ولي قضاء حلب فورد إليها وبعد العز أعطى قضاء مصر وذلك سنة سبع وثمانين ومائة وألف فارتحل إليها ثم في تلك الأيام صار مفتياً بالدولة العثمانية قريبه مصطفى بن محمد الدري فأعطاه رتبة قضاء مكة المكرمة ترفيعاً لمقامه وقدره ولما ارتحلت لدار السلطنة قسطنطينية سنة اثنتين وتسعين ومائة اجتمعت به أي المترجم في داره ثم شرفني بالزيارة لداري وحصل بيني وبينه كمال المحبة والاتحاد لمودة سابقة لأن أسلافه من معتقدي الجد الأستاذ الشيخ محمد مراد بن علي البخاري قدس سره وبينهم محبة ورابطة وثيقة العرى ونحن وإياهم من ذلك العهد القديم متحابون مستقيمون على الصداقة والوداد وكان رحمه الله كلما اجتمعت به ودارت بيننا أكواب المطارحة والمسامرة يثني على الأسلاف ويمدح ويرتع في رياض أوصافهم ويمرح وكنت أشاهد منه محبة ما شابها رياء ولا محاباة ولما قدر الله تعالى وارتحلت ثانياً لدار السلطنة المذكورة سنة سبع وتسعين بعد المائة اجتمعت به وكان منفصلاً عن قضاء دار السلطنة قسطنطينية وكان ولي القضاء بها قبل العام هذا بثلاث سنين واجتهد في تنظيم أسعار البلدة المذكورة مع التفحص التام على البيع والشراء لأجل رخص الأسعار وإزالة المحتكرين وغيرهم فحمدت الناس قيامه في ذلك وأحكامه وشكرت صنيعه ووصل خبره للسلطان والوزير الصدر السلحدار محمد باشا وألبسه الخلعة السمور بالديوان السلطاني تكريماً له وتوقيراً وحين اجتمعت به رأيت من الملاطفة ما زاد عن الحد وكان جسوراً غيوراً نبيهاً نبيلاً عارفاً ببعض الفنون معتقداً للأولياء والصلحاء حسن الملاطفة والعشرة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته مطعوناً وأنا في دار السلطنة المذكورة في ليلة الجمعة رابع عشري رمضان سنة سبع وتسعين ومائة وألف ودفن بالتربة التي خارج باب أدرنة بالقرب من قبر شيخ الإسلام مصطفى ابن محمد الدري رحمهما الله تعالى
نعمان الحنفي الخواجكان
ابن محمد الحنفي الادرنوي نزيل قسطنطينية المعروف بالخواجكان ورئيس الكتاب في الدولة العثمانية كان عارفاً أديباً كاتباً متقناً ماهراً بالخطوط وتوقيع المناشير السلطانية والأوامر الخاقانية مع مراعاة القوانين المطابقة للشريعة قدم دار السلطنة قسطنطينية وأخذ بها الخطوط والكتابة عن الأستاذ عبد الله يدي قللي الكاتب المقدم ذكره وغيره وبرع في الأقلام جميعاً وأتقنها بأنواعها على طرائقها وسلك طريق الكتاب في الديوان العثماني واشتهر أمره وصار كاتب الديوان المذكور وتذكرجي ثاني ثم صار كاتب أوجاق العسكر الجديد توفرت حرمته وعلا قدره وازداد وجاهة حتى صار رئيس الكتاب إلى أن مات وكانت وفاته يوم الثلاثاء عاشر شوال سنة ثمانين ومائة وألف والادرنوي نسبة إلى(4/226)
أدرنة بفتح الألف وسكون الدال المهملة وفتح الراء المهملة أيضاً ونون وهاء بلدة عظيمة رحمه الله
نعمة الفتال
الشافعي الحلبي الشيخ الفاضل البحاث ولد بحلب ونشأ بها واشتغل بطلب العلم على من بها من الأفاضل وأخذ عن أبي السعود الكواكبي وغيره واجتهد في تحصيل الكمال إلى أن بلغ المحل العالي بين كل الرجال وكانت له اليد الطولى في معرفة العلوم العقلية والنقلية ودرس بجامع حلب واستفاد وأفاد وانتفع به جملة من الطلبة من أهل حلب والواردين عليها وكانت وفاته بها بعد الخمسين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً رحمه الله تعالى
نوح شيخ زاده
ابن عبد الله بن حسين المعروف بشيخ زاده الحنفي القسطنطيني أحد رؤساء الدولة وأعيان كتابها المعروفين بالخواجكان ولد بقسطنطينية دار السلطنة العثمانية ونشأ بكنف والده رئيس الكتاب المار ذكره في محله وقرأ القرآن وغيره من المقدمات وأخذ الخط عن والده المذكور ومهر وبرع بأنواعه وبالإنشاء والترسل وحصل الكمالات والمعارف وولي المناصب الرفيعة كأمانة الدفتر السلطاني وصار رئيس الكتاب بالوكالة وغير ذلك وفاق على ذويه في زمن السلطان محمود خان واشتهر بين رؤساء الدولة وكانت وفاته سنة إحدى وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى
نور الدين الأسدي
ابن علي الأسدي الصفدي نزيل دمشق الشيخ الصالح الدين السمح توفي بدمشق يوم الأحد حادي عشر شوال سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى
حرف الهاء
ليس فيه أحد
حرف الواو
ليس فيه أحد
حرف اللام ألف
ليس فيه أحد
حرف الياء التحتية
يحيى البري
ابن إبراهيم بن أحمد المدني الحنفي الشهير بالبري الشيخ الفاضل العالم الكامل أبو زكريا(4/227)
ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلوم وكرع من بحار المنطوق والمفهوم فأخذ عن والده وعن الشهابي أحمد أفندي المدرس وغيرهما وفضل ونبل قدره ونسخ بخطه كتباً كثيرة منها حاشية الأشباه للحموي وكان أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي ولم يزل على حالة حسنة وطريقة مثلى إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وله شعر لطيف منه قوله مخمساً
يا ريم رامة والعقيق وحاجر ... يا من تبرقع بالجمال الباهر
فزها برونقه البهيّ الزاهر ... بالله ضع قدميك فوق محاجري
فلطالما اكتحلت بطيب ثراكا
وانظر لصب هائم بين الورى ... جرت الدما من مقلتيه كما ترى
وارفق به لتكف عنه ما جرى ... واردد بوصلك ما سلبت من الكرى
فلقد رضيت من الزمان بذاكا
فهواك يا من قد أسال مدامعي ... يمسي ويصبح آخذاً بمجامعي
فاردد فؤادي بالخطاب الجامع ... وأعد حديثك لي فإن مسامعي
في شاقة أبدا إلى نجواكا
هي خمرتي وبها ذكاء قرائحي ... هي نشأتي ولها تميل جوانحي
هي للجراح مراهم يا جارحي ... يا بغيتي فلذاك كل جوارحي
تهوى حديثك مثل ما أهواكا
يحيى الدجاني
ابن درويش المقدسي الدجاني الشافعي الخلوتي خادم ضريح نبي الله داود ببيت المقدس ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي في ثبته فقال كان من عباد الله الصالحين مواظباً على نوافل الطاعات من التهجد والصيام والأوراد وذكر الله تعالى رائقته سفراً وحضراً فرأيته على جانب عظيم من الدين والصلاح وصيانة اللسان ومحبة الناس والتواضع وقدم إلى الشام مرات آخرها سنة ثلاثين واستشهد على يد قطاع الطريق ما بين القدس والخليل في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يحيى الجالقي
ابن إبراهيم الدمشقي الحنفي الشهير بالجالقي رئيس الكتاب بالقسمة العسكرية بدمشق الكاتب البارع كان من عقلاء الكتاب عارفاً بفن الصكوك محافظاً للأعيان ظريفاً(4/228)
في ذاته مغرماً بالجمال واشتهر بذلك متقناً فن الأذكار له دربة في الأمور الارجية كثير التهور على مشارب الكمال وكان له حذق في الأفراح والجنائز وتوزيع الصدقات مع حلاوة وسعة يوجد في خدم الأعيان ويصرف نفسه وكان قاطناً بالمدرسة العادلية الكبرى ثم أخذ داراً بالقرب من دار بني منجك خارج باب جيرون وأتعب نفسه بها وجعلها وقفاً النصف على مدرستنا المرادية والربع للمؤذنين والربع للسميساطية وكان في الأصل حاله مضمحل ثم تنقلت به الأحوال إلى أن لازم الصدر الدفتري السيد علي الحموي الدمشقي وانتمى إليه فلما عزل ومال انتمى إلى الشهم الكبير السيد محمد الفلاقنسي الدفتري بواسطة بعض متردديه وصار له القبول عنده وأظهره للوجود بعدما كان من الميدان مفقوداً ثم بعد وفاة الفلاقنسي المذكور هبط عن أوله وكبر سنه ولم يكن كما كان ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف وقد ناهز التسعين وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بمقبرة مرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى.
يحيى الاسطواني
ابن أحمد بن حسن بن محمد بن محمد بن سليمان العاقل المفنن الاسطواني الحنفي الدمشقي الفاضل الأديب كان فاضلاً أديباً عارفاً بارعاً كاتباً منشئاً يعرف كثيراً من الفنون مع اللطافة وحلو المعاشرة وحسن المحاضرة والخط الحسن والانشاء البليغ والصوت الشجي المطرب اشتغل بطلب العلم على جماعة من علماء عصره كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري ولازم الفقيه علم الدين صالح الجينيني وأعاد له درسه في الدرر والغرر مدة سنين وصار مرة كاتباً للأسئلة الفقهية وأميناً على الفتوى وأعطى رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي ودرس بالمدرسة الجقمقية وكان في ابتداء أمره أحد الشهود والكتاب بمحكمة الباب لكن الدهر به تقلب وعلى نفسه تغلب حتى أورثه السوداء ومع ذلك فلم يترك مطالعة الشعر والكتب الأدبية ومن شعره الذي غلا سعره قوله ولم أقف له على غيرها
خذا حيثما غيض الرياض رواتع ... فقلبي بهاتيك الأجارع والع
وجدّا خليلي السرى فلقلما ... تعرّض للساري الملث موانع
ودونكما تجدا ورامة واندبا ... فؤاد كئيب كي تجيب الأجارع
ففيها لقد ضاع الفؤاد وكم بها ... غدوت أخاً وجد وسرّى ذائع
فلله ما أحلى المقام برامة ... فياليت شعري هل لها أنا راجع
وياما أحيلي صدح ورق حمائم ... إذا ساجلتها في الغوير سواجع(4/229)
فكم لي في وادي الأراك أحبة ... أقاموا ولي بين التلاع مواتع
وكم حملتني نسمة سحرية ... عبير عرار والبدور طوالع
لقد كاد فودى أن يشيب لبعدهم ... على إنني في الوصل خلى طامع
فخير زمان في المسرة لا مرا ... فإنّ به غصن الشبيبة يانع
فقل لي رفيقي هل أداني ربوعهم ... وتسفر عن بدر السرور مطالع
وينعم بالي وصل سعدي بلعلع ... وصبح التهاني بالتواصل ساطع
ألم ترني إن لاح برق منادياً ... ألا يالصحبي ها أنا اليوم جازع
وأنشد من وجدي وفرط صبابتي ... أبرق بدا من جانب الغور لامع
وإن ما تذكرت العذيب رأيت من ... عيوني شآبيب الدموع تسارع
أروم انكتام الأمر والوجد مظهر ... من الشوق ما ضمت عليه الأضالع
فكم رام سلواني العذول مزخرفاً ... لزور مقال وهو فدم مخادع
إذا قال دع ذكر التوله والهوى ... أجبت بقول للملام يدافع
لئن حفظت أيدي الغرام مكانتي ... فمدح خليل الفضل قدري رافع
ألا وهو مقدام العلوم ومن سما ... بآيات فضل ما لديها مدافع
وأحرز في مضمار كل فضيلة ... على الرغم سبقا لم تنله المطامع
همام على هام المجرّة فخره ... له أصل مجد في السيادة فارع
وليس له في العلم صنو وماله ... بنيل المعالي في البرايا مضارع
وأنى يساوي كنه فضل صفاته ... وشأو ضليع ليس يدرك ظالع
إليه لدى أهل الفضائل إن بدا ... خفى من المعنى تشير الأصابع
هو الجهبذ الشهم الذي بلغ العلا ... وحل ذرى التحقيق إذ هو يانع
إذا جال فوق الطرس طرف يراعه ... أتته المعاني وهي طرّاً خواضع
فلم أنس يوماً فزت فيه بنظرة ... وأعين حسادي عليه هواجع
أتيت حماه والفؤاد قد انطوى ... على كرب قد أبدعتها الوقائع
فبدّلها المولى سروراً وبعدها ... أمنت وضمتني إليها المضاجع
ألا يا خدين المجد يا فرد عصره ... بنظرة لطف منك إني قانع
لقد حزت من أسنى المفاخر ذروة ... لعمري عنها غير ذاتك شاسع
إليك ابن صدّيق النبي فريدة ... لقد وشحتها في القريض بدائع
أتتك وطير السعد أمّك ساجعاً ... فطابت بطيب السمع منه المسامع
وعذراً فإن الفكر مني قاصر ... ولكنما جهد المقل المدامع(4/230)
فدم راقياً أوج العلاء مؤيداً ... وعزمك للأعداء كالسيف قاطع
مدا الدهر ما أبدى المشوق إلى اللقا ... أنيناً وما أبدى التواضع خاشع
وما صاغ يحيى في البديع قوافيا ... تفوق الدراري أو ترنم ساجع
وكانت وفاته ليلة السبت سادس عشري ذي الحجة سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى.
يحيى بن بعث
ابن تقي الدين بن يحيى الشهير بابن بعث نسبة لخال والده الدمشقي الفاضل الفلكي الكامل الصالح التقي كان عمله صنعة التجليد للكتب والحبر الجيد من أرباب الظرف واللباقة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يحيى الجليلي
ابن مصطفى الموصلي الشهير بالجليلي الشيخ الأديب الفاضل الشاعر ترجمه محمد أمين الموصلي فقال أحد رجال هذا البيت كان مولعاً باكتساب الفضائل واقتناء الكتب والأدب لم يشتغل بزخارف الدنيا مع اقبالها عليه بل كان شعاره الفحص عن المسائل وكشف قناعها بالدلائل مكباً على تحصيل العلوم حتى قضى نحبه ولقى ربه وكان قد أخذ العلم عن شيخنا الأجل موسى الحدادي وتأدب بأخلاقه فكان لا تمر به ساعة وهو خال من مطالعة أو مناظرة أو مباحثة أو مناقشة وله ميل كلي إلى الأدب والأدباء ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ودخل حلب سنة اثنتين وسبعين مع أولاد عمه ثم رجع منها لبلده الموصل ولشيخنا المذكور فيه مدائح عجيبة فمن ذلك قوله من قصيدة بديعة مطلعها قوله
رمى فأصمى فصاد القلب بالغنج ... ظبي يصول بطرف فاتك دعج
وذو محيا إذا لاحت محاسنه ... أغنى بطلعته الغرّا عن السرج
وحمرة الخدّ مذ قامت بوجنته ... هام الكليم بها حلف الغرام شجي
سرى فضل بليل الشعر معتسفاً ... لكن ثناياه أهدته إلى النهج
معقرب الصدغ معسول اللمى عنج ... مسكيّ ثغر بصرف الراح ممتزج
ومنها
راح إذا زوّجوها بابن غادية ... راحت برائحة من أطيب الأرج
إن شئت خذها من الأقداح صافية ... أو شئت خذها من الأحداق وابتهج(4/231)
ومنها
في روضة كلما مر النسيم بها ... طابت بيحيى المعالي طيب الأرج
ثبت الجنان إذ الأبطال واجفة ... تحت القتام ونار الحرب في وهج
والباسم الثغر والأبطال عابسة ... في موقف بين سلب الروح والمهج
فإن أقام أقام السعد في خدم ... أو سار فالنصر يتلو آية الفرج
من معشر جبلت أخلاقهم كرماً ... على السخاء وفاض الكف كاللجج
فتح وحتف يمين الفضل قد جمعت ... ذا للمحب وذا للكاشح السمج
ومنها
تسعى المعالي إلى علياك باسمة ... تبسم الروض في أزهار منتسج
ما في نظامي غلوّ في المديح لكم ... أنت الفريد وبعض الناس كالهمج
خذها أبا يوسف عذراء ناهدة ... إليك عاجت ونحو الغير لم تعج
لا زلتما في منار السعد ما بزغت ... شمس النهار ودار البدر في السرج
انتهى وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف ودفن بالمقبرة الجليلية تجاه الباب الحديد قريباً من مرقد الشيخ ولي الله عناز.
يحيى التاجي
ابن عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن عبده الولي الكبير المدفون بالجبل الأقرع من أعمال أنطاكية المترجم في درر الحبب الامام الشهير في التقرير والتحرير كان رحمه الله تعالى علامة فهامة متوشحاً بحلي الفضائل والكمال ولد ببعلبك ونشأ بها في حجر والده فقرأ عليه وعلى أخيه الشمس محمد وعلى الشيخ أبي المواهب الحنبلي والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والجمال عبد الله العمري العجلوني نزيل دمشق والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني والشمس محمد بن علي الكاملي وغيرهم من علماء دمشق الشام ممن عاصر هؤلاء الأعلام وحج سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف فأخذ في حجته تلك عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي والشيخ أبي الطاهر محمد بن الملا إبراهيم الكوراني والشيخ علي الأسكندري وأخذ بدمشق عن الأستاذ الجد الشيخ محمد مراد النقشبندي وتولى الافتاء ببعلبك بعد وفاة أخيه وصار له النهاية في نفاذ الكلمة عند الخاص والعام وسارت بأحاديث ثنائه الركبان وافتخر بطلوع علاه الزمان ومدح بالقصائد الشهيرة من أهل بلاد كثيرة وأثبتها في مجاميعه واقرأ الشفاء بتمامه في درسه العام وكان يلقى الشروح بتمامها من حفظه وتوجه مع والده إلى الروم وصات له الرتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وكانت(4/232)
وفاته ببعلبك سنة ثمان وخمسين ومائة وألف عن ثلاث وستين سنة رحمه الله تعالى.
يحيى الموصلي
ابن فخر الدين الموصلي مفتي الحنفية الشيخ الفاضل النبيل المفنن البارع ولد بالموصل سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ونشأ بها وترجمه السيد محمد أمين الموصلي وقال في حقه ربيع الفضل والمحاسن صاحب الفضائل والكمال مرجع الطلاب وأرباب المعالي وبالجملة فهو بالشرف كالنار على العلم وبالكرم كذوارف الديم أصل طاهر وفرع زكي ونسب قرشي علوي ليس في الموصل كصحة نسبه ونسب أبناء عمه إلا نسبة السيادة التي في باب العراق أبناء السيد عيسى الطحاوي ثم هذا السيد يتيمة زمانه له صدقات جارية وللفقراء في ماله رواتب ووظائف فيقال إنه في كل يوم يعطى زهاء ثلاثين راتباً ومنزله ربيع الضيوف وأبناء السبيل لا يمر به يوم إلا وعنده ضيف أو أكثر وقد مهر في الفتوى والعلم والتقدم وكان توجيه الفتوى إليه سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ثم أخذت منه ثم عادت إليه وله الأيادي المشهورة والمحاضرة المبرورة والفضائل المعمورة وأخذ علمه عن جماعة منهم الشيخ حمد الجميلي فقيه وقته وهو الآن يقرئ التفسير للقاضي يقرأه على جماعة من الطلبة ما بين فاضل وزكي عاقل وله الخبرة التامة في صناعة الفارسية واللغة التركية وبالاسطرلاب والربع المجيب وغير ذلك من الفضائل ونظمه أحلى من القند وترجمه صاحب الروض فقال واحد الفضل ومرجعه ومنبع العلم وموضعه الذي عقدت عليه الخناصر وورث الفضل كابراً عن كابر فهو الفاضل الذي أورق غصن شبابه في ساحة المجد والفتوة حيث ناداه قلم الافتاء من أعلى هامات الفضل يا يحيى خذ الكتاب بقوة قد عقدت رايات الكمال عليه وانتشرت وضمخت جوانبه بعبير المعارف وانتثرت سطعت أنوار الافادة من جانبه في كل مقام فأشرقت شمس أفضاله على رؤس الربى وهامات الأكمام فاسترق بلفظه الرائق أبناء الزمن فكان أدبه ألذ للعيون من معاطاة الوسن انتهى وحج في سنة سبع وخمسين ومائة وألف وله شعر لطيف منه قوله مقرظاً على الروض لعثمان أفندي الدفتري
عقود وشحت صدر الطروس ... أم السكر المخامر للنفوس
ومنثور فصيح راق معنى ... بروض مثل صهباء الكؤس
شطور سطوره تنمو وتزهو ... برونقه على العقد النفيس
صحائفه لأعين ناظريه ... تضئ بلاغة مثل الشموس
فهنا إذ وجدناه كأنا ... ثملنا من حساء الخندريس(4/233)
وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يحيى البغدادي
مكتوبي والي بغداد علي باشا المقتول الشيخ الأديب الكاتب الشاعر البارع الأوحد كان فرداً من أفراد الدهر له اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر فمن شعره قوله مادحاً السيد عبد الله أفندي الفخري
أبارق لاح في الديجور للعين ... أم الحبيب رنا نحوي من العين
أم غادة أسفرت عن درّ مبسمها ... فلاح للعين ليلاً درّ بحرين
أم قرقف قد بدا بحلي بكأس طلا ... يسعى بها أغيد بادي العذارين
أم الحسيب النسيب المستطال به ... سلالة المصطفى وافي العراقين
نتيجة الفخر عبد الله قطب سما ال ... كمال حقاً بلا شك ولا مين
بنيله للمعالي قد غدا علماً ... وبالبسالة أضحى قدوة الكون
امام عصر غدا نور العيون كما ... غدت هدايته تهدي الفريقين
كشاف كرب شهاب ثاقب أبداً ... قاموس علم غدا عار من الشين
حقائق المجد فيه خلتها درراً ... كأنها منح تنحى من الدين
ضروب أمثاله في العالمين سمت ... كما سما فخره فوق السماكين
خزانة الدين منه الصدر ضمنها ... فليته بحمى خير الفريقين
كلامه الدرّ أضحى في نضارته ... كصرّة قد حوت حقاً من العين
مفتاح كل سرور قوله حكم ... مشكاة نور ومصباح الجلالين
قد حار في وصفه وصافه وغدا ... بفضله ناطق نص الصحيحين
أحيا علو ما عفت آثارها وبقت ... في الناس مهملة فوق الغريبين
فمنيتي منه كالحصن الحصين كمن ... وقاييه بلحظ العين والعيين
مولاي يا نجل فخر مذ وفدت على ... بغدادنا قد غدت تزهو بنورين
وقد حوت شرفاً لما حللت بها ... ونالها في الدنا فخر بفخرين
وقد غدت أرضها تزهو بقاطنها ... إذ زانها سكناً نجل الذبيحين
فمرحباً بك حياك الآله بما ... ترومه منه يا زاكي الجنابين
فدم وعش في أمان الله مرتقياً ... درج الكمالات من حين إلى حين
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكانت وفاته مطعوناً ببغداد سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.(4/234)
يحيى العقاد
الحلبي الشهير بالعقاد الفاضل الكامل الأديب الشاعر المجيد ولد بحلب ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وبرع في علمي العروض والقوافي وله بذلك اليد الطولى وله النظم العجيب وكان يعاني حرفة العقادة بسوق الباطية وترد عليه أحبابه لأجل المذاكرة والاستفادة ومن شعره حين بنيت منارة البهرامية لما سقطت تاريخ مكتوب على بابها وكان ابتداء البنيان سنة احدى عشرة ومائة وألف وذلك قوله
قامت فصادمها السحاب بمرّه ... وسمت بقدّ قدّ كل مشاد
حاكت علاء قدر طه المصطفى ... أس السخاء ومنهل القصاد
فهو المعمر من أنار منارها ... وأثار أجراً آب دون نفاد
بشراه أجرى بالسرور بناءها ... والخير أمنح بالهناء ينادي
ها كل وزن تمّ فيه مؤرخاً ... جل استواها باستوا الأعداد
وهلالها باللطف حلى مؤرخاً ... في عكس رقم كالجلالة بادي
سنة 1112 90 150 340 515 17
السيد يعقوب الكيلاني
ابن السيد عبد القادر بن السيد إبراهيم الكيلاني الحموي ثم الدمشقي الحنفي الفاضل الكامل النبيل كان أديباً عارفاً فهيماً صاحب نكات ونوادر تارة معتكفاً في الزوايا وتارة منعكفاً على الروايا لا يعنيه ما يهمه بل منكب على لذاته عشور يحب المداعبة والأخلاء والندماء وغير ذلك ودار كدوران الفلك ثم استقر آخراً بقسطنطينية المحمية وكان حظه منقوصاً في مبدء أمره ثم تنفس له الدهر وفكه من أسر القهر وظهر قدره بالسمو وأعطى رتبة الخارج ولما انحلت تولية الجامع الأموي عن الشيخ إبراهيم بن سعد الدين الجباوي أخذها عن محلوله فلما جاء الخبر إلى دمشق أرسل له والده بل الله ثراه بوابل الغفران ألفى ذهب واستفرغها منه وصارت لوالدي ثم لم يزل المترجم بقسطنطينية حتى مات وكان ينظم الشعر الجيد فمنه قوله
ربع الأحبة بي إليك تشوّق ... قد كدت منه صبابة أتمزق
وإذا ذكرتك فاض مني عبرة ... لولا زفيري كنت فيها أغرق
أرسل فديتك مع نسيمات الصبا ... خبراً عن الثاوين عندك يصدق
فأنا لبرء نسيمها متعطش ... ولعرفها الزاكي بهم أتنشق
فنسيمها يزكو بمرّ ذيولها ... في روضة الغصن الذي هو يعبق(4/235)
حيث الأزاهر كللت تيجانها ... درر الندى فغدت لها تتفتق
وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والترسلات الفائقة وكان فرداً من أفراد العلام فضلاً وذكاء ونبلاً لطيف المحاورة حسن المذاكرة ظريف النكتة والنادرة وبالجملة فأهل هذا البيت الطاهر المنسوبين إلى الأستاذ الأعظم الشيخ عبد القادر كلهم دراري اهتدا ودرر لطائف في كل ما خفي وبدا وصاحب الترجمة من جملتهم وكان وفاته مقتولاً شهيداً على يد قطاع الطريق فوق المعرة في شعبان سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارجها رحمه الله تعالى
يعقوب العفري
ابن مصطفى الملقب بعفري على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنيطيني الجلوتي بالجيم أحد الشيوخ المشاهير بدار السلطنة العلية العالم العارف الماهر المشهور أخذ عن والده المعروف بضيائي الشهير وعن الشيخ عثمان خليفة الشيخ سلامي وتزوج بابنته وصار شيخاً في زواية الشيخ محمود الخدائي الكائنة باسكدار وكان يعظ في جامع الوالدة الكائن في اسكلة قسطنطينية عند باب اربستان أحد أبوابها وجمع صلوات شريفة وشرحها وله من الآثار رسائل أخر وأشعار وكانت وفاته بها في سنة تسع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى
يعقوب الهندي
ابن يوسف الملقب بالهندي الحنفي الرومي الكاتب المشهور الماهر الكامل ولد ببلدة نيكدة وقدم قسطنطينية وأخذ بها الخط المنسوب وأنواعه عن يحيى الكاتب الرومي وحصل وأتقن الكتابة والخط المنسوب وتنافس الناس بخطوطه ودخل الحرم السلطاني وخم مدة ثمة ثم خرج على عادتهم بكتابة وقف علي باشا العتيق الكائن بدار السلطنة قسطنطينية المذكورة ثم رفعت عنه لأمر كان ولما ولي الوزارة العظمى الوزير علي باشا الشهيد جعله معلماً لخدامه وغلمانه وأعطاه كتابة وقف علي باشا المذكور وأرجعها إليه بموجب التوقيع السلطاني بعد أن أخذت عنه ولما جرى على الوزير المذكور ما جرى واستشهد في واقعة سفر النمجة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف تعرض بعض الحساد لأذية المترجم وسعى بأخذ الكتابة المذكورة عنه فوليها غيره ولما رأى المترجم من الزمان ما كدر عيشه الصافي وبدل في فرحه بالترح خرج من قسطنطينية يسبر الأغوار والأماصر وقدم البلاد الشامية وارتحل منها للحجازية والمصرية واستقام مدة بهذه الأقطار ورأيت من خطه آثار حسنة الوضع والكتابة والبعض منها عندي وذكر أنه كتبها بدمشق سنة(4/236)
اثنتين وثلاثين بعد المائة ثم بعد أن جاب البلاد وانقضت مدة الاغتراب عاد لدار السلطنة ووافاه الخط الكامن في خبايا الأيام وعين معلماً للخط المنسوب في الدائرة السلطانية وكان السلطان أحمد خان الثالث يهش إذا رأى المترجم وهو الذي لقبه بالهندي ثم تغيرت به الأحوال ووقع من الهرم بأوحال وانقطع في داره سنين وكانت وفاته بقسطنطينية سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن باسكدار ونيكدة بكسر النون وياء ثم كاف ساكنة ودال مفتوحة وهاء بلدة بالقرب من قونية رحمه الله تعالى
يعقوب باشا الوزير
قدم حلب مرتين مرة حين انفصاله من صيدا ماراً إلى أدرنة ومرة حين قدمها والياً سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف سار في مبدء أمره سيرة حسنة بحلب ثم جاز لما أمر بالجردة من حلب لاستقبال الحجيج ولم يعد منها لحلب بل توجه إلى دار السلطنة فإنه كان دعى للمصاهرة وكان رحمه الله تعالى لا بأس به له شفقة ومحبة للفقراء وفي أيامه وصل سفير طهماس قولي المدعو بنادرشاه من مملكة إيران لحلب مجتازاً لدار السلطنة واحتفلت له الدولة العلية إظهار الأبهة السلطنة ومعه تسعة من الفيلة عل ظهورهم التخوت وهم أمام السفير كل هنية يقفون لسلامه ويأمرهم الفيال فيطأطئون خرطومهم حين السلام وكان وصولهم لحلب ثامن شوال سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وكان يوماً مشهوداً حضرت أهل القرى كلها لأجل مشاهدة الفيلة واسم هذا السفير حجي خان كان من أهل العناد والطغيان وكان قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة خمس وأربعين ومائة وألف لجمع الأسارى والقصة مشهورة إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي كن أخذن أسارى واستولدن فمنهم من أبي وهو الأقل والباقون تبعوا السفير لارتكاب القبائح علناً وتوفي بعد ذلك بقليل رحمه الله تعالى
يعقوب الموصلي
ابن خلف الموصلي الحنفي الفقيه الزاهد كان صاحب ديانة وفقه وعلم وعمل وانقطاع إلى الله وليس له اشتغال إلا بالصلاح والزهد ومراجعة فضلاء العصر كالسيد يحيى أفندي الفخري مفتي الموصل وله معرفة وخبرة تامة في المسائل الدينية وهمة عالية في قضاء حوائج الناس ودخل حلب مرتين ورجع إلى الموصل وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى
يس اللدي
الفقيه الشافعي المحدث المفسر المنطقي النحوي الأديب المفنن كان له قدم راسخ في العبادة(4/237)
والإفادة لطالب الاستفادة رحل إلى الأزهر بالقاهرة وأخذ عن جملة من الشيوخ كالنجم محمد الحفني والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي وأحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشيخ علي الصعيدي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم وأجازوا له ثم رجع منها وتوطن مدينة نابلس وتصدر هناك للتدريس والإفادة ولما عمر الوزير سليمان باشا الجامع الشرقي المعروف بالوزيري نصبه إماماً به ومدرساً فتصدر لذلك وقام بحقوق ما هنالك فأفاد وأجاد ونفع العباد وكانت وفاته في حدود التسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى
يس الهيتي
ابن عبد القادر الهيتي ثم البغدادي الشافعي الشيخ الفاضل العالم الكامل أخذ الفقه والمعقولات عن الجمال عبد الله بن الحسين السويدي والشيخ حسين الراوي وبرع وفضل ودرس ببغداد وانتفع به خلق كثيرون وكان له نفس مبارك على المتعلمين وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الشونيزية رحمه الله تعالى.
يس الكيلاني
ابن عبد الرزاق بن شرف الدين بن أحمد بن علي بن أحمد الكيلاني الحموي الشافعي الشيخ الصالح المسلك المربي المكمل شيخ الطريقة القادرية والسجادة الكيلانية في الأقطار الشامية كان وفاته في 3
يس طه زاده
ابن مصطفى الشهير بطه زاده الحلبي الحنفي الشيخ العالم الفاضل البارع الأوحد أخذ عن الشيخ أسد الدين الشعيفي والشيخ سليمان النحوي والشيخ أحمد الشراباتي الحلبيين وعن السيد أحمد بن السيد عبد القادر الرفاعي المكي وغيرهم وبرع وفضل ودرس وأفاد وذكره الشيخ عبد الكريم الشراباتي في ثبته من جملة شيوخه وأثنى عليه وكانت وفاته 3
يوسف الغزي الشهير بالمقري
ابن أحمد بن عثمان الغزي الشهير بالمقري الشافعي الشيخ الفاضل الأوحد البارع المفنن ولد بغزة هاشم في سنة تسع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرآن العظيم وبعض المقدمات في النحو والفقه على الشيخ محمد العامري وفي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف رحل إلى بغداد وقصد الحج فدخل المدينة المنورة وأقام بها ثلاث سنين وحفظ القرآن وجوده في تسعة وعشرين يوماً ثم رحل إلى مكة سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحل إلى بغداد وقصد الحج فدخل المدينة المنورة وأقام بها ثلاث سنين وحفظ القرآن وجوده في تسعة وعشرين يوماً ثم رحل إلى مكة سنة سبع وأربعين وحج ثم رجع إلى بلده غزة في سنة تسع وأربعين ولم يمكث بها إلا برهة وذلك لأنه لم يكن له ما يقوم به لأن أباه كان حائكاً وكان فقير الحال كثير العيال فلما رجع ابنه المترجم لم يجد ما يقوم به ووجد أخاه(4/238)
فقيراً وعليه غرامات سلطانية لا يقوم بدفعها إلا بعد الجهد والنكال فلم يستلذ المترجم بالاقامة فيها فكر راجعاً على عقبه إلى مكة المشرفة من عامه وفي سنة خمسين ومائة وألف أخذ عهد الخلوتية بمكة المشرفة عن الأستاذ السيد مصطفى البكري وأسمعه وحدة الوجود لمنلا جامي سماع بحث وتقرير فحصل له ببركة الأستاذ غاية الفتوح وفي سنة إحدى وخمسين توجه من مكة المشرفة إلى البلاد اليمنية فدار في مدنها سبع سنين وفيها قرأ على الشيخ العلامة إسمعيل بازي أحد القراء الذين أخذوا عمن أخذ عن العلامة ابن الجزري ثم رجع إلى مكة المشرفة ومكث فيها سنتين ثم رجع إلى اليمن وحظى بها بالامام وأقاربه بسبب القراءة لأنه كان يقرأ للأربعة عشر قراءة تحقيق واتقان واشتهر هناك وضاع صيته للأخذ عنه وتسري بجارية حبشية ورزق منها أولاداً ثم في سنة ثمان وستين عزم على الرحيل وتوجه من اليمن إلى مكة المكرمة وحج ورجع إلى وطنه الأصلي غزة فدخلها سنة تسع وستين ومائة وألف وكان واليها إذ ذاك الوزير حسين باشا ابن مكي فأنزله على الرحب والسعة وصار يتردد على ابن شيخه السيد مصطفى البكري وهو شيخنا أبو الفتوح كمال الدين وقرأ عليه حصة من شرح الفصوص وحصة من شرح التائية الفارضية للشيخ عبد الغني ابن إسمعيل النابلسي وحصة في علم الفرائض قراءة مذاكرة وتمرين واستجازه بالرواية عنه فأجازه وأعطاه يوماً أبياتاً له في مدحه وهي قوله
وقائلة والدمع مني غزيره ... يشابه مرجان البحور انهماله
عليك ببكريّ يسرّك وجهه ... وإن كنت محتاجاً يفيدك ماله
له رتبة في ذروة الفضل قد سمت ... فياليت لي يا صاح فينا كماله
إليك عظيم الوجد أشكوه سيدي ... فبالله خبرني فديتك ماله
أراك لذي الدنيا غياثاً لأهلها ... وللدين يا ابن الأكرمين كماله
وبقي إلى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف فمرض بها ومات رحمه الله تعالى وكان في حيز نفسه ساكناً وقوراً عنده من كل علم ما يكفيه له معرفة برواية الشعر نقده وتمييزه وكان من الفقر على جانب عظيم مع قلة الشكوى والصبر على البلوى وترك أولاداً هم الآن في غزة هاشم.
يوسف الشرواني
ابن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني الأصل والمولد المدني الحنفي العالم المحقق النحرير المدقق الفقيه المحدث المتقن الجامع بين الرواية والدراية الصدر المحتشم قدم إلى المدينة المنورة بعد أخيه علي أفندي المار ذكره في سنة ثمانين وألف واشتغل(4/239)
بافادة العلوم وانتهت إليه رياسة الفقه في وقته حتى قال الشيخ أبو حسن السندي الكبير يوم موته اليوم مات فقه أبي حنيفة أرسل إليه العلامة شيخ الاسلام السيد فيض الله أفندي مفتي الروم وهو ابن خال أبيه إبراهيم أفندي منصب افتاء المدينة المنورة بعد أن ردها عليه أخوه علي أفندي فلم يظهرها حياء من أخيه المذكور واستمر المنصب عليه ثلاث سنوات ثم كتب إلى شيخ الاسلام المذكور يستعفيه منها وترجى عنده أن يردها إلى صاحبها الأول السيد أسعد أفندي الأسكداري ففعل وتولى القضاء نيابة فاتفق إنه توفي القاضي في تلك السنة فكتب إلى الدولة العلية فوجهوا إليه نصف السنة بطريق الأصالة حيث كان في سلكهم والمدينة إذ ذاك من المخارج الثمان قبل الترفيع وصار يكتب في امضائه القاضي بالمدينة المنورة وكان وجيهاً معظماً في أعين الناس كشافاً للمشكلات حلالاً للمعضلات ولم أقف على مشايخه وله من التآليف شرح على مشكاة المصابيح في ثلاث مجلدات كبار سماه هدية الصبيح شرح مشكاة المصابيح وشرحاً على ملتقى الأبحر في مجلدين وله عدة رسائل منها رسالة في كراهة اقتداء الحنفي بالشافعي توفي بالمدينة المنورة في الثالث عشر من شوال سنة أربع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن عند قبة سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يوسف القباقبي
ابن محمد بن تاج الدين بن محمد بن أحمد بن زكي الدين المعروف بالقباقبي الدمشقي الخزرجي الشافعي البارع الأديب الشاعر النبيل هو بعلي الأصل وجده وأقرباؤه كلهم من التجار بدمشق لكن عمه الشيخ أبو السعود كان من الفضلاء المنوه بهم ودرس بالجامع الأموي وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وأما صاحب الترجمة فإنه كان من الأدباء ترجمه الأمين المذكور في ذيل نفحته وقال في وصفه نسيج وحده في الفضائل الجلائل وعليه من الثناء برد من رقيق الغلائل فروض أدبه صفا لمن ورد إليه بظل ظليل ضفا برد برده على عطف نسمات سرين إليه وهو الآن متخل عن التعلق بالعلائق متخلق بأحسن ما يتخلق به من الخلائق يبين المخلف من الصيب ويميز الخبيث من الطيب فهو مخلى بسكون وهدو مظنة فائدة في رواح وغدو إلى منطق تزدري عذوبته بالرضاب وطلاقة كما راق الفريد القرضاب وفيه للطافة شواهد تزف منها للمنى أبكار نواهد وشعره در من بحور نظم عقوداً في نحور ذكرت منه ما يلذ للطبع لذة الماء يشرب من أصل النبع وذكر له هذين البيتين لا غير وهما قوله
أكرم الأكرمين أنت الهى ... وشفيع الأنام أكرم خلقك
أأرى بين أكرمين مضاماً ... أو مضاعاً حاشى الوفاء وحقك(4/240)
قلت وأخبرني بعض الأصحاب إن لهذين البيتين نكتة وهي إن صاحب الترجمة تقلبت به الأحوال وضاق عيشه بعدما كان من ذوي الدنيا كما تقدم حتى صار كاتباً في بعض طواحين دمشق فتفكر يوماً من الأيام بحاله وما جرى له ونظم هذين البيتين المتقدم ذكرهما فما مضى على ذلك ساعتان إلا ورجل مقبل عليه ينادي باسمه فنهض قائماً إليه وقال له ما مرادك قال مرادي أنت أن تجيب إلى فلان يعني أحد تجار الشام فذهب معه إليه فلما رآه استقبله بغاية الاكرام والابتسام وأخبره إن أحد أولاد عمه بمصر مات وانحصر إرثه فيه وخلف أموالاً عظيمة ودفعوا له المكاتيب المصرحة بذلك فجد للسفر إلى مصر ورجع منها إلى الشام في تجارة عظيمة على عادته التي كان عليها وكانت وفاته في أواخر سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يوسف الحفني
ابن سالم بن أحمد الشافعي القاهري الشهير بالحفني الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر النحرير الفهامة الأديب الشاعر البارع المفنن أبو الفضل جمال الدين كان عديم النظير في الحفظ وحسن التقرير مع التحقيق الباهر للعقول والتدقيق المشتمل على أصول وفصول أخذ عن جماعة من العلماء وشارك أخاه في معظم شيوخه منهم أبو حامد محمد بن محمد البديري ومحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي والشمس محمد بن إبراهيم الزيادي الحنفي وامام المعقولات علي بن مصطفى السيواسي والجمال عبد الله الشبراوي والشهابان أحمد الجوهري وأحمد الملوي والسيد محمد البليدي وأخو المترجم النجم محمد الحفني وأخذ الطريقة الخلوتية عن القطب مصطفى ابن كمال الدين البكري وعن غيرهم وبرع وفضل وسما قدره ونبل ودرس بالجامع الأزهر والمدرسة الطبرسية ولما توفي العلامة عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر وصار أخو المترجم مكانه وكل صاحب الترجمة في التدريس عنه وكان الشبراوي قد وصل في تدريسه في تفسير البيضاوي إلى سورة عم فشرع المترجم من السورة المرقومة بتحقيق بهر العقول وأعجب الفحول مع القاء ما عليه من منقول ومعقول وألف مؤلفات دقيقة وتحريرات أنيقة منها الحاشية الحافلة على شرح الألفية للأشموني وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام زكريا وشرحان على شرح آداب البحث للمنلا حنفي وشرح على شرح العصام للاستعارات وشرح التحرير في الفقه وله رسالة في علم الآداب وشرحها ونظم البحور المهملة في العروض وشرحها وديوان شعر مشهور وغير ذلك وكان رحمه الله تعالى من الرقة واللطافة على جانب عظيم وسعة من الحفظ والتفهيم يقرئ(4/241)
المتن والشرح والحاشية لا يخل بحرف من ذلك ويزيد عليه تحقيقات لطيفة ومن شعره اللطيف قوله
بابي أهيف المعاطف أغيد ... كاد من شدّة اللطافة يعقد
ماس بين الغصون يزهو بخد ... نقطته يد الشقائق بالند
وتهادت بلقيس زينتها حين ... رأت قدّه كصرح ممرّد
خرّجت وردة الخدود حديثاً ... وحديث الوردي أحسن مسند
بعث اللحظ مرسلاً ونذيراً ... وتلاه العذار وهو مزرّد
ودعانا لشرعة الحب جهراً ... فأتيناه راكعين وسجد
ضلت العاشقون إذ شبهوه ... بهلال أو غصن بان تأوّد
كفر الخال بالرسول فأمسى ... وهو في نار وجنتيه مخلد
ليت شعري من أين للبدر خدّ ... إن جرت فوقه المياه توقد
أو لغصن الرياض جيد إذا لا ... ح بليل الشعور خلناه فرقد
حسدتني الأيام فيه ولكن ... مثل هذا الجمال لا شك يحسد
وقوله
واحيرتي في رشا أكحل ... ذي أعين فتاكة ذبل
ناصبة أهدابها للذي ... قد فرّ من أجفانها الغزل
سيوف لحظيه إذا جرّدت ... في سلبها الألباب لم تمهل
سلطان أهل الحسن في عصره ... وإن غدا في الحكم لم يعدل
إن ماس أو حرّك أعطافه ... أزرى بلين للقنا الأعدل
وإن رنا نحوك باللحظ لم ... ينفعك من راق ولا مندل
إذ قال لي خدّاه يا سيدي ... ورد لذيذ القطف لم يذبل
ومال كالغصن إذا رنحت ... أعطافه ريح صبا شمأل
ومدّ جيداً قد حكى دمية ... لديه جيد الظبي لم يجمل
شممت من وجنته نفحة ... أزكى من العنبر والمندل
أودع في القلب بها حسرة ... لمهجة نيرانها تصطلي
كم مهجة أفنى وكم مقلة ... أدمى وكم قلب به قد بلي
ما لاح للأبصار إلا رأت ... سعودها في حظه المقبل
تركيّ لحظيه إذا ما رنا ... سفك دماء الناس لم يمهل
يبخل بالوصل ولكنه ... بالفتك في العشاق لم يبخل(4/242)
وقوله
أوّاه من شادن تعمد ... قتلي ونومي بالهجر شرد
طلق جفني كراه لما ... جفا وبالدمع صار يعتد
أباح سفك الدماء عمداً ... لما لسيف اللحاظ جرّد
إن أنكرت مقلتاه قتلي ... دمي على وجنتيه يشهد
له قوام كغصن بان ... عليه طير الفؤاد غرّد
ونبل هدب للسحر عنه ... هاروت لما روى تفرّد
وسيف لحظ له سنان ... أمضى من الصارم المهند
فذاك يحتاج لانتضاء ... وذا يذيب الفؤاد مغمد
وخمر ريق من ذاق منه ... قطرة راح بغى وعربد
أما ترى العاشقين سكرى ... حين رأوا ريقه المبرّد
وليل شعر من ضل عنه ... غدا بصبح الجبين يرشد
ناحل خصر له فؤاد ... على محبيه شبه جلمد
قد أطلعت وجنتاه ورداً ... من لون ورد الرياض أجود
وزانه حوله عذار ... أتى بثوب الدجى مزرّد
بعد اخضرار الشعور منه ... جنى من الذنب عاد أسود
ومنها
إن قلت صلني يزداد تيهاً ... أو ينثني مغضباً ويحتد
أو قلت زرني بجنح ليل ... يقول في مذهبي قد ارتد
متى رأيت المحب يوماً ... نال المنى من وصال أغيد
يا واحداً لعصرته دلالاً ... على معنى في الحب مفرد
ما حيلتي من تلاف جسمي ... وقد جفاين صحب وعود
وعاذلي مذ رأى هيامي ... وفرط وجدي بكى وعدّد
وله
نبهت بالوعد قوماً بالوفا نبذوا ... وقلت عودوا لوعدي عود منتبه
قالوا سلوناك خلى غيرنا بدلاً ... واحذر من الدهر في مرمى تقلبه
ما كان أحسنهم عندي وأحفظهم ... لو إنهم فعلوا ما يوعظون به
وله مخمساً
حسبت الدهر لي خلا مطيعاً ... فراع حشاشتي روعاً شنيعا(4/243)
بصحب خلتهم حصناً منيعاً ... واخوان تخذتهم دروعا
فكانوها ولكن للأعادي
رأيت لهم عهوداً صادقات ... وأحوالاً لودّي مظهرات
ظننتهم قسياً مانعات ... وخلتهم سهاماً صائبات
فكانوها ولكن في فؤادي
فكم ظهرت لنا منهم عيوب ... ولاح لأعيني فجر كذوب
وكم حلفوا يميناً أن يتوبوا ... وقالوا قد صفت منا قلوب
لقد صدقوا ولكن من ودادي
وله مضمناً
لما رأيت ملاح العصر ليس لهم ... من الجمال سوى التكحيل بالمقل
ناديت كفواً عن التدليس وارتدعوا ... ليس التكحل في العينين كالكحل
وله
أوّاه مما ألاقي ... من لوعة وصدود
ومن ملام عذول ... يروم خلف وعودي
ومن دلال غزال ... يروم نقض عهودي
أو من سهام ووجد ... به عدمت وجودي
ومن جوى وهيام ... لبعد قلب شرود
مثقف القدّ أحوى ... لماه عذب الورود
مهفهف قد تعدّى ... بالفتك أقصى الحدود
بدر ظريف المحيا ... لدن القوام فريد
ياليت شعري ألاقي ... وعدي به أم وعيدي
ويشتفي حرّ قلبي ... منه بحل البنود
ورشف خمرة ريق ... وقطف ورد الخدود
وطيب عذب عناق ... من قدّه الأملود
هناك أختال تيهاً ... وتستتم سعودي
وله غير ذلك من النظام والنثار وكانت وفاته في شعبان سنة ست وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يوسف المالكي
ابن محمد بن محمد بن يحيى بن أحمد الدمشقي المالكي الشريف لأمه مفتي المالكية بدمشق(4/244)
الشيخ العالم الفاضل المعمر الكامل الفقيه أبو الفتح جمال الدين ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ على علماء عصره وأخذ عنهم كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد الرحيم بن محمد الكابلي والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والشمس محمد بن علي الكاملي والشيخ أبي الصفاء ابن الشيخ أيوب الخلوتي وأجاز له خاتمة المسندين محمد بن سليمان المغربي نزيل دمشق والمتوفي بها سنة ألف وأربع وتسعين وصار أحد أمناء الفتوى عند الشيخ أبي الصفاء المفتي المذكور واتصل بابنته وتولى افتاء المالكية بعد أخيه السيد أسعد وصارت له احدى التداريس بوقف بشير أغا القزلار في الجامع الأموي بعشرة عثامنة ولازم التدريس والاقراء في الجامع الصغير وألف كتابة عليه لم تكمل وكان قد ورث من الخواجا السيد عبد الحق العاتكي مبلغاً وافراً من الدراهم فصرفه على الاطراء بمدحه والاشتهار وعمر قصراً بالجسر الأبيض بصالحية دمشق وصرف عليه مالاً كثيراً وكان يميل للترفه والتنعم وكانت له عدة وظائف كتولية المدرسة الحافظية بالصالحية وغيرها وله ادرارات لأجل الاشتهار وصار شيخاً في الخلوتية وعمر زاوية ومنارة قرب داره ودار بني البكري في حارة البيمارستان النوري وأتلف على ذلك أموالاً جمة وصار يقيم بها الأذكار ويختلي ولم يزل يصرف ماله على المريدين والمنشدين حتى صار من الشيوخ المعدودين ولم يزل على حالته هذه حتى توفي في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف مطعوناً عن نحو تسعين سنة ودفن بتربة مرج الدحداح تحت رجلي القطب الشيخ أيوب الخلوتي بتربة الذهبية رحمه الله تعالى.
يوسف الطباخ
ابن عبد الله الشهير بالطباخ الخلوتي الدمشقي الشيخ الأستاذ الامام الورع الزاهد العابد الناصح كان من أولياء الله تعالى معتقداً عند خاصة الناس وعامتهم مع الديانة والتقوى وكف الفضول وهو في الأصل مملوك لبني الميداني التجار فوفقه الله إلى الخير فأخذ طريق الخلوتية عن الأستاذ الكبير الشيخ حسن المرجاني البطائحي المعروف بالطباخ وهو أخذها عن العارف بالله الشيخ عيسى المعروف بان كنان وتتلمذ للمذكور ثم إنه لما مرض كان له ولد فأراد خلفاؤه أن يخلفوا ولده فقال أرسلوا خلف يوسف فلما جئ به بايعه وجعله خليفة على السجادة وكان ذلك في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ثم إنه استقام بها إلى أن مات وظهر منه صلاح وكرامات خارقة وبدا كالشمس في رابعة النهار وقيل إنه كان من الأبدال وصار يقيم الذكر في مدرسة السميساطية وفي جامع التوبة ويختلي في جامع تنكز في كل سنة وأقبلت الناس عليه ومما يحكي عنه إنه جاء رجل من سادات الأشراف بدمشق(4/245)
وكان مولعاً بشرب الخمر والفجور فمر يوماً بزقاق فرأى الشيخ يوسف المترجم والناس تهرع إليه لتقبيل يديه ويسند عون الدعاء منه فعجب لذلك وقال له لأي شيء تهرع الناس إلى تقبيل يديك وأنت جدك نصراني وأنا جدي صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا أرى الناس تقبل يدي فقال له لأنك تبعت طريقة جدي وأنا تبعت طريقة جدك فأفحمه بالجواب وتاب إلى الله على يده من الفجور الذي كان يصنعه ومن شرب الخمر وصار من تلاميذه وأخذ عنه الطريق وعلى كل حال فإن الأستاذ المترجم هو الكامل المفرد توفي رحمه الله سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في الروضة واتفق إنه في تلك السنة أيضاً مات الشيخ أحمد النحلاوي فأرخ وفاتهما السيد عبد الرزاق بن محمد البهنسي بقوله
انتبه يا فؤاد كم أنت لاه ... إنما هذه الشؤون ملاهي
شقق العمر لم تزل بانطواء ... كل آن حتى يكون التناهي
واندراس الكرام يوماً فيوماً ... موقظ للأنام والطرف ساهي
وانقراض الأعيان أكبر داع ... لفساد الزمان دون اشتباه
كان بدران مشرقان بأرض الش ... ام بالفضل ما لهم من يضاهي
بهما يرفع الآله بلاء ... حيث منهم بالخير آمر ناهي
وبهم تمطر السماء انصباباً ... وبهم فجرت عيون المياه
غرباً عن دمشق حين رآها ... قد غدت منزل ارتكاب المناهي
وبها خلفاً سحاب جلال ... عجاً كان فيهما الدهر زاهي
يوسف الزاهد المطيع تولي ... حين داعي الهدى دعا بانتباه
ثم في أثره أجاب مطيعاً ... أحمد الغوث من عباد الله
في رضاء الآله عاشا وماتا ... قلت أرخه في رضاء الآله
سنة 1159 90 1200 67
يوسف النابلسي
ابن إسمعيل بن عبد الغني بن إسمعيل الدمشقي الحنفي الشهير كأسلافه بالنابلسي الشيخ العالم العلامة العمدة الفهامة الفقيه الامام الهمام الفاضل الكامل المقدام ولد بدمشق كما رأيته منقولاً بخط البرهان إبراهيم الجينيني نزيل دمشق في سنة أربع وخمسين بعد الألف ونشأ بطلب العلم والاشتغال به فقرأ على جماعة منهم المحقق الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال وغيره وصار أمين الفتوى عند المفتي أحمد بن محمد الحلبي المهمنداري مفتي الحنفية بدمشق وارتحل إلى الحجاز صحبة أخيه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الكبرى وكان(4/246)
ابتداء ارتحاله رضي الله عنه في غرة محرم سنة خمس ومائة وألف وهو يوم الخميس ورجع إلى دمشق يوم السبت الخامس من صفر سنة ست وحين خروجهما من مكة متوجهين للشام وكان هو وأخوه الأستاذ على جمل واحد كل منهما في شقة كان يوم وفاة المترجم يوم الثلاثاء رابع عشري ذي الحجة ختام سنة خمس في الثلث الأخير من الليل فلقنه أخوه الشهادة وحضر موته والحج سائر ثم لما طلع صباح يوم الأربعاء كان المنزل منزلة رابع موضع ميقات الأحرام فحفروا له قبراً في الموضع المذكور في مناخ الحجاج من جهة المدينة بينه وبين النخيل نحو مائة ذراع في وسط الطريق ودفن هناك بمشهد عظيم وأرخ وفاته أخوه الأستاذ بقوله
في طريق الحج قد مات أخي ... يوسف الفضل الذي كان فريداً
إن ترم تحسب فالتاريخ جا ... يوسف النابلسي مات شهيداً
سنة 1105 4 156 184 441 320 ورثاه أيضاً بقوله
بكيت على مفارقة الشقيق ... بدمع أحمر مثل الشقيق
أخ قد كان بي برّاً شفيقاً ... فوا أسفي على البرّ الشفيق
وكان مساعداً لي في أموري ... جميعاً حافظ العهد الوثيق
يرى ما لا أرى في شأن عيشي ... ويتعب نفسه في دفع ضيقي
ولا يرضى بأدنى مس ضيم ... ألاقيه ولا شيء معيقي
ويجهد أن يراني في سرور ... وإن هو كان في أو في مضيق
شقيقي يا أخي أنت ابن أمي ... رعاك الله من خل صديق
ألا يا طالما دبرت شأني ... وقمت بعيشتي وبللت ريقي
وكنت كوالد لي عند أهلي ... وأولادي على أهدى طريق
فتحمي حوزتي وتلم شملي ... وتجمعني بنصرك في فريقي
وحزت مروءة وحفظت جاهاً ... دنا من جملة النسب العريق
أفلت وكنت نجماً في سماء ... من الفتوى لأنقاذ الغريق
وهي طويلة وفي هذا القدر كفاية
يوسف الأنصاري
ابن عبد الكريم الأنصاري المدني الحنفي الشيخ الفاضل النحرير الفقيه المفنن البارع ولد بالمدينة المنورة سنة إحدى وعشرين ومائة وألف ونشأ على طلب العلم والأدب ورقى إلى(4/247)
أعلى الرتب وأخذ عن والده والشيخ محمد بن الطيب الفاسي والشيخ أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبي الطيب السندي وغيرهم وألف ونظم ونثر فمن مؤلفاته منظومة في المناسك نظم فيها المنسك الصغير للمنلا رحمة الله السندي وشرحها شيخنا الزين مصطفى الأيوبي الرحمتي شرحاً لطيفاً ووجه للمترجم منصب الافتاء بالمدينة لكن ما ساعدته الأقدار فرفع عنه قبل ما وصل إلى المدينة وله أشعار كثيرة فمن شعره هذه القصيدة ممتدحاً جناب الحبر عبد الله عباس رضي الله عنه بقوله
بالحبر لذو ببابه المعروف ... بالجبر والاحسان والمعروف
تلقاك منه كرامة فورية ... عجلاء مذهبة لكل مخوف
فلطالما والله أنقذ لائذاً ... فيما مضى بجنابه الموصوف
رحب الفناء أبى عليّ ذي التقى ... حامي الذمار وملجأ الملهوف
يحمي ويمنع جاره ونزيله ... بين الورى من حادث وصروف
مذ كان أيام الحياة وهكذا ... بعد الممات بحاله المألوف
يا رب بلغنا المرام بجاهه ... وأبيه عمّ نبيك الغطريف
فلقد مددنا للنوال أكفنا ... يا من نوالك ليس بالمكفوف
امنن علينا بالسماح وبالرضا ... عنا فإن القلب في تخويف
ثم الصلاة على الموافي رحمة ... للعالمين وخص بالتشريف
والآل والأصحاب أقمار الدجى ... من بالصلاة نخصهم بألوف
ما أنشد الوجل المجرب قائلاً ... بالحبر لذو بابه المعروف
وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته شهيداً بالمدينة المنورة سنة سبع وسبعين ومائة وألف بتقديم السين فيهما ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
يوسف الخطيب المدني الحنفي
الشيخ الفاضل العالم العلامة الأوحد البارع النحرير ولد بالمدينة المنورة سنة اثنتين وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها منهم العلامة عبد الله أفندي البوسنوي المدرس وغيره وله من التصانيف شرح مختصر الدلجي في المصطلح سماه فتح الكريم المنحي بشرح رسالة الدلجي وغير ذلك وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثمان عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يوسف الجابري
ابن أحمد الحلبي الحنفي الشهير بالجابري مدرس الاسكندرية خارج باب الجنان باعتبار(4/248)
موصلة الصحن المتعارفة بين الموالي الشهم الفاضل المحتشم نادرة الفضلاء ونابغة الفقهاء ولد بحلب ونشأ بها وقرأ النحو واللغة الفارسية على الفاضل الشيخ محمد بن هالي الحلبي وقرأ على العالم الشيخ محمود البالستاني والسيد علي العطار والسيد عبد السلام الحريري والشيخ عبد الرحمن البكفالوني وقرأ الهداية على العالم المحقق السيد محمد الطرابلسي مفتي الحنفية بحلب والفرائض والحساب على الشيخ مصطفى اللقيمي والشيخ يس الفرضي وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الكريم الشراباتي وصار علماً في الفضائل يشار إليه ومرجعاً في المعارف يعول عليه جمع من مسائل الفقه ما تفرق وشرد فأوضح ما أغلق منها وقرب ما ابتعد طالما استوعب الصباح مجداً في السهر حتى أحاط من إيضاح مغلقات المعاني بما شتت شمل الفكر وأحرز حسن الخط وقت الانشا ودرس مدة في مدرسة الاسكندرية التي جدد بناءها وأنشأ وكان ذا ذهن وقاد ونظر نفاد تولى مهام الأمور في بلدته فأحسن تعاطيها ومالت إليه قلوب أعاليها وأدانيها ثم سلقته الحساد بالسنة حداد فسافر في شوال عام إحدى وسبعين ومائة وألف إلى القسطنطينية وأقام بها وحباه صدورها العظام بما استوجبوه له من الاحترام وأحاطوا بفضله ومعارفه علماً وحققوا فيه حسن الظن والأخلاق حقيقة ورسما فسمت سيرته وزكت شهرته فأمر بالذهاب لمصر في معية فاضل وقته عباس أفندي أحد قضاة القسطنطينية لحصول ما تعذر من الأموال الأميرية فأبرز من المساعي ما حمد ويسر الله تعالى اتمام المقصد فقرت منه العين ثم أرجع للقسطنطينية عام أربع وسبعين موثوق القول مشكور السعي والفعل فاستخدم في نيابة الكشف ثم تكرر في كتابة الوقائع بدار الخلافة العثمانية وحمد طوره وذاع بالخير ذكره فنزل المنازل البهية وتراءت له بها أسنى المراتب العلية فاخترمته المنية في العشر الأول من ذي الحجة عام ثمانين ودفن بأسكدار رحمه الله تعالى.
يوسف الحنفي
الدمشقي نزيل دار الخلافة قسطنطينية الشهم الفاضل اشتغل بطلب العلم مع صنعة التجارة وأخذ الطريقة الخلوتية عن السيد محمد العباسي هو والعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي وصحب الولي الشيخ عيسى بن كنان الصالحي وقرأ على غيرهما وذهب إلى الروم ووقعت له رؤيا قبل ذهابه وهي إنه لما توفي شيخه السيد محمد العباسي الخلوتي في ربيع سنة أربع وسبعين بعد الألف وأقام مكانه الشيخ عيسى الخلوتي ابن كنان نام في ليلة وفاته حزيناً لموته كئيباً لا يدري كيف يتوجه فرأى في عالم الرؤيا إنه داخل إلى التربة وإذا(4/249)
بقبر الشيخ مفتوح وهو جالس على ركبه واضع يديه على ركبتيه متوكأ عليهما وكان رآه في حال حياته كذلك فلما رآه قال له يوسف بحذف النداء أخذت علي عيسى خذ علي عيسى فإني خلفته فاستيقظ وكان ذلك الوقت آخر الليل فتوضأ وذهب إلى عند الشيخ عيسى بن كنان للمدرسة السميساطية فرأى ضوءه مشعولاً فطلع إلى خلوته فرآه يصلي التهجد فوقف إلى أن فرغ من الصلاة فقال له لولا يرسلك السيد محمد العباسي ما جئت إلى عندنا اجلس فجلس فبايعه وأخذ عنه العهد ثم في ثاني ليلة رأى نفسه داخلاً إلى التربة المدفون بها شيخه العباسي وقبره مفتوح والشيخ جالس على الهيئة التي سبق ذكرها فقال له يوسف أخذت علي عيسى قال نعم يا سيدي فقال أسعدك الله ثم بعد ذلك أخذته يد التقدير إلى الروم ولما وصل إليها سكن في حجرة في بعض المدارس غريباً فقيراً لا أحد يلتفت إليه إلى مدة أربعة أشهر فبينما هو في بعض الأيام جالس وإذا بعبد أسود عليه رونق يقول أين يوسف الشامي فلم يجبه وظن أنه يطلب أحداً من الأروام ولم يخرج إليه فقال ثانياً يوسف الشامي الذي جاء من الشام منذ أيام فأشاروا له إلي فلما رآني قال لي كلم مولاي فقام معه إلى أن وصل إلى دار فلما دخل على صاحبها استقبله وعانقه وسلم عليه سلام مودة وصحبة بالغة وأمره أن يقرئ أولاده القلبية وأمره أن يجئ بأسبابه التي في المدرسة وفرش له أوضة حسنة وعين له خادماً وعلوفة في كل شهر ورقاه بالمناصب إلى أن أعطى المترجم قضاء بير الأغراض ثم برصا ثم قبرص فرحل إليها وبعد مضي مدته قدم إلى دمشق لوطنه الأصلي زيارة فصادفه التقدير بأن توفي بها وكانت وفاته في يوم الأثنين لعشرين من صفر سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وصلى عليه الشيخ عثمان القطان بالجامع الأموي ودفن بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
يوسف الديري
ابن شبلي الديري الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه البارع الصالح أبو المحاسن جمال الدين نزيل دمشق أخذ الفقه عن النور علي الكاملي والعربية عن ولده الشمس محمد وكتب له إجازة مطولة وقفت عليها مؤرخة بأواخر شوال سنة اثنتين وثمانين وألف وبرع وحصل وصار له الفضل التام وكانت وفاته في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى.
يوسف أفندي الذوق
ابن عمر بن عبد الله الحنفي الطرابلسي الشهير بالذوق الشيخ الفاضل العالم البارع الأديب الشاعر المتصوف ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ في عفة وديانة وطلب العلم فأخذ عن جماعة في بلدته منهم الشيخ محمد التدمري وعبد الحق المغربي والشيخ علي(4/250)
الاسكندري والشيخ عبد الله الخليلي ورحل إلى الأزهر وأخذ به عن جملة من شيوخه ومن جملة شيوخه الشيخ إبراهيم الحلبي نزيل قسطنطينية ثم ذهب إلى بلاد الروم واجتمع بأساتذة كبار القدر في العلوم ومدة إقامته في قسطنطينية عند عبد الرحمن أفندي عرب زاده صدر أناطولي وبعد انتقاله إلى رحمة الله تعالى رجع المترجم إلى بلدته طرابلس ولم يتعرض لمنصب ولا رتبة وقد أرسل له محمد أفندي بيري زاده شيخ الاسلام ملازمة مفصولة عن قضاء فلم يعمل بها ولا تعرض لموجبها وأبقاها عنده في كوة النسيان وله شعر كثير يغلب فيه لسان أهل الحقيقة منه هذه القصيدة أخبر هو عنها إنه بعدا كمالها رأى حضرة قطب العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي في المنام فقال له بعد أن أنشدت بين يديه متى عملتها أو نظمتها فقال له يا سيدي بعد أن طالعت شرح الفصوص فقال له أبشرك بكذا أو لك البشارة بكذا وهي هذه
بحلت فجلت عن شبيه صفاتها ... وعزت علاء أن ترى لك ذاتها
عزيزة حسن مهرها النفس هكذا ... روى عن علاها في التجلي رواتها
فمن لم يجد بالنفس لم يدر ما اللقا ... ولا عبقت في أنفه نفحاتها
ومن يدعي مع نفسه وصل عزة ... فهاتيك عزاها لدينا ولاتها
بروض تجليها لدى سحب جودها ... بكى مزنها فاستضحكت زهراتها
بها عين تسنيم الحقائق مورد ... وعن ذوقها يروى شذاها سقاتها
فلا تغمضنها إن رأت وأكحلنها ... بمرود تقواها يفور فراتها
فنيل العلا من ذي العلا وأبيك لا ... إذا حث نجب اليعملات حداتها
وسر حيث جوّ الجود صحو وبحره ... لفلكك وهو ما سرت نسماتها
فإن ظفرت يمناك منها بنائل ... حمته بأسياف الرموز حماتها
وقد عبقت من طيبها أفق الحشا ... وضاء بشمس الراح صاح فلاتها
فلا تخش بأساً أن سكرت بخمرها ... فقد حكمت بالحل فيها قضاتها
وكن خير راو غير غاو بثمرها ... تريك مقاليد المعالي هداتها
فما آفة الأخيار إلا غواتها ... وما آفة الأخبار إلا رواتها
وكذلك له قصيدة في الحقيقة المحمدية على طريقة أهل الحقائق من الصوفية جوزي عليها بخلعة سنية من الحضرة النبوية في مبشرة رآها في منامه بين يقظته وأحلامه وهي هذه
لمحت لنا من نورها لمحاتها ... فتضوّعت من نورها نفحاتها
ذات الجمال ولا جمال لغيرها ... إذ تجتلي مذ تنجلي مرآتها(4/251)
في غيهب الأكوان لما إن بدت ... فوق المنصة أسفرت وحداتها
ولها تضاءلت الفهوم وكيف تد ... ري شأوها أو شأنها لمحاتها
فالعرش والكرسيّ والفلم الذي ... يجري على لوح الوجود هباتها
منها على الكونين أصل سيادة ... لملا تحلت بالتجلي ذاتها
وغدت تصوّر فيض ذلك فيهما ... وعليهما وإليهما جلواتها
فوسائط الكونين والثقلين مذ ... وجدوا لديهم كلهم بركاتها
ودعاء نوح قومه بنيابة ... عنها لتبلغ في الورى دعواتها
وكذلك الرسل الكرام جميعهم ... نوّابها وكلامهم كلماتها
فهم وإن كانوا لها آباً فهم ... أبناؤها وبحارهم قطراتها
من لي بنفحة طيبها في طبها ... لفتى كسته لينها عذباتها
أو رشفة من ثغره يحيى بها ... من أرض ذلة ما جنيت مواتها
أو رشف ما أبقاه أو أبقاه من ... أسقاه أو من قد سقته سقاتها
كيما يفوز بذوقها متعطش ... أو ينعش المضنى بها نسماتها
فصلاة مولانا عليها دائماً ... وكذا علينا من عطاه صلاتها
وله هذه القصيدة يمدح بها شيخه الروحاني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله تعلى سره
رويدك حادي اليعملات فما أقوى ... على حث نجب يممت طللاً أقوى
وحاك روياً قد حكى نثر أدمع ... كنظم روى قد تخلى عن الأقوا
لعل بريقاً عندما سح مدمعي ... وأرعدني شوقي يلوح به رضوي
أساوق آمال الأماني به كما ... تساوقني وعدا وتسبقني عدوا
لساحل بحر ساجل المزن كفه ... بفك عرى قد زرّرتها يد البلوى
خضم بعيد الغور لكن بمدّه ... تشق لنا منه عيون ولا غروا
جناب أظلته سحاب مدائح ... على ثقة منه فأمطرت الجدوى
له مدّت العلياء أيدي فنالها ... كما نالت الآمال منه يد الشكوى
هو القطب عبد القادر العلم الذي ... له نشر طيب في الورى لم يكن يطوى
هو الفرد محيي الدين أحيى بجدّه ... دوارس علم كان عن جدّه يروى
وإني لتعروني لذكراه هزة ... كما اهتز صب رنحته صبا الأهوا
لقد قال حقاً في الملا قدمي على ... رقاب الأولى نالوا الولاية لا دعوى
أذيب لأهل الأرض في الماء حبه ... كما آل بيت من محبته الأسوا(4/252)
فمن رامه أورى زناد حرامه ... بحاجاته من نيل سعدي ومن أروى
على نهج من سر به سر به على ... مطية حب تصعد السرّ بالنجوى
وبارك لأقداح تراءت كأنجم ... روت عرف راح من معانيه لا يروى
وهيهات أن تدنو لمن كان أو لمن ... يكون ولو في غفلة بلغ القصوى
وذق من لماها واغتبق خمر حانها ... فطوبى لذوق من لمى ثغر من يهوى
فأكرم به من مفرد في محاسن ... نسيج سداها حيك من لحمة التقوى
عليه سلام من سلام معطر ... بمسك ختام كي يكون له كفوا
وله قصائد في مدح القطب العيسوي السيد أحمد البدوي قدس سره منها هذه وهي قوله
أسير الهوى مهلاً فقيد الهوى غلّ ... بعنق نفوس مدها الحقد والغل
إلى م ترى طباً هوى النفس طيباً ... وحتى م تستشفي به وهو معتلّ
عليك بأقداح أدارت رحيقها ... ثغور الشفاه اللعس والأعين النجل
تبدّت على نجم من البدو حبذا ... لقا بدويات يحجبن من قبل
شربن بما بحر العلوم أبى الهدى ... مغيث الورى إذ حف أرضهم المحل
أمامي أبي فرّاج أنى توجهت ... له النجب تلقا مدين تلقه جمل
هو البدويّ الفرد أحمد من له ... على كل من قوّام ساحته فضل
هو العيسويّ القطب والعلوي الذي ... إذا مثلت أوصافه ماله مثل
وإني لتعروني لذكراه هزة ... كما اهتز غصني البان بلله الوبل
ومذ جنّ ليلى واستجنت مآربي ... خلعت له باب الحيا إذ عصى القفل
مجانين إلا أن سرّ جنونهم ... عزيز على أبوابهم يسجد العقل
كؤس أدارتها شموس تبرقعت ... بسحب حيا يسقى القلوب فتخضل
بدور لهم منهم عليهم شواهد ... لدى الذوق إذ في فصل أحكامه عدل
وله قصيدة مدح بها قطب العارفين الشيخ محيي الدين العربي قدس الله تعالى سره منها قوله
مرج بجلق كالفردوس منظره ... جل الذي ببساط البسط جمله
قد رصعت بلآلئ النور تربته ... كأنه أفق والنجم كلله
صرحا سليمان للأعجاب مدّ به ... كأنه للقا بلقيس أهله
ألم تر الشرف الأعلى يمدّ له ... يداً وبحر علوم الدين قابله
فأدخل جنان معانيه تفز وترى ... حور المباني تداني من يمدّ له(4/253)
وله تذييل بيتي العفيف التلمساني وتخميسهما على طريق السادة الصوفية رضي الله عنهم
إلا أن طوري من تجلى مكوّني ... تصدع فانشقت عيون تفنني
ومذ ظهرت بالدمع عين تعيني ... نظرت إليها والمليح يظنني
نظرت إليه لا ومبسمها الألمى
لقد فاح في الوادي المقدس عرفها ... وألبسنا ثوب المعارف عرفها
فما لمليح حسن سلمى ولطفها ... ولكن إعارته التي الحسن وصفها
صفات جمال فأدعى ملكها ظلماً
لقد عز من ذوق المعاني أولو النهي ... وذل بأفكار المباني ذوو الدها
فإن كنت منا أولها متوجهاً ... فول لها وجهاً ترى الحسن والبها
صفات لها حقاً وفي غيرها أسما
وله عند دخوله لثغر حماة المحروسة
حماة حماة قد أبادوا العدا على ... صواهل جرد دأبها طلب القاصي
ومدّوا رواق الأمن فيها لطائع ... وقد دار قهراً في أزقتها العاصي
وله في فسطاط مضروب على حافة البحر وفيه صديقة السيد إبراهيم أفندي
أنظر لموج البحر فوق الشط في ... حركاته مذ مدّ يحكي عسكرا
لمقام إبراهيم يأتي لائذاً ... صفاً فصفاً ثم يرجع قهقري
فكأنه قد جاءه مستنجداً ... ومقبلاً من تحت أرجله الثرى
وكتب إلي وأنا في طرابلس الشام
لقد قيل فيم النظم منك لأوجه ... تقلب في جوّ المعاني لكي يزهو
فقلت مرادي سيد وابن سيد ... خليل مزايا ماله في الورى شبه
لئن قيس من ساواه في فضل رتبة ... ففي الفضل لم يوجد لجوهره كنه
ففي كل رمز فيه شرح لحمده ... وفي كل وجه فيه رمز له منه
فأعجب بمن من رمزه شرح مدحه ... وأغرب بمن من حسنه كله وجه
وكتب إلي أيضاً
أخو العلم فيما همّ أو أمّ تلقاه ... لمدين ما يرجوه يمم تلقاه
فيقصر ممدود الأماني لنيله ... وإن كان يلقيه بذلة دعواه
لكل مراد قد توخاه جهده ... وأما مرادي عزماً قد توخاه
فنال به علماً يعزا طلابه ... بعيد على أبناء ذا العصر أدناه(4/254)
تخلل فيه حبه فغدا به ... خليلاً وهل يخفي الخليل خباياه
وإن كان يخفي السرّ لكن صفاؤه ... ينم فيبدي كل ما كان أخفاه
بعشرين حولاً نال منه بنائل ... نهاية أهل العصر في صبح مبداه
سجاياه بحر رائق فوق كنزه ... إذا ما انقضت أولاه ماج بآخراه
إذا غاص فيه لأقتناص فريدة ... تبدّي لنا والدربين ثناياه
فليس إلى إدراكه لمؤمل ... سبيل ولو أفناه ما قد ترجاه
ألم يدر أن العلم عز مناره ... به وانجلى صدر الصدور بفتواه
فكيف به إن ماج في بحر علمه ... وأظهر ما يخفي على الناس معناه
وغنت على أغصان روض علومه ... بلابل ذوق من ندا فاح رياه
هنالك تبلي نفس كل مؤمل ... بما كسبت من فيض بحر عطاياه
للجناب العالي الاعتذار من كلام ليل كتب في النهار سبله المحو أو الصفح عن زلله والعفو لما فيه من قصور أبكار حورها تبرجت للظهور كأنها نجوم في سماء علاكم تحوم لا زلتم كما شئتم ولأعلى المراتب بلغتم بجاه جدكم الأمين وأصحابه أجمعين.
وكتب إلي بعد القدوم من دار السلطنة لدمشق في أواخر سنة ثمان وتسعين ومائة وألف بقوله
حنانيك دعني يا عذولي ومقصدي ... فلست وإن حاولت نصحاً بمرشدي
ولو قنعت أيديك وجه هدايتي ... بمبرق آيات لديك ومرعد
لما كان مني غير ما كنت عالماً ... بجهل وهل بالجهل يدرك مقصدي
فكف عن اللوم الذي قد ألفته ... وفك عرى العزم الذي فيه ترتدي
ولذ بمن انقادت له نجب الهنا ... بمقدمه وانجاب غيم التفند
امام له منه عليه شواهد ... ولا خلف بين اثنين فيه بمشهد
يؤم محاريب الهدى وإن اقتفى ... ففي أثره في مهمه الغي تهتدي
إذا لاح معنى من سماء علومه ... معارج أوراق بأغصان سؤدد
لئن نشرت شمس المعارف بردها ... عليه طوته ناسمات التودّد
فإن غم عنك الأمر فاسئل عن الذي ... تفرّد بالأيدي وشورك باليد
هناك ترى ثوب المراد مطرّزاً ... باسم خليل في مسمى محمد
فول له وجهاً بوجه ضراعة ... وسل عنه لاعن حارث الدهر في غد
فتبدي لك الأيام كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
نور حدقة الدهر ونور حديقة العصر من خطت في صحف الدفاتر أخباره فقرأتها بعيني(4/255)
وأنا جاره فهو إن كان در معارفه في صدف هذه الأوقات يتيم لكنه عن در حقائقها غير فطيم كيف وهو امام معارف به يقتدي في جامع عوارف بها يهتدي لا برحت زواهر الجواهر تستخرج من بحوره وصدور الطروس تتحلى بقلائد سطوره تنجلي تيجان التهاني والبشر بمقدم المقدم في المبتدأ قبل الخبر فقد جليت علي عرائس عافية كانت علي عابسة وخلعت عني ثوب سقام كنت لابسه لا برحت عيون العيون له ناظرة بوجوه بشر ناضره يستضئ بها هذا الداعي في دياجي البؤس ويستقي من صافي الكؤس ويؤمل من عالي الجناب تقرير ما هو الصواب على السؤال والجواب المرسل داخل الكتاب وامضاءه مع الختم لأننا عورضنا من غير دليل يركن إليه قلب النبيل وكنا كتبنا له أبيات نسأله عن الفرق بالدليل والبينات فأجاب بقال وقيل فلا تبيان ولا دليل فعرفنا أمره وقبلنا عذره ولكن الأمر إليكم بذلك لتنوير سبيله والمسالك لا زلتم ملحوظين بعين العناية والسلام.
وكتب إلي من طرابلس الشام جواباً عن كتاب كتبته إليه أعاتبه على انقطاع المراسلة كاتبني سيدي الوقور فصرت مكاتباً برق منشور بعد أن صيرني في شكره أسير فلم أقدر من قيده أن أسير وأبرز لي أبكار معاني على منصة مباني في مداركها قصور حيث كانت حورها في قصور فأرتني كيف انقياد الفقر لأولي البصيرة والبصر ومدت لي من فصاحتها رواقاً وشدت علي من بلاغتها نطاقاً وجمعت ما بغيرها تفرق ومزقت شمل المضاهي كل ممزق كيف وقد ظهرت في تعاليها خرائد ألفاظها وفرائد معانيها معطرة بطيب الأنفاس متسربلة ببردى المطابقة والاقتباس لا زال سائراً بذكرها أرباب اللسن في المسايرة واقفاً دون اشتهارها الأمثال السائرة هذا وإن العجز أقعدني عن الجواب والقصور أوقفني في الأعتاب غير أن هذا الحقير الذليل يعرض بين يدي المولى الجليل بنات فكر عليل يروم لراحته التقبيل
مذ سهم حبي قد أصاب وماساً ... ناديت صحبي قد أصاب وماسا
لو صيغ لي درر المديح قلائداً ... لوجدت لفظ هجا خليلي ماسا
ثم تطفلت على باب البيت المعمور في الرق المنشور بالباسه مرط تشطير محاكاة للنظير
وكنت أظن إن جبال رضوي ... تحول ولا تفوه بما تقول
لظني بل لعلمي إن نفسي ... تزول وإنّ ودّك لا يزول
على أني بعد تسليم الدعوى كنت منتظراً ما أشار إليه المولى من ذكر تاريخ المواليد كالوفاء على منوال ما كتبه المولى وارتضاه وقد عز علي بذكر النظير فكان سبباً للتأخير(4/256)
فنرجو لأعتذارنا القبول كما هو في جناب المولى مأمول والدعاء له مبذول ومني على تلك الطلعة أشرف تحية واسلام ما ناح قمري وغنى حمام
وكتب إلي عنوان كتاب الدهر في غرة وجه العصر الجاذب بأيادي لطفه عنان الأفئدة والكاشف بمبادي عرفه عن كل مشكل عقده من تزاحمت على حسن منظره وفود الأبصار وتلاطمت من فيض مخبره متون البحار وامتلأت حقاق الآذان من حسن سيرته وصحاف صدور الأقران من صدر شريعته حيث آثاره تشوق الأسماع إلى فواكه آدابها في طرسها وتحقيقاته تسعى لها أقلام الفتاوي على رأسها فلا غروان أضحت رياض المعالي لها مقيلاً وأمست غرر المعاني له خليلاً لا برح متسربلاً بثياب جده التي ورثها عن أبيه وجده هذا وإن هذا الداعي القديم الذي هو على وظيفته مقيم يهدي لعالي جنابكم زكي سلام تخضل به تربة ذلة محب مستهام متزر على جسم هواه بمئزر شوق قد ألحم به سداه جن ليله فعسعس وكاد صبحه أن لا يتنفس حتى انجلى من حندس ليله ما دجى وجرد مسحاً كان بالهموم مضرجاً مولانا السيد أحمد أفندي البربير ذي القدر الكبير فإنه حين شرف الديار الطرابلسية وابتسم لمحياه ثغرها وهطلت على أرجائها سحب سانحاته فلله درها تحلى الذوق بشهد آدابه وتزين الفكر بفرائد خطابه وعندما قرت العيون بوروده وهيجنا ساجع بأنه وزروده وجه وجه توجهه تلقاء مدين المآرب والمفاخر وارث المجد كابراً عن كابر يتشرف برؤياه ويتضمخ بعطر رياه فحرك خاطري الخاطر وأسال دمعي الماطر ولولا أنني كبنيان أشرف على الخراب أو كعظام في جراب ليممت صعيد ذلك النادي وتروحت بنشره وتشرفت بلقياه في سروره وبشره لكن الأقدار تمنع عن الأقتدار فلا زلتم تقطفون ثمرات المنى ولا برحتم قائلين تحت ظل الهنا ملحوظين بعين العناية على الدوام محفوظين بحفظ الله تعالى الحفيظ والسلام وكتب إلي أيضاً
حبة الحب تحت طرف غضيض ... توقع الصب في الطويل العريض
فتصيد الألباب من جوّ أحشا ... ء ذوي النسك والنهى بالقريض
صيد أيدي المراد لب مريد ... أقعدته الآمال تحت الحضيض
يالقومي ويالأمثال قومي ... من فتاة أودت بحال الجريض
عز منها لعزه كبرياء ... ألبس الخاطبين ثوب المضيض
كيف حالي ولم تبح عقد سر ... عقدته إلا بروض أريض
عند مفتي الأنام من خاض بحراً ... حاز منه ماء الحياة الغضيض(4/257)
مدّ منه موائد النظم والن ... ثر ليقري الأسماع ذوّ القريض
ظن أني أهل لرد جواب ... فغدا خاطباً لنظمي الرضيض
ودعاني لمهر مثل وفي الأم ... ثال حال الجريض دون القريض
من لمثلي صداق مثل وهل شم ... س يباري علياؤها بالنهوض
أو لقس نطق بذات نطاق ... يحك ما حاكه بوشي قريض
من معان كأنجم سابحات ... في بروج الألفاظ عند العروض
فتكلفت في محاكاة ما قد ... صاغه في العقود مخ البعوض
إذ رآني أهلاً لهذا ولكن ... أمر ذي الأمر عندنا كالفروض
لا تزال السعود تخدم عليا ... هـ وتلقى حسوده في الحضيض
خافقات أعلام مجد تولا ... هـ على رأس وامق وبغيض
ما تغنت ورق المدائح تشدو ... فوق أوراق غصن حمد غضيض
أو لذوق المعاني من فيه تبدو ... سانحات تفتحت من غموض
خدمت بهذه القصيدة صدر الموالي وكنت عزمت أن لا أفضح بها حالي حيث خبطت بها خبط عشوا وأدليت في جفو أسراره دلواً لكن ظننت بجنابه عفواً لا زال للمعاني صنواً بحرمة جده الأمين وآله وصحابته الأكرمين فلك نجوم الموالي بمطلع شمس المعالي ذي الفخار الذي لا ترد على آياته نواسخ والوقار الذي تنزل عنده الراسيات الشوامخ الطيب النشر من الأب والجد العابق عرفه بأزهار الجد كيف ورياض تقريره تقطف منها شقائق النعمان وموائد تحريره تمد إليها يد العرفان كأن محاسن ثمرات معارفه النفائس مع أزهار غصون عوارفه الموائس نواهد لم يقطف جناهن لامس تراعيها عيون نواعس فاهت بذلك أفواه المسامع وقرت اللحاظ كما فاهت وأقرت لقس بن ساعدة الأيادي وفود عكاظ لا زال ساعده بالأيادي بادي وطيور المعاني في نيل مجراه بطاناً تنادي حي عني المراد في كل نادي في فيافي فناء فيء المرادي فتفياناً بظله وروينا من وابله وطله حين من علينا برقيق المكاتبة وجاد علينا بلطيف المؤانسة والمصاحبة ففزنا منه بأوفى نصيب من كل معنى غريب يحكي بياض طرسه تحت سواد مداد أمداده أوائل فجر صادق يزجي سحاب السؤدد بسواده حيث تحلى بحلل سوابغ من وشي كلماته النوابغ وجنيناً من رياض عباراته ثمرات نفائس تتفكه بها صدور المجالس تجلى بأيدي أبكار أفكار أو أنس عليها من وشي العتاب ملابس من سندس فصاحه وعبقري ملاحه يمازجان القلوب بحسن أسلوب فأوجمت وجمة مرتاب وحاك طرة صبح فؤادي على أنواله المهولة فكأنني الآن بنيان أشرف(4/258)
على خراب غير إني أتروح بعطر الثناء عليك مع الأحباب وأترنح بنسمات الصحة عن ذلك الجناب لا زال محفوظاً من جميع الآلام ملحوظاً بعين العناية والسلام وكتب إلي بعد وصوف كتاب مني إليه
من عذيري والعاذلون الوف ... وفؤادي إلى التصابي ألوف
من فتاة أودت بحال معنى ... قد دهاه من الزمان صروف
زينتها ديباجتا وجنات ... لم تحكها معاصم وكفوف
قد خلعت العذار مذ لبست حل ... ة حسن للشمس منها كسوف
ملكت مهجتي ولم يخف ما بي ... ستر حالي بحبها مكشوف
حي السهد في جفوني ومات الن ... وم والغسل دمع عيني الوكوف
وتوالى عليّ مالو توالي ... بالرواسي ماجت بهن الكهوف
أسرتني ولات حين مناص ... وسبتني وساعدي مكتوف
قيدت مهجتي باطلاق دمعي ... فلقيد الفؤاد دمعي ذروف
لو نهاني النهى لكنت خلياً ... من غرام فيه العذاب صنوف
قد دعاني الهوى للثم لثام ... كنت أسعى له وكنت أطوف
حيث إن الأحشاء تهفوا لما يل ... قاه حالي المنكر المعروف
ورأيت الوصال عز ولم أس ... طيع صبراً والمرجفون ألوف
فتولت كبراً وقد عيل صبري ... وتعالت ففاح منها الخلوف
ثم قالت إني لمثلك أمر ... من سنا برقه تسل سيوف
دق عن ذوقه عقول وقد تا ... هـ بمسراه الفاضل الفيلسوف
كم رجال تعرّضوا ليروا بر ... قع وجهي وطرفهم مطروف
فعموا من جهالة وتولوا ... وسبيل الهدى لهم مكشوف
قلت ماذا الفخار والعجب منها ... وأخو العجب بدره مخسوف
قيل هذا بعض ونزر يسير ... من مزايا يكل عنها الوصوف
كيف لا وهي بنت فكر امام ... قدّمته يد العلى لا السيوف
ذي المعالي فخر الموالي خليل ال ... مجد فيهم محمد معروف
مهد الله في المهاد له رت ... بة فضل يؤمّها الملهوف
لا بسعي قد نال ما ناله بل ... قد حباه به الكريم الرؤف
وعليه من الجمال رداء ... ذو جلال حلا به معروف
لا بأيدي صنعاء حيك ولم يل ... حم سداه ليحكي منه صنوف(4/259)
بل عطايا من المهيمن جلت ... في رياض ظلالها المعروف
فهي حقاً إلى المراد بها لا ... لمريد له عليها عكوف
فهنياً له بذوق معان ... روّقتها يد العلي لا الحروف
تمتطي هامة المجرّة فخراً ... حبذا الفخر إذ تراه ينوف
لا تزال السعود في جوّ عليا ... هـ صفوفاً تأوى إليها الصفوف
ما نسيم الصبا يحرّك غصناً ... وعيه طير الهناء هتوف
ومن فوائد صاحب الترجمة ما أخبر به قال كنت غير مرة أسمع المباحثة في خصوص أبوي النبي الأكرم صلى الله تعالى عليه وسلم وما قاله علي القاري في رسالته الشهيرة قال فخطر لي بيتان في الحال وهما
أمّ النبي آمنه ... من حر نار الآخرة
أحياها بعد موتها ... فأمنت في الآخرة
وقد أشار بالتورية إلى دعائه لها صلى الله عليه وسلم في الاسلام في المرة الآخرة قال فرأيت في المنام آمنة وهي متزرة ببرد فقالت له اتخذني يا ولدي لمضائفك وهذا دليل على موتها مسلمة ونجاتها رضي الله عنها وكانت وفاته سنة.
يوسف الصباغ الموصلي
الشيخ الصالح التقي له خيرات وافرة وصدقات متكاثرة ورغبة في أهل الصلاح والخير والبركة وله عبادات وأذكار واشتغالات بكل خير وقد حفظ القرآن العظيم ولا يفتر عن التلاوة وبالجملة فإن فيه بركة وصلاحاً وكانت وفاته في آخر هذا القرن عن أكثر من سبعين سنة رحمه الله تعالى.
يوسف الكاتب الموصلي
كاتب دايوان الانشاء بحضرة الوزير حسين باشا الجليلي الأديب الفاضل الألمعي تفرد فضلاً ومعرفة وكمالاً وحسباً ونسباً وأبرز معرفة واطلاعاً على دقائق الأشعار وأسرار المنظومات ولطائف الآثار وله في صناعة الأدب الحظ الأوفر والكمال الأتم الأزهر وله في الكرم قدم راسخ وطود شامخ دخل حلب مع مخدومه الوزير حسين باشا السابق ذكره ودار معه الأمصار وسلك الأوعار فكان كما قيل
يوماً بحزوى ويوماً بالعقيق وبال ... عذيب يوماً ويوماً بالخليصاء
وكان حسن الآراء والأقوال والأفعال وكانت ولادته سنة تسع عشرة ومائة وألف ووفاته في آخر هذا القرن بالموصل رحمه الله تعالى.(4/260)
يوسف العطار
ابن عبد الله الحلبي الشافعي الشهير بالعطار الشيخ الفاضل الصالح الأوحد الفقيه كان خطيباً بجامع البهرامية بحلب فقيهاً ماهراً بالعربية والحديث وأحسن ما عنده الفقه والفرائض أخذ عن العلامة إبراهيم البخشي ومصطفى الخسرف جاوي والشيخ جابر والعلامة محمد الكردي الزعفراني وأبي السعود الكواكبي وغيرهم وكان وضئ الوجه نير الشيبة وكان قد ترك العطارة ولازم النسخ مع الافادة والاستفادة وكان مولده سنة أربع وتسعين وألف وتوفي سنة ستين ومائة وألف بتقديم السين ودفن بالقرب من قبر الشيخ اللطيفي رحمه الله تعالى.
يوسف النقيب الحلبي
ابن حسين بن السيد الشريف الحنفي الدمشقي نزيل حلب المفتي والنقيب بها الامام العالم العلامة الفقيه الأديب الفاضل المتفوق المحدث البارع المسند الناظم الناثر أبو المحاسن جمال الدين ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وألف ونشأ بها وقرأ على جماعة من أفاضلها وأخذ عنهم كالشهاب أحمد بن محمد الصفدي امام جامع درويش باشا والشيخ عبد القادر العمري وأبي المواهب الحنبلي وإبراهيم بن منصور الفتال وعبد الرحيم الكابلي والشيخ إسمعيل الحائك والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشهاب أحمد المهمنداري والشيخ عثمان بن محمود القطان وعبد الجليل العمري وغيرهم وارتحل للروم وإلى حلب مرات وأخذ بها عن الشيخ موسى الرامحداني وعن زين الدين بن عبد اللطيف أمين الفتوي وغيرهما وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته فقال في وصفه نبيه فاق من مهده وأعهده يتزايد نبلاً وأنا الآن على عهده فحبى جميعه على حسن أدبه مقصور وبقلبي منه شغل شاغل عن قاصرات القصور وهو أخ جمعت فيه المروءة والنخوه وأراه أحسن من آخيت ولا بع فيوسف أحسن الأخوه وقد مضت لي معه أوقات وقيت كل صرف وكأنها خطوة طيف أو لمحة طرف وقد أمتعني من بنات فكره بذخائر توجب في الطروس تخليد ذكره أتيتك منها بما يقضي له بلطف البداهة ويحكم له بالبراعة المتمكنة من مفاصل النباهة فمن ذلك قوله في العذار
كأنما نار خدّ زان رونقه ... لا ما عاد أرجنيّ قد جنى حيني
لاحت فأنسها في ليل عارضه ... موسى فخط بماء المسك خطين
وحين ظن أبو العباس مبسمه ... ماء الحياة أتى يسعى بلامين
وقوله مخاطباً بعض الموالي في مجلسه(4/261)
بابي من ضمنا مجلسه ... فاجتنينا منه أنواع التحف
فاضل صيغ من التوفيق إذ ... صيغت الناس جميعاً من نطف
وقوله في تشبيه الجلنار
باكر لروضة أنس ... من حولها الماء يجري
والجلنار تبدّي ... على معاصم خضر
كأكؤس من عقيق ... فيها قراضة تبر
وقوله
وحديقة ينساب فيها جدول ... من حوله تختال غزلان النقا
من كل أهيف إن رمتك لحاظه ... بسهامها إياك تطمع في البقا
ومعذر ما أظلمت في وجهه ... شعرات ذاك الصدغ إلا أشراق
خالسته نظراً فقطب مغضباً ... وغدا يرنح منه عطفاً مورقا
فكان نبت عذاره في خدّه ... شحرور ورد في الرياض إذا رقا
وقوله في فوارة
لله ما أبصرت فوّارة ... أعيذها من نظرة صائبه
كأنها في الروض لما جرت ... سبيكة من فضة ذائبه
وقوله من نبوية مطلعها
جاء فصل الربيع والصيف داني ... حيث بتنا من الجفا في أمان
في رياض إذا بكى الغيث فيها ... قهقهت بالمدام منه القناني
وثغور الأقاح تبسم عجباً ... حيث يشدو في الروض عزف القيان
حيث سجع الطيور سجع خطيب ... قد رقى معلناً على الأغصان
وكأن الغصون قامات غيد ... حين ماست حور لدى الولدان
فأدرها في جامد من لجين ... حيث أضحت كذائب العقيان
من يدي شادن أغن ربيب ... ناعس الطرف فاتر الأجفان
ناعم الخدّ أهيف القدّ أحوى ... ذي قوام كأنه غصن بان
نرجسي اللحاظ وردي خدّ ... جوهري الألفاظ ذي تبيان
فتمتع من حسنه بمعان ... مطربات تنسيك جور الزمان
وتأمل إلى صحيفة خدّي ... هـ بعين الانصاف والعرفان
منها
يا شفيع الأنام كن لي شفيعاً ... يوم نصب الصراط والميزان(4/262)
إنني أشتكي إليك ذنوباً ... مثقلات وحملها قد دهاني
من لمثلي عاص كثير الخطايا ... زاده الفقر عاجز متواني
فعليك الصلاة في كل وقت ... مع سلام يفوق عرف الجنان
وقوله من قصيدة
لي فؤاد في الحب أمسى مشوقاً ... لم يزل في هوى الحسان ملوقا
خافق تستفزه لحظات ... مزقته بسحرها تمزيقا
راشقات من هدبها بسهام ... صائبات لم تخط قلباً حريقا
لست أنسى حين الوداع عناء ... حيث جدّ الرحيل والركب سيقا
إذ بكى للفراق خلى فأضحى ... ناظر اللحظ بالدموع غريقا
ورمى لؤلؤاً على الخدّ رطباً ... فاستحال الياقوت منه عقيقا
وانثنى للعناق يعطف قدّاً ... هل رأيتم غصن الرياض عنيقا
رشق القلب وانثنى بقوام ... لا عدمنا ذاك القوام الرشيقا
بابي ثم بي غزالاً ربيباً ... فوّق اللحظ للحشا تفويقا
ماس غصناً لدناً وهز قواماً ... وتبدّى ظبياً وأسكر ريقا
ورنا ساحراً وصال مليكاً ... وحوى مبسماً يقل بريقا
يالقومي ويالقومي أما آ ... ن صريع اللحاظ أن يستفيقا
صاح شمر عن ساعد الجدّ واسمع ... وأدر منكؤس نصحي رحيقا
واطرح ذكر زينب ورباب ... واخلعن للوقار ثوباً خليقا
لا تؤمل من جاله بك نفعاً ... تلق ضدّ الذي تروم حقيقا
قد خبرنا الجهول فيما علمنا ... فرأيناه قد أضل الطريقا
رام نفعاً فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
وله من أخرى مستهلها
أقضيب بان حركته شمول ... أم قدّك المعشوق راح يميل
وشقيق روض قد علاه سوسن ... أم خدك المتورد المصقول
ودخان ند قد أحاط بوجنة ... أم ذاك مسك في الخدود يسيل
وشبا سيوف أم عيون جآذر ... رمقت تحاول فتكنا وتصول
وعبير طيب فاح ينفح طيبه ... أم ثغرك المتبلج المعسول
وسقيط طل أم لآل نظمت ... فتخاله عرق الجبين يجول
وعقارب بزبانها تومي لنا ... أم ذاك خال الخدّ أم تخييل(4/263)
وظلام ليل ما ترى أم طرّة ... هل لي إلى إدراك ذاك سبيل
قد خلت مذ ليل الغدائر قد بدا ... أن ليس للصبح المنير وصول
لكن بلال الخال أشعر أنه ... ضوء الجبين على الصباح دليل
فانهض إلى حثو الكؤس أخا الهوى ... في روض أنس والنسيم عليل
وافتض بكر مدامة واستجلها ... فلها إذا افتضت دم مطلول
كمذاب ياقوت بجامد فضة ... في لحظ ساقيها الصبيح ذبول
حمراً إذا ما قام يترع كأسها ... عنج اللواحظ طرفه مكحول
خلت المدام ووجهه لما بدا ... شمساً وبدراً ما اعتراه أفول
وظننت كأس الراح في يده غدا ... كهلال يوم الشك وهو ضئيل
لم أدر هل خضبت بأحمر خدّه ... أم خدّه من كأسها مطلول
فاشربهما صرفاً فذلك شربه ... رشف وهذا شربه التقبيل
واغنم فدتك الروح أيام الضبا ... واللهو إنّ زمانهن قليل
وتلاف أيام الربيع وورده ... فعليه من در الندى اكليل
فالروض معطار الأزاهر يانع ... والغصن يرقص والهزار يقول
والدف يعزف والنسيم مشبب ... والعود يشدو والسحاب مطول
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وألف ثبتاً حافلاً جامعاً لشيوخه واجازاته وصار له جاه واشتهار ودلة وصار نقيباً ومفتياً بحلب ودرس بالحجازية والأسدية بها واشتهر بالفضل والذكاء والنبل وأخذ عنه جماعة من الفضلاء وكانت وفاته بحلب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بها عن ثمانين سنة رحمه الله تعالى.
يوسف أفندي النابي
الرهاوي الأصل الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد خواجكان الدولة ورؤسائها المشهورين بالمعارف والأدب الأديب الشاعر الناظم الناثر المشهور فمن شعره العربي قوله مضمناً
لنا حبيب له في كل جارحة ... منى جراح بسيف اللحظ والمقل
تقول وجنته من تحت شامته ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
وله غير ذلك وكانت وفاته بقسطنطينية سنة أربع وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
يوسف رئيس الأطباء
ابن محمد بن يوسف الطرابلسي الأصل الدمشقي رئيس الأطباء بدمشق كان يلقب بابقراط(4/264)
وكان ماهراً في الطب والعلاجات ومعرفة الداء وله مشاركة في بقية العلوم واطلاع وهو جد يوسف أغا الحكيم وكانت وفاة المترجم يوم السبت خامس عشري محرم سنة خمس ومائة وألف بدمشق رحمه الله تعالى ورحم المسلمين أجمعين.
يوسف باشا
الشهير بالطويل الوزير الكبير كافل دمشق وأمير الحاج الشامي كان وزيراً كبيراً محباً للعلماء والصالحين له الميل الزائد إلى أهل الصلاح والدين تمرض بدمشق في قاعة ابن قرنق في صالحية دمشق وتوفي نهار الأربعاء سادس عشر شعبان سنة ثمان وعشرين ومائة وألف وصلى عليه في السليمية الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله سره ودفن بالمقبرة المجاورة لمدفن الأستاذ الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن عربي المعروفة بمقبرة بني الزكي وعمل على قبره بحجير ولوح فيه تاريخ لوفاته من نظم الأستاذ النابلسي المذكور وهو قوله
مات في الشام حاكم ... قدره في الورى كبير
جاء تاريخنا له ... بيت شعر له قصير
رحم الله محبنا ... يوسف باش ألوزير
248 66 101 156 303 25 - 4 سنة 1128
يوسف الصباغ
الموصلي الشافعي الشيخ الصالح التقي له خيرات وافرة وصدقات متكاثرة ورغبة في أهل الصلاح والخير والبركة وله عبادات وأذكار وكان لا يفتر عن تلاوة القرآن العظيم حفظاً عن ظهر قلب ليلاً ونهاراً وعنده من الخشوع الجانب العظيم وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى.
يونس
الشهير بأسياله الموصلي الرفاعي الطريقة شيخ السجادة الرفاعية بالموصل كان صاحب أذكار وعبادات وآثار محمودة وله من التلامذة جماعة كثيرون كلهم عيال عليه والناس تشهق بولايته وتحدث بكراماته أخذ الطريقة الرفاعية عن سادات البصرة فسرت فيه بركتهم وأثر فيه صلاحهم فتعمر فضلاً وكمالاً وانقطاعاً وزهداً وصلاحاً وكانت وفاته بالموصل سنة ستين ومائة وألف ودفن بها وقد جاوز المائة سنة من عمره وذريته الآن على طريقته الرفاعية يتبرك بهم رحمه الله تعالى.
الشيخ يونس المصري(4/265)
ابن أحمد المحلي الأزهري الكفراوي الشافعي نزيل دمشق ومدرس الحديث بها الامام العالم الفقيه المتبحر أعجوبة الدهر في قوة الحافظة وطلاقة العبارة والاستحضار التام في الفقه وغيره ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى لطائف المنة فقال ولد كما أخبرنا به من لفظه في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وألف بالمحلة الكبرى من اقليم مصر ونشأ بها وأخذ علم التفسير والحديث والفقه عن جماعة من علماء بلده منهم الشيخ علي مفتيها المعروف عندهم بابن الأقرع ومنهم الشيخ حسن البدوي والشيخ عبد المجيد بن المزين والشيخ رمضان والشيخ علي النحريري وهؤلاء أخذوا عن الشيخ علي الحلبي صاحب السيرة النبوية والشيخ عبد الرحمن الدميري والشيخ أحمد تلميذ الشيخ علي الشبراملسي ثم ارتحل المترجم إلى مصر وأقبل على الاشتغال بالعلوم وحضور دروس علماء الجامع الأزهر فأخذ عن جماعة من الأجلاء منهم الشمس محمد الشوبري الشافعي تلميذ الشمس الرملي وابن قاسم والنور علي الزيادي ومنهم الشيخ علي الأجهوري المالكي والشيخ جلال الدين البكري والشيخ منصور الطوخي والشيخ عبد السلام اللقاني والشيخ حسن الشرنبلالي الحنفي والشيخ إبراهيم الميموني والشهاب أحمد القليوبي والشمس محمد ابن علاء الدين البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ محمد بن المرابط المغربي وغيرهم ثم ارتحل إلى دمشق سنة سبعين وألف وأخذ عن جماعة من علمائها منهم الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمد أبو المواهب بن عبد الباقي الحنبلي والشيخ محمد البلباني الصالحي وأبو الفلاح عبد الحي بن العماد العكري الصالحي وغيرهم وولي بدمشق تدريس بقعة الحديث بالجامع الشريف الأموي تحت قبته عن الشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي سنة تسع وثمانين فدرس بها إلى حين موته وسافر في هذه المدة مرتين إلى الديار الرومية ودخل قسطنطينية وصار له بها إلى حين موته وسافر في هذه المدة مرتين إلى الديار الرومية ودخل قسطنطينية وصار له بها اكرام واقبال وكان ينوب عنه في غيبته في التدريس المرقوم الشمس محمد بن علي الكاملي انتهى وصار لصاحب الترجمة بدمشق جاه عريض وحرمة وافرة وأقبلت عليه الناس وكان وجيهاً محترماً مقبول الشفاعة عند الحكام صداعاً بالحق يقول الحق ولا يبالي مقداماً في الأمور وألف ثبتاً لذكر شيوخه ومروياته وكانت وفاته في ذي الحجة سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بمقبرة سيدنا أوس بن أوس الثقفي وقبره معروف يزار رحمه الله تعالى ومن مات من المسلمين أجمعين آمين.
قال مؤلفه وهذا غاية ما أردناه ونهاية ما أوردناه من نشر مآثر فضلاء هذا العصر الجامعين لأصناف الفضائل على سبيل الحصر والمرجو من العاثر على عثرة فيه أو هفوة ظهرت من فيه أن يسحب عيه ذيل العفو والأغضاء ويغض عنه عين النقص حيث يبصره بعين الرضاء والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد(4/266)
وآله وصحبه وأتباعه وأنصاره وحزبه دائماً أبداً سرمداً والحمد لله رب العالمين.
وجد في نسخة الأصل ما نصه
يقول محرره انتهى الكتاب تحريراً وتم بحمد الله تحبيراً على يد فقير عفو ربه وأسير وصمة ذنبه الحقير عبد الحليم بن أحمد المعروف باللوجي غفر الله له ذنوبه وملأ بزلال الرضوان ذنوبه وكان الفراغ من تحريره لختام شوال سنة احدى عشرة ومائتين وألف وذلك برسم صدر الموالي وبهجة المعالي وحسنة الأيام والليالي كنز الفضل والأيادي وكهف الحاضر والبادي مفتي دمشق الشام السيد عبد الرحمن أفندي المرادي أدام الله تعالى إسعاده وأجراه من عوائد انعامه على العادة وبلغه من كل خير مطلوبه ومراده بحرمة سيد المرسلين وآله الطاهرين وصحبه الأكرمين صلى الله تعالى وسلم عيه وعليهم أجمعين هذا ولما انتهى تقييد هذه الأخبار بسلاسل الأرقام ووقفت عن الجولان في ميدان طروسها خيول الأقلام عن لي أن أقرظه بكلمات وأؤرخه نظماً في ضمن أبيات فقلت في ذلك
أهذه أزهار روض نضر ... قد عبقت أم نشر مسك عطر
أم العقود نظمت أسلاكها ... أم الغواني جليت في الحبر
أم الدراري في ذرى أفلاكها ... قد سطعت بمنظر مزدهر
أم الكؤس قد أديرت بالطلا ... على الندامى في شعاع القمر
أم هذه أخبار قوم قد مضوا ... قد تليت مصوغة في فقر
أتت بما يعجب كل سامع ... لها وما يروق كل مبصر
وخلدت محاسن القوم بها ... وأظهرت عنهم جميل الأثر
وأتحفت أفكار من ينظرها ... بكل مروي عجيب الخبر
فيالتاريخ حوى مآثراً ... فاح شذاها كعبير الزهر
قد قال إذ أرخها متمه ... لله ما أجمل سلك الدرر
4851 65 41 74 110 435 - سنة 1211
فسحب العفو على منشئه ... تهمى بصوب غدق منهمر
هذا وقد تم بحمد الله لي ... تحريره إذ كان بالنقل حري
برسم كنز الفضل مفتي جلق ... ركن المعالي الأوحد الشهم السري
رب الفخار والوقار والعلا ... حاوي المزايا والسجايا الغرر
أعنى المرادي عبد رحمن الورى ... من قد سما قدر أسماء المشتري(4/267)
دامت معاليه على طول المدى ... ممتعاً فيها بطول العمر
تخطب أقلام الثنا بذكره ... من كف كل مادح في منبر
يقول خادم تصحيح العلوم بدار الطباعة الكبرى العامرة ببولاق مصر القاهرة حسيب المقام الحسيني الفقير إلى الله تعالى محمد الحسيني
سبحان من جعل الأولين عبرة للآخرين وأخبار الماضين أدباً للغابرين أحمده فكه نفوس الأدباء بلذائذ المحاضرة وأشكره نزه ألباب الظرفاء في رياض المذاكرة والمحاوة وأصلى وأسلم على النبي الأكرم والرسول السيد السند الأعظم سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومحبيه وأحزابه أما بعد فقد تم طبع هذا الكتاب الجليل عذب المنهل السلسبيل المتكفل ببيان أعيان القرن الثاني عشر الذي لم يبق من غرائب أخبارهم وعرائس أبكار أفكارهم وبدائع آدابهم ونثارهم ودقائق نظامهم وأشعارهم شيئاً ولم يذر الذي أرانا من لطائف أدباء أهل الشام وفضلائهم وجلائل أخبار أحبارهم ونوادر ظرفائهم ونبلائهم وأسمعنا من طرائف جهابذة مصر والعراق والحجاز وغيرهم من دهاقنة الأدب الذين بلغت ملحهم حد الأعجاز ما يكشف لنا من خبايا أحوال العالم المعمى وليس من علم كمن هو جاهل أعمى فهو جدير بأن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لعلامة زمانه ونابغة آنه صدر الدين أبي الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي المفتي بدمشق الشام عليه من الله سحائب الرحمة والاكرام وكان قد انتهض لتكميل بهجته واظهار جمالته واشهار ثمرته وينعه واكثار نفعه بطبعه بهذا الطبع البهيج الظريف والشكل البديع والهيكل اللطيف العلم الشهير والبدر المنير شمس الكمال ومجلى البهاء والجلال ومعدن الحشمة والاجلال ومنهل الجود والأفضال المرحوم عارف باشا أدام الله عليه ستور الرحمة ووالى عليه سجال النعمة فطبع منه الثلاثة الأجزاء الأول وحال بينه وبين اكماله داعي المنون الذي لا محيد عنه ولا حول فقام بعده بمسعاه الجميل نجله الأجل النبيه النبيل ذو اليد الطائلة والهمة العليا والقوة النائلة الشهم النجيب والفطن اللبيب ذو الجناب الأمجد حضرة أحمد بيك أسعد فشرع حفظه الله في اكمال طبع هذا الكتاب وجعله عدة لأولي الباب في ظل الحضرة الخديوية وعهد الطلعة الداورية حضرة من جعله الله رحمة لأمته وأجرى عليه من فيض احسانه سوابغ نعمته الملحوظ من مولاه بعين عنايته المؤيد بباهر هيبته وسطوته عزيز المحروسة مصر المزيل عن رقبة رعيته ربقة الأصل ولي نعمتنا على التحقيق أفندينا محمد باشا توفيق أدام الله علينا أيامه ووالى علينا انعامه ومكن(4/268)
من هام أعدائه حسامه وأقر عينه بحضرات أنجاله وهنأه بحفظ أشباله خصوصاً عباسه الشهم الهمام الفطن النجيب والغيث العام وكان هذا الطبع الجميل والوضع الجليل بالمطبعة الميرية العامرة ببولاق مصر القاهرة ملحوظاً بنظر سعادة ناظرها الهمام الأكمل والملاذ الأمجد الأفضل ذي الهمة والفطانة والرفعة والمكانة من عليه جميع الألسن تثنى سعادة حسين باشا حسني ونظر حضرة وكيله الجناب المهيب الذكي الأريب من أجابته المعالي بلبيك حضرة محمد حسني بيك وقد بدر من هذا الطبع بدره وانبلج صبحه وفجره في أوائل محرم الحرام سنة 1301 مستهل العام الأول من القرن الثالث عشر من هجرته عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم السلام ما لاح بدر تمام وفاح مسك ختام تم.(4/269)