضأ نحو وضوئي) قال النووى لم يقل مثل وضوئي لان حقيقة ما يأتيه صلى الله عليه وسلم لا يقدر أحد عليها وفي بعض رواة مسلم مثل وضوئي قال في التوشيح وهو من تصرف الرواة (لا يحدث فيها نفسه) زاد الطبراني لا يخبر وللحكيم الترمذى لا يحدث نفسه من أمور الدنيا والمراد كما قال النووي ما يسترسل ويمكن المرء وطبعه فاما ما يطرأ من الخواطر العارضة غير المستقرة فلا يمنع حصول هذه الفضيلة (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وما تأخر ولا حمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبى أيوب وعقبة بن عامر من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمله وقد مر ان المراد الصغائر فقط أو بعض الكبائر اذا لم تكن له صغيرة (ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبي بكر الصديق)(2/368)
ثم يستغفر الله الا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ الآية* واعلم ان قد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على وجوب التوبة قال الله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولها شروط ثلاثة. احدها ان يقلع عن المعصية. الثانى أن يندم على فعلها. والثالث أن يعزم على أن لا يعود اليها أبدا فان تعلقت بآدمي زاد شرط رابع وهو رد المظالم الى أهلها فان كانت مالية ردها وان كانت عرضية استحل منها وهل يشترط أن يعلمه بها فيه خلاف* قلت وقد علم من ظواهر الأحاديث الصحيحة انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد ورضى عنه ووهب له حقه وأرضى عنه خلقه لحديث الذي قتل وأخرجه عنه أيضا أبو عوانة والترمذي (والذين اذا فعلوا فاحشة) أى خارجة عما أذن الله فيه والفاحشة الزنا قاله جابر قال (أو ظلموا أنفسهم) ما دون الزنا من نحو قبلة أو لمس أو الفاحشة من دون الزنا والظلم اتيان الصغائر قاله مقاتل والكلبى وقيل الفاحشة الفعل والظلم القول (ذكروا الله) أي ذكروا وعنده وانه ليسألهم في الآخرة أو ذكروا الله بالنسيان عند الذنوب قاله مقاتل (فاستغفروا لذنوبهم) بألسنتهم وقلوبهم (التوبة) هي لغة الرجوع يقال فلان تاب أي رجع وشرعا الرجوع عن المذموم شرعا الى المحمود (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في سورة النور (أَيُّهَا) ولابن عامر انه بضم الهاء ويقف بلا ألف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجون من العذاب غدا (ان يقلع عن المعصية) أي يرتفع عنها ويتركها ولا يحصل ذلك في ترك الامور الا بالاتيان به فيقض ما فاته من نحو الصلاة (وان يعزم) أى ينوي نية جازمة (ان لا يعود اليها أبدا) ويشترط وجود ذلك قبل الغر غرة وطلوع الشمس من مغربها (فان كانت مالية ردها) اليه ثم الى وارثه فان لم يوف وارثا بعد وارث حتى ماتوا فالمطالبة في الآخرة لصاحب الحق أولا على الصحيح ويجب في القصاص وحد القذف ان يأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء ليستوفي منه أو يبرئه فان لم يعلم وجب في القصاص ان يعلمه وكذا في القذف على الصحيح (وان كانت عرضية) كغيبة (استحل) من هتك عرضه منها ان بلغته كما قاله صاحب الانوار ونقله في العزيز عن فتاوى الحناطى والاكفاه الندم والاستغفار وظاهر كلام الجمهور وجوب استحلاله وإن لم يبلغه قال الصادي والحسد كالغيبة وصوب في الروضة عدم الوجوب تبعا للرافعي (وهل يشترط ان يعلمه بها) أى يعين الغيبة أو يكفي ان يشعره بدون ان يعلمه (فيها خلاف) جزم النووي في الاذكار بالاشتراط ومقتضي كلام الحليمي وغيره عدم الاشتراط وزعم الاذرعى انه الاصح (انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد الى آخره) والدليل عليه مع ما ذكره المصنف قوله صلى الله عليه وسلم الندم توبة الي آخره أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من(2/369)
تسعة وتسعين نفسا ثم كمل المائة والرجلين الذين جثوا بين يدى الله تعالى والله أعلم ثم ان مذهب أهل السنة ان العبد اذا تاب من بعض الذنوب دون جميعها صحت توبته من ذلك الذنب وبقى عليه الباقى واذا تاب ثم عاد لا تهدم توبته السابقة لأن السيئات لا تذهب الحسنات وانما نطق القرآن بعكس ذلك وخرج الحاكم من حديث عقبة أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر منه قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. وقال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة رواه الترمذي. وفي الصحيحين مرفوعا أذنب عبد ذنبا فقال رب انى عملت ذنبا فاغفر لى فقال الله تعالى علم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدى ثم أذنب ذنبا آخر الى ان قال في الرابعة فليعمل عبدى ما شاء* أما الاستغفار بغير ندم ولا عقد قلب فهو ذكر من الاذكار لا تعلق له بالتوبة لكنه داع وقد قال صلى الله عليه وسلم واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله استغفار بلا اقلاع توبة الكذابين. وسئل بعضهم عن ذلك فقال احمدوا الله على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته والداء العضال الذي يتوقع منه سوء المآل أن يستغفر من ذنب هو مقيم عليه في حال استغفاره فيكون استغفاره استهزاء كما خرحه ابن أبي الدنيا حديث أبي سعيد الانصارى وظاهر هذا الحديث عدم اشتراط الاقلاع والعزم على عدم العود وحمل ذلك العلماء على انه صلى الله عليه وسلم انما نص على معظم أركانها على حد قوله الحج عرفة أي معظم أركانه قال القشيرى ومن أهل التحقيق من قال يكفي الندم في تحقيق ذلك لان الندم يستتبع الركنين فانه يستحيل تقدير أن يكون نادما على ما هو مصر عليه أو عازم على الاتيان بمثله (ولا يمل الله) أى لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم بره ولا يقبل توبتكم (حتى تملوا) أنتم وتسأموا والملل الذى بمعنى السآمة يستحيل في حقه تعالى (ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) تائبا منه (وان عاد في اليوم سبعين مرة) أو أكثر وخص السبعين لان الغالب انه لا يأتي الشخص في يوم واحد بذنب ثم يعاوده في ذلك اليوم سبعين مرة (رواه) أبو داود و (الترمذي) عن أبي بكر (وفي الصحيحين) وغيرهما عن أبى هريرة (فليعمل عبدى ما شاء) أي فان الذنوب لا تضره ما دام يتوب منها لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له (واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة بسند صحيح وأول الحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة (استغفار بلا اقلاع توبة الكاذبين) وقال بعضهم توبة الكذابين على أطراف ألسنتهم يعنى قول استغفر الله (كما أخرجه ابن أبي الدنيا) والبيهقى في الشعب وابن عساكر من حديث ابن عباس(2/370)
مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج الى استغفار كثير.
[فصل في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة]
(فصل) في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة وقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وسئل الامام احمد بن حنبل عن حديث انه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة ولا يلتفت فغضب غضبا شديدا وقال هذا حديث ليس له اسناد لكن قد ثبت انه صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته كان قد بعث شخصا الى العدو ثم اشتغل بالصلاة فجعل يلتفت الى جهته وهذا نادر في نافلة لمصلحة عامة فهو من باب تداخل العبادات وتقديم أهمها. وقد قال عمرانى لا جهز جيشى وأنا في الصلاة ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة فالصفن رفع أحد الرجلين (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وأخرجه هذا ابن السنى أيضا وابن ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه الحكيم من حديث أبى سعيد وأخرجه القشيري في الرسالة وابن النجار من حديث أنس وزادا واذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب (والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه) زاد البيهقي وابن عساكر ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل (وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية) ويحكى مثل مقالها عن الحسن البصري (استغفارنا) الذى هو بمجرد اللسان فقط (يحتاج) في نفسه (الى استغفار) لانه ذنب وهذا صدر منها ومن الحسن على سبيل التواضع وهضم للنفس قال العلماء ومع كون هذا الاستغفار يحتاج إلي استغفار لا ينبغى تركه لان اللسان اذا ألف الذكر أو شك ان يألفه القلب وما أحسن قول ابن عطاء الله في الحكم لا يمنعك من الذكر عدم حضورك مع الله فيه فان غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك مع وجود ذكره فعساه يرفعك عن ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (خاتمة) سقوط الاثم بالتوبة ظنى عند الفقهاء وقطعى عند مشايخ الطريق وظاهر الكتاب والسنة تدل عليه بل على تبديل سيئاتهم حسنات كما هو نص القرآن.
(فصل) في ذكر شيء من المنهيات في الصلاة (نهي عن الالتفات في الصلاة) كما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة (هو اختلاس) هو الاخذ بسريقة مع الهرب (يختلسه الشيطان) هذا على وجه المجاز لان الالتفات في الصلاة منه فاذا التفت المصلى في الصلاة فقد اعرض عن ربه تعالى فتقص صلاته بذلك فكان ما نقص اختلسه الشيطان لانه كان سببا للالتفات الذي كان سبب النقص (وقال عمر) كما ذكره عنه البخارى في صحيحه معلقا وأخرجه ابن أبي شيبة مسندا (انى لاجهز جيشى وأنا في الصلاة) زاد ابن أبي شيبة واني لا حسب جزية البحرين وأنا في الصلاة (وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن الى آخر ما ذكر) دلائل ذلك مشهورة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها والصفن بفتح المهملة وسكون الفاء ثم نون والصفد كذلك الا ان بدل النون مهملة (رفع أحد الرجلين) مع رفع ما عدا الاصابع من الثانية والا فلا يكره لان هذه(2/371)
وفي معناه الاعتماد على احدى الرجلين وتقديم الاخرى فقد قال العلماء كما يكره لك أن تقدم رجليك على أخيك في الصف كذلك لا تقدم أحد رجليك على الأخرى وأما الصفد فهو اقتران القدمين معا متلاصقين بل المندوب أن يفرج بينهما قليلا وقدر ذلك بأربع أصابع في القيام وفي السجود بشبر. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكفت والسدل فأما الكفت فهو ضم الثياب والشعر ومنعهما من السجود معه وقد سبق في فضل السجود حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وسبق هناك فعل ابن عباس بابن الحارث وحله لرأسه وهو يصلى كله من رواية مسلم. وفي سنن أبى داود ان أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مر بالحسن بن على رضي الله عنهما وهو يصلى قائما وقد غرز ضفرة في قفاه فحلها أبو رافع فالتفت الحسن اليه مغضبا فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب علىّ فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كفل الشيطان يعني مقعد الشيطان وأما السدل فهو أن يضع الثوب على رأسه أو على كتفيه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله بل ينبغي أن يتلفع به ويخرج يديه من ثيابه كلها ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصلب في الصلاة وهو أن يضع يديه على خاصرتيه. ونهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه مراوحة بين القدمين وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعلها في الصلاة (كذلك يكره تقديم احدى رجليه على الاخري) لانه مخالف لما أمر به من الاستوى (باربع أصابع) في القيام (في السجود بشبر) ليكون أعون على الاتيان بهيئة السجود (الكفت) بفتح الكاف وسكون الفاء ثم فوقية (والسدل) بفتح السين وسكون الدال المهملتين (في فضل السجود) بالمهملة (وقد غرز) بفتح المعجمة فالراء فالزاى (صفرة) بفتح الضاد المعجمة ووهم من جعلها طاء وسكون الفاء (مغضبا) بفتح الضاد المعجمة (كفل الشيطان) بكسر الكاف وسكون الفاء ثم محل النهي عن عقص الشعر للرجل وأما المرأة ففي الامر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئها المنافية للتجمل وصرح بذلك الغزالى في الاحياء وينبغى الحاق الخنثى بها قاله الزركشى (ان يتلفع) بالفاء فالمهملة أي يشتمل (ويخرج يديه من ثيابه) وذلك لانه اذا أتاه ما يتوقاه لا يمكنه اخراج يديه بسرعة ويكره أيضا الاضطباع واشتمال الصماء وهو ان يجلل يديه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الايسر واشتمال اليهود وهو ان يجلل بدنه بالثوب دون رفع (عن الصلب) بفتح المهملة وسكون اللام ثم موحدة (وهو ان يضع يده على خاصرتيه) ويسمى اختصارا وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة نهى ان يصلى الرجل مختصرا ولاحمد وأبي داود والترمذى نهى عن الاختصار في الصلاة قال العلماء الصحيح ان معناه ويده على خاصرته وقيل هو ان يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل ان يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو ثنتين وقيل ان يحذف(2/372)
بالحيوانات فقال لا تبركوا بروك البعير ولا تلتفتوا التفات الثعلب ولا تفترشوا افتراش السبع ولا تقعوا إقعاء الكلب ولا تنقروا نقر الغراب ولا ترفعوا أيديكم في حال السلام كأذناب الخيل الشمس وهذا الباب واسع وقد رأينا أن نقتصر على هذا القدر وبالله سبحانه التوفيق.
[فصل في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت في الصحاح انه صلى الله عليه وسلم حض على السحور وكان يؤخره جدا فكان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية وكان يعجل الفطر وحض على ذلك فقال لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات فان لم يكن رطبات فتمرات فان لم يكن تمرات حسا حسوات منها ما لا بد من قيامها وركوعها وسجودها وحدودها وعلى الاول قال النووى وجه النهي انه فعل اليهود وقيل فعل الشياطين وقيل فعل المتكبرين وقيل ان ابليس اهبط كذلك (لا تبركوا بروك البعير) يعنى في السجود وذلك بتقديم اليدين على الركبتين (افتراش السبع) هو بسط الذراعين حال السجود وقد مر الكلام على الاقعاء (ولا تنقروا) بالقاف في السجود (نقر الغراب) وذلك بالرفع منه بدون طمأنينة فيه والعود اليه بدون طمأنينة في الجلوس بين السجدتين (شمس) بضم المعجمة وسكون الميم ثم مهملة.
(فصل) في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحض على السحور) بقوله تسحروا فان في السحور بركة أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس وأخرجه النسائي من حديث أبي هريرة وابن مسعود وأخرجه أحمد من حديث أبي سعيد وأخرجه الطبراني من حديث عقبة ابن سعيد وأبي الدرداء بلفظ تسحروا من آخر الليل هذا الغداء المبارك ولابى يعلى من حديث أنس تسحروا ولو جرعة من ماء ولابن عساكر من حديث سراقة بن عبد الله ولو بالماء ولابن أبى الدنيا من حديث على تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا ولو على شربة من ماء ولاحمد من حديث أبي سعيد السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو ان يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين ولاحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن العاص فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر قال القرطبى هذا الحديث يدل على ان السحور من خصائص هذه الامة ومما خفف به عنهم والسحور بفتح السين اسم لما يتسحر به وضمها اسم للفعل (كان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية) أخرجه الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت وفي الحديث ضبطه القدر ما يحصل سنة التأخير (وكان يعجل الفطر) كما في الصحيحين عن زبد بن ثابت (لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر) وأخروا السحور أخرجه أحمد وابى ذر ولاحمد والشيخين والترمذي من حديث سهل بن سعد لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر (قال أنس كان يفطر قبل أن يصلى على رطبات الى آخره) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى (رطبات) بضم الراء وفتح المهملة جمع رطبة (فتمرات) بفتح الفوقية والميم جمع تمرة (حسا) بالمهملتين (حسوات) بفتحات جمع حسوة وهي ملأ الكف من الماء(2/373)
من الماء وقال اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابه أحد أو قاتله فليقل انى صائم وقال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وكان صلى الله عليه وسلم ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم قالت عائشة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان فانه كان يصوم شعبان كله وفي رواية انه كان يصوم شعبان الا قليلا وظاهر الخبر نزل على ان السنة لا تحصل بدون الثلاث من الرطب والتمر أو الحسوات ونصه في حرملة بقبضة (اذا كان يوم صوم أحدكم الى آخره) أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائى من حديث أبي هريرة (فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها من الرفث وهو فاحش القول (ولا يصخب) الصخب رفع الصوت بالمشاتمة ولمسلم فلا يجهل قال النووي فالجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكم وخلاف الصواب من القول والفعل (فان سابه أحد) ولمسلم فان من شاتمه ومعناه سبه وشتمه متعرضا لسبه وشتمه (أو شاتمه) اي نازعه ودافعه (فليقل) أى بلسانه ليسمعه الساب والشاتم والمقاتل فينزجر غالبا أو يحدث به نفسه ليمنعها من مسابقته ومشاتمته ومقاتلته ويحرس صومه عن المكروهات أو باللسان في صوم الفرض وبالقلب في صوم النفل أقوال قال النووى ولو جمع بين الأمرين كان حسنا (اني صائم) زاد البخاري مرتين أى لانه أكد في الزجر ولمسلم انى صائم (من لم يدع قول الزور الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبى هريرة ومعنى لم يدع لم يترك والزور الكذب (فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه) معنى ذلك التحذير من الزور وما ذكر معه وليس معناه انه يؤمر بالاكل والشرب قاله ابن بطال وهذا على حد قوله من باع الخمر فليذبح الخنازير اذ معناه التحذير والتعظيم لا اثم بائع الخمر لا انه مأمور بذبحها وقوله حاجة أي ارادة لانه تعالى لا حاجة له في شيء أو كناية عن عدم القبول كقول من غضب على من أهدى له لا حاجة لى في هديتك أي مردودة عليه ومقتضى هذا الحديث ان فاعل ذلك لا يثاب على صومه كما قاله ابن العربي وغيره (كان ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة وأم سلمة وفي الحديث قضية (كان يصوم شعبان كله) أخرجه هو والحديث الآتي بعده الشيخان وغيرهما عن عائشة (كان يصوم شعبان الا قليلا) قال النووى الحديث الثاني تفسير للاول وبيان ان قولها كله أي غالبه وقيل كان يصومه في وقت وأكثره في سنة أخرى لئلا يتوهم وجوبه والحكمة في تخصيص شعبان بكثرة الصوم ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم وقيل كان يقضي فيه ما فات عليه من صيام الايام الثلاثة من كل شهر سفرا وغيره وأخرج هذا الطبراني بسند ضعيف عن عائشة وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان كما أخرجه الترمذي قال النووي فان قيل جاء في الحديث ان أفضل الصوم بعد رمضان شهر المحرم فكيف أكثر منه في شعبان فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم الا في الحياة(2/374)
وصام صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصومه وقال صيامه يكفر السنة الماضية وقال لئن بقيت الى قابل لأصومن التاسع والعاشر وقال من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل على فيه وقال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين ويوم الخميس وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئلت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم قيل لها من قبل التمكن من صومه أو لعله كان تعرض له فيه أعذار كفر أو مرض (وصام عاشوراء وأمر بصومه) أخرجه بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه من حديث علي وعاشوراء بالمد عاشر المحرم (وقال صيامه يكفر السنة الماضية) رواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبي قتادة (لئن بقيت الى قابل لا صومن التاسع) أخرجه مسلم وأبو داود من حديث عبد الله بن عباس ومن تتمة الحديث فمات قبله وقابل مصروف والتاسع المراد به تاسوعاء بالمد وهو تاسع المحرم (من صام رمضان الى آخره) أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب ولاحمد عن رجل من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال والاربعاء والخميس دخل الجنة (ستا) بكسر المهملة وتشديد الفوقية ولم يقل ستة مع كون المعدود مذكرا لانه اذا حذف جاز فيه الوجهان وعن الدارقطني ان أبا بكر الصولي صحفه في أماليه فضبطه شيأ بالمعجمة فالتحتية (وشوال) بالصرف (كان كصيام الدهر) زاد أحمد والنسائي وابن حبان عن ثوبان صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة واستشكل هذا بأنه يلزم منه مساواة ثواب النفل للفرض وأجيب بأنه انما صار كصيام سنة بالنصف وذلك محض فضل من الله تعالى (تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس الى آخره) أخرجه الترمذي وغيره من حديث عائشة وأبى هريرة ولمسلم من حديث أبي هريرة تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا وأخرجه الطبرانى من حديث اسامة بن زيد بلفظ تعرض الاعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الا ما كان من متشاحنين أو قاطع رحم وأخرجه الحاكم من حديث والد عبد العزيز وزاد وتعرض على الانبياء والآباء والامهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا واشراقا فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم (يوم عرفة) هو تاسع ذي الحجة (يكفر سنة الماضية والباقية) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبى قتادة وأخرجه أبو الشيخ في الثواب وابن النجار من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أبي سعيد وأخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة وأخرجه بمعناه ابن ماجه من حديث قتادة بن النعمان وللبيهقي من حديث عائشة صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم (كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام) زاد الترمذي من(2/375)
أى شهر كان يصوم قالت لم يكن ببالى من أي شهر كان يصوم وقال صلى الله عليه وسلم لأبى ذر اذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاثة عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة وكان صلى الله عليه وسلم لا يفطرهن في حضر ولا سفر وسئل أنس عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصوم من الشهر حتى يرى انه لا يريد أن يفطر ويفطر حتى يرى أنه لا يريدان يصوم وكنت لا تشاء ان تراه من الليل مصليا الا رأيته مصليا ولا نائما الا رايته نائما ونحوه عن عائشة وابن عباس رضى الله عنهما واعلم ان الصوم من افضل العبادات وأسرار المجاهدات وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة أجلها ما اتفق عليه الشيخان عن ابي هريرة بروايات وهذه احدى روايات مسلم كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائه ضعف قال الله تعالى الا الصوم فانه لى وانا أجزى به حديث ابن مسعود وقل ما كان يفطر يوم الجمعة ولاحمد وأبي داود والنسائي من حديث حفصة أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة الاخرى وللترمذي من حديث عائشة من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والاربعاء والخميس وهذا يدل على اختلاف عادته في صومها (وقال لابي ذر اذا صمت الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وصححه وللنسائي وأبي يعلي والبيهقي في الشعب من حديث جرير صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وهى أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشره وخمس عشره ولأبى ذر الهروي من حديث قتادة بن ملحان صوموا أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كنز الدهر (وكان لا يفطرهن في حضر ولا سفر) أخرجه الطبرانى في الكبير من حديث ابن عباس (وسئل أنس الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (حتى يرى) بالضم بمعنى يظن (وكنت لا تشأ) بتاء الخطاب (ان تراه من الليل مصليا الى آخره) معناه انه كان لا يقيم كل الليل بل يرقد ويقوم نصفه فمن أحب ان يأتى وهو نائم جاء في وقت نومه أو وهو يصلي جاء في وقت صلاته (ما اتفق عليه الشيخان عن أبى هريرة) وأخرجه عنه أحمد والنسائي أيضا (فانه لى وأنا أجزي به) اختلف في معناه فان الاعمال كلها لله عز وجل وهو الذي يجزي بها فقيل لانه لا يظهر من ابن ادم ولا يطلع عليه ويؤيده حديث الصيام لا رياء فيه أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبى هريرة وقيل معناه ان جزاء الصوم كثير لم يكشف لاحد عن مقدار ثوابه بخلاف غيره من العبادات فانها تضاعف الى سبعمائة ضعف كما في الحديث وقيل معناه انه أحب العبادات الى الله تعالى والمقدم عليها وقيل لانه لم يعبد به غير الله وقيل لان جميع العبادات يوفي منها مظالم العباد سواء وقيل لانه ليس للصائم ونفسه فيه وقيل لأن الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته تعالى فيقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وان كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء وقيل هي اضافة تشريف كقوله عبادي وبيتي وقيل كل الاعمال ظاهرة للملائكة فتكتبها الا الصوم فانما هو نية وامساك(2/376)
يدع طعامه وشهواته من اجلى. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. واما اذكاره فانه قد ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا أفطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر ان شاء الله تعالى. وكان يقول ايضا اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وكان يقول أيضا الحمد لله الذى اعانني فصمت ورزقني فأفطرت. وكان يقول اللهم لك صمنا وعلى رزقك افطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم. وكان صلى الله عليه وسلم اذا افطر عند قوم دعا لهم فقال افطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة. وينبغي للصائم ان يجتهد في الدعاء عند فطره لأنه ورد انه صلى الله عليه وسلم قال ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال ابن ابي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص اذا افطر يقول اللهم انى اسئلك برحمتك التي وسعت كل شيء ان تغفر لى.
فالله تعالى يعلمه ويتولى جزاؤه (وشهواته) زاد ابن خزيمة وزوجته (من أجلى) قال القرطبى فيه تنبيه على الجهة التي بها يستحق الصوم ان يكون كذلك وهو الاخلاص الخاص به (فرحة عند فطره) أي بزوال جوعه وعطشه أو بتمام عبادته وسلامتها عما يفسدها (وفرحة عند لقاء ربه) أي لما يراه من جزيل الثواب (ولخلوف) بضم المعجمة وصحف من فتحها وهو تغير ريح الفم من الصوم (أطيب عند الله) زاد مسلم في رواية وأحمد وابن حبان يوم القيامة ولا يتوهم من هذا انه تعالى يستطيب الروائح ويستلذها فان هذا محال عليه تعالى (من ريح المسك) هو على ظاهره بان يأتي يوم القيامة ونكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي الشهيد وريح دمه يفوح مسكا أو كناية عن الرضاء والقبول وانه أكثر ثوابا من استعمال المسك المندوب اليه في الجمعة ونحوها أو لان الطاعات يوم القيامة تكون ريحا يفوح والصيام فيها من بين العبادات كالمسك أو المراد ان ذلك في حق الملائكة وانهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وهو مجاز واستعارة لتقريبه من الله تعالى أقوال قال في التوشيح ويؤخذ من الحديث تفضيل الخلوف على دم الشهيد لان دم الشهيد شبه بريح المسك والخلوف وصف بانه أطيب (كان اذا أفطر قال الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمر وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (الظمأ) بالقصر والهمز (وكان يقول أيضا اللهم لك صمت الى آخره) أخرجه أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلا وأخرجه الطبراني وابن السني من حديث ابن عباس وزاد فتقبل منى انك أنت السميع العليم (الحمد لله الذى أعانني فصمت الى آخره) أخرجه ابن السني والبيهقي في الشعب من حديث معاذ (كان اذا افطر عند قوم الى آخره) أخرجه أحمد والبيهقى في السنن من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو يعلى من حديث ابن الزبير ولم يذكر وأكل طعامكم الابرار (وصلت عليكم الملائكة) زاد الدميرى في شرح المنهاج وذكركم الله فيمن عنده وليس في الحديث (ان الصيام عند فطره الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر (دعوه) اسم (ان ابن أبي مليكة) اسمه عبد الله ومليكة بالتصغير (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك(2/377)