البراوي والصعيدي وغيرهم ودخلها مرة ثانية واستقام إلى حدود ثلاث وخمسين ورحل إلى الحجاز مرة من مصر وثانية بعد أن استوطن دمشق في سنة ثمان وستين وأخذ عن علماء الحرمين وأجازه بالافتاء والتدريس واقراء العلوم منهم العلامة الشهير الامام الشيخ محمد حياه السندي ودخل دمشق في سنة ست وخمسين وحضر على المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني والفقيه الشيخ علي كزبر وكذلك العلامة الفاضل الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق واقرأ الكثير ولزمه الطلاب وأفاد واستفاد وله تعليقة على لسان القوم وبعض تعليقات بالفقه وقطن بدمشق بالمدرسة السميساطية وكذلك في المدرسة الفلاقنسة وكان في ابتداء أمره لا يقبل من أحد شيأً وكان زاهداً أخبر بعض تلامذته إنه عرض عليه شيأً كثيراً من المال فلم يقبل وقال انظر من هو أحوج مني وكان إذا سمع ذكر الله يغط ويرتعد ثم يفيق ويقول جلت عظمة ربي وكان حافظاً للألسن العربية والتركية والفارسية والكردية وبالجملة فقد كان من العلماء الأعلام والمحققين العظام وكانت وفاته في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف في دمشق ودفن بصالحيتها بسفح قاسيون وقد زاحم الستين رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الكردي
عبد الرحمن بن حسن بن موسى الشافعي الكردي المولد الدمشقي المنشأ والوفاة تقدم ذكر والده في محلة الشيخ الصوفي العارف الصالح التقي النقي الفاضل كان من مشاهير المشايخ الصوفية بدمشق معتقداً عند الخاص والعام تحبه الناس وتكرمه مع أخلاق حسنة واستقامة مستحسنة وصلاح حال ممدوح وطبع محمود ولما توفي والده في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وكان يقرئ فصوص الحكم للشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره ففي يوم وفاته اجتمع التلامذة وجاؤا بالمترجم وأجلسوه كان والده وكان لا يظن به أن يصير أهلاً للأقراء حتى إن أحد التلامذة ذهب لدرسه حتى ينظر كيف يقرر الدرس استهزاء بقدره لما كان عليه من عدم المعرفة بذلك فرآه يقرر ويقرئ مثل والده وأمسك في ذلك كراسة والده وابتدأ من المحل الذي وقف عليه والده وشرع في التقرير المقبول في ذلك واستمر يقرئ ذلك وغيره كالفتوحات وغيرها إلى أن مات مستقيماً على وتيرة واحدة مبجلاً بين العال والدون محترماً مكرماً ومعتقداً خصوصاً عند النساء فكان يردن عليه زمراً ويأخذن منه التمائم هن والرجال أيضاً(2/292)
وكان مستقيماً في مكان والده وهو المسجد الذي تجاه دار بني حمزة النقباء بدمشق في زقاق النحاسين بالقرب من باب الفراديس ثم في آخر أمره بنى له زاوية كانت معدة في الأصل لطبخ القهوة تجتمع بها الأسافل والرعاع من الناس وأهل الضلال والفجور والقمار وكانت لهم فأخرجها الله من الظلمات إلى النور وجاءت من أحسن الأبنية وهي في محلة العمارة بدمشق لصيق باب الفراديس واستقام الشيخ المترجم بها مدة قليلة وبالجملة فقد كان من صلحاء الناس والمشايخ المعتقدين وكان مرض وطال مرضه مقدار ستة أشهر وتوفي وكانت وفاته في ليلة السبت ثاني يوم من صفر سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بالزاوية المزبورة وقبره معروف رحمه الله تعالى ورثاه صاحبنا الكمال محمد بن محمد الشهير بابن الغزي بقصيدة بديعة مثبتة في ديوانه ومطلعها قوله
خطب ألم وسوء الخطب قددهما ... وانهد ركن ذرى العلياء وانهدما
عبد الرحمن الغزي
عبد الرحمن بن زين العابدين المعروف كأسلافه بالغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الامام الفقيه الفرضي النحوي الأديب زين الدين أبو الفضل ولد يوم الخميس سابع رجب سنة خمسين وألف ونشأ في كفالة والده فأقرأه القرأن العظيم وأحضره دروس عمه النجم واستجاز له منه واشتغل بطلب العلم بعد وفاة والده فقرأ في مبادئ العلوم على شيوخ عصره واشتغل بالفقه على الامام الحبر الشيخ محمد البطنيني وعلى الشيخ محمد العيثي وعلى الشيخ علي الكاملي ومن مقروآته شرح التحرير لشيخ الاسلام وشرح المنهج وشرح الزيد للرملي الكبير وشرح الغاية للشربيني وحضر دروس الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ عنه الفرائض والمصطلح وقرأ الفرائض على الشيخين الفرضيين منصور الصالحي ورجب الميداني وبرع في هذه الفنون الثلاثة وفي استحضار مسائلها ومواضع النقول منها وكان له حافظة قوية وذهن ثاقب وفكر صحيح وحفظ مختصرات في عدة فنون وقرأ أطرافاً من الكتب الستة على الشيخ محمد البطنيني المذكور وأجازه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس وقرأ المعاني والبيان على الشيخ محمد المحاسني الخطيب والنحو على العلامة المنلا محمود الكردي ولازم الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروسه بالجامع الأموي بين العشائين وصحب الولي الكبير السيد محمد العباسي الخلوتي وبرع في الفقه والفرائض والحساب وكان يحفظ من الشعر المتعلق بالمواعظ والحكم والتربية شيأً كثيراً وكان ديناً صالحاً عابداً كثيراً القيام بالليل والتهجد مشتغلاً بخويصة نفسه سليم الصدر لا يعرف(2/293)
المكر ولا الحسد يحسن إلى من يسئ إليه حسن الهيئة بشوش الوجه كثير التواضع طارح الكلفة قوي الثقة بالله تعالى صادق اللهجة ميمون النقيبة مقبلاً على مطالعة كتب العلم تاركاً لما لا يعنيه هيناً ليناً في دنياه شديداً في أمر دينه مؤثراً للعزلة والانجماع لا يجنح إلى الرياسة ولا يمتد اليها منه الأطماع وعاش في مدة عمره موسراً مرفهاً مسعود الحركات رغد العيش دائم السرور مع الديانة والصيانة والعفة وكثرة الصدقات وكان له شعر بليغ كان ينظمه في أوقات فراغه ترويحاً لخاطره فمنه قوله من قصيدة امتدح بها ابن خاله العلامة أحمد الصديقي لما ولي قضاء مكة سنة خمس عشرة ومائة وألف مطلعها
لمن دمن بالرقمتين فحاجر ... محت رسمها أيدي الرياح الأعاصر
أزلت بها دمعي وصنت سريرتي ... فأبدت دموعي ما حوته سرائري
فلا تحسبن ما تسكب العين أدمعا ... ولكنها روحي جرت من محاجري
ديار بها حزني ووجدي ولوعتي ... وشوقي وأشجاني وقلبي وخاطري
ومنها في المديح
له في ذرى العلياء أرفع رتبة ... توارثها عن كابر بعد كابر
ومنها في الختام
فلا زلت في عز يدوم ورفعة ... وتقليد انعام ونشر مآثر
مدى الدهر ما فاه اليراع بمدحكم ... وغرد قمري بروض أزاهر
وله غير ذلك توفي ليلة الجمعة ثاني عشر رمضان سنة ثمان عشرة ومائة وألف بعد أن أخذه الفواق نحو ساعتين من الليل وهو قاعد صحيح العقل يكثر من الشهادتين فتوفي قبل الفجر ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
السيد عبد الرحمن الكيلاني
السيد عبد الرحمن بن عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي الكيلاني الحنفي الحموي القادري نزيل دمشق وأحد صدورها الأعلام السيد الشريف العالم الفاضل المدقق المحقق الأديب الماهر النبيه المتفوق الناظم الناثر البارع ولد بحماه في سنة ثلاثين ومائة وألف وقدم دمشق مع والده كما أسلفنا ذلك في ترجمته وقرأ على بعض الشيوخ كالشيخ أحمد المنيني والشيخ محمد الكردي نزيل دمشق والشيخ صالح الجينيني والشيخ حسن المصري نزيل دمشق والشيخ أحمد البهنسي الدمشقي وحصل الفضل والأدب وسافر إلى قسطنطينية وعاد بنقابة دمشق وتولاها غير مرة مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي ولما كان نقيباً قامت عليه(2/294)
رعاع الأشراف وهجموا على دراهم الكائنة بالقرب من باب القلعة وأرادوا ايقاع الضرر وتحريك الفتنة وكان ذلك باغراء بعض الأعيان ثم عزل في أثناء ذلك واستقام بداره منزوياً وتراكمت عليه الأمراض والعلل إلى أن مات ولم تطل مدته وكان جسوراً مقدماً مهاباً متكلماً ندباً محتشماً مع فضل تام وأدب وافر وأقرأ في داره بعض العلوم ودرس وبالجملة فهو أفضل من والده واخوته وكان بينه وبين والدي محبة وتودد وبينهما المطارحات الأدبية والنوارد العلمية وامتدح الوالد ببعض القصائد وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أديب مستوثق عري النبوة ومستنشق عرف الأبوة انتقى من جوهر الأدب انتقاه وارتقى منه ذرى عز مرتقاه وغاص في بحر اقتنائه وعرف وجه اعتنائه فصقلت مرآة أفكاره كما صقل النسيم صفحة النهر في أبكاره انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة امتدح بها جده الاستاذ سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله تعالى عنه.
برق على الروم من أفق العراق سرى ... وهنا فلم تغتمض أجفاننا بكرى
دعا القلوب لنار الوجد فاستبقت ... تسوق أشجانها تلقاءه رمرا
وواصل الومض من حر الجوى شهب ... وبث في الأفق من أناته شررا
وكاد يحرق أحشائي بلاعجها ... لولا سحائب دمع وبلها انهمرا
تهمي اشتياقاً إلى دار السلام ثرى ... من أصبح الكون من أنفاسه عطرا
قطب الجلالة محيي الدين من سطعت ... أنواره وجلت عزماته الغبرا
الباز الأشهب عبد القادر الأسد ... الهصور من وجمت منه أسود شرى
الهاشمي المنتمي من عنصر الحسن ... السبط الشريف الذي من ظهره ظهرا
سلالة السيد المحض ابن فاطمة ... بنت الحسين الذي في كربلا صبرا
سليل ذي الغار خير الصحب قاطبة ... من أم موسى أبيه الطيب السيرا
فرع الأطائب أصحاب الكساء ومن ... للمستميح عباب بالهدى زخرا
خير النبيين وأبناه وفاطمة ... والمرتضي رابع الأصحاب والأمرا
هذا هو المحتد الوضاح والنسب ... الرفيع والعنصر السامي الذي بهرا
هذا الفخار الذي صلصاله مزجت ... أجزاؤه بحياة الوحي واختمرا
جرثومة من وشيج المصطفى نشأت ... وأطلعت للهدى في أفقها قمرا
بدر تبلج للارشاد شارقه ... فلم يدع في سبيل الرشد معتكرا
وقال مشطراً أبيات الطغرائي(2/295)
بالله يا ريح إن مكنت ثانية ... وقد فضضت ختاماً من شذا الزهر
من أن تهبي بكافور ممسكة ... من صدغه فأقيمي فيه واستتري
وراقبي غفلة منه لتنتهزي ... من وصله نهزة عزت على البشر
وأثملي حبه رياً لتغتنمي ... لي فرصة فتعودي منه بالظفر
وباكري عذب ورد من مقبله ... فيه الأقاحي وفيه ناصر الدرر
كيما يصح عليل فيك مرشفه ... مقابل الطيب بين الطعم والخصر
ولا تمسي عذاريه فتفتضحي ... فيما تنم عليك وجنة القمر
وأخشين باللمس ما توشي غدائره ... بنفحة المسك بين الورد والصدر
وإن قدرت على تشويش طرته ... فسرحي جعدها من نفحة السكر
وإن ذكرت غراماً هاج كامنه ... فشوشيها ولا تبقي ولا تذري
ثم اسلكي بين برديه على عجل ... كما سرى في فؤادي رقة الحور
واستمنحي المسك من ذاك الغدير لنا ... واستبضعي الطيب وائتيني على قدر
ونيهيني قبيل الصبح وانتفضى ... على مغاني نفح العنبر العطر
وانعشيني وخصيني بأعطر ما ... علي والليل في وشك من السحر
لعل نفحة طيب منك ثانية ... يكسو بها ها فؤادي أشرف الخبر
والنفس تختال في جلباب نشأتها ... تقضي لبانة قلب عامراً لوطر
وقال أيضاً مشطراً
وأغيد ينميه إلى العرب لفظه ... وللروم وجه البدر لاح على الكرد
رنا فرمى قلبي كليماً وكيف لا ... وناظره الفتاك يعزي إلى الهندي
تجرعت كأس الصبر من رقبائه ... تجرع ظامي النفس صد عن الورد
وحملت ما رضوي يدك لبعضه ... لساعة وصل منه أحلى من الشهد
وهاونت أعماماً له وخؤولة ... خداعاً لصيد الظبي في أجمة الأسد
فمالوا لسلمي إذ جنحت لسلمهم ... سوى واحد منهم غيور على الخد
كنقطة مسك أودعت جلنارة ... والا كلحظ في السجنجل مسود
فلله منها روضة أنف ذكت ... رأيت بها غرس البنفسج في الورد
وله
يقول أصحابي بي ليسلو خاطر ... عن الطارف المسلوب مني لك البشرى
فإن المجاري قد تجف شراعها ... ولا بد من أوب المياه إلى المجرى
فقلت أجل لكن لوقت طلوعها ... ترى شطها من ساكنيها غدا قفرا(2/296)
فقالوا طلوع الشمس يتلو غروبها ... وإن عقيب العسر ينتظر اليسرا
فقلت نعم لكن ربي قد قضى ... لكل مني وقتاً وقدره قدرا
وبعد فظني بالآله بأنه ... سيحدث حقاً بعد ذلك لي أمرا
ويمنح من ينتاب هامر جوده ... ركام سعود ودقه يكشف الضرا
وله راداً على بيتي القسطلاني
لعمرك ما طيب الأصول بنافع ... وليس يضر العكس إذ كنت ذا رشد
كفى حجة عندي يزيد مخالفاً ... لأصل وفرع في التعاكس والطرد
وبيتا القسطلاني هما قوله
إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد
وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ... ليظهر صنع الله في العكس والطرد
وللمترجم
أنار أفلاك فضلي منك شمس هدى ... وغبت عني فلم أبصر سوى الحلك
هب إنك الشمس في العرفان مشرقة ... فهل سمعت بهجر الشمس للفلك
وقال في خيلان بوجه شنيع
قد أطلع الشمس في أفق الجبين ضحى ... ومن سنا فرقه أبدى لنا قمرا
فأدهش الزهر في الأفلاك إذ بزغت ... منه الأشعة تغشي كل من نظرا
وإذ رأت فلك الأزرار في عطل ... اللبات مستنكفاً تقليده الدررا
هوت لتنضيده حتى إذا اقتربت ... ولم يرعها لهيب النار مستعرا
مدت لظاه شواظ النور فانتثرت ... خيلان حسن بمرآة الجمال ترى
كانت دراري فلما جاوزت وهج ... الوجنات صارت له مسكاً زكا عطرا
ومن نثره ما قاله وهو في الروم
وكنت في منتدى أحد مداره الرؤساء وحوله من الأفاضل جلساء فسلكنا من الحديث لحباً وشعاباً وسردنا مزايا كل علم باباً باباً وأنا أسترسل إلى أن سرى به من نجد إلى غور وأرتاح إلى اقتطافه من يانع ونور حتى انتهى إلى علم الأدب ونسل للطعن في الشعر من كل حدب فقلت رويدك يا مولاي فإني أملأ لعقد الكرب في المعارضة دلاي فقال أما تقرأ ما في كتاب الله المكنون والشعراء يتبعهم الغاوون فقلت لعمرك إن الله استخزن القرآن فوادي وطالما أحرزت قصب السق في حلبة معانيه جيادي ولو بلغ السيد في تصفحه الثنيا لصرفه تضلعه إلى الرعيا وعلى مولاي النظر في دلائل(2/297)
الاعجاز لعبد القاهر وفيما سرده في فخامة الشعر من البراهين الزواهر فإنها شمس الحق التي لم تترك للشبه غيهباً والجدد الذي من ظفر به لا يعدل به مذهباً فأورد نثراً مضمون هذه الأبيات الآتية فافندجت في معارضتها زنداً بنور التوفيق وأريه واندفعت أنقل عن الفحول ما يندحض به هذا الشك المنحول ورب الندى بحر فضل عجاج وسيح وأكف علمه ثجاج وهو طوراً يسر حسواً في أرتغا وتارة يستدل بما يخيل إنه الصواب به أبتغي حتى حصحص الحق عياناً وانقلبت عصاه ثعباناً وسطع نور الحق أبلج واستفل الباطل وهو لجلج فألقى إلى السيد الحبر باقليد التسليم بعد أن أثلج الصدر بتحقيقات تخالها ممزوجة بتسنيم فأحببت أن أعارض الأبيات التي أستدل بفحواها وبرهن على وهن معزاها بمناظرة دونها نظر المتردم ومطعن الناقد المترسم من أرباب الفطن السليمة وأصحاب النحيزة الكريمة وهذه الأبيات المستدل بها
انظر إلى الشعراء أفنوا دهرهم ... في وصف كل حبيبة وحبيب
ومضوا ولم يحظوا بوصل منهما ... بتأسف وتلهب ونحيب
وحظى بوصل كل من وصفوا له ... فكأنهم قواد في الترغيب
لكنما القواد تظفر بالعطا ... وهم بمقت الناس والتكذيب
وهذا نص المعارضة
يا من تعرض للقريض وأهله ... بزخارف البهتان غير مصيب
هلا نهاك عن الهجا ما أودعت ... بانت سعاد وبدؤها بنسيب
أرأيت كعباً قد رمي بقيادة ... بحلي سعاد ووصفها المحبوب
لو كان حقاً ما ادعيت لصده ... المختار عن مدح وعن تشبيب
ولما أجيز ببردة لو تشتري ... شريت بأغلى مهجة وقلوب
وبشعر حسان الفصيح محجة ... تهدي الضلال مهايع التصويب
وبقرض مولانا على رابع ... الأصحاب ردع عن هجنا مكذوب
وأذكر لمقول لو مننت وربما ... للمصطفى وحنانه المرغوب
وأذكر لأن من البيان وشعره ... حكماً وسحراً تلق دفع مريب
ولكل مجتهد أمام قدر ووا ... شعراً صفا عن وصمة التكذيب
ولقد روينا عن هضاب العلم و ... الأعلام أشعار راحلت كضريب
فالبعض منها يحتوي حكماً زكت ... والبعض حاول رائق التشبيب(2/298)
وتغزل الشعراء في مستبهم ... ذاتاً كاسماً ليس بالمحجوب
والشعر منه محرم نحو الذي ... أعجمت معربه يمين غيوب
فليبك من عدم البلاغة نفسه ... بتفجع وتوجع ونحيب
خذها معارضة بغر دلائل ... تروي خصوم البحتري وحبيب
ما اسم المعارضة أقتضي شيأً وقد ... ذبت عن الاعراض ذب مصيب
أطلعت شارقها بأفق فصاحة ... شمساً تسامت عن خنوس غروب
وللأديب عبد الله الطرابلسي من هذا القبيل قوله
خل بيني وبين نظم القريض ... إن فيه شفاء كل مريض
فهو عوني لهجو كل لئيم ... وامتداح لذي النوال المفيض
لي يراع يراع كل هزبر ... منه إذ فاق فتك سمر وبيض
غرر تشبه العقود نظاماً ... أشرقت شمسها بأفق العروض
وقواف تفوق حلي العذارى ... قد تحلت وما بها من غموض
لعبت بالنهى كنفثة سحر ... ما لمن رام سبقها من نهوض
من عذيري من فعل وقت مسئ ... عامل الحبر دائماً بالنقيض
كل غمر مقامه في الثريا ... والأديب الأريب تحت الحضيض
آفتي فطنني وكل غيي ... هو في عيشه بروض أريض
وللمترجم مادحاً اسعد باشا ابن العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج مؤرخاً قدوم مولود له وذاكراً واقعته مع الجند بقوله
تبسم ثغر السعد عن شنب النصر ... فضاء به أفق المسرة والبشر
وأصبح روض الشرع في الشام ناضراً ... وقد كاد يذوي من ضرام ذوي الخسر
وشمنا بروق العدل تلمع في الضحى ... أشعتها ترمي الخوارج بالقهر
هم فتية عاثوا الديار وأفسدوا ... فليسوا يروا الأثمالى من الخمر
فكم بنت خدر قد أماطوا لثامها ... وكان محياها خفياً عن الخدر
وكم قد أراقوا من دماء تجاهراً ... وكم سلبوا ما لا يضيق عن الحصر
وكم أشهروا في المصر عضباً ليلجئوا ... لطاعة ما ناموا عن النهى والأمر
وكم قاتل عمداً ترتب قتله ... أجاروه من سيف الشريعة بالقسر
وكم عطلوا الشرع الشريف بجورهم ... أسفاهاً وقالوا الحق بالبيض والسمر
وكم تخذوا ليل الصيام لمنكر ... ولم تثنهم عن اثمهم ليلة القدر
تراهم نشاوى بالمعازف والطلا ... عكوفاً على متن الشوارع للفجر(2/299)
وكم من فتى لا يعرف الصوم منهم ... يفاخر بالافطار في محفل الكثر
وكم روجوا سوق الغسوق بقينة ... ولم ينج منهم ساكنوا المدن والبر
وكم لهم فعل شهير اساءة ... فمن رام احصاء يمثله بالقطر
وكم أنذروا ممن يحيق بهم غدا ... سيوف انتقام الله ذي البطش والقهر
وكم قد أجابوا إن ساحة عزنا ... حمتها ليوث بالسريجية البتر
وكم مدت الأيدي إلى الله من فتى ... باهلاكهم والليل منسدل الستر
سقاهم شراب الحتف من سيف أسعد ... الوزير الكبير المخلص السر والجهر
وروى سيوف العدل منهم وطالما ... تشكت وقال النصر يأتي مع الصبر
ألم تعلمي إن الآله مراقب ... فيجزي ذوي الحسنى ويجزي ذوي القدر
وغيرة شأني كل لحظ تحثني ... لما رمت لكن كل شيء على قدر
ولما أراد الله ثل عروشهم ... وسخره ولانا الوزير لذا الأجر
توشح بالحزم السديد وجاءهم ... بصوب عقاب للرقاب جزا الأصر
وقام بعبء الحكم يحبي معالماً ... من الدين آلت للدروس وللدثر
وحاق بهم من كل فج حسامه ... وصيرهم أشلاء مطعمة النسر
وشن عليهم بأسه كل غارة ... ففروا حيارى للجبال وللوكر
يزعم نجاة أرغم الله أنفهم ... ولم يعلموا إن لا مفر من الصقر
وقد حلهم سقت من الله مهلك ... فمن فر من حد فللحد والقبر
وهذا وزير الشام ليث غضنفر ... تسلوت لديه فتكة السهل والوعر
وعما قليل يتبع الخلف من مضى ... ويصدقكم أخباره باهر الخير
جزاك آله الخلق عن أهل جلق ... وكل بلاد الله مستعظم الأجر
وله مشطراً أبيات ابن يزيد الزبيدي بقوله
طلعت من الحمام تمسح وجهها ... من جوهر الأنداء تحت نقاب
بمخضب نمت نوافح رشحه ... عن مثل ماء الورد بالعناب
والماء يقطر من ذوائب شعرها ... الساجي كرشح من لجين مذاب
وعقارب الأصداغ تهمل بالندى ... كالطل يسقط من جناح غراب
فكأنما الشمس المنيرة في الضحى ... ما ضم منها معجز الجلباب
بزغت تواري بالحجاب فقلت قد ... طلعت علينا من خلال سحاب
وكتب إلى والدي حين كان هو بالروم قوله
الجناب الذي انعقدت على أوحديته خناصر الاساتذة وطود الفضل الذي(2/300)
قصرت عن درك شأوه الجهابذة من طبق الآفاق بمحامده وأدب الفحول بقرى فضائل موائده وضم إلى جرثومة النسب الهاشمي سجايا الندى الحاتمي وإلى صفاء الحسب بهاء الظرف والأدب وإلى خيم المروة شهامة الفتوة وإلى علو الهمة الشامخة كرم المجادة الباذخة وقرن بين وجاهة المهابة وأنس التواضع والنجابة وأضاف حميد الأخلاق إلى طيب عنصر الأعراق حتى أغتدي الفضل عليه مقصوراً والكمال في صفاته محصوراً ونادت معاليه لطلاب الفضائل إذ أعياهم حجابها هلموا ألم تعلموا إن مدينة العلم على بابها ابقاء الله وصدر الكمال بقلائد فضله حالي وأفق العلى مستنير بمجده العالي ما هطلت السحابة وألقت أرواقها وأنبتت الأفنان أوراقها إن الجوارح مني كلهن فم عند الدعاء إذا ما قلت آميناً أهدي إليه تحيات لها عرف نسائم الروض إذ هبت ولطائم مسك أرين وتبت أو تسليمات ألطف من ماء الغمام وأرق من حباب ألحاظ المستهام وشوقاً لا شوق سعدي ولبنى ولا شوق صريع بني عامر وليلى وهو الشوق حتى يستوي القرب والبعاد ويستولي على الرقاد والتهويم السهاد فحبذا حديث نسيم اخلاء وحليف غرام أو داء اجلاء لعمرك إنه مهر عرائس الأرواح وتقدمة بشريات نفائس الأرواح لو تضمه جله ولا أقول كله صفحات الصحف وإني لي باصطباح كأس أنف على إنه وأن صار من بداهة الساعة وانتظم في أسلاك عفو اليراعة فأنى لي بافشاء أسرار الحبيب ووده ونشر مطوى مكنون عهده
لا لا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت علي مواثقاً وعهودا
كلا فذاك أمر ما إليه سبيل ... فديني في الحب كما قيل
واياك واسم العامرية انني ... أغار عليها من فم المتكلم
فلا جرم إن ذلك أوجب خزن الأسرار محافظة والعياذ بالله سبحانه من أن تزلف الألفة بابصار الأغيار والمرجو تنميق الطروس بتجير آثار صحتكم وارسال جواب ما حررناه لحضرتكم وقدمناه لديكم سابقاً والسلام وله من قصيدة مطلعها
سل الحسن عما تحتويه شمائله ... فما الحسن الا ذاته ومخائله
وما هو الأفاضح الشمس في الضحى ... وما البدر الا ما تزر غلائله
وما حمرة الياقوت الا زكاة ما ... حوى خده الزاهي وزكاه عامله
وما خاله الا رشيد بطيبه ... على حبه صبا أضلت قوافله
وما البرق يحكي منه غير مباسم ... بها يهتدي الساري وهن دلائله(2/301)
وما الدر في العقد الثمين مشابهاً ... نظام دراري القول إذ هو قائله
وما صدغه لا الدجى وجبينه ... صباح مسرات سعود أصائله
وما الكوكب الدري لالاء نوره ... بأبهى سنا من عنقه جل جاعله
وما خصره الا نحول محبه ... وما ردفه الا الكثيب يماثله
وما قده الا الأراك إذا انثنى ... ترنحه ريح الصبا وشمائله
وما وصفه من مدنف بمفيده ... نوالاً كما هاج الحمام بلابله
يقولون حاكي الريم والليث سطوة ... ولطفاً فقلنا بل تفوق فضائله
فن أين للآرام لطف طباعه ... ومن أين للآساد ما هو فاعله
وما فتك عضب من كمي على العدى ... بأعظم من لحظ لصب يجائله
يفوق سهم اللحظ والريش جفنه ... فيجرح قلب الصب وهو يغازله
فيا طيب وقت ضم شملاً يقربه ... إذا العيش عض والشباب أوائله
ونور الربا قد كللته يد الندى ... وروض المنى قد نضرته خمائله
وأغصانه تشكو الشمال مرنحاً ... ونرثي لشكواها عليها بلابله
وقد نسجت أيدي النسيم وأبدعت ... دروعاً من الماء الزكي مناهله
ومزق جيب السرد منها صوارم ... تضتها عليه ما تحوك جداوله
وحيث الدجى والزهر تحكي لآلئاً ... على نطع فيروز وشته عوامله
وحيث وميض البرق في طرة الدجى ... كآراء فتح الله فيما ينازله
همام زكا أصلاً وفعلاً ومحتداً ... فربع المعالي الأشرفون قبائله
هو البحر الا أنه من مكارم ... ولجته الاسعاف والجود ساحله
منها
فأقبلت المداح من كل جانب ... على انها لم تحص فيها فواضله
وأنى يحيط الواصفون بوصفه ... وكيف بضبط القطر ينهل وابله
فلا زال كهفاً للأنام وملجأ ... وأحبابه تعلو وينحط عاذله
وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته في دمشق سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن عبدي
عبد الرحمن بن خليل المعروف بعبدي الحنفي القسطنطيني رئيس الكتاب والدفتري بالدولة العثمانية المشهور أحد الرؤساء وأرباب المناصب المعتبرين ولد بقسطنطينية وبها نشأ وأخذ الخطوط عن الكاتب المشهور حسين الحنبلي(2/302)
وأتقن الخطوط والكتابة والانشاء بالتركية وانتمى لصدر الدولة الوزير إبراهيم باشا وصار من حفدته ولما قتل الوزير المذكور أتعبه الدهر أياماً ثم استخدمته الدولة في أمورها فتولى المناصب بها وصار تذكره جي أول للديوان السلطاني ثم ترقى وصار رئيس الكتاب ودفترياً ثم أعيد للرياسة واشتهر أمره بين الخاص والعام وكان يتظاهر في صيانة الدولة بسائر أموره وحركاته ويتجنب ما يدنسه واشتهر أمره في دولة السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد الثالث عليه الرحمة وترقى للمناصب العالية في أيامه وكانت وفاته في يوم الاثنين ثاني عشر صفر سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن في اسكدار وكان يوم وفاته في خدمة الوزير وشيخ الاسلام لكونه كان رئيس الكتاب إذ ذاك في دار السعادة السلطانية ومات بها فجأة في جنينة الأغا وحمل من دار السعادة المذكورة على العجلة لداره رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن المغربي
عبد الرحمن بن عبد القادر المعروف بالمغربي الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه كان له يد طائلة في فقه مذهبه واستقام مفتياً في طرابلس الشام واللاذقية مقدار خمس وأربعين سنة وكان فقيراً ذو عائلة وسافر إلى اسلامبول دار الخلافة سبعة عشر مرة وفي المرة الأخرة صارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية من شيخ الاسلام مفتي السلطنة المولى محمد المعروف بشريف زاده وكان قبل ذلك له رتبة ايكنجي خارج وكانت عليه وظائف قليلة في بلدته منها نظارة البيمارستان في طرابلس وكانت وفاته في سنة احدى وتسعين ومائة وألف وأخوه الشيخ عبد الله كان فاضلاً اجتمعت به في اسلامبول لما كنت بها في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف وزارني ثمة بمنزلي ثم استقام بها ومات من السنة المرقومة ولم ينل امنية رحمهما الله تعالى.
عبد الرحمن الأنصاري
عبد الرحمن بن عبد الكريم الحنفي المدني الشهير بالأنصاري الشيخ الفاضل الكامل المفنن الأديب الماهر وجيه الدين مؤرخ المدينة في عصره ولد بالمدينة المنورة ثاني عشر رجب سنة أربع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء كالجمال عبد الله بن سالم البصري ومحمد أبي الطاهر بن إبراهيم الكوراني وأبي الطيب السندي ومحمد بن الطيب المغربي والشيخ سعيد سنبل وكان حافظاً متقناً خطيباً(2/303)
واماماً في المسجد النبوي وله تاريخ لطيف في أنساب أهل المدينة وخطب وشعر فمن شعره قوله وأرسله إلى علي أفندي الشرواني يستعير منه شرح الفقه الأكبر لعلي القاري
يا أيها المولى الذي أوصافه ... كم أعجزت من كاتب مع قاري
امنن علي بشرح فقه امامنا ... لسميك المنلا على القاري
لا زلت في عيش رغيد دائماً ... أبداً وللعارفين نعم القاري
فأجابه
يا سيداً حاز المكارم والعلا ... وسمت مكارمه على الأقدار
ل أشرقت آفاقنا من نير ... من فضل مولانا على القاري
لسرى إلى أفلاككم مستكملاً ... لضيائه كالكوكب السيار
لكنها قد عطلت أجيادها ... فغدت لخجلتها ورا الأستار
فالعذر قد أبديته مستعفياً ... وخيارنا العافون للأعذار
لا زلت في غر يدوم ورفعة ... ما غرد القمري في الأسحار
وله غير ذلك من الأشعار والآثار الحسنة وكان آية باهرة في معرفة أنساب أهل المدينة وكانت وفاته في سابع عشر ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بالبقيع.
عبد الرحمن البعلي
عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد الحنبلي البعلي الدمشقي نزيل حلب الشيخ العالم الفاضل الصالح كان فقيهاً بارعاً بالعلوم خصوصاً في القراآت وغيرها ولد في ضحوة يوم الأحد الثاني عشر من جمادي الأولى سنة عشرة ومائة وألف ثم لما بلغ سن التمييز قرأ القرآن حتى ختمه على والده في مدة يسيرة ثم شرع في الاشتغال بطلب العلم في سنة عشرين فقرأ على الشيخ عواد الحنبلي النابلسي في بعض مقدمات النحو والفقه واشتغل عليه بالقراءة بعد ذلك نحواً من عشرين سنة وهو أول من أخذ عنه العلم ولما توفي والده في سنة اثنين وعشرين وكان فاضلاً ناسكاً عالماً لازم مع أخويه الشيخ أحمد المقدم ذكره والشيخ محمد دروس الامام الكبير أبي المواهب الحنبلي في الفقه والحديث نحو خمس سنين ودروس الاستاذ الشيخ عبد القادر التغلبي في الحديث والفقه والنحو والفرائض والحساب والأصول وغير ذلك مدة خمسة عشر سنة وأجازه اجازة عامة ثم لازم حفيده(2/304)
العلامة الشيخ محمد المواهبي نحو تسع سنين في الحديث والفقه أيضاً وأجازه وقرأ على الاستاذ الرباني الشيخ عبد الغني النابلسي كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر مع مشاركته لجدي والد والدي العالم المرشد السيد محمد المرادي وحضر دروسه في تفسير البيضاوي والفتوحات المكية وشرحه على ديوان ابن الفارض وفي الفقه والعربية وغير ذلك ولازمه نحو ثمان سنين وأجازه اجازة عامة بخطه وقرأ على الفاضل المسلك الشيخ محمد بن عيسى الكناني الخلوتي شيأً من النحو وشرحه على منفرجة الغزالي ورسالته المفردة في أربعين حديثاً مسندة وأخذ عليه طريق السادة الخلوتية ولقنه الذكر ولازمه نحو خمسة عشر سنة وأجازه ولازم دروس كثير من مشايخ عصره غير هؤلاء المذكورين منهم الامام الشيخ محمد الكاملي والعلامة الشيخ الياس الكردي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد الحبال والشيخ أحمد المنيني والشيخ علي كزبر وغيرهم وأخذ الفرائض والحساب عن الشيخ مصطفى النابلسي وحفظ القرآن على الحافظ المقري المتقن الشيخ إبراهيم الدمشقي ثم بعد أن ارتحل إلى الروم ودخل حلب وذلك في سنة أربع وأربعين أخذ عن جماعة من أجلالها وممن ورد اليها فسمع الحديث المسلسل بالأولية وأكثر صحيح الامام البخاري من المحدث العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي وقرأ جملة من المنطق والأصول على الشيخ صالح البصري وطرفاً من الأصول أيضاً والتوحيد والنحو والمعاني والبيان على الشيخ محمد الحلبي المعروف بالزمار وحضر دروسه كثيراً في صحيح البخاري وأخذ العروض والاستعارات عن الفاضل الشيخ قاسم البكرجي وأشياخه كثيرون لا يحصون عدة وأعلى أسانيده في صحيح الامام البخاري روايته له عن الشيخ محمد الكناني عن المسند القدوة الرحلة الامام الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المتوفي بها في سنة احدى ومائة وألف بسنده وعن شيخه الشيخ عقيلة عن المحدث الكبير الشيخ حسن بن علي العجيمي المكي بسنده وفي كل من السندين بين صاحب الترجمة وبين الامام البخاري عشرة والامام البخاري حادي عشرهم وبالنسبة إلى ثلاثياته يكون بينه وبين صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أربعة عشر وهذا السند عال جداً ولا يوجد أعلى منه وقد أجازني بسائر مروياته عن مشايخه باجازة حافلة وأرسلها إلي من حلب وكان بحلب مستقيماً ساكناً فاضلاً وله أناس يبرونه قائمين بمعاشه وما يحتاج إليه واستقام بها إلى أن مات وكان ينظم الشعر وله ديوان فائق محتو على رقائق فمنه ما قاله مقتبساً
أعبد الله وجاهد ... فإذا فرغت فانصب(2/305)
والزم التقوى حلوصاً ... وإلى ربك فارغب
ومن ذلك قول بعضهم
أيها السائل قوماً ... مالهم في الخير مذهب
اترك الناس جميعاً ... وإلى ربك فارغب
أقول والاقتباس هو إتيان المتكلم في كلامه المنظوم أو المنثور بشيء من ألفاظ القرآن أو الحديث من غير تغيير كثير على وجه لا يكون فيه اشعار بأنه من القرآن أو الحديث وهو على ثلاثة أقسام الأول مقبول وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك والقسم الثاني مباح وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص والقسم الثالث الأقتباس المردود الغير مقبول وهو ما أدى إلى تشبيه بالله تعالى أو استخفاف بكلامه القديم ونعوذ بالله تعالى أو بالرسول عليه أنمى الصلاة وأسمى السلام أو بحديثه الشريف كقول عبد المحسن الصولي
قلت وقد أوردني حبه ... موارداً ليس لها مصدر
أفسدت دنياي ولا دين لي ... تفسده فاصدع بما تؤمر
قال الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقد أقر أنه لا دين له فلا يعترض عليه حينئذ ومن ذلك قول القائل
أوحى إلى عشاقه طرفه ... هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملون
وأما ما جاء في المقبول والمباح فكثير كقوله
أعبد الله ودع عنك ... التواني بالهجود
ومن الليل فسجه ... وأديار السجود
وقول الآخر
لا تكن ظالماً ولا ترض بالظلم ... وانكر بكل ما يستطاع
يوم يأتي الحساب ما لظلوم ... من حميم ولا شفيع يطاع
وللشيخ برهان الدين الباعوني
قالوا الحميا شراب ... للأنس والبسط جاءت
فقلت رداً عليهم ... بئس الشراب وساءت
وللمعمار
ما مصر الا منزل مستحسن ... فأستوطنوه مشرقاً ومغرباً(2/306)
هذا وإن كنتم على سفريه ... قتيموا منه صعيداً طيباً
ولبعضهم
حمامنا من ضيقتها تشتكي ... كأنها صدر وقد أحرجوه
فهي لظى نزاعة للشوي ... وماؤها كالمهل يشوي الوجوه
وللآخر
خذ من الخبر الذي لا ... ح الذي منه تشاء
ثم لا تنظر إلى ما ... سيقول السفهاء
وفي اقتباس الحديث شيء كثير منه قول ابن عباد حيث قال
قال لي إن رقيبي ... سئ الخلق فداره
قلت دعني وجهك الجنة ... حفت بالمكاره
وهو اقتباس من حديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وفي الاقتباس قرآناً وحديثاً شيء كثير فلا حاجة لذكر ذلك وأما الذي يتغير بيسير في اللفظ فقد جاء في كثير من كلام البلغاء منه قول بعضهم قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا وفي القرآن إنا لله وإنا إليه راجعون فتعبيره ظاهر ولا بأس به والصواب عندي التحرز عن التغيير خصوصاً في الآيات القرآنية انتهى ولصاحب الترجمة عاقداً الحديث
حصل العلم فمن حصله ... نال غزا والغنى مع دين
رغب المختار فيه قائلاً ... اطلبوا العلم ولو بالصين
أقول والعقد هو غير الاقتباس وهو أن يأخذ المنثور من قرآن أو حديث أو حكمة أو غير ذلك بجملة لفظه أو بمعظمه فيزيد الناظم فيه أو بنقص ليدخل في وزن الشعر وحينئذ لا يكون على طريقة الاقتباس ومنه قول بعضهم
أنلني بالذي استقرضت خطاً ... وأشهد معشراً قد شاهدوه
فإن الله خلاق البرايا ... عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول إذا تداينتم بدين ... إلى أجل مسمى فاكتبوه
وللقيرواني
قال لنا جند ملاحاته ... لما بدا ما قالت النمل
قوموا أدخلوا مسكنكم قبل أن ... تحطمكم أعينه النحل
ولأبي العتاهية
ما بال من أوله نطفة ... وجيفة آخره يفخر(2/307)
عقد فيه قول علي رضي الله عنه ما لابن آدم والفخر وانما أوله نطفة وآخره جيفة وهو كثير فلا اطالة في التسطير ولصاحب الترجمة
أطل صمتاً ولا تعجلبافتاء تفز فادريفكل العقل في صمت
ونصل العلم لا أدري وله راثياً العلامة المولى السيد الشريف يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب ونقيبها بقوله
في جنة الفردوس حقاً أنزلا ... يوسف مفتي حلب مفضلا
طوبى له طاب بها خلوده ... لا يبتغي عنها دواماً حولا
وحل في روضات جنات علت ... نال بها كل مراد أملا
يشرب من أنهارها حيث أشتهي ... ماء وخمر البنا وعسلا
فيهن خيرات حسان قاصرا ... ت الطرف أتراب تحلت بالحلا
وحوله الغلمان والولدان ... كاللؤلؤ مكنوناً ومنثوراً حلا
قال برؤيا الوحي قولاً صادقاً ... أعطيت من غير حساب أملا
وفزت بالرضوان والغفران لي ... فالحمد لله على ما خولا
وانما نلت لذا بالذكر مع ... ختم حديث الأنبيا خير الملا
يا قوم قوموا قانتين للعلي ... جنح الدياجي ترتقوا أوج العلا
وبشروا صحبي وقولوا يوسف ... من بعد ذاك الخوف أمنا بدلا
وهو بأعلى منزل تاريخه ... في الجنة الفردوس حقاً أنزلا
وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب سنة اثنين وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن السمهودي
عبد الرحمن بن علي المدني الشهير بالسمهودي الشيخ الفاضل العالم الكامل السيد الشريف الأوحد المفنن البارع زين الدين ولد بالمدينة سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن أخيه السيد عمر وغيره كالجمال عبد الله بن سالم البصري تولى افتاء بالمدينة مدة وكان أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي لطيفاً حسن السيرة صافي السريرة لم تعهد عليه زلة في فتواه يعلوه نور العلم وهيبة التقوى اماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وكانت وفاته بالمدينة سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع وسيأتي ذكر ولده السيد علي رحمهم الله تعالى.
عبد الرحمن السفرجلاني
عبد الرحمن بن عمر بن إبراهيم المعروف بالسفرجلاني كأسلافه الشافعي(2/308)
الدمشقي جدي والد والدتي صدر دمشق ورئيس علمائها كان من العلماء المحتشمين فقيهاً فاضلاً وقوراً كاملاً عاقلاً طاهراً ورعاً حائزاً للخصال الحميدة وأعطاه الله السعة الزائدة والثروة التامة مع العلم والفضل الغض ولد بدمشق وبها نشأ وتقدم ذكر والده في ترجمة قريبه إبراهيم السفرجلاني وقرأ على الأشياخ والأفاضل ولازمهم كالشيخ محمد الكاملي والسيد عبد الباقي المغيزلي والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الحبال وبلغ من الجاه والعز والشأن والرفعة والسؤدد والاشتهار ما يعجز اللسان عن بيان ايضاحه وعلا صيته وذكره وملأ الشام فضله وجدواه وكان مقبول الشفاعة محترماً يكرم من نحاه ورجاه معظماً للعلماء مكرماً لهم له مبرات كثيرة وخيرات غزيرة تلوى عليه أولو الحوائج فيقضي مآربها ويمنح أولي الآمال مقاصدها وتصدر بدمشق مرجعاً في الأمور صدراً للصدور وكان يلازمه جماعة من العلماء كل منهم يأوي إليه وهو مهم بما يلزم له من سائر لوازمه كالشيخ عبد السلام الكاملي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ عبد الله البصروي والشيخ حسن المصري والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد العجلوني وغيرهم وكان هو بحاثاً في العلوم لا يشتغل الا بذكرها رافضاً حوادث الدنيا دأبه مذاكرة العلم والمطالعة ومجالسه مشحونة بالمذاكرة العلمية والمسائل الأدبية وأعطاه الله القبول والاجلال ونال ثروة كثيرة ومالاً عظيماً ولما توفي كانت والدتي طفلة ابنة ثلاث سنين ولم يعقب غيرها فضبطوا مخلفاته وتركته اخوته وكان شيئاً كثيراً ولم يحصل لوالدتي من ذلك الا شيء نزر لا يذكر وجميع ما خلفه تقاسموه وأخذوه وهذه عادة الأقارب وكان المترجم ذهب مرة إلى الروم وإلى مصر وأخذ بها عن شيوخها أيضاً وحج إلى بيت الله الحرام وأعطى تولية وتدريس المدرسة الجقمقية والمدرسة الجوزية وكان معيد درسه العلامة الشيخ عبد الله البصروي الدمشقي وكان يقرئ في دارهم المعروفة بهم البيضاوي وغيره وألف حاشية علي البيضاوي وشرحا على حزب البحر وكان له تحريرات وأعطى تدريس السليمية بصالحية دمشق وكذلك أعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي والمدرسين وبالجملة فقد كان خاتمة الأعيان الأجواد العلماء الذين أنجبتهم الأيام وفضله وعلمه لأنكر فيهما ولم يزل على حالته معظماً محترماً إلى أن مات وكانت وفاته يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادي الأولى سنة خمسين ومائة وألف عن نيف وستين سنة ودفن بترابة الباب الصغير وكانت جنازته حافلة لم يعهد مثلها رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الغزي
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن زين العابدين ابن شيخ الاسلام البدر(2/309)
الغزي العامري الدمشقي الشافعي العالم الفاضل الأديب المفنن السيد الشريف أبو الوفا وجيه الدين وتقدم ذكر جده قريباً ولد في تاسع جمادي الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ونشأ في حجر والده وجده لأمه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليهما في فنون عديدة وأجاز له اجازات عديدة نظماً ونثراً وأخذ عن جماعة من علماء دمشق كالشمس محمد بن علي الكاملي والمنلا الياس ابن إبراهيم الكوراني وأبو التقي عبد القادر بن عمر التغلبي وعبد الرحمن بن حمزة الحسيني ونبل قدره واشتهر بالفضل والزكاء المفرط وعادت عليه بركات أنفاس جده الاستاذ المقدم ذكره فنظم ونثر وظهر فضله بين الأفاضل واشتهر فمن شعره قوله
بديع حسن كبدر التم منظره ... والغصن يحسده إن ماس أو خطرا
من رامه صار في البلوى على خطر ... لأنه حاز قدراً في البها خطرا
وقوله
الصفح من شيم الكرام فإن تجد ... من ليس يعفو عن مسئ إن جنى
فهو الدليل على خساسة أصله ... فاصفح عن الجاني لتغد ومحسنا
وكانت وفاته مطعوناً شهيداً يوم عيد الأضحى سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح
عبد الرحمن البهلول
عبد الرحمن بن محمد بن علي الشهير بالبهلول النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الأديب الشاعر اللغوي البارع اللوذعي النبيل النبيه الفائق بتواريخه وآدابه على أقرانه كان من الأدباء المشاهير يتعانى النظم وله فيه اليد الطولى خصوصاً فن التاريخ فإنه انفرد به في وقته مع معرفته بالعلوم خصوصاً باللغة والشعر والتاريخ والأدب قراء واشتغل على جماعة من شيوخ دمشق الأجلاء وقرأ وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وامتدحه بقصيدة وكان بالتاريخ أوحد وقته لكنه ممن رماه دهره بمصائبه حتى أخبرني بعض الأصحاب إنه حج لبيت الله الحرام ماشياً على قدميه ذهاباً وإياباً مستخدماً عند بعض الجمالين ولم يوجد له أحد يركبه أو يسعفه بشيء وهو لم يجد شيأً معه ليكتفي به عن غيره وكان يتردد إلى والدي والوالد كان يكرمه وبوده وله فيه المدائح الحسنة وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أحد شعراء دمشق وروضها الأريج النشق نشأ في الطلب فأدرك منه شمه وبيض في افتائه عارضاً ولو هو ينسج في المنوال ويحوك ويفحص بمقالته على يوم(2/310)
ضحوك فلم تعن عليه الأيام ولم نزده على ما به منها غير الهيام فقنع بالعيش الكفاف وتقنع بفضل العفاف وجعل الأدب له دأباً فأدركته حرفته وأكثرت من تأفف المتضجر شفته واخترع من بديعه ما شيد بيته ولم يشنه من قادح لوه وليته فحاز الرتبة فيه وأجاد برصفه وتقفيه فكم له من غادة مقصوره على الاجادة والاستحسان مقصورة توشحت بكل تاريخ كعقد الجمان جدير بأن ينشد في حقه حلف الزمان تؤسي به جراح البطالة ويزري باد مع المزن الهطالة وسأقيم لك أقوم برهان وأثبته بما هو صيقل الفكر وأرهاف الأذهان فمن مطولاته المتقلدة بالتواريخ العجيبة التي دعا اليها القوافي فتبادرت اليها مجيبه قصيدته التي مدح بها صاحب الفيض القدسي العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي وصدرها بنثر وهو قوله متع الله الوجود بجناب جمال درة اكليل تاج المحققين وواسطة عقد المدققين وبهجة غرة عتيدة الواثقين من سما إلى سماء أسرار حقيقة حق اليقين انسان عين دوح البلاغة ومقليد البراعة من تتحلى بحسن وصفه الطروس وتحت شوقاً إلى طيب ذكراه البراعة من حل ذرى المجد وهو في بحبوحة الآداب وأوتي الحكمة وفصل الخطاب شمس أفضال ترقرقت من سماء المعارف وكعبة اجلال أشرقت بسناء العوارف
من لي بكوكب عرفان وبدر وفا ... بسعده شرفاً قد جاوز الشرفا
أكرم به من حبر على لطف شيمه انعقدت الخناصر وأذعنت لجلال قدره الأنام وأذعنت بأن هذا الشهاب الأوحد قد بزغ من أطيب العناصر فلا غرو أن يملك بيديه أزمة الفضائل والمفاخر فقد ساد بسؤدده الأوائل والأواخر كيف لا وهو منهج الأحكام الدينية ومورد العلوم اللدنية فتراه حيث أخذ يرتع في رياض أنسه وآدابه ويجلو عرائس أبكار أفكاره على أحبابه وطلابه أن يقل نثراً يخلب الأسماع بما يفحم به اليلمع العروف أو يقرض شعراً يسحر العقول بما يذعن لبلاغته كل معمع يهفوف إلى حسن محاضرة تأخذ بمجامع القلوب وطيب مطارحة تفصح عن كل مأمول ومطلوب نشر أردية علوم الحقيقة بعد طيها فدانت لأفانين علومه بلغاء العجم وفصحاء العرب باحياء كتب الامام الأكبر بحل طيها ولقد شرح الصدور وزحزح الكدور بشرح بديع خلعة سنية وضعها على منن الفصوص فيالها حلة غراء كللت بجواهر الأدلة القطعية والنصوص إن هو الأوحى بوحي منزل من فلك بوحي(2/311)
لله در همام جهبذ وطئت ... أقدامه سؤدداً هام السموات
حباه مولاه ما شاءت مكانته ... وبالفتوحات قد حاز الفتوحات
ولما لزم باب الافتقار والعبودية لمولاه الغنى نال بذلك الافتخار والمقام الأقدس السني سيدي ومولاي المشار إليه من جعل الله مقاليد الكمال والسيادة طوع يديه وبعد فقد تجاوز القاصر حده وتعداه بالهجوم على جناب ذي الفخر والجاه ولكن توقع الصفح الجميل حملتي على مدح هذا السيد الجليل بسجعات معتله ولفظات مختله وقصيدة هي وإن كانت عن منظومات فحول البلغاء بمعزل لكنها بمحاسن أوصافكم تفضل ذكرى حبيب ومنزل طابت بكم القريحة السليمة بابراز هذه الدرة اليتيمة فجاءت بحمد الله منقحة مهذبة عرباً تتباهى بكم وتفتخر عجباً وتسمو على كل ناظم شرقاً وغرباً فيا حسنها منظومة لم ينسج على منوالها ولم تسمح قريحة بمثالها قد افتر ثغر البلاغة عن حسن معانيها وانبش ماء الفصاحة بطلاوة مبانيها
أي أجل الأنام عزاً ومجداً ... وسناء اليك بكراً سنيه
من ذوات الخدور وافت تهنيك ... بعيد يا ذا الحلي القدسية
ضمنت كلها تواريخ إن قد ... نضدت من جواهر معدنيه
كل بيت منها بشير بتاريخين ... يا سامي الصفات الزكية
عد أبياتها ثمانون بيتاً ... كنجوم وتسعة درية
هاكها غادة ترف بها ... بنت فكر شامية عربية
فأغمرنها بذيل عفو وصفح ... من تجلي أخلاقك المرضية
قد افتتحت أوائل أبياتها بحروف أحاطت بها احاطة الوضح بكعب كعوب ومتى جمعت تلك الأحرف وركبت كلمات صارت بيتين كالفرقدين يترنم بهما كل طروب سيما وقد اشتمل كل بيت منهما على أربع تواريخ نضيرة كأنهن مصابيح منيرة وقد ختما باسمكم الشريف البهي البهج المنيف وهذان البيتان المشار اليهما فاسبل ثوب الستر عليهما وهما
أهديك مدحاً بليغاً يا سني غدا ... بحر الفتوحات باهي الفضل والمنن
ألفاظه كنجوم فهي تشرق ما ... بدا سنا بدرها أرخه عبد غني
فحروف البيت الأول من هذين البيتين ثمانية وأربعون حرفاً كل حرف مبدأ بيت غزل من القصيدة مما راق وطاب وتقر بسماعه أعين أولي الافهام(2/312)
والألباب والبيت لثاني أحد وأربعون حرفاً كل حرف على افتتاح بيت مدح بأوصافكم السنية بما هو أرق من مساجلة ذوي الآداب وأطيب نفحاً من عرف الرضاب وأعذب من ارتشافه للمعشوق المصاب وأشهى إلى النفوس من اعتناق الأحباب
مولاي دونك ألفاظاً بها سمحت ... قريحة من بقايا عرف عدنان
حوت بذائع من فن البديع وقد ... دقت معاني عن قس وسحبان
فاليكها عروساً أرق من نسمات السحر والسحر الحلال وألطف من صفاء الورد وصافي الزلال ليس مهرها الا الأعضاء وحسن القبول ولعمري إن هذا لهو غاية السؤل والمأمول ولم تكمل لها هذه الأوصاف الحسني الا بتضمنها مديحكم الأسنى وعذراً مولاي لقاصر عن درجة التمييز ونصراً لمن جعله أهل فنه أنكر من الحال والتمييز ولكن بعز جنابك غدوت أعرف من العلم وأشهر من نار على رأس علم ولا يعرف الفضل الا ذووه ولا يغتدي بلبانه الا بنوه وهذه هي القصيدة الميمونة الغرا المنتظمة في سلك قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً انتهى وهي قصيدة لم تسمح بها قريحة شاعر ولم تر مثلها مقلة ناظر احتوت على كل بيت بتاريخين ولولا خوف تحريف الكتاب لذكرتها برمتها لكن حذراً من تغير الأبيات بالألفاظ تتغير حساب الأعداد من التواريخ فيذهب رونقها والا فهي جديرة بأن تتوشح بها الأوراق وتنتظم بعقود فرائدها النظيمة العجيبة الاتساق ومن شعر المترجم قوله ممتدحاً ومهنياً والدي بقصيدة مطلعها
هذا حمى الا من باليمن ازدهى أنقا ... من شام اتقانه الباهي به أنقا
أركانه أحكمت للوافدين على ... وفق لسرور فأضحى نيراً طلقا
وكيف لا وجمال الأنس يشرق من ... أرجائه فهو مأوى فرحة ولقا
نقوشه تزدهي الرائي برونقها ... فتملأ الطرف حسن أذلها رمقا
من أصفر فاقع مع أحمر بهج ... وأبيض بصفاء قد غدا يققا
رقائق الحسن اتقاناً به جمعت ... مع ابتهاج يسر القلب والحدقا
لا زال دهراً منيراً مشرقاً بسنا ... مشكاة أهل المعالي سؤدد أو تقي
على شأن مرادي العلا شرفا ... من ساد شأواً رفيعاً جاوزاً لافقا
قد اغتذى بلبان المكرمات إلى ... أن فاق أقرانه حيث اغتدى أفقا
أكرم به ماجدا ماجد في أرب ... الا وأضحى به قضبانه حذقا(2/313)
له ضمير بفعل الخير متصل ... مثل الضمير بفعل ليس مفترقا
شعاره الحلم خلقاً والعفاف واو ... صاف الفضائل والآداب مذ خلقا
لا غرو فالأصل قد طابت عراقته ... يمناً وفي سلكه الفرع الزكي اتسقا
قد أشرقت شرقاً شمس النبوة من ... تجارة الطهر بل نشر الهدى عبقا
وله يمدح والدي أيضاً بقصيدة مهنيا حين عاد من الحج ومطلعها
بروق نحو الحمى لاحت مرائبها ... بروق أوقاتنا والبشر تاليها
وأصبحت جلق الفيحاء مشرقة ... مسرة والهنا قد عم أهليها
حيث الهواتف وافت بالبشائر في ... قدوم من قد سما عزا وتوجيها
أعني جناب كريم النسبتين تقي ... وسؤدداً وحلي رقت معانيها
على جاه من ازدانت بطلعته ... مناصب الفخر وازدادت تهانيها
خلاصة الشرف السامي بنسبته ... لحضرة المصطفى من ذا يضاهيها
وكيف لا ومقاليد السيادة عن ... أبائه الأمجدين الغر موعيها
واذكر نفائس آداب بنفحتها ... فيملأ القلب انسا حين يمليها
ومن يكن بلبان الفضل مغتذياً ... عنه الكمالات في التحقيق نرويها
دامت له دولة الأفراح باقية ... مع أهله الصيد لن يفنى تواليها
قد نال من فضل مولاه مآربه ... وعينه بالمنى قرت مآقيها
لا سيما حجة الاسلام حيث بها ... لله أخلص أعمالاً مؤديها
وأشرف الغاية القصوى زيارة من ... أنواره عمت الدنيا وأهليها
منها
يا لواحداً فضله الأسنى وسؤدده ... مقرر مع مزايا ليس تحصيها
أولاك مولاك ما تختاره أبدا ... من رتبة لم ترم يوماً مراقيها
اليك عذراء من زهر الرياض غدت ... أرق وصفاً وأزكى من غواليها
طالت مسافتها وعدا لذاك أتت ... تجر ذيل حياء في تهاديها
وافت مهنية أعلى جنابك بل ... فيك ابتهاجاً وأفراحاً نهنيها
بنيل حجة اسلام لك أكتبت ... مبرورة بالتقي طابت مساعيها
فاحفل بها غب أغضاء وجد كرماً ... بالصفح والحلم عن تأخير منشيها
إن لم يكن غير تجديد الهناء بها ... إلى علاك فهذا القدر يكفيها
وله ممتدحاً أحد صدور الأعيان السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين عوده من الديار الرومية(2/314)
النصر زاه باتحاف السعود على ... جناب بهجة فتح الله أهل علا
سامي الذرى صدر أرباب الرياسة من ... دانت لهيبته أهل الولا كملا
أسعديه من همام ساد منزلة ... علياء عنها السهى أفديه قد نزلا
أهلاً بها وليالي الأنس مشرقة ... بشراً بسعد محياه البديع حلا
لقد تحلى باكليل الفضائل بل ... ومن جمال الكمالات اكتسى حللا
ما مد في منتدى الآداب راحته ... الا وفضل من توقيعها جملا
والسحب تروى الندى من سحب انمله ... الاثرى الفضل يهمي من يديه الا
من لي بذي همة لو صادفت جبلاً ... يوماً إذا لا زالت ذلك الجبلا
أكرم بأوحد لم يسمح بمثل جنا ... به الزمان فصف وأضرب به المثلا
شهم تسنم مرقاه السيادة عن ... مجد أثيل بسعد جاوز الحملا
قد اغتذى بلبان المكرمات ومن ... ضرع النجابة بالفضل ارتوى عللا
لا زال كهفاً حصيناً في دمشق لأه ... ليها قميناً بأن يعطوا به الأملا
عنت لدولته العلياء حيث له ... رعوا ليولوه اتحافاً وقد حصلا
لحضرة القرب أدنوه فعاد إلى ... حماه مستبشراً بالعز مشتملا
حدث عن البحر إذ أمواجه التطمت ... يفيض جود غدا عذباً لمن نهلا
طوبى لمن بالوفا وافاه عن ثقة ... فيه بساحل أمن منه قد نزلا
منها
يا أيها السيد المفضال شاؤك لن ... ينال إذ أنت في الأمجاد شمس علا
أعزك الله من مولى بطلعته ... وجه المعالي ازدهى وازدان واكتملا
أنت المظفر والمنصور دمت ... مؤيداً ومأمون آراء رشيد ولا
ودمت تسحب أذيال المسرة في ... روض التهاني بنعماء نمت خولا
وللمترجم قوله
الا يا أجل الخلق مرحمة ويا ... أتم الورى حسناً وأعظمهم صله
ويا من عليه الحق بالحق أنزل ... الكتاب ومن فيض الكمالات أنهله
ويا من تلوذ الكائنات بجاهه ... لكشف ملمات وايضاح مشكله
اليك نصصت الأمر إذ أنت لأمراً ... جدير بتيسير الأمور المسهله
أقلني مما فيه أمسيت واهناً ... ونفسي بقيد الكرب أمست مكبله
وعجل بكشف الضر عمن بك النجا ... لأن الضنا قد هاض ظهري وأثقله
فانك عند الجود يا خير مرسل ... لأسرع من ريح الصبا وهي مرسله(2/315)
عليك أفاض الله أسنى تحية ... وأزكى صلاة بالسلام مكمله
وآلك والأصحاب ما رام قاصد ... حماك لأمر ما فحققت مأمله
وله مشطراً أبيات المنازي بقوله
وقانا لفحة الرمضاء واد ... بنيرب جلق دار النعيم
به كم ضمنا مصطاف أنس ... سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... ونحن لديه في ظل كريم
لنا ابتسمت رباه وقد حبانا ... حنو المرضعات على الفطيم
يصد الشمس إني واجهتنا ... فلم نرها كاصحاب الرقيم
تحف مع الصبا فينا صباحاً ... فيحجبها ويأذن للنسيم
وأرشفنا على ظمأ زلالا ... يشف سناه عن برء السقيم
مذاقته زكت نهلاً وعلا ... ألذ من المدامة للنديم
يروع حصاه حالية العذارى ... إذا رمقت إليه بطرف ريم
توهم فيه در الجيد نثراً ... فتلمس جانب العقد النظيم
وله مخمساً
يا ويح قلب بنار الشوق متقد ... لم يبق فيه الهوى العذري من جلد
وغادة تزدري الأغصان في اليد ... هيفاء لو وطئت في جفن ذي رمد
كسقط طل على الزهر الرياض هما
مهاة لحظ لأنواع اليها جمعت ... باللطف والظرف بين الغيد قد برعت
شمس الجمال ببرج الحسن قد لمعت ... هي الغزالة لو في القلب قد طلعت
لما استحس لها من وطئها الما
لمياء دقت خصالاً من لطافتها ... أواه لو رمقت نحوي برأفتها
ندى المحاسن يهمي من ترأفتها ... خفيفة الروح لو شاءت بخفتها
تقفو النسيم لعافت نحوه شيما
فضية اللون ما أبهى وأظرفها ... شفاهها اللعس ما أحلى مراشفها
أعيت محاسنها الغراء وأصفها ... رخيمة الدل لو ألوت معاطفها
رقصاً على الماء ما ندى لها قدما
وله مخمساً أيضاً
أفعال ربك في الدنيا محيرة ... عن كل اعجوبة في الكون مسفرة
فلا نسؤك أوقات مكدرة ... ففي مطاولة الأيام تبصرة(2/316)
فيها البلاغ لمن يصغي فيعتبر
سر المشيئة في الأكوان محتكم ... يجر على طبق ما في العلم مرتقم
لا يدر ما الأمر لا لوح ولا قلم ... ولاحق في كل مقضي له حكم
وفي مطايا الليالي للورى عبر
وله
ظنوا العذار بخد ميمون الحلي ... نبتاً على وجناته قد بانا
لكن عنبر خاله مذفت في ... جمر الخدود بها آثار دخانا
ومن ذلك قول الشيخ محمد الشمعة
كأنما شعرات الخال حين بدت ... من فوق وجنة من للشمس قد كسفا
دخان قطعة ند فوق جمر غضا ... وثغره العذب للملسوع فيه شفا
وقول الأديب محمد بن عمر العرضي الحلبي
على وجناته خال عليه ... تبدت شعرة زادته لطفا
كقطعة عنبر من فوق نار ... بدا منها دخان طاب عرفا
ومن ذلك قول المولى فضل الله العمادي الدمشقي من أبيات
كأنما شعرة في خال وجنته ... دخان قطعة ند تحتها نار
ومثله للسيد أبي بكر ابن النقيب الحلبي
في خده القاني المضرج شامة ... قد زيد بالشعرات باهر شأنها
كلهيب جمر تحت قطعة عنبر ... قد أوقدت فبدا زكي دخانها
ولأبن سيناء الملك فيما يشبه هذا التشبيه وإن لم يكن منه وهو قوله
سمراء قد أزرت بكل أسمر ... بلونها ولينها وقدها
أنفاسها دخان ند خالها ... وريقها من ماء ورد خدها
ومما رأيته في هذا المعنى قول ابن الشواء
قالوا حبيبك قد تضوع نشره ... حتى غدا منه الفضاء معطرا
فأجبتهم والخال يعلو خده ... أوما ترون النار تحرق عنبرا
وللمترجم
وفي الناس ذو وجهين بل لوجه وذو ... لسانين بالتحريش بل ألسن ألف
وعذراً فقد جبت البلاد لكي أرى ... صديقاً صدوقاً في الوفاء فلم ألف
وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.(2/317)
عبد الرحمن ابن شاشة
عبد الرحمن بن محمد الذهبي المعروف بابن شاشه الدمشقي نزيل الحرمين الشيخ الفاضل الكامل ترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه أديب تردي من الكمال البرد المفوف وجاب البلاد لاقتناء مخبآته وطوف فلم شعثه المنبث ووصل سببه المجتث وأراد أن يرشف من بحره فكرع وافترع من عون شوارده ما افترع وتنقل من وطن إلى وطن إلى أن تجاوز صنعا وعدن الا أنه ما استقر حتى أذعن إلى الأوبة بالانقياد واستقر فأم أم القرى وقال عند الصباح يحمد القوم السري فمكث مدة طويله وهو يكثر على تربة مولده نحيبه وعويله فأعمل الرواحل وطوى المراحل فأدرك المأمول وحط ثقل الحمول وقد رأيت له مجموعة تنبئ عن حيثيته عارض بها الأمين في نفحته وأراد أن ينهض فكبا وأتعب كاهلاً ومنكباً وأعانه ولا أقول أشابة بل عصابه وقدموه على أمر سد دونه باب الاصابة فحاول ما أراد أن يحاول وأين الثريا من يد المتناول فما كل رام مصيب ولا كل روض خصيب وشتان بين حلة مطرزة واخرى مرقعة مخرزة وبالجملة فله اطلاع ملأ منه الجوانح والأضلاع وله نظم أطلعت منه في مجموعته على القليل كالروض المطير البليل وهاك منه ما يساغ وما هو كالذهب المصاغ انتهى ما قاله ومن شعره ما كتبه للأديب عبد الحي الخال الدمشقي من مكة المشرفة بقوله من قصيدة مطلعها
الا مبلغ عني الأحبة من نجد ... بأني على ما يعهدون من العهد
أبيت لفقدي من أحب متيما ... يزيد بي الأعراض وداً على ود
أنهنه دمعاً من عيون أظنها ... مذاب عصى القلب يجري على خدي
أسائر نجم الليل سهداً كأنني ... واياه ذا فقد تقابل بالبعد
كأن الدجى بحر من الفكر دائماً ... أغوص به فالدر من موجه أبدي
كان الفلا أفق مواقيد نارها ... شموس أنارها من سماها على الوفد
كان مديد الأرض والركب فوقه ... سفين بلا جزر تسير ولا مد
كان المطايا فوق أظهرها لها ... قباب من الآمال شوقاً بها تفدي
كان الزمام الشوق منها لها غدا ... يقود فلا تدري الحداة بما تحدي
كان شدا الغلمان عند انقيادها ... لها صوت من تهوي يقول لها عندي
كان انثنا أيدي المطي ورفعها ... قدوداً لغواني الراقصات من الوجد(2/318)
كان حصى البيداء أحشاء مغرم ... فلم تستطع وطئاً عليها من الوقد
كان هلال الأفق قابل حاجباً ... لطاعن سن قد أباد على العهد
كان ابن سبع والثمانون جبن من ... أناب اقتطاف الخد منه على الورد
كان الدجى والبدر لو أنه بدا ... محيا كحيل الطرف في حالك البرد
كان اغبرار الأفق ألفاظ كاشح ... تغير منه ناصع الجيد والخد
كان انسياب الزهر من حوله غدت ... فرائد در قد تناثر من عقد
كان ائتلاف الفرقدين محاكياً ... تلازم من أهواه عني إلى الصد
كان بنى نعش أما نبي التي ... تنازعها أيدي التبدد والرد
كان سنا المريخ وجنة صادق ... يخيل إني لاح في أعين الرمد
كان سهيلاً قلب وغد لقد أتى ... يبشرني بالسير ليلاً معي وحدي
كان السها مرآة في حندس الدجى ... تلوح ولا تبد ولكاذبة الوعد
كان الثريا شكل سعد لطالع ... لذلك غابت عندما هم بالقصد
كأني والشعراء في يوم فرقة ... لسابق علم ليس يدرك بالحد
كأني أرى الجوزاء شمل حواسدي ... وخادمها سعد السعود كما العبد
كأني وايم الله كالنسر واقع ... بطود امتناع من محمد أو عبدي
كطائر من أهوى باشراك خيلهم ... يرفرف بالمنتوف ريشاً وبالرعد
فواعجباً مني أباع بدرهم ... وعندي من الآداب ما ناف عن نقدي
ويجهل مني العذر من شأنه غدا ... يرتب أرباب الفضائل بالعد
أخو الفضل والتأليف والود والوفا ... وجامع شمل المجد سيدنا عبدي
سليل على ذي الأيادي ومن له ... رفيع فخار قد تسلسل عن جد
وذو ثروة منهم بدا خير فاضل ... يقوم مقام الجيش فضلاً عن الجند
له قلم إن جال في طرس حلبة ... من النظم قلت الجمع في صورة الفرد
له قلم إن جال في طرس حلبة ... من النظم قلت الجمع في صورة الفرد
وإن خال في سبك المعاني خياله ... هو الخال لا خال يخال بلا خد
حكى لفظه الدر النضيد صناعة ... ولطف طباع منه صافية الورد
تخيرته من بين قومي وإن أكن ... لقصدي منه لست أظفر بالقصد
ولكنما فرط المحبة ملجأ ... مكاتبتي والضد يعرف بالضد
وكتب أيضاً إلى الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي قصيدة يمدحه بها ومطلعها(2/319)
أبدا لذاتك دائماً أتشوق ... فعلام برق لقاك لا يتألق
وإلى م لا تدني بعيداً ماله ... بسوى حبال الود منك تعلق
علقت بحبك منه روح قبل أن ... يبدو لها في ذا الوجود تخلق
وصبت لمعناك البديع فلم تزل ... بجميل ذكرك في العوالم تنطق
عجباً لها والطرف منها معرف ... عن حسنها وإلى جمالك ترمق
هل أفهمت سر المحبة أم لها ... علم بأن سواك من لا يعشق
أو أودعت معنى تمكن في الحشا ... فلها به بعد الخفاء تحقق
إذ ذاك تطرب إن شدت ورق الربا ... شوقاً لما تبدى جوى وتصفق
أم لاشتياق موهم منك اللقا ... أذلات حين الوعد منك يصدق
يا أيها الفتان لا ذقت الهوى ... ثوب افتتاني فيك لا يتمزق
أترع كؤوس الهجر صرفاً واسقني ... كأساً فكأساً انني لا أفرق
حمل فؤادي من متاعبك التي ... ما لا تطيق لحملهن الأينق
وأفتك بلحظك في جوانحي التي ... بسوى التهتك فيه لا تنخلق
واطعن بلدن قوامك الرطب الذي ... بسوى اجتناء دم الورى لا يورق
ما شئت ممن ليس يعرف ما الهوى ... الا بحبك لا كمن يتعشق
اني الصبور على مكايدة الهوى ... وعزيز دمعي فيه لا يترقرق
اني امرؤ ممن يقال بشأنه ... بين الوصال وصده لا يفرق
هذي وحقك حالتي إن شئت جد ... أولا فواصل انني بك موثق
مثل اعتمادي في معادي بالذي ... بولائه دون الورى أنا موثق
الكامل الحبر الالهي الذي ... بسواه نهج الحق لا يتحقق
صور الكمال به غدت مجلوة ... وعليه إن حققتها تتعبق
المستضئ بنوره في طمسه ... من لم يظن الفرق فيه يخلق
تجري جداول فيضه في طرسه ... إن راح للمعنى البديع ينمق
أورام أن يبدي الكمال بصورة ... الامكان يبدو الابتداع المطلق
لا يستحيل عليه شيء منحة ... فالأمر فيه ظاهر ومحقق
وإليه يرجع كل معنى إن بدا ... بتخالف في المشربين يوفق
سعياً عفاة الهدى نوراً قبل أن ... بكؤوس أفراح الندامة تشرقوا
واستقبسوا من نور حضرة قدسه ... قلباً به دين الجهالة يحرق
واستنطقوا من رمز عقد كلامه ... سراً لولا من قبل أن لا تنطقوا(2/320)
واستغنموا أوقاته فهي التي ... لذرى المعارف سلم فيه ارتقوا
واستنبؤا عنه المعالي إن بدت ... بفرائد من نظمه تتمنطق
هذي هي الحور الحسان تبرجت ... يقتادها حب له وتشوق
منه به ظهرت له إن شئتموا ... قولوا بوحدة ذاته أو فرقوا
تالله ما روض الأماني أصبحت ... أغصانه بثمارها تتقرطق
والزهر قد نشر الربيع به ردا ... عرف المنى من نوره يتنشق
والطل يرشح من جنى وروده ... ورقيق كأس شقيقه يتشقق
والنرجس الغض المشير بطرفه ... ما آن بالأرواح أن تتصدقوا
هذا زمان اللهو قبل أوانه ... لا تغفلوا عنه ولا تتعوقوا
إن البنفسج ليس يترك ما بنا ... من حمقه فهو العدو الأزرق
والماء يغضب غيرة فيمر في ... أطراف شقة زهره ويشقق
والورق تعرب في تفنن لحنها ... بترنم طوراً وطوراً تصعق
مع فتية شربوا كؤوس صبابة ... مملوءة من قبل أن لا يخلقوا
من كل مفتون لعشقة شادن ... يسقيك راح العشق منه المنطق
دووجنة صقلت حيا فكأنها ... كأس بخمرة ريقه تتدفق
ذو صورة تكفيك منها نظرة ... عن أن ترى وجهاً سواه يعشق
تندي خدود الروض من حجل ومن ... حمق شقائقه جوى تتشقق
أنى تبدي في حنادس فرعه ... بدر له الأقمار طوعاً تطرق
وبحار كل في محاسن وصفه ... معنى له قلب البلاغة يخفق
عنه بأحسن من سماع حديث من ... برحابه سوق الفضائل ينفق
مولى الوجود ومن به وبذاته ... وبوصفه ظهر الكمال المطلق
وله
وجاهل يقدح في ... عرضي وليس يفهم
بأن ذمي مدحة ... لكونه لا يعلم
وهو قول العلامة النجم الغزي
يا أيها الحاسد لو تفهم ... إنك تطريني ولا تعلم
تذكر وصفي وترى أنه ... ذم ومنه مدحتي تفهم
ولأبن الوردي
سبحان من سخر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا(2/321)
لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشهرة والأجرا
ومثله لأبي حيان
عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتست المعاليا
وقريب منه قول المتنبي
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
ومدح الحسد ورد في كلام الشعراء كثيراً منه قول بعضهم
فلا خلاك الله من حاسد ... فإن خير الناس من يحسد
وقول الآخر
ولكن على الآلاء كثر حواسدي ... ولا خير في نعمي قليل حسودها
وللمترجم قوله
إن احتجاب جماله متعذر ... إذ عم كل الكون نور سنائه
لكن تواري غيرة أن لا يرى ... من لم يذق للعشق من قتلائه
هو من قول الفاضل إبراهيم بن عبد الرحمن السؤالاتي
في أزرق الملبوس مر معذبي ... متمائلاً كالغصن في خيلائه
ورقي دخان التبغ غشى وجهه ... من فيه مثل الغيم يوم شتائه
وكأنه لما بدا من شرقه ... بدر تبدي في أديم سمائه
ستر الجمال عن العيون مخافة ... أن لا تكون الناس من قتلائه
وللمترجم
وجائر الحكم أمسى ... يقول والقلب حائر
قصدي أهاجر صفني ... فقلت يا حب هاجر
هو من قول القطب الرباني عبد الغني النابلسي
وأهيف القد وافى ... يقول والشوق وافر
قصدي أسافر صفني ... فقلت يا بدر سافر
ومن شعر المترجم في العذار قوله
حاش لله ليس ذاك عذارا ... انما الوهم قد أراك اعتذارا
بل معاني تلقى لنا كسطور ... قد أبانت عن الهوى أسرارا
أشباكاً صنع الآله براها ... كي تصيد العقول والأفكارا
أو خيالاً سرى برائق خد ... أوهمته خمر اللمى أسكارا(2/322)
أو صحافاً من اللجين توشت ... آي حسن لذي الغرام عذارا
ومثله قول الأديب الماهر الأمير منجك الدمشقي
لقد كتبت يد الرحمن سطراً ... بصدغك ظنه الواشي عذارا
ومن شعر المترجم في النحول قوله
ولو أنني ألقيت في رأس شعرة ... من الجفن لم تشعر بي العين من سقم
لذلك لو مازجت بالجسم نقطة ... من الخط ما امتازت عن الخط في الحجم
ولو رام فرض الجسم مني توهما ... أخو فكرة أعياه ذلك بالوهم
وللشعراء في النحول مبالغات منها قول ابن العميد
لو أن ما أبقيت من جسمي قذا ... في العين لم يمنع من الأعضاء
وقول بعضهم
ولو أنني علقت في رجل نملة ... لسارت ولم تدري بأني تعلقت
ولو نمت في عين البعوض معارضاً ... لما علمت في أي زاوية بت
وقول الأديب سعيد السمان
بادرتني من النوى مدح ... أحرمتني لذائذ الأنس
وبراني ولا أقول ضني ... غير أني خفيت عن نفسي
فانظرن حالتي ترى عجباً ... خارجاً عن اطاقة الأنس
وللمترجم
وخصر خفي لا يكاد إذا مشى ... يلوح لموج قد علا رد فيه
كأن النجوم الزهر أود عن حبه ... وخافت بأن يبدو فدرن عليه
ومن ذلك قول الأديب محمد بن علي الحرفوشي
له خصر بألحاظ ... الورى ما زال منتطقاً
ومن ذلك قول المتنبي
وخصر تثبت الأحداق فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا
وقول السرى
أحاطت عيون العاشقين بخصره ... فهن له دون النطاق نطاق
وأصله لعلي بن يحيى من أبيات يغني بها وهي
وجه كان البدر ليلة تمه ... منه استعار النور والاشراقا
وأرى عليه حديقة أضحى لها ... حدقي وأحداق الأنام نطاقا
ونقله الشهاب الخفاجي إلى العذار مضمناً مصراع بيتي المتنبي وأجاد(2/323)
عذار خط في الوجنات خطا ... هوى كل الأنام به وفاقا
ترى الأبصار شاخصة إليه ... وماء الحسن في خديه راقا
تصورت العيون به فأمسى ... كأن عليه من حدق نطاقا
ولم أدر في أي سنة كانت وفاته غير أنه في سنة ألف ومائة وإحدى عشرة كان موجوداً رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الكفرسوسي
عبد الرحمن بن محمد بن حجازي الشافعي البقاعي ثم الكفر موسى ثم الدمشقي العلامة العالم الفاضل الفقيه المحقق المتقن أصله من البقاع وقدم والده قرية كفرسوسياً ثم صار اماماً بجامع منجك الكائن في ميدان الحصى بدمشق وسكن المترجم مدرسة الجد العارف الاستاذ الشيخ مراد المعروفة بالمرادية مدة أعوام مشتغلاً بالطلب ولازم القراءة فقرأ على العلامة الشيخ محمد الحبال وانتفع به وكذلك لازم العالم الورع الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق ومن مشايخه العالم الشيخ عبد القادر الحنبلي التغلبي وغيرهم وتنبل وتفوق ودرس بالجامع الأموي وكان قاطناً في دار بمدرسة الصادرية الضيق الجامع المزبور من باب البريد وارتحل إلى اسلامبول واستقام هناك مدة وآخراً صارت له افتاء الشافعية بدمشق ولما توفي الفقيه العالم المحدث الشيخ أحمد المنيني الدمشقي وانحل بوفاته تدريس قبة النسر بالجامع الأموي أراد المترجم أخذ التدريس وعالج كثيراً فلم يفد ووجه بمساعدة والي دمشق الوزير الشهير عبد الله باشا المعروف بالشتجي إلى العلامة الفاضل الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وكان صاحب الترجمة لا يخلو من حماقة ودعوى ويتخاصم مع العلماء في المسائل وبالجملة ففضله لا ينكر وكانت وفاته في جمادي الثانية سنة تسع وسبعين ومائة وألف عن نحو سبعين سنة ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن البيري
عبد الرحمن بن محمد المعروف بالبيري البيروني الحلبي الأديب البارع كان دمث الأخلاق طيب الأعراق له أدبية غضة وسجية خضلة وأخوه الأديب الذي أنجبته الشهبا وتفوق فضلاً وأدبا مصطفى البيري ستأتي ترجمته في محلها وهذا خرج من حلب سنة أربعين ومائة وألف لضيق أحواله فلحق بالقارظين ولم يلق غير خفي حنين ولم يقف له أحد على مكان وكان له شعر بقي في مسوداته(2/324)
ولم يجمع فمما وصلني منه ما وجد بخطه وهو قوله
تبدي وبدر التم من خجل مغضي ... وماس كخوط البانة الرطب الغض
ودار بياقوت الحدود زمرد ... من النبت زاه لاح في المغرس الفضي
وخالسني من مقلتيه بنظرة ... فاحرم أجفاني بها لذة الغمض
وأنهك جسمي حبه ونفاره ... فغادرني لا أستطيع إلى النهض
وإن شام لحظ العين بأرق ثغره ... يجود بغيث الدمع من ذلك الومض
إذا ما رنا نحوي بجارح لحظه ... حسبت فؤادي نهب أجدل منقض
وكنا تقاضينا على دين قبلة ... فأرهنته قلبي الشجي ولم يقض
وما طلني في دينه وهو موسر ... وظلم ذوي الأيسار يمطل بالقرض
وقفت له عكس اسمه متذللاً ... وأفرشت في ممشاه خدي على الأرض
ولم أنس لما عاقرتني بكأسها ... بدالبين حتى كدت من سكرتي أقضي
مناشدتي اياه وقت وداعنا ... وصبب دمعي فوق خدي مرفض
أمثخن قلبي من ظبي لحظاته ... جراحاً أمضت بعضهن على بعض
حذارا على قلبي بحبك قد غدا ... جذاذاً وقد آلت مبانيه للنقض
وما أسفي أن ينعفي غير أنه ... كناسك وافعل ما تشا فهو المرضي
متى تجل عني ظلمة الصد والجفا ... بصبح وفاء من وصالك مبيض
أقول ما ألطف قوله وقفت له عكس اسمه فإن مراده بمعكوسه سائلاً لآن المحبوب الذي تغزل فيه اسمه الياس كما أخبرني بذلك بعض الأدباء الحلبيين ولم أتحقق وفاته رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الجقمقي
عبد الرحمن بن محمد المعروف بالجقمقي الدمشقي المجذوب الصالح المعتقد الولي المستغرق كأن له كرامات شهيرة منها التي تكرر وقوعها إن المريض الذي يدخل عليه يشفى والذي يمتنع من الدخول عليه يتحقق إنه إلى الموت أقرب ودخل مرة على قاضي البلدة وكان بعين واحدة فوضع يده على عينه الواحدة يشير إلى أن القاضي أعور فحمق منه وأمر بضربه على قدميه فضرب تسعة أسواط ثم تشفع له بعض أهل ذلك المجلس فعزل القاضي في اليوم التاسع ورجم وأهين حتى أشرف على الهلاك لولا تداركه اللطف ومن كراماته إن الشيخ إبراهيم السعدي الجباوي خرج عليه في بعض الأسفار بعض الأعراب(2/325)
قاصدين له وبه ايقاع الضرر فارأى الا والشيخ عبد الرحمن على أحد تلال هناك يقول له يا إبراهيم لا تخف وغاب عنه فلم يمكن الله تعالى أولئك الأشرار من أذيته وله غير ذلك من الكرامات رضي الله عنه وكانت وفاته في رمضان سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ولما مرت جنازته على الشيخ عبد الله المنكلاني اشتعل له القنديل وكذلك عند السيدة خولة أخت ضرار بن الأزور قدس الله سرهما وكذلك قنديل الشيخ أرسلان رضي الله عنهم أجمعين.
عبد الرحمن الكزبري
عبد الرحمن بن محمد بن زين الدين الشافعي الدمشقي الشهير بالكزبري الشيخ الامام الفاضل الفقيه النحرير الهمام الصالح العابد الناسك ولد بدمشق في حدود المائة والألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها فأخذ الفقه وعدة فنون عن خاله العلامة علي بن أحمد الكزبري وكان جل انتفاعه عليه وأخذ أيضاً عن القطب الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والمنلا الياس بن إبراهيم الكوراني والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي ولما قدم دمشق الشمس محمد ابن أحمد عقيلة المكي لازمه صاحب الترجمة وأخذ عنه جملة من طرائق التصوف وأجازه بجميع مروياته ونبل قدره واشتهر بالعلم والديانة ودرس بالجامع الشريف الأموي بعد وفاة خاله المقدم ذكره وانتفعت به الطلبة وكان مشتغلاً بخويصة نفسه يعلوه نور أهل العلم والحديث والصلاح لا يتردد إلى أحد من ذوي الجاهات وكانت وفاته بدمشق نهار الجمعة سابع عشر محرم افتتاح سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصلى عليه ولده العلامة المحيوي محمد ودفن بالباب الصغير.
عبد الرحمن المدني
عبد الرحمن بن محمد الغلام الشافعي المدني الشيخ الفاضل الكامل الأوحد البارع أبو محمد وجيه الدين ولد بالمدينة المنورة في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وأخذ الفقه عن الجمال يوسف الكردي والمنلا عبد الرحمن الجامي والشمس محمد الدقاق وأخذ الحديث ومصطلحه عن العلامة محدث المدينة محمد بن الطيب المغربي وغيرهم ودرس بالمسجد الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة وأقبلوا عليه وكان أحد الخطباء بالمسجد الشريف النبوي وأحد الأئمة به منور الوجه تعلوه السكينة والوقار تاركاً لما لا يعنيه مهتماً بما يوم القيمة ينجيه لا تمتد أطماعه إلى الزخارف الدنيوية ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي بالمدينة(2/326)
سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن المجلد
عبد الرحمن بن محيي الدين السليمي الحنفي المعروف بالمجلد الدمشقي الامام العالم العامل النحوي الخاشع الناسك المعمر ولد تقريباً بعد الثلاثين وألف واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة من علماء دمشق منهم المحقق الشيخ محمد الكردي والشيخ عبد الباقي الحنبلي والنجم الفرضي والشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ محمد البلباني وحضر دروس النجم الغزي وأجاز له جماعة من المحدثين والفقهاء منهم الشيخ محمد بن سليمان والشيخ يحيى الشاوي والشيخ محمد العناني وجلس للتدريس بالجامع الأموي بمحراب الصحابة ولزمه الناس لأخذ العلم عنه واشتهر بالنفس المبارك على طلبته فقل من لم يقرأ عليه من طلبة العلم لما كان عليه من سعة الصدر وحسن الخلق والصبر على تفهيم المتعلمين فأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وكان محافظاً على الطاعات وقراءة القرآن والأوراد والتهجد ومتعه الله بسمعه وبصره إلى أن مات وكان مصون اللسان عن الغيبة والشتم يحب الناس ويحبونه ومن نظمه قوله شعر
ويوم فيه قد صدقت وعود ... خلا عنه المعاند بل وعودي
فزهر الروض فيه ضاع نشراً ... كند إذ يفوح شذا وعود
وتغريد الحمام وصفق ماء ... غنينا فيه عن جنك وعود
ولم يختل فيه فقد خل ... كان الكل كانوا في وعود
وحادينا يغنينا ويشدو ... أو يقات الهنا دومي وعودي
وجودي للمشوق بكل أنس ... وداريه بلقياك وعودي
وقوله
بت أنا والحبيب في خلس ... فجاءنا البدر صحت من وجدي
فقلت يا سيدي أخوك بدا ... فقال لي لا تخف فذا عبدي
وقوله
حين حل المشيب في الفود مني ... أعرض الغانيات عني وصدوا
فكان المشيب نور ذكاء ... وكأن الجفون منهن رمد
وقوله
وصلت هدية مخلص ... عظمت خلائقه الجليله
فقبلتها ورأيت إن ... جزاءها الدنيا قليله(2/327)
وقوله
إن العبادلة الأخيار أربعة ... منائح العلم في الاسلام للناس
ابن الزبير وابن العاص وابن أبي ... حفص الخليفة والحبر ابن عباس
وقوله
وأذن للهادي من الصحب سبعة ... جمعتهم في ضمن بيت بهم سما
بلال ابن زيد عمر وسعد وأوسهم ... زياد وعبد للعزيز قد انتمى
وكانت وفاة المترجم في ليلة الجمعة الرابع والعشرين من جمادي الثانية سنة أربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
الشيخ عبد الرحمن العيدروس
عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ بن مصطفى بن زين العابدين بن عبد الله الشافعي الحسيني اليمني الشهير كأسلافه بالعيدروس الاستاذ العارف الكامل العالم العامل أحد الأولياء الراسخين والأصفياء العارفين العلامة الحبر المحقق النحرير صاحب الكرامات والمكاشفات مربي المريدين ومرشد السالكين قطب العارفين أبو الفضل وجيه الدين ولد باليمن سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وارتحل إلى مصر وتوطنها واستقبله أهلها ثم قدم دمشق لسنة اثنين وثمانين ومائة وألف ونزل بدار المولا حسين أفندي المرادي الكائنة بسويقة صاروجا فأكرمه وأحسن نزله هو وأخوه الوالد المرحوم وكانت أيامه بدمشق مواسم أفراح ولم يلبث بها الا قليلاً وعاد إلى مصر وثم في سنة احدى وتسعين ومائة وألف ارتحل للديار الرومية فدخل قسطنطينية وصار له هناك اعتبار واقبال ورتب له بعض العلائق بمصر وغيرها وعاد من طرف البحر فخرد من ساحل صيدا فاستقبله واليها الوزير أحمد باشا الجزار إذ ذاك وعاد لمصر وله تآليف لطيفة منها لمنظومة المسماة بالعرف العاطر في معرفة الخواطر وغيرها من الجواهر وشرحها وفتح الرحمن بشرح صلاة أبي الفتيان ورسالتين في الطريقة النقشبندية وديوان شعر سماه ترويح البال وتهييج البلبال وغير ذلك وكان من أفراد العالم علماً وعملاً وقالاً وجالاً ومن شعره قوله
طاب شربي لخمر تلك الكؤوس ... فأدرها لنا حياة النفوس
هاتها هاتها فقد راق وقتي ... بين دوح به السرور جليسي
هاتها فالزمان قد طاب حتى ... غطس القلب في الجمال النفيس(2/328)
واسقني يا حياة روحي وسري ... وامزجنها بريقك المأنوس
بين زهر الرياض في خير أنس ... هازم جيشه جيوش العبوس
خمر أنس وخمر صفو وقرب ... لا خمور الهوى وخمر الخسيس
خمرة قد شطحت مذ ذقت منها ... وبها قد كفيت كل العكوس
خمرة أطلقت قيود رسومي ... صار منها الفؤاد ذا تقديس
خمرة الاتحاد أكرم بخمر ... نور كأساتها يزحزح بوسي
غبت عني بها فدعني أغني ... إن في ذا المقام حطيت عيسى
صاح إني من سكرتي غير صاح ... فعلام الملام للعيد روس
صاح إن شئت أن تهني بأعلى ... معنوي الجمال والمحسوس
لا زمن خمرتي ودونك حاني ... واغطسن في الهوى كمثل غطوسي
آخر القول لم ينل كأس خمري ... غير من كان لابساً ملبوسي
وعلى جدنا الرسول صلاة ... من آله مهيمن قدوس
وله غير ذلك من النظم الباهر وبالجملة فقد كان نادرة عصره وفريد دهره وكانت وفاته بمصر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بها قدس الله سره.
عبد الرحمن العادي
عبد الرحمن العادي الحلبي الشافعي الشيخ الأديب الفاضل المتفوق المعمر العلم استفاد من الجهابذة وأفاد والحق الأحفاد بالأجداد وله شعر لطيف منه قوله
أما أنا فكما عهدت ... فكيف أنت وكيف حالك
يمسي حديثك في فمي ... ويبيت في عيني خيالك
وكانت وفاته في سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ودفن بحلب الشهباء رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن المولوي
عبد الرحمن الرومي القونوي نزيل دمشق شيخ تكية المولوية بها الشيخ العارف الدين الصالح الفاضل المرشد التقي كان صاحب دراية وفضل مع اتقان الفارسية وحل كلام القوم من مجلس رجال هذا الطريق وله هيبة ووقار مبجلاً بين الناس ومحترماً ذا سكون ونجاح وكمال قدم دمشق واستوطنها وصار شيخ الطريقة المولوية في تكيتهم بدمشق الكائنة بالقرب من جامع تنكز واستقام إلى أن مات وهو محبوب مرغوب للخاص والعام مرفوع القدر والشأن وكان يعظ في التكية ويخل كلام كتاب المثنوي وغيره وكان الاستاذ الشيخ عبد الغني يوده ويجله لما جبل(2/329)
عليه من المعارف والصلاح وبالجملة فقد كان خاتمة مشايخ هذا الطريق بدمشق وبعده لم تشابهه أولاده والذين صاروا مشايخ بعدهم وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالتكية المولوية المذكورة.
عبد الرحمن السويدي
عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي البغدادي الشهير بالسويدي الشيخ الامام العالم العلامة الفقيه المفنن أبو الخير زين الدين ولد ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائة وألف وأخذ عن والده وعن فصيح الدين الهندي وياسين الهيتي وبرع وفضل وله حاشية على شرح الحضرمية وحاشية على شرح القطر للعصامي وله شعر ونثر وكانت وفاته في عشري ربيع الثاني سنة مائتين وألف.
عبد الرحمن المغربي
عبد الرحمن الشنقيطي المغربي الأصل المالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الصالح العالم العامل الصوام القوام صاحب المجاهدات المفنن في العلوم جاور بالمدينة المنورة مدة طويلة ودرس بها وأخذ عنه جملة من أفاضلها كالشيخ تاج الدين بن الياس المفتي وغيره وكان له نفس مبارك على المتعلمين فكل من قرأ عليه حصل له الفتوح ووقف كتبه في زاوية الشيخ محمد السمان وتوفي بالمدينة سنة احدى وثمانين ومائة وألف.
عبد الرحمن العلمي
عبد الرحمن العلمي القدسي الشيخ الزاهد الصالح الفاضل كان من أولياء الله تعالى وله كرامات لبس الخرقة الصوفية من عمه الشيخ حسين العلمي وتلقن منه الذكر فلما إن قربت وفاة الشيخ حسين المذكور أرسل خلفه واختلى معه ساعة ثم خرج من عنده ورجع إلى داره وانزوى عن الناس واستمر على هذه الحالة ثمان عشرة سنة منقطعاً عن الناس وكانت أهل القدس يطلبون زيارته في داره حتى الامراء والقضاة يطلبون الاجتماع به وكان له حظ من الصيام وقيام الليل ودوام الذكر وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار إلى أن توفي وهو على ذلك الحال ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى.
تم بحمد الله تعالى الجزء الثاني من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر في 6 شعبان سنة 1291 لمحمد خليل الرادي الذي ترجمه الجبرتي ويليه
الجزء الثالث أوله السيد عبد الرحيم وبالله التوفيق.(2/330)
/المجلد الثاني
الجزء الثالث(/)
الجزء الثالث من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته آمين م.(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف
السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف بن إسحق بن محمد بن أبي اللطف الحنفي القدسي مفتي الحنفية بالقدس ورئيس علمائها العلامة العالم الفاضل الشهير كان هاشمي الطبع حسن الأخلاق مرضي الهمة عالماً مفسراً فقيهاً نحوياً ملازم الافادة والتدريس اماماً مقتدي ومستوفي العلوم العقلية والنقلية ولد في سنة سبع وثلاثين وألف ونشأ بالجد والاجتهاد وأخذ العلوم على من ورد من الأفاضل إلى القدس ثم ارتحل إلى مصر وجاور بها مدة ثم رجع ظافراً بمزيد الفضيلة حائزاً للعلوم الجليلة واشتهر بالبلاد وانتفع به العباد ثم ذهب إلى الديار الرومية واستقام بها مدة مديدة واكب الأفاضل بها عليه وقرأ في جامع السليمانية كثيراً من العلوم مدققاً منطوقها والمفهوم ففي ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وألف لازم من صدر الروم وقاضي العساكر المولى ابالي زاده مصطفى كعادتهم ودخل في سلك المدرسين فلما كان منفصلاً عن مدرسة بأربعين عثماني في سنة ثمان وستين أعطى افتاء بلدته مع مدرسة العثمانية ففي رجب سنة تسع وستين عزل من الفتوى والمدرسة من شيخ الاسلام المولى محمد الأسيري لأمر صدر منه فتبقى في بلدته صفر اليد مكدر الحال ففي رجب سنة اثنين وسبعين اعيد الافتاء مع المدرسة من شيخ الاسلام صنعي زاده المولى(3/2)
السيد محمد وأعطاه اعتبار رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي والمدرسين وبعده أعطى اعتبار رتبة موصلة السليمانية مع قضاء صفد على وجه المعيشة فبعد مدة بالقضاء الآلهي حبس في أحد القلاع وبعد أن خلص ذهب للديار الرومية لأجل عرض حاله إلى الدولة العثمانية العلية فصادفه الحمام بادرنة ولم ينل المرام وكان حج ولقي خلاصة الواصلين الشيخ أحمد القشاشي وهو يقري رسالة القشيري فأخذ عنه ثم رجع إلى بلاده بأمر من شيخه المذكور واشتهر في افتائه ثلاثين سنة وألف وحقق وأفاد فمن تصانيفه الفتاوي الرحيمية وله كتابة على منح الغفار نحواً من عشرة كراريس وكتابة على الرمز شرح الكنز للعيني وعلى البزازية والفتاوي الخيرية وبعض من كتب الفقه جمعها ولد الفاضل السيد محمد الآتي ذكره وسماها الفوائد الرحيمية على كتب كثيرة من كتب السادة الحنفية وله رسالة في الاشتقاق وشرحها وكتابات على حفيد المختصر وعلى عصام القاضي وله نظم رقيق جمعه ولده المذكور ديواناً ومشايخه الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم منهم العلامة الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ أحمد الشوبري والشيخ علي الشبراملسي والشيخ يس الحمصي المصري والشيخ سلطان المزاحي والشهاب أحمد الخفاجي والشيخ إبراهيم الميموني والشيخ أبو السعود الشعراني والشيخ يوسف الخليلي والشيخ عبد الكريم الحموي والسيد محمد بن علي الدمشقي والشيخ محمد البلباني الدمشقي والشيخ الاستاذ زين العابدين الصديقي المصري وأخذ عنه جماعة من أهالي الروم منهم العلامة المولى أحمد بن سنان البياضي والمولى محمد رفيعي زاده والمولى أحمد جاويش زاده والمولى قره خليل علامة الروم وشيخ الاسلام المولى عبد الله ابه زاده ونقيب الأشراف المولى إبراهيم عشاقي زاده ومن فضلاء مصر الشيخ أحمد الدقدوسي مفتي الحنفية والشيخ شاهين الدمشقي الأصل القاهري السكن ومن أهال دمشق الشيخ إسمعيل اليازجي والشيخ صالح الجينيني ومن أهالي بلدته الشيخ أحمد العلمي ومن أهل الرملة الشيخ نجم الدين بن خير الدين الرملي وبالجملة فقد كان مفنناً في جميع العلوم حتى في الشعر فمن شعره قوله هذه النبوية
أبرق بدا من نحو طيبة لامع ... ففاضت على تلك العهود مدامع
أم الشرق للسكان حرك كامناً ... فاحرق قلباً بالمحبة والع
أم العيس حنت للحجيج وشوقت ... أم العين أبكاها الحمام السواجع
نعم راعني ذكر الحبيب صبابة ... فكلي لأشواق الحبيب مجامع
أبات بذكراه أراقب بدره ... يلوح بأوصاف الثنا وهو طالع(3/3)
فأنظم أوصافاً تحلى بعقدها ... وأضحى علينا من سناها لوامع
ولما تباهي الوصف جيداً تزاحمت ... على وصفها للواصفين مطامع
تروم مداها السابقات وتنثني ... ودون المدا بعد الزمان موانع
أجدد عمري في حياة نظامها ... فعمر سعيد ينقضي لي راجع
فأنسى بها يا عين قرى سعادة ... إذا لمني أمر وفيها المنافع
ويا نفس إن غبت عني فوقتنا ... نقد طاب قومي والعيون الهواجع
وقولي بك السؤل مولاي انني ... اليك بجاه المصطفى العمر ضارع
آلهي بجاه الأبضحي محمد ... وعترته فرج وعفوك واسع
نبي له الخلق العظيم سجية ... وفي وجهه نور النبوة ساطع
تبارك من أبدى نبياً وآدم ... بطينته المجدول فيه الودائع
وأظهره منها نتيجة جدلها ... رسولاً لدعواه الأنام تسارع
أتيت رسول الله شمس هداية ... لها في قلوب المؤمنين مطالع
وأعربت عن علم العيوب بأمره ... فأنت خيار الخلق للسر جامع
جليل امام المرسلين وخاتم ... وهل أنت الا في زها العز يانع
منها
فيا خير خلق لله أنت ملاذنا ... إذا ضاق أمر أو رمتنا المواجع
فجاهك أضحى للعصاة وقاية ... لها في قبول المذنبين مواقع
إلى فضلك لنا نور سرنا ركائباً ... ومن ضره الحوباء ثم لواقع
رعى الله ذاك الفضل إن عيونه ... بذيل الهدى للشاربين قنائع
أيا رب قبل الموت والعود أحمد ... بسرك في أهل السعادة ذائع
أنلنا آلهي بالنبي محمد ... نبيك من فينا بأمرك صادع
وصلى وسلم دائمين كلاهما ... وتب وأعف عني انني لك طائع
فبابك مقصود وعبدك واقف ... وفضلك موجود وعفوك رائع
وللمترجم أيضاً
من منة المولى على أصوغ ... نظماً وفي خبر البرية يفرغ
هو السول والمأمول في نيل المنى ... والي الجنان به نفوز ونبلغ
عذب المديح تناؤه يحيي الحشا ... كالغيث يحيي الأرض بل هو أسبغ
إن ضاق ذرعك فالوسيلة جاهه ... والخير من تلك السعادة يبزغ
كشف التيقظ عن قلوب أصبحت ... من حبه بهنا النعيم تصيغ(3/4)
هذا النبي الهاشمي محمد ... يوم اللقا سبل البخاة يبلغ
بمقامه المحمود خص مشفعاً ... جمع الخلائق بالشفاعة يسبغ
قامت له الأملاك تحت لوائه ... والرسل صفواً ليس عنه مروغ
كل يشير إليه ليس لغيره ... في فتح باب الفضل ما يتسوغ
ما نال هذا قبله أحد ولا ... من بعده أضحى لذاك مسوغ
فتباهت الأزمان والعليا به ... والعيش مذ جاء الكريم يرغرغ
كم جاء بشرى الأنبياء لقومهم ... بالحاتم المختار ان قد يبزغ
ومحا الظلام ظهوره وبفجره ... يعلو الهدى فوق الضلال ويدمغ
يا ليلة غراء أسفر صبحها ... والضوء من شمس الهداية ينبغ
فيها ابتهاج والسرور مكرراً ... للدين حقا إذ أتاه مبلغ
يا سيد الرسل الكرام ومن به ... غوث الورى أنت الكريم المسبغ
أنت الشفيع بباب جاهك صبحت ... منا القلوب بثقلها تتمرغ
واستوثقت بالحب من زمن الصبا ... وازداد ما عن بابه تتروغ
انتهى توفي بادرنة من بلاد الروم في صفر سنة أربع ومائة وألف ودفن على قارعة الطريق رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الشهير بشقده
عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بشقده الشيخ العالم الفاضل البارع ولد بصالحية دمشق ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأبي الفلاح عبد الحي العكري وأجاز له الاستاذ النابلسي اجازة خاصة كتبها له بخطه ونبل وفضل وكان يعظ بالجامع الجديد بالصالحية ولوعظه تأثير في القلوب وكان يخطب بجامع قرية برزة ويؤم في جامع العفيف بالصالحية واختصر تاريخ شيخه العكري المسمى شذرات الذهب اختصاراً حسناً وله غير ذلك من الآثار والفوائد وبالجملة فقد كان من آثار السلف الصالحين وأهل الفضل والديانة وله شعر قليل وقفت على شيء منه وكانت وفاته نهار الجمعة ثامن صفر سنة ستين ومائة وألف عن تسعين سنة تقريباً ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ عبد الهادي.
عبد الرحيم المنير
عبد الرحيم بن السيد أسعد بن إسحق المعروف كأسلافه بالمنبر الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل كان صالحاً كاتباً له مشاركة في العلوم وكتب كتباً بخطه كثيرة(3/5)
وكان ساكناً مستقيماً ولد بدمشق في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف كما أخبرني هو من لفظه وحفظ القرآن على والده المقدم ذكره وهو في سن السبع وأقرأه بعده مقدمة التجويد للميداني والجزرية والأجرومية مع اعرابها للشيخ نجم الدين وحصة من الشاطبية ثم بعد وفاته بثلاث سنوات لازم شيوخ الجامع الأموي فقراً على الشيخ محمد الغزي والسيد خليل الدسوقي والشيخ محمد البقاعي والشيخ محمود الغزي نزيل دمشق ثم بعد سنتين لازم وقرأ على الشيخ أحمد المنيني والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد قولقسز والشيخ عبد الله البصروي والشيخ علي كزبر وحضر درس الحديث في الجامع الأموي في رمضان بعد صلاة الصبح صحبة والده على الشيخ محمد الكاملي وكذلك درس ولده الشيخ عبد السلام في المحل المزبور ودخل في اجازتهما العامة وكذلك درس الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي في التفسير وغيره ودخل في اجازته العامة وحضر درس الشيخ عبد القادر التغلبي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ أحمد الغزي والشيخ مصطفى المحيوي ابن سوار ودخل في اجازتهم العامة كما أخبرني وأخبرني أيضاً إن والده أخذه في صحبته إلى الجامع الأموي وأحضره درس الشيخ أبي المواهب الحنبلي في ختمه للجامع الصغير سنة وفاته وكان رحمه الله مشتغلاً بنسخ الكتب لأجل المعيشة ولما ضاقت به الأحوال في سنة احدى وخمسين ذهب إلى اسلامبول لأجل المعيشة فمكث بها خمس سنوات ونصف ولم يحصل على طائل ونسخ هناك عدة كتب إلى الوزير ومحمد راغب باشا حين كان رئيس الكتاب في الدولة العلية ثم عاد لدمشق ثم ذهب ثانياً وثالثاً لأسلامبول فلم ينل قدر الكفاف فاشتغل بنسخ الكتب وكان خطه مقبولاً وكانت استقامته في دار داخل المدرسة القجماسية بالقرب من باب السرايا عند سوق الأروام وكان والدي يحبه ويكرمه وكتب له كتباً بخطه وبالجملة فقد كان من خيار الأنام وكانت وفاته في ربيع الثاني فجأة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن في تربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم المخللاتي
عبد الرحيم بن علي المخللاتي الشافعي الدمشقي العالم العلامة الأديب الفاضل كان اماماً في الفرائض والحساب والفلك وله يد في العلوم ولد بدمشق في سنة احدى ومائة وألف وقرأ على جماعة واشتغل بالطلب منهم العلامة الشيخ محمد الحبال قرأ عليه وانتفع به والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والمحقق الشيخ عبد الرحيم الكابلي نزيلها أيضاً والشيخ عبد السلام الكاملي والشيخ عبد الجليل الحنبلي والشيخ(3/6)
محمد العجلوني وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه فاضل يملأ المسامع والمقل وتذعن له الأقران إذا روى ونقل لازم عن الأجلاء والفحول واكتسب من العلوم ما هو غير منحول فاستكفى بحاله واعرض عن مهاوي اللهو ومحاله وتصرف في الآلات العلمية أي تصريف وصار علماً لا يحتاج إلى تعريف وطاب له ذلك السياق وزاد إليه كثرة اشتياق حتى ابتهج به الفضل أحسن ابتهاج ونار ببراعته سراجه الوهاج فانبعث في المعارضات يشدد وفي المناقشات يوتر سهم المصادرة ويسدد معتمداً على فكرة ثاقبه وروية للاصابة مراقبة ولم يزل على تلك الصعوبة يسلك طريق الابا وشعوبه إلى أن نجمه أفل وعلي باب جدته انقفل وقد أطلعني ولده على موشحة إليه نسبها ومن جملة ماله من الشعر عدها وحسبها تنبئ عن قوة اقتداره وتفصح عن جولانه في النظم ومقداره ولم يطرق حجاب سمعي له سواها ولا غير واحد عنه رواها وهي قوله
شاطر الدهر أسهما ... حيث أيامه اقتراح
وامتطى الليل أدهما ... لأكتساب العلى المتاح
دور
سيد تخضع الشموس ... لعلا شأوه الرفيع
إذ غدا بهجة النفوس ... روض أفضاله المريع
بعدما عطر الطروس ... ذكره العاطر البديع
أسعد حيث يمما ... خيم السعد والفلاح
وسرى الريح منعما ... بشذا فخره وفاح
دور
كيف لا أحسن المديح ... لوحيد العلي المهاب
من غدا دونه الفصيح ... خشية العجز في حجاب
وابن من مدحه صريح ... جاء في محكم الكتاب
ثاني اثنين إذ هما ... في حمى الغار لا براح
من بدا الحق منهما ... بلسان الهدى الصراح
دور
إذ به كوكب الهنا ... لاح في مشرق القدوم
واستنارت به الدنا ... وانمحت أسطر الهموم(3/7)
واغتدى طائر المنى ... في قلوب الورى يحوم
وصفا الدهر بعدما ... صدع القرب بانتزاح
وأرانا النبسما ... في وجوه الرضى الملاح
دور
هاك يا بهجة الصدور ... من له تسجد العقول
غادة السر والخدور ... في برود الهنا تجول
وهي من وسمة القصور ... ترتجي نفحة القبول
فأعرها ترحماً ... مسمع العفو والسماح
وأنلها تكرماً ... من ندى وردك المباح
دور
وابق في ذروة الكمال ... آمن السر والفؤاد
تجتني من ربا النوال ... نعماً مالها نفاد
وترى السعد في اقبال ... ولأيامك امتداد
ولنجليك وفق ما ... خصك الله من نجاح
ما انثنى الغصن كلما ... هصرت عطفه الرياح
وكان المترجم حج سنة أربعين ومائة وألف فتوفي بمكة ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة ودفن تحت أقدام العلامة ابن حجر المكي الهيثمي رضي الله عنه.
عبد الرحيم البراذعي
عبد الرحيم بن علي بن أحمد المعروف بالبراذعي الحنبلي البعلي الأصل الدمشقي الصالحي قاضي الحنابلة بدمشق كان شيخاً فاضلاً له بفقه مذهبه فضيلة مع محاضرة وحافظة حسنة ولد بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على والده وانتفع به وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني وقرأ وحصل وتولى قضاء الحنابلة بالمحاكم مدة سنين يقضي بالأحكام وكان لا يخلو من جرأة وتكلم وعزل في زمن قاضي القضاة بدمشق المولى السيد إبراهيم امام شيخ الاسلام المولى مصطفى لأمر كان وبعد مدة عاد للقضاء ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بالروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم ابن حجيج(3/8)
عبد الرحيم بن محمد المعروف بابن حجيج الشافعي الدمشقي الخلوتي أحد مشايخ الطرق المشاهر الشيخ المتعبد الناسك المعتقد الصالح المبارك أخذ الطريق عن والده وأقيم بعده شيخاً حين توفي وذلك في يوم الخميس ثالث عشر ربيع الثاني سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكان والده المذكور أخذ الطريق عن الصالح الشيخ أحمد بن عمر الخلوتي البرزي الشافعي الدمشقي المتوفي في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وألف وكان أخذ هو عن الاستاذ الشيخ السيد محمد بن عمر العباسي الدمشقي المتوفي في سنة ست وسبعين وألف وكان البرزي المذكور مقيماً في زاوية الخواجا عمر بن إبراهيم السفرجلاني التي بناها وأوقفها على أرباب الطريق وجعل لها مبرات ووقفاً وتعايين وأول من نزلها وسكن فيها الشيخ منلا مسكين الكردي وجماعته ثم الشيخ البرزي المذكور ثم الشيخ محمد حجيج المذكور واجتمع عليه جماعة شيخه ثم إن المترجم جلس بعد وفاة والده المذكور على سجادة المشيخة وتقيد بعمل الذكر وكانت له معرفة بالطب والحكمة ذو حلم وتودد مع الناس وكانت وفاته في يوم الأحد ثاني شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وجلس بعده خليفة أخوه الشيخ محمد حجيج ولفظة حجيج لا أدري أهي لقب أو تصغير حاج والله أعلم.
عبد الرحيم الكابلي
عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الحنفي الكابلي الهندي نزيل دمشق الامام العلامة المحقق المدقق البارع مولده بمدينة كابل من اقليم الهند ونشأ بها ورحل إلى سمرقند وغيرها وأخذ بتلك البلاد عن علمائها ثم حج ودخل إلى دمشق بعد الثمانين وألف فقطن بها وقرأ على جماعة من علمائها أيضاً منهم العلامة الشيخ إبراهيم الفتال لازمه مدة وانتفع به كثيراً وكذلك محمد بن أحمد بن عبد الهادي العمري وأبو المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي وغيرهم وصحب الجد الشيخ محمد مراد البخاري نزيل دمشق وتلمذ له وانتفع بصحبته وسكن في دار لصيق جامع تنكز وتزوج بها ورزق أولاداً ثم درجوا ومات من غير عقب وجلس للتدريس بالجامع المذكور ولزمه الطلبة للاستفادة وكان عجباً في سرعة التقرير وحسن التأدية وفصاحة العبارة وكان مدرساً بالعذراوية وافتتح الدرس بها في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وكان يحضر دروس العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في الفتوحات المكية ثم ترك ذلك وحكى الكثير من تلامذته رؤيا غريبة وقعت له وكان أحد الطلبة شرع عليه في قراءة شرح ايساغوجي في المنطق لشيخ(3/9)
الاسلام زكريا ولم يكن المترجم اطلع عليه قبل ذلك فلم تعجبه عباراته لكون شيخ الاسلام أوضح العبارة فيه ولم يسلك به مسلك المحققين فرأى في النوم كان القيمة قد قامت وسيق الناس إلى المحشر فلما وصل إلى أرض فيحاء رأى الناس واقفين صفوفاً والنبي صلى الله عليه وسلم واقف والصفوف كلها متصلة به قال فسألت عن ذلك فقيل لي هؤلاء محدثون يتصلون بمشايخهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبت شيخاً أخذ عنه لأتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي هذا شيخ الاسلام زكريا خذ عنه وكأنه واقف بالقرب مني فتقدمت إليه وقبلت يده وطلبت منه أن يجيزني بمروياته ليتصل سندي بالنبي صلى الله عليه وسلم فأجازني كذلك ووقفت إلى جانبه وأنا فرح بذلك ثم استيقظت وعلمت بهذه الرؤيا رفعة قدر شيخ الاسلام زكريا وعلو رتبته في الآخرة رحمه الله تعالى وكان صاحب الترجمة كثير العزلة والانجماع عن الناس وتوفي ليلة الجمعة العشرين من جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة تنكز لصيق الجامع المذكور على يمنة الداخل من باب الجامع رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم الطواقي
عبد الرحيم بن محمد المعروف بالطواقي الحنفي الامام الفقيه النحوي الفرضي الدمشقي الميداني ولد سنة خمس وثمانين وألف ونشأ في حجر والده وكان والده من أهل العلم فأشغله بطلب العلم فقرأ على جماعة من الشيوخ منهم العلامة الشيخ عثمان القطان والمنلا عبد الرحيم الهندي والشيخ إسمعيل المفتي والشيخ أبي المواهب وقرأ الفرائض والحساب على الشيخ عبد القادر التغلبي وبرع في الفقه والنحو والمعاني والبيان والأصولين ونظم مسوغات الابتداء بالنكرة في ارجوزة وشرحها ونظم شرح ارجوزة القليبي في العروض وألف حاشية على شرح التنوير للشيخ علاء الدين الحصكفي وله غير ذلك من الفوائد والتحريرات وكان سليم الصدر عفيف النفس وسافر إلى الديار الرومية وتوفي في مدينة قسطنطينية في يوم الأربعاء سادس عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم ابن شقيشقه
عبد الرحيم بن مصطفى بن حسن بن صالح عبد البر الشهير بابن شقيشقة بالتصغير الدمشقي الحنفي الامام الحنفي بالجامع الشريف الأموي العالم العامل التقي الورع الزاهد الفرد في دهره والوحيد في عصره ولد بدمشق سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها ومات والده وهو صغير وقرأ القرآن العظيم وحفظ للعشرة من طريق الطيبة على(3/10)
الشيخ مصطفى العم ثم أخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ عبد الرحيم بن القاتول والمحب محمد بن محمود الحبال وأخذ الطريقة الخلوتية عن محمد بن عيسى الكناني ثم رحل إلى مصر وجاور بها ست سنين وأخذ عن علمائها قراءة واجازة ورجع إلى دمشق وحج وجاور وأخذ عمن لقيه من علماء الحجاز كالجمال عبد الله بن سالم البصري والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي ورحل إلى حلب مرتين ثم رجع إلى دمشق واستقام بها يقرئ القرآن العظيم وكان له حظوة في الأمور الدنيوية وله ثبات على فعل الخير المخفي جدد عمارة جامع السقيقة ولم يعلم أحد إنه منه وكان له ولد نجيب حفظ القرآن وطلب العلم واحترف في صنعة العطارة فحاسبه والده على دراهم أعطاها له فنقص رأس المال فعنفه على ذلك فأخذ سما وأكله ومات فشق على والده ذلك ثم انقطع في آخر أمره لضعف قواه وله تعليقات سنية لم أقف على شيء منها الا على شرح سماه هدية الله للسنية شرح ورد الخلوتية وضعه على ورد الوسائل الذي كان يقرؤه في كل يوم وله من الشعر قوله
اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا أصبت مصيبة ترزى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
وبالجملة فقد كان من كبار الصالحين والفرقة الناجين والعلماء الزاهدين انتفع به خلق كثير وكانت وفاته مطعوناً شهيداً سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الرسلانية ورأته بنته بعد موته بليلتين فقالت له ما فعل الله بك فقال لها عاملني بلطفه وغفر لي وطلب مني كتابي الذي سميته هدية الله وقال لي إن لم تأتني به فأنت في غضبي فاستيقظت من منامها مذعورة وأمرت بوضع الكتاب في قبره فنبش ليوضع فيه الكتاب فوجدت يده ممدودة كمن يريد أن يتناول شيئاً إشارة إلى أخذ الكتاب
السيد عبد الرزاق الجندي
السيد عبد الرزاق بن محمد بن أحمد بن يس بن إبراهيم الشهير بابن الجندي القصيري الأصل المعراوي الأديب الماهر الحاذق الذكي كان يحسن صناعة الشعر وله في الأدب معرفة وتعاني النظم حتى مهر به ولد في سنة خمسين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وكان أخذ الأدب وقرأ على الشيخ عمر الأدلبي نزيل حمص وكان يحب مذاكرة العلم والأدب ويجالس الشعراء ويجري بينهم المطارحات الرشيقة والمساجلات ومن جملة من كان من ندماء مجلسه الأديب عثمان المعراوي الحمصي البصير الشاعر وكان من الأجناد الموسومين بالأدب وأسلافه كانوا مشايخ ولم يزالوا متصفين بالمشيخة إلى أن(3/11)
انتقل والده من ذلك إلى طريق الحكومة بسبب انتسابهم لبني العظم حكام الشام وكان ولده المترجم عاقلاً له معرفة مع حسن التدبير والعقل ومعرفة أمور السياسة وأحكامها وله باع في الأدب وشعره عليه طلاوة وقد تولى حكومة قلعة تلبيسة الكائنة بين حمص وحماه من طرف الدولة العلية بعد وفاة والده وهذه القلعة أصل بنائها في زمن الوزير سليمان باشا العظم وعينت الدولة بها ينكجرية بعلائف وتعايين سلطانية لأجل حفظ الطرقات للحج وغيره وبالجملة فهو أثر حسن واستقام المترجم بها إلى أن مات ومع ضبطه لها تولى من طرف ولاة دمشق حكومة حماه وحمص ومما وصلني من شعره قوله مشطراً قصيدة سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه
قلبي يحدثني بأنك متلفي ... والجسم يخبرني بأنك مضعفي
إن كان لا يرضيك غير منيتي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف
لم أقض حق هواك إن كنت الذي ... جعل اللحاظ لموطئ المتصرف
فجميع ما جرت علي من الأسى ... لم أقض فيه أسى ومثلي من يفي
مالي سوى روحي وباذل نفسه ... في عشقه ما أن يعد بمتحف
وعلى الحقيقة من يضيع روحه ... في حب من يهواه ليس بمسرف
فلئن رضيت بها فقد أسعفتني ... وبذاك أرقى للمقام الأشرف
فاعطف وساعدني وكن لي مسعفاً ... يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
يا مانعي طيب المنام ومانحي ... هجراً أحد من الحسام المرهف
يا بغية الآمال قد ألبستني ... ثوب السقام به ووجدي المتلف
عطفاً على رمقي وما أبقيت لي ... رمقاً فكن يا ذا الملاحة منصفي
فارحم بقية ما تبقى منيتي ... من جسمي المضني وقلبي المدنف
فالوجد باق والوصال مماطلي ... والهجر نام والمعذب لا يفي
والجسم بال والدموع ذوارف ... والصبر فان واللقاء مسوفي
لم أخل من جسد عليك فلا تضع ... شغفي وفرط توجعي وتلهفي
وارحم أنيني في هواك ولا تطل ... سهري بتشنيع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل هل زار الكرى ... عيناً توقد نارها لم تنطف
وأسأل من الواشين هل زار السها ... جفني وكيف يزور من لم يعرف
لا غرواً إن شحت بغمض جفونها ... عين تعودت الجفا من أهيف
جادت بلؤلؤها الرطيب لبعده ... عيني وسحت بالدموع الذرف
وبما جرى في موقف التوديع من ... شغل الهوادج كاد جسمي يختفي(3/12)
ومن الفراق تفتت كبدي ومن ... ألم النوى شاهدت هول الموقف
إن لم يكن وصل لديك فعد به ... فلعل روحي بالتواعد تكتفي
فالوعد منك أعده كالوصل يا ... أملي وماطل إن وعدت ولا تفي
فالمطل منك لدي إن عز الوفا ... يبدي التسلي للفؤاد المتلف
أجد التماطل منك إن عز اللقا ... يحلو كوصل من حبيب مسعف
أهفو لأنفاس النسيم تعلة ... من كثر أشواقي وفرط تكلفي
لكنه تعليل قلب مدنف ... ولوجه من تقلت شذاه تشوقي
فلعل نار جوانحي بهبوبها ... نوعاً تخف بوقدها المتشظف
ولعل ناراً أضرمت بشراسة ... أن تنطفي وأود أن لا تنطفي
يا أهل ودي أنتموا أملي ومن ... ناجاكمو في ضنك عيش عادفي
حاشى بضام دخيلكم إذ كل من ... ناداكموا يا أهل ودي قد كفي
عودوا لما كنتم عليه من الوفا ... لفتى بحفظ الود غير مزخرف
وعلى جود وأيا آل ودي باللقا ... كرماً لأني ذلك الخل الوفي
وحياتكم وحياتكم قسماً وفي ... غير اليمين بكم حقيقاً لم أف
وبسركم اني يميناً في مدى ... عمري بغر حياتكم لم أحلف
لو أن روحي في يدي ووهبتها ... من غير منون وغير تأسف
لو أنني أعطيت ما ملكت يدي ... لمبشري بقدومكم لم أنصف
لا تحسبوني في الهوى متصنعاً ... أو أن حبي فيكم يتخفف
لكن حفظي للعهود جبلة ... كلفي بكم خلق بغير تكلف
أخفيت حبكم فأخفاني أسى ... جعل الدموع بعارض مستوكف
وأضرني كتمان ما أخفيته ... حتى لعمري كدت عني أختفي
وكتمته عني فلو أبديته ... لخفي فلم يبصر ولم يتكلف
وصحبته حقاً فلو أظهرته ... لوجدته أخفى من اللطف الخفي
ولقد أقول لمن تحرش بالهوى ... قد جزت في بحر خطير مرجف
خل الهوى لأهيله وأقصر فقد ... عرضت نفسك للبلا فأستهدف
أنت القتيل بأي من أحببته ... إن كان ينصف أو يكن لم ينصف
حب مسوف ثم حب قاتل ... فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
قل للعذول أطلت لومي طامعاً ... إن انثنى عن ذي البنان المطرف
اكفف ملامك مدنفاً هجر الكرى ... إن الملام عن الهوى مستوقفي(3/13)
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... إن لم تكن تصغي لقول الألف
من قبل عشقك لا تلم أهل الهوى ... فإذا عشقت فبعد ذلك عنف
برح الخفاء وبحب من لوقي الدجى ... أبدى ابتساماً زال لون المشرف
منذ تكامل حسنه فلو أنه ... سفر اللئام لقلت يا بدر أختفي
وإن اكتفى غيري بطيف خياله ... أو قد رضى بتماطل وتسوف
أو إن تسلى في مرور نسيمه ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وهواه وهو اليتي وكفي به ... حلفاً ولست أخي فيه بمخلف
وبسر صرفي مهجتي بوداده ... قسماً أكاد أجله كالمصحف
إلى آخرها ومن شعره تشطيره لبانت سعاد حيث قال فأجاد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... وكيف لاو فؤاد الصب مشغول
وإنني من غرام قد ولعت به ... متيم أثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... الا مهاة لماها فيه تعسيل
ولن يماثل أعطافاً لها ظهرت ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... منه الشفاء لقلب فيه تعليل
سلافة قرقف قد سيغ مشربه ... كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شيم من ماء محنية ... مذاقه للأرواح تجذيل
كأنما ريقها المعسول مذ رشفت ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنقى الرياح القذي عنه وأفرطه ... ينهل من صيب والمزن رحيل
ومازجته سحابات قد انهملت ... من صوب سارية بيض يعاليل
أكرم بها خلة لو أنها صدقت ... عهدي وما كثرت منه الأقاويل
أواه لو أحسنت وصلاً وما نبذت ... موعودها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها ... هجر لعا شقها نبذ وتنكيل
ولم أنل من هواها غير أربعة ... فجع وولع وأخلاف وتبديل
فلا تدوم على حال تكون به ... تروغ في قولها والوعد ممطول
ثبت بخلف وأحوال ملونة ... كما تلون في أثوابه الغول
ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ... وطبعها من طريق الدخل مخبول
فما لاقوا لها شبه ولا مثل ... الاكما تمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... أثفال أقوالها زور وتخييل
لا تغترر في أمانيها وموعدها ... إن الأماني والأحلام تضليل(3/14)
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً ... ولن يصدق منها القال والقيل
كربطة نقضت مغزولها عبثاً ... وما مواعيدها الا الأباطيل
أرجو وآمن إن تدنو مودتها ... لكنني رمت شيئاً فيه تخليل
قالت تروم وصالاً قلت ذا خطل ... وما أخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا أقب رباع فيه تسهيل
وليس يدرك ركباً فيه قد ظعنت ... إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولا يبلغها إلا عذافرة ... سريعة الجري في البيداء شمليل
عوج الرقاب كريمات مؤصلة ... ليها على الأين إرفال وتبغيل
من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت ... تميل عجباً ولا عي وتنكيل
كأنما سيرها كالريح إذ عرضت ... عرفتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... قد حل سحيل واستقفاه شرحيل
لا تختشي تعباً أيضاً ولا سغباً ... إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها عبل مقيدها ... لا يشتكي قصر منها ولا طول
همر جل مشيها والله صورها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة ... عرمومة القد لا عتم وتعييل
مدموجة متنها كلاء من سمن ... في دفعها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم لا يدنسه ... سعف شنيع وقذان مناجيل
ولا يسسها يا صاح من ملس ... طلح بضاحية المتنين مهزول
إلى آخر القصيدة وله غير ذلك وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف اقتضى لحاكم حمص الأمير عبد الرحيم ابن العظم التوجه على جهة عرب الحيارى المعروفين بالموالي المقيمين في تلك الأطراف تبعاً لولاة حلب فتوجه معه المترجم لكونه حاكماً بقلعة تلبيسة وذهب معهما شرذمة من العسكر فلما بلغوا العرب وقاربوا اليهم وقع بينهم الحرب ولم يصدر من طرفهم نصر بالتقدير الألهي فما استقر الأمر مقدار نصف ساعة إلا وأخذتهم العرب وشلحوهم جميعاً وبقي المترجم وحاكم حمص معريين من غير سائرة ثم بعد ذلك جاءه رجل منهم وضربه برمح في رقبته فقتله ومسكوا حاكم حمص وأخذوه ثم بالقرب من الموضع قرية جاء أهلها وأخذوا المترجم محمولاً إلى حمص لعند أهله وكان ذلك في الحادي والعشرين من ربيع الثاني من السنة المذكورة ودفن بتربة مقابلة لمقام سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه وضبطت أمواله للدولة العلية بأمر منها وجاء بالخصوص(3/15)
المزبور قبجي باشي من طرف الدولة معين بهذه الخدمة وابيعت كتبه وحوائجه وضبطت أمواله وديونه سمحت بها الدولة لأولاده وبعد وفاته أخذ الحكومة أحد أركان الدولة مسعود بيك نجل الوزير الصدر السابق سعيد باشا ولم يتمكن من ضبطها ثم بعد ذلك وجهت لأولاد المترجم وبعده جاؤا لدمشق وفرغوها لأخي المترجم وهو الآن حاكم تلك القلعة ونسبتهم إلى القصير قرية من نواحي انطاكية وأخبرت إن جدهم الشيخ أحمد القصيري الولي المشهور والله أعلم اقول والقصير اسم لقرى منها قريتان بدمشق الواحدة بالقرب من قرية الريحان والثانية بالقرب من قرية سكا ومنها قرية بناحية حمص تسمى بذلك ومنها القرية التي بقرب انطاكية ومنها المترجم ومما وقع له من المساجلة الشعرية مع الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي حين كان بحمص والشيخ عثمان البصير الحمصي حيث قال السويدي متعرضاً للبصير المذكور
وإذا العمي ضم العناد إليه مع ... حسن الصفات كفاك للتحقير
فقال البصير
وإذا علمت بأن مثل ناقص ... كان المقال لغاية التزوير
فقال المترجم
وإذا عدمت الفهم فأسأل أهله ... تجد البراعة عند ذي التحرير
فقال السويدي
وإذا مواهب عابد الرزاق قد ... حلت على الأعمى غدا كبصر
فقال البصير
وإذا أراد الله اصلاح امرء ... جعلت بصيرته من الأكسير
فقال المترجم
وإذا تولى القلب منه عناية ... جذبت به العليا من التأخير
فقال السويدي
وإذا فقدت النور من عينك يا ... أعمى فثق بالله للتبصير
فقال البصير
وإذا علمت الصبر أعظم منحة ... كان العسير مبدلاً بيسير
فقال المترجم
وإذا رجوت بلاغة وبراعة ... فأملهما من عالم نحرير(3/16)
فقال السويدي
وإذا بدا نظر الكريم على امرئ ... سارت بلاغته بكل مسير
فقال البصير
وإذا رأيت اثنين كلاً مادحاً ... لأخيه كان كلاهما كأمير
فقال المترجم
وإذا السعيد أضيف لأسم محمد ... بشره بالاسعاد والتيسير
فقال السويدي
وإذا أتته منيحة من عابد ... الرزاق زادته على التوقير
فقال البصير
وإذا أضيفت للسويد ولم تزل ... مقرونة بالعز والتخيير
فقال المترجم
وإذا المكارم والعوارف كانتا ... ارثاً فلا تنهيه للتكثير
فقال السويدي
وإذا الأبوة خل منها خصلة ... في البخل زانته بغير نكير
فقال البصير
وإذا الأصول من التدلس خلصت ... بدت الفروع لأحسن التطهير
فقال المترجم
وإذا الزمان رمى الأكابر بالردى ... يتخلصون بأحسن التدبير
فقال السويدي
وإذا محمد آل جندي اضا ... منه شهاب زاد في التنوير
فقال البصير
وإذا أراد الضد فيه مضرة ... فالله أكبر فوق كل كبير
فقال المترجم
وإذا التجئ لله فهو حفيظه ... من كل ما يخشاه من تكدير
فقال السويدي
وإذا اختتمت قصيدة بمديحه ... فنواله لك منه خير نصير
ووقع في مجلسه أيضاً مع الشيخ السويدي والبصير المذكورين مساجلات في مدحه وفي غير ذلك فمن ذلك ما قاله السويدي مساجلاً
رنا وانثنى واهتز كالغصن والقنا ... وصال على العشاق يسطو بقده(3/17)
فقال المترجم
رشا من بني الأتراك صاد بصاده ... وصير عشاق الورى صيد صيده
فقال البصير
بديع جمال لو رأى البدر شكله ... دجى لأعتراه الكسف من نور خده
فقال السويدي
له مقلة تسبي لنا في سوادها ... من الأسر انسان رهين بقدة
فقال المترجم
توطأ هام النسر منعة حسنه ... فما البدر إذ عدوة الا بعبده
فقال البصير
جرى سلسبيلاً في لمى در مبسم ... فها أنا ظام أرتجي رشف شهده
فقال السويدي
وخال عبير صار قلبي له لظى ... وجسمي وأضلاعي مجامر نده
فقال المترجم
أعار لها من مقلتيه تكحلاً ... وأسبل في الظلما سوابل جعده
فقال البصير
سبي قاصرات الطرف بالحصر رقة ... وصير أرباب الحجي عقد بنده
فقال السويدي
هو الشمس لولا ليل شعر بهائه ... فلله در النور يجلي بضده
فقال المترجم
فما هو إلا في المحاسن مفرد ... وليس به عيب سوى نقض عهده
فقال البصير
فكم وعد المشتاق منا بزورة ... فيا حبذا لو صح انجاز وعده
فقال السويدي
فيا قلب صبراً إن تمادى صدوده ... ويا عين سحى إن بليت ببعده
فقال المترجم
بخيل بجود الوصل لا رفق عنده ... بمن هام فيه من تقمص عهده
فقال البصير
سمحت له بالروح فهي أعز ما ... ملكت ولكن ليس يغلو بنقده
فقال السويدي(3/18)
ولا غرو إذ منه إليه ملاكها ... وكانت له من قبل يذكي بوده
فقال المترجم
ولا حيلة تلفي لدي بوصله ... ولا وصله أرجو به نيل رفده
فقال البصير
فواعجبي في فعل هندي جفنه ... يريق دما العشاق وهو بغمده
فقال السويدي
فلم أسل إلا أن أؤمل شافعاً ... يبلغني الولدان عنه برشده
فقال المترجم
هو المصطفى بحر الصفا وبه صفا ... فمشربه إلا صفي موارد جنده
فقال البصير
أجل ذوي الجاه العريض سيادة ... فكل مقام في العلا دون مجده
فقال السويدي
رسول الهدى مردى العدى كاشف الردى ... روى الصدا بخر الندى غيث رفده
فقال المترجم
إليه يشير العالمون بيوم لا ... سواه يرجي للمهول بخمده
فقال البصير
نبي به قد شرف الله طيبة ... على ما سواها إذ حباها بلحده
فقال السويدي
محا نسخ التوارة بالسيف والقنا ... وسل حسام الحق من بعد غمده
فقال المترجم
هو الفرد في كل الكمال ومجمع ... لكل جلال والجمال بورده
فقال البصير
مزيح الضلالات المضلة بالهدى ... مفرق جمع الشرك من بعد وفده
فقال السويدي
امام همام سيد سند لمن ... إليه التجئ من كل خطب وجهده
فقال المترجم
تقي نقي كامل ومكمل ... أقام بنا الاسلام من بعد هذه
فقال البصير
فكل جمال ظاهر ومحجب ... محمدنا أضحى يتيمة عقدة(3/19)
فقال السويدي
بمولده بطحاء مكة شرفت ... وشرفت الدنيا مواليد ولده
فقال المترجم
فلا مد في هذا الوجود ولابقاً ... يؤمل إلا من كمالات سعده
فقال البصير
أجل النبيين الذي بعض فضله ... تنزه عن حصر المديح وحده
فقال السويدي
ولو صارت السبع البحار مداده ... وميدانها طرساً لا عيت بعده
فقال المترجم:
لإن سواه لم يمحز رفعة الرقا ... إلى الذروة العليا إلى عند عنده
فقال البصير
له جاءت الدنيا بأبهج زينة ... رآها بعين الاحتقار وزهده
فقال السويدي
سرى مذ سرى البيت الحرام إلى العلا ... وآب بليل قبل إيفاء مده
فقال المترجم
وأخبر عن غير طلوع ظهيرة ... فلم يتخلف عن مقالة وعده
فقال البصير
فيا خير أرباب الشفاعة كلهم ... وآمرهم تحت اللوا يوم حمده
فقال السويدي
رجوناك في تيسير كل معسر ... وفي كل آت من خطوب لرده
فقال المترجم
فمن يرتجي الاك يا خير منعم ... لدفع دواعي الكذب ثم لطرده
فقال البصير
فعجل بما نرجوه يا من نداؤه ... يحل عظيم الكرب من بعد عقده
فقال السويدي
عليك صلاة الله ثم سلامه ... مدى الدهر ورداً لا انتهاء لعده
فقال المترجم
وآل وأصحاب كرام وعترة ... يدومان ما سار الحجيج لقصده
فقال البصير وختم(3/20)
وما عبد رزاق وعثمان بعده ... ونجل السويدي باح كل بوجده
عبد الرزاق الرومي
عبد الرزاق بن خليل بن جنيد الرومي الأصل الحنفي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد بقية السلف الصالح أبو الأسرار ركن الدين قدم دمشق وتوطنها وكان مجاوراً بها في حجرة بمدرسة الشمسي أحمد باشا المعروفة بسوق الوزير محمد باشا ابن العظم وله تآليف لطيفة وقفت منها على شرحه للتنوير في تسع مجلدات سماه منير الأفكار شرح تنوير الأبصار وأوقفه على المدرسة المتقدم ذكرها ولم أقف له على غيره وكان عالماً عاملاً فقيهاً مفنناً ملازماً لأداء الفرائض والنوافل مشتغلاً بخويصة نفسه تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى ولم أقف على سنة تعيين وفاته.
السيد عبد الرزاق البهنسي
السيد عبد الرزاق بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الحق المعروف بالبهنسي الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه كان محققاً له اطلاع في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك مكملاً له تفحص على المسائل الدقيقة والغريبة ويبديها ولد بدمشق في ثالث شوال سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة فقراً على الشيخ محمد قولقسز وانتفع به وعلى الشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد التدمري والشيخ عبد الله البصروي والشيخ حسن الكردي نزيل دمشق وأخذ عن الاستاذ السيد مصطفى الصديقي وغيرهم وقرأ في الفقه والنحو والتفسير والمعاني والبيان والمنطق والصرف وغير ذلك وأتقن وحصل وفضله لم يشتهر لعدم تقيده في الاقراء والتدريس لكونه كان محباً للعزلة وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وذكر له من شعره وقال في وصفه جيفة ضغن وحسد وشنشنة لؤم ضمها جسد راض جواد فكره في حزن الخداع وسهله فتلا عليه حاله ولا يحيق المكر السئ إلا بأهلة متشدقاً في ما يؤديه متكبراً فيما يخفيه ويبديه مهتماً بشأن الظهور ومتأسفاً على يوم مشهور فلم تجب الأيام له وسيلة ولم تنقع من تلك الأؤام غليله فنصب الحيلة في نيابة بعض محاكم الأطراف وانتصب لأجراء الأحكام فجرى في سوح الجور والاسراف فتحققت اساءة الظنون فيه والظلم كمين في النفس القدرة تظهره والعجز يخفيه فما مكث إلا يسيراً وانقلب لصولة(3/21)
العزل أسيراً فندم ندم الفرزدق حين طلق نوار وكان ما بناه من الاقتراف على شفا جرف هارفاً نهار ثم لاذ ببعض الأفاضل وتلمذ له وحسن له ما زخرفه من دهاه وسوله فشن عليه غارة دبرها بمكره الذي ما تعداه واستأصل وظائفه وما ملكت يداه فكانت قوام معاشه وسبب انقاذه من أنياب الفقر وانعاشه وأراد أن يتفهق فتصوف ولم يدر في أي حالة تصرف فجمع بين الأروى والنعام وظمئ من اللج الذي فيه عام وطال حتى كأنه من السدنة الذين يسترقون السمع وراض في ملعب خده على نهضة سوابق الدمع وصار مدمنة تقريع ومجلبة توبيخ مريع وله شعر لم يتناسب طرفاه يقول من سمعه فض الله فاه انتهى مقاله وقد أكثر في ذمه كعادته في غالب تراجمه ومن شعر المترجم قوله من قصيدة
ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد ... فحي على حي المسرة يا سعد
وطابت نفوس الأنس منا وأعلنت ... صوادح أطيار الهناطر باتشدو
وخابت ظنون الحاسدين فأصبحوا ... حيارى يخزي لا يعيدوا ولا يبدوا
وحاق بأهل المكر سئ مكرهم ... وقد خمدت نار لها منهم وقد
زويدكم مهلاً بني المهد إنكم ... أسارى بحجر الحجر ما عندكم رشد
أسامة لما فارق الغاب جاءه ... ثعالة جهلاً وافداً وله وأد
ولم يدر أن الغاب ما غاب ربه ... بهجر ولكن كي يكون له وبد
ورب أناس تظهر الود ريبة ... وحشو الحشا منها لقد سجر الحقد
يخيل منها فاسد الفكر مأملا ... وظنوا بأن الهزل يعقبه الجد
ومن بلغ أعقاب الأمور فإنه ... جدير بما قالوا وليس له رد
وهيهات أن يحظوا إذا اشتد هائل ... بمثل حليم دأبه الجود والمجد
منها
فآب بحول الله والنصر قائداً ... يحف به واللطف في ركبه يحدو
وقد جاء نصر الله والفتح مورد ... ترى الناس فوجا بعد فوج لها ورد
ومن صادف البحر الخضم سعي له ... ولا يظمئنه جعفر لا ولا ثمد
ومنها
ولا زلت في برد السيادة رافلاً ... مدى الدهر لا منع يعوق ولا صد
ودم في أمان الله والعز منشداً ... ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد
وقد أنشده أخوه السيد أحمد قوله
دع الخلاعة في حب الحسان وذم ... أسير علم وأمعن في مطالعته(3/22)
ولازم الدرس والكراس مجتهداً ... وأسهر العين ليلاً في مشاهدته
وعد عن غي ذي بغي ودعه يتم ... مع الحبيب ويحظى في مطالعته
فكتب إليه بقوله
إن الخلاعة في حب الحسان هدى ... وما على العاشق الولهان من بأس
فعش حميد الورد الخد ملتثماً ... ومت بذاك شهيداً دون إلباس
ولازم الدرس والكراس مجتهداً ... واسهر العين ليلا في مشاهدته
وعد عن غي ذي بغي ودعه ينم ... مع الحبيب ويحظى في مطالعته
فكتب إليه يقوله:
إن الخلاعة في حب الحسان هدى ... وما على العاشق الولهان من باس
فعش حميد الورد الخد ملتئما ... ومت بذاك شهيدا دون الباس
ولازم الدرس والكراس مجتهدا ... في ردع كل غليظ قلبه قاس
يظن أن بوصل الحب منقصة ... لكن حرمانه يكفيه في الناس
فكتب الأديب السيد أحمد الفلاقنسي بقوله
إن الغواية في عشق المليح هدى ... وما على الصب بأس في مضاجعته
فقف قليلاً لدى المحبوب مجتنياً ... ورد الخدود وحاذر من مخالفته
واحرص على سره من أن تبوح به ... وأسهر العين تحظى في مشاهدته
وثابر الدرس والكراس مجتهداً ... في ردع كل غليظ أو مجادلته
وخل من ظن إن الحب منقصة ... أسير علم ودعه في مكابدته
وقال ملغزاً في أذربيجان الشيخ سعيد السمان
أيا واحد النقاد في النحو قد أتى ... إلى سؤال حير الفكر وصفه
فما اسم نرى فيه موانع خمسة ... فإن زالت إحداها تعين صرفه
فلما رآه المترجم كتب مجيباً بقوله
سؤالك أذرى بي فأعدمني الحجي ... ومن بعده جان على الحب مسرف
زيادة تركيب عليها قد احتوى ... وعجمته بين الموانع تعرف
وللمترجم
يقول لنا كانون ماذا ينالني ... بلومكم إياي طال التعاتب
على شدة إني جبلت وإنني ... أصم وما أدري بماذا أخاطب
وكأنه أراد الرد على الفاضل محمد التافلاني المغربي نزيل القدس حيث قال
أقول لكانون ترحل عن الورى ... فدا بك تشتيت لجمع الحبائب
فقال فلا تضجر وإن كنت بارداً ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقوله أيضاً
أقول لكانونين أنهكتما القوى ... وما بكما للعالمين نشاط
فقالا إذا غبنا سيحمد أمرنا ... وأما شباط ما علبه رباط
وقد ضمن المصراع الأخير من البيتين الأولين الأديب مصطفى اللقمي الدمياطي(3/23)
نزيل دمشق فقال
يقول لنا كانون إن كنت بارداً ... فللمهج الحر اللذيذ مشاربي
وكم لي من أيدي امتنان على الربا ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقد ضمن المصراع المذكور أيضاً السيد محمد الشويكي الدمشقي فقال
أقول لكانون أطلت عناءنا ... ببرد وأمطار وطول غياهب
فقال اذكروا عقباي فهي حميدة ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقد طلب تشطير بيتي التافلاتي وتخميسهما من الأديب سعيد السمان الدمشقي فقال أولاً مشطراً
أقول لكانون ترحل عن الورى ... لقد رعتهم بالبرد من كل جانب
وعرج ولا تبغي المقام بأرضنا ... فدأبك تشتيت لجمع الحبائب
فقال ولا تضجر وإن كنت بارداً ... بطبعي ولكني حميد العواقب
ولي صدق برهان على ما ادعيته ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
ثم قال مخمساً لهما
إذا ما الشتاء الصعب أقبل وانبرى ... يرينا من التعبيس وجهاً منكرا
وبردا به الأجفان لم تذق الكرى ... أقول لكانون ترحل عن الورى
فدأبك تشتيت لجمع الحبائب
فطبعك منه الماء يصبح جامداً ... وكم زمهرير منك فت الجلامدا
أهل منك نرجو بعد ذاك فوائداً ... فقال فلا تضجر وإن كنت باردا
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
ثم قال مضمناً
أقول لكانون وقد جاء مرحباً ... بمجمع أحباب ونيل مآرب
فقال ولي من بعد ذاك فضيلة ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وللمترجم غير ذلك من النظم وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء رجب سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الرسول الطريحي
عبد الرسول ابن الطريحي النجفي الأصل الحلي المولد والمسكن الأديب الفاضل الشاعر النحوي الكاتب كان بارعاً بالأدب والمعاني والبيان والعروض والنحو والأدب والشعر ويتعانى الكتابة مع خط حسن ونظم بديع ونثر حسن عجيب وكان معروفاً بالخلاعة والمجون والمداعبة وهو شيعي مشهور بذلك(3/24)
ومن مجونه الفاضح قوله في هجاء نفسه
عبد الرسول ابن الطريحي فتى ... بكل ما يحرم فعلاً أحاط
قد شرب الخمر وداس الزنا ... وقبل المرد وغنى ولاط
وأعجب من ذلك إنه طلب تشطيرهما من الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي وألح عليه بذلك حتى أخرج له دواة وقرطاساً من عنده فشطرهما له بقوله
عبد الرسول ابن الطريحي فتى ... سما على ابليس وقت النشاط
وقبل ما بان له عارض ... بكل ما يحرم فعلاً أحاط
قد شرب الخمر وداس الزنا ... وحسن الفسق وذم الرباط
وجاوز الكفر بلا شبهة ... وقبل المرد وغنى ولاط
وله شعر كثير وكانت وفاته مطعوناً في الطاعون الكبير الواقع في بغداد سنة ست وثمانين ومائة وألف وأخذ للنجف ودفن بها عفا الله عنه.
عبد السلام الكاملي
عبد السلام بن محمد بن علي بن محمد المعروف بالكاملي وأصحه الكامدي بالدال نسبة لكامد اللوز قرية في البقاع الشافعي الدمشقي الامام العالم العلامة الفقيه النحوي الأديب الأصولي كان ورعاً عاقلاً ساكناً ذا وقار ودين وللناس فيه محبة واعتقاد وله يد طولى في النحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولد بدمشق تقريباً بعد الثمانين وألف واشتغل بطلب العلم على والده شيخ الاسلام والمحدثين الآتي ذكره وعلى الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وعمدة العلماء الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة والعلامة الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي الدمشقي وحضر دروس العلامة المدقق الشيخ يحيى الشاوي المغربي وغيرهم وتصدر للافادة بمدرسة الباذرائية وبالجامع الأموي بعد صلاة الصبح وبعد العصر تجاه المقصورة وارتحل إلى مصر وإلى الحج وإلى الروم إلى دار الخلافة ونزل مكة في دار شيخ الاسلام إذ ذاك المولى فيض الله بن حسن جان وترجمه العلامة الأديب السيد محمد أمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه ندب من طريق المجرة مصعده وفي بحبوحة فرق الفرقد مقعده محاسنه تبهر في الاتقاد وقد سلمت من التزييف والانتقاد كأن الله عهد إلى اللطف أن يكون فكأنه(3/25)
فلهذا ترى مكانه في كل عضو من أعضاء المحبة مكانه وهو من مرايا الباصرة أحق بالنظر إليه من أغفائها ومن حوايا القلب أولى بأن تكشفه من سويدائها يعز علي ويكبر لدي ويحل مني محل عيني ويدي قد أوتي فصاحة ولسنا يدع ما يلفظ حسناً
رقت معانيه ورق كلامه ... فقلت هما لي روضة ومدام
خلقته مستويه وذاته للكمال محتوية وله أدب بمثابة الروض أخضلت منه الخمائل وشعره قد أشرب رقة الخصور ولطف الشمائل انتهى مقاله ومن شعره قوله في النارنج
انظر إلى النارنج في أغصانه ... الخضر اللواتي للنواظر ممتعة
كعقود ياقوت الحسان تبددت ... فتلقطته يد الزبرجد مسرعه
ومن ذلك قول الاستاذ عبد الغني النابلسي في النارنج أيضاً
ألا قم بي إلى روض وريق ... من الأنداء عذب فم وريق
ونارنج هناك كحمر ... تظن الدوح منه في حريق
بدا في حلة خضراء يزهو ... مزررة بأزرار العقيق
وتحسب دوحه طوراً بساط ... الحرير الأخضر البادي البريق
وصبغ الأرغوان عليه باد ... كأمثال الدوائر يا رفيقي
أو الخد المورد من حياء ... خلال عذاره النضر الأنيق
أو الأكر النضار تلقفتها ... صوالج زبرج بيدي رشيق
يكاد ذوو التوهم من بعيد ... يراه كروضة ذات الشقيق
ومن ذلك قول الفاضل محمد المحمودي
وكأنما النارنج في ... أغصانه بادي التبغدد
كرة العقيق تلقفتها ... صولجان من زمرد
ومن ذلك قول السيد عبد الكريم نقيب الأشراف
ما شهدنا في الروض يا شجر النا ... رنج حقاً سواك حاز المزية
ورق من زبرجد نضر قد ... زينته ثمارك العسجدية
وقول السيد أسعد العبادي من ذلك
حكى أحمر النارنج في شجراته ... وأزهاره لما تراءى لجلاسي
قناديل ياقوت بقضب زبرجد ... مرصعة فيها حجارة الماس(3/26)
وللفاضل محمد الدكدكجي من ذلك أيضاً
وأشجار نارنج كقامة غادة ... علتها من الديباج حلتها الخضرا
وقد رفعت أزرارها ثم زررت ... بأزرار تبر تسلب العقل والفكرا
وفي النارنج لأبن المعتز
وكأنما النارنج في أغصانه ... من خالص الذهب الذي لم يخلط
كرة دحاها الصولجان إلى الهوى ... فتعلقت في جوه لم تسقط
ولظافر الحداد
تأمل فدتك النفس يا صاح منظراً ... يسر به قلب اللبيب على الفكر
حياً وإبل يجري على شجر بدا ... به شجر النارنج كالأكر التبر
دموع حذاها الشوق فانهملت على ... خدود تراءت تحت أنقبة خضر
وقال الآخر
وزكية في صفرة الدينار ... مجذوذة الجامات والأقطار
يغن عن المصباح ضوء صباحها ... فكأنما هي كبة من نار
ولأبن المعتز أيضاً
كأنما النارنج لما بدت ... صفرته في حمرته كاللهيب
وجنة معشوق رأى عاشقاً ... فاصفر ثم احمر خوف الرقيب
وقال الآخر
نارنجة أبصرتها بكرة ... في كف ظبي مشرق كالقمر
كأنه في يده جمرة ... قد أثرت فيها رؤس الأبر
وقال المعري
نار تلوح من النارنج في قضب ... لا النار تخبو ولا الأشجار تشتعل
وقال آخر
وشادن قلنا له صف لنا ... بستاننا الزاهي ونارنجنا
فقال بستانكم جنة ... ومن جنى النارنج ناراً جنى
وفي النارنج تشابيه غير ذلك وقال وقد نثر الجلنار على صفحات أوراق فشبهه المترجم بما رق وراق فقال
وكأن سقط الجلنار على ... طرس إلى البلور ذي نسب
وجه تعشقه الجمال ... فنقط خده من خالص الذهب(3/27)
وطلب من خاتمة البلغاء الاستاذ الشيخ عبد الغني تشبيهه فقال
لا تعجبوا الانتشار الجلنار على ... طرس لكم واعجبوا من صنعة الباري
بياض هذا بدا من تحت حمرة ذا ... جل المؤلف بين الثلج والنار
وقال السيد أسعد العبادي فيه
كأن سقط الجلنار على ... الطرس الذي بدا من الفضه
خد المليح وقد أشرت له ... وغمزته روضة غضه
وقال عبد الرحمن بن عبد الرزاق فيه
كان سقط الجلنا ... ر في أعالي الورق
آثار لئم قد بدت ... فوق بياض العنق
ومن بدائع المترجم قوله مؤرخاً في عذار
لما بدا خطا العذا ... ر بطلعة القمر الفريد
كمل الجمال فخلته ... كالشمس في شرف السعود
فكأن خضره نقشه ... في صفحة الخد السعيد
قطع الزبرجد نظمت ... فجعلن تيجان الخدود
أو نبت ريحان بدا ... في لوح ياقوت نضيد
أو طلع تمام أتى ... كيما ينم على الورود
أو نفحة المسك انبرت ... فوفت بما ورد وعود
أو نظم ند خلته ... ورق البنفسج في عقود
أو أرجل النمل انثنت ... عن ورد مبسمه الرود
أو خط محراب الهدى ... يصبي الحسان إلى السجود
أو مرسل في خده ... يدعو إلى دار الخلود
أو سطر حسن رق لي ... حسن التغزل والنشيد
قد قلت لما صاغه ... قلم المحاسن في الخدود
كتب الجمال مؤرخاً ... خط الزبرجد بالورود
ومن معمياته قوله في على
لاح شمساً فوق غصن يانع ... زانه خال على خد نقي
خلت تحت الشمس لما أن بدا ... طلع الورد بخديك يقي
وفي عمر(3/28)
بروحي شادن المى ... ظريف القد ممتشقه
دنا واللحظ رائده ... ورام القلب فاسترقه
وفي حسين
أفديه ظبياً بالدلال مولعاً ... رود الشباب مورد الوجنات
عذب الثنايا والمقبل مترف ... لولا التعوذ ذاب باللحظات
وكانت وفاته في يوم الجمعة الحادي والعشرين من رجب سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن عند والده الآتي ذكره بتربة الباب الصغير شرقي سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه.
عبد الصمد ابن همت
عبد الصمد بن عبد الله بن همت بن علي الخلوتي القسطنطيني أحد المشايخ المشهورين بالفضل والنبل والدراية والصلاح ولد بقسطنطينية سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بكنف والده الآتي ذكره وحفته دعواته واستظل برواقه وقرأ وحصل وتفوق ولما توفي والده المذكور في شوال سنة اثنين وعشرين بعد المائة ولي مكانه المشيخة في زاويتهم الكائنة بالقرب من البستان الجديد المعروفة بهم وتصدر للارشاد والافادة ووعظ في جوامع السلاطين بدار السلطنة كوالده وجده وآخراً صار يعظ في جامع السلطان سليمان خان وعظم قدره وفشا ذكره واعتقده الناس وكان من رؤساء المشايخ ومشاهير الوعاظ ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته سنة احدى وخمسين ومائة وألف ودفن باسكدار وسيأتي ذكر والده وولده نور الدين رحمهم الله تعالى.
عبد العال الخليلي
عبد العال بن محمد بن أحمد الخليلي السيد الشريف لأم والده الشافعي العالم الفاضل المتقن قرأ بمصر على شيوخها وانتفع بهم ودرس ما فاد وألف حاشية على الأحياء للغزالي وحاشية على شرح المنهج في الفقه وكتب بخطه كتباً كثيرة وبالجملة فقد كان من العلماء وقطن مصر إلى أن مات وكانت وفاته بمصر في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغفور الجوهري
عبد الغفور بن محمد المعروف بالجوهري الشافعي النابلسي الشيخ النحوي(3/29)
المنطقي الفقيه ولد بنابلس وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الأخرمي وأخذ الحديث عنه وأثنى عليه في قوة الفهم وكان الشيخ المذكور من خيار العلماء عالماً محدثاً فقيهاً وله تآليف منها شرح الجامع الصغير في الحديث في مجلدين وشرح على ألفية بن مالك في النحو وله غير ذلك من تآليف وحواشي وكانت وفاته في شعبان سنة احدى وتسعين وألف وتنبل المترجم وكان له قدم راسخ في التصوف وأخذ طريق السادة الشاذلية عن الاستاذ الشيخ محمد المزطاري المغربي وأجازه وكتب له اجازة واجتمع بالاستاذ الدمشقي الشيخ عبد الغني المعروف بالنابلسي في رحلته لتلك الأماكن وكتب له الاستاذ المذكور على اجازة الشيخ المزطاري قوله
إن هذا المجاز عبد الغفور ... في طريق للشاذلية نور
أسعدته اجازة من مجيز ... في مراقي ذوي التقى مشهور
زاده الله هيبة وكمالاً ... وحباه بفضله والأجور
وحماه من لك سوء وشر ... وعليه والي كثير السرور
وأنا العبد للغني ومن نا ... بلس نسبتي لدى الجمهور
لم تزل رحمة المهيمن تحمي ... أهل هذا الطريق أسد الخدور
ما سرت نسمة على روض زهر ... وانثنى الغصن من غناء الطيور
ومن تآليف المترجم حاشية مفيدة على شرح المعفوات لأبن العماد وشرح لطيف على قصيدة الشيخ أبي مدين الغوث التي مطلعها ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا وله رسائل في التصوف.
الشيخ عبد الغني النابلسي
قدس سره
الشيخ عبد الغني بن إسمعيل بن عبد الغني بن إسمعيل بن أحمد بن إبراهيم المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري استاذ الأساتذة وجهبذ الجهابذة الولي العارف ينبوع العوارف والمعارف الامام الوحيد الهام الفريد العالم العلامة الحجة الفهامة البحر الكبير الحبر الشهير شيخ الاسلام صدر الأئمة الأعلام صاحب المصنفات التي اشتهرت شرقاً وغرباً وتداولها الناس عجماً وعرباً ذو الأخلاق الرضية والأوصاف السنية قطب الأقطاب الذي لم تنجب بمثله الأحقاب العارف بربه والفائز بقربه وحبه ذو الكرامات الظاهرة والمكاشفات الباهرة
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل
وعلى كل حال فهو الذي لا تستقصي فضائله بعبارة ولا تحصر صفاته وفواضله باشارة والمطول في مدح جنابه مختصر جداً والمكثر في نعت صفاته مقل(3/30)
ولو بلغ نهاية وحدا ولد بدمشق رضي الله عنه في خامس ذي الحجة سنة خمسين وألف وكان والده سافر إلى الروم وهو حمل فبشر والدته به المجذوب الصالح الشيخ محمود المدفون بتربة الشيخ يوسف القميني بسفح قاسيون وأعطاها درهماً فضة وقال لها سميه عبد الغني فإنه منصور وتوفي الشيخ محمود المذكور قبل ولادة الشيخ بأيام ثم وضعته في التاريخ المذكور وشغله والده بقراءة القرآن ثم بطلب العلم وتوفي والده في سنة اثنين وستين وألف فنشأ يتيماً موفقاً واشتغل بقراءة العلم فقرأ الفقه وأصوله على الشيخ أحمد القلعي الحنفي والنحو والمعاني والتبيان والصرف على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والحديث ومصطلحه على الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ التفسير بالمدرسة السليمية وفي شرح الدر بالجامع الأموي ودخل في عموم اجازته وحضر دروس النجم الغزي ودخل في عموم اجازته وقرأ أيضاً وأخذ على الشيخ محمد بن أحمد الأسطواني والشيخ إبراهيم بن منصور القتال والشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والسيد محمد بن كمال الدين الحسيني الحسني بن حمزة نقيب الأشراف بدمشق والشيخ محمد العيثاوي والشيخ حسين بن اسكندر الرومي نزيل المدرسة الكلاسة بدمشق وشارح التنوير وغيره والشيخ كمال الدين العرضي الحلبي الأصل الدمشقي والشيخ محمد بن بركات الكوافي الحمصي ثم الدمشقي وغيرهم وأجاز له من مصر الشيخ علي الشيراملسي وأخذ طريق القادرية عن الشيخ السيد عبد الرزاق الحموي الكيلاني وأخذ طريق النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي وابتدأ في قراءة الدروس وإلقائها والتصنيف لما بلغ عشرين عاماً وأدمن المطالعة في كتب الشيخ محي الدين ابن العربي قدس الله سره وكتب السادة الصوفية كابن سبعين والعفيف التلمساني فعادت عليه بركة أنفاسهم فأتاه الفتح اللدني فنظم بديعية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فاستبعد بعض المنكرين أن تكون من نظمه فاقترح عليه أن يشرحها فشرحها في مدة شهر شرحاً لطيفاً في مجلد ثم نظم بديعية اخرى والتزم فيها تسمية النوع وشرع في إلقاء الدروس بالجامع الأموي فاقراً بكرة لنهر في عدة فنون وبعد العصر في الجامع الصغير ثم الأربعين النووية ثم الاذكار النووية وغيرها وبايع في آخر عمره سنة وفاته جميع العباد بالملأ العام بين الأنام(3/31)
وصدر له في أول إمرة أحوال غريبة وأطوار عجيبة واستقام في داره الكائنة بقرب الجامع الأموي في سوق العنبرانيين مدة سبع سنوات لم يخرج منها وأسدل شعره ولم يقلم أظفاره وبقي في حالة عجيبة وصارت تعتريه السودا في أوقاته وصارت الحساد تتكلم فيه بكلام لا يليق به من أنه يترك الصلوات الخمس وإنه يهجو الناس بشعره وهو رضي الله عنه برئ من ذلك وقامت عليه أهالي دمشق وصدر منهم في حقه الأفعال الغير المرضية حتى إنه هجاهم وتكلم بما فعلوه معه ولم يزل حتى أظهره الله للوجود وأشرقت به الأيام ورفل في حلل الاقبال والسعود وبادرت الناس للتملي باجتلاء بركاته والترجي لصالح دعواته ووردت عليه أفواج الواردين وصار كهف الحاضرين والوافدين واستجير من سائر الأقطار والبلاد وعمت نفحاته وعلومه الأنام والعباد وارتحل أولاً إلى دار الخلافة في سنة خمس وسبعين وألف فاستقام بها قليلاً وفي سنة مائة بعد الألف ذهب إلى زيارة البقاع وجبل لبنان ثم في سنة احدى ومائة بعد الألف ذهب إلى زيارة القدس والخليل ثم في سنة خمس ومائة ذهب إلى مصر ومن ثمة إلى الحجاز وهي رحلته الكبرى ولكل من هذه الزيارات رحله سيجئ ذكرها وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ذهب إلى طرابلس الشام نحو أربعين يوماً وصنف فيها رحلة صغيرة ولم تشتهر وانتقل من دمشق من دار أسلافه إلى صالحيتها في ابتداء سنة تسع عشرة ومائة وألف إلى دارهم المعروفة بهم الآن إلى أن مات بها وكان يدرس البيضاوي في صالحية دمشق بالسليمية جوار الشيخ الأكبر قدس سرهما وابتدأ بالدرس من سنة خمس عشرة ومائة وألف وتآليفه ومصنفاته كثيرة وكلها حسنة متداولة مفيدة ونظمه لا يحصى لكثرته.
ومن تصانيفه التحرير الحاوي بشرح تفسير البيضاوي وصل فيه من أول سورة البقر إلى قوله تعالى من كان عدو الله في ثلاث مجلدات وشرع في الرابع ومنها بواطن القرآن ومواطن العرفان كله منظوم على قافية التاء المثناة وصل فيه إلى سورة براءة فبلغ نحو الخمسة آلاف بيت ومنها كثر الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين والحديقة النديه شرح الطريقة المحمدية للبركلي الرومي وذخائر المورايث في الدلالة على مواضع الأحاديث وجواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره وكشف السر الغامض شرح ديوان ابن الفارض وزهر الحديقة في ترجمة رجال الطريقة وخمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ(3/32)
أرسلان وتحريك إلا قلبه في فتح باب التوحيد ولمعان البرق النجدي شرح تجليات محمود أفندي الرومي المدفون باسكدار والمعارف الغيبية شرح العينية الجيلية واطلاق القيود شرح مرآة الوجود والظل الممدود في معنى وحدة الوجود ورائحة الجنة شرح اضاءة الدجنة وفتح المعين المبدي شرح منظومة سعدي أفندي ودفع الاختلاف من كلام القاضي والكشاف وإيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود وكتاب الوجود الحق والخطاب الصدق ونهاية السول في حلية الرسول صلى الله عليه وسلم ومفتاح المعية شرح الرسالة النقشبندية وبقية الله خير بعد الفناء في السير والمجالس الشامية في مواعظ أهل البلاد الرومية وتوفيق الرتبة في تحقيق الخطبة وطلوع الصباح على خطبة المصباح والجواب التام عن حقيقة الكلام وتحقيق الانتصار في اتفاق الأشعري والماتريدي على الاختيار وكتاب الجواب عن الأسئلة المائة والاحدى والستين وبرهان الثبوت في تربة هاروت وماروت ولمعان الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار وتحقيق الذوق والرشف في معنى المخالفة بين أهل الكشف وروض الأنام في بيان الاجازة في المنام وصفوة الأصفياء في بيان الفضيلة بين الأنبياء والكوكب الساري في حقيقة الجزء الاختياري وأنوار السلوك في أسرار الملوك ورفع الريب عن حضرة الغيب وتحريك سلسلة الوداد في مسئلة خلق أفعال العباد وزبد الفائدة في الجواب عن الأبيات الواردة والنظر المشرفي في معنى قول الشيخ عمر ابن الفارض عرفت أم لم تعرف والسر المختبي في ضريح ابن العربي رضي الله عنه والمقام الأسمي في امتزاج الاسما وقطرة السماء ونظرة العلماء والفتوحات المدنية في الحضرات المحمدية والفتح المكي واللمح الملكي والجواب المعتمد عن سؤالات أهل صفد ولمعة النور المضية شرح الأبيات السبعة الزائدة من الخمرية الفارضية والحامل في الملك والمحمول في الفلك في أخلاق النبوة والرسالة والخلافة في الملك والنفحات المنتشرة في الجواب عن الأسئلة العشرة عن أقسام البدعة والقول الأبين في شرح عقيدة أبي مدين وهو المسمى بابن عراق وكشف النور عن أصحاب القبور وفيه كرامات الأولياء بعد الموت وبذل الاحسان في تحقيق معنى الانسان والقول العاصم في قراءة حفص عن عاصم نظماً على قافية القاف وشرح هذا النظم صرف العنان إلى قراءة حفص بن سليمان والجواب المنثور والمنظوم عن سؤال المفهوم وكتاب علم الملاحة في علم الفلاحة وتعطير الأنام(3/33)
في تعبير المنام والقول السديد في جواز خلف الوعيد والرد على الرجل العنيد ورد التعنيف على المعنف واثبات جهل هذا المصنف وهدية الفقير وتحية الوزير والقلائد الفرائد في موائد الفوائد في فقه الحنفية على ترتيب أبواب الفقه وكتاب ريع الافادات في ربع العبادات وكتاب المطالب الوفيه شرح الفرائد السنيه منظومة الشيخ أحمد الصفدي وديوان الألهيات الذي سماه ديوان الحقائق وميدان الرقائق ويدوان المدائح النبوية المسمى بنفحة القبول في مدحة الرسول وهو مرتب على الحروف وديوان المدائح المطلقة والمراسلات والألغاز وغير ذلك وديوان الغزليات المسمى خمرة بابل وغناء البلابل وغيث القبول همي في معنى جعلا له شركاء فيما آتاهما ورفع الكساء عن عبارة البيضاوي في سورة النساء وجمع الأشكال ومنع الأشكال عن عبارة تفسير البغوي والجواب عن عبارة في الأربعين النووية في قوله رويناه ورفع الستور عن متعلق الجار والمجرور في عبارة خسرو والشمس على جناح طائر في مقام الواقف السائر والعقد النظيم في القدر العظيم في شرح بيت من بردة المديح وعذر الأئمة في نصح الأمة وجمع الأسرار في منع الأشرار عن الظن
في الصوفية الأخيار وجواب سؤال ورد من طرف بطرك النصارى في التوحيد قال المصحح البطرك على وزن قمطر وبرمك وبطريق وزان زنديق بمعنى انتهى وفتح الكبير بفتح راء التكبير ورسالة في سؤال عن حديث نبوي وتحقيق النظر في تحقيق النظر في وقف معلوم وجواب سؤال في شرط واقف من المدينة المنورة وكشف الستر عن فريضة الوتر ونخبة المسئلة شرح التحفة المرسلة في التوحيد وبسط الذراعين بالوصيد في بيان الحقيقة والمجاز في التوحيد ورفع الاشتباه عن علمية اسم الله وحق اليقين وهداية المتقين ورسالة في تعبير رؤيا سئل عنها وارشاد المتملي في تبليغ غير المصلي وكفاية المستفيد في علم التجويد ورسالة في حل نكاح المتعتقة على الشريعة وصدح الحمامة في شروط الامامة وتحفة الناسك في بيان المناسك وبغية المكتفي في جواز الخف الحنفي والرد الوفي على جواب الحصكفي في رسالة الخف الحنفي وحلية الذهب الابريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز ورنة النسيم وغنة الرخيم وفتح الانفلاق في مسئلة على الطلاق والخضرة الأنسية في الرحلة القدسية ورد المتين على منتقص العارف محيي الدين والحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز ووسائل التحقيق في رسائل التدقيق في مكاتبات علمية وإيضاح الدلالات في سماع الآلات وتخيير العباد في سكن البلاد ورفع لضروره عن حج الصيروره ورسالة في الحث على الجهاد واشتباك(3/34)
الأسنه في الجواب عن الفرض والسنه والابتهاج في مناسك الحاج وأجوبة الأنسيه عن الأسئلة القدسيه وتطييب النفوس في حكم المقادم والرؤس والغيث المنبجس في حكم المصبوغ بالنجس واشراق المعالم في أحكام المظالم ورسالة في احترام الخبز واتحاف من بادر إلى حكم النوشادر والكشف والتبيان عما يتعلق بالنسيان والنعم السوابغ في احرام المدني من رابغ وسرعة الانتباه لمسئلة الاشتباه في فقه الحنفية ورسالة في جواب سؤال من بيت المقدس وتحفة الراكع الساجد في جواز الاعتكاف في فناء المساجد وجواب سؤال ورد من مكة المشرفة عن الاقتداء من جوف الكعبة وخلاصة التحقيق في حكم التقليد والتلفيق وابانة النص في مسئلة القص أي قص اللحية والأجوبة البته عن الأسئلة السته ورفع العناد عن حكم التفويض والاسناد في نظم الوقف وتشحيذ لأذهان في تطهير الأدهان وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية وتفوه الصور شرح عقود الدرر فيما يفتي به على قول زفر والكشف عن الأغلاط التسعة من بيت الساعة من القاموس ورسالة في حكم التسعير من الحكام وتقريب الكلام على الافهام في معنى وحدة الوجود والنسيم الربيعي في التجاذب البديعي وتنبيه من يلهو عن صحة الذكر بالاسم هو والكواكب المشرقة في حكم استعمال لمنطقة من الفضة ونتيجة العلوم ونصيحة علماء الرسوم في شرح مقالات السرهندي المعلوم ورسالة في معنى البيتين رأت قمر السماء فاذكرتني إلى آخره وتكميل النعوت في لزوم البيوت وسؤال ورد في بيت المقدس ومعه جواب منه والجواب الشريف للحضرة الشريفة إن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة وتنبيه الافهام على عدة الحكام شرح منظومة القاضي محب الدين الحموي وأنوار الشموس في خطب الدروس ومجموع خطب التفسير وصل فيه إلى ستمائة خطبة واثنين وثلاثين والأجوبة المنظومة عن الأسئلة المعلومة من جهة بيت المقدس والتحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية والعبير في التعبير نظماً من بحر الرجز وتحصيل الأجر في حكم أذان الفجر وقلائد المرجان في عقائد الايمان والأنوار الألهية شرح المقدمة السنوسية وغاية الوجازة في تكرار الصلاة على الجنازة وشرح أوراد الشيخ عبد القادر الكيلاني وكفاية العلام في أركان الاسلام منظومة مائة وخمسون بيتاً ورشحات الاقدام شرح كفاية الغلام والفتح الرباني والفيض الرحماني وبذل الصلاة في بيان الصلاة على مذهب الحنفية ونور الأفئدة شرح المرشدة واسباغ المنه في أنهار الجنة ونهاية المراد شرح هدية ابن العماد في فقه الحنفية وإزالة الخفا(3/35)
عن حلية المصطفى صلى الله عليه وسلم ونزهة الواجد في الصلاة على الجنائز في المساجد وصرف الأعنه إلى عقائد أهل السنه وسلوى النديم وتذكرة العديم والنوافج الفائحة بروائح الرؤيا الصالحة والجوهر الكلي شرح عمدة المصلي وهي المقدمة الكيدانية وحلية العارمي في صفات الباري والكوكب الوقاد في حسن الاعتقاد وكوكب الصبح في إزالة ليلة
القبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيلبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان(3/36)
وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيل
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتح نوراً أو تنظم جوهراً
مصون اللسان عن اللغو والشتم لا يخوض فيما لا يعنيه ولا يحقد على أحد يحب الصالحين والفقراء وطلبة العلم ويكرمهم ويجلهم ويبذل جاهه بالشفاعات الحسنة لولاة الأمور فتقبل ولا ترد معرضاً عن النظر إلى الشهوات لا لذة له الا في نشر العلم وكتابته رحيب الصدر كثير السخاء وله كرمات لا تحصى وكان لا يحب أن تظهر عليه ولا أن تحكي عنه هذا مع اقبال الناس عليه ومحبتهم له واعتقادهم فيه ورأى في أواخر عمره من العز والجاه ورفعة القدر ما لا يوصف ومتعه الله بقوته وعقله فكان يصلي النافلة من قيام ويصلي التراويح في داره اماماً بالناس إلى أزمات ويقرأ الخط الدقيق ويكتب في تصانيفه كشرح البيضاوي وغيره بعد أن جاوز التسعين وكنت عزمت على أن أشنف الأسماع بشيء من شعره ونثره ثم رأيت إن الله سبحانه وتعالى قد نشرهما في البلاد فشعره ينشد في المحافل ويحفظه الناس وسار مسير الشمس في كل بلدة وتطرزت به المجاميع من الآداب فاقتصرت من بحر ترجمته على هذه القطرة ومن كنز مآثره ومناقبه على هذه الشذرة وقد أخذ عنه الوالد وأجازه حين ختم عليه الجد الفتوحات المكية ودعا له وشملته بركاته وأما احصاء فضائله فلا تطاق بترجمه وتصير منها بطون الأوراق مفعمه وبالجملة فهو الأستاذ الأعظم والملاذ الأعصم والعارف الكامل والعالم الكبير العامل القطب الرباني والغوث الصمداني من أظهره الله فأشرقت به شموس الارشاد والعلوم وأظهر خفيات ما رق عن الافهام وصير المجهول معلوم وقد حاز تاريخي هذا كمال الفخر حيث احتوى على مثل هذا الامام الذي أنجبه الدهر وجاد به العصر وهو أعظم من ترجمته علماً وولاية وزهداً وشهرة ودراية مرض رضي الله عنه في السادس عشر من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وانتقل بالوفاة عصر يوم الأحد الرابع والعشرين من الشهر المذكور وجهز يوم الأثنين الخامس والعشرين من الشهر وصلى عليه في داره ودفن بالقبة التي أنشأها في أواخر سنة ست وعشرين ومائة وألف وغلقت البلد يوم موته وانتشرت الناس في جبل الصالحية(3/37)
لكون البيت امتلأ وغص بالخلق وبنى حفيده الشيخ مصطفى النابلسي إلى جانب ضريحه جامعاً حسناً بخطبة والآن يتبرك به ويزار سيما في صبيحة يوم السبت رضي الله عنه وقد صنف ابن سبطه صاحبنا العالم كمال الدين محمد الغزي العامري في ترجمته كتاباً مستقلاً سماه الورد القدسي والوارد الأنسي في ترجمة العارف عبد الغني النابلسي فمن أراد الزيادة على ما ذكرناه فعليه به فإنه جامع للعجب العجاب من ترجمته قدس الله سره.
عبد الغني بن رضوان
عبد الغني بن رضوان الحنفي الصيداوي مفتي الحنفية بها ومحققها الشيخ العالم العلامة الكامل الصالح كان متضلعاً من العلوم وله يد طولى فيها ويحب أهل الله من المجاذيب وفضله أشهر من أن يذكر وبالجملة فقد كان خاتمة البلغاء والعلماء بصيدا ولم يخلفه شبه له ولد بها في سنة احدى ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وكنز الدقائق وألفية ابن مالك وقدم دمشق واشتغل بها في العلوم على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي نزيلها والشيخ أبو المواهب الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليل والشيخ عثمان الشمعة وأخذ الحديث عن الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر بالجامع الأموي ومكث بدمشق ثلاث سنوات ثم عاد إلى صيدا وارتحل منها إلى مصر ومكث فيها احدى عشرة سنة وهو مشتغل بالعلوم ليلاً ونهاراً وأخذ بها عن جماعة كالشيخ علي العقدي والشيخ أحمد الملوي والشيخ السيد علي الاسكندري ومنصور المنوفي وعبد الرؤف البشبيشي قرأ عليه البيضاوي في التفسير وكان مشاركاً له في القراءة الشيخان العالمان الشيخ علي كزبر الدمشقي والشيخ محمد همات الدمشقي نزيل قسطنطينية ثم عاد إلى صيدا وتولى الافتاء بها وأحياها بالعلوم واشتغل عليه جم غفير من أهلها وكان سيبويه زمانه فإنه اشتهر بالنحو وتفسير الرؤيا واستقام على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغني بن فضل الله
عبد الغني بن فضل الله بن عبد القادر الصالحي الحيسوب الفرضي البارع أخذ وقرأ على عدة شيوخ وانتفع بهم ومهر بأمر المساحة والمناسخات وكان مشهوراً بالفرائض وتتخذه أرباب القرايا والزراعات لمسح الأراضي وحصل له صمم في اذنه وافتقر وتغير حاله وأتعبه الدهر وكانت وفاته في سنة ست وثمانين(3/38)
ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغني الياغوشي
عبد الغني بن محمد بن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا صاحب الخان والوقف المعروفين بدمشق الشريف لأمه الدمشقي الحنفي الكاتب البارع النبيه الفطن الذكي ولد بدمشق ليلة السبت خامس شعبان سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وأخذ الخط عن خاتمة الأدباء أحمد بن حسين الكيواني وبرع بصناعة الانشاء وتعلق على مطالعة كتب الأدب والمحاضرات ولازم الأدباء وجالسهم وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحل لقسطنطينية صحبة قاضي مكة المولى أحمد عطاء الله عرب زاده الذي هو الآن قاضي العساكر ورئيس العلماء واجتمع بصدور الدولة ورؤسائها ولما تولى الصدارة الكبرى الوزير محمد باشا السلحدار صار يتفحص عن أمور الدولة فأخبر عن المترجم بأشياء ذميمة فصدر الأمر بنفيه إلى جزيرة لمنى فبعد وصوله فر منها وقدم بروسه ولما أعطى الوزارة الكبرى الوزير محمد عزت باشا أطلق المترجم وأدخله في سلك الكتاب كتاب الوزير وعين له بعض التعيينات السلطانية وفي سنة سبع وتسعين وجهت وزارة دمشق للوزير درويش باشا ابن عثمان باشا فرغب صاحب الترجمة في الانتماء والانتساب إليه فترجى من الدولة أن ينعموا عليه بأمر سلطاني يصير سبباً لمجيئه لدمشق فأنعموا عليه بأمرين أحدهما خطاب لوالي حلب والثاني للوزير المذكور مع بعض أوامر فقدم حلب ودمشق وصدرت منه زلة أيضاً صارت سبباً لنفيه مرة ثانية فنفي بالأمر السلطاني إلى جزيرة عورت تجاه بلدة طرابلس الشام ثم جاءه العفو فرجع إلى دمشق وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الأدب منيف فمنه قوله ممتدحاً الوالد المرحوم
ريم رشيق القد مائس ... قد بات لي سحراً موانس
نشوان من خمر الشبا ... ب مهفهف الأعطاف مائس
حلو الحديث وبارد الأنفاس ... ساجي الطرف ناخس
وافى وقد هدأت عيو ... ن الدار من واش وحارس
فجلوت منه الشمس في ... غسق وجنح الليل دامس
وأخذت منه طائعاً ... ما كنت آخذ منه ناعس
ولمست من أعطافه ... ما لم يلامسه ملامس
أفديه من متوحش ... قد صار لي في الوصل آنس(3/39)
لم أنس ليلة بات لي ... ذاك الغزال بها مجالس
حتى شهدت بحسنه ... حرب البسوس وحرب داحس
أشبهت يا ريم الكناس ... محاسناً صنم الكنائس
ألبستني حلل الضنا ... وشغلت قلبي بالهواجس
عجبي لطرفك كيف أسهرني ... بحبك وهو ناعس
وضعيف خصرك كيف ... صلت به على الشوس المعاوس
إن لم تتب عما جنيت ... وترتدع عن ذي الوساوس
أشكو فعالك للهمام ... الندب معدوم المجانس
بدر المساجد والمدا ... رس والمنابر والمجالس
نبراس آل محمد الغر ... الميامين النبارس
سيف السيادة من به ... رغمت من الأعدا معاطس
نعمان أرباب الدروس ... فقيه أصحاب الطيالس
مخدوم سلطان الورى ... مولى الجميع بلا مجانس
قطب له الفضلاء في ... وقت الدروس غدت فرائس
نعس الذي أضحى له ... في الجود والاقدام قانس
هذا الذي واسى وقد ... عز المواسي والموانس
بحر السماح ومن تهلل ... وجهه والجو عابس
نطق إذا ازدحم الندى ... بكل مرؤس ورائس
تجثو الرؤس للثم أخمصه ... وتزدحم القلانس
فاهنأ بشهر الصوم يا ... شمس المكارم والنبارس
شهر عظيم قدره ... ولنا به الحنان حارس
مولاي دعوة آمل ... من عطف قلبك غير آبس
فأزح بصبح رضاك عن ... قلبي من الكرب الحنادس
وألن لي الزمن الذي ... ما زال قاصي العطف شابس
واليكها عذراء تر ... فل من مديحك في ملابس
عربية لم يأت قط ... بمثلها في الحسن فارس
كلا ولا عبرت على ... فكر الفحول بني مكانس
فانحر لها بدر النضا ... ر وزفها زف العرائس
وبقيت ما بقيت تنا ... شدها الأكارم في المجالس(3/40)
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكانت وفاته بدمشق مطعوناً شهيداً في منتصف رجب الأصم سنة مائتين وألف ودفن عند سلفه بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الغني بن محيي الدين بن مكية
عبد الغني بن محيي الدين الحنفي النابلسي وتقدم عم والده حافظ الدين ابن مكية أحد الأذكياء الأفاضل ولد قبل المائة واشتغل بحفظ القرآن وتجويده على والده الخطيب بالجامع الصلاحي وتفقه على عم أبيه المذكور ثم رحل لمصر القاهرة وجاور بالجامع الأزهر وشمر ساق عزمه في التحصيل وفاز بحظ جزيل حتى قيل لا نجد كعبد الغنى في تحقيق المعاني وتدقيق المباني وعاد لوطنه وصار فارس الرهان في مضمار البيان وتولى افتاء نابلس ودرس بها وانتفع عليه جملة من الطلبة وفد نظم العشرة التي لا تجتمع مع عشرة بقوله
نهى أمامنا أبو حنيفة ... عن اجتماع عشرة منيفة
مع مثلها أيضاً فكن متبعاً ... لقوله وما تلا فاستمعا
وبعضهم قد ضم أشياء أخر ... لا تجتمع وذاك قول منتصر
الأول القطع مع الضمان ... وجلدهم والرجم يفترقان
تيمم مع الوضوء يمتنع ... والعشر مع خراجهم لا يجتمع
والأجر والضمان ثم المتعة ... مع مهر مثل قيمة والدية
جلد مع النفي إلى الأقطار ... والأجر مع غنم من الكبار
وهكذا القصاص والكفارة ... وصوم فرض وقضى ما اختاره
وفدية وهكذا الصوم ... وصية ميراث زاد القوم
والحيض أيضاً واستحاضة أتت ... كماله الجمهور نصاً قررت
كانت وفاته في ليلة السابع والعشرين من رمضان بعد قيامه من المقرأ وقد وقفوا على سورة الواقعة والنوبة إذ ذاك عليه سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح التميمي
عبد الفتاح بن درويش التميمي الحنفي النابلسي خاتمة المحققين الشيخ العالم الفاضل الفقيه جاور بالقدس وتفقه على مفتيها الشيخ السيد عبد الرحيم المطفي(3/41)
ولما توسم النجابة فيه زوجه بابنته وأظهر بين أقرانه علو رتبته وباشر افتاء القدس عنه مرات متعددة بطريق الوكالة أخبر ولده بأنه لم يعهد نفسه الا في حفظ القرآن وتجويده وله من التآليف كتاب في الفقه غزير الفوائد سماه الفوائد الفتاحية في فقه الحنفية وله فتاوي لطيفة جمعها مدة مباشرته الفتيا وكانت وفاته في أواخر سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ولديه مصطفى ومحمد في محلهما رحمهما الله تعالى.
عبد الفتاح بن مغيزل
عبد الفتاح بن مصطفى بن عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الفاضل الأديب البارع الطبيب كان له في الأدب وفنونه الاطلاع والوقوف التام مع مهارة في علم الطب والحكمة دمث الأخلاق حسن العشرة طيب المذاكرة سلم الناس من يده ولسانه لا يعتني فيما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بشيء إلى المذلة بدنيه ولد بدمشق في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف كما أخبرني من لفظه واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على جده السيد عبد الباقي والشيخ محمد الحبال والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ محمد الديري وانتفع على الشيخ محمد قولقسز وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الغزي الفرضي مفتي الشافعية بدمشق وعلى الشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي كزبر وحضرهم وأخذ عن الأستاذين العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ مصطفى الصديقي وفي آخر أمره لازم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وحضره في الفتوحات المكية وشرح فصوص الحكم للجندي وغيرهما وكان تحفة ندمانه وشمامة خلانه مصطحباً زمرة أفاضل وأدباء وسادة وكان يكثر التردد إلى بني حمزة النقباء بدمشق وهو من خواصهم وكان في الطب يراجع ويعالج المرضي وكانت عليه وظائف قليلة فرغها لأبن أخيه عند موته وفي آخر أمره حصل له داء المفاصل فنكد عيشه وأفناه وأعله وأضناه فكان تارة يخرج من البيت وتارة يستقيم وملازمته لداره أكثر وصدق عليه قول القائل
ومن حكم المولى التي تبهر النهى ... طبيب يداوي الناس وهو عليل
ولم يزل مرضه يزداد إلى أن مات ومن شعره الباهي ما كتبه إلى حين قدمت من الديار الروميه ممتدحاً(3/42)
ضاءت بطلعتك الأكوان وابتهجت ... بك المنازل بل قرت بك المقل
وطائر اليمن نادى بالمنى علناً ... بشرى لنا الامن لا خوف ولا وجل
رقيت أوج المعالي يا ابن بجدتها ... فدون رتبتك العليا غدا زحل
حويت كل بديع في القريض فلو ... أدركت سحبان لم يضرب به المثل
سموت بالفضل حتى قيل ليس لنا ... سوى الخليل مجيباً كل ما سألوا
وجدت حتى غدا الطائي في خجل ... وآب راجيك لم يقصر به الأمل
ونلت بالعزم بل بالحزم ما قصرت ... عنه الصدور فأنت الأوحد البطل
لله درك يا نجل العلى لقد ... نظمت شمل الدراري بعدما افلوا
فاسلم ودم ببقاء الدهر مرتقياً ... تحيي مآثر ما قد شاده الأول
وأهنأ بعام جديد دمت في دعة ... ورفعة ببرود المجد تشتمل
واعذر أخاً فكرة أقصى مداركها ... وهن العظام وشيب الرأس مشتعل
ومن شعره ما قاله بقرية الهامة في وادي بردا أحد منتزهات دمشق
يا حسن روض حللنا ضمن ساحته ... يزهو بأربعة تمت بها النعم
لطف النسيم وزهر الروض يخجله ... ثغر الحبيب إذا ما افتر يبتسم
وجدول كلما ينساب تحسبه ... جيش الأراقم ولي وهو منهزم
وبدر تم سقاني من لواحظه ... خمراً فأحيى فؤاداً شفه السقم
يذير ما بيننا راحاً معتقة ... كأنما هي في راحاته صنم
فيالها خلسة جاد الزمان بها ... كأنها في دجى آمالنا حلم
وله في التدبيج
يا حسن ظبي رشيق القد ذي هيف ... يسبي عقول الورى منه بلامين
وأسود الخال في محمر وجنته ... يحمي بياض الطلا من أزرق العين
وفي ذلك للشيخ مصطفى بن أسعد اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق
ورب ليل نقى الأفق من علل ... لقد كسى حلة التدبيج واعتدلا
فاحمر بالشفق القاني أزرقه ... وابيض البدر مسود الظلام جلا
وله أيضاً
وروض بهيج قد تفتق نوره ... كسته يد التدبيج أحسن ملبس
بأحمر منثور وأزرق سوسن ... وأخضر ريحان واصفر نرجس
ومن ذلك قول السيد محمد الشويكي
لا تلمني إذا تنقع لوني ... وجفت لذة الرقاد جفوني(3/43)
فاصفراري من فيض أحمر دمعي ... وهو من فتك بيض سود عيون
وله أيضاً
ورب ليل بدر الغيث جادلنا ... وقد كسى حلة التدبيج للأفق
فابيض البرق وضاح بأسوده ... وأزرق الغيم غطى أحمر الشفق
ومن ذلك ما أنشد الفاضل محمد سعيد النابلسي
قم لداعي السرور في روض أنس ... دبجته الأزهار بالانتهاض
أبيض الياسمين فيه يناجي ... أحمر الورد في اخضرار الرياض
وله
بروحي غزال صاد قلبي بطرفه ... وأحرمني طيب المنام لبعده
له مقلة سوداء أحمر مدمعي ... عليها جرى مذ هز أسمر قده
وفي ذلك للشيخ سعيد المقدسي الصالحي
هذا الشقيق لقد أتت أيامه ... فانهض لمنظره وحسن نضاره
قد خلت أسوده وأحمره معاً ... خد الجيب مدبجاً بعذاره
وفيه للشيخ محمد بن عثمان الشمعة قوله
وروض أريض لاح يحكي بنوره ... بدائع وشيء من ملابس خاقان
بأصفر منثور وأزرق سنبل ... وأحمر ورد ثم أخضر ريحان
وله أيضاً
وروض حوى كل المحاسن وازدهى ... بأنواع أزهار بها الطرف ينجلي
بأصفر وحواح وأحمر لعلع ... وأخضر نمام وأزرق سنبل
وفي التدبيج للصلاح الصفدي وهو قوله
اشتهرت وانتشرت حيلتي ... في حبه مذ زاد في صده
قومي الأسود من طرفه ... وموتي الأحمر من خده
ويحسن قول الشاب الظريف
تدبيج حسنك يا حبيبي قد غدا ... في الناس أصل تولهي وبلائي
وبالطرة السوداء تحت الغرة ... البيضاء فوق الوجنة الحمراء
وقول عز الدين الموصلي
خضرة الصدغ والسواد من العين ... بياض المشيب قد أورثاني
واحمرار الدموع صفر خدي ... كل ذا من تلونات الزمان
وأحسن من ذلك قول الحريري في المقامة الزورائيه(3/44)
فلهذا أغبر العيش الأخضر وأزور المحبوب الأصفر وأسود يومي الأبيض وأبيض فودي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق فيا حبذا الموت الأحمر انتهى ومن معميات صاحب الترجمه في اسم مروان
جرعتني كأس الصدود وطالما ... علقت بقلبي في الغرام يد النوى
وتركتني حيران صبا هائماً ... أروي حديث صبابتي فبمروري
وله في اسم قاسم
يا حسن بدر مشرق بجماله ... إن لاح حسناً تنكسف شمس النهار
لا من كؤوس الراح سكري انما ... من ثغره ساق على الندمان دار
ومن شعره مضمناً المصراع الأخير
لقد زار الحبيب بجنح ليل ... فأوسعت المعاطف منه ضما
ولام العاذلون فقلت كفوا ... فلي اذن عن الفحشاء صما
ومن ذلك تضمين الشيخ سعيد السمان وهو قوله
دعوني والغرام ولا تطيلوا ... ملاماً بقصم الحجر الأصما
فلي قلب عليه مستقيم ... ولي اذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد المنيني فقال
لحاني العاذلون وعنفوني ... فولت عنهم الأسماع صما
ولم أسمع مقالتهم بلوم ... ولي اذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ أحمد العمري فقال
وشمس في يدي قمر تبدت ... يطوف بها كبدر التم ألمى
ويثني عطفه والجيد نحوي ... فأهصر خوط بان طاب ضما
وأجنى من رياض الخد ورداً ... نضيراً قد زكا شماً ولثما
وارشف خمرة من فيه سكراً ... لقد دقت عن الآراء فهما
واستمع المثاني لا أبالي ... بواش أوسع الأسماع سقما
وإني والهوى والشطح قسمي ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ السيد مصطفى الحموي نزيل دمشق فقال
يؤمنني العذول على تلافي ... بمن من لحظه لي راش سهما
رويدك كيف أسمع منك عذلاً ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه المولى حامد العمادي المفتي فقال
إذا زار الحبيب بغير وعد ... وأطفأ جمرة الأشواق لثما(3/45)
يذكرني جفاه حين وافى ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه السيد حسين بن عبد الرحمن السرميني فقال
وأحدب يسترق القول عني ... ويقصدني لكي يزداد دائما
فلي عين تكف الطرف عنه ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الثاني سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية في مرج الدحداح ولم يعقب الا البنات رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح السباعي
عبد الفتاح بن محمد المعروف بالسباعي الحنفي الحمصي الشيخ العالم الفاضل اللوذعي ذو الفضل كان محققاً في العلوم مستخرجاً للعبارات ولم يتقيد في صغره بالطلب حتى بلغ سنه الثلاثين فحصل له نفحة نبوية فتمكن من العلوم وتفوق مع طلب يسير وظهر له بعض تآليف في النحو والفقه والتوحيد وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ عبد الغني المغربي وتولى افتاء حمص عدة سنين ووجد له فتاوي في العربية والتركية وكان فصيحاً أديباً له قصائد كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية وصادفه الحمام ثمة في سنة احدى عشرة ومائة وألف ودفن باسكدار رحمه الله.
السيد عبد القادر بن الكيلاني
السيد عبد القادر بن السيد إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي وينتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه الحنفي الحموي القادري نزيل دمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الشيخ المعتقد الصالح التقي المتعبد المتهجد الفالح الناجح السخي الجواد الشهم المهاب كان مبجلاً معظماً رئيساً صنديداً ذو عز وجاه وسمو رفعة مع تمام الثروة والسعة ولد ببغداد في سنة ثمانين وألف وبها نشأ وقرأ على جده لأمه العلامة الشيخ مدلج البغدادي وعلى خاله الفاضل الشيخ ظاهر وأخذ عنهما وعن غيرهما العلم وأحسن الخط وأنشأه الله بموافقة الحظ وكان يتكلم بالفارسي وبالتركي وقدم حماه في سنة خمس وتسعين وألف وتصدر في دار أبيه وتولى النقابة بها وسافر إلى حلب وقسطنطينية والقاهرة(3/46)
وقدم بأولاده في آخر أمره إلى دمشق وقطنو بها وكان السبب في سكناهم دمشق والتوطن بها كونهم كانوا حكام حماه يضمنونها من طرف الدولة ويلتزمونها يمال معلوم وهي ونواحيها في تصرفهم وانعقدت أمورها بهم واختصوا بها ثم دخل الطمع عليهم في الأحكام بها فقامت عليهم أهالي حماه ورعاعها وكان ذلك بتحريك بعض المعاصرين لهم من الحكام قال المصحح يحكى أن حجي كان يضرب ثوره الكبير لتربية ثوره الصغير العاصي ويقول لولا أشار الكبير ما كان يعصي الصغير انتهى وهجموا على دورهم وقصدو نهبها وحاصروهم حتى صاروا يضربونهم بالرصاص وتنادي أهل حماة طاب الموت واشتدت هذه الحالة بهم واستقامت مدة أيام قلائل حتى وجدوا فرصة للفرار وجاء المترجم إلى دمشق وقريبه الأستاذ الشيخ السيد يس وأولاد المترجم السيد يعقوب والسيد إسحق والسيد محمد والسيد صالح والسيد عبد الرحمن وقصدوا الحج لبيت الله الحرام في تلك السنة وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وكان أمير الحاج ووالي الشام إذ ذاك الوزير عبد الله باشا الأيدينلي ثم بعد عودهم من الحاج استقاموا بدمشق واستوطنوها ولما قدم حاكماً لدمشق الوزير قال المصحح إن سليمان باشا تولى مصر بعد مصطفى باشا وقبل علي باشا وعزله عثمان بك ذو الفقار في جمادي الأولى سنة 1153 انتهى سليمان باشا العظم تزوج بابنة الشيخ يس المذكور واتصلت القرابة بينهم وكان السبب في ذلك تراخيهم في الأمور حين رفع القلعة بدمشق الوزير إسمعيل باشا العظم والذي جرى عليه وعلى ولده الوزير أسعد باشا لما كان محبوساً بقلعة حماه للأمر السلطاني بذلك فظهر من المترجم ومن قريبه الشيخ يس طمع في ذلك وصدرت من أولاده فعال غير مرضية في حق المذكورين واستقام المترجم في دمشق إلى أن مات وصارت له بدمشق الشهرة التامة وأنفق في أيامه بها دراهم كثيرة وأموالاً لا تحصى وعلا قدره وسما ذكره وصار بنو الآمال وافدة عليه لقضاء حوائجهم واستدانت منه أناس كثيرون أموالاً ووقف داره بعض عقارات بدمشق وكان حسن المحاضرة عذب المحاوره جميل المعاشرة فضيل المذاكرة يروي الأشعار والنكت والأخبار دمث الأخلاق وكان له أخ اسمه الشيخ عبد الرزاق له فضل وأدب وشعر ورأيت له ديوان شعر ومولده أيضاً في بغداد وكان على المترجم تدريس وتولية المدرسة العصرونية بحماه باعتبار رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي ثم أعطى قضاء طرابلس الشام مع رتبة قضاء القدس الشريف وصرف على صيرورة ذلك مبلغاً وافياً من الدراهم قال المصحح قال في كتابه العزيز ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام إلى آخر الآية انتهى ولم يتول بعد ذلك منصباً ولم يزل معظماً مبجلاً إلى أن مات وكانت وفاته في ذي القعدة سنة سبع وخمسين ومائة وألف(3/47)
ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من مرقد زين العابدين رضي الله عنه وأما أولاده المذكورون فالسيد يعقوب كان أديباً وستأتي ترجمته وأما السيد إسحق فكان مباركاً وتوفي مقتولاً بحماة في سنة خمس وثمانين ومائة وألف وأما السيد محمد فكان خطاطاً وتولى نقابة دمشق وتوفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف بحماه وأما السيد صالح فكان صالحاً وكانت له رتبة اعتبار المدرسين بدمشق وتوفي بها في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وما السيد عبد الرحمن فكان عالماً فاضلاً ومرت تراجم بعضهم في هذا الكتاب وقد رثى المترجم السيد مصطفى العلواني الحموي بقصيدة مطلعها
هوت من بنا المجد الرفيع دعائمه ... وأقوت مغاني أنسه ومعالمه
وأصبح ركن المكرمات مضعضعاً ... ويا طالما شادت فخاراً مكارمه
وأغطش ليل ليس عندي نهاره ... بأبيض بل يربو على الليل فاحمه
وإن نهاراً شمسه غربت ولا ... يرجى لها الاشراق يظلم قاتمه
أبان ضمير الدهر عن سوء مخير ... لقد ظل فينا برهة وهو كاتمه
إلا رحمة عند المنون لماجد ... لقد وسعت أهل الزمان مراحمه
تجهم وجه كان بالأمس ثغره ... ليفتر عن تلك المسرات باسمه
وأوكف دمع الحزن دمعاً كأنني ... به إن تمادى يملأ الحزن ساجمة
فواعجباً للطود يودع حفرة ... وما برحت فيح الفلاة تعاظمه
ويحويه بطن الأرض وهو الذي حوى ... مكارم عنها ضاق لا شك عالمه
منها
رضيع لبان المجد ما سنه وإن ... تناهى عن استرضاع ذلك فاطمه
إذا هو أعطى استأصل الجود ماله ... وما هو إلا في المبرات قاسمه
منها
ليبك عليه حندس الليل إنه ... لقد عرفيه بعده الآن قائمه
يبيت يجافي الجنب عن خير مضجع ... فليس سوى طول السجود يلايمه
ويزري على خديه دمعاً يثيره ... توهج قلب خوفه الله ضارمه
ويتلو كتاب الله وهو الذي به ... لقد عمرت أوقاته ومواسمه
بذلك إن الله يحبوه بالرضى ... دلائل خيرات تظل تلازمه
أبى الله إن الدهر مهما تفاقمت ... حوادثه عن فعله البر حاسمه
لتهن به الحور الحسان فإنها ... لفي غرف الفردوس أمست تنادمه
على ذلك القبر الذي فيه قد ثوى ... لينهل من مزن الرضى متراكمه
مدى الدهر ما هب النسيم وغردت ... على فنن الغصن الرطيب حمائمه(3/48)
عبد القادر الصديقي
عبد القادر بن أبي بكر الصديقي الحنفي المكي شيخ الاسلام ببلد الله الحرام الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد المفنن البارع النحرير الهمام أبو الفرج محيي الدين أخذ العلم من مكة المشرفة ولازم الطلب على أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي المكي وتفقه به وسمع عليه الموطا والصحيحين وقرأ عليه فن البيان وعرض عليه كثيراً من الكتب كالمطول والأطول وغيرهما من الشروح والحواشي وحضر دروسه في تفسير القاضي والبغوي وأجاز له لفظاً وكتابة وله من التآليف كتاب سماه تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم وكانت وفاته سنة هكذا بياض في الأصل.
عبد القادر ابن بشر
السيد عبد القادر بن بشر الشافعي الحلبي كان فاضلاً ناسكاً هيناً ليناً فقيراً صابراً له ذكاء واستحضار ولد تقريباً في سنة عشرين ومائة وألف وقرأ على علماء عصره كالعلامة الشيخ علي الميقاتي والفاضل الشيخ حسن السرميني والعالم الشيخ طه الجبريني وغيرهم ورحل إلى اسلامبول ولقي الأفاضل وصارت له وظيفة تدريس بأموي حلب وكان له نظم فمنه ما نظمه ممتدحاً به شيخه الميقاتي بقوله درر التحقيق بكر لم تزح أنقابها من يرم مدن المعاني فعلى بابها وله مضمناً
إن المدائح للمداح قد شرعت ... وكل أمر رجوه فهو مقبول
فلابس البردة الحسناء شافعه ... بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وله مضمناً أيضاً
عمر الوردي لو يعلم ما ... صنعت قوم بأهل الأدب
لم يقل في النصح يوماً لأبنه ... انظم الشعر ولازم مذهبي
وكانت وفاته في نيف وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد القادر البانقوسي
عبد القادر بن صالح بن عبد الرحمن ابن السيد الشريف الحنفي الحلبي الشهير بالبانقوسي الشيخ الفاضل الفقيه الأديب الأوحد المفنن الذكي البارع ولد بحلب سنة اثنين وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرآن وأخذ الخط(3/49)
المنسوب وقدم دمشق واجتمع بعلمائها وادبائها وتكرر منه ذلك وكان له براعة وتفوق في جميع الفنون وكتب الخط الحسن ودرس بحلب في جامعها الأموي الكبير وألف بشرحاً على الدر المختار للحصكفي سماه سلك النضار على الدر المختار أخبرني أخوه الشيخ صادق إنه بيض من مسوداته مجلدين وصل فيهما إلى كتاب الصوم وشرح كتاب معدل الصلاة للبركلي وله تعليقة نافعه على أوائل صحيح البخاري أملاها حين تدريسه وكتبها حين قراءته وشرح نظم المراقي الشرنبلالية وله غير ذلك من الآثار ونظمه ونثره في تفوق من البلاغة وله في الأدب إحاطة بالعيوب والعلل والمحاسن ودخل العراق والروم ودرس باياصوفية لما ذهب للقسطنطينية في صحيح البخاري وانتفع بأفاضلها وأخذ عنهم وأخذوا عنه ثم رجع منها إلى بلدة حلب سنة احدى وثمانين وقدم دمشق سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وامتدح والدي المرحوم السيد علي أفندي وكف بصره في آخر عمره وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضل منيف فمنه قوله وكتب بها إلي في واقعة حال
بدت تخجل الأقمار بالمنظر الأجلى ... ولاحت تريك الشمس في الشرف الأعلى
وزارت على رغم الحواسد فانثنت ... أمانيهم منها منكدة خسرى
محجبة تهتز من مرح الصبا ... فتأنف أن تلقى عقوداً لها الجوزا
وعهدي بها تجلي لمن ليس كفوها ... فها هي قد جاءتك تلتمس الرجعى
فألبستها من حلة المجد خلعة ... تروق كما راقت على الروضة الأندا
وجاءت بشارات المسرات والهنا ... تهنيك بل تهني بك المنصب الأسنى
وأصبح ثغر الدهر يفتر باسماً ... سروراً بما أوليت من نعم تترى
نهضت بعزم يفلق الصخر طالباً ... تراث أبيك الأكرم الطيب المثوى
ويممت قسطنطينية تطلب العلا ... كما أم ذو يزن لمطلبه كسرى
على متن مندوب يصلي وراءه ... غداة تساق الخيل داحس والغبرا
من الجرد لو كلفته وضع حافر ... بأعلى عنان الجو لأقتحم الشعرى
فأنزلت فيها منزل العز والتقى ... وشائيك بين الناس ينعت بالأشقى
وأصبحت مشكور المساعي حميدها ... وضدك في أرجائها خابط عشوا
تقول دمشق حسرتا ثم حسرتا ... أبعد على كيف اذكر في الأحيا
وهل كيف يسلوه فؤادي وروحه ... بآل مراد انني بهم أحيى
إذا اختلفت أقوالهم في حياتها ... بغيرهم قالت فديتك بالموتى(3/50)
سألت المعالي عنكم غير مرة ... فقالت هي الشقرا مسائلها شتى
وهل بعد هذا الوجه تطلب مدركاً ... لتقضي به في كل مشكلة عميا
وقد وقع التصحيح بعد اختلافهم ... بأن أرخوا وجهاً خليل به يفتى
وأبت وذكراك الجميل مطبق ... لآفاقها المعمور أقصاه والأدنى
وما هي إلا منك شنشنة لها ... مخائل إسعاد إلى أخزم تنمى
نمتك إلى الأفتا جهابذ سادة ... نماهم إلى الافتاء من شرع الفتوى
هم شيدوا ركن الفخار وحبذا ... دعامة مجد أنت جؤجؤها الأقصى
فيا آل مراد أنتم خير عصبة ... وأنتم جمال الخلق والدين والدنيا
بكم شرف الله الوجود وجودكم ... يذكرنا عهد البرامكة الأولى
ومن علينا الله فضلاً بكم كما ... على قوم موسى من بالمن والسلوى
اليك رفيع المجد أرفع قصة ... ولي حاجة في النفس أوقن أن تقضى
نضضت ركاب السير من أجلها إلى ... حماك فلم أنجح وقد أخفق المسعى
لكم في قضا سرمين قدما علاقة ... ينابيعها تتلو بحازم والمعرا
مسارب أوعال خلت من زراعه ... اليها ابن آوى من توحشها آوى
ومن سوء حظي إن رزقي فلاحة ... بها أبتغيه في التراب على العميا
يعز على المضني المتيم أن يرى ... منازل من يهوى على غير ما يهوى
ومذ كنت قد ألزمتها بمعجرف ... يسوم رعاياها الغرامات والبلوى
تداعوا إلى حلف الفضول واقسموا ... على تركها بوراً واهماً لها قفرا
وذا العام كانوا طبقوها زراعة ... ليستبدلوا من دونها قرية اخرى
فأخصب واديها وأينع ربعها ... وخاماتها تختال في الروضة الدهما
تموج كموج البحر إن هبت الصبا ... ويغرق منها السرح في الموضع الأدنى
وبالرغم منهم أن يولوا اقتسامها ... وكيل ابن طه إنها قسمة ضيزى
فما نعته عنها وقلت له اتئد ... اجارتكم منها أما آن أن تقضى
فكف يداً عنها واحجم خاسئاً ... وهبت على زراعها نسمة البشرى
فيا بشرهم لما رأوه مبعداً ... ويا بشرها لما غدت يده قصرى
وأخبرتهم إني أريد التزامها ... إلى حجج قالوا هي المنة العظمى
وأقبلت أرعاها وأحمي ذمارها ... لسابق ودمنكم خالص المعزى
وكم زدت عنها كل لص سميدع ... ولا سيما الخرفان إذا كثر الغوغا
ومذ هاج منها زرعها لحصاده ... وقد أعجب الزراع سنبله الأبهى(3/51)
ندبت لها من كل جلد شحانيا ... وبيدر تهاطر أو غصت بها البطحا
بيادر أمثال الروابي كائنها ... جبال تمطت للعلى تطلب العليا
شوامخ لو أن ابن نوح يؤمها ... لكان من الطوفان يبغي بها المنجا
يمثل أهرامات مصر سموها ... ومخروطها لكن تلك بلا جدوى
قال المصحح كان أضاع الزمان ضياع بعض الضعفاء بأنشاب أظفار بعض الأقوياء فتذكرت قول من قال بمناسبة أهرامات أين الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلف الآثار عن سكانها حيناً ويدركها الفناء فتتبع قال في كتابه العزيز ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انتهى
ولما تناهت في العلو تطاولاً ... أتيح لها الدراس فانقلبت صرعى
ومدت لها أيدي الذراة مذارياً ... لتنسفها نسفاً وتجعلها دكا
وكاتبتكم فيها فلم يأت منكم ... جواب وأخبار بدت عنكم شتى
فمن قائل أيوب دارة داره ... ومن قائل للشام قد أزمع المسرا
فبينا أنا في الأمر إذ جاء منكم ... كتاب إلى ابن الجابري الآله الحدبا
وفوضتم فيه إليه أمورها ... وهل يجتني شهد مشور من الأفعى
ففاوضته فيها وقلت حذار من ... وكيل ابن طه إنه حية رقطا
ولم أدر أن الصفر والبيض قد أتت ... إلى جيبه ليلاً مهرولة تسعى
ولما رآني قد خبرت ارتشاءه ... تزايد لؤماً وانتحى الفعلة الشنعا
قال المصحح قد شبهوا المرتشي بالذئب والراشي بالقبطي الذي يرقص الذئب والبرطيل حلقة في أنف الذئب وطوق في جيده من فضة أو من ذهب على قدر عظم الذئب وقيمته فإن مات الذئب قبل القيطى فيسعى المرقص على نزعهما ليعلق على ذئب آخر لأنهما لا يتفاوتان بالدناءة وإن مات المرقص قبل الذئب فيوجد مرقص آخر وهذا يضعف الحلق والأطواق لسمن الذئب لكي يقدر على ضبط الذئب كالمرقص الأول وهذا دأب المرتكبين لأنهم ورثوا الخبث صاغراً عن صاغر لا كابراً عن كابر فلا تجد في تراجمهم حديثاً يعدلهم من المفاخر ولما كانت الدنيا بهذه الحالة والا تدراكها السلطان محمود الثاني رحمه الله تعالى وأزال الطغاة وأشبه الشبل الأسد فأدام الله مولانا عبد العزيز لقد فاق الملوك بتمييز الغش من الأبريز انتهى
وأقبل يبدي لي المعاذير قائلاً ... لقد زاد في إيجارها إنه أولى(3/52)
فقلت أنا أولى بها منه قال لا ... لأني طريق الأولوية لا أرعى
فقلت إذا حكم البوار مآلها ... فقال وفي دار البوار لنا مثوى
فقلت إذا بارت تبور فلاحتي ... لأني لا أقوى على طلل أقوى
وإني من أهل العلم والأمر واضح ... فقال أما تدري بأنا لكم أعدا
فقلت فأفراخي صغار فلا تدع ... حواصلهم خمراً بلا ما ولا مرعى
فقال وكم أطفال ميت تركتهم ... جياعاً بلا مال وأمهم ثكلى
فراجعته فيها مراراً فلم يفه ... بخير وكان اللوم في حقه أغرا
فقلت على مثل المرادي ترتشي ... فقال نعم مثلي على أبه يرشى
فقلت له شلت يمينك مرتش ... فقال ارتشائي كله باليد اليسرى
تورع كلب أو تنسك مومس ... فقلت لقد أقذيت قال وما الأقذا
فقلت له تبت يداك مخادعاً ... فآخر سطر أنت من سورة الأعمى
وآجرها من مارق ماكر له ... أفانين ظلم تفلق الصخرة الصما
ولا عجب فأشبه متجذب إلى ... مشابهه والجنس مع جنسه يثنى
وسلمها للمجرمين خيانة ... وشاركهم في الأثم والحاصل الأوفى
فهل سمعت اذناك أن بيادراً ... تواجر من أفتى بذا لحكم من أفتى
وهذا جزاء لأصطناعكم له ... ومن يصنع المعروف مع مثله يجزى
فلا قدس الرحمن يوماً صفاته ... وطهر من أمثاله حلب الشهبا
ومن دابه أكل الحرام صراحة ... وتبديل شرع الله بالعرض الأدنى
ويأكل أموال اليتامى جراءة ... على الله لا يرعاه فيهم ولا يخشى
وغير مخاز لا ندلس طرسنا ... بها فالتجأ من كل ما يغضب المولى
أينكر منه أن يخون ويرتشي ... عليك ولا يخشى عتاباً ولا يخزى
وما هو إلا كأسرى غير جابري ... وكم للمسمى خالفت في الورى الأسما
ويكفيه إن الله أخبر إنه ... سيصلي سعيراً مثل من عبد العزى
قال المصحح قصيدة علي الدرويش التي تضمن ما تورط ناظمها في مكائد بعض مشايخ القرى بشرقية مصر قد أثبتوها في ديوانه المطبوع ليتشفى المظلومون بها رحمه الله تعالى كان يقول قصيدتي هذه اقرؤوها يا اخواني وقت السحر ولا تنسوا في حق الذئاب مثل تفرقوا شذر مذر انتهى
فدونكها كالعقد فيه زمرد ... ودر وياقوت يتيمنه عصما
ممتعة حوراء مقصورة لها ... جزالة ألفاظ حوت رقة المعنى(3/53)
حكاية حال بل شكاية حاله ... ومن قبل قد قالوا ولا بد من شكوى
خريدة فكر أقبلت في خجالة ... أتت ترتجي تقبيل راحتك اليمنى
أبوك علي كرم الله وجهه ... وجاد تراباً ضمه صيب الرحمى
أياديه كم قد قلدتني مكارماً ... عقدت بها عهداً من الود لا ينسى
فلا زلت معمور الذرى طيب الثنا ... منيع الحمى تقفو طريقته المثلى
تزيد على مر الزمان نبالة ... ويصحبك التوفيق والعز والتقوى
ولا زلت مرجو النوال مكرم ... الخصال إلى أن ينقضي أمد الدنيا
ثم اتبعها بقوله نثراً الجناب الأعظم والمقر الأشرف الأكرم بسط الله ظله الوارف وخار له في الظعن والاقامة وسر أولياءه بما أقدمه عليه من النعمة السابغة والسلامة واطلع من وجهه الوضاح على محبيه ما ينكشف به الظلام والظلامه
بنعمة جاءت كما نشتهي ... من عند رب العرش مسراها
أتت وقد جرت ذيول الهنا ... بأي شكر نتلقاها
فالحمد لله على أننا ... نحمد أولاها وأخراها
فلا شانت الأيام صفوها ولا نحا الحدثان نحوها لينتشر له من السعد ما هو كامن ويجد به مقعد المعالي منحطاً له ومتطامن على إن هذا العبد الداعي لم يزل يخدم هذا الباب بدعاء بينه وبين القبول علائم ويستمسك من أزج وداده بأعظم القواعد وأثبت الدعائم ويبث ثناء لا يفعل بالألباب فعل المدام فتقهقه منه المحابر وتضحك الأقلام على أني أسأل الله أن يفيض ملابس إحسانه على من أم حرمه ويجبر بعطفه على من كسره الزمان وحرمه آمين أما بعد فإن هذا الداعي القديم والمحب الذي هو في أوطان محبتكم مقيم لما جرى عليه من سوء الحدثان ما جرى تشبث في معاشه بأذناب البقر واضطر إلى أن يجعل لها في منابيع احسانكم مشرباً ومستقر فأطلعت بهذه المناسبة على أحوال وتعلقت أماني بآمال فمن جملة ذلك ما رأيته من نفرة المزارعين في مزارعكم من الأكار الذي هو الحاج أحمد أغا الخزينه دار المكار بحيث إنهم عولوا على تركها ما دام خولياً وجعلوا صبرهم على غدره حولياً وتحققوا إنهم خرجوا من سلفه إليه كمن فر من المطر إلى تحت الميزاب وصاروا من ذلك في نقض وابرام واقدام على النقلة من ترك الزرع واحجام فأسروا بعد ذلك إلي وعولوا في آزائهم علي لعلمهم بانتسابي اليكم وسابقة احتسابي عليكم(3/54)
وهنا أمور كثيرة لا أطيل بذكرها وخلاصة الأمر إنهم في عام احدى وتسعين الذي تتم به مدة اجارته والتزامه صمموا على أن يطبقوها زرعاً فلحانها والحصيد بناء على أنهم يستوفون آثار العمل من الأرض ولا يبقى لهم فيها عرض فإن جدد الحاج أحمد الاجارة أزمعوا على الرحيل ولحقوا بالغاره فجاء المطر غزيراً في هذا العام وقال أهل النظر سلمه السلام ولم يظهر للاجارة خبر وأراد الحاج أحمد أن يضع يده فضولاً التي هي في المظالم طولى فبادرت إلى منعه وأعملت الفكرة في دفعه وذلك قبل أبان الحصاد وقلت في نفسي أنا محسوب آل مراد وهذه فرصة اقدامها بين يدي نحوي أملي ووسيلة الشكر مساعيها لديكم في عملي فوضعت النواطير والشحاني ورضيت بذلك مشقتي وامتهاني كل ذلك وأنا أنظر إلى المصلحة بعيني وأسلك في طريقي بين جهتين مراعياً بذلك مصلحة الزراع وحفظ علاقة سيدي المطاع وأملت أن أكون بعد ملتزماً للمزارع متعيشاً بها ومستعيناً على الأيام التي خلبتني بانياً بها فبينا أنا في هذا العمل ظهر من الجابري ما ظهر من منعي عنها ودعوى الوكالة من طرفه واتفاقه مع الحاج أحمد فإنه آجره كالمعتاد أولاً بمائتين وستة وستين مواضعة واشترك معه سراً فلما رأى بحثي عنه ترقى في الظاهر إلى أربعمائة وقد أخبرت الجناب بأن المزارع أقلبت بحيث إنه يستوفي منها اجرة سنين تزيد مبلغاً على خمسين مضروبة في خمسين فهممت ولم أكد ونهضت لمدافعته نهوض المقعد وكنت كمن يطلب ظهور الفجر قبل السحر أو ظهور الفجر قال المصحح عبارته هنا ناقصة انتهى من هذه الجيوب العلية وأنا احاشيك أن تجعلني كالمتمني أن يرى فلقاً من الصباح بعد هذا الأمل والارتياح فالمرجو أن تؤثرني ولا تؤثر علي وتوجرني المزارع ثلاث سنين وتنقد اجرة مني أسوة غيري وزياده وأدفع الأجرة سلفاً عن سنة كالعادة وأما هذه السنة الشاغرة التي جمعت بيادرها وأظهرت ببحثي عمن قبضها وغادرها فهي موقوفة على آرائك فلا يغرك الغرور الجابري بالترهات فإنه جالقي وقته وهيهات فإني أعرف جزئيها وكليها كل ذلك عندي في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فإن أردت وكلنني أخدمك بجمعها وتصحيحها وأرسل ذلك اليك والأمر بعد ذلك اليك فإن والله سروري بقدوك أذهلني أن أعطي الأدب حقه وأن أجلو المدائح المسترقة انتهى وكان صاحب الترجمة من أفاضل عصره علماً وأدباً ولطفاً وديانة وكف في آخر عمره وقدم دمشق مراراً وصار بينه وبين أفاضلها(3/55)
مباحث وله آداب فائقة وأشعار رائقة دونت في مجاميعه وكانت وفاته بحلب في اثنين وعشرين من الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن في مقبرة الحجاج خارج بان قوسه رحمه الله تعالى.
عبد القادر الكدك
عبد القادر بن خليل المدني الحنفي الشهير بالكدك الشيخ الفاضل الأديب الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو المفاخر زين الدين قدم دمشق سنة تسع وسبعين ومائة وألف واجتمع بوالدي وامتدحه وألف رسالة باسمه سماها كيد الصروف عن أهل المعروف وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف منه قوله مادحاً والدي
أرح العيس رفقة بفؤادي ... وأنخها فقد وفدت بوادي
واخلع النعل فهو أقدس واد ... جئته في الورى وأشرف نادي
وتأدب فذا مقام علي ... ومقام لديه كل مراد
قد علا ذكره بأوج علاء ... فلهذا بالندى إليه ينادي
حرم آمن لمن حل فيه ... وسواء لعاكف أو بادي
فتعلق بذيل كعبة مجد ... طاف قلب الورى بذاك السواد
كم رنت في الورى إليه عيون ... واطمأنت له قلوب العباد
حل في داخل القلوب ولكن ... عن عيون الأنام بالمرصاد
كيف لا ينجلي بكل فؤاد ... وتجلي لنا بسود العواد
قدسي حسنه الورى وتولى ... في قلوب العباد والعباد
فترى حوله الورى دار طرا ... خاضعي الرأس ناكسي الأجياد
هم جميعاً لهم مقاصد شتى ... وهو للكل بغية المرتاد
عائد الكل منهم صلة المو ... صول حالاً من وصله المعتاد
فاصرف القصد نحوه في الورى ... ملتزماً ركن بابه باستناد
فهو باب السلام من كل صرف ... لصروف الزمان والانكاد
واسع نحو الصفا وهرول لدى ... باب علي فذاك باب المراد
رب بيت ولا كبيت علي ... وعلى داخليه نور بادي
لا تحج القصاد إلا إليه ... كيف لا وهو قبلة القصاد
قل لمن أم ذلك البيت ذا بو ... م المنى وهو أعيد الأعياد(3/56)
ساعدتك الأيام بين الأنام ... اليوم والسعد جاء بالاسعاد
ولياليك كلها ليالي القدر ... لدى عالي القدر ركن العباد
ولسان للحال أفصح شادياً ... بفصيح الانشاء والانشاد
قد وصلت الوادي المقدس أرخ ... خير واد لديه جل المراد
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وارتحل لدار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية واجتمع برؤسائها وصار له منهم اقبال وافر واكرام متكاثر ثم رجع إلى بلدته المدينة وأفاد واستفاد وكان من وجوه أهل المدينة ورؤسائها وكانت وفاته بها سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
السيد عبد القادر بن شاهين
السيد عبد القادر بن شاهين الشريف لأمه الحلبي الشيخ التقي الورع الزاهد كان والده جندياً ووالدته من ذرية الولي الكبير أحمد الرفاعي الشهير من بيت الصياد المشهورين وسيأتي ذكر أخيه عمر وهذا المترجم ولد بحلب في سنة اثنين وتسعين وألف واعتنى به والده وأقرأه القرآن العظيم وجود على الشيخ عامر المصري ثم بعد وفاة الشيخ المذكور حفظ القرآن على الشيخ عمر المصري شيخ القراء وقرأ الفقه على الشيخ المعمر قاسم النجار وقرأ النحو والصرف على الشيخ عبد الرحمن العاري وتعلم الخط المنسبوب بأنواعه على الأستاذ الماهر مرتضى البغدادي الملقب بصدر الدين وقرأ اللغة الفارسية والتركية على الشيخ عمر المعروف بالمقرقع القاطن بالمستدامية وبرع في جميع هذه الفنون وتوفي والده وله من العمر أربعة عشر سنة وترك تركة وافرة من المال والسلاح والعقارات فلم يلتفت إلى شيء منها وتسلم الجميع أخوه الكبير واشتغل هو بخويصة نفسه فاعتنى بها وخدمها وذلك إنه رأى نفسه أرضا أنيقه بكل خير وريقه إلا أنه ألفاها مأوى لأسد الغضب ونمور الجهل وكلاب الحرص وحيات الظلم وعقارب الحسد فنفي عنها هذه الآفات كلها وحفها بأضدادها فصارت خيراً محضاً وأخذ طريق التصوف عن العارف بالله تعالى الشيخ حسين الزيات القاطن في مسجد محلة سويقة الحجارين الذي صار الآن زاوية للسادة القادرية المواهبية ولازم الشيخ المومي إليه مدة حياته فلما توفي لازم الأستاذ العارف بالله تعالى الشيخ مصطفى المعروف باللطيفي في قدماته إلى حلب وكان المترجم ممن حبب الله إليه الطاعة والعزلة والاشتغال بالعلوم النافعة واكتساب الكمالات واجتناب مخالطة الناس واللهو واللعب وكانت سيرته إنه كان يقوم وقت الفجر فيذهب(3/57)
مع أخيه إلى درس النجار الشيخ صالح وكان الشيخ يقرأ درس الفقه قبيل صلاة الصبح في مسجده ثم يأتي إلى البيت فيمكث إلى حين طلوع الشمس ثم يذهب إلى مسجد الشيخ حسين المذكور فيطالع عليه في علم التصوف إلى أن يتعالى النهار فيذهب إلى حانوت له في سوق البادستان فيرد عليه متعلموا الخط فيكتب لهم يعلمهم إلى قرب الظهر فينزل إلى الجامع الكبير ويصلي ثم يذهب إلى حجرة الشيخ عمر ويقرأ ما تيسر إلى قرب العصر فيصلي في الجامع المزبور ويرجع إلى حانوته فيأخذ ما يحتاج وكان متقشفاً في مأكله وملبسه زاهداً ورعاً مع قدرته على التنعم والترفه متجرداً عن الزوجة والولد وكان له تلاميذ يقرأون عليه القرأن فيقريهم ويتدارس معهم حتى يصلي العشا وفي مدة عمره لم يذهب إلى أحد وكان بعض الصلحاء يقول لأخيه بعد وفاته إن أخاك السيد عبد القادر كان من خواص الأولياء لكنه لا يعرف إنه ولي مرض رحمه الله بمرض حمي الدق وطال مرضه فكان يتحامل ويذهب إلى الحانوت لأنتفاع الناس منه ثم ثقل مرضه فانقطع في بيته نحو ثلاثة أشهر إلى أن توفي وكانت وفاته في أوائل محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وكان آخر كلامه يا رسول الله المدد والشهادتين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
الشيخ عبد القادر التغلبي
عبد القادر بن عمر بن عبد القادر بن عمر بن أبي تغلب بن سالم التغلبي الشيباني الحنبلي الصوفي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الفرضي الصالح العابد لناسك أبو التقي ولد في دمشق سنة اثنين وخمسين وألف وقرأ القرآن العظيم في صغره ولزم الشيخ عبد الباقي الحنبلي الدمشقي وولده الشيخ أبا المواهب وقرأ عليهما كتباً كثيرة في عدة فنون وأعاد للثاني درسه بين العشائين من ابتداء سنة ثلاث وسبعين وألف إلى أن توفي ولازم الشيخ محمد البلباني فقرأ عليه الفقه والفرائض والحساب وأجازه بمروياته وحضر دروس الشيخ محمد بن يحيى الخباز البطنيني الشافعي واجتمع بالمحقق الشيخ إبراهيم الكوراني المدني في أحد حجاته سنة أربع وتسعين وأجاز له وقرأ على الشيخ عثمان القطان ومحمد بن محمد العيثاوي والشيخ سعودي الغزي وجمال الدين بن علي الحمصاني وغيرهم وقرأ أيضاً على النجم الفرضي والشيخ منصور الفرضي والشيخ محمد الدلجموني المصري والشيخ محمد المكتبي والشيخ محمد الكوافي والشيخ إبراهيم الفال ومحمد بن أحمد العمري بن عبد الهادي والشيخ شكر الله الهندي ومحمد الأسكداري وأحمد النخلي وعلي بن القادري الحموي الخلوتي وغيرهم من الأجلا(3/58)
الذين يجمعهم ثبته وكان يرزق من عمل يده في تجليد الكتب ومن ملك له في قرية دوما وبارك الله له في رزقه فحج أربع مرات وكان يلازم الدرس لأقراء العلوم بالجامع الأموي بكرة النهار وبعد وفاة شيخه أبي المواهب بين العشائين بالجامع الأموي أيضاً وأخذ عنه خلق لا يحصون وانتفعوا به وكان ديناً صالحاً عابداً خاشعاً ناسكاً مصون اللسان منوراً بشوش الوجه تعتقده الخاصة والعامة ويتبركون به ويكتب التمائم للمرضى والمصابين فينفعهم الله بذلك ولا يخالط الحكام ولا يدخل اليهم وألجأته الضرورة مرة لأداء شهادة عند قاضي دمشق الشام فدخل وجلس فناوله الخادم الفنجان القهوة فتناوله ووضعه بقرب فمنه وأوهم القاضي إنه شربه ثم أعطاه للخادم فعرف القاضي ذلك لأنه كان يلاحظه فقال له أراك تورعت عن شرب قهوتنا فمن أين تكتسب فقال من عمل يدي في تجليد الكتب وقد حججت بحمد الله تعالى أربع مرات فقال له القاضي كيف هذا فقال له إن الله تعالى خلق آدم واحداً وبارك في ذريته حتى ملأوا الدنيا كذلك يبارك الله تعالى في الرزق الحلال القليل حتى يكون كثيراً فأذعن القاضي لذلك وأثنى عليه وصنف شرحاً على دليل الطالب في مذهب الحنابله وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء الثامن عشر من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن تحت رجلي والده بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى ورضي عنه وأعاد علينا من بركاته وقال مؤرخاً لوفاته تلميذه الشيخ محمد الغزي الدمشقي العامري بقوله
كم من نعيم عند ربي قد خبى ... للشيخ عبد القادر التغلبي
علامة الوقت ونحريره ... وشيخ أهل العصر في المذهب
الخاشع الناسك رب الحجى ... القانت الراوي حديث النبي
قد كان ذا زهد وذا عفة ... سليم صدر صافي المشرب
أصبب أهل الشام لما قضى ... أبو التقى ذو المسلك المعجب
فأي دمع ما همى مشبهاً ... صوب حيا منهمر صيب
جادت ضريحاً ضمه ديمة ... تروى ثراه بالحيا المشعب
تاريخه دار البقى حله ... أبو التقى بالمنزل الطيب
عبد القادر الكردي
عبد القادر بن عبد الله بن إسمعيل الشافعي العبدلاني الكردي نزيل دمشق القادري الشيخ العالم المحقق الفاضل الورع الزاهد كان محققاً عالماً ذا زهد وتقشف مع كمال الاجتهاد في الطاعة والعبادة وله السلوك الوافر في طريق القوم(3/59)
مع الفضيلة التامة ولد في بلاده في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وأخذ عن علماء بلدته وأتقن العلوم الظاهرة والباطنة ووفد إلى حلب في سنة أربع وستين ومنها إلى الشام فاستوطنها وأرسل أتى بأهله من بلاده وتزوج بابنة صغيرة لشيخه وتلميذ والده الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق وارتحل إلى مصر والحرمين واستجاز من علماء تلك الديار وبيتهم بيت الولاية كما اشتهر وأخبرني الشيخ حسن الكردي الصالح نزيل دمشق إن للمترجم إخوة تنوف على ثلاثين ومن التآليف كذلك وإنه كان ينظم الشعر وكان للناس به اعتقاد وافر وبالجملة فقد كان أحد أفراد أفاضل الأكراد بدمشق علماً وورعاً وزهداً وكانت وفاته بها في يوم الأربعاء قبيل الظهر سادس عشر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
السيد عبد القادر الصمادي
السيد عبد القادر بن موسى بن إبراهيم بن مسلم المعروف كأسلافه بالصمادي الشافعي الدمشقي السيد الأجل القادري شيخ الصمادية بقية السلف الشيخ البركة المجذوب التقي الصالح الخير تفقه بمذهبه وحصل طرفاً من العلوم الألهية وفضل ولزم زاويتهم بعد وفاة والده الكائنة بمحلة الشاغور الجواني وجلس على سجادتهم وأقام ذكرهم بها وكان لا يبرح منها إلا في الجمعات ومواسم العيدين وشهود بعض الجنائز وتهنية حكام الشرع والسياسة عند القدوم أو أمر يتعلق بأهل البلد على العموم مواظباً على الطاعة ومطالعة الكتب الفقهية والرقائق الصوفية إلى أن توفي وكانت وفاته في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير بقرب سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه عن ولد صغير وأخ كبير يقال له السيد صالح وكان عهد المترجم لولده فبعد وفاته أجلسوا الأعيان أخاه المذكور مكانه وسكن داره واستولى على جميع ماله رحمهما الله تعالى.
السيد عبد القادر الكيال
السيد عبد القادر بن محيي الدين الكيال الشافعي الدمشقي كان من الأفاضل الصالحين مع التقوى والديانة خاضعاً سالماً قلبه من الحسد والبغض ناسكاً قرأ بدمشق على جماعة وحصل واجتهد وبرع وأقرأ في جامع السنانية وكان منعكفاً على طلب العلم وعدم التردد إلى أهل الدنيا وملازماً درس العالم الصالح الشيخ علي السليمي الصالحي الدمشقي وكانت وفاته في يوم السبت حادي عشر رمضان سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.(3/60)
عبد القادر الديري
عبد القادر بن محمد الشافعي الديري نزيل حلب الشيخ العالم الفاضل الفقيه النبيه الأصولي النحوي كان من الفقهاء المتفوقين ولد بدير رحبة من أعمال بغداد في سنة عشرين ومائة وألف وقدم لحلب في سنة ست وثلاثين ومائة وقرأ الفقه على الشيخ عبد القادر بن عمر العرضي الحلبي والفقه أيضاً والفرائض على الشيخ جابر الحوراني الحلبي والنحو على السيد الشيخ عبد السلام الحريري والنحو والفقه أيضاً على الشيخ حسين السرميني والمعاني والبيان والنحو والفرائض والفقه أيضاً على الشيخ محمد الزمار والشيخ محمود البادستاني قرأ عليه في المنطق والنحو وأخذ الحديث عن الشيخ جابر والشيخ حسين المذكورين وتفوق وأقرأ فنون العلم في حلب وانتفع به كثير من الطلاب وجمع غفير وكان مستقيماً على حالة مرضية حسنة وهو من السادة الأشراف إلا أنه لم يتتوج بالطراز الأخضر وأغناه عنه نور النبوة الغناء إلا وفر وبالجملة فقد كان في الفقه اماماً وأحرز في كل فن رتبة ومقاماً رحمه الله تعالى.
عبد القادر بن يوسف نقيب ازاده
عبد القادر بن السيد يوسف الحلبي الحنفي نزيل المدينة المنورة الشهير بنقيب زاده الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد البارع المفنن أبو المعالي زين الدين رحل إلى المدينة المنورة من بلدته حلب وتوطنها سنه ستين وألف ودرس بالمسجد الشريف النبوي وصار أحد الخطباء والأئمة به وانتفعت به الطلبة وألف مؤلفات نافعة منها كتابه المسمى بلسان الحكام في الفقه وكتاب في معرفة الرمي بالسهام وغير ذلك من الرسائل والفوائد وكان من صلحاء المجاورين شهماً هماماً عالماً عاملاً مفنناً وأخذ بالمدينة المنورة عن الصفي القشاشي وأخذ بدمشق عن شيخ الاسلام المنجم الغزي العامري وعن الشيخ علاء الدين الحصكفي وعن غيرهما ولم يزل على أحسن حال معتكفاً على الافادة إلى أن توفي وكانت وفاته سنة سبع ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
عبد القادر الصديقي
عبد القادر الصديقي البغدادي نزيل القدس الشيخ العالم العامل الأستاذ العارف الصوفي الفاضل المعتقد كان جامعاً بين العلم والولاية والكشف والدراية وله تآليف منها شرح على قصيدة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني بن إسمعيل الدمشقي المعروف بالنابلسي التي مطلعها
ومن أعجب الأمر هذا الخفا ... وهذا الظهور لأهل الوفا(3/61)
ورسالة في وحدة الوجود وتآليف غيرها في الحقيقة وله كرامات وأحوال منها ما أخبر به الشيخ السيد محمد بن عيسى الكردي الأصل القدسي قال كنت أرى من الشيخ المترجم كرامات ومكاشفات كثيرة وكان يخبرني بأمور سرية تخطر في قلبي وأنا في مجلسه فيزداد تعجبي واعتقادي ومما رأيته من كراماته إنني زرت وإياه سيدنا داود عليه السلام فأخبرني إنه اجتمع بروحانيته ووصفه لي فوقع في قلبي الشك ثم نزلنا إلى مقبرة مأمن الله وزرنا ابن بطال وأبا عبد الله القرشي وابن أرسلان والشيخ البرماوي وجماعة من أهل العلم فأخذ ينعتهم لي ويقول اجتمعت بروحانية هذا وهذا فأرتبت في أمره وكدت أن أتهمه في الحيلة حتى مررنا على قبر والدي ولم يكن يراه ولم أخبره به قصداً فوقفت ووقف معي وقرأت ما تيسر من القرآن فقال لي هذا القبر فيه رجل شريف عالم عامل فرح برؤيتك وسر بوقوفك وقراءتك واجتمعت بروحانيته صفته كذا وكذا ونعته كذا وكذا وهو والدك لماذا لم تخبرني قال فحينئذ تبت عن الانكار وقلت له لا حاجة للأخبار القصد الزيارة قال وقد عظم مقامه عندي وكان له حال عجيب وكشف صريح وكنت أسأله عن مشكلات فيطرق ثم يقول لعل الجواب كذا وكذا فأرى جوابه شافياً للصدر فأقول له وأي حاجة لقولك لعله كذا وكذا فيقول لم أقف عليه مسطراً وإنما هكذا يلقي في قلبي فأقول فقلت له لكم يا بني الصديق مقام الولاية من جدكم رضي الله عنه فإنه قال صلى الله عليه وسلم إن يكن في أمتي محدثون فأبو بكر وعمر منهم رضي الله عنهم وكان يقول لي هذا بركة الجد فلا يموت أحد منا إلا وهو صالح وإن كان مسرفاً لا يموت إلا على توبة ولا يموت أحد منا وهو فقير وهي أيضاً ببركة دعوته لهم اللهم أغن ذريتي لما خرج عن ماله وتخلل بالعبا وقال له سيد الكائنات ما تركت لعبد الرحمن واسما فقال الله ورسوله اللهم أغن ذريتي وفي رواية وأعزهم فببركة دعوته حصل لنا ذلك انتهى ومرض المترجم الأستاذ ثلاثة أيام وقال للكردي المذكور ادع لي ابن عمي السيد مصطفى الصديقي قال الكردي فدعوته له فأخرج مفتاح صندوق وقال يا ابن عمي إني مرتحل لدار البقا فجهزني أحسن الجهاز وأدفني إلى جانب قبر السيد عيسى الكردي ويعني والد الراوي الكردي المذكور فإن روحانيته كانت عندي في هذا الوقت وأخبرني إن مرقدي بالقرب منه والرحلة عشية اليوم وهذا العبد الأسود كتاب تدبيره في الصندوق وبعد التجهيز ومهر الزوجة حتى يحضر ولدي فكان الأمر كذلك وانتقل من يومه وكان يوماً مشهوداً وبالجملة فقد كان من الأخيار الأبرار وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف بالقدس ودفن بها رحمه الله تعالى.(3/62)
عبد الكريم الشراباتي
عبد الكريم بن أحمد بن علوان بن عبد الله المعروف بالشراباتي الشافعي الحلبي الشيخ الامام الفاضل المحدث الشهير علامة حلب الشهبا وشيخ الحديث بها العلامة المفيد ذو الهيبة والوقار كان عالماً محافظاً على السنة الغراء محباً لأهل الطريق والدراويش والعلماء لا سيما لمن يقدم لتلك الديار أخلاقه حسنة وأوصافه مستحسنة ولد بحلب في سنة ست ومائة وألف وقرأ على والده وانتفع به وحضر دروسه الحديثية والتفسيرية والفقه والعقائد والأصول والآلات ثم قرأ على جمع كثير منهم الشيخ مصطفى الحلبي والشيخ أسد ابن حسين وإبراهيم بن محمد البخشي وإبراهيم بن حيدر الكردي وسليمان بن خالد النحوي ومحمد بن محمد الدمياطي البدري وابن الميت الشعيفي الحلبي والعالم الشيخ زين الدين أمين الافتاء والمحقق المولى أبو السعود الكواكبي والعلامة الشيخ يسن ابن السيد مصطفى طه زاده وغيرهم وقدم دمشق أولاً في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وأخذ عن جماعة منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد القادر التغلبي والمنلا الياس الكردي نزيلها والشيخ أحمد الغزي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وأجازه بفتح المتعال في النعال للشيخ أبي العباس المقري المغربي نزيل القاهرة عن المولى الفاضل أحمد الشاهيني الدمشقي وهو عن المقري المؤلف وتوجه إلى الحج في سنة ثلاث وعشرين وأخذ بالحرمين عن أجلائها منهم المحدث الكبير الشيخ أحمد النخلي والمتقن الرحلة الشيخ عبد الله البصري والشيخ أبو الطاهر بن العلامة الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني والولي المشهور السيد جعفر وغيرهم ثم رجع إلى حلب وهو مكب على القراءة والاقراء مع قيامه بخدمة والده إلى أن توفي والده وذلك في سنة ست وثلاثين وبعد أحد عشر يوماً كف بصره فحمد الله وأثنى عليه واسترجع عند المصيبتين ولم يمنعه فقد بصره من الاشتغال بالعلم والحديث بل ازداد حرصاً واشتغالاً ثم في سنة ثلاث وأربعين حج ثانياً وأخذ عن المحدث الشيخ محمد حياه السندي والعلامة الشيخ محمد دقاق وغيرهما ثم رجع إلى بلده ودأب في الأخذ عن العلماء والأفاضل الواردين إلى حلب ولما ورد الشيخ محمد عقيلة المكي والسيد الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي وأخذ عنهما وبايعهما وقبل الحجة الثانية دخل بلاد الروم واجتمع بعلمائها وحصل عنه وصار له اقبال وله تعليقة على الشفاء الشريف وتعليقة على كنوز(3/63)
الحقائق في أحاديث خير الخلائق والعطايا الكريمية في الصلاة على خير البرية ورسالة في ذكر بعض شيء من آثار الولي الكبير العارف الجد السيد الشيخ مراد الأزبكي نزيل دمشق وله رسالة في تعزية المصاب وله رسالة في الفرق بين القرآن العظيم والأحاديث القدسية الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وله رسالة متعلقة بحزب البحر ورسالة في قراءة آية الكرسي عقيب الصلوات المكتوبة ورسالة سماها المنح الكريميه الدافعة إن شاء الله تعالى كل محنة وبلية ورسالة متعلقة بحرز الامام الشافعي رضي عنه الذي قاله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فكفاه الله شرهم وله رسالة اخرى متعلقة باسميه تعالى الحي القيوم ورسالة في أدعية السفر وله ثبت جامع سماه بإنالة الطالبيين لعوالي المحدثين وكان رحمه الله تعالى انتهى إليه في زمنه علو الأسناد والحق بالأباء والأجداد الأبناء والأحفاد مكباً على الافادة حتى صار له الاجتهاد طبيعة وعاده وله همة في مطالعة كتب القوم ومع ما فيه من الفضل الباهر له كرم وله رحلات إلى الروم ودمشق عديدة وعلى كل حال فقد كان مفيداً للطالبين بحلب حاضرها وباديها وعلامة الشهباء وناشر العلم بناديها توفي في ضحوة يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادي الأولى سنة ثمان وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الغزي
عبد الكريم بن سعودي بن محمد نجم الدين المعروف بالغزي العامري الشافعي الدمشقي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر الحجة الفهامة الخاشع الناسك ولي الله تعالى ولد قبل الخمسين وألف ونشأ في ديانة وصيانة وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بطلب العلم على شيوخ عصره ولازم دروس جده شيخ الاسلام نجم الدين الغزي محدث الشام وقرأ على جده في الفقه وعلى الشيخ محمد البطنيني والشيخ محمد العيثي وأخذ الحديث ومصطلحه عن الشيخ حمد البطنيني والشيخ عبد الباقي الحنبلي والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم المنلا محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ محمد الاسطواني وغيرهما ومن مشايخه العلامة الشيخ منصور الفرضي المصري نزيل صالحية دمشق وبرع في العلوم لا سيما في الفقه وأصوله وأفتى وتولى افتاء الشافعية ودرس بالشامية البرانية في حجرته بالجامع الأموي وأخذ عنه جماعة وكان صدراً محتشماً ديناً وقوراً وله وجه مضئ كأنه القمر ليلة البدر وشيبة نيرة بشوشاً متواضعاً محباً لصالحي الناس وللناس عليه اقبال عظيم واعتقاد كثير وكان مؤثراً للعزلة عن الناس محفوظاً عن الغل والحقد(3/64)
والحسد والرياء ومخالطة أهل الدنيا ودروسه من محاسن الدروس يجري فيها بعبارة فصيحة واستحضار تام وحافظة قوية وله كرامات ومكاشفات ولم يزل على طريقته المثلى وحالته المرضية إلى أن مات وكانت وفاته في صبيحة يوم الجمعة الثاني والعشرين من جمادي الأولى سنة تسع ومائة وألف فجأة بعد أن خرج من الحمام واستلقى على قفاه في فراشه وتشهد وخرجت روحه ودفن عند سلفه بتربة الشيخ أرسلان وكثر بكاء الناس عليه وأسفهم رحمة الله عليه.
عبد الكريم السمهودي
عبد الكريم بن السيد عمر السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الصالح البارع عز الدين ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ على أبيه السيد عمر وغيره جملة صالحة وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي وبالجملة فهذا المترجم من بيت الصلاح والتقوى الشهيرين بذلك ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الداغستاني
عبد الكريم بن عبد الرحيم بن إسمعيل بن محمد بن محمود الطاغستاني المولد والشهره نزيل دمشق الشافعي الشيخ الفاضل العالم العامل الصالح ولد في أواخر سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم وقرأ في بلادهم النحو والصرف على ابن خاله علي بن صادق الطاغستاني وقرأ حصة من المنطق على المحقق أبي الصبر أيوب الطاغستاني ثم في سنة سبع وأربعين ومائة وألف خرج من بلده مع أهله بسبب فتنة طهماز الشهيرة وجاء إلى ديار بكر وقرأ بها تصورات المنطق على العلامة عبد الكريم الديار بكري ثم في أواخر سنة ثمان وأربعين بعد المائة والألف قدم دمشق وتوطنها وقرأ بها على ابن خاله المقدم ذكره جملة من العلوم كالمعاني والبيان والأصلين والمنطق وقرأ الآلهيات من شرح المواقف على الشهاب محمود بن عباس الكردي وقرأ أوائل صحيح البخاري على الفاضل محمد بن أحمد قولقسز وأخذ الفقه وشيئاً من علم الحديث عن العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي وقرأ الشمائل للترمذي على العالم حامد ابن علي العمادي مفتي دمشق وحضر دروس الفقه وجمع للسبعة من طريق الشاطبية على الفقيه علي بن أحمد الكزبري وحج مرتين وأجاز له من المدينة(3/65)
محمد حياة السندي ودرس بالجامع الأموي وبجامع الورد بسويقة صاروجا وكانت وفاته ليلة نصف شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون قرب مدفن البلخي رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الخليفتي
عبد الكريم بن عبد الله الخليفتي العباسي الحنفي العالم الفاضل الفقيه البارع الشاعر مفتي السادة الحنفية بالمدينة النبوية ولد بها سنة سبعين وألف ونشأ بها وأخذ بطلب العلم فأخذ عن الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي وعبد الله أفندي البوسنوي وحسن أفندي البوسنوي والشيخ حسن التونسي والشيخ إبراهيم البيري والشيخ حسن العجيمي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي والشهاب أحمد بن محمد النخلي والشيخ محمد بن سليمان المغربي محدث الحجاز وغيرهم وبرع وفضل حتى صار أفضل أهل بيته وله من التآليف رسالة اختار فيها ترجج قول الامامين أبي يوسف ومحمد في حرمة توسد الحرير وافتراشه وله فتاوي وتحريرات أخر وله شعر لطيف ومن شعره قوله مقرظاً على رسالة للخطيب أبي الخير في مناقب أبي حنيفة رضي الله عنه
جمع يفوق شقائق النعمان ... حسناً بذكر مناقب النعمان
نظمت فرائده أنامل كامل ... أضحى له ذكر عظيم الشأن
أعني أبا الخير المضارع أمره ... من قد مضى وعلا على كيوان
الفاضل السامي بحسن صفاته ... أبدا على الأشكال والأقران
فرع نشا من دوحة المجد التي ... سقيت بماء الفضل والتبيان
هو أحمد الحاوي لوزن الفضل مع ... علمية جمعت شريف معاني
عين الأفاضل مبتدأ خبر الثنا ... عن كل ندب من بني الأزمان
خطبته أبكار العلى فأجابها ... وبه استقلت عن حبيب ثاني
لا زال ذا الفرع العزيز وأصله ... في عز فخر عامر الأركان
ما قال من نظر الرسالة مادحاً ... جمع يفوق شقائق النعمان
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكان صدراً محتشماً ورأس رأس مثل فتح باباً في المدينة المنورة وطار صيته في الآفاق ووقع على تقدمه الاتفاق وكانت وفاته في المدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد عبد الكريم ابن حمزه
السيد عبد الكريم ابن السيد محمد ابن السيد محمد كمال الدين الحسيني المعروف(3/66)
بابن حمزة الحنفي الدمشقي نقيب السادة الأشراف بدمشق الفاضل العالم العلامة الأديب البارع الصدر الرئيس الصنديد الأجل كان مائلاً إلى التنعم والدعة والرفاهية وعنده من لطف الأخلاق ومحاسن الشيم وأدوات الظرف ما فاق به أهل زمانه وله شعر لطيف ونثر حسن وكان سمح اليد كثير البدل أبطأ عنه الشيب مع قوته ونشاطه وحسن خلقه وخلقه بفتح الخاء وأحديهما بالضم ولطف معاشرته ولد في ليلة الثلاثاء قبل العشاء الأخيرة لخمس بقين من ذي القعدة سنة احدى وخمسين وألف ونشأ بها في ظل أبيه في غاية من بلهنية العيش وقرأ وحصل بدمشق على جماعة منهم والده محدث دمشق الشام المتوفي في صفر سنة خمس وثمانين بعد الألف والشيخ نجم الدين الغزي والأستاذ الشيخ محمد البلباني الصالحي وأجاز له نزيله العلامة المشهور الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل الحرمين وكان نزيل داره بدمشق ومنهم خير الدين ابن أحمد الرملي مفتي الحنفية بها وغيرهم وتولى نقابة الأشراف بدمشق مرات عديدة وتولى تدريس القيمرية البرانية وترددت إليه الناس لقضاء حوائجها ورحل للروم وأصيب بابن له نجيب فصير واحتسب وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره شيئاً وقال في وصفه هو بيت القصيد وواسطة عقد المجد النضيد تجسم من شرف محض وكرم لا يحتاج خيره إلى خضخضة ومخض إلى ما حاز من أشتات الكمال والمعاني المربية على الآمال وهو بعد أبيه النقيب ومحله فوق المعلى والرقيب فمهما ترقى البدر فقاصر عن مراقيه والبحر لو عذب لكان بعض سواقيه وله مع النباهة روح الفضل وجسمه ومن بشر أساريره ينهض أثره المجد ورسمه وبيني وبينه ودمورث في الأعقاب وحب خالد ما دامت الأحقاب ولي في كل لحظة منه أمل ينشيه ويعيده وفي مرأى وجهه نوروز إذا مضى أقبل عيده وإذا أردت مدحه أرسلت نفسي وما تجود فلا تنتهي عند وصف من أوصافه إلا وتقول أحسن الموجود وأنا أرجو الله تعالى في كل ما يشاؤه وأسأله من الخير ما يدوم به ممتلئاً رشاؤه وقد أوردت من نفثاته السحرية ونسماته الشحرية ما هو أحسن من نور تفتحه الصبا وأوقع من خلسة الوصل في عهد الصبا انتهى مقاله فيه ومن شعره الباهر النضر قوله
لقد دعانا إلى الربا الطرب ... فأجبناه حسبما يجب
واستبقنا والشوق يجذبنا ... كان أشواقنا لنا نجب(3/67)
وشملنا والحظوظ تسعدنا ... مجتمع سلك عقدنا الأدب
فحللنا منها بمرتبع ... هو للزائرين منتخب
وقد حبانا الربيع مقتبلاً ... بمزاياه والمنى نخب
فالروض مخضلة ملابسه ... يجمع فيها الحسن والأدب
وفد تناغت به بلابله ... فمنهم فاقد ومصطحب
وموكب الزهر في حدائقه ... منتزه بالعيون منتهب
تظل مغناه وهو من دهر ... فباب نور كأنها سحب
ينعشنا العرف من شمها ... ومثل هذا العبير يكتسب
والمرج رحب الفناء مصطحب ... عليه ذيل النسيم ينسجب
تخاله من زبرجد نضر ... بحراً غدا بالنسيم يضطرب
يشوقنا حسنه ومنظره ... يسرنا حيث زانه الخصب
ولأنسكاب المياه حسن صدا ... يرقص عند استماعه الحبب
فمذ نعمنا بذا وذاك وقد ... تكنفتنا بفيئها القضب
أخصب ربع المنى وطاب به ... العيش لنا واستفزنا الطرب
فعاد للوجد مدنف طرباً ... وهكذا مدنف الهوى طرب
ومال وفق الهوى وحق له ... ذلك إذ ليس ما به لعب
وراح يملي غرامه وليها ... في غزل رق صوغه عجب
ومن يكن بالغرام ممتحناً ... لا غرو بالشوق قلبه يجب
يا بأبي مترف ألفت به ... الوجد وما غير محنتي السبب
أطعت فيه الهوى ومعدنه ... مغنطيس الجمال منجذب
جماله فتنة لذي نسك ... مهذب زان حسنه الأدب
نمازج اللطف والعفاف به ... كذا لمى الثغر منه والشنب
بدر محياه ما به كلف ... برونق الحسن راح ينحجب
وقده السمهري من مرح ... ما اهتز إلا ازدهت به القضب
وما بطر في رنا لرامقه ... الأوسهم اللحاظ منتشب
شهي لفظ تكاد رقته ... تسترق اللب وهو محتجب
منطقه سكر لمستمع ... وسكرنا من سماعه طرب
قد منحت بالجمال صورته ... وقد منحت الهوى ولا عتب
أوسعني فيه حبه ولها ... وليس الا هواه لي أرب
وقد أبى غير مهجتي سكناً ... وهي له مرتع ومنقلب(3/68)
فلا خلا من هواه لي خلد ... وذاك بيني وبينه النسب
وقوله
لا وصدق انتما المحب الودود ... لغرام سما به للسعود
ونزول الحمى وقد طال نأى ... باشتياق ونمى من المعمود
وارتضاع لما جلتها أكف ... خضبتها دما ابنة العنقود
وارتشاف اللمى ولثم خدود ... واعتناق الدمى ذوات النهود
ما الهوى بي كما يظن جهول ... بل غرامي بما عليه شهودي
وقوله
لست إلا كلا على اشفاقك ... فبر حماك جد على عشاقك
وأعد نظرة الحنان لقلبي ... روع من لم يزل على ميثاقك
وأرع ودارضيته منك حاشي ... نبذ وداتي على مصادقك
إن قلباً حللته عرض أنت ... به جوهر على اطلاقك
كيف يرضى دون التملي بلقيا ... ك محب إقالة من وثاقك
وقوله
امنح الطرف منك طلق العنان ... لأجتلاء الورود في الأغصان
والثمن من اللثم باللحاظ منك خدوداً ... صبغها من صنائع الرحمن
واغتنم طيب وصله فلعمري ... إنه غرة بوجه الزمان
فانتهز فيه فرصة لأمانيك ... وحسب الشجي نيل الأماني
حيث وجه الزمان طلق وريعان ... التصابي اقباله متداني
وبحيث المنى يسرك منها ... ما تدانت قطافه للبنان
واصطحب للندام كل مجيد ... لقصار الفصول ذات المعاني
المعى حلو الحديث يجاريك ... بما يشتهيه ذي تبيان
واصطفى للغناء كل طروب ... ناعم الصوت متقن الألحان
يوسع السمع شدوه طرباً والقلب ... شجواً بأنة الأشجان
وأغن يا صاح قبل فوتك واستج ... ل عروساً بمطريات الأغاني
وأجتليها عذراء كأساً وكأساً ... يتلألأ حبابها كالجمان
يتهادى بها اليك غرير ... خنث اللحظ فاتر الأجفان
لين العطف يستبيك إذا ما ... قام يختال مثل خوط البان
يشبه النور منه رونق وجه ... وترى الخد منه كالأرجوان
واجتنى للمشام من يامن يانع الزهر ... صنوفاً من روضك الفينان(3/69)
وأطلق العود في المجامر والند ... مان حي بماء ورد القناني
فلعمري هذا هو العيش فاغنم ... فسوى الله كل شئ فاني
ومن المستجاد من شعره قوله
ومهفهف غض الأديم يرق ماء ... الحسن في جسمانه الألماس
كدنا للطف صفاء خديه نرى ... ما مر خلفهما من الأنفاس
ومن ذلك للسيد الأمين المحبي
ومقرطق ترف الأديم تخاله ... كالغصن قد عبث النسيم بقده
ويكاد إن شرب المدامة أن ترى ... ما مر منها تحت أحمر خده
ومن ذلك للفاضل عبد الباقي السمان الدمشقي أحد المدرسين بالقسطنطينية
ومهفهف لولا جفون عيونه ... خلنا دم الوجنات من ألحاظه
وتكاد تقرأ من صفاء خدوده ... ما مر خلف الخد من ألفاظه
ومن ذلك للأديب الشيخ صادق الخراط
أفديه ذا خد نقي لم تزل ... منا العقول تتيه في مرآته
تكاد تنظر عذب ريقة ثغره ... تنساب حول الدر من صفحاته
ومن ذلك للأديب عبد الحي الخال
ترف الأديم منعم الجسم الذي ... سقاه ماء شبابه من وسمه
في كل عضو منه تنظر كل ما ... أضمرت قبل وقوعه في وهمه
ومن ذلك قول الأديب الشيخ سعيد السمان
بأبي وبي ترف أغن مهفهف ... وهب الغصون رفاهة من قده
فتكاد تبصر برد ريقته وما ... ينساب منها في صحائف خده
وللمترجم
وذي لطف له شيم رطاب ... حكتها من ربا نجد نسيم
تنكر بالتجافي قلت دعني ... من التمويه ذالاً يستقيم
فقال أمنكر ذا أنت حتماً ... فقلت نعم لما نقل النسيم
ومن ذلك قول الأديب السيد أسعد العبادي
وبي ترف صافي الأديم مهفهف ... رأى الغصن يحكيه فأخجله قدا
وأوهم إن الورد يحكي خدوده ... فأنبت ذاك الوهم في خده وردا
ومن ذلك قول الذهبي
ومحجب ساجي اللحاظ كأنه ... معنى توهم في الخيال إذا سرى
وتكاد تقرأ في أسرة وجهه ... وصقيل خد منه ما قد أضمرا(3/70)
ومما رق وراق قوله في معنى آخر
رب ساق أتى بماء قراح ... غب سقي المدام للندمان
قابل الخد منه بالكأس عمداً ... إذ غدا الخد منه كالأرجوان
فاكتسى من شعاعه الكأس حسناً ... لم نخله الا مدام الدنان
وله فيه أيضاً
يا بروحي ساق إذا ما أتانا ... بقراح خلال حث المدام
لم نخل غير خمرة إذ شعاع ... الخد قد مازج الأنا باحتكام
وكتب الأمين المحيي المذكور له يمدحه بقوله
كتمت هوائي لو يفيد التكتم ... وكيف ودمع العين عنه يترجم
لك الله قلبي كم نقاسي لواعجاً ... لها في الحشا نار من العشق تضرم
بليت بقاس لا يزال يذيقني ... من الصد ما لم يلقه قبل مغرم
فسلمت قلبي طائعاً غير إنني ... أؤخر رجلاً في الهوى وأقدم
وما كنت أدري إن للعشق فتنة ... وإن اجتناب الشر للحر أسلم
فلما رأى وجدي عليه تغيرت ... خلائقه ثم انثنى يتحكم
وصد وجاز إني على الصد بالقلا ... وأعرض عني وهو بالحال يعلم
وبدل ميثاقي وأضحى مجانباً ... يمر فيثنى عطفه لا يسلم
وأغدق دمعي وهو ماء ممنع ... وحلل قتلي وهو أمر محرم
عفا الله عنه من بخيل بقربه ... وسامحه من ظالم ليس يرحم
أقضي به عمري مع اليأس والمنى ... ولي من عذولي كل وقت مهيم
أبيت أعاني الوجد ليلة لم أكن ... بغير ثنا فرد الورى أترنم
عنيت النقيب السيد السند الذي ... غدا مثل بسم الله فهو مقدم
وحيد له الأفضال طبع وشيمة ... وفيه انتهى جود الورى والتكرم
إذا كان نور الشمس لازم جرمها ... فطلعته الزهراء مجسم
وناديه روض بالفضائل من مزهر ... لساني فيه البلبل المترنم
تعطر هبات النسيم خلاله ... فليست بعرف غيرها تتنسم
ويفتر عن لآلآء بشركائه ... مقبل شادي أليس إذ يتبسم
أمولاي أنت الناس يا فوق فوقهم ... لأنك للطلاب رزق مقسم
هواك بقلبي ليس يبرح لحظة ... به أبتدي الود الصحيح وأختم
ولي في علاك الباهر المجد في الورى ... عقود كلام بالثناء تنظم
قواف إذا ما أنشدت بين أسرة ... فقس لديها بالفصاحة أبكم(3/71)
وما هي إلا الزاهرات فلو بدت ... لقامت مقام الزهر والليل مظلم
تمنع بها من مادح ليس يرتجي ... من الدهر شيئاً غير أنك تسلم
وحسبك شكري ما بقيت على المدا ... وقلبي وأعضائي تصدق والفم
فكتب المترجم إليه مراجعاً بقصيدة مغيراً للوزن لا القافية
حسب المنى حيث الحوادث نوم ... وحواسدي وعواذلي واللوم
وافتنى الحسناء في داجي ذوا ... ئبها وللأشواق في مخيم
عذراء وافت وهي تخترق الضيا ... من وجهها مذ لاح فيه تبسم
فتعطرت منها الربوع وفاض في ... أنحائها منها السنا يتسنم
ولطالما راقبت من ولهي بها ... طيفاً يلم بزورة تتنعم
ومن اغتذى ضرع الهوى هل عينه ... يوماً بتهويم الكرى تتنعم
كلا إذا الأحشاء خامرها الهوى ... قدماً فلا عجه بها متضرم
وافت فحق لها الهناء بها كما ... الواشون حق لهم بذاك ترغم
فغدوت ذا طرب قرير العين سلك ... الشمل بالأحباب لي متنظم
لأبدع إن أسلو إذاً وأجر ذيل ... العجب تيهاً والهوى أتهكم
وأميد نشواناً بكأس حديثها ... وثناء ناظم عقدها أترنم
لم لا أكن بثناه مترنماً ... وهو الأمين وبالمنى المتكرم
الأريحي المكرمات ومن حوى ... حسن الحلا فيها عدا يتوسم
رب الفصاحة والنباهة من غدا ... وله من الفضل الجسيم تجسم
ما اللطف في النسمات إلا من كريم ... خلاله وبعرفها يتنسم
تخذ التطول بالمكارم عادة ... فكأنه كلف بذاك متيم
لا غروان ملأت محامده المسا ... مع وأستلذ سماعها المترنم
يا فرع أبناء الكرام ومن لهم ... في كل محمد رتبة وتقدم
بشراك ما أوتيت من أجر بما ... عاينت من وصب عداك يميم
فتهن مأجوراً ومسروراً بعا ... فية أتتك فلا عدتك تعمم
وعدتك أسقام عنتك وللعدى ... العادين وافت بينهم تتقسم
وبقيت في ظل التهاني سالماً ... والعيش مخضر لديك مخيم
واليكها قسية ألفاظها ... كالدر في سلك الثناء تنظم
جادت بها منى قريحة موقن ... بجمودها إذ جاء منك مهيم
فأعذر وكن بثنائها متمتعاً ... حسب المنى حيث الحوادث نوم
فكتب إليه الأمين معتذراً عن مراجعته بقصيدة لعارض المرض بقوله(3/72)
ليس فمي فيك يبلغ الشكرا ... من بعد ما قد ملأته درا
بعثت لي بالحياة في كلم ... يزيد في العمر لطفها عمرا
من كل لفظ في اللطف أحسبه ... ينفث هاروت منه لي سحرا
لم تصطنع جبرك القلوب لمن ... يدعوك إلا وتقتني أجرا
يا من هو الروض في خلائقه ... يعبق من نسمة الندى نشرا
شوقي لتقبيل راحتيك لقد ... جاوز حتى لم يبق لي صبرا
لكن عذري لديك متضح ... فأقبل حماك الآله لي عذرا
فبعث إليه بهذه الأبيات
أيها الموسم المنى بشراً ... دمت تستنطق النهى شكرا
ودام ثغر الوداد يبسم من ... بشر محياك لافظاً درا
وحبذا منك ذا لا تمله ... فهو لعمري ينافس السحرا
لقد منحت المحب منك بما ... أثلج منه الفؤاد والصدرا
من كل لفظ في اللطف أحسبه ... ينفث هاروت منه لي سحرا
فدم لنا روضة نسر بها ... ومن رباها نستنشق العطرا
وفيك دامت لنا المنى أمم ... إن نلتها كان لي بها البشرى
وكتب المترجم يستدعي السيد محمد أمين المذكور إلى منتزه
أنعم الله للجناب صباحه ... وبإسعاده أراش جناحه
وحبانا حسب المنى بأعا ... ليه وآداب فضله المستباحه
وأقر العيون منا بما من ... غض آدابه أجاد اقتراحه
يا أمين الكمال وابن ذوي الف ... ضل وخدن العلي ورب الفصاحه
لا عد منا الوفاء منك بأوفى ... صدق عهد يجدي إلى نجاحه
فأجب داعياً إلى منزل الق ... صف صباحاً لكي تنال رياحه
مسعداً حظه ببشر ولطف ... بهما الصدر راح يلقي انشراحه
وابق سلماً خديمك السعد ... ما أسعد خل إلى الخليل صباحه
فأجابه في طلبه الأمين مرتجلاً
أسعد الله من تكون صباحه ... فمحياك للصباح صباحه
بأبي أنت رائشاً لجناحي ... في زمان عدمت فيه نجاحه
كان قدما جواد حظي جموحاً ... فلأنت الذي ألنت جماحه
قد أتتني أبياتك الغر تختال ... وقد أوتيت جميع الملاحه(3/73)
مبدعات لا يبرح الطرف عنها ... فهي قيد النواظر اللماحه
كل لفظ منها كوسطى نظام ... زين العقد منه جيد الفصاحة
قد دعتني إلى اقتسام عهود ... أنا منها في غبطة وارتياحه
ألف سمع وطاعة ولك الأمر ... الذي ما برحت أرجو نجاحه
وأبق وأسلم على المدا لمحب ... لك يدعو غدوه ورواحه
وعزم يوماً على التنزه في حديقة أتخذها مألف نشاطه ومحل أنسه وانبساطه فكتب إلى الأمين أيضاً يستدعيه اليها مألف محل الألفة
نتفداك مستماح الوداد ... ثابتاً في حفاظه كوداي
مستباح الجني وطلق المحيا ... ذا جنان رحب وبشر بادي
يا كريماً خصاله تجذب الآما ... ل طبعاً لفضله المستجاد
أثمد للعيون بشر محيا ... ك فكن مفضلاً بذاك مهادي
وأجب مسعداً بلقياك داع ... شفه الشوق فهو بالمرصاد
وأبق سلماً ممتعاً بأمانيك ... على رغم معطس الحساد
ما تداعت إلى التداني أمان ... من مشوق أشواقه في ازدياد
وللمترجم
ما لقلبي عن الغرام براح ... إذ هوى من أحب زاد وراح
فعسى العاذل المفند يصغي ... ليريح المشوق بل يرتاح
من تسليه ليس يرجي فإني ... فيه يجدي من العذول اقتراح
والتسلي دون التملي لأمر ... من عميد وما سواه جناح
كيف يرجي سلوه وهو جسم ... والهوى الروح والحبيب النجاح
جل من الهم العظيم تسليه ... وفيه إلى الرضاع ارتياح
ويح من كامن الهوى بين جنبيه ... مقيم ومنه تندي الجراح
حيث دون المنى فياف وبيد ... وهو يصبو وما لديه جناح
يا أخلاي إن وجدي لعذري ... لجلي فخري به الافتضاح
وبه همتي لتنمو وتسمو ... حيث صدري عراه منه انشراح
سائلي عن جلي وجدي وعما ... فيه فخري ما كل وجد رباح
إنما الوجد ما حمدت به سيرك ... فيه إذا أتاك الصباح
فالمحبون في المحبة شتى ... كل قلب بما حوى نضاح
فمعنى بمغنطيس جمال ... ومحب مرامه الأشباح(3/74)
فحليف الهوى هواه هوان ... وأخو الوجد وجده مصباح
جل من أشغل القلوب بما أو ... دعها وهو بالمنى مناح
حسب ما شاء كل حزب اليهم ... صاح مغري بشامة مقداح
الطرف بسكون الطاء العين لا يثنى ويجمع والطرف محركة الناحية جمعه الأطراف شفاء الغليل فأطراف بقصد الجمع للطرف العين مولد
كان من قلبه المحبة حلت ... عنه ولت من الخصال الشحاح
وبدا روح أنسه لمحبيه ... وبالروح تجذب الأرواح
إن من هام بالجمال سعيد ... ونجاح غدوه والرواح
وقال رحمه الله تعالى
وذاكر شاقني منه تواجده ... والليل داج فضل الرشد واجده
آثار من كل معمود كمين هوى ... والوجد قد ظهرت فيه شواهده
يعطو بعاطل جيد أجيد طرباً ... والذكر لا غرو يشجي فيه رائده
ما راح من لينه في الذكر منثنياً ... إلا وطا من الإيقاع شاهده
وما التفات بدا منه يعاطفه ... إلا وظن شروق الصبح جاهده
توسط الجمع يحكي العقد منتظماً ... فكان وسطاه وانضمت فرائده
فكل صب ثوى في قلبه أمل ... في حبه وانثنى كل يكابده
وعاد من كان يهواه يراقبه ... طوراً وآونة يغشاه وارده
فجل من أودع الأشباح تبصرة ... سر الجمال ليفني فيه عابده
وله أيضاً
حبذا طيب يومنا المشكور ... بفنا السفح في ذرى المأطور
حيث سار النسيم يهدي لنا عر ... ف الخزامي من نفحه المعطور
ولدينا جداول جعدتها ... نسمات تبري أذى المخمور
وبحيث المنى لنا قد تدانت ... فغدا يومنا مناط السرور
يالها خلسة بها سمح الدهر ... فجاءت كنفثة المصدور
وقال
قابل الورد حيث حليت وانظر ... ما يسر القلوب والأنظارا
وتسلى بحسن مرآه عن شبه ... له إن له شممت انتظارا
على ينبيه عنك واشيه كي ... يغضبه منك قاصداً اصرارا
فيوافيك عاجلاً غيرة منه ... ويأبى المزار الاجهارا(3/75)
يا بروحي من الحبيب طرازه ... قد سباني من القوام اهتزازه
أنفداه من جميل محيا ... زان يا صاح خده غمازه
أبرز العيد لي هلال محيا ... هـ وعندي ما العيد إلا انيرازه
فاستباني بطلعة دونها البدر ... بهاء وليس يخفي امتيازه
وحباني ببشره منجزاً لي ... سبق وعد يا حبذا انجازه
وقال
إلى متى تحث كأس هوى ... وتحتسي للجمال أكؤسه
ومنك لحظ يصيب من جسدي ... من أسهم الفتك صاح أرؤسه
وكم يرجى انعطاف قلبك لي ... مني فؤاد وأنت مؤنسه
الست طوع اليمين منك وقد ... أذقتني من جفاك أبأسه
أعادة فيك ذاك أم ولع ... أم ذا لأمر غدوت توجسه
ناشدتك الله هل لذا أمد ... به زمان دنا تنفسه
وهل لمضناك عند ذا طمع ... برحمة أم أراك تبلسه
رحماك فأكفف شبا جفاك فكم ... يود منك ألوفاً تيأسه
فقد غدا فاقداً لراحته ... وغاله ذا الجفا تأنسه
فجد بعطف له ونظرة إشفاق ... تفدتك منه أنفسه
لعله يصح من خمار هوى ... أنت حمياه بل وأكؤسه
وقال
ومألف للربيع جدد لي ... هواي إذ زرته وجلاسي
أشجاره أينعت بخضرته ... وبعض نور بقي على الرأس
فخلتها من زبرجد قبباً ... قد رصعتها صغار الماس
وقال
وجنى ذي محيا ... فيه أبدى الحسن جأشه
ما اجتلته العين إلا ... ازداد حسناً وبشاشه
ذهبي اللون المى ... الثغر يغري بي مراشه
إن رنا بالطرف يوماً ... إلزم الصب اندهاشه
ما سوى ريقته الخمر ... بها يروى عطاشه
ظبي أنس بابلي ... الطرف مبول الوراشه
إن وفى يوماً لمقتو ... ل الهوى أبدى انتعاشه
غصنه ما اهتز الا ... ألزم الردف ارتعاشه(3/76)
ويزين الخد منه ... حجل أبدى رشاشه
قد أتاح الله مرعا ... هـ من القلب الحشاشه
وحباه الحسن حتى ... تخذ الفتك معاشه
واخش يا غر الهوى ... واحذر بأن تبغي احتراشه
وله قوله هذه القصيدة ممتدحاً بها بعض الكرام
هواي عذري بربة الشنف ... يا حبذا دلها على ضعفي
مصونة لا يرام منظرها ... دون خيال يلم بالطرف
ما رمته إن يلم في سنة ... إلا ألم السهاد في طرفي
إني لطرفي كري أراه غدا ... ممنعاً في لحاظها الوطف
لهفي على نظرة أعللها ... لعل أشفي بها من اللهف
ذات جمال تزدان من مرح ... فتزدري بالقضيب والخشف
قوامها السمهري ما خطرت ... إلا وفي الحسن جل عن وصف
كخنصر خصرها وخاتمه ... منطقة تستوي على الردف
خضيبة الكف لثم راحتها ... يغني مدير المدام عن رشف
إلا بروحي شهي مبسمها ... فما بغير اللمى الشفا ألفي
كأنما ريقها المدامة يستشفي ... بها من مدامها الصرف
فتانة باللحاظ جاد بها ... داع اليها رغماً عن الأنف
فمذ فؤادي أجاب ممتثلاً ... ولم أرى من سعى إلى الحتف
أيست إلا من البكاء لأستشفي ... لدائي وذاك لا يشفي
أطعت صرف الهوى بها ولها ... فمذ وعت ذا انثنت إلى العسف
قد كنت من قبل هجرها أنفاً ... ذا عزة لا أراع من حتفي
فصار ذلي بها على رغم ... ونال من الغرام بالعنف
فمطمعي في وصال غادرة ... ما وعدها منجز سوى الخلف
تعلة بل وضلة وعنا ... أنسب لا غرو فيه للسخف
أمطمع صاح بعد طود منا ... أم مأمل بعد سيد كهف
هو الكريم الذي خلائقه ... قد صاغها خيمه من اللطف
ألا ريحي الذكي سؤدده ... إلا لمعي السخي بالعطف
من بشره في الجبين مؤتلق ... متفق لطفه مع الظرف
مولى حوى الفضل والحجي فغدا ... موحداً فيهما بلا خلف(3/77)
مولاي يا من غدت مكارمه ... تمنح راجيه بالذي يشفي
أتاك عبد مؤملاً فعسى ... يعود حراً محسد الوصف
يود تكرار داخل فيه ... يمتاز حكماً بذاك في الصف
وإن تكن رتبة مماثلة ... فهي اعتبار به لدى العرف
فجد بتحقيق مأملي كرماً ... فجود رحماك فوق ما يكفي
وحسن ظني بها على ثقة ... حاشى بأني أجاب بالكف
فلا برحت الزمان طوع مني ... منه على رغم ما رن الصرف
آمالنا من علاك مخصبة ... يوكف جود لها على وكف
مكتسباً للثناء مغتنماً ... خير دعاء متابع الذرف
وقال
بروحي من أفضت لسلبي خلائقه ... وذو الحسن مثل الصبح بنبيك صادقه
إذا طال ليلي مثل الشوق وجهه ... بدا فأخال الصبح أبراه فالقه
تمثل من نور جني يكاد من ... لطافته يؤذيه باللحظ رامقه
يجرد من لحظيه إن كان رامقاً ... لها روت سيفاً تستبينا بوارقه
يغنج بالتكحيل أجفان طرفه ... وقد زرفنت بالعارضين شقائقه
وما قصده التحسين بالكحل إنما ... لتحديد عضب لم يحد عنه عاشقه
فحاذر سهاماً فوقت عن حواجب ... من اللحظ ريشت بالجفون رواشقه
وما فرعه المسود فوق جبينه ... سوى لاحق والصبح لا شك سابقه
ومسكي خال فوق مخضر شارب ... كشحرور روض شوقته حدائقه
وما السكر إلا من رضاب بثغره ... إذا مزج الصهباء من فيه ذائقه
فما البدر إلا ما أظلت ذوائبه ... وما الشمس إلا ما حوته بنائقه
إذا اهتز رمحاً أو تمايل بانة ... وإن ماس تيهاً قلت قد جل خالقه
وقال
كانا ركوب والليالي منازل ... وأيامنا خيل البريد بنا تجري
وآمالنا تزداد ما جد سيرنا ... مطامعها ثم المصير إلى القبر
وقال
ألقت على وجهه شمس الضحى جسداً ... شعاعها فغدا باليد مستترا
وذاك من غيرة إذ فاتها شنب ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
وللشيخ محمد سعيد الدمياطي اللقيمي(3/78)
غريب حسن أدار الراح في يده ... مذ أثرت لونها في خده أثرا
فخلته البدر يجلو الشمس في فلك ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
ولأبن نباتة مضمناً
وافى إلي وكأس الراح في يده ... فخلت من لطفه إن النسيم سرى
لا تدرك الراح معنى من شمائله ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
ولبعضهم مضمناً
وفي الحبيب الذي أهواه من سفر ... والشمس في وجهه قد أثرت أثرا
فقلت لا تعجبوا شمساً على قمر ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
وكانت وفاة المترجم في ليلة الثلاثاء مع الغروب رابع شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في المقبرة الغربية ورثاه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله
مالي أرى البارق النجدي ما ومضا ... أشطت الدار أم ولى الفتى ومضى
من بيت حمزة نجم غاب تحت ثرى ... وكان مرتفعاً ويلاه فانخفضا
يا طالما أشرقت منه منازله ... فضاء من نوره في الخافقين فضا
عبد الكريم على الرب الكريم به ... قد أقبل المرض المستوجب المرضا
وغض من فقده طرف الكمال حياً ... والمجد قد شب في أحشاه جمر غضا
فيه الشهامة والطبع الأبي وقد ... رماه سهم منون وافق الغرضا
وكان سيفاً مصوناً في غلاف علي ... فاستله الآن مولاه العلي وقضا
إن لم نجد عوضاً عنه فإن لنا ... في صنوه وابنه من بعده عوضا
وهاتف الغيب أضحى في مسامعنا ... يقول أرخت أنسل النبي مضى
هم الأمان لأهل الأرض في خبر ... عن النبي وهذا الحكم ما انتقضا
وكلما غربت شمس لهم طلعت ... شمس فلاتك يا ابن الدهر معترضا
هو من قول القائل
نجوم علاء كلما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوى إليه كواكبه
نقول هذا نسلي فيه أنفسنا ... عن حكم رب علينا بالفراق قضى
يا كوكباً في دمشق الشام زاد به ... صدر الزمان انشراحاً كان فانقبضا
أوحشت أوج المعالي والمفاخر هل ... أوفى بك الدهر من مولاك ما افترضا
إن غاب شخصك فالباقي به خلف ... ومن يغب جوهراً إذ لم يغب عرضا
يا آل بيت النبي الحق إن بكم ... فيما قضى الله تفويضاً له ورضا(3/79)
والموت سنة كل الأنبياء غدا ... وذا على كل حي بعدهم فرضا
ومينكم يا بني الزهراء حي هدى ... إذا دعته مزايا جده انتهضا
عليه رحمة ربي دائماً وعلى ... الأسلاف ما بسط الداعي وما قبضا
وما استهلت عيوث في الرياض وما ... تفتح الزهر من جفن وما غمضا
عبد الكريم الأنصاري
عبد الكريم بن يوسف الأنصاري المدني الشيخ الفاضل الأديب البارع ولد بالمدينة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم فأخذ عن والده وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي والشيخ محمد الخليلي القدسي المشهور والشيخ مسعود المغربي والشيخ محمد الزرقاني شارح المواهب والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم من العلماء وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي وكان يدرس بالروضة المطهرة حافظاً للوقائع والأخبار متكلماً لا يعيي وألف بعض رسائل في فنون العلم وله تحريرات لطيفة كان يكتبها على هوامش كتبه وكان عالماً عاملاً تعلوه سكينة العلم ووقار العمل وأبهة التقوى ذا شيبة نيرة ووجه وضئ وكانت وفاته بمكة المكرمة سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالمعلى المعلاة وزان مرماة مقبرة مكة المكرمة حجون بتقديم الحاء على الجيم على وزن صبور رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر ولده يوسف في محله إن شاء الله تعالى.
عبد الكافي الحلبي
عبد الكافي بن حسين بن عبد الكريم الشهير بابن حموده الحلبي الشافعي الشريف الفاضل الورع الكامل امام السادة الشافعية بأموي حلب ولد بها سنة ثمان ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم على الشيخ أحمد الدمياطي وحفظه عليه وقرأ العلوم على الشيخ حسن السرميني والشيخ محمود الزمار والشيخ طه الجبريني والسيد محمد الكبيسي وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ صالح المواهبي وارتحل إلى مصر سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن الشهاب أحمد الملوي والسيد علي الحنفي والبدر حسن المدابغي وحج في هذه الرحلة وعاد لبلده وأخذ بطرابلس عن الشمس محمد التدمري وفي دمشق عن العارف الشيخ عبد الغني النابلسي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي مفتي دمشق والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم وكان له قدم راسخ في العبادات والمجاهدات والرياضات وبالجملة فهو(3/80)
من الأفراد وتزوج وله ولد يدعى بمحمد أمين وكانت وفاته يوم السبت عند طلوع الشمس ثالث شهر رمضان سنة ست وثمانين ومائة وألف وصلى عليه بالمصلى الكائن خارج باب المقام بحلب ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عبد الله باشا الجتجي
عبد الله باشا بن إبراهيم الشهير بالجتجي جته جي الحسيني الجرمكي نسبة إلى جرمك بلدة من أعمال ديار بكر ولد في بلدته المذكورة عام خمسة عشر بعد المائة وألف وجد في تحصيل العلوم وقطف من زهورها أحسن قطف وتقلبت به الأحوال إلى أن بلغ في مرامه الآمال واعتنى بتنميق الطروس بالقلم فكان في الخط المفرد العلم وحبى تواضعاً وبشاشة ومزبد وقار وأعمال بر خلصت إن شاء الله تعالى خلوص النضار ونفس أبية مرتاضه وعزيمة قوية نهاضه
يكاد من صحة العزيمة ما ... يفعل قبل الفعال ينفعل
وسجايا تنجلي عنها الظلما وندى ينادي أيها الرائد سل عما
يستصغر القدر الكثير لرفده ... ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
مع تخل عن معتاد الولاة من معاملة النفس بالاسعاف والاسعاد وتحل في مأكله وملبسه وشأنه كله بالاقتصار والاقتصاد لا يرفع للأمور الدنيوية رأساً ولا يولي أعلامها المنشورة إلا طياً ونكساً وإنما ينافس في المعالي ويسهر في طلابها الليالي اجتاز بحلب قبل الوزارة وبعدها سنة سبعين لما ولي منصب طرابلس ثم ولي حلب سنة اثنين وسبعين ومائة وألف فنزل بالميدان الأخضر أو آخر المحرم من السنة المذكورة ثم ارتحل لجهة عين تاب وكلس ثم عاد ونزل داخل البلدة وكان الغلا قد عم حتى بيع المكوك قال المصحح المكوك على وزن تنور بتشديد الكاف المكوك والمد والكيلجه والمن والرطل والبطمان والدانق كلها في كتب اللغات والأوقيانوس مطبوع والصحاح والمصباح وفقه اللغة وكفاية المتحفظ أيضاً انتهى الحلبي من الحنطة بمائة وستين قرشاً وكثرت الموتى من الجوع فعزل من حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزله شريف مكة الشريف مساعد ابن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وأزاح أخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة العلية بذلك فكان ذلك أقوى سبب في عزله وولي ديار بكر فنهض اليها فدخلها وهو متوعك المزاج إلى أن توفي بها في جمادي سنة أربع وسبعين ومائة وألف وفي أول سنة من إمرته أذهب الله على يديه مردة طائفة حرب وأفرد تلك الواقعة(3/81)
بالتأليف للعلامة السيد جعفر البرزنجي وسماه النفح الفرجي في الفتح الجتجي وحصل وهو بدمشق سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الأول قبيل الفجر زلزلة واتصلت بالقدس وغزة وتلك النواحي وصيدا وصفد وجميع بلاد ساحل الشام وحمص وحماه وشيزر وحصن الأكراد وأنطاكية وحلب واتصلت في كل اسبوع مرتين وثلاثاً إلى ليلة الأثنين سادس ربيع الثاني من السنة المذكورة فزلزلت بعد الفراغ من صلاة العشاء الأخيرة تلك المحال المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج وخرب غالب دمشق وأنطاكيه وصيدا وقلعة البريج وحسية وانهدم الرواق الشمالي من مسجد بني أمية بدمشق وقبته العظمى والمنارة الشرقية وانهدم سوق باب البريد وغالب دور دمشق ومساجدها ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة وأعقب ذلك بدمشق قبل انتهاء السنة الطاعون الشديد وعم قراها وما والاها وحصل لغالب مساجدها التعمير من وصايا الأموات وعمر جامع دمشق والقلعة والتكية السليمانية بأموال صرفت من كيس الدولة العلية العثمانية.
عبد الله البري
عبد الله بن إبراهيم البري المدني الحنفي الشيخ الفاضل الخطيب المصفع ولد بالمدينة المنورة في سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على جملة من الشيوخ منهم والده ويوسف أفندي الشرواني والجمال عبد الله ابن سالم البصري والشيخ محمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبو الطيب السندي ونبل وفضل وكتب كتباً كثيرة بخطه منها حاشية شيخه الشيخ أبي الطيب السندي على الدر المختار وشرح التسهيل لأبن عقيل والفتاوي الغيائية وغيرها وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي فكان لا يطلق الخطيب بوقته إلا عليه وكان شهماً فاضلاً بارعاً متفوقاً ولم يزل على أكمل حاله إلى أن مات وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد الله الشرابي
عبد الله بن أحمد المعروف بالشرابي الشافعي النابلسي الشيخ العالم الفاضل الفقيه المفرد الامام النحرير المحقق الشهير الصافي المشرب الودود الصالح ولد قبل المائة بأعوام وقرأ القرآن وجوده على والده وقرأ على الشيخ عبد الحق ابن أبي بكر الأخرمي ورحل إلى مصر وجاور وجد واجتهد وتضلع من الفقه والتفسير والحديث وعاد وتولى الافتاء والتدريس وتصدر للافادة وانتفع به وعليه كثير من الطلبة(3/82)
وأخذ الطريقة الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي وجد في التهجد بأوراد سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي والصلاة المشيشية واستجاز من الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي بها وكتب شرحه عليها وكانت وفاته في رمضان سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله الجعفري
عبد الله بن السيد أحمد المعروف كأسلافه بالحنبلي والجعفري النابلسي السيد الفاضل الأديب الفرضي الكامل نقيب الأشراف بنابلس أخذ العلم عن أفاضل كرام وكان له قدم راسخ في العبادة واجتهاد في الافادة وكانت وفاته في أواخر سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله الأسكداري
عبد الله بن أسعد الأسكداري الأصل المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها منهم والده السيد أسعد والشهاب أحمد المدرس والشيخ سليمان بن أحمد الأشبولي الذي يروى عن الشيخ علي الشبراملسي والبرهان إبراهيم اللقاني والشيخ عبد الرحمن اليمني والشهاب أحمد السبكي والنور علي الأجهوري بأسانيدهم المعلومة وتولى صاحب الترجمة افتاء المدينة المنورة بعد أخيه السيد محمد ونيابة القضاء وكان فاضلاً عالماً ذا جاه ووجاهة وصلاح توفي بالمدينة المنورة شهيداً بالبطن وعقب وصوله من الحج والحجاج إذ ذاك بالمدينة سنة أربع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين آمين.
عبد الله الفراري
عبد الله بن حسن باشا الشهير بالفراري معناها الهارب الحنفي الشريف كان في دولة المرحوم السلطان محمود ابن السلطان مصطفى خان الثاني أمير أخور ثم ولي جزيرة قبرس بالوزارة ثم ولي آيدين ومنها دعي للختام فدخل اسلامبول مختفياً إلى دار السلطنة ودخل للعرض وفوض له المرحوم السلطان محمود الوكالة المطلقة إذ ذاك ثم عزل منها وولي مصر القاهرة ثم عزل عنها وولي حلب ودخلها سنة ثم ولي أورفة ثم عاد إلى حلب سنة ثم ولي ديار بكر وكان بها الغلا وعم تلك الديار بل سرى في جميع البلاد حتى بيع الشنبل من البر الحلبي بأحد عشر قرشاً وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم(3/83)
وثبت ذلك لدى الحكام واشتد عليه وعلى أتباعه الخطب واستولى عليهم المرض ففرج الله عنه وعنهم بالعزل منها وولي حلب ثالثاً ودخلها مسروراً في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وكان رحمه الله سخياً حسن المعاشرة ذا معرفة واطلاع على كلام القوم واستقام بحلب إلى أن توفي يوم السبت في الساعة الرابعة من النهار سنة أربع وسبعين ومائة وألف ذاكراً كلمة الشهادة جاهراً بها ودفن بتكية الشيخ أبي بكر رحمه الله تعالى.
عبد الله يدي قله لي
عبد الله بن حسن المعروف بيدي قلي الرومي السيد الشريف الكاتب المشهور بحسن الخط البارع الماهر أخذ الخط وأنواعه من الأستاذ حافظ عثمان وأجازه بالمكتبة المعروفة عند أرباب الخطوط وصارت الناس تتنافس بخطوطه وأخذتها وأقبلت عليه بسبب ذلك واتخذه السلطان أحمد خان الثالث معلماً للخط في دار السعادة السلطانية وكان حليماً وقوراً محترماً عند السلطان المذكور والرؤساء وأرباب الدولة وغيرهم وكتب عدة مصاحف شريفة بخطه الحسن وغيرها وتوفي بقسطنطينية سنة أربع وأربعين ومائة وألف وجاء تاريخ وفاته توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ويدي قلي نسبة إلى يدي قله.
مصحح ديركه قله ضم قاف وتشديد لام ايله أو لوب مؤرخ استانبولده يدي قله لي عبد اللهي يدي قله يه نسبتده يدي قلي يازمغله بوراده عربلرك يدي قلي ديديكني تعريف أيده يوركه مرامي بدي قلي تشديد لام ايله أوقونسون ديمكدر لكن تركجه ده تشديد لامه بدل برواو علاوه سيله يدي قوله لي صو قوله لي ديرلر انتهى.
عبد الله السويدي
عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين البغدادي الشافعي الشهير بالسويدي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر المدقق الأديب الشاعر المفنن أبو البركات جمال الدين ولد بمحلة الكرخ في الجانب الغربي من بغداد سنة أربع ومائة وألف وتوفي والده وعمره ست سنوات فكفله عمه لأمه الشيخ أحمد سويد وأقرأه القرآن وعلمه صنعة الكتابة وشيئاً من الفقه والنحو والتصوف وأجازه بما يجوز له وهو أخذ عن مشايخ عدة كالشيخ محمد ابن إسمعيل البقري القاهري وآلي أفندي الرومي القسطنطيني صاحب الثبت المشهور في الروم وأخذ أيضاً صاحب الترجمة العربية عن الشيخ حسين بن نوح المعمر الحنفي البغدادي وعن الشيخ سلطان بن ناصر(3/84)
الجبوري الشافعي الخابوري ثم ارتحل للموصل فقرأ على علمائها وأتم المادة في المعقول والمنقول كالشيخ يس أفندي الحنفي وفتح الله أفندي الحنفي ثم رجع إلى بلده بغداد مكملاً للعلوم العقلية والنقلية وتصدر للتدريس والافادة في داره وفي حضرة مزار الامام أبي حنيفة النعمان وفي حضرة مقام الكامل الشيخ عبد القادر الجيلاني وفي المدرسة المرجانية وانتفعت به الطلبة علماً وعملاً واستمر عازباً عاكفاً على الافادة وقرأ في الفقه والأصول جانباً كبيراً على الشيخ محمد الرحبي مفتي الشافعية ببغداد وأجاز له مكاتبة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ في بغداد مشافهة عن الشهاب أحمد بن محمد عقيلة المكي وذلك حين قدم بغداد زائراً سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف والشيخ محمد ابن الطيب المدني قال المصحح محمد ابن الطيب هو محشي القاموس واستاذ الزبيدي شارح القاموس انتهى والعارف مصطفى بن كمال الدين البكري حين ورودهما لبغداد أيضاً للزيارة وحج سنة سبع وخمسين ومائة وألف ذاهباً من بغداد إلى الموصل ومنها إلى حلب ومنها إلى دمشق وأقرأ في حلب دروساً عامة وخاصة وأخذ عنه بها خلق كثيرون منهم الشيخ محمد العقاد الشافعي وأقرأ بدمشق أيضاً وأقبل عليه الطلبة لتلقي العلوم وأخذ عنه بها جماعة وأقرأ بالمدينة المنورة في الروضة المطهرة أطراف الكتب الستة وحضره الأئمة الأفاضل منهم العماد إسمعيل بن محمد العجلوني وأضرابه وأخذ في ذهابه وإيابه عن مشايخ أجلاء وأخذوا عنه ففي حلب عن الشيخ عبد الكريم بن أحمد الشراياتي والشريف محمد بن إبراهيم الطرابلسي الحنفي مفتي حلب ونقيبها والشيخ طه بن مهنا الجبريتي والشيخ محمد الزمار والشيخ علي الدباغ والشيخ محمد المواهبي الشافعي وبدمشق عن العماد إسمعيل العجلوني الجراحي والشهاب أحمد بن علي المنيني وصالح بن إبراهيم الجينيني والشيخ عبد الغني الصيداوي اجتمع به في دمشق وبمكة المشرفة عن الشيخ عمر السقاف سبط عبد الله بن سالم البصري وعن سالم بن عبد الله بن سالم البصري ثم رجع إلى بغداد وألف المؤلفات النافعة كشرح دلائل الخيرات المسمى بأنفع الوسائل في شرح الدلائل وحاشية على المغنى جعلها محاكمة بين شارحيه كالدماميني والشمني وابن الملا والماتن وألف متناً في الاستعارت جمع فيه فأوعى وسماها الجمانات وشرحه شرحاً حافلاً والمقامة المعروفة ضمنها الأمثال السائرة وقرظ له عليها أعيان علماء كل بلد وديوان شعر ولما رحل إلى مكة ألف لذلك رحلة سماها بالنفحة المسكية في الرحلة المكية وغير ذلك من الفوائد وفي سنة ست وخمسين ومائة وألف طلب إلى معسكر طهماز للمناظرة وقصتها مشهورة مدونة وله شعر لطيف منه قوله في مليح صائغ.(3/85)
وشادن صائغ هام الفؤاد به ... وحبه في سويدا القلب قد رسخا
يا ليتني كنت منفاخاً على فمه ... حتى أقبل فاه كلما نفخا
وقوله مضمناً البيت الأخير
إلى كم أنا أبدي هواكم وأكتم ... ونار الأسى بين الجوانح تضرم
كتمت الهوى حتى أضر بي الهوى ... ولا أحد يدريه والله يعلم
لسان مقالي بالشكاية قاصر ... ولكن طرفي عن هواك يترجم
فيا ليت شعري هل علمت صبابتي ... فتبدي صدوداً أو ترق فترحم
وقال مداعباً لصاحبه السيد حسن وذلك إنه أهدى له في يوم واحد ثلاث هدايا وكان له حبيب اسمه عطيه فقال
يا فاضلاً لا يجاريفي البحث بين البريةوسيداً ذا أياد
بالشكر مني حريهغمرتني بالعطاياوكان حسبي عطيه
وكانت وفاته ضحوة يوم السبت حادي عشري شوال سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن جوار سيدي معروف الكرخي رضي الله عنه.
عبد الله العجلوني
عبد الله بن زين الدين العمري الحنفي العجلوني نزيل دمشق قدم دمشق واستوطنها وكان سيبويه زمانه وفريد وقته وأوانه عالماً فاضلاً نحريراً مشهوراً قطن في مدرسة القجماسية ودرس بها وأفاد وانتفع به خلق كثير وكان آية الله الكبرى في النحو وبالجملة ففضله شاع واشتهر وكانت وفاته بدمشق في ثالث عشر شوال سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه.
عبد الله البصروي
عبد الله بن زين الدين بن أحمد الشهير بالبصروي الشافعي الدمشقي الشيخ العلامة الامام اللوذعي الفاضل الكامل ادريسي العصر وفرضي الدهر واخباري الزمان واثري الأوان وإن كان محققاً أوحداً خبارياً فقيهاً مؤرخاً له في كل علم باع وفي كل فن اطلاع لا سيما الفرائض فإنه انفرد بها في وقته وأما غيرها من العلوم فإنه كان ممن لم يسمح الزمان بمثاله وكان أحد الشيوخ الذين تباهت بهم دمشق زهواً واعجاباً وازدهت معالمها بهم وله يد طائلة في أسماء الرجال والوفيات والمواليد وغير ذلك بحيث لا يشذ(3/86)
عن خاطره شيء من ذلك القديم والحادث مع معرفة أحوالهم وكيفياتهم وكان قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي شديداً جسوراً صلباً قدوة ولد بقسطنطينية دار الخلافة في سنة سبع وتسعين وألف وربي يتيماً لكون والده توفي وهو صغير كما قدمنا ذلك في ترجمته وقرأ على جماعة بدمشق وغالب مشايخه الشيخ أحمد المنيني وأعظم قراءته على العلامة الشيخ عبد الرحمن المجلد وقرأ وأخذ عن الشيخ علي المنصوري المصري نزيل قسطنطينية وشيخ القراء بها والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ محمد الحبال والشيخ عبد الجليل المواهبي والشيخ محمد الكاملي وعبد الغني بن إسمعيل النابلسي والشيخ يونس بن أحمد المصري وعبد الله بن سالم البصري والشيخ عبد القادر التغلبي قال تغلب بفتح التاء وكسر اللام وتغلبي بفتح اللام فتحوها في النسبة انتهى والشيخ أحمد النخلي المكي وتخرج عليه جماعة من الفضلاء وزمرة من النبلاء وأقرأ دروساً عامة وخاصة وفي أول أمره كان يقرئ حذاء باب المنارة الشرقية في الجامع الأموي ثم انتقل آخر عمره إلى حجرته في الباذرائية وإلى داره في ظاهر دمشق بالمحلة الموسومة بطالع القبة من الباب الشرقي وكانت الطلبة يهرعوت إليه في المحلين وكان عنده كتب كثيرة معتبرة جعلها للعارية لا يمسكها عن مستفيد ولكن كان فيه شائبة تعصب لمذهبه واعتراضات على مذهب غيره وكان يقرئ نهار الأثنين بعد الظهر حذاء مرقد سيدي يحيى عليه السلام صحيح مسلم وشرح منه جملة وله ترجمة للحافظ ابن حجر العسقلاني في مجلد وألف تاريخاً لأبناء العصر وأخفته ورثته بعد وفاته ولم يبن له أثر وداوم على اقراء العلوم والمطالعة آناء الليل وأطراف النهار وكان الناس يقصدونه في عمل المناسخات والفتاوي والواقعات ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في رجب سنة سبعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عن خمسة أولاد ذكور مات منهم أربعة في طاعون سنة أربع وسبعين ومائة وألف والخامس توفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف وتفرقت كتبه أيدي سبا وضربتها يد الدهر رحمهم الله تعالى قال المصحح وللدهر عادة في تفريق الكتب وحبسها بيد الجهال وقد جرى ما جرى في دخول هلاكو خان إلى بغداد وتفصيله في التواريخ وأحيا سنته من جاء بعده فإلى الله المشتكي انتهى.
عبد الله الحلمي
عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنان الحلمي الحنفي الاسلامبولي الفاضل المحدث المفسر رئيس القراء ولد سنة ست وستين وألف أخذ أولاً عن أبيه ثم عن(3/87)
قره خليل ثم عن سليمان الواعظ وأخذ الطريق عن الياس السامري وأخذ عن كثيرين واجتمع بالسلطان أحمد وبعده بالسلطان محمود وأكرماه وعرفا قدره على ما ينبغي حتى جعله السلطان محمود مدرس دار الكتب التي بناها داخل السراي العامرة وبقي مدرساً بها إلى أن مات وله مؤلفات كثيرة منها شرح على صحيح البخاري وحاشية علي البيضاوي ومسلم لم يتمهما ورسائل لا تحصى في مواد مشكلة وله شعر بالألسن الثلاث وكانت وفاته في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة وألف ودفن عند والده خارج طوب قبو.
عبد الله بن طرفة
عبد الله بن طرفة المكي الشافعي الفقيه المحدث المفسر النحرير أبو محمد جمال الدين ولد بمكة ونشأ بها وطلب العلم وجد واجتهد وأخذ عن شيوخ أجلاء منهم الشيخ عيسى الجعفري والشيخ محمد بن سليمان والشيخ محمد الشرنبلالي وغيرهم وكان فاضلاً نبيهاً متفنناً في العلوم تصدر للتدريس بالحرم الشريف وانتفع الناس به ثم انقطع في آخر عمره للعبادة في بيته فلا تراه إلا راكعاً أو ساجداً أو تالياً ليلاً ونهاراً إلى أن توفي وترجمه الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في تاريخه المسمى لسان الزمان في أخبار سيد العربان وأخبار أمته خير الأنس والجان وهو مرتب على السنين وصل فيه إلى سنة ألف ومائة وثلاث وعشرين وأثنى على الترجمة ثناء حسناً وذكر له فضائل جمة وإن وفاته كانت في سنة عشرين ومائة وألف وصلى عليه بالمسجد الحرام بجمع حافل بالناس ودفن بالمعلا رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عبد الله العلمي
عبد الله بن عبد الرحمن العلمي القدسي كان حسن الخلق على نهج السادة الصوفية سالكاً طريق جده القطب العلمي ملازماً للأوراد والصلوات معتنياً بالخلوات رافلاً في حلل العبودية في الجلوات ولم يزل على هذه الحالة الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وعمره ثمانون سنة أو نحوها ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى.
عبد الله الجوهري
عبد الله بن عبد الغفور المعروف بالجوهري وتقدم ذكر والده الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه النحوي الفرضي الصوفي قرأ القرآن على عمه الشيخ عبد المنان(3/88)
وتفقه على والده وأخذ طريق الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي حين أجاز والده قال عند ذكر اجازة والده وأجزت ولده عبد الله بما آجزت والده به حيث توسمت نجابته الزائدة ومن آثار المترجم حاشية على شرح الأجرومية للشيخ خالد في النحو ورسائل في التصوف وكانت وفاته في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله القدسي
عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر القدسي شيخ الحرم الشريف بها السيد الشريف العالم الفاضل الصالح كان معروفاً بالعلم والعمل تاركاً للدنيا زاهداً فيها بالكلية عاكفاً على الطاعة والعبادة له باع طويل في علم الدين وفي علم الفلك ولد بالقدس في سنة ثمان وخمسين وألف ونشأ في حجر والده نشئ الصالحين ودأب في طلب العلم وتلقيه ولم يتول نقابة الأشراف وكان والده نقيباً على الأشراف في القدس وكان صاحب همة عالية وغيرة مع خلق حسن محباً للفقراء والضيفان وتولى بعد أبيه مشيخة الحرم القدسي وله ثمانية أخوة كلهم أماجد وأعيان تقسموا وظائف والدهم من خدمات الأنبياء وفراشة السلطان وغير ذلك وكان ممدوحاً مشهوراً وتوفي في عاشر جمادي الأولى سنة سبع ومائة وألف ورثاه ولده المترجم بهذه القصيدة ومطلعها
يا عين سحي دماء واندبي سنداً ... كنز الوجود وبحر الخير والرشدا
عبد اللطيف الذي شاعت مكارمه ... حتى تناشدها الأصحاب ثم عدا
الهاشمي الحسيني سيد بطل ... من كان بالحلم فينا ملجأ سندا
من كان يبدي السخايا صاح من قدم ... وكفه بالعطا والجود ما نفدا
مصادقاً للورى ما قط خانهم ... ولم يزل صادقاً بالقول معتمدا
لله ما كان أحلى طيب مجلسه ... أيام دهر مضت في عيشه رغدا
قد فاق للناس طراً في محاسنه ... وساد في الناس فجراً زائداً وندا
وكم مكارم أخلاق حباه بها ... مولاي جل تعالى حاكماً مدا
تفكروا يا أولي الألباب واعتبروا ... واندبوا جمعكم هذا الذي فقدا
وللمترجم غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وأخوه السيد حسن كان لطيفاً كاملاً رشيداً فصيح اللسان وتوفي في سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وسيأتي ذكر ابن عم المترجم السيد محب الدين وقريبه السيد يونس في محلهما رحمهم الله تعالى.(3/89)
عبد الله الجركسي
عبد الله بن عبد الله الجركسي تقدم ذكر ولده درويش نزيل دمشق ورئيس جند أوجاق اليكجرية اليرلية وآغتهم أحد الأعيان من الجند الأكابر المشاهير كان شهماً شجاعاً بطلاً جسوراً مقداماً صاحب هيبة وأبهة ودولة وصولة ووجاهة صالحاً تقياً عاقلاً صدراً رئيساً مهاباً معتبراً له الرأي الرزين والعقل الوافر هو في الأصل كان رقيقاً إلى الوزير بوزقلي مصطفى باشا أحد وزراء السلطان محمد خان بن إبراهيم خان ثم لما رأى عليه بارقة الرشد لائحه وسمت الفلاح والنجابة واضحة أو هبة للسلطان محمد المذكور فدخل السراي السلطانية العثمانية وخدم بها واستقام وتنقل في خدمها وكان مقبولاً عند السلطان المذكور محبوباً لديه ثم في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف طلع من السراي على عادتهم وكطريقتهم بعد وفاة السلطان محمد المذكور بمنصب أغوية أوجاق اليرلية اليكجرية بدمشق مع قرية معلولة النصارى وقرية قبر الياس الكائنة في ناحية البقاع وقرية رفيد وقرية عيتا انعاماً من السلطان مصطفى بن السلطان محمد المذكور وقدم دمشق وتملك بها داره الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة ورأس بدمشق واشتهر وأعطاه الله القبول والسمو وبلغ الرتبة السامية من العلياء ولم يزل عليه المنصب المذكور إلى أن مات وعزل في المدة المذبورة مرتين الأولى في سنة خمس عشرة بعد المائة قاموا عليه رعاع الوجاق وعزلوه لأمور كانت والثانية بعدها ولم يزل محترماً محتشماً حتى مات وهو جد والدتي لأن والدتها ابنته وكانت وفاته بمنزلة رابغ والحرمين وكان حاجاً في تلك السنة في الحجة أربعين ومائة وألف ودفن بالمنزلة زبور رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد الله البشمقجي
عبد الله بن عبد الله الحنفي البشمقجي القسطنطيني شيخ الاسلام وصدر البلاد الرومية المولى العالم الفاضل الصدر الرئيس المحتشم صارت له المشيخة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وعزل سنة أربع وأربعين وتوفي مسموماً في بلدة قوية سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عبد الله الخليفتي
عبد الله بن عبد الكريم الخليفتي العباسي المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم(3/90)
أبو محمد جمال الدين ولد بالمدينة سنة أربع وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على أبيه وعلى الشهاب أحمد أفندي المدرس وغيرهما وولي افتاء المدينة المنورة وصار شيخاً على الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي ونسخ نسخة من الدر المختار وصححها وله شعر ومنه ما كتبه على مجموعة له
جزى الله خيراً كل من كان ناظراً ... لمجموعتي هذي بستر القبائح
وأصلح ما فيها من العيب كله ... فهذا الذي أرجوه من كل ناصح
وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليلة النصف من شعبان سنة أربع وخمسين ومائة وألف.
السيد عبد الله الحدادي
السيد عبد الله بن علوي بن أحمد المهاجرين بن عيسى بن محمد بن علي العريضي ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن السبط الامام الحسين ابن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن البتول فاطمة بنت الرسول محمد الأمين صلى الله عليه وسلم الشهير كسلفه بالحداد الفائق على الأمثال والأنداد. الذي شيد ربوع الفضل وشاد. التريمي اليمني الشافعي ولد رضي الله عنه ليلة الأثنين خامس صفر سنة أربع وأربعين وألف بمدينة تريم مسكن السادة الأشراف آل باعلوي الحسينيين وأرخ مولده بعض الصالحين بقوله ولد بتريم أمام كريم. وحفظ القرآن العظيم واشتغل بتحصيل العلوم وصحب أكابر العلماء وأخذ عنهم وكف بصره وهو صغير وتفقه على جماعة منهم القاضي سهل بن أحمد بأحسن وحفظ الارشاد وعرضه عليه مع غيره ومنحه الله تعالى حفظاً يسحر الألباب وفهماً يأتي بالعجب العجاب وفكراً يستفتح ما أغلق من الأبواب ولازم الجد والاجتهاد في العبادات وأضاف إلى العلم العمل. وشب في ذلك واكتهل. ورحل إلى الحرمين الشريفين سنة ألف وتسع وسبعين وكان له اعتناء بزيارة القبور كثير الرحلة مبادراً إلى أماكن القرب وألف مؤلفات عديدة منها رسالة المعاونة والموازرة للراغبين في طريق الآخرة واتحاف السائل. بأجوبة المسائل. وهو جواب أسئلة سأله عنها الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله بأعباد وختمه بخاتمة تتضمن شرح أبيات الشيخ عبد الله ابن أبي بكير العيدروس التي أولها هبت نسيم المواصلة بلا اتصال ولا انفصال والقسم الثالث في الكلام المنثور قال الملتقط وهذا الكتاب انما هو قسم من كتابه الجامع له وللمكاتبات والوصايا والكلام المنظوم إلا أن السيد أذن في تفريقها لمن أراده انتهى ومنه قوله الخلق مع الحق لا يخلو أحد منهم(3/91)
من أن يكون في أحد الدائرتين أما دائرة الرحمة أو دائرة الحكمة فمن كان اليوم في دائرة الرحمة كان غدا في دائرة الفضل ومن كان اليوم في دائرة الحكمة كان غداً في دائرة العدل ما ترك من الكمال شيئاً من أقام بنفسه لربه مقام عبده من نفسه النائم يوقظ والغافل يذكر ومن لم يجد فيه التذكير ولا التنبيه فهو ميت انما تنفع الموعظة من أقبل عليها بقلبه وما يتذكر إلا من ينيب كيف يكون من المؤمنين من يرضي المخلوقين بسخط رب العالمين وهو نحو كراس قال الملتقط وقد زاد عليه كثيراً وهو إلى الآن إذا حدث شيء زاده فيه انتهى وله وصايا نافعة في طريق القوم مشهورة وله ديوان عظيم المقدار ومن نظمه القصيدة التي خمسها صاحبنا الشيخ حسين بن محمد بأفضل التي مطلعها
يا زائري حين لا واش من البشر ... والليل يحضر في برد من السحر
فقلت يا غاية الآمال ما سبقت ... منك المواعيد في التقريب بالخبر
ولو بعثت خيالاً منك تأمرني ... بالسعي نحوك لأستبشرت بالظفر
فكيف إن جئت يا سؤلي ويا أملي ... فالحمد لله ذا فوز بلا خطر
ما كنت أحسب إني منك مقترب ... لما لدي من الأوزار يا وزري
حتى دنوت وصار الوصل يجمعنا ... والسر منك ومني غير مستتر
عن الكثيب من الوادي سقاه حياً ... من الغمام مدى الأصال والبكر
وله قصيدة تائية على وزن قصيدة ابن الفارض أولها
بعثت لجيران العقيق تحيتي ... وأودعتها ريح الصباحين هبت
سحيراً وقد مرت علي فحركت ... فؤادي كتحريك الغصون الرطيبة
وأهدت لروحي نفحة عنبرية ... من الحي فاشتاقت لقرب الأحبة
وهي طويلة وله شعر كثير وله كرامات كثيرة منها أن أحد تلامذته وهو الشيخ حسين بن محمد بأفضل كان مع صاحب الترجمة حين حج واتفق إنه لما وصل إلى المدينة مرض مرضاً أشرف فيه على الموت وكشف السيد المترجم إن حياة الشيخ حسين قد انقضت فجمع جماعة من أصحابه واستوهب من كل واحد منهم شيئاً من عمره فأول من وهبه السيد عمر أمين فقال وهبته من عمري ثمانية عشر يوماً فسئل عن ذلك فقال مدة السفر من طيبة إلى مكة اثنا عشر يوماً وستة أيام للاقامة بها ولأنها عدة اسمه تعالى حي ووهبه الآخرون شيئاً من أعمارهم وكذلك صاحب الترجمة وهب له من عمره فجمع ذلك وكتبه في ورقة وتوجه به إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله الشفاعة في ذلك وحصل له أمر عظيم ثم انصرف وهو مشروح الصدر قائلاً(3/92)
قد قضى الله الحاجة واستجاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فشفى الشيخ حسين من ذلك المرض وعاش تلك المدة الموهوبة له حتى إن السيد المترجم أشار وهو بتريم إلى أن الشيخ حسين يموت في هذا العام فمات كذلك في مكة المشرفة وكراماته كثيرة لكنه كان شديد الكراهة لأظهارها بل كان ينكر وقوعها منه كثيراً حتى إن بعض أصحابه سنة ثمان ومائة وألف أظهر له مصنفاً في أحواله وفيه شيء من كراماته فشدد عليه النكير وأمره أن يغسله وله أيضاً من المؤلفات كتاب النصائح الدينية والوصايا الايمانية ورسالة المزيد ورسالة المذاكرة وفتاوي والفصول العلمية وغير ذلك وقد أفرد بالترجمة وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف.
عبد الله الطرابلسي
عبد الله بن عمر بن محمد المعروف بالأفيوني الحنفي الطرابلسي نزيل دمشق أحد الأفاضل المجيدين الماهرين البارعين كان أديباً شاعراً له سرعة تحرير في الكتابة مع خط باهر بحيث كان عديم المثيل في سرعته وبداهته ولد بطرابلس الشام وبها نشأ وارتحل مع والده إلى مصر وكان والده من الأفاضل الفقهاء وقدم ولده هذا إلى دمشق واستوطنها في المدرسة الباذرائية مدة سنتين ثم ارتحل إلى حلب وذلك في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف واستقام بها سنتين ونصف ثم عاد إلى دمشق واستوطنها في مدرسة الوزير إسمعيل باشا العظم ثم ارتحل إلى القدس بقصد زيارة الأستاذ الرباني الشيخ مصطفى الصديقي ولم يمكث بها إلا مدة أشهر ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات وله من التآليف شرح علي البردة سماه الفيوضات المحمدية على الكواكب الدرية والعقود الدرية في رحلة الديار المضرية والزهر البسام في فضائل الشام ولوائح القبول والمنحة والعزاز لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك والشيخ عمر الخباز والزهرة الندية والعبقة الندية ومختصر الاشاعة في أشراط الساعة ورنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني وفيض السر المداوي في بهجة الشيخ أحمد النحلاوي والمنحة القدسية في الرحلة القدسية وتردد إلى والدي وأحسن الوالد باكرامه ولطفه وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شاعر قريحته جيدة ومعانيه رصينة مشيدة بادر للأدب ولم تشد أوصاله وأكرمت فيه خلائقه وخصاله فروي حديثه المسلسل وارتوى من عذبه السلسل وأثقل كاهله بأعبائه وأحكم(3/93)
فيه عقدة أنبائه وافى الشام واستوطنها وجنى أمانيها واستبطنها ونزل منها منزلة الوسمى في الرياض واعتاض بها عن وطنه بأحسن اعتياض ففاح شذاه وعرفه وخلص نقده وصرفه وطلب وجد ولم يعثر له جد وأقبل على الدواة والأقلام ولم يلو على من فند عليهما ولام وصان بحرفتهما بذل ماء محياه وقنع بمدادهما عن السوي ورواياه فأرانا الأزهار في الروابي المطلولة وتنمنم العذار في العوارض المصقولة وله البداهة التي لا تسابق بل تسبق الغيوث الهطالة والفكرة التي لا تلاحق بل تلحق المعاذة من شائبة البطالة والشعر الذي أطاعه فيه القلم وما استنكف ودعاه لمرامه فجرى ركضاً وما انكف إلا أن الزمان كر على عمر اقتباله وصرف عن وجهة الشباب وجه اقباله وقد أثبت له ما شاهده عدل يبرهن عليه بالنقل والعقل انتهى مقاله وقد أطلعت على ديوانه فاستحسنت مه ما ذكرته هنا فمنه قوله
بجمالك الباهي المهيب ... وبقدك الغصن الرطيب
وبدر مبسمك الشهي ... وصارم اللحظ الغضوب
وبقوس حاجبك البهي ... وسهمه البادي المصيب
وبعنبر الخال البهيج ... ومن به كل الخطوب
وبنون عارضك الذي ... من دونه شق الجيوب
وبجيدك اليقق السني ... وورد خديك العجيب
أرفق بصب هائم ... في الحب ذي دمع صبيب
وبقلبه نار ذكت ... بهواك زائدة اللهيب
لم تبق منه يد الغرا ... م سوى المراجع والنحيب
وسقام مهجته لقد ... أعياه حقك للطبيب
فهل الهوى بفؤاده ... فعل السلافة بالشروب
مولاي أدنفت المتيم ... فيك بالصد المذيب
وهواك قد أصمى الفؤاد ... كأنه راح القلوب
وأذاب قلباً في غرامك ... لا يقر من الوجيب
قد شاقه القمري في ... غصن من الروض الخصيب
ويلوح ألفا نازحاً ... ألقاه بالهجر المشوب
بالله هي ساعة ... في الحي يا ريح الجنوب(3/94)
وعجي طلول أحبتي ... وصفي شجون فتى كئيب
فسقي عهوداً باللوى ... صوب من الغيث السكوب
يا قلب لا تك قانطاً ... لا بد من فرج قريب
وقال أيضاً
أما وشهد رضاب زانه الضرب ... وطلعة من سناها الشمس تحتجب
وعارض كبنان الأس طرز في ... ورد من الخد كم في حسنه عجب
وصارم من سيوف الهند لاح لنا ... من جفن لخطبه الأرواح تنتهب
ونقط مسك على صحن الخدود زهى ... ودر ثغر نظيم زانه الشنب
ما كنت أصغي لعذال وإن نصحوا ... فإن صدقهم عندي هو الكذب
من لي بسلوان ظبي راق مبسمه ... ومن محياه بدر التم يكتسب
إن ماس بالدل تيهاً نحو عاشقه ... فالطرف منسجم والقلب مكتئب
وإن دنا فسيوف اللحظ فاتكة ... بها مع العاشقين الجد واللعب
مهفهف القد قد تمت محاسنه ... حالي المراشف للآرام ينتسب
يفتر عن شنب رأفت مدامته ... يا حبذا درر يا حبذا ضرب
يا طاوي الكشح عن حلف الغرام ومن ... إذا بدا ففؤادي رهبة يجب
عطفاً على دنف أودى الغرام به ... وقلبه بلظى الأشجان يلتهب
له بحبك وجد زاده كلف ... ومدمع مثل ودق المزن ينسكب
هلا رثيت لقلب هائم وله ... أمضه المؤلمان الشوق والوصب
صب تقلبه أيدي الغرام على ... بسط الصبابة لما شفه العطب
فما تغنت على الغناء ساجعة ... إلا وهاج به من شجوها الطرب
وإن سرت نسمات البان في سحر ... يذكو بمهجته من نفحها اللهب
يمضي الدجى وعيوني لم تذق وسناً ... حتى تسامرني في حبك الشهب
وله أيضاً
يميناً بما في الثغر من عابق الشهد ... وما نظمت المباسم من عقد
وورد جنى غرسنه يد البها ... وبالعنبر الزاهي على صفحة الخد
وما فعلت في العاشقين ذوي الهوى ... عيون ببتار تجرد عن عمد
وجيد أضاءت لامعات حماله ... تستر في فرع من الشعر مسود
لئن لامت العذال فيك وفندوا ... وحقك لا أسلو ولو ضمني لخدي
ومن لي بسلوان وقلبي مصطلي ... على نار وجد منك زائدة الوقد(3/95)
فيا لائمي المذموم في شرعة الهوى ... اليك فإن اللوم في الحب لا يجدي
ودعني ومن أهوى فإن مسامعي ... عن العذل اللاحين كالحجر الصلد
هو الحب مهما شاء يفعل بالهنا ... وها أنا في طوع الغرام كما العبد
ومن يعشق الغيد الحسان فإنه ... أسير العنا حلف المراجع والجهد
ومن يرتجي وصلاً يجود بروحه ... وهل يختشي من لسعة طالب الشهد
وإني على حكم الهوى نائب الجوى ... معذب قلب بالصبابة والوجد
أطارح ورقاء الغصون من الأسى ... وما عندها من لوعة بعض ما عندي
وأهفو إلى مر النسيم سحيرة ... إذا فاح من أرجائه من شذا الند
وأصبو إليه كلما لاح بارق ... وذكرني الثغر الملظم بالعقد
رعى الله ليلات مضت بوصاله ... بفرط سر ورجل في الوصف عن حد
أو يقات حسن بالهناء اختلستها ... وقد أنجزت وعدي وتم بها سعدي
رشفت بها كأس المسرة مترعاً ... وأطفأت ما في القلب من حرقه البعد
فهل يسمح الدهر الضنين بعودها ... وتجلى بصبح الوصل ليلاً من الصد
وإن ضمناً ثوب الظلام كما نشأ ... ونحن بأمن من رقيب ومن ضد
أبث له شكوى التباريح غبما ... أعانق ما بين الوشاح إلى الخد
وأقطف ورد الخد لثماً بلاعناً ... وأرشف من ذاك اللما أعذب الورد
عسى ينجلي صبح الهنا بوصاله ... وارتع في ظل من الأنس ممتد
وقال
لا ينتهي في السقم حده ... من شفه في الحب وجده
كيف الهناء يرى لقلب ... زاد بالتبريح وقده
حتى ترقب يا فؤاد ... الوصل ممن طال صده
وإلى م ترعى النجم وال ... محبوب لذ لديه سهده
أبداً وإن كثر الصدو ... ذ ودام بالهجران فقده
لا أنتهي لا أرعوي ... وأنا الكئيب الصب عبده
بأبي العيون الغائرات ... وسيفها الماضي فرنده
قمر تجلي في سماء ... الحسن لكن تم سعده
درى ثغر عاطر ... يشفي سقيم القلب عهده
نفديه منا بالنفوس ... وليس ينجز قط وعده
ما الظبي عند نفاره ... ما الغصن حين يميس قده(3/96)
ترك القلوب ذوائباً ... مذ ضم مسك الخال خده
ويسل من طرفيه بتاراً ... كأن القلب غمده
يا قلب صبراً في الهوى ... لا يدان ينفك صده
وله أيضاً
فؤاد من التبريح طاب له الحتف ... وجفن من الأشواق أنحله الوكف
ولي كبد حراء عذبها الجوى ... وعين إذا ماجن ليلى لا تغفو
معذب قلبي في هوى الغيد هائم ... وما لغرامي عند أهل الهوى وصف
قريح جريح أثخنتني جراحة ... ظباء كناس شاقني منهم الظرف
ولي رشأ من بينهن مهفهف ... فريد جمال بين سرب المها خشف
فمن لحظه سحر ومن قده قنا ... ومن فرعه ليل ومن ردفه حقف
ترى كل قلب بالصبابة والهاً ... إذا ما هوى في جيده ذلك الشنف
إلا بأبي ورداً بخديه يانعاً ... رطيباً بماء الحسن يا حبذا القطف
فيا آل دين الحب نصحاً إذا رنا ... بأطراف لخطبه فمن دونها وكف
ولا تأمنوا من طرفه وقوامه ... فهذا به طعن وذاك به حتف
إلى كم أقاسي في هواه صبابة ... يذوب بها قلبي ويهمي بها الطرف
وإني إلى ذكراه أصبو تلهفاً ... كما ناحت الورقاء فارقها الألف
أطارحها شكواي والليل حالك ... فمني تباريح ومن نحوها حقف
وما ضرني إلا الملامة في الهوى ... فتبا لعذال قلوبهم غلف
ترفق عذولي فهو لا شك قاتلي ... وما لفؤادي من محبته صرف
ودع عنك تعنيفي بعذلك واتئد ... فهل في الهوى العذري ينفعنا العنف
ألا أيها العشاق عن شرعة الهوى ... ودين التصابي لا يكن لكم عسف
فمن ذاق كأس الحب لذله العنا ... وإن زاد في هجران معشوقه الحنف
عسى ولعل الحب ينجز وعده ... وصادي الجوى بالوصل يدركه اللطف
وقال
من لم يرى ميل القدود وهزها ... كتمايل الأغصان بالأوراق
وتورد الوجنات حيث تلألأت ... من خالها ببدائع الأشراق
وتسلسل الريق المبرد رقة ... هو للسيب بمنزل الدرياق
وتغازل الألحاظ لما جردت ... سيف المنون لنا من الأحداق
ومباسماً قد نضدت بفوائد ... تحكي وميض البارق الخفاق(3/97)
أو لم يذق طعم الشجون وفتكها ... وبلابل الأحزان والأشواق
وهيام قلب في المحبة ذائب ... جذبته أيدي الوجد بالأطواق
أو لم تساوره المنون فإنه ... لم يدر كيف مصارع العشاق
وله أيضاً
كم علينا تتيه في خطراتك ... فالهوى قادني إلى خطراتك
يا فريد الجمال تفديك روحي ... إن مضناك هام في لفتاتك
إن يكن لائمي تصدى لعذلي ... لست أصغي لقوله وحياتك
كل حسن وبهجة وكمال ... ذاك يا بدر من أقل صفاتك
لمتى الصد والتجني فكم ذا ... تختشي العاشقون من سطواتك
أنا نشوان في دلالك والقلب ... كليم من العيون الفواتك
فأمل لي الكأس يا حبيب طفاحاً ... فشفاء القلوب في كاساتك
يا فؤاد المشوق كم ذا التمني ... إن هذا الحبيب باللحظ فاتك
كم نقاسي من الغرام نحولاً ... وإلى كم تتيه في غمراتك
وله أيضاً
قم تنبه يا منيتي من نعاسك ... وامزج الشهد من لماك بكأسك
واصطبح بالمدام بين الروابي ... وأدر كأسها على جلاسك
وأطرح وحشة الهموم ودعنا ... من ضروب الأخماس في أسداسك
وأسقنيها وقت الصباح ففيه ... تستعير النسيم من أنفاسك
خمرة أشرقت بلآلآء در ... لست أصغي بها إلى لوم ناسك
عتقت من ألست في الدن قدماً ... قبل يا دير كنت مع شماسك
هيجتني يا دير منك نسيم ... سرقت من شذا الطيف غراسك
أيها العاذل الغبي رويداً ... لست أمشي على مراد قياسك
إنما الراح راحتي وشفائي ... فأصغ كم أنت في غرور التباسك
كم سكرنا بها وعفنا سواها ... حيث قد كنت أنت مع أجناسك
وقال عند خروجه إلى بيت المقدس
هلموا بنا فألحان راقت مشاربه ... وجنح الدجى للغرب أهوت كواكبه
وجودوا بطيب الأنس قبل وداعنا ... فقد أزمع الحادي وسارت نجائبه
فهل مسعف يا قوم بالصبر لحظة ... فإن حليف الوجد ضاقت مذاهبه
خذوا مقلتي من قبل يخطفها الهوى ... فإني رأيت الوجد سلت مضاربه(3/98)
ولا تعجبوا من أصهر الدمع إنه ... فؤادي فمن جمر الهوى سال ذائبه
ولا تحسبوا إن المتيم للنوى ... مطيع ولكن جحفل الدمع سالبه
وقد توجب الأخطار يا سعد فرقة ... لألف بهم للعب تدنو مآربه
خليلي أما الوجد فالبحر دونه ... حدوداً وأما الصبر ولت كتائبه
فلا تنيا عني فإني أرى النوى ... يجاذب عني مهجتي وأجاذبه
وما كنت أدري والليالي كمينة ... بأني مسلوب الوصال مجانبه
ألا فقفا نبكي معاهد جلق ... سقاها الحيا صوبا تدوم سحائبه
ولا زال خفاق النسيم مصافحاً ... أكف رباها كلما اخضر جانبه
ولا برحت فوق الغصون طيورها ... تغني بما تحيي القلوب غرائبه
لدى المرجة الغناء يا سعد قف عسى ... لك الشرف الأعلى تضئ جوانبه
وفي الربوة الفيحاء فاسنشق الصبا ... فنشر الغوالي للربا هو جالبه
ولا تنس سفح القاسيون وظله ... فقد أشرقت من كل فج كواكبه
فكم من نبي حل في هضباته ... وكم من ولي لا تعد مناقبه
على إنه روض من الخلد مشرق ... فضائله لا تنتهي وعجائبه
سلام على تلك المعاهد والربا ... سلام محب أنحلته مصائبه
ومني على الأحباب ألف تحية ... يصافحها من كل نشراً طائبه
مدى الدهر ما حن الخليع تشوقاً ... اليها وفاضت بالدموع سواكبه
ومن هذا البحر والقافية نظمت قصائد كثيرة قديماً وحديثاً ومن ذلك قصيدة لي كنت نظمتها حالة الطفولية وهي بعدم الاثبات حرية مطلعها
أطارحه ذكر الهوى وأخاطبه ... وليل التصابي أكفهرت كواكبه
وأنشده مني حديث صبابة ... يروق سماعاً عنده وأعاتبه
ولي في الهوى عهد يطول على المدا ... على أبد الأوقات تصفو مشاربه
ألا ليت شعري ما الذي كان موجباً ... لفرقة من أحببت إذ أنا راغبه
وهي طويلة وللمترجم
تلك المنازل والخيام ... ينمو بذكراها الغرام
حيا معاهد شعبها ... وربا منازلها الغمام
أصبو لها ما أوضمت ... برق وما صدح الحمام
يا سارياً تطوى له ... منها المهامه والأكام
والعيس أطربها الغنا ... والركب هاج به الأوام(3/99)
قف ريثما في الحي إن ... لاحت لناظرك الخيام
وسرت اليك نسيمها ... أو فاح رنداً أو خزام
فأنشد فؤادي في الحمى ... قد ضل وهو المستهام
واذكر لهم أحوال صب ... في الدجنة لا ينام
لي مهجة قد شفها ... حر اللواعج والهيام
وجوانحي وجوارحي ... بالوجد داخلها اضطرام
والحب شيء لا يطاق ... وفيه صبري لا يرام
فيه الكريم يهان وجداً ... والعزيز به يضام
وحشاشتي ذابت ولي ... جسم تناهبه سقام
يا ساكني الوادي المقدس ... من بهم شرف المقام
هلا منحتم قربكم ... لفتى به أودى الغرام
أرضى ولو طيف الكرى ... إن زار أجفاني المنام
قسماً بأشجاني وما ... يلقى الكئيب المستهام
وبما يقاسي العاشقون ... إذا لهم جن الظلام
ما حلت عن شرع الهوى ... لو حق لي منه الحمام
وعلى الحياة لبعدهم ... مني التحية والسلام
وقال
تبت يدا من سلا عن حب ذي حور ... حالي الرضاب ظريف الدل والشنب
ومن يلمني سيصلي في محبته ... ناراً من الخد ذات الوقد واللهب
من لي بسلوانه يوماً ووجنته ... حمالة الآس لا حمالة الحطب
وقال
يا بديع الصفات يا من تسامى ... بجمال يجل عن تشبيه
إنني ذبت من هواك فهلا ... تمنح الصب منك ما يشتهيه
فرسول الآله قال حديثاً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
ومن ذلك قول القائل
سيدي أنت أحسن الناس وجهاً ... كن شفيعي في يوم هول كريه
قد روى صحبك الكرام حديثاً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
ومن ذلك قول الأستاذ عبد الغني النابلسي
يا أخا البدر قد صفا لك ودي ... وغدا سالماً من التمويه(3/100)
إن طلبت الوصال منك فجد لي ... وأنلني منك الذي أشتهيه
فهو خير وفي الحديث روينا ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
وللمترجم
لقلبي أي شوق والتهاب ... بدمع في المحبة عندمى
وما قلبي أراه لدي لكن ... من التبريح أضحى عندمى
وله
أفدي الذي ما انتضى سيف الجفون لنا ... إلا وجندل منا بالرضاب طار
في خده ضرج في لحظه دعج ... في فرقه يلج حتى الرضاب طلا
وله أيضاً
أفدي الذي قال لي لما علقت به ... بالله هل شمت مثلي في الملا حسنا
ناديت لا وجمال منك تيمني ... بل أنت يا فاتني فقت الملاح سنا
وله أيضاً
أقول لبدري قم ومل مثل ميلة ... الغصون إذا هز النسيم اعتدالها
وإياك أن تلهو إذا ما حكهتا ... فقام وأندى بالغصون ومالها
وله
تقول فتاة الحي إن رمت ترتقي ... معالي الهنا يمم معالم داري
فقلت مداري في الغرام على اللقا ... ومن كان من قصد المعالي مداري
وقال
دع تعاطي المدام فهو حرام ... يا نديمي وإن تكن كالزلال
فشفاء الفؤاد من كل صاد ... برحيق من الرضاب حلالي
وقال أيضاً
إن مدام الثغر يشفي العنا ... منه أرتشف وأهجر مدام الطلا
فخمرة العنقود قد حرمت ... ورشف خمر الثغر عندي حلال
أقول هذا من الاكتفاء وأراد التورية بذلك بين أنه حلا من الحلاوة أو حلال وهو ضد الحرام واللام ترسم ولا تقرأ وهذا الاكتفا من أنواع البديع وينقسم إلى قسمين الأول أن يكون بجميع الكلمة كقول ابن خلوف المغربي
مل الحبيب ومال عن ... ودي مع الواشي وولى
فبكيت حتى رق لي ... من كان يعرفني ومن لا
ولأبن أبي حجلة(3/101)
يا رب إن النيل زاد زيادة ... أدت إلى هدم وفرط تشتت
ما ضره لوجاً على عاداته ... في دفعه أو كان يدفع بالتي
والقسم الثاني الاكتفاء ببعض الكلمة ومنه بيتا المترجم ومنه قول القاضي بدر الدين الدماميني
الدمع قاض بافتضاحي في هوى ... ظبي يغار الغصن منه إذا مشا
وغدا بوجدي شاهداً ووشي بما ... أخفى فيا لله من قاض وشاهد
وفيه التورية أيضاً مع الاكتفا ولأبن مكانس
نزل الطل بكرةوتوالى تجدداًوالندامى تجمعوافأجل كأسي على الندا
ومثله قول البدر الدماميني
يقول مصاحبي والروض زاه ... وقد بسط الربيع بساط زهر
تعالى نباكز الروض المفدي ... وقم نسع إلى ورد ونسرين
وما ألطف قول بعضهم هذا المعنى
شقائق النعمان ألهو بها ... إن غاب من أهوى وعز اللقا
والخد في القرب نعيمي وإن ... غاب فإني أكتفي بالشقائق
وللمترجم
عن المقلة السوداء لاح مهند ... أتى لفؤادي حكم دين الهوى يبري
ومن حاجبيه فوق السهم للورى ... لقد سار أن يحمى به الخال في الصدر
وله
بمهجتي بدر حسن لا مثيل له ... تحير في وصف معناه أولو اللسن
رنا فلاحت سيوف من لواحظه ... ناديته منيتي قلبي يحدثني
وله
ولما رأيت الحب أظهر جفوة ... إلي وعني قد غدا ضارباً صفحا
نأيت وأبدلت المحبة بالقلا ... وأصبحت من ذكرى له طاوياً كشحا
وله
يا بديع الجمال إن التصابي ... ساق للقلب من غرامك عيسا
عجباً كيف مغرم القلب يفنى ... فيك وجدا وأنت يا بدر عيسى
وله
يا لقومي من مسعفي من غزال ... قد محى الصبر من تجنيه محيا
فدع اللوم يا عذولي فقلبي ... ليس يحيى بدون منظر يحيى(3/102)
وله
وبي رشأ لولا سقام عيونه ... لما كان جسمي بالصبابة يكمد
تولع قلبي في اهتزاز قوامه ... فها أنا من سكر الغرام أعربد
أنعمان خديه ترى أنت شافعي ... إلى مالكي إني لفضلك أحمد
وله
وبي رشيق القوام ذو هيف ... بدا كريم عيونه نجل
يبخل بالوصل لي وأعجب من ... شخص كريم ودأبه البخل
وله معمياً في حسن
وغزال حالي المراشف المى ... سهم لحظيه في فؤادي صائب
رشف القلب فيه خمر هيام ... حين تم الجمال منه بحاجب
وله في سعيد
وذي محيا كبدر التم زينها ... فتيت مسك تراه فوق وجنته
مهفهف أدعج الألحاظ ذو هيف ... شريف حسن بطرف فوق طرته
وله في إسمعيل
وأغيد سحر الألباب أجمعهم ... إن لاح من برق ذاك الثغر وامضه
تشقي لذكراه آذاني ولا عجب ... قد زانه الحسن والتتميم عارضه
وقال مقتبساً
واظب على الصبر في الأحوال قاطبة ... ولازم الصدق فهو المنهج الأطهر
واطلب من الوالدين الأكرمين رضى ... ولا تقل لهما أف ولا تنهر
وله مقتبساً أيضاً
أهل الشقاوة عن نهج اليقين عسوا ... ولن ترى منهم للحق منتبها
لن ينتهوا عن معاصيهم بموعظة ... وإن يروا آية لا يؤمنون بها
وله كذلك
أعبد الله لا تجزع لضيم ... وثق بالله تتضح المسالك
وكن جلداً على صرف الليالي ... فإنك لست تدري ما هنالك
وأيم الله ذاك يهون عندي ... لعل الله يحدث بعد ذلك
وقال
لضرب السيف أو خوض المنايا ... وطعن السمهري على الصميم
وأكل السم من كبد الأفاعي ... وقبض الجمر في يوم سموم(3/103)
وايم الله ذاك يهون عندي ... ولا أحتاج يوماً للئيم
وهو من قول بعضهم
القدح في العين بالزناد ... والطعن بالرمح في الفؤاد
والمشي في مهمه ببيد ... بغير ماء وغير زاد
ووضع كف في ثغر ليث ... ما بين أسنانه الحداد
وحفر بئر بغير فاس ... في يوم برد بقعر وادي
أهون من وقفة لندل ... قدمه الحظ بالعناد
وكانت وفاته بدمشق في سنة أربع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله صبحي
عبد الله بن فيض الله بن أحمد صبحي الملقب بعبدي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي القسطنطيني كتخداء الدولة وأحد الرؤساء المشاهير الأديب الرئيس الكامل النبيل أخذ الخط عن أساتذة بسائر أنواعه ومهربه وصار أحد أعيان الكتاب وأرباب المعارف وولي المناصب توفي في سنة سبع وسبعين ومائة وألف.
عبد الله بن فتح الله
عبد الله بن فتح الله بن الحنفي الحلبي الأديب الشاعر البارع المنشي الفصيح الملقب بأديب وأحد الدنيا بالمعارف ولد بحلب في حدود المائة وألف تقريباً ثم ارتحل به إلى اسلامبول وكان سنه سبع سنين وكان والده إذ ذاك باش محاسبه جي ونشا بها تحت ظله ثم صار رئيس الكتاب وكان له الرؤساء المشهورين وتوفي في اسلامبول سنة سبع عشرة ومائة وألف ثم إن ولد المترجم عاد لحلب وصار بها تذكره جيا للخزينة الميرية وكان شاعراً بالألسن الثلاثة وله ديوان شعر منه قوله
إذا ما نال شخص ما تمنى ... من الأرذال يوماً مات منا
فكن في خبرة من كل فرد ... متى ما ساء فعلاً ساء فنا
وكان يتكلم بأشياء عجيبة واستولت عليه السوداء والجنون ومع ذلك ينظم البليغ وكانت وفاته في سابع عشر ذي القعدة سنة احدى وستين ومائة وألف رحمه الله.
عبد الله الحلبي
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن محمد المجذوب الشهير بابن شهاب الشافعي التدمري الأصل الحلبي المولد ولد بحلب سنة ست عشرة ومائة وألف(3/104)
وربي في حجر أبيه ونشأ في طاعة الله تعالى ودأب على تحصيل الكمالات ففاز منها بالقدح المعلى وقرأ على أجلاء عصره من أفاضل الشهبا كالعلامة محمد بن الزمار أحد أفراد الزمان والعلامة حسن السرميني والعلامة محمد المكتبي والعلامة طه الجبريني والعلامة علي الميقاني بأموي حلب وعلى عمدة المحدثين محمد المواهبي وارتحل مع والده لدمشق سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودخلها بعد ذلك مراة واستجاز علماءها العلام مثل الامام الأستاذ الشيخ عبد الغني الشهير بالنابلسي فقد أجازه عامة بالكتب العقلية والنقلية والتواريخ والدواوين والأدب وكتب من تقدم من السادة الصوفية قدس الله أسرارهم وكالعلامة عبد القادر بن عمر التغلبي الشيباني الحنبلي والعلامة محمد بن إبراهيم الشهير بالدكدكجي والولي الكامل الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والعالم الشيخ محمد الكاملي الدمشقي والفاضل عبد الله الشافعي وغيرهم وكان صاحب الترجمة شغفاً بمطالعة كتب الصوفية خصوصاً الفتوحات المكية وغيرها من كتب تآليف قطب الزمان سيدي محيي الدين ابن العربي قدس الله تعالى أسراره وله اليد الطولى بمعرفة الروحانيات والأوفاق والتعاويذ وانتفع به خلق كثير بسبب ذلك واشتهر شهرة حسنة وكان ديناً عفيفاً صالحاً بقياً وبالجملة فمن رآه أحبه ورأى بارقة الصلاح عليه وقد كان ممن جد واعتنى وحصل نفائس العلوم واقتنى وله من الشعر ما يشنف الآذان ويرتاح له الولهان فمنه قوله يمدح الولي الكبير سيدي أبا بكر الوفائي قدس الله سره العزيز
إذا المرء لم يلقى مغيثاً لكربه ... وراشت له الأيام نبل التجارب
يلذ بحمى قطب سما البدر رفعة ... غيور أتى برهانه بالعجائب
هو العارف المجذوب حقاً وإنه ... أبو بكر المسقى بأصفى المشارب
فلا زالت الأنوار تغشى ضريحه ... وتكسوه من جدوى عهاد السحائب
فيا أيها الغوث الذي نفحاته ... أفادت ذوي الأحزان كل الرغائب
ولم تزل الوراد تنحو لنحوه ... لدفع جيوش الهم من كل جانب
أما أنت فالموصوف بالصدق والوفا ... وكفك ملآن بفيض المواهب
فلا تنس عبداً في ودادك صادقاً ... فجاهك معلوم بأهل المراتب
هو ابن شهاب قد أتى متوسلاً ... بجاهك فأمدده بنيل المآرب
ومن شعره
بلبل الأوطان غنىفشجا قلب المعنىوغدا يبدي شجونا
عن سماع العودا غنىيذكر الأوطان شوقاًإذ غدا مثلي معنى(3/105)
قلت مهلاً يا مشوقاًزادني التذكار حزناًقد نأى عني حبيبي
والنوى جسمي أضنىنح قليلاً يا شبيهيإنني أصغيت إذنا
إن لي جسماً ضعيفاًكلما رددت يفنىوكذا دمعي نموم
فيضه يوليه مزنايا بريق الحي مهلاقد خطفت القلب منا
إن طرفي غير لاه ... عن حبيب زاد حسنا
وله متوسلاً
يا رب إني مسرف ... والعفو قسم المسرف
فاغفر لعبد خائف ... من هول يوم الموقف
وله أيضاً
يا من أراد انصرافي ... عن مذهب الحب جهلا
قصر ملامك إني ... قد بعت روحي طفلا
وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادي الأولى سنة ست وثمانين ومائة وألف ودفن بالقرب من والده خارج باب الملك بالقرب من مرقد الولي الكبير محمد الزمار رحمه الله تعالى.
عبد الله التوني جوق
عبد الله بن محمد المعروف بالتوني جوق زاده الحنفي القسطنطيني أحد صدور العلماء الأفاضل وأركان الدولة أصحاب الرفعة والجاه والسمو ولد بقسطنطينية وبها نشأ وكان والده كنحداء الوزير عبد الله باشا وقرأ وحصل وبرع في العلوم وحصل فضلاً ونبلاً وقرأ على الأساتذة كالفاضل محمد المدني وغيره ونظم الشعر بالتركية وتفوق وسلك طريق التدريس ولازم على عادتهم وأعطى رتبة الخارج سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وترقى بالمراتب حتى ولي قضاء القدس الشريف فوردها وبعد اتمام المدة عاد للروم وأعطى قدماء المدينة المنورة فألقى بها الفوائد وتأهل للتدريس والافادة ولزم جماعة من أهلها واشتهر بين علماء الحجاز وعظم لديهم وعرفوا مكانه من العلم والفهم وبعد قفوله استقام بدياره ولما قدر الله تعالى وحصل ما حصل بين دولتنا أدام الله نصرتها وحماها من البوائق الدواهي وبين دولة النصارى بني الأصفر المشهورين بالمصقو شمدي مسقوه روسيه دولتي ديرلر اختير المترجم من طرف دولتاً قاضياً للمعسكر السلطاني فارتحل مع الوزراء والأمراء قاضياً وغدا بهذا الرتبة راضياً وأعطى في آخر عمره رتبة قضاء عسكر اناطولي ترفيعاً لشأنه ومقامه وكان فاضلاً محققاً(3/106)
فقيهاً عالماً بالفروع والأصول خبيراً بالمسائل والفنون وله من الآثار حواشي على تفسير القاضي البيضاوي ورسائل أخر وتحريرات وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بقسطنطينية عند قبر إبراهيم باشا السمين الكائن بالقرب من جامع السلطان عثمان والتوني جوق زاده معناه بالعربية ابن كثير الذهب تلقب بهذا اللقب والده لتزايد ثروته وتوفر جاهه رحمهما الله تعالى.
عبد الله الشبراوي
عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين القاهري الشافعي الشهير بالشبراوي الشيخ الامام العالم العلامة والفاضل الهمام البحر الفهامة الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو محمد جمال الدين ولد سنة احدى وتسعين وألف وجده عامر مترجم في خلاصة الأثر للمحبي وأخذ عن جملة من العلماء الأعلام كالعلامة محمد بن عبد الله الخرشي المالكي أجازه سنة وفاته وهي عدد خرش وعن أبي مفلح خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب أحمد بن محمد الخليفي والامام محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشهاب أحمد بن غانم النفراوي والجمال منصور المنوقي والعلم صالح بن حسن البهوتي الحنبلي وعيد بن علي النمرسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وبرع ورؤس في العلم حتى صار شيخ الجامع الأزهر وتقدم على أقرانه وله مؤلفات نافعة منها ديوان شعره المسمى بمنائح الألطاف ومنه قوله
يفديك يا بدر صب ما ذكرت له ... إلا على قدم شوقاً اليك وثب
لا تخش مني سلواً في هواك فقد ... تبت يدا عاذلي يا بدر فيك وتب
وقوله
لا تعذلوني في اشتغالي به ... ليس علي من هام فيه جناح
فإنني سلطان أهل الهوى ... وذاك سلطان جميع الملاح
وقوله
بالروح أفدي حبيباً كان يمنحني ... وصاله حين كان الحب مستترا
وحين ماجت بودي أدمع هملتدرى بعشقي له فاعتز واقتدراوقت درى
وله غير ذلك من الآثار والنظام والنثار وكان ذا جاه عريض وحرمة وافرة وكانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين(3/107)
رحمه الله تعالى وإيانا.
عبد الله الأنطاكي
عبد الله بن محمود الأنطاكي ثم الحلبي الحنفي مدرس الرضائية الشيخ الفاضل النبيل البارع ولد بأنطاكية بعد الثلاثين ومائة وألف وقرأ على والده ولازمه كثيراً وله الذكاء المفرط والأدب الغض والنظم العالي في اللغة الفارسية والتركية صرف ذكاءه في الأدب ومعاشرة الأدباء وعجز والده عن رده فتركه فذهب بعد وفاة والده إلى اسلامبول ودفتر دارها يومئذ منيف أفندي الأنطاكي أحد تلامذة والده فأكرمه وأدخله بين كتبة الديوان ثم خرج صحبة الوزير حسين باشا داماد الوزير الأعظم محمد راغب باشا من اسلامبول حين خرج المشار إليه بمنصب الرها وكان عند كاتب ديوانه فلما عزل الوزير المشار إليه من الرها وصل معه لحلب ومنها فارقه وذهب إلى اسلامبول ودخل إلى القلم ثانياً وتزوج باسلامبول وشعره كثير موجود بأيدي الناس وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى وأموات المسلمين وإيانا.
عبد الله اليوسفي الحلبي
عبد الله بن يوسف بن عبد الله المعروف باليوسفي الحلبي الأديب الشاعر البارع الماهر الناظم الناثر المكثار كان أوحد الشهباء في النظم والتاريخ والاختراعات العجيبة والأشعار الغريبة ولزوم ما لا يلزم والابتكارات في فنون الأدب من تواريخ وقصائد وغيرها وله بديعية التزم فيها تسمية الأنواع واخترع أربعة أنواع غريبة نظمها فيها وشرحها شرحاً جيداً ولد بحلب وقرأ على والده مدة حياته ثم على الشيخ حسن السرميني وبعده على المحدث الشيخ طه الجبريني ثم على الفقيه الشيخ محمود البادستاني والشيخ محمد المصري وعليه قرأ الأندلسية في علم العروض وقرأه مع علم القافية على الشيخ علي الميقاتي وعلى الشيخ قاسم البكرجي والشيخ محمد الحصري واشتغل بالأدب وقريض الشعر مدة على هؤلاء الفضلاء وافترع افترع افتض أبكار الأفكار وصاغ قلائد المعاني نظيمة الأسلاك وله أشعار ومدائح وتواريخ وأحاجي ومعميات وغيرها شيء كثير وامتدح الأعيان والعلماء وغيرهم ووقعت له بين أبناء عصره المطارحات والمساجلات وكان بحلب يتعانى بيع البن في حانوته الواقع بالقرب من جامعها الأموي فلذا اشتهر بالبنى وكان في غاية من الفقر وضنك العيش وقد عرض له قبل وفاته بثلاث سنوات صمم عظيم وكان(3/108)
أولاً عارضاً له فزاد حتى منعه من السماع بالكلية بحيث صار الناس يخاطبونه بالاشارة فحصل له من ذلك كدر عظيم فبادر للاستغاثة بالجناب الرفيع النبوي بألف بيت راجياً الشفاء من ذلك ببركتها وشرع فلم يتيسر له الاتمام وخطب مدة في جامع البهرمية نيابة عن بني الشيخ طه وسافر إلى طرابلس الشام ولاذقية العرب وقدم دمشق ووفد اليها مراراً واجتمع بوالدي وحباه من الاكرام والالتفات ما جاوز الحد والغايات وامتدحه بقصائد وأشعار كثيرة وجرى بينه وبين ادباء دمشق من المجاورات والمطارحات ما يفعم يقال أفعمه إذا ملأه بطون الصفحات وبالجملة فهو فريد عصره بالاختراعات الغريبة وفن التاريخ وسرعة النظم والارتجال في التاريخ ومن شعره مادحاً والدي ومهنياً له بالافتاء
أيا جلقاً لا زلت باسمة الثغر ... بصيب أفراح تدوم مدى الدهر
ولا برحت أنوار مجدك تنجلي ... مطالعها حسناً من اليمن واليسر
وما انفك مغناك يلوح مسرة ... ودوحة علياك مضمخة العطر
تسامت بقاع اليمن فيك بسادة ... لهم شرف يسمو على الأنجم الزهر
لهم في انتماء المجد خير أرومة ... وعلياهم تعلو على هامة النسر
ولا سيما منهم همام مكرم ... مجيد على الشأن مرتفع القدر
هو السيد السامي الرفيع مكانة ... من الفضل يستجلي المحامد بالشكر
ومن هو بالأصل الرفيع تشامخت ... مراتبه العليا إلى ذروة الفجر
لقد شرف الافتاء نير فضله ... ووفق أحكام المسائل في الذكر
وأودع أنواع العلوم براعة ... من الفضل لم تبرح بحضرته تجري
أما هو في عليا دمشق هلالها ... وكوكبها السامي على الكوكب الدري
كفى شرفاً إن المديح لمثله ... يطرز أنواع القريض من الشعر
ويزهو افتخاراً في نعوت كماله ... ويرتع في روض البلاغة في السر
خليلي بالعهد الذي تليت به ... صحائف آيات المحبة بالجهر
فنب عن بعيد الدار فضلاً ومنة ... بتقبيل أيد دونها صفة البحر
وبلغه عني أجزل المدح والثنا ... وخير دعاء لم يزل أمد الدهر
فلا زال محروس الجناب ممتعاً ... بإقباله يجني المكارم بالبشر
وقوله فيه
سعد السعود بدا إن زارني قمر ... بحسنه كل أهل الحسن قد قمرا
جوري وجنته الحمراء مزدهر ... وقد حوى وجهه في مهده الزهرا(3/109)
إن قابلته شموس في الضحى قهرت ... أو قابل النجم في إشراقه فهرا
وخاله عمه بالحسن فانبهرت ... عقول أهل الهواي إذ بالبها بهرا
إن رحت أحكي لحسن فيه قد شهرا ... قطعت دون بلوغي الدهر والشهرا
لي مقلة في هواه الليل قد سهرت ... وقد شكوت سقام الجفن والسهرا
واصل عشقي له بالعين من نظر ... فليته لي بعين العطف قد نظرا
ومنذ أغنى لماه العذب عن سكر ... والعقل مني بزاهي حسنه سكرا
ما بت والقلب في لقياه منجبر ... ولا بجنح الدياجي باللقا جبرا
لم أنسه قافلاً كالغصن من سفر ... وعن محباً حكاه البدر قد سفرا
وشمت ظبياً سطا بالطرف في نفر ... وكلما رمت منه وصله نفرا
راسلته برسالات ذرى سطر ... أبغي الرضى فحروف النفي لي سطرا
فبت أشكو الأسى والوجد مع عبر ... بها على شديد الحزن قد عبرا
علقته بعد طي السن في كبر ... وكان بالصد قبلي أهلك الكبرا
وخانني الصبر مذ أمسيت في ضجراً ... ولم أزل في هواه ضيقاً ضجرا
وبت من أمن خل خان في غدر ... وصاحبي الصادق المخبور لي غدرا
وبت أرعى نجوم الليل في سحر ... في عشق خشف بعنج الطرف لي سحرا
متيماً والهاً والقلب في خطر ... والحب بعد الجفا نحو العد أخطرا
وعندما الوجد في الأحشا نما وطرا ... ولم أكن قاضياً من أصله وطرا
وجار دهري وبي أفضى إلى عسر ... وللتخلص من أعبائه عسرا
وجهت وجهي إلى من زانه خفر ... وكم لمثلي بسامي عزه خفرا
من بالكمالات من قبل الصبا شعرا ... ومدح زاهي علاه أفحم الشعراء
أعيذه بالضحى والليل من شعر ... والأنبيا وسبا والنور والشعرا
شهم همام له من جوده بدر ... إليه من مهده الاسعاد قد بدرا
كم ألبسته يد العلياء من أزر ... حتى ارتدى برداء المجد واتزرا
لم يلوه عن غياث الملتجي فتر ... وعن سلوك سبيل الرشد ما فترا
جداه من راحتيه قد حكى نهراً ... فلم يخب سائلاً يوماً ولا نهرا
أوحت إليه معالي أصله فقراً ... لأنت دون البرايا ملجأ الفقرا
السيد المنقذ الملهوف من خطر ... وأزمة إذ حوى الأفضال والخطرا
على قدر تولي رشده قدر ... يعفو ويصفح في حلم إذا قدرا
أقصى مرادي بقاه ما بقي دهر ... وما أضا قمر في الأفق وازدهرا(3/110)
ومن حواه حماه الرحب من ثمر ... ما أينع الدوح في أغصانه الثمرا
في رفعة مع صفا وقت بلا كدر ... مع السلامة مما يحدث الكدرا
بجده المجتبي من بشرت زبر ... به وفي صحف التنزيل قد زبرا
صلى عليه آله فضله ذكراً ... مسلماً دون حصر كلما ذكرا
والآل ما لاح في أفق السما خطر ... والصحب من لم يزالوا دائماً خطرا
يا سيداً ساد في بدو وفي حضر ... ودام صدراً مهاباً أينما حضرا
خذها مهذبة من كف مبتكر ... كمثلها في مديح الغير ما ابتكرا
وأسلم ودم راشداً حاوي العلا أمراً ... يعنوا لما شئته المأمور والأمرا
وله وأرسلها إلى والدي هي وما يليها من النثر
أنت للفضل قلبه وجنانه ... ولنثر القريض حقاً لسانه
ولا وج الكمال خير سمى ... ولحال الملهوف أنت أمانه
ولكل المداح خير مجيد ... ولنور الأمناح أنت بيانه
يا أخا المجد والبراعة واللطف ... ومن بالعلاء شيد مكانه
يا على المقام هلك مديحاً ... من محب قد ساعدته بنانه
فتهني بما حبيت من الدهر ... سمواً وما حياك زمانه
وتهني شكراً بشهر صيام ... فهو شهر لقد تعاظم شأنه
ضاعف الله فيه كل جزاء ... وبمحو الزلات كان امتنانه
فهو شهر لدى الآله عظيم ... فتحت فيه للأنام جنانه
لم يزل عائداً عليك بخير ... كل عام يحلو لديك أو أنه
أمد الدهر ما بك المدح يغدو ... في نظام يزهو لعمري اقترانه
إذ به اليوسفي يعرب شوقاً ... عنه يبدي لسنانه وجنانه
فعلى قدرك العلي سلام ... وثناء يدوم فيك ضمانه
إن أحسن ما توشحت به ذاتك العلية وترشحت به صفاتك البهية واتضح به نور جمالك وابلج به سر كمالك وأشرف ما ترجم عن حقيقة فضلك وموه بعظيم كنه قدرك لسان الظهور والتبيان واقرار الطمأنينة القائمة بالجنان الساطعة بنور البيان والعطف ما جرت به الأقلام من مخترعات القرائح والافهام من زواهر جواهر الابداع وفوائد فرائد الايداع وجنحت لنحوه القلوب وسنحت إليه في عام الغيوب بدائع اثنية بديعية وحسن فقرات اختراعية تعرب عن سنانك الأبهى وصفاتك الأزهى وجوامع(3/111)
أدعية قرعت باب التضرع والابتهال بأيدي الخلوص وسلكت مهيع العموم والخصوص فصادف مسراها جدير الوصول وشام سواطع أنوار الأنس ومطالع القبول وحقيقة شوق كابد لاعجه وعرج منازل زفرات صعوده وقطع معارجه كلفاً بذلك المحيا البديع الذي أحيى الله بمشاهدته القلوب ونفي ببهجته حوالك الكروب إذ هو عنوان المحاسن إلا وحديه مهرجان الملائح الأبلجية ومشكاة اليراعات النورانية ونبراس الاختراعات التشبيهية والتمثيلية تعرف منه فذلكة الفضايل بأقوى الدلائل حيث امتاز طالعه الأسنى بشرف ذاتك الحسنى التي أحرزت من المحاسن أوفاها ومن المحامد أصفاها وأخذت من الحلم أحسنه ومن العلم أبينه ومن الوفا أعمه ومن السخاء أتمه فتسلسلت أحاديث شرفها المرفوعة التي لا ضعيفة ولا موضوعة وتجملت بشرف معلوماتك وصحة مروياتك وعرجت لسدرة منتهى علمك المهذب وفضلك المرتب إلى أن بلغت في الفتق والرتق قصبات السبق فاستنار بها لألآ تقريرك وتحريرك وافتائك وامتازت به مطالع عليائك فكمل له الشرف الأعلى وراق له المورد الأحلى فلعمري انك لعلي المكارم وجلي المراحم وخاصة خلاصة الفضلاء المحققين والعلماء المدققين فلطالما تجلت لك عرائس العلوم اللدنية وتحلت بفهمك الوقاد أجياد الفوائد العقلية والنقلية ولطالما افتخرت بوجودك الأقطار الدمشقية والمواطن الجلقية حيث طلعت في سماء أهلها بدراً وسموت بحسن آرائك شرفاً وقدراً واستطردت خيول أوهامهم بتوفيقك وفتحت لهم خزائن برك وتحقيقك وطرزت ثياب خوفهم أمناً وكسوتهم من فضلك شرفاً وحسناً لا زالت شموس فضلك ساطعة أنواراً كاملة أسراراً ولا برحت قلوب الأنام بوجودك مسرورة وأقسامهم بجنابك مبرورة وما انفكت سوابغ النعم عليك وافدة والسادة منقادة اليك واردة ومتع الله جميع الأنام بطول بقائك ونور سنائك إنه على ذلك قدير وبالاجابة جدير آمين وبعد فالذي يعرضه العبد الداع ويرقه بقلمه ويعربه بكلمه إني أحمد الله تعالى اليك ملازم على وظيفة شكرك مترنم ببديع مدحك وبريع ذكرك أتذكر زماناً منحني صفوه وجذبني نحوه وأراني صفاء وجهك الأنور وجبينك الأزهر فتشتعل بي الأشواق الكامنة والأفكار الواهنة حيث قذفتني يد القدرة في لجة البعاد وأوثقتني بسلاسل العجز عن بلوغ المراد فلم أظفر بالنعمة الكبرى وهي النظر إلى وجهك مرة اخرى فأبسط كف(3/112)
السؤال لمن يعلم الأحوال وأسأل بأشرف أسمائه وأكرم أنبيائه أن يبلغني ما أتمناه من مشاهدة وجهك الأسنى وما ذلك على الله بعزيز
أيا ملك الحسن في موكبه ... واليمن والسعد في كوكبه
ويا قمر أضاء في مغربه ... أما في البرية من ينتبه
يهني بك العام إذ أنت به
وفقت المها بالعيون الكحال ... ملكت البها إذ حويت الكمال
وحسنك أمسى بديع الجمال ... وإن وقعت شبهة في الهلال
فأنت على الناس لا تشتبه
وامتدح والدي بهذه القصيدة مؤرخاً فيه العام
عاما عام سعيدحيث وافى بالسرورمستهلاً في هناء
مقبلاً في كل خيردافعاً اضمار عامكان حلفاً لشرور
نجمه نجم تراءىطالعاً في محصن نورفهو غيث وغياث
مع يمن وحبوربشرت منه ليالإنه خير دهور
حيث زاد الخصب وانزاحت مطايا كل ضيرقالت الأفراح فيه
من كبير وصغيرفهو عام الخير والاقبال والرزق الغزير
شرحت فيه صدورمن رؤس وصدورسيما أكرم شهم
ذو البهاء المستنيرمن إذا ناديته فيدفع شر مستطير
قلت يا خير مناديبل ويا خير عشيرفي زمان ضاع فيه
كل مسكين فقيريا على القدر يا منقام بالأمر الخطير
يا مرادي دون غيرمن مليك وأميرأنت لي جنة نصر
خير واق ونصيركل عام أنت راقلمقامات الأجور
كفك العليا إذا مارحت أشكو من عسيوندى كفك أزري
لسحاب وبحوردانت العليا ودامتلقيام ونشور
في فناك الرحب دهراًوحماك المستنيرفهو باب لنوال
وغياث المستجيردم كما تختار داعلهناء وبرور
لا تخف غدر غدورلا ولا مكر مكورسيما في عام أمن
وأمان من نكيرعامنا هذا عطاءمن جدي الرب القدير
ساقه منا وفضلاًفيه جبر للكسيرفلذا قلت مشيراً
حيث وافى بالحبورعامنا أرخه بشرىلهناء مع سرور(3/113)
وحين قدم حلب الشهباء الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد البغدادي المعروف بالسويدي امتدحه المترجم وجرت بينهما محاورات أدبية منها ما كتب إليه السويدي يعاتبه بقوله
يا سيداً ساد في أفعاله البؤس ... لما عششت فإن العش معكوس
قد قلت إن الذي نرجوه في شغل ... مدعو بأنس وهو داع ومأنوس
وعدتني ثاني الأيام إنك في ... الحانوت منتظر والوعد تنفيس
فمذ أتيت إلى الحانوت ما نظرت ... عيني سوى الخلف والأخلاف تعكيس
فسرت سيراً حثيثاً نحو مقتصدي ... فما ظفرت كأن القصد تأييس
فقمت أسري إلى دار ببحرتها ... عرش على الماء منه الماء تأسيس
من حوله جنتا حسن وأحمده ... أضحى سليمان ملك منه بلقيس
ومذ وقفت أناجي فيض رحمته ... صاح الأوز صياحاً فيه تعبيس
لولا استغاثة ربي كنت مبتلعاً ... بجوف حوت أوز فيه تغطيس
يا صاحباً صاحب الغش العظيم لقد ... أورثتني موحشاً ما فيه تأنيس
حبست طبعي ثقيلاً مذ حجبت من ال ... جنان شخصاً كما أداه ابليس
انصف ولم سوء صنع منك وإسع إلى ... عذر عن الغدر فالتغدير ترجيس
فأجابه المترجم معتذراً ومداعباً ومؤرخاً بقوله
أما وحرمة عهد قد جنيت به ... محبة ما بها والله تدليس
وقد أقمت علي دعوى فضائلها ... أدلة كم لها في الود تأسيس
ما كان مني قصور يقتضي سأماً ... ولا فتور ولا نقص ولا بؤس
ولا تخلفت عمداً عن جنابك في ... انجاز وعد له في الحكم تجنيس
بل كان سهو أو إن السهو معذرة ... كبرى وليس بها شك وتلبيس
ألا وعلمي يقيناً إن مخلفه ... وغد من الناس منحوس ومنكوس
ومنجز الوعد مستجلي مناقبه ... فكم حلا فيه تشطير وتخميس
هبني وإن قد جرى عمداً فمثلك لا ... يشينه في مقام الحلم تدنيس
أخا النباهة أجريت العتاب على ... حكم التهكم هل أغراك ابليس
أم اعتمدت على فهم أراك به ... خلاف ما هو معقول ومحسوس
لو كنت مصطحباً للغش يلزم أن ... يكون منه ومدحي فيك محبوس
فإن عفوت عفونا حيث قابلنا ... منك الوداد وعم القلب تأنيس
لا زلت تسمو سماء الفضل في نعم ... وحيثما كنت محروس ومأنوس(3/114)
ما امتاز ربع غرامي حين أرخه ... وبيت صدق مرامي فيك ملموس
ثم كتب اليوسفي المترجم إلى السويدي في مجلس أحد أمجاد حلب ارتجالاً بقوله
بغداد دار الفضل قد بزغت بها ... شمس الفضائل في رفيع علاء
سمحت بحسن سعودها لسعيدها ... ولقد أرته محاسن الشهباء
حيث استنار الفضل من اشراقه ... لما بدا في طالع لألاء
أو ما ترى بقدومه الزاهي انجلت ... في طالع يزهو على الجوزاء
أهلاً به وبحسن بهجة فضله ... وبشعره السامي بحسن ذكاء
لا زالت الشهباء من أنواره ... بالفضل تستجلي أتم بهاء
ما اليوسفي بدر نظم قريضه ... يروي حديث بلاغة الفصحاء
فأجابها السويدي ارتجالاً أيضاً بقوله
أتى سعيد حيث نلت سعادة ... في رؤيتي لمحاسن الشهباء
أنعم بها وبأهلها فلقد حوت ... حسناً لناظرها جميل بهاء
جلت عن التشبيه إلا قولنا ... هي جنة الدنيا ونور الرائي
فالله أحمد حيث بدل سفرتي ... عن تدمر بمدينة حسناء
فأنا السعيد وباغتنام اليوسفي ... قد صرت أسعد إذ بلغت منائي
من درة في شعرة من جوهر ... في نثره متلألئ اللألاء
شكراً لمجلس سيدي عثمان مذ ... بجلوسه مستجلب الآلاء
أكرم به وبربه وبصحبه ... درت عليه سحائب النعماء
ثم إن المترجم أنشد في مجلس نقيب حلب الكواكبي بقوله
كواكب الفضل قد لاحت سواطعها ... ونال منها سعيد غاية الأرب
فأحمد الله إني كنت عندهما ... أنزه الطرف في روض من الأدب
فيالها ساعة قد أسفرت علناً ... عن كل ما تقتضيه بهجة الطرب
فأجابه السويدي وقال
كواكب المجد في بحبوحة سطعت ... فزينت فوق حسن زينة الأدب
أنا السعيد لما عاينت نظرتها ... وحسنها اليوسفي بالأنس والطرب
وصرت أسعد مذ فخري لمفتخر ... كواكبي حيث عمتني منا الأرب
ومن شعر صاحب الترجمة قوله
سكرت بعيني من أحب فلم أزل ... مدى الدهر نشواناً وعقلي ذاهل(3/115)
سلواً مدمناً للخمر إن كان صادقاً ... تكون إلى الصهباء تلك الفعائل
وقوله
حجتك يا قمر السماء غمامة ... لم تدر ميلي للبدور كميلها
فكأنها لما رأتني مغرماً ... غارت عليك وأخبأتك بذيلها
وهو منتحل من قول الفاضلة عائشة الباعونية الدمشقية
وصيرت بدر التم مذ غاب مؤنسي ... أنيسي وبدر التم منه قريب
فحجبه عني الغمام بذيله ... فواعجباً حتى الغمام رقيب
وللمترجم غير ذلك من الأشعار والمقاطيع والألغاز والمعميات وما يتعلق بذلك شيء لا يحصى ولا يعد وكانت وفاته بحلب في صفر سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن خارج أبواب الجنان أحد أبواب حلب رحمه الله تعالى.
عبد الله البقاعي
عبد الله الشافعي البقاعي ثم الدمشقي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر أخذ العلم بمصر عن أجلة من الأعلام ومكث بالأزهر نحو ست سنين ثم عاد إلى دمشق وقطن في السميساطية وأقرأ دروس التحفة بالجامع الأموي بكرة النهار ووعظ على كرسي في الجامع في شهر رمضان نيابة وأم في جامع المعلق أصالة وصارت عليه بعض وظائف وكان مواظباً على التعبد والتنسك والمطالعة واقراء الدروس ولا يتردد على الحكام ولا على غيرهم ولا يخلو من الصلاح وسلامة الصدر وترك الانهماك في الدنيا ومرض بالحمى ومات وكانت وفاته في الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الله أنيس
عبد الله الملقب بأنيس الحنفي الأدرنوي الكاتب الماهر المشهور شيخ زاوية المولوية الكائنة بمصر أخذ الطريق عن الأستاذ رجب المولوي الأدرنوي والخط عن الكاتب محمد نوري المصري واشتهر أمره وحج وأقام بمصر وصار شيخاً بها في الزاوية المرقومة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف قال المصحح آدم شيخ زاوية غلطه هو أيضاً مدفون بتكية المولوية بمصر كما مذكور في الخلاصة وسفينة المولويين واماماً في صحيفة 92 من هذا الجزء الثالث من هبة العمر فهي لا تشبه بما وهبوا ليوسف أغا كنحدا الوالدة لأن أحديهما محة والأخرى بيعاً فانظر بين أهل الحال وبين أهل القال انتهى.
عبد الله العجلوني(3/116)
عبد الله العجلوني أحد الأبدال ظهرت له الكرامات العديدة والآثار الحميدة حتى قيل إنه خليفة خاطر الشامي المذكور في طبقات الأولياء وكان يتردد على الأستاذ البكري مدة سكناه بنابلس والأستاذ قدس سره يحب الاجتماع عليه والخلوة به حتى حكى الأستاذ عنه إنه رأى سيدي علي بن عليل بشير إليه بيده إلى صدره فاستيقظ الأستاذ وأخذ في تأويل ذلك فدخل الشيخ عبد الله المذكور عليه في تلك الساعة وكان ابتداء كلامه سبحان الله يا صحيبي تصغير صاحب تأول ذلك على غير مراد السيد مراده بإشارته عزيمتك لزيارته فتوجه الأستاذ للزيارة وهو صحبته وأحبه المرحوم سليمان باشا الوزير لما ظهر له من الكرامات وكانت وفاته في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى نظم منام صالح لشاور في المقريزي.
عبد الله السفاريني
عبد الله السفاريني الحنبلي الشهير بابن الحطاب أحد الأذكياء الفضلاء قرأ على شيخه محمد السفاريني مدة وافرة ثم رحل لدمشق واشتغل على الشيخ أحمد المنيني وعادت عليه بركته ثم رجع وما زال منقطعاً في خدمة شيخه وملازمته حتى اخترمته المنية وكان نحيف الجسم ومع ذلك كانت له قوة زائدة على التهجد وقيام الليل وتلاوة القرآن وله فهم رائق وشعر رقيق فائق ومحاضرة لطيفة تؤذن برتبة بالفضل منيفة وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بنابلس رحمه الله تعالى.
عبد الله المدرس
عبد الله المدرس الموصلي شيخ الموصل بلا مدافع ولا ممانع الشيخ الفاضل العامل ولد في حدود سنة ستين وألف واشتغل بطلب العلم حتى صار آية من آيات الله بالعلم والعمل وأخذ عنه أكثر علماء الموصل كالمولى السيد موسى والسيد يحيى المفتي والسيد حمد الجوميلي وغيرهم وفضله أشهر من أن يذكر وكان متحاشياً عن معاشرة الحكام ومجانباً للظلام ما مقصوده من لفظ للظلام هل أراد الظلمة جمع الظالم مستجاب الدعوة مكباً على التدريس خصوصاً الفقه والحديث والتفسير لا يعتني بزخارف الحكماء ودخل لدار السلطنة العلية ثم رجع وحج إلى بيت الله الحرام سنة سبع وأربعين ومائة وألف وترجمه صاحب الروض وقال في حقه أحد الفحول المعول عليه في الفروع والأصول ورع الزمان عمان لمعارف والاذعان ذو الفنون الغريبة والآثار المطربة العجيبة الداخل(3/117)
بيوت البلاغة من أبوابها والواصل معالم الفصاحة من رحابها تسلق إلى طرق المعارف وسلكها والتقط درر فرائد المعالي وسلكها وعرف طرق الكمال فدخلها وجاز وساغت له حقيقة الفضل والمجاز انتهى وترجمه محمد أمين الموصلي أيضاً وقال أحد أركان العلوم ووحيد الوقت بطريق المنطوق والمفهوم عالم هذه الأماكن ونحرير هذه المساكن قدوة أقرانه علامة زمانه قامع الجهل بفضله قاشع الأشكال بفكره وفهمه طرز حلل العلماء بفضائله وعلمه وفتق نور الأدب بنسمات شمائله حرست سماء مجده إذ رجمت شياطين المعضلات بشرر أفكاره وانجلت ظلمات البلادة بما أفاض على المستفيد من أنواره وتضعضعت أركان الجهالة بما ألقى عليها من مناكب أنظاره ومن لطيف آثاره هذه المنظومة في الأشكال الأربعة وهي قوله
حمداً لرب عالم جليل ... علمنا طريقة التعليل
ثم صلاة وسلاماً كملاً ... على الذي فوق السموات علا
وآله وصحبه ذوي الهدى ... مؤيدي الحق ومهلكي الردى
وبعده فأعلم مريد العلم ... وباعثي لنظم هذا النظم
وسائلي ضابطة الأشكال ... منظومة مزيلة الأشكال
جامعة الشروط والضروب ... وما به تولد المطلوب
فاجزم بأن الأوسط المكررا ... في جزئي القياس يا من أرهرا
إن جاءت الصغرى وفيها يحمل ... والعكس في الكبرى فذاك الأول
وإن تجده فيهما محمولاً ... فذلك الثاني بلغت السؤلا
وإن تجده فيهما موضوعاً ... فقد وجدت الثالث المصنوعا
وإن وجدته بعكس الأول ... فذلك الرابع فاحفظ تكمل
والشرط في الأول للانتاج ... إن توجب الصغرى للاحتجاج
كذاك فعلتها يا من درى ... فاحفظ ودع سوء الجدال والمرا
والشرط في الكبرى من الكمية ... في كل حال جعلها كلية
وهي طويلة اختصرتها خوف الاطالة وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عبد اللطيف المكتبي
عبد اللطيف بن أحمد بن علي المعروف بالمكتبي الشافعي الدمشقي نزيل(3/118)
مصر الشيخ الامام النحرير المعتقد الشهير كان محققاً علامة فاضلاً له اليد الطولى في العلوم لا سيما في الحساب والفلك والهيئة والتقويمات انفرد بهذه العلوم وكان بها اماماً وكان مأنوساً فصيح اللسان وجيهاً ظريفاً عشوراً له مطارحة لطيفة ومذاكرة أنيسة ولد بدمشق ونشأ بها مشتغلاً بطلب العلوم إلى سنة خمس وعشرين ففيها رحل إلى مصر ثم عاد لدمشق واستقام سنة واحدة وعاد إلى مصر واستقام بها إلى أن مات وقرأ وأخذ بها العلوم عن مشايخها الجهابذة ودرس وأفاد للطالبين وانتفع به واشتهر فضله وعلا صيته وصار شيخ رواق الشام بالجامع الأزهر الجامع الأزهر فيه الأروقة يقال رواق الصعايدة رواق اليمنية رواق الأتراك رواق الشوام رواق المغاربة حتى فيه رواق العميان مدة من السنين وشاع ذكره في الديار المصرية ثم ترك ذلك ولزم داره وأسدل شعره ولازم في كل سنة الذهاب إلى الحج ويصير شيخ الركب المصري مع أي أمير خرج محافظاً للحج ولازم ذلك حتى نال الوفاة بجبل عرفات وكان معتقداً ملازماً للديانة والعبادة والصلاح وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بجبل عرفات نهار عرفة وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى.
السيد عبد اللطيف الكوراني
السيد عبد اللطيف بن أحمد المعروف بالكوراني الحنفي الحلبي الشريف لأمه الفاضل الأديب البارع النبيه الكامل كان من محاسن الأدباء وظرفاء الأفاضل النبهاء ذو صون من الوقار مغضوض وطرف من الحياء مخفوض جميل الصفات والأفعال مسدد الآراء والأقوال ولد بحلب وبها نشأ وقرأ على أفاضلها كالمولى أبي السعود بن أحمد الكواكبي المفتي والعالم الشيخ حسن التفتازاني وغيرهما وظهر أدبه ونظم ونثر ومهر بالعلم والفنون وكانت له اليد الطولى على أحبابه ووالده كان رئيس كتاب المحكمة الكبرى بحلب لدى قاضي قضاتها واستقام بذلك مدة سنين مديدة ثم تولى افتاء الحنفية بحلب وكان فاضلاً فقيهاً وولده المترجم أولاً تعاني الكتابة في المحكمة ثم صار ايكنجي رئيس الكتاب أيضاً فلم يتعاط أمور الكتابة في المحكمة ولزم الانزوا والعبادة وكان شاعراً وشعره حسن مطبوع ومن شعره ما كتبه جواباً عن قصيدة أرسلها إليه الشيخ قاسم البكرجي الحلبي وهي قوله
جاءت تميس بقد دونه اللدن ... حوراء ما حل جفني بعدها الوسن
مهضومة الكشح عبل الردف ناعمة ... ومن سنا وجنتيها الشمس ترتهن
حوراء تختلس الأرواح طلعتها ... لها بكل فؤاد للورى سكن
ترمي لواحظها عن قوس حاجبها ... نبلاً تصون اللمى والقلب مفتتن(3/119)
جلت علي كؤساً من مراشفها ... وبددت نظم در كان يكتمن
وسرت القلب إذ أبدت مسائلة ... وخاطبتني فزال الهم والحزن
فهل حكت ظبية الوادي شمائلها ... كلا ولا أطلعت صنعاً ولا عدن
مليكة الحسن قد عمت محاسنها ... كفضل مولاي ذاك الجهبذ اللسن
طود الحجي قاسم من قد سما وعلا ... به على سائر الأزمان ذا الزمن
خلال كل عويص في مباحثه ... مهذب الفهم إلا أنه فطن
لا عيب فيه سوى باهي مكارمه ... وحسن أخلاقه بالعلم يقترن
من رام شأو علاه ظل ينشدنا ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
يا روضة الأدب الغض النضير ويا ... من نظمه درر لم يخصها ثمن
أتت إلى عقود أنت صائغها ... قد رصعتها يد ما شابها وهن
من كل معنى بديع راق مبتكر ... عرائساً يعتري حسادها ضغن
وقد أجبت لعالي الأمر ممتثلاً ... لكنني في القوافي بأقل لكن
خذها اليك تجر الذيل من خجل ... وحشية في خلال الطرس تكتمن
ولا برحت مدى الأيام مبتكراً ... معاً ينادونها العقيان تمتهن
ودم بعز قرير العين مبتهجاً ... بفضلك الدهر والأحباب والوطن
ما لاح برق وما هب النسيم وما ... سقى الرياض شآبيب الحيا الدجن
وقصيدة الشيخ البكرجي المذكور هي قوله
أبعد سلمي يطيب العيش والوطن ... وهل يعود لصب ذلك الزمن
والجفن يهمي بدمع من سما مقل ... فسل محاجرها هل زارها الوسن
آهاً لأيام وصل لو تعاد لنا ... بذلت روحي لها لو أنه الثمن
أيام كان حبي فيه طوع يدي ... والعيش صاف ونجم السعد مقترن
وبيننا ما إذا فهنا به وبدا ... إلى العذول علاه الهم والحزن
فياله زمناً كان الشباب به ... في عنفوان الصبا والقلب مرتهن
بأهيف لو تبدي غصن قامته ... تطاير القلب لا يبقي له شجن
وقوس حاجبه المعوج كم رشقت ... من لحظه أسهماً قامت به فتن
ما سحر هاروت سحر عند مقلته ... كم غازلت وغزتنا وهي تكتمن
وثغره قد حوى دراً بمبسنمه ... وعند رشف لما الشهد يمتهن
وخاله عمه حسناً وزاد به ... لولاه كافور جيد منه لا يصن
والخصر منه دقيق دق في نظري ... كفهم مولاي ذاك العارف الفطن
عبد اللطيف الذي باللطف منجيل ... عن درك أوصافه قد قصر اللسن(3/120)
السيد الكامل ابن الكامل ابن ذوي ال ... أفضال والعلم ندب وصفه حسن
من آل كوران بيت المجد نسل تقي ... فرع الكرام زكي الأصل مؤتمن
خدن السداد ومقدام الرشاد كذا ... أبو المعالي الذي أثرى به الزمن
بالعلم والفضل سدتم في زمانكم ... وتحسد العين في رؤياكم الأذن
قس بن ساعدة تلقاه باقلاً إذ ... ينشي الرسائل في بحث ويمتحن
سحبان يسحب ذيل الفضل منه حيا ... وأمرؤ القيس في أشعاره غبن
يا ماجداً قد حوى في المجد منزلة ... ومن حوى رتبة لم يحوها فطن
وافاك ناظمها الغر الذي حكمت ... عليه ضيق القوافي أنه الجبن
وإن تكن قصرت في مدح سيدها ... لكن بمدحك منها طابت اللسن
شنف مسامعنا من در بحرك إذ ... لا غرو فالدر في الأبحار مكتمن
وأسلم ودم وابق يا غوث الزمان لنا ... على مدى الدهر لا يزري بك الزمن
وللمترجم أيضاً
كأن ذا الدهر روض ورد ... جناه من قبلنا خصيبا
ونحن جئنا لنجتنيه ... فراعنا شوكه جديبا
وفي ذلك للشيخ قاسم البكرجي المذكور
قد اجتلى الدهر أناس مضوا ... من قبلنا كالبدر في تمه
ثم اجتلاه بعدهم فتية ... مثل هلال الشك في رسمه
ونحن لم نلق هلالاً ولا ... بدراً سوى الأكدار من غمه
وفي ذلك للأديب مصطفى بن محمد الحلبي المعروف بالبيري
لقد وردوا من قبلنا ورد دهرنا ... نميراً بأنفاس النسيم مبردا
وقد وردوا من بعدهم منه آجناً ... يعاف مساغاً حين بالحماة ارتدى
ونحن وردناه سراباً بقيعة ... يغرك مرأى وهو لا ينقع الصدى
والأصل فيه قول المتنبي
أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على هرم
وذيله الأديب السيد حسين بن كمال الدين الأبزر الحلي فقال
وهم على كل حال أدركوا هرماً ... ونحن جئناه بعد الموت والعدم(3/121)
ومن ذلك قول ابن السماح
صفا الدهر من قبلي ودرديه أتى ... فلم يصف لي مذ جئت بعدهم عمر
فجاؤا إلى الدنيا وعصرهم مضى ... وجئت وعصري من تأخره عصر
وقال أبو جعفر المحدث
لقى الناس قبلنا غرّة الده ... ر ولم نلق منه إلا الذنابي
وقال المعري
تمتع أبكار الزمان بأيده ... وجئنا بوهن بعدما خرف الدهر
فليت الفتى كالبدر جدّد عمره ... يعود هلالاً كلما فنى الشهر
وقال الآخر
كأنما الدهر ماء كان وارده ... أهل العصور وما أبقوا سوى العكر
وذكر الجاحظ الحجازي في المسهب إنه سأل عمه أبا محمد بن إبراهيم عن أفضل من لقي من الأجواد في عهد ملوك الأندلس فقال يا ابن أخي لم يقدر أن يقضي لي وطروهم في شباب أمرهم وعنفوان رغبتهم في المكارم ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم وساءت بتغير الأحوال ظنونهم وملوا الشكر وضجوا من المروءة وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضل للأفضال وكانوا كما قال أبو الطيب أتى الزمان الخ وإن يكن أتاه على الهرم فإنا أتيناه وهو في سياق الموت ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان ويبسم في موضع القطوب فيظهر الرضا في حال الغضب ويجهد أن لا ينصرف عنه أحد غير راض فإن لم يستطع الفعل عوض عنه القول قلت له فالمعتمد ابن عباد كيف رأيته قال قصدته وهو مع أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى فرفعت له قصيدة منها
يا ليت شعري ماذا يرتضين لمن ... ناداه يا موئلي في جحفل النادي
فلما انتهيت إلى هذا البيت قال اماماً أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن قال فانصرفت به إلى المرية وكان بها سكناه والتجاؤه بها لكونها ميناً لمراكب التجار من مسلم وكافر قال فكان ابقاء ماء وجهي على يديه انتهى ولصاحب الترجمة الكوراني أشعار غير ذلك ما ذكرناها وبالجملة فقد كان من الأدباء المشاهير أهل الكمال والعرض وكانت وفاته في سنة خمسين ومائة وألف ودفن بحلب في خارج باب المقام بمقابر الصالحين(3/122)
وسبب ذلك إنه طولب بدين كان عليه بعنف وكان يتهم بالثروة مع إنه صفر اليدين ولكن نفسه تأبى الشكوى والتظاهر بذلك ولما مات لم تف تركته بالدين فبيع منزله في ذلك رحمه الله تعالى.؟
عبد اللطيف الخلوتي
عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الخلوتي نزيل دمشق الشيخ الأستاذ المرشد المسلك العارف الكامل الأوحد الناسك كان في طريق القوم ممن اشتهر وساد مولده حلب وخرج منها وسافر وطاف وأخذ عن الأستاذ شيخه مصطفى الأدرنوي في مصر القاهرة سنة ثلاث ومائة وألف وأقام عنده في جامع الجلاد أربعة أعوام واختلى به خلوات عديدة وكانت امداداتها وافرة جديدة وهو أخذ عن شيخه الأستاذ المربي الأكمل علي المعروف بقره باش في مدينة أدرنة ولهذا الأستاذ مؤلفات عديدة ورسائل في الألسن الثلاثة مفيدة وانتقل عن خلفاء وتلاميذ لا يحصون كثرة وسنده معلوم عند الخاص لا العموم ولصاحب الترجمة فضل وحصل على ما حصل وهو شيخ ومربي ومرشد الأستاذ العارف مصطفى الصديقي الدمشقي لأنه أخذ عنه وتلمذ له وقد ترجمه المذكور بكتاب حافل رتبه على أبواب وذكر ما اشتمل عليه صاحب الترجمة وقد طالعته ورأيت للمترجم مقاماً عالياً وأطواراً وأحوالاً حسبما وجدته منقولاً في الكتاب المذكور يدل ذلك على علو مقدار المترجم وشأنه حتى إن الأستاذ الصديقي المذكور سمعه مرة يقول الجنيد لم يظفر طول عمره إلا بصاحب ونصف فقال له الصديقي وكم ظفرتم أنتم بمن يوصف بالتمام فقال له أنت إن شاء الله تعالى وببركة أنفاسه عليه ظهر الصديقي للوجود وصار من أرباب الوجدان والشهود وستأتي ترجمته بمحلها وكانت وفاة المترجم بدمشق في أول رجب سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف المغربي
عبد اللطيف بن عبد الحق الشهير بالمغربي الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه الشهير كان هو وأخوه الشيخ محمد صنوي مجد واتقان في فقه أبي حنيفة رضي الله عنه تولى كل منهم خدمة الشرع الشريف مع نصح وعفة وتحمل أثقال بلا كلفة وأخذ كل منهما العلم مع تدبر كتبه ودراية نقله وكان الشيخ محمد يلقب بقارئ الدرر لما أنه مهر في أبحاثها والمترجم كان يدعي بزفر لأشتهاره بالفقه وقد توفي الشيخ محمد في سنة(3/123)
أربعين ومائة وألف وصاحب الترجمة بعده في سنة ثلاث وأربعين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد اللطيف العشاري
عبد اللطيف بن عبد الرحمن الشافعي العشاري البغدادي نزيل طرابلس الشام الشيخ الفاضل الصالح العالم العامل له فضيلة في غالب الفنون الشرعية وغيرها لم يجنح في عمره لرفاهية دأبه الافادة والاستفادة مثابر على التهجد والجماعة في صلواته لم يعهد له خصلة ذميمة قرأ في بغداد على الشيخ محمد بن مفرج البغدادي والشيخ عبد الله السويدي البغدادي وكان يستقيم ببغداد في المدرسة العمرية والمدرسة الزهيدية ثم ارتحل إلى طرابلس واستقام بها إلى أن مات وكان عارض بعض أهل الجذب فأوعده وآذنه بالحرب فجرح من ليلته بيده عند أخذه الموسى لعانته وكان ذلك سبباً لموته وذريعة لتوبته وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف والعشاري نسبة إلى عشارة قرية من قرى الموصل رحمه الله تعالى.
السيد عبد اللطيف القدسي
السيد عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر الحنفي القدسي نقيب القدس وشيخ الحرم بها ورئيسها وعين أعيانها السيد الشريف الجواد الممدوح الكامل السخي المعتبر الشهير اللطيف صاحب الفخر الأثيل والمجد العريق الجميل كان أحد من تفرد بوقته بالجود والكرم حسن الأخلاق مهاباً رفيع القدر سليم النفس طيب الأعراق زاكي الخصال ذا بشاشة وفيه محباً للفقراء والضيفان مسدي المعروف لأهله والاحسان ولد في سنة خمس عشرة ومائة وألف ونشأ في السيادة رافلاً وفي السعادة راتعاً وأسفر صبح معاليه وطابت أيامه ولياليه وتولى منصب نقابة الأشراف ومشيخة الحرم الشريف واستبد مشيداً أركانه ومؤطراً للواردين من الاكرام بنيانه واشتهر وذاع وملأ صيته الأفواه والأسماع وأقبلت عليه من كل ناحية الوراد ووفدت إليه من كل بقعة غرائب العباد وهو يوسعهم اقبالاً وتبجيلاً ويزيدهم مكرمة وتفضيلاً وكان يتقدم لخدمة الضيوف بنفسه وأولاده ويقابلهم بوجه ضحوك ويعظم الضعيف قبل الشريف ولما قدر الله تعالى على الحجاج ما قدر من نهبهم وما جرى عليهم في زمن الوزير حسين باشا بن مكي الغزي وردت الحجاج من كل فج إليه مشلحين بلا زاد ولا رداء أفواجاً وأفراداً فكان يتلقاهم بصدر(3/124)
رحيب ويوسع لهم الحباء ويمنحهم التقريب وهو يكسو العاري ويطعم الجائع وأرفدهم بذلك بمزيد الاجتهاد من الاكرام وكان نزيل ساحته ومسافره إذ ذاك الفاضل الأديب الشيخ محمداً أبا النصر الطرابلسي فقال يمدحه حاكياً هذه القضية بقوله
بشراك بالاسعاف والاسعاد ... والعز والاقبال والامداد
يا سيداً قد حاز كل فضيلة ... يا كوكباً لذوي الحوائج هادي
مولاي بل مولى الأنام لطائفاً ... أحرزتها من غير ما ميعاد
قد قمت لله العليّ جلاله ... حق القيام على مدى الآماد
ومنحت وفد الله خير منائح ... وحبوتهم وشفيت غلة صادي
ورحمت رغبتهم بأنس زائد ... وأزلت عنهم وحشة الأبعاد
وأنلتهم لأجل ما قد أملوا ... فأغثتهم يا مأمل القصاد
فغدوا وكل شاكر لك حامد ... مثن عليك وقد منحت أيادي
لكم لقد رفعوا أكفاً بالدعا ... يا ربنا كن عونه يا هادي
وأعذه يا رباه من شر العدا ... وأكفه شرار الخلق والحساد
فأشكر على ما قد رزقت من العطا ... فالشكر للنعماء أفضل زاد
وأعلم بأنك قد بلغت مطالباً ... من غير ما عزم ولا استعداد
فأبشر وطب واهنأ بعز شامخ ... لا زلت تمنح غادياً مع بادي
وأرق العلى أبدا على رغم العدا ... مع سائر الأحباب والأولاد
ما غرّدت قمرية في دوحها ... تشدو فتطرب رائحاً مع غادي
وامتدح بقصائد وأبيات كثيرة وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي فقال من قصيدة يهنئه فيها بزفاف ولديه ومطلعها
إن المعالي والسيادة والمنن ... والمجد والاجلال والخلق الحسن
نيطت بآل البيت من سادوا الورى ... شرفاً وشادوا في العلى أقوى سنن
وتملكوا الأعناق بالجود الذي ... يزري بودق الساريات إذ أهتن
وسموا السماك بلا مدان وارتدوا ... أزر التقى وتقلدوا سيف الفطن
وتمنعوا عما يشين وأوسعوا ... بشرى لمن في ظل جاههم قطن
وبجدهم نالوا الفخار وما ارتضوا ... زهر النجوم بأن تكون لهم سكن
فهم الأولى لا شك نستسقي بهم ... غيث الغمام إذا بنا ضاق العطن(3/125)
وبحبهم نرجو مقامات العلا ... وبجاههم نبغي الخلاص من الأحن
قوم نراهم ما جرى ذكراهم ... في محفل الا به افتخر الزمن
فهم النجوم المهتدي بضيائها ... إن عمت البلوى وأزعجت الفتن
لا سيما رب المكارم والندى ... ورئيسهم من قد حوى الأجلال عن
من حاتم عند انسياب أكفه ... هو ما در بل بالندى هيهات أن
فرد الزمان وتاج مفرق عزه ... والدافع الجلاء والمولى المنن
ومن استعار الغيث فضل نواله ... إذ رام يهمي والسحاب إذا أرحجن
وحوى المحامد واستبدّ بجمعها ... وعن العيون بكسبها زاوي الوسن
ورقى معاريج الكمالات التي ... من رامها قالوا له أنت ابن من
لا عيب فيه غير أن نزيله ... ينسى به ذكر الأحبة والوطن
فكأنما كفاه لم تخلق سوى ... لصنائع المعروف سراً أو علن
فهو الهمام ابن الهمام المرتجي ... وهو الشريف ابن الامام المؤتمن
وامتدحه غيره من دمشق وغالب الأطراف وورد دمشق وتكرر منه الورود وأقبلت عليه أهاليها ورؤساؤها وصدورها وعلماؤها سيما والدي فإنه كان يجله ويحترمه ويوده ويعظمه وبينهما مودة ومصافاة وارتحل للديار الرومية ولم يزل في القدس صدرها الذي عليه مدار رحاها والمطمح الذي لذوي الحاجات والوراد نيل رجاها إلى زمن الوزير عثمان باشا والي دمشق وأمير الحاج فلعدم امتزاج أهالي تلك النواحي مع الوزير المذكور حصل له من طرفه صدع اضمحل به عزه وأراد هتكه وإهانته وأوقع أهل الفساد بينهما من المشاحنات ما أدى إلى البغض والعداوة حتى إنه نبه عليه أن يلزم داره ولا يتعاطى سوى أمور النقابة ولم يزل على ذلك حتى عرض بالنقابة لولده السيد عبد الله واستقام على حالته الحسنة ولم يتغير عن كرمه وترجيه وإسعافه الوراد والقصاد وعن طريقته في ذلك ولم يزل رئيساً معتبراً إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء ثاني شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف الزوائدي
عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي الشافعي الحلبي خطيب جامع الخسروية بحلب كان ملازماً خدمة العلامة صدر حلب أحمد الكواكبي ولما ولي قضاء طرابلس الشام أخذه صحبته وجعله قساماً فأساء السيرة فعزله فقدم حلب ولازم خدمة والده(3/126)
العالم المولى أبي السعود الكواكبي فلما صار مفتياً جعله أمين الفتوي شركة مع الشيخ إبراهيم البخشي وكان حفظ القرآن أولاً على الشيخ عامر المصري نزيل الحلاوية وقرأ التفسير علي الكواكبي أحمد المذكور والفقه على الشيخ مصطفى الحفسرجاوي والعربية والصرف على الشيخ سليمان النحوي وكان فقيهاً حافظاً ذا صوت حسن شجي خطاطاً وقل أن تجتمع هذه المحاسن في عالم وكان أبوه عامياً فقيراً صباغاً نشأ المترجم في الفقر الحالك المهلك وكان يحث مخاديم أصحابه على اكتساب الكمالات ويخبرهم عن نفسه إنه كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً وإنه من احتياجه لا تصل يده إلى شراء ورق لتعلم الكتابة فكان يأخذ ألواح الغنم من عند القصاب ويفركها بالرماد لتزول الزهومة منها ويكتب عليها ويأخذ أوراق البن فيلصقها ويصقلها ويتعلم الكتابة بها فحسن خطه وصار ينسخ بالأجرة ويأخذ على الكراس الربعي قرشاً لجودة خط واتساق سطوره فانتعش حاله ثم ارتحل من محلته إلى محلة باحسينا وسكن في جوار بقية الكرام الشيخ أحمد العلبي فاعتنى به وأسكنه داراً من دوره وزوجه ثم انحلت خطابة الفرمانية فوجهها إليه مع الاقامة لكون تولية جامع الفرمانية مشروطة على بني العلبي واستقام حاله وقطن في حجرة داخل الجامع المذكور يقري وينسخ ولازم صحبة العلبي المذكور وصار لا يكاد أن يفارقه فإن المترجم كان خفيف الروح دمث الأخلاق مزاحاً صغير الجثة جداً بحيث إنه كان إذا وقف في المنبر لا يرى منه سوى العمامة فاستقام بجوار المذكور إلى أن مات فارتحل المترجم إلى محلته الأصلية ثم انحلت خطابة الخسروية فوجهها له العلامة أبو السعود الكواكبي المذكور آنفاً وكان له المعرفة التامة في الوعظ مع جهارة الصوت وكان يعظ في جامع قسطل الحرامي وكانت له بقعة تدريس في الجامع الأموي بحلب وكانت وفاته في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف فجأة بالقرب من باب النصر بحلب سقط عن ظهر البغلة ميتاً ودفن بمقبرة جب النور بمحلة الشريعتلي رحمه الله تعالى شريعتلي محله سي أوله جق.
عبد اللطيف الأطاسي
عبد اللطيف بن علي المعروف كأسلافه بالأطاسي الحنفي الحمصي كان أحد الأفاضل الأدباء المتفوقين حصل في الأدب رتبة ونالها وكان له من العلم القدح المعلى ومع ذلك يجنح إلى فنون أخر وعلوم كالكيمياء والأوفاق وغير ذلك من الفنون الغريبة ويتعاطى ذلك وكانت له القصائد الفرائد والأشعار الحسنة فمما وصلني من شعره قوله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام مفتي الدولة بشمقجي زاده المولى السيد عبد الله حين عوده من الحج ومطلعها عبد الله أفندي سلفه محمد أفندي وخلفه أبو الخير أحمد أفندي.(3/127)
قد عادت الشمس تشريفاً إلى الحمل ... والسعد أقبل يسعى بالغ الأمل
وطلعة البدر زادت في علاه سنا ... والنجم في أفقه قد عاد في وجل
يودّ أن لو هوى يحظى ببغيته ... يقبل الأرض مع أيد على عجل
وظبية السرب مرعاها فؤاد فتى ... أيدي الغرام به أودت ولم يمل
حليف وجد دهته أعين نجل ... مع ضعفها عجباً من أعين نجل
تزري بذي اللبن حتى لا يكاد يرى ... سقماً وتقتل في غنج وفي كحل
وذا الغزال الذي يفترّ عن شنب ... وعن أقاح وعن درّ وعن عسل
حكمته فجنى جوراً عليّ قلى ... وأحكم الطعن في أحشاي مع عللي
من منقذي يا لقومي من جفا رشا ... حلو الشمائل يحكي الغصن بالميل
سوى الامام الذي شاعت فضائله ... في كل ناد وأحيا العلم بالعمل
صدر الشريعة كنز الفضل بحر هدى ... حاوي المفاخر مطفي ربقة الدخل
وجيز آياته عند البسيط لها ... كشف لأسرار ذي غمز وذي جذل
هو الهمام الذي إن راحتاه همت ... تغني بسح نداها بائس المحل
هو الجواد الذي يسمو بهمته ... على السها والسما والنجم مع زحل
أضحت ذكاء لما قد حاز من شرف ... ومن فخار ومن مجد ومن نحل
ترنو إليه اغتباطاً وهي طامعة ... في أن تلازم جدوى بابه النهل
أقام للدين شأناً بعدما درست ... آثاره وهوى في قالب خمل
فأشتاقه البيت ناداه أجاب بلى ... وسار شوقاً لخير الخلق والرسل
وآب في دعة والسعد يقدمه ... واليمن يخدمه والطول مع طول
وأصبحت جنبات الكون مشرقة ... تثنى وتحمد شكر أربها الأزلي
حيث السلامة حفت مع ملائكة ... لشيخ الاسلام عبد الله ابن علي
بحر النوال وبر الجود من برزت ... جدواه تمنح عاف قاصد النحل
ما أم أعتابه ذو حاجة وله ... إلا وبدله لطفاً من الخبل
وقد رجاك امام الفضل ذو أمل ... كسير قلب فأجبر بالرجا خللي
وله من قصيدة ممتدحاً بها بعض مشايخ الاسلام في الدولة ومطلعها
جاءت تميس تثنى عطفها تيهاً ... لما بأسرارها تمت معانيها
وأظهرت عجباً لما لها حسدت ... قضب الربا وتزاهت في تجليها
تخشى المحاق على الأقمار إن سفرت ... وتكسف الشمس إن وافت تحاكيها
ريم رمت بفؤادي من لواحظها ... سهم المنية مذ وافى يحييها(3/128)
وأثملتني لما أنها اتخذت ... تعاطي الكأس ممزوجاً بما فيها
كم عاقرت مغرماً فيه وكم فتنت ... خوداً وكم أسرت أسداً بناديها
رعبوبة من بني الأتراك غانية ... فلا يغرنك فيها قول شأنيها
بديعة الحسن إن أبدت غرائبه ... تسبي الأنام ولم يظهر تجنيها
لها احتكام عجيب في صناعتها ... تبدي التسلي وفرط الشوق يسليها
ومذ توهمت روض الخد مفتكراً ... فأثر الوهم من قلبي بخديها
وكنت أجني لورد الخد ملتمحاً ... فسابقتني سيوف اللحظ تحميها
وقاسمتني دوام الود قلت لها ... مواعد الغيد لم يبلغ أقاصيها
قالت سرى البدر مستعط فجدت له ... بحلة من جمال يكتسي فيها
فقلت كلا فما للبدر من شبه ... فبكى وإن قسته لم أوف تشبيها
البدر في كل شهر من لوازمه ... شحوبة ومحياك بنا فيها
قالت أتنسى لحاظاً قد فتنت بها ... وآية السحر منها علم تاليها
فقلت أنسى بلى في مدح من فخرت ... به المعالي وقد نالت أمانيها
بحر الفضائل من فيه لقد شرفت ... مراتب العز واستعلت بمفتيها
شيخ المشايخ والاسلام من شهرت ... علومه كذكاء في ترقيها
حدث بما شئت عن بادي مكارمه ... عجائب البحر لم يسطع تخفيها
آيات أفضاله كالمعجزات له ... ودر أبحاثه يهدي لقاريها
ما جال فكر ولا ورى لمشكلة ... إلا أرانا صباحاً من دياجيها
ما حل ناديه من أعيته حاجته ... إلا وهمته بالحال تقضيها
شمس الأفاضل بدر المجد من برزت ... نجوم جدواه تستدني موافيها
وامتدح الوزير الصدر علي باشا ابن الحكيم بقصيدة هي قوله
صبح السرور لليل الهم قد هزما ... وحارس السمع شيطان العد أرجما
وآية النور آيات الظلام محت ... وكوكب الرشد أبراج الهدى لزما
ودوحة السعد قام العندليب بها ... يشدو خطيباً على الأغصان مبتسما
والغيم يسكب حزناً درا دمعه ... والروض يضحك فرحاً معجباً برما
والقضب تختال من مر النسيم بها ... والنور يبدي لها من حتفه شمما
والبدر أشرق في الآفاق فاعتذرت ... له النعائم والأكليل قد هضما
والشمس ردت إلى الجوزاء بازغة ... والليث أنشب بالعذراء مصطلما
والظبي وافى وأوفى لي مواعده ... فصحت يا ليت قومي يعلمون بما(3/129)
وزار حتى كأن الهجر أحرقه ... لم تلف وضعاً ولا بدا ولا رقما
وسرني عاتباً لما أسر بما ... أفشاه من شجن دمعي وما كتما
وساءني راحلاً يوم الوداع وما ... أمر يوماً به دمع المحب هما
وقال لي داعياً أنسيت مجتمعاً ... والغيد والروض والواشي قد انهزما
والكأس والراح والساقي يدير بها ... أم كان ذاك خيالاً مرام حلما
أجبت كلا ولكن عنوة صرفت ... خواطري عن غرام كان لي رغما
لذروة قصرت من دون رتبتها ... أيدي المعالي وصارت للعلا علما
وسدة شرفت لا بالوزارة بل ... قد شرفتها وذات للعلوم سما
أرومة المجد ينبوع الفخار له ... في كل فن بدا سبق حوت حكما
شمس الأفاضل قد قامت مكارمه ... تدعو الوفود فمن وافى لها غنما
بدر المحافل مأوى كل مكرمة ... نادت أياديه للعاني اتخذ نعما
صدر الأماثل درياق الهموم جلا ... عين البصيرة محيي المجد والكرما
ليث العرين قوي البأس همته ... لو صادمت لبناء دك وانهدما
تخاله جحفلاً إن سل صارمه ... يوم النزال على الأبطال أو حجما
ما رامه فارس في يوم معترك ... الا ورد على الأعقاب قد ندما
وما ألم يناديه ذوو أمل ... إلا السرور على آماله هجما
فبذله عسجد من غير مسألة ... وإن سألت غماماً واجتهدت فما
ابن الحكيم على القدر أنت فتى ... ملكت كل الورى بالبذل لا وغما
وسرت بالعدل سير البدر مع نفر ... هم الكواكب فاستوثق بهم ذمما
فأبشر فإن قلوب الفرس قد ملئت ... رعباً وسيفك جيش العجم قد قصما
وجاءك النصر والفتح المبين فلا ... تضيق ذرعاً ولا تحسبهم خصما
هم العوارك في الهيجا إذا برزوا ... وفي السلامة أعيار ترى شمما
هم الأراذل إن حلت بساحتهم ... أسواط بطشك ذابوا وأختشوا نقما
وإن يكن منهم أسد مروعة ... فعزة الملك فيكم والنبي حمى
منها
وهاكها من بنات الفكر غانية ... فريدة تخذت كل الورى خدما
بديعة لو رأى حسان طلعتها ... لقال من عجب من ذا الذي نظما
فاقت على الدر في النظم البديع ولم ... ترضى سواك لها كفوأ ولا رحما
نادتك جهراً ولم تلغي بما نطقت ... يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما
وأسلم مدى الدهر في سعد السعود على ... رغم الحسود وما ثغر الشجي بسما(3/130)
ولا برحت رجاء للوفود ولا ... زالت أياديك تبدي للورى نعما
وله من قصيدة مطلعها
سلالي الصبا هل آذنت منهم عطفا ... وهل سحر أمرت وهل بلغت وصفا
وهل ظبي ذاك الحي عند مروره ... تبدي فأيدي من صبابته لهفا
أم أجتاز من وادي العقيق مودعا ... أم ازداد بعداً أم تدانى أم استخفى
وهل خيلت منهم شجوناً تدلها ... على كبد حراً ظواهرها تخفى
وهل شاهدت طرفاً سقيماً بحاجر ... محاجرة تبدي الغرام مع الأغفا
وهل أكثرت شكوى الفراق توجعا ... أم ابتسمت بالله أم أرخت السجفا
وقولاً لها تبدي حديث صبابتي ... لديها ونرجو أن تلين لنا عطفا
قضى الله لي بلوى الهيام بحبها ... وما كان مقضياً فلا بد أن يلفى
تحملني ما لا أطيق من الجوى ... ولست بصب من لواعجه أستعفى
وقد طالما قد كنت أرجو وعودها ... فتبعدني طوراً وطوراً أرى خلفا
اليها لقد أهوى عليل وشاجب ... ومحترض كل يروم بأن يشفى
فكم أثملت قبلي بخمر لحاظها ... أولى نسك شتى ولم تسقهم صرفا
شكا البدر منها مذ أماطت نقابها ... مفاخرة واسترهب السدف والخشفا
فيا ليت لا ألقى الجمال اكتماله ... عليها ولا أهدى اليها لها ظرفا
ولله ما ألقى إذا ما رأيتها ... تميس وقد مالت وأنكرت العرفا
وألقت بأحشائي لهيب صدودها ... وشدت وشاحيها ورددت الردفا
منها
وناجيت قلبي فوق طور اشتياقه ... سلواً فلم يبرح يمد لها كفا
بليل بهيم قد أمدت سدوله ... ستور من الظلماء حالكة سدفا
أراعي بجنحيه نجوماً ثوابتاً ... فطالعه صفا وغاربه صفا
كأني وإياها إذا ما وجدتها ... فقيد فؤاد ذاهل ترك الحقفا
وله مذيلا
إذا أسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافاً إن حراسنا أسدا
وإياك من قوم عليك صدورهم ... من الغيظ باتوا مضمرين لك الحقدا
ولا تأتني جهراً فإن رماتهم ... بذات الحمى والشيخ قد أحكموا الرصدا
ومن كان متبولاً بذات لواحظ ... مراض دعته أن يهان وأن يودي
فلا تبد سلواناً وإن أظهر الجوى ... خوافيك داري من عرفت ومن أردا
فمن سره تذليل صعب مرامه ... تحمل أثقال الغرام وما أكدى(3/131)
ومن رام أن يلوي سواد بنانه ... على الجيد لا يخشى سناناً ولا حدا
وله غير ذلك وبالجملة فقد كان أديباً فاضلاً ولم أتحقق وفاته في أي سنة غير أنه في سنة ست وأربعين ومائة وألف كان موجوداً رحمه الله تعالى حكيم أو على الممدوح ولي على مصر مرتين وتولى الصدارة أيضاً وكان بعد عثمان وقبل إسماعيل وتصدر ثانياً وكان في هذه الدفعة سلفه أحمد فخلفه سيد حسن وولي الصدارة ثالثاً بعد باهر مصطفى وعزل في سنة 1168 وجاء مكانه نائلي عبد الله انتهى.
السيد عبد اللطيف الكيلاني
السيد عبد اللطيف بن فتح الله المعروف بالكيلاني الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها وهو من أسباط بني الكيلاني المقيمين في حماه كان والده بحلب يتعاطى صنعة السراجه وهو أيضاً في أول أمره فلذلك اشتهر في بلدته بابن السراج السراج من يصنع السرج والسراجة ككتابه هي الحرفة وكان عبد الباقي شاعر الروم يتعانى حرفة السروج في مبدء أمره ثم أدركته حرفة الأدب ويحدثون عنه بنكات كانت تصدر عنه من ألطف ما يكون ومن أحسنها موقعاً ما اشتهر عنه إنه كان نظم قطعة من الشعر في غلام فلما سمع الغلام القطعة أعجبه ما فيها من التخيل وأقسم إنه يقبل رجله إذا رأه فاتفق إنه صادفه في بعض أسواق قسطنطينية وباقي راكب وجماعته في خدمته فدخل الغلام وأراد أن يقبل رجله فمنعه من ذلك وقال ما حملك على هذا الك حاجة فقال لا وأخبره باليمين الذي حلفه فقال له أنا نظمت الشعر بفمي ولم أنظمه برجلي وقالها أبو بكر العمري في ديوانه وقد نظمها أبياتاً فقال قال لما وصفته ببديع الحسن ظبي خل عن وصف مثلي مكن العبد أن يقبل رجلاً لك كيما يجيز فضلاً بفضل قلت انصف فدتك روحي فإني بفمي قد نظمته لا برجلي وقريب من هذا قول الصاحب ابن عباد وشادن جماله تقصر عنه صفتي أهوى لتقبيل يدي فقلت لا بل شفتي انتهى قرأ على الشيخ طه الجبريني والشيخ علي الدباغ ثم إنه قدم إلى الروم في دعوى استحقاق والدته في وقف بني الكيلاني ثم أخذ تولية الوقف ببراءة عسكرية ثم رأى لها قيداً في محاسبة الحرمين فنقل البراءة العسكرية إلى الحرمين ثم ساعدته المقادير فعمل عليها في زمان السلطان الأعظم محمود خان خطاً شريفاً ثم في أثناء قدومه خدم شيخ الاسلام المولى مصطفى المعروف بالدري قبل أن يصير قاضياً بالعساكر بأناطولي في مقابلة الكتب وهو الذي ساعده في عمل الخط الشريف ولازم منه لما تولى افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى عبد الله وصاف المعروف بالإيراني وكان مميزه الشيخ إبراهيم الحلبي دخل إلي لأمتحان برجاء الدري المذكور وبمعرفة الحلبي وسلك طريق(3/132)
المدرسين والموالي وقطن قسطنطينية واستقام بها وتنقل بالمدارس على قاعدتهم ولما توفي كان في موصلة السليمانية المتعارفة بينهم وكان يتعاطى بيع الكتب وصنعة الصحافة في مدة اقامته وله فضيلة بالعلوم ومعرفة ولما ارتحل إلى الروم الفاضل سليمان المحاسني الدمشقي خطيب الأموي وإمامه دعاه إلى المبيت بداره ثمة المترجم فامتدحه بقوله
ألا يا دار حيتك الفوادي ... بكل كرامة في طول عمر
ودام وجودك يسمو بمولى ... كريم الطبع ذو شرف وفخر
هو المفضال من كيلان يغدو ... بكل مزية في طيب بشر
لطيف الطبع دام بكل مجد ... على أمد الدهور ليوم حشر
وكانت وفاته بقسطنطينية في شعبان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بالتربة المعروفة بمحمود باشا رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف العمري
عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن أحمد العمري الشهير بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي القادري الخلوتي الشيخ الصالح الدين المعتقد الفالح التقي النقي كان من المشايخ المعتقدين مبجلاً محترماً عند الناس وموسوماً بالصلاح والديانة ولما توفي شيخ الخلوتية بدمشق الشيخ عبد الوهاب الغراوي الغميان ترك ولداً يسمى الشيخ محمد ويلقب بالملك عرضت المشيخة على صاحب الترجمة فلم يقبلها لوجود ولده ثم بعد مضي ستة أشهر توفي الشيخ محمد ولده فعرضت ثانياً على المترجم فأبى عنها فألزمه جمع غفير من العلماء والمشايخ الخلوتية السابقين وحج إلى بيت الله الحرام وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف عن نيف وسبعين سنة ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف الأدلبي
عبد اللطيف الحنفي الأدلبي الكاتب العارف بصنعة الرمل مولده تقريباً بعد العشرين من هذا القرن في أدلب الصغرى ونشأ بها ورحل إلى طرابلس الشام قدم حلب سنة خمس وخمسين ومائة وألف وقرأ على فضلائها منهم الشيخ طه الجبريني والسيد علي العطار وغيرهما وكان يكتسب بالرمل لضعف حاله وله فيه معرفة تامة وشوهد له فيه أمور عجيبة منها إنه كان له انتساب ومحبة مع ابن الخنكارلي أحد أعيان حلب وكان المذكور مع مخدومه الوزير عبد الله باشا بجزيرة قبرس(3/133)
وصاحب الترجمة أراد أن يسبر قال م ح السبر من باب قتل وفي لغة من باب ضرب تقول سبرت القوم تاء ملتهم واحداً بعد واحد لتعرف عددهم والسبر بالتركي يوفلامق انتهى من القواعد كيفية حال المذكور فظهر له إن محلاً بمنزله في الجزيرة المذكورة متهدم وإنه يسقط وإن المحل مرتفع فحرر مكتوباً إلى المذكور وأخبره إن في منزلك محلاً عالياً صفته كذا لا تدخل إليه فلما وصل الكتاب امتنع ابن الخنكارلي المذكور من الدخول لذلك المكان لما يعلم من معرفة صاحب الترجمة فما مضى مدة يسيرة من الزمان إلا وسقط المحل ولم يصب ضرره لأحد من أهل المنزل وله من هذا القبيل أشياء كثيرة وكان قوي الحافظة يحفظ متن القدوري وأكثر شرح المنية وغير ذلك ولما أجدى حالة ترك معاناة الرمل واشتغل بحفظ شفاء القاضي عياض فلما أشرف على إكمال هذا الكتاب دعاه داعي المنية فأجاب ولم يتيسر له الاتمام غير أنه فاز بحسن الختام وله نظم فمنه قوله مشطراً موجهاً في صنعته
وشقائق قالت لنا بين الريا ... يا من له في الاتصال مرام
منا طريق الاجتماع فإن ترد ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نبتاً بحمرة شكله المام
أم هل يضاهينا النقي بحده ... قلت اسكتوا لا يسمع النمام
وشطرهما الشيخ علي الميقاني الحلبي فقال
وشقائق قالت لنا بين الربا ... وبنا إلى ورد الخدود غرام
والميل يحدث للنظائر غيرة ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نبتاً له عند الملوك مقام
ويماثل التعمان آس عذارها ... قلت اسكتوا لا يسمع النمام
وشطرهما الشيخ أحمد الحلوي الحلبي فقال
وشقائق قالت لنا بين الربا ... لما زها نوارها البسام
إن كنت من أهل المعارف والذكا ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نور أنحار بنوره الافهام
أم صبغها أضحى يحاكي صبغنا ... قلت اسكتوا ألا يسمع النمام
وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد المحسن الأسكداري
عبد المحسن بن السيد محمد بن السيد أسعد أفندي الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف(3/134)
ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي والعلامة محمد بن الطيب المغربي الفاسي ومحمد أفندي أبي الخير الشرواني وعلي أفندي الخطاط وغيرهم وأخذ أيضاً عن الشيخ زين الدين مصطفى بن محمد الأيوبي الرحمتي وتولى افتاء المدينة المنورة بعد عمه السيد عبد الله نحواً من ثلاثين سنة وكان فاضلاً وجيهاً ذا عقل وفطنة حسن المحاضرة لطيف النكتة والنادرة وكانت وفاته في تاسع عشري محرم الحرام افتتاح سنه ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
عبد المعطي الفلاقنسي
عبد المعطي ابن السيد محمد ابن السيد محمود الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد تقدم ذكر والد ابن عمه أحمد وكان هذا أحد رؤساء دمشق المشهورين بحسن الرأي والتدبير وأعيان كتابها وأجل ذوي الأقلام الدفترية صدراً معتبراً موقراً ذا حشمة وأبهة ولد بدمشق في حدود الخمسين وألف وترقى في المناصب الدفترية وغيرها وصار محاسبجياً مرامي محاسبه جي بالخزينة الميرية بدمشق وتولى نظارات كثيرة في أوقاف الحرمين والمصريين وولي عثامنة كثيرة وكان له تعلقات وأوقاف وتجارات وأملاك واقطاعات وغير ذلك شيء كثير وكانت داره أحسن دار بدمشق وكان من أفراد الزمان المترفهين بالنعم والتخول بحيث إن الذي يوجد عنده من المأكولات والملبوسات ونحوها لم يوجد عند غيره وآلات السماع وألحان الغناء دائماً تضرب عنده وفي مجلسه وأتقن آلات الأحتشام واظهار النعم من كل حيثية وكان ذا عقل ورأي وتدبير مع أدب وكمال وتأني وتربص في الأمور وحسن اعتقاد على المشايخ والصلحاء والسادة ولا يسفه أحداً أصلاً ولا يجهر في غيظه على أحد ولا يتطاول بل تكلمه في حالة الغضب كحالة الرضى ولم يكن أحد في وقته مثله من أهل الثروة والاتقان في تدبير المنزل خصوصاً لما كان أمين كيلار الحج فأتى بما لم يسبق إليه وتولى تولية الجامع الأموي أصالة ووكالة وكان متوليه في الروم رجل مغربي معتقد صاحب الدولة الوزير الأعظم اسمه الشيخ مسعود تارة يوكل المترجم وتارة غيره وتولاه المترجم أصالة أيضاً واجتهد في تعميره وتنظيمه وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف بنى الحمام بالقرب من الجامع الأموي المعروف بحمام الذهبية مصر منصوره سنده دخى حمام الذهب واردر وصرف عليه من ماله مبلغ تعميره وأضافه لأقلام الجامع المذكور بعد اقتطاع ما صرفه عليه وكان قبل ذلك سوقاً لدق ذهب الطواقي والطشاطي قال م ح لعلها شيء يشبه الطست كانت تلبسها النساء وقد حرفتها العوام وقالوا طشطيه والطست معرب تشت انتهى التي كانت تلبسها النساء في ذلك الزمان بدمشق ثم بطل هذا الزي في سنة سبع ومائة وألف وفي آخر أمر المترجم حصل له داء في رأسه كان يغيب عنه درجة ويعود(3/135)
إليه وكان يتكرر ذلك عليه كثيراً حتى أنحله ونغض عليه عيشه الرغيد وبقي فيه مقدار خمسة عشر سنة وصرف على دفعه وعلاجه مالاً كثيراً وعالجه خلق كثير من حكماء الأشباح والأرواح فلم يفده شيئاً إلى أن مات حتى أخبرت أنه كان مرة جاساً في قصره والآلات تضرب والخدم وقوف لديه والناس وفود إليه وهو في نعمه متخول وعلى سرير جاهه وعزه مترنح وبسربال السعود مكتسي إذ عاد إليه الداء المذكور فعاد لأنينه وتأوهه وحنينه وشكواه وتوجعه فرأى وهو في هذه الحالة تحت القصر رجلاً زبالاً وبجانبه رفيق له وهما يتحادثان بما فعلا من الأكل وغيره ويحمدان حالهما وهما منشرحان يترنمان بذلك ويكرران الحديث ويختالان في صحتهما وعافيتهما مع انهما في هيئة رثة وفقر زائد فتعجب من صنع الآله جل شأنه ثم إنه استعذب ذلك منهما فأمر أحد خدامه باحضارهما إليه فلما حضرا لديه قال لهما أخبراني بما كنتما تتحادثان به الساعة فسكتا فكرر السؤال عليهما فقالا قلنا كذا وكذا فقال لبعض أتباعه ادفع لهما كذا وكذا من الدراهم فصرفهما بالاكرام ثم قال والله إني لأتمنى أن أكون مثلهما في حالتهما هذه ولا أكون في هذا التخول والثروة مع هذا الداء فلله الحكم الباهرة والأحكام القاهرة لا إله إلا هو وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة اثنين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ورحمه الله تعالى.
عبد المعطي الخليلي
عبد المعطي ابن محيي الدين الشافعي الخليلي الأصل والوطن القدسي المأوى والسكن رحل من بلدة الخليلي للجامع الأزهر فجد ودأب وسهر الدياجي ولازم كل همام علامة وباحث وناظر أقرانه وتضلع من مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وأخذ من العلوم التفسيرية والحديثية والفقهية وشيوخه الذين أخذ عنهم منهم الشيخ يونس الدمرداشي الأزهري ومنهم الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وهما من علماء الشافعية ومنهم العلامة الشيخ أحمد النفراوي الأزهري من المالكية ومنهم الشيخ أحمد الخليفي الشافعي والعلامة الشيخ أحمد ابن محمد الملقب بالفقيه الشافعي والشيخ إبراهيم الفرضي الدلجي ومنهم الشيخ محمد الكاملي الشافعي الدمشقي المدرس بجامع بني أمية وأخذ الاجازة من محدث البلاد الحجازية الشيخ محمد عقيلة المكي وأجازه بثبته المشهور ومنهم الشيخ محمد الخليلي القدسي وما انفك يستفيد ويستزيد حتى ظفر بالطارف والتليد واستجاز شيوخه فأجازوه بمروياتهم وكانت له متانة في الفروع الفقهية شديد المحاضرة على سرد مسائلها البهية تولى افتاء الشافعية بالقدس أكثر(3/136)
من خمسة وعشرين سنة بلا طلب بل ألزمه فيها شيخه الخليلي المتقدم وأهل القدس لحسن اطلاعه على فروع المذهب وله فتاوي في مجلد حسنة مجموعة محبوكة مستحسنة فأقلامه تنثر جواهر الدرر ويراعه يجري بلطائف الغرر وله رسائل كلها منتخبة فوائدها ظرائف مستعذبه منها رسالة كبيرة في سيدنا موسى الكليم عليه السلام وله نظم متوسط فمنه قصيدة أنشدها حين توجه مع جملة من الفضلاء صحبة الشيخ محمد الخليلي إلى زيارة سيدنا موسى عليه السلام وأخذوا كتاب الامام مسلم وقرأوه هناك.
وهي قوله
هلموا بنا يا سادة الوقت والعصر ... إلى سفح غور القدس من شرقه نسري
نشاهد أسراراً وروحاً وراحة ... ونزداد خيراً من حمى عالي القدر
فليس لنا من دهرنا وزماننا ... ليالي وصل دون قطع ولا هجر
سوى مدة في روضة مستطابة ... عليها جلال رائق في ربا الزهر
فهي لكليم الله نوراً وهيبة ... وأمناً وأنواراً تلوح مع الفجر
فكم نالنا من فضله وكماله ... لطائف أسرار تجل عن الحصر
لقد كان من فوق السموات راحماً ... لأمة خير الخلق طه النبي الطهر
فكان رسول الله ليلة أن سرى ... إلى ربه ذي العرش والعز والنصر
يناجيه في أمر الفريضة يالها ... مناجاة محبوب بلطف مع البشر
فناداه بالخمسين قد صار أمرنا ... على الخلق فأمضى يا رسول ذوي القدر
فجاء إلى موسى بن عمران مسرعاً ... وأخبره بالفرض من عالم الأمر
فقال له ارجع يا حبيباً مجيباً ... وسل ربك التخفيف يا مخجل البدر
فإني بلوت الخلق يا خير مرسل ... بما فرض الله الكريم من الذكر
فما صبروا بل بدلوه وغيروا ... فباؤا بآثام من الله والوزر
وامتك الغر الكرام ضعيفة ... تقصر في الخمسين من شدة الأصر
إلى آخرها وهي طويلة وكان ديدنه التقشف في الملبس والتخشن في المأكل عما عليه الناس من حب التزين مهاباً صادعاً بالحق طارحاً للتكليف لم تتعلق نفسه بدر ولا صدف منزوياً عن حكام السياسة مغتنماً لأوقاته له حظ وافر من قيام الليل لا يتركه وكان مقيماً في المسجد الأقصى ليلاً ونهاراً وهو من الذين هم عن اللغو معرضون وكانت وفاته في سنة أربع وخمسين ومائة وألف وقد جاوز السبعين(3/137)
ودفن بمقبرة باب الرحمة بقرب الصحابي سيدنا شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه.
عبد المعطي بن معتوق
عبد المعطي بن معتوق الحلبي البيري نسبة إلى بيرة الفرات الحنفي الصالح الورع كان صاحب ثروة ثم قعد به حاله فاشتغل بالنسخ وتجويد الخط فكان له الخط الحسن أخذ ذلك بدمشق عن الرجل الصالح الشيخ محمد العمري الدمشقي المشهور وعاد لحلب وانتفع في الخط به الكثير وكان شكلاً حسناً وله المنادمة العجيبة والمطارحة الغريبة مع الصلاح والتقوى والتخلي للعبادة وكان له في يديه ورجليه أصابع زائدة قطع بعضها وهذه الزيادة في الأصابع استمرت في عقبه أيضاً وكان يكتب عن نفسه الشهير بالتي برمق ومعناها بالعربية ست أصابع وكانت له الحظوة عند الولاة فمن دونهم توفي رحمه الله تعالى ونفعنا به بداره الكائنة بمحلة الجلوم ثامن عشر ربيع الثاني يوم الأربعاء سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب قنسرين في التربة التي فيها مزار الولي المشهور غفير حلب الشيخ عبد الرزاق أبي نمير بعدما صلى عليه بالجامع الأموي وكانت له جنازة حافلة وأصابها المطر الغزير رحمه الله تعالى وإيانا آمين.
السيد عبد المعطي الدمشقي
السيد عبد المعطي الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ولد بدمشق وظهر بها ودخل سلك العلماء والأفاضل ثم ارتحل إلى الروم ووصل إلى قسطنطينية ولازم من علمائها وللتدريس صار عازماً وتنقل كجاري عادتهم بدور المدارس فلما انفصل عن أربعين عثماني وكان ابتداء الأحداث في رجب سنة ست ومائة وألف أعطى مدرسة ذي الفقار ورؤي لأنقالها وفي سنة اثنتي عشر ومائة وألف في شوال صار مكان أحد المدرسين المولى السيد محمد وتحركت رتبته إلى مدرسة اينجه قره وفي سنة ست عشرة ومائة وألف في ربيع الآخر صار مكان كواكبي زاده المولى أحمد بمدرسة طوطئ لطف وفي سنة ثمان عشرة ومائة وألف في ربيع الأول التاسع منه يوم الأحد توفي إلى رحمة الله تعالى في قسطنطينية وعن محلوله وجهت المدرسة المرقومة إلى شعبان زاده المولى محمد عازم وكان المترجم له في العلوم والمعارف خصوصاً بفن التحريرات والصكوك وكان مشتغلاً بكتابة القسمة العسكرية بالمحكمة رحمه الله تعالى.(3/138)
عبد الملك العصامي
عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي المكي الشهير بالعصامي الشيخ الفاضل الأديب العالم الفهامة الشاعر الناظم الناثر ولد بمكة سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها واشتغل بفنون العلوم وبحث عن منطوقها والمفهوم وله شعر لطيف منه قوله مادحاً الشريف بركات أمير مكة بقصيدة مطلعها
سعدت بيمنك والسعود المقبل ... وانجاب عنها النحس بالحظ الجلي
وتتابعت أيدي السرور ترادف ال ... اقبال بالبشرى لكل مؤمل
وأطاع أمر الله ما تختاره ... وبذروة فلك السماء المعتلي
لأبي زهير مليكنا بركات را ... عيها مملكها الشريف الأفضل
وهي طويلة جداً وألف صاحب الترجمة تاريخاً في أبناء عصره وكان فاضلاً نبيهاً ذا مشاركة في العلوم ومعرفة بالأدب والشعر تامة وله انشاء لطيف وجد واجتهد وتسدر للتدريس في المسجد الحرام مدة عمره وكانت وفاته سنة احدى عشر ومائة وألف ودفن بمكة رحمه الله تعالى.
عبد المنان الخماش
عبد المنان بن محيي الدين الخماش الخماش الخداش وزناً ومعنا الحنفي النابلسي أحد الأفاضل الأتقياء ولد بعد السبعين وألف وقزاً القرآن على والده وتفقه على الشيخ أبي بكر ورحل للقدس هو والشيخ عبد الفتاح التميمي وقرأ على الشيخ السيد عبد الرحيم اللطفي القدسي عالم تلك الديار وفقيهها والشيخ محمد السروري القدسي وبلغ الغاية في الفقه والنحوي والعروض ومع ذلك لم يتفق له نظم بيت واحد وشهد له بالفضل جملة أفاضل حتى قال التميمي سبقني عبد المنان بمراحل وكانت وفاته في يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الصبح ونيته صوم ذلك اليوم وهو ممتع بحواسه سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد عبد المنعم ابن الأشرف
السيد عبد المنعم بن خضر السيد المعروف بابن الأشرف الحنفي الحمصي هو من بيت بحمص مشهورين بصحة النسب والحسب ولد بحمص ونشأ بها وارتحل إلى مصر القاهرة وأخذ بها عن علمائها الفحول كالعلامة المشهور السيد علي الضرير وتلمذ(3/139)
له وغيره ثم ارتحل إلى دار الخلافة اسلامبول في الروم وكان إذ ذاك وزير الدولة الوزير الشهير علي باشا المعروف بابن الحكيم فأهدى إليه المترجم شرحه الذي ألفه على بدء الأمالي وقابله باكرامه وجدواه وصارت له من شيخ الاسلام إذ ذاك رتبة مع تدريس الأشرفية في حلب وأعطى افتاء طرابلس الشام إلى أن مات وكان من العلماء المحققين الأفاضل له يد في غالب العلوم والفنون عالماً فاضلاً متقناً وكانت وفاته في طرابلس الشام تقريباً في حدود الستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد المولى السيري
عبد المولى المعروف بالسيري الشافعي الأشعري الطرابلسي مفتي الشافعية بطرابلس كانت له يد في العلوم لا سيما في الطبيعيات والنجوم حتى قيل إنه وصل بمعارفه عند توسط كيوان إلى استحالة بعض العناصر إلى بعض وإلى تقاويم عند أخذ العرض تنبى عن استخراج مجهولات وكان له قدم ثابت في ارصاد الثوابت كما إن له باعاً طويلاً فيما إليه يميل وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد النبي النابلسي
عبد النبي النابلسي الأديب الشاعر البليغ أحد الأذكياء كان له معرفة تامة في التاريخ والأدب وحفظ زائد في أنساب العرب وله ديوان في الشعر الفائق والنثر الرائق وكان ممن تقمص بجلباب الآداب وخاط من المعاني برود اضافية واجتنى زهرات المعارف من رياض الكمالات ومن شعره قوله يمدح صالح باشا النابلسي ابن طوقان حاكم بعلبك ويذكر واقعته فيها ومطلعها
لسعدك اقبال له العز يخدم ... لذا بعلبك لم تزل تتبسم
بدا منك حلم مثل حلم ابن مريم ... فمن كان ذا فقر علاه التنعم
عدلت فكل المترفين تظاهروا ... على من بغى بالجور والشر أبرموا
نووا فتنة خابو بقلة عقلهم ... وقد أظهروا العصيان والنار أضرموا
ومذ جاءهم عكس وظنو بجهلهم ... كظن الزرازير الذين توهموا
أرادوا فساداً للعباد بظنهم ... فأوقعهم في العكس كي يتصرموا
وقد مكروا مكراً فحاق بجمعهم ... ومزقهم ربي وما شاء يحكم
وكم من ليال بالسرور لهم مضت ... وأطغاهم الشيطان حتى تظلموا
وشاهدت فيهم من يقول بجهله ... أيا عصبتي إني على الموت أقدم
وما منهم إلا الغرور أغره ... إذا ما رأى عضباً يولي ويهزم(3/140)
فمن جهلهم راموا الحساب فنوقشوا ... ومذ عاينوا حد الحساب تندموا
فوالله ما أدري جنون أصابهم ... أم أعمارهم قدر أم أبليس يصرم
إذا بعلبك قد تعدى سفيهها ... فصالح هذا العصر للظلم يهدم
همام له مجد تسامى بذكره ... وحكم بانصاف إذا رام يحكم
تطوق بالفخر الجميل تطوقاً ... وطوق بالأصفاد من كان يظلم
فمن أين في مصر كمثل جنابه ... عفو حليم راحم يترحم
حقيق ولاة الأمر من رام خلفها ... فهيهات من حد المهند يسلم
فيا أهل بعل ما رعيتم لنعمة ... وأظهرتم الطغيان لما عصيتمو
بغيتم فجوزيتم وأضحى شقيكم ... على الأرض ملقى والنوادب تلطم
فهذا جزا من كان في طيب نعمة ... ولم يرعها بالشكر لا بد يندم
فهل دبب الأطلال تقهر قسوراً ... وقط الفلا غاب الغضنفر يهجم
فهذا الذي قد صار منكم جهالة ... عصيتم ولي الأمر لم لا أطعتم
أما عندكم علم بشدة بأسه ... وعن قتله العربان لم لا سألتم
فوقعتهم قد شاع في الكون ذكرها ... وقصتهم في الناس تروى وتفهم
أيا وقعة قد صال فيها على العدا ... رأينا روس القوم للأرض ترجم
ولما رأى العربان فتك حسامه ... فولوا حيارى والهزيمة مغنم
ولما انتهى من حربهم وقتالهم ... وكان الذي قد كان منه ومنهم
بنى في فلسطين الرؤس صوامعاً ... فهل هذه الأخبار ضلت عليكم
ففي كل أرض قد تناقل ذكرها ... وكم شاعر أضحى بها يترنم
إذا العرب قد ذلت وماتت بحسرة ... فمن أنتم حتى على الشر تعزموا
وتعصوا ولي الأمر عمداً بجهلكم ... ولم تدروا إن البغي للمرء يقصم
فيا أهل بعل لا تلوموا لصالح ... وأنفسكم لوموا على ما فعلتم
وتوبوا إلى الله الكريم وخالفوا ... هوى النفس إن رمتم من القتل تسلموا
أيا واحداً في العصر كلم لمن بغى ... وعند سواه في الحقيقة مرهم
فإن جميل الحلم في البعض ضائع ... ومن كان ذا جهل له البطش أقدم
فدم سالماً صدراً كريماً مؤيداً ... وضدك في نحس وللنحس أنجم
ولم يصلني من شعره سوى هذه القصيدة وكان حج ففي العود حصلت له الغرقة المشهورة في زمن الوزير سليمان باشا العظم والي الشام وأمير الحاج للحجاج وذلك في سنة أربع وخمسين ومائة وألف فغرق المترجم مع من غرق بما معه من كتب(3/141)
وأسباب ومات رحمه الله تعالى إن المؤرخ اتبع غلط العوام وعبر عن الأثواب بأسباب.
عبد الهادي الحمصي
عبد الهادي الحمصي كان من المباركين المتغفلين وأحد المجاذيب أصحاب الكرامات المعتقدين اجتمعت به حين ذهبت للديار الرومية بدار مفتي حمص الفاضل الشيخ عبد الحميد السباعي فرأيته من المغفلين الصلحاء وأخبرني عنه المزبور باشياً وكرامات وكان بحمص معتقد أو أخبرني من أثق به من أهالي دمشق بكرامة ظهرت من المترجم معه مشاهدة بالعيان وكان يسمى حاله الشيخ أحمد وبالجملة فقد كان من الأخيار وكانت وفاته في رجب سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ سليمان أخبرني المفتي المذكور وغيره من أهالي حمص إنه حين وفاته ظهرت له كرامة عجيبة وهي إن الذين كانوا في جنازته وكانت حافلة أرادوا دفنه في مكان معين فلما وصلوا إلى المحل وأرادوا عطف جنازته وقيامها لم يكن قيام النعش وتزاحمت الأيدي على ذلك فلم يفد فلما أرادوا أخذه إلى مكان آخر وهو تربة الشيخ سليمان وكان قبر أخيه الشيخ حسن هناك سارت معهم الجنازة إلى أن وصل إلى عند قبر أخيه ووقف النعش هناك ودفن ثمة رحمه الله تعالى.
عبد الهادي المصري
عبد الهادي المصري نزيل حلب كان من العلماء العاملين والورعين الزهاد مهذباً فاضلاً تقياً صالحاً قدم لحلب واستوطنها وتأهل بها وصار مدرساً بالدروس الحديثية بالمدرسة الأحمدية وأقرأ بها الشفا للقاضي عياض وفي النحو وفي العقائد وفي العربية وفي غير ذلك وانتفع به واشتهر فضله وعلمه ولم تطل مدته بها ومات ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمة الله تعالى.
عبد الوهاب السواري
عبد الوهاب بن مصطفى بن مصطفى السيد الشريف الدمشقي الشافعي المعروف بابن سوار الشيخ الفاضل الصالح البارع بقية السلف بركة الخلف شيخ المحيا الشريف النبوي بعد والده ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء كالشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والعماد إسمعيل بن محمد الجراحي العجلوني والشيخ محمد بن خليل العجلوني وبرع وفضل ولما توفي والده صار مكانه شخاً على سجادة المحيا الشريف بالمشهد الشرقي من الجامع الأموي وفي جامع البزوري وكانت وفاته غرة جمادي الثانية سنة ست وثمانين ومائة وألف.(3/142)
عبد الوهاب العكري
عبد الوهاب بن عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد العكري الحنفي الصالحي الدمشقي الشيخ الفاضل المتفوق المحصل كان خطاطاً كاتباً فرضياً مورقاً مجداً بارعاً فهماً ولد بدمشق تقريباً بعد الستين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره ومهر وكان حنبلياً فتحنف هو وأخوه الشيخ محمد وكان والده من العلماء المشاهير له من التصانيف شرحه على متن المنتهى في فقه الحنابلة وله التاريخ الذي صنفه وسماه شذرات الذهب في أخبار من قد ذهب وله غير ذلك من رسائل وتحريرات وانتفع به كثير من أبناء عصره وكان أغزر الأفاضل احاطة بالآثار وأجودهم مساجلة وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وألف وذلك في مكة ودفن بالمعلاة لكونه كان حاجاً في تلك السنة وولده المترجم تفوق ولزم الكتابة أولاً في محكمة الصالحية ثم في محكمة الميدان ثم في المحكمة الكبرى وتولى المدرسة دار الحديث الأشرفية بصالحية دمشق وكذلك المدرسة الضيائية بها أيضاً وكانت عليه بعض وظائف ودرس وأفاد ولزمه الطلبة وأخبرت أن له شرحاً على الأحاديث الأربعين النووية وبالجملة فقد كان من الأفاضل المعلومين.
عبد الوهاب الغميان
عبد الوهاب بن خليل بن سليمان الدمشقي الشافعي الشهير بالغميان الشيخ الصالح المعمر البركة الدين الخير الصوفي ولد بدمشق في محرم سنة ثلاث وثمانين وألف وأخذ عن أفاضلها وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ الصالح محمد الغراوي الدمشقي ولما توفي شيخه المذكور جلس مكانه على سجادة المشيخة وأخذ عن صاحب الترجمة الطريقة المزبورة الشيخ عبد اللطيف بن محمد العمري الشهير بابن عبد الهادي وتخلف بعده على السجادة وكانت وفاته في محرم سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في مرج الدحداح.
عبد الوهاب العفيفي
عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد بن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس ابن مدين ابن أبي العباس بن عبد القادر بن مدين بن محمد بن عمر المرزوقي المصري الشافعي الشهير بالعفيفي الشيخ القطب الكامل الولي الصوفي المحقق العارف أخذ عن أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ وسالم بن أحمد النفراوي وأخذ الطريقة(3/143)
الشاذلية عن سيدي محمد التهامي رآه العلامة عيسى البراوي في عرفات حين حج مع أنه لم يخرج من مصر وله غير ذلك من الكرامات التي لا تعدو كانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين وقبره يقصد للزيارات لقضاء الحاجات رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الدمشقي
عبد الوهاب بن مصطفى بن إبراهيم بن محمد الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الشيخ الفاضل الماهر الأديب البارع كان له مهارة بالعلوم وألف رسائل كثيرة وكانت له مداعبة ومجون مع حدة اللسان وهو من تلاميذ وأتباع الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فلذلك كان مشتهراً بتلميذ الشيخ عبد الغني وكانت استقامته في اسلامبول في مدرسة الوزير علي باشا المعروف بالجورلي وكانت أبناء دمشق وغيرها تجتمع عنده على مذاكرة ومداعبة ورأيت له من النظم أبياتاً أجاب بها الفاضل الأديب السيد محمد العطار الدمشقي عن لغز نظمه وأرسله إلى العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي والأبيات قوله
أيا فاضلاً حاز البراعة بالقلب ... وصاغ فنوناً في البلاغة كالقلب
وفاق بنظم الشعر سحبان وائل ... وقس أياد في القريض على القرب
نظمت عقود الدر في سمط رقة ... وقلدتها جيد الخرائد من عرب
ولا عجب إذ أنت في الفضل سيد ... كجدك ذي التحقيق في الشرق والغرب
أتيت بلاد الروم ضيفاً وطارقاً ... من الشام من أرض مقدسة الترب
تروم لنيل العز من دولة علت ... برفع منار العلم والشرع كالشهب
أدام لها المولى نظام كمالها ... وأيد سلطاناً بها مصطفى ربي
سألت عن اسم قد لغزت حروفه ... ثلاثاً تروم الجبر للكسر في القلب
وعن مشكل لا يهتدي لمثاله ... أولوا اللب في فن الحساب وفي الطب
ورابعها تربح بتصحيف ما بقي ... وصفها لباقيه تراح من الكرب
وأوله حرف بأحمد عدة ... وطه رسول الله في الحمد قد نبي
وثانيه باسم الله جل جلاله ... تقدس رحمانا تبارك من رب
وتصحيفه زاد الوحوش بحبه ... ومطبوخه للناس في سورة اللهب
وأيضاً فمال في الوصية قد أتى ... بقرآننا السامي على سائر الكتب
ومعنى حديث للنبي كما به ... سرور وبشرى إذ مضارعه ينبي
وأوله أخربه الشمس تنزوي ... وخنسها أيضاً تسير كما السحب(3/144)
فهذا جواب عن سؤالك ناطقاً ... بملغزك المرموز من غير ما عجب
أجابك شامي كمحتدك السني ... ثوى في بلاد الروم من سائر الحقب
أقام بها سبعاً وعشرين حجة ... فصار كأهليها يعد من العرب
ويدعى بعبد للآله الذي له ... نهاية اكرام وذي الجود والوهب
لعبد الغني السامي لنسبة خدمة ... ونابلسي الأصل ينعت في القطب
فما اسم ثلاثي تراه بما مضى ... وقلب له لا يستقر من الحب
يهيم به كل امرء لنواله ... ويكدح في مرآه في طلب الكسب
وأوله ذل الهوان وذيله ... بجد وكد في لقاه وفي كرب
وتصحيفه عطر يفوح شميمه ... بمسك وطب يقتنيه ذوو الطب
وعين من الأعيان يرعاه طلسم ... وجسم له عار يعار بلا ثوب
وتقميصه لا زال في كسوة له ... وتلقاه في أعلى المنازل والترب
أجب عنه يا خلي لتحظى بنيله ... من الواهب الداني يزيد على السحب
ودونك أبياتاً تخجل ناظماً ... لتقصيرها عند الأديب ذوي اللب
فأسبل عليها ستر عفواً بيدي ... فمثلي ذي التقصير والعي والعتب
فأجابه العطار بديهة مغيراً للوزن لا القافية
لله درك يا ذا العلم والأدب ... ومن أقر له التحرير في الكتب
لأنت فهامة في كل مشكلة ... إذا حللت لها وفيت بالأدب
فإن كشفت قناعاً كان مستتراً ... من تحته لغزي ما ذاك بالعجب
وقد أجبت بما يشفي الفؤاد به ... من فكرة في دجى الأشكال كالشهب
وجئت تسأل عن لغز عقدت به ... عقداً من الدر في سلك من الذهب
لكن بأوله ذل الهوى وبه ... هاء الهوية تغري الصب بالوصب
يهدي إلى طرق الفردوس صاحبه ... وطال ما جر أقواماً إلى اللهب
لا زلت خير رفيقيه وقد هطلت ... منه عليك غيوث الفيض كالسحب
واللغز الذي نظمه العطار شرحه الحلبي المذكور في رسالة قليلة وهي عندي وهو لغز في جبر واللغز الثاني في ذهب وكانت وفاة المترجم في اسلامبول سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة قاسم باشا رحمه الله تعالى.
السيد عبد الوهاب الحلبي
السيد عبد الوهاب بن محمد قرط ابن الشيخ مراد المعروف بالعداس الحلبي العالم(3/145)
الفقيه الأصولي النحوي النبيه المجتهد في الافادة انتفع به خلق كثير وكان مكباً على افادة الناس ولد بحلب في سنة سبع وتسعين وألف واشتغل بها في طلب العلم فقرأ على الشيخ قاسم النجار في الفقه وقرأ النحو على العالم الشيخ سليمان النحوي والعروض والحساب وآداب البحث والمنطق على السيد علي الباني وقرأ المعاني على أبي السعود الكواكبي وكانت وفاته في ليلة الأحد العاشر من شوال سنة ست وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الموصلي
عبد الوهاب الموصلي الشافعي الامام في حضرة النبي جرجيس عليه السلام ولد في سنة تسع وعشرين ومائة وألف ونشأ بالموصل وقرأ بها وكان رحمه الله تعالى خطيباً مصفعاً وبليغاً ملسناً حسن الكلام حلو النظام ذا فصاحة ونطق وبلاغة وصدق وكان عارفاً بأمور الناس وأحوالهم فكان يلاقي كل انسان بما يقتضيه حاله ويناسبه مقامه مع طلاقة وبشاشة وخبرة تامة وكان عنده من كل فن نبذة ومن كل ظرافة فلذة وكان أولاً اماماً بالحضرة الجرجيسه وكيلاً من جهة ابن أخيه ثم عزل فصيره الوزير المكرم محمد أمين باشا امام جامعه وخطيبه وواعظه وولاه المدرسة أياماً بعد موت ملا أحمد الجميلي ثم عزله وولاها للسيد موسى العالم المشهور وله شعر لطيف منه قوله مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم
بطيبة طابت نفسنا من سقامها ... وهل مثلها في سائر الكون يوجد
فما تربها الأشفاء قلوبنا ... وكيف ولا نشفي وفيها محمد
نبي بشير شافع لعصاتنا ... نصوح أمين شاهد ومجاهد
رسول له الخلق العظيم سجية ... به جاءت الآيات وهو المؤيد
رسول رقى السبع الطباق بنعله ... وخاطبه المولى العظيم المسجد
رسول أتانا بالهدى بعد غينا ... ويشفع فينا يوم حشر ويسجد
ومنها
فيا فوز قوم يحمدون جنابه ... ينادونه يا غوثنا أنت أحمد
عليك صلاة الله ما هبت الصبا ... وما صاح قمري الحمام المغرد
وقال مخمساً
ظبية الحي مهجتي في يديها ... وفؤادي لا زال يصبو اليها
ثم لما أن صار قلبي لديها ... حاولت زورني فنم عليها(3/146)
قرطها في الدجى ومسك الغلاله
يالها زورة لقد طهرتني ... بل وبعد الجفا لقد أظهرتني
وبعهدي القديم قد خبرتني ... ثم لما أن سلمت ذكرتني
مدح من سلمت عليه الغزاله
وحج صاحب الترجمة في سنة خمس وستين ومائة وألف وكانت له لطائف عديدة وظرائف مديده وكان يدعى إنه أجيز له رواية الحديث وربما روي الحديث بسنده متصلاً ومعنعناً ومسلسلاً وكان حسن الوعظ جيد المباحثة وله أشعار أنيقه ومنظومات رشيقة وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان النحاس
عثمان بن أبي بكر الشهير بالنحاس الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الفقيه النحوي الفرضي المفيد كان أحد العثامنة العثامنة جمع عثمان الأربع الذي كانوا في وقت واحد في بلدة واحدة وكل منهم عالم فاضل وهم الشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان الشمعة والشيخ عثمان بن حموده والشيخ عثمان النحاس وقد جمع تاريخي هذا هؤلاء الأربع وستأتي تراجم الباقين إن شاء الله تعالى وكان المترجم عليه وظائف منها امامة جامع الأغا وخطابة النطاعين وبعض عثامنة عثامنه اقجه ومؤيدي باره وريال تسعون مؤبدي يعني طقسان باره وكل هذه في الاصطلاحات القديمه وأجزاء وكان لا يخلو من ثروة ودرس وأفاد وانتفع به جماعة وأخذ وقرأ على جماعة كثيرين فأخذ الفقه والحديث وأجيز بسائر الفنون عن أبي المواهب الحنبلي وقرأ الفقه والحديث وحضره وأخذ عنه محمد بن علي الكاملي وأخذ عن إبراهيم الكوراني وأجازه ومحمد بن محمد بن سليمان المغربي ومحمد بن داؤد العناني وخليل بن إبراهيم اللقاني القاهري وصافحه أحمد ابن محمد المرحومي المصري وعطية الأزهري ومحمد الشرنبلالي ومحمد بن حسن العجلاني النقيب وإسمعيل بن علي الحايك المفتي الحائك بالهمز وحايك بالياء بمعنى لأن المادة واوية ويائية وغيرهم من أهل دمشق وغيرها وأجازوه اجازات عامة وكانت وفاته في يوم الأربعا خامس عشر جمادي الثانية سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
عثمان بن صادق
عثمان بن أحمد باشا بن صادق الحنفي القسطنطيني وتقدم ذكر والده(3/147)
أحد الأفاضل المشهورين من المدرسين والموالي في الدولة كان عارفاً أديباً فاضلاً ماهراً بالعلوم والفنون دخل الحرم السلطاني وصار من غلمانه على عادتهم وخدم به وقرأ وحصل وانتفع بالشيخ محمد بن حسن بن همات همت أو لملى الدمشقي معلم الغلمان في الحرم السلطاني والفاضل عثمان نيشنجي زاده نشانجي وجعله السلطان مصطفى خان معلماً لولده السلطان محمد وانتقل للأودة الخاص وتملك كتباً نفيسة ثم خرج بالتدريس في سنة ست وثمانين وتنقل بالمدارس والفنون حتى وصل للثمان وخرج منها بقضاء بلدة أزمير وارتحل اليها ولم تطل مدته هناك ومات وكانت وفاته في محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان بن حسين
الألاشهري الأشهرلي
عثمان بن حسين الألاشهري الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد العلماء أرباب الشهرة والمدرسين بها كان علامة فاضلاً عالماً محققاً مشهوراً بالنبل والفضل أخذ وقرأ على أجلاء عصره وأجلهم الفاضل محمد الدارندوي دارنده لي انتفع به وله من التآليف رسالة في المنطق ورسالة في آداب البحث ورسالة في النحو واخرى في الصرف ورسالة في دخان التبغ المعروف بالتتن واشتهر بدار الخلافة وكبر صيته وأخذ عنه الأفاضل وأقرأ ولازم الافادة ولازم على عادتهم وسلك طريق المدرسين ثم تقاعد باختياره بمدرسة السلطان أحمد خان وكانت وفاته بقسطنطينية في رجب سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى والألاشهري بألف مفتوحة ولام ألف وشين مفتوحة وهاء وراء وياء نسبة إلى قصبة تابع آيدين تسمى الأشهر إلا أنه قراء الضاد بالظاء وأنكر الصوفية قد قامت القيامة على من قرأ الضاد بالظاء وأخمدت نار النزاع وتجددت هذه الدعوى مراراً وأنكرت ونسيت وتنوسيت كما تنبئك كتب التواريخ ولها رسالة جديدة في مصر في هذا القرن فاطلع عليها تحريراً في سنة 1291 في رمضان.
السيد عثمان الفلاقنسي
السيد عثمان بن سعدي بن عثمان بن علي خان المعروف بالفلاقنسي لكون والدة والده أخت المولى فتح الله الدفتري الفلاقنسي الآتي ذكره في محله الدمشقي كان من رؤساء الكتاب أديباً بارعاً كاتباً نبيهاً فطناً تولى كتابات بدمشق منها كتابة العربي بديوان دمشق الشام وكذلك في وقف الحرمين وكذلك وقف المدرسة الشامية وصار محاسبه جي الحزينة الميرية السلطانية بدمشق ونشأ متفيأ ظلال نعم قريبه الدفتري المذكور محتسياً لكؤس من المنى من حان دولته(3/148)
وكان له معرفة بالأدب واطلاع وحسن مطالعة مع المعرفة بأنواع الخطوط ولازم العارف الشيخ حسن البغدادي نزيل دمشق ولما حصل على دمشق ما حصل من مجى العساكر المصرية وواقعة ذلك شاعت وذاعت ولا يمكن احصاء ما جرى من الأمور وغيرها الصادرة في تلك الوقت أرسل خلف المترجم أمير العساكر الأمير الكبير محمد بيك المعروف بأبي الذهب وطلب منه دفاتر إيراد دمشق والعائد إلى حكامها العرفية فأحضرهم إليه وسلك عنده ونسب لأمور في ذلك وهو فيما أعلم برئ عنها فبعد ارتحال العساكر من الديار الشامية وعودهم للديار المصرية تحسب كان المؤرخ قصد معنى التوهم من أشياء ودخل عليه الرعب ولم تطل مدته ومات ورأيت له من الشعر هذه القصيدة امتدح بها قريبه الدفتري المذكور وهي قوله
هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى ... وازداد وجدك واللهيب تسعرا
أذكرت أياماً مضين بسفحه ... هيجن شوقك أم ظباه النفرا
فسكبت دمعاً من محاجر مقلة ... مقروحة الأجفان حاربها الكرى
وهتكت ستراً للحبيب وكنت لا ... تبدي الصبابة خيفة أن تظهرا
وأمرت قلبك كتمه فأذاعه ... منك النحول كفى بذلك مخبرا
فالدمع فضاح لكل متيم ... تركته غزلان العقيق كما ترى
من كل فتان اللحاظ تخاله ... غصناً يحركه النسيم إذا سرى
يسبي المهاة بجيده وبطرفه ... فإذا رنا يصطاد آساد الشرى
يا هاجري هل أنت باق مثل ما ... عهدي وثيق أم تصرمت العرى
إن كان هجرك لي بوشي مزور ... أنى سلوت فإن ذلك مفترى
لا تخجن لكل واش لم يمل ... عذل المتيم والحديث المنكرا
لم يكفني هجر الحبيب وصده ... حتى نأى وحدي به حادي السرى
كل الخطوب أطيق إلا بينه ... قلبي على أثقاله لن يقدرا
يا عاذلي دع ذكر أيام مضت ... وأجهد بمدحك ذا الجناب الأخطرا
الفتح من شاد المفاخر والعلا ... بفضائل شهدت بها كل الورى
مولى إذا ضن الغمام بقطره ... جادت سحائب راحتيه أبحرا
قد حاز كل المكرمات فلم يدع ... للغابرين محامداً أن تذكرا
وحوى الندى بمآثر لو كلفوا ... سحبان يحصيها لرد مقصرا
فرويت بيتاً قاله قبلي من ال ... ماضين ندب فيه حقاً لأمرا
لا تطلبن حديث شهم غيره ... يروى فكل الصيد في جوف الفرا(3/149)
قل للذي قدر أم يبلغ شاؤه ... هيهات كم بين الثريا والثرى
من يأته سلماً حباه أمانيا ... ومعانداً ولي فراراً مدبرا
مولاي قدرك قد علا عن درك مد ... اح فعذراً إن أتيت مقصرا
وعلمت إني عاجز عن درك ما ... قد حزته ويحق لي أن أعذرا
وقد اقتحمت وصفت فيك قوافياً ... جاءت فتوح لديك مسكاً إذ فرا
فأسلم ودم ما فاه تال منشداً ... هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى
وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه آمين.
عثمان ثروت
عثمان ابن صالح الملقب بثروت على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنطيني أحد الكتاب البارعين بالفنون والآداب نشأ بدار السلطنة المذكور وأخذ الخط عن الكاتب أحمد خواجه زاده المشهور وأتقن الأدب والانشاء حتى صار كاتباً لمعتمد الملوك بشير ضابط الحرم السلطاني في دولة السلطان محمود بن مصطفى خان وبعد قتله وتفرق أتباعه صار من أعيان كتاب الديوان السلطاني المعروفين بالخواجكان وله نظم بالتركية كثير وكان أولاً يلقب بحنيف وجمع ديواناً من شعره باللقب المذكور وقد طالعته ورأيته في دار الكتب التي جمعها ووقفها سلطان زماننا السلطان عبد الحميد بن أحمد خان ولما عدل عن اللقب المذكور وتلقب بثروت جمع ديواناً آخراً من شعر جديد نظمه ولما تم وافق تاريخه ديوان ثروت وذلك سنة سبع وسبعين ومائة وقد طالعته لما تملكته وهو الآن من كتبي وفيه كل معنى لطيف تشربه الأسماع بفم الاشهتاء وكانت وفاته في صفر سنة ثمانين ومائة وألف.
عثمان العقيلي
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم وينتهي إلى الولي الكبير والقطب الشهير الشيخ عقيل المنبجي فلذلك كان معروفاً بالعقيلي العمري الشافعي الحلبي الشيخ الامام العالم الفاضل كان صالحاً عالماً عاملاً زاهداً وله سلوك حسن الأخلاق والسير ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم حفظه الشاطبية والدره واشتغل بالطيبة في القراآت العشرة وجمع القرآن من طريق السبعة والعشرة وكان شيخه العالم العابد الشيخ محمد الحموي الأصل البصري وكذلك العلامة الشيخ محمد العقاد وفي غيرها وأخذ من العلوم ما بين تفسير وحديث وأصول وفقه ومعان وبيان ونحو وصرف وغير ذلك عن شيخه الأستاذ العلامة الشيخ طه الجبريني(3/150)
ومن مشايخه الفاضل الكبير الشيخ محمد بن الطيب محشي القاموس المغربي نزيل الحرمين ومنهم العالم المحدث الشيخ عبد الكريم الشراباتي الفقيه المتقن الشيخ عبد القادر الديري ومنهم الامام العالم المحدث الشيخ محمد الزمار حضر عليه في كثير من العلوم وكذلك النحرير الشيخ السيد علي العطار قرأ عليه في الفقه والنحو والفرائض وغير ذلك وارتحل إلى الحج في سنة ست وسبعين ومائة وألف واجتمع بغالب من كان حينئذ بالحرمين وأخذ عنهم فمنهم العارف الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان المدني أخذ عنه الحديث وأجازه وأخذ عنه الطريقة القادرية ومنهم العلامة الشيخ محمد بن سليمان الشافعي المدني والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والعلامة الشيخ أبو الحسن السندي شارح شرح النخبة في مصطلح الحديث للعلامة ابن حجر ومنهم الفاضل الشيخ يحيى الحباب المكي والشيخ عطاء الله الأزهري نزيل مكة وأخذ بدمشق عن العلامة المحقق الشيخ علي الدغستاني وله مشايخ نحو الخمسين وكان بحلب مقيماً على الاشتغال بالعلم يقرئ كتب الحديث والفقه والآلات في أموي حلب وغير ذلك ولزمه جماعة وكان ملازماً ومواظباً على الاعتكاف في كل سنة أربعين يوماً وهي المسماة عند أهل الطريق بالخلوة فإنه يعتكف مع جماعة من إخوانه هذه المدة ويشتغلون فيها بالصيام والقيام والذكر وبالجملة فهو أحد من ازدانت بهم الشهباء من الأفاضل في زماننا وكانت وفاته يوم الأحد ثاني عشر محرم سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان الدوركي
عثمان الوزير بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ انتقلت بوالده الأحوال إلى أن صار في الباب العالي رئيس الجاويشية جاوشباشي يه صكره دعاوي ناظري ديرلر ايدي سمدي اجراجمعتي رئيسيدر وهي رتبة قعساء يقال رجل أقعس أي منيع فقوله رتبة قعسا أي عاليه لا ينالها إلا من هو مجرب في معرفة قوانين الدولة ومنها أنعمت عليه الدولة بمنصب حلب برتبة روملي ورحل من اسلامبول إلى مقر حكومته حلب ففي الطريق ناداه داعي المنون فأجاب فامتحن صاحب الترجمة ثم ترقت أحواله إلى أن صار محصل الأموال الميرية بحلب وكانت له دربة في الأمور فجمع الأموال وبنى وشيد ورأس وساعده الوقت وبنى داره الكائنة بمحلة داخل باب النصر على شفير الخندق وهي أحد الدور العظام في الارتفاع والأحكام وبشرقيها كان سور باب الأربعين قديماً وهذا كان أبواب مدينة حلب ومحله عند مسجد الأربعين المعروف الآن بزاوية القرقلار قرقلر زاويه سي يسنكها(3/151)
مشايخ الطريقة النور بخشية قدس الله أسرارهم وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان سبب تسمية باب الأربعين قديماً وعدد أبواب حلب وما كانت عليه قديماً وذكر مشايخ هذه الطريقة العلية وشرقي دار المترجم أيضاً العين المعروفة بالعونية يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس يغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب مولانا خواصات ديمش جمع الجمع يابه يور ثم إن المترجم شرع في عمارة جامعه المعمور لصيق داره أوائل سنة احدى وأربعين ومائة وألف فاشترى الدور التي كانت في محل الجامع من أهلها بالأثمان المضاعفة عثمان باشا هذا خالف سنة الظلمة وأغضب روحي بشتاك وجمال الدين انظر صحيفة 70 من الجزء الثاني من كتاب المواعظ وكان يقترض الملل من التجار أهل الخير والصلاح المعروفين بحل المال ويصرفه في عمارة الجامع ويوفيهم من ثمن حنطة كانت عنده إلى أن فرغ بناء الجامع وتم على أكمل الوجوه ولما انتهى حفر أساس الجامع وحررت القبلة بتحرير العلامة الشيخ جابر الحوراني الأصل والعلامة الشيخ علي الميقاتي بأموي حلب نزل صاحب الترجمة بنفسه إلى الأساس واستدعى بطين فوضعه ووضع عليه حجراً ووضع بينهما صرة صغيرة لا يدري ما هي وصعد وشرعوا في البنا بالأحجار الهر قليلة الهائلة وأبطل العمل شتاء إلى أن كمل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ووضع فيه منبراً من الرخام الأصفر الفائق سرق منبر مصنع من جامع شهنشاه بمصر بعد سنة 1280 وخبر أهل الخبرة بأن المنبر المذكور كان مثل منبر الجامع الذي يقال له اليوم جامع الشيخ أبي حريبه وقوموه بألف وخمسمائة ليرا وكل لير بأربعة آلاف مؤيدي بعيار دار الضرب بمصر ثم هدمت مئذنة الجامع خوفاً من سقوطها على رؤس المارين والجامع المذكور لصيق بدار سليمان أغا الوكيل بباب الخرق وفي صحنه حوضاً من الرخام الأصفر طوله أربعة عشر ذراعاً في مثلها وفي شماله مصطبة مرخمة بالرخام الأصفر بقدر الحوض وبنى فيه احدى وأربعين حجرة منها ثلاثون للمجاورين والباقي لأرباب الشعائر وعين له خطيباً شكري محمد أفندي البكغلوني وهو أول خطيب خطب به لأنه كان مرغوباً عند الأتراك التمطيط التمطيط أكبرده بر ألف زيادة أيدوب أكبار ديمك أيسه بوني جاهل مؤذناً ريبار استانبولده اربه جبلر جامعي خطيبي تمطيط مؤرخ أيتميور بوراده تمطيطدن مرامي مدايمتك كه حرو في جكمك اولملي طاش قصايده ملا كوراني مؤذني تمطيط ايتميور ايديسه ده بوسنه حجه كندي في الخطبة على عادة خطباء اسلامبول وعين له مدرساً تاتار أفندي العينتابي فاستقام أربعة أشهر ثم استعفى فنصب مكانه(3/152)
العلامة محمود أفندي الأنطاكي وعين السيد محمد أفندي الكبيسي محدثاً وعين عبد الكريم أفندي الشرباتي واعظاً عقب صلاة الجمعة استطراد
ذكر الآذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف
اعلم إن أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بالمدينة الشريفة وفي الأسفار وكان ابن أم مكتوم واسمه عمرو بن قيس بن شريح من بني عامر بن لؤي وقيل اسمه عبد الله وأمه أم واسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة من بني مخزوم ربما أذن بالمدينة وأذن أبو محذورة واسمه أوس وقيل سمرة بن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعيد بن جمح وكان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يؤذن مع بلال فأذن له وكان يؤذن في المسجد الحرام وأقام بمكة ومات بها ولم يأت المدينة قال ابن الكلبي كان أبو محذورة لا يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا في الفجر ولم يهاجر وأقام بمكة وقال ابن جريج علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة الآذان بالجعرانة حين قسم غنائم حنين ثم جعله مؤذناً في المسجد الحرام وقال الشعبي أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وقد جاء إن عثمان ابن عفان رضي الله عنه كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر وقال محمد بن سعد عن الشعبي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم فإذا غلب بلال أذن أبو محذورة وإذا غاب أبو محذورة أذن ابن أم مكتوم قلت لعل هذا كان بمكة وذكر ابن سعد إن بلالاً أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وإن عمر رضي الله عنه أراده أن يؤذن له فأبى عليه فقال له إلى من ترى أن أجعل النداء فقال إلى سعد القرظ فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه عمر رضي الله عنه فجعل النداء إليه وإلى عقبه من بعده وقد ذكر إن سعد القرظ كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقبا قبا بضم الأول وذكر أبو داود في مراسيله والدارقطني في سننه قال بكير بن عبد الله الأشج كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون بآذان بلال رضي الله عنه وقد كان عند فتح مصر الآذان انما هو بالمسجد الجامع المعروف بجامع عمرو وبه صلاة الناس بأسرهم وكان من هدى الصحابة والتابعين رضي الله عنهم المحافظة على الجماعة وتشديد النكير على من تخلف عن صلاة الجماعة قال أبو عمرو الكندي في ذكر من عرف على المؤذنين بجامع عمرو بن العاص بفسطاط مصر وكان أول من عرف على المؤذنين أبو مسلم سالم بن عامر بن(3/153)
عبد المرادي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أذن لعمر بن الخطاب سار إلى مصر مع عمرو بن عاص يؤذن له حتى افتتحت مصر فأقام على الآذان وضم إليه عمرو بن العاص تسعة رجال يؤذنون وهم عاشرهم وكان الآذان في ولده حتى انقرضوا قال أبو الخير حدثني أبو مسلم وكان مؤذناً لعمرو بن العاص أن الآذان كان أوله لا إله إلا الله وآخره لا إله إلا الله وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ويقول هكذا كان الآذان ثم عرف عليهم أخوه شرحبيل بن عامر وكانت له صحبة وفي عرافته زاده مسلمة بن مخلد في المسجد الجامع وجعل له المنار ولم يكن قبل ذلك وكان شرحبيل أول من رقى منارة مصر للآذان وإن مسلمة بن مخلد اعتكف في منارة الجامع فسمع أصوات نواقيس عالية بالفسطاط فدعا شرحبيل بن عامر فأخبره بما ساءه من ذلك فقال شرحبيل فإني أمدد بالآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فانههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل إلى أن مات شرحبيل سنة خمس وستين.
وذكر عن عثمان رضي الله عنه أنه أول من رزق المؤذنين رزق من الباب الأول فلما كثرت مساجد الخطبة أمر مسلمة بن مخلد الأنصاري في امارته على مصر ببناء المنار في جميع المساجد خلا مساجد تجيب وخولان فكانوا يؤذنون في الجامع أولاً فإذا فرغوا أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد فكان لآذانهم دوي شديد وكان الآذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر الله أكبر وباقيه كما هو اليوم فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمره بالفسطاط وفي جامع العسكر وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبنى القاهرة فلما كان في يوم الجمعة الثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون وخطب به عبد السميع ابن عمر العباسي بقلنسوة وسبني وطيلسان دبسي وأذن المؤذنون حي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر وصلى به عبد السميع الجمعة فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وقنت في ركعة الثانية وانحط إلى السجود ونسي الركوع فصاح به علي بن الوليد قاضي عسكر جوهر بطلت الصلاة أعد ظهراً أربع ركعات ثم أذن بحي على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله وأنكر جوهر على عبد السميع إنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ولا قرأها في الخطبة فأنكره جوهر ومنعه من ذلك ولأربع بقين من جمادي الأولى المذكور أذن في الجامع العتيق لحي على خير العمل وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين إلا أن الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة(3/154)
أمر بجمع مؤذني القصر وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ أبو علي العباسي سجلاً فيه الأمر بترك حي على خير العمل في الآذان وأن يقال في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فامتثل ذلك ثم عاد المؤذنون إلى قول حي على خير العمل في ربيع الآخر سنة احدى وأربعمائة ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذنو جامع القاهرة ومؤذنو القصر من قولهم بعد الآذان السلام على أمير المؤمنين وأمرهم أن يقولوا بعد الآذان الصلاة رحمك الله ولهذا الفعل أصل قال الواقدي كان بلال رضي الله عنه يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا رسول الله وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله قال البلادري وقال غيره كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة خليفة رسول الله فلما قال عمر رضي الله عنه للناس أنتم المؤمنون وأنا أميركم فدعى أمير المؤمنين استطالة لقول القائل يا خليفة خليفة رسول الله ولمن بعده خليفة خليفة خليفة رسول الله كان المؤذن يقول السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا أمير المؤمنين ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله ويقال إن عثمان رضي الله عنه زادها وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلي بالناس هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة خلافة بني العباس أيام كانت الخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس فلما استولى العجم وترك خلفاء بني العباس الصلاة بالناس ترك ذلك كما ترك غيره من سنن الإسلام.
ولم يكن أحد من الخلفاء الفاطميين يصلي بالناس الصلوات الخمس في كل يوم فسلم المؤذنون في أيامهم على الخليفة بعد الآذان للفجر فوق المنارات فلما انقضت أيامهم وغير السلطان صلاح الدين رسومهم لم يتجاسر المؤذنون على السلام عليه احتراماً للخليفة العباسي ببغداد فجعلوا عوض السلام على الخليفة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر ذلك قبل الآذان للفجر في كل ليلة بمصر والشام والحجاز وزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين عبد الله البرلسي الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وكان ذلك(3/155)
بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر ذلك ولما تغلب أبو علي بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسجن الحافظ وقيده واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر وحملها إلى دار الوزارة وكان امامياً متشدداً في ذلك خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية وأظهر الدعاء للامام المنتظر وأزال من الآذان حي على خير العمل وقولهم محمد وعلى خير البشر وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الآذان ما كان أسقط منه وأول من قال في الآذان بالليل محمد وعلى خير البشر الحسين المعروف بأمير كان شكنبه ويقال أشكنبه وهو اسم أعجمي معناه الكرش شكنبه بكسر الشين وفتح الكاف والباء الكرش وأشكنبه بالتركي محرف منه وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان أول تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلثمائة قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ولم يزل الآذان بحلب يزاد فيه حي على خير العمل ومحمد وعلى خير البشر إلى أيام نور الدين محمود فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس فلما سمع الآذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الآذان وقال لهم مروهم يؤذنوا الآذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به واستمر الأمر على ذلك وأما مصر فلم يزل الآذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة وكان ينتحل مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله فأبطل من الآذان قول حي على خير العمل وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة وفيه تربيع وترجيع الشهادتين فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر إلى أن(3/156)
كان في شعبان سنة احدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاجي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة وقد استحسن ذلك طائفة من اخوانه فقال لهم أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان قالوا نعم فبات تلك الليلة وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وإنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخاً جهولاً وبلهاناً مهولاً سئ السيرة في الحسبة والقضاء متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة قد ضرى على الآثام وتجسد من أكل الحرام يرى إن العلم أرخاء
العذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح. ذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح.
وما زال في السيرة مذموماً ومن العامة والخاصة ملوماً وقال له رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كما يفعل في ليالي الجمع فأعجب الجاهل هذا القول وجهل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى إن ذلك من جملة الآذان الذي لا يحل تركه وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الالحاد في الآذان ببعض القرى السلام بعد الآذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وأما التسبيح في الليل على المآذن فإنه لم يكن من فعل سلف الأمة وأول ما عرف من ذلك إن موسى بن عمران صلوات الله عليه لما كان ببني إسرائيل في التيه بعد غرق فرعون وقومه اتخذ بوقين من فضة مع رجلين من بني إسرائيل ينفخان فيهما وقت الرحيل ووقت النزول وفي أيام الأعياد وعند(3/157)
ثلث الليل الأخير من كل ليلة فتقوم عند ذلك طائفة من بني لاوي سبط موسى عليه السلام ويقولون نشيداً منزلاً بالوحي فيه تخويف وتحذير وتعظيم لله تعالى وتنزيه له تعالى إلى وقت طلوع الفجر واستمر الحال على هذا كل ليلة مدة حياة موسى عليه السلام وبعده أيام يوشع بن نون ومن قام في بني إسرائيل من القضاة إلى أن قام بأمرهم داود عليه السلام وشرع في عمارة بيت المقدس فرتب في كل ليلة عدة من بني لاوي يقومون عند ثلث الليل الآخر فمنهم من يضرب بالآلات كالعود والسنطير والبربط والدف والمزمار ونحو ذلك ومنهم من يرفع عقيرته بالنشائد المنزلة بالوحي على نبي الله موسى عليه السلام والنشائد المنزلة بالوحي على داود عليه السلام ويقال إن عدد بني لاوي هذا كان ثمانية وثلاثين ألف رجل قد ذكر تفصيلهم في كتاب الزبور فإذا قام هؤلاء ببيت المقدس قام في كل محلة من محال بيت المقدس رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله سبحانه من غير آلات فإن الآلات كانت مما يختص ببيت المقدس فقط وقد نهوا عن ضربها في غير البيت فيتسامع من قرية بيت المقدس فيقوم في كل قرية رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله تعالى حتى يعم الصوت بالذكر جميع قرى بني إسرائيل ومدنهم وما زال الأمر على ذلك في كل ليلة إلى أن خرب بخت نصر بيت المقدس وجلا بني إسرائيل إلى بابل فبطل هذا العمل وغيره من بلاد بني إسرائيل مدة جلائهم في بابل سبعين سنة فلما عاد بنو إسرائيل من بابل وعمروا البيت العمارة الثانية أقاموا شرائعهم وعاد قيام بني لاوي بالبيت في الليل وقيام أهل محال القدس وأهل القرى والمدن على ما كان العمل عليه أيام عمارة البيت الأولى واستمر ذلك إلى أن خرب القدس بعد قتل نبي الله يحيى بن زكريا وقيام اليهود على روح الله ورسوله عيسى ابن مريم صلوات الله عليهم على يد طيطش فبطلت شرائع بني إسرائيل من حينئذ وبطل هذا القيام فيما بطل من بلاد بني إسرائيل وأما في الملة الاسلامية فكان ابتداء هذا لعمل بمصر وسببه إن مسلمة بن مخلد أمير مصر بنى مناراً لجامع عمرو بن العاص واعتكف فيه فسمع أصوات النواقيس عالية فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين فقال إني أمدد الآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فإنههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل ثم إن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون كان قد جعل في حجرة تقرب منه رجال تعرف بالمكبرين عدتهم اثنا عشر رجلاً يبيت في هذه الحجرة كل ليلة أربعة يجعلون الليل بينهم عقباً فكانوا يكبرون ويسبحون ويحمدون الله سبحانه في كل وقت ويقرأون(3/158)
القرآن بألحان ويتوسلون ويقولون قصائد زهدية ويؤذنون في أوقات الآذان وجعل لهم أرزاقاً واسعة تجري عليهم فلما مات أحمد بن طولون وقام من بعده ابنه أبو الجيش خمارويه أقرهم بحالهم وأجراهم على رسمهم مع أبيه ومن حينئذ اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المآذن وصار يعرف ذلك بالتسبيح فلما
ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة. لي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة.
قال ابن كثير رحمه الله في يوم الجمعة سادس ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن دمشق كما يذكر في مآذن الجامع الأموي ففعل ذلك من المقريزي انتهى وعين السيد عبد الغني الصباغ امام الجهرية والعلامة الشيخ جابر امام السرية وعين له أربعة مؤذنين وعين شعالين وفراشين وقارئ يقرأ النعت وكناسين ولكل باب من أبوابه الثلاثة بواباً وأسكن الثلاثين حجرة ثلاثين رجلاً من أهل البلدة أو من غيرها وشرط عليهم البيتوتة في الجامع وملازمة الصلوات الخمس وقراءة جزء من القرآن العظيم بعد صلاة الصبح وفي أثناء الجامع صار متسلماً بحلب وجاءته رتبة روملي ثم أنعمت عليه الدولة برتبة الوزارة ومنصب طرابلس ثم عزل عنها وولي سيواس ثم دمشق وحج منها أميراً للحاج ثم ولي حلب فدخلها سنة خمسين ومائة وألف وشرع في عمارة المطبخ المسمى بالعمارة على باب جامعه الشرقي ثم ولي آدنة وفي هذا لان تكب أطنه ثم بروسه وعين لمحافظة بغداد ثم ولي ايالة صيداً ثم ولي جدة ومشيخة الحرم المكي فأقام بمكة المشرفة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عثمان الحلبي
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرزاق بن شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عقيل بن تقي الدين أبي بكر عبد الرحمن بن برهان الدين بن إبراهيم ابن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص أحمد(3/159)
بن زين الدين سويدان بن شهاب الدين أحمد بن القطب الشيخ عقيل المنبجي منبج على وزن مجلس وفي النسبة منجاني وانبجاني قدس سره ابن الشيخ شهاب الدين أحمد البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ عبد الله البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ سالم بن الشيخ زين الدين عمر ابن سيدنا ومولانا الامام الزاهد عبد الله رضي الله عنه ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه العالم العامل المسلك المرشد الشافعي الحلبي ولد في منتصف شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة العقيلية عن آبائه مسلسلة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ العلوم عن عدة من الشيوخ كالشيخ طه الجبريني والشيخ عبد الكريم الشراباتي والشيخ عبد القادر الديري وأجاز له الشيخ محمد ابن الطيب المغربي المدني وحج سنة ست وسبعين فأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان والشيخ محمد بن عبد الله المغربي المدني والشيخ محمد بن سليمان المدني وأخذ بدمشق عن العلامة علي بن صادق لطاغستاني.
عثمان العرياني
عثمان بن عبد الله الشهير بالعرياني الحنفي الكليسي الأصل الحلبي المولد نزيل قسطنطينية العالم الفاضل البارع له من التآليف شرح الهمزية وشرح النونية في العقائد لخضر بيك وشرح الحزب الأعظم لعلي القاري علي القاري في الخلاصة وغير ذلك وقد أطلعت على هذه المؤلفات له وأنا في الروم قطن الديار الرومية مدة وأعقب بها ثم ارتحل للحرمين وجاور بالمدينة المنورة وتوفي بها وكانت وفاته في سنة ثمان وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان المجذوب
عثمان بن عبد الله المجذوب نزيل قسطنطينية كان في الأصل من أرقاء المولى محمد سعيد قاضي العساكر في الدولة العثمانية ورئيس الأطباء في المعهد المحمودي ثم حصل له جذب الهي وكان قرأ القرآن وشيئاً من العلوم وتعلم الخط فترك الجميع واستغرق وظهرت له أحوال خوارق وحصل على الولاية واعتقده العام والخاص حتى سلطان وقتنا السلطان عبد الحميد خان اعتقده وظهرت له كرامات حتى انني في رحلتي الأولى للدولة شاهدت منه كرامة ظاهرة وكان مستقيماً في اقميم حمام السلطان أبي يزيد خان وكانت وفاته في يوم الثلاثاء ثالث جمادي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخه(3/160)
موت مجذوب ودفن لصيق باب الأوض اسكي اوطه لر العتيقة المعدة للينكجرية بالقرب من جامع الشاه زاده بأمر من السلطان المذكور وحجر قبره من التحجير ووضع عليه هيئة كسوته المولوية التي كان يلبسها رحمه الله تعالى.
عثمان باشا الوزير
عثمان باشا بن عبد الله الوزير الكبير الصدر الشهم الدستور المعظم صاحب الخيرات والمآثر الجميلة كان من موالي الوزير الكبير أسعد باشا بن العظم فجعله متسلماً عنه في حماه ثم بعد ذلك لما عزل الوزير المرقوم عن دمشق وولي سيواس واستشهد بها بأمر الدولة قبض على صاحب الترجمة وأخذ إلى الروم يؤدي حسابات للدولة بخصوص تركة المرحوم أسعد باشا فلما وصل إلى قسطنطينية أدركته العناية فتخلص من ذلك وأعطته الدولة كفالة دمشق بثلاثة أطواغ وجهت له بدمشق وآياتها فرجع ودخل الشام في ثالث جمادي الأولى سنة أربع وسعين ومائة وألف وكانت أيامه أيام فرح وسرور وأمان ودعة وفي سابع عشري جمادي المذكور من السنة المرقومة بولادة السلطان الأعظم سليم خان بن السلطان مصطفى خان أيد الله كلمتهم وأيد دولتهم هو السلطان سليم الثالث الشهيد رحمه الله تعالى قام المترجم بعمل زينة في دمشق فصارت زينة عظيمة في سبعة أيام وبذل صاحب الترجمة في ذلك أموالاً عظيمة وكان له يد طولى في تعمير طريق الحاج الشامي فعمر عدة قلاع وشيئاً كثيراً في الطريق وعمل ذلك بالأحجار والصخور وفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف بنى قناة داخل صخن الجامع الشريف الأموي وأجرى لها الماء من نهر القنوات وصرف على ذلك أموالاً كثيرة وصار بها فرج للناس عند انقطاع نهر بانياس وكان متولي الجامع إذ ذاك والدي فأرخ ذلك بقوله
لقد جاء الوزير بخير بر ... لجامع شامنا من غير سو
فيجزيه الآله بكل خير ... على فعل المبرة بالنمو
وما مفتي دمشق أتى ببيت ... بتاريخين يعلن بالسمو
لعثمان الوزير سبيل وسع ... لمسجد سعده لأجل الوضو
ثم في سنة خمس وثمانين بعد قدومه من الحاج جاء لدمشق محمد بيك الملقب بأبي الذهب وحاصرها وأخذها كما قدمنا ذكر ذلك ثم في تلك السنة عزل صاحب الترجمة عن دمشق وتوفي سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان البقراصي
عثمان بن عمر البقراصي الحنفي الحمصي كان فاضلاً فصيحاً تولى افتاء حماه واستقام(3/161)
مدة بها وكان صالحاً وقد انتفع به جماعة وتوفي بحماة في نيف وسبعين ومائة وألف ودفن خارجها بباب المدرج رحمه الله تعالى.
عثمان بن بكتاش الموصلي
عثمان بن عمر المعروف ببكتاش زاده الموصلي الشاعر الأديب الناظم الناثر ترجمه بعض فضلاء الموصل وقال في حقه هذا الأديب والشاعر المصيب والفصيح بقوله وحلاوته والمبتكر للمعاني بطلاوته دبج القراطيس بمداد تأليفه وروج سعر الشعر بحسن سبكه لدرر الألفاظ وترصيفه جدير بأن يشار إليه بالبنان بين الشعراء والأقران فله قصائد عديدة فمن نظمه قوله يمتدح المرحوم السيد عبدي أفندي عندما ولي افتاء الموصل يهنيه بأبيات كل شطر منها تاريخ وقد شهدت بقوة طبعه ومهارته في فن الأدب وسلامة قريحته فأبدع وأغرب حيث قال
على قمر الاقبال في أفق اليسر ... وزان باكليل الهنا جبهة البشر
تلألأء بالفتح المبين هلاله ... فباهى به المشكاة كوكبها الدري
كسى بالفتاوي عابداً حلة الهدى ... وألبس عطفيه العلي حلة القدر
فأضحى لباب المدح لما زهى الولي ... على بعبيد الله منشرح الصدر
فتى أوجز الفتوى بمنهاج مجده ... وزاد عليها علة الكسر والجبر
تبقر في علم الولي وهو يافع ... وأدنى مقاليد الثنا وهو في الحجر
يلخص في أوفى المعاني بيانه ... بديع طوايا رفده الفائق النشر
سريع العطايا مدها متداركي ... ببحر ندى لم يجزر الوعد عن قصر
جواد عطاء لو تجاريه دجلة ... لجالت عيون من لجين على الجسر
ولو قهر الاكرام أيتام نيله ... لحط نداه سائل التبر في نهر
تكاد البحار السبع جداً ببذله ... يفجرها من بسط أنمله العشر
أبى الله أن تستنكح السحب جوده ... لتطرح ماء حملها لؤلؤ القطر
تناسيت أحبابي زماناً ومنزلي ... بدعواه ما جاءت قفا نبك في ذكرى
سلالة آباء ولاة أكابر ... جمانة أبناء أطايبة طهر
حليف النهى والحلم والعدل والسخا ... أخو المجد والآلاء والعفو والبر
له أخوة حازو وأبناهم هدا ... بأجدادهم أهل النوال بني الفخر
مدارس علم الله خزان جوده ... معاجزه الأبرار في السر والجهر
فمن مثلهم أصلاً وحيدر جدهم ... حليم محل الحلم صنو الفتى الطهر(3/162)
فيا شرفاً يزهو ببطحاء مكة ... ويا نسباً دار له شرف البدر
أبوهم بهاء المجد هم بهجة الثنى ... بنوهم أكاليل الهدى جدهم فخري
أمولاي يا مولاي دعوة شاكر ... لا نعمكم شاكي إليكم جفى الفقر
يأرخها داعيك يا جوهر البها ... مدى كل شطر عم حسناً على الدر
فلا زلت في مجد الولاية زاهياً ... باقبال سعد مسبل مدة العمر
وله أيضاً كل شطر تاريخ في وفاة المرحوم السيد يحيى أفندي مفتي الموصل في تلك السنة
حيتك يا مرقداً وأرى هلال هدى ... سحابة الفوز بالحسنى مع الرسل
وآنستك بهام هامل ونعت ... نفس الفتاوي أنيس العلم والعمل
لقد حويت حسيباً طالما سجدت ... في البيت جبهته الفيحاء للأزل
عز فللناس أسخى سيد سند ... زين بأبهى برود المجد مشتمل
طوبى له فاز بالاخرى بنيل علا ... من رحمة الله لم يوصف ولم ينل
وحل أعلى محل شامخ وبدا ... يطوف في جنة الفردوس في حلل
فليبك جزماً على الفتوى اليراع دما ... لفقده وليرثيه فم الوكل
همى بحسن قبول حين أرخه ... بكل شطر يراع الوافدين جلي
يا من يروم مثيلاً بالمقام له ... مهلاً فما لسداد العقل من مثل
بمن تشبه يحيى في الصلاح وقد سعى إلى الخلد في يحيى الامام علي وله غير ذلك وكانت وفاته في أواخر هذا القرن أعني الثاني عشر رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عثمان الحافظ
عثمان بن علي المعروف بالحافظ الحنفي القسطنطيني الكاتب المشهور أحد أفراد الدهر كان والده مؤذناً بأحد جوامع قسطنطينية وولد المترجم في حدود سنة اثنين وخمسين وألف ونشأ بالبلدة المزبورة وأخذ الخط وأنواعه عن درويش على الكاتب الرومي المتوفي سنة أربع وثمانين وألف وباذنه عن صويولجي إن صوايولجي هو المأمور على تقسيم المياه واصلاح طرقها واعطائها إلى الدور والمحلات وفي الشام يقال له شاوي وأوصاف هذه الطائفة يذكرونها في أوراق الحوادث التي تطبع في زمن قلة المياه وعدالتهم بها على حسب قوة أصحاب الحق وضعفهم فلا تظن مكرهم أخفى من الماء تحت الرفة وكانت مياه مصر بيد السقاة والأسهلها ولاة مصر بالاسكندرية والقاهرة لأطفاء حر أكباد الضعفاء(3/163)
من السقاة انتهى زاده مصطفى وإسمعيل نفس زاده الكاتبين المشهورين وبرع ومهر بالخطوط وأنواعها وأعطاه الله الشهرة التامة والتفوق على أهل عصره واشتهر اشتهار الشمس وتنافس الناس في خطه وبيع بالثمن الغالي ورغبت فيه الناس وفاقت شهرته على خط ياقوت وإلى الآن يتداول بين أيدي الناس بالقبول والرغبة وانتسب في أوائل أمره المترجم للوزير مصطفى باشا الكبرى كوبريلي الصدر الشهيد وفي سنة ست ومائة وألف وصار معلماً للسلطان مصطفى خان ابن السلطان محمد خان وأعطى قضاء ديار بكر وبعد عزله أعطى قضاء آخر على وجه التأييد كما هو دأب الدولة العثمانية وأحبه السلطان المذكور وأخذ عنه الخط النسخي والثلث وغيرهما أناس كثيرون وفاق واشتهر أمره مقدار أربعين سنة وقبل وفاته بثلاث سنوات عطل بداء الفالج وكان مع هذه الشهرة صاحب ملاطفة وانطراح وتودد وتغلب عليه الصلاح والديانة قيل كتب بخطه المرغوب الحسن خمساً وعشرين مصحفاً شريفاً تغالى الناس بهم وحصلت له الشهرة التامة وكانت وفاته بقسطنطينية سنة عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى صاحب ترجمة حافظ عثمان أوله بور
عثمان العمري الموصلي
عثمان بن علي العمري الموصلي صاحب الفضائل والفواضل أبو النور عصام الدين الأديب الشاعر البارع المفنن الناظم الناثر له في الأدب النوادر الغضة والمحاسن التي هي أنقى وأظرف من الفضة ولد في حدود سنة أربع وثلاثين ومائة وألف وقرأ على الشيخ درويش الكردي والعلامة جرجيس الأربلي وسافر إلى صوران على وزن سحبان قرية باليمن فقرأ على عامة علمائها كالشيخ الصالح فضل الله الحيدري والشيخ فتح الله والشيخ صالح وغيرهم ورجع فاستخدمه الوزير حسين باشا ورحل معه إلى القرص ووان وولاه بعض البلاد الصغيرة كأرويش وما زال مكرماً عنده حتى عاد قبل السبعين فاستخدمه الوزير الكبير محمد أمين باشا ومكث عنده سنين ثم رحل إلى القسطنطينية فولي حساب بغداد ودفتر قلاعها وأراضيها ومياهها فمكث على ذلك قدر أربع سنين إلى أن ولي الوزارة علي باشا فحبسه وأذاه ثم أطلق وعاد إلى الموصل راجعاً فقبض عليه ثانياً في قلعة كركوك ثم أطلق وعاد إلى الموصل ومكث فيها قريباً من سنة ثم رحل في رمضان في سنة ست وسبعين ومائة وألف إلى القسطنطينية وركب في البحر وفي الطريق صادفه بعض خدام النواب الأعظم وعندها أمر له بالعود إلى بغداد لمحاسبة أهلها وقد مات وزيرها علي باشا ووجهت إلى عمر باشا ولما وصل ماردين منع من العود(3/164)
وبقي فيها برهة ثم أطلق سبيله فعاد إلى الموصل فلم يدخلها حتى وصل أربل فلم يتمكن من مجاوزتها ومكث مدة ثم أمر به إلى قرية في قرب بغداد تعرف بالدجين ومكث هناك يسيراً ثم أمر به إلى الحلة وقد قاسى الأهوال العظيمة وكان بعد موت سليمان باشا قد جعل نائباً في الحكومة والامارة قائماً مقامه حتى ورد الأمر الشريف بعزله وولي ذلك الوزير المكرم أمين باشا ومعادات الوزرا له سببها ولايته أمر بغداد وبذله الأموال حتى صار في الكرم والسخاء حاتم زمانه ومأمون أوانه وقد مدحه من الشعراء الجم الغفير بالقصائد البديعة وبعد انقضاء أيام الحصار وكشف تلك الغمة سافر صحبة الوزير محمد أمين باشا إلى القسطنطينية وفي عوده منها دخل حلب الشهباء وبالجملة فقضاياه ومناقبه تحتمل أسفاراً عديدة وله مؤلف حافل في تراجم أبناء العصر سماه الروض النضر حذافيه حذو الريحانة والنفحة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة يتشوق بها إلى بلدته الموصل
ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي ... إلا وأذريت دمع العين في وجل
ولا شدا الورق في أيك على فنن ... إلا وصرت لشوقي جاري المقل
ولا تذكرت أوطاني ومنزلتي ... إلا وأيقنت إن العز بالنقل
أين العراق وتلك الداراين سنا ... تلك الجنان ففيها قد حلا غزلي
أين الأهيل أصيحابي بنواربي ... يا حسرتا لفراق الأهل والخول
ومنها
لله إذ كنت فيها في صفا وهنا ... وطيب عيش مضى أحلى من العسل
ومنها
الغيث فيها لذيذ قد حلا وغلا ... ونلت فيها مني خال من الزلل
والدهر قد ضمنت أيامه جدلا ... وأكمنت لي ليالي السود للجدل
فما شعرت بقدر الدهر من سفه ... وما انتبهت له حتى تنبه لي
فصار يلفظني أيدي سبا حنقا ... على معاملتي إياه في الأزل
3 - يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق وبال ... حزون يوماً ويوماً ذروة الجبل
والعز يوماً ويوماً رفعة وعلا ... والذل يوماً ويوماً رتبة السفل
فأنحل عقد اصطباري لوعة وغدا ... صحيح حال محل الفكر والعلل
كيف الوصول وهذا الدهر يقعدني ... عن النهوض إلى لذاتنا الأول
بذلت جهدي فلم تنفع مجاهدتي ... واحتلت فيه فلم تنفع به حيلي(3/165)
ومنها
وأشدد لها حزم صبر غير مضطرب ... وأسلك لنيل مناها أصعب السبل
وانهض لنيل العلا واركب لها خطرا ... ولا تكن قانعاً في مصة الوشل
فهامة المجد عندي ليس يركبها ... من كان يقنع من دنياه بالبلل
وله غير ذلك من القصائد الفائقة والرسائل الأنيقة الرائقة.
عثمان الصلاحي
عثمان بن علي الصلاحي العلمي الحنفي القدسي خطيب المسجد الأقصى وامام الصخرة المشرفة نشأ في حجر أبيه وقرأ عليه كتباً عديدة وكان والده من الأفاضل ويغلب عليه معرفة العلوم العربية ولزم درس الشيخ علي اللطفي وكان يلازم المطالعة في داره ويباشر الخطابة بنفسه وله صوت جيد تميل إلى سماعه أهل بلدته حتى إن يوم خطبته يمتلي الأقصى ناساً لسماع خطبته وسافر إلى مصر مراراً وكانت عليه وظيفة جباية أوقاف المصريين التي بمصر فيذهب غالباً بنفسه ويأتي بها وبعض السنين يرسل من ينوب عنه فيها ثم نازعه السيد علي بن جار الله في وظيفة الامامة فسافر بسبب ذلك إلى الروم وجاء بأمر سلطاني ورفع يده عن الوظيفة وعدل عن التردد إلى مصر واستقام على حالته إلى أن مات وكانت وفاته كما أخبرت في سنة ثمان وستين ومائة وألف ودفن في مأمن الله بتربة الصلاحية رحمه الله تعالى.
عثمان الشمعة
عثمان بن محمد بن رجب بن محمد بن علاء الدين المعروف بالشمعة الشافعي البعلي الأصل الدمشقي الشيخ الامام العلامة الحبر المفنن النحرير ولد قبل الثمانين وألف بقليل واشتغل بطلب العلم على جماعة من العلماء الأجلاء منهم الشيخ إسمعيل المفتي والشيخ نجم الدين الفرضي والسيد حسن المنير والشيخ عبد القادر بن عبد الهادي العمري والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ أبو المواهب الحنبلي وغيرهم وبرع في العلوم وكان له ذهن ثاقب وذكاء مفرط ففلق في إحراز الفنون والمعارف وتفيأ من الكمالات في ظلها الوارف واشتهرت براعته وظهرت سيادته وجلس لإفادة العلوم بالجامع الأموي وعكف عليه نجباء الطلبة في كل فن من العلوم النافعة فكان يقرئ في أكثر من عشرة علوم وفي أصول الدين والفقه وأصوله والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان(3/166)
والبديع ومصطلح الحديث والمنطق والحديث مع براعته في التفسير والقراآت ورزقه الله تعالى الذهن السيال والخلق الرضي والديانة التامة والعفة الكاملة والانجماع عن الناس والقناعة بما رزق وطهارة اللسان وسعة الصدر على طلبته مع كثرتهم واختلاف أفهامهم فلم يكن يعنف بليد الذهن ولا يصدع خاطره بكلمة بل كان يقرر له بلطف ويعيد العبارة ثانياً وثالثاً إن لم يكن فهم من أول مرة وكان جلوسه من طلوع الشمس إلى الظهر غالباً صيفاً وشتاءً ولا يضجر ولا يقوم من مجلسه بل إذا جئته في آخر وجدته في غاية النشاط وكانت تعد هذه الحالة من كراماته وكان يعظ في جامع السنانية وحج إلى بيت الله الحرام في سنة ثلاث ومائة وألف وارتحل إلى مصر أيضاً وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير بالقرب من ضريح سيدنا أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه وسيأتي ذكر والده محمد إن شاء الله تعالى في محله.
عثمان القطان
عثمان بن محمود بن حسن خطاب الكفرسوسي الشافعي الشهير بالقطان معيد درس السليمانية بدمشق الشيخ الامام العلامة المحقق المدقق الفهامة كان محقق وقته في العلوم النقلية والعقلية ولد في سنة احدى وأربعين ومائة وألف وطلب العلم فقرأ على جماعة منهم الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ مصطفى ابن سوار شيخ المحيا وإبراهيم الكوراني ومحمد البطنيني والشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ منصور الفرضي المحلي والشيخ يحيى الشاوي المغربي وكان بدمشق ممن اشتهر فضله وعلمه ودرس بالجامع الأموي وبالمدرسة العادلية الكبرى وانتفع به جماعة من العلماء والأفاضل ولما ولي دمشق الوزير الفاضل أحمد باشا كوبريلي عرف مقامه ولم يعجبه غيره ونفي من دمشق هو والمولى السيد عبد الكريم ابن حمزة ونقيب السادة الأشراف بدمشق إذ ذاك ومكثا بقبرس مدة إلى حين سفر والي دمشق إلى بلاد النصارى وكان مفتي الحنفية بدمشق يومئذ المولى علي العمادي والخطيب الشيخ إسمعيل الحائك والقاضي المولى سليمان الرومي وترجم المترجم خاتمة البلغاء السيد محمد أمين المحبي في نفحته وقال في وصفه فتي الفضل وكهله وشيخه الذي يقال فيه هذا أهله اطلع الله في جبينه غرة السناء فثنى إليه من البصائر أعنة الثناء مأمون المغيب والمحضر ميمون النقيبة والمنظر فهو كالشمس في حالتيها يبدو نورها فينفع ظهورها وتحتجب أرجاؤها(3/167)
فيتوقع ارتجاؤها فعلى كل حال هو إنسان كل إحسان وكل عضو في مدحه لسان به الفتوة يسهل صعبها ويلتئم شعبها وهو في صدق وفائه ليس أحد من أكفائه وقد اتحدت به منذ عرفت الاتحاد فما رأيته مال عن طريق المودة ولاحاد وله على مشيخة أنا من بحرها اغترف وبألطافها الدائمة اعترف وكثيراً ما أرد ورده واقتطف ريحانه وورده فانتشق رائحة الجنان وأتعشق راحة الجنان بمحاضرة تهز المعاطف اهتزاز الغصون ورونق لفظ لم يدع قيمة للدر المصون إذا شاهدته العيون تقر وإذا ذوكرت به نوب الأيام تفر في زمن انغمضت من أعلامه تلك العقود ولم يبق فيه إلا هو آخر العنقود فإن شئت قل جعله الله خلفاً عن سلف وإن أردت قل أبقاه الله عوضاً عن تلف فمما أخذته عنه من شعره الذي قاله في عنفوانه وجاء به كسقيط الطل على ورد الرياض واقحوانه انتهى مقاله فمن شعره قوله
بأبي من مهجتي جرحا ... وإليه الشوق ما برحا
دابه حربي وسفك دمى ... ليته بالسلم لو سمحا
غصن بان مثمر قمرا ... يتهادى قده مرحا
من تثنى غصن قامته ... عندليب الوجد قد صدحا
أي حين دار ناظره ... ما سقى عقلاً فمنه صحا
إن رآني باكياً حزنا ... ظل عجباً ضاحكاً فرحا
إن يكن حزني يسر به ... فأنا أهوى به البرحا
وعذولي جاء ينصحني ... قلت يا من لامني ولحا
ضل عقلي والفؤاد معا ... ليس لي وعى لمن نصحا
جد وجدي عادم جلدي ... غاض صبري والهوى طفحا
لم يزل طرفي يشح دما ... إذ به طير الكرى ذبحا
هذا معنى متداول منه قول الشهاب
ولو لم يكن ذابحاً للكرى ... لما سال من مقلتي النجيع
ومنها
آه وأشوقاه مت أسى ... هل دنو للذي نزحا
إن شدت ورقاء في فنن ... شدوها زند الهو قدحا
وإذا ما شام طرف الشا ... م طرفي للدما سفحا
يا سقي وادي دمشق حيا ... طاب مغتبقاً ومصطبحا(3/168)
وكتب إليه الأمين المحبي المذكور من مصر حين كان بها سيدي الذي له دعائي وثنائي وإلى نحوه انعطافي وانثنائي لأعدمت الآمال توجهها إليه وكما أتم الله النعمة به فأتمها عليه أنهى إليه دعاء يتباهى به يراع ومهرق وثناء يجعل طيبه فوف سالف ومفرق متمسكاً من الود بحبل وثيق ومن العهد ما يستعطر به النشر الفتيق ومتذكراً عيشاً استجليت سناه واستحليت ثناه وإني أتلهب على طول نواه وحر جواه وقد وسمت باقبالك أيامي الغفل وفتحت بمذاكرتك عن خزانة قلبي القفل إلى أن صرف الدهر بحدثانه وحكم على ما هو شأنه بعد وإنه وأعاد العين أثراً والخير خيراً واللقا توهما والمناسمة توسما فتذكري لأيامك التي لم أنس عهدها تركتني لا أنتفع بأيام الناس بعدها وإني لا أرتاح إلا بذكر فضائلك ولا أستأنس إلا بكرم شمائلك أمزج بها الضحايا فتبتسم وأستدعي بها صبا القبول فتتنسم
ولولا اشتعال النار في جذوة الغضا ... لما كان يدري المرء ما نفحة الند
وأما الأشواق فإن القلب مستقرها ومستودعها ومحلها ومجتمعها وهو عند مولاي فليسأل به خبيراً وأما الأثنية فإنها على السنة الركبان فينشر بها حبيراً وإلى مثلك يتقرب بإخلاص الوداد ومن فضلك يجتني ثمرة حسن الاعتقاد فسلامي على هاتيك الشمائل سلام الندى على ورق الخمائل وتحيتي لتلك الحضرة تحية النسيم للماء والخضرة وأما دمشق فشوقي إليها شوق البلبل إلى الورد وامرئ القيس إلى الأبلق الفرد وأنا مهد تسليماتي إلى كل يابس من دوحها وأخضر ومتبرج من ثمراتها في قباء رواء أنضر واشتاق عهدها والعمر ربيع نضر والروض جر عليه ذيله الخضر
وما أنس أيامها والصبا ... أرن يجر ذيول الجدل
ومس رقيق رداء النسيم ... على عاتق الروض بعض البلل
إذ الدهر ميت النوى واللحا ... ظ عناه واحدته تعتقل
وذنبي فيه أمير الذنوب ... ودولته فوق تلك الدول
وأرجع فأقول
إن حبي دمشق إن عد ذنباً ... فذنوبي أجل من طاعاتي
مدحي لها لا ينقطع إلا أن تنقطع المدائح وأثنيتي عليها لا تمل ولو ملت التغريد الحمائم الصوادح وأنا مؤمل أوبة تسر فيتمتع الناظر بتلك الوجوه الغر والمناظر الزهر وأنشد بلسان المقال إذا استقامت الحال(3/169)
إن ذنوب الدهر مغفورة ... إن كان لقياك لها عذرا
وكانت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأحد حادي عشر شوال سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن قرب اويس رضي الله عنه في التربة المقابلة للصابونية رحمه الله تعالى.
عثمان بن ميرو
عثمان بن يحيى بن عبد الوهاب بن الحاج ميرو الشافعي الكامل ولد بمكة وأمه أم ولد كرجية مولده قبل الثمانين وبعد وفاة والده بمكة نقله عمه حسين لحلب مع إخوته وهم أبو بكر لأبويه ومحمد وعمر لأبيه وسافر المترجم إلى جهان أباد من الهند واستقام بها مدة ثم عاد لحلب وتزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفى الميرو ومولدها مدينة اسلامبول وكان أتى بها لحلب بعد وفاة والدها عمها باحسين أيضاً وولدت بنتاً وتزوجت وماتت في حياة أبويها ثم تسري بجارية وانقطع في داره منعكفاً بريد معتكفاً على تلاوة القرآن والتقوى والصلاح وحضور المسجد وكتب بخطه الكثير من الكتب وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بالتربة الأمينية بحلب.
عثمان الخطيب الموصلي
عثمان الخطيب الموصلي الشيخ الصوفي الزاهد العالم الرباني الأوحد الشاعر البارع لم يسمع له في عصره بمناظر له في الفضل والبلاغة حج في سنة سبع وأربعين ومائة وألف مع الشيخ عبد الله المدرس واجتمع بالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكتب ديوانه وترجمه صاحب الروض فقال فارس ميدان رهان الأذهان العابث بأنواع المعاني والبيان ديمة الفضل والحكم لسان السيف والقلم نتيجة الأعصار وشهاب جميع الأمصار سراج الزوايا ونفائس الخبايا الزند القادح والنسيم الطيب البارح صاحب الأنفاس القدسية والملكات الأنسية فاتح أبواب اللاهوت معمر آثار ربع الناسوت جمع الجمع ونفس البصر والسمع انتهى ومما يدلك على فضله الباهر قوله في مدح النبي المكرم زكريا صلى الله على نبينا وعليه وسلم قوله البارح كأنه طيبه بلفظ الطيب انتهى
سر بنا صاح راشداً مهدياً ... ونهياً وناد بالركب هيا
ثق بوعد الآله فهو كريم ... إنه كان وعده مأتيا
واستعن بالقوى في كل أمر ... إنه كان بالضعيف حفيا
وتقدس عن السوي وتطهر ... واذكر الله بكرة وعشيا(3/170)
خفف السير يا خليلي وانزل ... في مقام الخليل وامكث مليا
وتيمم مقدس الترب واشرب ... من زلال الفرات عذباً رويا
وإذا ما حللت في حلة الشهبا ... ء فاقصد هناك بدراً بهيا
قف وسلم وحيه فهو حي ... وإذا حل طيفه الحي حيا
قبل الأرض عنده واتل جهرا ... ذكر مولاك عبده زكريا
وترج الندى فأنت لدى من ... لم يكن بالدعاء قط شقيا
خاف من بعده ضلال الموالي ... فدعا ربه دعاء خفيا
وهن العظم وامتلأ الرأس شيبا ... يا آلهي فمنك هب لي وليا
يرث العلم والنبوة مني ... ولدي ربه يكون رضيا
فاستجاب الدعا وبشره من ... لم يزل محسناً جواداً غنيا
بغلام كبدر تم ولم يج ... عل بديع السما ليحيى سميا
قال من أين لي يكون غلام ... ومن الكبر قد بلغت عتيا
قال ذو الكبريا كذلك لكن ... قال مولاك هين ذاك عليا
إنني قدر على كل شيء ... لم أجد قبله بخلقك عيا
وله الحمد حيث جاء بمن قد ... أوتي الحكم والرشاد صبيا
حبذا الفرد في المحاسن يحيى ... حبذا الوالد الكريم المحيا
يا حماة الحمى غريب وقد فا ... رق أحبابه فعاد شجيا
وكئيب فقابلوه ببشر ... وبمعروف اجعلوه سريا
واحفظوا سادتي نزيل كرام ... والحظوا يا أحبتي الموصليا
وصلاة الآله تغشي دواماً ... سيد الرسل أحمد العربيا
وعلى السادة النبيين طرا ... سيما البدر سيدي زكريا
وله أيضاً
إن قلبي من الهوى يا خليلي ... لكليم وأنت خير طبيب
وخطيب الوصال فيك كئيب ... فتعطف على الخطيب الكئيب
وله أيضاً
حين أشكو اليك قرحة قلبي ... لا تلمني على طويل الحديث
يا حبيبي وأنت خير خبير ... ما قديم الغرام مثل حديث
وله
الله يعلم أنني ... بك مغرم يا فاتني
لو كنت تعرف حالتي ... ما كان وصلك فاتني(3/171)
وله
أخفيت حبك في الحشا ... حتى فشا في ظاهري
ما آن أن تدع الجفا ... أو ما كفى يا هاجري
وله غير ذلك وكانت وفاته في حدود سنة أربع وأربعين ومائة وألف عن ثمان وخمسين سنة.
عثمان بن حمودة
عثمان بن حمودة الرحبي ثم الدمشقي الشافعي امام السادة الشافعية بمحراب المقصورة الشيخ الفقيه الصالح العالم الكامل ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي في ثبتة المسمى بلطائف المنة فقال طلب العلم على كبر واشتغل على جماعة منهم الشيخ حسن المنير وبالحديث والقراآت على شيخنا الشيخ محمد أبي المواهب وفي المعقولات على الشيخ إبراهيم الفتال وغيره وبرع في الفقه ودرس بالجامع الأموي فأقرأ شرح الغاية للشربيني والمنهاج للنووي وشرح المنهج لشيخ الاسلام وحضرت عنده في قراءة شرح المنهاج من باب زكاة المعدن والركاز والتجارة إلى الجنايات وقرأت عليه شرح الغاية لأبن قاسم وشرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا وحضرت دروسه بين العشائين في الجامع الصغير وأجاز لي رواية مروياته وكان صالحاً متعبداً قانعاً عفيفاً انتهى ولم يزل صاحب الترجمة مكباً على الاشتغال بالعلم معتكفاً على التدريس والافادة إلى أن توفي في شهر ربيع الثاني سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر شفائي
عمر بن حسن بن عمر الملقب بشفائي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي السينوبي رئيس الأطبا في بلدة بروسا الطبيب الحاذق الماهر الأديب العارف كان من أفراد وقته في علم الأبدان وألف كتاباً في الطب سماه الطب الجديد في ثمان مجلدات وكتاباً آخر في الكحالة ورسائل لا تحصى كما أخبرني صاحبه شيخنا لمقن أبو المواهب سليمان بن محمد بن مستقيم القسطنطيني كان من أفراد الزمان وينظم الشعر بالتركية والفارسية وأطلعني على آثاره وقدم المترجم قسطنطينية مراراً ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته ببروسا سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمقابلة الزاوية المولوية الكائنة في البلدة المرقومة رحمه الله تعالى.(3/172)
عمر اللبقي
عمر بن حسين بن عمر الشهير باللبقي الحنفي الحلبي الفاضل الأديب كان ذكياً له بد ومعرفة بفنون الأدب حسن الأخلاق سهل المعاشرة لطيف الخلال ولد في سنة ست عشرة ومائة وألف وقرأ على عبد الوهاب العداس وعبد السلام الحريري ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي نزيل حلب ومفتيها وسافر إلى اسلامبول ثم عاد إلى حلب وتولى نيابة القضا في محاكمها الأربع وارتحل إلى طرابلس الشام والي الموصل مع حاكمها الوزير أحمد ثم قدم حلب ومكث بها ثم ارتحل للقدس ثانياً في زمن قاضيها المولى أحمد بن بن الشيخ طه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد التافلاتي وفي مروره مع القاضي المذكور على دمشق نزلا في في دارنا واستقاما مدة عندنا وكان بين والدي وبين القاضي المذكور مودة ومحبة وكان والد المترجم من التجار المشاهير بحلب والرؤساء أرباب الشهرة والشأن وولده صاحب الترجمة اشتهر بالأدب والكمالات وكانت تجري بين أدباء عصره ومصره وبينه المحاورات والمطارحات وفي آخر أمره ترك تعاطي أمور الأحكام ولازم ما لا يدمنه وله شعر مقبول رأيت أكثره فمن ذلك قوله لما أصاب حلب من الزلزال ما أصاب
سنا نور سر الذات أشرق في الحشا ... فزال بذاك النور عن طرفي الغشا
وشاهدت إن لا شيء دون وصالها ... وأيقنت فضل الله يؤتيه من يشا
ونزهت طرفي في رياض جمالها ... فعاد برياً نشرها القلب منعشا
فحيا شذاها ميت قلبي وحبها ... تملك أحشائي وفي اللب عرشا
ومذ علمت إني أسير بحبها ... فجادت بما أبغيه منها وما أشا
وبت بنادي القرب أرشف ثغرها ... فأصبحت نشواناً وسري قد فشا
وذاع لدى العشاق أمري وإنني ... خلعت عذاري واسترحت من الوشا
وبادرت نحو ألحان من فرط شوقها ... أنادي أيا خمار كن لي منعشا
فجاء بها عذراء بكراً قديمة ... وقال لي افضض ختمها كيفما تشا
تعاطيتها صرفاً ومزجاً مشاهداً ... بها كشف أسرار لعقلي أدهشا
عرفت فلما أن أفقت سمعت من ... فؤادي مناد عج من داخل الحشا
أيا مفزع الجاني وأكرم شافع ... وأعظم مبعوث وأشرف من مشا
اليك أتينا والتجأنا فنجنا ... من الخطب والأهوال فالرعب قد غشا
فأمن بحق الحق قلبي لأنه ... من الخسف والزلزال قد خاف واختشى
عليه وأسبل ذيل أمنك وأكفه ... بجاهك عند الله في الصبح والعشا(3/173)
وله وقد أخذ المعنى ... من شعر فارسي وعربه
في المرء إن لم يكن شيء يميزه ... عن جنسه بذكاء الفهم والأدب
كما إذا لم تكن في العود رائحة ... لكان لا فرق بين العود والحطب
وله مضمناً
وما كل ذي رأي مصيب برأيه ... ولا كل راء في الحقيقة باصر
لعمري ما الأبصار تنفع أهلها ... إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وله
وشادن قلت له ... دعني أقبل شفتك
فقال لي كم مرة ... قبلتها ما شفتك
وله مخمساً أبيات الامام الشافعي رضي الله عنه
مذ مقلتي كشفت لها أستاره ... وتلألأت بجوانحي أنواره
طرفي بكى فحكى الحيا مدراره ... قالوا أتبكي من بقلبك داره
جهل العواذل داره بجميعي
فأنا المقيم بخانه وبديره ... تملا أجول بفضله وبخيره
وأقول للاحي المجد بسيره ... لم أبكه لكن لرؤية غيره
طهرت أجفاني بفيض دموعي
وله مشطراً
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ... قد شنفوا فيه الحسان وقرطوا
فتراه كلل كل غصن يانع ... رطب يصافحه النسيم فيسقط
والورق تقرأ والغدير صحائف ... والروض يستملي الحديث ويضبط
والظل قد مد المداد يراعه ... والريح يرقم والغمام ينقط
وله في كتاب الشفاء الشريف
دع الدواء وداوي بالشفاء إذا ... أعيى العليل عضال الداء من ألم
فإنه برء ك المعضلات بلا ... شك وفيه زوال البؤس والسقم
وله في النعل الشريف
لنعل خير البرايا ... على الرؤس ارتفاع
بحمله الرأس يبرا ... إن اعتراه الصداع
وله مشطراً(3/174)
إذا كانت الأعراب تخفر ذمة ... وتحمي أناساً مال عنها نصيرها
وتسمح عن ذنب ولو أوجب القلا ... وتصفح غمن أمها يستجيرها
فكيف ومن في كفه سبح الحصا ... شفيع ذوي الآثام وهو بشيرها
فحاشى عريض الجاه في موقف الجزا ... يخيب بني الآمال وهو غفيرها
وله مشطراً أيضاً
اشرب على نغمة الدولاب كأس طلا ... تمحو الذنوب بهذا جاءنا الخبر
فرضا غدا شربها يا صاح حين بدا ... يسعى بها شادن في طرفه حور
وامدح فديتك ما بالراح من ملح ... فبعض حكمتها الأشخاص والصور
بادر إلى حانها واشرب بلا جزع ... وما عليك إذا لم تفهم البقر
وله مشطراً
ولي عصا من جريد النخل أحملها ... براحتي وهي عون لي على هرمي
وراحتي هي في سيري ومعتمدي ... بها أقدم في نقل الخطا قدمي
ولي مأرب أخرى أن أهش بها ... على جيوش هموم قصرت هممي
ومقصدي الهش في القول الأصح بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي
وله
يا من علا متن البراق ... ورقى وأتحف بالتلاق
قد صح سار بجسمه ... وسما إلى السبع الطباق
سهل أمور معاشنا ... فالصبر مر في المذاق
وأجبر كسير قلوبنا ... فضلاً فقد ضاق الخناق
ثم الصلاة على الذي ... لما أتانا الوقت راق
ومحا بنور جماله ... ظلم الضلالة والشقاق
وله مشطراً
قدر الله أن أكون غريباً ... بين قوم أغدو مضاعاً لديها
ورمتني الأقدار بعد دمشق ... في بلاد أساق كرهاً إليها
وبقلبي مخدرات معان ... حين تبدو وتختال عجباً وتيها
صرت إن رمت كشفها فأراها ... نزلت آية الحجاب عليها
وله في حلب
شهبا العواصم لا تخفى محاسنها ... فالله يكلؤها من كل ذي عوج
يمم حمى حلب تلقي السرور على ... جبين أبنائها النير البهج(3/175)
فعج ولج وتأمل بلدة شملت ... باب الجنان وباب النصر والفرج
وللفاضل الرئيس يوسف بن حسين الحسيني الدمشقي نقيب الأشراف بحلب ومفتيها ما يقرب من ذلك وهو قوله
قل لمن رام النوى عن بلدة ... ضاق فيها ذرعه من حرج
علل القلب بسكنى حلب ... إن في الشهباء باب الفرج
وللمترجم مخمساً
زاد في الصد للشجي المعنى ... وأذاب الفؤاد ظلماً وأضنى
قلت مذ ماس معجباً يتثنى ... أيها المعرض الذي صد عنا
بجفا لا يرى له أسباب
أضبح القلب من جفاك كليماً ... وصبوراً متيماً مستقيما
عاتباً سوء حظه وعليماً ... رح معافى من العتاب سليما
فعلى الحظ لا عليك العتاب
وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر بن دلاور
عمر بن دلاور الحنفي القسطنطيني رئيس الكتاب في الديوان السلطاني العثماني وأحد الرؤساء بين أرباب الأقلام والكمالات ولد بقسطنطينية وأخذ الخط عن الأستاذ عبد الله يدي قلي المشهور يدي قله لي وأتقن صناعته ومهر بأنواعه واشتهر بحسن الخط ولازم مجالس الكتاب وكتب المناشير السلطانية ومهر بالأدب والأنشاء وصار أحد رؤساء الكتاب في الدولة المعروفين بالخوجكان وولي بعض المناصب كالروزنامة الصغير وغيرها وترقى حتى صار رئيس الكتاب واشتهر بين أقرانه وكان حسن الخصال منشياً أديباً معتبراً موقراً ومن آثاره تذييل كتاب حديقة الوزراء للأديب أحمد حديقة الوزراء لأحمد تائب وذيلها للمترجم وذيل الذيل لسعيد ثم لأحمد جاويد ثم لرفعت وكانت وفاته في ذي القعدة سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن خارج طوب قبي قبو أحد أبواب قسطنطينية.
عمر بن شاهين
عمر بن شاهين الحنفي الحلبي الفاضل المتقن الضابط المقري كان والده جندياً ولد بحلب سنة سبع ومائة وألف بعد وفاة والده بخمسة أشهر وهو شريف لأمه قرأ القرآن العظيم ولما بلغ من السن عشر سنين قرأ على المقري الشهير عامر المصري نزيل المدرسة الحلاوية من أول القرآن العظيم إلى آخر سورة إبراهيم(3/176)
عليه السلام ثم توفي الشيخ المذكور فقرأ على عمر المصري شيخ القراء ختماً كاملاً بالتحقيق والتجويد ثم شرع في حفظ القرآن العظيم على الشيخ المذكور في تلك السنة فحفظه في مدة قليلة والتزم الشيخ المذكور فصار يصحبه مراراً ويتدارس معه ويعلمه كيفية القراءة بالألحان مع مراعاة التجويد ثم قرأ الأجرومية وحصة من شرح القطر على الامام عبد الرحمن ابن محمد العاري ثم قرأ على عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وقرأ الفقه على الفاضل المعمر قاسم النجار وحضر دروس محمود بن عبد الله الأنطاكي في التفسير من أول سورة الأنفال إلى آخر سورة الفرقان ولم يفته شيء وسمع على المذكور غالب الجامع الصحيح بالمدرسة المذكورة وكتب بخطه شرح السفيري على بعض أحاديث من الصحيح وقرأه على المتقن حسن الطباخ وقرأ السيرة الحلبية على أحمد الشراباتي وكتب بخطه الهدى للعالم أبي الوفا العرضي وطالعه مع الشيخ العارف محمد صلاح وقرأ الكثير وفي سنة ست وأربعين بعد المائة كتب حرز الأماني وعرضها بعد حفظها على الماهر المقري محمد بن مصطفى البصيري وقرأ عليه القرآن العظيم من طريقها جمعاً وافراداً لكل راو ختمة في مدة ستة أشهر وأجازه الشيخ المذكور بالقراءة والاقراء وشهد له بالأهلية ثم في سنة ثمان وأربعين وجهت له وظيفة امامة الصلوات الجهرية بجامع الوزير عثمان الكائن بحلب المشهور بالرضائية فباشرها مع بعد داره عن الجامع المذكور وطلب منه محمود الأنطاكي المدرس المذكور أن يقرأ القرآن العظيم في صلوات الصبح على التأليف الشريف ليسمع العوام الذين لا يقرأون القرآن جميع القرآن العظيم وأن يكون كل ختم لراو من رواة الأئمة السبعة وقال كذا سمعت الأئمة في الحرمين الشريفين يقرأون في الصلوات وفيه نفع وفائدة فشرع صاحب الترجمة يقرأ في صلاة الصبح كما طلب المدرس المذكور فكان يقرأ في كل سنة ختمين ونصف ختمة أو أقل من ذلك ويهرع بضم الياء إليه الناس في صلاة الصبح من محلات بعيدة من الجامع لحسن صوته وقراءته وطيب ألحانه مع مراعاة الأحكام وأتقن كثير من المصلين قراءتهم من السماع وصار لذلك نفع عظيم وأقتدي بذلك جماعة من أئمة الجوامع فصاروا يقرؤن القرآن العظيم في صلاة الصبح على التأليف الشريف ثم إنه بعد صلاة الصبح يجلس في حجرته يقري القرآن العظيم لمن يريد القراءة ولا يرد أحداً سواء كان من أهل البلدة أو من الغرباء ويحصل له المشقة العظيمة في تعليمه الأتراك وتعديل ألسنتهم في مخارج الحروف والنطق بها ويزدحمون على الأخذ عنه لأنه يقرر لهم باللغة التركية ما يفهمونه فلذلك كثر الآخذون عنه من الأتراك وغيرهم فلا تخلو بلدة من بلاد الروم من تلميذ له أو تلميذين(3/177)
أو ثلاثة وفي سنة احدى وستين وجه له الوزير إسمعيل كافل حلب خطابة جامعه الذي أنشأه بمحلة ساحة بزه بعشرين عثمانياً ثم انحطت بعد موت الوزير المشار إليه إلى ثمانية عثامنة واستمر صاحب الترجمة يباشر امامة جامع الرضائية على الوجه المشروح إلى سنة خمس وسبعين فاعتراه الضعف الطبيعي والعجز عن المجئ إلى الجامع فوكل وكيلاً وانقطع في بيته يتلو كتاب الله تعالى ويقري من شاء أن يقرأ لا يغلق دون مستفيد باباً ولا يخرج إلا لي الصلاة في المسجد المجاور لبيته بمحلة قسطل الأكراد وقد امتدحه تلميذه الأديب أحمد الوراق الحلبي بقوله
دع عنك ذكر مهلب والطائي ... وأنزل بساحة مصقع الخطباء
ذي الفضل والجود اللذين عليهما ... دارت رحى المعروف والأسداء
من لم يزل يندي سحاب نواله ... يروى الظماة فما روا الوطفاء
والجهبذ الفرد الذي بعلومه ... ساد الرواة بسائر الأرجاء
وأمام من يتلو القرآن مرتلاً ... بفصيح نطق عز من تلاء
فكأن جل الله باري خلقه ... سواه من لطف الهوى والماء
وحباه كل مزية يختارها ... وأقامه علماً على الأهداء
حتى غدا وكأنه علم به ... نار أضاءت في دجى الظلماء
لا بل هو الشمس التي بضيائها ... ملأت فيا في حلقة الغبراء
أفديك يا من فيه أحجمت القرا ... ئح أن تخيل بعض وصف ثناء
ومكملاً يستعبد الأحرار بال ... انعام والاعطاء والاسداء
فأنا هو العبد الذي ما رق يو ... ماً للعتاق ولا انتمى لسواء
فأسلم ودم لي ما نحى ما ارتجى ... وابق المرجي في بني الشهباء
وكانت وفاة المترجم بحلب سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف.
عمر الطرابلسي
عمر بن عبد الحي الحنفي الطرابلسي نزيل قسطنطينية كان ذا فهم ثاقب ورأى صائب كثير الفنون حتى في المجون والمداعبة تفقه في بلدته طرابلس الشام على كبار علمائها وذهب إلى الديار الرومية فأدرك المراد والأمنية وسلك طريق الموالي بها وكان فاضلاً له شرح على الأربعين النووية سماه الدرر السنية له فيه عبارات رقيقة ولطائف اشارات دقيقة ثم إنه توجه لوطنه متقلداً قضاء بلدته طرابلس ثم إنه بعد تمام حكومته وافق عزله موته وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.(3/178)
عمر البغدادي
عمر بن عبد الجليل بن محمد جميل بن درويش بن عبد المحسن الحنفي البغدادي القادري نزيل دمشق العالم العلامة الفهامة المتفوق الفاضل العارف الصوفي الكامل الصالح المؤلف المحرر المحشي الفقيه المفسر كان حسن الأخلاق طيب السلوك عارفاً مجيداً حسن التقرير والافادة محققاً مدققاً صافي المشرب معتقداً عند الخاص والعام حسن الملقى له احترام بين الناس وتبجيل ولد في بغداد سنة خمس وخمسين ومائة وألف ونشأ في كنف والده وقرأ عليه وكان والده صالحاً تقياً متعبداً فقيهاً مشهوراً بين أبناء بلدته بالصلاح والعبادة ثم قرأ على الشيخ محمد بن طه البغدادي وعلى الشيخ عبد الرحمن السراجي الحنفي والشيخ محمد الكردي والشيخ محمد الحنفي البغدادي ابن العشي وعلى العالم الشيخ حيدر الكردي ثم البغدادي وعلى والده العلامة الكبير الشيخ صبغة الله الكردي الشافعي وعلى تلميذه الشيخ أحمد كاتب والي بغداد وكان من العلماء وبرع وظهرت شمس فضله بازغة منيرة وحقق ودقق وتسنم ذرى الفضائل وأحرز قصب السبق في مضمارها ومهر واجتاز من العلوم ما اجتاز وحاز من المعارف ما حاز وأينع روضه وراق حوضه وسطع هلاله وظهر فضله وكماله فألوى لدمشق العنان وطوى مشقة الأسفار وألقى بها عصا التسيار واستوطنها وتزوج بها ابن الشيخ حسن البغدادي المقدم ذكره سكن في داره ومكانه الكائن لصيق مقام سيدي زين العابدين رضي الله عنه داخل مشهد المحيا بالجامع واستقام على الافادة والاقراء والتحرير وايضاح المشكلات وحل العبارات وألف وصنف فمن تآليفه شرح القدوري بالفقه وحاشية على المغنى في النحو وحاشية شرح النونية في علم الكلام للخيالي وشرح الصلوات المحمدية للشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره وقبل وفاته ألف حاشية على حاشية العلامة علي بن سلطان محمد القاري المكي المسماة بالجمالين على الجلالين وسماها بالكمالين وصل فيها إلى قوله تعالى في أوائل سورة آل عمران يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فجاءت في نحو ثلاثين كراسة فتوفي ولم يكملها ومن تآليفه حاشية على رسالة وحدة الوجود ورسالة في الأعلام بالتكبير ورسالة في الأضحية ورسالة في معنى لا إله إلا الله وحاشية في الاستعارات جعلها محاكمات بين العصام والملوى ورسالة صغيرة في توحيد الأفعال وبيان معنى الكسب ورسالة في مسئلتين لغويتين وقعتا في القاموس الأولى في قولهم السرور توقيع جائز والثانية(3/179)
في بيان العشر في ظمأ الابل هو اليوم التاسع أو الثامن انظر الأوقيانوس وغير ذلك من حواش وتعليقات على هوامش الكتب تتضمن حل اشكالات ودقائق عويصات وكان له شعر قليل متوسط وأما تآليفه فجرى فيها مجرى التحقيق والتدقيق وانتفع به الطلبة وكان له جماعة ملازمون لدروسه ولا تبطل القراءة عنده في جميع أيام الأسبوع فيقرئ الدروس في سائر الفنون من العلوم خاصة وعامة حديثاً وتفسيراً وكلاماً وفقهاً ونحواً وتصوفاً وأدباً ومعاني وبيان وغير ذلك ومع هذا كانت له يد طولى في علم الحقيقة حتى إنه كان يقرئ الفتوحات المكية وشراح فصوص الحكم وغير ذلك من كتب الحقيقة وكان يقيم الذكر ليلة الثلاثاء وليلة الجمعة وكان يحصل له في حال الذكر وجد وهيمان وكان له ولوع في الذكر وشغف وفي آخر أمره حصل له اقبال تام من الوزراء والقضاة والحكام وسائر الخاص والعام واشتهر صيته في البلاد وأقبلت عليه الناس وحصل له اجلال وتوقير زائد خصوصاً من الوفاد وفاد كرمان جمع وافد لدمشق واعتقدته لعالم وحج إلى بيت الله الحرام مرتين وملك كتباً نفيسة وكانت تجله أهالي دمشق وغيرها ويعتقدونه ويتبركون به ومع هذا فلم يتول وظيفة ولا العثماني نعم الرجل الفرد وصار له اشتهار عظيم فاق به وسما شأنه مع انطراح منه واستقامة وفضل باهر ولم يزل على حالته واستقامته إلى أن مات وذوي ذوي كرمى غصن عمره قبل نموه وافل بدره قبل اكتماله وكان مرضه ثمانية عشر يوماً وكانت وفاته ليلة الخميس عند طلوع الفجر لعشرين من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن يوم الخميس في الصالحية بمقبرة بني الزكي الكائنة لصيق مرقد سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره بوصية منه وأوصى أيضاً أن لا يعلم له في المنائر وأن يقال عند الصلاة عليه الصلاة على العبد الحقير المفتقر إلى رحمة مولاه فلان من غير أن ينوه به ففعل كما أوصى عند الصلاة
عليه بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها
ما خلت إن عقود الشمل تنتثر ... وإن صدع فؤادي ليس ينجبر
وأفيض دمعاه وأحزناه وا أسفا ... طالت شجون وعز اليوم مصطبر
يا كوكباً أفلت أنوار طلعته ... فأظلمت بعدها الآصال والبكر
قد كان وقتك مجلى للسرور كما ... قد كنت مورد صفو ما به كدر
جاشت لفقدك أحزاني وثورتها ... واعتادني المقمان الفكر والسهر
كحلت بالسهد عيناً كان أثمدها ... مرآك إذ كان يجلي وجهك النضر
ونالني خطبك المردى بداهية ... دهياء يعجز عن أعبائها البشر(3/180)
فالعين بعدك عبري والفؤاد شج ... والنفس حسرى ونار الوجد تستعر
أزمعت للقدس ترحالاً فكان إلى ... حظيرة القدس حقاً ذلك السفر
يشير بهذا البيت إلى أن الشيخ المترجم كان قبل وفاته عازماً على زيارة بيت المقدس فعاقته المنية عن نيل هذه الأمنية فلذلك ذكر الراثي ذلك ثم قال
لئن غدوت عن الأبصار مرتحلاً ... فإن مأواك مني القلب والفكر
8 - آسى عليك على علمي بأنك في ... دار الكرامة لا بأس ولا ضرر
لكنما جذبات الطبع تغلبني ... على الأسى فيكاد القلب ينفطر
يا روضة أينعت بالفضل ثم ذوت ... أفنانها قبل أن يستكمل الثمر
لم يبلغ السن منك الأربعين وقد ... سارت علومك في الأقطار تنتشر
مصنفات وتحقيقات أسئلة ... من العلوم لها الألباب تنبهر
كم قد كشفت قناعاً عن غوامض في ... فهم النحارير عن إدراكها قصر
هذي مآثرك الحسنى مخلدة ... والعين إن فقدت لا يفقد الأثر
منها
أبكيك ما طلعت شمس وما غربت ... وأسود جنح ظلام وانجلى سحر
أبكيك ما نحبتك الصحف حين جرى ... في وجنة الطرس دمع النقس ينحدر
أبكيك ما صرّت الأقلام شاكية ... إلام فقدك والمقدور مستطر
أقمت مأتم أحزاني وسرت إلى ... أفراح دار نعيم ليس يندثر
وجئت مولاك مشتاقاً إليه ويا ... طوبى لمن سره من ريه النظر
فأهنأ بعيشك في أكناف ربك لا ... خوف عليك لديه لا ولا حذر
سقتك من صيب الرضوان وأدقة ... ينهل شؤبوبها والعفو ينهمر
ما قال داعي الرضى فيما يؤرخه ... دار النعيم لعمري قد حوى عمر
عمر الأرمنازي
عمر بن عبد القادر الشافعي الأرمنازي الأصل الحلبي المولد المقري الفرضي العالم العامل الفاضل الكامل ولد بحلب في سنة خمس ومائة وألف وكان والده ورعاً صالحاً وخطيباً واماماً بجامع قسطل الحرامي بحلب فنشأ والده المترجم وقرأ القرآن على والده وقرأ الفقه والنحو وعلم الفرائض علي جابر ابن أحمد الحوراني وعبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وبرع في ذلك وقرأ علم المقيات علي مصطفى بن منصور الطبيب وأخذ الحديث عن محمد بن عقيلة المكي حين قدومه إلى حلب وأخذ العربية والصرف والمعاني والبيان والأصول على عدة شيوخ وكان رأساً في كتابة الوثائق(3/181)
الشرعية بحيث إن شهود المحاكم عادوه لذلك وراموا منعه مراراً فلم يقدروا إلى أن قدم الفاضل الأديب حسين بن أحمد الشهير بالوهبي غالبا بو قاضي سرور ينك ممدوحي أولان شاعر وهبينك بدري ياخود جدي اولمليدر الرومي قاضياً لحلب فوصل إليه وثيقة ابراء بين ذميين بكتابة المترجم فلما رآها القاضي قال ما أبقى هذا الكتاب حيثية للمحكمة فوجد الكتاب فرصة ووشوا به إلى القاضي وقالوا إنه قد سد أبواب المحاكم وتعطل حالنا فأحضره القاضي وهدده بعد التوبيخ التام بقطع أصابعه إن كتب مرة اخرى وثيقة لأحد فحلف له على ذلك ثم قال للقاضي يا سيدي أرجو من فضلكم أن تأمروا بتحرير تاريخ هذا التنبيه علي في السجل المحفوظ ربما تقفوا على وثيقة مقدمة فيصبر معلومكم انها كتبت قبل أمركم بمنعى وإلا فتذهب أصابعي ظلماً فضحك القاضي وأعجبه وأمر له بالجلوس وهش له وبش وقال له يا شيخ أنت تحرم نفسك قوجه قاضي بابا وتحرمنا المحصول فلو أخذت كثيراً كان أنفع لك ثم أسر إليه أن أضرب بكلامي الحائط وأكتب ما شئت وخذ كثيراً ولا عليك من هؤلاء الجهلة يعني الكتاب فخرج من عنده وامتنع من كتابة الوثائق ولم يغتر بكلام القاضي لأنه كان يتلون كالحرباء كاتب ذوقه بي يوتمامش ثم إن صاحب الترجمة حفظ القرآن العظيم قبل وفاته بعامين أو ثلاثة وحفظ الشاطبية على الأستاذ محمد بن مصطفى البصيري ثم شرح الشاطبية شرحاً مختصر أسماه الاشارات العمرية في حل رموز الشاطبية لكن أعجلته المنية عن اتمامه وتبييضه فبعد وفاته أتمه وبيضه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية وهو شرح لطيف نافع للمبتدي ولأستحضار المنتهى وجرت للمترجم محنة عظيمة قبل وفاته وكانت سبباً لمرضه الذي مات فيه وذلك إنه لما كان سنة سبع وأربعين بعد المائة صار بحلب غلاء وقلت الأقوات فتحركت العامة والرعاع يوماً لينهبوا الخبز من الأفران فصادفوا خليل المرادي دائراً على الأفران يقبض ثمن الطحين ورأوا معه دراهم كثيرة فطمعوا في أخذها ولحقوه فساق دابته فأدركوه عند جامع قسطل الحرامي فنزل ورام الدخول للجامع المزبور ليحتمي به فمنعه المؤذن والقيم وغيرهما وكان صاحب الترجمة أمرهم بمنعه خوفاً أن يقتل في الجامع وأغلقوا باب الجامع في وجهه ففر نحو البرية فأدركوه هناك وقتلوه ولم يعلم له قاتل وفي تلك الغضون قدم إلى حلب كافلاً وحاكماً الوزير أحمد بن برهان الشهير بالبولاد فاشتكى أولاد خليل المذكور على أهل المحلة عموماً وعلى صاحب الترجمة والمؤذن والقيم خصوصاً فاختفى صاحب الترجمة عند بعنس أصحابه مدة والطلب بالتفحص الشديد عليه إلى أن قضيت القضية وأخذ المذكور جريمة كثيرة يشبه هذا الأمر بواقعة الحريق بحارة الباطلية وانطفت نار الظلم بأخذ(3/182)
الدراهم وتفصيل الأمر في صحيفة 8 من الجزء الثاني من الخطط فشباك القدر متنوعة من أهل المحلة فظهر المترجم لكن أثر فيه الرعب بحيث إنه كان يمرض مدة ويبرأ مدة حتى دنا أجله وكانت وفاته في أوائل شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بمقبرة جب النور رحمه الله تعالى.
عمر الجوهري
عمر بن علاء الدين المعروف بالجوهري الحنفي النابلسي الشيخ الفاضل الفقيه ولد في سنة خمس ومائة وألف وحفظ القرآن وجوده على عم أبيه الشيخ شمس الدين الخماش واشتغل بطلب العلم وتفقه على عمه الشيخ عبد الله الجوهري ثم لازم الشيخ عبد الله الشرابي وانتفع به وقدم دمشق وقرأ بها علي صالح بن إبراهيم الجينيني وأحمد بن علي المنيني وعلي بن أحمد كزبر وحضر دروس إسمعيل بن محمد العجلوني وأخذ عنه وروى البخاري عن محمد المكي المعروف بعقيلة قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى كتاب الحج وأخذ الطريقة الشاذلية عن عمه الشيخ عبد الله المذكور وجمع بين العلم والصلاح وكان كثير الأعتنا بتلاوة القرآن لا تجده غافلاً عنه وكانت وفاته في شوال سنة احدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر السكري
عمر بن علي الشهير بابن السكري الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الفقيه المبارك كان ينظم الشعر وعنده سلامة الصدر قرأ في الفقه وطرفاً من النحو والعقائد وكان فقيراً ومرض ولم ينقطع في داره غير ثلاثة أيام ومات وكانت وفاته في يوم الأثنين خامس صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بسفح جبل قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
عمر السمهودي
عمر بن علي السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الأديب العالم الكامل البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن الشيخ أبي الطاهر ابن المنلا إبراهيم الكوراني وعن أحمد أفندي المدرس وغيرهما وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد النبوي وكان فاضلاً أديباً له مشاركة في كثير من العلوم ذا شهامة عظيمة وعقل زائد وحرمة وافرة بليغاً متقناً فصيحاً وألف خطباً أنشأها بديعة في بابها وله نظم نثر وفضائل كثيرة ضربنا ضربنا عرضنا عن ذكرها خوف التطويل(3/183)
وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر الظاهر الزيداني
عمر بن صالح الملقب بالظاهر الصفدي الزيداني حاكم مدينة عكا وشيخ شيوخ البلاد الصفدية صاحب المواقع الشهيرة الخارج عن طاعة الدولة العثمانية مولده بصفد سنة ست ومائة وألف ومن غريب الاتفاق إن هذا التاريخ أعنى تاريخ مولده موافق لعدد لقبه ظاهر بوضاهر طاهر اولميوب ظاهر ايمش ظاهره ضاهر ديملري ايسه مصرده ظاهرية قريه سنه ضهريه ديملري كببدركه بانيسنك ترجمه سي خططده در وكان والده وجده وأعمامه حكاماً بصفد وعكا ويعرفون ببني زيدان وهم حمولة كبيرة لكن صاحب الترجمة نبغ نبغة ما سبقه إليها أحد من عشيرته واشتهر في أواخر أمره وطار صيته بالبغي والتعدي على هاتيك الديار هو وأولاده صليبي وعلى المقتولين صليبي مشكونة بصيغة التصغير والمقتولين بشكل التثنية وعثمان الشاعر وأحمد وكان الوزير الكبير سليمان باشا العظمي جهز عليه عسكراً وركب عليه بعد أن قبض على أخيه مصطفى الزيداني وشنقه بدمشق فلما وصل الوزير المرقوم إلى قرب عكا بقصد حصاره رشا عليه بعض أتباعه فأدخل عليه السم في طعامه فمات وجئ به إلى دمشق ميتاً شهيداً وبلغ من تجرى صاحب الترجمة إنه أركب آخر أمره مع أبي الذهب أولاده وعساكره لأخذ دمشق من الدولة العثمانية في أمور يطول شرحها ولم يتم الأمر على مراده ورجعت صفقته خاسرة وكان قتله في سنة تسعين ومائة وألف عن يد الوزير حسن باشا القبو دان رئيس السفن السلطانية واندثرت دولتهم ولم يبق لهم أثر استطراد سنة تسع وثمانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمرا والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعداداً عظيماً في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجنجانة والمدافع والفنابر والمدفع الكبير المسمى بابومايله الذي كان سبكه في العام الماضي وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان وإسماعيل بك نابع إسماعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر إبراهيم بك وجعله عوضاً عنه في امارة مصر وإسماعيل بك وباقي الأمرا والباشا الذي(3/184)
بالقلعة تنديسه صفت وهو مصطفى باشا النابلسي وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقلية أوجاقلي ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جهة غزة وارتجت البلاد لعدوده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم أيضاً عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليال فكانوا يصعدون إلى أعلا الصور ويسبون المصريين وأميرهم سباً قبيحاً فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أصوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير زنجيرلر وسبوا النسا والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤس القتلى عدة صوامع وجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة الرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالباً عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هارباً وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالاً مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمر بالزينة فنودي بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات دوننموشنلك ديمك ايستر وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فأذاهم مبلسون وذلك إنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية وأذعن الجميع لطاعته وقد كان أرسل إسماعيل أغا أخو علي بك الغزاوي إلى اسلامبول يطلب أمر مصر والشام وأرسل صحبته أموالاً وهدايا فأجيب إلى ذلك
وأعطوه التقاليد والخلع واليرق والداقم لعله بيرق وطاقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحاً وحم بدنه في الحال فأقام محموماً ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني ووافا خبر موته إسماعيل أغا عند ما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمر أو الأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا(3/185)
متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وإنه يريد تقليدهم المناصب والأحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بإرسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنونهم ويطلبون احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي مرض فيها وأكثر لا يعلم بمرضه ولا يدخل عليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث إنه منحرف المزاج فلما كان في صبح الليلة التي بات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزينة في حركة ثم زاد الحال وجرد وأعلى بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي أردو وحضر مراد بك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفاً من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم لما تحقق عندهم إن هم دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا طالبين الديار المصرية فوصلوا في ستة عشر يوماً ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرادوا دفنه بالقرافة وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الجامع الأزهر فحفروا له قبراً في الليوان الصغير الشرقي وبنوه في الليل ولما أصبح النهار عملوا له مشهداً وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى أمامه المشايخ والعلما والأمرا وجميع الأحزاب والأوراد وأولاد المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود ستراً على رايحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ليال وحتمات وقراآت وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعون يوماً واستقر أتباعه أمرا مصر ورئيسهم إبراهيم بك ومراد بك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بك وأحمد بك الكلارجي ومصطفى بك الكبير وأيوب بك الكبير وذو الفقار بك ومحمد بك طوبال ورضوان بك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي المحتسب وأيوب بك الصغير وقاسم بك الصغير وعثمان بك الشرقاوي ومراد بك الصغير وسليم بك أبو ديار ولاجين بك وسيأتي ذكر أخبارهم انتهى ما نقلناه من عجائب الآثار بحروفه وقوصون محلة بمصر كما هو مذكور في كتاب المواعظ بمناسبة اصطبل الأمير قوصون وقد سماها عباس(3/186)
باشا حفيد محمد علي باشا المشهور صاحب المجد الحلمية حينما بنى الدار هناك الأنيقة وعباس باشا هذا أدركه الأجل في بنها العسل ثم حمل على العجلة وأدخل نعشه ليلاً إلى داره في العباسية التي كان اسمها الحصوة فغسلوه وحملوه إلى قبره بالقرافة بمجامر العود والعنبر وكانت وفاته خارج مصر مثل محمد بك أبي الذهب رحمهم الله تعالى.
عمر السفرجلاني
عمر بن إبراهيم بن عبد الكريم أبي بكر السفرجلاني الدمشقي الشافعي أحد التجار المشاهير بدمشق وأصحاب الثروة كان ذا وجاهة ومال زائد وله يد طائلة في فعل الخيرات ومسارعة إلى صنائع المعروف والمبرات بنى في دمشق أربعة مساجد أحدها بمحلة القنوات وبنى له منارة والثلاثة بقرب داره اثنان منهما لهما منارة ورتب لهذه المساجد وظائف وشعائر وربعات من القرآن العظيم تقرأ كل يوم وكان مشهوراً بفعل الخير وكانت وفاته سابع عشر شعبان سنة اثني عشر ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وأعقب من المذكور تسعة بنين ومن الاناث ثلاث عشرة بنتاً ومن النقود خمساً وستين وألف قرش ما عدا العقارات والبضاعات والأملاك رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عمر الكيلاني
عمر بن ياسين بن عبد الرزاق بن شرف الدين بن أحمد بن علي القادري المعروف كأسلافه بالكيلاني الحموي الشافعي السيد الشريف كان موقراً معتبراً مبجلاً صاحب حال وقال ممدوح الخصال تعلوه هيبة الصلاح ووقار التقوى سخي الطبع محمود الحركات والسكنات صدراً من الصدور وهيكلاً متهللاً بالبهجة والنور ولد بحماة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده ثم في سنة ثلاث وأربعين قدم مع والده وابن عمه الشيخ عبد القادر وأولادهم وعيالهم لدمشق مهاجرين إليها ثم سافر صاحب الترجمة بعد وفاة والده بدمشق وساح فدخل بغداد والرقة وحلب مراراً وجلس على سجادة مشيختهم واستقام على أحسن سيرة وعمر داراً بدمشق في محلة القباقبية العتيقة كانت أولاً لبني عبادة وصرف في عمارتها أموالاً جمه وسافر من دمشق قبل اتمامها إلى جهة الروم بخصوص فقرأ أهل بلدة حماة لدفع مظلمة كانت عليهم فنال مطلوبه فوق مرامه وذلك في زمن السلطان الغازي مصطفى خان وحصل من الدولة إكرام واحترام ثم في آخر أمره(3/187)
توطن مدينة حلب وترك بلدته حماة لتغلب حكامها وتخالف الأحوال عليه وتوفي بحلب في ثاني عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارجها في تربة الصالحية بالقرب من الشيخ الدباس رحمه الله تعالى.
عمر السيري
عمر السيري الطرابلسي الحنفي الشيخ الفاضل العالم الصدر المحتشم ترجمه بعض الفضلاء فقال في حقه همام ذو فهم ثاقب في المعارف والمناقب وانشاء عجيب في المحاولة لكل أمر غريب تميل إليه الناس رعاعهم والأكياس في نجاح مقاصدهم وبلوغ حوائجهم ولم يزل في الناس كذلك سالكاً أحسن المسالك إلى أن تقلد بسيف القضا وقطع به ما كان به مرتضى فانقطع حبله وفل وصله أي أفلس ودارت عليه الدوائر إلى أن زار المقابر ولقد أطلعت له على نميقة تؤذن بحرية ألفاظه الرقيقة وعلو رتبة منشيها على أرائك معاليها انتهى وكان له فضل غزير وأدب غض وصار أحد أعيان طرابلس وصدورها وكانت وفاته بها سنة تسع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر الأفيوني
عمر بن محمد الطرابلسي الحنفي الشهير بالأفيوني وتقدم ذكر ولده عبد الله الشاعر المشهور الشيخ الفاضل البارع الكاتب الفقيه العالم النحرير ترجمه بعض فضلاء طرابلس فقال في حقه فقيه فاضل له فكر سائل إذا سأله سائل يملأ له الاناء من المسائل وله في رياض الفقه النعماني رياضه ومن حياضها استفاضه كان غالب كتبه بخطه مزينة بصحيح ضبطه انتهى وكان المترجم موصوفاً بالنبل مشهوراً بمعرفة المسائل الفقهية وغيرها أخذ عن جملة من الشيوخ كالشيخ عبد الله الخليلي وغيره وكانت وفاته بطرابلس سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
عمر بن محمد البصير المصري
عمر بن محمد البصير الشافعي المصري نزيل حلب المقري المتقن العارف باختلاف القراآت ووجوهها النحوي الكامل العالم العامل قدم حلب في سنة خمسة عشر ومائة وألف فاعتنى به الرجل الخبر مصطفى الكردي العمادي وأنزله(3/188)
في المسجد الذي تحت الساباط في أول زقاق بني الزهرا ويعرف قديماً بدرب الديلم بالقرب من داره فكان يقرئ القرآن العظيم في المسجد المذكور وكان حديث السن وقد جمع الله فيه المحاسن والكمالات انفرد بحسن الصوت والألحان الشائقة والعلم التام بتحقيق التجويد ومخارج الحروف والاتقان وسرعة استحضار عند جمع وجوه القراآت وطول النفس لكنه كان ضنيناً بتعليم القراآت السبع لم يقرئ أحداً بذلك وكل من طلب منه الاقراء بغير قراءة حفص يسوفه ويماطله ولا يقرء أخبر تلميذه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية قال حفظت عليه القرآن العظيم وسنى اثنا عشر سنة والتزمت خدمته وكنت أقيم أكثر أوقاتي عنده ويأخذني معه إلى القراآت وكنت أقوده إلى مكان يريده وكان يتفرس في النجابة وبعد القراءة يعلمني الألحان من رسالة كانت عنده ويعلمني كيفية الانتقال من نغم إلى نغم ويقول إن ذلك يلزم من كان إماماً وأنت ربما تصير اماماً وكان يعلمني كيفية قراءة التحقيق والترتيل والتدوير والحدر والوقف والابتدا ويباحثني في طول النفس لأنه كان يدرج ثلاث آيات أو أربعاً من الآيات المتوسطات في نفس واحد وكان يقرأ آية المداينة في ثلاثة أنفاس من غير إخلال في الحرف ولا في مده وكان يصلي التراويح إماماً بالمولى الرئيس طه بن طه الحلبي في الرواق الفوقاني من جامع البهرامية ويقرأ جزءاً من القرآن درجاً صحيحاً يقصر المد المنفصل والامام الراتب يصلي في القبلة الصلاة المتعارفة بين أئمة التراويح فكان يسبقه الامام بالوتر فقط وكان ذكياً متيقظاً أذكى من تلميذه الشيخ محمد الدمياطي قال وجرى لي معه مرة واقعة وذلك إني أتيت يوماً لأقرأ وكنت لم أحفظ ما تلقيته وألزمني بالقراءة ولم يكن ثم أحد غيري فأخرجت مصحفاً صغير الحجم فظهر له إني أقرأ عن ظهر قلبي فأصغى إلى هنيئة ثم وثب علي ورمى بنفسه علي وقبض على المصحف من يدي فارتعت وشرع يضربني ويقول يا خبيث تدلس علي وتغش نفسك فحلفت له إني لم أفعلها إلا هذه المرة فتركني حينئذ فلما سكن روعي قبلت يده وقلت له بحياتك من أين علمت إني أقرأ بالمصحف فقال سمعت صوتك يأتي من سقف المحل فعلمت إن في يدك شيئاً يمنع مجئ الصوت مواجهة ومرة أخرى كنت أذهب معه إلى دور بعض أحبابه وكان في الطريق بالوعة إذا وصلنا إليها أخبره بها فيتخطاها فبعد مدة سترت تلك البالوعة بالطوابق فلما مررت به من ذلك الطريق بعد مدة وصل إلى موضعها وتوقف ثم تخطى قلت له لم تخطيت قال أليس هنا بالوعة قلت بلى كانت ولكنها من مدة زالت انتهى قلت ومثل ذلك ما حكى عن أبي العلا المعري شرح السقط طبعناه إنه كان سافر مع رفيق له إلى جهة فمرا في طريقهما بشجرة فلما قربا(3/189)
منها قال له رفيقه إياك والشجرة أمامك فانحنى حتى تجاوزها فلما رجعا من ذلك الطريق أيضاً انحنى أبو العلا لما قرب من مكان الشجرة ورفيقه ينظر إليه ويحكي عن حذق أبي العلا المذكور إنه أنشده المنازي أبياتاً بالشام فقال له أنت أشعر من بالشام ثم اتفق اجتماعهما بالعراق بعد سبع سنين فأنشده المنازي أبياتاً أخر فقال له ومن بالعراق ومثله ما حكى عن داود الحكيم الأنطاكي صاحب التذكرة وغيرها إن رجلاً دخل عليه وقال له أي شيء يقوم مقام اللحم فقال البيض فغاب عنه سنة وجاءه فرآه منهمكاً في تركيب معجون وهو يجمع أجزاءه فقال له بأي شيء يقلي فقال بالسمن وحكايات حذقه كثيرة ذكره من ترجمه ثم إنه أعنى صاحب الترجمة في آخر عمره ترك الاقراء وخرج من ذلك المسجد واشترى له داراً بالقرب من المحلة الكبرى وكانت وفاته بحلب في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج ولم يعقب غير بنت وخلف مالاً كثيراً رحمه الله تعالى.
عمر الوحيد
عمر بن مصطفى بن مصطفى الملقب بالوحيد كما إن والده كان يلقب بالعاطف عاطف أفندي هذا له مكتبة في ميدان وفا وقد رأيت بصائر صاحب القاموس بها وهذه المكتبة محرومة عن نسج العنكبوت لوجود من يعتني بأمرها من بيت الواقف وأما مكتبة بشير أغا فعليها قفل عظيم مصون عن الفتح تحاكي مكتبة جامع شهزاده الحنفي القسطنطيني أحد أعيان الدولة ورؤسائها أرباب الشهرة والصولة الكاتب الماجد المحتشم المعتبر الرئيس النبيل الدين العمدة ولد بقسطنطينية دار السلطنة ونشأ بكنف والده وكان والده من رؤساء الدولة وأعيانها وسيجئ ذكره في محله وقرأ القرآن ودأب على التحصيل والكتابة والانشاء وحسن الخطوط فبرع ومهر وأتقن الخطوط ولازم الديوان العثماني وباشر كتابة المناشير والتواقيع السلطانية وولي المناصب الديوانية وعلت كلمته وتوقرت حرمته واتسعت دائرته ونمت ثروته ثم بعد توليته المناصب واستخدامه بأمور الدولة صار رئيس الجاويشيه ورئيس الكتاب خارجيه ناظري وأمين السقايين السلطانية وأمين الدفتر وطغرابي الدولة نشانجي طغراكش ومستوفيها الذي هو وكيل بيت المال المعبر عنه في الاصطلاح العثماني بالدفتري والدفتردار ماليه ناظري وكتخداي الوزير الأعظم مستشار وتكرر ذلك له واشتهر بين الناس ورجال الدولة بالأمانة والخير والديانة وشدة البأس وعدم المحاباة واعتمد عليه في الأمور وتمشيتها وصار المستشار في مهام الدولة(3/190)
والمستخدم بمناصبها واعتبره الوزراء واشتهر كما اشتهر أبوه ولم يزل في عزه وجاهه بين أقرانه وأشباهه حتى مات وكنت لما ارتحلت لدار السلطنة المذكورة قسطنطينية ودخلتها في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف اجتمعت بالمترجم وكان إذ ذاك رئيس الكتاب وجرى بيني وبينه محادثة وملاطفة ورأيت منه من التوقير والتعظيم ما لم أره من غيره وكانت بينه وبين والدي وجدي حقوق ومودة ذكرها إلي عند الاجتماع به ولما دخلت دار السلطنة ثانياً سنة سبع وتسعين ومائة وألف بلغني بعد دخولي إليها خبر ضعفه وتزايد مرضه وكنت عزمت على عيادته فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته وأنا بدار السلطنة في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى من السنة المرقومة وسيأتي ذكر والده مصطفى العاطف في محله رحمهما الله تعالى.
عمر الرجيحي
عمر بن مصطفى الشهير بالرجيحي الدمشقي الأديب الأريب الكاتب الماهر البارع كان لطيف الذات حسن السمات من الظرفاء الكمل المشاهير متقن النظم والنثر وهو من ذوي البيوت القديمة بدمشق ولهم أوقاف وشهرة ومن شعره قوله
وافى الربيع فحبذاك أو أن ... سرت به الأرواح والأبدان
وافى الحبيب لدوح روض نوره ... ما الدر ما الياقوت ما المرجان
فجرى القراح مبشراً بقدومه ... سلكاً سعت لنظامه الخلان
لما تفوه بالبشارة معلناً ... نشرت عليه حليها الأغصان
وقوله
البدر يعزي لحسن طلعته ... والغصن يحكي للين قامته
وللثنايا الجمان منتمياً ... والليل من بعض فرع طرته
محجب كم أروم زورته ... والموت للصب دون زورته
وقوله
أمسيت في عصر قوم لأخلاق لهم ... من صحبتي لهم قد ساءني التعب
أن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شراً إذا عوا وإن لم يسمعوا كذبوا
سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وله غير ذلك وكانت وفاته في غرة ذي القعدة سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عمر الوزان
عمر بن مصطفى الوزان الحنفي الدمشقي الفاضل الصالح كان من أهل العلم(3/191)
والفضل وله حسن أخلاق وتودد ومنادمة ولد بدمشق سنة احدى وستين وألف وقرأ العلوم وأخذها وجل انتفاعه على محمد علاء الدين بن علي الحصكفي مفتي الحنفية وقرأ على غيره وكانت وفاته في يوم الخميس خامس عشري شعبان سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عمر الطوراني
عمر بن مصطفى البغدادي الشهير بالطوراني مفتي السادة الحنابلة ببغداد وخادم ضريح القطب الرباني سيدي عبد القادر الكيلاني الشيخ الفاضل الفقيه العالم الصالح البارع طلب العلم وأخذ الفقه وغيره عن كل من الجمال عبد الله بن الحسين السويدي الشافعي والشيخ ياسين الهيتي ثم توجه إلى القسطنطينية وتوطنها وتزوج بها وأقام هناك إلى أن توفي في حدود سنة أربع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر كرامه
عمر بن مصطفى بن أبي اللطف الحنفي الطرابلسي الشهير بابن كرامة الشيخ الفاضل الأديب المفنن العالم الفاضل كان من العلماء الأفاضل قرأ بمصر ودرس بطرابلس في جامعها وولي افتاء طرابلس وله من المؤلفات نظم متن السراجية وشرحها وله رسائل في العروض وغيره وصحب أخاه في الرحلة إلى مصر وكانت وفاته بطرابلس بعد الستين ومائة وألف عن مائة وخمس عشرة سنة رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر اللاذقي
عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن علي اللاذقي الحنفي الشيخ الفاضل البارع الأديب الأوحد الشاعر السيد الشريف ولد سنة اثنين وستين ومائة وألف بلاذقية العرب ونشأ بها في حجر أبيه وكان والده المرقوم مفتياً بها وكان يلقب بملا جامي وكانت وفاة المترجم بمدينة حلب ذهب إليها ليزور شقيقته زين الشرف زوجة إبراهيم أغا بن يعقوب أغا متولي وقف السلطان إبراهيم بن أدهم سابقاً فمات عندها قبيل ظهر يوم السبت حادي عشر شعبان سنة تسع وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء المثناة فيهما رحمه الله تعالى.
عمر الأرزنجاني
عمر بن مرتضى الحنفي الأرزنجاني نزيل قسطنطينية الشيخ العالم الفاضل(3/192)
المحقق قدم دار الخلافة المذكورة ولازم على طريقتهم وأعطى التدريس من شيخ الاسلام مصطفى بن محمد الدري مصطفى ولي الافتاء وكان سلفه وخلفه فيض الله وتولاه ثانياً وسلفه أحمد وخلفه ولي الدين وفي دفعته الثالثة سلفه محمد وخلفه إبراهيم بن عوض وأما والده محمد كان سلفه إسحق وخلفه مصطفى بن فيض الله مفتي الدور وأقرأ وأفاد ولازم الطلبة واشتهر بين علماء الدولة وصار أحد المعلمين الغلمان دار السعادة السلطانية وتنقل في المدارس على عادتهم وكانت وفاته مطعوناً في رمضان سنة سبع وتسعين ومائة وألف والأرزنجاني نسبة إلى أرزنجان.
عمر الطحلاوي
عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى المالكي المصري الأزهري الشهير بالطحلاوي الشيخ الامام المحدث الفقيه المعمر الأصولي المسند أوحد عصره أبو حفص سراج الدين أخذ عن جملة من الأيمة كالشهابين أحمد البلابلي وأحمد بن أحمد بن عيسى العمادي وسالم بن أحمد النفراوي وأحمد بن الفقيه ومنصور المنوفي وعلي بن أحمد بن عبد الله الحريشي ومحمد الورزازي برواية البلابلي وكذلك العمادي عن سيدي محمد الزرقاني وعن غيرهم وصار له الفضل العظيم والعلم الغض والفضل التام وتصدر للتدريس والفتوي وأقبلت عليه الأفاضل وانتفعوا به فمن جملة من أخذ عنه المحقق عبد الله بن حجازي الشرقاوي ومحمد بن عبد المعطي الحريري والشهاب أحمد بن يونس الخليفي والسيد محمد أبو الأنوار الوفائي وغيرهم وكانت وفاته سنة احدى وثمانين ومائة وألف ودفن بمشهد عظيم بتربة المجاورين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عمر البقراصي
عمر بن يوسف الحنفي البقراصي نزيل حمص الشيخ الامام العالم الفاضل الكامل كان محققاً في العلوم العقيلة والنقلية جاء من بقراص بلدة في الروم وقطن في مدينة حمص وعمر الجامع المشهور بجامع النخلة بعدما خرب ودثر صالح ابن أيوب كان خرب جوامع الروضة بمصر ولم يتيسر له الاقامة فيما بنى بها من القصور إذ أدركته المنية بالمنصورة وتركت شجرة الدر جثته فيما بناه مدة حتى جهزوا له حفرته ونقلوه إلى مدفنه في مدرسته وبنى نحو الثلاثين حجرة لطلبة العلم وكان متصدياً لقراءتهم وقراءة الدروس العامة وإحياء العلم في حمص وانتفع به كثير وكان ورعاً كثير العبادة متهجداً في الليالي صواماً زاهداً عفيفاً جرياً في التكلم بالحق توفي(3/193)
بحمص في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن في الجامع المذكور تحت منارته رحمه الله تعالى.
عمر الشهير بعميرة
عمر الشهير بعميرة الدمشقي أحد مجاذيب دمشق المتقدمين كان من كبار الأخيار له الشهرة التامة في الولاية لازم دروس المحدث الامام إسمعيل بن محمد العجلوني تحت قبة النسر بالجامع الأموي في صحيح البخاري واشتهر بين الناس بالولاية والكشف وذكره الأستاذ مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي في بعض تآليفه وأثنى عليه وقال قال لي الأخ الشيخ عبد الرحمن السمان عنه إنه مخلص الأيادي يعني إن تصرفه تام النهايات والمبادي وأخبرني الأخ الشيخ مصطفى يوماً من الأيام قال كنت اليوم عند السمان في الحمام فجاء الشيخ عميرة إلى جانبي وأنا خارج من الداخل ثم تقدم لقربي الشيخ عبد الرحمن وقال بالأمس هذا قال لي ضع يدك على كتفي فوضعتها وسار إلى بلاد وأماكن عجيبة ودار بي في منازل غريبة وأظنه ذكر جبل قاف قال ورجع بي قال الشيخ مصطفى فأردت أن أتثبت في تحقيق هذه الواقعة فقلت للشيخ عميرة هكذا جرى مثل ما أخبر قال نعم سيدي نعم سيدي وقد شوهدت له كرامات كثيرة ومقامات خطيرة وجاءني مرة فذكرت له قصة تورث غصة فبشر بالخلاص من ضيق هاتيك الأقفاص فقلت له إن حصل ما أشرت به من المعروف أعطيتك هذا الصوف وأريته صوفاً كان عندي فجاء بعد أيام قلائل وطلبه وأعطيته إياه ولم أعد ولم أبدي وتحققت إن المطلوب سيكون والصعب يهون فكان كذلك بعد مضي أشهر مما هنالك وأضافنا الشيخ عبد الرحمن مرة في جنينة الشيخ مسعود وصحبتنا جماعة من أهل الحب والجذب أولى الطالع المسعود فرأيت المترجم ضرب ابن سراج المقدم على رأسه فالتفت إليه وقال مجنون فتحققت إشراق نبراسه انتهى ما قاله وكانت وفاته بعد الخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر العينوسي
عمر بن أحمد الشهير بالعينوسي الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه الصالح الفرضي حفظ القرآن وأتقنه بتجويده وأحكامه ورحل لمصر وقرأ على الشيخ العزيزي وعادت عليه بركته ولما حضر لوطنه انقطع في خدمة الأستاذ السيد مصطفى البكري وانتفع به أتم الانتفاع وأخذ عنه طريقة الخلوتية وألبسه الكسوة وتصدر وتصدى لأرشاد المريدين واجتهد في عبادته حتى مات ولم أتحقق وفاته في أي سنة رحمه الله تعالى.(3/194)
عمر العنز
عمر المعروف بالعنز الأدلبي نزيل حميص الأديب الفاضل المنجم العارف كان ماهراً بالأدب والعلم والطب ولكنه كان في غاية من لنحوسة والنادر لا حكم له أدركته حرفة الأدب وقد استقام في حمص واشتهر يقرئ ويفيد وله ديوان شعر ومن شعره هذه النبوية ومطلعها
للحب آيات حق للمحال محت ... وأثبتت حب من بالطرف قد لمحت
واستحكمت حيث جاءتنا مبينة ... بنسخها لدواوين الهوى شرحت
فمن يكذب ولم يؤمن بمحكمها ... فنفسه عن طريق الحق قد جمحت
بها أتانا رسول كان مبعثه ... عن ربة الحسن والحسنى التي رجحت
لما تلاها على أرواحنا سجدت ... طوعاً أجابت وبالأحكام فانصلحت
ومذ دعاها إلى دين الهوى زمراً ... سعت إليه على رأس لما انتصحت
مستسلمات أتت في شرع ملته ... نواسكاً وبدار الخلد قد فرحت
ولو عصته ولم تؤمن ببعثته ... باءت بخزي وإنكال وما ربحت
يا ويل قوم دعاهم للغرام أبوا ... تباً لهم فئة للسلم ما جنحت
لكن نفسي تسامت في إجابته ... قدر أرقت لسماء العشق فانفسحت
والحمد لله ربي حيث نسبتها ... صحت بحب فتاة شمسها اتضحت
لما بدت من خفي خدر الجمال سبت ... عقول أهل الهوى تيهاً وقد فضحت
لم لا يتيه بها العشاق قاطبة ... لأنها نحو أرباب الغرام نحت
سلت سيوفاً من الألحاظ فاتكة ... وأسبلت حالكاً في ليله اتشحت
سبت عقول الورى بالطرف إذ نظرت ... أبدت عجاباً وعجباً حيثما لمحت
حلت قلوباً وكم من ذي الجمال جلت ... ظلمات وهم بالنور التي رشحت
وأنفذ الحسن سهماً من حواجبها ... تصمي حشاشة صب طالما جرحت
نحر شي بهواها لا هوان به ... ياليتها لفؤاد الهاوي قد شرحت
حاولت أطلب عمداً وصلها فلوت ... عني وولت ولا بالوصل ما سمحت
جازت لتنظر ما أبقت لعاشقها ... من حر نيران وجد بالحشا لفحت
حارت وحازت قلوباً ملأ قبضها ... ويالها منة فيهم إذا منحت
أذكت سعيراً تلظى والوقود له ... من الحنايا ضلوع نارها لفحت
صفحت عن ذنبها عفواً ومكرمة ... مع إنها عن ذنوبي قط ما صفحت(3/195)
كفاك يا علو اعجاباً وبحترة ... كفى فواكف أما في لقد نزحت
لقد أطلت عذاب العاشقين ولم ... ترثى لمن بالحشا أحشا وهم فتحت
حرقت أكبادهم لما إليك صبو ... واستعبروا بد ماء طالما نضحت
تعالى مني وجودي واسمحي بلقا ... واستعملي الرفق فيمن نفسه طمحت
إن لم نجودي ولم ترثى لذي شجن ... فعنك لي عوض من ذاته رججت
على الخلائق بالتقوى فزاد علا ... على الأنام بأيديه التي منحت
محمد من رقى السبع الطباق وقد ... أتى بشرع قويم شمسه اتضحت
عمت مكارمه العافين فانتهلوا ... من بحر فيض عطاياه التي رشحت
أبو المفاخر عم الجود وابن عطا ... حمد النوال أخو التقوى التي اصطلحت
غيث الندى مقصد المداح نعم فتى ... رقى العلاذ وأياد للنوال دحت
له السيادة حقاً والكمال معاً ... والفضل والحلم والنفس التي صلحت
من أم ناديه يرجوه لمعضلة ... ينل من الخير من حاجاته اجترحت
كهف ملاذ غياث ملجأ سند ... أفكاره من علوم الغيب قد طفحت
آياته وسجاياه وخلقته ... عن وصفها كلت الأفكار مذ شرحت
وله غير ذلك وكانت وفاته في حمص سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
علي العمادي
علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عماد الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي صدر صدور دمشق كان مهاباً محتشماً وقوراً عالماً علامة نحريراً فقيهاً أديباً ماهراً حاذقاً فائقاً ولد في دمشق ليلة الأثنين ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وألف ونشأ بها وقرأ على والده وعميه شهاب الدين وكمال الدين العالمين الفاضلين وعلى جماعة منهم الشيخ محمود الكردي والعالم الشيخ إبراهيم الفتال والفرضي الحيسوب الشيخ رجب القصيفي الميداني وغيرهم وتولى تدريس المدرسة السليمانية في الميدان الأخضر وافتاء الحنفية بدمشق وعزل عنها وسلك بها سلوك سلفه المتقدمين وبالجملة فقد كان من الأعيان الأفاضل مرجعاً في الأمور ومحترماً ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو الآن في الحضرة الخضرة متعين في نظرائه بالمعالي النضرة فيكاد يشير إليه من يغمض عينيه ومن أرد أن يكون السعد من خدمه فليضع قدمه مكان(3/196)
قدمه فالاقبال كأنما خلق لأجله واليمن في مواطئه بخيله ورجله وهناك جد لو كان بظبة صارم ما تبدا غراره وبشر لو سال بصفحة البدر ما خيف سراره وأنا إذا جئت أصفه ولا أقدر أني أنصفه قلت أعلى الله مكانه وشيد في أفق النباهة أركانه فما زال إلا من يواصل هدوه والجذل بصاحب رواحه وغدوه وله السلامة التي يهنأ بها ويحيى والدنيا التي لم تزل غضة العهد طلقة المحيا وله عندي وراء ذلك وداد برى من الكلف وامتداح لوناً له البدر لأنجلى عنه الكلف وهو في الفضل كأبيه وجده وإذا قيس بهما فقد انتهى لأقصى حده وأما أدبه فقد حل من البراعة مكاناً علياً وهمي ودقه على ربا الاجادة وسمياً وولياً فإذا أجال يراعه ملأ القرطاس بلاغة وبراعه وإذا وشى الصحائف من حبائر بديهته واملأته فكأنما أفاض عليها من أنواره ولألأته وقد اثبت له ما يهيج الأدب ويزينه وإذا وزن به الشعر رجحت موازينه فمنه قوله فيما كتبه إلى الأستاذ الكبير زين العابدين الصديقي يستدعيه لدمشق
قد ألبس الروض أنواعاً من الحبر ... وتوج الغصن اكليلاً من الزهر
ومدت الأرض وسط الروض جاشية ... من الزمرد في مستنزه نضر
وقام كل خطيب في الرياض شدا ... بلحن معبد وقع الناي والوتر
وفاح نشر عبير في دمشق غدا ... يغني بطيب شذا عن عنبر عطر
كأن عطر غوان قد ضمخن به ... أتت به من بخور نسمة السحر
وراقبت فرصة الأخفاء فانغسلت ... كالسحر بين مقر الجن والشعر
فاستبضعت كل لطف مع لطافتها ... واستصحبت كل عرف طيب الأثر
فقمت أنشق رياها وقلت لها ... جودي علي فإني لأت مصطبري
وخبريني أهذا العرف منشأوه ... عن طيب مخبر أم أطيب الخبر
قالت أعيذك من هذا النباء أما ... كفاك رونق هذا العام من خير
فالشام سامية والأرض نامية ... والسحب هامية بالطل والمطر
من أجل أن امام الوقت أعنى به ... زين الأنام وكهف البدو والحضر
ذاك الامام الذي بالمجد قد بهرت ... آيات محتده الزاهي على الزهر
وابن الامام الذي ما مثله أحد ... إذ كان في الغار ثاني سيد البشر
يروم جلق قصداً أن يشرفها ... بالبشر منه فتضحى نزهة البصر
فقلت أهلاً بما أديت من نبأ ... أودعت في السمع منه أنضر الدرر(3/197)
وصرت ألثم فاها فرحة وهوى ... ومنطقاً ورده أحلى من الصدر
فأنجز الوعد لطفاً منك سيدنا ... فالشام إن جزت صينت عن يد الغير
فأعين الزهر وسط الروض شاخصة ... لكي تراك فتحظى منك بالنظر
ومن شعره قوله مخمساً
إذا رأيت ليالي الوصل مقبلة ... من الحبيب فأحسنها معاملة
وقل له إن ترم مني منادمة ... أصحب نديمك أقداحاً مسلسلة
من الرحيق وأتبعها بأقداح
وأسقه أنت بغياه وطلبته ... لتجمع الراح والأفراح ليلته
ولا تلمه فإن الشرب نشأته ... من كف ريم مليح الدل ريقته
بعد الهجوع كمسك أو كتفاح
فالراح كالريح نعم القول من نبأ ... وقد روته بنو العباس عن ملأ
وقال اسحقهم ناهيك من فتأ ... لا تشرب الراح إلا من يدي رشأ
تقبيل وجنته أشهى من الراح
قوله فالراح إلى آخره هو من قول بعضهم
الراح كالريح إن مرت عطر ... تذكو وتخبث إن مرت على الجيف
ومن بدائعه قوله
عز هذا العزيز في سلطانه ... ومضى والمطال أكبر شأنه
وأرانا من سحر عينيه هارو ... ت وماروت من شبا أجفانه
فاستمال القلوب نحو محيا ... كان سلب العقول من برهانه
وحبانا من جل ما نتمنى ... غن شذا ورده ومن ريحانه
وأرانا برق الثنايا اختلاساً ... خوف واش وحاسد يريانه
ورأيت الغرام من فيه لما ... لاح فرق اللما وضؤ جمانه
فشهدت المدام في الكون طرا ... من لماه والسكر من لمعانه
وضروب الجمال قد جمعت فيه ... وفي شكله وفي ألوانه
قده كالقضيب من فوق ردف ... ذي اهتزاز يميس في أعكانه
تحت وجه كالروض أودع فيه ... كل معنى يروق في ابانه
خده كالشقيق في اللون والصد ... ع كأس الرياض في عنفوانه
تحت جيده الذي حل فيه ... خاله مخنف لجل مكانه
فافتتنا بقامة وبجيد ... وسبانا زمردي هميانه(3/198)
وقوله
وكأنما المصباح وسط حديقة ... محفوفة بالورد والنسرين
بدر بدا تحت السحاب أحاطه ... قزح بقوس محكم التكوين
أو غادة قد ألبست لبهائها ... حلل الجمال بديعة التلوين
أو شادن قد خط تحت جبينه ... بالطرة العجماء تحت السين
وقوله
باكر صبوحك من فيه مشعشعة ... تضئ إن رشفت منه كمصباح
بيضاء مثل نهار الوصل رؤيتها ... وحالة الرشف تكسي لون تفاح
لأن نسبت در الثغر حالتها ... ودنها من عقيق اللون وضاح
وعاذل قال ما في الراح معتبة ... فاستغن عنها بكاسات وأقداح
فقلت يا جاهلاً في الحب معرفتي ... إليك عني فلا أصغي إلى اللاحي
لا أشرب الراح إلا من مقبل من ... تقبيل راحته أشهى من الراح
وله في العذار
ما كنت أحتسب قبل نبت عذاره ... إن العذار لحسنه تأكيد
حتى بدا في خده متجعداً ... كفتيت مسك لا يلين جديد
فكان محمر الخدود شقائق ... عن لثم أفواه الأنام تحيد
وكان معوج العذار بصدغه ... شرك لحبات القلوب يصيد
وله في البيت الأخير الاستخدام
وعاذل قال عقرب لذغت ... أحمد نوع الجمال سيده
قلت عجيب لها أما رهبت ... عقرب صدغ رأت محدده
قالوا رأته وأنت تخبره ... ذاك للسع اللقلوب ترصده
فقلت إذ بان إن عقربكم ... لما أتته رأت تأوده
خافت على قلبها يمزقه ... فزحزحته وقبلت يده
وكتب إليه الأمين المحبي المذكور يستأذنه في التنزه أياماً بقصره الذي أحاطت به السراء إحاطة النطاق بخصره سيدي وسندي أنقذ الله على يديك الخواطر من همومها وجلا عنها بحسن توجهك غياهب عمومها الزمن وما أدريك لم يبق لنا فيه إدراك من نكبات أولاً طيش وصالها لأتصلت اتصال الشؤبوب شؤبوب وذان اسلوب الدفعة من المطر وغيره وله معان أخر لسان العرب انتهى وصدمات لولا تكسر نصالها لكانت كالرمح انبوباً على انبوب(3/199)
انبوب ما بين كل عقدتين من القصب وكعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب الصحاح فلا يعتمد ما في المصباح والقاموس عن تفسير الكعب كما نبه عليه ناج العروس انتهى ولكن ثم نفوس من الفكر طائشة لا تحسبها إلا من ناهل الحمام عائشة فهي تستدعي بعض مألوفاتها لا عن رويه طامعة في حسوة من الأماني أما قذية أو روية وذلك لدفع صائل لا يتوقع طائل وإلا فكلنا يعرف زمانه ويعلم إن النهوض فيه زمانه وقد طلبنا فلم نجد غير قصرك البهي من النوازل مفراً ولا مثل ساحته للأمن من الغوائل مقراً إذ هو القصر الذي أقرت له القصور ولبست منه الشعري العبور ثوب الغيور فعسى ما عز على العيان من لقياك نستنشق فيه من مواطئك عرف رياك فإن أذنت فمثلك منزه عن التقاضي ومثلنا موله بالتقاضي ولك الفضل الذي إذا كشر الدهر عن نابه تكشف الجوادت عنابه والثناء على سجيتك ثناء الروض المونق على الغدير المغدق والسلام على خلقك العاطر سلام النسيم على الغصن الناضر
وبقيت في يوم أغر مبشر ... بسعادة غراء تطلع في غد
لتقيم كل مأود وتنيم كل ... مسهد وتضم كل مبدد
وللمترجم
ومنذ حللنا مصبحين بروضته ... وقابلنا سلسالها بصفائه
وهب نسيم الغرب يسحب ذيله ... بنفحة طيب فاح عرف ذكائه
وقام للقيانا خطيب هزارها ... على فنن يتلو ضروب غنائه
وأفرشنا فيها الربيع مطارفاً ... وجر علينا اللهو فضل ردائه
تراقصت الأغصان في جنباتها ... وصفق فوق النهر راحة مائه
وأسكرنا من طيب راح حديثه ... نديم ندامى جملوه برائه
أكب إلى أن قلدته عقودها ... مدامة شمس أشرقت بسمائه
وجاء لنا يلقى نثير حبابها ... فشنف منا السمع عند لقائه
ورحت ومن أنفاسه بي نشوة ... كنشأته بالراح عند جلائه
وله
خلت سواداً في بياض خد من ... أربى على الشموس في إشراقه
حيرني ثم أضاء ثغره ... رأيته الأهداب من عشاقه
وله في مقام السيدة زينب رضي الله عنها(3/200)
جئت بالذل للزيارة يوماً ... راجياً محو زلتي وذنوبي
وتشفعت بابنة ابنة طه ... سيد الرسل ملجأ المكروب
جازماً أن أنال منه مرادي ... آئياً من عطاه بالمطلوب
وله مشجراً
سلوه لماذا يستبيح دم الصب ... أيحسب إن الحب فيه من الذنب
يضل ويهدي من يشاء كما غدا ... يميت ويحيى بالتباعد والقرب
دعا لهواه القلب مرسل صدغه ... فراح يلبيه الفؤاد من اللب
يبيت به جفني القريح مسهداً ... ويصبح فيه الطرف أحير من ضب
بمن جعل الورد الجني مسيجاً ... بآس عذار طيب نفحه طبي
كفيت عناءي فيه داوي بلثمه ... حريق لظى وجد تسعر في القلب
ربيب فؤادي إن صبري خانني ... وضاق لفرط الوجد فيك فضا رحبي
يقيك الهي لوعتي وتولهي ... بحبك فرج بالاجابة لي كربي
وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في ليلة الجمعة وقت السحر في منتصف ذي الحجة سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرتهم بباب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الشرواني
علي بن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني المهاجر إلى المدينة المنورة الشيخ الكامل الفاضل الورع الزاهد الحنفي الصوفي النقشبندي قدم المدينة المنورة من بلاده سنة ثمان وسبعين وألف وتوطنها وكان ملازماً للجماعة مواظباً على اقراء الدروس لا يحب مجالسة أهل الدنيا ودرس بالمثنوي في الروضة المطهرة وكان يقريه بمعرفته باللسان الفارسي لما تولى مشيخة الاسلام بدار السلطنة ابن خال أبي المترجم فيض الله أفندي الشرواني أرسل إليه منصب افتاء المدينة المنورة فلم يقبلها وردها إليه وألف مؤلفات نافعة منها جامع المناسك ومهمات المعارف الواجبة على العباد في أحوال المبدأ والمعاد ودليل الزائرين وأنيس المجاورين في زيارة سيد المرسلين وأقصى المطالب وخلاصة التواريخ وغير ذلك من المؤلفات وكانت وفاته بالمدينة في جمادي الثانية سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن خلف سيدنا إبراهيم بالبقيع رحمه الله تعالى رحم الله المترجم خاف عن أعباء الافتاء.
السيد علي العطار
السيد علي بن السيد إبراهيم بن السيد جمعة العبسي سبط الكيلاني الشهير(3/201)
بالعطار الحنفي الحلبي العلامة الفاضل الفقيه ولد في حلب سنة ست ومائة وألف ونشأ بها وقرأ النحو على الشيخ سليمان النحوي والفقه والحديث على السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب والشيخ قاسم البخاري والشيخ محمد الزمار والشيخ جابر وقرأ التصوف على الشيخ محمود الكردي والأصول على الشيخ علي الداغستاني وأخذ عن الشيخ صالح الجينيني الدمشقي وقرأ علم الفلك على الشيخ عبد القادر المغربي وسافر إلى جهة العجم وقرأ على علماء الأكراد بها وحج خمس مرات وجاور سنة وأخذ عن علماء المدينة الحديث وغيره وأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي ثم عاد إلى حلب وكان بحلب يقري الدروس ولازمه جماعة وأخذوا عنه منهم الشيخ محمد العقاد والشيخ السيد عبد اللطيف الكيلاني والشيخ عثمان العقيلي والشيخ عبد القادر البانقوسي وأخذ عنه في الحرمين حين المجاورة جملة من الطلاب والأفاضل منهم العلامة المحدث أبو الفيض محمد السيد مرتضى اليمني شارح القاموس نزيل مصر والشيخ حسين عبد الشكور الطائفي والسيد محمد بأحسن جمل الليل لعله جمال الليل اليمني والشيخ عبد الرحمن الفتني الطائفي حضروه في أقرائه فصوص الحكم تجاه مزراب الرحمة خارج المطاف بجانب مقام الحنفي وكان بحلب يقرئ الهيئة والصرف والمنطق والمعاني والبيان والفرائض والفقه والفلك وغير ذلك في الأيام وبالجملة فقد كان من الأفاضل الأجلاء وكانت وفاته في ليلة الأثنين خامس محرم سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن خارج حلب في مقابر الحجاج بالقرب من جامع البلاط ورثاه بعض الأدباء من تلاميذه بقصيدة بيت تاريخها قوله
فإذا البشرى تنادي أرخوا ... في جنان الخلد قد صح علي
علي التدمري
علي بن أحمد التدمري الشافعي الدمشقي الشيخ المفنن العلامة الفقيه النحوي الصرفي الأصولي الفرضي كان فقيراً ثم انتمى إلى بعض الأعيان وعينه لتعليم أولاده وأخذ له مكاناً وعين له تعييناً ودرس بالجامع الأموي مدة وله رسالة في العروض ومن شيوخه الشيخ السيد نور الدين الدسوقي وغيره وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين فرضياً طيب النفس ملازماً للطاعة والعبادة قال بعض أصحابه وأخبرني قبل وفاته بأشهر إنه يموت هذه السنة وقال له أنا أعلم علوماً غريبة أريد ان أعلمك إياها لأن عمري خلص هذه السنة أخر سنيني مثل علم الحرف والزابحة والوفق ولم يكن شهيراً لديانته وورعه وعدم إقراره لا حديها قال وأنا(3/202)
ما أكمل السنة فكان الأمر كذلك توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الواعظ البرادعي
علي بن أحمد بن محمد بن جلال الدين المعروف بالبرادعي البردعة والبرذعة بمعنى البعلي ثم الدمشقي الصالحي الشيخ العالم الفاضل العلامة كان من أفراد الوعاظ ولد ببعلبك في سنة اثنين وتسعين وألف وبعد ثلاث سنين جاء والده وجده إلى الصالحية بدمشق وسكناها وأخذا لهما دار بالشراء واستوطناها وكان والده وجده من الحفظة وجده العلى جلال الدين من العلماء الأجلا بمدينة بعلبك وهم طائفة كبيرة ويقال لها بيت جلال الدين والمترجم قرأ القرآن وحفظه على السبع وكان يقرؤه في كل يوم وليلة مرة وفي رمضان يختم ليلاً ونهاراً أربعة وستين ختماً وفي صلاة التراويح ختماً تفقه بشيخه أبي المواهب الحنبلي الدمشقي وقرأ عليه كثيراً وكان لا يفارق دروسه في غالب أوقاته فانتفع به وقرأ على السيد إبراهيم بن حمزة النقيب في الحديث والمعقولات والمعاني والبيان وانتفع منه كثيراً وقرأ أيضاً على الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق في المعاني والبيان والتصريف والمعقول والمنقول وقرأ جامع الصغير والبخاري على الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر وأخذ عنه الحديث وقرأ عليه كثيراً ولازم درسه حتى مات وكان يحبه كثيراً وقرأ على الشيخ إسمعيل اليازجي الدمشقي وأخذ عنه علم الفرائض وكذلك على الشيخ عبد القادر التغلبي الدمشقي واجتمع بعلماء كثيرين وأخذ العلم وسائر الفنون عن شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فإنه كان يحبه وينسر للقائه قوله وينسر لعله يريد يسر للقائه على ما لم يسم فاعله ويقرئ ولدى ابنه الشيخ إسمعيل وهما الشيخ طاهر والشيخ مصطفى بأمر منه ولما توفي الأستاذ غسله الشيخ علي بيده وكفنه وآواه التراب بوصية منه وأقرأ الشيخ علي المترجم في مدرسة العمرية وفي داره وبين العشائين في الجامع الجديد فأخذ عنه أناس كثير وقرأوا عليه وكان له مجلس وعظ تحت القبة على باب المقصورة بعد صلاة الجمعة صيفاً وشتاءً وخريفاً وربيعاً وكان يخطب في جامع السنانية ويؤم بالمدرسة العمرية وكان إذا وعظ يجتمع عنده خلق كثير من أهالي دمشق ومن الغوطة والضياع يقصدون الحضور للسماع وكان صوته عالياً إذا وعظ يسمعه غالب من في الجامع وهو يعظ من غير كتاب ولا يخطي ولا يغيب عن ذهنه شيء لشدة حفظه وإذا قرأ العبارة مرة واحدة يحفظها ولا تغيب من حفظه ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن(3/203)
بسفح قاسيون في مكان يقال له الروضة في جانب الداودية تجاه مرقد سيدي الشيخ مسعود في أعتابه عند بابه بوصية منه وسيأتي ذكر ولده في محله رحمهما الله تعالى.
علي المنيني
علي بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الأديب الفاضل الفائق ولد بدمشق في حدود سنة سبع عشرة ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ علي المصري وقرأ على والده المقدم ذكره ولما رحل والده للروم تصدر في غيبته للأقراء في العادلية وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بدر النادي الطالع من أفق الكمال والمجمع على نباهته بالتفصيل والاجمال ورد الفضل يافعاً فحياه علماً نافعاً وريحانة شبابة ترف وعيشه ناعم ترف ترف الأولى مضارع من الرف التلألأء والثانية كفرح بكسر الراء من الترف بمعنى الرفاهية والتنعم وهمته تتخير من الأدب اللباب وتتناول منه ما تقطع دونه الأسباب حتى حل بحبوحة حوزته المنبعة وأتقن في استحساناته مسلكه وصنيعه ولبس من الذكاء البرد المشهر وجمع بين الحياء والعرض المطهر إلى أخلاق لم تدنس بالشهائب ولطافة عليها حبات القلوب ذوائب تحسد الصبا طبعه ولا تكدر صروف الزمن نبعه ولم يزل بين روح وريحان وميزان نموه كل يوم في رجحان إلى أن فجأه الأمر الذي لم تنفع معه الرقي والتمائم وغابت تلك المحاسن التي أزرت بزهر الكمائم فسقى صيب الرحمة تربة ضمنه حتى تروى وتلك السجايا التي بأفواه الثنا تروى تروى الأول من الري والثانية من الرواية وله شعر معدود وهو بالاجابة محدود فمن نفثات كلامه ورشحات أقلامه الذي أطلعت عليه بعده وجعلته سميري في الوحدة انتهى مقاله ومن شعره قوله
نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري ... وقد حركت أغصان عنبرها الشجري
وأكست رياض المجد رونقها التي ... تجر على النكبا ذيولاً من الفخر
تبث اشتياقي كلما هب شمأل ... يفوح لناديه شذاه من العطر
لعمرك إن جزتي سحيراً فبلغي ... رسالة أشواق تنوء عن الفكر
إلى صاحب الأفضال والمجد والتقي ... وأحمد كل الناس ذي الشيم الغر
أخي همم علياء في كل حاجة ... يفك عقود القول بالفهم كالدر
صقيل حسام أروع باسل غدت ... له سائر الأقطار ناشرة الذكر
أمام رقي للمجد صهوة باذخ ... فنال علا حتى يعز على الزهر
فلا تسمح الأيام قط بمثله ... وقد غدت الأعصار تحسد للعصر
فهاكها يا كنز العلوم الوكة ... أتت عن ضعيف يرتجى منك للستر(3/204)
فلا زلت طول الدهر تبدي محاسناً ... من الفضل والأفضال والبذل والبر
مدى الدهر ما ركب سرى في الفلا وما ... نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري
وله غير ذلك وكانت وفاته مطعوناً في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علي كزبر
علي بن أحمد بن علي الشهير بابن كزبر الشافعي الدمشقي الامام الهمام الحجة الرحلة البركة العالم العلامة المقري كان من علماء دمشق المشهورين وفقهائها المتفوقين اماماً بارعاً في فنون كثيرة متقناً فهامة صالحاً عابداً تقياً تاركاً للدنيا مقبلاً على الطاعة والديانة له اليد الطولى في القراآت وغيرها وبالجملة فقد كان واحد الدهر علماً وعملاً ولد في أواخر المائة بعد الألف وقرأ على جماعة وتفقه منهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان بن حموده والشيخ محمد الكاملي وأضرابهم وارتحل إلى مصر إلى الجامع الأزهر وجاور به مدة وأخذ وقرأ على جماعة منهم الشيخ منصور المنوفي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي الفاسي والشيخ أحمد الملوي والشيخ عبد الجواد الميداني المصري والشيخ عبد ربه الديري والشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأخذ القراآت عن البقري وغيره وعاد إلى دمشق واستقام على إقراء الدروس والافادة في الجامع السنانية ولازم جماعة وأخذ عنه أناس كثيرون وألحق الأحفاد بالأجداد واشتهر وشاع فضله ولما قدم دمشق المحدث الشيخ محمد عقيلة المكي أخذ عنه طريق القوم واستخلفه بدمشق ولم يزل مفيد الطالبين مرشد الكاملين ناهجاً منهج الأتقياء والصالحين والعلماء العاملين إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ربيع الأول سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الحريشي
علي بن أحمد المالكي المغربي الفاسي نزيل المدينة المنورة الشهير بالحريشي الولي الصالح الكامل شيخ الشيوخ صاحب القدم والرسوخ ولد في حدود سنة اثنين وأربعين وألف وكان شيخاً فاضلاً زاهداً عابداً محدثاً عالي الأسناد يروي الكتب الستة وغيرها عن العلامة المشهور في القطر الغربي الشيخ عبد القادر ابن علي الفاسي وله مشايخ غيره وله تصانيف عديدة منها شرح الشفافي ثلاثة مجلدات كبار وشرح(3/205)
الموطأ في ثمانية مجلدات كبار وشرح منظومة ابن زكري في مصطلح الحديث وغير ذلك من رسائل والفتاوي والفوائد وكانت وفاته بالمدينة المنورة في غرة جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الصعيدي
علي بن أحمد بن مكرم الله المنسفيسي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالصعيدي أحد الأئمة الشيوخ الأعلام العلامة المحقق المدقق النحرير المتكلم روى عن جماعة من الأئمة وأخذ عنهم منهم سالم النفراوي ومحمد بن عبد الله الكنكسي وعمر بن عبد السلام التطاوني وعبد الوهاب الملوي وشلبي البرلسي ومحمد بن زكري ومحمد السجيني وعيد النمرسي وأحمد الديري ومصطفى العزيزي ومحمد سيف وأحمد الأسقاطي وأحمد البقري ومحمد الدفري ومحمد بن عبد السلام البناني الفاسي والسيد محمد السلموني المالكي تلميذ الحرشي وإبراهيم بن موسى الفيومي والشهاب أحمد الملوي ومحمد العشماوي وأجاز له الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في مسلسلاته ولبس الخرقة الأحمدية من الشيخ الصالح علي بن أحمد الشناوي وغيرهم وصار أحد صدور الأزهر وألف حاشية على شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وحاشية على شرح السلم للأخضري وغير ذلك من التآليف وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع رحمه الله تعالى.
علي باشا الكور
علي باشا الوزير ابن كور أحمد باشا الوزير دخل حلب والياً تاسع عشر القعدة سنة ثمانين ومائة وألف نهار السبت اليوم الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة أحسنت له الدولة بمنصب القارص ونهض من حلب رابع المحرم سنة احدى وثمانين ومائة وألف وكان متحجباً عن الناس وفي زمنه طرد من كتابتي القسمة العسكرية والبلدية من محكمة حلب أحمد وولده أحمد أيضاً البكفالوني بموجب أمر عالي سعى بإصداره بعض أهل الخير من أهل حلب المقيمين بدار الخلافة جزاهم الله خيراً وتوفي الوزير المترجم في بندر في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف وكان ذا حشمة ووقار وسكينة محباً للعلماء ومكرماً لهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي العجلاني
علي بن إسمعيل بن حسن بن حمزة بن حسن الحسيني المعروف كأسلافه بالعجلاني(3/206)
الحنفي الدمشقي نقيب الأشراف بدمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الرئيس العاقل الكامل المتفوق كان من أعيان دمشق المنوه بهم والرؤساء المشار إليهم صاحب وجاهة ونباهة حسن الخصال لطيف الصحبة والعشرة عذب المفاكهة والمداعبة له عقل وافر ودرية في الأمور يحرص على الكمالات ويتحرز مما يشين عرضه ويزريه ولكثرة عقله كان يتوهم كثيراً ويتخيل في الأشياء أموراً كأنما كان بها بصيراً ولد بدمشق وبها نشأ وتوفي والده وهو صغير وذلك في يوم السبت عاشر رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وجده بعده أيضاً في سنة أربعين وكان نقيب الأشراف بدمشق ومن صدورها الأخيار فنشأ المترجم في كنف مفتي دمشق المولى حامد العمادي وبينهم قرابة وهي إن والدة والد المترجم المذكور ابنة المولى علي العمادي المفتي والد حامد العمادي المذكور فيكون العمادي حامد المذكور خال والده ثم المترجم بعد التمييز نبل وتفوق وأعطاه الله القبول من صغره فتولى نقابة دمشق مع وجود عم والده السيد عبد الله العجلاني وكان ذلك في سنة خمسين ومائة وألف ثم عزل عنها مرات وأخراً استبد بها من حدود سنة اثنين وسبعين إلى أن مات وكان في تلك الأوقات نقيباً السيد حمزة بن يحيى بن حمزة الحسيني ففي أثناء الفتنة بين الينكجرية اليرلية والقبيقول يرلي يكيجر يله قبو قولي بيننده برفتنه اولمش ايمش وما جرى في تلك الأيام في أيام الوزير حسين باشا ابن مكي الغزي كان النقيب ابن حمزة المذكور هو المشار إليه والمعول عليه فبعد نظام الأمور وتهميد الفتنة ومجئ الوزير عبد الله باشا شته جي حاكماً لدمشق وأميراً على الحاج وجهت النقابة إلى المترجم وبقيت عليه إلى أن مات ولم يعزل بعدها وعلت حرمته ونفذت كلمته وتقاه العالم واحترمته الوزراء والحكام والقضاة وكان مقبول الشفاعة عندهم محترماً بين الناس نافذ الأمر عالي الكملة تتردد إليه الناس وهو يكرمهم ويقوم بواجبهم من الاحترام والتودد وأعطاه الله القبول وأنشأ عقارات ودوراً وأملاكاً كثيرة وعمر بيتهم وأنار سراجهم وزاد جاههم بحيث لم يصل أحد من بني عجلان إلى ما وصل إليه من متاع الدنيا والثروة وكان بدره سعداً منيراً وكوكب حظه ظهيراً وتولى وظائف وتداريس ومدارس كثيرة وكانت عليه اقطاعات وقرى بطريق المالكانة كذلك هو نالها بجهده وجده وكانت عليه رتبة موصلة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وجمع كتباً نفيسة حسنة وغالبها هو استنسخها وكان في أمر المعاش متقناً وفي أمور الدنيا وافر التدبير وكان في أمور القرى والزراعة والحراثة مجداً بحيث إن قراه وحوانيته جميعها معمورة ويضرب بها المثل في دمشق بين أرباب الفلائح لعله يريد الفلاحة وكان نقياً من نقيصة(3/207)
في عرضه ودينه وكان لوالدي كالأخ الشقيق ونشأ هو وإياه سوية وكل منهما يحب الآخر ويحترمه ويوده بحيث لا يصغي أحدهما إلا للآخر ولم يثنهما عن بعضهما تخالفات الأيام والأحقاب وكانا متحدين من وجوه أولها موافقة الأسم ووجود السيادة والمجد وثانياً الشكل والمهابة ولطف الأخلاق فانهما كانا متشابهين في ذلك وثالثها السن فانهما كانا متساويين في العمر إلا أن العجلاني المترجم كان أكبر من والدي بشيء قليل ومن الاتفاق إن والدي مات بعد وفاته بسنة وأشهر وكان هو لوالدي مطيعاً سميعاً لما يريد ويرضى متفقاً على رأيه منقاداً لأستحسانه وأمره وكان والدي يجله وله عنده رتبة رفيعة ولم يزالا كذلك إلى أن توفي المترجم ولحقه الوالد وماتا رحمهما الله تعالى وتولى المترجم نيابة المحكمة الباب سنة خمس وسبعين ومائة وألف وحج إلى بيت الله الحرام وبالجملة فكان أحد صدور دمشق ورؤسائها وكانت ولادته سنة سبع وعشرين ومائة وألف وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بمقبرتهم الخاصة بهم الملاصقة لمسجد الدبان بمحلة السويقة المحروقة ورثى بالقصائد العديدة وكثر الأسف عليه وكان جده السيد حسن من صدور دمشق له الشهرة التامة تولى النقابة مراراً وتصدر كأسلافه ولم يزل كذلك حتى توفي وتولى النقابة بعده أخوه السيد عبد الله مدة وبالجملة فبنو عجلان طائفة شرف وسيادة قديماً وحديثاً والمترجم من وجوههم رحمهم الله تعالى.
علي الأسدي
علي بن أسد الله بن علي كان عالماً نحريراً وفاضلاً كبيراً ولد سنة ثمان وأربعين وألف وقرأ على جماعة من العلماء منهم الشيخ سعيد أفندي نقيب زاده والشيخ العالم العلامة السيد محمد أفندي الكواكبي وكان جل قراءته على الشيخ العالم العامل أبي الوفاء العرضي وتولى افتاء الحنفية بحلب مدة خمس عشرة سنة إلى أن مات وكان إذ ذاك متولياً على جامع بني أمية بحلب وفي أيام توليته عليه أمر بمرمات الجامع المذكور ومرمات بعض حيطانه فظهر من أحد الحيطان لما قشروا عنه الكاس رائحه تفوق المسك والعنبر وإذا فيه صندوق من المرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلة في حجرة قبراً في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالتعظيم والتبجيل والتوقير والتكبير وذلك سنة عشرين ومائة وألف وكانت وفاة المترجم سنة ثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.(3/208)
علي بن حبيب الله القدسي
علي بن حبيب الله بن محمد بن نور الله ابن أبي اللطف الشافعي القدسي مفتي الشافعية بالقدس عالم ابن عالم وفاضل لولدكما ابن فاضل خبرني ولده الفاضل الشيخ حسن قاضي الشافعية بدمشق بالمدرسة الحسنية في سنة اثنين وثمانين بعد الألف وقرأ على والده بالعربية واشغل بحفظ المتون ثم توفي والده فسافر إلى مصر ومكث بالجامع الأزهر مدة تزيد على خمسة عشر سنة وجد واجتهد وفاق أقرانه إذ ذاك وغلب عليه علم الحديث وألف شروحاً على بعض متون في فقه الامام الشافعي ورسائل غيرها وسافر إلى الروم وصحبه رفيقه في المجاورة الشيخ أحمد التمرتاشي الغزي ولزم اقراء صحيح البخاري بجامع أيا صوفية تجاه السدة وكان الشيخ أحمد المذكور معيد المدرسة وتزوج ببنت والشيخ أحمد بأمها ومكث في المحل المزبور مدة خمسة وعشرين سنة واشتهر في بلاد الروم وفي بلدته بالمحدث واتسعت عليه الدنيا وجدد له السلطان أحمد أربعين عثمانياً في وقف الشاه زادات لعله بريرشهزاده ربطها باقراء الكتب الستة بعد العصر في الجامع المرقوم ولما أراد المجئ إلى بلدته فرغ عنها للشيخ أحمد العقرباوي ووجه له شيخ الاسلام إذ ذاك المولى عبد الله حين سفره من الروم للقدس تولية المدرسة الصلاحية وكانت على ابن عمه السيد محمد جار الله وقراءة الحديث بها وتولية المدرسة الحنفية وافتاء الشافعية ببلده وبعد خروجه من قسطنطينية جلس رفيقه الشيخ أحمد المذكور في مكانه يقرئ البخاري إلى أن توفي وكانت عليه وظائف جليلة تلقاها عن والده منها تدريس بالمدرسة المأمونية وثلث مشيخة المدرسة الملكية ونزل في القدس بالمدرسة الحسنية المذكورة سابقاً وجعل له وقتين للتدريس وقت الضحى بباب الأقصى للفقه وبعد المغرب تجاه الحجرة الجنبلاطية فوق سطح الضحرة يقرأ فيه الجامع الصغير واستمر على هذه الحالة إلى زمن موته ولم يكن لأفناء الشافعية إيراد قبل توليته لها فلما قدم من الروم مفتياً كان عمه أخو والده لأمه السيد محب الدين النقيب هو المرجع في بلدته ورئيسها فرتب له على الثلاثة ديورة في كل شهر من كل دير مائة مصرية واستمر ذلك إلى وقتنا ثم تحول من المدرسة الحسنية إلى المدرسة الفنارية فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته في سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بباب الرحمة رحمه الله تعالى.
علي الدفتري
علي بن حسن الحموي المعروف بابن قنبق نزيل دمشق والدفتري بها الشريف لأمه تقدم ذكر والده حسن في محله الصدر الشهم المعتبر الأديب البارع المنشئ الماهر(3/209)
الشاعر الكاتب الرئيس صاحب الشأن والمهابة أوحد الدنيا بالمعارف والانشاء ولد بحماة في سنة خمس وستين وألف ونشأ في حجر أبيه ثم لما توجه والده إلى الدولة العلية استصحبه معه وهو حديث السن فدخل للسراي العثمانية مع والده وأكب على تحصيل العلم والمعارف إلى أن حصلت له مكلة في فنون الأدب والكتابة والانشاء والشعر ومعرفة القوانين العثمانية ومهر في ذلك حتى صار يشار إليه بالبنان وتلقب بعلوي على قاعدة شعراء الروم والفرس وله أشعار كثيرة باللسانين وفي العربي أيضاً ثم إن أباه خرج برتبة الخواجكانية وابنه المرقوم باق في داخل السرايا فلما أخذ التزام حمص استأذن لأبنه أن يكون بصحبته فلما وصلا لحمص مر عليهم حسين باشا والي الشام وأمير الحاج المعروف بصاري حسين باشا فطلب المترجم الأذن من والده للحج فقال الوزير المشار إليه له أنت كابني وأنا أحتاج لمثلك فجعله كاتب خزانته ونال الحج صحبته وبعد ذلك عاد للدولة لخدمته المعينة له ثم دخل خاص أوضه وترقى إلى أن صار ركا بدار للسلطان محمد خان متقرباً إليه غاية التقرب ثم طلع بجلوس السلطان سليمان خان في سنة تسع وتسعين وألف برتبة الخواجكانية على قاعدة الأروام بمنصب الوقوفات بعد أن عرض عليه رتب سامية فلم يرض إلا بالخواجكانية المرقومة وهي رتبة متعارفة بين رؤساء الكتاب في الدولة وسافر الأسفار السلطانية وتقرب للسلطان مصطفى خان بحيث لم ينفك عنه في غالب الأوقات خصوصاً في زمن السفر ونال بذلك رفعة تامة وصار تذكره جي الديوان أول وثاني وباش محاسبه جي وغيرها وكان ثلاثة من الكمالات متعاصرين في ذلك الوقت تضرب بهم الأمثال أحدهم رامي محمد باشا كان صدراً عظيماً رامي باشا آخر صدور الدولة في زمن السلطان مصطفى الثاني وهو خلف مصطفى باشا دال طبان وسلف قوانوز أحمد باشا الذي كان تصدر قوانوز هذا ثلاثة شهور وقوانوس الجرة الخضر أهي من أخوات القاروره حين جلوس السلطان أحمد خان سنة خمس عشرة ومائة وألف والثاني المترجم المذكور كان وكيل رئيس الكتاب إذ ذاك والثالث أبي يوسف ديوانه مطبوع الرهاوي الشاعر المنشي المشهور كان من الخوجكان ثم لما صار الجلوس الأحمدي المذكور كان المعسكر السلطاني في أدرنة فلزم الأمر اختفاء المترجم مقدار ستة أشهر حتى سكنت الفتنة ثم ظهر ونفي إلى مكان يقال له بعجه أطه مدة ستة أشهر ثم عفي عنه وأعيد إلى اسلامبول وصار أمين الشعير السلطاني ثم بعد سنتين عزل ونفي ثانياً إلى حماه مقدار سنة ثم أعيد للدولة وصار ثانياً أمين الشعير السلطاني وذلك في سنة احدى وعشرين واثنين وعشرين بعد المائة ولما صار الوزير إبراهيم باشا المقتول صدراً أعظم(3/210)
إبراهيم باشا سلفه محمد وخلفه فمدة صدارة إبراهيم باشا اثني عشر سنة وتسعة شهور وعشرة أيام وصاهر السلطان أحمد أظهر بعض قوانين في الدولة وصار ينفي الرجال القدماء في الدولة ومن جملتهم أحضر المترجم المذكور على حين غفلة وألبسه خلعة دفتردارية الشام وأمره أن يأخذ حريمه وأولاده ويقطع العلاقة من اسلامبول أذية وأضراراً له وكان ذلك في سنة تسع وعشرين ومائة وألف فجاء إلى الشام وضبط المنصب إلى سنة ثمان وأربعين وتحلل له مرتين ثم في السنة المذكورة عزل وولي مكانه السيد فتح الله الفلاقنسي الآتي ذكره وكث بعد العزل أربع سنين عليلاً في سن الشيخوخة وتملك دار الوزير نصوح باشا الكائنة بالقرب من السراي وحصل له في أول أمره بدمشق الرفعة والشأن والاقبال والاحترام الوفير ثم غدر به الزمان ورماه في أرض الهوان واستقام منزوياً في داره وتراكمت عليه الخطوب واغتدى من الهم ومصائب الدهر ملآن الذنوب الذنوب كصبور الدلو الملأى ماء وحاصل القول إنه من أفراد دهره وعصره في المعارف والانشاء حتى إن الأروام ورؤساء الدولة كانوا يتنافسون في تحريراته التركية وانشاآته الفارسية وهي كمكاتبات الخوارزمي وابن العميد في اللغة العربية لما فيها من الاستعارات واللطائف مع أنه طرأ عليه اللسان واللغة فسبحان الواهب وكان محباً للعالم محبوباً عندهم كريم الطبع لطيف المحادثة صاحب نوادر ونكت حسن المذاكرة والمطارحة يعرف علم الموسيقى حق المعرفة مع
ما فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد(3/211)
مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله
ما مسني الضر إلا من أحبائي ... فليتني كنت قد صاحبت أعدائي
ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا ... داء يزيد بهم همي وأدوائي
من كان يشكو من الأحباب جفونهم ... فإنني انا شاك من أودائي
له شركاء وكانت وفاته في دمشق في ثالث شوال سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.(3/212)
علي البرزنجي
علي ابن السيد حسن المدني الشافعي الشهير بالبرزنجي الشيخ الفاضل العالم المفنن الناظم الناثر ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن أخيه السيد جعفر والشيخ عطا والشهاب أحمد الأشبولي والشيخ محمد بن الطيب والشيخ محمد العجيمي والشيخ محمد البناني المغربي والشيخ محمد الفاسي وله شعر لطيف منه قوله مخمساً
أيا كوثر العرفان يا خير مرسل ... ويا مورد الظمآن والعارف الولي
وساقي حميا الحب من حضرة العلي ... أأظمأ وأنت العذب في كل منهل
وأظلم في الدنيا وأنت نصيري
حبيبي بك الرحمن في الحجر أقسما ... وخصك بالتصريف في الأرض والسما
أغاثني إذا ما الضيم بالسهم قد رمى ... وعار على راعي الحمى وهو في الحمى
إذا ضاع في البيدا عقال بعير
وكانت له اليد الطولى في النظم نظم أسماء أهل بدر ومولد النبي صلى الله عليه وسلم لأخيه السيد جعفر وكان معتزلاً عن الناس ملازماً للخلوة وكانت وفاته بالمدينة المنورة في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى.
علي الرومي
علي بن حسين الحنفي الرومي النقشبندي خليفة الجد الأستاذ الشيخ مراد كان من أفراد العالم علماً وعملاً ولازم الجد أربعين سنة وأخذ عنه ورباه وطاف البلاد معه وحصلت بركته عليه واقتبس من مشكلته حتى أنور به الزمان يقال أنار الشيء وأنور على الأصل إذا ظهر وأعتقده الخاص والعام بعد وفاة الجد وصار خليفة مكانه في المدرسة المعروفة به بمحلة أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه وأخذ عنه ناس كثيرون وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن لصيق قبر الجد في المدرسة المرقومة رحمهما الله تعالى بيت مراد يدن استانبولده قالمامش شامده وارايسه ده يا جانم عرب اوشاق اولماز دنيلمش ايمش برشاملي بويله ديدي.
علي المصري
علي بن حسين الشافعي المصري نزيل دمشق وامام الشافعية بجامعها الشيخ الفاضل اللبيب الألمعي صاحب القدم الراسخ في كل كمال كان عالماً فاضلاً ملازماً للتقوى والصلاح حافظ الكتاب الله قطن أولاً بالمدرسة الخنائية الكائنة قرب الجامع الأموي جانب السميساطية ثم تحول إلى جانبها إلى المدرسة الجقمقية ثم إلى الظاهرية وأقرأ(3/213)
فيها الأولاد القرآن العظيم وأقرأ في النحو وغيره ودرس بالجامع الأموي ولما سلط الله تعالى على قرى دمشق الجراد وأكل زرعهم مدة سنين حصل لأهل الشام ضيق وشدة على ذلك فاختاروا أن يرسلوا المترجم والشيخ العالم عبد الرحمن الكفرسوسي لأجل جلب الماء المعروف بماء السمر مر وجاؤا به إلى دمشق قلت وقد ذكره غير واحد منهم ابن الوردي في خريدة العجائب العيون والآبار أو قال عين بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا وذلك إن الجراد إذا نزلت ووقعة بأرض يحمل إليها من تلك العين ماء في ظرف لا غير فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر سميرم ناحية بين عراق وفارس يجلب ماء الزرزور منها وسميرم بفتح السين والراء وبكسر الميم بناها سام ابن أرم فسميرم مخففه وقارية بتشديد اليا أيضاً زر زوروزر زور في الفارسي سارج بفتح الراء وسارسبز أيضاً وسمر مره غول اوقيانوس ظالمه دحى قونجلوز ديرلر ويقال لها السوادية بحيث إن حامل الماء لا يضعه على الأرض ولا يلتفت وراءه فتبقى الطيور على رأس حامل ذلك الماء كالسحابة السوداء إلى أن يصل إلى الأرض التي بها الجراد فتصيح الطيور عليها وتقتلها فلا ترى من الجراد متحركاً بل يموتون من أجل تلك الطيور وذكر ابن الحنبلي في تاريخه إن من شرطه أن يكون الوارد به من أهل الصلاح ولا يمر به تحت سقف وقال الصلاح الصفدي في الجزء الثاني والثلاثين من تذكرته قال الشيخ شمس الدين أبو الثناء محمود الأصفهاني إن بمدينة قشمين مسيرة ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء ساحة برزة يسمى ماؤها بماء الجراد له خاصية وهي من حمل من مائها في إناء إلى الأرض التي أتاها الجراد فيعلق ذلك الاناء في تلك الأرض فيقصدها ما لا يحصى من طير يقال له سارياً كل ما فيها من الجراد حتى يفتى وشرط هذا الاناء أن لا يمس في طريقه ولا في مكان تعليقه انتهى ورأيت في بعض المجاميع إنه في سنة احدى وستين بعد الألف جاء جراد إلى الشام فكتبوا له مراسلات من قبل الشرع إلى الأطراف وعلقت في الأماكن فلم يصر ضرر على الزرع وظهر من ذلك تأثير عجيب في دفع مضراته وصورة المراسلات المرسلة " بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل " بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ولا يأتي بالحسنات إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أيها الجراد المنتشر ببستان كذا بأراضي كذا تحضر مجلس الشرع الشريف بدمشق وترحل بقدرة الله تعالى عن البستان المذكور وبفضل(3/214)
" قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً " أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وكانت وفاة المترجم بدمشق في سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الطاغستاني
علي بن صادق بن محمد بن إبراهيم بن محب الله حسين بن محمد الحنفي الطاغستاني الأصل والملود نزيل دمشق ومدرس الحديث بها تحت قبة النسر الشيخ الامام العالم العلامة المحقق المدقق النحرير المفنن ولد في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف وقرأ على جملة من علماء بلادهم كالشيخ عبد الكريم الآمدي والشيخ أيوب الطاغستاني والشيخ عبد الوهاب الطاغستاني ثم رحل إلى حلب وأخذ بها عن الشيخ محمود بن عبد الله الأنطاكي ثم رحل إلى الحجاز وجاور هناك مدة وأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد حياه السندي ثم قدم دمشق وتوطنها وذلك سنة خمسين ومائة وألف ولما توفي الشهاب أحمد المنيني المدرس تحت القبة وجه له عنه التدريس المذكور وبقي عليه إلى وفاته وله من التآليف رسالة في الأبوين الشريفين ورسالة في الأسطر لأب عرب بها رسالة البهاء العاملي والعاملي هو محمد بن حسين بن عبد الصمد الملقب بهاء الدين بن عز الدين الحادثي العاملي الهمداني المترجم بخلاصة الأثر للمحبي وله تعليقات على أماكن من تفسير البيضاوي وتصدر بدمشق وكان يرجع إليه في مهمات الأمور ونزل به الفالج في آخر أمره في صفر سنة ست وتسعين وبقي في داره منقطعاً إلى أن توفي وكانت وفاته سحر ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بجامع الورد بمحلة سويقة صاروجا ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ محمد البلخي رحمه الله تعالى.
علي الغزي
علي بن عبد الحي بن علي بن سعودي النجم الغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل العالم النحرير الأوحد المفنن المؤرخ المتفوق أبو الحسن علاء الدين كان له اطلاع تام في علم التاريخ ومحفوظة حسنة مع تحصيل في العلوم وفضل ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ في حجر والده وتربيته إلى أن توفي ثم في حجر والدته فأكملت تربيته ووفرت حرمته وقرأ القرآن على الشيخ ذيب المقري وختمه عليه مرات تجويداً وحفظاً وأخذ العلم عن أجلاء من المشايخ منهم(3/215)
ابن عمه أحد صدور العلماء الشيخ أحمد بن عبد الكريم الغزي المفتي الشافعي أخذ عنه الفقه والحديث وغير ذلك وحضر دروسه ولزمه حتى توفي والفقه والفرائض وعلم الكلام عن العلامة الشيخ عبد الله بن زين الدين البصروي وقريبه وعن ابن عمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وحضر دروس العالم الشيخ محمد بن خليل العجلوني وأخذ العربية وعلوم القراآت والعقائد عن المحقق الشيخ حسن المصري نزيل دمشق وأخذ الحديث عن العمدة الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني وقرأ عليه كثيراً وكذلك عن الشيخ محمد بن عبد الحي الداودي والشيخ موسى بن سعودي المحاسني وأخذ طريق الصوفية مع العلوم عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وحضر دروسه بالسليمية في صالحية دمشق في التفسير غير مرة وقرأ عليه من أول الأربعين النووية الامام النووي له واقعة بينه وبين السلطان بيبرس لأمر يتعلق بأراضي الشام ولم يعد إلى الشام إلا بعد وفاة بيبرس كما هو مذكور في التواريخ وأجاز إجازة حافلة وألبسه الخرقة القادرية وأخذ العربية مع علوم البلاغة عن العلامة الشيخ محمد بن محمود الحبال ولازمه وخدمه إلى أن توفي واستجاز له والده من المعمر العالم الشيخ عبد القادر التغلبي وكذلك من الامام المحترم الشمس محمد بن علي الكاملي وكان يستقيم في حجرة داخل التربة الكاملية بحذاء الجامع الأموي وفي آخر أمره انعزل عن المخالطة بالناس واستقام بدار زوجته بمحلة الشاغور الجواني يقري ويفيد إلى أن توفي وكان أحياناً يخرج إلى المسجد الذي بقرب داره المعروف بالياغوشية ودرس وانتفعت به الطلبة وعلمه وحافظته لا مطعن فيهما ولم يزل على حالته إلى مات وكانت وفاته في يوم السبت الرابع والعشرين من رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عند أسلافه بني الغزي رحمهم الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
علي الدفترداري
علي بن عبد الرحمن الاسلامبولي الأصل والمولد الحنفي الشهير بالدفترداري الشيخ الفاضل العالم الكامل البارع قدم المدينة سنة أربعين ومائة وألف وجاور بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ محمد حياه السندي والشيخ محمد بن الطيب الفاسي نزيل المدينة ومحمد أفندي الشرواني وغيرهم ونبل وفضل وأعطى الجوار حقه وكان ممن سلم المسلمون من يده ولسانه يعفو عمن ظلمه ويصل من حرمه ولا يقابل أحداً بما يكره ويوجد من يظلم الضعفاء ويتهمهم لترضيع نفسه وسيعلم الذين ظلموا أي(3/216)
منقلب ينقلبون ولازم خدمة الفراشة بالمسجد الشريف النبوي بكرة وعشية وكان له مشاركة في العلوم العقلية والنقلية وله مجموعة بخطه وتوفي بالمدينة في تاسع عشري محرم سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف.
السيد علي الخباز
السيد علي ابن السيد عبد الخالق بن السيد جمال الدين المعروف بابن الخباز الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية كان صالحاً فالحاً فاضلاً له مشاركة في العلوم ارتحل لأكتساب العلوم إلى دار الخلافة اسلامبول ولازم على قاعدتهم من جوى زاده المولى محمد شيخ وبعده لما عزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً كعادتهم ففي ابتداء الأحداث في رجب سنة سبع وثمانين وألف أعطى مدرسة محرم أغا باعتبار رتبة الخارج وكان أول مدرس بها وفي سنة ثمان وتسعين في شوالها أعطى مدرسة الفضيلة وفي شوال سنة أربع وثمانين أعطى مكان المولى محمد صالح مخدوم شيخ زاده مدرسة باباس أوغلى وفي رمضان سنة سبع وثمانين أعطى مدرسة جعفر أغا مكان المولى إبراهيم أحد المدرسين وفي رجب سنة تسع وثمانين عن محلول جلب المولى إبراهيم أعطى مدرسة شيخ الاسلام المولى أحمد المعروف بالمعيد معيد أحمد سلفه أبو سعيد وخلفه عبد الرحيم وذكر نعيماً حال معيد فانظر ترجمة يحيى في خلاصة الأثر وما قال أحمد تائب في الحديقة في ترجمة علي باشا الشهيد رحم الله أهل العفة ففي رمضان سنة اثنين وتسعين أعطى قضاء بلدة صوفية مكان قبا صقال المولى وفي ربيع الثاني سنة أربع وتسعين عزل منها ففي محرم سنة ثمان وتسعين في شوالها لسبب استيلاء الكفار صار معزولاً ففي ذي القعدة سنة ثلاث ومائة وألف أعطى قضاء مغنيسا وفي سنة ست ومائة وألف أعطى تكريماً رتبة قضاء المدينة المنورة وفي سنة ثمان أعطى قضاء أرزن الروم وفي ربيع الأول سنة ثلاث عشرة أعطى قضاء ديار بكر وفي سنة ستة عشرة ومائة وألف في ذي القعدة توفي في اسلامبول ودفن خارج باب أدرنة في تكية هناك.
علي السمهودي
علي بن عبد الرحمن بن السيد علي المدني الشافعي الشهير بالسمهودي مفتي السادة الشافعية بالمدينة النبوية الشيخ الفاضل الواحد الكامل البارع المفنن الأديب ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على شيخنا الشيخ(3/217)
محمد بن سليمان الكردي والشيخ أحمد الغلام وتفقه بهما وغزر فضله وظهر نبله وكان فاضلاً أديباً ذا جاه ووجاهة متقناً لأحوال الرياسة لا يدانيه أحد في معرفتها سهل الحجاب لا يقصده أحد إلا ويجد منه غاية الاكرام حتى في اليوم الذي توفي فيه وتولى افتاء الشافعية مرتين وكان أحد الخطباء الأئمة بالمسجد النبوي وتوفي بالمدينة المنورة في سادس محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
علي الأرمنازي
علي بن عبد الكريم بن أحمد الشافعي الأرمنازي نزيل حماة الشيخ العالم الفاضل الكامل له باع بالعربية والفقه ماهر بذلك وبالأصول والحديث والفقه والآلات ولا سيما الفقه حتى كان في فقه سيدنا أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه واحد عصره بارعاً فيه مع كونه شافعياً ولد في أرمناز تابع حلب في حدود سنة ثمان وعشرين ومائة وألف تقريباً وبها نشأ إلى أن بلغ مبلغ الرجال فتوجه إلى مصر بعد أن حصل قليلاً من العربية والفقه واستقام بها مجاوراً في الجامع الأزهر سبع سنين وقرأ على شيوخها منهم الشيخ حسن المقدسي الحنفي قرأ عليه صدر الشريعة والدرر والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ محمد الحفناوي والشيخ محمد الدقري والشيخ إسمعيل الغنيمي والشيخ علي الصعيدي والشيخ خليل المالكي والشيخ أحمد الهندي السليماني الحنفي وبرع وتفوق وقدم وطنه ورحل منه إلى معرة النعمان وصار بها قاضياً مدة من الزمان ثم توجه إلى بلدة حماة وجعلها مقره وحماه وسكن بها يقري ويفيد ولزمه جماعة وأخذ وأعنه وأسعفوه وكانت وفاته في رمضان بحماة سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن خارج باب الدرج رحمه الله تعالى والسبب في موته أنه كان راقداً على سطوح داره فوقع منه على الأرض واستقام مدة ساعات قليلة ومات من يوم ليلته رحمه الله تعالى.
علي الكردي
علي بن عبد الله بن أحمد بن إسمعيل الكردي من بلدة كوي بالقرب من عبدلان الشيخ المعمر الرحلة الصالح التقي الولي الزاهد الشافعي النقشبندي ولد ببلده سنة أربع وسبعين وألف وقرأ بها القرآن العظيم وأخذ العلوم عن علماء عبدلان وانتفع بالشيخ الكبير القطب الشيخ إسمعيل والد الشيخ عبد القادر العبدلاني وعنه أخذ الطريق ودخل حلب مرات قبل الأربعين وبعدها ثم استوطن دمشق وحج وجاور وأخذ عن سادات الحرمين وتخرج بالشيخ الكبير عبد العزيز(3/218)
الهندي النقشبندي ودخل مملكة ايران والروم ومصر وكانت مدة سياحته تزيد على ثلاثين سنة ولم يضع بها حنبه إلى الأرض وذلك له لآساذ في المفاوز كما شاهد ذلك منه مريدوه الثقات ورأى رب العزة في عالم الخيال وطار ذكره في الآفاق واستدعاه الملك المعظم السلطان مصطفى خان إلى أبوابه للتبرك به فرحل من دمشق ودخل دار الخلافة وأنعم له الملك المشار إليه في كل سنة بألفي قرش وخمسمائة قرش فزهد عن ذلك فألح عليه فقبل من ذلك قرشاً واحداً في كل يوم من مال جزية دمشق والباقي فرقه في رفقته وطلب منه الملك المشار إليه الدعا بالنصر للسرية التي جهزها علي الخارجي طهماس بمملكة ايران فأهلك الله طهماس فاعتقده وله كشف وأحوال ارتاحت لها قلوب كل الرجال وقد تزوج بسبع وولد له خمسون ولداً وأعقب بدمشق الشيخ إبراهيم الفرضي وكان من الأفاضل الأذكياء توفي سنة سبع ومائتين وألف وتوفي المترجم عاشر صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن بسفح قاسيون.
علي السليمي
علي بن محمد بن علي بن سليم الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بالسليمي الشيخ العالم العلامة الحبر النحرير المسند المعمر الولي الكامل أبو الحسن علاء الدين ولد كما أخبرني سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وطلب العلم بعد التأهيل له فأخذ عن جملة من الشيوخ كالأستاذ عبد الغني النابلسي وولده الشيخ إسماعيل والشيخ محمد بن خليل العجلوني والشيخ محمد بن عيسى الكناني والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ حسن المصري والشيخ محمد العلواني والشيخ رجب الأشقر الصالحي وعلي البراذعي وغيرهم وبرع وفضل وتصدر للتدريس فدرس في الجامع الأموي والجامع الجديد بالصالحية والمدرسة العمرية وله من التآليف تكملة شرح تفسير البيضاوي للشيخ عمر الرومي كمله من سورة الأسرا والزبدة الطرية على منظومة الأجرومية وشرح على شرح الغاية لأبن قاسم وغير ذلك وكان المترجم المرقوم عالماً عاملاً ورعاً تقياً نقياً زاهداً معرضاً عن الدنيا متقللاً منها تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته طلوع فجر يوم الخميس غرة جمادي الأولى سنة مائتين وألف وصلى عليه بجمع حافل في السليمية ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
السيد علي المرادي
السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد مراد ابن السيد علي المعروف بالمرادي(3/219)
الحنفي البخاري الأصل الدمشقي المولد والمنشأ النقشبندي مفتي الحنفية بدمشق الشام وعين أعيانها وفارس ميدانها سيدي ووالدي ومن ورثت منه طريقي من المجد وتالدي الشهم الصدر المحتشم المهاب الوقور الجسور المقدام الفاضل العالم الأديب الأريب الذكي الحاذق اللوذعي الألمعي ذو الفكر الصائب كان رحمه الله تعالى فرد الدهر وواحداً في هذا العصر حسن الأخلاق كريم السجايا واسع الصدر قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي في اجراء الحقوق ولا تأخذه في الله لومة لائم متمسكاً بالشريعة المحمدية مكرماً للوافدين محباً للعلماء والأفاضل سخياً جواداً ممدوحاً يراعي الله في أموره ويراقبه وانعقدت عليه صدارة دمشق الشام وروجع في الأمور من البلاد واشتهر صيته بين العباد وقصدته المداح وكاتبته الأعيان من سائر البلاد والأطراف لا سيما من قسطنطينية فإن أعيانها كانت تراجعه بمهمات دمشق حتى السلطان مصطفى خان صاحب المملكة يراجعه ويطلب دعاه ويوصيه بأهل دمشق وكانت مخاطبته له في أوامره المرسلة إليه عمدة المتورعين والزهاد زبدة المتشرعين والعباد سراج الارشاد مصباح السداد شيخنا ابن الشيخ مراد زيد فضله وكان يردع الحكام والظلمة عن دمشق وغيرها ويتكلم معهم كلاماً قاطعاً ويحترمونه ولا يمشون إلا على رأيه ومراده والذي بلغه من الجاه والسعة والاقبال وتوافق القلوب على حبه لا يحصيه قلم كاتب ولا مداد حاسب وأما صيته فملأ الخافقين وشاع بين الثقلين وله من الثناء الباقي المخلد في صفحات الأيام ما لو نسخت الدنيا يبقى إلى يوم القيام وهذه عطية من الله الرحمن وهبة من الرحيم المنان فإنه تفرد بكرمه وخلائقه وأفرد بحيث لم يسمع مثله سابقاً ولا يجئ شبهه لاحقاً فدامت هواطل الرضى على رمسه هامية ومراتبه في الفراديس الجنانية سامية ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده وكان والده يحبه أكثر من اخوته ويميل إليه وقرأ القرآن العظيم على الشيخ علي المصري الحافظ المقري نزيل دمشق وأخذ وقرأ واشتغل بطلب العلم على جماعة كالشيخ محمد الديري نزيل دمشق والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق والشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني ووالده العارف العالم الشيخ السيد محمد المرادي والشيخ إسمعيل العجلوني الدمشقي والشيخ علي الطاغستاني نزيل دمشق والشيخ موسى المحاسني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بواسطة والده وبدون واسطة وعن الشيخ محمد حياة السندي والشيخ أسعد ابن العناق نزيل مكة والعالم الشيخ علي مفتي مكة والسيد عمر باعلوي سبط الشيخ(3/220)
عبد الله بن سالم المكي والشيخ محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة والعلامة المحقق المولى عبد الله الرومي مفتي الممالك العثمانية المعروف بالايراني وتفوق واشتهر ومهر وبرع وتولى رتبة قضاء القدس وافتاء الحنفية بدمشق واستقام بها إلى أن مات ودرس في المدرسة السليمانية بالهداية وجعل من إنشائه في كل درس خطبة وتولى غيرها من التوالي التوالي لعلها جمع التولية والوكالات بحيث لو جمع الذي تولاه وناله وصرفه لاعى الحاسبين وبهر بهره غلبه الناظرين والسامعين وامتدح بالقصائد الغرر وجمعت فجاءت كتاباً حافلاً ورحل إلى الروم صحبة والده وكذلك إلى الحج ثلاث مرات وله من الخيرات والمبرات والمدارس والعثامنة شيء كثير لا يمكن العد والأحصاء له بالتقرير وله من التآليف شرح على صلوات والده ومن الرسائل الروض الرائض في عدم صحة نكاح أهل السنة للروافض واخرى سماها أقوال الأئمة العالية في أحكام الدروز والتيامنة واخرى سماها القول البين الرجيح عند فقد الحصبات تزويج أولي الأرحام صحيح وله شعر كثير ونثر غزير ونظم كله بداهة وقد جمعت ذلك بخطبة من إنشائي فجاء ديواناً بديعاً وكان في زمنه العلماء والأفاضل محترمون ومبجلون والأسافل الجهال مكيدون محقرون وكل أحد سالك مسلكه لا يتعدى الحدود وكان ينظر لصاحب الحق ولو على ولده ويكرم الغرباء والحضور ويحسن الاعتقاد في الصلحاء ولا ينكر على أحد ولا يقبل الرشا والجرائم مع إن يده كانت طائلة إلى ما يشتهيه رحمه الله وكل من جال في ميدان التعفف واتبع أثر يحيى أفندي شيخ الاسلام وعلي باشا الشهيد الصدر في زمن السلطان
أحمد الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها
ذكر الأحبة يا سعاد يحبب ... وبذكر أهل القبلتين أشبب
فعلام قلبي قد يطوف بحانة ... ضاءت بها شمس عليها أكؤب
قد زانها الساقي فجانس خده ... لو نالها قد لذ فيه المشرب
آه على زمن تقضي برهة ... لم أدر إن البعد فيه يعقب(3/221)
في روضة لعب النسيم ببانها ... وبدت حمائمها تهيم وتطرب
متجوزاً فيه الغدير كأنه ... نهر المجرة في صفاه كوكب
حصباؤه در تضي بصفائه ... وبحافتيه الورد عطراً طيب
والزهد قد ضاءت بأفق سمائها ... في روضها الفضفاض ذاك محبب
والترب فاح وقد شذاه عطره ... من نفحه الفياح عرفاً طيب
ولطالما الحادي يسوق بعيسه ... ليلاً وبدر الأفق كان يغيب
ويحث بدنا للوصول لروضة ... من نورها السامي أضاءت يثرب
بلد بها خير الخلائق طيب ... سمع الصلاة لمن له يتقرب
ويرد في حال السلام لوارد ... والله يعلم ما بذلك يحجب
وله مقام قد علا عن غيره ... في موقف قد عز فيه المطلب
وله من قصيدة حين ختم درس الهداية في السليمانية
من ذكر نجد يا حبيب فردد ... وبوصف من حلوا هنالك فأنشد
حيث الأراك على الغدير مخيم ... وعليه غرد طيرها بتردد
حيث الصبا مرت على سكانها ... فتحملت طيباً وعطرت الصدى
فتعطر المشتاق من نفحاتها ... وبها يحن إلى الديار وانجد
حتى ينادي في المهامه منشد ... زموا الركاب فلست بالمتفند
إني أرى البانات من علم الحمى ... وأرى منازل أهل ذاك السؤدد
شبه السراة إذا الليالي أظلمت ... أهدوا بنور للنبي محمد
من طيبة الغراء مصباح الهدى ... أكرم به من حالل وموسد
بحر الهداية والعناية والتقى ... وشفيعنا عند التزاحم في غد
وله لواقعة منامية هذه القصيدة النبوية ومطلعها
قبلت يدك في المنام تكرماً ... يا من علا فوق السماء وقد سما
فالله خصك من عناية فضله ... بعظيم خلق جل من قد عظما
وبسورة الأسراء أسرى عبده ... من مكة البطحا لقدس يمما
نادي لموسى اختلع نعليك في ... وادي المقدس يا كليم فكلما
أنت الذي في الأنبياء جميعهم ... كنت الامام وما برحت مقدما
ولقد عرجت على البراق مصاحباً ... لأمينه يا خير من وطئ السما
حتى وصلت إلى العلا في همة ... ولقاب قوسين الدنو مكرما
للسدرة العظمى تجرر أذيلاً ... فيها الفخار وقد حظيت تكلما
حتى تراجع ربك الأعلى لنا ... فيما يقول من الصلاة ترحما(3/222)
منها
خضعت لهيبتك العوالم كلها ... لما الآله عظيم خلقك اعلما
فالله خصك في فضائل عدة ... وعن صفها عجز البليغ وافحما
من ذا يروم ثنا علاك بمدحه ... والله قد أثنى عليك وعظما
فالشهب لا تحصى كذاك علاك لا ... يحصى وقدرك يا نبي تعظما
وقال وهو في بلاد الروم مضمناً البيت الأخير للمتنبي
لما دعيت إلى حماك وقد أرى ... شوقي إليك أعز فيه وأكرم
جاءت بي الأقدار أمشي خاضعاً ... حتى أريق دماً وقدرك أعظم
وأقول شعراً قاله من كندة ... شهم له غر القوافي تخدم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
وحين قدم دمشق العارف الرباني العالم الأستاذ السيد الشريف عبد الرحمن ابن مصطفى العيدروسي اليمني نزيل مصر القاهرة ونزل في دارنا الكائنة في محلة سوق صاروجا ابتهجت به دمشق وازدانت وحصل له الاقبال التام وأقبلت عليه الأفاضل والعلماء والسادات وظهر برونق الأدب والفضل وخدمته الأدباء بالقصائد الغر حصلت المطارحات والمساجلات البديعة وكان رحمه الله تعالى بهجة وجه الفضائل ونير سماء المعارف والآداب والفواضل فكتب إلى والدي المترجم هذه القصيدة وهي قوله
اليك على الذات والوصف والوهب ... حثثت مطايا العزم والشوق والحب
وحق لنا حث المطايا إلى فتى ... تسامى بوهبي العلوم وبالكسب
شريف له بالمصطفى خير نسبة ... تعالت على أوج المجرة والشهب
عليم بأنواع العلوم همامها ... وقاموس فضل فاض بالمشرب العذب
كريم له الجود الخضم وإنه ... لحاتم هذا العصر في جوده الرحب
سرى يسر الكون فضل قوله ... بفعل مصون عن خيال ذوي العجب
سليل المرادي المهذب شيخنا ... هزبر العلي في منهج النقل واللب
فلله من فرع حذا حذو أصله ... وجاراه في شرق الكمالات والغرب
هو السيد المفتي مريدي شريعة ... بعلم حنيفي به زينة الكتب
هو العارف الهادي مريدي حقيقة ... إلى حضرة الاطلاق حسبي بها حسبي
له الله مولى كل ما فيه مشرق ... بما حازه بالله من حضرة القرب
وإني له داع بكل مراده ... فأرجو إجاباتي يجود بها ربي
فيا سد أسعد الزمان به علا ... ومشربه بالحق بالمرتجى ينبي(3/223)
لك الله يا خدن المكارم من أخ ال ... مزايا التي جلت لدى السلم والحرب
وأبقاك ذو الأفضال في خلعة العلى ... ولا زلت حصناً في رخاء وفي جدب
ودونك أبيات الوداد وانها ... تشكر فضلاً منك يسمو به قلبي
ودم وابق يا مولاي في خير عزة ... تسر بها أهل المودة والحب
وأزكى صلاة الله ثم سلامه ... على المصطفى المختار والآل والصحب
وأتباعهم ما فاح عرف الحمى وما ... سقت روضة الأدواح ساجمة السحب
فأجابه والدي المترجم بقوله
فسرى عن الأسرار عن سركم ينبي ... وعن مشرق العرفان ضاء به لبي
أجيبو الداعي الحق أهل ودادنا ... فإني منادي الحق في حضرة القرب
أهيل المصلى والعقيق وحاجر ... أهيم بكم وجد أو مسكنكم قلبي
أقلب طرفي في الخيام وما حوت ... ولم أر يوماً في الوجود سوى ربي
سيكشف لي ربي حجاباً يظنه ... على أولو الأبعاد طرقاً لي سلبي
فهذي عطايا لم ينلها مؤمل ... سوى دائرات الحان عن سرها ينبي
وأضحى خليعاً لا يرى في مدامها ... أنيساً وعين الشرب في صفوها شربي
أهيم به وجداً وإن ظن معشر ... بأني عن الأكوان أخلو من الكسب
فهيهات أن يبدو عبانا لمعشر ... أيدرون لبلى بالستور وبالحجب
فاهي الأنزهة لأولي النهى ... فعجل بصافي الدن من حضرة الوهب
منها
فأدار في الكاسات إلا كلامها ... بظرف من الأسماع صنع من الترب
فغنى بها الحادي وأطرب معشرا ... فعادوا ثمالاً خالصين عن السغب
يهيمون في ذكر الحبيب ووصفه ... وينفون ذكر الغير من معرض السلب
ويبدون ذكر الذات من معشر السوى ... ويروون عين الذات عن منهل عذب
عن الأحمد الهادي عليه صلاتنا ... دواماً مع التسليم من حضرة الغيب
وآل وأصحاب بدور هداتنا ... إلى سبل أهل الحق والوهب والكسب
وقال مضمناً
يا ابن المعالي ومن حازوا لمجدهم ... فخراً على هامة الزهراء ينتسب
على م تشكي جوى ما ليس نافعه ... غير التألم في وسط الحشا لهب
ما أنت أول سار ضل في قمر ... حتى ولا أنت حاك فاته الشنب
ومن ذلك تضمين الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره(3/224)
رام المدام بأن يحكي باكؤسه ... دور الغلايين لما مدت القصب
فهب نفح دخان التبغ ينشده ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومنه تضمين محمد أسدي من قصيدة مطلعها
دع المدامة يعلو فوقها الحبب ... رضابه وثناياه لنا أرب
قالت مباسمه للبرق حين سرى ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومن ذلك تضمين الكامل حسن الشهير بالدرزي
حكى دخاناً سما من فوق وجنة من ... قد مص غليونه إذ هزه الطرب
غيم علا بدر تم قد تقطع من ... أيدي النسيم فولي وهو ينسحب
فقلت والنار في قلبي لها لهب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومن ذلك تضمين العارف الشيخ أيوب الخلوتي
قال الاقاح حكيت الثغر قلت له ... ترك المقالة في هذا هو الأدب
في اللون أن تدعى واللين مشبهه ... نعم حكيت ولكن فاتك الشنب
ولمجير الدين ابن تممي
إن تاه ثغر الأقاحي أن نشبهه ... بثغر حبك واستولى به الطرب
فقل له عندما يحكيه مبتسماً ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنت
وللمترجم في شجر الصفصاف
أمن صاغ للجهال رفع رؤسهم ... إذا ما رأوا ذا العلم والأدب الغض
أما ينظروا الصفصاف من عدم الجنى ... حياء من الأشجار أطرق للأرض
وقال مشطراً
بيضاء لما آيست من وصلها ... دنفاً غدا ولهان في أهوائه
ماست تتيه بفرق صبح صادق ... وبدت بدو البدر وسط سمائه
أترعت في حجري غديراً بالبكا ... حتى ترائى دره لصفائه
وصقلت مرآة المياه تعطفا ... فعسى يلوح خيالها في مائه
ومن ذلك تشطير الفاضل النبيه إسماعيل المنيني
بيضاء لما آيست من وصلها ... وكوت فؤاداً طال فرط عنائه
وغدت تميس كما القضيب تأودا ... وبدت بدو البدر وسط سمائه
أترعت في حجري غديراً بالبكا ... لا الدر يحكي منه حسن صفائه
قد غاب عن عيني شخص جمالها ... فعسى يلوح خيالها في مائه
ومما اتفق في المولد الشريف الذي نصنعه كل سنة في دارنا الكائنة في محلة سوق(3/225)
صاروجا إنه لما تمت قراءة المولد الشريف والناس مجتمعون كعادتهم وحاكم دمشق والقاضي وجميع الأعيان والعلماء وجمع غفير إذ حفظ تخت من الخشب كان في الدار فعظم الاضطراب سرور أمن إنه عند ذكره الشريف تتحرك الجمادات ثم إن الوالد حفه رضوان ربه أنشد ارتجالاً بقوله
ما تعجبوا من ذكر أحمد سادتي ... فالتخت نادى معلناً بصفاته
نطق الجماد بأسره في مولد ... وأنا الذي قد همت من بركاته
وكان نزيلاً عندنا إذ ذاك العالم الشيخ محمد التافلاتي المغربي نزيل القدس فقال في ذلك
تخشع التخت لما ... روو الذكر الحبيب
فارتج يبدي حنينا ... كجزع طه المنيب
قطاف كأس سرور ... على جميع القلوب
وللمترجم مشطراً وتقدم في ترجمة الشيخ أبي بكر الجزري الكردي تشاطير هذين البيتين
أحمامة الوادي بشر في الغضا ... بالشعب من نحو العذيب ولعلع
إني أحن إلى الديار فغردي ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغضونه ... سمر القنا تدمى بكل مولع
والريح تنثر نور غصن قد غدا ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال مخمساً
أدر الزجاجة بالصبابة علني ... إن انتشى طرباً فحبك علني
يا أهيفا أنا في هواه تفتني ... لا تخش سلواني عليك فانني
عن رتبة العشاق لا أتزحزح
فإن بحبك كل من قد يعشق ... ويرى حديث العشق وهو مصدق
إني أقول وكل شيء ينطق ... باب التسلي عن جمالك مغلق
حلف الغرام بأنه لا يفتح
وقال مشطراً
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ... عن حضرة الأنس في قرب وإيناس
وقال يبدي أعاجيباً منوعة ... عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تمكن من ... آنست من قبس نار الأقباس
هذي مظاهره في السكر أعجب من ... فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تشطير الأديب محمد شاكر العمري
يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته ... في ألحان عن حال اسعاف وإيناس(3/226)
يلهو عن اللهو صفواً غير ممتنع ... عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تمكن من ... حيث الكؤس على استعداد جلاس
تلقاه مستغرقاً في سكره وله ... فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وقد خمسهما الأديب محمد مكي الجوخي بقوله
سر الوجود حيب الله صفوته ... صافي الشراب سقاه ثم ثبته
وقام يسقي وطابت فيه نشوته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أدناه حضرته فالروع منه أمن ... حباه سر وجود في الغيوب كمن
مذ شاهد السر في أقداحه ويقن ... أطاعه سكره حتى تكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وخمسهما الفاضل عبد الحليم اللوجي بقوله
أضحت مطاف ندامى الأنس حضرته ... وجملت بهجة الحانات نضرته
ما زال مذ شعشعت في الكأس خمرته ... يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
ثبات حال له نهج السداد ضمن ... وإنه بالمزايا الفائقات قمن
لما احتساها ومن غول الشراب أمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تخميس العالم الفاضل الشيخ عمر بن عبد الجليل البغدادي نزيل دمشق وهو قوله
إن الذي في ذرى العلياء رتبته ... ومن هو البرزخ المفتاح نشأته
سر الوجود سرت في الكل بهجته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
شمس الحقيقة سر السر منه زكن ... وهو الوساطة في نيل الكمال فان
أراد في سكره إنشاءنا وضمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تخميس السيد حمزة الدمشقي الأديب
هذا الرسول الذي عمت فضيلته ... وعظمت بصريح النص أمته
من خمرة الذات في التوحيد شربته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس(3/227)
لقد هدانا بارشاد له وضمن ... والله أعطاه حتى إن رضى وأمن
من مثل طه وسر الله منه ركن ... أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سد الناس
ومن ذلك تخميس الأديب السيد عبد الفتاح مغيزل
من كان من نور ذات الحق نشأته ... ومن علت ذروة الأفلاك رتبته
من حالة القرب والتقديس خمرته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
عن درك أوصافه قد حار كل فطن ... فدوهر العلم والتحقيق فيه كمن
إن رام في سكره الارشاد فهو أمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وله عفى عنه غير ذلك من الأشعار الفائقة وكانت وفاته في ليلة الجمعة في الثاني والعشرين من شوال سنة أربع وثمانين ومائة وألف وفي يوم الجمعة دفن في مدرستنا الكائنة بمحلة سوق صاروجا ورثى بقصائد كثيرة وتولى افتاء الحنيفة بعده أخوه المولى السيد حسين إلى أن مات وذلك في رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكره والده محمد وعمه مصطفى وجده مراد إن شاء الله تعالى ومن العجيب إن المترجم رحمه الله تعالى لما ختم درس السليمانية في سنة وفاته وكان ذلك الدرس آخر الدروس أنشد في الملاء العام هذين البيتين المشهورين وهما
دفنوا الجسم في الثرى ... ليس في الجسم منتفع
إنما السر في الذي ... كان في الجسم وارتفع
علي ابن أيوب الخلوتي
علي بن محمد بن أبي السعود بن أيوب الخلوتي الحنفي الدمشقي الفاضل المتفوق الكامل كان من الأفاضل المحصلين ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في حجر والده الشيخ الصالح واشتغل بتحصيل العلوم وقرأ على الشيخ عبد الله البصروي في فنون عديدة منها في النحو شرح القطر للفاكهي وشرح الكافية للجامي وحاشية عصام الدين قراءة بحث وتدقيق وانتفع به ومن مشايخه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي والشيخ علي كزبر قرأ عليه في مصطلح الحديث وأجازه ومنهم الشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد الدمري الطرابلسي نزيل دمشق والسيد محمد العبيبي والعارف الشيخ عليم الله الهندي نزيل دمشق فإنه قرأ عليه في المنطق وأجازه اجازة حافلة واجتهد في العلوم(3/228)
حتى حصل الفضل ودرس بالجامع الأموي ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وسبعين مائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله.
علي التركماني
علي بن محمد سالم بن ولي الدين التركماني الأصل الحنفي الدمشقي المولد أمين الفتوي عند مفتي الحنفية بدمشق الشيخ الامام العالم الفقيه الحبر الفهامة النبيه كان متقناً متفوقاً بفقه الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وماهراً بمقتضياته وإليه النهاية فيه بوقته مع الفضل الذي لا مطعن فيه ولد سنة ثلاث ومائة وألف وقرأ وأخذ عن جماعة من شيوخ دمشق والروم واستفاد وصار أمين الفتوى مدة مديدة عند العلامة الامام المولى حامد العمادي ثم من بعده عند والدي رحمه الله تعالى ودرس بالجامع الأموي في الفقه وكانت عليه وظائف عديدة وله رسائل وتعليقات وحواشي كثيرة وبالجملة ففضله لا شك فيه سيما بالفقه فروعاً وأصولاً وكان العمادي في غالب الأوقات يزجره خوفاً من ادخال الرشوة في أمور الفتيا عليه رحم الله العمادي رحمة واسعة وقطع أيدي المرتشين عن أمور عباده بحرمة رسوله وكانت وفاته في يوم الجمعة ثالث رجب سنة ثمان ومائة وألف ودفن بمقبرة الحفلة عند داره بميدان الحصا رحمه الله تعالى الرشوة يجوز فتح الراء وضمها وكسرها ولا يجوز قبولها ويذمون الراشي حياً وميتاً ويذكرونه باللعنة لأن الرشوة رأس الفساد للملل والدول.
علي السقاط
علي بن محمد بن علي بن العربي الفارسي المصري المالكي الشهير بالسقاط الشيخ المحدث المعمر العالم العامل النحرير الكامل أبو الحسن نور الدين أخذ عن جماعة من العلماء منهم والده والشهاب أحمد العربي بن الحاج الفاسي وولده محمد والبرهان إبراهيم بن موسى الفيومي ومحمد بن عبد السلام البناني وعمر بن عبد السلام التطاوني ومحمد الزرقاني وأجاز له أبو حامد محمد البديري الشهير بابن الميت والسيد مصطفى بن كمال الدين البكري وحج سنة أربع عشرة ومائة وألف وجاور بمكة وأخذ بها عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وغيرهما وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وعلماً وديانة وزهداً وولاية أخذ عنه الجمال عبد الله الشرقاوي والشيخ عبد العليم بن محمد الفيومي وغيرهما وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي البصير
علي البصير البصري المالكي نزيل المدينة المنورة وعالمها ومحدثها أخذ عن محمد(3/229)
بن داود العناني وأخذ عنه السيد تقي الدين الحصني وتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشري محرم سنة ست ومائة وألف ودفن بالبقيع بقرب ضريح الامام مالك رحمه الله.
علي الأسكاف
علي بن محمد بن حسن الأسكاف الدمشقي أحد المجاذيب المولهين كان يحضر مجالس الذكر فيأخذه اصطلام وكان في أيام الشتاء يلبس عباءة والعرق يقطر من جبينه والناس في شدة البرد توفي في أوائل هذا القرن.
علي الرختوان
علي بن محمد بن علي ابن عثمان المعروف بابن الرختوان الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الفاضل الأديب الشاعر الماهر الكاتب البارع المنشي كان والده تذكره جي الدفترخانه بدمشق وتوفي سنة ثمان ومائة وألف ونشأ المترجم وحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين وشاع أمره بالذكاء حتى وصل للوزير الأعظم إذ ذاك فأدخله للحرم السلطاني فخدم ثمة مع الغلمان في دار السعادة السلطانية كعادتهم وأخذ وقرأ الفنون ومهر بالأدب وأخذ الخط عن عمر الرسام الكاتب المشهور وتعلم اللغة التركية وغلبت عليه حتى صار ينظم الشعر التركي البليغ وتلقب بفائز على طريقة شعراء الفرس والروم وصارت أبناء الروم تتغالى بأشعاره حتى إني رأيت الفاضل سالم ابن مصطفى قاضي العساكر ميرزا زاده ترجمه في تذكرة الشعراء التي جمعها وذكر شيئاً من شعره التركي واشتهر تفوقه وهو في الحرم السلطاني وصار رئيس البوابين في الباب العالي وتزوج بابنة الوزير مصطفى باشا المقتول ولم يزل صاحب اشتهار واعتبار إلى أن مات وكانت وفاته بقسطنطينية سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله.
علي الشدادي
علي الفاسي المالكي الشهير بالشدادي مفتي فاس وقاضيها الشيخ الامام العالم العلامة النحرير الأوحد ذكره أبو الفتوح علي الميقاتي الحلبي في جملة شيوخه وذكر إنه توفي بعد العشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الكبيسي
علي بن محمد الكبيسي الدمشقي الصالحي أحد المجاذيب المشهورين بدمشق توفي يوم عرفة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف.
علي الزهري الشرواني(3/230)
علي بن محمد بن علي الزهري الشرواني الحنفي المدني رئيس علماء الحنفية بالمدينة المنورة النبوية الشيخ العالم المحقق المدقق النحرير ولد بالمدينة لأربع خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وهو ابن تسع سنين وحفظ جملة من المختصرات الفقهية وغيرها على أبيه محمد أفندي وأخذ عن جملة من العلماء كالشيخ محمد حياه السندي ولازمه إلى أن توفي وقرأ الهداية على محمد أفندي ابن عبد الرحيم المفتي بشروان وحضر التسهيل على الشيخ محمد ابن الطيب المغربي وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الدقاق والشيخ محمد الحريشي والسيد عمر المكي العلوي سبط عبد الله ابن سالم وقرأ بعض الهداية على العلامة مرزا إبراهيم الأوزبكي وشرح التجريد للقوشجي على العلامة محمد رضى العباسي وأخذ الخط عن علي أفندي ابن محمد القيصري تلميذ شكر زاده ودرس بالمسجد النبوي وإليه انتهت الرياسة في الفقه وكان مرجعاً لأهل المدينة في ذلك وكان إذا أقرأ كتاباً يجري فيه القواعد الآدابية والمنطيقة على أحسن أسلوب فصيحاً متكلماً مهاباً عند الحكام ولي نيابة القضاء خمسة وثلاثين يوماً سنة ست وثمانين فتعصب عليه أناس من أهل المدينة وسعوا في عزله فعزل وأم في المحراب النبوي وألف مؤلفات نافعة في العلوم العقلية والنقلية منها حاشية على ديباجة الدرر وهوامش على المختصر حين أقراهما في المسجد النبوي وله شعر منه قوله من قصيدة مدح بها السيد أحمد بن عمار الجزايري
يقول لثام الفخر والشرف الجلي ... جنابك حقاً قد علا كل معتلي
وأضحى لأشباح المعالم روحها ... ومبدأها الفياض من هبة العلي
مدير لأفلاك العقول وقطبها ... ومركز عرش المجد والحسب العلي
وله غير ذلك وكانت وفاته بالمدينة في غرة صفر الخير سنة مائتين وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
علي العمري
علي بن مراد العمري الموصلي الشافعي خطيب الحضرة النبوية اليونسية أبو الفضل نور الدين كان رحمه الله تعالى نادرة الزمان ونتيجة الأيام بذل جهده في تحصيل العلوم حتى حازها بأسرها وله تأليفات لطيفة منها شرح كتاب الآثار للامام محمد وشرح الفقه الأكبر للامام الأعظم وله على كل فن تعليقات وكان مجلسه غاصاً بالعلماء والفضلاء حتى إن من كان يحضر مجلسه يستغني عن القراءة والدرس وقد أوتي الحظ الوافر(3/231)
من العلم والدنيا فبدولته تضرب الأمثال حتى إنه في يوم واحد أضاف سبعة من الأمراء بجنودها وتولى افتاء بغداد مقدار سنتين وتولى القضاء والافتاء بالموصل أيضاً وله سفرات عديدة إلى قسطنطينية وله شعر لطيف منه قوله يمدح بها فيض الله أفندي شيخ الاسلام
خد تورد بارتشاف الأكؤس ... قرنت لواحظه لطرف أنعس
أم ذا أحمر أربان في وجناته ... وأظن أورثه لهيب تنفسي
أم ذا شقيق الحسن أحمر ساطع ... أوراقه أس العذار المفرس
ومنها في وصف الروض
فبدت بها الأشجار شبه عرائس ... تحكي ببهجتها الجوار الكنس
رقصت بلابلها على أغصانها ... طرباً لبهجة وردها المترأس
فالياسمين معانقاً أدواحها ... قد قلدته حمائلاً من سندس
أما الشقيق فشققت أطواقه ... والخال في فيه كمسك أنفس
والأقحوان الثغر منه باسم ... وكذلك الغض العيون النرجس
يختال في قضب الزبرجد مائلاً ... والرأس منه مائل بتنكس
إلى أن قال
فأشرب معتقة الدنان شمولة ... تذر الهموم صحيفة المتلمس
وأسطو على خطب الزمان ببأسها ... إن المدام أنيسة المستأنس
هذا هو العيش الهني ففز به ... والجا بخطبك للمحل الأقدس
فهو المحل المستنير بمن غدت ... أراؤه عوناً على الزمن المسي
وكان مولده سنة ستين وألف وتوفي سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى.
علي بن كرامة الطرابلسي
علي بن مصطفى ابن أبي اللطف المعروف بابن كرامة الحنفي الطرابلسي الفاضل الشهير والعلم الكبير كان ذا جاه ودأبه السكون حتى في المداعبة وكان له شعر لطيف مع فقر حسنة بديعة وتولى افتاء طرابلس الشام برهة من الأيام ولم يزل في أفياء منصبه قائلاً وفي حلل الراحة رافلاً حتى رج عليه الدهر أصناف صروفه وخطوبه فنفى ثم بعد ذلك أعانه الاعانة الربانية بتوجه الاسعاف من وجوه العلماء والأشراف وأهل النجدة والانصاف ثم توجه عليه افتاء حلب ولم يزل فيها قرير العين بعزه وجاهه إلى(3/232)
أن مات وكان ألف رسالة فأظهر عليها نقاد المشايخ كالعلامة الشيخ محمد شمس الدين التدمري والشيخ الخليلي وغيرهما وبالجملة ففضله مشهور وقد أرادت اخوته أن يتميزوا بوصفه فكبا جواد همتهم في حومة التمثيل والتنظير ولم يقدروا على اشتمام عرفه ولا اجتناء ثمره النضير وكتب إليه حامد العمادي المفتي بدمشق حين أعاره الجزء الأول من خزانة الأكمل فاستحسنه العمادي المذكور وأرسل له قوله
إن المحبة في الفؤاد وإن ترم ... تنظر لقلبي فهو عندك شاهد
وإليك ما يغني الأنام بحبه ... أهديتها مني وإني حامد
أرسلت معها من خزانة فضلكم ... جزأ لكم عندي وأنت الماجد
فلأنت أكمل من تفرد بالوفا ... دم منهلاً يأوى إليك القاصد
مع من تحب ومن تود ومن يكن ... ياءوي إلى علياك يا ذا الواحد
وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الدباغ
علي بن مصطفى الملقب بأبي الفتوح الدباغ المعروف بالميقاتي الشافعي الحلبي صاحب العلوم الغزيرة والتصانيف الشهيرة العالم الامام المحقق المحدث الأديب الماهر النحرير الشيخ البارع المدقق القدوة كان أحد من أنجبتهم الشهباء في زماننا واشتهروا بالفضل والأدب وكان له في كل فن القدح المعلي على الهمه كاشفاً في المعلومات كل مدلهمه ولد في سنة أربع ومائة وألف وقرأ القرآن واشتغل بطلب العلم على جماعة كالعالم الشيخ أحمد الشراباتي والفاضل الشيخ سليمان النحوي وارتحل إلى دمشق وأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية والشيخ عبد الكريم الخليفتي المدني والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي الطاهر الكوراني المدني والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ أبي الحسن السندي نزيل المدينة والشيخ محمد المعروف بالمشرقي المغربي تلميذ الفاسي شارح دلائل الخيرات والشيخ يونس المصري والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤف البشبيشي والشيخ أبي المواهب الحنبلي الدمشقي والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وله مشايخ كثيرون من أهل الحرمين ومصر والقدس وغير ذلك وكان له المعرفة التامة بالأنساب والرجال والتاريخ وكان موقتاً بجامع بني أمية بحلب وله من التآليف شرح علي البخاري وصل فيه إلى الغزوات وحاشية على شرح الدلائل للفاسي وكان شعره رائقاً نضيراً وله مقاطيع وموشحات وغير ذلك فمما وصلني من ذلك قوله(3/233)
لرؤية وجه المصطفى النور كله ... على حسب استعداد رائيه نورها
هي الشمس تعطي الشيء ظلاً بمثله ... وإن قلت الجدوى فمنا قصورها
وله تضمين الحديث الشريف المسلسل بالأولية
أول ما أسمعنا أهل الأثر ... مسلسل الرحمة عن خير البشر
للراحمين يرحم الرحمن ار ... حموا لمن في الأرض تحظوا بالبشر
إن الجزا يرحمكم من في السما ... ء وحسبنا رحمته من الظفر
وله في النعل الشريف
لنعل طه من التشريف مرتبة ... تهدي إلى حاملي تمثاله نعما
فاجعل على الرأس تمثالاً لا لصورته ... وقبل النعل إن لم تلثم القدما
وانظر إلى السر منه للمثال سري ... وكل مثل حذوه صار ملتثما
وله
من شرف الحب وتخصيصه ... أن يلحق الأدنى بعالي الرتب
لذا جعلت الحب للمصطفى ... وشاهدي المرء مع من أحب
وله
في رؤية المختار من خلفه ... كما يرى قدامه في الشهود
اختلفت آراء من قبلنا ... والحق بالعين بهذي الحدود
ولا عجيب أن يرى بعضه ... من هو عند الكل عين الوجود
وله مضمناً
وفى لي حبيبي بالوعود وعندما ... طمعت بوصل لا يقاومه شكر
تبدي رقيبي واعترتني هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر
والأصل فيه قول بعضهم
وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر
وقد ضمنه أحد الأدباء في المجون فقال
رعى الله نعماك التي من أقلها ... قطائف من قطر النبات به قطر
أمد لها كفي فاهتز فرحة ... كما انتفض العصفور بلله الفطر
ومن نثر المترجم ونظمه ما كتبه مقرظاً به على رسالة الأديب البارع الشيخ سعيد ابن السمان التي ألفها في المحاكمة بين الأمرد والمعذر وهو قوله يا من حمى بسيوف اللحاظ حمى الخدود النقية وجعل لبعضها من العذار حمائل ودبج باخضرار تلك الصفحات واحمرار هاتيك الوجنات حلة الحسن اليوسفية فنزلت من أحسن تقويم في أشرف المنازل وزين العيون بالدعج والثغور بالفلج(3/234)
والنحور بالبلج وهيم في مجالي أشعتها الجمالية نفوساً كوامل وركب حب الجمال في الطباع وأوقف على رؤيته العيون وعلى وصفه الألسن وعلى سماعه الأسماع ونشر الحسن في الأفراد ولم يقصره على الأجناس والأنواع فكان أكبر دليل على كمال القدرة والاتساع وربط سلسلة الموجودات بالمحبة عاليها والنازل فسبحان من تفرد بالابداع والكمال وهو الجميل يحب الجمال نصبه على وحدانيته فالسعيد من نظر لما أبدع بعين الأعتبار وتأمل كيف يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وانتقل من نظرة الصنعة إلى الصانع المختار ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك قفنا عذاب النار وأزل عن بصائرنا حجاب الغفلة حتى لا نرى شيئاً إلا رأيناك قبله واجعلنا ممن يستدل على المؤثر بالآثار نحمدك على نعمة الايجاد والتكوين والتركيب في أحسن صورة وتلوين حمداً يوصلنا إلى توحيد الأفعال ويذهلنا عن رؤية الأغيار ونصلي ونسلم على أكمل مخلوق من حضرة الجمال والجلال المحلي بجميع أقسام الحسن وسائر أصناف الكمال فكل حسن في العوالم منه تنزل وبه تعرف وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف سيدنا ومولانا محمد المحب المحبوب والطالب المطلوب وباب الوصول إلى رضى علام الغيوب وعلى آله وصحبه وسلم ثمار غصون المحبة ونتيجة قياس الود والقربة صلاة وسلاماً دائمين دوام وصل الوصال يقضيان بالحب الدائم وكمال الاتصال آمين أما بعد فإني ألقى إلى كتاب كريم وخطاب بالبراعة وسيم بالبلاغة في المحل العظيم يصحبه رسالة حاوية لأقسام الفصاحة والجزالة تكاد من عذوبة الألفاظ تشربها أفئدة الحفاظ أنشأهما الأديب الفاضل الآتي مع تأخر عصره بما لم تأت به الأوائل ذاك السعيد صفة ولقباً والفريد ترسلاً وأدباً سباق غايات الكمال طلاع ثنايا المعرفة والأفضال صاحب الملكة التي يقتدر بها على اختراع ما يريد مما لم تصل إليه أفكار الصابي والصاحب وابن العميد أبقاه الله تعالى لعارفة يسديها وفائدة يبديها ومعارف ينشرها بعد أن كاد الزمان يطويها فتأملت في حسن رسالته المعجب ووقفت منها على المرقص والمطرب
وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة انظر
ذكرني الظعن وكنت ناسياً وصبوة مضت وعيشاً ماضياً أيام أمشي لحانات الهوى مرحاً ولي على حكم أيامي ولا يأت أيام شرخ شبابي روضة أنف أنف على وزن عنق يقال روضة أنف ومؤنف أيضاً كمحسن إذا كان لم ترع قاموس ما ريع منه بروع الشيب ريعان حيث المنازل روضات مدبجة وحيث جاراتها(3/235)
حور وولدان حيث الهوى قد كان في طوع يدي ومنيتي مساعدي ومسعدي وحيث ما يذكره أضن أذكر لها حوارها نحن ضمنها المفاخرة بين خالي العذار والحالي وأتى من مدح الشيء وذمه بالعاطل والحالي نسج على منوال عمرو والزبرقان في مجلس سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم واقتدى بالجاحظ والثعالبي وهما اماما البيان إلا أنه وافق عبد المحسن الصوري في نشر محاسن محبوبه ولم يجنح لغيره ومشى تحت اللواء النباتي إلى أن وصل إلى مقام الحيرة غير أن ابن نباتة حين تحير عمل بكلا الأمرين وحسم مادة الشك ولم يتحير والظن بالمولى إنه بحلاوة هذا المشرب وتحت هذه المروحة قائل وإليه ذاهب وكأني به قلد ابن مكانس وللناس فيما يعشقون مذاهب وربما ألجأته لهذا صناعة الأدب والعشرة كما أجاب من سئل عن دواء الخمار وصنف النواجي الحلبة ولم يذق كل منهما الخمرة ذكرتني رسالته العهد القديم والألف والنديم والصد والنعيم فشأنها وشأني إن أفاضت غروب شأني ولولا الحيا يغشاني لقلت
فيا ولع العواذل خل عني ... ويا كف الغرام خذي عناني
وأيم الله لقد أحيت من موات المهوى الدارس والعافي وأقول على سبيل المداعبة ومشرب الأدباء الصافي
ما يقصد المولى بتحسينه ... ابليس في إغوائه كافي
غير أنها وردت في عصر المشيب وقد شارفت شمس الحياة أن تغيب ولاح صباح الحق وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله وسد باب التلميح والتعريض وحال الجريض دون القريض الجريض الغصة بالريق وغيره والقريض الشعر أمثال الميداني ومع هذا كله فقد أيقظت كامن الغرام بعد الهجعة وكان كما تقول الشيعة أن تحكم بالرجعة وتعيد المهدي إلى الغي وتلحق الشيخ بولدان الحي
كاد يسعى للتصابي أو سعى ... نبهت من غيه ما أقلعا
واستشارت من أقاصي لبه ... صبوة كان رثاها ونعى
فتلقيتها كما يتلقى الكريم الكرام ولم أقل كما قال جرير وقد أترعت له من عصره إلى الآن كؤس المدام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام
بل قلت بما جاء عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم إن الجواب الكتاب حقاً كرد السلا نعم أقول هلا وردت هذه المعاني والحكم قبل ظهور ندير الشيب والهرم(3/236)
وطلوع كمين التوبة والعهد على عدم الأوبة وتلافي الحديث القديم بقراءة الحديث والانهماك على ذلك والنهمة والبعد عن مواطن التهم والوصمة وطلب الحماية فيما بقي من العمر والعصمة ونظرت في حالي والجواب فتذكرت أبيات قلتها من قصيدة لبعض الأحباب
وافت وفكري في العناء موزع ... والذهن في بيد الهموم مضيع
وإذا دعوت معاني الشعر التي ... كانت تجيب بدا لهن تمنع
وأنفت من فن القريض وراعني ... من شيب فؤدي والعذار مروع
وصحوت من خمر الصبا وجنحت للتقوى ... أسدد ثوبها وأرقع
فعزمت إني لا أجيب نظامك ... الحسن المعاني بالذي يتبشع
لكن رأيت الامتثال محتماً ... بين الكرام إلى المكارم إن دعوا
فأجبت بالصفر النضار ميقناً ... عجزي وعفوك عن قصوري أوسع
وبعد تمهيد هذا الاعتذار المقبول عند ذوي الاقتدار أسرع في الجواب مسمياً له خلع العذار في وصف الخالي والحالي بالعذار فأقول وإن كان عند أهله نوعاً من الفضول
هو الحب فأسلم بالحشا ما الهوى سهل فما أختاره مضنى به وله عقل أتباع النظرة النظرة يعقب لوعة وحسرة وأصل الهوى الهوان والموت ألوان دمع ساجم ووجدها جم وهيام لا يبرح ثم وراءه ما لا يشرح اختلفت الحدود والرسوم والحق إنه عرض يبقى ويدوم وتفنى دونه الجواهر والجسوم والحب ذوق يطير به شوق ثم وجد لا يبقى معه طوق قالوا ينبغي لمن له قلب رقيق أن لا يدخل إلى سوق الرقيق لئلا يفتتن بالخدود والقدود ووجنات الورود وينقاد بسلاسل العذار إلى جنات الخلود على رغم الحسود ويلتقط من فخ الأصداغ حبة الخال بين نعمان وزرود يا صاحبي وأنا البر الرؤف وقد بذلت نصحي بذاك الحي لا تعج وأما التخير فليس في وسع العاشق ولا رأى في الحب للصب الوامق والصادق مسلوب الاختيار وفي كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لا يرى سوى محبوبه ولا يناضل عن غير مطلوبه فمتى يصحو من الخمار ويميز بين الخالي والحالي بالعذار فهو السميع والبصير والصب مشغول به عما سواه ولما طاح رأس الحلاج كتب دمه على الأرض الله الله فبح باسم من نهوى ودعني من الكنى أنا من أهوى ومن أهوى أنا نعم الأدباء لأفكارهم يشحذون والشعراء(3/237)
يقولون ما لا يفعلون وحسبك يقوم لا يستحسن الكذب إلا منهم ولا تستعذب الأوصاف وتروى إلا عنهم فمنهم من يقول بنقي الخد ويجاوز في تفضيله الحد ويقول هو الفلك الأطلس والحمى المصون المقدس الجامع من الأوصاف الحسان بين صفاء أوجه الحور وطلعة الولدان خلا عن المانع والعارض وسلم من المقتضي والمعارض حاز الوسامة والقسامة وجعل ترك العلامة له علامة فهو القمر الطالع في أشر وأشرف المطالع والبدر النازل من القلب والطرف في أعلا المنازل رأى من يقول به أسد بين ذراعي وجبهة الأسد ليس بينه وبين الغيد فرق عند أهل النظر وإذا تغالوا في وصف الجارية قالوا كأنها غلام أو في زي ذكر والمشبه به في وجه التشبيه أعلى وأوقع في النفس وأحلى زاد ضياء وإشراق على شمس الآفاق فحسدت جماله الباهر حتى ظهر فيها نار الحسد وهذا حرها ظاهر وكيف لا يزيد وهي لا يمكن فيها المنظر وتزداد حيراً وهذا يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً ومن يساويه بالبدر ويعتريه المحاق والكسوف ويغيب وهذا أبداً طالع وبزيادة البهاء معروف تحلي وجهه عن النقوش فحلا ومن باب سمع الكيان سمع الكيان على زنة جمع القيان اسم كتاب فعليك الأوقيانوس ليس وراء حسنه خلا ولا ملا
تبارك من أخلى من الشعر خده ... وأسكن كل الحسن في ذلك الخالي
شابه في إغفال اللحية أهل الجنة وهم ما هم جرد مرد في حالة الرضوان والمنة رضي الخالق عليه فلم ينبت له ما يشين خديه فمرآة وجهه صافية كالسماء الصاحية لم تشيب بالأنفاس ولم تسود نونته بزرافين الأنقاس ولا قارنها دخان نبراس إذا تبدى والسماء من الأنواء صقيلة ارتسم فيها صورة القمر من مقابلة صورته الجميلة إن فاخر البدر رماه بالكلف والنمش وقال لمن يهواه طالما أهوى إلى ساجداً الست ترى في وجهه الترب والغبش تعالت مرآة وجهه إن تصدى وخلت عوارضه من الموانع وجلت أن يكون لها من الند ندا فهي الجميلة الزاهية لا تسمع فيها لاغيه تكل عن استيفاء نعوتها الألسن وتستغني الأفكار بصفاء طلعته عن تحسين ما لا يحسن طالما افتخر على النكريش وذي العارض وطلب في ساحة المباراة مناضلاً ومعارض يقول أنا الأملس الغض وذو الخد الناعم البض وجهي أثير وجمالي وثير ومن يساوي بالشوك والشكر الحرير فلو سمعتم صوت مآتم الشعر من النكريش حين مرور الموسى بخده لتحققتم موت الحسن من وجهه وانتقال الحسن لضده ولو نظرتم العارض إذا ريش وما صفا من ماء حسنه وقد تكدر وتغبش وأسبل عارضاه جناحين صار بهما طائر(3/238)
حسنه غراب البين وجني حين عفا بهما دمنة وجهه الحسن وعاد منهياً عنه بقول الصادق اللسن إياكم وخضراء الدمن لحكمتم بأن نبات العذار منقصاً من دولة سعده وعرفتم معنى قول ابن سناء الملك يا شعر في نظري ولا في خده كيف واستحال نور خده دجي وزمرده سبجاً وكسف هلاله وحال حاله ومسح جماله وتشوكت وجنتاه وتبدل الظلام بضياه ونسخت آية حسنه فلا تتلى ولبس خده ثوب حداد يبلى الجد بدان ولا يبلى واختفى بدره تحت سراره السرار آخر ليلة في الشهر قاموس ودخل في المثل السائر وتمسك بأستاره كل من مات سود وأباب داره
يا قتيلاً باللحية السوداء ... آفة المرد في خروج اللجاء
شاهدي في ادعاء موتك بيت ... قاله شاعر من الشعراء
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
يمر بعاشقيه فلا يرفع أحد منهم نظره لرؤياه بعد أن كان إذا مر ترفع الكوى بالمحاجر وتقول ربي وربك الله الكوى جمع الكوه مثل مديه ومدى فالكوة ثقبة في الحائط والمحاجر الحدائق جمع الحجر على زنة مجلس ومحجر العين أيضاً ما يبدو من النقاب لسان العرب
لو عرفنا مجيئكم لفرشنا ... مهج القلب أو سواد العيون
وجعلنا من الجفون طريقا ... ليكون الممر فوق الجفون
فبدلت والدهر ذو تبدل ... هيفا دبوراً بالصبا والشمأل
قلت لأصحابي وقد مر بي ... منتقباً بعد الضيا بالظلم
بالله يا أهل ودادي قفوا ... كي تبصر وأكيف زوال النعم
أسود فاضل قرطاسه وكمد ضوء نبراسه وكدرت شمس خده كدرت من باب تعب يقال كدر الماء زال صفاؤه وهو من باب الأول والثاني والخامس أيضاً حيث هو نقيض الصف ورأى الدنيا من بعده وصار عبد العبد عبده وعلى كل حال فالعذار مكتبة المحبة من قلب العاشق سيما إذا كان المعشوق سئ الأخلاق مع الخلائق وما ظنك بعلة كل يوم تزداد إن عالجها صاحبها أو تركها وقع في الطويل العريض وجمع بين الأضداد وإن قص طائرها ودولة الحسن كأضغاث أحلام كان كالشمس على جناح طائر متى قص وقع وانفصل الكلام وإن جذب وقصر نسب إلى التقصير ولا بد أن يتعذر ويستظرف قول بعض الزجاله فيما يروى عنو يعني عنه هو ينتف وأنا أطالع ومني ومنو منه قلت المعذر من لا نبات بعارضيه مديحه سهل(3/239)
تيسر ومع الشراهة إن مدحت ومدحته لعارض فاعجب لوصف حازتورية وايهاما مستر وإذا نظرت واعتبرت رأيتهم كل ميسر هذا وعلى قدر جلالة الممدوح تكون المدايح وتستخرج وتستنتج القرايح ولولا الملالة من الاطالة لأستنزفت استخرجت بحار الأدب ودعوت المعاني من كثب كثب بفتحتين القرب وبضم الأول جع كثيب وملأت الدلو لعقد الكرب الكرب بفتحتين الحبل الذي يشد على العراقي مفرده كربه كقصب وقصبه ولكني أبقيت مقالاً لذي الخط الريحاني بالقلم السبحاني والكمال الذي أكثرت فيه الشعراء التشابيه والمعاني ذي الطراز الأخضر المحفوف بالمسك والعنبر فهو المحلي والحالي والقسيم كما ذكرنا للنكريش والخالي فمنهم من يخلع فيه العذار ويكشف الأستار ويقبل بين دوحة الآس والجلنار ويقيم بين الروضيتين ويغتنم جني الجنتين بينا يعض ناظره على تفاح الخدود ويضم خاطره القدود والنهود وينتشق من آس العذار شميم نعمان وزرود إذ خاطبه أهواؤه بالنبأ العظيم شعر
تمتع من شميم عرار نجد ... فأبعد العشية من شميم
فتزهد عما سواه وتنسك وعكف عليه وبمسكه تمسك يالها حلية يستحسنها القيان القيان بكسر الأول جمع القينة والقينة بفتح الأول الأمة مغنية كانت أم غير مغنية قينة قينتان قينات مثل بيضة بيضتان بيضات الصحاح والمصباح وتصبغ أصداغها بالغوالي تشبهاً بها ألوان وهي بين النكريش والخالي برزخ لا يبغيان فلو رأيته وقد غلف غلف من التغليف يقال غلف القارورة إذا جعلها في غلاف القاموس بالمسك أصداغه فأبدى محاسنه ونبه عيون عاشقيه وعنهم محاسنه المحاسن الأولى جمع الحسن على غير قياس والثاني مركب من كلمتين محا من المحو وسنه من الوسن وهو النعاس لقلت هل يحسن الروض إلا بأزاهيره والخز لا بز بيره ووئيره ويقال الأمرد الصبيح إذا نقش الخط فص وجهه وأورق فضة خده فقد تم طراز حسنه وتساقط المسك فوق أحمر ورده وقال بعض من تهتك بالعذار وبحبه اشتهر خط الوجه الحسن كالسواد في القمر
عذاره زاده جمالاً ... ثم به الحسن والبهاء
لا تعجبوا رينا قدير ... يزيد في الخلق ما يشاء
وعلى قراءة يزيد في الحلق فهو زيادة بها التقديم يستحق وقد جاء وصف العذار بالحسن في حديث من ساد المخلوقات ورأس قال الفقر أحسن بالمؤمن من العذار الحسن على خد الفرس كتب من نسخ هذا التاريخ العذار الحسن في المتن وأثبت على هامشه إن في أصله العسن والظاهر قدم الحسن على العسن والحال قال في القاموس(3/240)
يقال به عسن بفتح العين فسكون أي طول مع حسن الشعر والبياض فتأمل وراجع لأن العسن على ظني أحسن من الحسن الذي كتبه الناسخ انتهى فإذا زان العذار خد الحيوار فبالأولى أن يزين خد الإنسان فهو زيادة وزينة بالنص والقياس وبها يرد على من يقول طلوع العذار بلوغ سن اليأس بل هو تجديد محبة وستر الصحبة وزي النقبة زي النقبة على زنة عز الرتبة بمعنى لباس الوجه ورعاية المحبوب محبة ورياضة الأخلاق ونزهة العشاق ومسك ذر على شقائق وريحان يوذن بري حان وجميعة ألوان وذواتا أفنان وورد حف بآس من شمه لم ير لداء غرامه آس وهو دائرة ملاحة من الجامع السوهي ما علمنا مقصوده مفروضه أو هالة حسن بشرت بعارض وصل فيها معروضه وخيال جفونه على صفاء خده الخالي أو السعد وفي حواشيه الخيالي أو معنى تصوره تعذر يخفي تارة وتارة يظهر أو هو اللام التي رضى تشبيهه بها أرباب السيوف والأقلام وعدوا التورية بها من بديع الكلام ومن يقول المعذر مهجور وقد صار من أهل الشعور أحبب به نماماً نمنم شعرات الحسن وهاك ما تكل عن وصفه ألسن اللسن وخارجاً مع ضعفه أدعى ملكية أنصار الجمال نازع نعمان الخد في أسود الخال قائلاً هذا عبدي وسرق لونه من عندي ابق مني وأنا عليه دائر وبالمشاكلة نتحاكم فيه إلى أسود الناظر فقضى عن النعمان بالملكية واحتج بأن مذهبه حجة الخارج بالملك قويه فأعجب لضعيف غلب قوياً وأشغرى صار حنفياً وتأمل كم للقوم تشبيه وكم تورية وتوجيه والذكي هذا القدر يكفيه ولما بلغ خالي العذار ما قيل فيه من المدائح والأشعار داخله الزهو والكبر وعطس بأنف النمر واستطار غضباً واستطال وأنشد بيت ضمرة بن هلال
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
كيف يفاخرني خالي وأنا حلية الكمال وانظر إليه حرام والنظر إلى حلال وأنا اللمة السوداء في الحلة الحمراء من جمع بينهما فقد غمره الحسن غمراً وحديث أنس رضي الله عنه في الشمائل وإنه لم ير أحسن من مخدومه المتحلي بهما من أكبر الدلائل وأحسن ما يرى القمر إذا حف جانباه بالسواد ولا يقر ورق منظر القرط أس إلا إذا زين بالمداد عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجباً كل الشهور وفي الأمثال عش رجباً وفي المثل عش رجباً تر عجباً من مجمع الأمثال يا للشيوخ وللشبان العجب كأني بالزمان وقد انقلب وعوضه عن حمالة الورد بحمالة الحطب وبالسواد الفضاح عن غرر الوجوه الصباح وتناولته أيدي الأطراح ذليلاً من بعد النفور والجماح تحككت عقرب صدغه من عذاره بالأفعى التحكك التعرض والتحرش بالشر يقال فلان يتحكك بك أي يتعرض لشرك واستنت الفصال حتى القرعى ويروى استنت الفصلان حتى القريعي(3/241)
مثل يضرب لمن يتكلم مع من لا ينبغي أن يتكلم بين يديه لجلالة قدره والقرعى كأسرى جمع قريع من يساوي الكامل بالناقص وأنا جامع الكمال وهو جميعه النقائص شعر وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل صحبته تهمة وصحبتي ستر ونعمة وجهي الروض المعشب ووجهه القفر المجدب وكم بين كاس وخالي وعار وحالي ووافد وفاقد وطاعة وجناح ورائش ومقصوص الجناح وملثمين حياء ووقاح ومنقوش ومغفل ومعجم ومهمل ونار تأجج وورد تسيح وسهم رائش ونصل طائش وذي حنكة يقال أحتنك الرجل أي استحكم والحنكة بضم الحاء اسم منه وتجريب وذي غفلة أخذ من الأغترار بأوفر نصيب يحمله الطيش والتيه على ازدراء عاشقيه وداده آل هو السراب يميل إلى ذي المال مسارقته النظر تنبه أعين الرقباء واللوام والخلوة به كالأجنبية حرام متى وردت العين ماء حسنه العجيب شرقت قبل زيها بألف رقيب وماء حسني مدين المآرب ليس عليه حائم سوى شارب تتلاعب به نزغات الشباب فلا يفي لأحباب ولا يلوي لأصحاب والشباب مطية الجهل والعذار حلية الكمال والعقل ما دام فيك ريق فهو صاحب لك ورفيق لكل امرء من دهره ما تعودا والحازم لا يثق بوداد أمرد مذق الحديث مخلف الوعد خلقه خلق الوغد رضاه غرامه ومواصلته ندامه طالما أنشد عاشقيه بوده مستهتراً وكيف ترجو الود ممن يرى فهو فرح بحال يحول منشرح بدولة تزول سقاه الجمال خمر الدلال فعربد على العشاق وظن لكثرة الباكين إن الدمع خلقة في المآق فلم يعطف على ظمآن والرحماء يرحمهم الرحمن فإذا التحى من هذا السكر صحا فيطلب من هذا الشرك الخلاص فتناديه المنكسرة قلوبهم ولات حين مناص فيرى أفعاله ولحيته أفعى له وربما عشق فأغروا به معشوقاً وأذاقوه ما كان مذيقاً وربما ضر عاشق معشوقاً ومن البر ما يكون عقوقاً وأنا الثابت الأساس ولباس السواد خير لباس تخيره الملوك من آل عباس ولي الأعتبار في تقلب الأطوار والجمع بين محاسن الليل والنهار وإذا حاكى عذارى الأفق فلا غرو إن تطلع منه الشموس والأقمار وقال وقال واتسع له في ميدان المفاخرة المجال ونسي إن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الأبل فقال الخالي كثرة الدلائل يستعملها غالباً أهل الباطل لو أنصفت لم تقل حرفاً ومن أمثالهم سكت الفا ونطق خلفا الخلف بالفتح فسكون القول(3/242)
الردئ وكنت قنعت بتلميح سيف الدولة للسرى الرفا وقنع عارض عدابك الصيب بتأنيب أبي الطيب التأنيب التعييب واللوم إذا رام أن يهز وبلحية أحمق أراه غباري ثم قال له الحق والأمر بالجميل غنى عن البرهان والدليل لم طلبت على محاسننا دليلاً متى احتاج النهار إلى دليل فعند ذلك نظرنا إلى تكافي الأدلة وتساوي حجج البدور والأهلة فإذا لكل وجهة هو موليها وفئة يعجبها ما أدلى به صاحبها ويرضيها ومناط الأمر وملاكه موكول إلى المناسبة والمشاكلة بين المحب والمحبوب وكمال الشبه وفي التحقيق ما مال قلب المحب إلا لصفاته وما عشق إلا ما كمن في ذاته فإذا ليس لأهل الموصل رأى ينبع ولبعضهم ومعذر حلو اللما قبلته نظراً إلى ذاك الجمال الأول وطلبت منه وصله فأجابني ولي زمان تعطفي وتدللي نضبت مياه الحسن من خدي وقد ذهب الروى من غصن قدي الأعدل قلت الحديقة ليس يحسن وصفها إلا إذا حفت بنبت مبقل دعك أتبع قول ابن منقذ طائعاً وأعلم بأني صرت قاضي موصل وبيتا ابن منقذ كتب العذار على صحيفة خده سطراً بحير ناظر
المتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعرالمتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعر
كأنما أوقف الله العيون على ... مرأى محاسنه لا شأنها ضرر
فلو تجلى ورا المرآة لأنحرفت ... إلى محياه عن أربابها الصور
هذا والحديث شجون وكل حزب بما لديهم فرحون وإذا ارتسم ما قررناه في العقول فلا علينا أن نرجع لتكملة الأقسام فنقول وأما النكريش فهو الواسطة بين الصنفين وقد يكون وجيهاً وإن كان ذا وجهين إن تزين فهو أمرد(3/243)
منح عاشقه أم رد فهو حليق حليف بالود وخليق وإن أرسل وأسبل فهو من الطراز الأول وكان ابن المعتز وهو امام الاستعارة والتشبيه يعشق المليح لحسنه وغيره جبر الخاطرة وتلافيه يعرف إن محبه آخر العشاق فيعامله بأطيب الأخلاق سلس القياد يعلم المراد لا يستعمل الدلال ولا يبخل بالوصال رأى إن دولة الأمرد سريعة الزوال وشاهد النقصان فمتع عاشقيه بمحاسنه واستحسن نصيحة الشيخ عبد الباقي ابن السمان وهي وإن أخذها من أبي الطيب لا تخلو من خشونة ورعونة لا تقبلها أهل المذهب الغرامي أي رعونة فهو الفرس المروض وختام المشاعر المفضوض
من معشر خشن في نصر عاشقهم ... كسر القناد أبهم إن غيرهم لانا
تعودوا الغارة الشعواء يشهدها ... عصابة منهم شيباً وولدانا
كرام الأصل يرضون بقليل البذل ولا يصحبون العذل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل فيهم سداد من عوزري الصدى الظمآن وكل حذاء يحتذى الحافي الوقع يقال وقع الرجل من الباب الرابع إذا اشتكى لحم قدمه من غلط الأرض والحجارة ومنه قول الشاعر كل حذاء إلى آخره الصحاح وكل طعام يأكل الغرثان ونعود لأصل المسئلة فنقول وليس من الكمال حب الرجال ولله در من قال ليس الحب إلا لذوات الجمال وقال بعض السادة الرؤساء استراح من اقتصر على النساء شعر
أحب النساء وحب النساء ... فرض على كل نفس كريمه
وإن شعيباً لأجل ابنتيه ... أخدمه الله موسى كليمه
ومن البين عند أهل النظر إن رجلين تحت لحاف خطر فربما يتشلم العامل وينوب مفعول به عن فاعل
من قال بالمرد فإني امرء ... إلى النسا ميلي ذوات الجمال
ما في سويدا القلب إلا النسا ... يا حسرتي ما في السويدا رجال
وأحسن ما يقع به الأقتداء والأنساء ... حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء
وارحمتا للعاشقين تحملوا ... خطر السرى وعلى الشدائد عولوا
بل وارحمتا لعشاق الصور المشتغلين عن المؤثر بالأثر لو عاودوا النظر لوقعوا على جلية الخبر رأى بعض من صحبنا صورة استحسنها فعاود النظر ليتزود نظرة اخرى منها فكشف عن بصره فرآها ميتة يتناثر الدود عنها فتاب واستغفر من ذلك الشهود ورجع لما هو المطلوب والمقصود
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي أسباه لم يسبه(3/244)
ويحه ويح وويل كلمة رحمة وعذاب أو هما بمعنى الصحاح كلف بما لا يدوم وافتتن بالموجود المعدوم وغفل عن الحي الباقي القيوم من نظر في مصارع اخوانه علم أنه أخيذ ومن فكر في كرب الخمار تنغصت عنده لذة النبيذ من أحس بلفظ الحريق فوق جداره لم يصغ بسمعه لنغمة العود وانة أوتاره رأى الأمر يفضي إلى آخر فصير آخره أولاً ولله در ساداتنا النقشبندية فإنهم بنوا أمرهم على هذه القضية فالحازم الذي يجعل الحب حيث يرقيه ويرفعه ويعليه ويخلصه ويزكيه ويطهر بصيرته عن نظر الأغيار ويوقفه تحت مجاري أقدار الواحد القهار ويسمعه النداء الدائم ابن آدم أنا بدك اللازم وينزهه عن مدارك القوى الحسية والمشاعر الجسيمة ويعبر به عن بحار المعارج الروحية واللذات المعارف السبوحية على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منها نصيب ولا سهم الله اقسم لي ولأخي من ذلك أوفى قسم وأوفر نصيب وفرغ قلوبنا من حب غيرك فإنه لا يجتمع مع حبك حب الغير يا سميع يا مجيب
يا واحداً متعدد الأسماء ... أدعوك في ختمي وفي مبدائي
وإليك أرفع راحتي متوسلاً ... بشفيعنا السامي على الشفعاء
أن تحفظ المولى الذي أفكاره ... صاغت بديع النظم والانشاء
ذاك السعيد محمد السامي إلى ... أوج العلى لحيازة العلياء
المعتلي ببيان كل عويصة ... والمعتنى بغرائب الأنباء
هو أفقه الشعراء غير مدافع ... في الشام بل هو أشعر الفقهاء
فاق الرفاق بفطنة وبلاغة ... وبراعة وفصاحة وذكاء
لو كنت من فئة تقول بأغيد ... ما ملت في التشبيه للغيداء
لله درك يا أديب زماننا ... كيف اهتديت لغامض الأشياء
فالقول دونك مذهب إن نباتة ... أو رب زد في حيرتي وعنائي
كم ذا تستر خيرة في حيرة ... هذا المقام نهاية الصلحاء
فأسكن إذا سكن الفؤاد وعش به ... متنعماً بالرتبة القعساء
واليكها رعبوبة جاءت على ... قدر مجللة بفرط حياء
قدمت عذري والكريم مسامح ... وهديتي التسليم غب دعائي
وله غير ذلك وكانت وفاته ليلة الجمعة رابع ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى
علي النبكي(3/245)
علي بن موسى النبكي الشيخ الفاضل الصوفي المعتقد المبارك الصالح التقي كان بقرية النبك معتقداً مشهوراً وله حفدة ومريدون قدم دمشق في بدايته واشتغل بالقراءة بها واستقام مدة وكانت اقامته بالمدرسة الباذرائية ثم اتخذ النبك وطناً ومسكناً واشتهر هناك وقصدته أهالي تلك النواحي وغالبهم تلمذ له وكان يشطح في كلام القوم ويطالع كتبهم ومقالتهم ويتكلم على ذلك وتصدر منه كلمات خارقة للعادات وقدم ثانياً إلى دمشق وزارته الناس واعتقده بعض من الخاص والعام وبالجملة فقد كان في التصوف ممن اشتهر وأعتقد ولا يخلو من فضل ومعرفة بالعلوم وكانت وفاته في شوال سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بالنبك وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى.
السيد علي الكريمي
السيد علي ابن السيد موسى ابن كريم الدين الشهير بالكريمي الحنفي القدسي نشأ في حجر والده وبعد وفاته ارتحل إلى مصر واصطحب معه أهل بيته ولزم الطلب بالجامع الأزهر وجد واجتهد وانعطف عليه أحمد جاوش الجزايري أحد تجار مصر فأسكنه بقرب بيته وامتحنه أول مرة بأن ألقى في باب حجرته التي كان ينام فيها صاحب الترجمة كيساً فيه مقدار من الدنانير فلما أصبح ورأى الكيس رده في وقته إلى صاحبه فسلمه بعد ذلك البيت بما فيه وركن إلى ساحته ثم انقطع عن الجامع وابتدأ يقرأ دروساً بمقام سيدنا الحسين رضي الله عنه ومكث على حالة واحدة مدة من السنين وهو مع ذلك يميل إلى اقتناء الخيل الأصائل وربما خرج إلى ظاهر مصر وتعرض للصيد وكان كثير السخاء يحب أن يكرم من يدخل بيته وكانت له عادة غريبة يتبخر بالعود الهندي عند دخوله الحمام ويغسل بدنه بماء الورد ويتطيب بأنواع الطيب وكانت أعيان مصر وصناجقها الذين هم امراؤها يعتقدونه ويهدون إليه الهدايا السنية وكلمته فيهم نافذة ثم لما حضر عنده أخوه السيد محمد بدر الدين قرأ عليه مدة وألبسه زي العلماء وأجلسه في موضعه في مقام سيدنا الحسين يقري ويحضره تلامذة أخيه وسافر إلى بلاد الروم ونزل باسلامبول بمدرسة بقرب جامع السلطان بايزيد ثم رجع إلى مصر ولم تطل مدته وكانت وفاته تقريباً بعد الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد علي الكيلاني
السيد علي ابن يحيى بن أحمد بن علي بن أحمد بن قاسم الكيلاني القادري الحموي شيخ السجادة القادرية بحماة ومن تفيأ ظلال العلوم وقال في حماه الشيخ المرشد الفالح الصالح السيد الشريف الحسيب النسيب المسلك المربي الصوفي العالم العلامة(3/246)
المحقق الفاضل الأديب اللوذعي الامام الجليل الأستاذ الكبير كان فطناً حميد الأفعال معظم القدر عند الناس كأسلافه حليف مجد وسيادة ولد بحماه في ليلة الجمعة بعد طلوع الفجر في أواسط رجب سنة أربعين وألف واتفق أن والده ليلة ولادته رأى في المنام جده الأستاذ الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وفي يده مصباح يضئ فقال له يا يحيى خذ علي وأعطاه المصباح فأستيقظ قريب الصباح فرأى زوجته جالسة وخادمتها يقظانة فقال لها يا أم مكي قد رأيت جدي في منامي فصدقي بما أقوله ولا تشكي رأيته وبيده مصباح يضئ وقال لي يا يحيى خذ علي إلى آخره فإن أتيت بمولود نسميه علي وأنت والجارية حوامل فعسى أن تسبقيها فأجابته الجارية بالأعتراض سيدي قد سبقت ستي إليه ومن أول الليل قد طرقها المخاض وهذا أوان الولادة ثم مكثت زوجته غير بعيد ووضعته في الوقت المذكور آنفاً فنشأ صالحاً متعبداً وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بقراءة العلوم وأخذها وتلقى الأدب فقرأ الفقه والعربية والمنطق واللغة والتصوف وأجازه جماعة من المشايخ الأجلاء في الحديث وغيره وكان مكباً على تحصيل العلوم والحقائق يجتهد في اقتناص شوارد الدقائق محباً لأرباب الكمال محبوباً لدى الخاص والعام وبالجملة فقد كان أوحد زمانه ذكاء وسناء وعقلاً وفضلاً وظرفاً ولطفاً وأدباً مع حسن ورع وعفة ونجابة وديانة واعتدال خلق وخلق ومما قيل فيه
لقد طالت خطاه إلى المعالي ... وسار لنيلها سير الجواد
فما للفخر غير علاه باب ... ولا للمجد غير سناه هادي
محل ما ارتقى أحد إليه ... ولا حظيته همة ذي ارتياد
ثم توجه للحج وهو مراهق دون البلوغ في صحبة والدته وابن عمه الشيخ عبد الرزاق في سنة اثنين وخمسين وألف واختتن في المدينة المنورة واتفق أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو في الحرم الشريف النبوي قبل أن يحج وحوله جماعة فقال له صلى الله عليه وسلم يا علي نحج في تلك السنة تولى نقابة الأشراف بحماة وحمص وعمل له شيخه الشيخ يحيى الحوراني تاريخاً وقصيدة فالتاريخ قوله
لما تصدر في النقابة أرخوا ... سعد النقابة في علي الكيلاني
وذلك في سنة سبعين وألف واستقام نقيباً في ذلك إلى أن توفي ابن عمه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ شرف الدين وجلس على السجادة القادرية في البلاد الشامية وذلك سنة اثنين وثمانين وألف فأقام بها على أحسن قيام وأتم نظام وسلوك تام كأسلافه(3/247)
الماضين وآبائه السراة الصالحين من اقامة الأذكار وقراءة الأوراد في العشي والأبكار والباس الحرقة وسلوك الطريق والدعا إلى الله على بصيرة وتحقيق وتربية المريدين وارشاد الطالبين واكرام الضيوف والواردين واطعام الطعام واكرام القصاد والزائرين وفي سنة تسعين وألف قدم دمشق حاجاً هو وعياله وأولاده وأتباعه وخدامه واستقبله أهالي دمشق وأعيانها بمزيد التوقير والاحترام وسعوا إليه وترددوا إلى منزله ولم يبق أحد من العلماء والأجناد والمشائخ الأواتي إليه وامتدحوه بالقصائد الغر وامتدحهم وعمل رحلة رأيتها وطالعتها ذكر فيها من اجتمع به منهم ووالي دمشق إذ ذاك الوزير عثمان باشا حصل له منه مزيد التبجيل والاكرام وكذلك قاضيها المولى الفاضل مصطفى الأنطاكي وحج في تلك السنة وكان أمير الحج خليل باشا ابن كيوان ورجع إلى وطنه حماة وسافر لطرابلس الشام وإلى حلب غير مرة وفي كل بلدة يحصل له مزيد الاكرام وكان أديباً ناظماً وله ديوان يجتمع على تغزلات ومدائح ومقاطيع وألغاز وقصائد مطولة ومعميات ودو بيت وبالجملة فقد كان شيخ الشيوخ وقد رأيت ديوانه وذكرت منه ما رق وطاب فمن ذلك قوله كتبه لأخيه الشيخ إبراهيم حين كان ببغداد وتولى النقابة بها ومطلعها
يا عربياً حلواً حمى الزوراء ... انتموا داء علتي ودوائي
قد فرقتم ما بين جسمي وقلبي ... حين فارقتكم وعز لقائي
من أقاصي الحشا سلبتم فؤادي ... ورقادي من مقلة قرحاء
فأنعموا لي برد عيني لعلي ... أن أرى طيفكم محل غفائي
إن نأيتم عن العيون دنيتم ... من ضلوعي وداخل الأحشاء
كان عهدي بالصبر حين رحلتم ... أحسن الله باصطباري عزائي
لا ويوم النوى وحال المعنى ... حاضر غائب عن الأحياء
هان بل أهون الهوان المنايا ... عنده بعد فرقة الخلطاء
حين ساروا وخلفوه صريعاً ... ويجيب السؤال بالايماء
ذكر كم قوته ووصف حلا كم ... شربه دائماً مكان الماء
ليس يدري بما به من بعاد ... من سمى الخليل رب الوفاء
الامام الهمام علماً وفضلاً ... ومزاياه جاوزت احصائي
اسمه عم مغرب الشمس فانجا ... ب مسماه مشرق الزوراء
وقال ممتدحاً الشريف سعد بن زيد شريف مكة ويهنيه برمضان والعيد حين كان حاكماً بحماة بقصيدة معارضاً بها فتح الله النحاس الحلبي التي أولها
عطف الغصن الرطيب ... وتلافانا الحبيب
ومطلع قصيدته
أنجز الوعد الحبيب ... وانجلت عنا الكروب
وتلافانا بوصل ... نقطة الهجر يذيب
وتلقانا بوجه ... فيه ماء ولهيب
حمد الضدين فيه ... إن هذا لعجيب
إن بدا تشرق منه ... الشمس أو ند تغيب
ورد خديه نصيبي ... هل لنا منه نصيب
دونه أسهم لحظ ... حبه القلب يصيب
ذو قوام سمهري ... ليس يحكيه قضيب
فإذا ما ماس تيهاً ... خجل الغصن الرطيب
وبلوح الصدر رما ... ن وفي فيه الضريب
جاوز الحد بظلم ال ... خصر ردف بل كثيب
حبذا ليلة ضمتنا ... وقد غاب الرقيب
أنا والمحبوب والشمع ... وكاسات وكوب
ريقه راحي وكاسي ... ثغره الألمى الشنيب
لي بدر اللفظ مع أنفا ... سه نقل وطيب
وبجيد جؤذري ... منه يرتاح الكئيب
فإذا أمكنت الفر ... صة أجني وأتوب
بل عفاف وبمدحي ... سعد تنجاب الخطوب
الشريف الهاشمي ال ... حسني الندب الأريب
سيد تمدحه اللس ... ن وتهواه القلوب
شمس أفضال وفضل ... مالها قط غروب
غوث من نادي وغيث ... منه نادينا خصيب
طبعه للمال بذا ... ل وللأعدا عطوب
كفه فاض عن القطر ... وعن بحر ينوب
ولقد نال عطايا ... هـ بعيد وقريب
ملك تزهو به الدنيا ... شمال وجنوب
وله من الدو بيت(/)
الخد نقي الورد ما فيه نبات ... والثغر شهي الورد ما فيه نبات
هل يسمح بالوصل لصب دنف ... بالرغم عن الحسود يوماً ونبات
وله
وقائلة تشعث حال بختك ... فقلت نعم تشعث مثل تختي
فاصلاحي لحال التخت سهل ... وإن الشأن في اصلاح بختي
وله من الدو بيت
القلب من الزفير من وجدي حار ... والدمع من العيون أجريت بحار
والمغرم في عشق جمالك قد حار ... ما حيلة من في شرك القانص حار
أقول والدو بيث أول من اخترعه الفرس ونظموه بلغتهم ومعناه بيتان ويقال له الرباعي لأربعة مصاريعه وقد اشتهر باعجام داله وهو تصحيف وهو ثلاثة أقسام يكون بأربع قواف كالمواليات وأعرج بثلاث قواف ومردوفاً بأربع أيضاً وكله على وزن واحد وقد نظم فيه الشعراء قديماً وحديثاً ومما يستجاد منه قول بعضهم
عيني نظرت لنحو شاطي بردا ... ظبياً نظم الحسن بفيه بردا
يا من بصدوده رماني بردى ... لو تسمح لي لهيب قلبي بردا
ومن شعره قوله في غلام قط الشمعة فانطفأت
دنا شادن من شمعة ليقطها ... وأنوار خديه بدت صبغة الباري
أراد يقط الرأس منها فأخمدت ... ومن عادة الأنوار تخمد للنار
وكتب إلى جدي الأستاذ العارف الشيخ مراد قدس سره بقوله
لما تركت له المراد ... غدوت محبوباً مراد
وفرغت منك وما تريد ... فصرت مخطوباً تراد
ورتعت فياح الرضى ... في الكون رائد ما أراد
صرفت فيه خليفة ... عنه به فرداً أحاد
يا وارثاً هدى أحمد ... في الفرق أوفى الاتحاد
يا عين هذا الوقت شيخ ... الكل يا شيخي مراد
هذا على القادري ... يرجو الهدى من خير هاد
وأن يكون بخاطر ال ... مولى مقيم بلا ارتداد
حاشاك رد الطالبين ... المقفرين من الرشاد
فاسلم لأرباب القلو ... ب هنا وفي يوم المعاد
وقال متغزلاً بحماة ومعارضاً بها قصيدة ابن حجة الحموي بقصيدة وهي(3/250)
سقاك حماة الشام مغدودق القطر ... عهاداً تلا الوسمى أحلى من القطر
وما حطها قولي حماة لأنها ... عروستها في شاهد الحسن والعطر
أقول قوله وما حطها قولي حماة الخ هذا المعنى مسبوق في قول من قال ممتدحاً دمشق
قاسوا حماة بجلق فأجبتهم ... هذا قياس باطل وحياتكم
فعروسنا ما مثلها في شامنا ... شتان بين عروسنا وحماتكم
ومراده بالعروس منارة الجامع الأموي بدمشق لشهرتها بهذا الاسم وفي ذلك قول ابن جبير وهو
معبد الشام يجمع الناس طرا ... وإليه شوقاً تميل النفوس
كيف لا يجمع الورى وهو بيت ... فيه تجلي على الدوام العروس
وللشاب الظريف
فديت مؤذناً تصبو إليه ... بجامع جلق منا النفوس
يطير النسر من شوق إليه ... وتهوى أن تعانقه العروس
عود
هي الشامة الشماء في خد شامنا ... هي الغرة الغراء في جبهة القطر
هي الحلة الفيحاء مخضرة الربا ... هي الروضة الغناء زاهية الزهر
أتيه بها فخراً على سائر الدنا ... بأشياء لم توجد بشام ولا مصر
فغيضاتها جنات عدن تزخرفت ... ألم تنظر الأنهار من حولها تجري
فما رأت الراؤون كالبركة التي ... تكنفها الجسران باليمن واليسر
كذا الجامع الغربي في غربها بدا ... يقابل في إشراقه ساطع الفجر
بناظره من جانب الشرق بقعة ... وزاوية في الأوج عالية القدر
تفوق على ذات العماد برونق ... بإيوان كسرى والخورنق كم تزري
مراتع غزلان وخدر خرائد ... ومطلع أنوار الغزالة والبدر
كذا الشرفة العلياء والخضرة التي ... لسالوسها تلقاك باليسر والبشر
ألا فأضرب الأسداس بالخمسة التي ... بها تضرب الأمثال مع بيدر العشر
ترى عجباً دان النهى لعجابه ... وعاد لطيش أشبه الناس بالعمر
جزيرة باب النهر والجسر لو رأى ... على لغي ذكر الرصافة والجسر
كأن عيون الزهر في جنباتها ... يواقيت دراودرار من الزهر
كان التفاف النهر لص مخاتل ... يحاول اخذالهم من محرز الفكر
نواعيرها تشدو بكل غريبة ... فتغنى عن العيدان والناي والزمر(3/251)
تجاوبها الأطيار من كل جانب ... بتغريد تفريد بتلحينها الجهر
فترقص بانات الرياض وسروها ... بحسن قدود في غلائلها الخضر
يرنحها في ميلها واعتدالها ... وتردادها فوج النسيم إذا يسري
ينقطها كف الغمام بلؤلؤ ... يروقك حسناً في النظام وفي النثر
فلو كان جيش الهم والغم غائراً ... تبدل أفراحاً وصار إلى الصدر
رعى الله أياماً مضت في رباعها ... فما كان أهنأها ولو عن ما لقصر
أجربها ذيل الشبيبة ضافياً ... بخلع عذارى قبل نابتة العذر
وشرخ الصبا في عنفوان شبابه ... وريق وعيش المرء في صبوة العمر
مع الأهيف الفتان كالبدر طلعة ... وكالورد منه الخد والريق كالخمر
وكالأسمر الخطي قد أمهفهفا ... وكالحقف دعصاً موهناً دقة الخصر
يدير عن الأقداح أحداق جؤذر ... بما وبما يلقيه من لفظه سكري
ويثنى بكاسات الثغور فتحتسي ... لراح اللما والقرقف العذب الخصر
بغفلة واش والرقيب وحاسدي ... تواصلنا اللذات في هجعة الدهر
إلى أن بدا وخط المشيب بلمتي ... ونبهني سراً وأنذر بالجهر
فلهفي على وقت تقضي بقربهم ... وطيب زمان مرمع دمية القصر
واهاً وواهاً لو تفيد لقائل ... لكررها لكن جمراً على جمر
أيا جبرتي يا أهل ودي وبغيتي ... فلا تجنحوا بعد التعاهد للغدر
ولا تنكروا ما بيننا من مودة ... فحبي لكم ما دمت حياً وفي القبر
مقيم على القادري على الوفا ... فكونوا كما شئتم سوى الصد والهجر
ولما أخذت النصارى بنو الأصفر بلغراد واستردها مصطفى باشا الوزير الجليل الشهير بابن الكبريلي الصدر الأعظم كتب إليه المترجم بهذه القصيدة مهنياً له ومطلعها
تنفس الدهر والعيش الكدور صفا ... والوقت طاب فاسدي للنفوس صفا
وأصبح الكون منه الثغر مبتسماً ... يجلي نضير عروس زانها صلفا
أضحى الزمان جديداً مثل عادته ... في أعصر الراشدين السادة الخلفا
قسط وعدل وانصاف وأمن على ... دم ودين ومال لات حين جفا
من بعد هول وارجاف وبؤس لسي ... والخطب عم عوام الناس والشرفا
وصال صائل أهل الشرك مشتملاً ... بلامة البغي والعدوان ملتحفا
غرورهم غرهم والغدر أو غلهم ... فجاوز الحد جيش الخزي مذ رجفا
عتوا عتواً شديداً في الديار وقد ... عاثوا فساداً ومالوا ميلة العرفا
نفوسهم حدثتهم بالمحال لما ... ظنوا بقاء ظلام الفكر منعكفا
وإن ما اختلسوا بالغدر من نشب ... يبقى لهم خولاً هيهات بل أسفا
وما دروا إن شمس الدين أشرق من ... مطالع العز يمحو نوره السدفا
إذ جاؤا من فوقنا جهراً وأسفلنا ... ومن امام ومن ايماننا وقفا
وزاغت أبصار أهل الدين وارتبكوا ... وزلزلوا جزعاً والشهم ما وقفا
قلوبهم بلغت أدنى محاجرهم ... والظن شاء وزال الصبر وانصرفا
وأكثر القول من أهل النفاق ومن ... والاهم وإذا عوا العجز والضعفاء
فثبت الله منا عصبة صدقت ... بمصطفى الصدر محيي عدل من سلفا
مجدد الوقت حامي الدين من شعث ... مؤثل المجد شاد العز والشرفا
بالعلم والحلم والرأي السديد وبال ... تقوى وبالعزم في حزم وحسن وفا
أرخى العساكر تترى كالسحاب لها ... رعد وبرق لأبصار العد أخطفا
أبطال صبر وفي يوم الكفاح إذا ... ما قابل الشخص نفس الموت ما انحرفا
لبوسهم نسج داود لبأسهم ... مفاضة سابغات من دلاص ضفا
في البحر نون وهم في البر قسورة ... وفي الجبال نسور لا تخاف حفا
على سوابح تجري كالنسيخ ترى ... عين الحمية أقصى شاؤها أزفا
أو كالسهام إذا الراعي يفوقها ... بشدة العزم لما تقصد الهدفا
صوافن ضمر في الكر عادتها ... تدك صم الرواسي دكها الحذفا
ألقى من الرعب في قلب العدا فغدا ... أنكى من العسكر الجرار مرتجفا
رد النصارى على الأعقاب ناكصة ... ومن توقف منهم هامه نقفا
وحكم البيض في أجسادهم فصلت ... حكم القضا فأبانوا الرأس والكتفا
حتى إذا أثخن الطاغين جملتهم ... شد الوثاق على الباقين وانعطفا
يقفو لآثار من فروا فيدركهم ... قتلى وأسرى إلى أن عمرهم كشفا
وله من بحر السلسلة
يا بدر سماء له الأزرة أفلاك ... خلجان دموعي غدت مشارع أفلاك
يا واحد حسن ويا فريد تثن ... توحيد هوى الصب لا يشان باشراك
يا أحور لحظ سطا بأسمر قد ... يا أحمر خد أما ترق لمضناك
غرار صباح الجبين غر محباً ... بالهجر وبالبعد والصدود من أغراك
من وجهك شكري ومن لحاظك سكري ... يا شغلة فكري جعلت قوتي ذكراك
يا بدر ففي القلب قد حللت مقيماً ... قل لي فلماذا حدت عن الطرف بمسراك(/)
هل كان ملالاً لمن تركت خيالاً ... أم حسنك تيهاً بقتل صبك أفناك
عطفاً بمحب يفوق عامر قيس ... لولاك لما هام في المحبة لولاك
ضنيت بري وفقت حاتم طي ... رفقاً بعلي غدا يؤمل رحماك
إن أومض برق من الغوير ونجد ... يرتاح فؤادي بشبه برق ثناياك
أو غر دورق على منا برأيك ... يزداد غرامي إلى لقاك ولقياك
وقال
ضحك الروض من بكاء الغمام ... وعن النور فض ختم الكمام
والرياض اكتست مطارف وشي ... نسجتها أكف سحب كرام
نثرت في الربا يواقيت زهر ... فاقت الزهر في اتساق النظام
من أقاح وأقحوان وبان ... بان عن جمعها بحسن القوام
شق قلب الشقيق حرقة غيظ ... مذ رأى في الأقاح ثغر ابتسام
خضب الورد خده خجلاً من ... حدق النرجس الصحاح السقام
واستعار البهار لون محب ... وجلا من غيمة النمام
زاد حنق البنفسج أزرق إذ كا ... ن حسود النشر عرف الخزام
من أيادي المنثور يثني أيادي ... زنبق الروض ناشر الأعلام
رقص الدوح صفق الماء لما ... شبب الريح أطيب الأنغام
رقى لورق منبر الأيك يتلو ... وتخط الأغصان بالأقلام
فوق طرس النهر الصقيل سطوراً ... أعربت أعجمت بنقط الغمام
دولة العمر في أوان التصابي ... مثل فصل الربيع في الأعوام
فيك يا دار لذ خلع عذاري ... ليس للعيش لذة باكتتام
نزه الطرف في بديع ربيع ... واعط للنفس حقها بالتمام
واختلس في الزمان صفو شباب ... قبل بدء المشيب والانهرام
وانتهز فرصة ليوم سرور ... فالليالي حوامل بالجسام
وألق سمعاً إلى سماع مناغ ... عندليب وبلبل وحمام
والشحارير والقماري وسن ... حركت في الحشا سكون غرامي
روح الروح في الصبوح براح ... واغتبق في الغبوق بنت مدام
واجتلى الشمس في حلى حباب ... من يد البدر في دياجي الظلام
بغية العاشقين روداً ومرداً ... ذات حلي تحلو بزي غلام
من هوى الخرد الحسان هواني ... وغريمي فيهن كان غرامي(3/254)
وشجاني فواتر الأجفان ... ورحيق بريقهن مرامي
وأغاني الغيد الغواني غواني ... ومعاني صوت المثاني زمامي
من صدا العود إن قضيت فبالنف ... خ بناي الرخيم كان قيامي
وإذا ما تعاظمت هفواتي ... حسن ظني المآل دار السلام
واعتمادي على شفيع البرايا ... سيد العالمين ذخر الأنام
وقال في ليلة دعاه فيها الشريف الأجل الصنديد سعد عروض قصيدة المتنبي
أهلاً بدار دعاك سيدها ... وساهمك بالنعيم أسعدها
بليلة لو تسام في عوض ... وكانت الروح كنت أنقدها
بات حبيبي بها ينادمني ... غاب واش وبان حسدها
في روضة خلتها الجنان بدت ... ولدانها واحتجبن خردها
وراء ستر يروق منظره ... أمنع حجب الدنيا وأرصدها
غنى من الغيد كل غانية ... تكاد شمس النهار تعبدها
إذا شدت قلت إن نغمتها ... من ما رد أو دان تزودها
يلعبن بالدف والكمنج وبالطنبو ... ر والكل منها تخمدها
تألفت آلة السماع من الأص ... وات منهن لن تفردها
كأن ألبابنا لها لعب ... تعدمها تارة وتوجدها
ما صيخ سمع إلى السماع كما ... لنغمة غادة تغردها
لو كان إسحق حاضراً لزرى ... غناه قطعاً وهان معبدها
دارت بدور السقاة مطلعها ... أطالس والقلوب مرصدها
مناطق الخصر إن شكت قلقاً ... رديف أرد أفهم يرفدها
وأعين كالمها إذا نظرت ... كلم قلب الشجي مهندها
هاروت من سحرها غدا وجلا ... ينفث في عقدة يعقدها
تقوست فوقها حواجبها ... أهدابها نبلها واعودها
ووجنات تظنها لهباً ... ماء الصبا في الخدود يوقدها
من أشنب العس وريقته ... أحلى سلاف صفا وأبردها
مبتسم الثغر عن سنا درر ... من الثنايا زها تنضدها
وجؤذراً وطف حلا كحلا ... وجؤذر الانسان أجودها
تدير من قهوة يمانية ... عرف شذاها زكا وموردها
على أساريع من نعومتها ... ولينة اللمس كدت أعقدها(3/255)
وتنثني في كؤس أشربة ... فروعها نوعت ومحتدها
يفديهم الروح لا أمن فما ... طارف ما في يدي وتالدها
يا ليلة لن يشيبها كدر ... إلا بروق الصباح ترعدها
قد أذكرت حضرة مقدسة ... صحت أحاديثها ومسندها
تفدي ليالي الزمان ليلتنا ... وتفد سيد الدنيا وسيدها
فخر ملوك الدنا وأشرفها ... وعين أعيانها وأمجدها
به ليالي الدهور مشرقة ... تروق أيامها وأعيدها
دام بعز سعود طالعه ... إلى قران النحوس يسعدها
ومن شعره قوله
تأن ولا تعجل بما أنت باغياً ... وكن لازماً للعدل لا تك باغيا
وجازي لمن أسدى جميلاً بمثله ... وسيئة فأجر الذي كان موسيا
ولن جانباً للخل وأرع وداده ... ووف بمكيال الذي كان وافيا
ورغ عند رواغ وزغ عند زائغ ... مع المستقيم العذل كن متساويا
تحلى بحسن الخلق للخلق كلهم ... وكن سهلاً صعباً نفوراً مواتيا
ودار جميع الناس ما دمت بينهم ... وكن تابعاً حقاً بنياً مداريا
تحمل لجور الجار وارع جواره ... وصل لذوي الأرحام واجف المجافيا
وكن باله الناس ظنك محسناً ... وبالناس سؤ الظن دوماً مراعيا
ولا تغترر بالهش والبش من فتى ... وحفظ ولين مثل مس الأفاعيا
لتعلم إن الناس لا خير فيهم ... ولا بد منهم فألتبسهم مزاويا
متى ما صددت المرء عند هوائه ... جهاراً وسراً عد ذاك معاديا
وإن تبد يوماً بالنصيحة لأمرئ ... بتهمته إياك كان مجازيا
وإن تتحلى بالسخا وسماحة ... يقولوا سفيه أخرق ليس واعيا
وإن أمسكت كفاك حال ضرورة ... يقولوا شحيح ممسك لا مواسيا
وإن ظهرت من فيك ينبوع حكمة ... يقولون مهذاراً بذياً مباهيا
وعن كل ما لا يعن إن تك تاركاً ... يقولون عن عي من العجز صاغيا
وإن كنت مقداماً لكل ملمة ... يقولوا عجول طائش العقل واهيا
وإن تتغاضى عن جهالة ناقص ... يعدوك خواراً جباناً ولاهيا
وإن تتقاضى عنهم نحو عزلة ... يعدوك من كبروتيه مجافيا
وإن تتدانى منهم لتالف ... يعدوك خداعاً دهاءً مرائيا(3/256)
ترى الظلم فيهم كامناً في نفوسهم ... كذا غدرهم في طبعهم متواريا
ففي قوة الانسان يظهر ظلمه ... وفي عجزه يبقى كما كان خافيا
وهيهات تسلم من غوائل فعلهم ... وأقوالهم مهما تكن متحاشيا
فمن رام يرضى الخلق في كل فعله ... وفي قوله للمستحيل معانيا
فمن ذا الذي أرضى الأنام جميعهم ... رسولاً نبياً أم ولياً وواليا
وأعظم من ذا خالق الخلق هل ترى ... جميع الورى في قسمة منه راضيا
إذا كان رب الخلق لم يرض خلعة ... فكيف بمخلوق رضاهم مراجيا
فلازم رضى رب العباد إذاً ولا ... تبال بمخلوق إذا كنت زاكيا
وسدد وقارب ما استطعت فإنما ... يكلف عبد فعل ما كان قاويا
ولله فأضر بالدعا متوسلاً ... بخير الورى المبعوث للخلق هاديا
ينجيك من شر العباد وكيدهم ... ومن مكرهم ما دمت حياً وباقيا
وأستغفر الرحمن لي عائذاً به ... أكن من شرار الجن والأنس ناجيا
وله غير ذلك من الشعر المعجب وكانت وفاته بحماة في يوم الخميس ثامن ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في الزاوية الفوقانية بتربة مشايخ السجادة القادرية أسلافه في حماه رحمهم الله أجمعين.
السيد علي الأسكندري
السيد علي الأسكندري نزيل طرابلس الشام الشيخ الامام الفاضل كان ناظماً ناثراً له معرفة كاملة في وجوه القراآت مع فصاحة في اللسان وضبط في التأدية والقراءة وحفظ متين ولم يعهد له لحن في قراءته وخطأ في كتابته ونظم ونثر كثيراً ومع فضله الزائد كان في منزلة الخمول قاعد وفي آخر عمره قيده الكبر بقيد الفكر فلزم بالسكوت داره إلى أن توفي وكانت وفاته في طرابلس سنة تسع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي البدري
علي البدري شيخ القراآت والقراء بالديار المصرية الشيخ الامام المقري العالم العامل التحرير كانت له اليد الطولى في سائر العلوم محيطاً بمنطوقها والمفهوم أخذ فن القراآت عن العلامة أحمد الأسقاطي الحنفي هو عن أبي النور علي الزيات الدمياطي وهو عن شيخ الشيوخ سلطان المزاحي وكان صاحب الترجمة في غاية من الاتقان في القراآت لم تر الأعين ولم تسمع الآذان بمحقق مثله في القراآت وغيرها بحيث يقري في رواق المغاربة والأروام بعد الظهر من طريق السبع والعشر والأربعة(3/257)
عشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة والقباقبية من غير مراجعة ولا تأمل مع الاعتماد التام على ما حرره في النشر وبقية العلوم يقريها صبيحة كل يوم وأخذ بقية العلوم علي الجمال عبد الله بن محمد الشبراوي والفاضل السيواسي وانتفع به الجم الغفير مع التواضع الذي لم يسمع بمثله وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف بتقديم التاء رحمه الله تعالى.
علي الطيان
علي المعروف بالطيان النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الصالح الصوفي الخير المثابر على طاعات الله تعالى ولد في سنة سبعين وألف وأخذ طريقة الصوفية على جماعة منهم الولي المربي السيد موسى الصمادي ولبس منه الخرقة ومنهم الولي العارف الشيخ محمد بن عبد الهادي العمري ومنهم العلامة البركة السيد حسن المنير وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ في فنون عديدة كالفقه وأصوله والفرائض والمصطلح وكان لا ينفك عن طلب العلم وحضور الدروس مع الديانة والصيانة وطهارة اللسان وناب مدة عن الشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق بامامة الصلاة الأولى بمحراب الشافعية بالجامع الأموي وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر شوال سنة خمسين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الغلامي الموصلي
علي الغلامي الموصلي مفتي السادة الشافعية بالموصل صاحب الفتاوي الظريفة وعارف أسرار فنون الأدب اللطيفة ومخرز قصب البلاغة والأدب والفصاحة والخطب له خبرة وافرة وبصيرة حاذقة بأمور الفتاوي وأحكام الدعاوي دخل حلب سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وتولى الفتوى سنة أربع وأربعين وله شعر لطيف منه قوله مضمناً أبيات السموأل
تقول فتاة الحي وهي تلومني ... أما لك عن دار الهوان رحيل
فإن عناء المستنيم إلى الأذى ... بحيث يذل الأكرمين طويل
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى ... فكل محب للحياة ذليل
فإن لم تطقها فاعتصم بابن حره ... لهمته فوق السماك مقيل
يعين على الجلي ويستمطر الندى ... على ساعة فيها النوال قليل
فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني ... إلى مثله بادي الركاب عجول
فقالت أمين غصن جرثومة السخا ... ألوف العطا للمكرمات فعول(3/258)
تدرع ثوب المجد والحكم يافعاً ... فحطت شباب دونه وكهول
له الهمة القعساء والرتبة التي ... تعز على من رامها وتطول
وهي طويلة وله غير ذلك من الأشعار ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى آمين.
علي الأطفيحي
علي الأطفيحي الشافعي المصري الشهير بقايتباي وإنما عرف به أسكناه بمدفن الملك الأشرف قايتباي الشيخ الامام العالم النحرير الدراكة الفقيه الأصولي النحوي أبو الحسن نور الدين أخذ عن جملة من الشيوخ وتفقه على الشيخ عبد ربه الديوي والشهاب أحمد ابن الفقيه وسمع الحديث على الشمس محمد الشرنبابلي وغيرهم وتصدر بالأزهر ودرس وكثر النفع به ومن كبار الآخذين عنه أبو الصلاح أحمد بن موسى العروسي وغيره وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وذكاء ونبلاً وكانت وفاته بمصر في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
علي التونسي
علي التونسي نزيل مصر المالكي شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر الشيخ الامام العالم العلامة الأوحد البارع النحرير المفنن أبو الحسن علاء الدين قدم من بلدته تونس إلى مصر ودخل الجامع الأزهر واشتغل بالعلم وأخذ عن النجم محمد بن سالم الحفني وأخيه الجمال يوسف الحفني والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والشريف السيد محمد البليدي وحقق وأفاد فأجاد ثم إنه رحل إلى الحرمين وجاور وأخذ عن علمائها إنه رجع إلى القارة ودرس بها واجتمعت عليه الأفاضل وله من التآليف شرح على رسالة راغب باشا الوزير في العروض وله تحريرات كثيرة غير ذلك وبالجملة فهو من أكابر العلماء المنوه بهم وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ومن مات من المسلمين أمين.
علي الأسمر
علي الأسمر الأسكندري المالكي الشيخ العالم العامل الأوحد الفقيه البارع أبو الفضل نجيب الدين كان كل سنة يأتي من اسكندرية بعد عيد الفطر إلى الجامع الأزهر يدرس به ثم يرجع إلى بلده في أول الثلاثة أشهر توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عز الدين الحمصي
عز الدين ابن خليفة الحنفي الحمصي نزيل دمشق الشيخ العلامة المفنن(3/259)
المدقق النحوي أصله من حمص وقدم إلى دمشق طالباً للعلوم وخدم في صباه في المدرسة السميساطية وبعد ذلك شرع في طلب العلم واجتهد ودأب وحصل فمن مشايخه العلامة الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال والفقيه الكبير الشيخ علاء الدين الحصكفي والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي والأستاذ الشيخ محمد بن بلبان الصالحي والعلامة الشيخ عثمان القطان والمحقق الشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد الباقي الحنبلي وولده الشيخ أبو المواهب الحنبلي وكلاهما عالمان عاملان والمحدث الشيخ يحيى المغربي الشاوي وأعاد دروس السنمية للعالم المولى السيد الشريف محمد العجلاني نقيب الأشراف بدمشق وكذلك أعاد دروس العالم الشيخ إسمعيل المحاسني الامام والخطيب بالأموي في المدرسة الجوهرية وأقرأ في الجامع الأموي في النحو وغيره وترددت إليه الطلبة وأم بمحراب المقصورة مدة عن بني محاسن وذهب إلى قسطنطينية في الروم ووجهت عليه المدرسة اليونسية بعد وفاة شيخه الدومي وكانت عليه وظائف وغيرها وكان مجاوراً في المدرسة السميساطية ولم يتزوج قط إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الفضلاء المنوه بهم وكانت وفاته في دمشق في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علاء الدين العذراوي
علاء الدين ابن السيد عبد اللطيف بن علاء الدين أحمد بن إبراهيم الحسيني القادري الشافعي العذراوي ثم الدمشقي الشيخ العلامة الفهامة الفاضل الكامل الحسيب النسيب أخذ وقرأ على جماعة في مصر وكان رفيقاً في الطلب للعالم الشيخ محمد الديري نزيل دمشق الآتي ذكره في محله وكان المترجم من الملازمين للافادة للطلاب وانتفع به الجم الغفير ودرس بالجامع الأموي وفي المدرسة الباذرائية ورحل إلى الروم إلى قسطنطينية فصارت له نقابة الأشراف بحماه وكان يخطب في دمشق في جامع السادات بالقرب من باب الجابية وبالجملة فقد كان من الأفاضل العالمين وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عليم الله الهندي
عليم الله بن عبد الرشيد العباسي النسب الحنفي النقشبندي اللاهوري الهندي نزيل دمشق أحد العارفين الأخيار وزبدة الأساتذة أولي العوارف والمعارف الكبار كان شيخاً عالماً محققاً مدققاً فاضلاً عارفاً صوفياً ليه اليد الطولى في العلوم والتحقيق من منطوقها ومفهومها مع المعارف الألهية بشوشاً متواضعاً حسن الأخلاق(3/260)
معتقداً عند الخاص والعام تقياً صالحاً ناجحاً فالحاً سالكاً مسلك السادة على قدم الصدق والعبادة قرأ وأخذ على مشايخ أجلاء في بلاده في الهند كالعلامة الشهير العارف الشيخ شاه نصر الحق القادري قرأ عليه النحو والصرف وبعض المنطق ومنهم شيخ التحقيق المدقق المصنف الشيخ أبو الفتح محمد فاضل القادري فإنه لازم دروسه مدة تزيد على سبع سنين واستفاد من علومه وحصلت له بركاته ونفحاته وأنفاسه ومنهم إنسان عين الأبرار الشيخ محمد أفضل شاه يوربي المنطقي قرأ عليه العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة كشرح الشمسية للقطب الرازي وحاشية السيد الشريف الجرجاني وحاشية المنلا عبد الحكيم السلكوتي وشرح التهذيب للمولى جلال الدين الدواني مع حاشية الحكيم الفيلسوف ميرزا زاهد الهروي ومنهم الكبير الشهير الشيخ عبد الكريم الأويسي قرأ عليه كتاب المثنوي المعنوي وله مشايخ غيرهم من بلاد الهند ولما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم سمع الحديث وأصوله على العالم المحدث الشيخ محمد حياه السندي نزيل المدينة وقدم دمشق ثم ارتحل منها إلى قسطنطينية في الروم ومنها عاد إلى دمشق واستقام متوطناً بها في تكية بمحلة القماحين بالقرب من باب السريجة وكانت أهالي دمشق وغيرها تعتقده ويحترمونه ويجتمعون عنده وكانت مجالسه كلها حسنة ممتزجة بالآداب والفضائل وإليه تورد أرباب المعارف والآمال والكمل من الناس مع ما يبديه من اللطائف ويورده من الفضائيل العلمية وغيرها وكان يسمع الآلات فكانت تضرب في حضرته مع الانشاد وقد سئل المترجم عن حكم سماع الآلات فأجاب بقوله إنها لا تحدث شيئاً جديداً في القلب وإنما تحرك ما كان كامناً فيه أقول وهو جواب صوفي غير إني أعجب لجواب العلامة المولى عبد الرحمن العمادي المفتي بدمشق حين رفع إليه سؤال عن حكم الآلات فأجاب بقوله أقول قد حرمه من لا يعترض عليه لصدق مقاله وأباحه من لا ينكر عليه لقوة حاله فمن وجد في قلبه شيئاً من نور المعرفة فليتقدم وإلا فالوقوف عندما حده الشرع الشريف أسلم والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم انتهى أقول وهذا الجواب عين الصواب فقد وفق به بين أهل الظاهر والباطن ورسالة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي مشتملة على المباح من ذلك والمكروه والحرام من السماع وسماها إيضاح الدلالات في سماع الآلات وهي متداولة بين الأيدي وكان المترجم يقرئ ويدرس في المكان المزبور وولي بدمشق تولية المدرسة القيمرية وأحدث له والدي من زوائد إيراد وقف الجامع الأموي عشرين عثماني وبعد وفاته وجهت للعالم الفاضل السيد منصور الحلبي وكان المترجم يختلي في كل سنة أربعين يوماً في جمع(3/261)
حافل في مقام الأربعين في جبل قاسيون بالصالحية وكانت له حفدة ومريدون كثيرون وأخذ عنه أناس لا يحصون عدداً وبالجملة فقد كان أحد الأخيار العارفين المحققين وكانت وفاته في دمشق في سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن في التكية المزبورة رحمه الله تعالى.
عطاء الله الموصلي
عطاء الله الموصلي الشيخ الفاضل الصوفي الأوحد البارع الصالح الكامل كان بحراً لا ساحل له وفضاء مجدلاً أول له سلك طريقة القوم أتم سلوك وتعاطى فيها الهداية والتقوى والصلاح وكان يحث الناس على العبادة وله مأثر لطيفة ومكارم منيفة وناب على يده جماعة من الناس وأخذ الطريق على عدة من المشايخ الكمل حتى صار أمة وحده حكى عنه إنه قال كنت في ساحل عمان أو الهند فرأيت شيخاً أبيض اللحية نوراني الشكل مقبلاً إلينا فظننت إنه أحد الأقطاب فقمت إجلالاً له وقبلت يده فقال بعض الحاضرين يا شيخ هذا رجل مجوسي فاستغفرت الله من تعظيمه وتبجيله قال ثم قال آلا أحدثك بأعجب من ذلك قلت ماذا قال إنه خنثى ذو آلتين تزوجه رجل فولد له ثم تزوج امرأة فولد له منها أيضاً فله صنفان من الأولاد من بطنه وظهره وحكى أنه وصل في سياحته إلى جزيرة واق التي ذكرها في الخريدة وإنه أكل من تلك الثمرة فرأى طعمها كطعم السفرجل وترجمه بعض أفاضل الموصل فقال وعاشره شيخنا السيد موسى العالم الأجل وشهد بحفه في التقدم وكمال معرفته في لسان القوم وطريقتهم وإنه ساح مدة طويلة ودار الأقطار واجتاب المفاوز والقفار وذلك في مبدأ أمره ثم إنه بعد ذلك صار من أئمة الأرشاد السالكين سبل الهداية والرشاد واشتهر أمره وعلا قدره ولم يزل على أحسن حالي حتى توفي وكانت وفاته في الموصل بعد الأربعين والمائة والألف وقد جاوز حد الكهولة وقبره في الموصل ظاهر يزار.
عطاء الله العاني
عطاء الله العاني ثم الحلبي أمين الفتوي بحلب الأديب اللوذعي ترجمه الأمين المحيي في ذيل نفحته وقال في وصفه خلاصة أهل العصر المجتمع فيه فضائلهم بجميع أدوات الحصر فهو من جوهر الفضل منتقي وقدر في درج العلا حتى لم يجد مرتقى فالكون به متألق والأمل بأدبه متعلق وله قدم في الأدب عاليه والمسامع بآثاره البهية حاليه تسهل له من البراعة ما تصعب فملكه(3/262)
وتوضح له من مشكلاتها ما تشعب حتى سلكه وقد صحبته في الروم وطريقها في الرجعة فحمدت الله حيث سهل لي أمر هذه النجعة فاجتنيت من مفاكهته روضاً أنفاً وعلقت في جيد أدبي وأذنه قلائد وشنفا وأنا وإن كنت لم أتعرض في الأصل لذكره فإني لم أكتب عنه شيئاً من تحائف شعره وقد ورد على الآن له روائع بدائع فكأنها من جملة ما كان لي في ذمة الدهر من ودائع فدونك منها جملة الاحسان وكأنما دعي الحسن فلباه الاستحسان انتهى مقاله فيه وقوله لم أتعرض في الأصل إلى آخره مراده إنه لم يذكره في النفحة من جملة الأدباء الحلبيين الذين ترجمهم في باب مخصوص في نفحته ومن شعره قوله
فؤاد به نار الغضا تتوقد ... وطرف يراعي الفرقدين مسهد
ودر دموع في الخدود منظم ... له اللؤلؤ المنظوم عقد مبدد
ووجد بسحار اللواحظ أغيد ... يقيم عذولي بالغرام ويقعد
من الروم رام من كنانة جفنه ... سهاماً فبالله سهم مسدد
يميس به غصن من القد أصله ... يكاد بأنفاس الصبا يتأود
عليه قلوب العاشقين تبلبلاً ... فتصدح أحياناً وحيناً تغرد
وله معارضاً قصيدة جعفر ابن الجرموزي التي مطلعها
ما غرد بلبل وغنى ... إلا أضلتني وعني
بقوله
عاوده وجده وحناوشفه داؤه فأناوأبرز الدمع بين صب
من قبل إن كان مستكناًفعاد ظن الهوى يقيناًفيه وكان اليقين ظنا
ويلاه من عاذل غبيقد لج في عذله وجنايسومني سلوة وإني
بسلو عن العشق من تعنىوبي مليح لو لاح ليلاًلبدره التم لأستكنا
غصن يعير الغصون لينابدر يعير البدور حسناإذا تجلى رأيت شمسا
وإن تثنى رأيت غصناًفي كل عضو ترى عيوناًعواشقاً روضه الأغنا
وقد ألم بقول قابوس
خطرات ذكرك تستثير مودتي ... وأحسن منها في القلوب دبيبا
لا عضو لي إلا وفهي صبابة ... فكأن أعضائي خلقن قلوبا
عودا
رشيق قد ثقيل ردفيموج حقف إذا تثنىولي غرام به قديم(3/263)
تم الجزء الثالث ويليه
الجزء الرابع أوله
فتح الله العمري الموصلي(/)
الجزء الرابع(/)
ست وتسعين وعمل لذلك تاريخاً الشيخ نجيب بن محمد العطار الدمشقي فقال
قد شاد ليث العرم دار سعادة ... فأضاء فيها عدله المتأبد
وأقام لألاء السرور مبشرا ... ببقائه فيها بنصر يحمد
والسعد أرخ حكم دار سعادة ... أبداً يوطده الوزير محمد 1196
وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها على أكمل بناء وأحكمه وهذا البناء كان قبل ذلك في شعبان سنة تسعين ومائة وألف بمباشرة جعفر أغا أمين الجاويشية وبنى محكمة الباب وجددها بعد أن تهدم غالبها وصرف على ذلك نحو ثلاثة عشر ألف قرش وكان القاضي العام بدمشق إذ ذاك المولى السيد محمد طاهر محمود أفندي زاده فنقله المترجم منها إلى دار بني الترجمان قرب القلعة الدمشقية وهناك صار مجلس القضاء إلى أن تم بناء المحكة فأرجعه إليها وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصاً لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب وبالجملة فهو أحسن من أدكناه من ولاة دمشق وأكملهم رأياً وتدبيراً ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو والي عليها وكانت وفاته قبيل طلوع شمس يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وتمرض أياماً قلائل واجتمعت الأعيان والرؤساء بداره التي ابتناها لصيق المدرسة القجماسية جوار سوقه المقدم ذكره فغسل بها وخرجوا بجنازته على السوق الجديد حتى وصلوا به إلى الجامع الأموي فوضعت تجاه ضريح سيدنا يحيى وتقدم للصلاة عليه المولى أسعد أفندي الصديقي المفتي ثم حمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء وخرجوا بالجنازة على سوق جقمق ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الصحابي الجليل وعمل على قبره تجعير لطيف وكثر الأسف عليه وجرت لذلك العبره رحمه الله تعالى وجعل في الفراديس العلية مقره
محمد بن محمد الطيب المالكي
الحنفي التافلاتي المغربي مفتي القدس الشريف علامة العصر الفائق على أقرانه من كبير وصغير وله الفضل الباهر وكان في الأدب الفرد الكامل له الشعر الحسن مع البداهة(/)
المشهور صاحب السياحات الكثيرة خرج من وطنه ودخل البلاد القاصية ودار غالب الدنيا واجتمع بأكابر العباد والعلماء والاستاذة والأولياء وله الرحلة المشهورة التي ألفها وذكر فيها غرائب الوقائع التي جرت له وما رآه وذكر الأولياء ومواقعه معهم وغير ذلك مما هو العجب العجاب ودخل دمشق وحلب والروم وغيرهم من البلاد ودار في أقاصي الأرض وجاب طولها والعرض رأيت رحلته وطالعتها جميعاً فرأيته ذكر فيها الأمصار والبلاد التي دخلها والأولياء والعارفين الذين اجتمع بهم ووقفت له على آثار تدل على علو قدمه في المعارف الالهية وبالجملة فهو من كبار الأولياء العارفين والأئمة المرشدين يغلب عليه حال التفويض والتوكل وكانت وفاته بحلب الشهباء يوم السبت رابع رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بها وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته
مصطفى التميمي
ابن عبد الفتاح النابلسي الحنفي الشهير بالتميمي العلام المحقق المدقق الفقيه ولد سنة إحدى عشرة ومائة وألف كما وجد بخط والده وقرأ عليه القرآن مجوداً وبالغ في حفظه ومعرفة أحكامه وحفظ أغلب المتون وتفقه عليه وعلى خاله المرحوم السيد محمد وقرأ على السيد علي العقدي البصير المصري من أول الكنز إلى كتاب الحجر قراءة بحث وتحقيق ولازم الشيخ عبد الله الشرابي فانتفع به أتم الانتفاع وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد بن محمد عقيلة وروى البخاري عنه مسلسلاً بالحنفيين ما عدا شيخه العجيمي قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى آخر كتاب الحج كما هو ومحرر بإجازته له وقد تقلد الفتوى أربعين عاماً وحرر شرح الشيخ حافظ الدين من مسودته وكتب عليه وله كتاب في الفقه سماه ارشاد المفتي إلى جواب المستفتي وله منظومة في العقائد ورسائل في مهمات الفرائض ونظم متن نور الايضاح وغير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى
مصطفى النابلسي الحنبلي
ابن عبد الحق الحنبلي النابلسي نزيل دمشق الشيخ الفاضل البارع الفقيه الفرضي الحيسوب قدم من بلده نابلس في سنة إحدى عشرة ومائة وألف وسكن في مدرسة جدي الاستاذ الشيخ مراد قدس سره ولازم الشيخ أبا المواهب الدمشقي الحنبلي وتلميذه الشيخ عبد القادر التغلبي وقرأ عليهما ما كتبا عديدة في فقه مذهبه كدليل الطالب والمنتهى والاقناع وفي الفرائض والحساب وقرأ عليهما عدة كتب منها شرح الرحبية وشرح اللمع وغير ذلك ولازم دروس الشيخ أبي المواهب المذكور في الجامع الأموي بين العشاءين(/)
تفنى الليالي وليس يفنى ولست وحدي به معنىكل البرايا به معنى
وله أيضاً
بمواقع السحر التي ... من ناظريك ضمينها
وفواتك الحسن التي ... في وجنتيك كمينها
وعوامل القد التي ... قلبي لديك طعينها
ألا رثيت لمغرم ... دامي الجفون سخينها
وهذا الأسلوب جرى عليه كثير من الشعراء منهم ابن مغيزل حيث قال
بمجاري فلك الحسنالذي في وجناتكوبنوتيك على خديك
من غير دواتكوبما تصنع في الناس بساجي لحظاتك
وبما أغفله الواصف من حسن صفاتكلا تدعني والهوى
يجرح قلبي بحياتك
ومن ذلك قول الأديب محمد ابن زين العابدين الجوهري الدمشقي
بالذي أودع لحظيك ... حبيب القلب حتفا
وسقاني منهما كا ... سا سريع السكر صرفا
وحبا خدك وردا ... وحبا شكلك ظرفا
جد على صب كئيب ... ذي أوار ليس يطفى
وللألمعي الشهير محمد الحرفوشي من هذا النمط قوله
بالذي أنشاك فرداًوكسا خديك ورداًوالذي أعطاك حسنا
قلت أهل الحسن حداًوالذي أولى فؤاديمنك أعراضاً وصدا
صل معنى فيك يقضي ... الليل تسهيداً ووجداً
هو من هذا القبيل أبيات عبد المحسن الصوري المشهورة
بالذي ألهم تعذ ... يبي ثناياك العذابا
والذي ألبس خد ... يك من الورد نقابا
والذي أسكن في فيك ... من الشهيد رضابا
والذي صير حظي ... منك هجراً واجتنابا
يا غز الأصاد باللحظ ... فؤادي فأصابا
ما الذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا
ومن ذلك قول الماهر الأديب إبراهيم بن محمد السفرجلاني الدمشقي
بالذي في العيقق رصع دراً ... وجلا تحت غيهب الشعر بدرا(3/264)
والذي أودع المباسم شهداً ... ثم أجراه في المراشف خمرا
والذي صير الشقائق طرساً ... خط فيه من البنفسج سطرا
والذي في لهيب خدك ألقى ... ند خال يربو على الند نشرا
والذي خص أدعجيك بشيء ... لو رآه هاروت سماه سحرا
والذي هز من قوامك خوطاً ... يتهادى من الشبيبة سكرا
والذي صاغ من قشور اللآلي ... لك جسماً من ناعم الخز أطرى
والذي قد كساك حلة حسن ... لست منها مدى زمانك تعرى
والذي سلط الجفون وأمضى ... حكمها في القلوب نهياً وأمرا
ما الذي قالت العيون لقلبي ... قال قالت يا قلب كن بي مغرى
وللمترجم
لو أن أنفاسي من حرها ... مما بقلبي من هوى العس
قد خالطت لطف نسيم الصبا ... ما شمته برداً على الأنفس
وهذا ما وصلني من خبره ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه من أهل هذه المائة رحمه الله تعالى.
عطية الله الأجهوري
عطية الله بن عطية البرهاني القاهري الشافعي الشهير بالأجهوري الشيخ الهمام العالم العلامة الحبر البحر الفاضل النحرير الفهامة أخذ عن الشهاب أحمد ابن عبد الفتاح الملوي وعن الشمس محمد العشماوي والسيد علي العزيز وعن غيرهم وتصدر في جامع الأزهر لأقراء الدروس ووردت عليه الطالبون وألف مؤلفات نافعة منها شرح مختصر السنوسي في المنطق وحاشية على شرح منظومة في أصول الحديث وكان علم الفضل المشهور نتيجة الأيام والدهور من لم تسمع الآذان ولم تر العيون بمثل تحقيقاته التي تستوضح الشمس للخاص والدون مبرزاً للتحقيق على طرف الثمام على وزن غراب وفي المثل هو على طرف الثمام لما يوصل اليد من غير مشقه يأتي كل يوم إلى الجامع الأزهر صبيحة النهار ويحضر دروس الشمس محمد الحفناوي ثم بعد الدروس يذهب إلى الرواق الآخذ إلى رواق الريافه الجامع الأزهر هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى الامام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة وشرع(3/265)
في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة احدى وستين وثلثمائة وجمع فيه وكتب بدائر القبة التي في الرواق الأول وهي على يمنة المحراب والمنبر ما نصه بعد البسملة مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معد الامام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي وذلك في سنة سنين وثلثمائة وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة احدى وستين وثلثمائة ثم إن العزيز بأنه أبا منصور نزار بن المعز لدين الله جدد فيه أشياء وفي سنة ثمان وسبعين وثلثمائة سأل الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس الخليفة العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من رزق الناض وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيه بجانب الجامع الأزهر فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلي العصر وكان لهم أيضاً من مال الوزير صلة في كل سنة وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلاً وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات ويقال إن بهذا الجامع طلسماً فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة كل صورة على رأس عمود فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس منهما صورة في الجهة الغربية في العمود وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سدة المؤذنين والصورة الاخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف على الجامع الأزهر وجامع المقس والجامع الحاكمي ودار العلم بالقاهرة رباعاً بمصر وضمن ذلك كتاباً نسخته هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع ما نسب إليه مما ذكر ووصف فيه من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة أربعمائة أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد الله ووليه المنصور أبي علي الامام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين بن الامام العزيز بالله صلوات الله عليهما على القاهرة المعزية ومصر والاسكندرية والحرمين حرسهما الله وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن وما فتحه الله ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب بمحضر رجل متكلم إنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد في هذا الكتاب وإنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة والجامع بالمقس اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما
وعلى دار الحكمة(3/266)
بالقاهرة المحروسة التي وقفها والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب منها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة مشاعاً جميع ذلك غير مقسوم ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية في جانب الغرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار ومن ذلك جميع الحصص الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضاً بالموضع المعروف بحمام الفار وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته ومجاري مياهه وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة بتلة لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها باقية على شروطها جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب لا يوهنها تقادم السنين ولا تغير بحدوث حدث ولا يستثنى فيها ولا يتأول ولا يستفتي بتجدد تحبيسها مدى الأوقات وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث الله الأرض والسموات على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي إليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من أشهارها عند ذوي الرغبة في اجارة أمثالها فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته من غير إحجاف بما حبس ذلك عليه وما فضل كان مقسوماً على ستين سهماً فمن ذلك للجامع الأزهر بالقاهرة المحرومة المذكور في هذا الاشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع بصرف ذلك فيما فيه عمارة له ومصلحة وهو من العين المعزي الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون ديناراً ونصف دينار وثمن دينار من ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون ديناراً ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لا ينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينار ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة(3/267)
الصانع خمسة عشر ديناراً ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط واجرة الخياطة خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلاً بالرطل الفلفلي دينار واحد ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار ومن ذلك لثمن أردبين ملحاً للقناديل ربع دينار ومن ذلك ما قدر لمؤنة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون ديناراً ومن ذلك الثمن سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار ومن ذلك لثمن قنطارين خرقاً لمسح القناديل نصف دينار ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ولثمن مائتي مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع أجرة حملها ثلاثة دنانير ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومأتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون ديناراً ونصف ومن ذلك لأرزاق المصلين يعني الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة وخمسة عشر مؤذناً خمسمائة دينار وستة وخمسون ديناراً ونصف منها للمصلين لكل رجل منهم ديناران وثلثا دينار وثمن دينار في كل شهر من شهور السنة والمؤذنون والقومة لكل رجل منهم ديناران في كل شهر ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون ديناراً ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون ديناراً ومن ذلك لثمن مائة
وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقاه والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر ديناراً ونصف ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر ديناراًنين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقاه والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر ديناراً ونصف ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر ديناراً
وإلى هنا انقضى حديث الجامع الأزهر وأخذ في ذكر جامع راشدة ودار العلم وجامع المقس ثم ذكر إن تنانير الفضة ثلاثة تنانير الفضة وتسعة وثلاثون قنديلاً فضة فللجامع الأزهر تنوران وسبعة وعشرون قنديلاً ومنها لجامع راشدة تنور واثنا عشر قنديلاً وشروط أن تعلق في شهر رمضان وتعاد إلى مكان جرت عادتها أن تحفظ به وشرط شروطاً كثيرة في الأوقاف منها إنه إذا فضل شيء واجتمع يشتري به ملك فإن عاز شيئاً واستهدم ولم يف الريع بعمارته بيع وعمر به وأشياء كثيرة وحبس فيه أيضاً عدة آدر(3/268)
وقياسر لا فائدة في ذكرها فإنها مما خربت بمصر قال ابن عبد الظاهر عن هذا الكتاب ورأيت منه نسخة وانتقلت إلى قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين وكان بصدر هذا الجامع في محرابه منطقة فضة كما كان في محراب جامع عمرو بن العاص بمصر قلع ذلك صلاح الدين يوسف بن ايوب في حادي عشر ربيع الأول سنة تسع وستين وخمسمائة لأنه كان فيها انتهاء خلفاء الفاطميين فجاء وزنها خمسة آلاف درهم نقرة وقلع أيضاً المناطق من بقية الجوامع ثم إن المستنصر جدد هذا الجامع أيضاً وجدده الحافظ لدين الله وأنشأ فيه مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عرفت بمقصورة فاطمة من أجل إن فاطمة الزوراء رضي الله تعالى عنها رؤيت بها في المنام ثم إنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في كتاب سيرة الملك الظاهر لما كان يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة وسبب ذلك إن الأمير عز الدين أيدمر الحلي كان جار هذا الجامع من مدة ستين فرعى وفقه الله حرمة الجار ورآى أن يكون كما هو جاره في دار الدنيا إنه غداً يكون ثوابه جاره في تلك الدار ورسم بالنظر في أمره وانتزع له أشياء خصوبة كان شيء منها في أيدي جماعة وحاط أموره حتى جمع له شيئاً صالحاً وجرى الحديث في ذلك فتبرع الأمير عز الدين له بجملة مستكثرة من المال الجزيل وأطلق له من السلطان جملة من المال وشرع في عمارته قصر الواهي من أركانه وجدرانه وبيضه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه حتى عاد حرماً في وسط المدينة واستجد به مقصورة حسنة وآثر فيه آثاراً صالحة يثيبه الله عليها وعمل الأمير بيليك الخزينة دار فيه مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الامام الشافعي رحمه الله ورتب في هذه المقصورة محدثاً يسمع الحديث النبوي والرقائق ووقف على ذلك الأوقاف الدارة ورتب به سبعة لقراءة القرآن ورتب به مدرساً أثابه الله على ذلك ولما تكمل تجديده تحدث في إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيباً وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور وحضر الأتابك فارس الدين والصاحب بهاء الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من الأمراء والكبراء وأصناف العالم على اختلافهم وكان يوم جمعة مشهوداً ولما فرغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحلي والأتابك والصاحب وقرئ القرأن ودعي للسلطان وقام الأمير عز الدين ودخل إلى داره ودخل معه الأمراء فقدم لهم كل ما تشتهي الأنفس(3/269)
وتلذ الأعين وانفصلوا وكان قد جرى الحديث في أمر جواز الجمعة في الجامع وما ورد فيه من أقاويل العلماء وكتب فيها فتياً أخذ فيها خطوط العلماء بجواز الجمعة في هذا الجامع وإقامتها فكتب جماعة خطوطهم فيها وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرت ووجد الناس به رفقاً وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكمي قال وكان سقف هذا الجامع قد بني قصيراً فزيد فيه بعد ذلك وعلى ذراعاً واستمرت الخطبة فيه حتى بنى الجامع الحاكمي فانتقلت الخطبة إليه فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة وفي الجامع الأزهر خطبة وفي جامع ابن طولون خطبة وفي جامع مصر خطبة وانقطعت الخطبة من الجامع الأزهر لما استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة فإنه قلد وظيفة القضاء لقاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس فعمل بمقتضى مذهبه وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد كما هو مذهب الامام الشافعي فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل إنه أوسع فلم يزل الجامع الأزهر معطلاً من إقامة الجمعة فيه مائة عام من حين استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن
أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره فتقاسم امراء الدولة عمارة الجوامع فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة لجامع الحاكمي وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهروب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره فتقاسم امراء الدولة عمارة الجوامع فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة لجامع الحاكمي وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهر
وتولى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار عمارة جامع الصالح فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها ثم جددت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن علي الأسعردي محتسب القاهرة في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ثم جددت عمارته في سنة احدى وستين وسبعمائة عندما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري في دار الأمير فخر الدين أبان الزاهدي الصالحي النجمي بخط الأبارين بجوار الجامع الأزهر بعدما هدمها وعمرها داره التي تعرف هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار فأحب لقربه من الجامع أن يؤثر فيه أثراً صالحاً فأستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في عمارة الجامع وكان أثيراً عنده خصيصاً به فأذن له في ذلك وكان قد استجد بالجامع عدة مقاصير ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته فأخرج الخزائن والصناديق ونزع تلك المقاصير وتتبع جدرانه وسقوفه بالاصلاح حتى عادت كأنها جديدة وبيض الجامع كله وبلطه ومنع الناس من المرور فيه ورتب فيه مصحفاً وجعل له قارئاً وأنشأ على باب الجامع القبلي(3/270)
خالوثا لتسبيل الماء العذب في كل يوم وكل فوقه مكتب سبيل لأقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ورتب للفقراء المجاورين طعاماً يطبخ كل يوم وأنزل إليه قدوراً من نحاس جعلها فيه ورتب فيه درساً للفقهاء من الحنفية يجلس مدرسهم لألقاء الثنية في المحراب الكبير ووقف على ذلك أوقافاً جليلة باقية إلى يومنا هذا ومؤذنوا الجامع يدعون في كل جمعة وبعد كل صلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة ولي الأمير العلواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر فتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعي وترك موجوداً فإنه يأخذه المجاورون بالجامع ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحري وفي سنة ثمانمائة هدمت منارة الجامع وكانت قصيرة وعمرت أطول منها فبلغت التنقه عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة وسلت في ربيع الآخر من السنة المذكورة فعلقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر وأوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها واجتمع القراء والوعاظ بالجامع وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان فلم تزل هذه المئذنة إلى شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة فهدمت لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعدما هدم الباب وأعيد بناءه بالجرور كبت المنارة فوق عقده وأخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف خليل التي كانت تجاه قلعة الجبل وهدمها الملك الناصر فرج بن برقوق وقام بعمارة ذلك الأمير تاج الدين التاج الشوبكي والي القاهرة ومحتسبها إلى أن تمت في جمادي الآخرة سنة ثمان عشرة وثمانمائة فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط فهدمت في صفر سنة سبع وعشرين وأعيدت وفي شوال منها ابتدئ بعمل الصهريج الذي بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ووجد أيضاً رمم أموات وتم بناؤه في ربيع الأول وعمل بأعلاء مكان مرتفع له قبة يسبل فيه الماء وغرس بصحن الجامع أربع شجرات فلم تفلح وماتت ولم يكن لهذا الجامع ميضأة عندما بني ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الأقبغاوية إلى أن بنى الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسة المعروفة بالمدرسة الأقبغاوية هناك وأما هذه الميضأة التي بالجامع الآن فإن الأمير بدر الدين جنكل بن البابا بناها ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمانمائة ميضأة المدرسة الأقبغاوية وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة ولي نظر هذا الجامع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب فجرت في أيام نظره حوادث لم يتفق مثلها وذلك إنه لم يزل في هذا الجامع منذ بنى عدة من الفقراء يلازمون الاقامة فيه وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلاً ما بين عجم وزيالعة(3/271)
ومن أهل ريف معسر ومغاربة ولكل طائفة رواق يعرف بهم فلا يزال الجامع عامراً بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع العلوم الفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر فيجد الانسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله والارتياح وترويح النفس ما لا يجده في غيره وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورين فيه على عبادة الله تعالى وكل قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز
والحلاوات لا سيما في المواسم فأمر في جمادي الأولى من هذه السنة باخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الاقامة فيه واخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف زعماً منه إن هذا العمل مما يناب عليه وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضرراً فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم فساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناساً يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لا يجد مكاناً يأويه ومنهم من يستروح بمبيته هناك خصوصاً في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أوقاتهلحلاوات لا سيما في المواسم فأمر في جمادي الأولى من هذه السنة باخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الاقامة فيه واخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف زعماً منه إن هذا العمل مما يناب عليه وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضرراً فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم فساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناساً يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لا يجد مكاناً يأويه ومنهم من يستروح بمبيته هناك خصوصاً في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أوقاته فلما كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادي الآخرة طرق الأمير سودوب الجامع بعد العشاء الآخرة والوقت صيف وقبض على جماعة وضربهم في الجامع وكان قد جاء معه من الأعوان والغلمان وغوغاء العامة ومن يريد النهب جماعة فل بمن كان في الجامع أنواع البلاء ووقع فيهم النهب فأخذت فرشهم وعمائمهم وفتشت أوساطهم وسلبوا ما كان مربوطاً عليها من ذهب وفضة وعمل ثوباً أسود للمنبر وعلمين مزوقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم على ما بلغني فعاجل الله الأمير سودوب وقبض عليه السلطان في شهر رمضان وسجنه بدمشق من تاريخ المقريزي عود فيأتي أذكياء جماعة يسمعون الدرس الذي يريد اقرأه مع الشروح والحواشي وهو يقرره لهم قال تلميذه هبة الله التاجي في ترجمته له في ثبته لما قدمت مصر سمعت بأنه فريد وقته وإنه يقرئ المختصر على التلخيص فسرت إليه فرأيته يقرره في مدرسة الأشرفية وقد فاتني شيء يسير من أوله فحضرته عليه منه إلى آخره وكان الذين يحضرونه ينوفون على خمسمائة فسمعت منه ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب محش ولا شارح أخذ جماعة منهم الشيخ سليمان الجمل ومعيده الشيخ عبد الرحمن والشيخ أبو الفتح(3/272)
محمد العجلوني الدمشقي وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى.
عيد النمرسي
عيد بن علي القاهري الشافعي الشهير بالنمرسي الشيخ العالم العلامة الحبر البحر النحرير المحقق الفهامة الفقيه الأثري الأوحد المفنن أخذ عن جماعة من الأئمة منهم الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وشمس الدين محمد الشرنبابلي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني ومحمد بن قاسم البقري الشافعيون وعبد الحي الشرنبلالي الحنفي وبرع وفضل وأفتى ودرس وأقبلت عليه الطلبة وأخذ عنه جملة من الأفاضل منهم عبد الرحمن بن حسن الفتني المكي والجمال عبد الله ابن محمد الشيراوي والنجم محمد بن سالم الحفني وعلي بن أحمد الصعيدي وأحمد بن حسن الجوهري وإبراهيم بن عيسى البلقطري وأحمد بن محمد الراشدي وغيرهم وجاور في آخر أمره بالمدينة المنورة ودرس بالحرم الشريف النبوي ولم يزل مقيماً بها إلى أن توفي سنة أربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع مقابل قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
عيسى بن شمس الدين
عيسى بن شمس الدين الدمشقي امام جامع كريم الدين الكائن في محلة القبيبات كان شيخاً أديباً فاضلاً له سخاء مفرط توفي في اليوم العاشر من شهر رمضان سنة ثلاث ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عيسى البراوي
عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري الشافعي القاهري الشهير بالبراوي العالم العلامة المحقق المدقق أخذ الفقه والحديث عن جماعة منهم الشيخ محمد الدفري والشيخ يونس الدمرداشي وأبو الصفا علي الشنواني وابن عمه عبد الوهاب الشنواني وعيد النمرسي وأحمد الديربي ومصطفى العزيزي ومحمد السجيني ومحمد الصغير وغيرهم وبرع وفضل وتصدر للتدريس وكان له اليد الطولى في جميع العلوم لا سيما الفقه وكان به الشهرة التامة وانتفع به الجم الغفير من سائر الأقطار حتى من أراد أن يقرأ الفقه لا يقرأه إلا عليه وكان ملازماً للاشتغال مع الصلاح التام بالعلم والعمل وكانت وفاته سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى.
عيسى بن صبغة الله(3/273)
عيسى بن صبغة الله بن إبراهيم بن حيدر بن أحمد بن حيدر الكردي الصفوي الشافعي نزيل بغداد الشيخ الامام العالم المحقق المدقق الفقيه البارع الأوحد أبو الروح شرف الدين ولد في سنة سبع وأربعين ومائة وألف وأخذ عن والده المحقق المشهور وعن غيره وظهر فضله وصار أشهر علماء بغداد ذو فطنة وقادة وذكاء تام وكان له اشتغال كلي في العلوم كلها قد بالغ في استخراج مشكلات العلوم معقولاً ومنقولاً وله تآليف حسنة منها حاشية على جزء عبارات التحفة للشهاب الهيثمي وحاشية على حاشية عبد الحكيم على شرح الكافية للجامي وله رسائل عدة في متفرقات من العلوم وحج قبل وفاته بقليل ودخل في طريقه إلى دمشق وأخذ عنه بعض أفاضلها وكان رحمه الله تعالى ذا سعة زائدة في تحرير المسائل توفي ببغداد سنة تسعين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى.
عيسى القدومي
عيسى القدومي الفاضل الكامل والصالح العامل اشتغل بتحصيل العلوم بدمشق الشام واستفاد وأفاد وبلغ المنى والمراد وأخذ الطريق الخلوتي عن الأستاذ البكري وانقطع للعبادة والأوراد وتلاوة القرآن فعلت رتبته بين الأقران وعادت بركته على الاخوان حتى نقله الله إلى أعلى فراديس الجنان.
حرف الغين المعجمة
غياث الدين البلخي
غياث الدين البلخي الشافعي الشريف العالم العامل العارف الورع الزاهد ابن الشيخ الكامل جمال الدين ابن الشيخ العارف غياث الدين التوراني وتوران علم على مملكة الأزبك مولده كما أفاد رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ببلخ وهو وأباؤه ببلخ مشهورون مشايخ نقشبنديون وللناس فيهم مزيداً اعتقاد ولم يزل بينهم بركة ذلك الناد إلى أن توجه عليهم طهماس فأباد نظام هاتيك البلاد وشتت شمل من بها من العباد فارتحل صاحب الترجمة بعد وفاة أبويه إلى بخارى واشتغل على علمائها إلى أن فات الأقران ثم خرج منها ودخل السند والهند واليمن والحجاز ومصر والشام ووصل إلى حلب سنة خمس وسبعين ومائة وألف فأقام بها مدة في حجرة بجامعها الأموي ثم عزم على التوجه إلى بغداد فخرج منها إلى عينتاب فمرض هناك وعاد إلى حلب واشتد مرضه إلى أن توفي يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث(3/274)
عشر رمضان سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب أنطاكية بتربة الولي المشهور الشيخ تغلب شرقي تربته رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين.
حرف الفاء
فتح الله الداديخي
فتح الله بن عبد الواحد الحنفي الداديخي الأصل الدمشقي أحد الأفاضل والأدباء كان يتولى النيابات في محاكم دمشق والقضاء وقرأ في بداية أمره شيئاً من الفقه والنحو وطلب وكان أديباً بارعاً وتولى في دمشق تولية وتدريس المدرسة الباسطية في صالحية دمشق بالقرب من الجسر الأبيض وكذلك تولية وتدريس المدرسة الريحانية داخل دمشق وفي أيامه سكرت محكمة البيانية الكائنة في محلة باب شرقي بالقرب من محلة النصارى وهي مدرسة وتوليتها الآن على أحد بني محاسن ووقع في زمانه فيها بعض منكرات وأمور مخلات فسكرت وهي إلى الآن كذلك ونسبت الأمور الصادرة فيها للمترجم لكونه كان يتولاها وكان ذا شعر وأدب وشيبة بيضاء نيرة ومجد مؤثل المؤثل كمعظم ولطف خلال وشرف نفس كريمة مع هيبة وطلعة باهرة وإيراد نوادر وتكلم ومما وقع له إنه طلب من الشيخ أحمد المنيني تاريخاً لتجديد الباسطية المدرسة المذكورة فعمل له التاريخ وعرض على مفتي دمشق إذ ذاك المولى محمد العمادي حين دعاه المترجم هو والقاضي والأعيان للمدرسة المرقومة لأجل إثبات العمارة على الوقف فاستحسنه العمادي وقال يستحق صاحب هذا التاريخ وليمة عظيمة نكون أيضاً فيها فوعد ولم يف فاتفق إن المنيني المذكور خرج يوماً للصالحية ومعه الشيخ أحمد البقاعي نزيل قسطنطينية فأقاما ذلك اليوم في الباسطية من غير علم المترجم فقال المنيني لا ننزل من هنا إلا حتى ننكت على صاحب المدرسة حيث لم يف بوعده ثم إنه عمل بيتين وهما قوله
لله يوم الباسطية إنه ... بالأنس معدود من الأعمار
قلنا به في ظل عيش ناعم ... داني الظلال مقلص الأثمار
ثم عمل البقاعي بيتين من هذا القبيل ثم إن المنيني عدل عن البيتين المذكورين لقصورهما عن النورية بالمراد وعمل بيتين وغيرهما قوله
مدرسة الفتح غدت جنة ... بديعة تزهو بإشراقها
قالوا غدا يقري لو فادها ... قلت نعم لكن بأوراقها(3/275)
وقد أنشد ذلك للعمادي فلم تعجبه أبيات البقاعي ولا البيتين الأولين وكان مغبر الخاطر من الداديخي وكان في ذلك المجلس الشيخ أحمد الكردي الدمشقي فقال له العمادي أجز بيتي المنيني فأنشأ وقال
نعم المدارس باسطية فتحنا ... لو أنها بنداه كانت تعمر
لفظ بلا معنى كذلك ذاته ... طول بلا طول وذا لا ينكر
فتغيظ الداديخي لما سمع ذلك وتسابا طويلاً ثم إن الكردي عمل بيتين آخرين في الداديخي وهما قوله
مالي بمدح الفتح لا أكتفي ... فقدره قد فاق بين الورى
يا سائلي عنه وعن بيته ... كلاهما قد أمسيا في الخراب
ومراده الاكتفاء بذلك لأن الداديخي كان بيته في محلة الخراب وأنشدهما الكردي في المجلس أيضاً فوقع بينهما مشاجرة وخصام أدى إلى قبيح الكلام ثم اجتمعا في الجامع الأموي في رمضان وكانت الواقعة قبيل رمضان بأيام فتشاتما طويلاً بالهجر من القول وخرج كل منهما عن حده من الاستطالة على صاحبه والصول ثم إن الكردي عمل في الفتح الداديخي هجاء آخر بليغاً طويلاً وعرضه في مسوداته على المنيني فمزقه شذر مذر وقال له أنت قلت فيه مقطوعين يبقيان إلى آخر الدهر وما تكلم هو فيك لا يبقى في الفكر انتهى وقد حدثني كثير من أصحابي بأجوبة صدرت من الداديخي المترجم إلى أناس صدرت مع حسن التعبير منها إن أخا الشيخ أحمد المنيني المذكور آنفاً وهو الشيخ عبد الرحمن المنيني أراد أن ينكت على الداديخي بأن أصله قروي فلاح فقال له كم ساعة بين داديخ وحلب فأجابه بالحال مقدار ما بين قرية منين ودمشق فأفحمه وأراد أن أصلك كذلك مثلي قروي إن كان مرادك ذلك ويعجبني من هذا القبيل ما أجاب به المنيني المذكور إلى أحد تجار دمشق المشاهير ويعرف بابن الزرابيلي حين سأله بقوله مولانا متى خلعتم الزرابيل من أرجلكم قاصداً التنكيت عليه بأنه قروي فأجابه المنين بالارتجال من حين تركتم صنعتها والاشتغال بها فأفحمه بالجواب وكان المترجم الداديخي ينظم الشعر الباهر فمن ذلك ما كتبه للشيخ محمد الكنجي بقوله
يا سيداً زار وما زرته ... فمني النقص ومنه التمام
إن كان في ذلك فقد قضى ... بأني المأموم وهو الامام
فطالما زار الغمام الثرى ... ولم يزر قط الثرى للغمام
فأجابه الكنجي بقوله
زرتك يا كهف الندى والسخا ... وكعبة الفضل وركن المرام(3/276)
فلم أجد أنسك حسب المنى ... ولم أخب إذ قد يزار المقام
وحيث كان الفضل يسعى له ... والمنهل العذب كثير الزمام
وهذا تضمين حسن وممن ضمنه بعضهم بقوله وأجاد
لما بدا والشهد من ريقه ... ودونه يستشهد المستهام
ازدحم النمل على خده ... والمنهل العذب كثير الزحام
وكتب المترجم للكنجي ملغزاً بقوله
يا سيداً فاق أولي عصره ... ومن رقى بالمجد أعلى مقام
وفاضل الوقت وكنز التقى ... وجبهة الدهر ومسك الختام
من حاز قصب السبق بين الورى ... حتى المعالي قادها بالزمام
يروى حديث الفضل عن والد ... وعن جدود في البرايا كرام
محمد يرويه عن أحمد ... أعني به الكنجي ذاك الهمام
ابن لنا ما أنتم إذا قل في ... خواصنا يكثر عند العوام
بيت له بابان قد أغلقا ... وفيه مصرعان تبدو عظام
رباعي التركيب من أحرف ... بدت لرائيها كبدر التمام
لولاه ما كان يرى ناثر ... كلا ولا يوجد فينا نظام
ولا صرفنا للعلا همة ... ولا بدا الفقه وعلم الكلام
ومالك القلب له ينبغي ... فانظر تراه بعد قلب يرام
تحريفه يؤلم أهل النهى ... وإن تصحف لم تجد غير لام
شبهت منه عارضاً أخضراً ... وفيه للعلم أوي والقوام
يصلح للجمع وتعريفه ... جمع بدا عند حصول الخصام
أصبح كالصبح جلياً يرى ... وحسن مرآه بدا للأنام
فاكشف لفتح الله عن حله ... وأرق ودم طول المدى يا امام
ما حرك الأغصان ريح الصبا ... وما نعى الديك فقيد الظلام
وأعذر أخاً فكر شتيت ولا ... تجعل جوابي لن ترى والسلام
فأجابه الكنجي
أيا شفيق الفضل يا من سما ... بفضله النامي على كل هام
ويا أديباً حسن ألفاظه ... قد علمتنا طرق الانسجام
وذو أياد لم تزل في الورى ... للجود والمعروف في الاغتنام
يد لفعل الخير مبسوطة ... باليمن والاخرى إلى الالتئام(3/277)
أنت ملاذ الفضل بين الملا ... أنت حليف المجد ذو الاحتشام
وأنت فتح الله في خلقه ... من أصبح الدهر لديه غلام
الغزت في احدى وتسعين لا ... تقبل شكا يا رفيع المقام
وهو الذي تقديم نصف له ... وربعه لأمك أهل الملام
وإن حذفت ربعه عامداً ... في كل وقت كلم قد يرام
حسبك يا مفضال هذا فقد ... أصبحت في الناس أمير الكلام
فأشرح لنا عن أحرف أربع ... قد ركبت فيتا بحسن النظام
اسم وإن تطرح لنا نصفه ... مشدداً فعل ذوي الاهتمام
أو تقلب النصف بتسهيله ... فهو حياة تقبل الانقسام
أو تأخذ المقلوب مع نصف ما ... ألقيت فهو المبتغى للأنام
أو تسحب الغاية منه إلى ... ثانيه مع حذف وقلب امام
ونصفه حرف وفي قلبه ... نفي فلا تحفل به يا همام
ونصفه يجمع كل الورى ... وكل شيء فيه حسب المرام
إن قدم النصف إلى صدره ... وصير الثاني منه ختام
فأنت لا شك هو بين الورى ... يا فاضلاً أعيا فهوم الكرام
فأظهر لنا السر الذي قد خفي ... فأنت رب العز ماضي الحسام
وكن بأوفى الخير في نعمة ... وأبق ودم وأسلم إلى كل عام
فأجابه المترجم والغزلة
ما روضة غناء ذات ابتسام ... أو عقد در فاخر الانتظام
أو غادة حسنا قد أقبلت ... سجلة بين يديها غلام
مهضومة الأحشاء مياسة ... في كفها راح صفا ضمن جام
عزيزة في المصر بهنانة ... ترنو بلحظ ساحر للأنام
جاذبتها ذكر الهوى والصبا ... وطيب أوقات مضت كالمنام
قالت أما يكفيك ما قد جرى ... قدما فإن الوصل عندي حرام
وأحمرت الوجنات منها وقد ... فاقت بمرآها لبدر التمام
عندي بأحلى من عقود أتت ... من فاضل الوقت أمير الكلام
العالم المفضال نجل الولى ... أديب هذا العصر نجل الكرام
تضمنت لغزاً صحيحاً بدا ... في ضمن أبيات نراها عظام
وكررت ما قد لغزنا له ... مع ضم أعمال نراها فخام(3/278)
والفضل للتقديم يا ذا الحجي ... وهل يعادل الشيخ فينا غلام
فيا فريد الوقت يا من له ... مزيد فضل بين خاص وعام
ما اسم رباعي غدا نصفه ... في القلب فعل ثم حرف يرام
وقلب باقيه يرى منكراً ... نعوذ بالله من الانقسام
وإن تصحف كله جملة ... واحدها يجمع سام وحام
تحريفه فصل مبين الخفا ... وآلة النحو وعلم الكلام
وإن تصحف ذاك نصف الذي ... تبغيه في الطلاب يا ذا الامام
وإن تزل وسطاً بتصحيفه ... فذاك سر لست فيه الامام
وقلبه مع بعض جزء له ... فعل واسم من صفات الأنام
ترخيمه مبنى الذي شاد في ... طرق المعالي منزلاً يا همام
وقلبه ساء بظني له ... وفعل مولى ترتجيه دوام
وإن جعلت النصف مع أول ... من غير تسهيل فجمع تمام
وإن تسهله فشيء بدا ... بعد خفاء النور عند الظلام
واسم لمركوب جرى بدا ... في عرف قوم في البرايا عظام
فأظهر لنا أسرار ما قد حوى ... من عمل الفن الذي فيه قام
فأنت بحر العلم كنز الهدى ... وخير من يرجى لنيل المرام
لا زلت كهف الفضل بين الملا ... ما رد على القادم فينا السلام
وله
بحب بدري البهي طلعته ... قد رق شعري ورق لي الغزل
وصرت من أجله حليف جوي ... عديم صبر في عشقتي مثل
وأنشد القلب عند رؤيته ... بيتاً من الشعر صار ينتقل
أود آهاً وليس تنفعني ... وكتمها فوق علتي علل
وكان المترجم في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف فوقع من على فرسه وهو راكب عليها فحمل إلى داره مفلوجاً واستقام إلى أن مات وكانت وفاته في يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة المذكورة ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه.
السيد فتحي الدفتري
السيد فتحي ابن السيد محمد ابن السيد محمد بن محمود الحنفي الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد الدفتري الصدر الكبير من ازدان به الدهر وتباهى به(3/279)
العصر الهمام الجبهذ صاحب الدولة والشهامة الندب المقدام المبجل المعظم الوقور المحتشم كان بدمشق صدر أعيانها وواسطة عقد رؤسائها يشار إليه بالبنان في كل حين وآن وقد اشتهر بمحاسن الشيم والشهامة والجرأة والاقدام وهابته الصناديد من الرجال وترقى إلى شوامخ المعالي وتسنم ذرى باذخة رفيعة مع معارف بنان ولسان ونباهة وطلاقة وذكاء وبشاشة ولطافة مجد أثيل وعز وجاه عز عن التمثيل ورزق الاقبال التام والحظوة مع الثروة وصار دفترياً بدمشق مدة سنوات وتولى تولية وقفي السليمانية وتصدر بدمشق وكان المرجع بها في الأمور وهو المدبر لأمور الملأ والجمهور وصار المآب في المهمات والموئل لأولي الحاجات وكانت دولته من ألطف الدول وله الخدام الكثيرة والأتباع واتساع الدائرة وكان يصطحب من العلماء والأفاضل شرذمة أجلاء وكذلك من الأدباء البارعين زمرة اكتسوا بجلابيب الآداب والفضائل وعنده من الكتاب فئة حشواها بهم اتقان الخطوط مع مزية المعارف وكذلك جملة من أرباب المعارف والموسيقى والألحان ومن المجاز والمضحكين جملة وبالجملة فقد كانت داره منتزه الأرواح ومنتدى الأفراح والذي بلغه من السمو والرفعة والشأن والجاه وغير ذلك لم يتناوله الأوائل وأتعب وأعجز الأواخر وامتدحته الشعراء من البلاد واشتهر صيته في الآفاق وبين العباد وقد ترجمه من امتدحه من الشعراء من دمشق وغيرها أخص أخصائه وأحد ندمائه الأديب الشيخ سعيد السمان الدمشقي في كتاب سماه الروض النافح فيما ورد على الفتح من المدائح وترجمه في أوله غير أنه كان ظلمه عام وأتباعه متشاهرين بالفساد والفسوق وشرب الخمر وهتك الحرمات وهو أيضاً متجاهر بالمظالم لا يبالي من دعوة مظلوم ولا يتجنب الأذى والتعدي ونسب إلى شرب الخمر أيضاً وغير ذلك لكن كانت له جسارة واقدام ونفع في بعض الأوقات للأنام ومن آثاره في دمشق المدرسة التي في محلة القيمرية والحمام في محلة ميدان الحصا وتجد يد منارتي السليمانية وغير ذلك وكان ذا انشاء بديع حسن لطيف مستحسن فمن ذلك قوله
دنا مثل بدر تم يبسم عن در ... غزال ومنه الفرق كالكوكب الدري
بقد كخوط البان رنحه الصبا ... فأزرى اعتدالاً بالمثقفة السمر
أغن كأن الله أبدع حسنه ... ليستلب الأرواح بالنظر الشزر
شقى الله دهراً مر لي بوصاله ... ولم يلو جيد الود عني إلى الهجر
فكم بات يسقيني المدام عشية ... ويمزجها من ريقه العاطر النشر
إلى أن به شط المزار وقد محا ... سطور الأماني بيننا حادث الدهر
وسرت قلوب الحاسدين وطالما ... لعبن بها أيد الدنو على الجمر(3/280)
وكتب للمولى خليل الصديقي مهنياً له برمضان بقوله
إني أهنيك يا كهف الفضائل في ... قدوم شهر صيام كان محترماً
لا زلت في نعمة فيه ترى أبداً ... مثل الثريا يجمع الشمل منتظما
وكتب له
إني أهنيك خدن الجود والكرم ... وبدر أفق سماء المجد والنعم
بخير مقدم صوم لا برحت به ... في صحة لا نراك الدهر في سقم
فأجابه المولى المذكور بقوله
إني أعيذك بالرحمن من حسد ... يا من تسربل بالأفضال والكرم
حيث القلائد في شعر أتيت به ... فالبحر لا غرو يلقى الدر في الظلم
شبهت سوداء قلبي بالظلام إذا ... والبحر ذاتك تهدي جوهر الكلم
لا زلت ترفل يا مولاي في دعة ... مشمولة ببقاء السعد والنعم
ثم كتب له مهنياً بشفاء من علة تشكاها بقوله
قالوا توهم سيدي من خله ... ألماً لداع لا يفي بتألم
فأجبتهم لا والذي رفع السما ... ك على البرية لست بالمتألم
فأجابه المترجم بقوله
أسليل من في الغار كان الصاحب ... المختار للمختار خير مقدم
أنا لست ممن شيب صفو وداده ... بقذى تصور جفوة وتألم
ومرآة اخلاصي لكم ما شأنها ... كدر الظنون ولا غبار توهم
وشريف قلبك شاهد عدل على ... ما ادعى فأحكم بصدق وأسلم
وكتب المذكور الصديقي المترجم أيضاً
أيا زهرة الآداب يا نجل سادة ... بهم حسنت أوصاف ذي الرأي والمجد
لقد نلت ألطافاً وحزت معارفاً ... وفهت بأبيات كما الدر في العقد
فلا زلت تهدي السمع منا جواهراً ... بلطف نظام فقت فيه أبا الورد
ودمت مدى الأزمان ما ناح بلبل ... وما زالت الأزهار مصبوغة البرد
فأجابه بقوله
أمولاي يا ركن العالي ومن سما ... محلاً سما فوق السماكين بالجد
ومن عنه يروى المجد كل فضيلة ... إذا تليت لم تحصها ألسن الحمد
ومن طوق الأعناق منا مكارماً ... كما قلد الأسماع من ذر ما يبدي
إليك لقد أهديت يا أوحد الدنا ... قلائد أبيات تفوق على العد(3/281)
وما أنت إلا البحر تهدي لآليا ... منظمة كالزهر في فلك السعد
فدم وابق يا فرد الزمان منعما ... مدى الدهر ما غنى الهزار على الورد
ولصاحب الترجمة
ويا بأبي حلو المراشف أغيدا ... من الترك لم يترك لعاشقه صبرا
نأى فاصطلى قلبي لهيب فراقه ... وروض الأماني من لقاه غدا قفرا
وله في الشيب
لا تغضبن لشيب منك حل على ... مسك العذار فإن الشيب آثار
أما ترى الغصن مذ لاحت أزاهره ... زادت نضارة ذاك الغصن أنوار
هو من قول دعبل
لا يرعك المشيب إن زاروهنا ... فهو للمرء حلية ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار
وفي الشيب للمعري
لعمري إن الدهر خط بمفرقي ... رسائل تدعو كل حي إلى البلى
أرى نسخة للعمر سودها الصبا ... وما بيضت بالشيب إلا لتنقلا
وللعمادي فيه
ليل الشباب تولى ... وصبح شيبي تألق
ما الشيب الأغبار ... من ركض عمري تعلق
ولدعبل فيه أيضاً
أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وهيئة المتحرج
وكأن شيبي نظم در زاهر ... في تاج ملك ذي أغر متوج
وللمترجم في طول النهار في الصيام
ولرب يوم صمته فكأنه ... يوم المعاد وليس منه مهرب
وقفت به شمس النهار ولم تغب ... فكأنما قد سد عنها المغرب
وللبارع السيد مصطفى الصمادي في ذلك
ولرب يوم طال لما صمته ... فكأن يوم الحشر ضم لنا معه
وكأن يوشع رد للدنيا وقد ... ردت له شمس النهار الساطعة
أو أنها رجعت لسيدنا سليم ... ان الذي كرت إليه راجعه
حتى إذا صلى توقى قائماً ... حسبته حياً فاستمرت طالعه
قوله وكان يوشع إلى آخره من قول أبي تمام(3/282)
فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع
نضى ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها ثوب السماء المجزع
فوالله ما أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
وللسيد مصطفى المذكور في المعنى المذكور أيضاً
أرى الشمس في الصوت تأبى المسير ... إلى الليل تخشى الهجوم علية
حكت فيه حسناء زفت إلى ... خصى وبالكره سيقت إليه
وللأديب عبد الحي الخال
أرى الأيام في الافطار تمضي ... كلمع البرق أو سقط الدراري
وفي شهر الصيام تطول حتى ... كان الليل ضم إلى النهار
وله أيضاً
كان اليوم في الافطار طرف ... يدور على الرحى صلب الأيادي
ويمشي في الصيام على الهوينا ... كأن أمامه شوك القتاد
ولأبن الرومي
شهر الصيام مبارك ... ما لم يكن في شهر آب
الليل فيه لمحة ... ونهاره يوم الحساب
خفت العذاب فصمته ... فوقعت في عين العذاب
وله أيضاً
شهر الصيام وإن عظمت حرمته ... شهر طويل ثقيل الظل والحركه
يمشي الهوينا فأما حين يطلبنا ... فلا السليك يدانيه ولا السلكه
كأنه طالب ثأراً على فرس ... أجد في أثر مطلوب على رمكه
أذمة غير وقت منه أحمده ... من العشاء إلى أن تصدح الديكه
يا صدق من قال أيام مباركة ... بأن يكنى عن اسم الطول بالبركه
لو كان مولى وكنا كالعبيد له ... لكان مولى بخيلاً سئ الملكه
وقد رد عليه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله
شهر شريف به الخيرات مشتبكة ... حتى على الناس فيه تنزل البركه
من قال شهر ثقيل عنه فهو يرى ... ذنوبه أثقلته فهو في اللبكه
أو قال يمشي الهوينا قلت لا برحت ... ايامه مكثرات في الورى نسكه
بذمه جاهل في أسر شهوته ... إلى الطعام وحب الأكل قد ملكه
مصفد مثل شيطان تراه به ... عن الغذاء ولولا الخوف ما تركه(3/283)
في جوعه النفع لو كان الخبيث درى ... لكنه حيوان يكثر الحركة
يشكو من الطول في أيامه سفهاً ... وطول أيامه باللطف منسبكة
يخشى الردى منه بل إن كان ما نطقت ... أبياته فيه صدقاً فهو في الهلكة
وللمترجم
بقيت ما دامت الأفلاك دائرة ... تدير فينا شموس الراح في السحر
ودم تقلد أسماعاً لنا درراً ... كما تلا الطرف منا سورة القمر
وله أيضاً
وأغيد قد أمال السكر قامته ... والليل محتبك بالأنجم الزهر
دنا إلي وكأس الراح في يده ... ممزوجة بلماه الطيب العطر
وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر
قد شطر هذه الأبيات جماعة من فضلاء دمشق فمنهم المولى خليل أفندي الصديقي حيث قال
وأغيد قد أمال السكر قامته ... والغنج في طرقه يصمي مع الحور
لم أنسه زائراً كالبدر حين بدا ... والليل محتبك بالأنجم الزهر
دنا إلي وكأس الراح في يده ... تحكي تورد خديه من الخفر
حيى بها كدموع العين صافية ... ممزوجة بلماه الطيب العطر
وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تخش الملام فما في ذاك من حذر
واشرب رحيق مدام ثم كن حذراً ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر
ومنهم المولى حامد العمادي فقال مشطراً
وأغيد قد أمال السكر قامته ... ذي منطق قد غدا يفتر عن درر
لم أنسه إذ أتى من غير موعده ... والليل محتبك بالأنجم الزهر
دنا إلي وكأس الراح في يده ... مملؤة بحباب زاكي الأثر
من بنت كرم زهت في دنها وأتت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر
وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تخشى ملامة ذاك الخائف الحذر
خذها عقيقاً ولا واش هناك ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر
ومنهم المولى السيد عبد الرحمن الكيلاني
وأغيد قد أمال السكر قامته ... وضرجت وجنتيه نهلة السكر
فضاء شمساً على الآفاق مشرقة ... والليل محتبك بالأنجم الزهر
دنا إلي وكأس الراح في يده ... ياقوتة رصعت من ناصع الدرر(3/284)
وأشرقت تزدهي زهواً وقد وردت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر
وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... ترجو سواها لنيل القصد والوطر
واستأصل التبر من كأس المجين ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر
ولأخيه السيد يعقوب الكيلاني مشطراً أيضاً
وأغيد قد أمال السكر قامته ... كغصن بان ثنته نسمة السحر
فلاح من وجهه فجر الفلاح لنا ... والليل محتبك بالأنجم الزهر
دنا إلي وكأس الراح في يده ... نار ونور غدا في صفحة القمر
أريجها نافح في ألحان إذ سطعت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر
وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تقصد سواها لدفع الهم والضرر
وانعش وجودك من صافي المدام ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر
ولصاحب الترجمة
ألا فانعم بهاتيك الليالي ... مضت كالبرق أو طيف الخيال
وأيام جنيت بها ثماراً ... من الأفراح في روض الكمال
رعا الله من عصر نقضي ... به صفو المسرة كالزلال
وإني الآن لو سرحت طرفي ... لما قد مر يعثر بالمحال
وإن يوماً نصبت حبال فكري ... لقنص الزهر من فلك المعالي
تقطعت الجبال وكان صيدي ... تناول أدمع تحكي اللآلي
قوله وإني الآن إلى آخره هو من قول ابن الأثير
لم أنس ليلة ودعوا ... صبا وساروا بالحمول
والدمع من فرط الأسى ... يجري فيعثر بالذبول
ومن ذلك قول المولى الصديقي المار ذكره آنفاً
لما رحلت عن الحبيب ... وبنت عن تلك الربوع
أيقنت إن القلب قد ... ثارت به نار الولوع
وحشاي قطع بالنوى ... والشوق خيم بالضلوع
والجفن كلم بالسها ... د ولم يذق طعم الهجوع
حتى لقد أمسيت أعثر ... من شجوني بالدموع
وللشيخ سعدي العمري
قمر أطعت به الغواية والهوى ... وطويت عن غي الملام مسامعي
ما راح يعثر في برود دلاله ... إلا وعاد تعثري بمدامعي(3/285)
وللسيد مصطفى الصمادي
ومودع لا كان يوم وداعه ... ولي وأودع نار قلب تسعر
والطرف مثل الطرف يجري خلقه ... لكنه بدموعه يتعثر
وللشيخ صادق الخراط
أفديه بدراً بالمحاسن ساطعاً ... أبداً بدل جماله يتبختر
ما رام طرفي نظرة من حسنه ... إلا وراحت بالمدامع تعثر
وله وقد نقله لتعثر الفكر
أفديه من ظبي أطال نفاره ... جوراً فعقلي في هواه محير
ما زلت أطلب قربه فيزيدني ... بعذابه قلب الشجي يتسعر
وتتابعت فكري بطرق وصاله ... حتى غدا بعض ببعض يعثر
ولأخيه الشيخ محمد أمين الخراط
عاطيته والليل مد رواقه ... والبدر من خلل الغصون يلوح
صهباء صافية أرق من الصبا ... منها شذا طيب العبير يفوح
حتى إذا شق الظلام رداءه ... والصبح كاد بما أسر يبوح
ولي يميس معريداً أجفانه ... عن فرقه ماء الحياة يزيح
وذهبت أعثر في دموعي والها ... متحيراً لم أدر اين ألوح
ولما كان المترجم يراجع في الأمور حتى من الوزراء والصدور طالت دولته وعظمت عليه من الله نعمته واشتهر صيته وعلا قدره ونشر ذكره لكنه كان يتصدى للاستطالة في أفعاله وأقواله فلذلك كانت أقرانه وغيرهم يريدون وقوعه في المهالك لكونه كان يعارضهم ولما توفي الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج وجاء من قبل الدولة الأمر بضبط أمواله ومتروكاته نسب المترجم إلى أمور في ذلك الوقت ففي خلال تلك السنة تولى دمشق حاكماً وأميراً للحاج ابن أخيه الوزير أسعد باشا العظم وكان أولاً حاكماً في حماه فأكمد للمترجم فعله المنسوب إليه حين وفاة عمه المذكور ولم يره إلا ما يسره وكان المترجم في ذلك الوقت منتمياً لي أوجاق اليرليه المحلية وكان الأوجاق في ذلك الحين قوا قائمه وجيوشه بالفساد متلاطمة واليرلية مجتمعون عصبة وجموع يذل لهم أكبر قوم بالمذلة والخضوع قد أبادوا أهل العرض وانتهكوا الحرمات وأباحوا المحرمات وأتاحوا المفسدات ولم يزالوا في ازدياد مما بهم حتى عم فسادهم البلاد والعباد وكانت رؤساهم زمرة ضالة وفئة متمردة وكلهم ينطقون بلسان واحد كأنهم روح في جسم واحد وصاحب الترجمة يوليهم مكرماته(3/286)
ويمنحهم احسانه وانعاماته وهم لبابه وفود قد اتخذوه عضداً وجعلوه ركناً وسنداً وأرباب العقول في دمشق في هم وكدر وخوف وحذر كل منهم متحير في أمره ومتخوف من هذا الحال وعواقب شره ووالي دمشق وأمير الحاج أسعد باشا المذكور ناظر لهذه الفعال متحير من تلك الأحوال لأن الشقي منهم كان إذ ذاك يجئ إلى حبس السرايا سراي ويخرج من أراد من المحبوسين من غير إذن أحد علناً وقهراً وإذا مر الوزير المذكور بهم وهم جالسون لا يلتفتون إليه ولا يقومون له من مجالسهم عند مروره بهم بل يتكلمون في حقه بما لا يليق بمسمع منه فيحتمل مكارههم ولا يسعه إلا السكوت واستمر أمرهم على ذلك إلى أن كتب في شأنهم للدولة العلية فورد الأمر بقتلهم وإبادتهم فأخفاه الوزير مدة ثم بعد ذلك أظهره وشرع في قتلهم وإبادتهم وأعطاه الله النصر وفرجت عن أهالي دمشق الشدائد وأزاح الله هذه الظلمات بمصابيح النصر والفتوحات ثم بعد أشهر قليلة كتب الوزير المذكور إلى الدولة العلية بخصوص صاحب الترجمة وما هو عليه وأرسل الأوراق التي في حقه مع علي بك كول أحمد باشا وكان ذلك بتدبير خليل أفندي الصديقي وأعيان دمشق ثم صادف إن صاحب الدولة كان حسن باشا الوزير وكان يبغض المترجم لكونه لما جاء قريب المذكور أحمد أغا أغت أوجاق الينكجرية طرده وصار آخراً وزيراً فأدخل للسلطان أحواله وعرفه طبق مكاتبة أسعد باشا وكان أسعد باشا ضمن للدولة تركته بألف كيس ثم جاء الخبر بقتله وكان قبل ذلك صار من أهل دمشق عرض في خصوصه فلم يفد ولما وصل كان هو باسلامبول فأعطى العرض له ولما جاء لدمشق صار يخرجه وينتقم ممن اسمه مكتوب فيه وكان السبب في ذلك وجود آغت دار السعادة السلطانية قوجه بشير أغا وكان المترجم منتمياً إليه وكان للأغا المذكور نظر على المترجم وحماية فصادف حين كتب الوزير المومي إليه ثانياً إن بشير أغا توفي وحان المقدور وآن وقته فجاء الأمر بقتله ولما وصل الأمر جئ بالمترجم إلى سراي دمشق وخنق في دهليز الخزنة التي عند حرم السرايا وقطع رأسه وأرسل للدولة وطيف بجثته في دمشق ثلاثة أيام في شوارعها وأزقتها مكشوف البدن عرياناً وضبط تركته الوزير المذكور للدولة العلية فبلغت شيئاً كثيراً وقتل بعض أتباعه وخدامه وضبطت كذلك أموالهم وتفرق الباقون أيدي سبأ كأن لم يكونوا وانقضت دولته كأنها طيف خيال أو لمعان آل وكان قتله يوم الأحد بعد العصر بساعة خامس عشر جمادي الثانية سنة تسع وخمسين ومائة وألف وساعة قتله صارت زلزلة جزئية وآخراً بعد الطواف بجثته دفنت بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى وعفا عنه.
تم الجزء الثالث ويليه
الجزء الرابع أوله
فتح الله العمري الموصلي(3/287)
الجزء الرابع من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المتفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته آمين.(3/288)
الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
فتح الله العمري الموصلي
ابن موسى الموصلي العمري الشافعي ترجمه صاحب الروض فقال فارس شجر البلاغة والحجا ومقتنص شوارد الفصاحة والنهى العالم الذي هصر أفنان العلوم ببنانه والحبر الذي أنطق ألسنة الأقلام من معجزات بيانه أخلصه الدهر خلوص الذهب السبيك وولاه على ولايات البراعة فلم يكن له بها شريك لم يكن له خطوة إلا وله بها من المجد حظوة انتهى كان رحمه الله تعالى مولعاً بالفقه حتى مهربه وبرز وكذا في غيره من الفنون وتولى نيابة القضاء بالموصل مدة مديدة وأخذه بعض القضاة نائباً معه إلى البصرة فناب عنه في ذلك ثلاث سنين ثم رجع فوجد مراداً العمري قد توفي فأخذ عنه تولية جامع العمرية بالموصل فزاحمه فيها علي أفندي ابن مراد المرقوم ثم اصطلحا على الاشتراك فيها بعد نزاع طويل ولم يكن له شعر فيما علمت وعامة قراآته كانت على محمود النائب علامة وقته ودخل حلب الشهباء في سنة ست وستين وألف في مرض كان به ومكث بها إلى أن عوفي وعاد سالماً ثم توفي بعد ذلك في حدود سنة سبع ومائة وألف بتقديم السين وقد جاوز الثمانين وقبره في الموصل ولم يبق من عقيبه الآن أحد رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.(4/2)
فتح الله الحلبي
المعروف بفتحي الحلبي نزيل قسطنطينية الشاعر الكاتب الفائق ولد بحلب وذهب إلى الروم إلى قسطنطينية دار الملك والخلافة ووصل إليها ودخل في زمرة كتاب ديوان السلطان وبعد مدة انتسب إلى الصدر الأعظم الوزير علي باشا المعروف بالعربجي وصار مكتوبجيه والوزير المذكور كان وزيراً شديد البأس حاد المزاج وقتل بأمر سلطاني في جزيرة قبرس في سادس عشر شعبان سنة أربع عشرة ومائة وألف والمترجم كان له شعر حسن بالتركي رأيت منه شيئاً قليلاً وكانت وفاته في أواخر سنة ست ومائة وألف رحمه الله تعالى.
فخري أفندي الموصلي
ترجمه بعض أفاضل الموصل فقال أخذ أزمة الأدب وعلا على متونها وعلق قناديل فوائد الحواشي على شروح الكمالات ومتونها طلع طلوع الهلال وأنار وأشرق بكماله الليل والنهار رقي على أوج الفضائل وحل بناديها وحل عقود مقاصد البلاغة ومباديها فهو صاحب الشرف القديم والكمال الجسيم الذي أنارت به نجوم المعاني وشموسها وسلمته أرواحها ودانت له نفوسها فغلب جهابذة الكلام ببلاغته وفاقها وسما ناظمين درر أفاويق المعاني ونساقها وربما كان يتعاطى الشعر والانشاء بالتركية والفارسية وله شعر جامع في الكتب والمجامع انتهى وكان صاحب الترجمة بارعاً في اللوم العقلية والنقلية وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد فضل الله البهنسي
ابن أحمد بن عثمان بن محمد المعروف بالبهنسي الحنفي الشريف لأمه الدمشقي كان له اطلاع في الأدب ومعرفة بالأمور الشرعية مجاناً حسن الأخلاق طارح التكلف حمولاً له نكت ونوادر ولد في دمشق كما أخبرني في غرة شوال سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ الفقه على الشيخ صالح الجنيني ثم على الشيخ موسى المحاسني وقرأ على الشيخ أحمد التدمري الطرابلسي نزيل دمشق وكذلك قرأ على الشيخ محمد بن حمدان الدمشقي وصار يتولى نيابات الحكم في دمشق ويعامل أهالي قرى الغوطة ويتصدى للوكالات في المخاصمات ووقع في أمور بسبب ذلك وكان صاحب ثروة ومال لكنه يغلب على نفسه الشيخ والبخل وبالجملة فقد عارك الدهر وصبر على الكدر والصفا ولم يزل يتقلب بالأحوال متكدراً بين قيل وقال إلى أن مات وكنت أميل إلى نوادره وهزلياته المضحكة وكان بينه وبين قريبه ونسيبه الشيخ عبد الرزاق البهنسي مواحشة باطنية وكل منهما(4/3)
يقول إن الآخر ليس من بني البهنسي ولم يزالا بين يخاصم وقيل وقال إلى أن ماتا ومما اتفق إن السيد عبد الرزاق المذكور صنع أبياتاً ذكر فيها اسم صاحب الترجمة وكان المترجم قد اشتهر اسمه بين الناس بالسيد فضلي فذكره السيد عبد الرزاق في أبياته بهذا الاسم لكن لم يصرح بهذا الاسم وانما ذكره بطريق الألغاز والرمز ثم شيع الأبيات إلى مجلس كان يحضره الأديب الفاضل السيد عبد الحليم اللوجي الدمشقي فلما وقف على الأبيات لم يظهر له في بادي الرأي مراد السيد عبد الرزاق في ألغازه اسم المترجم لبعد قرائن الكلام عن الدلالة على المراد فبلغ الناظم ذلك فقال ما معناه إن رمزه يدق عن فهم اللوجي وأمثاله فلما بلغ اللوجي ذلك كتب للناظم أبياتاً جرت فيها تورية لطيفة في اسم السيد فضلي المترجم مع التنويه بقدره والتبكيت على الناظم السيد عبد الرزاق فقال أعني اللوجي من جملة أبيات يخاطب بها السيد عبد الرزاق
زعمت إني لحل الرموز لست بأهل ... وإن مرماك شيء
يدق عن فهم مثليما كان ذاك ولكنحجدت مقدار فضلي
فلما وقف السيد عبد الرزاق على الأبيات استلطف هذه التورية التي وقعت في اسم فضلي واعتذر إلى اللوجي عما كان منه وبالجملة فإن المترجم كان سليم الباطن والسيد عبد الرزاق كان بخلافه وقد أطلعني المترجم على ديوان له يحتوي على نظمه وغالبه هجو وهزل ولا بأس أن نورد له هنا شيئاً من ذلك فمنه قوله وكان يكتب في امضائه أحمد فضل الله فاعترض عليه بعض الناس فقال
ومعترض جهلاً بغير تأمّل ... مسئ علينا قد حوى غاية الجهل
يقول لماذا قد سميت بأحمد ... واسمك فضل الله قل لي عن الأصل
فقلت له قد خصني بعض فضله ... فقابلته بالحمد شكراً على الفضل
وله من أبيات مطلعها
إن حبي طول المدى لا يزول ... وسهادي ذاك السهاد الطويل
وغرامي يزداد في كل يوم ... لست عنه طول الزمان أحول
قد سقاني الزمان كأس صدود ... زاد جسمي الضناء وهو نحول
يا أهيل الغرام إن هيامي ... يومه بالفراق يوم جليل
كلما عنّ ذكرهم في ضميري ... سال طرفي بالدمع وهو همول
كم لنا وقفة بقرب حماها ... حيث عنها في الدهر عز الوصول
إن عقلي مذ سار عيس المطايا ... ضاع مني وتاه عنه الدليل
وتصابي بعد الكمال وأضحى ... في انتقاص وقد براه النجول(4/4)
يا زمان السرور هل من رجوع ... علّ منا في الدهر يشفي الغليل
أو خيال يزور مقلة صب ... قد جفاها المنام وهو ملول
وكتب على باب قاعة في داره
ألا إنما قد شاد من فضل ربه ... وأنعاسه هذا المكان وقد أنشأ
بعون إله الخلق قام بناؤه ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشأ
ومن هجوه في رئيس كتاب القسمة العسكرية بدمشق السيد يحيى الجالقي
حسب امرئ عمره تسعون ماضية ... أتت عليه بأسقام وأمراض
لو يشتري الموت في دنياه من أحد ... لكان بالغبن يشريه بأقراض
كمثل يحيى الذي أضحى له مائة ... من السنين ومنها لم يكن راضي
تراه يمشي حبوا وهو ذو ولع ... في أخذه قسمة الأيتام للقاضي
كأنه ظل شمس عند ناظره ... أو شبه طيف خيال في الكري ماضي
أو صورة طبعت في حائط رسمت ... لا نطق فيها ولا تهنا بأغماض
وما يرى فيه من نطق يحركه ... فهو التباس بشيطان دعى جاضي
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وبالجملة فقد كان من نوادر عصره وكانت وفاته في يوم الثلاثاء السادس والشعرين من رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح ورؤيت له وصية بخطه فنفذت بعد موته رحمه الله تعالى.
فضل الله الصفوري
ابن إبراهيم بن حيدر الشافعي نزيل الموصل الشيخ الفاضل العالم المفتي المحقق ترجمه محمد أمين الموصلي فقال لم شعث المكارم والمعارف وصدع الأموال بالمصارف وفك عرا الأغلاق ببنان الايضاح ورنا بطرف الفكر إلى ظلمة الأشكال فتركها أوضح من الصباح إن سوجل كان السابق في مضمار العلوم النقلية والعقلية أو خوصم قيد الخصم بسلاسل الدلائل اليقينية فإن جاهل تفرعن كان موسى وإن عالم توفي كان عيسى إلخ وهي طويلة ومما اقترح عليّ معارضة قصيدة في سقط الزند رويها اللام المكسورة وهي معروفة فقلت معترفاً بالقصور إذ المعري لا يلحق له غبار ولا يعرف له عيار
خليليّ ما للحادثات ومالي ... لقد طال منها يا زمان جدالي
وربع عقلت القود دون نؤيه ... هي الدار فأتركها بغير عقال
تحن إلى الأعطاف منها كأنها ... من الشوق ثكلى دمعها متوالي(4/5)
إذا ألمحت برقاً من الغرب هزها ... إلى الدار ذكرى منزل وطلال
وقفت بها أستخبر الربع لويعي ... مخاطبة حتى يردّ سؤالي
يود المطايا لو يعود بعيشنا ... زمان مزجنا راحه بوصال
أعد ذكر أيام الصبا فحديثها ... إذا مرّ في سمعي شمول ثمالي
ومنها
فيا بارقاً من غرب دجلة عنّ لي ... فبدّد من جفني عقود لآلي
هل الربع من أرض الحبيبة عامر ... أم اعترضته النائبات كحالي
وهل شجرات الجوسق الفرد مثل ما ... عهدت بنوار الزهور حوالي
وهل مرتع الهيفاء ريان أم سقت ... ثراه الليالي بعدنا بوبال
وهل بقيت أطلال لمياء بعدنا ... عوامر أم بانت وهن خوالي
وكان قد حصل بينه وبين ابنه نفرة أوجبت فراقه فمكث في موران مدة ثم رحل إلى نحو سنا ثم إلى الموصل ثم إلى حلب ثم إلى قسطنطينية فأكرمه أرباب الدولة ووجهوا له قرية من قرى كركوك وعاد إلى بغداد وكانت قراءته على أولاد عمه وعلى والده وله تعليقات عديدة في الحكمة وغيرها ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه كان في أواخر هذا القرن.
فضل الله أفندي الشهيد
ابن محمد بن حبيب بن أحمد بن جنيد الصدر الرئيس العالم المتفنن البارع العلامة النحرير شيخ الاسلام بقسطنطينية وصدر البلاد الرومية ولد بأرزن الروم في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة وتربى في حجر والده وقرأ عليه وعلى السيد عبد المؤمن من أصهارهم عدة تآليف في سائر الفنون وقرأ على ابن خاله إسمعيل بن مرتضى جملة من علوم العربية وعلى الشيخ محمد بن نظام الواني وأخذ الحديث عن العالم محمد ظاهر بن عبد الله المغربي ثم ارتحل إلى أدرنه والسلطان بها يأمر من الشيخ الواني سنة أربع وسبعين وألف وتزوج بعائشة ابنته وصار الشيخ الواني يذكره للسلطاني ويثني عليه ويأمره بمباحثة العلماء ثم بعد ثلاث سنين أرسل له منقاري زاده الملازمة فلم يقبلها بأمر من المذكور ثم في سنة ثمان وسبعين حج واجتمع بعلماء الحرمين ودمشق وعين له بدمشق مائة وعشرون عثمانياً من الجزية وفي سنة ثمانين صار معلماً ومؤذناً للسلطان مصطفى وأعطى الملازمة والتدريس وبعده للسلطان أحمد وقتل شهيداً في فتنة أدرنة سنة خمس عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.(4/6)
فيض الله الحجازي
ابن عبد الحق المعروف كأسلافه بالحجازي الشافعي الدمشقي قاني الشافعية الشيخ الفقيه الصالح استقام قاضياً مدة سنين مراجعاً بالأحكام الشرعية وكانت وفاته في رجب سنة ست وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
فيض الله الأخسخوي
ابن محمد الأخسخوي الرومي الدفتري بدمشق وأحد رؤساء الكتاب في الدولة المعبر عنهم بالخواجكان خدم في أوائل أمره الوزير أحمد باشا المتوفي بمصر وكان أتقن الكتابة والانشاء في التركية وصار خازنه ثم لما عين الوزير المذكور إلى نظام جزيرة قبرس وإزالة العصاة من رعاياها وأهاليها وظفر بهم وقتل من قتل أرسل من طرفه المترجم برؤس القتلى على عادة الدولة فحصل للدولة السرور وأعطى رتبة الخواجكان وهي معتبرة بين رؤساء الكتاب ثم لم يزل مستخدماً عند الوزير المذكور حتى توفي فارتحل إلى القسطنطينية وقطن بها مدة ثم لما صدر من طرف أمير مصر الأمير علي والأمير محمد أبي الذهب ما صدر في دمشق ونواحيها وأظهر العصيان الشيخ ظاهر بن عمر الزيداني الصفدي حاكم عكا وأرسلت الأوامر السلطانية وعين من طرف الدولة الوزير عثمان باشا الوكيل رئيساً على العساكر والوزراء والأمراء المأمورين في السفر بذلك أرسل المترجم دفترياً في المعسكر السلطاني بدمشق ولما انقضت تلك الفتنة وخمدت نارها بوفاة الأمير علي والشيخ ظاهر وأبي الذهب عاد لطرف الدولة وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف قدم لدمشق دفترياً بها وعزل عن المنصب المذكور محمد بن حسين بن فروخ الدفتري ثم لم تطل مدة سلفه ومات واستولى على داره ومتعلقاته وتركته بما اقتضاه رأيه لوفاته عن غير ولد وذهبت تركة المتوفي المذكور وتخاطفتها أيدي ذوي الشوكة إذ ذاك ثم كبر جأش المترجم وتعرض للمخالطة في الأمور وأحدث القلمية بالأمر السلطاني التي تؤخذ من أرباب المالكانات والاقطاعات العثمانية وكانت مرفوعة بالأمر السلطاني من سنة ثلاثين ومائة وألف وسوعد في اجرائها ثم إنه تصدى لمعارضة الرؤساء والأعيان بدمشق حتى توصل لحاكمها وكافلها أمير الحج الشامي الوزير محمد باشا ابن العظم ثم عزل عن منصبه وصار مصطفى بن علي الحموي دفترياً من طرف الدولة ولم تطل مدته ومات دفترياً وكان المترجم ارتحل لقسطنطينية بعد عزله وتولى المنصب المذكور قبل وفاة الحموي فصادف موته عزله وجاء المترجم بالأمر السلطاني لحاكم البلدة محمد باشا المذكور من طرف الدولة بتقرير منصبه ثم بعد دخوله بأيام ارتحل على العادة الوزير المذكور لطرف القدس حاكماً مكانه في غيبته فظهرت منه أشياء غير محمودة يرجع غالبها للأنفة والشدة حتى إنه وقع بينه إذ ذاك وبين المولى محمد طاهر بن محمود(4/7)
القاضي بدمشق وبين آغة القول على الحلبي حتى إن بعض الأنفار من القول هجموا على مقر حكومته وهي السراي وخرجت أتباعه لدفعهم وردهم وانقضت الفتنة ذلك اليوم ثم بعد رجوع الحج لدمشق عرض الوزير كافل دمشق المذكور لطرف الدولة بسوء حال المترجم فعزل عن منصبه وأجلى بالأمر السلطاني لبلدة قونية وصار دفترياً مكانه يوسف الحلبي كاتب ديوان كافل دمشق المذكور ثم أطلق وارتحل لقسطنطينية وقدم دمشق مأموراً من طرف الدولة بالأوامر السلطانية على أمير الجردة ووالي طرابلس الشام عبد الله باشا ابن الكافل المذكور رغبة في عفو والده عنه وكتبت له الدولة كتباً بالتوصية به ثم بعد أداء مأموريته وذلك في جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف توفي الكافل محمد باشا وبعد موته بأيام قلائل جاء له المنصب المذكور من طرف الدولة وصار دفترياً بدمشق وكان قبل موته هو كتب للدولة عن صيرورته له فجاء له المنصب على كتابته فتعرض للناس وتقوى وظهر منه طمع في الأمور وتغلب ولما وصل خبر ذلك للدولة واتهم بأخذ البعض من مال الباشا المتوفي وتركته وإنه هو الباعث على اخفاء المخلفات المظنونة لتراخيه عن الختم على دور الوزير المذكور وأماكنه تحسن عندهم رفعه لقلعة دمشق فجاء الأمر السلطاني برفعه فرفع للقلعة وبقي المنصب عليه ثم أطلق بعد أيام وانزوى بعد ذلك وانكف عن المخالطة واقتصر على أمور نفسه حتى مات وكانت وفاته بدمشق يوم السبت رابع عشر محرم الحرام سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من بلال الحبشي رضي الله عنه والأخسخوي نسبة إلى أخسخه بألف مفتوحة وخاء معجمة وسين مهملة وخاء معجمة أيضاً وهاء ناحية تشتمل على بلاد وقرى مشهورة بالروم والله أعلم.
حرف القاف
قاسم الجليلي الموصلي
ابن خليل الجليلي الموصلي كان ماهراً عارفاً بصنعة النثر والنظم خبيراً بتعاطي أمور الملك صدراً في مجالس الشرف ولد في حدود سنة ثمان ومائة وألف بالموصل ونشأ بها وحج في عام اثنين وأربعين ومائة وألف وترجمه الفاضل الوحيد عثمان العمري الدفتري فقال جبل الأدب الشامخ وطود الفضل الباذخ ذو المجد الراسي والبذل المواسي والقريض المزهر والصباح المسفر والكمال الداجي والنوال المداجي والكمالات الموفورة والبراعات المنثورة الذي باهت به الأقلام وتاهت به الليالي والأيام انتهى وترجمه محمد أمين ابن خير الله الخطيب فقال ذو الهمم الشامخة والفضائل الباذخة(4/8)
والقدم الراسخة والأيادي الناضخة والعلوم التي هي لهامة الجهل فاضخة ولقسمة المستفيدين راضخة أصمى كبد البلاغة بأسنة أقلامه وناط على جيد الزمان عقود نظامه إلى آخر ما قاله فيه وله شعر لطيف ومن نفثات بابلياته قوله في مدح الوزير حسين باشا الجليلي من قصيدة مطلعها
هي الشمس حقاً والكؤس المشارق ... وفي كل أفق من سناها دقائق
إلى أن قال
هلموا إليها مهتدين لنورها ... إلى حانها الفياح فالوقت رائق
بأيام مولانا الوزير ومن له ... من العز دست والسعود نمارق
رؤف بذي الأرحام بر موّصل ... ولكنه للمنكرات مفارق
كريم لدفع الضير فينا مؤمّل ... جواد وللخيرات بالجود سائق
نجيب لكشف المعضلات مجرّب ... فتى ذو ثبات إذ تشيب المفارق
فلا زال في عز ومجد ورفعة ... وطول حياة والزمان موافق
وكانت وفاته بالموصل سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى.
قاسم الدوكالي
ابن سعيد بن عثمان المالكي الدوكالي الحوزي المغربي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل الناسك الخاشع العارف الصوفي قيل إنه كان من الأبدال قدم دمشق الشام وتوطن بها في المدرسة السميساطية واشتغل بقراءة الفتوحات المكية للشيخ الأستاذ محيي الدين العربي قدس سره وغيرها من تأليفه على جماعة من أجلاء علماء دمشق وأخذ عن جماعة في المغرب من أجلهم قاضي القضاة بها سيدي عبد الملك بن محمد السجلماسي المغربي وغيره وكانت له معرفة في كلام القوم وحل مشكلات دقائق الصوفية ولم يزل كذلك إلى أن مات وكانت وفاته بدمشق في يوم الأحد عاشر ربيع الأول سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
قاسم الخاني
ابن صلاح الدين الخاني الحلبي الشيخ الفاضل الصوفي العارف بالله ترجم نفسه فقال ولدت سنة ثمان وعشرين وألف ثم إني سافرت إلى بغداد في شهر جمادي الأولى سنة خمسين وألف فكانت غيبة طويلة مقدار سنتين ثم رجعت إلى حلب وأقمت بها شهرين ثم توجهت إلى البصرة فأقمت بها مدة عشرة أشهر ثم إني توجهت إلى حلب وأقمت بها عشرة أيام وتوجهت مع الحاج إلى مكة المشرفة ورجعت من الحجاز إلى اسلامبول وأقمت بها سنة وسبعة أشهر(4/9)
ثم عدت إلى حلب وكانت سياحتي هذه قريباً من عشر سنين وأما في هذه المدة فكنت في أخذ وعطاء وبيع وشراء ثم إني بعد دخولي إلى حلب أحببت العزلة عن الناس وتركت البيع والشراء وسلكت طريق الذل والافتقار وغيرت الحلاس والجلاس والأنفاس وجاهدت نفسي وعاديتها بالجوع والسهر نحواً من سبع سنين فمنها نحواً من سنتين اقتصرت على أن أتناول في كل ستين ساعة كفاً من طحين أجعله حريرة وأحليه بلعقة من السعل وأفرغه في حلقي والكف من الطحين المذكور وزنة تقريباً خمسة عشر درهماً وباقي أيام السبع سنين كان أكلي أقل من القليل وكل ذلك بإشارة مشايخي رضوان الله عليهم أجمعين فصدق علي قول سيدي عمر بن الفارض قدس سره
ونفسي كانت قبل لوّامة متى ... أطعها عصت أو تعص كانت مطيعتي
فأوردتها ما الموت أيسر بعضه ... وأتعبتها كيما تكون مريحتي
فعادت ومهما حملته تحملت ... هـ مني وإن خففت عنها تأذت
فلما انقضت سنو المجاهدة القريبة من سبع سنين واستهلينا شهر شوال سنة ست وستين وألف ألقى الله تعالى في قلبي حب طلب العلم الظاهر فقرأت على المشايخ سنتين إلا شهراً وفتح الله تعالى علي من العلم ما فتح فتركت القراءة وشرعت في الاقراء فأقرأت بعض الطلبة وكان أكثر الطلبة يضحكون ويستهزؤن علي ويقولون نحن لنا عشر سنين نخدم العلم ولم نتجرأ فيأتي بعضهم إلى مجلس درسي مستهزئاً فوالله ما يقوم من ذلك المجلس إلا وقد تبدل انكاره بالاعتقاد وفي ثاني ذلك اليوم يأتي ويقرأ علي ويقول هذا الأمر من خوارق العادة وبقيت على ذلك سنة انتهى وكانت قراءته على جملة من العلماء الأفاضل وجلها على الشيخ أبي الوفاء العرضي صاحب طريق الهدى وكان سلوكه على الشيخ أحمد الحمصي المذكور فأقام المترجم خليفة بعده في المدرسة الأشرفية إلى أن توجه عليه تدريس مدرسة الحلوية وصار يدرس بها ويقيم الأذكار والأوراد وتوجه عليه الافتاء بحلب وكان يفتي على مذهب الامامين أبي حنيفة والشافعي وله من التآليف السير والسلوك إلى ملك الملوك واختصر السراجية وشرحه وله رسالة في المنطق وشرح على الجزائرية في التوحيد وله غير ذلك من التآليف والفوائد وكانت وفاته سنة تسع ومائة وألف ودفن بين قبور الصالحين خارج باب المقام بحلب رحمه الله تعالى.
قاسم البكرجي
ابن محمد المعروف بالبكرجي الحنفي الحلبي أحد العلماء الأفاضل الأديب الألمعي اللوذعي البارع الأريب حاوي فنون العلوم والماهر بالأدب منثور أو منظوم ولد بحلب وقرأ(4/10)
على معاصريه من أجلاء حلب وتفوق واشتهر وكان عالماً بالحديث والفقه والفرائض وله قدم راسخ في العربية والفصاحة والبلاغة والبديع والشعر ونظمه حسن رائق وكان في وقته أحد المتفردين بالنظام والنثار ولم يصلني من آثاره شيء حتى أذكره هنا ومن تآليفه شرح على الخزرجية لم يسبق بمثله وشرح على الهمزية للبوصيري وبديعية استدرك فيها أشياء على من قبله ونظم الزحافات والعلل الشعرية وشرحها وغير ذلك ولم يزل كذلك إلى أن مات وكانت وفاته في سنة تسع وستين ومائة وألف ومن شعره قوله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة مطلعها
أأحبابنا بالخيف لا ذقتم صدّاً ... ولا كان صب عن محبتكم صدّا
ومنها
أهيل الحمى تالله ما اشتقت للحمى ... أيجمل بي أن أنشد الحجر الصلدا
ولكنّ سكان الحمى ونزيله ... هم ملكوا قلبي فصرت لهم عبدا
أحن إليهم كلما حن عاشق ... إلى ألفه وازداد أهل الوفا ودّا
ومنها
هو المصطفى من خير أولاد آدم ... وأشرفهم قدراً وأرفعهم مجدا
وأطيبهم نفساً وأعلاهم يدا ... وأثبتهم قلباً وأكثرهم زهدا
وأعرقهم أصلاً وفرعاً ونسبة ... وأكرمهم طبعاً وأصدقهم وعدا
نبي أتى الذكر الحكيم بمدحه ... فأني يفي بالمدح من قد أتى بعدا
ومنها
ومذ شرفت من وطء أقدامه الثرى ... فكانت لنا طهراً وكانت لنا مهدا
ومنها
وإن رامت المدّاح تعداد فضله ... وأوصافه لم يستطيعوا لها عدّا
ومنها
قصدتك يا سؤلي ومن جاء قاصداً ... لباب كريم لا يخاف به ردّا
عليك صلاة الله ثم سلامه ... إذا ما شد أشاد وتال تلاً وردا
كذّا الآل والأصحاب ما انهلّ وابل ... وما اخضرّت الأشجار أو فتحت وردا
وله يمدح السيد حسين أفندي الوهبي حين قدم حلب
دام السرور والهنا المؤبد ... وزال عن وجه الأماني الكمد
وكوكب السعد بدا في أفق الأق ... بال حتى غار منه الفرقد
وأصبح الكون لدينا مشرقاً ... ووجهه الطلق بذاك يشهد(4/11)
وارتاحت النفوس لما أن غدت ... موقنة بالأمن مما تجد
ومنها
قطب العلا غوث الولا كهف الملا ... في الأجتهاد رأيه مسدد
قد زين الشهبا بحسن عدله ... وسيره وهو الحكيم المرشد
وقد غدا مداوياً بطبه ... علتها فصح منها الجسد
ومنها
عذراً إليك سيدي لمن أتى ... يمدح من نعوته لا تنفد
وكيف أحصى من علاك شيماً ... أو أبلغ المدح وكيف أحمد
فأسلم ودم في صحة وعزة ... أنت ومن تحبه يا أوحد
وقال مشطراً أبيات ناصح الدين الأرجاني
هاك عهدي فلا أخونك عهداً ... يا مليحاً لديه أمسيت عبدا
لا وحق الهوى سلوتك يوماً ... وكفى بالهوى ذماماً وعقدا
إن قلبي يضيق أن يسع الصب ... ر لأني فنيت عظماً وجلدا
وفؤادي لا يعتريه هوى الغي ... ر لأني ملأته بك وجدا
يا مهاة الصريم عيناً وجيداً ... وأخا الورد في الطراوة خدا
وشقيق الخنساء في الناس قلباً ... وقضيب الأراك ليناً وقدّا
كيفما كنت ليس لي عنك بدّ ... فابحني ودّا وإن شئت صدا
وملكت الفؤاد مني كلا ... فأتلفن ما أردت هزلاً وجدا
يا ليالي الوصال كم لك عندي ... خلوات مع الغزال المفدّى
كم جنينا ثماركي وهي عندي ... من يد كان شكرها لا يؤدى
فسقتك الدموع من وابل الغي ... ث مديد البحار جزراً ومدا
وبكتكي دماً عيوني من دم ... عي بديلاً فهن أغزر وردا
هل لماضيك عودة فلقد آ ... ن جمال الحبيب أن يتبدى
وله أيضاً
بنا ما بكم والحب احدى النوائب ... فلا تطمعن في وصل بيض كواعب
أخلاي نهي عنه دأب أولى النهى ... وأين النهى من فعل سود الحواجب
فدونك ما فعل الجفون بعاشق ... بأهون من فعل الرماح الكواعب
وما الأعين النجل الفواتك بالفتى ... بأفتك منها فعل أبيض عاضب
وما لفتة الظبي الشرود بجيده ... كلفتة ظبي شارد في الكتائب(4/12)
ومن يبتلي بالغانيات فحسبه ... من البين أن يرمي بعين وحاجب
وقبلك صابرت الهوى فوجدته ... كشهد به سم يطيب لراغب
وعيش بلا صفو وحزن مؤبد ... وعين بلا نوم وعبرة ساكب
ووعد بلا وصل وعهد بلا وفا ... وقول بلا فعل ومطلة كاذب
ولوعة هجر في فؤاد مكابد ... ونار فلا تضنى وحسرة خائب
حنانيك لا تجزع وكن متجلداً ... فعبء الهوى سهل على ذي التجارب
فلولا الهوى ما كرّ في الحرب فارس ... ولا حثت الركبان بيض النجائب
وما اشتاق للأوطان قط مفارق ... ولم يرع خل عهد خل وصاحب
رعى الله قلباً بالصبابة عامراً ... وألحى خلياً في الهوى غير راغب
وأسعد بالاً بالغرام معذباً ... وأنجح صباً سار نحو المطالب
وفي الجدّ مجد جدّ فيه مكابداً ... أبثك إن الجد أسنى المكاسب
عليك طلاب العز في كل حالة ... ولا ترض سفساف الأمور وجانب
ألم تر أن الباز لو لم يكن به ... قناص لما أعلوه فوق الرواجب
وله أيضاً
حاولت رشفا من لمى ثغره ... قال طلا شاربه يأثم
قلت أما وجهك لي جنة ... والخمر في الجنة لا يحرم
وله قوله
مليح طريّ الخدّ جاد بقبلة ... وقال اغتنم لثمى بغير تعلل
فقبلته خد الوى الجيد قائلاً ... تنقل فلذات الهوى في التنقل
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وتقدم ذكر وفاته رحمه الله تعالى.
قاسم النجار
المعروف بالنجار الحنفي الحلبي الشيخ الامام العلامة كان خير الأخيار ورحلة أهل المدن والأمصار ولد في حلب بمحلة البياضية في سنة سبع وسبعين وألف وكان يكتسب بعمل يده يصنع الأقفال الخشب ويقرئ الفقه والعقائد والنحو والحديث وأخذ وقرأ على أئمة أمجاد وشيوخ أطواد وكان يقرئ بالجامع الذي قرب داره بمحلة خراب خان وأقام بهذا الجامع اماماً وخطيباً ومتولياً مدة ست وستين سنة وكانت الطلبة ترد عليه من غالب البلاد خصوصاً من بلاد الروم لأخذ الفقه وكان يحيي ليالي المواسم من السنة كليلة نصف شعبان والمولد الشريف وسائر ليالي رمضان بالذكر والتوحيد وصلاة(4/13)
التسبيح ثم قبل موته بقليل أحضر لنفسه كفناً وأوصى وأوقف داره على الجامع المذكور وكان طويلاً متماسكاً ذا وجه منير وشيبة علاها نور العبادة للقبول بتأثير خفيف الصوت ذا وقار وعفاف حج مرتين وكان يؤمل الثالثة فلم ينلها وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف وليوم وفاته مشهد عظيم ودفن في جامع خراب خان المذكور تجاه المحراب الصيفي من طرف الشمال وهو يزار.
حرف الكاف
كنعان أغت اليرلية
ابن عبد الله رئيس جند الينكجريه اليرلية بدمشق وأحد الأعيان المشهورين كان رئيساً للطائفة المرقومة محتشماً عندهم موقراً نافذ الكلمة وارتحل للحج فتوفي بعد أداء النسك في تاسع عشر محرم سنة تسع ومائة وألف ولما وصل خبر وفاته لدمشق ضبطت أمواله لجهة بيت المال بمباشرة عبد الله الرومي الدفتري بدمشق رحمه الله تعالى.
كمال الدين البكري
محمد بن مصطفى بن كمال الدين بن علي البكري الصديقي الحنفي الغزي الشيخ العالم العلامة الصوفي الأديب الشاعر المتفنن الأوحد أبو الفتوح ولد في ثالث رمضان ليلة الجمعة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ببيت المقدس ونشأ في حجر أبيه وقرأ القرآن العظيم وختمه هو ابن تسع سنين وأخذ في طلب العلم فقرأ على السيد محمد بن إبراهيم الكوراني وخالد الخليلي ومحمد بن غوث الفاسي والشهاب أحمد العروسي والنجم محمد بن سالم الحفني وأخيه الجمال يوسف والشهاب أحمد الملوي والسيد محمد البليدي والسيد أبي السعود الحنفي والشيخ حسن الجبرتي والسيد قاسم بن هبة الله الهندي والجمال عبد الله بن محمد الشبراوي وأخذ الطريقة الخلوتية عن والده الأستاذ المشهور وبرع وفضل وألف مؤلفات نافعة منها شرح رسالة الكلمات الخواطر على الضمير والخاطر سماها النفحات العواطر على الكلمات الخواطر وشرح منظومة والده سماها الجوهر الفريد والكلمات البكرية في حل معاني الآجرومية والعقود البكرية في حل القصيدة الهمزية وجمع كتاباً في أسماء الكتب على طريقة غريبة سماها كشف الظنون في أسماء الشروح والمتون وشرح الصلاة المشيشية وسماه كشف اللثام والروض الرائض في علم الفرائض ونظمها وسماها الدرة البكرية في نظم الفرائد البكرية وشرحه وسماه كشف الغوامض وعنوان الفضائل في تلخيص الشمائل وتشنيف السمع في تفضيل البصر على السمع ورسائل أخرى(4/14)
وديوان شعر سماه نبراس الأفكار من مختار الأشعار ونظم بديعية سماها منح الآله في مدح رسول الله وشرحها شرحاً حافلاً سماه المنح الآلهية في مدح خير البرية وله غير ذلك ومن شعره ما أرسل به إلي وهو قوله
كريم نشأ في العلم والفضل والتقى ... وجود يغار البحر إن هو أغدقا
خليل خليل لا انفصام لوده ... جليل تسامى في الكمالات وارتقى
هو السيد المفضال والجهبذ الذي ... كسا الفضل فخراً في الأنام وصفقا
تسامى به أفتا دمشق مراتباً ... وأزهت به مما لقد حاز رونقا
وقام به سوق الكمالات رائجاً ... بما حاز من فضل به الله أنطقا
فلا زال كهفاً للأنام جميعهم ... وبدراً علا في قبة المجد أشرقا
وكانت وفاته في شوال سنة ست وتسعين وألف في غزة هاشم ودفن بها رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حرف اللام
لطف الله الواعظ
ابن مصطفى القريمي الحنفي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الواعظ المتفنن ولد في سنة ثمان وسبعين وألف وأخذ العلوم عن الفاضل الشهير أحمد الكفوي ثم قدم دمشق وتوطنها وبرع وفضل ووجهت له وظيفة الوعظ بسبعين عثمانياً من طرف الدولة العلية في الجامع الأموي فصار يعظ على الكرسي بالقرب من ضريح سيدنا نبي الله يحيى صلى الله على نبينا وعليه وسلم وكان مشهوراً بين الوعاظ بدمشق وألف منسكاً كبيراً ورسالة في الرد على الشيعة وكانت وفاته بدمشق سنة احدى وستين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
لطفي الصيداوي
ابن علي بن محمد بن مصطفى الصيداوي الحنفي الشيخ الفاضل الصوفي النبيل الأوحد البارع كان كردي الأصل ولما ولي صيدا الوزير عثمان باشا المكنى بأبي طوق صار صاحب الترجمة كتخدا عنده اتخذه الباشا علي كره منه وقد أجاز لصاحب الترجمة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في اجازة مطولة وقفت عليها ولما عزل الوزير المذكور من صيدا وولي البصرة أخذ معه صاحب الترجمة وذلك في حدود الخمسين ومائة وألف وبعد ثمانية أشهر من حكومته حاربته الأعجام وصارت بينه وبينهم وقعة عظيمة قتل فيها المترجم رحمه الله تعالى.(4/15)
حرف الميم
محمد حاذق
ابن أبي بكر الملقب بحاذق على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي الأرضرومي العالم الفاضل المحقق الشهير الأديب الماهر قرأ وحصل فضلاً لا ينكر ونظم الشعر الحسن بالفارسية والتركية وولي افتاء بلدته أرضروم واشتهر أمره وشاع ذكره توفي في رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الشقلاوي
ابن أبي بكر الشافعي الشقلاوي الكردي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الصالح الخاشع العابد التقي النقي الورع كانت له فضيلة تامة سيما في المعقولات قرأ وتفوق ولازم بدمشق الشيخ علي الطاغستاني نزيلها ودرس في مدرسة الوزير سليمان باشا العظم وناب في الامامة بمحراب الشافعي في الجامع الأموي إلى أن مات وكان مثابراً على العبادات صابراً على الفاقة وله تصلب في دينه حتى أخبرت إنه ذهب إلى الحج ذهاباً وإياباً على قدميه وكانت وفاته بدمشق في يوم الأثنين غرة ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى.
محمد الجاويش
ابن أبي بكر الجاويش الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الصالح كان من الفقهاء المتفوقين مع الفضل والمشاركة في كل فن والديانة والتقوى ولد بدمشق وكان والده من سباهية دمشق المشروطة تيماراتهم بخدمة ديوان سراية الحكم بدمشق وباشر والده الخدمة المزبورة ثم تركها وتبع الكسب الحلال ونشأ ولده المترجم من صغره متعلقاً بالقرآن وطلب العلم فقرأ النحو على الشيخ عبد الرحمن الصناديقي والشيخ محمد الخمسي والشيخ محمد الداوودي والشيخ محمد التدمري وأخذ عنه الفقه وعن الشيخ محمد قولقسن والشيخ صالح الجينيني وأخذ الحديث عن العماد إسمعيل العجلوني والشهاب أحمد المنيني وأحمد الشاملي وعلي الطاغستاني وغيرهم وتفوق واشتهر بالفقه وتصدر للتدريس في الجامع الأموي مدة تزيد على خمس وعشرين سنة ورحل للروم صحبة الشيخ محمد بن الطيب الفاسي وكانت وفاته يوم الجمعة سادس عشر رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد البري
ابن إبراهيم بن أحمد المدني الشهير بالبري الحنفي الشيخ الفاضل العالم المتفنن ولد بالمدينة(4/16)
المنورة سنة ثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلوم فأخذ عن والده وعن ملا إبراهيم بن حسن الكوراني وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وعن غيرهم وجمع فتاوي والده بعد وفاته وكان شيخاً مهاباً عيه الوقار والسكينة تولى مشيخة الخطباء مدة ثم رفع نفسه منها وكان صالحاً مباركاً كل الناس عنه راضون وبالجملة فبنو البري طائفة مباركة وهذا من وجوههم وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد وسيم
ابن أحمد بن مصطفى التختي الشافعي الكردي الشيخ الصالح الورع الفاضل الفقيه العالم أخذ عن يحيى بن فخري أفندي الموصلي وعن الشيخ محمد الخاموري مفتي بغداد الشهير بقرا مفتي وعن السيد أحمد المصري وغيرهم وبرع وفضل وتوفي بولاية بابان من بلاد الأكراد مطعوناً شهيداً في شوال سنة احدى وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد العمادي
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن المعروف بالعمادي الحنفي الدمشقي تقدم ذكر أخيه علي وولده حامد وكان هذا المترجم صدر الشام علامة العلماء حبراً فقيهاً فاضلاً صدراً كبيراً مهاباً عالماً محتشماً أديباً بارعاً نحريراً كاملاً ولد بدمشق في سنة خمس وسبعين وألف ونشأ في حجر أخيه المولى علي العمادي المفتي ومات والده وسنه أربع سنين فنشأ في رفاهية وصيانة وقرأ القرآن ثم اشتغل بطلب العلم فأخذ الحديث عن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والفقه والنحو والمعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عثمان القطان والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق وأجاز له الشيخ يحيى الشاوي المغربي والشيخ إسمعيل الحائك المفتي وعلاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ محمد بن سليمان المغربي وبرع في الفنون وساد وتقدم وبهرت فضيلته واشتهر وعلا قدره وولي تدريس السليمانية بالميدان الأخضر بعد وفاة أخيه ثم تولى افتاء الحنفية بدمشق في أول سنة احدى وعشرين ومائة فباشرها بهمة علية ونفس ملكية ورياسة واكرام وقيام بأمور أهل العلم واهتمام ودرس بالسليمانية في كتاب الهداية وانعقدت عليه صدارة دمشق الشام وكان بهي المنظر جميل الهيئة يملأ العين جمالاً والصدر كمالاً بارعاً في النظم والانشاء له الشعر الرائق النضير فإذا نظم خلته العقود وإذا أنشأ زين الطروس بجواهره ووشي وكان معظماً مقبول الشفاعة عند الحكام والوزراء والقضاة وغيرهم وكان سمح اليد سخياً جداً وفيه يقول أحد سادحيه
يد العمادي سماء ممطر ويد ال ... عباد أرض تراها تطلب المطرا(4/17)
فكم غروس أياد أنبتت فغدا ... حسن الثناء ثماراً تدهش الفكرا
وقال فيه
قلت للفضل لم علوت الثريا ... وتساميت فوق رأس العباد
قال قد شادني محمد فأسكت ... لا عجيب فإن ذاك عمادي
وترجم المترجم الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه عنوان الشرف الوافي وحظ النفوس من الأمل الموافي ومن طلع أسعد طالع في تمامه فتستر البدر خجلاً منه بذيل غمامه فوردت طلائع المدائح عليه تقرأ سورة الحمد إذا نظرت إليه ومحله من ناظر المجد في أماقيه ومقامه ما بين حنجرته وتراقيه ففضائله أنطقتني بما نظمته فيه من الغرر فكنت كمن قدر البحر من فرائده بعقود الدرر وقد سلم أن يشوب باله غرض لأن جواهر الأغراض عنده كلها عرض فحضرته أرجت الأرجاء بطيب شمائله وقد راض الرياض فأصبحت راضية عن صوب أنامله بحديث يمد في الآجال ومنطق مهرم البؤس ومرهم الأوجال وعهد لم يطرقه الريب وعرض لم يرن إليه العيب وأما فضله فكل فضل عنه فضول وله من الأدب أنواع تكاثرت وفصول وأنا داعيه وشاكر مساعيه فإذا رأيته رأيت القمر الزاهد وإذا دنوت منه استرقت أنفس الجواهر على أني حين أمثل لديه لا أستطيع من مهابته النظر إليه إلا المخالسة بالنظر الثاني فأعيذه بالسبع المثاني وشعره يزري بقلائد الجمان في نحور الحسان فمنه قوله من نبوية مطلعها
يا بارقاً من نحو رامة أبرقا ... حيّ العوالي واللوى والأبرقا
وأسال كراماً نازلين بطيبة ... عن قلب مضنى في حماها أوبقا
ركب النجائب حين أمّ رحابها ... صحب الفؤاد وقاده متشوقا
كم تأتني ريح الصبا من نحوها ... وأشم فيها بارقاً متألقا
وأبيت أرقبها سحيراً علها ... تسري فأعرف عرف من حل النقا
وإذا كتمت الوجد خيفة شامت ... آلت جفوني حلفة أن تنطقا
يا من سعى بالقلب ثم رمى به ... جمر التفرق محرماً عيني اللقا
وقضى بخيف مني نهايات المنى ... هلا ذكرت متيماً متحرقا
يا من تمتع مفرداً مشتاقه ... رفقاً فإني قد عهدتك مشفقا
يا رائداً للخير يقصد طيبة ... متشوقاً في سيره متأنقا
يمم حمى هذا الشفيع المرتجى ... وأسأل أنامله الغمام المغدقا
وأقر السلام مع الصلاة على الذي ... جبريل كان خديمه لما رقى(4/18)
هذي الغيوث الهاطلات بجودها ... ما كل غيث في الورى متدفقا
من أخجل الكرماء لما جاءهم ... متحدياً بمفاخر لن تسبقا
فأذهب لحضرته الشريفة ضارعاً ... وأهد السلام وقل مقالاً مونقا
يا سيد الرسل الكرام ومن غدا ... لجنابه السامي نشد الأينقا
يا راحم الضعفاء نظرة رحمة ... لمعذب مضني الفؤاد تشوقا
يرجوك فضلاً أن تمن ترحما ... بشفاعة محو ذنوباً سبقا
فالعبد في سجن الآثام مقيد ... إن الكريم إذا تفضل أطلقا
أنت الملاذ إذا الذنوب تراكمت ... والغوث أنت إذا رجانا أخفقا
أنجد لعبد قد تملك قلبه ... حب الجناب وعمره ما أعتقا
هاجت له الأشواق جمرة لوعة ... في قلبه فقضت بسقم أحرقا
ما حال يوماً عن غرام صادق ... لا والذي قدما تفرّد بالبقا
إن كان يوماً بالديار مخلفاً ... فالقلب منه حيث أنتم أوثقا
أو كان قيده القضاء بجسمه ... فالشوق قد وافى لنحوك مطلقا
فاشفع لعبدك كي يزورك سيدي ... ويرى ضريحاً بالرسالة مشرقا
حيث القبول لوافد بآثامه ... والعفو عن جان أتى متملقا
من لي بلثم تراب ذياك الحمى ... أو أن أكون لعرفه متنشقا
تلك المشاهدان يفزجان بها ... يلق النجاح مع السماح محققا
مثوى حبيب قد ثوى في مهجتي ... ومقام ذي الشرف الرفيع المنتقي
هو غيثنا وغياثنا بل غوثنا ... من كل خطب في القيامة أحدقا
من جاء بالفرقان نوراً ساطعاً ... وغدا الوجود بهديه متآلقا
يا هادياً وافى بأوضح منهج ... لولاك ما عرف السبيل إلى التقى
يا ملجأ المسكين عند كروبه ... يا منجياً من هول ذنب أقلقا
يا من به طابت معالم طيبة ... وتمسكت منه بطيب أعبقا
أنت الذي ما زلت ترب نبوة ... من منذ كوّنك الآله وخلقا
العبد من خوف الجناية مشفق ... وبذيل جاهك يا شفيع تعلقا
صلى عليك الله ما ركب سرى ... نحو الحجاز وقاصداً أرض النقا
والآل والصحب الذين بحبهم ... ترجى النجاة بيوم هول أو بقا
وعلى الخصوص السيد الصدّيق من ... أضحى به نور الهداية مشرقا
ورفيقه الليث الغضنفر غوثنا ... من رأيه نص التلاوة وافقا(4/19)
والصهر عثمان بن عفان الذي ... حاز الحياء مع المهابة والتقى
والشهم حيدرة الحروب مدينة ال ... علم الذي حاز السناء الأسبقا
فعليهم منى السلام محلقاً ... نحو الحجاز وبالعبير مخلقا
ما سارت الركبان نحو تهامة ... يحدو بها حادي الغرام مشوّقا
وله أيضاً
قمر تبدّى فوق غصن قوام ... ورنا يصول بناظر الآرام
وغدا لقوسي حاجبيه زاوياً ... يرمي بها نحو الورى بسهام
فتكت نصول لحاظه بقلوبنا ... فعلى الدوام تصول وهي دوامي
نحن المرامي والسهام لحاظه ... ومن العجائب أنهن مرامي
في لفظه أو لحظه لعقولنا ... خمر وسحر ما هما بحرام
ملك الجمال بحسنه وبهائه ... وبغنج لحظيه ولين قوام
ليت الزمان به لشملي جامع ... لندوم في وصل مدى الأيام
جعلت له مني الحشاشة موطناً ... لما جفاني منه طيب منامي
فعلام يطنب لائمي في حبه ... والوجد وجدي والغرام غرامي
ريح الصبا زوري حماه وبلغي ... عني السلام وعرّضي بسقامي
واستقبلي وجهاً غدا من حسنه ... قمر الدجى متستراً بغمام
واستجلى خالاً في مقبل مبسم ... أضحى لكنز الدر مسك ختام
وتأملي تلك المحاسن وانظري ... صنع الآله وحكمة الأحكام
كالورد لاح لناظر والورد طا ... ب لناشق والروح في الأجسام
وهلم إن قبل السلام فبشري ... أملي وغلا فارجعي بسلام
وله أيضاً
يا سقى الله يوم أنس بناد ... غلط الدهر لي بطيب التلاقي
لست أنساه إذ أدار علينا ... فيه أقداح خمرة الأحداق
بدر تم أبقى الكمال لّه ... الله وأعطى المحاق للعشاق
رق جسمي كالخصر منه وقلبي ... خافق مثل بنده الخفاق
يا كثير الصدود رفقاً قليلاً ... بمحب مضني من الأشواق
ذاب قلبي وقد تصعد حتى ... قطرته الجفون من آماقي
وله أيضاً مشجراً
رنا قمراً في جنح ليل من الشعر ... فلم أدر ضوء الصبح أم غرّة الفجر(4/20)
جلا ورد خد مع شقيق يزينه ... عقيق شفاه فوق عقد من الدر
برى حبه عشقاً وما رق قلبه ... فياليت شعري كان قلبك من صخر
جرحت فؤادي وانطويت على الجفا ... وحكمت فيّ الحب من حيث لا أدري
لعل زماني أن يجود بقربكم ... وتسعفني الأيام فيه مدى الدهر
بليت بمن قلبي كمثل جفونه ... تساوت جميعاً في البناء على الكسر
ينفذ من لحظ لقلبي أسهماً ... ويرشق من قدّ بأمضى من السمر
وقال
غرامي سليم والفؤاد سقيم ... ودمعي نموم واللسان كتوم
وخدي من ودق الدموع مخدد ... وبين ضلوعي مقعد ومقيم
وما الدمع ماء بل فؤاد مصعد ... مذاب تقطره الجفون كليم
وقلبي لبعد الحب أصبح والهاً ... وفيه عذاب من جفاك عظيم
وجسمي عليل يشبه الخصر ناحل ... وحظي مثل الفرع منه بهيم
يلومونني في حب من لو إذا بدا ... مساء لغاب البدر وهو ذميم
فليس لشيء من جميع جوارحي ... مكان سواه والآله عليم
وقد عاب قلبي بالمحبة عاذل ... وكيف خلاصي والغرام غريم
حديث الهوى من عهد آدم قد رووا ... فمهلاً فؤادي فالبلاء قديم
ولم أنس ليلاً ضمناً بعد فرقة ... برغم عذول لام وهو لئيم
فبات وكأسي ثغره ورضابه ... مدامي إلى الأصباح وهو نديم
إلى أن شد أفوق الأراكة طائر ... وهب علينا للقبول نسيم
فقام لتوديعي وقد أودع الحشا ... بلابل شوق والفراق أليم
أيا جاعلاً مني سهام لحاظه ... وملء الحشا من مقلتيه كلوم
رويداً رعاك الله قربك جنة ... وبعدك يا رب الجمال جحيم
فقال وقد أثنى القوام تأدباً ... تصبر فإني بالوصال زعيم
وسار وقد سار الفؤاد أسيره ... ودمعي مسجوم حكته غيوم
فياليتني من قبل لم أعرف الهوى ... وياليته لا كان ذاك اليوم
وقوله
هل لقلبي من قامة قتاله ... من مجير ومقلة نباله
يالقومي من جور ظبي غرير ... بلحاظ فعل الظبا فعاله(4/21)
بدر تمّ أعطى المحاق محبي ... هـ وأبقى له الآله كماله
لم أقسه بالبدر إلا ببعد ... وبصون عن ناظر أن يناله
أين للبدر قدّ خوط رطيب ... أين للبدر مقلة غزاله
قد حكاه الغزال جيداً ولحظاً ... وحكت وجهه المنير الغزاله
وغصون الرياض خرّت سجوداً ... إذ تثني بقامة مياله
لهواه كلي فؤاد وكلي ... أذن كلما سمعت مقاله
يا حبيباً تفديه روحي ويا من ... ما رأت في الدنيا عيوني مثاله
ما دموعي إلا فؤاد مذاب ... صاعد والهوى كدمعي أساله
لست أنساه إذ أشار لنحوي ... بقوام عند الوداع أماله
وكمين الغرام ثار وصبري ... حار بل راح مذ رأى ترحاله
أتمنى طعم الرقاد عساها ... مقلتي في المنام تلقى خياله
آه بل ألف آهة لغرام ... بفؤادي نيرانه شعاله
كيف أنسى أيام وصل بناد ... حط ركب السرور فيه رحاله
مع بدر يميس عجباً ويرنو ... بقوام وأعين قتاله
فسقت عهدنا البهيج عهود ... بملث كدمعتي الهطاله
ما شدت سحرة بلابل روض ... وأهاجت من مدنف بلباله
وله
هل لقلب قد هام فيك غراماً ... راحة من جفاك تشفي السقاما
يا غزالاً منه الغزالة غابت ... عندما لاح خجلة واحتشاما
وبأوراقها الغصون توارت ... منه لما انثنى وهز قواما
لك يا فاتن اللواحظ طرف ... فتكه بالقلوب فاق السهاما
عجباً من بقاء خالك في الخدّ ... ونيرانه تؤج ضراما
يا بديع الجمال يا كامل الحس ... ن ترفق بمن غدا مستهاما
هو صب ما مال عنك لواش ... نمق الزور في هواك ولاما
وله من قصيدة تخلص فيها إلى مديح الجناب الأكرم والرسوم المعظم صلى الله عليه وسلم وهي قوله
نبيّ حبيب الله فينا مشفع ... له الرتبة العلياء والنسب الغرا
تسامت على هام السماك بمجدها ... فتاهت على الجوزاء وارتفعت قدرا
أروم امتداحيه بكفء فأزدري ... له من بنات الفكر مجلوّة بكرا(4/22)
لعمري ولا أرضى الدراري ولو ونت ... لأنظمها في مدحه فذر الدرّا
وما مدح المدّاح تحصر فضله ... وقطر الغوادي من يطيق لها حصرا
ولو أن ألفاً ينظمون مديحه ... لما بلغوا من قدر أفضاله العشرا
وناهيك من قد جاءنا في مديحه ... من الله آيات مدى دهرنا تقرا
وصلى الهي مع سلام على الذي ... أنال الورى فخراً يفوق على الشعرى
مدى الدهر ما غنى على الدوح ساجع ... وما أسبل المشتاق من دمعه القطرا
وكان لصاحب الترجمة غير ذلك من النظم والنثر وعلى كل حال فقد كان من أفراد الصدور أهل الفضل والجود ومن ابتهج بمحامدهم وفضائلهم الوجود ولم يزل مستمراً على طريقته المثلى إلى أن مات وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم بقرب ضرائح الصحابة في الباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد الدمشقي
ابن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا الحنفي الدمشقي الأديب الكاتب البارع كان له معرفة بالتركية والانشاء والعربية وله شعر باللغتين ولد بدمشق في سنة احدى عشرة ومائة وألف وجده حسن باشا المذكور كان بدمشق من مشاهير صدورها وأعيانها وكان في مبدأ أمره من آحاد جند الشام ثم تنقلت به الأحوال حتى ولي محافظة دمشق وغيرها وبنى بدمشق الخان المعروف به بسوق جقمق ووقفه مع جملة من عقاراته على ذريته وكانت له محاسن ومساو إلا أن محاسنه أكثر من مساويه ومن شعر المترجم ما رأيته مكتوباً بخطه وهو قوله
يا أكرم من مشى على الغبراء ... يا أفضل من رقى إلى الخضراء
أرجوك لدفع كل شر عني ... بالقاسم بالطيب بالزهراء
وقوله وكتبه في صدر رسالة
سلام على من لم نزل لفراقهم ... سكارى بنا جود الوساوس والهم
ومن لو رأوا من بعدهم كيف حالنا ... لجادوا على غيظ القطيعة بالكظم
وشدّوا على خيل الأياب سروجها ... وباتوا وهم فيما نحب على عزم
وله أيضاً
أيا نبيّ النبيين الكرام ومن ... لولاه ما كان دين الله قد عرفا
لو لم تكن تثمر الدنيا وضرتها ... إلا وجودك يا خير الورى لكفى
وكتب إلى والدي وجدي بقوله
أذاها جر الشيخ المرادي ونجله ... بمن عنهما تعتاض جلق قولوا لي(4/23)
هما نيراها فالمقيم بها إذا ... لبعدهما لا شك كان كمشمول
رئيسان ما شام الورى قط منهما ... أذى بل هما للناس أكرم مأمول
سلام على القطر الشآمي وأهله ... لحجرة قوم قدرهم غير مجهول
وكانت وفاته في غرة شعبان سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد العدوي
ابن إبراهيم بن إسمعيل بن محمود العدوي الشافعي الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الكامل الصالح الماهر التقي لازم الشيخ محمداً الغزي الدمشقي مفتي الشافعية بالمدرسة العمرية بالصالحية وسمع عنده حصة من شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا الأنصاري وقرأ عليه عدة كتب في الفقه وغيره وكان له حرص على طلب العلم ومثابرة على مطالعته وبرع في الفقه والنحو وصارت له ملكة تامة في عدة فنون وكان يأتي الجامع الأموي من الصالحية في كل يوم لا يمنعه من ذلك حر ولا برد مع الديانة والصيانة وكثرة الحياء والكف عن فضول اللسان إلى أن مات وكانت وفاته مطعوناً في رجب سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد محمد الطرابلسي
ابن محمد المعروف بالسندروسي الحنفي الطرابلسي الفاضل النجيب الفقيه تفقه في المسائل وألف كتاباً في أسماء الصحابة وعارض به الأصابة ورمى سهم المعرفة قاصداً حوز الفضل فما أصابه فلم تسلم له دعواه وعورض فيما ادعاه ثم تطلب افتاء الحنفية كشيخه الخليلي فتوجه عليه افتاء طرابلس الشام فما استقامت مدة يسيرة إلا وعزل عنها فكدر عيشه وكثر طيشه فتطلب منصب نيابة حكم الشرع فكانت سبباً لأحراق داره وبعد ذلك رجع وتاب وتبع طريق الحق والصواب إلى أن مات وكانت وفاته في سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الأيوبي
أمين بن إبراهيم الأيوبي الأنصاري الدمشقي الحنفي الفاضل الكامل النبيل كان له مشاركة جيدة لا تنكر لا سيما في علم الأدب وله محفوظة قوية ولد بدمشق وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة في مبدأ أمره وبرع وحاز فضلاً وولي رياسة محكمة الباب مرتين وعزل عنها لأمور كان من جملتها أنه في زمن الوزير أسعد باشا المعظم والي دمشق تلاعب مع أهل وقف أهلي وأخذه منهم فلما أخبر الوزير المذكور أمره بأن يتوافق معهم فأبى عن(4/24)
ذلك وكان المساعد له المفتي الحنفي حامد العمادي فاغتاظ الوزير المذكور منه وأرسل أهانه في داره وحصل منه مبلغاً من الدراهم وأعاد الوقف لأصحابه وله غير ذلك وكان يتولى النيابات بالمحاكم وبالجملة فقد كان من أفراد الدهر وبلغ من العمر مائة عام إلا عاماً وهو آخر من أدرك الأمين المحبي وطالع عليه نفحته توفي سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الدكدكجي
ابن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التركماني الأصل الدمشقي المولد المعروف بالدكدكجي الحنفي الصوفي الشيخ الامام المتفنن البارع الأديب نادرة العصر كان فاضلاً كاملاً مهيباً صالحاً ديناً صوفياً وأخلاقه شريفة ورزقه الله الصوت الحسن في الترتيل ولد بدمشق ونشأ بها وقرأ القرآن العظيم وجوده على الشيخ محمد الميداني وطلب العلم فلزم شيخ الاسلام الشيخ محمداً أبا المواهب الحنبلي فقرأ عليه الشاطبية وختمة كاملة جمعاً للسبعة من طريقها وقرأ عليه شرح ألفية المصطلح لشيخ الاسلام زكريا وسمع عليه صحيح البخاري وبعض صحيح مسلم وسمع عليه كثيراً من كتب الحديث والمصطلح والتجويد والقراآت وحضر دروس المحقق الشيخ إبراهيم الفتال وقرأ عليه شرح القطر لمصنفه وشرح الألفية لأبن عقيل ولازم دروس الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكتب كثيراً من مصنفاته بخطه الحسن وسافر في خدمته في رحلته الكبرى وكان الأستاذ شديد المحبة له وله من المؤلفات رسالة سماها تهويل الأمر على شارب الخمر وديوان شعر وأنا أخذت من شعره ما هو مسطر هنا فمنه قوله مخمساً بيتي ابن حبابة الأندلسي
إن عشق الحبيب دأبي وفني ... وبذكراه ينجلي الهمّ عني
فأحد بالشوق للمطايا وغنى ... لا تعقني عن العقيق لأني
بين أكنافه تركت فؤادي
فلذا قد أطلت فيه ولوعي ... عل أحظى به بتلك الربوع
فعلى حبه بذلت خضوعي ... وعلى تربه وقفت دموعي
ولسكانه وهبت رقادي
وله مداعباً رجلاً من أهل الخلاعة يلقب بالعفريت
إنّ شخصاً شغل المجلس بال ... لهو والمزح وأنواع الغنا
يضحك العالم في أفعاله ... يجلب البشر وينفي الحزنا
وكذا في كل وقت دأبه ... ليس يلفي مثله في عصرنا(4/25)
لقب العفريت من قوّته ... وخلاعات توالت علنا
فسألناه من الأنس ترى ... أنت أم جن تشكلت لنا
فبدا منه جواب مازحاً ... قال عفريت من الجن أنا
وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في المعنى
رب شخص جاءنا في قرية ... طوله في عرضه قد ضمنا
فسألناه وقلنا أنت من ... قال عفريت من الجن أنا
وللمولى الهمام محمد خليل الصديقي
مطرب قد سار في صحبتنا ... فشهدنا منه ما أضحكنا
أزعج الأسماع منا صوته ... منذ وافانا بأنواع الغنا
رمت منه الكشف عن أصل له ... قال عفريت من الجن أنا
وللأديب محمد سعدي العمري في ذلك
وخليع حين وافانا لكي ... نقطع السبل حديثاً وغنا
رام أن يطربنا في صوته ... فسمعنا منه ما أزعجنا
قلت من أنت فقد روّعتنا ... قال عفريت من الجن أنا
وكتب هذه الوصية لولده إبراهيم المقدم ذكره
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني بك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبواً لا على قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منحاك نفس الودّ من نفسيهما
كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما
وتمنيا لو صادفا بك راحة ... بجميع ما تحويه ملك يديهما
لتلحقنهما غداً أو بعده ... حتماً كما لحقاهما أبويهما
ولتندمنّ على فعالك مثل ما ... ندماهما قدماً على فعليهما
بشراك لو قدّمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما
وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما
فاحفظ حفظت وصيتي وأعمل بها ... فعسى تنال الفوز من بريهما
وأشعاره كثيرة دونها صاحبنا الكمال الغزي في ديوان وكان للناس به محبة عظيمة واعتقاد وافر وألف مؤلفات نافعة منها شرحه على دلائل الخيرات وشرح على حزب البحر للشاذلي وشرح على طيبة النشر في القراآت العشر وتراجم رجال سلسلة طريقة الشاذلية وشرح(4/26)
على الجزرية وديوان خطب وجمع بخطه الحسن المضبوط عدة مجاميع علمية وأدبية وبيض غالب مؤلفات شيخه الشيخ عبد الغني النابلسي بخطه وكانت ولادته بدمشق في شعبان سنة ثمانين وألف وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ووقع في ساعة موته مطر عظيم واستمر المطر حتى غسل وكفن يوم الجمعة وصلى عليه بالجامع الأموي بعد جمعتها ودفن بتربة الغرباء بمرج الدحداح وتمثل الشمس محمد الغزي العامري يوم وفاته بقول الشيخ نجم الدين بن إسرائيل
بكت السماء عليه ساعة موته ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور
وكأنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمت وتعلقت بالنور
أوليس دمع الغيث يهمي بارداً ... وكذا تكون مدامع المسرور
محمد الكوراني
أبو الطاهر بن إبراهيم بن حسن المدني الشافعي الشهير بالكوراني الشيخ الامام العالم العلامة المحقق المدقق النحرير الفقيه جمال الدين ولد بالمدينة المنورة في حادي عشري رجب سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بها في حجر أبيه وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده المرقوم عدة من العلوم وأخذ عن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وأبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وعن محدث الحجاز محمد بن محمد بن سليمان المغربي وعن الجمال عبد الله بن سالم البصري وعن الشهاب أحمد بن محمد النخلي وعن غيرهم وبرع وفضل واشتهر بالذكاء والنبل وكان كثير الدروس وانتفعت به الطلبة وتولى افتاء السادة الشافعية بالمدينة المنورة مدة وله من التآليف اختصار شرح شواهد الرضي للبغدادي وترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى بلطائف المنة فقال زرته في داره ورأيت من ديانته ونسكه وتواضعه وخفض جناحه ما لم أره على أحد من مشايخنا خلا الملا الياس الكوراني فإنه كان يقاربه في ذلك وأراني كتابات له حسنة على مسائل فقهية سئل عنها من بلاد اليمن وكان عالماً صالحاً فقيهاً وكانت وفاته في تاسع رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
محمد سعيد الكوراني
ابن إبراهيم بن محمد أبي الطاهر بن المنلا إبراهيم الكوراني المدني الشافعي حفيد المتقدم ذكره آنفاً الشيخ الفاضل الصالح النبيل البارع ولد بالمدينة في ثاني عشري شعبان سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وطلب العلم وأخذ عن أبيه والشيخ عبد الرحمن الجامي والشيخ محمود الجامي والفقيه محمد بن سليمان الكردي وكان رجلاً(4/27)
متكلماً درس بالروضة المطهرة بعد أبيه وتوفي في تاسع عشر شعبان سنة ست وتسعين ومائة وألف.
محمد بن أبي الحسن الكوراني
أبو الطيب ابن الشيخ أبي الحسن ابن العلامة المحقق برهان الدين إبراهيم الكوراني المدني الشافعي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة المنورة في ثامن رمضان سنة ثمان وتسعين وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ على عمه الشيخ أبي الطاهر العالم المشهور ودخل في اجازة عامة من جده المنلا إبراهيم الكوراني لما أجاز أحفاده الكبار والصغار وكان صاحب الترجمة رجلاً مباركاً متكلماً صار شيخاً للعهد في المدينة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف ثم أخرج منها وسكن الشام واستمر بها إلى أن توفي في الخامس من جمادي الأولى سنة سبع وستين ومائة وألف.
محمد سعدي الدمشقي
ابن يوسف الدمشقي الحنفي نزيل اسلامبول المولى الفاضل العلامة الأديب الشاعر بالعربية والتركية صاحب فضل وعرفان ووالده الامام السلطاني الشقيفي ترجمه الأمين المحبي والبوريني وولده هذا أخذ عن والده ودأب بفن الأدب وتخرج به على يديه ودخل طريق العلماء في اسلامبول ولازم على قاعدتهم وطريقتهم وبعد انفصاله عن المدارس وتنقله بها كعادتهم إلى سنة سبعين بعد الألف في صفر الخير أعطى قضاء بغداد وبعده في ربيع الأول سنة أربع وسبعين أعطى قضاء اسكدار وفي سنة ست وسبعين أعطى رتبة قضاء المدينة المنورة مع قضاء خيره بولي وخواص أخر على طريق الأربلق وبعده أعطى قضاء محلة أبي ايوب رضي الله عنه وبعده أعطى رتبة قضاء القدس مع رتبة قضاء بازاركولي وبعده في سنة ست وثمانين أعطى قضاء فلبه مع رتبة قضاء برسة المحمية وفي سنة احدى وتسعين أعطى قضاء وارنه على طريق الأربلق مع رتبة قضاء مكة المكرمة وكان أجلى ونفي في احدى السنين إلى مغنيسا وأعطى بها المدرسة المرادية وبينه وبين الأديب عثمان العتوري الدمشقي مراسلات شعرية وكانت وفاته باسلامبول سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى آمين.
السيد محمد العاني
ابن أحمد بن هديب الشافعي العاني الأصل الدمشقي المولد الميداني الشيخ المحقق العالم تقدم ذكر والده وكان هذا مدققاً ذكياً فقيهاً فصيحاً له اطلاع تام في التفسير والحديث(4/28)
والفقه وغير ذلك مع حسن المحافظة وكمال التأدية في التدريس والافادة حسن التقرير عذب المنطق لطيف العشرة ولد بدمشق وبها نشأ واجتهد في طلب العلم وأخذ عن الشيخ محمد الغزي الدمشقي مفتي الشافعية ثم ارتحل إلى مصر القاهرة وجاور بجامعها الأزهر الأنور ولازم الدروس وأخذ وقرأ على أجلائها كالشيخ أحمد القروسي والشيخ محمد الفارسي والشيخ عيسى البراوي والشيخ عبد الكريم الزيات والشيخ عطية الأجهوري والشيخ أحمد الملوي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم من الأجلاء والفضلاء ودرس في الجامع الأموي بين العشاءين وفي السليمانية في الصالحية وأخذت عنه الطلبة وكان جسوراً وكان يتعاطى الزراعة والمشد في القرى وكان محظوظاً وانتفع منه خلق كثيرون وبالجملة فقد كان من الشيوخ الأفاضل وكانت وفاته في ذي القعدة سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالذهبية رحمه الله تعالى.
محمد قولقسز
ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن ادريس المشهور بابن قولقسز الحنفي البسنوي الأصل ثم الحلبي ثم الدمشقي قدم دمشق جد المترجم محمد بن أحمد بن محمد بن ادريس المذكور وأخذ بها عن المشايخ كالبدر الغزي والنجم البهنسي وغيرهما وكان من خيار الأفاضل فقيهاً له اطلاع تام على المسائل وتوفي بدمشق في ربيع الأول سنة احدى وعشرين وألف وكان منشؤه ومولده حلب وولده أحمد كذلك والمترجم ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ واشتغل على علماء عصره وأفاد بالجامع الأموي وفي المدرسة الشبلية وفي داره ولزمه الطلبة واشتهر بالفضل وانعكفت إليه الطلاب وكان عالماً مدققاً وفي آخر أمره انقطع بداره لفالج حصل له وكانت عليه عدة وظائف ولم يعقب ولداً وكان عليه وظائف فرغها لأحد تلامذته قبل موته وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محمد البصير
ابن أحمد بن رمضان البصير الشافعي الميداني الدمشقي الشيخ الفاضل الحاذق المتفوق الذكي ولد بدمشق في سنة احدى وأربعين ومائة وألف وحضر دروس العلماء كالشيخ أحمد المنيني الدمشقي والشيخ عبد الله البصروي والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وغيرهم من الشيوخ والأفاضل ودروس والدي بالهداية في المدرسة السليمانية بدمشق وتفوق ومهر وارتحل للحجاز مرات وحضر شيوخها وجاور سنين في المدينة المنورة وارتحل إلى مصر وجاور مدة وحضر دروس شيوخها كالشيخ عبد الله(4/29)
الشبراوي والشيخ أحمد الملوي والشيخ محمد الحفناوي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم وله شعر قليل وفضل وحذق تام ومن شعره ما امتدحني به لما جاءتني تولية الجامع الأموي في سنة احدى وتسعين ومائة وألف وهو قوله
حمداً لمولانا الذي انعامه ... متواتر قد جل عن تعداد
ردت بضاعتنا إلينا أرخوا ... بيت العلا وليه ذو الأمداد
المسجد الأموي هنا بخليله ... نال المنى أرخ وظل مرادي
1191 936 25 - 5 وكانت وفاته في شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الديري
ابن أحمد بن شهاب الدين الشافعي الديري نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل المفيد الصالح الناسك الكامل قرأ وأخذ عن علماء مصر كالشيخ عبد الرؤف البشبيشي والسيد علي الضرير وغيرهما وقدم دمشق واستوطنها في المدرسة الناصرية الجوانية وتزوج بها وأقرأ بالجامع الأموي ولزمه الطلبة وكان حد المزاج وحصل له في آخر عمره داء في رجليه أعجزه عن المشي وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح بالقرب من مرقد الشيخ أبي شامة رحمه الله تعالى.
محمد عقيلة
ابن أحمد بن سعيد المشتهر والده بعقيلة الحنفي المكي الشيخ الامام العالم العلامة الأوحد النحرير الفهامة المسند الثقة المتفنن البارع أبو عبد الله جمال الدين ولد بمكة ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فأخذ عن العلامة الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي والبدر حسن بن علي العجيمي وتاج الدين بن أحمد الدهان المكي والمنلا الياس بن إبراهيم الكوراني والشيخ حسين بن عبد الرحيم المكي والشهاب أحمد بن محمد الدمياطي المشهور بابن عبد الغني وتلقن الذكر من السيد محمد بن علي الأحمدي والسيد عبد الله بن علي باحسين السقاف وأجاز له مكاتبة السيد علي بن عبد الله العيدروس الساكن ببندر سورت من أرض الهند ولبس الخرقة القادرية من الشيخ قاسم بن محمد البغدادي وأخذ أيضاً عن الشيخ محمد أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي ونبل وفضل وظهر تفوقه في العلوم وله مؤلفات لطيفة منها الفوائد الجليلة في مسلسلاته والمواهب الجزيلة في مرويات الفقير محمد بن أحمد عقيلة وعقد الجواهر في سلاسل الأكابر وهدية الخلاق إلى الصوفية في سائر الآفاق وقرة العين في بيان ورد الخميس والأثنين ومولد شريف نبوي(4/30)
وثبت صغير وتاريخ رتبه على حوادث السنين وغير ذلك ورحل إلى الشام والروم والعراق وأخذ عنه خلائق لا يحصون وانتفعوا به ولما دخل دمشق صار يقيم الذكر بها ويدرس في المدرسة الجقمقية ثم رحل إلى بلده مكة وتوفي بها سنة خمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد السفاريني
ابن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الشهرة والمولد النابلسي الحنبلي الشيخ الامام والحبر البحر النحرير الكامل الهمام الأوحد العلامة والعالم العامل الفهامة صاحب التآليف الكثيرة والتصانيف الشهيرة أبو العون شمس الدين ولد بقرية سفارين من قرى نابلس سنة أربع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وتلا القرآن العظيم ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني بن إسمعيل النابلسي وشيخ الاسلام الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين المجلد وأبي المجد مصطفى بن مصطفى السواري والشهاب أحمد بن علي المنيني وأخذ الفقه عن أبي التقي عبد القادر بن عمر التغلبي وأبي الفضائل عواد بن عبيد الله الكوري ومصطفى بن عبد الحق اللبدي وغيرهم وحصل لصاحب الترجمة في طلب العلم ملاحظة ربانية حتى حصل في الزمن اليسير ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس واشتهر بالفضل والذكاء ودرس وأفتى وأفاد وألف تآليف عديدة فمن تآليفه شرح ثلاثيات مسند الامام أحمد بن مجلد ضخم وشرح نونية الصرصري سماها معارج الأنوار في سيرة النبي المختار في مجلدين وتحبير الوفا في سيرة المصطفى وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وكشف اللثام في شرح عمدة الأحكام ونتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار والجواب المحرر في الكشف عن حال الخضر والاسكندر وعرف الزرنب في شرح السيدة زينب والقول العلي في شرح أثر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وشرح منظومة الكبائر الواقعة في الأقناع ونظم الخصائص الواقعة فيه أيضاً والدر المنظم في فضل شهر الله المحرم وقرع السياط في قمع أهل اللواط والمنح الغرامية في شرح منظومة ابن فرح اللامية والتحقيق في بطلان التلفيق ولواقح الأفكار السنية في شرح منظومة الامام الحافظ أبي بكر بن أبي داود الحائية مجلد وتحفة النساك في فضل السواك والدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية وشرحها المسمى بسواطع الآثار الأثرية بشرح منظومتنا المسماة بالدرة المضية وتناضل العمال بشرح حديث فضائل الأعمال والدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات ورسالة في بيان الثلاث والسبعين فرقة والكلام عليها واللمعة في فضائل الجمعة والأجوبة النجدية عن(4/31)
الأسئلة النجدية والأجوبة الوهبية عن الأسئلة الزعبية وشرح على دليل الطالب لم يكمل وتعزية اللبيب بأحب حبيب وغير ذلك وأما الفتاوي التي كتب عليها الكراس والأقل والأكثر فكثيرة ولو جمعت لبلغت مجلدات وله رحمه الله تعالى من الأشعار في المراسلات والغزليات والوعظيات والمرثيات شيء كثير وبالجملة فقد كان غرة عصره وشامة مصره لم يظهر في بلاده بعده مثله وكان يدعى للملمات ويقصد لتفريج المهمات ذا رأي صائب وفهم ثاقب جسوراً على ردع الظالمين وزجر المفترين إذا رأى منكراً أخذته رعده وعلا صوته من شدة الحدة وإذا سكن غيظه وبرد قيظه يقطر رقة ولطافة وحلاوة وظرافة وله الباع الطويل في علم التاريخ وحفظ وقائع الملوك والأمراء والعلماء والأدباء وما وقع في الأزمان السالفة وكان يحفظ من أشعار العرب العرباء والمولدين شيئاً كثيراً وله شعر لطيف منه قوله
من لي بان أنظر إلى ... خشف بليل معتكر
وأضمه من غير شف ... كالضمير المستتر
وقوله
الصبر عيل من القلا ... والنفس أمست في بلا
والجفن جف من البكا ... والقلب في الشجوى غلا
وشكا اللسان فقال في ... شكواه لا حول ولا
وقوله
أحبة قلبي تزعموا إن حبكم ... صحيح فإن كنتم كما تزعموا زوروا
وأحيوا فتى فت الغرام فؤاده ... وإلا فدعوى حبكم كلها زور
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار مما هو مشهور في أيدي الناس وكانت وفاته في شوال سنة ثمان وثمانين ومائة وألف بنابلس ودفن بتربتها الشمالية رحمه الله تعالى.
محمد العشماوي
ابن أحمد بن حجازي الأزهري الشافعي الشهير بالعشماوي الشيخ الامام الفقيه المحدث المحقق المدقق النحرير الفهامة أبو الفضل شمس الدين أخذ عن أبي العز محمد بن أحمد العجمي وغيره وأخذ عنه شيخنا أبو العرفان محمد بن علي الصبان وغيره وكانت وفاته سنة سبع وستين ومائة وألف بتقديم السين رحمه الله تعالى.
محمد الزرقاني
ابن عبد الباقي بن يوسف الأزهري المالكي الشهير بالزرقاني الامام المحدث الناسك النحرير(4/32)
الفقيه العلامة أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي وعن الشيخ محمد البابلي وغيرهم وله من المؤلفات شرح على الموطأ وشرح على المواهب وغير ذلك وأخذ عن الشيخ محمد بن خليل العجلوني الدمشقي والجمال عبد الله الشبراوي وكانت وفاته سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد رجائي
ابن أحمد الملقب برجائي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي القسطنطيني أحد رؤساء الدولة وأعيانها أصحاب الاشتهار والاعتبار والحشمة والوقار وأرباب المعارف والخطوط المتنوعة ولد بقسطنطينية وبها نشأ وصار من كتاب الرئيس في الديوان السلطاني ومهر في الخطوط وأتقنها لا سيما الخط المعروف بالديواني كانت له به الشهرة التامة في وقته وترقى للمناصب العالية فصار تذكر جي أول وثاني للديوان السلطاني المعلى ورئيس الجاويشية ثم ترقى فصار رئيس الكتاب ودفترياً وكتخدا الوزير واشتهر بين العال والدون وعظمت دولته وتوفرت حرمته وسمت رتبته ونمت ثروته ونفذت كلمته واتسعت دائرته إلى أن مات وكانت وفاته في نصف رجب سنة أربع وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين.
محمد المزطاري
ابن أحمد المزطاري المغربي المكناسي الشاذلي المالكي الشيخ الامام العارف بالله تعالى المسلك المرشد الصوفي قطب الواصلين واستاذ الأساتذة وشيخ الطائفة أخذ الطريقة الشاذلية عن شيخه صاحب الكرامات والأحوال من شهدت بقطبانيته فحول الرجال القطب الغوث الفرد الرباني سيدي قاسم بن أحمد القرشي السفياني المدعو بابن بلوشة نور الله مرقده حكى تلميذ المترجم الشهاب أحمد بن إبراهيم الحبالي الاسكندري إنه ما غفل في وقت من الأوقات الخمسة عن سبعين ألف لا إله إلا الله قط في مدة إقامته معه وكانت المدة المذكورة ثمانية عشر عاماً وإنه تولى القطبانية خمسة وعشرين عاماً إلى أن توفي وقدم دمشق في غرة جمادي الأولى سنة ست وتسعين وألف وأخذ عنه بها الطريق الشيخ محمد بن خليل العجلوني وكتب له بذلك اجازة مطولة وكان يقول له جئت من المغرب لأعمر ديارك وأخذ أيضاً عن المترجم الشيخ عبد الرزاق بن عبد الرحمن السفرجلاني ومن ذلك الوقت اشتهرت الطريقة الشاذلية بدمشق وكثر أتباعها والآخذون لها وكان صاحب الترجمة جبلاً من جبال المعارف منار هدى وارشاد وله كرامات كثيرة وخوارق شهيرة لا تسعها الافهام ولا يطيقها نطاق الأقلام ثم إنه رحل من دمشق إلى مكة المشرفة(4/33)
وتوفي بها في محرم الحرام ليلة الجمعة سنة سبع ومائة وألف عن ثلاث وستين سنة ودفن بباب المعلى بقرب ضريح السيدة خديجة الكبرى وقبره ظاهر يزار رحمه الله.
محمد بن جدي
ابن أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين المعروف بابن جدي بفتح الجيم وتشديد الدال الشافعي الدمشقي الأديب الفاضل الشاعر الكاتب ترجمه شيخه الأمين المحبي في ذيل نفحته ومن شعره قوله
ابريقنا عاكف على قدح ... كأنه الأم ترضع الولدا
أو عابد من بني المجوس إذا ... توهم الكأس شعلة سجدا
وله غير ذلك وشعره بديع كثير وكانت وفاته بدمشق سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله.
محمد حياة السندي
محمد حياة بن إبراهيم السندي الأصل والمولد المدني الحنفي العلامة المحدث الفهامة حامل لواء السنة بمدينة سيد الأنس والجنة ولد بالسند ببعض قراها ورغب في تحصيل العلم وهو بها ثم انتقل إلى تستر قاعدة بلاد السند وقرأ على محمد معين بن محمد أمين ثم هاجر إلى الحرمين الشريفين وتوطن المدينة المنورة ولازم الشيخ أبا الحسن بن عبد الهادي السندي وجلس مجلسه بعد وفاته أربعاً وعشرين سنة وأجاز له الشيخ عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني وأبو الأسرار حسن بن علي العجيمي وغيرهم وكان ورعاً متجرداً منعزلاً عن الخلق إلا في وقت قراءة الدروس مثابراً على أداء الجماعات في الصف الأول من المسجد النبوي وله تصانيف كثيرة منها شرح الترغيب والترهيب للمنذري في مجلدين وشرح على الأربعين النووية مختصر جداً ومختصر الزواجر وشرح الحكم العطائية والحكم الحدادية وله رسائل أخر لطيفة وتحقيقات عجيبة منيفة وكانت وفاته ليلة آخر أربعاء من صفر سادس عشرية سنة ثلاث وسنين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
محمد الأسكداري
ابن سعد الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل البارع الطبيب الفقيه ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وتولى الافتاء مدة وقرأ على أبيه وغيره وكان فاضلاً عالماً متضلعاً في كثير من العلوم وله اليد الطولى في الطب والجراحة مستحضراً ما يلزمه من الأدوية والمراهم والعلاجات ينتفع به الخاص والعام(4/34)
ابتغاء وجه الله تعالى ويبذل الأموال الجزيلة في وجوه الخير وإذا أظلم الليل خرج بما يحتاج إلى المرضى والمحاويج فيغسل لهم جراحاتهم ويعللهم بالأدوية ويطعمهم الطعام ويغسل لهم أقذارهم بيده مع إن الواحد منهم لا يقدر الانسان أن يصل إليه لشدة نتنه وريحه وأوصافه كريمة لا يمكن استقصاؤها وله من المؤلفات رسالة في تحرير النصاب الشرعي من الدنانير والدراهم وغيرها وله غير ذلك من المؤلفات النافعة وفضائله كثيرة ومزايا مشهورة ولم يزل على طريقته المثلى عاكفاً على الافادة والاستفادة إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة المنورة شهيداً في ثامن عشري رجب الحرام سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع وبنو الأسكداري طائفة مشهورون في المدينة تقدم ذكر بعضهم وسيأتي ذكر بعض آخر رحمهم الله تعالى.
محمد الشافعي
ابن إسمعيل الملقب بشمس الدين الضرير الأزهري البقري المصري الشافعي شيخ القراء بالجامع الأزهر الامام العلامة الفقيه المقرئ قرأ عليه القرآن بالروايات من لا يحصى عددهم منهم المرحوم شيخ الاسلام أبو المواهب الدمشقي مفتي الحنابلة بها وغيره وعمر كثيراً واشتهر إنه جاوز مائة عام وكان ملازماً للأقراء والتدريس بالجامع الأزهر وألف مؤلفات جمة كان يمليها على الطلبة ومات بمصر سنة سبع ومائة وألف وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب رحمه الله تعالى.
محمد الجفري
ابن السيد حسين العلوي المدني الشافعي الشهير بالجفري الشريف ابن الشريف الشهم الفاضل الغطريف ذو الفهم الوقاد والذكاء النقاد ولد بالمدينة المنورة في حدود سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وطلب العلم وشمر عن ساق الاجتهاد فقرأ على الشيخ جمعة السندي والشيخ صالح البغدادي والعلامة محمد بن سليمان الكردي وغيرهم ونبل قدره واشتهر بالفضل أمره ودرس بالمسجد النبوي وانتفعت به الطلبة وألف مولداً للنبي صلى الله عليه وسلم وكتاباً في مناقب الخلفاء الأربعة والسيدة فاطمة والسيد عائشة رضي الله تعالى عنهم وكان يؤلف خطباً بليغة جداً تقرأ عند عقود الأنكحة وله في المراسلات والمحاورات الرسائل الأنيقة والتراتيب الرشيقة وكان من أفراد العالم فضلاً وذكاء ونباهة وكانت وفاته بالمدينة المنورة في حادي عشر ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين أجمعين.
محمد القاري(4/35)
ابن حسين بن محمد بن علي بن عمر المعروف كأسلافه بالقاري الفاضل الأديب الكامل أحد المتنبلين من بني المجد والسيادة ومن نبغوا من ذروة العز وامتطوا صهوة الفضل والسعادة كما قال الأمين في نفحته من البيوت التي تقلد فحرها جيد الدهر واكتسب النسيم بعرف ثراها أرج الزهر مدائحهم كصحائف المحسنين بياضاً ونقاً وذكراهم كعهد الموقنين وفاء وبقا انتهى أقول وجده الشيخ عمر كان رئيس أجلاء شيوخ الشام وصدر الصدور اماماً عالماً مفنناً بارعاً وحيداً محدثاً فقيهاً أصولياً آثاره كثيرة وفضائله لا تعد ولا تحد وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه ماجد خلقه مترع هدى وايقان يفجر المعروف غصنه المهتصر من أطيب العنصر الزاكي وأطيب المعتصر فهو مخصوص بعوارف الألطاف وبرد وجاهته لم يزل حالي الاعطاف اصطبح العزة واغتبق وتناول قصب الغايات فاستبق وروض أدبه موشي بالبديع موشع وميدان جولانه في القريض مرحب موسع وأنا مداحه الذي أباهي به وأفاخر وودي له كله من الأول إلى الآخر وقد أنجب فرعاً فرع وأصل وتحصل له من توفر أمانيه ما به إلى الغاية القصوى توصل ومن رقيق غزله
لعب الهوى بعقولنا من أجل من ... سلب الرقاد بمقلة وسناء
الخدّ منه كجلنار أحمر ... والقدّ منه كصعدة سمراء
وله أيضاً
من لقلبي في هوى عذب اللمى ... من سبي الألباب لما ابتسما
مخجل الأغصان بالقدّ الذي ... حمل البدور في حقف نما
ثالث البدرين نهاب النهى ... من هواه في فؤادي خيما
وامتدحه الأمين المذكور بهذه القصيدة
ميلة الغصن والقنا السمهريّ ... أثر من قوامه الألفيّ
والذي يفعل الحسام نراه ... مستفاداً من لحظه السيفي
في سطاه يرى ظلوماً ولكن ... بانكسار الجفون مثل بريّ
سلبت مقلتاه كل فؤاد ... أسرته بسحرها البابلي
ثم راشت وسط القلوب سهاماً ... أرسلتها حواجب كالقسي
رشأكم أمات يعقوب حزن ... قبل يحظى بريحة اليوسفيّ
قام يجلو من الجبين صباحاً ... تحت ليل من فرعه المرخي
وأدار الكؤس فينا ثلاثاً ... حيث لم يدفع الظما بالريّ
كأس راح من راحتيه وكأساً ... من رضاب وكأس خد ندي(4/36)
كان عيشي بها ابتهاج الأماني ... في نعيم طلق وحظ بهي
نسمات الصبا العطير المساري ... ومزاح الصبا الهني المريّ
في ربا وشيها زبرجد نبت ... شبّ لما ارتوى بدرّ الولي
نام طفل النوّار فيها هنيئاً ... عندما اشتم زعفران العشي
ومن الورق ثم كل مناغ ... راح يشحي بالوجد قلب الخلي
قام يثني على الرياض ثنائي ... في البرايا على الفتي القاريّ
ماجد كل ماجد من علاه ... مستفيد خلق الرضي المرضي
هو وسطي قلادة النظم حلت ... وتحلت بلفظه الجوهري
وكانت وفاة المترجم يوم الأثنين غرة صفر الخير سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد عارف
ابن حسين الملقب بعارف الحنفي القسطنطيني رئيس الأطباء في عهدنا عند سلطاننا الملك المعظم عبد الحميد خان وقاضي العساكر المشهور بالحذق والمعرفة كان من أفراد الدهر في علم الأبدان واشتهر في وقتنا واعتمد عيه سلطاننا المذكور في الأدوية والعلاجات واستعمالها وأحبه كثيراً ورقاه المراتب العالية في مدة جزئية وكان ماهراً بالطب وفنونه عارفاً حاذقاً نبيهاً كاملاً له باع واطلاع ثابر على عادتهم ودخل طريق الموالي والمدرسين وتنقل في المراتب حتى ولي الثمان ومنها أعطى قضاء أسكدار وصار رئيس الأطباء في دولة السلطان مصطفى خان أخي السلطان عبد الحميد خان المذكور ثم عزل وأجلى وأعيد ثانياً وثالثاً للرياسة المرقومة واستبد بها آخر أمره في دولة سلطاننا المذكور وسلم من مناضل ومنازع فيها وأقبلت عليه الدنيا وعظمت ثروته وكثرت دنياه وولي قضاء العسكر في اناطولي بعد أن أعطى رتبة قضاء اسلامبول ومكة وبعد انفصاله بمدة قليلة ولي قضاء العسكر في روم ايلي واشتهر أمره وعزل عن المنصب المرقوم في أواسط سنة خمس وتسعين ومائة وألف وقصرت مدته قبل الاتمام وذلك لأمر كان وفي سنة سبع وتسعين أعيد إلى صدارة روم ايلي ثانياً ولم تطل مدة حياته إلا ثلاثة أشهر ومات وكانت وفاته في يوم الجمعة رابع عشري ربيع الثاني من السنة المرقومة بتربة مخصوصة بقرب جامع السلطان سليم خان رحمه الله تعالى.
محمد همات زاده
ابن حسن همات زاده الحنفي التركماني الأصل القسطنطيني الشيخ الامام المسند الأوحد(4/37)
العالم البارع ولد سنة احدى وتسعين وألف ورحل إلى مكة وجاور بها وأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري وتاج الدين بن عبد المحسن القلعي مفتي مكة وأخذ الحديث عن البدر محمد بن محمد البديري الدمياطي ثم رجل إلى قسطنطينية وصار أحد المدرسين في الدولة وخواجه في سراي الغلطة ثم في السراي الجديدة معلم الغلمان ثم نقل إلى تدريس السلطان أحمد الثالث الكائن في السراي المرقومة وبرع واشتهر وصار له الاعتبار في الدولة والصدارة في العلم حتى إن ولي الدين شيخ الاسلام في الدولة قرأ عليه شرح الأربعين النووية وله تأليفات لطيفة منها تخريج أحاديث البيضاوي ورسائل عديدة في عدة فنون وآثار جليلة وأخذ عنه خلق كثيرون من أهالي الروم واشتهر برواية الحديث وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد أفندي بن فروخ
ابن حسين بن رجب المعروف بابن فروخ الرومي الأصل الدمشقي المولد الدفتري بدمشق وأحد أعيانها قدم والده من الروم إلى دمشق باقطاعات ومالكانات وسكن بدار بني فروخ أمراء الحج سابقاً بدمشق الكائنة بطريق المرج الأخضر بقرب حمام الناصري ونسب بسكنى الدار إلى بني فروخ وليس هو منهم فإن أمراء بني فروخ آخرهم عساف باشا تولى امرة الحج وتوفي سنة احدى وثمانين وألف وتوفي حسين والد المترجم سنة ست وأربعين ومائة وألف والمترجم رحل إلى الروم بعد وفاة والده وأقام بها مدة إلى أن قتل فتح الله أفندي الدفتري بدمشق فتطلب الدفترية وأعطيها وقدم دمشق دفترياً سنة تسع وخمسين واستقام بهذا المنصب ثلاثين سنة لم يعزل وكانت عليه مالكانات والده وكان من الأعيان المنوه بهم والمشار إليهم سخي الطبع كريم الأخلاق عفيف النفس يغلب عليه التغفل في حركاته فكانت الأموال الميرية في يد خدمة الخزينة وفي آخر أمره تطلب أن يعزل ويحاسب وأرسل بذلك الروزنامجي حسين أغا فعملت له الدولة الحساب على مراده وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف عن ولد مات بعده بقليل.
محمد الحنفي
ابن حمزة الحنفي العينتابي نزيل طرابلس العالم الفاضل المحقق البارع المحرر له من التآليف حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على كتاب الخيالي وغير ذلك من الآثار وكانت وفاته في ربيع الأول سنة احدى عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد العجلوني(4/38)
ابن خليل بن عبد الغني الجعفري الشافعي العجلوني نزيل دمشق الشيخ العالم الفقيه الزاهد الورع ولد بعجلون في قرية يقال لها عين جنة سنة ستين وألف وبها نشأ وبعد وفاة والده رحل إلى القدس واستقام بها سنتين وأخذ بها عن الشيخ محمود السالمي والشيخ محمد الشامي والشيخ محمد السروري والشيخ عبد الرحيم اللطفي ثم رحل إلى دمشق وأخذ بها عن السيد حسن المنير والشيخ علي الكاملي والشيخ أحمد الداراني والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ علاء الدين الحصكفي والشيخ يونس الكفراوي ثم بعد وفاة شيخه المنير رحل إلى مصر وأخذ بها عن الشيخ محمد العناني ومحمد الشرنبابلي وأحمد السندوبي وأحمد المرحومي ويونس القليوبي وعبد الرحمن المحلي وزين الدين البديري وأبي السعود الدمياطي وخليل اللقاني والسيد أحمد الحموي ومحمد البقري وصالح البهوتي ويحيى الشاوي وعثمان النجدي ثم عاد إلى دمشق وتوطنها وألف حاشية على الشنشوري في الفرائض وحاشية على شرح التحرير وصل فيها إلى أوائل الحج وغير ذلك وكانت وفاته يوم الأثنين رابع ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة وألف.
محمد البغدادي
ابن خليل بن عبد الله الحنفي البغدادي نزيل دمشق الشيخ اللوذعي العالم المتضلع من المعارف النحرير المفنن ولد ببغداد في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف وكان والده من أتباع الوزير حسن باشا فنشأ المترجم في طلب العلم ورحل إلى بعض البلاد القريبة في ذلك وكان في أثناء ذلك كان يتردد إلى بغداد لزيارة أبويه ولما ماتا ارتحل إلى الجزيرة وأخذ عمن بها ثم إلى ديار بكر وأخذ بها عن الشيخ محمود الأنطاكي ثم قدم دمشق سنة خمسين ومائة وألف وأقام بها وأخذ عن جملة من شيوخها كالشيخ محمد بن أحمد قولقسز والعماد إسمعيل العجلوني والجمال عبد الله البصروي والعالم علي الكزبري والعلم صالح الجنيني وعنه أخذ الفقه والشرف موسى المحاسني والشمس
محمد الغزي العامري والشهاب أحمد المنيني والشمس محمد التدمري ونبل وفضل وأذن له شيوخه بالتدريس فدرس بالمدرسة الأحمدية ووردت عليه الطلبة للأخذ عنه وأجل من أخذ عنه شيخنا الشيخ خليل الكاملي وحصل كتباً كثيرة وبعض وظائف يسيرة ورحل إلى قسطنطينية في بعض أمور قضيت له وحج وصار في آخر أمره كثير الأمراض والأعراض وكانت وفاته بدمشق في أوائل ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من قبر أوس الثقفي رحمه الله تعالى.
محمد الغزي(4/39)
ابن خليل بن رضي الدين بن سعودي ابن شيخ الاسلام النجم الغزي العامري الدمشقي الشيخ الفاضل البارع الكامل العالم العامل أبو الاخلاص ركن الدين ولد بدمشق سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ومات والده وهو صغير فنشأ يتيماً موفقاً وتلا القرآن العظيم على الشيخ محمد ذئب الحافظ وأخذ في طلب العلم فقرأ على ابن عمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي المفتي والعلم صالح بن إبراهيم الجنيني والسيد محمد بن سعد الدين العبي والشهاب أحمد بن علي المنيني والشرف موسى بن أسعد المحاسني والشهاب أحمد بن محمد قولقسز والشيخ أسعد المجلد وغيرهم ونبل وفضل وكتب الخط الحسن ونسخ به كتباً كثيرة وكان ذا سمت حسن منعزلاً عن الناس مشتغلاً بخويصة نفسه تاركاً لما لا يعنيه قانعاً باليسير طارحاً للتكلف ذا سكينة ووقار وتؤدة في أموره وله مطارحة لطيفة وحافظة قوية ظريف النكتة والنادرة كثير المحاضرة خطب في جامع التوريزية وهذه الخطابة قديمة لبني الغزي وكانت وفاته بدمشق سابع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد حاكم
ابن خليل الملقب بحاكم على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم السيد الشريف الحنفي القسطنطيني أحد أعيان الكتاب في الدولة ومشاهيرهم العارف الشاعر الأديب الكاتب المنشئ مؤرخ الدولة ولد بقسطنطينية ونشأ بها وأخذ العلوم عن الفاضل أسعد الياينوي وأخذ الخطوط عن عبدي بن إسمعيل الكاتب وأتقن أنواعها ونظم ونثر وحصل أدباً ومعارف لا تنكر وصار من رؤساء كتاب الوزير المعبر عنهم بالخلفاء وأعطى رتبة الخواجكان في الديوان العثماني وصار كاتب جند السلحدار وهو منصب مخصوص يتولاه أعيان الكتاب واختير من جانب الدولة محرراً لوقائعها ومؤرخاً لحوادثها واستخدم مدة سنين في ذلك وحرر الوقائع وأرخها وله شعر بالتركية والفارسية مقبول وكانت وفاته سنة أربع وثمانين ومائة وألف.
محمد أفندي السنطي
ابن سنطه بيك المعروف بالسنطي الدمشقي هو من أولاد الأمراء الجراكسة ولد بدمشق وبها نشأ وكان أديباً شاعراً بالألسن الثلاث وآخر من أدركه وروي عنه شعره الأديب مصطفى بيك الترزي وكان من أخصاء الأمير منجك المنجكي صاحب الديوان وكانت داره في محلة الشاغور وكان قصر بني الفارة الذي بالصالحية شمالي الحاجبية له وكان من أكابر الأعيان والأدباء وأمراء السيف والقلم وتولى المدرسة الريحانية ووجهت عن محلوله(4/40)
لفتح الله بن عبد الواحد الداديخي ومن شعره البديع قوله
على الشفة الحمرا من المسك نقطة ... كشحرور روض في شقيق على نهر
أتى لاقطاً حب اللآلي بمورد ... فصيد باشراك نصبن من الدر
وكانت وفاته بدمشق سنة أربع عشرة ومائة وألف عن نحو تسعين سنة رحمه الله تعالى.
محمد الضيائي
ابن عبد الهادي الضيائي امام جامع درويش باشا بدمشق الشيخ الفاضل الكامل مولده في حدود الثمانين وألف وتوفي في ثالث عشر جمادي الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وأرخ وفاته الأستاذ النابلسي.
محمد زين الدين الغزي
ابن زين العابدين بن زكريا ابن شيخ الاسلام البدر محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ الامام أبو الاقبال صدر الدين كان عالماً عاملاً بارعاً في سائر العلوم سليم الباطن ولد بدمشق في غرة شهر ربيع الأول سنة عشر ومائة وألف ونشأ في كنف أبيه وأعمامه السادة الأعلام مشايخ الاسلام بدمشق الشام وقرأ القرآن العظيم واشتغل بطلب العلم وقرأ على والده وتفقه على ابن عمه الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي والعلاء علي بن أحمد الكزبري وقرأ العلوم العقلية كالمنطق والرياضي والكلام على المحب محمد بن محمود الحبال والشمس محمد بن خليل البغدادي نزيل دمشق وأجاز له كل من الشمس محمد بن علي الكاملي وولده العز عبد السلام والعماد إسمعيل العجلوني ونبل قدره ودرس بجامع الأموي بكرة النهار وفي الجامع الذي تجاه الحمام بمحلة الخراب بين العشاءين ولم يزل على هذه الطريقة إلى أن توفي وكانت وفاته ليلة السبت غرة محرم افتتاح سنة احدى وثمانين ومائة وألف ودفن بحضور جمع حافل بتربة الباب الصغير بالجهة القبلية بالقرب من سيدنا بلال رحمه الله تعالى.
محمد الكفيري
ابن زين الدين عمر الملقب باسطا العالم بن عبد القادر ابن العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد الكفيري صاحب التآليف المفيدة منها شرحه علي البخاري في ست مجلدات الحنفي الدمشقي البصير الشيخ العالم العلامة الفقيه الفاضل الأديب الماهر المتقن كان متبحراً في الفنون معقولاً ومنقولاً ولد بدمشق في يوم الجمعة بعد صلاتها الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وألف وسماه والده بيحيى ثم بعد أيام قليلة سماه جده لأمه بمحمد لأمر اقتضى ذلك وأقره على ذلك ولما توفي والده كان عمره ثمان سنوات فحفظ(4/41)
القرآن وقرأ على جده لأمه الشيخ محمد بن محمد الدكاني بمكتب السنانية ثم اشتغل بعلم التجويد على الشيخ حسين بن اسكندر الرومي الحنفي نزيل كلاسة دمشق صاحب التآليف وغيره من الشيوخ لازمهم وقرأ عليهم وأخذ عنهم كالشيخ إسمعيل الحنفي الحائك وهو أجلهم والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ رمضان العطيفي والشيخ عثمان القطان والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ يحيى الشاوي المغربي والشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ علي الشبلي المكي والشيخ حسن ابن الشيخ حسن الشرنبلالي صاحب التآليف والشيخ خير الدين الرملي والشيخ محمد الدكدكجي والشيخ الأستاذ العارف زين العابدين الصديقي المصري حين قدم دمشق وغيرهم وتفوق بالعلوم وأحرز قصبات السبق وألف وحرر فمن تآليفه حاشيته على الأشباه والنظائر في الفقه الحنفي وكان شيخه الحائك قد شرع في تآليفه ولم يكملها فبعد وفاته أتمها هو وله شرح على الآجرومية في العربية سماه الدرة البهية على مقدمة الآجرومية واعراب على ألفاظها سماه الأنوار المضية في اعراب ألفاظ الآجرومية وكان قبل ذلك نظمها في أبيات تنوف على مائتي بيت وسبعين بيتاً سماها غرر النجوم في نظم ألفاظ ابن آجروم وله مقدمة في القراءة سماها بغية المستفيد في أحكام التجويد وله العرف الندي في تخميس لأمية ابن الوردي وله غير ذلك من التحريرات المفيدة والتقريرات السديدة كما هو محرر في ثبته المسمى باضاءة النور اللامع فيما اتصل من أحاديث النبي الشافع وكان مرة في مكتب السنانية وعنده الشيخ رجب الحريري الحمصي الشاعر لكونه كان كثير التردد إليه فبينما هما جالسان إذا برجل مار في الطريق خارج المكتب فلما دنا من الكفيري المترجم عرفه فقال أين الغرض فقال له في غد وانصرف من ساعته فالتفت الشيخ رجب الحريري للكفيري وقال له ما هذا الرجل قال له انني من مدة أيام أعطيته ماعوناً من الورق ليصقله لي فأخذه ولم يرده لي فأنا من ذلك اليوم كلما رأيته أطالبه به وهو يقول لي في غد آتيك به كما رأيته الآن فقال الشيخ رجب للمترجم هات القلم والدواة فأعطاه إياهما فكتب ارتجالاً هذين البيتين وهما قوله
تباً وسحقاً لصقال صحائفه ... مسودّة لم يزل للكذب ينقله
أعطيته الدست كي يصقله من ورق ... فلم يعده فليت الدست يصقله
أقول وهذا مثل جار على ألسنة العوام والدست في العربية له معان أربع وفي الفارسية اليد والدست الصحراء معرب دشت قال الأعمش
قد علمت فارس وحمير ... والأعراب بالوست أيكم نزلا
ومن الثياب والورق وصدر البيت قال ابن الكمال إنه لغة مشتركة في الفارسية كما قدمناه(4/42)
بمعنى اليد وفي العربية يجئ بمعان أربع وهي اللباس والرياسة والحيلة ودست القمار وجمعها الحريري في قوله نشدتك بالله ألست الذي أعاره الدست قلت لا والذي أجلسك في هذا الدست ما أنا بصاحب ذلك الدست بل أنت الذي تم عليه الدست انتهى والدست تستعمله العامة لقدر النحاس ولسليمان بن عبد الحق في بعض أهل الديوان وكان يلقب بالقط
ما نال قط الدست من فعله ... غير سخام الوجه والسخط
ولي عن الدست على رغمه ... وانقلب الدست على القط
ولصاحب الترجمة نظم كثير فمن ذلك قوله مضمناً
بي ظبي أنس له ليث الشري خضعا ... محجب لو رآه البدر ما طلعا
مهفهف القدّ قاني الخد شمس ضحى ... في حندس الشعر بدر نوره سطعا
حلو المراشف معسول اللمى رشأ ... أحوى لقد حاز أوصاف البها جمعا
يسطو بذابل قدّ راق منظره ... وسهم مقلته في مهجتي وقعا
قد هدّ ركن اصطباري طول جفوته ... وأكسب الجسم بعد الصحة والوجعا
خفيت سقماً عن العذال حين أتوا ... يبغون ما لم يروا فيه لهم طمعا
رقوا لما قد رأوا من حالتي وبكوا ... وأخبروا الحب عني فانثنى جزعا
فقلت والشهد في فيه الشهيّ بدا ... والورد والآس في خديه قد جمعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
وهذا البيت قد ضمنه جماعة كثيرون فمن ذلك قول الشيخ رمضان العطيفي
عذالنا مزقوا شملاً قد اجتمعا ... وشتتوه فليت الحب ما صنعا
فبان عني فبات الجمر في جسدي ... ودمع عيني على خديّ قد هما
فمذ رأوا حالتي رقوا لما نظروا ... فأخبروه فأضحى خائفاً جزعا
فقلت لكن بلا لفظ أحدثه ... والصبر فارقني والشوق قد جمعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
ومن ذلك تضمين الشيخ حسن البوريني
قد حدثوك على بعد المزار بما ... قد أودع السقم في جسمي وما صنعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
ومن ذلك تضمين الشيخ عبد اللطيف المنقاري
تباً ليوم النوى كم أثخنت يده ... قلبي جراحاً فطر في بالدما همعا
أمسيت فيه طريحاً من جفا رشا ... حو الشمائل في روض الحشا رتعا(4/43)
سارت إليه الصبا تنبيه عن خبري ... وكيف سهم النوى في مهجتي صنعا
قالت له إنه ما فيه من رمق ... مثلي عليل فأبدى اللهف والجزعا
فقلت والدمع من عينيّ منحدر ... وبدر سؤدده في الأفق قد طلعا
ومن ذلك ما ضمنه الشيخ محمد بن محمود امام جامع يلبغا بدمشق
قد حدثوا من أطار النوم وانتزعا ... بحال مضني كئيب القلب ما هجعا
فقلت إذ لم يفوا في بعض ما وصفوا ... به غرامي وما بي الشوق قد صنعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
ومن ذلك تضمين الفاضل الشيخ ابن علي الصفوري الدمشقي
إن جئت حي أميري صف له شجني ... وطول سقمي وما ألقى فإن سمعا
فأشرح له حال صب مغرم دنف ... قد قطع البعد عنه قلبه قطعا
لا يستقرّ له في منزل جسد ... وطرفه بعده والله ما هجعا
وأذكر له أن حبي زاد فيه وهل ... يخشى تغير ما في الطبع قد طبعا
وأنشده عهداً مضى بالأبرقين لنا ... والبدر شاهدنا لما إليه سعى
عساه تعطفه تلك العهود وكم ... خل إلى العهد والميثاق قد رجعا
وأسرع بلطف وقل مستعطفاً ملكاً ... بيتاً إلى ذكره حال المشوق دعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
وقد ضمنه أيضاً المولى حسين بن محمد القاري الدمشقي فقال
بالله سل طرفي السهران هل هجعا ... وما به العشق والتبريح قد صنعا
قد حدث الناس عن مضنى الهوى دنف ... وما أصابوا ولكن شنعوا شنعا
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
وللمترجم مخمساً بيتي الأمير منجك المنجكي بقوله
يا من بمحتده ارتقى ... مؤملاً عدم الشقا
قد غره طول البقا ... عمر فؤادك بالتقى
واحذر بأنك تلتهى
لأتركننّ لجاحد ... نعم الآله معاند
وألزم طريقة هاجد ... وأعمل لوجه واحد
يكفيك كل الأوجه
وكنت في الروم شطرت هذين البيتين المذكورين فقلت(4/44)
عمر فؤادك بالتقى ... وعن الخطا كن منتهى
واعبد الهك دائماً ... واحذر بأنك تلتهى
واعمل لوجه واحد ... وارغب به بتوله
فرضاً الآله وعفوه ... يكفيك كل الأوجه
ثم رأيت في أحد المجاميع تشطيرهما للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق وهو قوله
عمر فؤادك بالتقى ... فلك السعادة تنتهى
وعن الدنا كن معرضاً ... واحذر بأنك تلتهى
واعمل لوجه واحد ... مع صدق حسن توجه
وبحكمه كن راضياً ... يكفيك كل الأوجه
وللمترجم مشطراً
ما تم إلا ما يري ... د فمن تعني ما ربح
إن رمت بنا الارتيا ... ح فدع همومك واطرح
واترك وساوسك التي ... منها صميمك قد جرح
ودع الشواغل عنك إن ... شغلت فؤادك تسترح
وقد ضمن البيتين المذكورين العلامة المولى محمد بن حسن الكواكبي مفتي حلب الشهباء بقوله
حتام في ليل الهمو ... م زناد فكرك ينقدح
قلب تحرّق بالآسى ... ودموع عين تنسفح
ارفق بنفسك واعتصم ... بحمى المهيمن تنشرح
واضرع له إن ضاق عن ... ك خناق حالك تنفسح
ما أمّ ساحة جوده ... ذو محنة إلا منح
أو جاءه ذو المعضلا ... ت بمغلق الا فتح
فدع السوي وانهج على ... النهج القويّ المتضح
واسمع مقالة ناصح ... إن كنت ممن ينتصح
ما تمّ إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح
واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح
وضمنهما أيضاً المولى السيد عبد الله الحجازي الحلبي بقوله
يا أيهذا المصطلح ... قل لي بماذا تصطلح(4/45)
أفسدت عيشك بالعنا ... وزعمت انك تنشرح
وأضات حتى كدت في ... نار الغواية تلتفح
حتام تهنأ بالذي ... تكفي وأنت به الملح
وإلام تركن للحيا ... ة ومن وراها تجترح
أو ما ترى الدنيا ويج ... معها الشتيت المنكسح
والله ما افتخر العز ... يز بعزها إلا طرح
كلا ولا مرح الجوا ... د برحبها إلا كسح
فأقنع بمجناها القلي ... ل ولا تمار فتفتضح
واجعل مؤنتك التقي ... فهو الطريق المتضح
وإذا الهموم تزاوجت ... فالصبر أنتج ما لقح
لا تيأسن من أن تدا ... ويك الأمور وتنشرح
فلربما سرّ الحزي ... ن وربما غمّ الفرح
والله أكرم من ير ... جى في المهم المفتضح
فكل الأمور للطفه ... وإلزم حماه المنفسح
واعمل بنصح مسدد ... من في تجارته ربح
ما تم إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح
واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح
وضمنهما الأديب حسن المحملي الحلبي فقال
أتعبت قلبك فاسترح ... فعليل وهمك لا يصح
فابسط لفكرك واتقي ... فمضيق قلبك ينفسح
واقرع إلى باب الآل ... هـ بذل نفس ينفتح
ما أمه ذو حاجة ... من جوده إلا منح
أو قد دعاه بشدة ... من علة إلا صلح
فهو المبعد من يشا ... وهو المقرب من نزح
فأجلى إلى غسق الهمو ... م بنور عقل قد وضح
وابرئ فؤادك من أذى ... بمدى التفكر قد جرح
واسمع مقالة عارف ... هو ناصح من ينتصح
ما تم إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح
واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح(4/46)
وللمترجم قوله
ثلاث من تكن ياخل فيه ... فمغرور وأجدر بالملام
فأولها اليقين بكون أمر ... وليس له وجود في الأنام
وثانيها المطامع في مراد ... إليه وصوله صعب المرام
وثالثها الركون إلى جليس ... بلا عهد يراه ولا ذمام
فحد عنها لكي ترقى مقاماً ... وتحظى بالتحية والسلام
عقد في الأبيات قول بعضهم ثلاث من تكن فيه كان مغروراً من صدق بما لا يكون وطمع فيما لا يناله وركن إلى من لا يثق به وله أيضاً
من كان فيه ثلاث حاز مرتبة ... أعني حلاوة ايمان فلم يضم
حلم يردّ به جهل الذين خلوا ... من سالف العصر عن علم وعن حكم
ومن له ورع قد صار مانعه ... عن المحارم فاحذر زلة القدم
ومن له خلق قد زانه حسن ... أضحى يداري به الانسان فافتهم
فاجمع خصا لا غدت للمجد جامعة ... من نالها يحظ بالاجلال والنعم
عقد في الأبيات أيضاً قول الآخر من كان فيه ثلاث وجد حلاوة الايمان علم يرد به جهل الجهال وورع يمنع به عن المحارم وخلق حسن يداري به الناس وله مشطراً
ولدتك أمك باكياً مستصرخاً ... رغماً عليك على القضاء صبورا
لم تدر ما الدنيا ولا نكباتها ... والناس حولك ضاحكون سرورا
فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا ... راجين من كرم الآله أجورا
فعسى ترى إن هم بكوا وتحلقوا ... من حول قبرك ضاحكاً مسرورا
وله مشطراً
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ... رجاء بأن تمحي ذنوبي العظائم
فاعفو عن الجاني عليّ بظلمه ... وإن كثرت منه عليّ جرائم
وما الناس إلا واحد من ثلاثة ... بذا قد قضى بين البرية حاكم
مراتبها أعلى وأدنى ومشبه ... شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... هو الماجد الحبر الذي لا يقاصم
فأقفوه في أقواله واجتهاده ... وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا ... أقابله بالأغضا لأني مسلم
وإن رام إكراماً وأبدي اعتذاره ... تفضلت إن الفضل بالخير لازم
وله مشطراً(4/47)
المرء محتاج إلى خمسة ... يرقى بها في الناس أوج الكمال
فجدّ في تحصيلها إنه ... ما حازها إلا فحول الرجال
الصبر والصمت وترك الآسى ... أكرم بها في حسنها من خصال
فهي ثلاث شبه در غدت ... وعفة النفس وصدق المقال
وله غير ذلك وكانت وفاته في سابع جمادي الثانية سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير قرب أويس رضي الله عنه ورحمه الله تعالى.
محمد رحمة الله الأيوبي
ابن رحمة الله بن عبد المحسن بن يوسف جمال الدين بن أحمد بن محمد المتصل النسب بأبي أيوب خالد الأنصاري الشهير بالأيوبي الحنفي الدمشقي الشيخ الامام الفقيه النحرير الأديب المفنن العالم العامل الناظم الناثر ولي الدين ولد بدمشق سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها منهم والده وقريبه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ إسمعيل الحائك المفتي والشيخ إسمعيل بن عبد الباقي اليازجي وعنهما أخذ الفقه والشيخ أبو المواهب محمد الحنبلي والشيخ محمد بن علي الكاملي وغيرهم وبرع وفضل واشتهر بالفضل والذكاء ونظم ونثر ودرس وأفاد وارتحل للديار الرومية قسطنطينية مراراً وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي ودرس بمدرسة البيانية بمحلة طالع القبة وله شعر لطيف منه قوله مخمساً
امام الرسل مدحك لي يروق ... وجاه علا جنابك لا يضيق
لأنت المقصد الأسنى حقيق ... نعم لولاك ما ذكر العقيق
ولأجابت له الفلوات نوق
لكم أوضحت من سر مصون ... وصنت من المهالك أي صون
لئن أسعفت من دهري بعون ... نعم أسعى إليك على جفوني
تدانى الحيّ أم بعد الطريق
بلغت مكارماً كانت مزايا ... بها كل الأنام غدت لجايا
إليك من النوى أبدي شكايا ... إذا كانت نحن لك المطايا
فماذا يفعل الصب المشوق
وقوله مخمساً
يا مجتبي بدء وأشرف خاتم ... يا من بعثت متمماً لمكارم
يا من أتانا بالهدى من راحم ... يا مصطفى من قبل نشأة آدم
والكون لم تفتح له أغلاق(4/48)
أعذر قصور اللفظ عنك تكرماً ... يا أشرف الثقلين بل يا أعظما
من رام أن يحصى ثناءك أفحما ... أيروم مخلوق ثناءك بعدما
أثنى على أخلاقك الخلاق
وقوله في فوارة
فوّارة تشبه في جريها ... أملودة من فضلة خالصة
تستوقف الأبصار في حسنها ... كأنها جارية راقصة
وله في عريش على الأغصان قوله
كأنما الكرمة إذ أرسلت ... من فوق غصن مائل غض
ذوائب الحسناء قد أسبلت ... على قوام ناعم فضي
وقوله
قالوا هجرت الشام وهي شريفة ... فيها المنى والأمن والبركات
فأجبت حقاً ما تقولوا جنة ... حفت بمكروه بها الحسرات
وقوله
قالوا دمشق حوت كل المنى وزهت ... على البلاد بها من كل مرغوب
فقلت لكن بها قلّ الوفاء فلا ... يرى بها ذو وفاء غير مغلوب
وقوله في الزنبق
انظر إلى زنبق الرياض بدا ... وعرفه أنعش الورى طربا
بساعد من زبرجد نضر ... وكفه فضة حوى ذهبا
وقوله فيه
وزنبق الربيع قدزان الربا وعطراويده البيضاء قد
حوت نضاراً أصفراًممتدّة في روضهاتنفث مسكاً أذفرا
كأنها تومي لأن ... يأخذ منها من يرى
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وبالجملة فقد كان من أفراد العالم علماً وعملاً وذكاء وكانت وفاته شهيداً بقسطنطينية سابع شعبان سنة خمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الحفني
ابن سالم بن أحمد الشافعي المصري الشهير بالحفني الشيخ العالم المحقق المدقق العارف بالله تعالى قطب وقته أبو المكارم نجم الدين ولد بحفنة قرية من قرى مصر قريب بلبيس سنة(4/49)
احدى ومائة وألف ودخل الأزهر واشتغل بالعلم على من به من الفضلاء كمحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي والشمس محمد بن إبراهيم الزيادي الملقب بعبد العزيز وعلي بن مصطفى السيواسي الحنفي الضرير والجمال عبد الله الشبراوي والشهابين أحمد الملوي وأحمد الجوهري والسيد محمد بن محمد البليدي والشمس محمد بن محمد البديري الدمياطي وأخذ الطريقة الخلوتية عن القطب مصطفى بن كمال الدين البكري وتربى على يديه وألف التآليف النافعة منها حاشية على شرح الهمزية لأبن حجر وحاشية على شرح رسالة الوضع وحاشية على حاشية الحفيد على المختصر وحاشية على شرح الرحبية للشنشوري وغالب حواشي أخيه الجمال يوسف مأخوذة منه وكان يدرس أولاً بالسنانية وبالوراقين ثم في الطبرسية داخل باب الجامع ثم لما توفي الجمال عبد الله الشبراوي نقل التدريس إلى محله داخل الجامع وكان يحصر درسه أكثر من خمسمائة طالب حسن التقرير ذا فصاحة وبيان شهماً مهاباً محققاً مدققاً يهرع إليه الناس جميعاً واشتهرت طريقة الخلوتية عنه في مشرق الأرض ومغربها في حياته وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة احدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد المواهبي
ابن صالح بن رجب المعروف بالمواهبي الحنفي الحلبي القادري الخلوتي الشيخ الامام العالم الفاضل الصوفي المفضال المسلك الكامل كان متبحراً في فنون العلوم من منطوق ومفهوم مشتغلاً بنشرها وتعليمها وخدمة الحديث والقيام بمصالح الطريق وحل رموزها ولد بحلب في ليلة الأربعاء بعد صلاة المغرب الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة ست ومائة وألف وكان والده الشيخ العارف معتكفاً مع شيخه العالم الرباني الشيخ قاسم الخاني في الخلوة الأربعينية بالمدرسة الحلاوية فأخبر شيخه بمجئ ولده المترجم فسماه الشيخ محمد هداية الله فحصلت الهداية له فنشأ المترجم مكباً على طلب العلم وتفقه على والده وأخذ عنه الطريق وسلك على يديه وأخذ العلم قراءة ومشافهة واجازة على كثيرين منهم الشيخ سليمان النحوي أخذ عنه وعن الشيخ عبد الرحمن العارف النحوي وقرأ المعاني والبيان ومنظومة الأصول على المولى أبي السعود الكواكبي وقرأ المنطق والعروض والحساب والفرائض على الشيخ السيد علي الباني وقرأ كثيراً من العلوم على الشيخ حسن السرميني وأخذ الحديث عن كثير من العلماء كالشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ الياس الكردي والشيخ محمد حياة السندي نزيل المدينة المنورة ثم لما جاء ابن الطبيب إلى حلب وكان اجتمع به في المدينة لما كان حاجاً المترجم سمع منه الحديث المسلسل بالأولية ثم قرأ عليه البخاري في حلب بطرفيه وأجازه وجلس على سجادة المشيخة بعد وفاة والده في سنة اثنتين(4/50)
وخمسين ومائة وألف وأخذ عنه الطريق خلق كثيرون وكان عالماً فاضلاً مواظباً على الافادة والاقراء وكانت وفاته يوم الأربعاء منتصف شوال سنة سبع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الروزنامجي
ابن طاهر بن أحمد المعروف بالروزنامجي الدمشقي الأديب كان شاعراً كاتباً بارعاً نبيهاً فائقاً لطيفاً منهمكاً في النشاط ولد بدمشق وبها نشأ وأخذ الخط عن الكاتب جعفر المعروف بشكري الدمشقي وتتلمذ له وتعلق بنظم الشعر وأعطاه الله الفهم والذكاء والحذق ويحكى إنه كان عشق غلاماً يسمى مراداً من أهالي الشام وصرف عليه مبلغاً كثيراً من الدراهم وكان مهما جاءه يصرفه عليه وله فيه الشعر الرائق منه قوله
لا كان يوم مراد ... ساق العذاب إلينا
وكم به من عناء ... وشدة قد رأينا
أهان منا نفوسنا ... كانت تعز علينا
ومنه قوله
بأبي أغيد أذاب فؤادي ... ليلة زارني بلا ميعاد
بات يسقى ويشرب الراح حتى ... ميل السكر رأسه للوساد
عندها فزت بالمرام ونلت ال ... وصل منه على أتم مراد
وقوله أيضاً وكان أحد بني الغزي الدمشقيين شغفه ما شغفه بمراد فكتب هذين البيتين وأجاد في التورية
ولما أتى اللوّام يبغوا نصيحتي ... وقالوا كفى ذلاً فبادر إلى العز
وخذ بدلاً عن ذا المراد بغيره ... فقلت لهم إنا تركناه للغزي
وله أيضاً
خذ صحيح العشق عن دنف ... لأحاديث الهوى درسا
طاهر في الحب شيمته ... في الهوى لا يعرف الدنسا
لعبت أيدي الظباء به ... فغدت أركانه درسا
كل ظبي يزدهي عجباً ... وقضيب ينثني ميسا
صاد قلبي منهم رشأ ... حبه في مهجتي غرسا
لا أرى من بعده قمراً ... لفؤادي والحشا أنسا
ياله بدراً بطلعته ... أشرق الديجور والغلسا
كم عذول فيه عنفني ... مضرماً من عذله قبسا(4/51)
عن مراد لا أرى عوضاً ... وفؤادي منه ما يئسا
رشأ قد زانه حور ... لحظه أسد الشرى افترسا
وجهه قد جلّ عن كلف ... فتراه قط ما عبسا
ثغره يفترّ عن برد ... من لماه يجتنى لعسا
وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
السيد محمد القدسي
ابن السيد عبد الرحيم المقدسي الجهبذ الهمام أفقه الحنفية الامام ابن لامام أخذ العلم عن والده علامة الأنام وغيره من أساتذة الأعلام وكان أبوه شامخ الهمم راسخ القدم غزير العلوم عزيز الفهوم صاحب تحرير وتقرير رحل لمصر فبرع فيها حتى شهد له أهل العصر فرجع وتصدر بأمر الدولة لأفتاء الحنفية بالبلدة المباركة القدسية وكان أعجوبة الدهر وأحدوثة العصر في المتانة في العلوم النقلية وإليه المنتهى في المدارك العقلية فتأواه محكمة محررة ومزاياه معلومة مقررة توجه للروم وانتقل بها إلى رحمة الحي القيوم وبعد مدة جاء الأمر من الدولة الخاقانية بالأذن بالافتاء لصاحب الترجمة العرفانية فقام فيها قيام أولي العزم والثبات وأنبته الله أحسن الثبات مؤدياً للأمانة رافلاً في حلل النباهة والفطانة ناصراً للمنهج النعماني رادعاً بصولته لحكام العرف بالسيف البرهاني يشد النكير عليهم ولا يبالي ناشراً لجواهر العلوم الغوالي وله الفتاوي الحسنة المسماة بالمحمدية عباراتها عذبة مرضية وهو من بيت شامخ العماد راسخ الأوتاد لهم مدة سنين يرثون العلوم ويورثونها للآباء والبنين شهرتهم ببيت أبي اللطف أصحاب المجد والعطف ولأسلافه تآليف تزري بقلائد النحور بل تفوق سوالف أبكار الحور وما زال في منهجه المبرور وسعيه المشكور إلى أن شرب كأس هاذم اللذات وأيتم البنين والبنات فرمى القلم والقرطاس وفاضت نفسه حين شرب من ذلك الكأس وسكن اللحود مع الجدود وصار حديث أمس رهين الرمس ببلدته القدسية بتربة باب الرحمة الأنسية.
محمد التاجي
ابن عبد الرحمن بن تاج الدين المعروف بالتاجي وتقدم ذكر والده الحنفي البعلي صاحب الفتاوي المعروفة بالتاجية خاتمة العلماء الأعلام وعمدة المحققين العظام كان عالماً محققاً فقيهاً نحريراً فاضلاً فريد وقته في العلوم معقولها ومنقولها ولد في سنة اثنتين وسبعين(4/52)
وألف وأخذ في ابتداء شبابه على والده وعلى الشيخ إبراهيم الفتال لازمه كثيراً وقرأ عليه وحضره في التفسير وكان يرجحه على أقرانه شديد الاعتناء والحرص على افادته وقرأ واستجاز من الشيخ إسمعيل الحائك المفتي وقرأ على الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وأجازه وقرأ على الشيخ عبد القادر العمري ابن عبد الهادي وعلى الشيخ يس الفرضي البقاعي في الفرائض وعلى الشيخ عبد القادر التغلبي كذلك في الفرائض وعلى الشيخ أبي السعود القباقبي والشيخ محمد علاء الدين الحصكفي قرأ عليه الفقه والتفسير وحضره في البخاري لما قدم بعلبك وأعاد له والد المترجم ومن مشايخه الشيخ عبد الكريم والشيخ عبد الرحيم الكابلي والشيخ الياس الكردي وقرأ على الجد الكبير الأستاذ السيد مراد البخاري ولما قدم بعلبك الجد المذكور أوصاه بوصايا سنية ولما ركب قال يا أهل بعلبك والله ليس في الديار العربية أفضل من مفتيكم فشدوا عليه الأيدي وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الكاملي والشيخ عبد الكريم الغزي والشيخ محمد الباسطي مفتي الحنابلة ببعلبك والشيخ عبد الله البهائي مفتي الشافعية بها وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الكردي نزيل المدينة صاحب الاشاعة وغيرها وكذلك الأستاذ الأعظم الشيخ إبراهيم الكوراني نزيلها أيضاً وقرأ على الشيخ أبي المواهب الحنبلي الدمشقي شرح الشاطبية وجمع عليه من طريق السبعة وشرح كشف الغوامض وحضر دروسه في الفقه والتفسير والحديث والأصول وأجازه ولما حج أخذ عن الشيخ أحمد النخلي المكي وأجازه تجاه الكعبة وعن الشيخ سعد الله اللاهوري الهندي والشيخ محمد الرصاصي شارح السنوسية والشيخ عبد الله البوسنوي نزيلها أيضاً وأجازه الامام الكبير الأستاذ الشيخ زين العابدين الصديقي المصري وأخذ عن الشيخ صالح المطري امام جامع قباء وغيرهم من الجهابذة ثم جلس للتدريس في جامع بني أمية وحضره جمع من الأفاضل وطلب كتابة الفتوى عند المولى شهاب الدين العمادي المفتي فتولاها ثم تركها وتوجه إلى بعلبك وصار مفتياً بها ملازماً للدروس ترد عليه الفتاوي والأسئلة من كل جانب وألف الفتاوي التاجية وأعطاه والده في حياته ثلثي ماله ولأخيه الثلث وكان من نيته التوجه إلى طرابلس الشام مهاجراً من بلده وأصبح قاصداً التوجه إلى صلاة وجلس هو وأولاده يقرأ عليهم شيئاً من البخاري فما شعر إلا والباب قد فتح قليلاً فخرجت بندقية أصابت رصاصتها فؤاده فقال يا لطيف وكان آخر كلامه ذلك ومن اتهم بقتله مزقتهم يد القدرة ولم يعلم قاتله وكان ذلك في سنة أربع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الغزي
ابن عبد الرحمن بن زين العابدين الغزي الشافعي الدمشقي مفتي الشافعية بدمشق وأوحد(4/53)
من ازدهت بفضائله وتعطرت أكنافها بعرف علومه وفواضله وقد تقدم والده وجملة من أقاربه وكان عالماً فاضلاً محدثاً نحريراً متمكناً متضلعاً غواص بحر التدقيق ومستخرج فنونه أديباً بارعاً المعيا صالحاً فالحاً له الفضل التام مع الذكاء الذي يشق غلالة الدجنة والحافظة التي لم يطرق خباءها سهو واللطف الذي لو مشى به على طرف ما انطرف والمحاضرة الآخذة بمجامع الرقة من كل طرف وكان عجباً في علم التاريخ والأنساب وإيراد المسائل والفوائد العلمية والأدبية ولد بدمشق في ليلة الجمعة بعد أذان عشائها ليلة الثامن عشر من شعبان سنة ست وتسعين وألف ونشأ في كنف والده وماتت والدته وسنه دون السبع ومن الله عليه في صغره بسرعة الفهم وملازمة الصلوات فقرأ القرآن تعليماً على الشيخ محمد بن إبراهيم الحافظ وبعد أن ختم عليه القرآن تعليماً أقرأه الجزرية ومقدمة الميداني ومقدمة الطيبي في علم التجويد ثم تعلم الخط واشتغل بطلب العلم على والده وعلى غيره من الأساتذة كالشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ خليل الدسوقي حضره قراءة في شرح المنهاج وشرح التحرير لشيخ الاسلام وغير ذلك وقرأ قليلاً من الفقه على قريبه الشيخ السيد نور الدين الدسوقي وكذلك الشيخ عثمان بن حموده ثم شرع في القراءة على الشيخ أبي المواهب الحنبلي ولزم دروسه وقرأ عليه شرح الجزرية لشيخ الاسلام زكريا ولأبن الناظم ثم القواعد البقرية ثم الشاطبية ثم شرح النخبة لأبن حجر ثم شرح الألفية في المصطلح للقاضي زكريا وسمع عليه في كثير من كتب الحديث منها غالب صحيح البخاري وأطراف مسلم والسنن الأربعة وموطأ مالك والمشارق للصغاني والمصابيح للبغوي وشرح الألفية لناظمها الحافظ العراقي وأجازه وأذن له بالتدريس والافتاء ومن مشايخه عثمان بن محمد الشمعة قرأ عليه في النحو والأصول والفقه والمعاني والبيان وغير ذلك كتباً عديدة سماعاً وقراءة وكذلك الشيخ عبد الجليل بن أبي المواهب المذكور ومنهم الشيخ الياس الكردي قرأ عليه شرح التلخيص المختصر وشرح العقائد للسعد وسمع عليه كتباً كثيرة من كتب العلم منها شرح جمع الجوامع وشرح ايساغوجي في المنطق للحسام وقرأ على الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق شرح العقائد للسعد ولم يتمه وحضر دروس الشيخ محمد بن محمد البديري الدمياطي المعروف بابن الميت لما قدم إلى دمشق ودرس في صحن الجامع الأموي في الأربعين النووية وبعد ارتحاله لبلده دمياط استجاز منه المترجم فأجازه اجازة مطولة وحضر دروس الشيخ محمد بن محمد الخليلي لما قدم إلى دمشق وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية وسمع كذلك الحديث المذكور من الشيخ أبي طاهر ابن الأستاذ العالم الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة لما حج في سنة أربع وأربعين وحضر دروس الشيخ محمد مفتي المالكية بدمشق في الجامع الأموي وقرأ عليه جانباً من شرح(4/54)
القطر للفاكهي ولزم دروس الشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق وقرأ عليه شرح الرحبية للشنشوري وشرح كشف الغوامض وسمع عليه شرح الترتيب بتمامه وكتب عليه الحساب وأجازه وحضر دروس المولى محمد بن إبراهيم العمادي مفتي الحنفية بدمشق في المدرسة السليمانية وحضر دروس عمه الشيخ عبد الكريم الغزي مفتي الشافعية بدمشق في المدرسة الشامية البرانية في شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا وأجاز له لفظاً مراراً عديدة وصحب الشيخ السيد تقي الدين الحصني وسمع من فوائده وانتفع بتربيته وحضر دروس السيد الشريف المولى إبراهيم بن محمد بن حمزة الحسيني نقيب الأشراف بدمشق في داره في صحيح البخاري وأجاز له وأجاز له الشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي من مكة وفي سنة احدى وعشرين صاهر الأستاذ الرباني الشيخ عبد الغني النابلسي وسكن عنده في داره بالصالحية وشرع في القراءة عليه فقرأ عليه مغنى اللبيب بطرفيه مع مطالعة حاشيته للشمني وقرأ عليه جانباً كبيراً من شرحه على الفصوص وشرح رسالة الشيخ أرسلان له وشرحه على التحفة المرسلة ثم قرأ عليه الفتوحات المكية للشيخ العارف سيدي محيي الدين بن العربي قدس سره العزيز بطرفيها ثم قرأها عليه مرة ثانية بطرفيها وقرأ عليه الجامع الصغير للسيوطي مع مطالعة شرحه الكبير للمناوي وقرأ عليه روض
الرياحين لليافعي وقرأ عليه السيرة النبوية للشيخ الحلبي وسمع عليه شرحه على الديوان الفارضي بقراءة الشيخ الفاضل الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وسمع من لفظه صحيح البخاري بتمامه في الأشهر الثلاثة واجتمع بجدي العارف الشيخ مراد البخاري وزاره مرات وتبرك به وسمع من فوائده ومهر في العلوم وتفوق بها وجلس لاشتغال الطلبة بالعلوم والتدريس في المدرسة العمرية بصالحية دمشق من ابتداء سنة اثنين وعشرين ومائة وكان في أيام الشتاء يتحول إلى داره في دمشق ويجلس في الجامع الأموي ولما تولى تدريس المدرسة الشامية البرانية مع الافتاء على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه في أواخر شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف شرع في إلقاء الدروس بها في المنهاج ولما تولى تدريس الحديث في الجامع الأموي تجاه ضريح سيدنا يحيى عليه السلام شرع في قراءة صحيح البخاري من أوله وألف تاريخاً سماه ديوان الاسلام يجمع العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم وكان رحمه الله تعالى ماهراً وعمدة في التاريخ والأدب وحفظ الأنساب والأصول وتراجم الأسلاف وبالجملة فقد كان فرد الزمان وله شعر باهر وفضل ظاهر فمن شعره قولهن لليافعي وقرأ عليه السيرة النبوية للشيخ الحلبي وسمع عليه شرحه على الديوان الفارضي بقراءة الشيخ الفاضل الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وسمع من لفظه صحيح البخاري بتمامه في الأشهر الثلاثة واجتمع بجدي العارف الشيخ مراد البخاري وزاره مرات وتبرك به وسمع من فوائده ومهر في العلوم وتفوق بها وجلس لاشتغال الطلبة بالعلوم والتدريس في المدرسة العمرية بصالحية دمشق من ابتداء سنة اثنين وعشرين ومائة وكان في أيام الشتاء يتحول إلى داره في دمشق ويجلس في الجامع الأموي ولما تولى تدريس المدرسة الشامية البرانية مع الافتاء على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه في أواخر شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف شرع في إلقاء الدروس بها في المنهاج ولما تولى تدريس الحديث في الجامع الأموي تجاه ضريح سيدنا يحيى عليه السلام شرع في قراءة صحيح البخاري من أوله وألف تاريخاً سماه ديوان الاسلام يجمع العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم وكان رحمه الله تعالى ماهراً وعمدة في التاريخ والأدب وحفظ الأنساب والأصول وتراجم الأسلاف وبالجملة فقد كان فرد الزمان وله شعر باهر وفضل ظاهر فمن شعره قوله
سقياً لآدم الصبا المعهود ... ما بين رامة والنقا فزرود
ومراتع الآرام من سفح اللوى ... ترعى ظلال زلاله المورود(4/55)
ولبان وادي المنحني وأراكه ... وتنعمي في ظله الممدود
أيام عيشي في النضارة مشبه ... خضر العوارض في بياض خدود
أيام لا أنفك طالب رشفه ... من مبسم أو قبلة من جيد
أيام أجنى الوصل من غصن المنى ... وأرى جني الآمال غير بعيد
ما ينقضي ليل يضئ سناءه ... إلا ويعقبه كيوم العيد
والوقت صاف والعيون قريرة ... والسمع خلو من ملام حسود
والحب واف والعذول مساعد ... مغض عن التقريع والتفنيد
كم جاءني فيها المفدّى زائراً ... عفواً كغصن البانة الأملود
متورّد الخدين من خفر الحيا ... متبسماً عن لؤلؤ منضود
ومنها
آهاً على ذاك الزمان وطيبه ... وهنيّ عيش مرّفيه رغيد
ولبست من صافي الصبابة حلة ... زانت مطارف طارفي وتليدي
لا ناظري يهفو لطلعة أهيف ... والسمع لا يصغي لنغمة عود
والطرف ملآن الجفون من الكري ... خال من التعذيب والتسهيد
وشرعت في تبييض غرّ صحائفي ... من بعد ذاك الشين بالتسويد
وقوله رحمه الله تعالى
البدر من لمحانه ... والمسك من نفحاته
والندّ من أخلاقه ... والورد من وجناته
والشمس من أزراره ... والسحر من لحظاته
والدرّ من ألفاظه ... والشهد من رشفاته
وإذا مشى سرقت ظبا ... ء البان من لفتاته
يا مالكي رفقاً بمن ... أضنيت قبل مماته
ذو خنجر ألحاظه ... أغنته عن طعناته
أوّاه واتلفي إذا ... شاهدت حسن صفاته
وحياته ما حلت عن ... حبيه لا وحياته
النار من زفراته ... والقطر من عبراته
فاعطف على صب كئي ... ب ذاب من حسراته
وتعلمت ورق الحما ... م السجع من أناته
يكفيه ما يلقاه من ... عذاله ووشاته(4/56)
من لي به لدن القوا ... م يميل من نشواته
قمر إذا حققت في ... هـ من جميع جهاته
كم مرّ بي فرأيت شخ ... ص الحسن في مرآته
وإذا ترنم منشداً ... يصبيك في نغماته
وإذا أشار محدّثاً ... شاهدت قطر نباته
وله مضمناً
إذا نصحت قليل العقل نلت بذا ... عداوة منه لا تخفي مساويها
فالحمق داء قبيح لا دواء له ... قد قال فيه من الأشعار راويها
لكل داء دواء يستطبّ به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
وله رحمه الله تعالى
ضيعت نقد شبابي لم أنل أربا ... من لذة العيش والآمال تنعكس
ثم انحنى غصن قدّي بعد ضيعته ... حتى كأني له في الترب ألتمس
هو من قول بعضهم
وكنت لدى الصبا غصناً وقدّي ... حكى ألف ابن مقلة في الكتاب
فصرت الآن منحنياً كأني ... أفتش في التراب على شبابي
وقد ألم بقول أبي علي الكاتب
تقوّس بعد طول العمر ظهري ... وداستني الليالي أيّ دوس
فأمشي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وتر لقوسي
ولصاحب الترجمة
مستهام عن حبه لا يحول ... فيك أخفاه سقمه والنحول
وغرام سعيره يتلظى ... بين أحناء صدره وغليل
رق لي حاسدي وصار شفيعي ... عندك الكاشح النصح العذول
وصحابي قد أنكر وأفرط ما بي ... من سقام عليه وجدي دليل
وأتوا بالطبيب فارتاع لما ... لم يجدني وقال أين العليل
ما هداه إليّ إلا أنيني ... في بحار من الدموع تسيل
قلت دعني فالحب لم يبق مني ... غير معنى في فكر صحبي يجول
قوله ما هداه الخ من قول المتنبي
كفى بجسمي نحولاً إنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
وفي النحول مبالغات كثيرة من ذلك قول المتنبي المذكور(4/57)
ولو قلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من كف كاتب
وقول أبي بكر الخالدي
مهدّد خانه التفريق في أمله ... أضناه سيده ظلماً بمرتحله
فرق حتى لو أن الدهر قاد له ... حيناً لما أبصرته مقلتا أجله
وقول ابن العميد
لو أن ما أبقيت من جسمي قذى ... في العين لم يمنع من الأغفاء
وقول الواسطي
قد كان لي فيما مضى خاتم ... واليوم لو شئت تمنطقت به
وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه
وقول أبي بكر العمري
كدت أخفي من ضنى جسدي ... عن عيون الجن والبشر
وقول بعضهم من أبيات
ولو أنني علقت في رجل نملة ... لسارت ولم تدري بأني تعلقت
ولو نمت في عين البعوض معارضاً ... لما علمت في أيّ زاوية بت
وللمترجم غير ذلك من الشعر الحسن وآخراً استولت عليه الأمراض والعلل وكانت وفاته قبيل الغروب يوم الخميس سابع عشر محرم افتتاح سنة سبع وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن أبي اللطف
ابن عبد الرحيم بن أبي اللطف بن إسحق الحنفي القدسي الجهبذ الهمام العالم الفاضل كان من مشاهير العلماء كوالده المقدم ذكره وله النظم البديع وكان أفقه الحنفية بوقته وتولى افتاء القدس وقام به حق القيام رادعاً للحكام ولا يبالي وله الفتاوي الحسنة المحمدية وكان له حدة في طبعه وبالجملة فقد كان من الأفراد ولم أتحقق وفاته في أي سنة ولكن أخبرت إنه دفن بتربة باب الرحمة بالقدس رحمه الله تعالى.
محمد الأسكداري
ابن عبد الله بن السيد أسعد أفندي الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة المنورة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على مير ملا شيخ الأزبكي والشيخ إبراهيم بن فيض الله السندي والسيد محمد مولاي المغربي وعلى غيرهم وتولى الافتاء في المدينة المنورة وناب في القضاء أيضاً وكان فاضلاً لطيفاً حسن السيرة سالم(4/58)
السريرة محمود الحركات والسكنات لم تعهد له زلة في فتواه ولا كبوة ذو وجاهة كاملة ورياسة شاملة ولم يزل على أكمل طريقة إلى أن درج في مدارج الرضوان وكانت وفاته بالمدينة في سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الريس
ابن عبد الله بن سليمان بن أحمد الشهير بالريس الحنفي الغزي الطبيب الحاذق الشهير العارف الماهر أحد المتفردين في تلك الديار في علم الطب والحكمة والفلك والهيئة وغير ذلك ولد بغزة هاشم وبها ننشأ وأخذ عن والده الطب والحكمة وتخرج عليه بذلك وبرع في الفنون وعالج الناس واشتهر بالطب والحذاقة في ذلك وأخذ بعضاً من العلوم الغريبة والفنون من الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الطنطاوي وارتحل إلى مصر ودمشق وفاق وعلا صيته وله تآليف في الطب وعرب غاية البيان التي باللغة التركية وعلى كل حال فقد كان من ظرفاء وقته وكانت وفاته في سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالقدس رحمه الله تعالى.
محمد الخليفتي
ابن عبد الله الخليفتي العباسي المدني الحنفي الخطيب الفاضل والأديب الكامل ذو الفهم الثاقب والرأي الصائب تبحر في العلوم وكرع من حياض منطوقها والمفهوم فأخذ عن البرهان إبراهيم الكوراني وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وغيرهما وله شعر لطيف ومن شعره ما ذكره الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية وهي قصيدة رثى بها شيخه ملا إبراهيم المذكور يقول فيها
توفي الهمام الذي لم يكن ... له في المعارف والفضل ثاني
ومن قد سما قدره في الورى ... فخاراً على كل قاص وداني
ومن حلّ ذروة هام العلا ... وليس الحديث كمثل العيان
ومن كان في حلبة الفضل لا ... يجاري إذا كان يوم الرهان
وهي طويلة وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
محمد الأمير الحلبي
ابن عبد الله بن عمر الحسيني المعروف بالأمير الحلبي الشيخ العارف الكامل البارع نزل حلب وسكن في جامعها الكبير وكانت له مكاشفات ظاهرة توفي في حلب ودفن بمقام الأربعين رحمه الله تعالى ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت.(4/59)
محمد المغربي
ابن عبد الله المغربي الفاسي للمالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن العابد الزاهد الورع النسيك قدم المدينة المنورة سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتوطنها وأخذ عن أئمة أجلاء منهم الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن شيخ الشيوخ عبد القادر الفاسي المشهور وعن العلامة عبد الله بن سالم البصري المكي لما قدم المدينة وقرأ في الروضة المطهرة مسند الامام أحمد وكان هو المعيد له وأئمة في ستة وخمسين مجلساً وأخذ أيضاً عن العلامة محمد أبي الطاهر بن البرهان إبراهيم الكوراني وعن الشيخ إبراهيم بن محمد الغيلالي وعن غيرهم ونبل وفضل ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة وكان ذا قدم راسخ في العبادة والدين آية باهرة في التواضع حتى إنه كان يحمل حزمة السعف من بستانه إلى داره على رأسه وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وإيانا.
محمد زين العابدين
ابن عبد الله بن عبد الكريم المدني الحنفي الشهير بالخليفتي العباسي الشيخ الفاضل الأوحد البارع المفنن النبيل ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فقرأ على أبيه في عدة فنون وأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي والسيد إبراهيم أسعد وغيرهم وصار له الفضل التام ودرس بالمسجد الشريف النبوي وصار أحد الخطباء والأئمة به وتولي نيابة القضاء مرتين ثم صار شيخ الخطباء والأئمة بالحرم الشريف النبوي وتولى افتاء السادة الحنفية بالمدينة المنورة وانتهت إليه الرياسة وكان حسن السيرة ذا جاه ووجاهة بين الناس وله يد طولى بصنائع المعروف معهم ونظم ونثر وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليله عرفة سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين.
محمد السمان
ابن عبد الكريم المدني الشافعي الشهير بالسمان الشيخ الصالح الصوفي الأوحد البارع الكامل العالم المرشد المسلك المربي أبو عبد الله قطب الدين ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ وأخذ عن الشيخ محمد بن سليمان الكردي نزيل المدينة المنورة وفقيه الأقطار الحجازية وأخذ الطريقة الخلوتية عن السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وقام على وظائف الوراد والأذكار والارشاد والتسليك في داره التي كان يسكنها وهي دار سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتعرف بالمدرسة السنجارية وهي مشتملة على(4/60)
حجر كثيرة كان في وقته ينزل فيها الغرباء والواردون على المدينة من الآفاق ولصاحب الترجمة نظم ونثر فمن نظمه قصيدة في التوسل من بحر الرجز تقرأ خلف الرواتب وكان عابداً ناسكاً صالحاً اشتهر بذلك في الآفاق وأخذ عنه الجم الغفير من أهل المدينة وغيرها وكانت وفاته في ذي الحجة سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
محمد المالكي
ابن عبد الكريم بن قاسم المالكي المغربي الفاسي نزيل دمشق ولد في بلدته فاس في سنة أربع ومائة وألف ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن وحفظه ببلده وقرأ حصة من علم الحرف والأوفاق وقدم دمشق فصحب الشيخ عبد الرحمن السمان واتصل بالعارف الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه عدة كتب ثم ارتحل إلى حلب واستوطنها وراج أمره بها وعلا صيته ثم رأى في عالم الخيال أن يرحل إلى دمشق فإن السلوك هناك فخرج من حلب وعاد لدمشق واستوطنها إلى أن مات وكان يتردد إلى والدي ويكرمه ويعتقده وكان يدعى معرفة الكيمياء وله معرفة بالطب وغيره وكان مولعاً بقص شاربه وحلق لحيته وحاجبيه طويل القامة كبير العمامة يفصد نفسه في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً وكانت وفاته بدمشق سنة خمس وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد المواهبي
ابن عبد الجليل بن أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي الدمشقي تقدم ذكر والده وجده وكان هذا عالماً فاضلاً بارعاً مفتي الحنابلة بدمشق بعد جده ولد في سنة احدى ومائة وألف ونشأ في كنف والده وجده وأخذ الفقه والحديث والفرائض عنهما وقرأ في علوم العربية كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع على والده وقرأ في الفرائض على تلميذ جده الشيخ عبد القادر التغلبي وأجاز له الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق وغيرهما وبرع وفضل وصارت فيه البركة التامة وجلس للتدريس بالجامع الأموي وقرأ عليه جماعة من الحنابلة وغيرهم وانتفعوا به وكان ديناً متواضعاً مواظباً على حضور الجماعات والسعي إلى أماكن القربات وكانت وفاته في أوائل ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محمد العطار
ابن عبيد بن عبد الله بن عسكر القاري الأصل الدمشقي الشهير بالعطار الشافعي الفاضل الشاب الصالح كان بارعاً أديباً نبيهاً حسن الطبع والأخلاق مشتغلاً بالتقوى والعبادة راضياً بالقليل قنوعاً ولد بدمشق سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن(4/61)
الجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشهاب أحمد بن علي المنيني والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ محمد بن أحمد قولقسز والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري وعن غيرهم وحصل له فضيلة تامة وكان تاركاً لما لا يعنيه إلى أن مات وله شعر رقيق اطلعت عليه بعده فمن ذلك قوله
قسماً بمبسم ثغرك الوضاح ... وبما حوى من لؤلؤ وأقاح
وبطيب راح من لماك يزينها ... حبب فواظمئي لتلك الراح
وبطرّة لك كالظلام وغرّة ... بين الدياجي أسفرت كصباح
وبنرجس من ناظريك وأسهم ... تبري فؤاد الهائم الملتاح
وبحاجب كالقوس يحمي وجنتي ... ك من اجتناء الورد والتفاح
وبخالك الزنجيّ حارس ورد خ ... ديك الجني وورده الفوّاح
وبجيدك الفضي وقامتك التي ... فتكت ضواري الأسد فتك رماح
ما حلت عنك ولا سلوت محاسناً ... لك تجذب الأرواح من أشباح
كم ذا تطيل عذاب صب قد غدا ... بهواك مقتولاً بغير سلاح
أمرنح الأعطاف يكفي ما جرى ... رفقاً فما سفك الدما بمباح
حكمت أسياف الجفا بجوارحي ... وأمرتها أن تعتني بجراحي
وتركتني ملقى على فرش الضنى ... دنفاً أكابد لوعة الأتراح
من منقذي من نار هجرك يا رشا ... خضعت لسطوته أسود كفاح
ماذا يضرّك لو رحمت متيماً ... رق العذول لحاله واللاحي
فأعطف عليّ بطيب وصلك كي به ... تتبدل الأحزان بالأفراح
وقوله
غزال غزاني بالمحاسن والبها ... يريني قسيّ الفتك من قوس حاجبه
تلفت نحوي بعد أن راش أسهما ... فياليتها غاصت بمقلة حاجبه
وقوله
حديقة أنس زهت منظراً ... ونشر شذاها غدا عابقا
أقمنا بها نجتلي حسنها ... ونرشف من كأسها الرائقا
فبادر إلى وردها واجتنى ... وإياك إياك والعائقا
وكانت وفاته في غرة ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح والقاري نسبة إلى قارة قرية من ضواحي دمشق قدم جده منها رحمه الله تعالى وإيانا.
محمد الخراشي(4/62)
ابن عبد الله الخراشي المالكي الامام الفقيه ذو العلوم الوهبية والأخلاق المرضية المتفق على فضله وولايته وحسن سيرته أخذ عن البرهان اللقاني ولازم بعده النور عليا الأجهوري وتصدر للاقراء بالجامع الأزهر وحضر درسه غالب المالكية واشتهر بالنفع وقبلت كلمته وعمت شفاعته واعتقده عامة الناس وخاصتهم وألف مؤلفات عديدة منها شرحان على مختصر خليل تلقاهما أهل عصره من العلماء بالقبول وكتب منها نسخ عديدة وبالجملة فقد كان علامة معتقداً وكانت ولادته في سنة عشرة بعد الألف وتوفي في ذي الحجة سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الذهبي
ابن عبد اللطيف المعروف بالذهبي الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل النبيل البارع له شعر مطبوع ومشاركة جيدة ولم أسمع بخبره كما ينبغي حتى أصفه بما فيه غير أني رأيت في مجموعة الأثري البرهان إبراهيم الجينيني نزيل دمشق مولده ووفاته فذكرته لئلا يخلو كتابي منه ورأيت له مقطوعاً من الشعر وهو قوله مضمناً
يا من إذا جاريته في مسلك ... ألفيته قد سدّ طرق منافذي
أهون بمضناك الذي حيرته ... هذا مقام المستجير العائذ
ومن ذلك قول العلامة الأديب السيد محمد بن حمزة النقيب
نقل العذول بأنني أفشيت ما ... أخفى الحفاظ من الغرام الواقذ
هبني افتريت كما افترى فاغفره لي ... هذا مقام المستجير العائذ
ومنه قول الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره
لاحظت خالاً تحت صفحة خدّه ... متوارياً خوف اللهيب النافذ
فسألته ماذا المقام فقال لي ... هذا مقام المستجير العائذ
ومنه قول زين الدين الدمشقي الشهير بالبصروي
وأغنّ فتاك اللواحظ أدعج ... يرى بنبل في القلوب نوافذ
نادته أفلاذي وقد فتكت بها ... هذا مقام المستجير العائذ
ومن ذلك قول الكمال محمد بن محمد الغزي العامري
بالله صل مضناك يا من شفني ... منه جوى أفنى جميع لذائذي
فبعزة الحسن استعذت وإنه ... هذا مقام المستجير العائذ
وكانت وفاة المترجم نهار الأحد ختام شوال سنة ست ومائة وألف ودفن بالذهبية من مرج الدحداح رحمه الله تعالى.(4/63)
محمد الصالحي
ابن عبد المحسن الحنفي الصالحي الدمشقي أحد البارعين في الأدب والكتابة اشتغل بطلب العلم فقرأ على المجد محمد بن عيسى الكناني وأجاز له الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي ونبل وفضل وكان يعرف التركية والفارسية معرفة جيدة وصار أحد الشهود والكتبة بمحكمة العونية وكان ينظم الشعر فمنه قوله
عليك بعلم المنطق البهج الذي ... يجلّ به الانسان إن قام أو دعا
يقلد نحر الدهر عقداً منظماً ... ويلبس للأفكار تاجاً مرصعا
وقوله
النحو علم به تشحيذ فكرتنا ... فألزمه وأملي لنا من أصله طرفا
فكل من يرتوي من ورده أبداً ... بين الأفاضل معدود من الشرفا
وكانت وفاته مطعوناً يوم الأربعاء حادي عشر ربيع الأول سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالروضة.
محمد السندي
سعيد بن عبد الحفيظ حماد المدني الشهير بالسندي الشيخ الفاضل الأديب الشاعر الناظم الناثر حاز من مراتب الأدب أعلاها وبلغ من ذروة الفصاحة علاها ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان عشرة ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها ونظم ونثر فمن شعره قوله هذا التخميس النفيس
ناديت لما الحب عني أعرضا ... وحشا الحشا سقماً أذاب وأمرضا
وسطا عليّ بما من الجفن انتضى ... أحمامة الوادي بشرقيّ الغضا
إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
أنا أنت لكن من هواه يزينه ... لا كالذي مثل الغرام يشينه
ودليل ما قد قلت فيك يبينه ... أنا تقاسمنا الغضا فغصونه
في راحتيك وجمره في أضلعي
وكان كثير الملاطفة حسن الأخلاق وكانت وفاته بالمدينة المنورة في رمضان سنة ثمان وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الخمسي
ابن عبد الله المغربي الخمسي الشهرة المالكي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل البارع المفنن قدم دمشق وتوطنها في الحجرة عن يسار الداخل للجامع الأموي من باب جيرون(4/64)
ودرس بالجامع المرقوم وانتفعت به الطلبة وله شعر لطيف وقفت له على أشياء منها قوله
يا أحسن الناس أغضاء عن الناس ... وأحسن الناس إحساناً إلى الناسي
نسيت عهدي والنسيان مغتفر ... فأوّل الناس نسيا أولّ الناس
وقوله
خبز شعير وماء بئر ... يكون قوتي مع السلامة
أفضل عندي من عيش ود ... يكون عقباه للندامة
وقوله
ومما نهاني عن هواهم وصدّني ... وقد كنت مغري في الهوى وهو ديدني
نفورهم عني وعن كل عاشق ... عفيف وهم في طوع كل يدي دني
وله غير ذلك وكانت وفاته بدمشق سنة ثمان وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد البرزنجي
ابن عبد الرسول بن عبد السيد بن عبد الرسول بن قلندر بن عبد السيد المتصل النسب بسيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشافعي البرزنجي الأصل والمولد المحقق المدقق النحرير الأوحد الهمام ولد بشهرزور ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة أربعين وألف ونشأ بها وقرأ القرآن وجوده على والده وبه تخرج في بقية العلوم وقرأ في بلاده على جماعة منهم الملا محمد شريف الكوراني ولازم خاتمة المحققين إبراهيم بن حسن الكوراني وانتفع بصحبته وسلك طريق القوم على يد الصفي أحمد القشاشي ودخل همذان وبغداد ودمشق وقسطنطينية ومصر وأخذ عمن بها من العلماء فأخذ بماردين عن أحمد السلاحي وبحلب عن أبي الوفاء العرضي ومحمد الكواكبي وبدمشق عن عبد الباقي الحنبلي وعبد القادر الصفوري وببغداد عن الشيخ مدلج وبمصر عن محمد البابلي وعلى الشيراملسي وسلطان المزاحي ومحمد العناني وأحمد العجمي وبالحرمين عن الوافدين إليهما كالشيخ إسحق بن جعمان الزبيدي وعلي الربيعي وعلي العقيبي التغري وعيسى الجعفري وعبد الملك السجلماسي وغيرهم ثم توطن المدينة الشريفة وتصدر للتدريس وصار من سراة رؤسائها وألف تصانيف عجيبة منها أنهار السلسبيل في شرح تفسير البيضاوي والاشاعة في إشراط الساعة والنواقض للروافض وشرحاً على ألفية المصطلح والعافية شرح الشافية لم يكمل وخالص التلخيص مختصر تلخيص المفتاح ومرقاة الصعود في تفسير أوائل العقود والضاوي على صبح فاتحة البيضاوي ورسالة في الجهر بالبسملة في الصلاة وكانت له قوة اقتدار على الأجوبة عن المسائل المشكلة في أسرع وقت(4/65)
وأعذب لفظ وأسهله وأوجزه وأكمله وبالجملة فقد كان من أفراد العالم علماً وعملاً وكانت وفاته في غرة محرم سنة ثلاث ومائة وألف ودفن بالمدينة رحمه الله تعالى.
محمد السندي
ابن عبد الهادي السندي الأصل والمولد الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العالم العامل العلامة المحقق المدقق النحرير الفهامة أبو الحسن نور الدين ولد ببته قرية من بلاد السند ونشأ بها ثم ارتحل إلى تستر وأخذ بها عن جملة من الشيوخ كالسيد محمد البرزنجي والملا إبراهيم الكوراني وغيرهما ودرس بالحرم الشريف النبوي واشتهر بالفضل والذكاء والصلاح وألف مؤلفات نافعة منها الحواشي الستة على الكتب الستة إلا أن حاشيته على الترمذي ما تمت وحاشية نفيسة على مسند الامام أحمد وحاشية على فتح القدير وصل بها إلى باب النكاح وحاشية على البيضاوي وحاشية على الزهراوين للملا علي القاري وحاشية على حاشية شرح جمع الجوامع الأصولي لأبن قاسم المسماة بالآيات البينات وشرح على الأذكار للنووي وغير ذلك من المؤلفات التي سارت بها الركبان وكان شيخاً جليلاً ماهراً محققاً بالحديث والتفسير والفقه والأصول والمعاني والمنطق والعربية وغيرها أخذ عنه جملة من الشيوخ منهم الشيخ محمد حياة السندي المتقدم ذكره وغيره وكان عالماً عاملاً ورعاً زاهداً وكانت وفاته بالمدينة المنورة ثاني عشري شوال سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وكان له مشهد عظيم حضره الجم الغفير من الناس حتى النساء وغلقت الدكاكين وحمل الولاة نعشه إلى المسجد الشريف النبوي وصلى عليه به ودفن بالبقيع وكثر البكاء والأسف عليه رحمه الله تعالى.
محمد الشرواني
ابن علي بن إبراهيم الزهري الشرواني المدني الحنفي الفقيه الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فتفقه على عمه العلامة القاضي يوسف الشرواني وأخذ الحديث عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد أبي الطاهر بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبي الطيب السندي والشيخ محمد بن الطيب المغربي الفاسي وأخذ الطريقة الناصرية عن سيدي الشيخ يوسف بن محمد بن محمد بن ناصر وهو أخذها عن صاحبها عمه القطب الجامع بين الشريعة والحقيقة سيدي أحمد بن محمد بن ناصر قدس الله سره وكان فقيهاً متقناً كان المسائل الفقهية نصب عينيه وكان في غاية الصلاح يتلو الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار عرض عليه المرحوم الشريف(4/66)
مسعود شريف مكة لما كان مجاوراً بها سنة احدى وخمسين ومائة وألف أن يعرض له لطرف الدولة في منصب افتاء المدينة المنورة فلم يقبل ذلك وكان معرضاً عن دنياه مقبلاً بكليته على الله لا يمد منه للرياسة باع ولا تمتد منه إليها الأطماع ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي بالمدينة المنورة في عشري شوال سنة تسع وسعين ومائة وألف بتقديم تاء تسع وسين سبعين ودفن في قبر والدته خلف قبة سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
محمد الكاملي
ابن علي بن محمد المعروف بالكاملي الشافعي الدمشقي تقدم ذكر ولده عبد السلام وكان هذا اماماً عالماً حبراً فقيهاً واعظاً بركة الشام علامة رحلة محققاً وسيماً منوراً عليه أبهة العلم ورونقه وكان خلقه سوياً وخلقه رضياً وشكله بهياً بشوشاً متودداً متواضعاً ودروسه من محاسن الدروس يجري فيها بعبارة فصيحة مشتملة على الفوائد العلمية البديعة بحيث تعجب الخاصة والعامة واشتهر فضله وتقواه وعظم قدره وأخذ عنه الجم الغفير والكثير من الأطراف والبلاد ولد بدمشق في جمادي الثانية سنة أربع وأربعين وألف واشتغل بالعلوم الشرعية وآلاتها على والده الفقيه العالم الصالح الشيخ علي المتوفي في سنة تسع وتسعين وألف وعلى الشيخ محمد البطنيني والشيخ أحمد الداراني والشيخ محمد سعدي الغزي والشيخ منصور المحلي والشيخ علي القبردي الصالحي وبرع في الفنون ورأس وتقدم وكان عجباً في استحضار الفقه والحديث والتفسير وأجاز له بالمكاتبة من علماء مصر الشيخ نور الدين علي الشبراملسي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ إبراهيم الشبراخي والشيخ محمد البابلي والشيخ عبد الباقي الزرقاني وأجاز له الشيخ خير الدين الرملي وأجاز له لما حج الشيخ عبد العزيز الزمزمي المكي والشيخ أحمد القشاشي والأستاذ الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة المنورة وحضر بدمشق دروس المحدث النجم العزي ولازمه وكذلك لازم الشيخ عبد القادر الصفوري وغيرهم وكان يدرس عند باب الصنجق تجاه المقصورة في كل يوم بعد صلاة العصر في شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا ويحضره جم غفير من فضلاء الشافعية وكان في شهري رجب وشعبان يدرس في جامع سيباي بمحلة باب الجابية في صحيح البخاري وللناس اقبال عظيم على درسه ووعظه لحسن منطقه ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن في جمع حافل عظيم بتربتهم في الباب الصغير رحمه الله تعالى.(4/67)
محمد بن شيخان
ابن عمر بن سالم بن أحمد بن شيخان بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله عبود بن علي ابن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي ابن الفقيه المقدم عرف جد جده بشيخان باعلوي الحسني ذكره شيخنا السيد العلامة محمد بن أبي بكر الشلي في المشرع الروي في أشراف بني علوي فقال فريد هذا الزمان ومن ألقت إليه الأقران مقاليد السلم والأمان الجامع بين الرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم راية حوى الفضائل والفواضل والنهى وحاز الدين والحسن والتقى وأتقن في كل الفنون وافتخر به الآباء والبنون ولد بأم القرى ثاني عشر محرم سنة احدى وخمسين وألف ونشأ بها والفلاح يشرق من محياه وطيب أنفاسه يفوح من رياه وحفظ بعض الارشاد ومتن النهج والألفية وغير ذلك من المتون وأخذ عن الشهاب أحمد بن عبد الله بن عبد الرؤف المكي عدة علوم ولازم العلامة علي بن الجمال والوجيه السيد محمد الشلي وأجاز له المسند محمد بن سليمان المغربي بمروياته وأخذ عنه عدة علوم وبرع وفضل ودرس بالمسجد الحرام وصار أحد أعيان فضلاء مكة وأعاظم كبرائها وله مع ذلك في الأدب طول باع وفي العربية سعة اطلاع وكرم نفس وحسن طباع مع ما منحه الله من أدب أزهى من الأزهار وخلق حسن ألطف من نسيم الأسحار ومنطق ألذ من تغريد الطيور على صفحات الأنوار وتمسك بالسبب الأقوى من التقوى واجتهاد في الأعمال الصالحة لا تطيق أترابه حمله ولا تقوى وإليه المفزع في كل حادثة عجماء وداهية دهياء إلى كرم لا يقاس بحاتم وصدع بالحق لا يخاف بطشة ظالم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم انتهى كلام الشلي في المشرع الروي في أشراف بني علوي وأخذ عن صاحب الترجمة الوجيه عبد الرحمن الذهبي الدمشقي نزيل مكة وترجمه في رحلته فقال كان رحمه الله تعالى أجل خدن لي أتمتع في رياض فضائله بمقيل ظله الوريف وأتضوع من عبير عرفه اللطيف وصحبته مدة تزيد على أربعين سنة حضراً وسفراً لا أفارقه ولا يفارقني في غالب الأوقات ولم أر منه إلا خيراً وإحساناً وإفضالاً وإمتناناً حتى توفي في الثلث الأخير من ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وصلى عليه ضحى يومها بالمسجد الحرام اماماً بالناس الشيخ أحمد النخلي في مشهد حافل وكنت ولله الحمد من المباشرين لغسله وتكفينه ودفنه نفعني الله به وجمعني به في مستقر رحمته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً والحمد لله رب العالمين رحمه الله رحمة واسعة ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين.
محمد العمري الدمشقي(4/68)
ابن علي بن مسلم بن محمد العمري المعروف بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي الشيخ العابد الزاهد الواصل المربي الصالح الصوفي القادري الخلاصة المعتقد كان من المشايخ المعتقدين سالكاً مناهج السادة الصوفية ولد قبل المائة بقليل تقريباً وحفظ القرآن وهو دون البلوغ واجتهد في تلاوته وداوم على العبادة والاذكار مدة أوقاته لا يشغله عن ذلك شيء وكان سخياً يقري الضيف مع شدة فقره واعتقده في زمانه عامة الناس ومن خصائصه كما أخبرت أنه ما وضع يده على مريض إلا وعوفي بإذن الله تعالى وكان تهابه الأكابر والأصاغر ولا يخشى في الله لومة لائم ومن مناقبه إن امرأة من النصارى لما رأت جنازته حين موته أقرت بالشهادة وأخبرت أيضاً أنه حين دفنه قال رجل للحفار إلق عند تنزيله في القبر فقال الشيخ توكلت على الله وله مناقب كثيرة وكان مسكنه في محلة باب توما مقتصراً على حاله وكانت وفاته ليلة الأحد الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بتربتهم في مرج الدحداح مع الشيخ أرسلان رضي الله عنهما.
محمد مفتي حلب
ابن علي المشهور بجلبي المفتي الحنفي الأنطاكي نزيل حلب العالم الفاضل العفيف الصالح المتعبد النظيف الزاهد ولد بأنطاكية ونشأ بها وكان والده مفتياً بها فمات وتولى الافتاء بعده بها ثم عزل من الافتاء وهاجر إلى حلب وصاهر بني الكواكبي وتزوج وحج مراراً وجاور بيت الله الحرام وأخذ عن علماء الحرمين وله خيرات في بلده منها عمارة الجامع الذي لم يسبق إليه بمثيل في الشكل والزينة وكله من كسبه الحلال وكانت وفاته بحلب في سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد العمري الموصلي
ابن علي العمري الموصلي الحنفي ترجمه قريبه محمد أمين العمري فقال أحد الأعيان والأكابر والسادات الأماجد همته فوق النجوم كان في الفضل والرياسة والتقدم والسياسة بمكان عال نشأ في أيام اقبال الدنيا عليهم فربى بالدلال والنعمة وهابته الأبصار لما له من حشمة وكان له مهارة ورياسة في تدبير الأمور ورأى حاذق في الأشياء تولى قضاء الموصل في أيام أبيه وله من الخدم والأتباع والحشم والجند العظيم وإحسانه إلى العلماء والأفاضل مشهور لا ينكر ومعروف لا يحتاج أن يذكر ومدحه الشعراء بالقصائد لبديعة فممن مدحه الشيخ قاسم الرامي الأديب بقوله
في ورد خديك وآس العذار ... قد طاب لي حب خلع العذار
وكان لي قلب وقد ضاع إذ ... ضاع شذا خالك في الجلنار(4/69)
يا مخجل البان بقدّ لقد ... بان اصطباري فيك والوجد ثار
وقد جرى دمعي مما جرى ... عليّ في حبك والعقل حار
يا مفرداً جامع شمل البها ... الشعر ليل والمحيا نهار
والجفن مكحول روى أنني ... قتلت فيه فالحذار الحذار
واللحظ والحاجب ثم اللمى ... نبل وقوس وشراب عقار
ومنها
والخال فوق الخد قد عمه ... حسن إذا شاهده البدر قد غار
ومنها
فأي بال غير بال به ... واللحظ فتاك حكى ذا الفقار
أفديه ذا جيد وذا الفتة ... قد صير الغزلان تأوى القفار
قلت حبيبي كف كف النوى ... عني فمالي في هواك اصطبار
ومنها
ولم أجد لي من ملاذ سوى ... محمد بهجة أوج الفخار
الماجد المنجد سامي الذرى ... حامي الورى ممن لجا واستجار
مولاي كنز العلم كشافه ... حاوي الفتوحات سميّ المنار
لا عيب فيه غير بذل الندى ... فيا أخا الفقر إليه البدار
في الجود ما معن وما حاتم ... والبأس ما عنتر ما ذو الخمار
تكاملت أوصاف أخلاقه ... فذكره فاح وفاق العرار
لا زال ممدود الأيادي وفي ال ... يمين يمن واليسار اليسار
وبالجملة فقد كان المترجم من أفراد الدهر علماً وفضلاً وعفة وقرأ على الشيخ إسمعيل الموصلي الشهير بابن أبي جحش وعلى غيره من العلماء وكانت وفاته بالموصل سنة خمس وأربعين ومائة وألف في حياة أبيه وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة فقرحت عليه الجفون وجرت لفقده العيون ودفن في جامعهم المعروف بالموصل رحمه الله تعالى.
محمد بن كوجك علي
الحلبي صدر أعيان حلب ورؤسائها كان أحد القبوجي باشيه بالباب السلطاني بارعاً ناظماً ناثراً جبلته ذلك بالألسن الثلاثة العربي والفارسي والتركي ولد في رمضان سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأخذ عن عثمان أفندي الشا بياض وغيره وكان له صلاح واشتغال بالعبادة ومن شعره العربي قوله
شادن يسلب العقول بطرف ... وبخدّ كروضة الأزهار(4/70)
كم كسا السمع من أغان وعود ... نغمات الاقرار في الانكار
وكان له معرفة تامة بالموسيقى وله ألحان بها وكانت وفاته سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف.
محمد الجمالي
ابن علي بن مصطفى المعروف بالجمالي الحنفي الحلبي العالم الأديب ناظم عقود اللآلي ولد في حلب سنة ثمان ومائة وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها كالشيخ سليمان النحوي والشيخ حسب الله وأخذ الفقه أيضاً عن الشيخ السيد محمد الطرابلسي نزيل حلب ومن مشايخه السيد يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب وخدمه في كتابة الفتوى حين تقلدها وأقتن وأجاد ومنه استفاد وكان له قدم راسخ في النظم والانشاء وحصل له الملكة التامة في الفقه وكان دمث الأخلاق يلاطف الناس له الانشاء البليغ والنظم البديع الفائق الزاهي ومن شعره قوله في عقد حليته عليه الصلاة والسلام
حبذا طيب طيبة الفيحاء ... مهبط الوحي مستقر الرضاء
بلدة أينعت خمائل نور ... ثم أضحت مخضلة الأرجاء
شرفت بالنبيّ طه التهامي ... أكرم الخلق أشرف الأنبياء
كمل الله خلقه وحباه ... حلية توّجت بكل بهاء
كان فخماً مفخماً يتلآلآ ... وجه بالضيا كبدر السماء
ضخم الرأس والكراديس ذا مس ... ربة وهي آية النجباء
أزهر اللون أدعج العين أقنى ... الأنف رحب الجبين ذي اللألاء
أشنب الثغر أفرق السن وضا ... ح المحيا ذا لحية كثاء
أهدب الجفن بارع الحسن عذب الن ... طق يمّ التقى كثير الحياء
ظاهر البشر كان يفترّ عن أم ... ثال حب الغمام باهي السناء
عنقه جيد دمية في صفاء ... ونقاء كالفضة البيضاء
ربعة بين منكبيه بعيد ... واسع الصدر كامل الأعضاء
بادنا أشعر الذراع طويل ال ... باع شثن الكفين بحر السخاء
قوله الفصل لا فضول ولا تق ... صير طلق اللسان عذب الأداء
محرزاً من جوامع الكلم الغرّ ... فنون البلاغة الغراء
وإذا ما مشى تكفا كأن عن ... صبب انحطاطه أو علاء
جملة التفاته والهوينا ... مشيه إن مشى ذريع الخطاء
خافض الطرف دائم الفكر جمّ الش ... كر والذّكر صادق الأنباء
أجود الناس أصدق الناس أسمى الن ... اس قدراً من خص بالعلياء(4/71)
بين كتفيه مثل بيض حمام ... خاتم وهو خاتم الأنبياء
يا ملاذي يا منجدي يا منائي ... يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصيري يا عمدتي يا مجيري ... يا خفيري يا عدّتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي ... عند ربي وأعطف وجد بالرضاء
ومن نظمه قوله ممتدحاً بها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم
بعلياك يا شمس النبيين والرسل ... غدت سائر الأملاك والرسل تستعلي
ملكت زمام المجد ختماً ومبدأ ... وحزت مقام الحمد في موقف الفضل
وتوّجت تاج العلم والزهد والتقى ... وصدق الوفا والنصح والبر والعدل
وبالغت في الابلاغ حتى لقد غدا ... بصدقك صدع الدين ملتئم الشمل
وكم لك حقاً معجزات خوارق ... أضاءت لنا كالشمس في أفقها المجلي
ولدت كريماً من كرام منقلاً ... بأطهر أصلاب مصاناً عن الدخل
وضعت مجيداً رافع الرأس حامداً ... لربك مختوناً وسربلت بالفضل
فأنعم بميلاد النبي الذي به ... لنا شرف سامي الذرى وارف الظل
نبيّ كريم منذر ومبشر ... رؤف رحيم معجز القول والفعل
نبيّ به كل النبيين بشرت ... وأخبرت الأحبار عن خاتم الرسل
نبيّ رأى في العرش آدم اسمه ... فناجى به فازدان بالفصح والفضل
نبيّ عليه قد أظلت غمامة ... وقد صين منه الظل عن موطئ الرجل
نبيّ رقى السبع الطباق وقد دنا ... إلى أن غدا كالقاب للقوس في الوصل
نبي بكفيه لقد سبح الحصى ... كذلك تسبيح الطعام لدى الأكل
وله هذه القصيدة النبوية
مذ شمت اطلالاً لسلمى ... درست فدمعي فاض سجما
دمن سقتها بعد سا ... كنها صروف البين سما
واغتالها الخطب المبي ... د فلم يدع إذ ذاك رسما
وتصوّحت أغصان دو ... حتها التي للخلد تنمى
يا حبذا تلك الطلو ... ل فكم بها حظى استتما
ولكم جنيت بها المنى ... غضا وكم فرّجت هما
ولكم مجرّة دوحها ... قد أطلعت للأنس نجما
زمن تقضي في ربا ... ها خلته وأبيك حلما
مع كل فتان حلا ... ثغراً رحيق الظلم ألمى(4/72)
من ذاق يوماً ظلمه ... حاشاه طول الدهر يظما
منها
يا صاح دع وصف الحسا ... ن وعدّ عن اطلال سلمى
وأجل الكروب بمدح ط ... هـ المصطفى لتنال غنما
السيد الأميّ من ... عمّ الملا فضلاً وعلما
تاج الكرام المرسلي ... ن وقدره أسنى وأسمى
وسع البرية رحمة ... وندى وإحساناً وحلما
والبدر شق له وأر ... وى الجيش من كفيه بالما
ودعا بأشجار الفلا ... فأتت تشق الأرض دحما
وله مخمساً أبيات الحاجري بقوله
غريمي غرامي فيك يا من إذا بدا ... جمال محياه أبان لنا الهدى
ترفق فقد أشمت في حبك العدا ... أيا حرم الحسن البديع الذي غدا
ومن حوله عشاقه تتخطف
إلى كم أقاسي في الهوى لوعة النوى ... وقد جدّ بي وجدي وصبري قد ثوى
فيا من بلام الخد للحسن قد حوى ... عسى عطفة من واو صدغك في الهوى
أعيش بها والواو ما زال تعطف
لئن غبت عن عيني وشطت معاهد ... فإني على الأشجان فيك مكابد
وحوشيت عما قال عني حاسد ... فإن غرامي بعد بعدك زائد
وحقك عما كنت تدري وتعرف
وله مقتبساً
معشر العذال إني ... لي بسر الحب علم
لا تظنوا بي سلواً ... إن بعض الظن إثم
وله عاقداً
الراحمون لقد أتى يرحمهم ... رب العلا الرحمن نصا محكما
يا أيها الناس ارحموا من قد غدا ... في الأرض يرحمكم غدا من في السما
وله عاقداً حديث حسان الوجوه
قد توسمت فيك يا قرّة العي ... ن نجاحاً ودفع كل كريه
جازماً حيث قال خير البرايا ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
وله تخميس بيتين من بين المصراعين(4/73)
مالي إذا وضع الكتاب وسيلة ... تجدي إليّ ولا لديّ فضيلة
وعيون آمال النجاة كليلة ... مني فلا أمل ولا لي حيلة
أنجو بها من هول يوم الموعد
إلا اعترافي بالذنوب وإنني ... ما زلت دهري للمعاصي أجتني
وركبت متن غوايتي فأضلني ... وأضعت أوقاتي سدى لكنني
متمسك بلواء آل محمد
وله مضمناً
يا رب قد وافيت بابك ضارعاً ... أرجو رضاك وأنت أمن اللائذ
متوسلاً بمحمد وبآله ... هذا مقام المستجير العائذ
وله أيضاً
أمعذبي من دعج نجلاويه قد ... قرطست أحشائي بسهم نافذ
وقليتني حتى خفيت عن الخفا ... وسددت بالهجر المبيد منافذي
فأتيت كعبة حسنك الزاهي بها ... متشبثاً لما غدوت منابذي
أرجو خناناً منك يزلف للقا ... هذا مقام المستجير العائذ
وله في التلميح إلى المثل كقابض الماء باليد
وخصر يحاكي يا ابن ودي نحوله ... لجسم معنى بالصبابة مكمد
إذا رمته ضما يقول لطافة ... ألم ترني كالقابض الماء باليد
ومن غرامياته هذه القصيدة البديعة التي مطلعها
أما والهوى إني بحسن التجلد ... أروح بهجري كل وقت وأغتدي
أكابد تبريحاً من الصد والقلي ... ومالي براح عن غرام مسهد
وهي طويلة جداً وله غير ذلك وكانت وفاته سلح رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
محمد الحصري
ابن السيد عمر ابن السيد أبي بكر المعروف بالحصري الدمشقي سبط البكري الحسيني كان من خلاصة الأدباء النبهاء فاضلاً لوذعياً ماهراً ترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه نسيب تناسب فيه المدح والنسيب وحسيب ما مثله في كرم الطباع حسيب له همة سابغة المطارف وسيادة موصولة التالد بالطارف مروق الأخلاق صافيها مشمول الشمائل ضافيها تكاد ترى وجهك في خصاله ولا تغبن إذ أشريت بنوم العيون يوم وصاله وله أدب يطر اطراد الغدير حفت به خضر الوشائع وحديث كأنه(4/74)
جني النحل ممزوج بماء الوقائع وبيني وبينه ود صميم طيب العرف والشميم استدعى الأمل الأيام للقياه ولو في الأحلام وقد وقفت له على شعر قليل فأثبت منه ما هو لرأس المجد اكليل انتهى مقاله وقد اطلعت أنا على ديوانه ومتعت طرفي في عقود منظومه التي نظمها صائغ يراعه وبنانه فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها
أتى وظلام الليل ولي مبددا ... فراح ولم يشف الغليل من الصدى
وولي وما حققته دهشة به ... فمن لي بذاك الطيف لو عاد أحمدا
أعيد ارقادي يا خليليّ كي أرى ... خيال حبيب بالجمال تفردا
بهيّ جمال بالمحاسن فاتن ... إذا ما بدا كالظبي أحور أغيدا
يفوق ضياء الصبح واضح فرقه ... وكالليل إن أرخى من الشعر أجعدا
هو الشمس لكن إن رأت نور وجهه ... بدور السما خرّت على الأرض سجدا
من الترك مياد القوام مهفهف ... يفوق غصون البان ليناً إذا بدا
يهز عليّ الرمح وهو أخو الرشا ... ويبرز من لحظيه سيفاً مجرّدا
غزال غزا قلبي بماضي لحاظه ... فصرت باشراك الجفون مقيدا
جفاني بلا ذنب ملحاً بهجره ... فأضحى اصطباري في هواه مشردا
وأصبح قلبي بالصبابة هائما ... وأمسى بفيض الدمع جفني مسهدا
فهل باخل بالوصل يسمح باللقا ... لصب بسكر الشوق ضل عن الهدى
لعمري إذا رمت الهدى بعد حيرة ... فمدحك مولى في البرية أوحدا
هو المنهل العذب الذي فاض فيضه ... وقد ملأ الآفاق مجداً وسؤددا
عليّ المفدى كامل الفضل والحجا ... وحيد العلا بالمكرمات تعوّدا
وله أيضاً
حاز الجمال بطلعة وسناء ... وسبى الأنام بمقلة وسناء
قمر يميس من الدلال تصلفا ... كتمايل النشوان بالصهباء
إن لاح قلنا يا شموس تبرقعي ... خجلاً كما بدر السما بحياء
وإذا تبسم ضاء نور ثاقب ... لمن اهتدى كالبرق في الظلماء
جمع المحاسن خدّه وبثغره ... كنز يضئ بجوهر لألاء
زاهي الجمال مفتر الأجفان في ... سحر بدا أمر على الأمراء
نطقت حروف الشكل أن لحاظها ... تركت ببابل أعظم الأهواء
في وجهه نور وداخل مهجتي ... نار يؤججها الهوى بحشائي
فكأنما عيني التي قد أوجبت ... تأثيرها في الوجنة الحمراء(4/75)
وجنت على قلبي بلمحة ناظر ... فقصاصها ترعى نجوم سماء
أكرم بجيد حشوه جود يرى ... والصدر بيت العلم والانشاء
حاوي المكارم والمفاخر والعلا ... بحر طمى قدوة الفضلاء
المورد العذب الذي من فيضه ... بحران بحر ندى وبحر سخاء
قاض يعمّ بعدله كل الورى ... وبحكمه ترك العدا بشقاء
عمر المنازل عدله وكماله ... عمر المفدّى أفصح الفصحاء
نتج الزمان به وفاق بفضله ... وبجوده أربى على الأنواء
هو مرجع يزجي إليه وحقه ... هو مقصد الفضلاء والكرماء
وله أيضاً
قلبي لصدّك صابر وحمول ... هيهات أني عن هواك أحول
يا من شغفت به فعذب مهجتي ... رفقاً فجفني بالسهاد كحيل
مالي سوى روحي وإن ترضى بها ... يا حبذاك وإن ذا لقليل
عيناك قد رمتا بقلبي أسهماً ... فلذا جفوني بالدماء تسيل
يا قاتلي ظلماً بلين قوامه ... عوفيت إن يك عن دمي مسؤل
أنت الطبيب لمن به حل الشقا ... وشفاء قلبي ريقك المعسول
قد كنت تأتي كل يوم زائراً ... واليوم حتى بالسلام بخيل
قل لي فما ذنبي وما ذاك الذي ... قد كان مني فالمحب حمول
أو أن أكن أخطأت جهلاً إنني ... أنا تائب والعفو منك جميل
بالله يا ريح الصبا فاحمل له ... مني الرسالة والحديث طويل
وأخبره أن الروح من هجرانه ... ذابت عليه ووصله المأمول
سقياً لأيام الوصال فإنها ... رقت كما رقت صبا وقبول
قد كان لي فيها رقيبي شافعاً ... وكذا العذول إلى الحبيب رسول
طابت كما قد طاب مدح الماجد ال ... مولى الممجد من نداه سجيل
وقال
أدر المدامة يا مليك الأنفس ... ممزوجة في ثغرك المتلعس
صهباء بحلي في الكؤس كأنها ... خود بدت في أحمر من أطلس
راح حكت في اللون خدّ مديرها ... بصفائها وشعاعها في الأكؤس
بكر إذا باكرتها لك أولدت ... سر السرور مع النديم الأكيس
في روضة تزهو بحسن أزاهر ... من سوسن وقرنفل مع نرجس(4/76)
والورد باد في الغصون كأنه ... سلطان حسن جالس في مغرس
والطير والشادي على صوتيهما ... قم يا نديم أدر كؤس المجلس
ساق كأن الله أودع حسنه ... وجماله سرّ الجمال الأقدس
يسبي الغزالة في السماء وفي الفلا ... بجماله وبطرفه المتنعس
وإذا مشى يختال من صلف به ... أزري ببانات الغصون الميس
وإذا رنا تيهاً بطرف فاتر ... قالت أسود الغيل هذا مقوسي
رشقت لواحظه بقلبي أسهما ... أبدينها بحواجب هي كالقسي
بدر إذا ما ماس في داج تخل ... شمس الظهيرة أشرقت في الحندس
يفترّ عن درّ فتحسب في الحمى ... برقاً تألق في نهار مشمس
رشأ حوى رتب الجمال كما حوى ... رتب الكمال وكل فضل أقعس
بحر الندى نجم الهدى من قد سما ... عمر المفدّى بالدنا والأنفس
مولى كساه الله جل جلاله ... ثوب المهابة وهي أشرف ملبس
وقال أيضاً
قلب إلى لقيا الأحبة شيق ... ومدامع طول المدى تترقرق
ونواظر ترعى النجوم فليتها ... تغفو عسى منهم خيال يطرق
وإذا سمعت بذكرهم بين الورى ... فيصير قلبي من جواه يخفق
فأموت من وجدي وأذكر ما مضى ... وأذوب من حرقي ونفسي تزهق
ولقد بكيت على التلاقي ساعة ... حتى لكدت بماء جفني أشرق
وبمهجتي رشا يميس رشاقة ... كل الغصون إذا تبدّى تطرق
جدلان ساجي الطرف مهضوم الحشا ... حلو الشمائل طرفه متملق
فالبدر من لآلاء طلعته بدا ... وجبينه منه الغزالة تشرق
إن لاح طرفي شاخص لجماله ... أوصال قلبي من سطاه ممزق
ما ضرّ لو منع التجافي والقلى ... وبوصله قد جاد وهو الأليق
وعلام يمطل بالوصال أما يرى ... قلبي له متشوّف متشوّق
فإليك عني يا عذول فإنني ... من جور أحكام الهوى لا أفرق
أو ما ترى الروض البهيّ كأنه ... نشر على وجه الرياض ورونق
والشهب تزهو بالضياء لأنه ... قد لاح نجم محمد يتألق
الفاضل الحبر الهمام ومن له ... فضل على أهل الفضائل يفرق
وله من قصيدة(4/77)
خيال أتى والليل راع ظلامه ... فشرّد عن جفن المعني منامه
وراح وألقى في الحشا لاعج الهوى ... مقيم بقلبي حره وضرامه
وما حققته العين من فرط دهشتي ... بذاك المحيا وهو راخ لثامه
وقد قرحت بالسهد أجفان ناظري ... ودمعي على الخدّين طال انسجامه
فأصبح عما أشتكي لوعة الجفا ... وأمسى سروراً عل نحوي لمامه
إذا لاح برق في دجى الليل ساطع ... وتوهم طرفي أن ذاك ابتسامه
غزال رخيم الدل رخص بنانه ... له في الحشا مرعى وقلبي مقامه
يعير شموس الأفق من نوره كما ... يعير غصون البان ليناً قوامه
ويخجل بدر التمّ حسناً وطلعة ... وما البدر إلا عبده وغلامه
إذا ما نضا عنه القناع مخاطباً ... تقشع عن بدر الدياجي غمامه
يجرّد من سود اللواحظ أبيضا ... ليجرح قلبي لحظه وحسامه
له طرّة تبدي الدجى وجبينه ... يزيح عن الليل البهيم قتامه
وقامته كالرمح والسيف ناظر ... وحاجبه قوس رماني سهامه
بدير علينا راح ثغر قد انجلت ... بكأس عقيق قد حلا لي مدامه
وقد لامني الواشي على فرط حبه ... وأصعب شيء كان عندي ملامه
يروم سلوّي عن هواه وكيف لي ... وبين ضلوعي وجده وغرامه
لئن عز صبري عن لقاه فمخلصي ... بمدح الذي عم البرايا اهتمامه
وله من أخرى
قسماً بأني عهده لا أفسخ ... ولو أنه بالهجر وصلى ينسخ
بأبي وبي أفديه ظبي أغيد ... في حسنه بدر السماء له أخ
ريان من ماء الشباب وخدّه ... من مسك عارضه الأريج مضمخ
إن ماس أزرى بالعوالي قدّه ... وعلى غصون البان منها يجفخ
فكأن طرّته ونور جبينه ... ليل دجوجي منه صبح يسلخ
يرنو بألحاظ نوافث سحرها ... شهرت مواضي للعزائم تنسخ
علقت به روحي فعذب مهجتي ... بصدوده وعن التواصل يزمخ
ولقد كتمت هواه بين جوانحي ... إذ لم أجد لي للتلاقي مصرخ
يا للأخلا قد تزايد بعده ... عني وفي هجري تراه يرضخ
وأحل قتلة عاشقيه أما ترى ... خدّاله بدم القلوب يضمخ
كيف التخلص من هواه وقد غدا ... للحب في جنب المتيم مرسخ(4/78)
إن لامني في حبه الواشي فلي ... سمع عن التعنيف فيه أصلخ
لم يدر أني في هواه مخلص ... بمديح من في مجده يستبذخ
الماجد الشهم الذي بفضائل ... أضحت له الأعداء دوماً تدنخ
هو نجل إسمعيل من فاق الأولى ... بمكارم مثل السحائب تنضخ
وله من قصيدة
صبّ بالهجر تهدّده ... قد ذاب جوى من يسعده
والسقم براه وأنحله ... فلذا ملته عوّده
سهران الطرف له رقت ... في الليل نجوم تشهده
وغدا يشدو من فرط جوى ... يا ليل الصب متى غده
يهواه الصب فيشغله ... أسف للبين يردّده
قمر في القلب منازله ... فعجيب عنه تباعده
ريحان العارض فيه حوى ... خطا ياقوت مجوّده
في الحسن فريد بل ملك ... فتعالى الخالق موجده
طفل لحديث السحر روى ... عن بابل طرف يسنده
رشأ ألليث بمقلته ... يسطو للغاب يقيده
يرنو باللحظ فيسحبه ... للقتل دعاه مهنده
بالله أعيذك يا أملي ... من قتل شج تتعمده
وأرفق بالقلب فإن به ... جمراً قد زاد توقده
واسمح بالغمض لعل بان ... في النوم خيالك يسعده
في قيدك قد أمسى دنفاً ... وأنا في ذاك مخلده
لم ألق خلاصاً منه سوى ... من سام ذراه ومحتده
وله كذلك
أذى لآل أم عقود الجمان ... أم أنجم الجوزاء أم بهرمان
أم ذا هلال الأفق بادي السنى ... أم بدر تمّ قد تراءى عيان
أم بابل أهدت لنا سحرها ... فالعقل مني حائر والجنان
أم روض نوّار بدا نشره ... فعطر الأكوان أم عرف بان
عاينت فيه الورد مع نرجس ... فقلت ما أحسن هذا القرآن
من حسنه قد حار عقلي ومن ... نظم أتاني من بديع الزمان
نجل المفدّى والامام الذي ... كالشمس معروف لقاص ودان(4/79)
بالعلم والأفضال عمّ الورى ... نفعاً وإحساناً كريم البنان
سقياً لقبر حل فيه وقد ... أسكنه الله فسيح الجنان
وأنت يا مولاي من بعده ... علامة العصر فريد الأوان
لقد أتاني منك لغز غدا ... سناؤه يسمو على النيران
ثملت من معناه لما أتى ... فمنه سكري لا ببنت الدنان
يسال عن ورد زكا نشره ... به تذكرت خدود الحسان
وليث غاب إن سطا في الوغى ... سلاحه ماض كحدّ السنان
تحريفه يروى وإن درته ... مساكن الأفراح في العنفوان
وثلثه أذكرني الشاعر ال ... وأواء من للشعر حلي وزان
وما بقي فالدرّ إن درته ... وإن تحرفه فدرّ اللبان
والأصل منه صدق ودّأتي ... ما زال مأموناً إذا القلب بان
فما اسم شيء رق طبعاً بدا ... في الفضل مشهوراً به يستعان
يروق إشراقاً ولكنه ... يروع غرباً والمراع الجبان
له لسان أخرس كم به ... كلم إنساناً بذاك اللسان
كم شق من نهر على سابح ... وهام في واد وخلى مكان
عذب حيناً في لهيب اللظى ... وكم رأى من طارق في الزمان
وصبره صيره راقياً ... وماضي الأحكام في كل آن
طوراً تراه راكعاً ساجداً ... مع المصلين اماماً عيان
فياله من عالم إن رأى ... متنا فيشرحه بحسن البيان
مدبج اللون يرى أخضراً ... وأبيضاً في حمرة الارجوان
تصحيفه وصف لأنعامكم ... وذا حنين أم حياء وصان
ضم حواشياً غدت سورة ... وقلب باقيه طبيب يدان
لم يخش من شيء ولكنه ... إن طاح منه الرأس فالموت حان
وهو رباعيّ ولكن إذا ... للربع تحسبه تجده ثمان
وربعه الثاني فصحف ترى ... نبتاً بدا تلقاه قبل الأوان
وما بقي منه بمقلوبه ... وهو الذي معناه في الصدر بان
بينه واكشف سرّ ما قد خفي ... منه وحليه بعقد جمان
لا زلت تسمو للعلا راقياً ... إلى مقام دونه الفرقدان
ما حل لغزاً فاضل ذو ذكا ... بدرّ ألفاظ وسحر البيان(4/80)
وله مشجراً
عهدي على أني المقيم بعهده ... ولو أنه قدّ الفؤاد بقدّه
بأبي وبي أفديه بدراً مشرقاً ... بدر السما أضحى لديه كعبده
درى الثنايا تحت شفته بدا ... خال توارى من تلهب خدّه
أصلى الفؤاد بنار وجد أضرمت ... لا تنطفي إلا بمرشف برده
لي في هواه شواهد دلت على ... تلفى برقة خصره وببنده
لا أنتهي عن حبه لو قطعت ... أحشاي من جور الغرام وصدّه
هو بغيتي بل منيتي ومنيتي ... وضلال قلبي فيه غاية رشده
وله مضمناً
وتكللت وجنات من أحببته ... عرقاً ففاح المسك من نفحاتها
وأتت عوارض حسنة تبدي لنا ... قسماً بروضة خدّه ونباتها
وله من الدو بيت قوله
من سيج ورد خده بالآس ... حتى مرضي أعياه طب الآسى
أقسمت عليك بالهوى يا أملي ... دارك رمقي ولا تكن لي آسى
ومن معمياته قوله في حسن
يا أخا الوجد لو تعاين ما بي ... كنت ترثى لحالتي وشجوني
وجه حبى مع الظعائن سارا ... فاتنالي وحاجب مقرون
وقوله في يونس
رب بدر سبي الأنام بحسن ... وبقد كغصن بان تثنى
قالت الشمس منذ لاح مضيئاً ... هو أرقى من نور وجهي وأسنى
وقوله في صالح
بالروح أفديه حبيباً غدا ... ناء عن المضنى بلا ذنب
من لحظه والقدّ لا تسألوا ... ما منهما قد حل بالقلب
وله غير ذلك ولم أدر وفاته في أي سنة كانت غير أنه في سنة احدى عشرة ومائة وألف كان موجوداً رحمه الله تعالى.
السيد محمد الكردي
ابن عيسى الحسيني الحنفي الكردي الأصل القدسي هذا الأديب افتر ثغر الزمان عن درره وابتهج بما يبديه من لطائف نظامه ونثاره كان شاعراً فاضلاً له واسع اطلاع(4/81)
وحسن نباهة وبداهة أحد أفراد مصره في عصره مجيد في النظام والأدب له اجتهاد في العلوم وباع ذكي الطبع حسن السمت حلو المسامرة يرغب في مسامرته الكرام والصدور وتبتهج بروائع رشحات أقلامه وجوه الصحائف والسطور وكان بالقدس ممن اشتهر بالفضائل خصوصاً بفنون الأدب وارتحل إلى الروم ولم يطل المكث هناك وعاد إلى بلدته وكان يلازم المسجد الأقصى ووالده أحد الصلحاء من العالم وولده المترجم نثره ونظمه كل منهما باللطافة والرقة ممزوج ومشمول فمما وصلني من ذلك ما كتبه إلى السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين وفوده من الروم
شمس العلا طلعت ولاح سناء ... وازدادت الأنوار والأضواء
وبدا لنا بدر الضيا متلألئاً ... مذ قابلتنا الغرّة الغراء
وانجاب عز وجه الشآم غمامه ... وبدا الصباح وزالت الظلماء
وافترّ ثغر الدهر لما أن عرا ... أهل العداوة بالسرور بكاء
وتقاربت نحو المنى آمالنا ... وتباعدت عن عيننا الأقذاء
لبس الزمان أحاسن الحلل التي ... بجمالها تتزين الحسناء
والأرض قد أبدت غلائل زينة ... وتكللت من فوقها الأنداء
والكون يرقص من مزيد سروره ... رقصاً به قد طابت الخيلاء
والروض مدّ بساط منثور على ... منظوم زهر قد علاه بهاء
والنهر يجري فوق درّ ناصع ... هو للتمائم درّة عصماء
وعصابة الأدباء كل قائل ... شعراً به تترنم الورقاء
كل بباب الفتح طاف مبشراً ... بسلامة هي للأنام شفاء
من لا تفي البلغا بمدحته ولو ... بجميع أصناف المدائح جاؤا
عادت بعودك للأنام حياتهم ... فالآن سائر من يرى أحياء
لولا بشير البشر بشرّنا لما ... زار العيون وحقك الأغفاء
قد غم كل منافق ومداهن ... وسرت إلى سرّائه الضراء
وتفطرت أكباد حسد نعمة ... وتقطعت فزعاً لهم أمعاء
وتسر بلواً بالخزي في درك الشقا ... ما ثم فوق شقا الحسود شقاء
تجري الدما منهم على وجناتهم ... فلذاك عين وجودهم عمياء
فطعامهم بعد النفائس أنفس ... وشرابهم بعد الزلال دماء
ووجوههم مصفرّة مما بهم ... وكذا تنفسهم هو الصعداء
ما بالهم يبغون سوأ للذي ... بالجود منه تذهب الأسواء(4/82)
ما بالهم يبغون غماً للذي ... بندى يديه تخصب الأرجاء
يكفي الحسود بأن سحنة وجهه ... بين الخلائق غمة سوداء
هل يستوي صبح وليل أليل ... والدرّ ليس كمثله الحصباء
يا أكمل الرؤساء لا مستثنياً ... أحداً إذا ما عدّت الرؤساء
يكفيك يا عين الأماجد والعلا ... حمد ومدح رفعة وعلاء
قد أجمع العقلاء إنك أوحد ... وسواك يا روح العلا غوغاء
لا رأى يلفي مثل رأيك صحة ... منه استضاءت في الورى آراء
ما كل من ولي المناصب ماجد ... كلا ولا كل الشموس ذكاء
ضاقت صدور بني المراتب بالذي ... قد أودعوه وصدرك الدهناء
أنت الصباح لنا وغيرك عندنا ... ليل وغرّة وجهك اللألاء
ولأنت في سعد السعود لدى المدى ... والضدّ في وادي العنا عوّاء
غلبت طباعك كل طبع مائل ... وتباعدت عن عرضك الأسواء
في الله لم تأخذك لومة لائم ... كلا ولا مالت بك الأهواء
لك نعمة عند الورى خضراء ... ويد لعفة كفها بيضاء
سدت الأنام بها بغير مشارك ... والناس فيما دونها شركاء
بل سدتهم من كل وجه لا كمن ... قد سوّدته بيننا الصفراء
قد أطبق الأجماع أنك وجهة ... قد قلدتها السادة الحنفاء
شهدت لك الأعدا بفضل زائد ... والفضل ما شهدت به الأعداء
وإليك يا بحر النوال عروسة ... عذراء زفت بالثنا وطفاء
وفدت تقنع رأسها بردائها ... خجلاً ويعلو وجهها استحياء
وقفت بباب الفتح إن يك منعماً ... بقبولها زادت لها النعماء
إن أبطأت عن لثم كفك لا تقل ... يكفي الذي قد خلف الابطاء
وأقبل لنائية الديار مسامحاً ... فأخو النباهة دأبه الأغضاء
لا زلت في مجد وسعد دائماً ... ما نقطت وجه الربا الأنواء
ومن نثره لما هتف بريد السعد وأعلن بشير الجد والمجد وتزايد وافر الشوق والوجد وسرت إذ سرت مسرة الفتح المبين ماست عروس الشام في حلل الجمال وقبلها البهاء من الجبهة إلى الخلخال وعلت روضة النيرين على النيرين بأفق الكمال وتناهت وتباهت بذروة العزة والتمكين وقامت خطباء الطير على منابر الغصون وهتفت سواجع الورق فحركت(4/83)
سواكن الشجون وأطرب فأعرب كل صادح بلحن غير ملحون ونادى منادي المجد بنادي السعد أهلاً بفخر القادمين تفطرت أكباد الأعداء والحساد وأشرقت أرجاء الوهاد والمهاد واطمأنت القلوب وتلت ألسن العباد والعباد فرحاً بنيل الأماني والتهاني ادخلوها بسلام آمنين هذا أجل ما تنظره العيون وترقبه هواجس الخواطر والظنون وتطلبه الحامدون الراكعون الساجدون على رغم أنف كل حسود هو في هاوية الغيظ رهين فلله الحمد على نعمه العميمة وأجلها هذه النعمة العظيمة وله الشكر على سننه الكريمة التي قرت بها أعين المحبين وبعد لثم الأعتاب السنية أقبل بناديكم كل راحة ندية وأهدى أكمل تحيات وتكريمات ندية لكل أخ وعم وأبنائهم وتابع وخدين أدام الله تعالى حفظ الجميع وأبقاكم على ذروة العز الرفيع وخلد أعداءكم في الحضيض الوضيع بجاه أشرف النبيين والمرسلين واستاذنا معدن العرفان والتحقيق سبط الحسنين وصفوة الصديق يهدي لكم وللأخوة وابن العم الشقيق مع دعاء ومدد مدى المدد بهما يتأبد التمكين ومولانا السيد فضل الله العلمي أجل مخلص يهدي التحية ودمتم ملاذاً للخائفين والطائفين والعاكفين
أقبل كفا طالما كفت الأذى ... وقلدت الأعناق ما يوجب الشكرا
فلثمي لتلك الخمس كالخمس واجب ... عليّ فصارت واجباتي بها عشرا
أقول بعد لثم راحة تناولت زهر الكواكب ونابت عن الغيث فسحت وما شحت بخمس سحائب يا مولاي المتطول بأياديه المتفضل بما غمرتني غواديه المرتدي بأثواب الجلال المبتدئ بالعطاء قبل السؤال لم أستطع تمثيل حمدك ومدحك ولم أطق وصف ذرة من أفضالك ومنحك فلقد أتعرت مواردي ومناهلي وحملتني من حقائب الجود ما أثقل كاهلي
كم من يد بيضاء قد أسديتها ... تثني إليك عنان كل وداد
شكر الآله صنائعاً أوليتها ... سلكت من الأرواح في الأجساد
ولما تشرفت العيون بكريكم المرسوم وأوصلنا داعيكم ما به مرسوم كل عن الشكر بناني ولساني وأعلن بالأدعية المقبولة جناني لأني كلما فرغت من شكر يد كثر مددها وصلتها بأياد جزيلة أعد منها ولا أعددها فلا تحدث لي بعدها زياده وأرفق بعبدك فقد ملك العجز قياده
أنت الذي قلدتني نعماً ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا
لا تسدينّ إليّ عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا
وما عسى مادحك أن يقول يا من بهر بحسن مناقبه العقول المتكلم يعجز عن وصفك(4/84)
يراعه والبليغ يقصر عن حصر وصفك باعه على أن كلاً لو استعار لساناً واتخذ الريح في نقل أخبارك ترجماناً أدركه الملال ولم يصل إلى غايتك وأعياه الكلال دون الوقوف عند نهايتك فالله يتولى مكافأتك بما هو أبلغ من شكر الناس ويمتع الأحباء ببقاء ذاتك التي جلت عن النعت والقياس آمين بجاه أشرف المرسلين وقال مادحاً له
صبح المسرّات قد راقت زواهره ... ودوح روض المنى افترّت أزاهره
وماست القضب سكري في خمائلها ... لما سقاها من الوسميّ باكره
وعانق النهر قامات الغصون وقد ... سرّت دمشق بعصر راق سائره
وقرّ مسجدها عيناً ببهجته ... وكاد من قبل أن تدمى محاجره
وكاد يعوزه بسط الحصير به ... عند الحصور الذي جلت مآثره
والآن يزهو بتعمير ويزهر من ... دروس علم وقد قامت شعائره
يختال في برد الوشي البديع وقد ... ترنحت طرباً منه منايره
وزانها في دجى الأسحار حسن دعا ... لناظر ماجد طابت سرائره
الأوحد الفرد فتح الله خدن علا ... نسل الأماجد من زادت مفاخره
ذو الحزم والعزم والرأي السديد وما ... تحيد عن غرض التقوى أوامره
وهي طويلة وله غير ذلك وكانت وفاته بالقدس سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
محمد الكناني
ابن عيسى بن محمود بن محمد بن كنان الحنبلي الصالحي الدمشقي الخلوتي أحد العلماء الأتقياء والصلحاء العاملين ولد في سنة أربع وسبعين وألف ونشأ في كنف والده وأخذ عنه الطريق وأخذ على جماعة كالشيخ خليل الموصلي قرأ عليه حصة من جمع الجوامع في الأصول والرسالة الأندلسية في العروض وغيره من الأجلاء وحج إلى بيت الله الحرام واجتمع في المدينة المنورة بالأستاذ الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني وأخذ عنه الحديث ولما توفي والده صار مكانه شيخاً واستقام إلى أن مات ولازم الأذكار وألف التاريخ الذي جمعه بالحوادث اليومية وقد طالعته واستفدت منه وفيات وبعض أشياء لزمتني لتاريخ هذا وهو تاريخ يشتمل على الحوادث الصادرة في الأيام مع إيراد وفيات ومناسبات وفوائد وورد يوماً من الأيام مذاكرة بين الوالد وبينه في المعميات فذكر أنه يستخرج اسم هود من قوله تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيته واسم شهاب من قوله تعالى والليل إذا(4/85)
يغشاها وكانت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالصلاحية وتولى بعده المشيخة ولده الفاضل الشيخ محمد سعيد رحمه الله تعالى.
محمد أمين المحبي
ابن فضل الله بن محب الله بن محمد محب الدين بن أبي بكر تقي الدين بن داود المحبي الحموي الأصل الدمشقي المولد والدار الحنفي العلامة الأديب فريد العصر ويتيمة الدهر المفنن المؤرخ الذي بهر العقول بإنشائه البديع الذي ذل له البديع الفاضل الذكي اللوذعي الألمعي الشاعر الماهر الفائق الحاذق النبيه أعجوبة الزمان مع لطافة عجيبة وطلاقة غريبة ونكات ظريفة وشواهد لطيفة ولد بدمشق في سنة احدى وستين وألف ونشأ بها في كنف والده واشتغل بطلب العلم فقرأ على العلامة الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ رمضان العطيفي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ علاء الدين الحصكفي مفتي دمشق والشيخ عبد القادر العمري ابن عبد الهادي والشيخ نجم الدين الفرضي وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ محمد العباسي الخلوتي وأخذ بعض العلوم عن الشيخ محمود البصير الصالحي الدمشقي وأخذ عن الشيخ عبد الحي العسكري الدمشقي وأجاز له الشيخ يحيى الشاوي والشيخ محمد بن سليمان المغربي وأخذ بالحرمين عن جماعة من علمائهما منهم الشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ إبراهيم الخياري المدني حين ورد من الشام وغيرهم ومهر وبرع وتفوق في فنون العلم وفاق في صناعة الانشاء البليغ ونظم الشعر وظهر فضله وكان يكتب الخط الحسن العجيب وألف مؤلفات حسنة بعد أن جاوز العشرين منها الذيل على ريحانة الشهاب الخفاجي سماه نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة والتاريخ لأهل القرن الحادي عشر سماه خلاصة الأثر في تراجم أهل القرن الحادي عشر ترجم فيه زهاء ستة آلاف وهو مشهور والمعول عليه في المضاف والمضاف إليه والمثنى الذي لا يكاد يتثنى وقصد السبيل فيما في لغة العرب من الدخيل والدر المرصوف في الصفة والموصوف وكتب حصة على ديوان المتنبي وحاشية على القاموس سماها بالناموس صادفته المنية قبل أن تكمل وكتاب أمالي وديوان شعر وغيرها من درر غرره وتحائف فكره ورحل للروم وللديار الحجازية وناب في القضاء بمكة ورحل للديار المصرية وناب في القضاء بمصر وحج بيت الله الحرام وولي تدريس المدرسة الأمينية بدمشق وبقيت عليه إلى وفاته قال الشمس الغزي في كتابه لطائف المنة اجتمعت به مرتين في خدمة والدي فإنه كان بينه وبين المترجم مودة أكيدة وسمعت من فوائده وشعره وكان قد أدركه الهرم بسبب استيلاء الأمراض عليه انتهى(4/86)
قلت وله شعر لطيف وهو مشهور أودع غالبه في نفحته وتاريخه فلنذكر نبذة منه فمن ذلك قوله
ألا في سبيل الله نفس وقفتها ... على محن الأشجان في طاعة الحب
أعاني جوى من ذي ولوع بكيده ... إذا لم يمت بالصدّ يقتل بالعجب
تخيرته من ألطف الغيد خلقة ... تكوّن بين الراح والمبسم العذب
أبى القلب إلا أن يكون بحبه ... وحيداً على رغم النصيحة والعتب
فلو فوّقت سهم المنون جفونه ... لقلب سوى قلبي تمنيته قلبي
وكان له ترب بدمشق ألف بينهما المكتب وحبيب كان يرتع معه أيام الصبا ويلعب فكان فراقه عنده من أعظم ذنوب البين وفي المثل أقبح ذنوب الدهر تفريق المحبين فكتب هذه الأبيات وهي أول ما سمح به فكره من النظم
لا كانت الدنيا وأنت بعيد ... يا واحداً أنا في هواه وحيد
يا من لبست لهجره ثوب الضنى ... وخلعت برد اللهو وهو جديد
وتركت لذات الوجود بأسرها ... حتى استوى المعدوم والموجود
قسماً بما ألقى عليك من العدا ... ومحب وجهك في الورى محسود
إن المحب كما علمت صبابة ... فالصبر ينقص والغرام يزيد
ولقد ملأت القلب منك مهابة ... فعليّ منك إذا خلوت شهيد
والحرص مذموم باجماع الورى ... إلا عليك فإنه محمود
وقوله
وأغيد يسكر عقل الغيد ... يصيد بالحسن قلوب الصيد
فؤاده صوّر من حديد ... وقلبه أقسى من الجلمود
مولى عظيم الفتك بالعبيد ... يغنيه حسنه عن الجنود
سكر لحاظه بلا حدود ... يصدّو الهلاك في الصدود
قد عاقه الثلج عن الورود ... ما الثلج إلا برص الوجود
وقوله في بعض الأمراء
بأبي وإن كان أبي سميذعاً ... خلقت يداه للشجاعة والندى
راجعته في أزمة فكأنما ... جردت منه على الزمان مهندا
ملك كريم كالنسيم لطافة ... فإذا دجا خطب قسا وتمرّدا
أمواج إحسان أسرّة وجهه ... لصديقه وسيوف بأس للعدا
كالبحر ينعم بالجواهر ساكناً ... كرماً ويأتي بالعجائب مزبدا(4/87)
يفنى من الأعمار إن غشي الوغى ... ما لو حوى أفنى الزمان وخلدا
والهام نسجد خشية من سيفه ... لما أبت أربابها أن تسجدا
لا تعجبوا إن لم يسل منهم دم ... فالخوف قد أفنى النفوس وجمدا
وقوله في مدح القسطنطينية معارضاً أبيات الحريري في البصرة
بلاد قد حوت كل الأماني ... نبيت بها ونصبح في أمان
هي البلد الأمين فليس تخشى ... بها ظلماً سوى جور الغواني
حدائقها من الروضات حسناً ... هي الفردوس من بين الجنان
وبقعتها من الدنيا جميعاً ... بمنزلة الربيع من الزمان
وكوثرها على الحصباء يجري ... كذوب التبر سال على الجمان
إذا صدحت بلابلها أجابت ... كواكبها بأنوار الحسان
ومن مقاطيعه قوله وقد تعجب منه بعض الأكابر في محفل فقال بديها
لئن أصبحت أدنى القوم سنا ... فعدّ فضائلي لا يستطاع
كشطرنج ترى الألباب فيه ... حيارى وهو رقعته ذراع
وقوله
كلنا جرحى خطوب ... مالنا الدهر مريح
فلهذا لم يكن يو ... جد شاميّ صحيح
ومن نفثاته البديعة قوله
للقلب ما شاء الغرام ... والجسم حصته السقام
وإذا اختبرت وجدت مح ... نة من يحب هي الحمام
عجباً لقلبي لا يم ... لّ جوى ويؤلمه الملام
وأبيك هذي شيمتي ... من منذ أدركني الفطام
إني أغار على الهوى ... من أن تؤمله الأنام
وأروم من حدق الظنا ... نظراً به حتفي يرام
أفدي الذي منه يغا ... ر إذا بدا البدر التمام
فعلت بنا أحداقه ... ما ليس تفعله المدام
إن شط عنك خياله ... فعلى حشاشتك السلام
أأخيّ من يك عاشقاً ... فعلام يجفوه المرام
إني بليت بمحنة ... هانت بها النوب العظام
حتى لقد عميت على ... مسالكي ودجا القتام(4/88)
صاحبت ذلي بعد أن ... قد كان تفخر بي الكرام
والمرء يصعب جهده ... ويلين صعدته الصدام
لا تتهمنّ تذللي ... فالتبر معدنه الرغام
وإذا جفاني من أحب ... صبرت حتى لا أضام
فعبوس أردية الحيا ... عقباه للروض ابتسام
ولئن وهت لي عزمة ... فلربما صدئ الحسام
فعسى الذي أبلى يعي ... ن وينقضي هذا الخصام
وقوله
قد قعقعت عمد للحيّ وانتجعت ... كرام قطانه لم ألق من سند
مضى الألى كنت أخشى أن يلمّ بهم ... ريب الزمان ولا أخشى على أحد
فأفرخ الروع أن شالت نعامتهم ... فأفسد الدهر منهم بيضة البلد
وقوله
وشادن قيد العقول وجهه ... وصدغه سلسلة الآراء
شامته حبة قلب مذ بدت ... جنت بها الأحشاء بالسوداء
وقوله
لا بدع أن شاع في البرايا ... تهتكي في الرشا الربيب
عشقي عجيب فكيف يخفى ... وحسنه أعجب العجيب
وقوله
بي من أن عاينته مقلتي ... ينمحي جسمي ويفنى طربا
أيّ شيء راعه حتى انثنى ... هارباً مني وولي مغضبا
وقد اتفق في مجلس بعض الأعيان أن دعى إليه صاحب الترجمة وكان به المولى علي بن إبراهيم العمادي والسيد الشريف عبد الكريم الشهير بابن حمزة وغيرهما فسقطت ثريا القناديل في ذلك المجلس فقال المترجم مرتجلاً
لله مجتمع كواكبه ... تلك الوجوه وضيئة الحلك
حتى النجوم هوت له كلفاً ... بنظامها من قبة الفلك
وقال
وليس سقوط الثريا لدى ... نديّ الموالي من المنكرات
فإن الشموس إذا أسفرت ... فلاحظ للأنجم النيرات
وقال السيد عبد الكريم المذكور في ذلك(4/89)
مجلس ضم شملنا بانسجام ... كالثريا وحبذا الانسجام
نظمتنا يد العناية عقداً ... سلكه الودّ لأعراه انفصام
والعماديّ منه وسطاه والوس ... طى لها الصدر منزل ومقام
فأدرنا من الحديث كؤساً ... سكرت من مدامها الافهام
ونعمنا بالاً وروحاً وسمعاً ... ولدينا للنيرات ازدحام
بينما نحن من ثرياه عجب ... وبها الزهر زانه الانتظام
إذ تداعت من أفقه وهي خجلى ... إذ حكتنا وفاتها ما يرام
ولصاحب الترجمة يرثى بعض الأعيان وقد حبس ثم قتل
أسفي على بحر النوال ومن له ... بأس الملوك وعفة الزهاد
لو أن بعض صفاته اقتسم الورى ... لرأيت أدناهم كذي الأعواد
لم يجن ذنباً غير أن زمانه ... قد فوّض الأحكام للحساد
هابوه وهو مقيد في سجنه ... وكذا السيوف تهاب في الأغماد
ذهب السرور بفقده فكأنما ... أرواحنا غضبى على الأجساد
يا ثالث الحسنين عاجلك الردى ... والحتف قد يسري إلى الأطواد
لك بالكواكب والسحائب أسوة ... فاذهب كما ذهب السحاب الغادي
وذيل على البيتين الأولين وأرسل ذلك إلى بعض المعزولين عن مناصبهم فقال
إن الأمير هو الذي ... أضحى أميراً يوم عزله
إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان عدله
والسيف عند الاحتيا ... ج إليه يعرف فضل نصله
والحق ينفر تارة ... ويعود معتذر الأهله
والبدر يرجع ثانياً ... بعد الغروب إلى محله
والعقد يثر كي ين ... ظم ثانياً جمعاً لشمله
والخلد موعد آدم ... سيعودها أيضاً بأهله
لكن يكون مخلداً ... والشيء مرجعه لأصله
لا بأس من كرم الكري ... م فثق برحمته وفضله
وله أيضاً
ومقرطق لولا جفون جفونه ... خلنا دم الوجنات من ألحاظه
وتكاد تقرأ من صفاء خدوده ... ما مرّ تحت الخد من ألفاظه
وله غير ذلك من النظام والنثار المزري بكاسات العقار وكانت وفاته في ثامن عشر جمادي(4/90)
الأولى سنة احدى عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية من مرج الدحداح قبالة قبر العارف أبي شامة وكثر الأسف عليه وقامت عند الأدباء مآتمه فرثى بالقصائد العديدة منها ما قاله الشيخ صادق أفندي الخراط من قصيدة مطلعها
هذا المصاب الذي كنا نحاذره ... القلب من هو له شقت مرائره
بئس الصباح صباح البين لا طلعت ... شموسه بل ولا لاحت بشائره
أهدى لنا جمل الأكدار مطلقة ... فلا رعى الله ما أهدت بوادره
وهي طويلة جداً وترجمه الأمين حقيقة بالتدوين وفي هذا القدر كفاية لأهل الدراية.
محمد بن الطيب
ابن محمد بن محمد بن موسى الشرفي الفاسي المالكي الشهير بابن الطيب نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام المحدث المسند اللغوي العالم العلامة المفنن أبو عبد الله شمس الدين ولد بفاس سنة عشر ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء منهم والده ومحمد بن محمد المسناوي ومحمد بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد السلام البناني ومحمد بن عبد الله الشاذلي وأبو عبد الله محمد بن محمد ميارة وأبو الاقبال أحمد بن محمد الدرعي وأبو عبد الله محمد بن محمد الأندلسي وأحمد بن علي الوجاري ومحمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وعمره نحو سنتين والسيد عمر البار العلوي وغيرهم ممن ينوف على مائة وثمانين شيخاً وبرع وفضل وصار امام أهل اللغة والعربية في وقته محققاً فاضلاً متضلعاً في كثير من العلوم ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة ورحل للروم من الطريق الشامي ورجع منها على الطريق المصري وأخذ عنه في الشام ومصر خلق كثيرون وحصل بينه وبينهم مباحث في فنون من العلم وله تآليف حسنة منها حاشية على القاموس وشرح نظم فصيح ثعلب في مجلدين وشرح على كفاية المتحفظ وحاشية على الاقتراح وشرح كافية ابن مالك وشرح شواهد الكشاف وحاشية على المطول ورحلة وجمع مسلسلاته في كتاب وهي تنوف على ثلثمائة وغير ذلك من المصنفات مما ينوف على خمسين مصنفاً وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف فنه قوله هذه القصيدة في مدح السفر
سافر إلى نيل المعزة ... إن في السفر الظفر
وانفر لنيل المجد في ... من للمعالي قد نفر
واعلم بأن المكث في ال ... أوطان يدعو للضجر
ويورّث الأخلاط وال ... أجسام أنواع الضرر(4/91)
أوما رأيت المالطو ... ل المكث يعلوه الوضر
والبدر لو لزم الاقا ... مة في محل ما بدر
والدرّ لو أبقوه في ... قعر البحار لما افتخر
والتبر ترب في المعا ... دن وهو أفخر مدّخر
والعود معدود لدى ال ... غابات من جنس الشجر
والباتر المغمود لو ... لم يخرجوه لما بتر
هذا وكم مثل سرى ... في الناس من هذي العبر
أبدى البدائع منه من ... نظم القريض ومن نثر
عن وجهها في غالب ال ... أسفار أسفر من سفر
فادأب على الترحال في ال ... أحوال أجمعها تسر
واعلم بأن البعد عن ... وطن به تمّ الوطر
وأغرب بشرق وأشرقن ... في الغرب إن تك ذا نظر
واجعل جميع الناس أز ... رك والثرى طرّاً فذر
لا تؤثرن بدواً ولا ... حضراً وكن مع ما حضر
فالبدو عز واللطا ... فة والظرافة في الحضر
فإذا بدوت فكل عز ... باذخ فيك استقر
وإذا حضرت فكل ظر ... ف ظرفه لك مستقر
لا تبك الفالاً ولا ... داراً ولا رسماً دثر
فالناس الفك كلهم ... والأرض أجمعها مقر
فمتى وجدت العز وال ... عيش الهنيّ أقم تبر
ومتى رأيت الضدّ والص ... دّ الخفيّ فدع وذر
واجعل بضاعتك التقى ... مع من أسرّ ومن جهر
فإذا اتقيت الله فز ... ت بكل كنز مدّخر
وقوله
ألا ليت شعري هل أرى البيت معلماً ... وهل أردن يوماً على الريّ زمزما
ومن لي بحج البيت في خير معشر ... حدا بهم الحادي وغنى وزمزما
ومن لي بأن أمسى على حجراته ... وأصبح ممن للمغاني به انتمى
ومن لي بالخلّ الذي قد ألفته ... فندعى جهاراً أنتما القصد أنتما
نطوف بذاك البيت طوراً وتارةً ... نلمّ بهاتيك البقاع فنلثما(4/92)
وآونة نأتي إلى الحجر الذي ... سما قدره حتى تطاول للسما
نعفر فيه الخدّ والوجه كله ... ولست أرى ممن يخص به فما
وطوراً نصلي ثم نسعى إلى الصفا ... لنصفي الفؤاد المستهام المتيما
ونسرع كي نلقي المنى ولدى مني ... نخيم فيمن كان لليمن خيما
ونجني ثمار العرف من عرفاته ... ونغرف منه الخير غرفاً معمما
ونبرأ من كل العقاب إذا دنت ... عقاب جمار تحرق الذنب أينما
وتصبح فيمن برّ لله حجه ... وأصبح في تلك الرياض منعما
ويا ليت شعري هل أرى طيبة التي ... بها طابت الأكوان نجداً وأتهما
وهل تبصر القبر الشريف محاجري ... فأصبح فيه منشداً مترنما
أخاطبه جهراً وأسأل ما أشا ... وأرجو حصول السؤل منه متمما
ويسعدني القول البليغ فأتثنى ... إذا ما نظمت القول فيه تنظما
وارجع مملوء الحقائب غامراً ... بما شئت من علم وحلم وما وما
وتخد مني الدنيا وأصبح في غد ... لدى رتبة شماء في منزل سما
تحف بي الأملاك من كل جانب ... لدى جنة الفردوس فوزاً معظما
فتربح هاتيك التجارة كلها ... ويغنم مولاها ابتداءً ومختما
وأهدى إلى خير الأنام محمد ... سلاماً بعرف الطيبات مختما
وقال في عين الماضي حين وصل إليها من طريقه وهي عين ماء غزيرة محتفة بالنبات والأشجار وعندها قرية ماهولة قد وصف أهلها بمحاسن الأخلاق واتصف نساؤها بمحاسن الخلق وحسن العيون على الخصوص وهذه العين المذكورة واقعة في أرض الجريد ما بين مدينة فاس ومدينة طرابلس الغرب
عين ماضي بها عيون مواضي ... فاعلات فعل السيوف المواضي
والتفات الغزال لما غزا لي ... صائلاً صولة الأسود المواضي
وقدود تزهو إذا قدّت القل ... ب ازدهاء الأغصان بين الرياض
قال الشيخ المذكور بعد إيراد هذه الأبيان التي وصف فيها نساء عين الماضي غير أنا أخبرنا انهن لا يستعملن الماء في الاغتسال لأنه يضر بأبدانهن مهما قطر عليها وسال وقد ورد علينا سائل بين موجب ذلك وأوضح عذره قائلاً إن ذلك الماء يسقط حمل الحوامل ويذهب من الأبكار بالعذرة انتهى وله أيضاً
ورد الربيع فمرحباً بوروده ... وبنور بهجته ونور وروده(4/93)
وبحسن منظره وطيب نسيمه ... وأنيق مبسمه ووشي بروده
فصل إذا افتخر الزمان فإنه ... إنسان مقلته وبيت قصيده
يعني المزاج عن العلاج نسيمه ... باللطف عند هبوبه وركوده
يا حبذا أزهاره وثماره ... ونبات ناجمه وحبّ حصيده
وتجاوب الأطيار في أشجاره ... كبنات معبد في مواجب عوده
والغصن قد كسى الغلائل بعدما ... أخذت يدا كانون في تجريده
نال الصبا بعد المشيب وقد جرى ... ماء الشبيبة في منابت عوده
والورد في أعلى الغصون كأنه ... ملك تحف به سراة جنوده
وكأنما الأقاح سمط لآلئ ... هو للقضيب قلادة في جيده
والياسمين كعاشق قد شفه ... جور الحبيب بهجره وصدوده
وانظر لنرجسه الجنيّ كأنه ... طرف تنبه بعد طول هجوده
واعجب لآذربونه وبهاره ... كالتبر يزهو باختلاف نقوده
وانظر إلى المنثور في منظومه ... متنوّعاً بفصوله وعقوده
أوما ترى الغيم الرقيق وقد بدا ... للعين من أشكاله وطروده
والسحب تعقد في السماء مآتما ... والأرض في عرس الزمان وعيده
ندبت فشق لها الشقيق جيوبه ... وأزرق سوسنها للطم خدوده
وله وقد أنشدهما في الحجر والحطيم
هديت إلى الصراط المستقيم ... فجئت لحجة البيت العظيم
وعند الحجر قال الحجر أبشر ... فقد حطمت ذنوبك بالحطيم
وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والمكاتبات الفائقة وكان له الباع الطويل في اللغة والحديث وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وذكاءً ونبلاً وله حافظة قوية وفضله أشهر من أن يذكر وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة سبعين ومائة وألف بتقديم السين ودفن عند قبر السيدة حليمة رضي الله عنها ورحمه الله وإيانا.
محمد
ابن محمد بدر الدين ابن جماعة الكناني القدسي رئيس الخطباء بالمسجد الأقصى والامام بالصخرة المشرفة كان من أعيان القدس فاضلاً عالماً صوفياً حاجاً لبيت الله الحرام وتوفي بأراضي الحجاز بعد الحج وأولاده ثلاثة الشيخ إسحق والشيخ عماد الدين والشيخ بدر الدين ولم أتحقق وفاته رحمه الله تعالى.
محمد الخليلي(4/94)
ابن محمد بن شرف الدين الشافعي الخليل نزيل القدس بركة الزمان ونتيجة العصر والأوان الشيخ الامام المحدث العالم الفقيه الأصولي الصوفي الدين كان من أخيار العلماء المشاهير في وقته وصدور الأجلاء في تلك الديار وغيرها ولد ببلدة الخليل وكان أوان شبابه يتعاطى كسباً دنيوياً لمعاشه الجميل فحركته العناية الألهية لمصر الأمصار بإشارة شيخه العالم العامل الشيخ حسين الغزالي وبمدد شيخه الشيخ شمس الدين القيسي قطب زمانه نفعنا الله به وله معه واقعة ملخصها أنه أتاه بإناء يطلب شيئاً فقال له الشيخ محمد أملؤه لك فقال الشيخ شمس الدين إن ملأته ملأناك فملأه له حتى سال من جميع أطرافه فطلب وجد واجتهد وتلقى العلوم عن علمائها وما زال مشمر الذيل بها آناء الليل وأطراف النهار حتى أثمرت نخلاته وكملت في التحصيل نحلاته فاستجاز شيوخه فأجازوه وكتبوا له اجازتهم المستحسنة بما دروه ورووه وحازوه وكان شافعي المذهب أشعري العقيدة قادري المشرب فرجع من مصر بدراً تام الأنوار قد فاض نيل نيله المكثار وأزهر روض فضله المعطار فسكن بيت المقدس بإذن من الخضر عليه السلام حيث قال له أسكن بيت المقدس ونحن أربعون معك يا محمد أينما كنت وشد أزاره ونشر العلوم العقلية والنقلية للطلاب وكان وعظه يلين القلوب القاسية ويأخذ بنواصي النفوس القاصية وكان حاله الرباني غالباً على حاله العرفاني راغباً في الخيرات مكثراً للبر والصدقات تشربته قلوب الخواص والعوام وكان أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر يغلظ على الحكام مؤيداً للسنة في أقواله متبعاً لسبلها في أفعاله كثير الحب للفقراء والمساكين مقبلاً على زوار المسجد الأقصى والمتقربين قد لبس جلباب التواضع وخلع خلعة النفسانية والعصبية وهو بإقامة مولاه راض اجتمعت على حبه العامة فكلامه عندهم لا يتوقف فيه أحد من خاصة ولا عامة واشتهر أن دعوته مستجابة ومن ذلك أنه أرسل إلى بعض العرب وقد أخذوا الزيت الذي كان محملاً على بعير وحمارة للشيخ محمد يقول له البعير بالأمير والزيت بصاحب البيت والحمارة بغاره فما أصبح الصباح حتى وقع ما وقع بعين ما قال وخلت الديار من الفجار ومن ذلك إنه دعا على رجل بالشنق فشنق نفسه بنفسه بأن وضع مخدات تحت قدميه ثم وضع الحبل في عنقه وأزاح المخدات إلى جهة الحلو فكان حتف أنفه ومن ذلك إنه دعا على النعامرة حين آذوه في طريق السيد الخليل عليه الصلاة والسلام بالنار ورجم الأحجار فما زال بهم رمي الأحجار وحرق النار في بيوتهم بالليل والنهار حتى أتوه واستعفوه فعفا عنهم وختم كتاب البخاري مراراً في حضرة سيدنا الكليم موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام وأمده ذلك النبي بمدده الموسوي الفائض الهتان وحين ختمه أنشد فقال(4/95)
حمداً وشكراً لرب أجزل النعما ... ثم الصلاة على من قد أزال عمى
وآله صم صحب مخلصين بما ... قد أسسوه لدين الله فانتظما
علي البخاري بحمد الله خالقنا ... في روضة لكليم الله قد ختما
لأنها من جنان الخلد منشؤها ... أزهارها تذهب الأحزان والألما
ومعدن الحب فيها والأمان بها ... فتذهب الهم للمهموم والسآما
ما جاءها قط مهموم فعاد به ... بل المسرات ممن أبدع النسما
وهي تسعة وأربعون بيتاً وكان قرأ البخاري أيضاً لما زار حضرة خليل الرحمن وأولاده سكان الغار منهل الظمآن وعند ختمه أنشأ قصيدة ابتهالية تتضمن مدحاً للبخاري وهي هذه
الحمد لله من قد أوجد الأمما ... وخص من شاء خيرات وزد كرما
هذا كتاب رسول الله قد ختما ... هو البخاري بكل الخير قد وسما
في روضة لخليل الله نسبتها ... كأنها جنة الفردوس كيف وما
فيها أبو الرسل والأنباء قاطبة ... في وسطها منه كل الخير قد رسما
والسيد اسحق لا تنسى مهابته ... من فوق رأس خليل الله قد علما
يعقوب قد قابل الأصلين في كرم ... كي يظهر الفرق للزوّار والعظما
صدّيقهم يوسف قد جاور الكرما ... لكون موسى له بالنقل قد حكما
وسارة هي أمّ الرسل أجمعها ... قد قابلت بعلها من أسس الكرما
وربقة قابلت اسحق في نسق ... ولبقة بعلها يعقوب ذا الكرما
فهل ترى روضة في الأرض أجمعها ... قد شابهت هذه كلا ولا علما
وهي طويلة جداً وفي بعض زياراته لحضرة الكليم وقعت له قصة وهي ما حكاه عن نفسه بقوله ومما وقع لنا مع جناب موسى عليه الصلاة والسلام إني نزلت لزيارته ليلاً فأخذت أقرأ دلائل الخيرات في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فختمنها ثم شرعت فيها ثانياً فعرض لي أن الأولى اشغال الوقت بالصلاة والسلام على موسى وهرون فأخذت أقول اللهم صل على موسى وأخيه هرون فسمعت صوتاً فصيحاً من القبر الشريف عصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء ففهمت المراد والمعنى أنتم منسوبون لمحمد كعصبة النسب لقوله صلى الله عليه وسلم أمتي عصبتي ولغيره كعصوبة الولاء وعصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء فرجعت إلى دلائل الخيرات فثبت عندي بهذه الواقعة فائدتان أدب سيدنا موسى مع سيدنا محمد وكونه في قبره المشهور وله قصة أخرى مع سيدنا(4/96)
إبراهيم الخليل وهي إن رجلاً من الوزراء يقال له ناصوح جاء إلى مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام قال فتخيلت منه إرادة الانتقام من أهلها فذهبت مع جماعة منهم شيخنا الشيخ حسن الغزالي لجنابه الشريف وجعلت استغيث به ففي تلك الليلة رأى رجل من أصحابنا يقال له الشيخ محمد الغزالي المترجم في رحلة سيدي عبد الغني مكتوباً جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه من محمد بن عبد الله ورسوله إلى جده الأعظم أرفع هذه الغمة فأقلع الوزير ولم يحصل على شيء وكان المترجم مجاب الدعوة تهابه الأعراب والأعيان ولا يخالفون له أمراً وبالجملة فقد كان نادرة الزمان ونتيجة العصر والأوان ولم يزل على هذه الحالة الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بمدرسة البلدية ورثاه تلميذه العارف السيد مصطفى البكري بقوله
أيها الذات في حمى الذات قيلي ... فلقد لذلي لديها مقيلي
واطربي واعربي عن السر إذ ما ... لك منا إني إليه وكيلي
وهي طويلة جداً مذكورة في ديوان الأستاذ المرقوم اقتصرنا منها على المطلع
الوزير محمد باشا
ابن مصطفى بن فارس بن إبراهيم وجده لأمه الوزير الشهير إسمعيل باشا الدمشقي الشهير بابن العظم الوزير الكبير صاحب الرأي السديد والحزم والتدبير كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول
ذا وزير لم يأل في النصح جهداً ... ظل يسعى بكل أمر حميد
ومتى عدّ آل عثمان جمعاً ... يالعمري فذاك بيت القصيد
كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالاً وعدلاً وديناً وسخاءً ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيراً وكان واسع الرأي مهاباً بحيث إنه يتفق فصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل منهما للحق وهذه المزية قد استأثر بها وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الاكرام التام باليد واللسان ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام طاهراً من كل ما يشين مشغول الأوقات أما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو اسداء معروف إلى أحد من المساكين لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوه ولم يوقف له على كبوة ولا هفوه ميمون الحركات والسكنات مسعوداً في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه ولد بدمشق في عاشر شوال سنة(4/97)
ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد خلد الله ظلال دولتهم في الأنام وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم ايلي مع عقارات خاله الوزير أسعد باشا الشهير فترقى بذلك أوج السعادة وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الانعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف وأرخ له ذلك العالم الأديب الشريف صالح بن عبد الشافي الغزاوي نزيل دمشق بقصيدة طويلة تاريخها قوله شباك العلا صادت لمجدكم صيداً فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والاكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلماً في الاسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة احدى وسبعين ومائة وألف وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلاً وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفياً وأزاله وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلاً أبداً فطوي بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزارين التي أوغرت صدور المسلمين وكان حدوثه بها سنة احدى وستين بعد المائة والألف والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس باضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبراً وقهراً كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلاً عن الفقراء وأعضل الداء واتفق إنه في سنة ست وسبعين كان قاضياً بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكاً ووثائق وسجلها في قلعة حلب فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمة(4/98)
على رئيسهم كاورحجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والاحسان وامتدحه ادباؤها بالقصائد البديعة فمن ذلك ما قاله الشهاب أحمد الشهير بالوراق
أعرف البان أم نفح الورود ... أطيب المسك أم أنفاس عود
أروض مر سجساج عليه ... فنم بسره غب الورود
أم الأزهار أيقظها نسيم ... فضاعت بالشذا بعد الرقود
وقامت ترقص الأزهار زهواً ... بأدواح السرور لدى السعود
وباكرها السحاب بنقط در ... يفوق بحسنه نثر العقود
وغنتنا العنادل كل لحن ... باعراب ولا عبد الحميد
ووافى الأنس من كل النواحي ... فخلنا الدهر قد وافى بعيد
وحيانا المنى من حيث قرّت ... عيون قد عفت طيب الهجود
كأن الله جل علاه حيا ... عواصمنا بكل سنا حميد
وألبسها الفخار ثياب عز ... تتيه به على شرف النجود
كأن ظلامها صبح منير ... بروض وارف خضل نضيد
كأن الشمس تحكي بابتهاج ... كمالاً وجه واليها السعيد
محمد الوزير الشهم طالت ... أياد منه بالفضل المديد
وزير لم يزل أسداً هصوراً ... على الأعداء يقمع للعتيد
رقى رتب الكمال من المعالي ... وحاز السبق بالرأي السديد
له في قلب من ناواه خوف ... يشيب لهوله رأس الوليد
ومن والاه في دعة وأمن ... يزيل عنا القطيعة والصدود
له همم كبار لا تباري ... وأخلاق زكت وحجار شيد
وآرء حسان نمّ عنها ... جميل الفعل في الزمن الكنود
مقل راية المعروف حامي ... ذمار الفضل والفخر المجيد
فإني مثله في كل أرض ... يحاكي مجد سؤدده الرغيد
سرت بثنائه العالي حداة ... بوصف راق في زمن المهود
حوى القدح المعلى غير ثان ... عنان المجد عن كرم الجدود
فمن كانت خولته اسوداً ... رأيت بذاته شيم الأسود
ومن وفى المعالي مهر مثل ... له دانت على رغم الحسود
ومن يذكو أريج الخيم منه ... زكا فعلاً ووفى بالعهود
ومن يبغ المكارم لا يبالي ... بما يوليه من كرم وجود(4/99)
ومن هانت عليه النفس نالت ... يداه ما يروم من الوجود
ومن يطع الآله ينل مراماً ... ويحرز ما يسرّ من المجيد
ومن يرد اكتساب الحمد تنأى ... مطامعه عن الأمل البعيد
ومن يول الجميل لكل عاف ... ينل حمداً مع المدح المزيد
فذا الدستور أضحى كل خير ... يلوح بوجهه الضاحي السعيد
أتى الشهبا فشرّفها قدوماً ... فأبهج ما على وجه الصعيد
وأحيا رسمها العافي فصارت ... رحابتها بكل هنا جديد
وبشر أهلها بزوال بؤس ... وأكدار بابقاء السعود
وأهلك للبغاة بكل عضب ... صقيل مذهب نفس العنيد
وأهدى الأمن للطرقات حتى ... أنام قطاتها بعد الهجود
وغلق في الدجى أبواب سوء ... هي القهوات مآوى للوغود
وأرهب كل باغية فولت ... على خوف بها بثياب سود
وأذهب بدعة الدومان تسمى ... بخسر مؤلم كبد المريد
فكم ذبح الفقير بغير جرم ... بسكين المظالم والحقود
فيا حصن الأنام بقيت دهراً ... معافى بالطريف مع التليد
لترقى بالكمال إلى محل ... إلى العلياء راق مستزيد
وتحيا في رضا يولي سروراً ... جديداً دائماً مرّ الجديد
وتعلو فوق هامة كل ضدّ ... سنابك خيل عسكرك الشديد
وتبقى أعين الرحمن تولي ... علاك الحفظ من خطب مبيد
فخذها يا أبا الأشبال بكراً ... أبت إلا حماك لدى الوفود
على عجل مشت تبغي قبولاً ... من السمع الكريم لدى النشيد
فألثمها يديك وجرّ ذيلاً ... على هفوات ذي عجز عميد
ودم في ذروة المجد المعلى ... كبدر التم في شرف الصعود
وتبعه الأديب الجمال عبد الله اليوسفي الشهير بالبني وعقد قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله بقوله
داعي الهنا قال لنا تبيانا ... أمراً ونهياً اتقوا اعلانا
حيث رسول الحق قد بشرنا ... فيمن حبى فراسة عيانا
يحظى بنور الله في أحكامه ... بقلبه المؤمن حيث كانا
فتنجلي عليه أسرار غدت ... ناطقة فإنه أحيانا(4/100)
محمد أفضل عادل يرى ... بالضعفاء ينظر استحسانا
فإنهم غب الصلاة يسألو ... ن من بنور الحق قد هدانا
يبقى دواماً والسلام لم يزل ... له من الله لما أولانا
لأنه خير وزير أرّخوا ... خلوصه قد أهدر الدومانا
1178 731 314 1 - 33 ثم أن المترجم المزبور ضوعفت له الأحور عزل من حلب في منتصف شوال سنة ثمان وسبعين وولي إيالة الرهاء المعروفة بارفة فاستقام بحلب إلى ورود المنشور بذلك سابع عشر ذي القعدة من السنة المرقومة فنهض إليها ودخلها سلخ ذي القعدة المرقوم ولم تطل إقامته بها فعزل عنها وولي إيالة آدنة فنهض منها واجتاز بحلب ودخلها في المحرم سنة تسع وسبعين ونزل بتكية الشيخ أبي بكر وتوجه إلى آدنة فقبل وصوله إليها ولي إيالة صيدا فكر راجعاً إلى صيدا ودخلها في أوائل صفر من السنة المرقومة ثم عزل عنها وأعطى قونية ثم ولي الشام وإمارة الحاج الشريف بعد الوزير عثمان باشا فدخلها في شهر رجب سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصار لأهلها به كمال الفرح والسرور وسلك سبل العدل وتردى برداء الانصاف ثم عزل عنها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأعطى قونية ثم أعيد إلى ولاية دمشق وإمارة الحاج في سنة سبع وثمانين وأقبل على أهلها بكمال الاكرام ووفور الاعتناء التام وكانت أيامه بها مواسم أفراح واستمر واليها إلى وفاته كما سيأتي وراج في أيامه سوق الشعر وأغلى منه القيمة بين الأدباء والسعر فمدحه الشعراء بالقصائد الطنانة وكانت أيامه مواسم إقبال وأهلك الله على يديه جملة من الخوارج منهم علي بن عمر الظاهر الزيداني قتله في رمضان سنة تسع وثمانين وصالح العدوان من بغاة المشايخ ومرعى المقداني الشعي وغيرهم من البغاة وقطاع الطريق وراقت دمشق وما والاها في أيامه وصفا لأهلها العيش ونامت الفتن وسلم الناس من الاحن وبنى بدمشق آثاراً حسنة صار بها ارتفاق للمسلمين منها السوق الذي بناه بقرب داره تجاه القلعة الدمشقية عند المدرسة الأحمدية وكان الشروع في عمارته في أوائل جمادي الأولى سنة خمس وتسعين وبنى فيه لصيق البوابة الموصلة إلى داره العامرة سبيلاً لطيفاً محكماً وأجرى إليه الماء من نهر القنوات وعمل للضريح اليحيوي في الجامع الأموي كسوة من الديباج المقصب عظيمة وكذلك أمر بأن يصنع لضريح الاستاذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله سره تابوتاً من النحاس الأصفر ويوضع على قبره وعمر غالب ضرائح الأنبياء والأولياء والصحابة بدمشق وما والاها من البلاد وبنى في طريق الحاج الشريف قلعة البئر الزمرذ واصطنع فيه آثاراً جميلة وعمرت في أيامه دار خزينة السراي بدمشق وتم بناؤها في أواخر محرم سنة(4/101)
ست وتسعين وعمل لذلك تاريخاً الشيخ نجيب بن محمد العطار الدمشقي فقال
قد شاد ليث العرم دار سعادة ... فأضاء فيها عدله المتأبد
وأقام لألاء السرور مبشرا ... ببقائه فيها بنصر يحمد
والسعد أرخ حكم دار سعادة ... أبداً يوطده الوزير محمد 1196
وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها على أكمل بناء وأحكمه وهذا البناء كان قبل ذلك في شعبان سنة تسعين ومائة وألف بمباشرة جعفر أغا أمين الجاويشية وبنى محكمة الباب وجددها بعد أن تهدم غالبها وصرف على ذلك نحو ثلاثة عشر ألف قرش وكان القاضي العام بدمشق إذ ذاك المولى السيد محمد طاهر محمود أفندي زاده فنقله المترجم منها إلى دار بني الترجمان قرب القلعة الدمشقية وهناك صار مجلس القضاء إلى أن تم بناء المحكة فأرجعه إليها وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصاً لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب وبالجملة فهو أحسن من أدكناه من ولاة دمشق وأكملهم رأياً وتدبيراً ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو والي عليها وكانت وفاته قبيل طلوع شمس يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وتمرض أياماً قلائل واجتمعت الأعيان والرؤساء بداره التي ابتناها لصيق المدرسة القجماسية جوار سوقه المقدم ذكره فغسل بها وخرجوا بجنازته على السوق الجديد حتى وصلوا به إلى الجامع الأموي فوضعت تجاه ضريح سيدنا يحيى وتقدم للصلاة عليه المولى أسعد أفندي الصديقي المفتي ثم حمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء وخرجوا بالجنازة على سوق جقمق ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الصحابي الجليل وعمل على قبره تجعير لطيف وكثر الأسف عليه وجرت لذلك العبره رحمه الله تعالى وجعل في الفراديس العلية مقره
محمد بن محمد الطيب المالكي
الحنفي التافلاتي المغربي مفتي القدس الشريف علامة العصر الفائق على أقرانه من كبير وصغير وله الفضل الباهر وكان في الأدب الفرد الكامل له الشعر الحسن مع البداهة(4/102)
في ذلك وسرعة نظمه وذكاؤه يشق دياجر المشكلات ولد بالمغرب الأقصى وحفظ القرآن على طريق الامام الداني وهو ابن ثمان سنين ثم اشتغل في حفظ المتون على والده وكان والده متوسطاً في العلم بين أماجده وقرأ عليه الآجرومية وعلى الشيخ محمد السعدي الجزائري السنوسية ومنظومة في العبادات مختصرة في المسائل الفقهية ودرس السنوسية للطلاب قبل أوان الاحتلام ورحل من بلاده في البر إلى طرابلس الغرب وما وجبت عليه صلاة ولا صيام ومن طرابلس ركب البحر إلى الجامع الأزهر فطلب العلم بمصر سنتين وثمانية أشهر وأخذ عن شيوخه الآتي ذكرهم ثم سافر لزيارة والده في البحر فأسره الفرنج وذهبوا به إلى مالطة مركز الكفر ثم نجاه الله تعالى بعد سنتين وأيام وناظرته رهبان النصارى مناظرة واسعة وكان فيهم راهب له دراية بالمسائل المنطقية والعربية ويزعم أن همته بارعة وكانت مدة المناظرة نحو ثمانية أيام فأخرسهم الله وأكبتهم ووقعوا في حيص بيص وألجموا بلجام الالزام فمن جملة مناظرتهم معه في ألوهية عيسى أن قال كبيرهم يا محمدي إن حقيقة عيسى امتزجت مع حقيقة الاله فصارتا حقيقة واحدة قال فقلت له لا يخلو الأمر فيهما قبل امتزاجهما أما أن تكون قديمتين أو حاثتين أو إحداهما قديمة والأخرى حادثة وكل الاحتمالات باطلة فالامتزاج على كل الاحتمالات باطل أما على الأول فإن الامتزاج مفض للحدوث قطعاً لأنه تركيب بعد إفراد وكل تركيب كذلك لا محالة حادث والحادث لا يصلح للالوهية وأما الثاني فظاهر البطلان وأما الثالث بوجهيه فباطل أيضاً لأن القديمة منهما بعد الامتزاج يلزم حدوثها والحادثة منهما بعده يلزم قدمها فيؤدى إلى قلب الحقائق وقلبها محل ويلزم أيضاً اجتماع الضدين وهو باطل باتفاق العقول ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا في هذا الطريق قال لي كبيرهم عقولنا لا تصل لهذا الأمر الدقيق فقلت له هذا عندنا من علوم أهل البداية لا من علوم أهل النهاية فبهت الذي كفر وعبس واكفهر ثم قلت لكبيرهم بالله عليك أعيسى كان يعبد الصليب قال لا وإنما ظهر الصليب بعد قتله على زعمهم ونحن نعبد شبيه الاله فقلت له بالله عليك الله شبيه قال لا فقلت له يجب عليكم حرق هذه الصلبان بالزفت والقطران فاستشاط غيظاً وقال لي كنت أوقعك في المهالك وأجعلك عبرة لكن الله أمرنا بحب الأعداء فقلت له لكن الله أمرنا ببغض الأعداء فقال لي إذاً شريعتنا كاملة فقلت له على طريقة الاستهزاء شريعتكم كاملة لأنها تعبد الأصنام والصلبان وشريعتنا ناقصة لأنها تعبد الله وحده لا شريك له فاشتد غضبه حتى كاد أن يبطش بي ولكن الله سلم لمزيد اللطف بي ثم إن كبيرهم قال لي يا محمدي إني رأيت في كتبكم الحديثية أن نبيكم انشق له القمر نصفين فدخل نصفه من كم ونصفه من الكم الآخر وخرج تاماً من جيب صدره ومساحة البدر مثل الدنيا ثلاث مرات وثلث وهي(4/103)
ثلاثمائة وثلاث وثلاثون سنة وثلث فما هذه الخرافات فقلت له أما ورد أن ابليس جاء لسيدنا ادريس وهو يخيط بالابرة وبيده قشرة بيضة وقال له أيقدر ربك أن يجعل الدنيا في قشرة هذه البيضة فقال لي نعم ورد ذلك فقلت له كيف يقدر فقال إما أن يكبر القشرة أيصغر الدنيا فقلت له سبحان الله تحلونه عاماً وتحرمونه عاماً وإذا سلمت هذا فلم لا تسلمه لنبينا فغص بريقه واصفر وعبس وتولى فقتل كيف قدر وهذا الجواب مني من باب ارخاء العنان للالزام وإلا فدخول نصفي البدر في الكمين باطل عند جميع المحدثين الأعلام لكن كبيرهم لا يعرف اصطلاح علمائنا ذوي المقام العالي فلو أجبته ببطلانه لقال لي رأيته في كتبكم فلا يصغي لمقالي فلذلك دافعته بالبرهان القطعي العقلي لأنه لا يمتثل بعد ما رآه للدليل النقلي ثم إن كبيرهم في ميدان البحث أنكر نبوة نبينا السيد الكامل وقال إنه عندنا ملك عادل فقلت له ما المانع من نبوته فقال نحن لا نقول بها وإنما نقول بشدة صولته فقلت له أليس النبي الذي أتى بالمعجزات وأخبر بالمغيبات فقال كبيرهم أي معجزة أتى بها وأي مغيبات أخبر بها فسردت له بعض المعجزات وأعظمها القرآن وذكرت له بعض المغيبات فقال لي رأيت البخاري من علمائكم ذكر بعضها ثم قال لي
إنما علمه ذلك الغلام يشير لقوله تعالى إنما يعلمه بشر فقلت له بالله عليك لسان ذلك الغلام ماذا قال أعجمي فقلت له بالله عليك لسان بيننا ماذا قال عربي قلت له بالله عليك نبينا يقرأ ويكتب أم أمي قال أمي لا يقرأ ولا يكتب فقلت له بالله عليك هل سمعت عربياً يتعلم من عجمي قال لا فأفحم في الجواب وانقطع عن الخطاب ثم قال لي كيف يقول قرآنكم يا أخت هرون وبينه وبينها ألف من السنين فقلت له أنت أعجمي لا تعرف لغة العرب كيف مبناها فقال لي وكيف ذلك فقلت له يطلق الأخ في لغتهم على الأخ النسبي وعلى الأخ الوصفي والمراد هنا الثاني ومعنى الآية يا أيتها المتصفة عندنا بالعفة والديانة والعبودية مثل هرون الموصوف بتلك الصفات الكاملة وهذا المعنى في لسان العرب شائع وفي مجاراتهم ومجاري أساليبهم ذائع فوقف حمار الشيخ في الطين ولما رآني صغير السن وكان سني إذ ذاك نحو تسع عشرة سنة قال لي تصلح أن تكون مثل ولد ولدي فمن أين جاءتك هذه المعرفة التامة فقلت له جميع ما سألتني عنه هو من علوم البداية ولو خضت معي في مقام النهاية لأسمعتك ما يصم أذنيك وفي هذا القدر كفاية فترك المناظرة ورجع القهقري وشاع صيتي في مالطة بين الرهبان والكبراء وكنت إذا مررت في السوق يحترموني وما خدمت كافراً قط وكان سبب خلاصي رؤيا مبشرة من يومها ركبت سفينة النجاة متوجهاً لأسكندرية ثم منها لمصر القاهرة ثم سافرت للحجاز مراراً ودخلت اليمن وعمان البحرين والبصرة وحلب ودمشق وتوجهت للروم ثم ألقيت عصا التسيار في بيت المقدس العطير الأطوار وجاءتني الفتيا وأنا لها كاره وأنشد قول من قالنما علمه ذلك الغلام يشير لقوله تعالى إنما يعلمه بشر فقلت له بالله عليك لسان ذلك الغلام ماذا قال أعجمي فقلت له بالله عليك لسان بيننا ماذا قال عربي قلت له بالله عليك نبينا يقرأ ويكتب أم أمي قال أمي لا يقرأ ولا يكتب فقلت له بالله عليك هل سمعت عربياً يتعلم من عجمي قال لا فأفحم في الجواب وانقطع عن الخطاب ثم قال لي كيف يقول قرآنكم يا أخت هرون وبينه وبينها ألف من السنين فقلت له أنت أعجمي لا تعرف لغة العرب كيف مبناها فقال لي وكيف ذلك فقلت له يطلق الأخ في لغتهم على الأخ النسبي وعلى الأخ الوصفي والمراد هنا الثاني ومعنى الآية يا أيتها المتصفة عندنا بالعفة والديانة والعبودية مثل هرون الموصوف بتلك الصفات الكاملة وهذا المعنى في لسان العرب شائع وفي مجاراتهم ومجاري أساليبهم ذائع فوقف حمار الشيخ في الطين ولما رآني صغير السن وكان سني إذ ذاك نحو تسع عشرة سنة قال لي تصلح أن تكون مثل ولد ولدي فمن أين جاءتك هذه المعرفة التامة فقلت له جميع ما سألتني عنه هو من علوم البداية ولو خضت معي في مقام النهاية لأسمعتك ما يصم أذنيك وفي هذا القدر كفاية فترك المناظرة ورجع القهقري وشاع صيتي في مالطة بين الرهبان والكبراء وكنت إذا مررت في السوق يحترموني وما خدمت كافراً قط وكان سبب خلاصي رؤيا مبشرة من يومها ركبت سفينة النجاة متوجهاً لأسكندرية ثم منها لمصر القاهرة ثم سافرت للحجاز مراراً ودخلت اليمن وعمان البحرين والبصرة وحلب ودمشق وتوجهت للروم ثم ألقيت عصا التسيار في بيت المقدس العطير الأطوار وجاءتني الفتيا وأنا لها(4/104)
كاره وأنشد قول من قال
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن ساحة السيف مرحل
وتمثلت ببيتي امرئ القيس وهما بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه الخ ولما وصلت للروم باب المراد وتمتعت بتلك المهاد متوجاً بتاج فتوى الحنفية إلى القدس الشريف الرفيعة العماد وعزل مراراً وأخذ عن أجلاء منهم الشمس محمد بن سالم الحفني وعلى أخيه الشيخ يوسف الحفني والشيخ أحمد الملوي وعن الشيخ علي العروسي والسيد محمد البليدي بفتح الباء والشيخ أحمد الجوهري والشيخ أحمد الأشبولي نزيل الحرم المكي والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ عمر الطحلاوي والشمس محمد العمادي والشيخ عبد الرحمن اللطفي وغيرهم ناس كثيرون وأما تصانيفه فإنها ناهزت الثمانين ما بين منظوم ومنثور وكتب ورسائل في فنون شتى وأما نظمه فهو رائق جداً فمنه قوله وكتب به لبعض أحبابه مذيلاً على بيت امرئ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قفا بربوع العامرية انني ... كلفت بها من حين عهد التحمل
ولو ذابها ثم انشقا طيب عرفها ... وقصا حديثاً للأسيف المعلل
فيا سائق الأظعان يطوي فداً فدا ... إلى دوحة الجرعا رويدك فانزل
بجيرة نجد سادة الحيّ كم روت ... ثقاة لهم طيب الحديث المسلسل
فديتهم من جيرة لأعدمتهم ... حماة زمام للنزيل المملل
لنارهم تعشو السرات وترتوي ... بحوضهم الأصفى على كل منهل
سقتهم غديقات التهاني كرامة ... وأخصب واديهم بند ومندل
ونادى بشوق مذ غدا الركب سائلاً ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
فأجابه بقوله
لك الله يا حادي الركاب مغلساً ... إلى الحرم القدسي رويدك فانزل
وروّى نفوساً بالمقام ولا تقل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ودعنا على بسط المسرّة والصفا ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وروّح فؤادي بالوصال هنية ... بمشهد مولانا الوجيه المكمل
حديقة فضل بالمعارف أثمرت ... وشمس جمال بالمحاسن تنجلي
بديع بيان في احتكام تصرّف ... باجمال تفصيل وتفصيل مجمل
قضايا علاه بالكمال تسوّرت ... ببرهان فضل عن قياس مخصل(4/105)
يحن اشتيقاقاً والهاً متولعاً ... إلى المربع السامي بدومة جندل
أراع فؤادي بالنوى وحديثه ... وسلسل دمعي بالحديث المسلسل
وأحرمني طيب المنام وإنه ... تسلم قلبي قبل يوم الترحل
فيا أيها المولى الذي حاز سيرة ... ترفق بصب بالبعاد مبلبل
ولاطفه إن حان الوداع تكرماً ... وروّق له كأس الحديث وعلل
وإن فزت بالمسرى إلى الحي والحمى ... ونحت به فامنن بحسن الترسل
وللمترجم
لهفي على وادي العقيق وبانه ... وعريب نجد أحكموا توثيقي
شام الحداة الأبرقين فأرعدت ... مني الجوانح من لظى التفريق
يا جيرة لكم السيادة إنني ... أرجو اصطباري مبرد التشويق
وله أيضاً
إن لاح برق الغور أو هب الصبا ... أو صاح ورق بالأرائك تصدح
أو رنم الحادي الركاب مهيماً ... فدموع جفني كالسحائب تسفح
مالي وللواشي العذول وفي الحشا ... يوم النوى نار الصبابة تسرح
وكتب إليه بعض أحبابه بقوله مضمناً
لربك سرّ قد خفا كنه أمره ... على كل غوّاص نبيل مسدّد
فكم عازم والحق بنقض عزمه ... وكم غافل والسعد وافى بمسعد
فسلم له ما شاءه فهو عالم ... وإياك والتدبير في كل مقصد
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فأجابه بقوله
شهدنا خفايا السرّ منه حقيقة ... بحسن تلاقينا على غير موعد
علمنا به صدق المودّة والوفا ... نتيجة حق قد خلت عن تردد
وها قد بدت مني إليك بشارة ... تحوز بها العلياء في كل مشهد
فلا زالت الأيام تهديك منحة ... بتحقيق آمال وابلاغ مقصد
وللمترجم مضمناً
أروم وقد طال النوى طيب نظرة ... وأستخبر الركبان من كل وجهة
وأستعطف الأيام كيما تجود لي ... بحسن اتصال في خيام العشيرة
وفي كبدي حراء هاج لهيبها ... ومن فرط ما ألقى جرت عين عبرتي
على أنني للدهر أغفر ما جنى ... وأنشد بيتاً يقتضي حسن وصلتي(4/106)
وكل الليالي ليلة القدر إن دنت ... كما أن أيام اللقا يوم جمعة
وله من قصيدة
فؤادي بنار الشوق يصلي ويضرم ... ودمعي وحق العهد بالسفح عندم
ونار الغضا قد أججت بجوانحي ... على حبه والسقم عني مترجم
أراقب نجماً في الدجى نابذ الكرى ... ولو شئته ما كان للجفن ينعم
كأن جفوني بالسما قد تشبثت ... كأن ليالي الوصل بالصدّ ترغم
أمن مبلغ عني سعاداً تحية ... بسفح النقا والحب فيها محكم
سبت مهجتي لما أصابت حشاشتي ... بسهم وقيدي بالصبابة أدهم
نقضت لويلات التداني برامة ... رمت كل واش والفؤاد متيم
ومن بعد طيب الوصل شطت مراتع ... وعادت عواد للمودّة تعتم
فلا وصلها يدنو فتبرد لوعتي ... ولا مهجتي تسلو عليها فارحم
إلى كم أراع العاذلون بوشيهم ... بصد وهجر من سعادي ونمنموا
وقلبي على العهد القديم وما صفا ... ثكلتهم ما الودّ مني مصرم
عجبت لها فالعهد منها مزوّر ... وعهدي بها من عالم الذرّ مبرم
فياليتها وافت بوصل لمغرم ... شجى ولكن وعد زينب مخرم
تصرم دهري والشبيبة آن أن ... يطيب لها الترحال والبين محجم
أجيرتنا بالنير بين وحاجر ... وسلع ومن بالرقمتين مخيم
فديتكم عطفاً فنيران مهجتي ... عليّ قضت والطعم بالصد علقم
ألا ليت شعري والأماني كواذب ... تمن سعاد الحي وصلاً وترحم
وتسعدني الوجنا لأطلال جلق ... وربوتها الغرّا بها القلب مغرم
وأزهو بسفح الصالحية برهة ... وفي مرتع الغزلان أحظى وأغنم
ومن شعره وكان وقع شتاء وثلج في نيسان أكثر من كانون
كأن كانون أهدى من منازله ... لشهر نيسان أصنافاً من التحف
أو الغزالة تاهت في تنقلها ... لم تعرف الجدي والنور من الخرف
ومن شعره قوله مضمناً المصراع الأخير
ألا يا غزالاً في مراتع رامة ... أجزني حديثاً صح عن طرفك إلا حوى
عن الغنج الساري بفاتر جفنه ... عن الدعج الداعي إلى السقم والبلوى
عن الكحل الفتاك عن وطف به ... عن الحاجب النوني شفاء بني الشكوى
فقال رويناه على الكتم بيننا ... وما كل ما ترى عيون الظبا يروى(4/107)
ومن مستملحاته الشعرية في مسئلة فقهية
ولي حب عليه القلب وقف ... ليسكنه ويبتهج المزار
فقلت له أعره لنا زماناً ... فقال الوقف عندي لا يعار
ومراسلاته وأشعاره كثيرة وكانت وفاته في القدس في ذي القعدة سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى.
محمد الحنفي
ابن محمد الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية المولى العالم العلامة الفقيه كان غواص بحر العلوم معلماً نافعاً عالماً بأكثر الفنون صاحب نكت ونادرة ظريفاً أنيساً وقوراً له عظمة وفضيلة ولد بحلب وبها نشأ وقرأ على علمائها وحصل مقدمات العلوم وبعده ارتحل إلى مصر ولازم في الجامع الأزهر الشيوخ واكتسب الفضائل حتى صار له مزيد الرسوخ وألف رسالة ورفعها إلى شيخ الاسلام المولى البهائي وبسببها دخل في سلك المدرسين وطريقهم وبعد أن عزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً أظهر مؤلفاً له على شرح الملتقى الفقه وصار عنواناً له بين الكبار والصغار ثم تنقل بالمدارس كعادتهم وأعطى قضاء أدرنة برتبة قضاء مكة وآخر أظهرت الشكايات عليه ورفعت مناصب الأربلق التي كانت عليه ووجهت إلى حكيم باشا زاده المولى يحيى الحلبي وبقي المترجم صفر اليدين وحك اسمه من الطريق وصار قاضياً بقسطنطينية بهمة الصدر الأعظم مصطفى باشا وعزل عنها وتولى غيرها وله تآليف غريبة وكانت وفاته في محرم سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الغزي
ابن محمد بن علي بن بدر الدين الشافعي الغزي قرأ القرآن على والده وأخذ عنه العلم ثم توجه إلى مصر القاهرة وأقام بها احدى عشرة سنة وصارت له اليد الطولى في علم الطب وله التآليف الحسنة وكان على غاية من الفقر لم يتعلق بشيء من أمور المعاش بل كان يرزقه مولاه من حيث لا يحتسب وفي الشتاء يقيم بالرملة ويصيف في غزة هاشم ومن شعره ما قاله راثياً العلامة محمد بن تاج الدين الرملي وهو هذا
قد مات بحر العلم خير الورى ... محمد الرملي التقيّ الألمعي
وقال في تاريخه ناقل ... قد مات بعد الحج في ينبعي
وله فيه
قد توفي مفتي الورى نجل تاج ... وعدمنا فضلاً عهدناه منه(4/108)
وقضى نحبه وقد أرخوه ... بوفاة تجاوز الله عنه
وأشعاره كثيرة وكانت وفاته بالرملة سنة ست وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد العمري
ابن محمد بن أحمد العمري بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم العامل العابد الناسك العارف المعتقد البركة كان محققاً فاضلاً له يد في العلوم تعتقده أهالي دمشق قرأ على جماعة منهم والده المذكور وغيره ودرس وأفاد في عدة علوم ولم يزل معتقداً عند الناس إلى أن مات وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محمد المالكي
ابن محمد المالكي الدمشقي مفتي المالكية بدمشق وقاضيها العلامة المفنن الفاضل المحصل المتفوق البارع قرأ واشتغل بالعلوم وأخذ على جماعة أجلاء ودرس بالجامع الأموي وأخذت عنه الطلبة وتولى افتاء المالكية مع القضاء وكانت وفاته يوم الخميس تاسع شوال سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محمد العجي
ابن محمد بن أسعد الدمشقي الحنفي الشهير بالعجي خطيب جامع سنان باشا خارج باب الجابية الشيخ الفاضل العالم النبيل الزكي الجهبذ أبو عبد الله شمس الدين ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن فضلائها فنوناً من العلم كالشهاب أحمد بن علي المنيني والعلم صالح بن إبراهيم الجينيني والشرف موسى بن أسعد المحاسني والشمس محمد بن عبد الحي الداودي ومحمد بن أحمد قولقسز واختص بالأخذ عن الأخير بالفقه والتفسير وحضر دروس الحديث تحت القبة على العماد إسمعيل بن محمد العجلوني الجراحي ونبل قدره واشتهر بالذكاء والفضل أمره وفاق أقرانه بالذكاء المفرط فدرس بالجامع الأموي بكرة النهار وبين العشائين وأخذ عنه جماعة من الطلبة وانتفعوا به وتوجه آخر عمره لدار السلطنة العلية قسطنطينية ومكث بها مقدار نصف سنة ثم عاد إلى دمشق فلم تطل إقامته حتى توفي وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف منه قوله مضمناً
قالوا دع الزهد واشطح في هوى رشا ... طلق المحيا شهي الثغر أشنبه
فقلت قد عشت خالي البال منفرداً ... وكل شخص له عقل يعيش به
ومن ذلك قول الأديب محمد سعيد السمان(4/109)
جاء المؤنب ينهي عن مكابدتي ... وجداً أذاب فؤادي في تلهبه
دع ما تعاني فسمعي صم عن عذل ... وكل شخص له عقل يعيش به
وللمترجم مضمناً أيضاً
ولما دنا مني حبيبي بعطفه ... وألحاظه طيّ الصبابة تنشر
وقد كنت قدماً للجهالة تاركاً ... فذكرني والشيء بالشيء يذكر
ومن ذلك قول صاحبنا الأديب الكمال محمد الغزي العامري
بدت فيّ أيات الغرام بحبه ... بديع من الأقمار أبهى وأبهر
ولما نأى عني تناءت مسرتي ... وأنحل جسمي من نواه التحسر
ومن بعده قد صرت صبا مولها ... أسير غرام عز فيه التصبر
وكيف خلاص القلب من لاعج النوى ... ونزع الهوى حقاً من الصدر يعسر
إذا شمت ورداً قلت هذي خدوده ... ومن أين للأوراد ماس مجوهر
وإن بان بدر التم أحسب وجهه ... لديّ بدامع أن ذلك أنضر
وإن بان لي غصن من البان ناضر ... تذكرته والشيء بالشيء يذكر
وكانت وفاته سنة أربع وسبعين ومائة وألف عن نيف وخمسين سنة ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد الوليدي
ابن سلطان الشافعي المكي الشهير بالوليدي المدرس بدار الخيزران الشيخ العالم الفقيه البارع الأوحد أخذ عن جماعة من الشيوخ كالشهاب أحمد بن محمد النخلي وأبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وادريس بن أحمد المكي الشماع والشهاب أحمد بن محمد البنا الدمياطي والنور علي الطبري والسيد محمد زيتونة التونسي ومصطفى بن فتح الله الحموي نزيل مكة المشرفة ومؤرخها وعلى الحداد الشافعي ومحمد بن علي العلوي ونبل وتقدم في الفضل وأخذ عنه جملة منهم المولى حامد بن علي العمادي ومصطفى وسعدي ابنا عبد القادر العمري وأحمد بن علي المنين وغيرهم وكانت وفاته شهيداً سنة أربع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد البليدي
ابن محمد بن محمد الحسني المغربي المالكي الشهير بالبليدي نزيل مصر السيد الشريف خاتمة المحققين صدر المدققين الثبت الحجة المتقن المتفق على جلالته صاحب التصانيف الشهيرة ولد سنة ست وتسعين وألف وأخذ عن جملة من الأئمة كأبي السماح أحمد البقري(4/110)
وعبد الرؤف البشبيشي وعبد ربه بن أحمد الديوي وأحمد بن غانم النفراوي وسليمان الشبرخيتي وأحمد بن محمد البنا الدمياطي ومنصور المنوفي وإبراهيم بن موسى الفيومي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني ومحمد بن القاسم بن إسمعيل البقري سمع منه في سنة عشر ومائة قبل وفاته بسنة وهو أعلى ما عند المترجم من مشايخه وأخذ أيضاً عن عبد الله الكنكسي والهشتوكي واشتهر أمره بالعلم وانتفع به جماعة من محققي علماء الأزهر والشام وله مؤلفات منها حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على شرح الألفية للأشموني ورسالة في المقولات العشر وكانت له يد طولى في علم القراآت وله في طريق الجمع مؤلف كبير في كل آية يذكر كيفية الجمع فيها من أول القرآن العظيم إلى آخره وكان يقرأ تفسير البيضاوي في الجامع الأزهر ويحضر درسه أكثر من مائتي مدرس ومفيد وكان الأستاذ ولي الله عبد الوهاب العفيفي يلازم درسه وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن بالقاهرة في تربة المجاورين وقد جاوز الثمانين رحمه الله تعالى.
محمد الدمياطي
ابن سلامة بن عبد الجواد بن العارف بالله الشيخ نور ساكن الصخرية من أعمال فارسكور الصخري الدمياطي المقري الشافعي الصوفي المعروف بأبي السعود ابن أبي النور كان ممن جمع بين حالي أهل الباطن والظاهر ولد بدمياط ونشأ بها وأخذ عن فضلائها فتفقه على الشيخ جلال الدين الفارسكوري والعلامة مصطفى التلياني وقرأ عليه شرح المنهج تسع مرات في تسع سنين ثم رحل إلى القاهرة فلازم الضياء سلطان المزاحي وأخذ عنه القراآت للسبع وللعشر وتفقه عليه وأخذ عنه جملة من الفنون وأخذ العربية عن الشيخ ياسين الحمصي نزيل القاهرة وعن غيرهم وغزر فضله واشتهر نبله وألف في القراآت وغيرها وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الكردي
ابن سليمان الكردي المدني الشافعي الشيخ الامام العلامة الفقيه خاتمة الفقهاء بالديار الحجازية المتضلع من سائر العلوم النقلية والعقلية ولد بدمشق وحمل إلى المدينة وهو ابن سنة ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها كالشيخ سعيد سنبل ووالده الشيخ سليمان والشيخ يوسف الكردي والشيخ أحمد الجوهري المصري والقطب مصطفى البكري وغيرهم وألف مؤلفات نافعة منها شرح فرائض التحفة في نحو أربعين كراساً وحاشيتان على شرح الحضرمية لأبن حجر الهيثمي كبرى وصغرى ثم اختصرها فصارت ثلاث حوافر وعقود الدرر في بيان مصطلحات تحفة ابن حجر وحاشية على شرح الغاية للخطيب والفوائد المدنية(4/111)
فيمن يفتي بقوله من أئمة الشافعية وفتح الفتاح بالخير في معرفة شروط الحج عن الغير ثم اختصره وسماه فتح القدير وكاشف اللثام عن حكم التجرد قبل الميقات بلا احرام والثغر البسام عن معاني الصور التي يزوج فيها الحكام والدرة البهية في جواب الأسئلة الجارية وشرح منظومة الناسخ والمنسوخ وزهر الربا في بيان أحكام الربا والانتباه في تعجيل الصلاه وكشف المروط عن مخدرات ما للوضوء من الشروط وفتاوي عدة في مجلدين ضخمين وغير ذلك وتولى افتاء السادة الشافعية بالمدينة إلى وفاته وكان فرداً من أفراد العالم علماً وفضلاً وديناً وتواضعاً وزهداً متخلقاً بأخلاق السلف الصالح جبلاً من جبال العلم وكانت وفاته رابع عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين ومائة وألف عن سبع وستين سنة.
محمد النابلسي
ابن مصطفى بن عبد الحق الحنبلي النابلسي الأصل الدمشقي المولد أحد الأفاضل وفقهاء الحنابلة المشهورين كان فاضلاً له فضيلة بالعربية والفقه مع عفة وباع في الفرائض والحساب وكان بدمشق يتعاطى المقاسمات والمناسخات ولد بدمشق وأخذ وقرأ على جماعة كالشيخ عبد الرحمن الكردي نزيل دمشق والشيخ علي الطاغستاني والشيخ أبي الفتح العجلوني والشيخ أحمد البعلي وتفوق ودرس بالجامع الأموي ولزمه جماعة من الطلبة وولي افتاء الحنابلة بعد وفاة شيخه البعلي ولم تطل مدته وكانت وفاته في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح.
محمد بن حجيج
ابن مصطفى بن حسين بن مصطفى حجيج بن موسى المعروف بالبصيري الشافعي القدوة الصالح المعلم الناصح امام القراآت السبع والعشر المتقن المقري ولد في قرية تل حاصد من قرى حلب وتوطن حلب وكف بصره وقدم دمشق في سنة أربعين ومائة وأخذ القراآت السبع والشاطبية والتيسير عن الشيخ علي كزبر وأخذ عن المقري الشيخ إبراهيم الدمشقي وكان كثير الصيام ملازم الطاعة والعبادة مع الورع والزهد والتقوى وكانت وفاته في حلب سنة ثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الحنفي
أمين بن صالح الحنفي الدمشقي الأصل القسطنطيني المولد وكان والده وجيهاً فاضلاً منتسباً للعلوم وقوراً شديداً غيوراً وهو من أهالي دمشق ثم ارتحل إلى قسطنطينية وصار من القضاة وتولى قضاء طرابلس الشام وقفديه وغير ذلك وتوفي في رمضان سنة ثمان(4/112)
وتسعين وألف رحمه الله تعالى.
محمد السندروسي
ابن محمد المعروف بالسندروسي الشافعي الطرابلسي الفاضل النجيب الفقيه تفقه في المسائل وألف كتاباً في أسماء الصحابة ثم تطلب افتاء الحنفية كشيخه الخليلي فتوجه عليه افتاء طرابلس الشام فما استقامت مدة يسيرة إلا وعزل منها وكانت وفاته سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
السلطان محمد أورنك سلطان الهند
زيب عالم كير بن خرم شاه جهان بن جهان كير ابن شاه أكبر ابن أبي النصر محمد همايون بن أبي الفيض روح الدين محمد باكير بن عمر شيخ ابن أبي سعيد باقرابا بن محمد بن محمد شاه ابن مران شاه جهان كير ابن أمير تيمورلنك السلطان المشهور سلطان الهند في عصرنا وأمير المؤمنين وامامهم وركن المسلمين ونظامهم المجاهد في سبيل الله العالم العلامة الصوفي العارف بالله الملك القائم بنصرة الدين الذي أباد الكفار في أرضه وقهرهم وهدم كنائسهم وأضعف شركهم وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره وجعل كلمة الله هي العليا وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم وفتح الفتوحات العظيمة ولم يزل يغزوهم وكلما قصد بلداً سلكها إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان موزعاً لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للتدريس ووقت لمصالح العسكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئاً بشيء والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مداني وقد ألفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها مولده سنة ثمان وعشرين وألف وجاء تاريخه بالفارسة اقتاب عالم قاب وربى في حجر والده واشتغل بحفظ القرآن من صغره حتى حفظه وجوده واشتغل بالخط حتى كتب الخط المنسوب يضرب بحسنه المثل وكتب مصحفاً بخطه وأرسله للحرم النبوي وهو معروف ثم شرع في تحصيل العلوم حتى حصل منها الكثير الطيب وصار مرجعاً للعلماء وحضرته محط رحال الفضلاء ثم اشتغل بعلوم الطريق وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى وبشره بأشياء حصلت له واشتهر ذكره في حياة والده وعظم قدره وولاه والده الأعمال العظيمة فباشرها(4/113)
أحسن مباشرة ثم حصل لوالده فالج عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دار شكراه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى فلم ترض نفس المترجم وأخوه مراد بخش بذلك فاتفقا على أن يقبضا عليه ويتولى المملكة منهما مراد بخش فقبضا عليه ثم احتال اورنك زيب على مراد بخش أيضاً وقبض عليه ووضع أخويه في الحبس ثم قتلهما لأمور صدرت منهما زعم انهما استوجبا بها ذلك وحبس والده واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف وأراد الله بأهل الهند خيراً فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره وظهر من البرج التيموري بدره وفلك مجده دائر ونجم سعده سائر وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة وقونه لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها والملك لله وحده وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد والحاصل إنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوي تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بالفتاوي العالم كيرية واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين ولم يزل على ذلك حتى توفي بالركن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف ونقل إلى تربة آبائه وأجداده وأقام في الملك خمسين سنة رحمه الله تعالى.
السيد محمد المرادي
ابن السيد مراد بن علي المعروف بالمرادي الحسيني النقشبندي الحنفي البخاري الأصل الدمشقي تقدم ذكر ولده إبراهيم وعلي ووالده وهذا هو جدي والد والدي الأستاذ العارف العلامة كان من أجلاء العارفين المرشدين ومن العلماء العاملين فاضلاً صوفياً مرشداً مسلكاً نبيهاً ورعاً متعبداً متهجداً ساكناً وقوراً حسن الأخلاق صاحب عفة وديانة لطيف الصحبة رقيق الطبع حميد الأفعال مواظباً على العبادات رافضاً للدنيا جانحاً للأخرى لم يلتفت إلى الدنيا ولا إلى زخارفها له فضيلة في العلوم والمعارف مع حفظ الألسن الثلاثة العربية والفارسية والتركية وله في حل كلام القوم اليد الطولى والمعرفة التامة وبالجملة فقد كان من أجلاء علماء الظاهر والباطن ولد المترجم بقسطنطينية لكون(4/114)
والده كان إذ ذاك ثمت وذلك في سنة أربع وتسعين وألف ونشأ في حجر والده وأخذ عنه الطريق وتتلمذ له وغمرته نفحاته وبركاته ودعواته وتنبل وتفوق وقرأ على غيره وعلى الشيخ عبد الرحيم الكابلي الأوزبكي تلميذ والده وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قرأ عيه الفتوحات المكية وظهرت شمس الفضائل من سمائه وبزغ بدر المعارف والعوارف من فلك فضائله وسنائه وبرع في العلوم معقولاً ومنقولاً خصوصاً في التصوف والمعارف الألهية ولم يزل في ظل والده الظليل قائلاً إلى أن انتقل بالوفاة إلى رحمة مولاه كما ذكرناه في ترجمته وكان الجد المترجم حينئذ بدمشق فلما جاء الخبر ارتحل قاصداً الروم ففي أثناء الطريق حصلت له نفحة الهية ومنحة ربانية فبعد عوده لدمشق ترك الدنيا وترك العقارات وجميع ما كان يتعاطاه وسلم ذلك لأتباعه من مالكانات وقرى ومزارع وعقارات وغيرها حتى تجنب مس الدراهم والدنانير بيده فلم يعهدانه أمسكها واشتغل بالعبادة ولبس خشن الأثواب وتتوج بتاج الفقراء والدراويش إلى أن مات وخلع ثياب الدنيا وتسربل بحلل العرفان والارشاد واستقام يفيد واستمر على ذلك مدة تزيد على أربعين سنة واشتهر في البلاد وعم ذكره الأغوار والأنجاد خصوصاً في الديار الرومية والمواطن الشامية وتتلمذ له خلق كثيرون لا يحصون عدداً وأخذوا عنه طريق السادة النقشبندية الذي هو طريقنا وحج إلى بيت الله الحرام وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام مراراً وارتحل للقدس والخليل ووصل إلى مراتب الهداية وغرف من بحر الولاية وتولى قضاء المدينة المنورة باعتبار الرتبة وله رسائل في العلوم وتعليقات وكان السلطان محمود خان عليه الرحمة والرضوان أرسل يطلبه من اسلامبول في سنة خمس وستين ومائة وألف فارتحل إليها ولم يزل من حين خروجه من دمشق إلى حين دخوله إليها محترماً في كل بلدة وكلهم يأخذون عنه الطريق ويتبركون به إلى أن وصلها فقابله السلطان المذكور بوافر الانعام ومزيد الاحترام واجتمع به مرات وأعطاه الأوامر السلطانية المتوجة بخطه الشريف في مصالح الجد وصار له اعتبار تام من رجال الدولة وأركانها ثم أذن له بالحج بدلاً عن السلطان المذكور فحج بدلاً عنه في تلك السنة ثم عاد بعد عوده بأمر سلطاني إلى اسلامبول ونزل بالمكان الذي هيئ له من طرف الدولة كالمرة الأولى واجتمع به ثانياً وكان في خدمته في المرة الثانية والدي وأخي وابن ابن عم والدي ثم لم تطل مدة السلطان محمود وجلس على سرير السلطنة السلطان عثمان أخوه فكذلك قابل المترجم بغاية التعظيم والتوقير ثم قصد الجد الديار الشامية وتوجه للأوطان واستقام إلى أن مات وكانت وفاته في صفر سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بدارنا الكائنة بمحلة سوق صاروجا وكان له جنازة حافلة عظيمة ورثى بالقصائد الغر فمن(4/115)
ذلك ما أنشده الشيخ شاكر بن مصطفى العمري بقوله
حتى الرثاء وقل بذل الأنفس ... بفداء ذا القطب الأجل الأنفس
فبفقده صدع الردى شمل العلا ... ورنت لنا الدنيا بوجه معبس
هذا المصاب فما المصاب فيومه ... لبس الضياء به حداد الحندس
ومرائر شقت وفاضت أعين ... بشؤنها وتصدع القلب القسي
يا دهر ويحك فاتئد بقلوبنا ... أكذا فعالك بالكرام الكيس
وهي طويلة جداً ورثاه كثير من الأدباء رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
محمد الحبال
ابن محمود بن إبراهيم بن عمر المعروف بابن الحبال الشافعي الأشعري المزي الأصل الدمشقي الشيخ المحقق العالم العامل الفرد المفسر الأصولي اشتغل بطلب العلم على جماعة من العلماء كالشيخ إسمعيل الحائك المفتي والشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي والشيخ إبراهيم الفتال وغيرهم وحضر دروس الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وبرع وتفوق ومهر وصرف عمره في اكتساب العلوم واستفادتها ودرس بالجامع الأموي وفي حجرته داخل مدرسة الكلاسة وانتفع به خلق كثير وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه مد إلى الأفق ساعداً فتناول العيوق قاعداً بهمة لا تقنع بمدار دون الفلك وفكرة تكاد تستخلص نور الشمس إلى الحلك وهو الآن مركز دائرة الانتفاع ولمن سامته في الفضل الانخفاض وله الارتفاع فعذبته على مناكب الجوزاء خافقه وبضاعته لم تزل في سوق الرواج نافقه ومن شعره قوله
ولولا ثلاث هنّ همي إذا أمسى ... لما بت مأثوراً نهاري على أمسي
فتكميل نفسي بالعلوم ودرسها ... وتهذيبها قبل المسر إلى الرمس
وتأميل إيفاء الحقوق لأهلها ... وانقاء ثوب النفس من دنس البخس
وزورة خير الخلق أفضل شافع ... لأبرئها من ثقل وزر على النفس
أفاض عليه كل يوم تحية ... مدى الدهر ما امتد الشعاع من الشمس
وهذه الثلاثيات نظم فيها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم الشيخ عمر القادري الدمشقي فقال
لولا ثلاث هنّ أقصى المراد ... ما اخترت أن أبقى بدار النفاد
تهذيب نفسي بالعوم التي ... بها لقد نلت جميع المراد
وطاعة أرجو باخلاصها ... نوراً به تشرق أرض الفؤاد(4/116)
كذاك عرفان الآله الذي ... لأجله كان وجود العباد
فاسئل الرحمن بالمصطفى ... وآله التوفيق فهو الجواد
ومنهم ابن صابر القيسي فقال
لولا ثلاث هن والله من ... أكبر آمالي من الدنيا
حج لبيت الله أرجو به ... أن يقبل النية والسعيا
والعلم تحصيلاً ونشراً إذا ... رويت أو سعت الورى رأيا
ما كنت أخشى الموت أنى أتى ... بل لم أكن ألتذ بالمحيا
وبالجملة فإن المترجم كان من أجلاء العلماء المشاهير وكانت وفاته تاسع عشر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد طبيعة الدمشقي
ابن يس بن مصطفى المعروف بطبيعة الحنفي البقاعي الأصل الدمشقي كان والده من أفاضل فقهاء الحنفية سيما بالفرائض وسائر العلوم وكان يخالط الكبراء والأعيان ويتردد إليهم والجميع يستلذون بمصاحبته وعشرته وهو مشهور بالنكات والأجوبة وله شعر لطيف منه قوله في عذار
ألا بروحي غزال أنس ... له فؤاد الشجي كناس
بدر بوجه بدا كبدر ... علاه من عنبر نواس
زها بخد حكته شمس ... وعنبر السالفين كاس
فحين أضحى به ثمولي ... وصار في عقلي اختلاس
أشار نحول وقال قولاً ... صغى له الفكر والحواس
بما تؤرخه يا نديمي ... فقلت ورد عليه آس
1121 125 610 210 115 - 61 وقوله
نظر الحب لي فسألت دموعي ... من غرامي به ونيران فقدي
ما هو الدمع إنما نصل سهم ... منه قد ذاب في حرارة وجدي
ومن ذلك قول المولى خليل الصديقي
مذ أقصد الحب قلبي ... بسهم تلك الجفون
أذابه الشوق حتى ... ألقته دمعا عيوني
وقال الشيخ سعدي العمري(4/117)
رنا فأودع قلبي ... سهم الآسى والمنون
فذاب من حر شوقي ... فقطرته جفوني
ومن شعر المترجم في المجون ما كتبه لبعض أحبابه مهنئاً له بزفاف وهو قوله
قيمت لك الأفراح في كانون ... إذ كنت بالأسخان كالكانون
أوصيك عبد المحسن التقوى فلا ... تأتي إليها من ورا الطاحون
قد كنت ترغب بالحرام وطالما ... جئت البيوت بأظهر وبطون
أصبحت ترغب في الحلال تكلفاً ... ورجعت منه بصفقة المغبون
وأقمت في شق العجوز مخيماً ... والناس راجعة على ذنون
فأسلم ودم بالكسكسون منعماً ... تحشى النقانق في حشا خاتون
وكان المترجم ذهب إلى الروم وأوصى صاحباً له يقال له الشيخ عبد الوهاب السؤالاتي في باب الجامع الأموي وقال له مهما وقع من الوظائف محلولات اكتب لي عنها حتى أتخذها لمعاشي فصار الشيخ عبد الوهاب يكتب له الحمد لله الأسعار رخيصة وسعر اللحم كذا والخبز كذا واللبن كذا والحمص والعدس وما شابهها ولا يتعرض إلى شيء مما أوصاه به فضجر منه فكتب له هذين البيتين في ضمن كتاب أرسله له وهما قوله
فأما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثى من ثميني
وإلا فأطرحني وأتخذني ... عدوّاً أتقيك وتتقيني
وبالجملة فقد كان نزهة النفوس وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محمد النهالي
ابن يوسف المعروف بالنهالي الحنفي الرهاوي الأصل الحلبي المولد نزيل قسطنطينية الأديب الألمعي الفاضل الكامل قرأ على أفاضل بلدته وكان مكباً على تحصيل الفضائل والكمالات وأقام مدة بالمدرسة الحلاوية وصار له غاية الاكرام من الوزير محمد باشا الراغب وكان المترجم أديباً شاعراً فمن شعره قوله
يا راكب اللهو قصر ... عنان خيل التصابي
يداك لم تقو حبس ... اللجام بعد الشباب
وله
كنت في غفلة من العشق لما ... أيقظتني نواعس الأجفان
كشفت عن مجاز عيني غطاها ... فأرتها حقائق الأكوان(4/118)
وله مشطراً أبيات الشهاب الخفاجي في الأبوين الكريمين
لوالدي طه مقام علا ... فوق علا الناس بلا ارتياب
بوأهما الرحمن من فضله ... في جنة الخلد ودار الثواب
فقطرة من فضلات له ... تبرئ أسقام فؤاد مصاب
ما دخلت جوفاً إلا غدت ... في الجوف تشفي من أليم العقاب
فكيف أرحام به قد غدت ... تؤمل الخير وحسن المآب
حاشي لأرحام له أصبحت ... حامله تصلي بنار العذاب
وشطرهما معاصره الشيخ أحمد الوراق الحلبي بقول
لوالدي طه مقام علا ... على العلا لما غدا مستطاب
مقدّس رحب منير الفضا ... في جنة الخلد ودار النواب
فقطرة من فضلات له ... دواء ذي الداء بلا ارتياب
وصح في الأخبار عن كونها ... في الجوف تشفي من أليم العقاب
فكيف أرحام به قد غدت ... بنوره مملوءة أن تخاب
أم كيف أرحام به انثنت ... حاملة تصلي بنار العذاب
وحين سافر إلى اسلامبول تلميذه الفاضل السميدع السيد مصطفى الحلبي الكوراني اجتمع بالمترجم شيخه ثم ابتدر كل منهما لتضمين البيت المشهور وهو
إن الملوك إذا أبوابها غلقت ... لا تيأسنّ فباب الله مفتوح
فقال المترجم
قلب بسهم أليم الهجر مقروح ... ومقلة دمعها بالبين مسفوح
فقال الكوراني
وخاطر في يد إلا هو أعلى خطر ... من الأماني له باليأس تلقيح
فقال المترجم
ولاعج مضرم لولا التوكف من ... دموعه ولعت فيه التباريح
فقال الكوراني
موزع البال مطويّ الضلوع على ... فرط الآسى جسد ليست به روح
فقال المترجم
حليف كرب رهين الاغتراب شج ... به عقود هموم الدهر توشيح
فقال الكوراني
به أحاديث أشجان يردّدها ... لها من الغم تعديل وتجريح(4/119)
فقال المترجم
له عتاب على الحظ المسوّد إذ ... خابت مقاصده والقلب مجروح
فقال الكوراني
وكلما نابه خطب الزمان غدا ... بساحة الياس صبراً وهو مطروح
فقال المترجم
مستوثق العزم من بيت أقيم به ... للعذر متن بنصح القول مشروح
البيت القديم
إن الملوك إذا أبوابها غلقت ... لا تيأسن فباب الله مفتوح
وكانت وفاة المترجم في سنة خمس وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محمد الأسبيري
ابن يوسف بن يعقوب بن علي بن محسن بن شيخ اسكندر الغزالي الحلبي الشهير بالأسبيري مفتي حلب الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد البارع الصالح العالم الكامل ولد بعينتاب سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم والصرف والنحو والمنطق على ابن خال والده مصطفى أفندي وعلى الشيخ الياس المرعشي ثم سافر إلى كليس فقرأ المنطق على علي أفندي نجي زاده تلميذ تاتار أفندي المشهور وعلى شريكه صالح وأخذ أيضاً شرح مختصر المنتهى لأبن الحاجب عن شيخي زاده وقدم حلب ولازم بها محموداً أفندي الأنطاكي وقرأ على ابن عمه محمد أفندي أيضاً وأخذ بعينتاب أيضاً عن عبد الرحمن أفندي الخاكي وأجازه اجازة عامة سنة تسع وخمسين ثم دار البلاد وقرأ على مشايخ يطول ذكر أسمائهم ثم دخل اسلامبول وصار بينه وبين نفير حبر الروم مباحثات ثم رجع إلى حلب وتوطنها ودرس بمدرسة الرضائية وأخذ عنه جماعة كثيرون وله من التآليف شرح على ايساغوجي سماه الفوائد الأسبيرية على الرسالة الأثيرية وقرظه بعض تلامذته بقوله
لعمرك ما در بنظم القلائد ... بأحسن مما في كتاب الفوائد
كتاب جلت حجب الظلام طروسه ... بلؤلؤ لفظ مثل سلك الفرائد
أزاح عن الغيد الحسان نقابها ... فواصلنا من بعد طول التباعد
ولا غرو إذ تأليفه منتم إلى ... محمد أوصاف كريم موالد
سلوا مشكلات العلم عنه فإنها ... لأدري بهذا الحبر من كل واحد
إليه انتساب المكرمات حقيقة ... يلوح عليها نوره كالفراقد
وهنوا أثير الدين حين تشرفت ... رسالته الغراء ذات القواعد(4/120)
بشرح الامام الاسبري الذي حوى ... خصال كمال أوجبت لمحامد
فلا زال ماوي العلم والحلم والتقى ... مدى الدهر ما لاح الصباح لماجد
وله من التآليف أيضاً شرح على مغنى الأصول المسمى بالمستغنى لكنه لم يكمل وشرح على أوائل المنار سماه بدائع الأفكار وكتاب مناسك بالتركي سماه تحفة الناسك فيما هو الأهم من المناسك وله رسائل عديدة منها رسالة في مسئلة الجزء الاختياري ورسالة في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ورسالة في بيان معنى كلمة التوحيد ورسالة في نجاة الوالدين المكرمين لسيد البشر صلى الله عليه وسلم وله تعليقات على بعض المواضع المغلقة في تفسير الكشاف والبيضاوي ولخص الفتاوي الخيرية وحاشية على شرح المنظومة المحبية للشيخ عبد الغني النابلسي مسماة بالخلاصتين وأهدى منه نسخة لشيخ الاسلام مفتي الروم محمد شريف أفندي فتلقاه بالقبول وأرسل له إفتاء حلب من غير طلب ثم وجه له المدرسة الشعبانية ثم المدرسة الكلتاوية وأخذ عنه جماعة من علماء حلب وغيرهم منهم السيد محمد المقيد والشيخ إبراهيم المكتبي والسيد عر وكان معيداً في درسه الاشباه والنظائر الفقهية ووكيله في المدرسة الخسروية والشيخ يوسف النابلسي الشهير بابن الحلال وكيله في مدرسة الشعبانية والسيد محمد صادق بن صالح البانقوسي وبيض له حاشية عمدة الحكام وامتدحه في آخره بأبيات منها قوله
كتبتها وشرحها كاملة ... برسم حبر فاضل علام
مهذب الدين غزير العلم ... والنقد طود راسخ الاقدام
وألمعي السبر والتنقير بل ... في كل فن أحد الأعلام
شيخ الشيوخ واحد الدهر الذي ... من حقه مشيخة الاسلام
محمد المولى الكريم الاسبريّ ... المجد غصن دوحة الكرام
فدا لك النفس وهذا غاية الت ... قصير من عبد من الخدام
فاسبل العفو وعامل كرماً ... وغض إن طاشت سهام الرامي
سدا لما اختل من التحريف في الر ... سم واخطأ من الاقلام
وابق لها ما بقيت مؤرخاً ... واهنا بشرح عمدة الحكام
سنة 1187 63 510 514 100
وكان صاحب الترجمة يتولى في ابتداء أمره النيابات في محاكم حلب وكان ينتمي إلى نقيب حلب محمد أفندي طه زاده وأفرده بالترجمة تلميذه الشيخ محمد الموقت وكانت وفاته في شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألف
محمد البقري(4/121)
ابن إسمعيل الملقب بشمس الدين الضرير الأزهري البقري المصري الشافعي شيخ القراء بالجامع الأزهر الإمام العلامة الفقيه المقري قرأ عليه القرآن بالروايات من لا يحصى عددهم منهم المرحوم شيخ الاسلام أبو المواهب الدمشقي واشتهر أنه جاوز المائة عام وكان ملازماً للاقراء والافادة ومات بمصر سنة سبع ومائة وألف وصلى عليه صلاة الغائب رحمه الله تعالى
محمد المنير
ابن الحسن بن محمد بن أحمد السمنودي الشافعي الأحمدي ثم الخلوتي المصري الشهير بالمنير الشيخ الإمام المحدث المقري الصوفي العارف بالله ولد بسمنود سنة تسع وتسعين وألف وقدم الأزهر وعمره نحو عشرين سنة بعد أن حفظ القرآن العظيم وجمع للسبع والعشر ونظم المنظومة في قراءة ورش وجاور بالأزهر وأخذ عن جملة من العلماء منهم الشمس محمد السجيني وعلي أبو الصفا الشنواني والشمس محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلي وأجازه أبو حامد محمد البديري الدمياطي والقطب السيد مصطفى البكري الدمشقي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي والنجم محمد بن سالم الحفني وعليه انتفع وبه اشتهر وأخذ الناس عنه الحديث والقراآت والفقه طبقة بعد طبقة وألف مؤلفات نافعة منها شرح الطيبة وهو من أجل تآليفه وشرح الدرة ومنظومة في طريقة ورش وشرحها ورسالة في رواية حفص ورسالة في أصول القرآن وله في التصوف تحفة السالكين والآداب السنيه لمريد سلوك طريق السادة الخلوتية وهو شرح على منظومة له في ذلك ومنظومة في علم الفلك وشرحها ورسالة في مساحة القلتين ورسالة في تصريف اسمه تعالى اللطيف وله شرحان على البسملة سمى الأول الهام العزيز الكريم فيما في خبايا معان بسم الله الرحمن الرحيم تكلم فيها على الاسرار الواقعة في البسملة والثاني تكلم فيه على البسملة من حيث ما يتعلق بألفاظها وله شعر رائق يتعلق غالبه بالحقائق وصار شيخ الأزهر وهو أول من انتزع مشيخة الأزهر من المالكية وكانت وفاته عقب صلاة الجمعة حادي عشر رجب سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى رحمة واسعة ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين
محمد الدقاق
المغربي الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العامل الصوفي الوفي المحقق على الاطلاق أبو عبد الله شمس الدين قدم المدينة المنورة من بدلته فاس وأخذ بها عن العلامة عبد الرحمن ابن شيخ الشيوخ عبد القادر الفاسي وعن غيره وصار له الفضل(4/122)
التام مع السلوك لطريق السادة الصوفية أهل النقض والابرام ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفع به خلق كثيرون وكان هماماً فاضلاً عليه السكينة والوقار ملازماً للدروس بالحرم الشريف لا يشتغل بغيرها توفي بالمدينة المنورة سنة ثمان وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ووجد بخط صاحب الترجمة أبيات من شعره وهو قوله
أنا المحب لكم طول المدا أبدا ... أنا الوفي لكم بالعهد والذمم
أنا الذي غمرت قلبي محبتكم ... سحت سحائبها بوابل الديم
أنا الذي بعيون الود أبصركم ... وبعت روحي لكم راض بلا قيم
أنا الذي بوفاء العهد متسم ... والصدق من سيرتي والصدق من شيمي
محمد الضرير الإسكندري
ابن سلامة بن إبراهيم الضرير الاسكندري ثم المكي المالكي العلامة المفسر النحري المفنن الشاعر أخذ عن أحمد السندربي ومحمد الخراشي وعبد الباقي الزرقاني وإبراهيم الشبراخيتي وأحمد البشبيشي وغيرهم وله تفسير منظوم للقرآن العظيم نظماً في عشر مجلدات وغير ذلك وكانت وفاته بمكة في ذي الحجة سنة تسع وأربعين ومائة وألف
محمد الخالدي الديري
أحد الفضلاء الأنجاب طلب العلم فارتوى من مناهله وجد واجتهد تولى رياسة الكتابة بالمحكمة القدسية وهي وظيفة آبائه وأجداده ولم يزل في الكتابة رئيساً وتوفى في سنة ألف ومائة وتسعة وثلاثين رحمه الله تعالى
محمد الزمار
المعروف بابن الزمار الشافعي الحلبي الشيخ العالم الفاضل التقي الناسك الزاهد الصابر الوقور المهاب جمع بين الولاية والعلم عليه آثار العبادة والصدق والتقوى وانتفع به كثير من أهل حلب وغيرها وله ملازمة تامة في الاشتغال بالعلوم ويد طولى في المنطوق والمفهوم وكان مع جلالة قدره يتفقد أرامل جيرانه وأيتامهم وبالجملة فقد كان من أولياء الله تعالى وكانت وفاته سنة سبع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى
السيد محمد البيلوني
المعروف كأسلافه بالبيلوني الحنفي الحلبي العالم الفقيه الفاضل الأديب الأريب كان له اطلاع تام ذا مباحثة دقيقة يشغل المجلس بمذاكرة المسائل العلمية ويغلب عليه الفقه(4/123)
لأنه كان به متبحراً وكان مهاباً وقوراً محتشماً تولى افتاء أنطاكية ثم ولاه شيخ الاسلام افتاء القدس مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وأحبه أهل بيت المقدس وكانت وفاته سنة خمسين ومائة وألف ودفن بتربة باب الرحمة خارج باب الاسباط رحمه الله تعالى
محمد السؤالاتي
الشافعي الدمشقي السؤالاتي الخلوتي الشيخ العالم الماهر المتقن الصالح الفقيه الفاضل كان له فهم ثاقب وحفظ تام لمسائل الوقائع والأحكام قرأ الفقه والفرائض والحساب والنحو وكان يكتب أسئلة الفتاوي بباب الجامع الأموي وكانت وفاته في يوم الخميس الثاني عشر من جمادي الأولى سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
محمد المورلي القاضي بدمشق
ابن يحيى بن عبد الله المورلي الأصل الاسلامبولي الحنفي أحد الموالي الرومية ولد باسلامبول سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ولازم على قاعدتهم من شيخ الاسلام محمد مير زادة وتنقل إلى أن وصل للسليمانية فمنها أعطى مخرجاً قضاء سلانيك وأخذ من الشيخ قرا داود الرومي والعلامة محمد آق كرماني وكان فاضلاً صالحاً متديناً سليم العرض والدين حج سنة اثنين وسبعين وولي قضاء دمشق سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وكان بدمشق يسلك في القضاء مسلك الشدة وكانت وفاته في شعبان سنة أربع وتسعين ومائة وألف
محمد الغلامي
الشافعي الموصلي الفاضل الأديب اللطيف الأريب البارع ترجمه محمد أمين الموصلي فقال شيخ علم وأدب كان عاقلاً كاملاً زكياً بارعاً من مجالسي الوزير الكبير حسين باشا وولاه القضاء بنيابة عنه في سنة ست وسبعين وله قريض لطيف لم أقف عليه وإنما سمعت به من بعض أولاده وله مناقب حسنة وأوصاف جيدة وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائة وألف وقد قارب الثمانين أو جاوزها ودفن بالموصل رحمه الله تعالى
محمد العبدلي
نسبة إلى عبد الله حي من عرب العراق على غير القياس كان رافعاً أعلام الفضل وناشراً ألوية العلم نشأ في الموصل وهاجر إلى مصر ونواحيها فاكتسب هناك كل نادرة(4/124)
وجمع من العلوم كل غريب الأسلوب مهجور القواعد وكان في الطب آية من آيات الله مشهوراً بتمييز الأمراض المشتبهة لا يعرف له في ذلك نظير في الاقليم الرابع وكان له في العلوم الرياضية يد طولى ولم يزل في مصر ونواحيها ينقل منها الكتب إلى الأطراف وكل يوم يحصل نادرة وكل ساعة يظفر بقاعدة حتى صار في الكمال عين الكمال وغرة الليالي ودخل حلب مراراً ويقال إنه اجتمع بابن النحاس الشاعر الماهر والله أعلم ولما كمل مرامه وحصل مقصوده عاد راجعاً إلى وطنه فنشر من الفضل كل مطوي وأظهر من أسرار العلم كل خفي وكان له شعر رقيق النظام مليح الانسجام ونثر ألطف من مغازلة الآرام ولطائف مشهورة بين الأنام ومن لطائفه أنه سئل في مجلس عن مولده فقال إن تاريخه نقل في ألف وثمانين فضحك الحاضرون فقال واحد منهم وأنا كان مولدي في عام ألف وإحدى وثمانين فقال إذن أنت أنقل مني وكان بخيلاً بالفضائل التي عنده لا يضعها في فاتر الهمة لما قاسى في تحصيلها من المشاق والتعب فكان يفر من طالبه إلى البر فربما لحقه إلى البيداء وكان عارفاً بالزيج والاسطرلاب والهيئة خبيراً بالحساب والمنطق والعربية محباً للنكب فكان عند منها النادور والعجيب واللطيف والغريب وترجمه محمد أمين الموصلي فقال
لما أردت صفاته فمدحته ... هانت عليّ صافت جالينوسا
آيات موسى فيه قد جمعت كما ... أوتي بنان يديه آية عيسى
هذا الهمام فارس عصابة الأدب وسابق حلبة أفاضل العجم والعرب ابقراط الحكمة له غلام وافلاطون الحكمة له من جمل الخدام أبطل ذكر بطليموس بعجائب آثاره ودك طور ابن سينا لما تجلى بسنا أنواره ما الفارابي إلا رشحة من هذا المنهل ولا الأبهري من هذا البحر إلا جدول اذهب تعفن اخلاط الجهالة بمعاجين علمه وأصلح مزاج الفضل والأدب باخلاط فهمه وأدب حميا الايضاح بعروق جسم المعضلات وأبرأ خرائد المسائل من أمراض الاشكالات ودبر الأدب بعدما شاخ بالمرطب ليبس مزاجه واسترجع العلم بعدما أشرف على الممات بإصلاح فساده وعلاجه ومن بلاغته قوله وبعث به إلى علي أفندي العمير حين عاد إليه الافتاء فقال من قصيدة
حمد المولى بعين اللطف مذ نظرا ... إلى العباد أزال الضر والضررا
فاصحب الكون طلق البشر منشرحا ... صدرا وباليسر والاقبال قد سفرا
وبالمنى والأماني الزمان أتى ... والدهر مما جناه جاء معتذرا
عناية تزلت في الأرض فاعتدلت ... أوقاتها فخلت من مفسد غدرا
أطيارها صدحت غدرانها طفحت ... رياحها نفحت تهدي شذا عطرا(4/125)
ومنها
كما حمى كرماً عرض العباد بمن ... يحيى بفصل خطاب جده عمرا
وصار بين الورى في الكون لفظة إجم ... اع عليها وفاق العصر قد قصرا
أثيل مجد تليد عن أبيه وعن ... أجداده فهو ارث ليس مبتكرا
ومنها
بالعلم والحلم ساد الناس قاطبة ... ولميقاربه منهم من علا سيرا
يروي أحاديث جود عن يديه عطا ... أخبار صدق بلا شك لمن أثرا
من جعفر في الندى من ابن زائدة ... ومن زهير ومن قس إذا جهرا
ما ابن ماء السما ما حاتم كرما ... إلا كقطرة ماء منه قد قطرا
تجمعت فيه أوصاف مفرقة ... في الخلق يدرك ذا من كان مختبرا
أن يجمع الله كل الناس في رجل ... فليس ذلك بدعا عند من سبرا
لم وحلم وجود عفة وتقى ... طلاقة بوقار هيبة وقرا
فتاح أبواب تلخيص الفصاحة لا ... يحتاج فيها إلى المفتاح لو حضرا
حبر بدايته فضلاً نهاية من ... سواه فرد على أقرانه افتخرا
وهي طويلة جداً وله أشعار غيرها وقصائد وتوفي في الموصل سنة ست وستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى
محمود الغزي
ابن إبراهيم بن محمود بن حسين الشافعي الغزي الدمشقي الشيخ الفاضل كان من العلماء الاجلاء أحد من اشتهر وتفوق بالعلم والفضل قرأ على جهابذة شيوخ أفاضل وارتحل إلى مصر القاهرة وأخذ بها وقرا على جماعة كالشيخ أحمد بن محمد الفقيه المصري الشافعي قرأ عليه الفقه والنحو والتوحيد والحديث والمنطق وغير ذلك وأجازه بالافتاء والتدريس وكذلك الشيخ عبد الرؤف البشبيشي المصري وغيرهم وارتحل إلى الروم وقطن به مدة سنين وتولى بدمشق تولية وتدريس المدرسة الارمينية ودرس بالشامية وتزوج بدمشق وأعقب وارتحل إلى حلب وصار بدمشق قاضي الشافعية بمحكمة الباب وتعاطى القضاء إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الأفاضل المنوه بهم وكانت وفاته في سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
محمود الجزري الكردي
ابن أبي بكر بن عثمان الشافعي الجزري نسبة إلى الجزيرة الكردي نزيل دمشق(4/126)
الشيخ الأستاذ العارف كان مشهوراً معتقداً له معرفة تامة في الفنون والعلوم الغريبة كالزابرجا والحرف والأوفاق والرياضات وغيرها مع الصلاح والتقوى والديانة ولد بالجزيرة سنة ست وسبعين وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ شيئاً من العلوم ثم سافر قاصداً نحو القدس الشريف فاجتمع برجل من الأولياء يقال له الشيخ محمد زمان السندي فانقطع إليه ولازم خدمته وظهر له منه كرامات عديدة وحج هو واياه ولقنه طريق السادة النقشبندية وأمره أن يرجع إلى بلده ويختلي خمس سنوات ثم بعد انتهاء الخلوة رجع حاجاً بأمر شيخه المذكور واجتمع به وأمره أن يسكن دمشق فبعد رجوعه إليها أرسل إلى أهله واستقام في دمشق في دار بمحلة العقيبة ينفع الناس بافادة ما منحه الله به من المعارف والعلوم وكانت له مناقب كثيرة وأشياء عجيبة في ذلك وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويختلي في رمضان في مكان يختم القرآن مرة بالليل ومرة بالنهار إلى ليلة العيد ويخرج لصلاة العيد والجمعة ولم يتزوج قط وقصد الحج هو وأهله وعند رجوعه توفي بين الحرمين في أوائل محرم سنة احدى وأربعين ومائة وألف في منزلة الجديدة ودفن بها رحمه الله تعالى.
محمود العبدلاني
ابن عباس الشافعي العبدلاني الكردي نزيل دمشق الشيخ العالم العلامة المحقق المدقق الفاضل ولد في عبدلان ونشأ بها في كنف والده وكان هو ووالده ووالدته في خدمة الأستاذ العالم الصالح الشيخ إسمعيل العبدلاني الكردي جد الشيخ عبد القادر الكردي المقدم ذكره في محله ووالده من أتباع المذكور وخدمته وكان لا يعلم العلم فنشأ المترجم والأستاذ يلمحه بنظره واشتغل المترجم بعد وفاة الشيخ في القراءة والافادة فحصل على ما حصل وظهرت فضيلته ودرس في عبدلان وصار مفتياً في كوي صنجق وخرج منها إلى حلب واستقام شهرين ثم قدم دمشق ومنها ارتحل إلى الحج وعاد سكنها إلى أن مات وكانت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون قرب الجوعية رحمه الله تعالى.
محمود المعروف بالسالمي
الشيخ العابد الزاهد كان صالحاً فاضلاً اجتمع به الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكانت وفاته في رمضان سنة اثنين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
محب الله بن زين العابدين
ابن زكريا بن شيخ الاسلام البدر الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ العالم الفاضل العابد الناسك الأديب الأوحد كان منقطعاً عن الناس وأحب ما يكون إليه العزلة يلقى(4/127)
الناس بالبشر والتودد أخذ عن والده وعن عم أبيه شيخ الاسلام النجم الغزي وعن القطب أبي الصبر أيوب الخلوتي وغيرهم وبرع وفضل ونظم ونثر ومن شعره قوله مضمناً
أهواه شروى البدر يرمى دائماً ... من لحظه قلب الكئيب بأسهم
حفت جوانب وجنتيه بحمرة ... لجمالها الياقوت دوماً ينتمي
فرأيت فيه تناسقاً وتناسباً ... من عادة الكافور امساك الدم
وهذا المصراع قد ضمنه جماعة من الأدباء جمعهم صاحبنا محمد الكمال الغزي في رسالة سماها لمحة النور في تضمين من عادة الكافور وكان صاحب الترجمة مشهوراً بالصلاح والبركة فكان يكتب للأمراض والعلل المزمنة فيحصل الشفاء على يديه وأم بمحراب الأولى في الجامع الأموي مدة حياته وله تاريخ نفيس رتبه على الوقائع اليومية وبالجملة فقد كان من أفراد صلحاء العالم ووجوه الناس ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي وكان صلى بالناس اماماً العصر ودخل إلى حمامهم الذي بقرب دارهم واغتسل في آخر يوم من رمضان وخرج من الحمام ودخل بيته فأفطر وصلى المغرب ومات فجأة ليلة الثلاثاء غرة شوال سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن يوم العيد بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
محب الدين الحصني
ابن إسمعيل المعروف بالحصني الحسيني الشافعي الدمشقي السيد الشريف خلاصة الخلاصات ولد سنة ثمان وثلاثين وألف وكان من أخلص الصالحين وغلبت عليه عند انتهائه الأضعاف وكان لا يفتر عن ذكر الله وذكر رسوله مستجيراً بجنابه العظيم وكانت وفاته سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بزاويتهم في دمشق بمحلة الشاغور البراني رحمه الله تعالى.
محب الدين بن شكر
الدمشقي الشيخ العالم الولي الصالح هو من مشايخ الشيخ أحمد بن علي المنيني وأخبرت إن المترجم كان يستقيم في المدرسة الكاملية شمالي الجامع الأموي وإنه كان من أهل الصلاح ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى.
محيي الدين المصري
ابن علي بن إبراهيم بن محيي الدين بن عبد الحافظ المصري نزيل دمشق كان حافظاً لكتاب الله تعالى مجوداً خفيف الروح مقبولاً عند الخاصة والعامة استقام بدمشق نحو ستين سنة وكانت وفاته بها يوم الثلاثاء سابع عشر جمادي الثانية سنة ست ومائة وألف رحمه الله تعالى.(4/128)
مراد المرادي
ابن علي بن داود بن كمال الدين بن صالح بن محمد الحسيني الحنفي البخاري النقشبندي نزيل دمشق وقسطنطينية جدنا الكبير الأستاذ الامام الأعظم الشهير قطب الأقطاب ونادرة الأزمان والأحقاب السيد الشريف العالم العلامة الولي العارف الفهامة الفاضل المحقق المدقق الصوفي الغوث الصمداني الرباني الحبر البحر الحجة الرحلة المسلك المرشد امام أهل العرفان وصدر أرباب الشهود والوجدان صاحب الكرامات والعلوم كان آية الله الكبرى في العلوم النقلية والعقلية خصوصاً في التفسير والحديث والفقه وغير ذلك مع الديانة والصلاح والتقوى والنجاح والولاية وعلمي الظاهر والباطن وكان مبجلاً معظماً أحد الأفراد من العباد مرشداً كاملاً ورعاً زاهداً عابداً معتقداً مع اتقان اللغات الثلاث العربية والفارسية والتركية معمراً نورانياً جامعاً للمذاهب جليل المناقب متضلعاً من العلوم مظهر التوفيق والكرامات حتى كان يحفظ أكثر من عشرة آلاف حديث مع أسانيدها وحفظ روايتها ودائماً رأسه مكشوف غارقاً في بحر عشق مولاه حامداً لما أناله وأولاه ولد في سنة خمسين وألف وكان والده نقيب الأشراف في بلدة سمرقند فلما بلغ المترجم من السن ثلاث سنين حصلت له نازلة على قدميه وساقيه عطلتها وبقي مقعداً بسبب ذلك ثم نشأ مجتهداً في اكتساب العلوم والكمالات ثم قرأ العلوم العربية والفنون العلمية ثم حصلت له النفحة الربانية والمنحة الصمدانية فأقبل على طاعة ربه واجتهد معرضاً عن شهوات الدنيا مقبلاً على الاخرى فهاجر إلى بلاد الهند وأخذ هناك الطريقة النقشبندية وغيرها عن الأستاذ الكبير مهبط الأسرار الألهية ومورد المعارف الربانية الشيخ محمد معصوم الفاروقي المنسوب إلى الامام عمر الفاروق رضي الله عنه فلازمه وتتلمذ له وأخذ عنه وأقام عنده أياماً ثم أمره بالتوجه لارشاد العموم وكان الجد المترجم سبقت جذبته الألهية على سلوكه وهو أخذها عن والده الأستاذ أحمد الفاروقي الملقب بالمجدد وهو عن الامام محمد الباقر إلى أخر السلسلة العلية وأشرقت منه شموس الارشاد وبزغت من مطالعه نجوم الهداية والعلوم في البوادي والبلاد وكان فيه المراد ثم بعد مدة قدم إلى الديار الحجازية قاصداً حج بيت الله الحرام وزيارة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ثم استقام مجاوراً ثلاث سنين وبعدها توجه نحو بغداد ومنها قصد التوجه إلى بخارى ومنها إلى أصفهان ومنها إليها ولما مر على بلاد العجم خرج لملاقاته ميرزا صائب الشاعر المشهور وأهدى إليه المنتخبات من شعره وصحب في هذه الرحلة علماء سمرقند وبلخ ومشايخها واجتمع بهم ثم قصد ثانياً العود إلى بغداد فعاد واستقام بها مدة ثم عزم على التوجه إلى مكة المكرمة ثانياً فتوجه وبعد أداء الحج والنسك والزيارة مر على مصر(4/129)
القاهرة ومنها وفد إلى دمشق وقطن بها وكان دخوله ووفوده إليها بعد الثمانين وألف وأقبلت الناس عليه بدمشق بالتعظيم والاعتقاد والمحبة لما جبل عليه من الزهد والايثار والعبادة والتحقيق في العلوم ففي سنة اثنتين وتسعين وألف قصد التوجه لبلاد الروم فارتحل إلى دار الملك قسطنطينية فلما وصل أقبلت عليه علماؤها وصلحاؤها ومشايخها ومواليها وأخذوا عنه الطريقة وتلقنوا منه الذكر واعتقدوه وصار له تعظيم وتبجيل ثم استقام بها بمحلة أبي أيوب الأنصاري قدس سره مقدار خمس سنين وفي سنة سبع وتسعين عاد إلى دمشق فبعد مدة قصد التوجه إلى الحجاز إلى مكة المكرمة ثالث مرة وكان ذهابه في غير وقت الحج بل ذهب وحده هو ومن معه بلا قافلة إلى أن وصل إلى هناك وجاور سنة واحدة وعاد إلى دمشق ثم حج في سنة تسع عشرة ومائة وألف رابعاً وعاد إلى دمشق أيضاً وكان في دمشق معتقداً ملاذاً مفيداً مكرماً مكرماً تحترمه أهاليها وله مزيد التعظيم عندهم وكانت الحكام تهابه وهو مقبول الشفاعة عندهم وكان موقراً وأخذ من السلطان مصطفى خان قرى بدمشق اقطاعاً بمال يدفعه للخزينة الميرية في كل سنة وهو الآن المعروف بالمالكانات وكان الجد أول من وجه له ذلك بهذه الطريقة وهي الآن علينا وصار له تعظيم وافر واجتمع بشيخ الاسلام إذ ذاك العلامة الكبير المولى فيض الله ورفع المترجم عن أهالي دمشق مظالم عديدة وكان قوالاً بالحق ناصراً للشريعة مسعفاً منظلم مساعداً لأولي الحاجات غاية المساعدة ومن آثاره بدمشق المدرسة المعروفة به وكانت
قبل ذلك خاناً يسكنه أهل الفسق والفجور فأنقذه الله من الظلمات إلى النور وشرط في كتاب وقفه أنه لا يسكنها أمرد ولا متزوج ولا شارب للتتن وكذلك بنى مدرسة في داره بمحلة سوق صاروجا وتعرف بالنقشبندية البرانية مع مسجد كذلك هناك وكان كثير الصدقات مسارعاً إلى القربات وله من التآليف المفردات القرآنية في مجلدين تفسير للآيات وجعله باللغات الثلاث أولاً بالعربية ثم بالفارسية ثم بالتركية وهو مشهور بين علماء الروم وغيرها وله رسائل كثيرة في الطريقة النقشبندية وتحريرات ومكاتبات وكانت وفاته في قسطنطينية في ليلة الثلاثاء ثاني عشر ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه في جامع أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه ودفن في درسخانة المدرسة المعروفة في محلة نيشانجي باشا ورثى بالقصائد الكثيرة العربية والتركية ومن ذلك ما رثاه تلميذه الشيخ أحمد المنيني مؤرخاً وفاته حيث قالل ذلك خاناً يسكنه أهل الفسق والفجور فأنقذه الله من الظلمات إلى النور وشرط في كتاب وقفه أنه لا يسكنها أمرد ولا متزوج ولا شارب للتتن وكذلك بنى مدرسة في داره بمحلة سوق صاروجا وتعرف بالنقشبندية البرانية مع مسجد كذلك هناك وكان كثير الصدقات مسارعاً إلى القربات وله من التآليف المفردات القرآنية في مجلدين تفسير للآيات وجعله باللغات الثلاث أولاً بالعربية ثم بالفارسية ثم بالتركية وهو مشهور بين علماء الروم وغيرها وله رسائل كثيرة في الطريقة النقشبندية وتحريرات ومكاتبات وكانت وفاته في قسطنطينية في ليلة الثلاثاء ثاني عشر ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه في جامع أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه ودفن في درسخانة المدرسة المعروفة في محلة نيشانجي باشا ورثى بالقصائد الكثيرة العربية والتركية ومن ذلك ما رثاه تلميذه الشيخ أحمد المنيني مؤرخاً وفاته حيث قال
غوث البرايا مرشد العباد في ... سنن السلوك إلى مناهج قربه
بحر الحقيقة والشريعة من سرت ... أنواره في الأفق مسرى شهبه
انسان عين الوقت كامله الذي ... يمّ المعارف قطرة من سحبه(4/130)
الملجأ الاحمى مراد الله من ... لحماه يهرع عائذ من كربه
قد جاءه من ربه بشرى الرضا ... بلقاء مولاه الكريم وحزبه
إلى آخرها وهي طويلة ورثى بغير ذلك رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين.
مكي الجوخي
ابن محمد سعيد بن يس بن سليمان بن طه بن سليمان الجوخي الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المولد الفاضل البارع الأديب اللغوي الضابط كان أحد البارعين في الأدب وفنونه وله شعر حسن واطلاع تام في اللغة مع ضبطها وكان يتفحص عن النكات والأحاسن من الأشعار والفوائد ويضبطها مع باع في النحو والفقه وغيره ذا ثروة مشتغلاً بالمتاجرة والاكتساب من ذلك قدم جده يس من حلب إلى دمشق في حدود سنة ستين وألف ونزل في خان الجوخية بدمشق في تجارة فلما بلغ الخبر إلى مفتي دمشق العلامة المولى أحمد المهمنداري الحلبي أرسل بعض خدمه إليه وأنزله عنده وكان يتردد إلى الخان المذكور ويعود يبيت عنده ثم بعد مدة اشترى داراً في محلة مدرسة الباذرائية وتوطن بها وتزوج وصار له أولاد منهم محمد سعيد والد المترجم ثم ولد لمحمد سعيد أولاد منهم المترجم وهو أنجبهم ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن على الشيخ حسين البيتماني وأخذ عن غيره ثم طلب العلم واجتهد في تحصيله فقرأ على الشيخ محمد الغزي وهو أول شيخ أخذ عنه ورباه وأخذ عن غيره من جماعة أفاضل أجلاء وارتحل إلى حلب وأخذ عن عالمها الشيخ طه الجبريني والشيخ محمد المواهبي ولما حج في سنة ثمانين ومائة وكان والدي في تلك السنة حاجاً وكنت مع والدي وكان سني دون البلوغ فأخذ عن علماء الحرمين وصار له تآليف فاختصر شرح الأذكار للنووي واختصر شرح الصدور وله مجاميع وشعر وفوائد وله ضبط في اللغة والأدبيات وغير ذلك وله ديوان شعر وبالجملة فقد كان من أدباء ذلك القرن ومن شعره الباهر ما مدح به الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم بقوله
بك يا سيد الأنام التجائي ... وعياذي من طارق اللأواء
يا ضياء الوجود يا رحمة الل ... هـ التي ترتجي لكشف البلاء
يا نبيّ الهدى وخير البرايا ... من حباه الآله بالاسراء
يا مغيث الملهوف يا من بعليا ... هـ التجأنا في البؤس والضراء
أنت شمس العلوم بحر العطايا ... منبع الفضل سيد الأنبياء
أنت مصباح كل جود وتهدى ... كل سار إلى الطريق السواء(4/131)
فنداك المأمول في كل ضيق ... ومرجي بشدّة ورخاء
لك أشكو من ضعف حالي إني ... أرتجي لمحة تزيل عنائي
كن ملاذي في النائبات مغيثي ... من صروف الزمان والبلواء
فعليك الصلاة بعد سلام ... معآل وصحبك النجباء
ما تغنت حمائم الروض صبحاً ... أو سرى البرق في دجى الظلماء
وقوله من نبوية أيضاً
ويح قلبي من غزال شردا ... من جفاه كم أرى عيش ردى
بعت روحي في هواه رغبة ... ذبت من شوقي عليه كمدا
كيف أسلو وهواه قاتلي ... وجفوني شابهت قطر الندى
قلت يا من بالجفا أتلفني ... جد بوصل ولك الروح فدا
وأبحني نظرة أشفي بها ... كبد أذاق العنا والنكدا
أنا راض بالذي يفعله ... جوره عذب وإن لج العدا
وبأكناف الحمى لي جيرة ... حبهم فرض على طول المدى
قمت ليلاً في روابي شعبهم ... كي أرى نحو حماهم منجدا
أنشد الحيّ فلم ألف به ... من مجيب مسعد إلا الصدى
قلت هل أبصرت ظبياً شرداً ... قال هل أبصرت ظبياً شردا
يا لقومي إنني ذو شغف ... في هواه وهوى الغيد ردى
ومنها
ثم عرّج نحو وادي طيبة ... لحمى طه التهامي أحمدا
إن لي قلباً لدى أطلاله ... شجا في حلل الوجد ارتدى
سيد الأكوان ذو المجد ومن ... نرتجي منه لنا فيض الندى
يا رسول الله يا غوث الورى ... يا سراجاً للمعالي والهدى
أدرك أدرك مستهاماً دنفا ... لك شوقاً ليس يحصي عددا
قد وردنا نرتجي فيض الرضا ... ومن الجدوى طلبنا المددا
فعليك الله صلى دائماً ... ما حدا الحادي وما الطير شدا
ولصاحب الترجمة
ويلاه من رشأ تهفو النفوس له ... حلو الشمائل يسبينا بطلعته
نسج بعارضه أم أحرف رقمت ... فوق اللجين فراقت حسن بهجته
كأنما نملة مشت أناملها ... على مداد فدبت فوق وجنته(4/132)
هو من قول الشيخ عبد الرحمن الموصلي
أنبت عذار أم شقائق روضة ... مشى فوقها نمل بأرجله حبر
وهو ناظر إلى قول العارف الشيخ أيوب
انظر إلى السحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي
ر انظر إلى شعرات فوق وجنته ... كأنما هن نمل دبّ في عاج
ومن ذلك قول بعضهم
كأن عارضه والشعر عارضه ... آثار نمل بدت في صفحة العاج
توحلت في لطيم المسك أرجلها ... فعدن راجعة من غير منهاج
وما أحسن قول البارع أحمد الشاهيني
دب العذار بخدّه ثم انثنى ... فكأنه في وجنتيه مروّع
نمل يحاول نقل حبة خاله ... فتمسه نار الخدود فيرجع
وللمترجم متغزلاً
أقسمت بالدر من ثغر وما نسقا ... والخال من خدّه الباهي وما عبقا
وليل شعر على الأجياد منجدل ... وبارق من ثناياه لقد برقا
ما شمت قط لباهي حسنه شبهاً ... بين الظباء فسبحان الذي خلقا
هو الغزال فما أحلى تلفته ... كم عاشق هام فيه مذله عشقا
يسبي العقول إذا ما ماس في حلل ... من الجمال وكم قلب به علقا
مقسم الوجه منه البدر مفتضح ... أنى يضاهيه بدر تمّ واتسقا
فاق الحسان سنى من نور غرّته ... فلاح في بدر تم فوق غصن نقا
أفديه ذا هيف يرنو لعاشقه ... كالظبي ملتفتاً كالغصن ممتشقا
ذو مبسم برد قد راق منهله ... والمسك من طيبه الفوّاح قد نشقا
أعيذ طلعته من شرّ حاسده ... وغاسق وعذول لومه غسقا
قد ماس في حسنه يختال متشحاً ... ومال في تيهه عجباً وما رمقا
وراش لي أسهماً من هدب مقلته ... أصمت فؤاد المعنى عندما رشقا
يا ويح قلبي مما قد لقيت أسى ... في حبه زاد وجدي والحشا خفقا
يا أيها المعرض المسبي بقامته ... رفقاً بقلب كئيب زدته حرقا
كسوت جسمي نحولاً في هواك ولم ... يدع صدودك والهجران لي رمقا
كم ذا أقاسيه من فرط الغرام ومن ... تلوّع واصطباري عنك قد نفقا
عطفاً على صبك المضني الشجي كرما ... قد طلق النوم جفني واكتسى أرقا(4/133)
وجد بوصل فدتك الروح يا أملي ... وارحم حشاء بنيران الجوى احترقا
وله مخمساً
قفا ننشد الأحباب علّ الندا يجدي ... بسفح اللوى والبان من علمي سعدي
وقولاً إذا ما هيمنت نسمة الرند ... ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجداً على وجدي
إذا ما وميض البرق لاح وأوضحا ... وأبدى حديث الشوق عني وصرحا
أهيم بذكراهم وجسمي قد انمحى ... وإن هتفت ورقاء في رونق الضحى
على فنن غض النبات من الرند
أحن إلى الأوطان من ذلك اللوى ... وقلبي بنار الهجر وجداً قد اكتوى
فأوّاه من وجدي ومن لوعة النوى ... بكيت فأبكاني الذي بي من الجوى
ومن شدة البلوى ومن ألم الفقد
أهيل الحمى ظهري لبعدكم انحنى ... نأيتم فبات القلب يشكو من الضنى
وقلتم بأن الصبر يعقبه المنى ... بكل تداوينا فلم يشف ما بنا
على أن قرب الدار خير من البعد
رحلنا عن الأوطان رحلة طامع ... وقلنا حداة العيس جدّوا بوالع
عسى ندرك المأمول من غير مانع ... على أن قرب الدار ليس بنافع
إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ
ومن نثره وقد أرسل بها إلى بعض أصحابه لأمر اقتضى ذلك حرس الله تعالى جناب سيدنا نتيجة الزمان ومعدن الفضائل والعرفان ومحير أرباب اللسن بطلاقة اللسان والسالب برقة ألفاظه كل انسان الرفيق الكامل الذي تعقد على مثله الخناصر وتشد الأنامل من قلد جيد الزمان بالأيادي وأخرس بفصاحته سحبان وقسا الأيادي وأخجل سحب الغمام بالأيادي وأروي بمورده العذب كل صادي أما بعد فمتى غابت شمس الود حتى اكفهر ليل المقاطعة واسود ومتى تقشع سحاب المحبة حتى لم ينبت في رياضها حبه ومتى كان هذا الجرح حتى اندمل ومتى سل حسام المحاربة حتى كل وفل ولكن إذا كان المحب قليل الحظوظ فكل ما يبديه بعين السخط ملحوظ
إذا كان المحب قليل حظ ... فما حسناته إلا ذنوب
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر(4/134)
ما صاحبتك طمعاً فيما في يديك ولا واخيتك للاعتماد عليك والاحتياج إليك ولا تقربت إليك لتنقذني من المهالك ولا واددتك لتواسيني بمالك ولكني كنت أعدك عدة للأعدا وأعدك إذا عدت الأصدقاء فرداً وأفزع إليك إذا اشتد الكرب وأشكو إذا أعضل الخطب أموراً يتوجع منها القلب
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع
من غص داوي بشرب الماء غصته ... فكيف يفعل من قد غص بالماء
كنت في كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
على أنني ما أنكرت ودك المستطاب ومعروفك الذي هو أصفى من الشراب ولا جحدت ما أثقلت كاهلي به من الأيادي بل ذكرتها ونشرتها في كل نادي
إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
شعر
لست أشكو من امتناعك عني ... يا منى القلب حين عز الاياب
سوء حظي أنالني منك هذا ... فعلى الحظ لا عليك العتاب
فإذا كان هذا الأمر اقتضاه الحال فحلمكم أوسع وإن اتسع المجال والصديق هو الذي يعد للشدة والضيق والرفيق هو الذي يكون بالرفيق رفيق
أعلى الصراط تكون منك مودّة ... أم في المعاد تكون من خلاني
إني قصدتك للشدائد فانتبه ... والأمر في الأخرى إلى الرحمن
فيا سيدي ما هذا التجني والأعراض والتسخط والانقباض فبعض هذا الجفاء يا مولاي مقنع وأقل ما رأيته منك للقلب مؤلم وموجع
فلا خير فيمن غير البعد قلبه ... ولا في وداد غيرته العوامل
ولقد أكثرت في الالحاح والطلب وأزعجت نفسك غاية الازعاج وأتعبتها غاية التعب وحملتها ما لا تطيق وأوقعتها في أشد الضيق فإذا كان هذا الأمر سريع الفرج فلا يكن في صدرك حرج
وخفض عليك فإن الأمور ... بكف الآله مقاديرها
شعر
غصص الحياة كثيرة ولقد ... تنسى الحوادث بعضها بعضاً
ولقد بلغنا من بعض الأحباب إنك أكثرت من الملامة والعتاب فسبحان الله ما هذا القلق والاضطراب كإنما تقطعت بيننا العلائق والأسباب أم هل سمعت إنها ضاقت بنا المذاهب أم قصرت يدنا عن درك هاتيك المطالب أم أخبرت اننا على جناح سفر(4/135)
أم جحدنا حقاً في قبلنا اشتهر أم عرفنا بالمطل والافلاس أم اشتهرنا بأكل أموال الناس وذكرت أن أباك وبخك على صحبتنا لهذا الأمر الخطير وعيرك بمودتنا غاية التعيير كأنه ظن أننا انتسبنا إليك لتواسينا بمالك أما علم إننا بفضل الله غنيون عن ذلك وقد اعتذرت عن ذلك بأعذار لا تقبل بناؤها أو هي من بيت العنكبوت لا يستقر لها حقيقة ولا ثبوت ولكن لما رأيتك ألححت غاية الالحاح في الطلب وأبديت ما كمن من الغضب وأظهرت من النفرة ما فيه نهاية العجب وقطعت للمودة كل سبب ورأيت أن تركنا أولى وأنسب فلذلك اقتحمت هذه الأخطار وتعللت بنسج الأعذار لأنظر انتهاء هذا الأمر وأطلع على مكنون هذا السر وأتحقق حقيقة صحبتك وأنتهي إلى نهاية مودتك فإن في هذا الباب تذكرة لأولي الألباب وفي التتبع والاستحضار تبصرة لأولي الأبصار
الشيء يظهر في الوجود بضده ... لولا الحصى لم يبد فضل الجوهر
ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن تمام العقل حسن التجارب
وأن النقود تظهر ما كمن للوجود وتنقد الرجال وتترجم عن حقيقة المال وتفرق بين الصويحب والصاحب وتبين الصادق في محبته من الكاذب كما قال من جاء بالحجة البيضاء فيمن مدح عنده هل عاملته بالصفراء والبيضاء هذا والمرجو عدم المؤاخذة بما نطق به لسان اليراع وأودعه في سطور الطروس على أكمل ابداع وإن أخطأنا فالصفح من جنابكم مأمول والعذر عند أمثالكم مقبول والسلام فأجابه عنها بقوله
رسالة ودّ من محب لقد أتت ... من الفضل والآداب خالصة السبك
حوت حكماً أبدت نهاية فحره ... وسؤدده بين الأنام بلا شك
فكم مفخر في طيها غير مفترى ... به ضاع نشر الروض والطيب والمسك
وكم نطقت عتباً نشا عن ديانة ... وأفصح لوم عن سماحته تحكي
مخدرة يهدي بها كل عاقل ... مهذبة تستوجب النسخ بالصك
يلين لها الطبع الشديد لأنها ... محببة إذ تنتمي لذوي الملك
تراكيبها محمودة فلذا غدت ... مسهلة لكنها من سنامكي
فيالها من رسالة تنبئ عن قصارى أمر منشيها ومطمح نظر مبديها ومنشيها فكم أطنب فيها لنيل مناه وأبدى حكماً هي نهاية شرفه وعلاه فهي تنادي بأفصح عباره لا بالطف اشاره
ظلم الذي يعزي التجار إلى العلا ... حسب التجار دفاتر الحسبان
همم لهم بين النقود وصرفها ... والسعر والمكيال والميزان(4/136)
ولقد أمسكت عما به أطنبت وأغربت وأعرضت عن جواب ما أبديت وأعربت واخترت الايجاز على الاطناب لأن الوقت غير مستطاب والمحل غير قابل للخطاب على أن ترك الجواب أولى من الجواب وفي هذا القدر كفاية وفي امساك عنان اليراع صواب انتهى ومن شعر المترجم ما كتبه إلي مادحاً بقوله
يا تائهاً ببديع لفظ كلامه ... وبنثر درّ من جمان نظامه
وبحسن آداب ورونق منطق ... وبما حواه من ذكا أفهامه
خضعت مصاقع عصره لما رأوا ... فضفاض فضل فاض من انعامه
فغدا الفصيح لديه أبكم عاجزاً ... وتبين الملسان من تمتامه
وانقادت الفصحاء طوع يمينه ... وغدت له منقادة بزمامه
وأهاله من أروع وسميذع ... أربت فضائله على أقوامه
لما رأوه فاق كل مهذب ... كل أطاع بلفظه وبهامه
فاق الألى ورقى العلا بشهامة ... فغدا لعمرك شامة في شامه
وإذا ثوى في مجمع أو محفل ... فتراه بدراً كاملاً بتمامه
لا بدع فهو الشهم نخبة دهرنا ... وخليلنا المفضال في اعظامه
نجل الكرام إلا مجدين بلا مرا ... من قد سموا كالبدر مع أنجامه
ورث الفضائل كابراً عن كابر ... بل نال فخر المجد يوم فطامه
من عمني من فضله بهدية ... من جوده بل من ندى انعامه
يمضي الزمان ولا أقوم بشكره ... حسبي بذاك سموّه بمقامه
فالله يوليه الجزاء من فضله ... ويعمه بالفيض من اكرامه
وتدوم رفعته على أقرانه ... بمزيد عز شامخ بدوامه
مولاي إني قد أتيتك زائراً ... ومهنئاً بالعيد في أيامه
تحيا وتبقى في سرور عائداً ... في طيب عيش في مدى أعوامه
ما بلبل الأفراح قام مغرّداً ... فوق الغصون الملد في ترنامه
وكتب إلي يطلب مني مبراة أقلام
يا سيداً حاز من كل الفنون ومن ... بديع خط كذا آلات أرقام
أرجوك مولاي مبراة تساعدني ... على الكتابة في اصلاح أقلامي
وكتب إلي أيضاً مرة قوله وقد عاقه المطر عن زيارتنا
أيا مولى له شوقي ... ومالي عنه مصطبر
مرادي أن أزوركم ... ولكن عاقني المطر(4/137)
ومثل ذلك جرى لي لما كنت في الروم حصل في بعض الأيام مطر وثلج وكان قد دعاني أحد مواليها إليه فكتبت إليه معتذراً عن الزيارة بقولي
أمولاي يا شمس المحامد والبها ... ويا واحداً حاز المعالي مع الفخر
إلى بابك العالي أروم زيارة ... فتمنعني الأقدار بالثلج والقطر
فلا تك للداعي المرادي مؤاخذاً ... فمثلك من يعفو عن الذنب والوزر
وكتب المترجم إلي أيضاً ضمن رسالة قوله
أما والله يا بدر المعالي ... ومن قد جاد لي ببديع حبك
ومن أولاك مكرمة ومنا ... وصير جنتي بنعيم قربك
لأنت أعز من طرفي وقلبي ... فسل عما أقول شهود قلبك
ويوم لا أرى ذاك المحيا ... يلوح فذاك يوم عند ربك
وكان بدمشق غلام عراقي بغدادي أسفر وجهه المنير وراق رونق جماله النضير فأنشد المترجم فيه مخبراً عما في الضمير قوله
أفدي عراقياً تملك مهجتي ... باهي الجمال كبدر تمّ مشرق
فنحوت غرباً أبتغيه مموّهاً ... عن عاذلي والقصد نحو المشرق
وأنشد فيه غيره من أدباء دمشق فمنهم السيد حسين بن حمزة الدمشقي الحسيني فقال
أرنو إلى وجهك من غاية ... قصوى وأرضى بقليل النظر
ويقبل الليل فيخفى سني ... وجهك عن عيني ويعشى البصر
فلم ترى يخفيه وهو الذي ... من شآنه اظهار نور القمر
وللمترجم في مدح باب السلام
يا حبذا باب السلام فإنها ... هي جنة تجري بها الأنهار
فاقت على نزه الشآم نضارة ... وبوصفها قد حارت الأفكار
يترقرق الماء الزلال بها كأعم ... دة الرخام طفا عليه غبار
وكأنما الأمواج حين تتابعت ... سفن جرت وتسوقها الأقدار
سلسالها عند الهواء نخاله ... كالثلج يصعد قد علاه نضار
يا حسنها من روضة وغصونها ... قد غرّدت من فوقها الأطيار
ونسيمها وخرير صوت مياهها ... تجلي بها الأحزان والأكدار
لا سيما زمن الربيع وزهره ... تهفو النفوس إليه والخطار
من أمها يبغي التنزه قائل ... لو كان لي قصر بها أو دار
لكنها بمكاره حفت لذا ... يأتونها في خلسة أخيار(4/138)
أنعم بها من نزهة أنست بها ال ... أحباب والخلان والسمار
يا صاح عرّج نحوها مستأنساً ... ما تشتهي فيها وما تختار
وزاره صاحبه الشيخ عبد الله الطرابلسي المتقدم ذكره في هذا الكتاب وذلك نهار عيد الأضحى وكان يوماً ممطراً فقال المترجم في ذلك
زارنا معدن الفنون صباحاً ... فحبينا به الأماني صباحا
كان عيدان من تلاقيه عيد ... وبعيد الأضحى ألا عم صباحا
خلت شمساً في حيناً قد أضاءت ... أو كبدر التمام في الأفق لاحا
أدهش الناظرين نور سرور ... من لقاه وجدّد الأفراحا
ياله من نهار أنس منير ... قد وقينا من لطفه الأتراحا
زارنا الغيث حين زار ووافى ... بسرور فأنعش الأرواحا
وسحاب الهناء أمطر درّاً ... حيث حوض السرور كان طفاحا
هو عبد الله المحب الذي قد ... بلغ القلب في هواه نجاحا
ماجد وابن ماجد قد تسامى ... بمعان منها رأينا الفلاحا
ياله من مهذب وأديب ... لم يزل طيبه لنا فوّاحا
ذي نظام يفوق عقد اللآلي ... لنحور الحسان كان وشاحا
ففؤادي بحبه ذو امتزاج ... وبه عنبر المحبة فاحا
يا أديب الزمان لطفاً ويا من ... لفظه جوهر يفوق الصحاحا
هاك أبيات مدحة من محب ... فيك بالحب قلبه قد باحا
فعليها أسدل ثياب التغاضي ... ثم بالعفو كن لها مناحا
ثم سامح أخاك بالصفح فضلا ... حيث ألقى لديك منه السلاحا
وابق في نعمة وطيب حبور ... ما هزار في روضة قد صاحا
فكتب إليه الطرابلسي المذكور الجواب بقوله
مسك دارين قد شممناه فاحا ... أم خزامى أم عنبرا أم أقاحا
ولآل تنظمت أم نجوم ... أم شموس ضياؤها قد لاحا
وضروب الألحان ما قد سمعنا ... أم تغني طير الرياض وصاحا
أم مدام قد أشرقت بكؤس ... عطرت من شميمها الأقداحا
أم نظام كالدر أشرق حسنا ... فغدا للنفوس منا وشاحا
من معان تفوق سحر المعاني ... ومبان تهيج الأرواحا
لا عد مناك من أديب أريب ... ولبيب يجلي اللآلي الصحاحا(4/139)
صغت عقداً يفوق حلي العذارى ... أم نظاماً يبدي المعاني الصحاحا
فأضاءت منها شموس المباني ... حيث أمسى نظامها وضاحا
فأقبل الآن مدحة من محب ... بنظام لم يقبل الاصلاحا
وابق في العز ما تغنت حمام ... حيث يبدي الهنا لك الأفراحا
وكتب المترجم إلى الشيخ سعيد الجعفري الدمشقي بعد عتاب جرى بينهما لأمر كان بقوله
عتابك لي أشهى من المنّ والسلوى ... لقلبي وأحلى في المذاق من الحلوى
بنظم كسلك الدرّ بل هو جوهر ... يلوح على القرطاس من رصفه أضوا
أرق من الصهباء في الكاس إذ صفت ... فبت بها نشوان لا أعرف الصحوا
أتى من ذوي الأفضال والمجد والتقى ... وحاوي كمال السبق في العلم والتقوى
فسرّحت هذا الطرف في طيّ نشره ... فدلت خوافيه عليه من الفحوى
فإني وأيم الله منذ عرفتكم ... مقيم على صدق الوداد بلا دعوى
وقد غرست أصل المحبة بيننا ... وغصن ثمار الود رطب فلا يذوى
فلا زلت يا ذا الفضل تسمو برفعة ... تدوم مع الاقبال تحبوك ما تهوى
فكتب إليه الجعفري المذكور الجواب بقوله
فداؤك مني الروح ذا الفضل والتقوى ... جوابك لي أحلى من المن والسلوى
بلى هو أمياه الحياة لوامق ... على رمق أبقاه بالصد من يهوى
فما اللؤلؤ المنضود ما الجوهر الذي ... تنوب مناب النيرين به الأضوا
وما الخمر ما برد اللمى ما عذيبه ... ترشفه الولهان من رشا أحوى
بأشهى وأحلى من عذوبة لفظه ... حباني بخمار اعتذاراته الصحوا
وأخبر أن الودّ ما شاب صفوه ... سلوّ ففيه القلب لا يقبل الرشوا
أجل ففؤاد العاشقين محرر ... صفاء لميزان المعاملة الأقوى
وما الغرّ يا بدر العلا مثل أروع ... بمضمار حسن الودّ قد أدرك الشأوا
وإنك في العيوق عندي رفعة ... ولا غرو إذ حزت العلا أنت لا غروا
وإني يا خدن المودّة جازم ... بأنك في ذا الود ذو الرتبة القصوى
وإني ما أثبت أمراً مخيلاً ... وإن يك ذا فالآن أستجلب العفوا
بلى إنني بادرت للمنهج الذي ... نهجت على التحقيق ما كان ذا سهوا
وحاولتكم حسن التقاضي وللادا ... بحسن لقد طالبت نفسي بالنجوى
فدم في ذرا العز المؤبد راقيا ... تقرطق آذان الفهوم بما تهوى(4/140)
وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخها نال الرضى مكي ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
مصطفى القنيطري
ابن أبي بكر بن أبي بكر بن عبد الباقي المعروف بالقنيطري الحنفي البعلي الأصل ولد بدمشق في سنة احدى ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على قريبه الشيخ أبي المواهب والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ أحمد الغزي والشيخ محمد الحبال والشيخ عبد الغني النابلسي أخذ عنهم وأجازوه وكان له أدب ومعرفة عطاردي الطالع أظهر البدائع من كل صناعة وكان حظه قليلاً وبالجملة فقد كان من الأدباء المفننين وله شعر ومن شعره قوله في الورد
قد سألنا الورود حين نزلنا ... روضها والزهور ضاع شذاها
فلماذا كتمتم العرف عنا ... قبل نيل الشفاه منكم شفاها
فأجابوا لو دّنا القرب منها ... قد فرشنا الخدود ثم الجباها
وكتمنا العبير في الغصن شوقا ... لتنال النفوس منكم مناها
وفي ذلك للشيخ سعدي العمري قوله
وروض طوى عرف الأحبة غيرة ... عليه فنمت بالزهور الشمائل
وما زال عني الورد يطوي حديثهم ... إلى أن رمته بالأكف الأنامل
وقوله أيضاً
صن سرّ من والاك بين الورى ... دون الورى رعياً لحق الصديق
فالروض في الورد طوى عرفه ... دون الأزاهير لأجل الشقيق
وفي ذلك قول الشيخ أحمد المنيني
صن عرف فضلك عن صديق ناقص ... كيلا يصير من الخجالة في وجل
فالورد بين الزهر أخفى عرفه ... خوفاً على غصن الشقيق من الخجل
وفي ذلك قول المولى أحمد علي الرومي أحد الموالي الرومية
اظهار جهل المرء من ... خل شقيق لا يليق
فاكتم كمالك إن عرا ... في مجلس منه الصديق
فالورد يكتم عرفه ... عن أن ينمّ به الشقيق
وفي ذلك أيضاً للشيخ محمد بن الأمير الدمشقي
سألت من الورد الجني الغض عندما ... رأيت زهور الروض تزهو على الرند
أعرفك هذا ضاع في الروض قال بل ... أعرت زهور الروض بعض الذي عندي(4/141)
وممن انشد في ذلك الشيخ سعيد السمان فقال
سألنا ورود الروض حين ورودنا ... حماها لماذا النشر عنا طويتم
فقالوا طوينا عرفه خشية الصبا ... إذا ما سرت فيه تنم عليكم
وقوله
ألا قل لمن أودعته السر في الورى ... يكتمه عن صنوه وصديقه
ألم تر أن الورد يكتم في الربا ... شداه ولم يسمح به لشقيقه
وكانت وفاة المترجم في شعبان سنة ستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى والقنيطري نسبة إلى القنيطرة وهي تكية ناحية تركمان بناها لا لامصطفى باشا رحمه الله تعالى.
السيد مصطفى العلواني
ابن إبراهيم بن حسن بن أويس المعروف بالأويسي العلواني الشافعي الحموي نزيل دمشق أحد الأفاضل كان أديباً بارعاً ناثراً ناظماً كاتباً لوذعياً ألمعياً له الحسب والنسب محرزاً دقائق الكمالات جانياً ثمرات الفضائل والمعارف ولد بحماه سنة ثمان ومائة وألف كما أخبرني ونشأ في حجر والده وقرأ عليه وبه تخرج في فن العربية والأدب وقراءة القرآن وحمله على طلب العلم ونزل بمدرسة الباذرائية واشتغل بقراءة العلوم على أفاضل دمشق فمنهم الشيخ إسمعيل العجلوني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه في الدروس وأخذ عن الشيخ عبد الله البصروي وعن الشيخ محمد العجلوني وعن الشيخ عبد السلام الكاملي ونظم الشعر والانشاء البليغ مع خط حسن باهر متناسق وشرف نفس وكان ملازم السكون في خلوته وارتحل إلى الروم مرات متعددة وعاد ببعضها متقلداً نقابة بلدته حماه وعزل منها ثم عاد إلى الروم لقضاء ما فات وبلوغ المرام وآخر أمره أن جعل دمشق مأواه وسكنه وكان في السوداء متسماً بغاية لا تدرك وكان والدي يحبه وهو من أصدقائه وكتب لوالدي عدة كتب بخطه وأجازني بمروياته عن شيوخه واجازة خاصة بخطه وأجازني بمنظومته التي نظمها بطريق التوسل بأسمائه الحسنى جل وعلا وبأسمائه صلى الله عليه وسلم وأخبرني أنه اجتمع بالجد الكبير الأستاذ الشيخ مراد الحسيني قدس سره حين ارتحاله إلى الديار الرومية في سنة تسع عشرة بعد المائة وأخبرني أنه لما ذهب به ولاده إلى الجد وكان الجد مستقبل القبلة بعد اتمام صلاة ذلك الوقت فلما رآه الجد دعا له ولمس ظهره بكفه وكان المترجم من العلماء الأفاضل البارعين بفنون الأدب وغيره وشعره عليه طلاوة فمن شعره قوله(4/142)
أشرف الأنبياء يا نقطة الكو ... ن ومبنى هذا الوجود العجيب
يا رسولاً آياته قد أذابت ... من ظلام الأهواء كل مريب
يا عزيزاً على الآله وفي فص ... ل القضا المستبدّ بالتقريب
أنت باب الآله من يأت من أع ... تابه نال غاية المرغوب
أنت أنت الملاذ إن أفظع الكر ... ب ومدّت للفتك أيدي الخطوب
أنت ملجأ المؤملين فكم من ... ك أنيخ الرجا بواد عشيب
أنت ذخر الضعيف أن يخش عند ال ... بعث والحشر هول يوم عصيب
يا شفيعاً هناك إذ يوقع الأن ... فس في المزعجات كرب الذنوب
يا كريماً حياً العطاش على الحو ... ض إذا ما أتوا بأعذب شوب
كيف يخشى وقع الحوادث عند ... منك قد لاذ بالجناب الرحيب
فأغثني وكن مجيري فإني ... منك للبرّ صرت أيّ رقيب
مع أني إلى علاك تشفع ... ت بصدّيقك الحليم المهيب
وأبي حفص الذي وافق القر ... آن منه لخير رأى مصيب
وابن عفان ذي الحياء شهيد ... الدار ظلماً بدون شك وريب
وعليّ ليث الحروب أبي السب ... طين زوج البتول باب الغبوب
وبأصحابك الهداة الألى من ... ك لقد أتحفوا بأكمل سيب
وبأتباعهم ذوي الذبّ عن هد ... يك كيلا يغشاه شوب كذوب
وخصوصاً منهم هداة اجتهاد ... قد أذابوا فيه سويدا القلوب
بابن ادريس الذي منك أدنت ... هـ لعمري قرابة التعصيب
والمرقى أبي حنيفة عالي ال ... كعب في نيل أشرف المطلوب
وامام المدينة الحبر حقا ... مالك الشرع حائز التقريب
والزكيّ التقيّ أحمد من في ال ... علم قد حاز كل فن غريب
وعليك الصلاة يا خاتم الرس ... ل وأعلى معظم وحبيب
ما توالى من مصطفى بن أويس ... لك مدح مع سح دمع سكوب
يرتجي منك فيه ابلاغ حاج ... هي فيما يرضيك ذات ضروب
وله عند خروج الحاج متوجهاً نحو طيبة الطيبة على ساكنها الصلاة والسلام
ظن أن القلب عنه سلا ... رشأ أغرى بنا المقلا
كبدي لحظاه كم جرحا ... وكمثلى كم فتى قتلا
فعلا فعلاً بمهجته ... بعضه هاروت ما فعلا(4/143)
بفتور الجفن كم تركا ... عاشقاً بين الورى مثلا
فتنا الألباب من دعج ... بسواه قط ما اكتحلا
كم أمالا الصب عن أمل ... يرتجيه بائساً خجلا
حرساً ورد الخدود فلم ... نر صبا نحوه وصلا
وإذا ناما فإن له ... حارساً في الصدغ ما غفلا
ويح مضناه فليس على ... ما سوى أحزانه حصلا
فيه كم أصبحت ذا كلف ... متلف طفلاً ومكتهلا
حيث يمسي مبرداً كبدي ... دمع عين ظل منهملا
أرقب الأفلاك منتظرا ... لصباح ينتج الأملا
وعذول جاء يؤلمني ... بملام عنه ما عدلا
قائلاً خفض على كبد ... في الهوى قد أكسب العللا
فأنادي خل عن عذلي ... فلي التعذيب فيه حلا
وافتضاحي في هواه أرى ... حسناً والذل محتملا
من يقل تهواه قلت نعم ... أو يقل تسلوه قلت بلى
في هواه رق لي غزلي ... بعد أن لم أعرف الغزلا
ولعمري سوف يبصرني ... عن غرامي فيه مشتغلا
بامتداحي من ببعثته ... لجميع الأنبيا فضلا
شرّف الله الوجود به ... وكذا الأملاك والرسلا
كل خير في الوجود فمن ... يمنه حقاً لقد وصلا
رحمة عمّ الوجود فما ... أحد عنه تراه خلا
قد أبان الحق مبعثه ... حيث ظل الشرك عنه جلا
كامل ما مثله أحد ... كل وصف فيه قد كملا
إن مدح الخلق قاطبة ... دون علياً مدحه سفلا
ليس يحصى الناس كلهم ... ما عليه خلقه اشتملا
إن عجز المرء عن جمل ... من معالي عزه جملا
فاعترف بالعجز يا لسنا ... وتذلل واترك الجدلا
أن يقس بالرسل أجمعهم ... فهو حقاً خيرهم رجلا
وهم نوّابه ولهم ... نظر منه لقد شملا
ونبياً كان حين بدا ... آدم في الطين منجدلا(4/144)
نوره الرحمن أوجده ... قبل خلق للسوى أزلا
ثم لما شمسه ظهرت ... عنه كل العالم انفصلا
ثم تم السعد حين بدا ... خاتماً للرسل واكتملا
وتحدّى فاهتدى رجل ... فائز وارتاب من خذلا
ثم ما قد جاء فيه لنا ... كله والله قد نقلا
وكتاب الله أكبر ما ... جاءنا فيه بنا اتصلا
فهو أسنى نعمة ظهرت ... فضلها والله ما جهلا
وهو باب الله أيّ فتى ... من سواه جاء ما دخلا
يا نبياً جاء يرشدنا ... للهدى إذ أوضح السبلا
يا رسولاً مدحه أبدا ... هو أولى ما به اشتغلا
قد مددت الكف ملتمسا ... منك معروفاً ومبتهلا
يا كريماً لم يردّ لمن ... سال الاحسان قط بلا
يا منيلاً برّه أبدا ... لمن استجدى ومن سالا
حمل الأحباب نحوك من ... بعد والعبد ما حملا
بل تبقى في دمشق لدى ... أيّ سقم فيه قد نزلا
لبس الأحزان فهي له ... كغشاء فوقه انسدلا
فاغتدى يذري الدموع أسى ... راجياً أن يبلغ الأملا
ويرى الأعتاب ملتثما ... تربها والدمع قد هطلا
فأجرني آخذاً بيدي ... وقل المرجوّ قد حصلا
وصلاة الله واصلة ... لك ما غيث السما انهملا
مع سلام لا يزال على ... ربعك المعمور متصلا
والرضا عن صاحبيك فكم ... مهجة في الله قد بذلا
وهما الصديق سيدنا ... وكذا الفاروق من عدلا
ثم ذي النورين خير فتى ... بجلابيب الحيا اشتملا
وعليّ باب كل هدى ... منك للأحباب قد وصلا
وكذا الأصحاب أجمعهم ... مع جميع الآل خير ملا
وبهم يرجو الاغاثة من ... كربه عبد غدا وجلا
مصطفى الويسيّ مرتجياً ... بهم أن يحسن العملا
ويرى عقبى الأمور إلى ... فرج آلت وما انخذلا(4/145)
وله أيضاً
ربع الأحبة بالأنداء حييتا ... وما بقى الفلك الدوّار أبقيتا
لله أوقات أنس قد سمحت بها ... بذلت فيها من السرّاء ماشيتا
حيث الرياض إذا أزهارها ضحكت ... بكى الغمام فظل الصبّ مبهوتا
حيث المطوّق والقمري قد ضمنا ... أن يسكت الناي تغريداً وتصويتا
والسلسبيل إذا ما قيل صفه غدا ... عن بعض أوصافه المكثار سكيتا
أكرم به ولجين الماء فيه جرى ... فكم يرى غامراً من عسجد حوتا
ومنها
حملت من زمني ما لو تحمل من ... أمثاله جبل لا ندك تفتيتا
ولم أكن وشبابي الغض مقتبل ... لحمل أصغر احدى الذرّ صفتيتا
أخالني زمني شلت يداه لدى ... شيبي ووهني قد حوّلت عفريتا
وإنّ مما به دهري يكافحني ... ولم يزل سيف هذا الدهر أصليتا
داءين بعدك عن عيني أشدّهما ... ثانيهما السقم من داءيّ عوفيتا
إلى آخرها وله أيضاً
كلانا غنى عن أخيه بربه ... وحفظ الأخا يأبى التقاطع والهجرا
إذا دار أمر المرء بين تقاطع ... وصدق وداد كان ثانيهما الأحرى
وليس الذي يبدا بصدع زجاجة ال ... حشا كالذي يبدا بما يجبر الكسرا
وإن كنت بالثاني اتصفت فإنها ... صفاتك بي قد أثرت ذلك الأمرا
وإن منك يبدو أوّل فمن السوى ... أتاك فجدّد في تجنبه الطهرا
لأنك من بيت زكيّ صفاتهم ... لقد عطرت من نشرها البر والبحرا
وإن نزغ الشيطان ما بيننا فقد ... أنال بني يعقوب من نزغه شرّا
وله معاتباً بعض الأشراف
أيها المعرض عني ... ما الذي أوجب صدّك
وبماذا لا أراني ... مكرماً بالله عندك
ألصدق في وداد ... لك قد أخلص وحدك
أم لنطقي في ثناء ... هو لا يبلغ مجدك
أم لسعيي بالذي أر ... ضي به في الحشر جدّك
أم لغرسي في سويدا ... ء الحشا تالله ودّك
فبجدّيك ابن لي ... ما به أعرف قصدك(4/146)
أفهذا حال محسو ... ب قد استوثق ودّك
انما الكيس بأن تن ... جز للداعين وعدك
وتوالى من أيادي ... ك على الراجين رفدك
فبذا والعفو عمن ... قد جنى تقمع ضدّك
فبمن بالفضل مولا ... ي وبالعز أمدّك
وبمن أسعد بالعل ... ياء والنعماء جدّك
وإذا اخترت بعادي ... فأنا أكره بعدك
عميت عيناي إن قرّ ... ت برؤيا الغير بعدك
وله من قصيدة
غنت على الدوح البلابل ... سحراً فهيجت البلابل
فسرى النسيم مؤدياً ... نشراً له قد جاء حامل
فبلطفه قد ماس غص ... ن البان كالنشوان مائل
وبروحه أحيا فؤا ... داً جسمه بالبعد ناحل
وتفتقت أكمام ور ... د عز عن قطف الأنامل
جادت عليه السحب بالأن ... داء إذ بانت هوامل
فكأن ذلك لؤلؤ ... في أكؤس المرجان حاصل
أو أنه ماء الحيا ... ة على عقيق الثغر جائل
أو وجنة حمراء قد ... عرقت حياء من مواصل
والروض تصفق فيه أغ ... صان تشبب بالشمائل
وأدار فينا الراح مع ... شوق بخمر الدلّ ثامل
خصر اللمى عذب المقب ... ل في ثياب الحسن رافل
يروى مسلسل ريقه ... عن كوثر للثغر ناقل
إن اللحاظ بسيفها ال ... فتاك أنست سحر بابل
قد أسكرتنا دون خم ... ر منه هاتيك الشمائل
فانهض أخيّ إلى الريا ... ض عساك أن تحظى بطاتل
واشفع صبوحك بالغبو ... ق وصل غدوّك بالأصائل
لا يشغلنك يا أخا ال ... ذات عن ذا الأنس شاغل
إلا امتداحك سيداً ... قرّت به عين الفضائل الخ
وله يمدح عبد الله باشا الجشنجي أمير دمشق ويشكو الفتن الواقعة فيها إذ ذاك بقوله(4/147)
عركتنا عرك الأديم الكروب ... وبسهم الردى رمتنا الخطوب
فاختلاف شق العصا باتفاق ... فيه حمقى حجاهم مسلوب
أقسم السيف لا يقرّ بجفن ... دون كشف عما تسر القلوب
جرّدته يد عن الخير شلا ... ء وفي الشرّ بطشها مرهوب
فاصطبحنا من ذاك كأس ارتياع ... واغتبقنا ما الجسم منه يذوب
فلصدر الشريف منا زفير ... ولقلب التقيّ فينا وجيب
وعلمنا بأنّ لله لطفاً ... من إليه التجي فليس يخيب
فابتهلنا إليه نضرع بالشك ... وى ونبكي فهو القريب المجيب
فتجلت سحائب الخوف عن شم ... س من الأمن لا تكاد تغيب
وأظلت دمشق رايات من أن ... قصد النجم فهو منه قريب
الوزير الكبير من رأيه الثا ... قب في المعضل السديد المصيب
كم له من يد لدى الحرب بيضا ... ء إذا ما اكفهرّ يوم عصيب
يتلقى الجموع منه هزبر ... صدره في الوغى فسيح رحيب
ضاحك الثغر بادي البشر منه ... حيث للحرب يقرع الظنبوب
ثابت الجاش إذ تطيش المواضي ... في مقام به الرضيع يشيب
صحبته طفلاً وكهلاً وكم أثر ... وصفا في الصاحب المصحوب
فإذا جرّد اليمانيّ أو هز ... الردينيّ منه زند صليب
فرّق الجمع مثل تفريق أحوى ال ... عصف في البيد فرّقته الجنوب
جاء والشام سيف ذي البغى فيها ... مصلت من دم المطيع خضيب
وعليها أخنى الزمان وقد أج ... دب من فيحها المكان الخصيب
فحبت نار ذلك البغى حتى ... أصبحت لا يشام منها لهيب
وتعرّت جموعها عن فراق ... ما لجمع التصحيح منه نصيب
فثغور الشآم تفترّ بشراً ... وببيت الطعام يعلو النحيب
وترى الأرض وهي مخضرّة الأر ... جا سقاها الحيا الغمام السكوب
وذراها الفسيح لم يلف فيه ... منذ حل الوزير أرض جدوب
فعلى دوحها بشكر عليه ... وثناء قد غرّد العندليب
وأقمنا وللسان مجال ... بثناء يذكو شذا ويطيب
يصبح النطق قاصراً إنّ تقصي ... ر ذوي النطق فيه أمر غريب
فهلموا معاشر الفصحاء ال ... لسن للشكر جملة وأجيبوا(4/148)
فعسى اليوم أن يؤدي لعبد الله ... حق أداؤه مطلوب
صانه الله من وزير به الحق ... إلى الكامل المحق يؤب
وبه الباطل اضمحل كأهلي ... هـ فتعسا لهم إذا لم يتوبوا
إن مدحاً لبعض أوصافه الغرّ لأ ... مر يحار فيه اللبيب
أفمثلي بمثل هذي القوافي ... غرض القصد في المديح يصيب
وأنا مثقل بما قرّح القل ... ب من الدهر بل حزين كئيب
وإذا ما عجزت كانت معالي ... هـ عليه بالمدح عني تنوب
إنّ من قد أقرّ عين المعالي ... دهره بالثنا عليه الخطيب
دام للمجد غرّة ولوجه ال ... جدّ نوراً سناه ليس يغيب
ما تغنت في الروض ورق وما هب ... نسيم فاهتز غصن رطيب
وله مؤرخاً تعمير جامع دمشق بعد انهدامه بالزلازل ومادحاً لجناب الوالد وكان إذ ذاك مفتي الشام في سنة ألف ومائة وأربع وسبعين
لك لا لغيرك للعلا استعداد ... فلذا برمتها إليك تقاد
وإذا تعرّض من سواك لنيلها ... أضحى وعنها لأطردت يذاد
فأفخر فإنك يا عليّ ورثتها ... من علية حازوا الفخار وسادوا
وبمحتد الشرف الرفيع تبوّؤا ... شأوا لأدناه السها يرتاد
ضموا إليه معارفاً وفضائلاً ... وسموا بذاك فكلهم أمجاد
ظلوا الهداة بفارس وبهديهم ... في الشام ظلت تهتدي العباد
وإليهم في كل خطب فادح ... يلجأ فيصدر بالمنى الورّاد
لو في الثريا العلم كان لناله ... منهم رجال فهمهم وقاد
وحويت كل مزية فيهم ولا ... تنفك من شيم علت تزداد
إن أنفذ العدّ المكارم في امرئ ... فلغير وصفك ينفد التعداد
مهما تقلب فيه من شيم العلا ... فجميعه مستحسن وسداد
وما تحرّره بفهم ثاقب ... أبداً سلمت تسلم النقاد
يا أيها الساري يحثّ ركابه ... طلاع أنجد حثه استرشاد
يمم ذراه تجده طود معارف ... ظلت لديه تواضع الأطواد
وافتح به من معضلاتك ما غدا ... مستغلقاً ينحلّ منه صفاد
هذا وضمّ إلى العلوم خلائقاً ... وعن الصبا يروى لها اسناد
إن أخلف المزن البلاد فكفه ... فياضة منها يسحّ عهاد(4/149)
يسمو بهمته الرفيعة إنه ... يقفو به في الذاهبين جواد
ولسعده فيما يروم تفرّد ... فيه يظلّ يساعد الأسعاد
من قبله الأمويّ ولي معشر ... ذهبوا فمنه وهي ودك عماد
لم تسم همة من تقدمه إلى ... ترميم شيء بل أبيد وبادوا
فألمّ فيه وظلّ يصلح بعض ما ... فيه تبدد طارف وتلاد
حتى وهي الزلزال فانهارت به ... سقف وأعمدة وطمّ فساد
فنمى الحديث إلى الخليفة من له ... خضع البرية كلهم وانقادوا
ظل الآله بأرضه من أصبحت ... للخوف منه تضاءل الآساد
فاهتمّ في تحرير ما قد جاء في ... فضل الشآم بذاله الاسناد
وأشار في تاريخ تعمير لجا ... معها الرفيع به الثنا يزداد
فأجابه فضلاؤها لمراده ... راجين منه قبوله وأجادوا
وبهم تشبه ذا الضعيف وإن يكن ... عن شأو فضلهم له أبعاد
فأتى ببيت كامل تاريخ ما ... يحلو به للسامع الانشاد
أموي جلق إن هوى بزلازل ... فبمصطفى الملك المجيد يشاد
57 133 51 21 77 311 1 - 21 88 315 سنة 1174 وله مادحاً لجناب أسعد أفندي قاضي العساكر الروم إيلية في قسطنطينية
ألا كل ما يختار من مهجتي وقف ... عليه فعما لست أسمعه كفوا
فيا ربما أغرى المتيم لائم ... فأصبح مشغوفاً بما دونه الحتف
بروحي غزالاً صاد قلبي بما غدت ... تمد من الاشراك أهدابه الوطف
غفا عن مراد الصب يلهو بدله ... خلياً وأجفان المتيم لا تغفو
لقد كان لي جسم يقلبه الآسى ... على جمرات بات يضرمها الضعف
وعهدي بأن القلب بين جوانحي ... ومأموله من ذلك الرشا العطف
فلم يبق لي إلا تتابع زفرة ... تلت مثلها أخرى وأعقبها ألف
ودمع مشوب بالدما ظل هاملاً ... على صفحات الخد أو مدمع صرف
خليليّ ما بذل المتيم روحه ... عزيزاً وما أحلاه إن رضى الخشف
فقولاً لمن قد أكثر العذل جاهلاً ... بحال الهوى أقصر جفا فمك الحرف
سلوّى محال عنه ما دام ينتمي ... لأخلاق من جلت فضائله اللطف
همام لو أن الدهر جاد بمثله ... لما انحصرت فيه المعارف والعرف(4/150)
له راحة في لثمها كل راحة ... وكف بها وقع النوائب بنكف
فتى حليت أسماعنا بصفاته ... ففي كل أذن من محاسنها شنف
تأرجت الأرجاء من طيب نشرها ... وفي كل قطر فاج قطر بها عرف
وله مادحاً جناب السيد سعيد أفندي ابن المرحوم شيخ ميرزا زاده
قلب له بين الضلوع خفوق ... عن حمل أعباء البعاد يضيق
ما زال يذكر من دمشق مسرة ... تصفو مناهل أنسها وتروق
جاد الحيا منها رياضاً قد حلا ... فيها اصطباح مؤنس وغبوق
ما ثم إلا نرجس أو وجنة ... للورد كللها الندى وشقيق
وتطارح الآداب بين أحبة ... كل بساحر لفظه منطيق
أخلاقهم تحكي النسيم لطافة ... وكأنّ أفهام الجميع بروق
نيطت بأجياد البلاغة منهم ... درر فرائد نظمهن نسيق
طابت مجالس أنسهم فكأنها ... دارين يعبق مسكها المسحوق
ما زال يحسدني الزمان عليهم ... وأنا بأسهم كيده مرشوق
حتى غدت أيدي الفراق تقودني ... لتحيط بي من بعد ذاك فروق
بلد بها عز الخلافة مانع ... عن أن ينال مرامه مخلوق
ما لم يكن عضداً له ذو همة ... عليا بعيني سؤدد مرموق
وكأنني بالمبتغي متيسراً ... مفت به المجد الأثيل حقيق
فرد المعارف والمكارم من له ... أصل بفعل المكرمات عريق
من شب في حجر الفضائل والتقى ... يسمو على كل الورى ويفوق
من لا يزال يجول في أفكاره ... فهم لتنقيح العلوم دقيق
ويسوقه لمكارم الأخلاق أن ... يختارها ويحبها التوفيق
من ليس مثل أبيه بين مشايخ ... الاسلام بالمجد الرفيع خليق
فرد مضى لسبيله وكأنه ... فيما أكنّ من التقى الصديق
إن رمت تدري هديه فانظر إلى ... هدى ابنه يبدو لك التحقيق
فهو السعيد بنيل كل فضيلة ... يقفو بها نهج السداد طريق
تالله لي فيه أكيد محبة ... عقدي عليها في الفؤاد وثيق
يا خير من منه لمن يرجوه في ... حاجاته وجه النجاح طليق
ما خاب مثلي في المجئ لبلدة ... ولها بمثلك بهجة وشروق
فاسعف أخا ثقة بجاهك إنه ... وافاك ملهوفاً وأنت شفيق(4/151)
لا زلت للمرجوّ خير مؤمّل ... ما ماس غصن في الرياض وريق
وله أيضاً وقد كتبها إلى فتحي أفندي الدفتري
هبّ النسيم فللصبوح فهاته ... وأدره ممزوجاً بريق شفاته
سيال ياقوت حكى أو ذائباً ... من خالص الابريز في كاساته
يصفو عن الأكدار راشف كأسه ... كصفائه عنها لدى حاناته
هات أسقنيه والهزار مردّد ... في الروضة الغنا فصيح لغاته
وأصخ إلى الناي الرخيم ممازجاً ... للعود والسنطير في دقاته
في روضة عبث الصبا من غصنها ال ... ممشوق منه القدّ في عذباته
قد كاد يحكي في الملاحة قدّ من ... تهوى لو أن البدر من ثمراته
إنّ احمرار الورد فيها خجلة ... من نرجس يرنو إلى وجناته
يحظى بصرف همومه في ضمنها ... من يصرف الدينار في لذاته
هذا هو الأنس الذي من ناله ... يسهو عن المكروه من أوقاته
كم شنّ غارات عليّ وقلما ... أمسى خليّ البال من غاراته
حسدتني الأيام إذ أنا ساحب ... ذيل التنعم في فضا ساحاته
وأسرّح الطرف المقرّح جفنه ... من بعد مس البعد في جناته
في قصره السامي الذي قصر الهنا ... وجميع ما يهوى على غرفاته
لله ذاك السلسبيل وقد غدا ... يجري لجين الماء فوق صفاته
ما زال وارده يرد عليه من ... ماء الحياة به لذيذ حياته
عذبت موارده عذوبة طبع من ... شاد المكارم في ذرى جنباته
من ضم للمجد الأثيل معالياً ... قعساء غرّاً نالها من ذاته
ذو مجلس جمع المفاخر كلها ... لكنّ أنس النفس بعض صفاته
فيه من الأدباء خير عصابة ... يحشون سمعهم بدرّ نكاته
وأباح كيس المكرمات لأنه ... يتلو عليه الفتح من آياته
كم جاس موقف شدّة لم يثنه ... أو يثني الجوّاس بيض ظباته
سل عمراً المشهور عن اقدامه ... واسأل ليوث الغاب عن عزماته
قد نال كل الجدّ في حركاته ... وخلا مع التدبير في سكناته
نظمت في سمط القريض فرائداً ... منها تعلق في طلي أبياته
فأنا لذاك وإن أكن عن ذاته ... ناء فلي أنس بقرب صفاته(4/152)
وحياته لو لم امتع خاطري ... فيها لمتّ من الآسى وحياته
فالعبد بعد فراقه لفراقه ... متفتت الأكباد من زفراته
لا زال ذاك الربع مغموراً بما ... يسدي إليه الله من بركاته
وله من قصيدة امتدح بها والدي عند ختم درس الهداية بالسليمانية مطلعها
ملأ الوفاض من القلوب وفاضا ... فضل غدوت لدرسه تتقاضى
أحبب بعلم حث ريش البحث في ... ما لم يجئ فيه النبئ وهاضا
ألقاه عن فهم توقد فطنة ... من لا يزال إلى العلا نهاضا
بكر إليه تجد لديه مباحثاً ... في الفقه كادت أن تكون رياضا
وترى الشفا من داء جهل بل ترى ... إن جئت مجلسه الشفا وعياضا
أبحاثه لم تبق في جفن الهدى ... بهداية يعني بها أغماضا
إن يبد صاحب بدعة حججا على ... ما يدعيه يرى لها دحاضا
هو جوهر في الفضل فرد والسوى ... أن قوبات فيه غدت أعراضا
كم قد أفاق سهام فهم ثاقب ... عند الجدال فأنفذ الأغراضا
ما أن يرى عما يباين شرعة ... لنبينا خير الورى يتغاضى
بل لا يزال إلى إزالة ما به ... في الشرع بعض حزازة ركاضا
ومن شعره
يا منكراً حركاتنا في حب من ... أفديه من بين الأنام بروحي
هو قد أصاب حشاي سيف لحاظه ... حتى أضر بقلبي المقروح
ذبح الفؤاد وليس ينكر ذو حجى ... أن تصدر الحركات من مذبوح
وله أيضاً
بانخفاض وغربة يرتقي الحر ... العلا راغماً لأنف الأعادي
إنما المرء من تغرب أضحى ... عقد درّ يناط في الأجياد
وهو من قول ابن قلاقس
سافر إذا حاولت قدراً ... سار الهلال فصار بدرا
والماء يكسب ما جرى ... طيباً ويخبث ما استقرا
وممن مدح الغربة وذم الاقامة في دار الهوان الأديب الحكيم الأندلسي حيث قال
إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقاربي
وأنشد الآخر
ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان غير الميّ والوتد(4/153)
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثى له أحد
وللطغرائي من قصيدته المشهورة
إن العلا حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث إن العز بالنقل
لو كان في شرف المأوى بلوغ مني ... لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل
وللشيخ محمد المناشيري الدمشقي
كثرة المكث في الأماكن ذل ... فاغتنم بعدها ولا تتأنس
أوّل الماء في الغدير زلال ... فإذا طال مكثه يتدنس
وهو من قول البديع الهمذاني الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وقال أبو فراس
إذا لم أجد في بلدة ما أريده ... فعندي لأخرى عزمة وركاب
وأنشد الآخر
وربما كان ذل المرء في بلد ... لعزه في بلاد غيرها سببا
وقال بعضهم
ليس الرحيل إلى كسب العلا سفراً ... بل المقام على ذل هو السفر
وأنشد بعضهم
والمرء ليس ببالغ في أرضه ... كالصقر ليس بصائد في وكره
وكتب صاحب الترجمة لبعض أحبابه
مرارة اليأس أحلى في المروءة من ... حلاوة الوعد إن يمزج بتسويف
فاختر فديتك للداعي أحبهما ... إليك لا زلت تسدي كل معروف
وله غير ذلك أشياء كثيرة ولم تطل مدته وكان من أفاضل أهل عصره يغلب عليه حب العزلة والامتناع عن مخالطة الناس حتى لزم في آخر أمره السكنى في حجرة في مدرسة الوزير إسمعيل باشا الكائنة بسوق الخياطين تتردد إليه الطلبة للقراءة عليه والأخذ عنه وكتب بخطه الحسن المضبوط عدة من الكتب ولما توفي السيد محمد سعيد السواري خادم المحيا ومدرس المدرسة المزبورة وجه التدريس المرقوم على صاحب الترجمة فدرس إلى وفاته وكانت وفاته بكرة يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مصطفى اللقيمي
ابن أحمد بن محمد بن سلامة بن محمد بن علي بن صلاح الدين المعروف باللقيمي الشافعي الدمياطي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل الفرضي الحيسوب الكامل الأديب الناظم(4/154)
الجهبذ النقاد العابد التقي الماجد الأوحد الزاهد العفيف ولد بدمياط في ربيع الأول ليلة الجمعة بين العشائين سنة خمس ومائة وألف وبها نشأ في كنف والده مع أخويه العالم الأديب الشيخ محمد سعيد والأديب المتقن الشيخ عثمان وعليه تخرجوا في سائر الفنون والمترجم أيضاً أخذ وقرأ على جده لأمه العلامة الشيخ محمد الدمياطي الشهير بالبدر وابن الميت من أنواع العلوم وبه تخرج ومنه انتفع وحج مع والده إلى البيت الحرام وأخذ بالحرمين عن العلماء السراة كالشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ الوليدي وفي المدينة عن أبي الطيب المغربي أحد المشاهير من المحدثين وقرأ وأخذ عن علماء مصر ودمياط ودمشق وبيت المقدس واستجاز منهم وعمته نفحاتهم وكان يتعاطى المناسخات والمقاسمات بالفرائض والحساب وكان ذا زهد وعفة وديانة وكان يختم في رمضان كل يوم وليلة ختمة وكان على قدم صدق عظيم من التهجد وله من التآليف الرحلة المسماة بموانح الأنس بالرحلة لوادي القدس تحتوي على فوائد ونكت واختصر كتاب الأنس الجليل في زيارة بيت المقدس والخليل وشرح ورد الأستاذ شيخه الصديقي البكري وله التوصل في شرح الصدر بالتوسل بأهل بدر وله رسائل كثيرة في الحساب والفرائض مشهورة وله ديوان شعر جمعه وسماه تحائف تحرير اليراعة بلطائف تقرير البراعة وكانت له اليد الطولى في الأدب ونظم الشعر وعمل التاريخ على سبيل الارتجال وله رسائل أدبية وتحريرات مفيدة غير أنه كان رحمه الله تعالى مطوياً في راحة الدهر يوم كجمعة وجمعة كشهر وبالجملة فقد كان من أفراد دهره وعصره ومن شعره الرائق قوله
سقى سفح قاسون السحائب بالوكف ... وحياه من فوح الصبا فائح العرف
وغنت به الورقاء تشجي بصوتها ... فتغنى بمغناها عن الجنك والدف
تروح وتغدو للسرور هواتفاً ... لتروي أحاديث المسرّة والعطف
جمال كمال منه لاح ضياؤه ... وفاضت به الأنوار سامية الوصف
زها حسنه الزاهي بحسن مشاهد ... هي الشمس لكن قد تحامت عن الكسف
معاهد أنوار موائد رحمة ... موارد أمداد حوت أطيب الرشف
سرينا على طرف اشتياق نؤمه ... لنسقى كؤس البشر من خمره الصرف
صعدنا إليه كي نفوز بأنسه ... فنادى منادي الأنس فأووا إلى الكهف
فروض حماه زاهر بمسرة ... وفيه ثمار الأنس يانعة القطف
سما بأناس جاء في الذكر مدحهم ... وحفتهم أيدي العناية باللطف
هم فتية قد آمنوا بالههم ... فزادهم هدياً بنور سنا الكشف(4/155)
نزلنا لديهم نرتجي من نوالهم ... موانح أسرار لسقم الهوى تشفي
فوافى بشير بالهناء مبشراً ... لحسن قبول قد تسامى بلا صرف
ومنح فيوض من سحاب سمائهم ... بأمداد فضل وبله دائم الوكف
فلا بدع إن وافى السرور لأسعد ... بمدح كرام سرهم للسوى ينفي
فأهديهم مني السلام تحية ... بمسك ختام عطره جل عن وصف
تغاديهم ماسح بالسفح أدمع ... وما مستجير جاء يأوى إلى الكهف
وقوله
شط النوى بأحبتي فجفوني ... فتواصلت بالمرسلات جفوني
وتصاعدت نار الجوى بجوانحي ... والنوم من شوقي جفته عيوني
لولا فراق أحبتي وبعادهم ... ما بت أروى لوعة المحزون
أبغى السرى والعيس عز مسيرها ... والطرق سدّت عن فتى مسجون
يا جيرة طال اغترابي عنهم ... عنكم رحلت بصفقة المغبون
وسريت أقطع للبلاد سياحة ... بمهامه رجلاً وفوق متون
فظننت صحبي يحفظون مودّتي ... بعدي فحابت في الصحاب ظنوني
ودّعتهم أرجو اتصال رسائل ... منهم فلم يجد الرجا ودعوني
لم يكفهم هذا التناسي والجفا ... حتى قلوني بالجفا وسلوني
كم أحتسي منهم سلاف ملامة ... في ذوقها رشف لكأس منون
خلوا الملام على البعيد ببعده ... ودعوا شؤنكم لكم وشؤني
وجدي سما شوقي نما دمعي هما ... نومي انتفى صبري اختفى بفنوني
عطفاً جميلاً وابعثوا برسالة ... تشفى الفؤاد وبالوصال عدوني
ودعوا التمادي في الوعود تفضلا ... فلقد قضيت من البعاد ديوني
وقوله أيضاً
حبي وحبك للجمال اليوسفي ... هو خالد وبغيره لا أشتفي
بالبعد تلحاني ولم تر حسنه ... فإذا نظرت فبعد ذلك عنف
فبخده الورديّ روض قد جنت ... منه نواظرنا وإن لم يقطف
وبثغره ماء الحياة لوارد ... فبورده نار الجوانح تنطفي
تحلو محاسنه لناظر وجهه ... وحديثه العذب الهنيّ يلذ في
قد شاقني لما بدا متبسماً ... برق الثنايا من عقيق المرشف
ولقد قنعت بكأس خمر حديثه ... لما منعت من الرحيق القرقف(4/156)
جاذبته حسن الحديث وجدته ... من كل معنى باللطافة مكتفي
في روضة غنت صوادح ورقها ... فشقت فؤاد المستهام المدنف
فغنيت من طرب بطيب غنائها ... عن مطرب يشجي بحسن تلطف
غنى لنا يا ورق ثم ترنمي ... واجلي على سمعي غناك وشنفي
وقوله
قمر تناهى في مطالع سعده ... وزها بأوج الحسن طالع مجده
متوشحاً أثواب تيه معجباً ... يختال تيهاً في محاسن برده
حاوي بديع الحسن إلا أنه ... متلاعب بأخي الهوى في عهده
أفديه ظبياً نافراً متانساً ... يبدي الدلال بوصله وبصده
إن صدّ خلت النجم دون مناله ... وإذا دنا نلت المنى من ودّه
مزجت حلاوة وعده بوعيده ... من مزجه هزل المقال بجده
سرق الزهور من الرياض لطافة ... وعليه عدل شاهد من قده
فالأقحوان بثغره والياسمي ... ن بجيده والجلنار بخده
ماء العذيب حلا بمنهل ثغره ... واحرّ قلبي للعذيب وورده
يا حبذا لما أتى نحو الحمى ... جنح الدجى وحللت عقدة بنده
ونشقت عرف المسك من وجناته ... وقطفت رمان الربا من نهده
وسكرت من حان الصفا بمدامة ... من ثغره السامي حلاوة شهده
عز التقى لما ضللت بحسنه ... وخفت على فكري مسالك رشده
كيف الخلاص ولات حين تخلص ... والصب يستحلي الغرام بوجده
وقوله
أفدي بديع الحسن حالي المنظر ... يزهو حلاه بالمحيا المزهر
سلطان عز في الملاحة مفرد ... جمع المحاسن بالجمال الأزهر
فالوجه منه بالأزاهر جنة ... برهانه بالثغر ماء الكوثر
وشقيقه الورديّ عمّ بزهره ... خدّا يفوح شذا بخال عنبري
وجبينه البادي بداجي شعره ... متلألئ نوراً كصبح مسفر
والحسن دبجه بثغر أبيض ... ونواظر سود وخدّ أحمر
أسر القلوب هوى بقدّ أهيف ... وسبى العقول جوى بلحظ أحور
فنواظري في جنة من حسنه ... لكن قلبي في الجحيم المسعر
يا عاذلاً وافى يلوم بحبه ... كف الملام فأنت عندي مفتري(4/157)
وانظر ترى أوصاف حسن جماله ... يقضي بها تحقيق صدق المخبر
يا حسنه لما بدا متمايلاً ... يبدي دلالاً في القباء الأخضر
يسعى إليّ بطاسة مجلوّة ... قد عطرت مملؤة بالسكر
وغدا ينادمني بأعذب منطق ... فثملت منه بالحديث المسكر
وتروّحت روحي بأهنى ساعة ... سمحت بها كف الزمان الأعسر
سقياً لها طابت معاهد ذكرها ... ما فاح روض بالشذا المتعطر
وقوله عاقداً حكماً
روى عليّ لنا من وعظه حكماً ... نثراً فأودعتها في عقد منتظم
لو بالنضار على لوح العلا رقمت ... وكان للحظ جفني موضع القدم
لكان ذا دون ما يقضي المقام به ... وكيف لا وعليّ مبدع الكلم
فهذب النفس واصغي للحديث بها ... وإن أبيت فما قولي لذي صمم
الملك في الصبر ثم الصبر ناصره ... رياسة العلم ثم البرّ في الكرم
وإن ترد راحة لا تحسدن أحداً ... والصمت فيه شفا من وصمة السقم
وأخلو فلا تستغب وأنس إذا تليت ... آي الكتاب فكم فيه من الحكم
وإن ترد رفعة في منهج حسن ... فبالتواضع ترقى هامة القمم
والشكر ينتجه حسن الرضى أبداً ... ثم الكرامة في التقوى مع اللمم
والصدق في المرء ينشأ عن مروءته ... فلا تمن تلق فيه زلة القدم
واقنع تكن عابداً واذكر فإنّ به ... ثقل الموازين يوم الحشر للأمم
فتلك أربع عشر منه قابلها ... نظيرها فانتهجها نهج محتكم
وهاكها كلما أبدت لنا حكماً ... تكفيك معتصماً مع حسن مختتم
وقوله ملغزاً في مشموم
أيا مولى حوى فضلاً وفهماً ... بفطنته يفوق على اياس
به روض البديع غدا نضيراً ... وأغصان البلاغة في امتياس
تضوّع نشره فشفى وأغنى ... بطيب وروده عن كل آس
وطالعه وناظره سعيد ... لنا من فضله حسن اقتباس
فبالألغاز يكشف ما توارى ... عن الأفهام في حجب التباس
فديت أين لنا ما اسم نراه ... لدى التحقيق مفعولاً خماسي
مسمى فيه تفريح لروح ... ويهدي وصفه بعض الحواس
تراه في الربا طوراً وطوراً ... على الأيدي وطوراً فوق رأس(4/158)
خماسي تركب من ثلاث ... حوت سبعاً ولم يعرف سداسي
وكل قد تركب من ثلاث ... ثلاث منه فرد في الأساس
قد اتحدت بل افترقت ولكن ... بترتيب على وضع قياسي
وسادت ضعف ثان أن يصحف ... ومفرده على غير القياس
فواصلها مع التصحيف منها ... وقيت البأس في حصن احتراس
مصحفه عليل ليس يشفي ... ولا يجدي لديه حذق آسي
دع الأطراف منه تنال شأواً ... وتنمو دمت ثوب العز كاسي
وخمساه بقلب فعل أمر ... أو اسم قد سما بذرى الرواسي
وبالتصحيف لا بالقلب اسم ... به الألباب أضحت في احتباس
وبالتصحيف أيضاً ذمّ شرعاً ... وبالتحريف يمدح بالتناسي
وإن يمزج مصحفه بقلب ... قضى في حينه بأشد باس
واسم ... يتم به المصحف في الجناس
وباقي الأسم اسم أعجميّ ... ويقرأ بأطراد وانعكاس
بمبدئه له صنو عزيز ... ففرّق بينهم بالاختلاس
معرّبه مع التصحيف وصف ... غدا من درّ لفظك ذا التماس
فإنك بالفراسة ألمعيّ ... وعندك لا يقال أبو فراس
وقوله
أأشكوك الغرام وما أقاسي ... وقلبك يا مذيقي الهجر قاسي
وفي طيّ الجوانح جمر وجد ... يؤججه التذكر والتناسي
أبانات اللوى عن سحب جفني ... سقاك القطر من دون احتباس
فكم لي في ظلالك من مقيل ... تفدّى أهله مني حواسي
أقمت به وشاطئ وادييه ... ملاعب جؤذر وظبا كناس
فما للعين لم تنظر طلولاً ... ولا رسماً يدل على أساس
أما هذا الديار ديار سعدى ... أما هذا المعالم والرواسي
أأحلاماً أرى أم عن حقيق ... تقوّضت الخيام بلا التباس
نعم هذي المعاهد والمغاني ... فأين بدور هاتيك الأناسي
فإن أقوت فهل لي من سبيل ... إلى صبر يعلل ما أقاسي
أأبكي أم أجاوب في أنيني ... حمائم في الدياجر كي تواسي
أساجلها فتعرب عن شجون ... وتبريح على غير القياس(4/159)
أتعجب إن قضيت هوى ووجداً ... وجانبت المؤانس والمواسي
وإني فزت بالقدح المعلى ... وبلغت المنى من بعد ياس
ووافتني عروب بنت فكر ... بنظم ما قصيد أبى فراس
وكيف وربها حاوي المزايا ... وخير مؤمل يرجى لباس
ومن فاق الكرام بحسن طبع ... يفوق رياض نسرين وآس
وفضل كالنجوم الزهر تبدو ... ولكن لن يروّع بانطماس
ومجد شامخ زرّت عليه ... غلالة ماجد من خير ناس
وآداب إذا تليت أدارت ... علينا خمرة من دون كاس
وتنظام شممنا منه عرفاً ... به خوط المعاني في امتياس
تخذناه لما نبغي نديماً ... ومشموماً لدى وتر وطاس
وجئنا روضه نرجو انتشاقاً ... بآناف المنى دون احتراس
فنادانا أنا عرف ذكيّ ... أتيت من الذكي ذي الاقتباس
فقبلناه ألفاً بعد أخرى ... ولم يبرح على عين ورأس
فخذيا واحد الدنيا جواباً ... وسامح فكرة ذات احتباس
فأين الزهر نيلاً والثريا ... ولكنة بأقل وذكا اياس
ودم في نعمة ورغيد عيش ... لك الاقبال ثوب العز كاسي
وقوله أيضاً وقد أحسن
دعوني من روض الغرام وظله ... فمالي مرام في مساقط طله
وخلوا فؤادي من هوى يسلب الحشا ... فلا أرتضي في راحتي حمل حمله
وروحي لأشفاقي تميل لعزه ... ونفسي تأبى أن تلين لذله
فهيهات من أهواه يعطف دائماً ... ويمنحني لطفاً بلذة وصله
أهل عاقل يرضى ضياع زمانه ... بسعي غدا يقضي عليه بجهله
فهل غير سير في مسالك ريبة ... يكون بها لوم عليه بفعله
وهل غير إيقاف مواقف تهمة ... تميل حبيباً عن مناهج أصله
وهل غير تدبير برأي مذمم ... يرى وصمة للمرء في وجه فضله
وهل غير تعريض بنفس مصانة ... لمستهدف بالسوء يرمي بنبله
وهل غير ذكر المرء في ألسن غدت ... تمزق عرضاً عز ادراك وصله
وهل غير أسباب ترى وموانع ... يلهى بها الانسان عن حتم شغله
وهل غير تعذيب المحب بعشق من ... يزيد عليه في العذاب بدله(4/160)
وهل غير فكر في رضاه وسخطه ... وانجازه بالوعد منه ومطله
وهل غير وجد مع حسين ولوعة ... وسهد ودمع لانفاد لهطله
وهل غير وسواس يزيد به العنا ... ويقضي على الصب الكئيب بخبله
وهل غير واش أو رقيب منغص ... ولوم أخي عذل يسئ بعذله
وهل غير انفاق لمال أضاعه ... وإن لصديق يقض في نقض حبله
على أنه مع ذي المكاره لم تجد ... مصاناً على نهج الكمال وسبله
لقد ألفوا نقصاً وزادوا قبائحاً ... ومن حرم الأعراض ولو الحله
فمن يبتغي ودّاً على الصدق والوفا ... لديهم يرجى الشيء من غير أهله
وإني لا أرضى لنفسي ذلة ... لأرتاض في روض الغرام وظله
وألقى الظمأ مستعذباً ورده إذا ... غدا الري من نهل التصابي وعله
تركت الهوى حيث الشبيبة ظلها ... خصيب فهل أغشاه أبان محله
أأعدل عن طرق الهداية للهوى ... وأبدل جداّ للوقار بهزله
قد اختار لبي من منا راحة بها ... تخلصت من قيد الهوان وعقله
فها أنا مرتاح ولست بسائل ... مدى الدهر عن جور الحبيب وعدله
وقوله
إن الحكيم الذي للنفس يملكها ... فلا يرى عابساً في سورة الغضب
وذو الشجاعة عند الحرب تعرفه ... إذا العداة غدوا في منهج الطلب
وذو الأخا أبداً إن رمت تخبره ... عرّج ركاب الرجا في معرض الطلب
وقوله
دنياك بحر عميق لا قرار له ... هيهات ينجو الفتى فيها من الغرق
فاجعل سفينتك التقوى ومحملها ... الايمان واستصحب الناجي من الفرق
واجعل شراعك من حسن التوكل في ... سير الطريق وثق بالله تستبق
وقوله أيضاً
انعم صباحاً فقد عوّذت بالفلق ... من شر ذي حاسد يرميك بالحدق
بالخال أقسم إذ عمّ الشقيق به ... ما زلت ولهان في صبحي ومغتبقي
شوقي إليك نما إن كنت تفهمه ... فابعث فديتك أطباقاً من الورق
من كل أحمر ذي حسن لرونقه ... يروى إلينا أحاديثاً عن الشفق
وأصفر اللون يحكي جسم عاشقك ال ... ولهان وقيت ما لاقاه من أرق(4/161)
وافى الربيع فأهدى لي لنزهته ... راآته السبع إذ منها المشوق صبا
روضاً وراحاً وريحاناً وراقصةً ... وربرباً ورقيقاً لي وريح صبا
وقوله
لما بدا فإن الملاح بكوكب ... وجنوده جيش الجمال المفرد
وغدا يرود الصب من لحظاته ... سياف جفن صائلاً بمهند
وتنازعت حكماً عليّ جميعها ... بولاء رق في الورى لم ينفد
حكمت حواجبه عليّ وإنني ... راض بأحكام الرقيق الأسود
وقوله
من المحال علاج المرء أربعة ... إن صاحبت أربعاً قد جاء في أثر
الفقر مع كسل والسقم مع هرم ... والبغض مع حسد والشح مع كبر
وقوله
لوح صدري به هموم سطور ... معجمات فليس تقبل شرحا
علها تنمحي براحة بشر ... بعدها تكتب المسرة صحا
وقوله مضمناً
وبي من سرت ريح الشمول بفلكهم ... صباحاً وأرباب الشمول بها تحدو
وقد أطلقوا منها الشراع وأصبحت ... تمرّ مرور الطير في السير إذ تغدو
ومدّ سحاب البين بيني وبينهم ... سرادق من بعد يطرّزها الصد
وعز تلاقينا لبعد مزارنا ... وحكم فيّ الوجد والدمع والسهد
وقد هاجني برق الأبيرق إذ أضا ... كماها جنى ورق الحمائم إذ تشدو
يحدّثني سعد بمسراهم ضحى ... فموردهم قدس ومصدرهم نجد
فحدّثتني يا سعد عنهم فزدتني ... شجونا فزدني من حديثك يا سعد
وقوله
سألتكما أن تمنحاني تعطفاً ... فإني بحسن العفو منكم لعارف
ولا تنشرا صحف العتاب لدى اللقا ... فذاك لعمري يوم تطوى الصحائف
وقوله
دعوا العتاب ولا تبدو لأحرفه ... فما عتابي وإن ترضوه مشكور
إن تنشروا طيّ صحف من عتابكم ... يوم التلاقي فعندي منه منشور
وقوله
واعدتني في العيد حسن زيارة ... يشفى بها قلبي من الأوصاف(4/162)
فمضى ولم تسمح بطيب تواصل ... والعيد فيه مواسم الأحباب
وقوله
جفا جفني لبعدكم الهجوع ... وسحت من فراقكم الدموع
وما نار الغضى إذ شط وصل ... سوى ما تحتوي مني الضلوع
وكيف النار تطفي من لظاها ... ومن وجدي يهيجها الولوع
تحجبتم دلالاً في جمال ... أما لشموس حسنكم طلوع
أهيم بذكركم شوقاً لوصل ... فهل لزمان وصلكم رجوع
وقوله
رب يوم حلا بدوحة حسن ... مع صحاب على حمى بانياس
حيث بشر يروى أحاديث أنس ... وسروري وافى وقد بان يأسي
وجرى الماء منه فوق حصاه ... كلجين يجري على الألماس
وقوله أيضاً
خط اليراع لقد روى لأحبتي ... بالطرس عني مسند الأشواق
فتسابقت مني الدموع لمحوه ... خوفاً على طرسي من الأحراق
وله قوله
إن كنت تشكو يا حبيب من الضنى ... حيث اعتراك من الرشا هجران
جدلي بوصل كي نفوز بوصله ... واسمح به فكما تدين تدان
وقوله
يقول لي الورد الجنيّ قطافه ... قطفت اقتداراً بالأنامل من دوحي
وعز بقائي والأحبة قد نأوا ... فخذ جسدي أفديك وابعث لهم روحي
وقوله
القلب بين توله وتولع ... وصبابة بتراجم الأشواق
والجفن مع فقد اتصال شهوده ... يروى صحيح تراجم العشاق
وقوله
ومذ رمت ورداً من عذيب وصاله ... تثنى يحامي ورده ويذود
فمن لم يرد وادي العقيق لمانع ... فليس له غير الفضاء ورود
وقوله
أحبتي بدمشق الشام ذبت جوى ... والعيش قضيته من بعدكم فكرا
أخال شوقاً لكم أني أحدّثكم ... فأستفيق فلا ألقى له خبرا(4/163)
أجرت عيوني دموعي غير عالمة ... واستخبرت من جواها الدمع كيف جرى
وقوله
ألا ليت شعري تبلغ النفس سؤلها ... ويغدو لها بالنير بين مقيل
وهل تشهد العينان بهجة سفحها ... ويشفى فؤادي والنسيم عليل
وقوله
ومن عجب نار الفراق تأججت ... وأجفان عيني بالمدامع تسفح
وأعجب منها أنني أكتم الهوى ... ودمعي لديوان الصبابة يشرح
وأعجب من هذين حزني على النوى ... وإن أخا ودّي بذلك يفرح
وأعجب من تلك العجائب كلها ... بأني على التذكار أمسى وأصبح
وقوله
رحلت بجسمي والغرام مصاحبي ... وزاد زفير بالحشا وعويل
ووجدي حاد والهيام مطيتي ... ووادي الغضى لي منزل ومقيل
وله أيضاً قوله
سقى الوسمي عهود الجامعية ... وحياها الصبا صبحاً عشيه
وغنى بلبل الأفراح فيها ... بألحان وأصوات شجيه
وأنشقنا النسيم عبير زهر ... يفوق شذا بأنفاس ذكيه
وأشهدنا السعود شموس حسن ... تزيد سناً على الشمس المضيه
وأرشفنا الهنا كأس التصابي ... بحان ربى معاهده الزهيه
فيالله من يوم تقضي ... بمغناها بلذات شهيه
وأتحفنا الزمان بجمع شمل ... بأقمار شمائلهم سنيه
وقد بسط الربيع لنا بساطاً ... تزركش بالزهور الجوهريه
وبشر الأنس ينبي عن سرور ... بأخبار الصفا والجامعيه
وجدول نهره يروى حديثاً ... تسلسل بالمياه الكوثريه
يميس به لطيف القدّ أحوى ... حوى رقى برقته الجليه
فريد الحسن في مصر وشام ... يذكرنا العهود اليوسفيه
شقائق خدّه تزهو بخال ... نوافحه شذاها عنبريه
فدته الروح من ظبي أنيس ... بلفتة جيده صاد البريه
شهدنا حسن مشهده فهمنا ... بمطلع حسن غرّته البهيه(4/164)
وقوله
يا حسن روض الصالحية إنه ... صدحت بمنبر دوحه الأطيار
قد أثبتت أنهارها خبر الصفا ... وروت أحاديث الشذا الأزهار
وقصوره قد زخرفت بمحاسن ... تجري لنا من تحتها الأنهار
وقوله متشوقاً إلى دمشق
دمشق وما شوقي إليك قليل ... فهل لي بواديك النضير مقيل
وهل أغتدي يوماً بفئ ظلاله ... فظلّ رباه للسراة ظليل
وهل أجتلي يوماً محاسن ربوة ... فمنظرها بين الرياض جميل
وهل أزدهي بالنير بين ودوحه ... بروض به غصن السرور يميل
وهل ترتوي عيني بمشهد سفحه ... ويضحى فؤادي بالغرام ثميل
وهل لي لسفح الصالحية أوبة ... فإني لهاتيك الرحاب أميل
نعمت زماناً بالمرابع والحمى ... وروض زماني بالصفاء بليل
وقد بعدت عني وشط مزارها ... ومالي إليها بالوصول سبيل
وصبري عفت يوم الفراق رسومه ... ووجدي تبدّي وقت حان رحيل
وقلبي حمول بالجفا متوقد ... وطرفي همول بالدموع يسيل
وطالت ليال بعد كانت قصيرة ... بوصل وليل المغرمين طويل
أروّح روحي بالغرام وبالمنى ... ليبرد مني لوعة وغليل
وأبرد قلبي بالنسيم تعلة ... لديكم وهل يشفى العليل عليل
وله
ولما التقينا والحبيب بحاجر ... وقد عبقت بالطيب منه نسائمه
تبسم عجباً من حديث مدامعي ... فما برقه الساري به وغمائمه
وحين تثني وانثنيت ترنما ... تعلم منا بأنه وحمائمه
وقال
وقائلة والبين سل حسامه ... وقد حاطني للوجد جيش عرمرم
إلى كم بوشك البين أنت مروّعي ... متى تنقضي الأسفار والشوق محكم
فقلت لها والدمع مني مسلسل ... وجمر الغضى بين الجوانح مضرم
دعيني من الاشفاق مالي حيلة ... إلى جانب الأقدار أمري مسلم
وله أيضاً
أصبح الخدّ منك جنة عدن ... تزدهي غير دانيات القطوف
وبه إذ زهوره يانعات ... مجتلي أعين وشم أنوف(4/165)
ظللته من العيون سيوف ... قد غدا ضمنها دواعي الحتوف
لا تخف واستظل تحت حماها ... جنة الخلد تحت ظل السيوف
وله غير ذلك من النظم الرائق والنثر الفائق وكانت وفاته يوم الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في مقبرة الذهبية تجاه قبر الشيخ أبي شامة رضي الله عنه وقبل وفاته بساعات نظم تاريخاً لوفاته ليكتب على قبره وهو قوله
قبر به من أوثقته ذنوبه ... وغدا لسوء فعاله متخوّفا
قد ضاع منه عمره ببطالة ... والعيش فيه بالتكدّر ما صفا
ماذا ثوى قبر اللقيمي أرخوا ... مستمنح للعفو أسعد مصطفى
سنة 1178 598 216 135 229 واللقيمي نسبة للقيم بلدة بالطائف ونسبة أجداده إليها وللمترجم نسبة إلى سيدنا سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله تعالى عنه.
مصطفى الغزي
ابن أحمد بن عبد الكريم بن سعودي ابن شيخ الاسلام النجم محمد الغزي العامري الشيخ الامام الفقيه الهمام أحد صدور دمشق الشام ورؤسائها الأعلام أبو الفضائل نجم الدين ولد بدمشق في منتصف سنة مائة وألف ونشأ في حجر أبيه وقرأ القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده الشهاب أحمد وأخذ عنه الفقه والحديث والعربية وعن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والشمس محمد بن علي الكاملي وأبي التقى عبد القادر بن عمر التغلبي والأستاذ عبد الغني بن إسمعيل النابلسي والشريف سعدي بن عبد الرحمن الشهير بابن حمزة وأجاز له اجازة منظومة مطولة وعن غيرهم ودرس وأفتى بعد وفاة والده وأخذ عنه جملة من العلماء منهم الشهاب أحمد بن محمد الحلبي وكان ذا وجاهة ظاهرة ورياسة وافرة وكانت وفاته سادس عشري رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي بجمع حافل من العلماء الأعلام ودفن بتربة أسلافه بمقبرة سيدي الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
مصطفى الترزي
ابن أحمد باشا ابن حسين بن إسمعيل المعروف بالترزي الدمشقي كان والده أمير الأمراء وتولى امارة اللجون وغيرها فيما أظن وكان أولاً باشجاويش في أوجاق اليرلية بدمشق وتوفي في سنة تسع وثمانين وألف وكان له ولد أكبر من المترجم يسمى محمداً فذهب للديار(4/166)
الرومية وأتلف جميع متروكات والده ومخلفاته وباع العقارات وغيرها وأما المترجم فإنه نشأ مكتسباً للكمال والعلوم مجتهداً ساعياً الاجتناء زهرات الأدب والمعارف وكان أديباً شاعراً فائقاً ماهراً بالأدب مع معرفة تامة بالطب وغيره مشتهراً بالكمالات والعرفان له حافظة واطلاع باللغة والأشعار وغير ذلك بارعاً بالنظام ينفث السحر من رشحات أقلامه ويجري البديع من لسانه وكان له هجو بليغ وترجمه الأمين المحيي وكان آخر من ترجمه في ذيل نفحته وقال في وصفه مجده محبوك من جهتيه ميم عاف وسائل من وجهتيه فلله مجد هو شمس نهاره طلع وقد ارتدى برداء الشباب والتف وتحوط بالسبع المثاني من العين واحتف فروضة أدبه فسيحة الرحاب وقد جمعتني وإياه الأقدار وطلبت منه شيئاً من نظامه فأتاني بقطع وهي قوله
أبدا يحنّ إليك قلبي الخافق ... والجذع يعلم أنني لك عاشق
يا من يهز من الدلال مثقفاً ... وبسهم لحظيه الحشاشة راشق
مهلاً فأين العدل منك لمغرم ... كلف بحبك بل بقولك واثق
ما راح يضمر عنك إلا موثقاً ... أكذبته وتقول إني صادق
قول الأعاريب الكرام وتنثني ... نحوي بعين أخي المودة وامق
هيهات ما للغانيات مودة ... ما كل قول للفعال مطابق
شيم الليالي الغدر من عهد الأولى ... قدما وما للدهر وعد صادق
فليهن من قد بات في دعة اللقا ... يلقى أحبته ونحن نفارق
وقوله
لا تلم من غدا بحب سليما ... ن أسيراً ودمعه في انطلاق
لي قالت جنود حسن محيا ... هـ وأيضاً لسائر العشاق
مذ تبدّي بطلعة تشبه الشم ... س بهاء في ساعة الاشراق
مثل قول التي بها اهتدت النم ... ل بنصح في غاية الاشفاق
دونكم فادخلوا المساكن من قب ... ل تصابوا بأسهم الأحداق
تحطمنكم فتفقدون رمايا ... بسهام الخطوب بالاتفاق
ذلك اللحظ فاحترز منه واحذر ... لم يكن دونه من الموت واقي
هو من قول بعضهم
أسلمنا حب سليمانكم ... إلى هوى أيسره القتل
قالت لنا جند ملاحاته ... لما بدا ما قالت النمل
قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن ... تحطمكم أعينه النجل(4/167)
وقال وقد تخلص فيها إلى مدح شيخ الطريقة الشيخ محمد بن عيسى الخلوتي الصالحي وهي من غرر قصائده
هوى يشوق النفس والنسيبا ... وصادحات حسنت تشبيبا
وحملت نشر الزهور شمأل ... تهدي إلينا عنبراً وطيبا
واختص وجه الدوح من عارضه ... لما استدار جد ولا منسوبا
فاعتدل الغصن وصار فوقه ... الشحرور من وجد به خطيبا
فقام يدعو والحمام هتف ... قد أتقنت ألحانها ضروبا
فقم إلى تلك الرياض مسرعاً ... مبتكراً ونادم المحبوبا
يا بابي ومن يقول بابي ... ذاك الغزال الشادن الرعبوبا
في وجهه للناظرين جنة ... للحسن كانت منظراً عجيبا
منمنم يزهو على عشاقه ... مخضباً بنانه تخضيبا
ما صادفت قلبي سهام لحظه ... إلا أتت غزاله تصيبا
فليته صير لي من وصله ... وقربه يا صاحبي نصيبا
جرّبت من بعاده نار الغضى ... عذبني بحرّها تعذيبا
لولا الهوى ما شاق عيني مألف ... وبالحمى كم ودّعت حبيبا
هوى حقيقي له مودّة ... قد ولدت نجل الوفا نجيبا
أهل السماح في الدنا قد زهدوا ... وقدسوا بالواحد القلوبا
وبالرضا قد مزجت طباعهم ... فلا ترى في وجههم قطوبا
وأخلصوا لله قلباً قد صفا ... من كدر واستأنفوا الغيوبا
فما دعوا للغيث يوماً وبكوا ... إلا أجاب قبل أن نجيبا
راحوا براح الحال في وجودهم ... لما اختفوا وروّقوا المشروبا
مذ عاملوه في مقامات الوفا ... هب لهم عرف الرضا هبوبا
ومنها
كالمسك وافاك دعاء مخلص ... ريان من ماء الوفا رطيبا
إن لم يراك لا يسرّ قلبه ... ويكره الخيال أن ينويا
ما للفتي قد لعب الدهر به ... وصرفه صيره متعوبا
من الزمان علقته محن ... قد شعبت بقلبه شعوبا
إلاك يستظل في جنابه ... والناس قد أفنيتهم تجريبا
واستجلها من البديع غادة ... لا ترتضي غير الهنا مركوبا(4/168)
وقال يمدح بها محمد المحمودي وقد أهداها له من نفثاته وهي قوله
خد يورّده لهيبه ... فتكاً وأعيننا تذيبه
أندى من الورد الذي ... حياه رياناً نصيبه
وبثغره ماء الحيا ... ة يرق كالصهبا صبيبه
وسقاه ماء شبيبة ... راح الجمال بها يشوبه
ميال أعطاف الصبا ... تيهاً يرنحه وثوبه
ذو قامة هيفاء مث ... ل الغصن يحمله كثيبه
أبداً يميل مع النس ... يم يظل يعطفه هبوبه
وبوجهه آيات حس ... ن فيه زينها قطوبه
أبدى قسي حواجب ... بالروح يفديها سليبه
من مقلتيه أراش في ... قلبي السهام به يصيبه
فرمى ندوب سهامه ... في اللب قد أصمت ندوبه
متمنع عن ناظري ... ما زال يحجبه رقيبه
برقت بوارق وعده ... والبرق يطمعنا خلوبه
ولصبه أهدى الضنا ... متحيراً فيه طبيبه
منح السهاد لمقلتي ... مذ طال عن نظري مغيبه
أودى بجسمي هجره ... والحب تستحلي خطوبه
وأرى عقارب صدغه ... بالوصل قد غفرت ذنوبه
ياليت شعري ما الذي ... بصدوده عني ينوبه
يقسو عليّ فؤاده ... وقوامه غصنا رطيبه
أتراه يعلم بالذي ... يشكوه من سقم كئيبه
وصدوده أبدا على ... عشاقه ليست تعيبه
كم ذا أموّه بالهوى ... والصبر قد شقت جيوبه
قصرت فصاحة مادح ... أحصى كمالك أو يثيبه
يا من بباهر شعره ... قد راح يسكرنا نسيبه
شعر هو السحر الحلا ... ل يروق هذبه لبيبه
منشئ حلاه محمد ال ... محمود مفرده نجيبه
الفاضل اللسن الذي ... محل الزمان به خصيبه
في كل لفظ من معا ... ني فضله تسبي شعوبه(4/169)
متناسق كالدر في ال ... عقد الذي نظمت ثقوبه
وإذا ذكرنا الشعر فه ... وكما سمعت به حبيبه
وافتك مثل الروض يه ... دي عرفها نفحاً جنوبه
ومديحك السامي غدا ... فرضاً على مثلي وجوبه
والمهر منك جوابها ... وكفاه فخراً من تجيبه
نفحتك مني بالثنا ... ء وطيب عنبره وطيبه
وله أيضاً قوله
لك في المعالي رتبة من دونها ... زهر النجوم وتلك فوق هلالها
فلذاك أنت أمين أسرار الهدى ... والله قد أولاك حسن خلالها
وجواهر النعمان عزت غيرة ... إلا عليك لمن بغى لمنالها
فأهنأ بها لا زلت نرشد قاصداً ... يبغي الهداية للتقى سؤالها
يا من له قلم إذا وشى به ... صفحات طرس أشرقت بجمالها
ولذلك الفضلاء عجباً أنشدت ... بعلاك بيتاً من بديع مقالها
إن الكتابة للفتاوي لم تجد ... أحداً سواك يحل من أشكالها
وسمتك من بين الورى بمرادها ... حتى ارتضاك الله من أمثالها
لا زلت محروس الجناب مؤيداً ... بعوارف قد حزتها بكمالها
وقوله يمدح به ولد الشريف بركات شريف مكة المعظمة سابقاً حين وروده دمشق
قدوم كما انهلت سحائب أمطار ... وقد أشرقت منها الرياض بأزهار
حكى الشمس غب الغيم اشراق ضوئها ... ولاحت على الدنيا ببهجة أنوار
وسرت به الآفاق شرقاً ومغرباً ... وأرجها كالمسك فتته الداري
وذاك قدوم السيد الأعظم الذي ... أتانا كيسر بعد بؤس واعسار
فكان كطيب الأمن وافي لخائف ... وكالنير إلا علي به يهتدي الساري
فأهلاً به من قادم قدم الهنا ... بلقياه بل رؤياه غاية أو طاري
من القوم إن هم فاخروا جاء شاهداً ... لهم محكم التنزيل من غير انكار
وإن نطقوا جادوا بأبلغ حكمة ... يلين لها صلد وجامد أحجار
وأن ينتموا جاؤا بكل حلاحل ... تذل له شوس الملوك باقرار
بنى حسن أهل العلى منبع الهدى ... أئمة حق هم بأصدق أخبار
ميامين غرّ من ذؤابة هاشم ... هم في دجى الخطب المهول كأقمار
وأشرفهم يحيي الذي شرفت به ... دمشق ونلنا فيه أرفع مقدار(4/170)
فيا ابن رسول الله وابن وصيه ... ومن أنزل القرآن في مدحه الباري
إليك اعتذاري من كلال قريحتي ... لجور زمان فيه قد قل أنصاري
ولكنّ لي في دوحكم خير قربة ... بها الله يعفو عن عظائم أوزاري
لقد مزج الرحمن ربي ودادكم ... بقلبي وسمعي والفؤاد وأبصاري
ووالله ما وفيت بالمدح حقكم ... ولو بلغ الجوزا نتائج أفكاري
لآل عليّ في الأنام توجهي ... ومدحهم وردي وديني وأذكاري
وهنيت بالعيد السعيد وعائد ... عليك بما نالوا به خير أبرار
فإن العلى تسموا بكم وكفاكم ... علا انكم ملجا الأنام من النار
ولا زلت ذا عمر طويل مؤيداً ... مدا الدهر ما هبت نسائم أسحار
وقوله مادحاً ومهنئاً ومعتذر للمولى محمد العمادي
العفو أولى من عتاب المذنب ... والذنب يخرس كل شهم معرب
كرّت عليّ عجائب لو أولعت ... بمتالع لانقض قض الكوكب
من لي بعذر أن يقوم بحجتي ... عند الإمام الطيب ابن الطيب
علامة الآفاق من بوجوده ... أفلت نجوم ذوي الضلال بمغرب
حتى يزول محال قول باطل ... قد ألبسوني فيه ثوب الأجرب
نزهت عنه سمع مولاي الذي ... أنا عبده الأدنى وهذا منصبي
مفتي البرية في الفواخر كلها ... كالبحر يلقى الدرّ للمتطلب
إن فاه أسكت كل ذي لسن بما ... يبديه من صوغ الكلام المعرب
مولى إذا احتكت فهوم أولى النهي ... جلى برأي مثل بدر أشهب
وأبان كل عويصة في العلم كالنج ... م الرفيع بمثل حدّ مشطب
ورث الفضائل كابراً عن كابر ... يوم العلى عن كل جدّ منجب
قوم بهم دين الاله مؤيد ... من أن يدنسه مقال منكب
شاد العماد لهم ثناء طاهراً ... حمل الرواة له لأقصى المغرب
مولاي أنت أجل من حاز العلا ... بفضائل هي كالطراز المذهب
هنيت بالرتب التي هي في الورى ... فخراً كوضع التاج يوم الموكب
هي منصب الفتيا الرفيع مقامها ... فوق السماك الشامخ العالي الأبي
دامت لك العليا ودام لك الهنا ... ما سار ركب في فيافي سبب
مولاي غفراً فاستمع بتفضل ... بعض اعتذاري من صميم تلهب
قد قوّلاني في علوّ جنابكم ... ما لم أقله وحق ربي والنبي(4/171)
أنا ما حييت مديحكم وثناؤكم ... وردي به عند الإله تقربي
حاشاي من قول هزا لو قلته ... لنهيت عنه بألف ألف مكذب
بل كيف أقتحم الهلاك وأرتضي ... غضب الإله كفعل ميشوم غبي
بشراي إني قد ظفرت بمطلبي ... حاشاك تلقاني بوجه مقطب
دم للبرية ملجأ ومؤملا ... ما أزهر الليل البهيم بكوكب
وقال يمدح السيد السند الشيخ علي الحموي الكيلاني شيخ الطريقة القادرية
يزار بزوراء العراق ضريح ... وللحق أنوار عليه تلوح
تحوم حواليه الملائك رفعة ... ووردهم التقديس والتسبيح
سلام عليه من صريح معظم ... إليه تحايت الإله تروح
ضريح إمام الأولياء وقطبهم ... أبى صالح عالي الجناب فسيح
يحج إلى بغداد يبغي زيارة ... له القطب يسعى خادم ويسيح
ومن جوهر المختار جوهره الذي ... له في علوّ المكرمات وضوح
فمن أمّ عالي بابه نال رفعة ... ووافاه من فيض الإله فتوح
به تكشف الجلا ويرتفع البلا ... ويثني عنان الخطب وهو جموح
وأنباؤه الغرّ الكرام ملاذنا ... وذخرهم أني بذاك نصوح
ومصباحهم مولى عليّ جنابه ... علا به باب الهدى مفتوح
كريم سجايا النفس لألاء وجهه ... يضىء فتخفى عند ذلك بوح
مهذب أخلاق من الفضل والحجى ... كثير اتضاع بالنوال سموح
عليم بأسرار الحقائق عارف ... بأنفاسه للسالكين نفوح
متى تلقه تلقى أغرّ كأنما ... صفا وهو لطف من صفاه وروح
ومولى هو البحر الخضمّ ومن به ... دعا آب موفور الجناح نجيح
ولكنه بحر العلوم قراره ... عميق على من رامه وطليح
محامده تتلى فيعبق طيبها ... كنشر رياض علهن صبوح
وقد حلّ في وادي دمشق ركابه ... بسعد سعود للنحوس يزيح
فوافى ربوعاً طالما طال شوقها ... إيه وكادت بالغرام تبوح
وخفق في الوادي السعيد نسيمها ... وهبت به معتل وهو صحيح
وعمّ الورى فيها سرور ونشأة ... وإني وهذا القول صاح صريح
فنادت جميع الخلق أهلاً ومرحباً ... ببدر بأفلاك الكمال سبوح
أمولاي أرجو منك نظرة إنني ... مفارق عهد للخليط جريح(4/172)
أهيم إذا غنى ابن ورقاء في الربا ... وأسمع منه لحنه فأنوح
رمتني صروف النائبات بأسهم ... لها في فؤادي والصميم جروح
ولكن بمولائي أرى كل كربة ... تزول ومنها الدمع كان سفوح
وإني وإني في حماك ومن يكن ... جوارك أمسى منه فهو ربيح
وعذراً فقد وافتك مني بخجلة ... وشعري بمدح في سواك شحيح
وليس بمحص بعض وصفك مادح ... ولو جاء منه للمديح مديح
ولكنها ترجو السماح كرامة ... وأنت عن الذنب العظيم صفوح
ودم في سعود وارتقاء ونعمة ... بعمر طويل عنه قصر نوح
فراجعه عنها بقوله
مخائل سعد للعيون تلوح ... بوجه سريّ للسموّ طموح
قرينة عز في غضون جبينه ... فتغدو لبشراها له وتروح
فتى من سارة الناس ممن تقدموا ... لنيل المعالي والركاب سبوح
أديب أريب فاضل متفضل ... بليغ ولفظ الدرّ منه فصيح
تغذى لبان الفضل في حال مهده ... غبوق له منها روا وصبوح
امام همام في الفهوم مقدّم ... وفي الأدب الغض الطري فصيح
كريم حوى وصف الكرام وفعلها ... سمى مصطفى والفعل منه مليح
فخذ بعض شذر واغض عن قصر قاصر ... وسامح بفضل فالكريم سموح
وللمترجم قوله
فرائد درّ في صحائف ألماس ... ونور رياض في مهارق قرطاس
والادراري الأفق ضمن سفينة ... تسير بلج من ذخارف أنفاس
إذا كان قاموساً لها علم ماجد ... فبحر خضمّ لا يقاس بمقياس
فكيف وربانيها في مسيرها ... له قلم يجري كسابق أفراس
همام حوى وصل الكرام وفعلها ... وفاق العلى بالفضل كالعلم الراسي
سليل أساطين فحول ضراغم ... هم من ذرى العليا في قنن الرأس
تكلف فكري وصف بعض صفاته ... فتاه بموماة وعام بمغماس
وكيف ونيل النجم أقرب ماربا ... لفكري أو أحصى علاه بأنفاس
فشكري لآل للعماديّ حامد ... ومدحهم فرضي لتطهير أدناس
فلا زال ناديهم لمثلي ملجا ... إذا الدهر لاقاني بصورة عباس
وقوله مادحاً أيضاً ومؤرخاً اتمام الحواشي التي جمعها الممدوح على كتاب دلائل الخيرات(4/173)
في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
أمولاي زاد الله قدرك رفعة ... بجاه رسول الله خير الخلائق
فأنت على تقوى الإله مواظب ... تسير على نهج الهدى والحقائق
ومن يك ذكر المصطفى ديدناله ... لقد حاز في الدارين عز المسابق
دلائل خيرات إذا ما تلوتها ... أفدت بها أجراً لكم لم يفارق
فهذا دليل الخير والرشد والهدى ... تشيد به ذكراً كمسك لناشق
فهذبته سفراً بتحرير متنه ... وجاءت حواشيه رقاق الدقائق
ورصعت من كنز العلوم حواشيا ... كترصيع درّ في نضار المناطق
لقد طاولت شهب السماء بما حوت ... بهدى رسول الله أفصح ناطق
فطوبى لكم آل العماد فسعيكم ... دواماً على نهج الهدى في الطرائق
وعظمتها مولاي حامد نسخة ... تخلد فيها الصدق ضمن المهارق
فدم ما تلا ذكر النبي أخو الهدى ... وصلي عليه عاشق اثر عاشق
صلاة يضىء الكون من نور ذكرها ... تفوح كمسك في العذيب وبارق
ومذ تم ذاك السفر قلت مؤرخاً ... وشائع حسن لحن من نور صادق
وقوله مضمناً أبيات الشيخ داود البصير الطبيب الثلاثة بقوله
ليل كقادمتي غراب مغدق ... يمضي بأحزان وطول تلهف
وصباح يومي إن سألت فإنه ... كصباح ثكلى مات واحدها الوفي
أبكي لشمل بات وهو مصدّع ... كالعقد بدد بعد شمل تألف
ظنّ الخليّ وقد رآني باكياً ... أني رعفت من الجفون الذرّف
هل راحم صبا أذاب فؤاده ... دهر ألح لصرفه لم يصرف
الله يعلم أنني من بعدهم ... لحليف أحزان بقلب مدنف
أهفو إلى مرّ الحمام وشربه ... ومذاقه ياما أحيلاه بفي
من طول أبعاد ودهر جائر ... ومسيس حاجات وقلة منصف
ومغيب خلّ لا اعتياض بغيره ... شط الزمان به فليس بمسعف
أوّاه لو حلت لي الصهباء كي ... أنشأ فأذهل عن غرام متلف
وله وذلك عند تراكم الخطوب عليه وعدم مشفق يأخذ بيديه
إن قلبي قطب البلاء أديرت ... لشقائي رحى الهموم عليه
وتراه مغنيطساً للرّزايا ... يجذب الخطب من سحيق إليه(4/174)
وله أيضاً ناعياً ثمرات الفؤاد ونجباء الأولاد
غراب ينوح لتفريقنا ... ويوم يصيح بتلك الرسوم
فبانوا وأصبحت من بعدهم ... أليف الشجون خدين الهموم
فما أجلد القلب في النائبات ... ويا قلب صبراً لهذي الكلوم
وكانوا نجوم سماء الحشا ... وفي الترب غيب تلك النجوم
فوا وحشتاه لتلك الوجوه ... وبعد السرور ألفت الوجوم
ومن شعره أيضاً
أفدي مهاة أفردت عن سربها ... بدوية سحرت بطرف أدعج
شخصت بطلعتها العيون وقد بدا ... دبر الدجى بجبينها المتبلج
بسمت فخلت البرق أومض ضاحكاً ... عن لؤلؤ في ثغرها المتفلج
وسمت لها شفة فراقت منظراً ... وحلت بأزرق فاق زهر بنفسج
فدهشت من كنز بمبسمها له ... قفل من الياقوت والفيروزج
وله مادحاً شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية المولى السيد عبد الله المعروف بالبشمقجي حين قدم دمشق حاجاً بقوله
هي المعالي لكم حيث السهى ارتفعت ... وحيث شمس الضحى في أفقها طلعت
شمس العلى أشرقت بالشام في شرف ... من الحجاز وأنوار الهدى لمعت
أنوار من زينة الدنيا بمقدمه ... حتى به سائر الأكدار قد رفعت
تالله ما الغيث أجدى من مكارمه ... إذا همت بسحاب الفضل أو همعت
يا بضعة من رسول الله خالصة ... بمهبط الوحي أخلاف الهدى ارتضعت
يا آل بيت رسول الله حبكموا ... فرض به سور التنزيل قد صدعت
لولاكم لم يكن شمس ولا قمر ... ولا درار بأنوار الضيا سطعت
ورثت مشيخة الاسلام عن سلف ... من عهد ما شرع الاسلام قد شرعت
يا كعبة المجد لو لم تسع مبتهلاً ... لكعبة الله إجلالاً إليك سعت
الحج باليمن مبرور مناسكه ... لسيد فيه آيات الهدى جمعت
يا مفخر الدولة العلياء من قدم ... ومن بمجدك أركان العلى امتنعت
ويا عماداً لركن الدين تنصره ... بمقول الحق إن أركانه انصدعت
أيامك الغرّ بالاقبال مشرقة ... بها عنادل أطيار الهنا سجعت
فالسعد عبد خديم للركاب له ... بشائر بسنا الاقبال فيه رعت
فالله يبقيك للعلياء ناصرها ... إذا الموالي إلى أعتابك انتجعت(4/175)
وله أيضاً
هو الله لا إثبات إلا لذاته ... تقدّس ذو الافضال واللطف والعفو
فلا تغترر بالكائنات بأسرها ... وكل الذي تلقى زوال إلى محو
وأيامنا برق ونحن خلاله ... خيال مضى بين البطالة واللهو
وهل نحن إلا للفناء مصيرنا ... ومنا قلوب قد تميل إلى الزهو
رمتني صورف النائبات بأسهم ... وأصمت رماياها بصدق ولم تشو
وهل تعتب الأيام شخصاً إذا بكى ... ويجمع منه الدهر عضواً إلى عضو
ومن هجوه في بني آدم جميعاً قوله
قوم كائن القر كان خليقة ... لهم فأعرى الايك من أوراقها
لو شاهدوا فلساً بأقصى لجة ... في البحر لانتزعوه من أعماقها
أو يسألوا معشار عشر شعيرة ... فاضت نفوسهم على أنفاقها
فعلى نفوسهم الخبيثة لعنة ... تستوجب الافراط في استغراقها
ملؤا أقاليم البلاد ضلالة ... واستنزحوا الأموال من آفاقها
ورأيت غير المترجم هجا بني آدم بقوله
بني آدم لا بارك الله فيكم ... لأنتم شرار الناس بين الخلائق
خلت منكم الدنيا من العدل والهدى ... ولم يبق إلا فاسق وابن فاسق
وأوسعتم الآفاق بغياً وجفوة ... وهيهات منكم صادق الوعد فائق
وأنتم ظروف الزور والبغي والأذى ... وما راج منكم غير كل منافق
تمنيت عمري أن أرى غير غادر ... فما شمت إلا عائقاً وابن عائق
غصبتم حقوق الناس ثم ملأتم ... جوانب هذا الكون من كل فاسق
عليكم من الله الجليل مصائب ... تكون عليكم مثل وقع الصواعق
أقول وكلا الرجلين بلغ في الهجو إلى أقصى حده وهجا نفسه مع أبيه وجده فنرجو من واهب العقول أن يغفر ذنوب من أساء أنه أكرم مسؤل ومن نثر صاحب الترجمة ما كتب به لأحد أعيان دمشق وهو قوله أدام الله على العلم وأهليه والاسلام وبنيه سبوغ ظل مولاي الإمام الذي صدره تضيق عنه الدهناء ويفرغ إليه الداماء والذي له في كل يوم مكرمة غرة الايضاح ومن كل فضيلة قادمة الجناح ذو الصورة التي تستنطق الأفواه بالتسبيح ويترقرق فيها ماء الكرم ويسيح تحي القلوب بلقائه مثل ما مست الفقر بعطائه له الخلق الذي لو مزج به البحر لنفى ملوحته ولكفى لذوذته هو غذاء الحياة ونسيم العيش ومادة الفضل أراؤه(4/176)
مدى في مفاصل الخطوب وفراسته تشف عما وراء الغيوب همته تعزل السماك الأعزل وتجر ذيلها على المجرة وهو راجح في موازين الفضل سابق في ميادين العقل يفترع أبكار المكارم وينسى بكرمه ذكر حاتم ينابيع الجود تتفجر من أنامله وربيع السماك يضحك عن فواضله هو لسان الشريعة وإنسان حدقة الملة وغرة الزمان وناظر الإيمان أخلاقه خلقن من الفضل وشيمه تشام منها بوارق المجد له طلعة عليها للبشاشة ديباجة حسنة بهية هو بحر من العلم ممدود كسبعة أبحر ويومه في العلماء كعمر سبعة أنسر حرس الله ذاته التي هي شمس هذا الزمان والدليل الأكبر على بقاء نوع الإنسان وبعد فالمملوك ينهي إلى المقام العالي والمحل الباذخ المنيف السامي أدام الله سعادته مشرقة النور مبلغة السول واضحة الغرر بادية الحجول ما بلغه من كلام تجرع منه غصص الصبر وتحمل منه ما أثقل به كاهل الدهر وخصه به من بين أبناء العصر كلمات تتدكدك لها الأطواد وتتفطر بسببها الأكباد قد انقصم منها ظهري وقل على تحملها صبري فلا ألوم إلا حظي الذي لا ينبهه ضجيج يوم القيامة ولا أبكي إلا على ما وسمني به الدهر من هذه العلامة حتى ظنت بي الظنون فإنا لله وإنا إليه راجعون
ولو أن ما بي بالجبال لدكدكت ... أو الصخرة الصلداء لم تتجلد
ولما بصر بي مولاي متوجهاً على طريق الجبل ظن أن معي من أهل الوبال والخبل وأعيذ ظنه الجميل أن يشوبه إلا صدق الفراسة فوالله يا سيدي لم يصحبني إلا رجل من ثعلبايا قرية الاستاذ الشيخ محمد مراد يقال له أبو خالد أثقل من رضوي وأبرد من الجمد البارد ورجل آخر من أعراب البادية الذين هم كالسباع الضارية منازلهم عند القيصوم والشيخ ولا يعرفون إلا حداء الابل وعندهم ذلك مكان التسبيح قد جردهم الدهر فلجوا إلى الجرد وأقاموا ببادية ظنوا أنها جنة الخلد أعز شيء في أبياتهم الزاد فإذا سمعوا به حسبوه من عتاد المعاد أقمت فيهم على جوع يحرق الأكباد وبرد يجمد الماء في المزاد أياماً بعد شهور السنة لا أذوق فيها السنة ولي فيهم شريك أشأم من ناظر على وقف وله بيت كبيت العنكبوت خال من الدثار والقوت فما نابني إلا معاناة متاعب ضيق بها عليّ واسع الفضا وشب في جوانحي منها جزل الغضى وأعظم منها بلاء ما بلغني من هذا الأمر الفظيع والخطب الذي تضع له الحوامل ويشيب الرضيع فوالله الذي لا إله إلا هو ما أحببت في عمري رافضياً ولا عددته لي معيناً ولا وفياً فصبراً على ما حل بي من هذه الخطوب وأستغفر الله وإليه أتوب أن أقل ركابي في سفرة ثانية ولو مضني البؤس في هذه الفانية
رأيت اضطراب المرء والجدّ عاثر ... كما اضطرب المخنوق في حبل خانق(4/177)
جعل الله أيام مولاي سامية ولياليه ومستقبله خيراً من ماضيه وأبتهل إلى الله أن يمد في عمر مولاي على طول الزمان في مسرة وأمان إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير انتهى ولما قتل الوزير أسعد باشا المعظم والي دمشق وأمير الحاج الشامي أشقياء الجند بدمشق كان ممن قتل ولد صاحب الترجمة ونهبت داره واضمحل حاله وتراكمت عليه الأمراض ولم تطل مدته ومات وكانت وفاته في سنة ستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
مصطفى السندوبي
ابن أحمد بن أحمد الشافعي المصري الشهير بالسندوبي وجده الشهاب السندوبي المشهور أخذ عن العلامة السيد محمد البليدي والشهابين أحمد الملوي وأحمد الجوهري وبرع وتقدم على أقرانه بالفضل وانتشر علم علمه وعذب بحر فضله وراقت للطلبة موارده وأخذ عنه شيخنا أبو الأنوار محمد الوفائي القاهري وغيره وكانت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف بمصر رحمه الله تعالى
مصطفى المكي
ابن فتح الله الشافعي المكي مؤرخ مكة وأديبها الشيخ الفاضل العالم الأديب البارع المفنن الأوحد أصله من بلدة حماة ورحل منها لدمشق وقرأ بها وأخذ عمن بها من الفضلاء ثم رحل إلى مكة وجعلها دار إقامته وله التاريخ الحافل الذي سماه فوائد الارتجال ونتائج السفر في تراجم فضلاء القرن الحادي عشر وله غير ذلك وهذا التاريخ تاريخ حافل في ثلاث مجلدات وكانت وفاة المترجم في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف
مصطفى العزيزي
ابن أحمد المصري الشافعي الشهير بالعزيزي الشيخ الإمام العالم المحقق المدقق الفقيه الأوحد أبو الصفاء صفي الدين أخذ الفقه عن الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي والشهاب أحمد بن الفقيه وسمع الحديث على الشمس محمد الشرنبابلي الشافعي وعن غيرهم وبرع وفضل واشتهر بالفضل والذكاء والعلم ودرس وأفاد وأخذ عنه جملة من فضلاء الزهر كشيخنا الشهاب أحمد العروسي والنجم محمد الحفني وأبي الروح عيسى البراوي والنور علي بن أحمد الصعيدي والشهاب أحمد بن محمد الراشدي تفقه عليه والشمس محمد بن محمد السجاعي ومحمد بن عبد ربه العزيزي المالكي ومحمد بن إبراهيم المصيلحي وأبي السرور عبد الباسط بن حجازي السنديوبي وعلي بن علي الشهير بمطاوع وغيرهم وكان جبلاً من جبال العلم وبحراً من أبحر الفقه وكانت وفاته في حدود الستين ومائة وألف والعزيزي(4/178)
نسبة إلى قرية العزيزية من الغربية بمصر
مصطفى النابلسي
ابن إسمعيل بن عبد الغني المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الصالح الفالح المبارك المعتقد كان مبجلاً بين الناس يحترمونه مستقيماً على وتيرة الصلاح والعبادة ولد في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ونشأ في حجر جده الاستاذ الأعظم وعمته بكراته وفي حجر والده المقدم ذكرهما وكان جده يحبه ويميل إليه وهو دائماً قائم بخدمة جده ولم يزل كذلك إلى أن مات جده واستقام آخراً في دارهم بالصالحية يزار ويزور ويتبرك به وتعتقده أهالي دمشق وحكامها وقضاتها ورزق الخطوة التامة من الأولاد والأنسال وكان يظهر عليه التغفل والجذب بالجملة فقد كان من الأخيار وكانت وفاته في ليلة الخميس عاشر ذي الحجة الحرام يوم العيد ختام سنة إحدى وتسعين ومائة وألف ودفن في دارهم لصيق قبر جده الأستاذ وكانت جنازته حافلة ووافق أن والي حلب الوزير عزت أحمد باشا كان بدمشق إذ ذاك فحضر دفنه وكان يعتقده رحمه لله تعالى
مصطفى بن اظب
ابن حسن بن محمد بن رمضان الشهير بابن اظب الحنفي التركماني الميداني الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الفاضل الفرضي كان أحد المحققين في الفقه النعماني والمتضلعين منه مع الفضيلة التامة في فنون العلوم وكان أكثر اشتغاله في الفقه والفرائض ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ولازم الشيوخ فقرأ على الشيخ صالح الجينيني الدمشقي الفقيه وكذلك على الشيخ علي التركماني أمين الفتوى بدمشق وأخذ الحديث والنحو عن الشيخ إسمعيل العجلوني وقرأ الفرائض والحساب والمساحة على الشيخ محمد الخليل وأخذ التفسير عن الشيخ محمد قولقسن الدمشقي وأخذ العقائد عن الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق واشتهر بالفضل وعاش وحيداً فريداً ولم يتزوج وحج إلى بيت الله الحرام وله كتابات وتحريرات في الفقه والحساب وغير ذلك وبالجملة فقد كان أحد أفراد الأفاضل وكانت وفاته في سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى
السيد مصطفى الصمادي
ابن السيد حسن بن السيد محمد المعروف بالصمادي الحنفي الدمشقي أحد الأدباء الكتاب الذين سحروا برقة بيانهم وبراعة بنانهم العقول والألباب كان أديباً عارفاً كاتباً من كتاب الخزينة السلطانية الميرية محتشماً معظماً متقناً للفنون الأدبية عشوراً لطيفاً ذا هيبة وكان بباب الدفتري بدمشق من المحاسن وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وأثنى عليه(4/179)
وقال في وصفه سيد رهط وفريق تنوعاً بين أصيل وعريق رقى من التواضع سلم الشرف ولم يخش المعاني في مدحته السرف فاصله في دفتر الفتوة ثابت وغصنه في بحبوحة التقديس نابت ولد بكر الفكر من حين ولادته وقلد جيد الأدب من دره المفصل بأفخر قلادته فهو للآمل مظنة رجاه وبقمر وجهه أقبل نهاره وأدبر دجاه يهب على الأنفاس من خلائقه بعرف الطيب ويجري من الأهواء مجرى الماء في الغصن الرطيب وثمة أدب يتبرج تبرج العقيلة وفكر صفا من الكدر ولا صفا المرآة الصقيلة وخط أخذ في الحسن كل الخط وكأنما أوجده الله ليكون متمتع القلب واللحظ فمتى سقى قلمه من الحبر أنبت ما بين الجداول عروق التبر فمداده يجول في رقيم الصفحات فتتوشى علاماته وإذا تحققت فيه النظر فما هو إلا من رقوم الخد ودواواته ولاماته وله شعر أعده من هدايا الزمان ولا أحسبه إلا من مفصلات الجمان والبهرمان ومن شعره قوله
إن الذين تقدّموا لم يتركوا ... معنى به يتقدّم المتأخر
قد أنتجوا أبكار أفكار لهم ... عقم المعاني مثلها متعذر
فإذا نصبنا من حبال تخيل ... شركاً به معنى نصيد ونظفر
عصفت سموم هموم فكر قطعت ... تلك الحبال وفرّ منها الخاطر
والدهر أخرس كل ذي لسن فلو ... سحبان كاف منطقاً لا يقدر
والشعر في سوق البلاغة كاسد ... فترى البليغ كجاهل لا يشعر
والفضل أقفر ربعه لكنه ... بوجود مولانا الأمين معمر
علامة الدنيا وواحد دهره ... وأجلّ أهل العصر قدراً يذكر
ملك العلوم له جيوش بلاغة ... وفصاحة فبهم يعز وينصر
تخذ الفهوم دعية منقادة ... تأتيه طائعة بما هو يأمر
يقظ يكاد يحيط علماً بالذي ... تجري به الأقدار حين يقدّر
ما زال يملأ من لآليّ لفظه ... أصداف آذان لنا ويقرّر
تالله ما رشف الرضاب لراشف ... من ثغر ذي شنب حكاه الجوهر
أحلى وأعذب من كؤس حديثه ... تملى وتشر بها العقول فتكسر
فاق الذين تقدّموه بسبقهم ... وبه الأواخر تزدهي بل تفخر
بالسؤل يمنح قبل تسآل فان ... سبق السؤال عطاؤه يتعذر
لو أن أيسر جوده قدما سرى ... في الكون لم يبق وحقك معسر
قد أبدع الرحمن صورة خلقه ... ليرى جميل الصنع فيه المبصر
وجه كأن الشمس بعض بهائه ... ما زال يحسده عليه النير(4/180)
مولاي عجزي عن مدحك ظاهر ... والعذر عن إدراك وصفك أظهر
من لي بأن أهديك نظماً فاخراً ... أسمو به بين الأنام وأفخر
هبني أنظم كالعقود لآلئاً ... أفديك هل يهدي لبحر جوهر
لكن أتيت كما أمرت بخدمة ... جهد المقل وسؤردّ أحذر
فاصفح فقد أوضحت عدرى أولاً ... واقبل فمثلك من يمنّ ويعذر
واسلم ودم في نعمة طول المدى ... ما دام يمدحك اللسان ويشرك
وقوله
ومحجب أنف المرور بخاطري ... ويغار من مرّ النسيم إذا سرى
نحميه عن نظر العيون نزاهة ... لم ترض أن يطأ القلوب على الثرى
صلف ولو قال الهلال مفاخراً ... أنا من قلامة ظفره لاستكبرا
ولو ابتغى لحظ التمني أن يرى ... ظلاً لطيف خياله لتنكرا
وله في النحول
وموله لولا دخان تأوّه ... من نار أشواق به لم يعرف
قد رق حتى صار يحكي في الضنى ... لهلال شك يستبين ويختفي
لو زجه الخياط في سم الخيا ... ط من النحول جرى ولم يتوقف
وجميعه لو حل في طرف الذبا ... ب لفرط أسقام به لم يطرف
وله فيه
ومتيم دنف حكى في سقمه ... لهلال شك قد بدا ميلاده
قد رق حتى كاد يخفيه الضنى ... عن عائد ورثى له حساده
لولا دخان تأوّه من نار أش ... واق به لم تلفه عوّاده
وله مضمناً
إني لأحسد عاشقيك ورحمة ... أبكيهم من أدمعي بغزار
نظروا إلى جنات وجنتك التي ... قد حف منها الورد آس عذار
فتمتعت أبصارهم بنعيمها ... ومن النعيم تمتع الأبصار
حتى إذا طلبوا الوصال وعذبوا ... بالطرد عنك وساء بعد الدار
قدحت زناد الشوق في أكبادهم ... نار اللظى منها كبعض شرار
فإذا رأيتهم رأيت عيونهم ... في جنة وقلوبهم في نار
وله مضمناً للمثل السائر بقوله
أطفال أغصان الرياض تهزها ... في مهدها ريح الصبا المعطار(4/181)
قد غسلتها السحب حين ترعرعت ... والطل ترضعها به الاسحار
من كل غصن كالحسام مجوهر ... يهتز عجباً ما عليه غبار
وقوله في ذم العذار
إن الحبيب إذا تعذر خدّه ... نفضت عليه غبارها الأكدار
فلأجل ذا لم تلفني بمتيم ... في وجنة ولها العذار شعار
أنا مغرم بتقيّ خدّ ناعم ... قد تمّ حسناً ما عليه غبار
وللسيد محمد العرضي الحلبي في مدحه
ريحان خدّك ناسخ ... ما خط ياقوت الخدود
وقع الغبار بها كما ... وقع الغبار على الورود
ولأبي الفضل الدارمي
قلت للملقى على الخدّ ... ين من ورد خمارا
أسبل الصدغ على خدّ ... يك من مسك عذارا
أم أعان الليل حتى ... قهر الليل النهارا
قال ميدان جرى الحس ... ن عليه فاستدارا
ركضت فيه عيون ... فأثارته غبارا
وللمترجم
هذا الحبيب إذا تعذروا كتسى ... شعراً فذاك بمقته أشعار
أو ما تراه إذا بدا في وجهه ... نفضت عليه غبارها الأكدار
وله أيضاً
زنجيّ خال الخدّ يبدوا واضحاً ... في وجنة قد أشرقت كنهار
فإذا العذار سطا عليه ليلة ... أخفاه تحت غياهب الأكدار
ويناسب أن يذكر هنا قول ابن شارح المغني
نازع الخدّ عذاراً دائراً ... فوق خال مسكه ثم عبق
قائلاً للخادم هذا خادمي ... ودليلي أنه لوني سرق
فانتضى الطرف لهم سيف القضا ... ثم نادى ما الذي أبدى القلق
أيها النعمان في مذهبكم ... حجة الخارج بالملك أحق
وللمترجم
وساق خدّه المحمرّ يحكي ... مدا ما راق فاق العود عطرا
إذا ما عبّ منها خلت خمرا ... ولا خدّ وخدّاً ليس خمرا(4/182)
وله في فوارة ماء
وبي فوّارة غشت وروداً ... ببركتها الماء سالا
ولاحت وردة للعين حلت ... بأعلاها فزادتها جمالا
تحاكي قبة الألماس فيها ... بساط من يواقيت تلالا
ويحملها عمود من لجين ... لها المرجان قد أضحى هلالا
وللمترجم معمى في خال
حين زار الحبيب من غير وعد ... ورقيبي نأي وزال عنائي
لاح لاح عدمت رؤيته قد ... حاز قلباً بنقطة سوداء
وكانت وفاة صاحب الترجمة في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
مصطفى الجعفري
ابن صلاح الدين الجعفري الحنبلي النابلسي نقيب الأشراف بالديار النابلسية وعالم هاتيك المعالم السنية بين سيادة العلم والنسب وبلغ من الرياسة كوالده أعلى الرتب ولد بنابلس ونشأ بها وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده المذكور وتفقه على عمه السيد أحمد وأخذ الحديث عن الشيخ أبي بكر الأحزمي شارح الجامع الصغير وعن غيرهم ونبل قدره واشتهر بالفضل بين العلماء أمره ودرّس وأفاد وهرعت إليه الطالبون والوراد وكان رحمه الله تعالى كثير التهجد رحيب النادي كريم السجايا والأيادي وكانت وفاته في أواخر رمضان سنة ألف ومائة وخمس عشرة ودفن بنابلس رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين
مصطفى بن الدفتري
ابن عبد ابن إبراهيم الحنفي الدمشقي الدفتري بدمشق وأحد رؤسها المشهورين بالأدب والنبل كان أديباً بارعاً متودداً حسن الخصال بعاشر الأفاضل والأدباء ويسامرهم ويطالع كتب الأدب ويجتهد في تحصيل الكمالات وكان هو وأخوه أمير الأمراء محمد باشا أليفي سعد وإقبال وحليفي أدب وكمال وتقلباً في رتب المعالي ومناصبها وأقبلت عليهما الدنيا بمواهبها وكانت وفاة المترجم في ثالث ذي الحجة سنة سبع ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
مصطفى اللطيفي
ابن حسين المعروف باللطيفي الحموي الشيخ الاستاذ العارف بالله الصالح الدين الخير(4/183)
المشهور صاحب السياحات الكثيرة خرج من وطنه ودخل البلاد القاصية ودار غالب الدنيا واجتمع بأكابر العباد والعلماء والاستاذة والأولياء وله الرحلة المشهورة التي ألفها وذكر فيها غرائب الوقائع التي جرت له وما رآه وذكر الأولياء ومواقعه معهم وغير ذلك مما هو العجب العجاب ودخل دمشق وحلب والروم وغيرهم من البلاد ودار في أقاصي الأرض وجاب طولها والعرض رأيت رحلته وطالعتها جميعاً فرأيته ذكر فيها الأمصار والبلاد التي دخلها والأولياء والعارفين الذين اجتمع بهم ووقفت له على آثار تدل على علو قدمه في المعارف الالهية وبالجملة فهو من كبار الأولياء العارفين والأئمة المرشدين يغلب عليه حال التفويض والتوكل وكانت وفاته بحلب الشهباء يوم السبت رابع رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بها وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته
مصطفى التميمي
ابن عبد الفتاح النابلسي الحنفي الشهير بالتميمي العلام المحقق المدقق الفقيه ولد سنة إحدى عشرة ومائة وألف كما وجد بخط والده وقرأ عليه القرآن مجوداً وبالغ في حفظه ومعرفة أحكامه وحفظ أغلب المتون وتفقه عليه وعلى خاله المرحوم السيد محمد وقرأ على السيد علي العقدي البصير المصري من أول الكنز إلى كتاب الحجر قراءة بحث وتحقيق ولازم الشيخ عبد الله الشرابي فانتفع به أتم الانتفاع وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد بن محمد عقيلة وروى البخاري عنه مسلسلاً بالحنفيين ما عدا شيخه العجيمي قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى آخر كتاب الحج كما هو ومحرر بإجازته له وقد تقلد الفتوى أربعين عاماً وحرر شرح الشيخ حافظ الدين من مسودته وكتب عليه وله كتاب في الفقه سماه ارشاد المفتي إلى جواب المستفتي وله منظومة في العقائد ورسائل في مهمات الفرائض ونظم متن نور الايضاح وغير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى
مصطفى النابلسي الحنبلي
ابن عبد الحق الحنبلي النابلسي نزيل دمشق الشيخ الفاضل البارع الفقيه الفرضي الحيسوب قدم من بلده نابلس في سنة إحدى عشرة ومائة وألف وسكن في مدرسة جدي الاستاذ الشيخ مراد قدس سره ولازم الشيخ أبا المواهب الدمشقي الحنبلي وتلميذه الشيخ عبد القادر التغلبي وقرأ عليهما ما كتبا عديدة في فقه مذهبه كدليل الطالب والمنتهى والاقناع وفي الفرائض والحساب وقرأ عليهما عدة كتب منها شرح الرحبية وشرح اللمع وغير ذلك ولازم دروس الشيخ أبي المواهب المذكور في الجامع الأموي بين العشاءين(4/184)
وسمع منه عدة من كتب الحديث منها الجامع الكبير للحافظ السيوطي ثم بعد وفاته لازم دروس الشيخ التغلبي المذكور لما جلس بين العشاءين مكان الشيخ أبي المواهب بعد موته ثم لازم بعد وفاته دروس حفيده الشيخ محمد المواهبي لما جلس مكان جده وأعاد له إلى أن توفى وكان المترجم بارعاً في الفقه كثير الاستحضار لفروعه ماهراً بالفرائض وعلم الغبار حتى كاد أن ينفرد بمعرفة هذين الفنين بدمشق وكان ديناً ورعاً صالحاً متواضعاً ومناقبه جمة وقد تمرض بمرض طويل وتوفى وكانت وفاته بدمشق في غرة رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى
مصطفى الخليفة
ابن عبد القادر بن أحمد بن علي الشهير بابن الخليفة الحنفي الدمشقي أحد أعيان الكتاب بدمشق كان كاتباً بارعاً بالأدب والكتابة منشأ بالتركية والعربية لوذعيا له اطلاع بالشعر والأدب مع معارف يكتب أنواع الخطوط سيما في تنميق الدفاتر ومتعلقات الأوقاف فإنه كان بذلك ماهراً جداً وله باع في الرقعة والديواني والفرمة وغير ذلك وعليه كتابات ككتابة وقف الأموي والحرمين وغير ذلك ونظارتها وغير ذلك وكان المترجم وأخوه حسن بن الخليفة متصرفين بأقلام الأوقاف المزبورة ومتعلقاتها حتى استولوا على عقل متولي الجامع الأموي الشيخ إبراهيم السعدي وتصرفوا فيه وفي الحرمين والمصريين تصرف الملاك وبعد وفاة أخي المترجم اضمحل حالهم وزال رونقهم وانقضت دولتهم وكان المترجم يستعمل أكل البرش المعجون المعلوم ويستغرق به وكانت عنده كتب نفيسة ويجري بينه وبين أدباء دمشق وأعيانها المطارحات والنكات والنوادر ويستعذبون حركات المترجم ونوادره المضحكة فمن ذلك ما كتبه إليه الأديب السيد محمد الراعي هاجياً له بقوله
جرّت عليك من الشقاء ذيول ... وعليك من برد العناء خمول
يا باذ لا نقد المضرة للورى ... ها أنت داك البارد المخذول
سدت اللعين بمكره وخداعه ... وعليك فعل الملحدين قليل
وأراك في نشر الرذالة لاهياً ... عبثاً بأعراض الأنام تجول
ومددت باع الشرّ منك لضيغم ... يسطو عليك ببأسه ويصول
مس الكلاب محرّم في شرعه ... لكن لخذلك يالكاع فعول
ما في الزمان مذمّة ومذلة ... إلا وأنت بطينها مجبول
أقصر عناك فأنت في الدنيا قذى ... لرجيع أحبار اليهود أكول(4/185)
وعيوب نفسك لو تعدّ ألوفها ... أهل الحساب لكان ذاك يطول
هذا ورب الدار يعلم ما بها ... لكن لعمري بالسوى مشغول
يغضى عن الداء الدفين بجسمه ... جهلاً به أوانه المعقول
كلا بل الرجل البصير بعيبه ... عن جلّ أرباب الحجى منقول
عهدي بك الامسىّ فقاع الفلا ... واليوم في كسب الملامة غول
شرّ عليك فعالك الذم الذي ... يأباه شرّ الخلق يا مذهول
محصية تأتيك في يوم به ... كل امرئ عما جنى مسئول
وبالجملة فقد كان المترجم من محاسن دمشق وكانت وفاته في سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى
مصطفى العمري
ابن عبد القادر بن بهاء الدين العمري المعروف بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي البارع الفاضل التقي التقي الدين الكامل ولد في حدود سنة سبع وتسعين وألف وتوفي والده العلامة الفاضل وهو ابن ثلاث سنين فنشأ يتيماً وطلب العلم فقرأ على جماعة من الشيوخ في عدة فنون وبرع في النحو والمعاني والبيان والبديع وأجاز له جماعة من الأجلاء كالاستاذ الصمداني الشيخ عبد الغني النبالسي الدمشقي وغيره وكان أخوه الشيخ السعدي المقدم ذكره يعتني بشأنه ويزدهي بإنسانه وكان للمترجم شعر وأدب فمن شعره قوله من قصيدة
بين اللواحظ والقوام السمهري ... قلبي الكليم بأبيض وبأسمر
من كل وضاح الجبين إذا بدت ... قسماته أربت على ابن المنذر
ولرب مجدول الوشاح إذا انثنى ... بين الغلائل كالقضيب المزهر
أنفقت دون هواه درّ مدامعي ... وخلعت دون لقاه برد تصبري
وسنان طرف أرسلت لحظاته ... سهم المنون عن الجفون الفتر
ريان من خمر الدلال كأنما ... سقي شبيبته بماء الكوثر
وغدا بفرط بهائه ودلاله ... يختال في برد الشباب الأنضر
ما رمت أجني الورد من وجناته ... الارنا بلحاظ ظبي أعفر
عذب المقبل عاطر الثغر الذي ... يحوي اللآلئ من صحاح الجوهر
فإذا بدا فضح الغزالة وجهه ... وإذا عطا يحكي التفات الجؤذر
لم أنس ليلتنا به في روضة ... جرّ النسيم بها ذيول المئزر(4/186)
مخضلة الأرجاء قد نسجت بها ... كف السحاب بساط وشى عبقري
والوقت قد راقت مشار به كما ... راق النظام بمدح زاكي العنصر
مولى له نعم يضيق لحصرها ... ولضبطها قلم البليغ المكثر
من لم تزل تثني على عليائه ... بلسان أهليها جميع الأعصر
لا زلت وابن العم في فلك العلى ... كالفرقدين بعزة وتصدر
ولك الهناء بصحبة النجل الذي ... طابت موارده بطيب المصدر
البارع الندب الأديب ومن جنى ... ثمر العلوم بهمة لم تفتر
لا زال يحوي في بقائك رتبة ... تسمو على هام السهى والمشتري
ما عطر الآفاق عاطر ذكركم ... وذكت بمدحكم عقائل أسطر
وقوله مشجراً
دون ورد الحيا ونوّار ثغره ... ومحيا دعا القلوب لأسره
رقم الحسن بالبنفسج سطراً ... أثبت الطرف فيه آية سحره
وعلى غصن قدّه بدر تمّ ... مشرق لاح من دياجر شعره
يا بروحي غصن الجمال نضيراً ... باسم الثغر عن بدائع دره
شاهدي في هواه عادل قدّ ... أكدت حبه مناطق خصره
وله أيضاً
سعود بها الأيام باسمة الثغر ... وبشرى بها الآمال حالية النحر
وعين الأماني بالحبور فريدة ... تغازل من روض الهنا مقل الزهر
بحيث محيا الانس يندى بمائه ... فتشرق من لألائه غرر البشر
وصفحة مرآة الزمان صقيلة ... تشف مرائيها عن الشيم الغر
وقد خلعت كف الربيع على الربا ... خلاخل وشي من ملابسها الخضر
ورنح أعطاف الغصون شمائل ... مضمنة الأذيال بالعنبر الشحري
إذا نشرت فوق الغدير غدائراً ... تكللها أيدي السحائب بالدر
وزهر الربا تغتر عنه كمائم ... كما افترت الحسناء عن درر الثغر
وقد بسط المنثور أجمل راحة ... تصافحها أيدي النسائم إذ تسري
وللأنس أذن كلما كتم الصبا ... نوافح سرّ العرف تجنح للسر
وللاقحوان الغض ثغر مفلج ... يعض بأطراف الثنايا على تبر
وللورد خدّ قد حكى بروائه ... محياً ابن صدّيق النبي أبي بكر
أخي الشيم الغرّ اللواتي إذا بدت ... تقود إلى عليائه جمل الشكر(4/187)
امام هدى راقت موارد فضله ... وأشرق في أوج المفاخر كالبدر
همام أراد الله إظهار ما انطوى ... عليه من الآداب والفضل والفخر
فقلد فتوى الشام عهد شبابه ... ولم يأت سن الأربعين من العمري
ونيطت به الأحكام حتى بدت له ... بدائع تشريع بحلّ عن الحصر
فأجرى يراع الحق فاندهش الورى ... ببحر علوم قد تدفق من صدر
وفك عر الأشكال من كل غامض ... بصائب فكر كالمهندة البتر
وقلد أجياد النهى بفرائد ... فمن لؤلؤ نضر ومن جوهر نثر
فلله منه ماجد قد تقاصرت ... خطا العزم عن أدنى مفاخره الغر
لقد لف برد الحلم منه على تقي ... أقام مع الاخلاص في السر والجهر
فيا أيها الشهم الذي أوسع الورى ... فضائل في العلياء عاطرة الذكر
إليك عقوداً في سطور محامد ... بمدحك قد أصبحن سامية القدر
فلا برحت علياك يا خير ماجد ... تقلب أحشاء الحسود على الجمر
وله
من لي بمعسول المراشف أهيف ... حلو الشمائل عاطر الأنفاس
متضرّج الوجنات عنبر خاله ... أسر القلوب بطرفه النعاس
لما جلا نور الصباح جبينه ... وزها بغصني قوامه المياس
متت طرفي في بديع محاسن ... من وجهه الزاكي بمسك نواس
ما بين ورد حيا وعنبر شامة ... وأقاح ثغر في خميلة آس
وله
عذيري ممن صير القلب طرفه ... أسير غرام للحاظ النواعس
وغادرني وقف الصبابة والهوى ... أجود بروحي للظباء الأوانس
واعشق مجدول الوشاح إذا انثنى ... بغصني قوام كالمثقف مائس
لعلي يوماً أرى من ألفته ... فأسال من خدّيه بلغة قابس
وله
ومهفهف يزري الغصون قوامه ... ولحاظه منها المنايا ترشق
لما رأى أن اللواحظ كلها ... لسوى محاسن وجهه لا ترمق
أبدى السلاسل فوق صفحته التي ... أضحى بها ماء الجمال يرقرق
فانحاز كل سالماً بفؤاده ... إلا أنا فالقلب مني موثق
أقول قوله أضحى بها ماء الجمال يرقرق قد استعملت الشعراء والعرب في كلامهم(4/188)
الماء لكل ما يحسن منظره وموقعه ويعظم قدره ومحله فيقال ماء الوجه وماء الحسن وماء النعيم وماء الشباب وغير ذلك فهنا وقع في كلام المترجم ماء الجمال وأحسن ما قيل في ماء الحسن قول ابن المعتز
ويكاد البدر يشبهه ... وتكاد الشمس تحكيه
كيف لا يخضرّ شاربه ... ومياه الحسن تسقيه
ولا بأس بذكر قطرة من ذلك في ضمن هذه الترجمة ليمتلئ الظمآن للأدب من مياه هذه المحاسن التي فيها ماء الفصاحة والبلاغة غير آس فمما ورد من ذلك في ماء الوجه قال أبو تمام
وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي
ومن ذلك ماء الشعر والكلام قال أبو تمام
وكيف ولم يزل للشعر ماء ... عليه يرف ريحان القلوب
ومنه ماء الشباب فمن ذلك قول أبي محمد الفياض
وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الكرام على الشراب
ولثمك وجنتي قمر منير ... يجول بخده ماء الشباب
ومنه ماء النضارة والندى والبشر قال بعضهم
يجول به ماء النضارة والندى ... كما جال ماء البشر في وجه قادم
ومنه ماء الندى والكرم والنوال والجود قال العتابي
أأترب من جدب المحل وضنكه ... وكفاك من ماء الندى تكفان
وقال البحتري
وما أنا الأغرس نعمتك التي ... أفضت لها ماء النوال فأورقا
وقال البحتري أيضاً
ووجه سال ماء الجود فيه ... على العرنين والخدّ الأسيل
ومنه ماء البشاشة قال أبو العتاهية
ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
ومنه ماء الظرف قال الصاحب ابن عباد
وشادن أحسن في اسعافه ... يقطر ماء الظرف من أطرافه
ومنه ماء الود قال الشريف الرضي
ترقرق ماء الود بيني وبينه ... وطاح القذى عن سلسل الطعم رائق
ومنه ماء النعيم قال بعضهم
إذا لمع البرق في كفه ... أفاض على الرأس ماء النعيم(4/189)
ومنه ماء المنى قال الشريف الرضي
فاسمح بفعلك بعد قولك أنه ... لا يحمد الوسمى إلا بالوبى
فلعلنا نمتاح إن لم نغترف ... ماء المنى ونعل إن لم ننهل
وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربتهم في مرج الدحداح رحمه الله تعالى
مصطفى بن مياس
ابن علي المعروف بابن مياس الحنبلي البعلي الدمشقي الشيخ الإمام الفقيه النحوي الناسك الورع أخذ الفقه عن الشيخ محمد بن بلبان الصالحي الدمشقي وقرأ في بعض العلوم على الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي مفتي الحنفية بدمشق وغيرها وصارت له بعض وظائف بدمشق منها خطابة جامع التوبة الكائن في محلة العقيبة وكانت وفاته في أواخر صفر سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
مصطفى البكري
ابن كمال الدين بن علي بن كمال الدين بن عبد القادر محيي الدين الصديقي الحنفي الدمشقي البكري الاستاذ الكبير والعارف الرباني الشهير صاحب الكشف والواحد المعدود بألف كان مغترفاً من بحر الولاية مقدماً إلى غاية الفضل والنهاية مستضأ بنور الشريعة رطب اللسان بالتلاوة صاحب العوارف والمعارف والتآليف والتحريرات والآثار التي اشتهرت شرقاً وغرباً وبعد صيتها في الناس عجماً وعرباً أحد أفراد الزمان وصناديد الأجلاء من العلماء الأعلام والأولياء العظام العالم العلامة الأوحد أبو المعارف قطب الدين ولد بدمشق في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وألف وتوفي والده الشيخ كمال الدين وعمره ستة أشهر فنشأ يتيماً موفقاً في حجر ابن عمه المولى أحمد بن كمال الدين بن عبد القادر الصديقي المقدم ذكره وبقي عنده في دارهم الكائنة قرب البيمارستان النوري واشتغل بطلب العلم بدمشق فقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن محيي الدين السليمي الشهير بالمجلد والشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي وكان يطالع له الدروس الشيخ محمد بن إبراهيم الدلدكجي ومع ذلك قرأ عليه متن الاستعارات وشرحها للعصام وحضر على الشيخ أبي المواهب المذكور شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر وأخذ أيضاً عن الملا الياس بن إبراهيم الكوراني والمحب محمد بن محمود الحبال وأبي النور عثمان بن الشمعة والشيخ عبد الرحيم الطواقي والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني وملا عبد الرحيم بن محمد الكابلي وأجاز له الشيخ محمد بن محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت وأخذ عنه المسلسل بالأولية ولازم الأستاذ الشيخ عبد(4/190)
الغني بن إسمعيل النابلسي وقرأ عليه التدبيرات الألهية والفصوص وعنقاء مغرب ثلاثتها للشيخ الأكبر قدس سره وقرأ عليه مواضع متفرقة من الفتوحات المكية وطرفاً من الفقه وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الخلوتي ولقنه الأسماء وعرفه حقيقة الفرق بين الأسم والمسمى وفي سنة تسع عشرة ومائة وألف سكن إيوان المدرسة الباذرائية ونزل في حجرة بها بقصد الانفراد والاشتغال بالأذكار والأوراد وأذن له شيخه المرقوم بالمبايعة والتخليف سنة عشرين أذناً عاماً فبايع في حياته وكانت تلك أزهر أوقاته وسمعه مرة يقول الجنيد لم يظفر طول عمره إلا بصاحب ونصف فقال له وكم ظفرتم أنتم بمن يوصف بالتمام فقال له أنت إن شاء الله ثم إن شيخه المرقوم دعاه داعي الحق فلبي ثم إن تلامذته توجهوا إلى صاحب الترجمة واجتمعوا عليه وجددوا أخذ البيعة عنه فشاع خبره وذاع أمره وكثر جمع جماعته إلى سنة اثنين وعشرين وفي تاسع عشر محرم وهو يوم الخميس توجه من دمشق الشام إلى زيارة بيت المقدس وهناك أخذ عنه جماعة الطريق ونشر ألوية الأوراد والأذكار وتوجه إلى زيارة الامام العارف سيدي علي ابن عليل العمري وهو على ساحل البحر قرب اسكلة يافا فاتفق إنه اجتمع بالشيخ الامام نجم الدين بن خير الدين الرملي وكان أيضاً قادماً بقصد الزيارة فسمع عليه صاحب الترجمة أول الموطا للامام مالك بن أن من رواية الامام محمد بن الحسن الشيباني بروايته له عن والده الخير الرملي بسنده المعلوم وأجازه بباقيه وبجميع ما يجوز له روايته ثم عاد صاحب الترجمة بعد استيفاء غالب الزيارات إلى زيارة نبي الله السيد موسى الكليم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وبعد حضوره للقدس شرع في تصنيف ورد السحر المسمى بالفتح القدسي والكشف الأنسي على ما هو مرتب من الحروف وهو ورد يقرأ في آخر الليل لكل مربد من تلاميذ طريقته وأمر جماعته بقراءته وقد اعترض عليه بعض المخذولين بأن ذلك بدعة في الطريق فعرضه على الامام الشيخ حسن ابن الشيخ علي قره باش في أدرنة فأجاب بأنه لا بأس به وحيث انكم رأيتموه مناسباً فهو المناسب ثم عاد إلى دمشق في شعبان من السنة المرقومة وانتشرت طريقته وخفقت في الاقليم الشامي ألويته وهو فيما بين ذلك مشتغل بالتآليف والزيارات نازلاً في المدرسة الباذرائية كما تقدم غير ملتفت إلى أحوال بني عمه من حب الجاه والمناصب واستقام على ذلك إلى سنة ست وعشرين ففي غرة شعبان منها هم على زيارة بيت المقدس فتوجه إليها ونزل خلوة في المسجد الأقصى وأقام هناك في إقامة الطريق والأذكار ونشر العلم إلى شعبان فعاد إلى دمشق وأقام بها كذلك ثم توجه منها إلى حلب الشهباء ومنها ذهب إلى بغداد إلى
زيارة الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وأقام بها نحو شهرين ثم رجع وتوجه إلى زيارة سيدي إبراهيم بن أدهم ثم تنقل بعد ذلك(4/191)
للسياحة في البلاد الشامية لأجل زيارة من بها من الأولياء ثم دخل بيت المقدس وعمر به الخلوة التحتانية وهي التي تنسب إليه وبها تقام الأذكار والأوراد ولها تعيين من خبز وأكل على تكية السلطان لمن بها أقام وفي جمادي الثانية سنة تسع وعشرين توجه راجعاً إلى دمشق واجتمع بالسيد محمد ابن مولاي أحمد التافلاتي وكان تقدم اجتماعه به في طرابلس الشام أوقاتاً مفيدة ونزل صاحب الترجمة في حجرة بالمدرسة الباذرائية وفي شهر رمضان عزم عمه محمد أفندي البكري على الحج فتوجه معه لأنه كان يتناول ما يخصه من أملاكهم وخرج معه إلى أن عاد إلى الشام وكان عمه وعده بتزويج ابنته فلم يتيسر ذلك ثم رحل إلى الديار القدسية ووصلها آخر ذي القعدة فتزوج هناك وأرخ زفافه بعضهم بقوله زفت الزاهراء للقمر وأقام هناك غير فارغ ولالاه مشتغلاً بما فيه رضي مولاه إلى أن قدم والي مصر من جهة دمشق لزيارة بيت المقدس وهو الوزير رجب باشا فزار صاحب الترجمة وصار له فيه مزيد الاعتقاد ولما ذهب إلى الديار المصرية اصطحبه معه فدخل مصر وأقام بها مدة وأخذ عنه بها خلق كثيرون أجلهم النجم محمد بن سالم الحفني ثم توجه إلى زيارة القطب العارف سيدي السيد أحمد البدوي قدس الله سره ومن هناك سار إلى دمياط وأقام هناك في جامع البحر وأخذ بها عن علامتها الشمس محمد البديري الشهير بابن الميت وقرأ عليه الكتب الستة والمسلسل بالأولية وبالمصافحة وبلفظ أنا أحبك وأجازه اجازة عامة بسائر مروياته وتأليفاته ثم رجع إلى بلده بيت المقدس على طريق البحر وأقام بها خمسة عشر يوماً ومنها إلى حمص ومنها إلى حماة ونزل في بيت السيد يس القادري الكيلاني شيخ الجادة القادرية بحماة فأخذ عنه الطريقة القادرية ومنها رحل إلى حلب وكان واليها الوزير المقدم ذكره وأخذ عنه بها جماعة منهم الشيخ أحمد بن أحمد خطيب الخسروية الشهير بالبني وفي آخر شهر رجب الحرام توجه إلى دار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية على طريق البر فدخلها في سابع عشري شعبان ونزل مدرسة سورتي مدة وبعدها تنقل في كثير من المدارس والأماكن ومكث بتلك البلاد معتكفاً على التأليف والنظم في السلوك وحقائقه غير مشتغل بأمر من أمور الدنيا ولا توجه فيها إلى أحد من أرباب مناصبها وكان كلما سكن في جهة وشاع خبره فيها وقصده أهلها يرتحل إلى أخرى أبعد ما يكون عنها وهلم جرا وفيها كان يجتمع بالامام الكامل السيد محمد بن أحمد التافلاتي المقدم ذكره وهو شيخه من وجه وتلميذه من آخر فإن صاحب الترجمة كان يقول عنه تارة شيخنا وأخرى محبنا ولم يزل بها مقيماً ينفق من حيث لا يحتسب ولا يصل إليه من أحد شيء أبداً وفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف أخذ العهد العام على جميع طوائف(4/192)
الجان أن لا يؤذوا أحداً من مريديه الذين أخذوا عنه أو عن ذريته بمشهد كان فيه السيد التافلاتي وغيره من المريدين وأفاد هو قدس سره أن إقامته هذه المدة في الديار الرومية كانت لأمور اقتضتها أحكام القدرة الألهية ولما ضاق صدره واشتاق إلى رؤية أهله توجه بمن معه إلى أسكدار في ثالث محرم سنة تسع وثلاثين وسار على طريق البر فدخل حلب الشهباء في صفر ونزل الخسروية مجاوراً للشيخ أحمد البني ثم في ثاني شهر ربيع الأول توجه قاصداً للعراق لزيارة سكانه ووصل إلى بغداد في آخر جمادي الأولى ونزل في التكية القادرية ملازماً ومشاهداً تلك الأنوار والأطوار القادرية ولم يدع مزاراً إلا وزاره ولا ما يتبرك به إلا أحل به قراره وجاءه في أثناء ذلك مكتوب من شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي يحثه فيه على العود للديار الشامية لأجل والدته فهم على المسير وفي أوائل صفر الخير عزم على العود إلى المنازل الشامية وفي الثاني والعشرين منه وصل إلى الموصل ومنها دخل إلى حلب ونزل في الخسروية في خلوة الشيخ أحمد البني وكان يقيم فيها الأذكار ويحضر ورد السحر ما يفوق على الخمسين بمقدار وفي ثامن شوال توجه منها إلى دمشق فوصلها ونزل في دار الشيخ إسمعيل العجلوني الجراحي وبعد مدة أيام الضيافة نزل حجرته في المدرسة الباذرائية وبعد برهة زار الأستاذ الشيخ عبد الغني فرآه يقرأ في التدبيرات الألهية ولم تطل إقامته بها بل
شمر عن ساعد الهمة إلى الأراضي المقدسة ذات الابتسام فرحل متوجهاً إلى أراضي القاع العزيزي وبلاد صفد وفي أوائل ذي الحجة سنة أربعين ومائة وألف ولد له شيخنا السيد محمد كمال الدين وأرخ مولده صاحب الترجمة بقولهن ساعد الهمة إلى الأراضي المقدسة ذات الابتسام فرحل متوجهاً إلى أراضي القاع العزيزي وبلاد صفد وفي أوائل ذي الحجة سنة أربعين ومائة وألف ولد له شيخنا السيد محمد كمال الدين وأرخ مولده صاحب الترجمة بقوله
في ليلة الجمعة من أنصافها ... ثالث شعبان أتى غلام
وفيه بشرت قبيل ما أتى ... وبعده فسرّني الانعام
ختام مسك قد حواه يفتدي ... فأرخوا محمد ختام
سنة 1140 7 92 1041
وأقام في القدس المشرفة يتنقل من زيارة إلى أخرى مطرفة وهو في تأليف وتصنيف وارشاد إلى رب العباد إلى أن دخل شوال سنة خمس وأربعين فعزم على الحج المبرور وتوجه مع رفقائه وأجلهم حسن بن الشيخ مقلد الجيوشي شيخ ناحية بني صعب في جبال نابلس إلى منزلة المزيريب ومنها إلى مدينة الرسول فنال أسنى مراد ومأمول ثم إلى مكة المشرفة وقضى مناسك الحج وعاد صحبة الحج الشامي وصحبه إلى القدس الفاضل العالم الشيخ محمد ابن أحمد الحلبي المكتبي ومكث عنده نحو أربعين يوماً وأدخله إلى الخلوات وأفاض عليه كامل الثبات وكان لقنه بعض أسماء الطريق ثم أتمها هناك وأجاز له بالبيعة للغير وأقامه خليفة يدعو إلى الله وفي سنة ثمان وأربعين ومائة وألف سار قاصداً للبلاد الرومية(4/193)
فمر على البلاد الصفدية ومنها على دمشق ذات الربوع الندية ووصل لدار السلطنة في رابع عشر جمادي الأولى وأقام فيها يجتمع بالأحباب والخلان خصوصاً السيد التافلاتي المصان ثم توجه منها إلى اسكندرية بحراً فوصلها في ثمانية أيام ومنها ذهب إلى مصر وبعد أن استوفى الزيارات بمصر عزم على المسير إلى الشام فدخل بيت المقدس غرة شهر رمضان وكان له بنت فرآها مريضة ولم تطل اقامتها بل انتقلت إلى الجنة العريضة ولهذه البنية أخبار كثيرة ووقائع في بعض الرحلات شهيرة ولم يزل مقيماً إلى أن دخلت سنة تسع وأربعين فعزم على الحج وفي أثنائها توجه إلى أرض كنانة وصحبه جمع كثير وظهرت كلمته في تلك الأقطار ولما بلغت تلامذته مائة ألف أمر بعدم كتابة أسمائهم وقال هذا شيء لا يدخل تحت عدد ثم حج ورجع إلى دمشق وكان واليها إذ ذاك الوزير الكبير المرحوم سليمن باشا العظمي وحين وصوله إلى دمشق تلقاه وجوه أهلها ونزل قرب الخانقاه السميساطية وبعد أيام تحول إلى الديار البكرية وأقام بها ثمانية أشهر ثم رحل إلى نابلس فمكث بها أحد عشر شهراً وفي شوال سنة اثنتين وخمسين توجه إلى الديار القدسية ولم يزل بها إلى سنة ستين ومائة وألف فسار إلى مصر متنقلاً في البلاد الكنانية والساحل الشامي فوصل مصر واستأجر له الأستاذ الحفناوي داراً قرب الجامع الأزهر عن أمر منه بذلك وعندما وصل إلى قرية الزوابل تلقاه الأستاذ الحفني المذكور ومعه خلائق كثيرون من علماء مصر ووجوه أهلها وأقام هناك وهو مقبل على الارشاد والناس يهرعون إليه مع الازدحام الكثير حتى إنه قل أن يتخلف عن تقبيل يده جليل أو حقير إلى أن دخل شوال سنة إحدى وستين فعزم على الحج وكان قدس سره بجمع الكثرة مشهوراً وكان مصرفه مثل مصرف أكبر من يكون من أرباب الثروة وأهل الدنيا ولم تكن له جهة تعلم يدخل منها ما يفي بأدنى مصرف من مصارفه ولكن بيده مفتاح التوكل لكنز هذا عطاؤنا هذا وقد أخذ الأستاذ المترجم عن الشيخ الامام محمد بن أحمد عقيلة المكي والشهاب أحمد بن محمد النخلي المكي والجمال عبد الله بن سالم البصري المكي والجميع أجازوا له وأخذ الطريقة النقشبندية عن القطب العارف السيد مراد الأزبكي البخاري النقشبندي ولقنه الذكر على منهج السادة النقشبندية ودعا له بدعوات أسرارها سارية في هذه الذرية وأخذ عن الأستاذ النحرير الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وبه تخرج وعلى يديه سلك وأخذ أيضاً عن الأستاذ العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي وكان الأستاذ يثنى عليه كثيراً وعن الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري وعن الشيخ أبي المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي وعن الشيخ مصطفى بن عمر وعن غيرهم وأخذ عنه خلائق كثيرون حتى أخذ عنه سبعة ملوك من طوائف الجان وأسماؤهم محررة في بعض(4/194)
مؤلفاته وأخذ عليهم عهوداً عامة وخاصة نفعها خاص وعام وألف مؤلفات نافعة منها الكشف الأنسي والفتح القدسي وشرحه بثلاثة شروح ومنها شرحه على الهمزية وشرحه على ورد الوسائل وشرحه على حزب الامام الشعراني وشرحه على صلاة العارف الشيخ محيي الدين الأكبر والنور الأزهر قدس سره وشرحه على صلاة الأستاذ الشيخ محمد البكري وشرحه على قصيدة المنفرجة لأبي عبد الله النحوي وشرحه على قصيدة الامام أبي حامد الغزالي التي أولها
الشدّة أودت بالمهج ... يا رب فعجل بالفرج
وشرحه على بيت من تائية ابن الفارض وشرحه على سلاف تريك الشمس الخ للامام الجيلي وله اثنتا عشرة مقامة واثنتا عشرة رحلة وسبعة دواوين شعرية وألفية في التصوف وتسعة أراجيز في علوم الطريقة ورسالة سماها تبريد وقيد الجمر في ترجمة الشيخ مصطفى بن عمرو ومرهم الفؤاد الشجي في ذكر يسير من مآثر شيخنا الدكدكجي والمنهل العذب السائغ لوراده في ذكر صلوات الطريق وأوراده والروضات العرشية على الصلوات المشيشية وكروم عريش التهاني في الكلام على صلوات ابن مشيش الداني وفيض القدوس السلام على صلوات سيدي عبد السلام واللمحات الرافعات غواشي التدشيش عن معاني صلوات ابن مشيش الداني وفيض القدوس السلام على صلوات سيدي عبد السلام واللمحات الرافعات غواشي التدشيش عن معاني صلوات ابن مشيش والورد السحري الذي شاع وذاع وعمت بركاته البقاع وصار ورداً لا يضاهي وحقائقه لا تتناهى شهرته تغنى عن الوصف والتحرير ومعانيه ومزاياه لا تحصيها أقلام النحبير شرحه ثلاثة شروح أحدها سماه الضياء الشمسي على الفتح القدسي في مجلدين ضخمين والثاني رفيع المعاني سماه اللمح الندسي على الفتح القدسي والثالث الذي لكشف أسراره باعث المنح الأنسي على الفتح القدسي ومن مؤلفاته السيوف الحداد في الرد على أهل الزندقة والالحاد والفرق المؤذن بالطرب في الفرق بين العجم والعرب وهذان التأليفان من أعجب العجاب لمن كشف لن النقاب فمن أراد فليراجعهما ففيهما ما تشتهيه القلوب وما تشتاقه من كل مطلوب ومرغوب والوصية الجنية للسالكين في طريق الخلوتية والنصيحة الجنية في معرفة آداب كسوة الخلوتية والحواشي السنية على الوصية الحلبية وبلوغ المرام في خلوتية الشام ونظم القلادة في معرفة كيفية اجلاس المريد على السجادة وبلغت مؤلفاته مائتين واثنين وعشرين مؤلفاً ما بين مجلد وكراستين وأقل وأكثر وكلها لها أسماء تخصها مذكورة في أوائلها وله نظم كثير وقصائد جمة خارجات عن الدواوين تقارب اثني عشر ألف بيت وقد أفرد ترجمته بكتاب ولده شيخنا أبو الفتوح محمد كمال الدين البكري سماه(4/195)
التلخيصات البكرية في ترجمة خلاصة البكرية بث فيه بعض مزاياه الجميلة وما كان عليه من الأحوال الجليلة وله من الخلفاء الذين توفي وهو عنهم راض وخلصوا من شوائب العلل الرديئة والأمراض ما ينوف على عشرين خليفة الكل منهم عظيم الأسرار وبالتحقيق نال المنازل الشريفة وعلى كل حال فاستيفاء أحواله يكاد أن يعد من المحال لأن أولياء الله تعالى لا يمكن حصر أوصافهم لما وهبهم الله تعالى من فيض فضله وإنما ذلك قطرة من بحر أو ذرة من بر وقد اطلعت بعد ذلك على جملة من أسماء مؤلفاته منها المقامات في الحقيقة الأولى سماها المقامة الرومية والمدامة الرومية والثانية المقامة العراقية والمدامة الأشرافية والثالثة المقامة الشامية والمدامة الشافعية والرابعة الصمصامة الهندية في المقامة الهندية وهي أعنى هذه المقامات في أعلى مقام البلاغة وأتم نظام الفصاحة ولقد مدح بعضها الفاضل الأديب المرعى الشيخ عبد الله بن مرعي فقال
قضت رومية البكريّ أن لا ... تضاهيها مقامات الحريري
فهذي درّة الغوّاص تدعى ... وأين الدرّ من نسج الحرير
ولقد أجاد سيدي يوسف الحفني حيث قال
تقول مقامات الحريريّ إن رأت ... مقامة هذا القطب كالكوكب الدري
تضاءل قدري عندها ولطائفي ... وأين ثرى الأقدام من أنفس الدر
فهذي لأهل الظرف تبدي ظرائفاً ... وللواصل المشتاق من أعظم السر
فكيف ومنشيها فريد زمانه ... أجلّ همام قال نوديت في سري
وبلغة المريد ومنتهى موقف السعيد نظماً وألفية في التصوف وكل ذلك في آداب الطريقة العلية ومن تآليفه رضي الله عنه تشييد المكانة لمن حفظ الأمانة وتسلية الأحزان وتصلية الأشجان ورشف قناني الصفا في الكشف عن معاني التصوف والمتصوف والصفا والمدام البكر في بعض أقسام الذكر والثغر البسام فيمن يجهل من نفسه المقام والكأس الرائق في سبب اختلاف الطرائق والتواصي بالصبر والحق امتثالاً لأمر الحق والوارد الطارق واللمح الفارق والهدية الندية للأمة المحمدية والموارد البهية في الحكم الألهية على الحروف المعجمة الشهية وجمع الموارد من كل شارد والكمالات الخواطر على الضمير والخاطر والجواب الشافي واللباب الكافي وجريدة المآرب وخريدة كل سارب شارب وهدية الأحباب فيما للخلوة من الشروط والآداب والكوكب المحمي من اللمس بشرح سلاف تريك الشمس ورسالة الصحبة التي أنتجتها الخدمة والمحبة ورسالة في روضة الوجود ورفع(4/196)
الستر والردا عن قول العارف أروم وقد طال المدى وارجورة الأمثال الميدانية في الرتبة الكيانية والمطلب الروي على حزب الامام النووي وله شرح على ورد الشيخ أحمد العسال وشرح على رسالة سيدي الشيخ أرسلان والبسط التام في نظم رسالة السيوطي المقدام وله الدر الفائق في الصلاة على أشرف الخلائق والفيوضات البكرية على الصلوات البكرية والصلاة الهامعة بمحبة الخلفاء الجامعة ونيل نبل وفا على صلوات سيدي على وفا والمدد البكري على صلوات البكري والهبات الأنورية على الصلوات الأكبرية واللمح الندية في الصلوات المهدية والنوافح القريبية الكاشفة عن خصائص الذات المهدية والهدية الندية للأمة المحمدية فيما جاء في فضل الذات المهدية وله رضي الله عنه نظم أحاديث نبوية ومقدمة وأربعون حديثاً وخاتمة سنية والأربعون المورثة الانتباه فيما يقال عند النوم والانتباه وله رضي الله عنه تفريق الهموم وتغريق الغموم في الرحلة الحلبية والحلة الفانية رسوم الهموم والغموم في الرحلة الثانية إلى بلاد الروم والثانية الأنسية في الرحلة القدسية وكشط الصد أو غسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان والفيض الجليل في أراضي الخليل والنحلة النصرية في الرحلة المصرية وبرء الأسقام في زمزم والمقام ورد الاحسان في الرحلة إلى جبل لبنان ولمع برق المقامات العوال في زيارة سيدي حسن الراعي وولده عبد العال وله رضي الله عنه بهجة الأذكياء في التوسل بالمشهور من الأنبياء والابتهالات السامية والدعوات النامية والورد المسمى بالتوجه الوافي والمنهل الصافي والتوسلات المعظمة بالحروف المعجمة والفيض الوافر والمدد السافر في ورود المسافر والورد الأسنى في التوسل بأسمائه الحسنى وسبيل النجاء الالتجاء في التوسل بحروف الهجاء وأوراد الأيام السبعة ولياليها وقد ترجم رضي الله عنه كثيراً من مشايخه وممن اجتمع عليهم فمن ذلك الكوكب الثاقب فيما لشيخنا من المناقب والثغر الباسم في ترجمة الشيخ قاسم والفتح الطري الجني في بعض مآثر شيخنا الشيخ عبد الغني والصراط القويم في ترجمة الشيخ عبد الكريم والدرر المنتشرات في الحضرات العندية في الغرر المبشرات بالذات العبدية المحمدية وله ديوان الروح والأرواح وله عوارف الجواد التي لم يطرقهن طارق قد أبدع فيه وأغرب وجعله مبنياً على ذكر حاله ووقائعه من ابتدائه إلى انتهائه على طريقة الأجمال هذا ما وقفت عليه ووصل سمعي إليه وله غير ذلك من التآليف التي عز ادراكها على كل كشف وكان رضي الله عنه من أكابر العارفين وأجل الواصلين وقد وقفت له على قصيدة(4/197)
فوجدتها فائقة فريدة ضمن فيها البيت المشهور
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تسطعه الأوائل
وهي تنبئ عن بعض أحواله وسنى أقواله ولنذكر شيئاً من شعره لأجل التبرك فمنه قوله رحمه الله تعالى
صدّ عني فرد التثني لأني ... في هواه ما زال كلي يصبو
وتمادى في الهجر يبدي دلالا ... وجواد الوداد لم يك يكبو
ليت ذا قبل أن يذيق لماه ... في حماه وقبل شوقي يربو
منّ بالوصل ثم أعرض عني ... سلوة قطعه العوائد صعب
فتطلبت سلمه دون حرب ... حيث قلبي ما مسه عنه قلب
فانثنى نافراً وزاد تجني ... هكذا هكذا الغزال المحب
وبهذا تمّ الغرام ووجدي ... ثار والشوق ناره ليس تخبو
ولصبري فقدت من فرط كتمي ... ما على فاقد التصبر عتب
ولمن قد هويت ذكرت أشدو ... قول صب ذاق النوى وهو خطب
ما جزا من يصدّ إلا صدود ... وجزا من يحب إلا يحب
وقال مخمساً
يا فريد الجمال لا تجف صبا ... صب دمع العيون كالسحب صبا
لم يمل قلبه إلى الغير قلبا ... غائباً في الشهود ما زال حبا
لمعاني بهاء حسنك يصبو
لا وحق الجمال يا نور عيني ... ما حلا غيركم لقلبي وعيني
وجلال جلا غياهب غيني ... ووصال الوصال من عين عيني
ما جزا من يحب إلا يحب
وقال أيضاً
ما هبّ من نحوكم نسيم صبا ... إلا وقلب الفتى إليه صبا
ولا سرى حادي لأرضكم ... إلا وأذكى بمهجتي لهبا
ولا شدا مطرب بقربكم ... إلا براني وجدا بكم إربا
ولا دنوتم لناظري زمناً ... إلا ونادى المشوق وأطربا
ولا تذكرت عيشة سلفت ... بالخيف إلا وصحت واحربا
ولا تحدثت عن وصالكم ... إلا وأجريت أدمعي سحبا
لله أيام نزهة شرفت ... في ظل من شرفوا مني وقبا(4/198)
أيام كنا مع الحبيب بها ... نطوف نسعى نقضي الذي وجبا
نشرب من زمزم الصفا سحراً ... إذ زمزم الشاد بالوفا حقبا
يمم إلى حيث من لحاني سرى ... لم يقض من عذله الذي طلبا
يا حبذا لوعتي عليك ويا ... هناء قلبي إن صرت فيك هبا
ويا سروري ويا مناي ويا ... بشراي إن مت فيك مكتئبا
لا نال منك المحبّ مطلبه ... إن كان يوماً إلى السوى ذهبا
ولا عيون الغيون ترمقكم ... إن غيركم لمحة لها جذبا
آهاً لأيامنا بقربكم ... وطيب وقت لبى به سلبا
ومجلس بالصفاء مجتمع ... وأنس عيش كل الهنا جلبا
ما كان أحلاه إذ بمنبره ... سامي خطيب السرور قد خطبا
عدوا بوصلي فالقلب يقنعه ... وعدو لو بالمطال لي نهبا
أفنى بكم يا أهيل كاظمة ... أم للقا ساعة أرى سببا
أحبابنا هل لقربكم أجد ... وهل لهجري عن باب فجري نبا
إن كان إعراضكم لغفلتنا ... أو أنكم لم تروا لنا أدبا
فالنقص فينا والعفو صفوكم ... نرجوه من فضل ذاتكم رغبا
أو كان من هفوة معوّقة ... كم من جواد حال المجال كبا
وصارم شحذوه ثم نبا ... وكم زناد في الاقتداح خبا
غفراً حماة الحمى فعبدكم ... ما نال من غاية الثنا طنبا
يا سائق النوق عن مرابعهم ... وشائقاً للدنو نحو خبا
بالله إن جزت بالحمى سحراً ... بلغ سلامي أهل الربا وقبا
وقل لهم ذلك الكئيب قضى ... وعمره بالبعاد قد قضبا
وما قضيتم له مآربه ... وما قضى من وصالكم أربا
ثم الصلاة كذا السلام على ... خير نبي عجماً علا عربا
والآل والصحب ما بحبهم ... صب التهاني قد ذوّق الضربا
وتابع ساد حين شاد بهم ... بيت التداني ونال كل حبا
أو مصطفى بانتسابه لكم ... سما استناد أو نسبة حسبا
وله غير ذلك من النظام والنثار وفي شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وستين ومائة توعك مزاجه بحمى مطبقة وتمرض إلى ليلة الأثنين ثامن عشر الشهر المرقوم فتوفي بعد العشاء الآخرة بفكر صاح وقلب غير لاه ودفن بعد طول منازعة في تربة المجاورين وقبره مشهور(4/199)
يزار ويتبرك به ورثاه ولده السيد كمال الدين البكري بقوله
هذا مقام القطب مفرد وقته ... أصل الحقيقة فرعها الحد ثاني
هو مصطفى البكري سبط محمد ... نجل الصديق الخلوتي الرباني
لا زال يسقى تربه من صيب ... هطل يساق برحمة الرضوان
وبالجملة فقد كان المترجم رحمه الله من أفراد العالم علماً وعملاً وزهداً وورعاً وولاية قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه وتتابعت له الصلاة الغيبية في البلدان إلى تمام عامه برحمة المنان ورثاه كل شعراء عصره فرحمه الله تعالى ونفعنا به آمين.
مصطفى الديربي ابن محمد علي الشافعي القاهري الشهير بالديربي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر النحرير الفهامة المحقق المدقق أبو البركات زين الدين أخذ عن جملة من الأفاضل منهم على ابن عمر الديربي وصالح بن حسن البهوتي الحنبلي وإبراهيم الشبرخيتي ومنصور الطوخي ومحمد الشرنبابلي وإبراهيم البرماوي وأبو بكر الدلجي وأحمد المرحومي ومحمد الخرشي وعبد الباقي الزرقاني وأحمد الشرفي ومحمد النشرتي ومحمد الأطفيحي ويونس القليوبي وعثمان النجدي وغيرهم وبرع وفضل وساد وأفتى ودرس وتصدر في الجامع الأزهر ووردت عليه الطلبة من الأقطار وأخذ عنه خلق كثيرون وألف مؤلفات عدة وكان فرداً من الأفراد علماً وفقهاً ونبلاً وديانة وصلاحاً وأخذ عنه شيخنا أبو الربيع سليمان بن عمر البجيرمي الشافعي وغيره وكانت وفاته بمصر سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى.
مصطفى الأسطواني ابن محمد بن أحمد بن حمد بن حسين بن سليمان المعروف كأسلافه بالاسطواني الحنفي الدمشقي أحد الأفاضل والنبلاء المشاهير ولد في عشري جمادي الأولى سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بكنف والده وكان والده من العلماء والفقهاء وتوطن أعواماً من السنين دار السلطنة قسطنطينية وصار اماماً في جامع السلطان أحمد خان وواعظاً في جامع أبي الفتح السلطان محمد خان واشتهر بحسن الوعظ ولطافة التقرير والتعبير ثم نفى إلى جزيرة قبرس بالأمر السلطاني لأمر أوجب ذلك وتوفي بدمشق في محرم سنة اثنتين وسبعين وألف وولده المترجم تبع مسلكه ونهج على طريقته وولي خطابة الجامع الشريف الأموي بعد وفاة إسمعيل بن علي الحائك المفتي والخطيب وباشرهما إلى أن مات وكان أنبل أهل بيتهم وأشهرهم فضلاً وكمالاً وتوفي في سنة خمس وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى(4/200)
ومن مات من أموات المسلمين أجمعين.
مصطفى البيري
ابن محمد المعروف بابن بيري الحنفي الحلبي البثروني تقدم ذكر أخيه عبد الرحمن وهذا هو الأديب الذي سقى رياض الطروس بمياه براعته فأنبتت في الصحائف أزهار البلاغة والفصاحة واشتهر بالأدب النفيس قدم دمشق مراراً وخالط أدبائها وأفاضلها واشتهر بينهم وكان وحيد أقرانه في زمانه وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه ماجد امتطى بأخمصه فرق الفرقد واتخذ الصهلة والصهوة أنعم المنعم وأفعم المرقد رقى من الفضل أسمى المراقي وأترع دلوه من السؤدد إلى العراقي فخبره قد أخذ من الكمال بالمجامع ومخبره تفتر منه ثغور الأماني في وجوه المطامع وبيني وبين أبيه في قسطنطينية وأنا وإياه عقيداً وداد في بلهنية هنية ذمم لا ترفض وعصم لا تنقض فعهده نقش على صخر ووده نسب ملآن من فخر وأما كماله فقد تجاوز حده منه ما تم لم فإصابته عين فيما أم له فأخطأه ما أمله فلئن أصلته الأيام بنار نوائبها ونفرت عن يده الطولى بذوائبها فلولا السبك ما عرف للتبر صرف ولولا النار ما عرف للعود عرف وولده هذا أرجو له حظاً وافياً وعمراً يكون ما بقي من الكدر صافياً فهو للمعالي ملء نواظرها وللأماني مطمح مناظرها وللدهر فيه عداة نجازها مضمون وآخرها كأولاها من شوائب الزمان مأمون وقد ذكرت له ما تستجليه بكراً وتصقل به روية وفكراً انتهى مقاله فيه وفي أبيه ومن شعره قوله وكتبها إلى الشيخ سعدي العمري الدمشقي وهي
أفاتن بالألحاظ أهل الهوى فتكاً ... فقد صال في العشاق صارمها فتكا
وكف سهام اللحظ عن مهجتي فقد ... هتكت حجاب الصبر عن صدرها هتكا
تركت بقلبي لاعجاً وسلبتني ... هجوعي فهلا تحسن السلب والتركا
هواك لقد أجرى دموعي صبابة ... وصدّك نيران الجفا في الحشا أذكى
رويدك يا من بالهوى قد أذابني ... وأنهك جسماني بتبريحه نهكا
ومذ همت لما شمت بارق ثغره ... لدرّ غدا الياقوت في نظمه سلكا
أسرّ الهوى خوف الوشاة ومقلتي ... بدرّ ثنايا الدمع تفضحه ضحكا
وفي هتك سرّ العاشقين شواهد ... ولكنّ فيض الدمع أكثرهم هتكا
وكان مجال الصبر متسع الحمى ... بحلبة صدري فانثنى ضيقاً ضنكا
وشاركني كل الأنام بحبه ... وتوحيده في القلب لا يقبل الشركا
وقد زان ورد الخدّ في روض حسنه ... بنقطة خال قد حكى عرفه المسكا(4/201)
من الترك يسطو في القلوب بلحظه ... فلا تسألوا عن حال من يعشق التركا
رأى غرب جفني سافكاً بمدامع ... تباري الحيا المدرار فاستوقف النسكا
تملك قلباً من تجنيه قد عفا ... فما ضرّه بالوصل لو عمر الملكا
ولما جلا لي وجهه بعد بعده ... وطور اصطباري عن محاسنه دكا
سبكت بنار العتب فضة خدّه ... فأذهب اكسير الحيا ذلك السبكا
فيا مالكاً لم أدّخر عنه مهجتي ... أجبني فدتك النفس لم سمتها الهلكا
وإني ألفت الذل فيك وطالما ... بعزة نفسي كنت أستصغر الملكا
متى تجل عني ظلمة الصدّ علها ... بصبح وصال تستنير به وشكا
هناك ترى قدحي من الحظ عالياً ... وسعدي في أفق العلى جاوز الفلكا
همام غدا في ذروة المجد ضارباً ... له خيم العلياء من رفع السمكا
ومدّ رواقاً للكمالات فوقه ... وصاغ لها من درّ أوصافه حبكا
تبوّأ من بحبوحة الفضل رتبة ... بغير سناها نير الفضل لن يركا
إذا رمت تلقى المجد شخصاً ممثلاً ... فشمه تراه لأمراء ولا شكا
تودّ الدراري عند بث صفاته ... تطاولها فخراً وتلزمه سدكا
متى خطبته المكرمات لنفسها ... وفي فض ختم المجد قد أحرز الصكا
فلم يحكه مذ شبّ في الفضل فاضل ... ولكنه عن حسن آدابه استحكى
وضوّع عرف الفضل منه بجلق ... فيا فضل ما أنمى ويا عرف ما أذكى
ونظم أشتات المعالي اصابة ... بعامل فكر قد أبى الطعنة السلكا
وأصبح في روض البديع مغرداً ... بأفنان أفنان تعز بأن تحكى
من العمريين الأولى شاع ذكرهم ... وقام مقام الفضل في الليلة الحلكا
فمن ذا يجاريه بفضل وسؤدد ... وآدابه تلك التي بهرت تلكا
فما الروض غب القطر حرّكه الصبا ... قدوداً زهت من قضب باناته فركا
وسوط المثاني والمثالث قد غدا ... برجع الصدا يستنطق العود والجنكا
وترجيع عتب من محب بدت له ... بروق الرضا ممن يعاتب فاستشكى
ودادك في قلبي لقد ضاع عرفه ... بمدحك لما جال في القلب واحتكا
فخذ بكر فكر غادة قد زففتها ... تجرّ حياء ذيل تقصيرها منكا
ودم وابق واسلم ما بكى من شجونه ... أخو لوعة في رسم دار أو استبكى
فأجابه بقوله
أتت والدر أرى الزهر تعترض الفلكا ... وطوق الثريا كاد أن يقطع السلكا(4/202)
وقد مدّ جيش الفجر بيض نصوله ... ليوسع أطراف الظلام به فتكا
وجنح الدجى قد ضم فضل سواده ... مخافة أن تغشى طلائعه وشكا
سوى ما توارى منه في مقل الظبا ... وفي طرر الأصداغ واللمم الحلكى
وقد تلت الأنوار آية محوه ... على مسمع الأزهار فابتدرت ضحكا
وغنت على الأغصان ورق حمائم ... غناء غريض حرّك العود والجنكا
فتاة حذار الناظرين تلفعت ... بمنسوج درّ أحكمت نسجه حبكا
يكاد إذا استعرضت باهر حسنها ... على مقل الأفكار أعجزها دركا
من العربيات التي من خبائها ... تعير حجاب الشمس إن برزت هتكا
ويكسو أثيث الليل فاحم شعرها ... إذا هي أبدت عن ذوائبها سدكا
وتبدو دنانير الحيا إن تصوّرت ... بصفحة خدّيها وقد بهرت سبكا
سوى أن صحن الخدّ مذرق ماؤه ... يد الحسن ألقت في قرارته مسكا
كحيلة أطراف الجفون لحاظها ... تصول بأمثال القواضب أو أنكى
سلوا إن جهلتم قدّها بانة اللوا ... وعن فعل عينيها سلو المهج الهلكى
فلا قلب إلا وهو فيها معلق ... ولا جسم إلا وهي تنهكه نهكا
أتتني وعندي من شواغل حبها ... فصول هوى أجرت سحاب البكا سفكا
فقمت لها والعين سكرى بمائها ... سروراً وقد أوجست من وصلها شكا
فقلت فدتك الروح هل من إباحة ... لكشف نقاب عن مقبلك الأذكى
فقالت إذا آنست من كوكب العلا ... بروق الرضى أحرزت من ختمه الملكا
أخي الشيم الغرّ اللواتي عيونها ... تروق كزهر الروض تفركه فركا
عذيق ثنيات العلا وجذليها ال ... محكك إن باراه قرن أو احتكا
صقيل حسام العزم أروع باسل ... إذا اعتركت خيل المنون بنا عركا
هززت قناة الفضل منه بماجد ... وأوسعت صدر المشكلات به شكا
بليغ إذا ما المادحون تناوبوا ... فسيح القوافي ينتحي المسلك الضنكا
متى اقتحمت آياته كل بارع ... تفك عقود القول أفهامه فكا
فكم قلدت سمعاً وكم أسكرت نهى ... وكم زينت طرساً وكم توجت صكا
فلله منه لوذعي تقاصرت ... سهام الأماني عن مبالغة دركا
وكنت أزكى النفس حتى رأيته ... فكبرت أجلاه وقد خاب من زكى
فأنى لأهل الفضل إنكار فضله ... وقد شحنت من درّ آدابه فلكا
فما الروضة الغناء باكرها الحيا ... ومدّ رواق الشحب من فوقها حبكا(4/203)
وكللها قطر الندى بفرائد ... تودّ العذارى لو نظمن لها سلكا
وجرّ الصبا ذيلاً على عذباتها ... وفكك أزهار الكمام وما انفكا
فأذرى دموع الطل وافترّ مبسم ... الأقاح فما ندري أأضحك أو أبكى
بأبدع من غرّا بدائعه التي ... تحار عيون الفكر في حسنها سبكا
فيا ابن الأولى يسمو لهم شرف العلا ... ويرفع من آثارهم فوقه سمكا
ومن شيدوا ربع التقى بفضائل ... أقامت بناء المجد من بعد ما دكا
ويا سابقاً في حلبة الشعر رحمة ... بأفكار قوم بالكلال غدت ربكى
فإن تصاريف القضا عبثت بهم ... وقد بتكتهم عن مطالبهم بتكا
وفيك على المعروف والصدق آية ... نفت عن صفا أخلاقك الزور والأفكا
وها أنا قد مرّغت وجه اساءتي ... بساحة أعذاري لنيل الرضى منكا
فجد وأعر طرف القبول ألوكة ... روت كل معنى راق من لفظها عنكا
ولا زلت مخطوباً لكل كريمة ... لها من غواشي المدح ما نافس المسكا
مدى الدهر ما بثت بذكرك أسطري ... عبير شذا كالعنبر الرطب أو أذكى
وللمترجم
زوّد الصب نظرة من لقائك ... واشف مضنى الهوى برشف لمائك
وأنقذ المغرم الذي شفه الوج ... د يوصل يذوده عن قلائك
إنما الليل من فروعك والصب ... ح غدا يستمدّ من لألائك
وكذا المسك ما تضوّع إلا ... حين وافته نفحة من شذائك
أنت في الحل من دم سفكته ... في مجال الغرام بيض ظبائك
يا فؤاداً أمسى جريحاً بسهمي ... لحظه ثغره شفاء لدائك
كف يا لحظه عن الفتك فينا ... إننا في السقام من نظرائك
وكذا يا قوامه الغصن من ذا ... أطلع البدر مشرقاً في ذرائك
ومنها
يا غزالاً إذا رنا سلب الأن ... فس رفقاً على حشا مضنائك
أترى ما نفى الكرى عن جفوني ... وشجاني من الهوى برضائك
أعذار بدا بخدّيك هذا ... أم لصيد الألباب أضحى شرائك
أم حروف الدلال قد خطها الحس ... ن على وجنتيك من املائك
أم على البدر هالة قد ترآءت ... لعيون الورى بأفق سمائك
أم مشى النمل فوق نور محيا ... حار فيه اللبيب من شعرائك(4/204)
بل غدا في البها سلاسل مسك ... فوق جمر تقودنا لهوائك
ويك يا قلب كم تعاني التصابي ... أو بلغت طائلاً بمنائك
فابتدئ وامتدح سليل المعالي ... إنني في الرشاد من نصحائك
كوكب الفضل أحمد ذو الأيادي ... من له في سما الفخار أرائك
يا امام الهدى إليك حثثنا ... طرف فكر مناخه بفنائك
يا رفيع الذر أو سامي الأراكي ... وعليّ المنار في عليائك
فبهذا الوجود والعلم الفر ... د وعين الكمال في فتوائك
فقت من قد تسربلوا برد المج ... د وثوب الفخار من آبائك
أنت كالشمس رفعة وبهاء ... وكبحر العباب في جدوائك
إنّ قسا وأكثما وإياسا ... مثلاً مضرباً غدا لذكائك
صمت شهراً بالبر قد خوّلتنا ... منن فيه من ندى نعمائك
وابق ما حنّ مغرم لمحب ... وتغني الحمام فوق الأرائك
تتمنى الغيد الحسان عقوداً ... نظمت باللآل من انشائك
بلغوا في العلا السماك ولكن ... دون ما نلت من علوّ ارتقائك
لك عزم حكى الحسام انتضاء ... وبايماضه حكى آرائك
سيدي جئت قاصراً حيث أمسى ... كل فضل وسؤدد من حلائك
وأتى العيد مؤذناً بالتهاني ... عائداً والسرور في احيائك
رافلاً في ثياب عز مقيم ... ونعيم مخلد ببقائك
وله قوله
بشذا عنبر خال ... ضاع في جمرة خدّك
وبما يقضي على الأن ... فس من صعدة قدّك
وبما يسطو به طر ... فك من مرهف حدّك
وبما يستلب الأل ... باب من ملعب بندك
وبما ضلت به الآ ... راء من فاحم جعدك
وبما يجنيه كف ال ... وهم من رمان نهدك
وبما أودع في في ... ك الشهي من درّ عقدك
لا تدعني والهوى يو ... ردني مورد صدّك
لا ولا تخلف لمجرو ... ح الهوى ميثاق عهدك
يا هلالاته من الحس ... ن ببرد دون بردك(4/205)
أنا ما أوليت ودّاً ... مع إني عبد ودّك
كم أناديك بما يش ... تق من أحرف حمدك
عد بوصل واشف مضنى ال ... قلب في انجاز وعدك
وقوله من قصيدة
هاج لي برق الحمى ذكر الحمى ... فاستهلّ الدمع من عيني دما
مرّبي وهنا فأذكى لاعجاً ... في فؤادي حرّه قد أضرما
وانثنى يروى أحاديث الصبا ... منجداً طوراً وطوراً متهما
آه من دمع لذكر المنحني ... كلما حركه الوجد همى
يا رعي الله عهوداً بالحمى ... نقض الدهر بها ما أبرما
وليال منحتنا صفوها ... فانتهبنا العمر فيها جلما
ومعان ضرب الحسن على ... عذبات البان منها خيما
ورعى دهراً بها قد مرّ لي ... في رباها بالأغاني مغنما
حيث غصن العيش فيها يانع ... وبجفن الدهر عن ذاك عمى
وسميري شادن لو لاح للبد ... ر اعتراه من محاق سقما
ظبي أنس صيغ من لطف ولو ... مرّ بالوهم تشكى الألما
نقله من قول سيف الدولة وهو
قد جرى من دمعه دمه ... فإلى كم أنت تظلمه
ردّ عنه الطرف منك فقد ... جرحته منه أسهمه
كيف يسطيع التجلد من ... خطرات الوهم تؤلمه
عودا
ساحر المقلة مهضوم الحشا ... سمهري القدّ معسول اللما
ما تثنى في ثنيات اللوى ... مائلاً إلا أرانا العلما
ألف الهجر فلو يخطر بي ... طيفه في سنة ما سلما
كتب الحسن على وجنته ... بفتيت المسك خطا أعجما
معشر اللوّام إن جزت اللوا ... فقفوا واستنطقوا تلك الدمى
ثم لوموا إن قدرتم بعدها ... عاشقاً فيها استلذ الألما
وقوله
عجباً للعذول كيف لحاني ... ورأى الشوق قائداً بعناني
وأتاني من عذله بفنون ... في هوى ذلك الغزال الجاني(4/206)
يا عذولاً على الصبابة فيه ... كف عذلي عن طرفه الوسنان
لا تلمني فقد علقت بظبي ... سرقت قدّه غصون البان
هو نشوان من عصارة خدّي ... هـ ولا من عصير بنت الدنان
يمزج الدل بالنفار ويفترّ ... دلالاً عن مثل حب الجمان
يالها سبحة تراءى لعيني ... درر سلكها من المرجان
قد حمى خدّه بآيات موسى ... فنمى السحر فيه في الأجفان
بدر تمّ في كل يوم تراه ... في ازدياد والبدر في النقصان
رشأ ما بطرفه من سقام ... ما بجسم المضني الكئيب العاني
وقوله أيضاً
من عذيري في هوى رشا ... طرفه بالسحر مكتحل
ينثني كالغصن من هيف ... بقوام زانه الميل
شادن يفترّ عن برد ... ناصع في ضمنه عسل
تاه عجباً في خمائله ... فهو من خمر الصبا ثمل
ذلتي فيه كعزته ... بكلانا يضرب المثل
ومن مقطعاته قوله
وكأنما جرم الكواكب قد بدت ... للناظرين على غدير الماء
شرر يبدّده النسيم بمدّه ... من فوق وجه ملأة زرقاء
وله أيضاً
لهفي لماضي عيش تقضي ... والعيش فيه حظ وريق
أيام في حينه التصابي ... نقل وراحي غصن وريق
وله أيضاً
كلما رمت سلوة عن هواه ... جاءناه من حسنه مقبول
خط لام العذار مع ألف القدّ ... يصدّ إنني فكيف السبيل
مثله قول الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
مقبل الوجه كلما صدّ وافى ... زائراً لي فيعقب النحس سعد
يفعل الذنب ثم أحنو عليه ... حيث يأتي بشافع لا يردّ
والأصل فيه قول بعضهم
وإذا المليح أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وللأمين المحبي ما يقرب من ذلك وهو قوله(4/207)
وأريد أن أبدي شكاية هجره ... فيسدّ منه بكأس موعده فمي
وللمترجم في معذر
قالوا تعذر فأقلع عنه قلت لهم ... كفوا الملام فقد حلى محاسنه
فالبدر ليس له نور يضاء به ... إلا إذا ما سواد الليل قارنه
أقول وبالمناسبة تذكرت معنى لطيفاً في العذار وهو قول الأمين المحبي من قصيدة له
ستراً لجمال خدوده بعوارض ... قتل النفوس بها وأحيا الأعينا
والشمس يمنعها اجتلاها أن ترى ... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا
ثم رأيت الأمين أخذه من قول الأرجاني
أيراد صونك بالتبرقع ضلة ... وأرى السفور لمثل حسنك أصونا
كالشمس يمنعك اجتلاؤك نورها ... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا
وكان المترجم بدمشق في أحد قدوماته إليها وكان ممن يصحبه ويرافقه الشيخ مصطفى العمري الدمشقي المقدم ذكره ففي أحد الأيام وقف في محلة القباقبية بالقرب من دار العمري المذكور هو وإياه فنظر إلى غلام هناك في حانوت يبيع التتن قده مائل وورد خدوده غير ذابل بحسن راق مجتلاه وفاق نور سنا محياه وله خال يجلس معه في الحانوت وأيضاً على خده خال كفتيت المسك صحيفة الياقوت فقال له المترجم هل تبيعني شيئاً من التتن فقال ولا بأس ووضع له شيئاً من ذلك وفت عليه سحيق مسك كان في ورقة وقال له الغلام هذا المسك من خالي وأراد به خاله الذي هو أخو والدته فعند ذلك طرب المترجم من هذه الموافقة والقضية وأنشد ناظماً هذين البيتين من فكرته السنية فجرت فيهما التورية اللطيفة وهما قوله
بحبة مسك قد حباني جؤذر ... وأشجى فؤاداً كان عن حبه خالي
وقال ألا لا نحسب المسك من دمي ... لكوني غزالاً إنما المسك من خالي
وله في وصف جواد سابق
وطرف لجيني الاهاب تخاله ... شهاباً إذا ما انقض في موقف الزحف
يسابق برق الأفق حتى إذا رنا ... يسابق في مضمار موقع الطرف
وللشيخ جمال الدين بن يوسف الصوفي في جواد
وأدهم اللون فاق البرق فانتظره ... فغابت الريح حتى غيبت أثره
فواضع رجله حيث انهت يده ... وواضع يده أنى رمى بصره
ولابن نباتة كذلك وهو قوله
لما ترفع عن ندّ يسابقه ... أضحى يسابق في ميدانه نظره(4/208)
وقال المعري في وصف الخيل
ولما لم يسابقهن شيء ... من الحيوان سابقن الظلالا
وقال أيضاً من أبيات وبالغ
تكاد سوابق حملته تغني ... عن الأقدار صوناً وابتذالا
وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي في سابح
وسابح أيان وجهته ... رأيته يا صاح طوع اليد
ومن معميات المترجم قوله في أحمد
قم يا نديمي نصطبح ساعة ... على غدير ماؤه كالنصار
فقد أزاح الظبي تاج الطلا ... ودارها صرفاً كما الجلنار
وقوله في مليك
أيا نسيماً قد سرى موهناً ... رفقاً بصب خلفوه لقا
فناظري مذ لاح برق الحمى ... غض وقلبي ذاب مذ أبرقا
وقوله في درويش
رب روض قد حللنا دوحه ... وتمتعنا اغتباقاً واصطباحا
طاف بالورد علينا شادن ... زاد بالقلب غراماً حين لاحا
وقوله في مسلم
مذ بدا يثني قواماً مائساً ... قلت والعين بماء تذرف
بلماك العذب يا غصن النقا ... جد على مضنى براه الأسف
وقوله في أغيد
بدر تمّ ينثني من ميد ... بقوام مائس يسبي العذارى
أقسمت ألحاظه النجل بان ... تخلع السقم على قلبي شعارا
وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف بقسطنطينية رحمه الله تعالى
مصطفى السفرجلاني
ابن محمد بن عمر بن إبراهيم المعروف بالسفرجلاني الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها آية الله في العلوم العقلية ونادرة الدوران وبهجة وجه الزمان كان من أعاظم الأفاضل عالماً مدققاً كثير الفضل جم الفضائل عجيب المطارحة صاحب نكت ولطائف له الراحة العليا في تحقيق العبارات مع الأدب والحذق والذكاء التام ولد بدمشق وبها نشا وقرأ على أشياخ عصره وبرع وتنبل وأشرق بدره المنير وبزغت شمس معارفه(4/209)
وعوارفه وكان مفرط الذكاء والفطنة له جسارة في التكلم والمصادرة مع مهارة في اللغة الفارسية والتركية وناهيك بالعربية غير أن علمه كان أكثر من ديانته والسوداء تمكنت منه لأجل ذلك تظهر في تكلماته ظواهر وخوافيه وارتحل إلى دار الخلافة في الروم قسطنطينية وتصدى للامتحان عند شيخ الاسلام إذ ذاك مفتي الدولة المولى السيد مصطفى ولازمه على قاعدة المدرسين والموالي الرومية وتنقل بالمدارس على طريقتهم ودرس في مدرسة والد المذكور شيخ الاسلام المولى السيد فيض الله الشهيد وأقرأ في جامع السلطان محمد وفي غيره ولزمه الطلاب واشتهر فضله بين أبناء الروم وأخبرت أنه كان يحضر درسه ويجتمع فيه ما ينوف عن المائتين من الرجال وعظم قدره لدى صدور الدولة وعلمائها وكانوا يبجلونه وله عندهم مزيد الرفعة لتحقيقه وتدقيقه وفضله الذي على مثله الخناصر تعقد وكان مع ذلك يذمهم ويتكلم في حقهم ولا يهاب كبيرهم ولا صغيرهم وعلمه ساتر منه كل عيب وتكرر عوده إلى دمشق في أثناء إقامته هناك وآخراً توفي في تلك الديار وحين توفي كان منفصلاً عن رتبة الالتمشلي المتعارفة بينهم وكان رحمه الله إذا تكلم أسكت وإذا حاور بكت لم يزل يبدي إلى منزع تعريض واستطالة في طويل وعريض وكان يأكل البرش ويبتلى به في سائر أوقاته ولما كانت العادة في دار السلطنة قسطنطينية في شهر رمضان يدخلون في كل يوم من المدرسين العلماء جملة أنفار لأجل الاقراء في حضرة السلطان للسرايا السلطانية كان المترجم من مشاهير أفاضل المدرسين فأدخل مع البقية فلما كانوا في حضرة السلطان مصطفى خان قرر المترجم وأبدى الافادة ثم تخلص من ذلك وشكا حال أخيه عبد الكريم السفرجلاني وكان في ذلك الوقت محبوساً في دار السلطنة غب قتل والي دمشق وأمير الحاج الوزير أسعد باشا المعظم ونسب في ذلك لبعض أشياء هو خال عنها وتكلم المترجم بالرجاء بإخراج أخيه واستخلاصه من هذه المادة ولم يصدعه في الحضرة السلطانية مرد ولا تخوف وكان له رسائل مفيدة في المنطق والفلسفة والكلام والحكمة وغير ذلك اطلعت على بعضها بخطه وله تحريرات وأشعار وشعره مقبول ونثره حسن ومن شعره ما مدح به المولى خليل الصديقي الدمشقي حين ولي قضاء دمشق وهو قوله
إذا بدت الخيام بدار سعدى ... ولاح البدر في أفق التمام
وشمت البرق يلمع من ثغور ... كغمز عيون سكان الخيام
وفاح عبير ساحتها فبلغ ... سلاماً من متيم مستهام
فإن سألت فعرّض بي إليها ... فإن غضبت فأعرض عن مرامي
وغالط إن فهمت فنون سحر ... لتصرف وهمها عن إتهام
هذا منتحل من قول الوأواء الدمشقي(4/210)
بالله بكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه
وعرّضا بي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
فإن تبسم قولا في ملاطفة ... ما ضرّ لو بوصال منك تسعفه
وإن بدا لكما في وجهه غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه
وقد أنشدني قاضي دمشق المولى العالم الفاضل الماهر السيد محمد طاهر الرومي في المعنى للملك الأشرف وهو من الدوبيت
باللطف إذا لقيت من أهواه ... ذكره بما لقيت من بلواه
إن أحرده الحديث غالطه به ... أو رق فقل عبدك لا تنساه
عودا لاتمام القصيدة المقدمة
وتلك فنون سحر بليغ مدح ... لأوحد عصره الفرد الهمام
به سعدت دمشق الشام لما ... تولى قاضياً شرع التهامي
له فصل الخطاب بسيف عدل ... له فضل له فصل الخصام
وحاز المجد بالجدّين فضلا ... هما أفقا الخلافة بانتظام
فمطلع شمسها الصدّيق جدّ ... لمغرب بدرها الحسن التمام
وحسن الابتد الصدّيق فيها ... كما الحسن التقي حسن الختام
سموم للعدا حسا ومعنى ... بنو الصدّيق والحسن الامام
لحوم السم في العلماء أضحت ... لآكلها القواتل كالسهام
فواعجبا وللأعداء حسن ... فكيف صلوا لكم نار اضطرام
كأنّ الله أعدمهم خيالاً ... فكانوا كالفراش لدى الضرام
ومن حسد وفرط الغيظ سكرى ... سقوا كأس المنية لا المدام
لقد نفذت حكم الشرع فينا ... وبينت الحلال من الحرام
كأنّ الله لم يخلقك إلا ... لعلم أو لحلم أو نظام
فإنك ماجد أصلاً وفرعاً ... من العلماء أبناء الكرام
وغيرك من سما لكن به قد ... سما يسمو سموّا فهو سامي
طريق قد حماه العلم ممن ... غدا وغدا لئيماً من طغام
سما وحماه من أولاد حام ... أمثل العلم من سام وحام
طريق عز مطلبه ولكن ... على غير الخواص من الأنام
سيبلغ غاية الإحسان فيه ... وما الإحسان إلا بالتمام(4/211)
وللمترجم أيضاً
تجنب أن قلاك أخا سفيهاً ... تجنبك العتيق من النعال
ومن ذكر له طهر لساناً ... وصورته امح من فكر الخيال
وله أيضاً
يا نعمة قد أصبحت نقمة ... مذ نالها الكلب على خسته
يظن إن الناس حساده ... من يحسد الكلب على نعمته
ومن نثره الفائق قوله ملغزاً وكتب به إلى بعض الأفاضل يا صور الكمال ويا غرر الجمال ويا طوالع الاقبال ويا أصحاب مقال أصفى من الزلال وأحلى من السلسال وأبهى من اللآل وأمضى من النصال وأسرى من الخيال ما قولكم فيما فيه يقال إن مشى فهو بشر وإن شئت قلت فهو بشار وإن طال فهي حية تسعى وإن قصر فهو عقرب تلسع وإن رضع بكى وإن فطم قعد عن البكا وله أحوال وأطوار منها إنه رفيع مقام من العيان الأعلام إن مد مدده فالبحر المحيط من رشحاته وأن أطال يده فالكوكب الدري من ملتقطاته ومن كان في خدمته وقام في رسم خدمته فاز بالقدح المعلي وحاز قصب السبق في مضمار العلي وله كلام درى النظام مطابق للمقام وهو
كن في المعالي إذا خيرت رفعتنا ... كالرمح يصعد أنبوباً فأنبوبا
وله غرة كوجه القمر وطلعة كعين اليقين وجبهة كواسطة العقد وبلغ فيما بلغ حتى بلغ غاية الكرم وأقصى الهمم ونهاية العظم وقصارى الشيم فمن قائل إنه أبو المسك كافور وأخوه سيف الدولة ومن مدعي إنه من بني العباس وأخوه السفاح ومن معتقد أنه ذو القرنين خاض الظلمات وشرب ماء الحيات وبنى السد الذي لو أبصرته لرأيت سداً من حديد سائر فوق الفرات مع إنه عبد رق ما رق يوماً لعتق
يسعى لخدمة مولى بذل طاعته ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم
ومن أحواله أنه بليغ انشاء إن مد أطناب الأطناب رد المسن إلى اقتبال الشباب وهو للصاحب صاحب وللعماد عماد وله الصابي صابي ولقد أصاب مع إنه مغري بضعف التأليف والتعقيد وممنو بسقطات ما عليها من مزيد إن سكت ألفاً نطق خلفاً وإن أعطى مقولاً حرم معقولاً فهو كصرير باب أو طنين ذباب ومن أحواله إنه صرفي يحول الأصل الواحد إلى أمثال مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها ويرى إن الأجوف الناقص غير معتل وإنه بصري إن أعرب فمضارع الماضي المشتمل على حرف جازم المجزوم بحذف آخره لديه ليس بفعل ومن أحواله أنه متكلم يسند المعتز لي أعماله خلقاً إلى الباري المصور ويضاهي قلب المؤمن لكنه كافر أن قيل إن هذه الآثار فانية مع بقاء المؤثر الفاعل(4/212)
شخوص وأشباح تمرّ وتنقضي ... الكل يفنى والمحرّك باقي
فعنده قول هذا القائل كلمة حق أريد بها باطل ومن أحواله إنه فارس ميدان يثير النقع في أرض بارق ويذكر مجر العوالي ومجرى السوابق إذا أبصرت عامله أبصرت عامله أو أفعاله فأفعى له أو أقواله فأقوى له أو أعماله فليس أهلاً أعمى له لكنه يقول
إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
ومن أحواله إنه خليع عذار خد مشى فيه الدجى فتحير وبالغ في لثم كافور الترائب حتى لاح فيه وفاح العنبر ونشر مسك الليل على كافور الصباح وستر وجوه هاتيك الملاح مع إنه خصى ألوط من دب وفي بياض النهار يدب يكمل بالنقصان ويغبر في وجوه الحسان ويخسف الأقمار ويولج الليل في النهار ومن أحواله إنه رفيق رقيق طبع يسير في روضة يطلب للضيق منها مخرجاً لترقرق مائها الصافي تحت ظلها الضافي كطرة صبح تحت أذيال الدجى يتكسر النهر فيها على صفحات الحدائق ونثر لازوردي البنفسج على لجين الماء الرائق وفيها يقول
لم لا أهيم إلى الرياض وحسنها ... وأقيم منها تحت ظل ضافي
والزهر يلقاني بثغر باسم ... والماء يلقاني بقلب صافي
مع إنه غريب قد أخذت منه الغربة بنصيب حتى غدا أخا جوع وليس بصائم وعرياناً وليس بمحرم بحال أرق من الشكوى وأوجى من النوى وليس له من كثرة الترداد ملل لقوله أنا الغريق فما خوفي من البلل وقد كان هجر العراق وله إلى الشرق اشتياق
هجر العراق تطرباً وتغرباً ... كيما يفوز من العلا بقرابه
والسمهرية ليس يشرف قدرها ... حتى يسافر لدنها عن غابه
وما ذاك إلا لتتلقاه الملوك بأيدي القبول وهذا غاية الفوز ونهاية الوصول فكتب إليه الجواب بقوله ن والقلم وما يسطرون ما هاروت ونفثه وبحثه عما يفرق به وحثه يلعب بالعقول من البيان وبيانه للعيان فإنه صعب المركب ممنع المفرد والمركب ودون افتراع بكره وصدق سن بكره تخيلات وعرة المسلك شامخة العرنين عن أن تسلك بل دون مناله خرط القتاد وتفتت أكباد وتقطع أكتاد إلا لمن ذلل الله له جوامح أزمته وأودعه سجية برمته وأوسعه ما يعجز ومنحه ما يطنب به ويوجز فتعلق شأوه بمناط الأثير بمحسنات البديع من النظيم والنثير وقد وجم عن ادراكه كثير من الفحول وجم عن منهج الفضل لا يحول ولله در من مد إليه باعه فاقتاده ونقد سوانحه بفكرته الوقادة واقتطف من باكورة الفصاحة نضيرها واهتصر من البلاغة غضيرها من إذا شبب أطرب وإذا(4/213)
أعرب أغرب وإذا تكلم أصمى الأغراض وأظهر بون ما بين الجواهر والأعراض وإذا أجاب حير وإذا استرسل على أي حال لم يتغير فهو نسيج وحده في حله وعقده فلقد شنف سمعي وقرط وأودع ما يروق وما فرط فأقبلت عليه بكلي لا ببعضي وتصديت إليه بابرامي ونقضي فيالك فاضلاً تقف الآراء عند تخيلاته وتتحير العقول بكنه استعمالاته وإليك ألقي بالمقاليد في طارف الكمال والتليد وأنا أقسم بمن أودعك ما أودعك ومنحك ما حلى به طرفك ومسمعك لأنت النابغة بل النادرة والنكتة التي للافهام متبادرة فأعيذ مرأى ذاتك وأحمى بديع صفاتك ما هذه القلائد المنتثرة والفوائد المنتشرة التي أتيت بها بالعجاب وأبرزتها للعيان من دون حجاب وأفرغتها في قالب الاختراع وافترعت بها هضاب البلاغة أي افتراع وضمنتها نكات هي عن سواك بمعزل وأنزلتها في القلوب أرفع منزل وأفحمت وأوجزت وأفعمت وأنجزت ورتجت المغفل وفتحت المقفل وتحاميت التعقيد والغرابة وتحاشيت التنافر واغرابه وجئتنا سائلاً وأوردت بحر الأدب سائلاً عن شيء يضع ويرفع ويضر وينفع ويجري على وفق الارادة من سعادة إلى شقاوة ومن شقاوة إلى سعادة فلا شك إنه اطلع على اللوح المحفوظ وعلم كل معنى ملفوظ وشارك باريه بالتصوير وأعانه على توقيع التدبير حجبه ظاهرة البرهان تراه كل حين هو في شأن فإذا التجئ إليه والتفت الأنامل عليه ابتدر بالحس لما في الخاطر مبيناً وأراك ما حصل في المخيلة يقيناً له صوت يسمع ولا يفهم كأنه أبكم ولسانه إذا جز تكلم وأتى بالكلام المحكم وأعرب وأعجم يجري مع كل عدو وحميم ويجاري كل كريم ولئيم وإذا وشى ترك العقول حيارى وترى الناس من أجله سكارى وما هم بسكارى إذا قام في مقام الافتخار وشق من ذلك الميدان الغبار قال وضح النهار
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبجدّي علوت لا بجدودي
وإذا انساب في مهمات الأمور أظهر ما تكنه النفوس وما تخفيه الصدور فيا طالما خاض الظلم وظلم وظلم وعجيب أن تعبه في الراحة منوط وأمره دائر بين المهمل والمنقوط يأخذ من كل من قصده باليمين إن كان يصدق أو يمين له تقلب الأحوال في الأدبار والأقبال مع إنه فارغ من الأشغال لا يقر في أطواره على حال كريم شحيح سقيم صحيح أشغل من ذات النحيين وأفضى من حجام ساباط دعى في النسب لا يعرف له أم ولا أب يستأثر بنقل الأخبار إذا نأت الديار من الديار ينكس الأعلام وله اليد الطولى في النقض والابرام أغاليطه كثيرة وسقطاته شهيرة لم يزل في نحيب ودمعه في صبيب حتى إذا بلغ الغرض جف وأعرض وقال بلغ السيل الربى والشوط الأنتها(4/214)
فنهجه قويم إلا أن مشيه غير مستقيم يخطر مثل السرطان إن شاء ألف بين الأنس والجان عارف بأنواع المدح والهجاء وبمواقع معارك الهيجاء علي المقدار حديد شبا المنقار يجمع بين الضدين بل بين الأمرين المختلفين تطيعه كل ملة ويفرق بين المعلول والعلة فأما الملة اليهودية فهو حبرها في تفصيل قضاياها والمرجع إليه في نسخ أحكامها ومزاياها وأما المسيحية فله فيها الباع الطويل وهو المعين على ما فيها من التغيير والتبديل وأما المحمدية فعنها يترجم وعلى مواردها يدل ويعلم ضئيل الجسم عالي النفس يروى حديث العشق عن أنس يحصى حسنات الأنام ومساويهم ويحتاج إلى عبيدهم ومواليهم تراه قيماً غير ذي عوج مستكناً غير ذي هوج يعلم الناس السحر ويظهر عجائبه في البر والبحر ليس له حاسة بصيرة ولا ذوقية ولا سمعية أوله مثل آخره وآخره مثل أوله تتهاداه الركبان من مكان إلى مكان يطأ النواعم وهو على رأسه قائم يحفظ من النسيان ويخبر عما يكون وكان إن قلم ظفره انشبه وإذا انتسب أو صل إلى أول الخلق نسبه يضرب أسداساً بأخماس وأخماساً بأسداس فيجعل الثلاثة مئيناً والمئين آلافاً بل يضاعفها إلى ما فوق ذلك أضعافاً اجرأ من ليث مع إن الشعرة لا تدعه يذهب إلى حيث خدم وخدم حتى صار أشهر من نار على علم يجمع بين المشرقين في خطوة وله في قيد كل شبر كبوة ومن العجب إنه ينطق بالضاد على بكمه ويمد المدود بفمه فإذا ذوى عوده وافت سعوده وإذا عب أتى بما أحب وإذا خاض للبحر لجه أقام أقوى دليل وأقوم حجه فيجعل الحديث الضعيف مسلسلاً والمطلق مقيداً والعجز صدراً والكامل شطراً والمفهوم محسوساً والرئيس مرؤساً وله أطوار منها اللبيب يحار منها ما عنه اشتهر في البدو والحضر أنه يدع الصافي ويكرع الكدر ومنها إن له النهى والأمر مع أنه لم يزل في قبضة الأسر والقهر ومنها إنه كسيح إلا أنه يسعى سعي الصحيح ومنها إنه شديد البطش آثاره في الأرض ولدى العرش على أنه شخن لفلسفة لا يحتمل على رأسه دقة
ورب امرئ تزدريه العيون ... ويأتيك بالأمر من فصه
ومنها إنه رفيع المقام إلا أنه مبتذل بين الخاص والعام ومنها إنه مؤنث مذكر إذا المرء في حاله تفكر ومنها إنه يريض نفسه في مرضاة الكبير والصغير وتحامى مسه البشير النذير ومنها إنه زاهد في ذوات الذوائب راغب في الفحول الأجانب ومنها إنه إذا شق العصا أطاع ربه وما عصى قروي الربع مدني الطبع يألف مجاني الربا في ابان شبابه حتى يرى أكلها متشابهاً وغير متشابه فإذا غنى العندليب وصفق النهر يرقص في الحلل النضرة لدى الزهر فهو في كل معنى يهيم ولا شك إنه من أصحاب الرقيم أخذ(4/215)
النقشبندية عن الأساتذة وأتقن أحكام الأحكام عن الجهابذة فإذا تخيل الرسوم بكى ولا يجديه كثرة البكا حركته قسرية أما مسلسلة وأما دورية كشاف الحقائق منقح الدقائق يضرب يميناً وشمالاً فيحرم حراماً ويحل حلالاً حتى إذا بلغ نهاية خط الأستوا قال فألقت عصاها واستقر بها النوى فهو قائم على كل نفس بما كسبت إن سكنت أو اضطربت يختبط الظلماء حتى إذا نقع الظما اضطر إلى الماء فإذا نسبوه لمذهب الأشعري وجم وصد عن التحديث وألجم ثم اعتزى إلى المشائين وطوراً إلى الرياضيين وأخرى للصوريين يثبت المنزلة بين المنزلتين ويقول بالرؤيا بالعين وهو للتناسخ سبب ولا عجب ويقر بالتجسيم ويذهب إلى زخرف الحكيم ويقول العالم قديم مع إنه ينطق بحدوث الصفات وإعادة الرسوم الدراسات وينتسب إلى النظامية إذ يقولون إن الأعراض جسوم وهو يعتقد إنها أشياء في حالها تقوم فآثاره في الطور وعليها الفلك يدور له خادمان لا يخلو منهما انسان جامد واجب الاشتقاق صعب مر المذاق خبير بطي الدفاتر على رأسه تدور الدوائر يحل الرموز ويستخرج ما في الكنوز وهو ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويشار إليه بالبنان في تواضعه إذا نقص اكتمل وإذا جير عليه اعتدل وإذا تكلم جمع بين الأروى والنعام أو سكت احترم المشعر الحرام ماهر بالتحرير جدلي بالتقرير لم يزل الحديد قائماً على رأسه حتى يقده إلى أضراسه فينشط من عقده وقد أثر الحديد في جسده يطرف في المنادمة ويبيح بالمنى دمه رشحاتها تتلقاها الصدور وتقيدها في رق منشور يتصفح من الأوراق بطونها ويملي عن قلبه شروحها ومتونها ومعربها وملحونها فإذا اخترع أبدع وإن هز عامله رصع ووشع وإذا أخذ في التحديث فمن البحر اغترافه وحازت قصب السبق أوصافه فهو طبيب مغرم بالتركيب إلا أنه تارة يخطي وطوراً يصيب فإذا رفعته الأيدي حملته ما لا يطيق وإن وضعته زجته في مسالك الضيق كله سواء في الخلقة مفرد الرقة تتفجر من قلبه ينابيع الحكمة فيعرف من أراده حده ورسمه إن شاء أسهب وأطنب وإن شاء اقتصر واختصر يمشي على استحياء ميت بين الأحياء فإذا أنشأ أحكم الانشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فعلم الحرف يؤخذ منه والتصرف فيه يروى عنه وعلم الكاف ألقى إليه بالمقاليد وصيره من جملة العبيد فإذا بالسواد تعمم وأخذ يتكلم نسج حبراً وجرى في كل فن بما جرى ورد المشيب شباباً وخلد المحاسن أحقاباً وجاد بكف سائل لا تنقطع منه الرسائل
فلو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله
وله في كل مقام مقال وفي كل مقال مقام لم يدع فكرة إلا نقدها أو انتقدها(4/216)
أو اعتقدها وربما طلب منه المراد فعثر ويقل ذلك منه بل يكثر يزين الصفحات الغرر كما تزين الجباه بالطرر والعيون بالحور والخدود بالعذار الأخضر وله عين صادية وريقة مسكية وذابل عامل وعامل ذابل تلقاه إن بان عذاره بدت أعذاره يحجل بالأدهم فيريك انسلال الأرقم فإذا استقبل مهب الهوى أقلع عما إليه هوى وإذا ضرب على قرنه ومات أحيا العظام الرفات يتولى تقاليد الملوك مع إنه فقير صعلوك ويطبع الأشكال على منوال وغير منوال لم يزل من تكليم موسى على وجل ومن القاء الواحد في خجل وله المنشآت المشحونة بالبدائع التي ذكرها شائع ذائع فلو أقسم أنه من القرآن لما حنث في الايمان فإذا اشتد القر وتجهم وجه العبد والحر وأنشد
أصبح البرد شديداً فاعلمي ... بات زيد ساهراً لم ينم
يحامي عن اللمس أو أن يشار إليه بالأنامل الخمس مع سلبه الاختيار ما دام الفلك الدوار فطالما قال وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى أما واسطار سطرن سطراً أنف في الماء واست في السماء إذا تذكرته أقبل عليك وقبل بالخضوع راحتيك وإذا أغضيت عنه قلاك ونسى ما هناك وادعى العجز عن النهوض عن القيام بالسنن والفروض يقبل الرشوى وليس هو من أمة الدعوى إذا سرى دب دبيب الكرى ربته الأيدي حتى مهر وأتى بما به فأصمت به مواقع أغراضها وذبت بشباته عن أعراضها فإذا ارتفع انتصب وإذا انتصب ارتفع وإذا طال وصف القلم والله بذلك أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وللمترجم في الهجو
يا ابن الذي في قعره علل ... وأمه للأنام تفتعل
وفيك حقاً ليضرب المثل ... أبوك ثوم وأمك البصل
وكان أحد بحار دمشق ويعرف بابن شحاده وعد المترجم بشيء من العود ثم ماطله به فأرسل للمترجم بعض أصحابه شيئاً من العود وكان اسم المرسل سعيداً فنظم هذين البيتين مبكتاً على ابن شحاده وهما قوله
وعود قد وعدنا فيه ممن ... يخالف وعده والخلف عاده
فعوّضنا بعود من سعيد ... غنينا فيه عن عود الشحاده
وله غير ذلك أشياء كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية في صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف وأكبر أولاده محمد جاد الله كان بدمشق أحد المدرسين بها وكان ذا عفة وحياء وسكون وخصاله التي كان منطوياً عليها لم تكن في أبيه وتوفي بدمشق في سنة احدى وتسعين ومائة وألف ومن الاتفاق إن والده ولد بدمشق وتوفي بقسطنطينية وهو ولد بقسطنطينية وتوفي(4/217)
بدمشق رحمهما الله تعالى.
مصطفى بن سوار
ابن مصطفى المعروف بابن سوار الشافعي الدمشقي شيخ المحيا النبوي بدمشق الشيخ الامام العالم الفقيه القدوة المعتقد الصالح الناجح تقدم ذكر ولده سليمان وقريبه أحمد وكان المترجم أحد العلماء الأخيار ولد في سنة اثنتين وسبعين وألف وقرأ العلم على جماعة من الشيوخ منهم السيد حسن المنير والشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عبد الكريم الغزي الدمشقي أخذ عنه الفقه ولازم دروسه بالمدرسة الشامية البرانية وبرع في الفقه والعلوم وكان ملازماً على خدمة المحيا كعادة أسلافه ليلة الأثنين وليلة الجمعة بمشهد الجامع الأموي وليلة الجمعة بجامع البزوري وولي تدريس مدرسة الوزير إسمعيل باشا العظم التي أنشأها بسوق الخياطين بالقرب من المحكمة وكان ديناً صيناً خيراً وللناس فيه محبة عظيمة واعتقاد وافر لما كان منطوياً عليه من خصال الخير وكف اللسان عن اللغو والغيبة ومحبة الفقراء وسعة الصدر والايثار والزهد وكرم الأخلاق ولطف الشمائل وسلامة الطاعات من الرياء ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن توفي وكانت وفاته في شوال سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه قبر عاتكة رحمه الله تعالى.
مصطفى العلمي
ابن محمد بن أحمد المعروف بالعلمي والصلاحي الحنفي القدسي خطيب المسجد الأقصى وامام الصخرة المشرفة بالقدس الشيخ الفاضل الفقيه كان جميل الصورة حسن الصوت قرأ القرآن وقرأ الفقه على والده وعلى الشيخ محمد السروري والشيخ محمد المغربي في عدة متون وسافر المترجم بإذن والده إلى مصر ومكث هو وأخوه بالأزهر وأخذ الفقه وغيره على المشايخ ولازم دروس الأجلاء الفحول ولما جاءه خبر والده بموته جاء هو وأخوه إلى القدس ودرس بها في الأقصى واستقام إلى أن مات ولما كان بمصر استقام سنوات وكان يحضر دروس الاسقاطي الشيخ مصطفى وهو يؤثره على سائر تلامذته ثم اصطحب مع الشيخ أحمد السفط أحد تلامذة المذكور واختص به وتزوج بأخته وكانت وفاته بالقدس في سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بمقبرة مأمن الله عن يمين البركة هناك وكان أخوه توفي قبله بمدة سنين قليلة رحمهما الله تعالى.
مصطفى الموستاري
ابن يوسف بن مراد الحنفي الموستاري الرومي الشيخ العالم الفاضل النحرير له من التآليف(4/218)
حاشية على المرآة في الأصول لمنلا خسر وتوفي سنة عشرة ومائة وألف رحمهما الله تعالى.
مصطفى أريب
ابن علي بن محمد المتخلص بأريب الحنفي الحلبي الأصل الاسلامبولي المولد الرومي أحد الموالي الرومية أرباب المعارف السنية والده من حلب وارتحل للروم وأقام بدار الخلافة وكان من أقارب قاضي عسكر يحيى أفندي بن صالح الحلبي رئيس الأطباء في دولة السلطان محمد خان وسلك طريق القضاة وولد له المترجم سنة تسعين وألف ولازم على قاعدتهم بالتدريس من شيخ الاسلام السيد علي أفندي البشمقجي وتنقل بالمدارس إلى السليمانية فمنها أعطى قضاء الغلطة أحد البلاد الثمانية وبعدها أعطى قضاء دمشق أحد البلاد الأربعة فوليها سنة ست وخمسين ومائة وألف وكانت سيرته حسنة وفي أيامه توفي كافل دمشق الوزير سليمن باشا العظمى وكان أديباً عالماً جسوراً مقداماً في الأمور ثم ولي قضاء المدينة المنورة سنة احدى وستين وتوفي قاضياً بها في محرم سنة اثنتين وستين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
مصطفى الشرواني
ابن يوسف بن إبراهيم الزهري الشرواني المدني الحنفي الفاضل الكامل العالم البارع الأوحد المفنن ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم وقرأ على والده الجمال يوسف وعلى عمه علي أفندي وتعلم عليه اللسان الفارسي وأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي الحديث وغيره وأخذ عن غيرهما ونبل وفضل وصارت له مشاركة في العلوم ودرس في المسجد النبوي وتولى مدرسة محمد أغا القزلار شيخ الحرم ودرس بها وانتفعت به الأفاضل وتولى نيابة القضاء وسلك بها أحسن مسلك وتولى مشيخة الخطباء والأئمة بالحرم الشريف النبوي وكان محمود السيرة سالم السريرة ميمون الحركات والسكنات ثم إنه أراد التوجه للروم من الطريق المصري فتوفي بمصر في سنة أربع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
مصطفى كيلاني
ابن يوسف بن عبد اللطيف بن حسين بن مسلم مير ابن فتح الله بن محمد الخوجكي الكيلاني الشافعي الخلوتي الحلبي الشيخ المعمر الخير المسلك الصالح ولد في حلب في حدود سنة خمس وأربعين وألف ورحل مع والده صغير السن إلى دمشق وقدم إليها وأخذ طريق الخلوتية عن الأستاذ الكبير الشيخ أيوب الخلوتي الدمشقي ثم توجه إلى بيت المقدس والحج وجاور(4/219)
بمكة وعاد لمصر واستقام في هذه السياحة مع والده تسع سنين ولقى الأفاضل والعارفين وأخذ عنهم وشملته بركاتهم كالأستاذ الشيخ محمد بن محمد البخشي الحلبي وغيره ثم قدم حلب واجتمع بالولي المشهور الشيخ أبي بكر الخريزاتي صاحب المزار المشهور بمحلة ساحة بزة وقريباً من عرصة الفراني وقرأ القرآن على العارف الشيخ إسمعيل دره وقرأ بعض المقدمات الفقهية والعربية على أفاضل بلدته واستقام في زاويتهم المعروفة بزاوية النسيمي للارشاد وتلاوة الأوراد والاشتغال بالخلوة والتسليك ورحل إلى الروم وبغداد وإيران والهند وزار سيدنا آدم عليه السلام وله سياحة طويلة عجيبة ذكرها في بهجته وتزوج باثنتين وعشرين زوجة ببلدته وسياحته ورزق عدة بنين ماتوا في حياته ما عدا ذكرين وبنتاً واحدة أحد الولدين السيد محمد أبو الوفا توفي بعده والده بعشر سنين والثاني خليفته الكامل الشيخ السيد محمد أبو الصفا خلفه ليلة وفاته وكانت وفاة المترجم محموماً في يوم الخميس السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف عن مائة وثمان سنين ولم ينقطع عن الزاوية المذكورة إلا ليلة وفاته رحمه الله تعالى آمين.
مصطفى المعروف بنعيما الحنفي الحلبي
نزيل قسطنطينية وأحد خواجكان ديوان السلطان الأديب العارف المنشئ الكاتب المؤرخ الشاعر الشهير ارتحل لدار الخلافة والملك في الروم قسطنطينية العظمى وصار من تربدارية سراية السلطان ثم بعد ذلك انتسب إلى الوزير أحمد باشا القلائلي وخدمه وصار عنده كاتب ديوانه وفي سنة عشرة ومائة وألف في جمادي الأولى تولى الوزير المذكور الصدارة الكبرى فوجه على المترجم محاسبة أناطولي وفي سنة إحدى وعشرين صار تشريفتحي الدولة العثمانية ورؤي لائقاً للخدمة المرقومة وصار كاتباً لوقائع الدول المعبر عنه بينهم بوقعه نويس وفي سنة خمس وعشرين في رجبها صار دفتر أميني الدولة وهذا المنصب من المناصب المعلومة بين خواجه كان الدولة وفي سنة ست وعشرين أعطى منصب باش محاسبه ثم في ربيع الأول سنة سبع وعشرين لما ذهبت العساكر الاسلامية من طرف الدولة العثمانية بعد الفتح والظفر في أواخرها صار المترجم عند رئيس العسكر دفتر أميني أيضاً ومن آثاره تبييض تاريخ ابن شارح المنار وذيل عليه أيضاً بمقدار وهو الآن مشهور بتاريخ نعيما وكان له بالتركية شعر جيد يعرفه أولوا الفهم بذلك اللسان ولم أر له في العربية شيئاً وكانت وفاته خلال سنة ثمان وعشرين ومائة وألف في قلعة باليه بادره رحمه الله تعالى رحمة واسعة ورحم من مات من المسلمين أجمعين آمين.(4/220)
مصطفى الشيباني
الصالحي الدمشقي أحد المجاذيب الغارقين في التجليات الالهية ومسطع لوامع البركات الربانية وترجمه الأستاذ الصديقي وقال التغالبة فخذ من بني شيبة والسعدية فمن بني شيبة سدنة باب الكعبة وقد انقسموا إلى سبعة أفخاذ ولكل من بني تغلب والسعدية كرامات للسلف بقية للخلف فبنى تغلب لهم الدوسة وهي المشي بالدواب على ظهور الناس من غير ارتياب أخبرني الشيخ تقي الدين طلب بعض الولاة رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولجده الكبير الشيباني أقول ومراده المترجم قال الصديقي وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له لا تخف ولقد عاينت ذلك منه لما امتحنه سليمن باشا والي الشام وكنت في جملة المتفرجين على هذا الاكرام وانفتاح الأقفال له لما أغلقوا في وجهه الباب وحصل للناس وصحبته الشيخ عبد الرحمن الجقمقي وامتدوا على وجوههما ومشيا في تلك البقعة وقال الشيخ مصطفى هذا الامتحان لي ورجع ولبنى سعد الدين ذلك ولهم رد الالوق ودر الحليب المعوق حتى إن المرأة التي انقطع حليبها أو قل متى أمر أحدهم يده فوق الثياب على صدرها يعود الحليب بانسكاب وكان الشيخ عبد القادر التغلبي يقصد لاشتهاره بهذا الأمر المعلوم ولما أتيت من البيت المقدس في الخطرة الأولى جاءني الشيخ مصطفى مسلماً علي مع بعض خلان وكان الشيخ أحمد بن كسبة الحلبي فتح بابه للوراد بعد إغلاقه فسرت لزيارته وصحبت الشيخ مصطفى لأعدمن ارفاقه وقد ترجمت المذكور في السيوف الحداد في أعناق أهل الزندق والالحاد وأخبرني الشيخ مصطفى بن عمر أن الشيخ أحمد أخبره قال جاءني ابن تغلب مع جماعة وبقي بعد ذهابهم وهكذا كان فقال لي كلمة أنا مطروب بها إلى الآن وهي قوله بعدما كشف لي عن بطنه انظر إلى بطني فرأيت بطنه كبيراً يشير إلى الاتساع وعدم القلق وتحمل الخلق قال وقلت له الناس يقولون عنك أنك شعال في مكة لما يرون على ثيابك من الأدهان وما علموا أنك شعال قناديل عرش الرحمن والذي تأخذه من أوساخهم الدنيوية تضعه في تلك القناديل العرشية لترقى هممهم إلى هاتيك المراتب السنية وهم يظنون أنك تأخذها على غير هذه الكيفية وما معنى هذا الكلام قال فدمعت عيناه وطلب مني وأنا جالس عند مرقد سيدي يحيى الحصور عليه السلام مصرية فقلت له إن الناس يزعمون أنك تكاشف وإذا كنت كذلك فلم تطلب منير مصرية وأنت تعلم مني أني غير حامل لها فذهب ولم يعاودني وكان يراني أحياناً على البعد فينادي سيد سيد فأقف له فلما يحققني يقول روح ما هو أنت ويتركني وكنت نذرت لأصحاب النوبة سبع مصريات ونسيتها فوقف علي وطلب مني مصرية وكان في ذلك(4/221)
الوقت عندي فدفعتها له وطلب أخرى فدفعتها له فلما أخذ السبعة انصرف ولم أفق إلا بعد ذهابه إنه أخذ النذر وأخبرني بعض الناس عنه أنه اجتمع به في بستان قال فرأيت الزرع منه ما هو مترعرع حسن ومنه ما هو غير ذلك فصرت أقول هذا أحسن من هذا فقال كله مليح لأنه فعله فأيقظني ونبهني وكان حلو الكلام وهكذا المجاذيب الكرام ولهذا الشيخ مصطفى كرامات مثبتة عند عامة أهل الشام وخاصتم رضي الله عنه انتهى ما قاله الصديقي ملخصاً وكانت وفاة المترجم يوم الخميس عاشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق وقبره معروف رحمه الله تعالى وحضر جنازته خلق كثيرون وما دفن إلا قبل الغروب للازدحام انتهى
موسى المحاسني
ابن أسعد بن يحيى بن أبي الصفا بن أحمد المعروف كأسلافه بالمحاسني الحنفي الدمشقي أحد الشيوخ الأعلام الذين ازدهت بهم دمشق الشام كان عالماً محققاً غواصاً متضلعاً فاضلاً علامة فقيهاً له في العلوم والفنون اطلاع تام سيما الفقه والمعاني والبيان والأدب إماماً هماماً مورداً سنداً عارفاً بارعاً أديباً على قدم محمدي في الصلاح ملازماً للتقوى والاقراء والافادة ولد بدمشق وبها نشأ واشتغل بالقراءة والأخذ عن الشيوخ فقرأ على الشيخ أبي المواهب الحنبلي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والشيخ محمد الكاملي وعلى والده العالم الصالح الشيخ علي الكاملي وعلى والده الشيخ أسعد المحاسني والشيخ الياس الكردي وغير هؤلاء من أقرانهم ومهر بالعلوم وأحرز منطوقها والمفهوم وتصدى للاقراء والدروس ولازمته الطلبة واشتهر فضله ونبله وكان يقرأ في الجامع الأموي صبيحة غالب الجمعة بالقرب من الحصور عليه السلام حذاء المقصورة ويوم السبت يقرئ في المدرسة الفتحية في البخارى ويوم الاثنين في العمرية بالصالحية وكان في عنفوان شبابه ذهب للديار الرومية إلى قسطنطينية فلم يبلغ أمانيه بل شتمه بعض الجهال فأداه ذلك إلى اختلال عقله وحجاه وعاد إلى وطنه في هذه الحالة ثم ظهرت فيه بعد صدور ذلك لكنه في لسانه وكان شيخه الشيخ الياس نهاه عن الذهاب وقال له المقصود يحصل في هذه الدار وكان مع ذلك عجيب التقرير لم ير نظيره في الانتقالات عند الدرس إلى علوم شتى وقد كان بذلك فريد عصره وأقرانه وأعطى رتبة الخارج المتعارفة بين الموالي ونظم متن التنوير في الفقه ثم شرحه ونظم أيضاً متن التلخيص في المعاني ثم شرحه وكلا الكتابين مفيدان وبعد أن قدم من الروم حصلت له معيشة جزئية وكان إذا جلس لديه غلام لا ينظر إليه ولا يقريه زهداً منه وكان يقرأ بين(4/222)
العشاءين الجامع الصغير وكان ينظم الشعر فمن ذلك ما قاله مجيباً الشيخ سعدي العمري عن أبيات أرسلها إليه بقوله
حلت محل سواد العين والحور ... هيفاء تلعب بالألباب والفكر
ذات الوشاح التي أضحت فرائده ... ما قد حوى ثغرها من خالص الدرر
وغازلتنا فعدنا من لطائفها ... نجني معارف حاكت يانع الثمر
في روض أنس وثغر الزهر مبتسم ... وقد أمنا به من مظهر الغير
والريح تعبث بالأغصان مذ صدحت ... ورق الرياض بنشر طيب عطر
تحكي لطافة مولانا وسيدنا ... من فاق أهل العلا بالمنظر النضر
خليلنا الفاضل النحرير من لمعت ... أنوار فكرته في مبدا النظر
فتى القريض قوافيه إليه أتت ... تجرّ أذيالها بالتيه والخفر
وتطلب العفو من مولى عوائده ... جلت عن العدّ والاحصا بمنحصر
منها
إن خط الطرس خلت الدرّ قد نظمت ... أفراده وغدا بالوشى كالحبر
وفي الأصول هو النجم الذي هديت ... به الأفاضل في بدو وفي حضر
والعذر انّ هموماً طاردت فكري ... فأطول الليل عندي غاية القصر
ودم بأوفر عيش كلما صدحت ... حمامة في ظلال الدوح ذي الزهر
وقد انتقد على المترجم في شعره فأجاب الشيخ سعدي المذكور ومرتجلاً بقوله
وذي حسد قد عاب شعرك قائلاً ... به ركة حاشاه من طعن طاعن
فقلت له دع ما ادعيت فإنما ... لحظت من الأبيات بيت المحاسن
وفي المعنى أنشد ممتدحاً بني محاسن الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي مفتي الشافعية بدمشق بقوله
إذا افتخر الأنام بأرض شام ... وعدّوا دورها في المساكن
أقول مفاخراً قولاً بديعاً ... محاسن شامنا بيت المحاسن
قلت وخرج منهم علماء ورؤساء وخطباء وجدهم من جهة الأمهات عالم وقته الشيخ حسن بن محمد البوريني الدمشقي المتوفي في ثالث عشر جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وألف وكان عالماً متضلعاً متطلعاً فرد وقته في الفنون كلها وألف التآليف البديعة كحاشية البيضاوي والحاشية على كتاب المطول وشرح ديوان ابن الفارض وغير ذلك ولصاحب الترجمة مخمساً بيتي الإمام السنوسي بقوله
لا تشك نازلة وقدّر ما جرى ... فنعيم دارك مشبه طيف الكرى(4/223)
كم من ملوك تحت أطباق الثرى ... كم جاهل يملك داراً وقرى
وعالم يسكن بيتاً بالكرى
كشف الهموم عن الفؤاد دورانه ... آيات صدق أوضحت برهانه
ببلاغة كالدرّ زان حسانه ... لما قرأنا قوله سبحانه
نحن قسمنا بينهم زال المرا
وله تخميس بيتي الوزير لسان الدين بن الخطيب بقوله
يا زائراً من فاق كل العالم ... وسما إلى أوج العلا بمكارم
نادى الرسول بدر قول الناظم ... يا مصطفى من قبل نشأة آدم
والكون لم تفتح له أغلاق
بشفاعة عظمى حباك تكرّما ... وغدوت ختم المرسلين مقدّما
ولقد أتى بالذكر مدحك محكماً ... أيروم مخلوق ثناءك بعدما
أثنى على أخلاقك الخلاق
وله راثياً الشيخ إسمعيل العجلوني بقصيدة مطلعها
ليس يغترّ بالزمان خليل ... فالأماني شموسهن أفول
ونفوس الأنام في غمرات ... والمنايا كؤسها تنقيل
إن كست أنكست وإن هي يوما ... ان حلت انحلت كفاك القيل
والمرائي أعراضها ليس تبقى ... بزمانين عن قليل تزول
كم امام قد غرّ بالعيش فيها ... والمنايا بساحتيه نزول
كل نفس تذوق كأس ممات ... ليس تفدى ولا يراد بديل
منها
فاعتبر أيها اللبيب بقوم ... قد قضوا نحبهم بهم تمثيل
كالإمام الهمام مفرد عصر ... لعلوم شتى كذاك الأصول
عالم عامل تقيّ نقيّ ... ومبراً عما يقول الجهول
سيبويه الزمان نحواً وصرفاً ... وبياناً كالسعد حين يقول
أشرقت شمسه بأنواع لطف ... فاستنارت منازل وطاول
كوثر العلم شرحه للبخاري ... وعليه للطالب التعويل
وله غيره مآثر شتى ... وعليها من فيض علم قبول
ومنها
فهنياً لمن ثوى بضريح ... فيه روح وفيه ظل ظليل(4/224)
قدّس الله روحه وحباه ... في جنان الفردوس طاب المقيل
وكساه فيه ملابس خضر ... وبهذا الفخار جرّت ذيول
وكان المترجم وقع بينه وبين الشيخ إبراهيم السعدي الشاعوري متولي الجامع الأموي مشاجرة من جهة وظيفة تولية المدرسة اليحياوية لدى قاضي القضاة بدمشق المولى على خطيب زاده أدت تلك الخصومة إلى الابتلاء بداء الفالج فاستقام المترجم في ذلك مدة شهرين وتوفي وكانت وفاته في محرم يوم السبت سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى
موسى الخاشقجي
الحنفي المعروف بالخاشقجي التركماني الميداني الدمشقي الخلوتي كان فاضلاً ناسكاً شيخاً مداوماً على قيام الليل وصيام نهار الخميس والاثنين وله أوراد مواظب عليها أخذ الفقه والحديث وطرفاً من النحو عن الشيخ يونس التركماني الخلوتي الحنفي وصحب الأستاذ السيد محمد العباسي الصالحي الخلوتي وتعبد وأم بمسجد هناك قبلي الحقلة وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة التركمان رحمه الله تعالى
حرف النون
ناصر الدين الشافعي
الدمشقي الشيخ الصالح المتنسك الفقيه كان حافظاً لكتاب الله تعالى أخذ الفقه وقرأه على حسن بن محمد المنير وقرأ طرفاً من النحو على حمزة بن يوسف الدومي الحنبلي وغيرهما وصار إماماً في جامع التوبة الكائن في محلة العقيبة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته أواخر شوال سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
نعمان البشمقجي
ابن عبد الله بن علي بن محمد بن حسين المعروف كأسلافه بابن البشمقجي الحنفي القسطنطيني السيد الشريف أحد صدور الموالي والراقين للمراتب السامية والمعالي الهمام الأجل المعظم المحتشم الحسيب النسيب الكامل الفطن تقدم ذكر والده مفتي الدولة العثمانية وشيخ الإسلام وجده المفتي وولد المترجم سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ونبغ من تلك الدوحة الوارفة الظلال من المجد والشرف ونشأ في بحبوبة ذلك السودد وقرأ في مبادي أمره ولازم على عادتهم ودخل طريق التدريس ولم يزل يترقى في المراتب على المعتاد حتى(4/225)