الجزء الأول
كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر تأليف الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي المفتي بدمشق الشام تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصبحه وعزته آمين.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم(/)
يا من خلق الخلائق وابدع الطرائق وأظهر هذا العالم وجمل هذا الوجود بإيجاد بني آدم أحمدك اللهم وأنت أهل للمحامد على أفضالك المتوالي الترائد وأشكرك أن خلقت الأوصاف العالية والمناقب الغالية ونسبتها لمن اخترته من عبيدك وأوليته من آلائك ومزيدك فضلاً منك وكرماً يقصر عن وصفهما السن الجهابذة العلماء وأصلي وأسلم على نبيك الأعظم ورسولك الأفخر الأفخم سيد العالمين والمرسل إلى كافة الناس أجمعين المنزل عليه في الكتاب المبين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما تثبت به فؤادك وجاءك في هذا الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وكان صلى الله عليه وسلم وزاده فضلاً وشرفاً ورفعة لديه كثيراً ما يذكر لاصحابه أخبار من مضى من الأمم ليسلكوا بذلك الطريقة المثلى والطريق الأمم فنتوجه اللهم إليك به أذهو الوسيلة العظمى لمن استمسك بسببه أن تصلي عليه وتسلم صلاة وسلاماً يليقان برفيع جنابه الأقدس ويناسبان رفعة مقامه الأنفس وعلى آله وأصحابه واتباعه وأحزابه الذين هم خير الناس بعده وأقرب المقربين عنده الذين به حووا أشرف المناقب وعلوا بالأنتساب إليه أرفع المراتب فتتوجت بذكرهم التراجم والتواريخ وصار ميزان اعتدال صفتهم في المقام المليح أشرف الضوء اللامع من كواكبهم(1/2)
السائرة وبدت دررهم الكامنة تتحلى منهم بالبدور السافرة عد اللهم عليه وعليهم بجميع تحياتك وسائر تسليماتك ابد الآبدين ودهر الداهرين ما تحركت الأقلام بنشر فضائل الأئمة أو جالت البنان في ذكر الماضين من الأمة أما بعد فيقول سيدنا ومولانا العلامة وسندنا وعمدتنا الفهامة شيخ مشايخ الاسلام حلال مشكلات الأنام عمدة الخاص والعام جامع أشتات المعارف والفهوم والمحلى جيد المنطوق بحلى المفهوم السيد الشريف والسند الغطريف الأديب الشاعر والناظم الناثر صدر الدنيا والدين أبو الفضل السيد محمد خليل أفندي ابن المرحوم السيد علي أفندي الاستاذ القلب بهاء الدين محمد أفندي المرادي البخاري الدمشقي النقشبندي مفتي السادة الحنفية بدمشق المحمية لا زال غدق الرحمة حافاً بمرقده الشريف وكامل الرضوان محيطاً بضريحه المنيف إني لم أزل منذ أميطت عني التمئم ونيطت بي العمائم شغفا بمطالعة أخبار الأخيار مولعاً بجمع آثار الفضلاء من نظام ونثار مكباً على الكتب التاريخية منهمكاً في جمع الدوأوين الاخبارية تدعوني إلى ذلك غيرة الفضل كل أونة ويحثني عليه حمية الأدب فنطرد عن عيوني عيون السنة فكنت أصرف في عكاظ المطارحات ذلك نقد عمري وأخباء درر الآثار في خزائن فكري علماً مني بأن علم التاريخ والأخبار ونقل المناقب وحفظ الآثار أمر مهم عظيم وشيء خطره جسيم طالما صرف فيه المحدثون أوقاتهم وحلوا بزينته ساعاتهم وضربوا فيه آباط الابل للبلاد النائية وتحملوا في جمعه المشاق للأماكن القاصية وقد ألف فيه الكبار من العلماء المؤلفات العديمة المثل لان العمدة في نقل أصول الدين على الجرح والتعديل وقد ورد فيه ما يحث كل طالب على طلبه ويحرض كل راغب على مطالعة كتبه من ذلك ما قصد الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم والكلام القديم من ذكر الرسل والأنبياء والسادة النبلاء الأنقياء وما وقع لهم مع أممهم وما أبدوه من حلمهم وحكمهم وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله انزلوا بالناس منازلهم وقوله في كل قرن من أمتي سابقون رواه الترمذي في جامعه المصون وقوله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره رواه الحافظ القاسم الطبراني في معجمه الكبير وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدث أصحابه بقصص وأخبار عمن مضى ويحمض صلى الله عليه وسلم بذلك حتى لا يعتري الكلال ما في همتهم من المضا وكلمات السلف والخلف في ذلك أشهر من الشمس والنبراس وأكثر من أن تحصى(1/3)
أو تحصر بقياس من ذلك ما ذكره العلامة أبو حيان في وصيته لأولاده بقوله وعليكم بمطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلاً جديداً ولله در القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث يقول
إذا عرف الإنسان أحوال من مضى ... توهمته قد عاش من أول الدهر
وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كل الدهر من كان عالماً ... كريماً حليماً فاغتنم أطول العمر
وقد لخص هذه الأبيات شيخ الاسلام البدر محمد ابن الغزي العامري بقوله
ومن عرف التاريخ أخبار من مضى ... وخلف علماً أو جميلاً من الذكر
كمن عاش كل الدهر بالعز فاغتنم ... بعلم وجود في الدنا أطول العمر
ثم رأيت للارجاني أيضاً قوله
بالفكر في الأمم الماضين تحسبه ... كأنما عاش فيهم تلكم المددا
والذكر في الأمم الماضين ضيره ... كأنما هو موجود وما فقدا
فليس الأعلى ذا الوجه أن نظروا ... يصح معنى لقول المرء عش أبدا
ولما كان هذا العلم بهذه المثابة العظمى والمنزلة الرفيعة العليا ولم أر من ترجم أهل قرن الثاني عشر من هجرة خير البشر مع ما انطووا عليه من الفضائل وحووه من شرف الشيم وشريف الشمائل عن لي أن أسلك هاتيك المسالك وأكون في سبيل المؤرخين سالك فجمعت هذا التاريخ اللطيف الكامل في التعريف بحال الشخص والتوصيف واجتمع عندي جملة من الرحلات والأثبات والتراجم مع كثرة التنقير والتفحص الكثير والأخذ من الأفواه شفاها وبالمكاتبات إلى البلدان التي كنت لست أراها فكان عندي رحلة الوجيه عبد الرحمن بن محمد الذهبي ورحلة مؤرخ مكة الشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي والنفحة للأمين المحبي وذيلها للشمس محمد المحمودي وثبت العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المسمى لطائف المنة وتذكرته الأدبية ورحلة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الكبرى والصغرى الحجازية والقدسية وغير ذلك من المشيخات والمعاجم والأثبات مما يحتج به فلا يحتاج إلى برهان واثبات وحين تم جمع درره وتفويف حبره سمينه أخبار الاعصار في أخيار الأمصار ويليق أيضاً أن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر والله اسأل فيه الحفظ عن الخطأ والخطل والتوفيق للصواب في القول والعمل أنه على ما يشاء قدير وبإجابة سائله حقيق وجدير وقد رتبته على(1/4)
حروف المعجم ليسهل منه ما خفى واستعجم فأقول وبالله الاعانة على بلوغ المأمول
حرف الهمزة
إبراهيم الخلوتي
إبراهيم بن أيوب بن أحمد بن أيوب الخلوتي الشافعي الدمشقي الاستاذ الصالح الورع التقي المعتقد العابد ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين وألف ونشأ بها في كنف والده الاستاذ الآتي ذكره في ترجمة أخي المترجم أبي الصفا وأخذ عنه الطريق وعن العارف السيد غازي الحلبي الخلوتي المشهور خليفة الشيخ اخلاص وجلس على سجادة المشيخة وبايع واشتهر وعقد الاختلاء في جامع المرادية بدمشق وكان شيخاً موقراً محترماً جليلاً حسن الصوت صاحب ثروة وعليه تولية وتدريس المدرسة الحافظية وفي آخر أمره كبر سنه لكونه هو أكبر إخوته وتعب من معالجة الناس والدهر فأجلس مكانه أخاه الشيخ أبا السعود الآتي ذكره وفي وصية والده لأولاده يقول له يا إبراهيم افش لاخوانك السلام وأنت أبو البركات وكأنت وفاته في يوم الأحد حادي عشر محرم الحرام افتتاح سن خمس عشرة ومائة وألف ودفن بالتربة الشرقية من مرج الدحداح عند والده وسيأتي ذكر إخوته أبي الصفا وأبي المسعود وأبي الأسعار وإسماعيل في محلاتهم إنشاء الله تعالى
إبراهيم الكوراني
إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي نزيل المدينة للنورة الشيخ الإمام العالم العلامة خاتم المحققين عمدة المسند بن العارف بالله تعالى صاحب المؤلفات العديدة الصوفي النقشبندي المحقق المدقق الأثري المسند النسابة أبو الوقت برهان الدين ولد في شوال سنة خمس وعشرين والف وطلب العم بنفسه ورحل إلى المدينة المنورة وتوطنها وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء كالصفي أحمد بن محمد القشاشي والعارف أبي المواهب أحمد ابن علي الشنأوي وملا محمد شريف بن يوسف الكوراني والاستاذ عبد الكريم بن أبي بكر الحسيني الكوراني وأخذ بدمشق عن الحافظ النجم محمد بن محمد العامري الغزي وبمصر عن أبي العزايم سلطان بن أحمد المزاحي ومحمد بن علاء الدين البابلي والتقى عبد الباقي الحنبلي وغيرهم واشتهر ذكره وعلا قدره وهرعت إليه الطالبون من البلدان القاصية للأخذ والتلقي عنه ودرس بالمسجد الشريف النبوي وألف مؤلفات نافعة عديدة منها تكميل التعريف لكتاب في التصريف وحاشية شرح الأندلسية للقصيري وشرح العوامل الجرجانية والنبراس لكشف الالتباس الواقع(1/5)
في الاساس وجواب العتيد لمسئلة أول واجب ومسئلة التقاليد وضياء المصباح في شرح بهجة الأرواح وجواب سؤالات عن قول تقبل الله والمصافحة تقبل الله تعالى والمتمة للمسئلة المهمة وذيلها والقول الجلي في تحقيق قول الإمام زين الدين بن علي وتحقيق التوفيق بين كلامي أهل الكلام وأهل الطريق وقصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل وشرح العقيدة المسماة بالعقيدة الصحيحة والجواب المشكور عن السؤال المنظور وإشراق الشمس بتعريق الكلمات الخمس وبلغة المسير إلى توحيد العلى الكبير وعجالة ذوي الأنتباه بتحقيق اعراب لا إله إلا الله وجوابات الغرأوية عن المسائل الجأوية الجهرية والعجالة فيما كتب محمد بن محمد القلعي سؤاله والقول المبين في مسئلة التكوين وأنباه الانباه على تحقيق اعراب لا إله إلا الله وافاضة العلام بتحقيق مسئلة الكلام والالماع المحيط بتحقيق الكسب الوسط بين طرفي الافراط والتفريط واتحاف الزكى بشرح التحفة المرسلة إلى النبي ومسالك الابرار إلى أحاديث النبي المختار ومسلك السداد إلى مسئلة خلق أفعال العباد والمسلك الجلي في حكم سطح الولي وحسن الأوبة في حكم ضرب النوبة واتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف وغير ذلك من المؤلفات التي تنوف عن المائة وكان جبلاً من جبال العلم بحراً من بحور العرفان توفي يوم الأربعاء بعد العصر ثامن عشري شهر ربيع الثاني سنة إحدى ومائة وألف بمنزلة ظاهر المدينة المنورة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى
إبراهيم الصالحاني
أمين الفتوى
إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الغزي المولد والمنشأ الحنفي الشهير بالصالحاني الشيخ الفقيه الفرضي الفلكي الموقت أبو إسحق برهان الدين ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف ورحل إلى القاهرة وأخذ بها عن حسن المقدسي وأبي السعود الحنفي وسليمان المنصوري وحسن الجبرتي وعمر الطحلأوي وغيرهم وقدم دمشق وصار بها أميناً على الفتوى وله من التآليف رسالة في الربع المقنطر وأخرى في العروض وشرح فرائض ابن الشحنة وغير ذلك توفي بدمشق سنة سبع وتسعين ومائة وألف
إبراهيم بن سليمان الجينيني
إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحنفي الجينيني نزيل دمشق العالم الفاضل الأديب الألمعي العلامة البارع المتقن كان فقيهاً نحريراً مفنناً مؤرخاً(1/6)
حافظاً للوقائع مطلعاً على غوامض النقول جامعاً للفروع وحائزاً للاصول ولد في حدود الأربعين بعد الألف كما نقلته من خطه وقرأ القرآن وبعض رسائل مقدمات العلوم ثم رحل إلى الرملة وأنتمى فيها إلى خير الدين المفتي الحنفي وعليه تفقه وبه أنتفع ولازمه ملازمة الظل للشبح وكان هو كاتب الأسئلة الفقهية عنده وقد رتب فتأويه المشهورة ورحل في أثناء إقامته إلى دمشق مراراً ثم بعد وفاة شيخه المذكور عاد إلى دمشق واستوطنها وكتب كتباعد يده بخطه وكان له معرفة في أسماء الكتب ومؤلفيها والأسماء والألقاب والوفيات والأنساب واستحضار الفروع الفقهية والعلل الحديثية مع الفضل التام ورحل إلى مصر وأخذ فيها عن مشايخ أجلاء منهم الشيخ علي الشبراملسني والشيخ محمد البابلي وأخذ عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ يحيى الشنأوي المغربي والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني ومن مشايخه الشيخ محمد بن دأود العناني المصري والشيخ أحمد العجمي المصري والشيخ أبو بكر ابن الأخرم النابلسي والشيخ عبد القادر بن أحمد العفيفي الغزي وأخذ بدمشق عن الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال الدمشقي والشيخ نجم الدين الفرضي الدمشقي والشيخ رجب بن حسين الحموي الميداني نزيل دمشق ويحيى بن دأود السوبسي الهشتركي وغالب علماء تلك الطبقة وأكمل تاريخ ابن عزم وألف بعض رسائل تاريخية ولم يزل كذلك إلى أن مات وكتب إليه السيد سليمان الحموي نزيل دمشق يطلب منه عاربة الجزء الأول من كتاب الكامل للمبرد بقوله
مولاي إبراهيم يا ذا العلا ... ومن هو المدعو بالفاضل
تفديك روحي إنني لم أزل ... أرجوك للعأجل والأجل
وإنني أصبحت في كربة ... فامنن بتفريج لها شامل
وإن حظى قد غدا ناقصاً ... فارسل له جزأ من الكامل
لا زلت في عز وفي سؤدد ... ما اخضل روض بالحيا الهاطل
وكتب إليه السيد محمد أمين المحبي بقوله
لابن عبد العزيز إبراهيما ... خصل كم بهن إبراهيما
أدب يخجل الرياض ولفظ ... همت فيه وحق لي أن أهيما
وكمال يهفو له كل فهم ... صيغ منه يطلب التفهيما
رأيه الصبح والصباح إذا لا ... ح جلا بالضياء ليلاً بهيما
وبالجملة فقد كان من محاسن دمشق توفي بها يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثمان(1/7)
ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وسيأتي ولده صالح والجينيني نسبة إلى جينين بلده من بلاد حارثة من أراضي الشام مولده بها والله أعلم
إبراهيم بن صاري حيدر
إبراهيم بن صاري حيدر الدمشقي كان رحمه الله تعالى صالحاً ديناً له فضيلة وكرم ومكارم أخلاق وكان يقرىء أولاد أعيان دمشق واللغة التركية والفارسية ويعلمهم الخط الحسن مع الصيانة والديانة والأمانة ولد في سنة اثنين وخمسين وألف وكان كثير التصديق والإحسان وغالب من قرأ عليه له فضل وخط حسن توفي في يوم الخميس ختام ذي الحجة سنة ثلاث ومائة وألف مطعوناً ودفن في باب الصغير وتأسف الناس عليه كثيراً فإنه لم يخلف مثل والصاري لفظة تركية بمعنى الأصغر والله أعلم
إبراهيم الحافظ
إبراهيم بن عباس بن علي الشافعي الدمشقي شيخ القرأ والمجودين بدمشق الفاضل المقري الحافظ الخلوتي الكامل الفرضي الفلكي الصالح التقي كان له محبة لمن يقرأ عليه مع رقة الطبع ودماثة الأخلاق ولذيذ العشرة وأما القراآت فإنه كان بها إماماً لم يوجد له نظير في الأقطار الشامية ولد في سنة عشرة ومائة وألف والله أعلم ووالده من ملطية واشتغل بقراءة القرآن ورباه السيد ذيب الحافظ واقرأه واعتنى به كمال الاعتناء وهو أجل أشياخه وأخذ القراآت عن الشيخ مصطفى المعروف بالعم المصري نزيل دمشق وهو عن الشيخ المقري المصري وهو عن اليمني إلى آخر السند وأخذ القراآت أيضاً عن المنير الدمشقي وقرأ في بعض العلوم على محمد بن محمود الحبال ومهر والآن لله له مخارج الحروف كما الآن الحديد لدأود عليه السلام وأم في صلاة اليمانية بالجامع الأموي بعد السيد ذيب الحافظ وكان قبل السيد ذيب في جال شبابه يؤم الناس في اليمانية ثم اعتراه وسواس في النية فترك الإمامة ولازمها السيد ذيب فبعد وفاته عاد لما كان عليه في الأصل ولازمها إلى أن مات واستقام على إفادة الطالبين للقراآت وأنتفع به خلق كثير لا يحصون عدداً من الشام وغيرها وأخذ طريق الخلونية عن الشيخ الاستاذ محمد بن عيسى الكناني الصالحي والفقير ولله الحمد ختمت عليه مجوداً في حال الصغر وعمتني دعواته المباركة وكان أولاً قاطناً في مدرسة سليمان باشا العظيم التي أنشأها عند داره واستقام مدة فيها ثم سرق من خزانة الكتب أشياء فلما شاع ذلك ظنوا أن الذي(1/8)
أخذها هو فأخرجوه من المدرسة ظلماً ولم يكن له علم بذلك وشاعت في دمشق هذه الحكاية والي أخذها ظهر بعد ذلك ثم أعطاه والدي رحمه الله تعالى حجرة داخل مدرسة الجد المرادية الكبرى وعين له في كل شهر ما يقوم به وصار الناس يقرأون عليه هناك ولم يزل مقيماً بها إلى أن مات وكان له نظم قليل فأوصلني منه غير هذه الأبيات كتبها مقرظاً على رسالة للمفتي حامد بن علي العمادي سماها اللمعة في تحريم المتعة وهي قوله
لله در همام قد أجاد بما ... صاغت أنامله سبكاً لمعتمل
رسالة قد كساها الله تكرمة ... ثوب الجمال يسامي فضله الثمل
وهي طويلة وكأنت وفاته ليلة الثلاثاء رابع محرم سنة ست وثمانين ومائة بعد الألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالذهبية رحمه الله تعالى
إبراهيم المعروف
البهنسي
إبراهيم بن عبد الحي بن عبد الحق المعروف كأسلافه بالبهنسي الحنفي الدمشقي الفاضل النبيه كان ذكياً أديباً صالحاً له مشاركة في سائر الفنون وأنتهى إليه علم الفلك والهيئة كان له اليد الطولى فيه وعليه المعول به ولد بدمشق في حدود الثمانين بعد الألف ونشأ بها وأخذ عن مشايخها منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان بن الشمعة والشيخ محمد الحبال وغيرهما ومهر وتفوق واشتهر بعمل الزايجة حتى ان الوزير سليمان باشا ابن العظم لما كان والياً على صيدا وكان المترجم فيها قاصداً التوجه إلى الروم اجتمع به وطلب منه تقويماً فصنع له تقويماً خرج منه أن منصب دمشق الشام توجه عليه وأنه في يوم كذا يصل إليه فلما كان اليوم الذي ذكره أرسل إليه وقال له جاء اليوم الذي ذكرته ولم يأت المنصب فقال ما أرى إلا أنه وصل إلى بابكم وكان قد وصل إليه لكن قصد اختباره مرة ثانية وبالجملة فإنه نادرة وقته وعصره وكأنت وفاته في رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ولده عبد الحي وقريبه عبد الرزاق وأخوه السيد أحمد وقريبه فضل الله وبنو البهنسي في الأصل نسبتهم إلى البهنسا بالقصير وبفتح أوله والنون والسين المهملة بلد بصعيد مصر الأدنى والله أعلم
إبراهيم الحكيم
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بابن(1/9)
الحكيم الشريف لأمه الحنفي الصالحي الدمشقي رئيس كتاب محكمة الصالحية بدمشق الأديب الشاعر البارع الماهر كان كاتباً منشياً له نظم حسن ونثر لطيف وكتب كتباً كثيرة بخطه وكان خطه حسناً ولد بدمشق في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأخذ عن الاستاذ الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي وأنتفع به ولازمه وصحبه وجالسه مدة ست عشرة سنة وكتب تآليفه وحفنه بركاته ونفحائه واستقام في محكمة الصالحية رئيس كتابها إلى أن مات وكأنت حجبه حسنة موثقة حتى كتب مرة حجة إجازة نظمها كما وقع ذلك لابن الوردي وكان أحسن كتابها وأعرفهم وفي آخر عمره لازم الزراعة والمشد في قرية برزه حتى انقطع بها وكان لا يجىء إلى الصالحية إلا قليلاً وانعزل عن المخالطة قبل وفاته بكم سنة حتى كان يقول إذا نزلت إلى دمشق أرى حالي كأنني غريب لكونه بلغ من العمر ما ينوف عن الثمانين وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه هو في الأدب البلبل الصادح أو الزند الذي هو في مرامه قادح قام من المهد إلى الوجد وسلك به من الغور إلى النجد وتمشى في مفاصله تمشي المدام أو تمشي الثمل من الندام فإذا غنى له به رقص وإذا تلى عليه ذكر الغرام زاد هيامه وما نقص فكم لازم فيه الشطح والسبح وأنتهز ليالي لو صادفها الرضى لأعرض عن ليلة السفح لم يزل في ذلك على وتيره وهو في أمره في حيرة وأي حيره يتعهد مراتع الغزلان ويتحمل من التجني ما لا يقوم به ثهلان فطوراً بالعذار له ولوع وطوراً بالخدود الناعمات إلى أن أتاه النذير الزاجر عن اللهو والتبذير فهم بالاقلاع وانخلع من تلك الربقة أي انخلاع وقد نشاء وهو من نور عينيه يكتسب ويطرز الرقاع بما إلى ياقوت ينتسب والخطو والحظ اجتماعهما في شخص متعذر وورودهما معاً على أكمل نحو متعسر وهو من الزمرة التي حبست عليهم الصحبة والرفقة الذين أرضعهم الآخاء افأويقه وسحبه فكم أسمعني من أشعاره ما هو الماء والخمر وما استغنيت به عن منادمة زيد وعمرو وهاك منه نبذاً بديعة تجعلها في حقق الآذان وديعه أنتهى مقاله وكان له لطرف جدي ووالدي أنتماء وأنتساب وهو من أخص الأحباب حتى أنه وقف عقاراته وأملاكه بعد وفاته ووفاة زوجته وأولاده على مدرسة الجد المراديه وقد اطلعت على ديوان شعره فمن ذلك قوله
قسماً ببابل لحظك ال ... فتان مع مجدول قدك
وبميم مبسمك الشهي ... وما حوى من طيب شهدك(1/10)
وبنون حاجبك الأز ... ج ومسك خال فوق خدك
وبسين طرتك التي ... قد أعجمت من شين شدك
وبغصن قامتك الرطي ... ب الدل مع رمان نهدك
وبصولة الحسن المرن ... ح عطفه في ثنى بردك
وبذلتي عند العتا ... ب مخافة من عز صدرك
وبما تقاضاه المشو ... ق من الجوى من بعد بعدك
ما ملت عنك بسلوة ... يا من شجاني خفق بندك
ارفق فإن خاطري ... تصبوا إلى إنجاز وعدك
يا من يعز بغيران ... ماس الأماني لثم وردك
وبغير كف الوهم حقا ... ليس يمكن حل عقدك
أنا ثابت لا أنثني ... بل لا أحل وثيق عهدك
وكأنت وفاته سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون في دمشق رحمه الله تعالى
إبراهيم بن طوقان
إبراهيم بن صالح باشا طوقان الفاضل الألمعي والماجد اللوذعي قرأ القرآن مجوداً له على الشيخ المتقن حسن المغربي وتفقده على عبد الله الشرأبي وجد واجتهد حتى حصل بذلك أعلى الرتب وأنتهت إليه الرياسة في الديار النابلسية ووقع حبه في قلوب الخاصة والعامة والرعية لعفته وأمأنته وصدقه وصداقته وله شعر رقيق ونثر رشيق ومشاركة كلية في النحو والأدب ووقوف تام على كلام فصحاء العرب مات رحمه الله تعالى وأرخه محمد السفاريني في مفرد حيث قال
زهد الدنا وجدا فعف نزولها ... ونما إلى الفردوس أحسن منزل
إبراهيم الميداني
إبراهيم بن عبد الله الميداني الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه الواعظ أبو البها عز الدين ارتحل إلى مصر وجأور بأزهرها وأخذ عن المتصدرين به كالشهاب أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشمس محمد بن سالم الحنفي والنجم عمر بن يحيى الطحلأوي والبدر حسن ان محمد المدابغي وغيرهم ثم رجع إلى دمشق وهو فاضل ودرس بالجامع الأموي ووعظ به على كرسي مرتفع على عادة الوعاظ وحضرت مجالس وعظه وسمعت من فوائده وكأنت وفاته بدمشق في رمضان سنة(1/11)
ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى
إبراهيم القرا حصاري
إبراهيم بن عثمان بن محمد القرا حصاري القسطنطيني الحنفي شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية ركن الدين المولى الفاضل الفقيه الرئيس النبيذ السيد الشريف الصدر الكبير ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وقدم إلى قسطنطينية وهو صغير ولازم ابن عمه المولى زين العابدين علي قاضي العساكر وزوجه ابنته وصاهره وقار المعقول والمنقول وأخذا الخط المعرف بالتعليق عن الصدر الرئيس المولى رفيع بن مصطفى الكتب قاضي العساكر ورئيس الأطباء في دار السلطنة ودرس بمدارس قسطنطينية ولما ولي قضاء مكة ابن عمه اصطحبه معه وحج وجأور بمكة وولاه نيابة الحكم في جدة ثم عادة إلى قسطنطينية وولى بعض المناصب والأنظار الشرعية كنظر الأوقاف وغيره ثم ولى قضاء سلانيك وبعدها سنة أربع وسبعين ومائة وألف ولي قضاء دمشق ودخلها وكان مريضاً فاستقام قاضياً على العادة وفي هذه المدة كان مفتي الحنفية بدمشق والدي رحمه الله تعالى فتصاحبا وحصلت بينهما محبة ومودة وصحب كل منهما الآخر وحضر دروس والدي الفقهية في المدرسة السليمانية وبعد مدة من السنين ولي قضاء دار السلطنة قسطنيطينية وأعيد إلى قضائها ثانياً وبعدها ولى نقابة الأشراف بدار السلطنة ثم ولي قضاء عسكر أناطولي ثم قضاء عسكر روم ايلي سنة تسعين ومائة وألف ثم أعيد ثانياً إلى المنصب المذكور مع نقابة الأشراف عليه ولما ظهر الحريق الكبير في قسطنطينية في شعبان ورمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف واحترق به ثلثاً قسطنيطينية وأكثر جوامعها ومساجدها والخانقاهات والمدارس وحصل غم عظيم للناس واضطربت العالم ونسب ذلك لبطاءة الوزير محمد عز الدين بن حسين الصدر الأعظم واشتغاله بأمور السلطان وحده وعد ذلك منه فعزل عن الوزارة الكبرى وأبعد عن دار السلطنة وبعده بأيام قلائل عزل عن منصب الفتوى شيخ الاسلام المولى العالم شريف بن أسعد بن إسماعيل الحنفي المفتي واختير من طرف السلطان المترجم أن يكون مفتياً فولى الافتاء في شوال من السنة وأقبلت عليه رجال الدولة وكبراؤها وعظمه السلطان الأعظم أبو النصر غياث الدولة والدين عبد الحميد خان واتسعت دائرته وعظمت دولته وثروته وأقبلت الدنيا عليه من كل طرف وراجعته الكبار والصغار وعلاصيته واشتهر أمره ولما دخلت قسطنطينية اجتمعت به(1/12)
وزرته في داره وسمعت من فوائده وصحبته وأخبرني أنه أدرك الجد الكبير الاستاذ فخر الدين محمد مراد بن علي البخاري الحنفي واجتمع به وبغيره من العلماء والأولياء والسادات والأدباء والأفاضل وأخذ عنهم وصحبهم وقرأ عليهم في الأقطار العربية وغيرها كالشيخ المحدث أبي عبد الرحمن محمد بن علي الكامل الشافعي الدمشقي والإمام الكبير أبي المواهب محمد بن عبد الباقي مفتي الحنابلة بدمشق والاستاذ العارف ضياء الدين عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي النابلسي وغيرهم وكان يعرف أحوال الدهر وأمور السياسة وله دربة وسعة عقل في نظام الملك والدولة خبير بأحوال الناس بصير بالأمور وعواقبها ملازم العبادة والطاعة حسن الخلق لطيف المعاشرة توفي وهو مفتي الدولة يوم الاثنين سابع عشر جمادى الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه في جامع السلطان أبي الفتح محمد خان وحضر الصلاة عليه العلماء والقضاة والرؤساء ودفن بالقرب من جامع السلطان سليم خان داخل قسطنطينية وكنت سنة تسعين ومائة وألف لما ولي قضاء عسكر روم ايلي المرة الأولى كتبت إليه أمدحه من دمشق بهذه القصيدة وهي من شعر الصبا
سقاها ربوعا هاطل المزن يحييها ... معاهد أنس قد تعفت مغانيها
ولا زالت الأنواء تخصب حيها ... بجود على كر الدهور يحييها
بها قد تقضى لي عهود مودة ... نشأت بمغناها ولست بناسيها
بها كنت مغبوط المقيل منعما ... وأمرح في النادي بظل مجانيها
ورب ليال قد تقضت بسرعة ... كطيف خيال قد مضى في دياجيها
بحيث الصفا راح وافراحنا له ... كؤس وندماني الغوالي غوانيها
غوان إذا ما الليل وافي كانما ... مكاني سماءهن فيه دراريها
غوان نضت الحاظها لي أسهما ... أريشت من الأهداب سبحان باريها
ألا ليت شعري هل أفوزن باللقا ... وهل لي بوادي الروم خود الاقيها
بلاد بها فرش الرياض جواهر ... ومسك فتيق فائح ترب ناديها
تيسر معسوراً وتولى مكارما ... وتجبر مكسوراً وتسعد من فيها
وإني وإن شطت فشوقي مضاعف ... إليها وجل القصد تمداح حاميها
امام همام واحد صدر وقته ... وكهف ذوي الحاجات ركن مواليها
هو العالم النحرير والسند الذي ... ذرى شرف العلياء بالفضل راقيها
هو الجهبذ النقاد والحبر من غدا ... أحاديث مجد بالتسلسل يرويها(1/13)
ملاذ أولي الحاجات كعبه قاصد ... عماد الهدى ركن الفضائل حأويها
هو المطمح الأسنى الذي طاب ذكره ... وطود المعالي والسيادة عاليها
له في الورى آيات مجد وسؤدد ... بها تزدهي الأيام والدهر يمليها
أمولاي يا فرد الدهور وعزها ... ويا خير من شاد المعالي وبانيها
إلى بابك الأحمى أبث قوافيها ... تنوب عن التقبيل للذيل أهديها
إليك لقد وافت بثوب خجالة ... نسيجة فكر تزدهي فيكم تيها
تهنيك فيما نلت من رتب العلا ... منازلها شمس الضحى ليس تحكيها
فأنت بدار الملك قطب مدارها ... وأنت بها غوث العفاة لأهليها
واعذار عبد أثقل الدهر ظهره ... بجم خطوب ليس يحصى تواليها
ودم راقيا أوج المعالي مؤيدا ... وذكرك في داني الديار وقاصيها
بعز واقبال وسعد ورفعة ... إلى رتبة فوق الشر يا معاليها
مدى الدهر ما غنت سويجعة الربا ... واطرب بالإنشاء للنوق حاديها
إبراهيم الأطلسي
إبراهيم بن علي بن حسين الأطلسي المحتد الحمصي الحنفي برهان الدين الشيخ العالم الفقيه الفاضل الإمام العمدة الكامل ولد سنة اثنتين وعشرين وألف ومائة وقرأ القرآن العظيم ومقدمات العلوم وارتحل إلى مصر واشتغل بالأخذ والقراءة على أجلائها واستقام بأزهرها أعواماً حتى برع ومهر وأجاز له شيوخه بالافتاء والتدريس وقدم حمص بلدته ودرس بها وأفتى وأقبل عليه أهلها أيام الوزير عثمان بن عبد الله نائب دمشق وكان من مشاهير فقهاء وقته وفضلاء عصره اجتمعت به بمجلس والدي وسمعت من فوائده ثم تقلبت به الأحوال وجرت له أمور أوجبت تكديره وتغريبه أجل أسبابها شراسة خلقه وكثرة طيشه فدخل حلب وقسطنطينية وفي آخر أمره رسم له بفتوى الحنفية بطرابلس الشام فدخلها وأفتى بها حتى مات وبالجملة فقد كان خاتمة فقهاء بلدته الذين رأيتهم واجتمعت بهم وكأنت وفاته بطرابلس سنة ست وتسعين ومائة وألف
إبراهيم الرومي
إبراهيم بن علي الحنفي الرومي رئيس طائفة الجند المعروفين بالعربجية في الدولة(1/14)
العثمانية الماجد الفاضل له من الآثار الذيل على كشف الظنون لكاتب جلبي الرومي في أسماء الكتب والالحاقات وترجمة كتاب صدر الشريعة بالتركية وغير ذلك من الآثار وكان بارعاً سيما في علم القرآن أخذه عن المولى عبد الله حلمي الاسلامبولي الآتي ترجمته وله محبة لأهل الفضل وكان يحدثني عنه صاحبنا الفاضل محمد شاكر بن مصطفى العمري الدمشق ويشهد بنبله وقد اطلعت وأنا بالروم برحلتي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة على كتابه المذكور وكان عزم على الحج بعد أن حج من جهة مصر فتوفى في الطريق وكأنت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى والعربة هي العجلة بالعربية أنتهى
إبراهيم السفرجلاني
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم بن أبي بكر المعروف بالسفرجلاني الشافعي الدمشق الفاضل الأديب اللوذعي كان أتم أهل العصر ظرفاً وأشغهم رقة ولطفاً له طبع كما راق نسيم السحر وحسن منظر لا يقنع منه النظر وقد رقت باللطف شمائله وراقت لبصائر المجتلين خمائله شاعراً مفنناً عارفاً لطيفاً حسن المطارحة بارعاً ماهراً وله في المعميات اليد الطولى ولد بدمشق في سادس عشر صفر سنة خمس وخمسين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره منهم الشيخ نجم الدين الفرضي في العربية والشيخ إبراهيم الفتال في النحو والمعاني والبيان وقرأ بعض الرسائل على الشيخ عبد الحي العكري الصالحي وغيرهم وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والسيد محمد عبد الرسول البرزنجي المدني وغيرهما من الواردين إلى دمشق وتنبل وأخذ شيئاً من العلوم الحرفية عن ابن سنسول وبرع في الرياضيات وأعمال الأوفاق والاستخدام وغير ذلك من متعلق هذه العلوم وتخرج في الأدب على يد الشيخ عبد الباقي بن أحمد السمان الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين وبرع وظهر أدبه وفضله واخترع أبكار المعاني وصاغ قلائد النظام واشتهر بالأدب ونظم الشعر وديوانه مشهور وعلى كل حال فهو بكل لسان موصوف وبالفضائل معروف وعمه عمر صاحب خيرات ومبرات وله أثار منها المساجد الثلاث الذين عند دارهم بالقرب من الخراب وغير ذلك من الطرقات وغيرها وكان من أخيار التجار ورزق الخطوة التامة في المال والأولاد وغير ذلك وكان فريداً قرانه ووحيد زمانه توفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير وترك من الأولاد الذكور كثرة وكل منهم سما قدره وعلا وحاز السمو(1/15)
والذي نجب منهم واشتهر المولى عبد الرحمن والمولى عبد العزيز فقد بلغ كل منهما من الرفعة والعلا والسيادة والثروة ما طال وطاب واشتهر وشاع وصارت لهما رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وانعقدت أمور دمشق على آرائهما وكل منهما في وقته تصدر للوافدين ملاذاً وعياذا مع الانعامات والمبرات وإكرام العلماء والغرباء وقد فاق المولى عبد الرحمن على المولى عبد العزيز بأشياء تفرد بها عنه منها مكانة من العم والفضل وسنأتي ترجمته وأما المولى عبد العزيز فقد توفى في سنة خمس وخمسين ومائة وألف واتصل والدي بابنتيهما وعلى كل حال فبنوا السفرجلاني ازدان بهم الدهر وسمت دواتهم وعلا صيتهم وعم فضلهم والمترجم ترجمه السيد محمد أمين المحبي في نفحته وأثنى عليه وكان حليف وداده وأليفه الذي ارتبطت عرى علائقه معه في وثيق صدق ومحبة ورفيقه أبان التحصيل وخليله الذي استخلصه لنفسه ولابدع فإبراهيم نعم الخليل كلمة الأدب جمعتهما ولحمة الفضل نظمتهما وذكر له هناك شيأ من شعره وها أنا أذكر من ذلك ما رق أديمه وراق اتساقه وطاب رونقه وازدان اشراقه فمن ذلك قوله مضمناً المصراع الأخير
لما غدت وجناته مرقومة ... بعذاره وازداد وجد محبه
نادى الشفيق بها زبرجد صدغه ... يا صاحبي هذا العقيق فقف به
قال الأمين وأنشدني قوله وهو معنى أبرزه ولم يسبق إليه فاستحق به التبريز وجاء به أنفس من الابريز وهي هذه
كفوا الملام ولا تعيبوا زهرة ... في وجنتيه تلوح كالتطريز
فالحسن لما خط سطر عذاره ... ألقى عليه قراضة الابريز
ثم قال وأنشدني هذه السينية السنية التي هي أشهى من الأمنية تفاتمت من المنية وهي قوله
خل طي الفلا لحادي العيس ... وانف همى بالقهوة الخندريس
طف بها كي ترى النواظر منها ... عسجدا ذاب في لجين الكموس
وترنح عطفي برقة لفظ ... منه عودت لقط درنفيس
في رياض كأنما لبست من ... حوك صنعاء أفخر الملبوس
قد نحلت من طلها بعقود ... وتجلت في حلة الطأووس
وزكا عرف طيبها فحسبنا ... نفحة قد سرت من الفردوس(1/16)
وتغنى مبهرم الكف فيها ... بغنأ يسوق شجو النفوس
قد أتينا مسلمين فردت ... هيف باناتها بخفض الرؤس
قم نجدد عهودنا يا بن أنس ... في رباها فأنت خير أنيس
فأنا في هواك محزون قلب ... بين شوق مقلب ورسيس
وامخ العين أن ترى منك يوما ... حسن وجه يخفى ضياء الشموس
وسطور كالمسك فوق طروس ... من شقيق أحبب بها من طروس
وامط لي عن سين تلك الثنايا ... فعساها تكون للتنفيس
ومن شعره
أيها الخافق الفؤاد تعلل ... منه يوماً بلثم خدقاني
فياقوت وجنتيه خواص ... سيما في إزالة الخفقان
وله أيضاً
تجنب غمزة الحدق ... وحد عن لفتة العنق
فقد جلبا لطرفي ما ... يعانيه من الأرق
وجرا للفؤاد هوى ... بوضاح الجبين لقى
وخوط لين الأعطا ... ف من ماء النعيم سقى
تثنى في غلالته ... تثنى الغصن في الورق
ولاح فخلته قرا ... تبدى لي من الأفق
وقد وشى بنفسجه ... شقائق خده الشرق
تأمل عارضي خدي ... اذبرزا على نسق
تجد سطر بن غسق ... على طرسين من شفق
وله قوله
بروحي ساق قد جلا تحت فرعه ... جبينا كبدر التم عند شروقه
سقاني بنجلأويه كأسا من الهوى ... فأسكرني أضعاف سكر رحيقه
وقال افترع بكر المعاني تغزلا ... فلى منظر يهديك نحو طريقه
فوجهي مثل الروض إذ باكر الخيا ... جنى أقاحيه وغض شقيقه
وإن أشبه التفاح خدي حمرة ... فلي نونة تحكي مناط عروقه
وله أيضاً(1/17)
رشق الفؤاد بأسهم لم تخطه ... ريم يشوق الريم مهوى قرطه
من ذا عذيري في هوى متلاعب ... قد راح بمزج لي رضاه بسخطه
أعطيته قلبي وقلت يصونه ... فأضاعه يا ليتني لم أعطه
وثناه عن محض المودة رهطه ... فعناء قلبي في الهوى من رهطه
وقد اشترطنا أن ندوم على الوفا ... ما كنت أحسبه يخل بشرطه
كيف الخلاص ركبت بحراً من هوى ... شوق إليه فشط بي عن شطه
علقته ريان من ماء الصبا ... كالروض أخضله الغمام بنقطه
غض الشباب فهذه وجناته ... قد كاد يطقر ماؤها من فرطه
يجلو عليك صحائفا وردية ... رقم الجمال بها بدائع خطه
وتريك هاتيك المعاطف بانة ... تهتز لينا في منمنم مرطه
وتخامر الألباب منه فكاهة ... تلهى حليف الكاس عن اسفنطه
لو بت تستجلي لطائفه التي ... ضاهت برونقها جواهر سمطه
لدهشت اعجاباً بلؤلؤ لفظه ... ومددت كفك طامعاً في لقطه
ومن شعره
لولا صباح الوجوه بيض ... ماهز اعطا في القريض
ولا شجاني غناء شاد ... يوماً ولو أنه الغريض
ولا أهاج الجوى لقلبي ... برق له في الدجى وميض
أفدى غزالاً دعا فؤادي ... إلى الهوى جفنه الغضيض
وخوط بان على كثيب ... داعب أعطافه النهوض
ليلى في حبه طويل ... وفرط وجدي به عريض
دع عاذلي في حديث دمع ... بلومه دائماً يخوض
حديثه يا أخا الهوى في ... إذاعة السر مستفيض
كأن ينبوعه لقلبي ... فهو بأسراره يفيض
وله
أرى العشق يغشى برهة ثم ينقضي ... وحبك في قلبي مدى الدهر لابث
ولا عقدة إلا لها من يحلها ... سوى عقدة فيها العيون نوافث
يا طيب الهوى أعد جس نبضي ... في هوى من هواه أصبح قوتي
وتأمل محاسن الغد منه ... ثم صف لي مفرح الياقوت
وله(1/18)
بالمولوية شادن يبدي لنا ... عجباً عجيباً للقلوب مفرحا
ويريك عند الفتل من أذياله ... فلكاً يدور ببدره دور الرحى
وله معمياً في حيدر
يا نسيم الصبا إذا جئت نجدا ... وتيممت روضها المعطارا
حي دارا عنها تنآءت غصون ... قد عهدنا ثمارها الأقمارا
وله في عساف
طارحت في الدوح الحمام فقل له ... أن النوى رشفت إلى سهامها
أبكي على عش نأت أفراخه ... وكؤس أفراح شربت مدامها
وله في دلأور
قد أبرزها من باطن الابريق ... صهبا تحاكي وجنة المعشوق
ما ضر شويدنا جلاء كؤسها ... لو دار بها ممزوجة بالريق
وله غير ذلك من بديع الشعر وأحاسنه وكأنت وفاته في سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وكأنت جنازته حافلة وسيأتي ذكر قريبيه مصطفى وعبد الرحمن والسفرجلاني لا أدري نسبته لأي شيء والله أعلم
إبراهي الدكدكجي
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المعروف بالدكدكجي الحنفي التركماني الأصل الدمشقي الشاب الفاضل الأديب النبيه الذكي الفائق الصالح الكامل ولد بدمشق في سنة أربع ومائة وألف وأرخ ميلاده الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله بإبراهيم الذي وفى نشأ في كنف والده بطاعة وصيانة وحضر دروس علماء عصره وقرأ المعاني والبيان والنحو على شيخ الاسلام الشمس محمد الغزي العامر مفتي دمشق وعلى الشيخ محمد أبي المواهب مفتي الحنابلة بين العشائين بالجامع الأموي وكذلك على المعمر الشمس محمد بن علي الكاملي في رمضان بعد صلاة الصبح في الجامع الأموي وكذلك على الشيخ المحدث يونس الأزهري ولازم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي كوالده في غالب أوقاته وحضر دروسه واستجاز له والده من دمشق وغيرها جماً غفيراً من العلماء كعبد الله البصري المكي وعثمان النحاس وأبي المواهب الحنبلي ومحمد الكامل وسعدى بن عبد الرحمن بن حمزة المحدث ومحمد بن محمد البديري الدمياطي ابن الميتة وعبد الكريم بن عبد الله(1/19)
العباسي الحنفي المفتي المدني وغيرهم وأبو الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني ومهر وبرع وصار له فضل ونباهة لا تنكر مع طبع رقيق ولطف مع الخاص والعام بمزيد المحبة والصداقة وترجمه الشيخ سعد السمان في كتابه وقال في وصفه غصن تلك الدوحة الندية وشذا تلك الفوحة الدنية كرع من حياض والده العلوم واغترف وأقر لذكائه الزمان واعترف فتهللت به أسارير النباهة وفاق أقرانه وأشباهه بمحيا وسيم وأدب جسيم يستوهب منهما العبير شميمه وتود الدمى لو صار لأجيادها تميمة وصفحة هي سجتجل كل متيم وجفن كم أغرى مغرماً وهيم مع صيانة ملء برده ولطافة كالروض حف بورده وكأنت تميله نفحات الهوى وما أفل نجم اعتنائه ولا هوى مع همة في تنأول الآداب منوطه وفكرة مما لا يعنى قنوطه ولم يزل ينهب أوقاته لذه ويقطع كبد رقبائه فلذه فلذه ويمرح في ميدان الشبيبه ويجيد غزله وتشبيبه إلى أن ذوى غصنه وهو غض وأغمض عن نعيم الدنيا جفنه وغض وله شعر ينبه الغرام ويدعو إلى النشوة من مقل الآرام أنتهى ما قاله ولما توفى والده صار يقرأ العشر مكانه في درس الاستاذ النابلسي إلى أن توفي وقد رأيت لوالده هذه الوصية كتبها إليه وهي قوله
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني بك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبوا لأعلى قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منجاك نفس الود من نفسيهما
كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما
وتمنيا لو صاد فابك راحة ... بجميع ما تحويه ملك يديهما
قسيت حقهما عشبة اسكنا ... دار البقا وسكنت في داريهما
فتلحقنهما غدا أو بعده ... حتما كما لحقا هما أبويهما
ولتندمن على فعالك مثل ما ... ندما هما ندما على فعليهما
بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما
وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما
فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها ... فعصى تنال الفوز من بريهما
ومن شعره هذه القصيدة ممتدحاً بها الشيخ السيد طه الحلبي وهي قوله
انزع الكاس يا نديم وهاته ... ثم نهنه كرى جفون سقاته(1/20)
واجتلى البشر من وجوه التهاني ... فصفاء الزمان من مسعداته
زمن اللهو والخلاعة والبس ... ط حري بالحر بعد فواته
قم بنا نفترع فدتك المعالي ... ونسارع فالروض طاب فواته
نجتلي فيه اكؤس الود فالرا ... حة والأنس في اجتلا زهراته
وبشير الاسعاد أضحى ينادي ... أن داعي السرور قام بذاته
وغدا الأنس كاملاً والأماني ... صرن للوعد فيه من منجزاته
كيف لا والزمان لا زال فيه ... الشهم طه ممتعاً بحياته
الإمام الهمام من قد تسامى ... للمعالي وصرن من حسناته
والأعز الأغر من شاد مجدا ... في ذراها بمقتضى عزماته
والنبيل النبيه والأروع الأو ... رع غيث الأنام في مكرماته
والحسيب النسيب محي ربوع ال ... جود بعد اندراسها بهباته
آل بيت الرسول حزتم مقاما ... تجتلى الناس باجتلا نيراته
يا وحيد الأفاضل إني أهني ... ك بعرس زهت جميع جهاته
عرس عين الكمال روح المعالي ... أحمد المتقين في مسعداته
واحد الدهر ثاني الروح حقا ... ثالث النيرين في هالاته
دام بالأمن والمسرة يزهو ... بالرقا والبنين طول حياته
يا سليل الأمجاد ساجع شكري ... لهج بالثناء في نغماته
ولغريد روضة البشر يشدو ... بمديح كالدر في كلماته
فأعره سمع الرضى وتجأوز ... عن قصور يلوح في أبياته
إن بيتاً حوى بدائع تاري ... خ أحرى بالعفو عن سبئاته
نم قرير العيون بالعرس أرخ ... وتنعم بالجود من طيباته
واسلم الدهر بالهنا وتسنم ... ذروة المجد لاجتنا ثمراته
ولم أظفر له بغيرها من الشعر وكأنت وفاته مطعوناً شهيداً في يوم الخميس تاسع عشر رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن في التربة الكبرى من مرج الدحداح بطرفها القبلي وكثرا تأسف عليه وسيأتي ذكر والده محمد والدكدكجي نسبة تركية وهو صانع الدكديك وهو باللغة التركية ما يوضع ساتراً على ظهر الحصان والجيم باللغة التركية كياء النسبة في اللغة العربية فليحفظ عند ذكر غير المترجم إذا جاء في محله إن شاء الله تعالى والله أعلم(1/21)
السيد
إبراهيم بن حمزة
السيد إبراهيم بن محمد بن محمد كمال الدين بن محمد بن حسين بن محمد بن حمزة وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعروف كأسلافه بابن حمزة العالم الإمام المشهور المحدث النحو العلامة كان وافر الحرمة مشهوراً بالفضل الوافر أحد الأعلام المحدثين والعلماء الجهابذة الحنفي الحراني الأصل الدمشقي السيد الشريف الحسيب النسيب ولد في دمشق ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة بين العشائين سنة أربع وخمسين بعد الألف وبها نشاء في كنف والده واشتغل بطب العلم عليه وعلى شقيقه السيد عبد الرحمن وتخرج عليهما وقرأ على جماعة من العلماء والشيوخ وأخذ عنهم منهم الشيخ محمد البطنيني الدمشقي والشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ يحيى الشأوي المغربي الجزايري والشيخ إبراهيم الفتال الدمشقي وقرأ الفقه والأصول على العلامة الحصكفي المفتي الدمشقي وعلى الشيخ محمد المحاسني الدمشقي وأخيه الشيخ إسماعيل المحاسني وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الباقي الحنبلي وولده الشيخ محمد أبي المواهب الحنبل وأخذ النحو عن النجم الفرضي ولازم الشيخ أحمد القلعي والشيخ محمد بن بلبان الصالحي وأخذ عن الشيخ سعودي الدمشقي الغزي والشيخ عبد القادر الصفوري والشيخ رمضان العطيفي والشيخ أبي بكر السليمي والشيخ أحمد الخياط والقاضي كمال الدين المالكي وغيرهم وسمع الصحيحين على والدة بقرآءته وقرآءة أخويه وإجازة جماعة من الأعلام من دمشق وغيرها وسافر إلى الروم وقرأ بها على جماعة منهم المولى عبد الوهاب خواجه السلطان سليمان الثاني والمولى موسى القسطموني قاضي المدينة المنورة والشيخ عبد القادر المقدسي خطيب جامع اسكدار والمولى الفاضل السيد عبد الله الحجازي الحلبي وغيرهم وسافر إلى مصر متولياً نقابة الأشراف فيها في سنة ثلاث وتسعين بعد الألف وأخذ عن علمائها وتولى نيابة محكمة الباب الكبرى بدمشق والقسمة العسكرية والنقابة مرات ودرس بالماردانية في صالحية دمشق في الهداية بالفقه ودرس بالمدرسة الأمجدية والمدرسة الجوزية وقرأ الجامع الصحيح للإمام البخاري في داره في محلة النحاسين في الأشهر الثلاث وحضره جم غفير وكان صدراً من صدور دمشق ذا أبهة ووقار وسكينة وعبادة وأوراد قال العالم الشمس محمد الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق في ثبته حضرت دروسه في بيته وشملتني إجازته ورأيت بخطه في إجازته أن مشايخه يبلغون ثمانين شيخاً منهم الشيخ محمد العناني والسيد أحمد الحموي الحنفي والشيخ خليل ابن البرهان اللقاني والشيخ شاهين الأرمنازي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشيخ إبراهيم(1/22)
البرمأوي والشيخ محمد الشوبري والشيخ محمد الخراشي المالكي والشيخ المقري محمد البقري والشيخ محمد مرداش الخلوتي وغيرهم ومن الحرمين أخذ عن الشيخ أحمد النخلي المكي وعبد الله بن سالم البصري المدني والشيخ حسين بن عبد الرحيم نزيل مكة والشيخ عبد الله اللاهوري ثم المدني والشيخ إبراهيم البري المدني وأخذ عن الفقيه الكبير العلامة خير الدين ابن أحمد الرملي والشيخ محمد بن تاج الدين الرملي والشيخ المحقق عبد القادر البغدادي والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي ثم المدني وكذلك عن الحسن بن علي العجيمي المكي والاستاذ النحرير إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة وغير ما ذكر من الأجلاء وله مؤلفات منها أسباب الحديث مؤلف حافل لخص فيه مصنف أبي البقاء العكبري وزاد عليه زيادات حسنه ومنها حاشية على شرح الألفية لابن المصنف لم تكمل وترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في حقه صغيرهم الذي هو فذلكة حسابهم والجامع الكبير لما تشعب من بحر أنسابهم وله الاطلاع الذي يخفى عنده صميت بن السمعاني ويعدم ابن العديم والرواية التي يشفع حديثها قديم الفضل فالحديث يشهد بفضله القديم وقد طلع من هذا الفلك بدر تستمد منه البدور وحل من المجد صدر تنشرح برؤيته الصدر وعنى بالرحلة من عهد ريعانه فسطع نور فضله بين إشراق الأمل ولمعانه وهو اينما حل حلا وحيثما جل جلا والقلوب على حبه متوافقه وأخبار فضله مع نسمات القبول مترافقه وكنت لقيته بالروم أول ما حليتها فسربت كربتي في تلك الغربة بلقائه وجليتها
وانسيت ذنب الدهر لما رأيته ... ودهر به القاه ليس له ذنب
وهو الآن بدمشق مقيم بين روح وريحان وجنة ونعيم تحيته فيها سلام وآخر دعواه أجلال واحترام رغبته إلى التوسع في المعلومات ممتده ونفسه باقتناء المعلومات محتده وله في الأدب بسطة وباع وشعر متجمل برونق وانطباع فما رويته من نظمه الذي اتحفني باملائه وجلا عن مرآة فكري صداها باجتلائه أنتهى ما قاله ولم يذكر له من الشعر سوى القصيدة التي سبك فيها نسبه ولم أظفر له بغيرها من الشعر حتى اثبته هنا إلا بشيء نزر وحج في سنة تسع عشرة ومائة وألف فلما عاد مرض ولم يزل حتى توفي بمنزلة ذات الحاج يوم الاثنين تاسع صفر سنة عشرين ودفن بها وبنو حمزة بدمشق رؤساء ساداتها سادة أكرمين وغر ميامين تقلدوا من المعالي غرراً ونثروا من آدابهم درراً فهم آل البيت الذي زكا نجارهم وسما سؤددهم وفخارهم سيادتهم سابغة المطارف حائزون عوارف المعارف من تالد وطارف إلى فضل ومجد وشرف وحسب(1/23)
وسيأتي ذكر أخي المترجم السيد عبد الكريم وابن أخيه السيد سعدى كل في محله وقد ذكر منهم الأمين المحبي في تاريخه وفي نفحته شرذمة أجلاء وغيره من أهل التاريخ كالغزي وابن طولون وأخذ عنهم الحديث وغيره ناس كثيرون وقد أنتشرت فواضلهم وخلدت في الاسفار والله أعلم ونسبتهم إلى حران وهي بالفتح والتشديد مدينة بالجزيرة بالقرب من بغداد والله أعلم
إبراهيم النحشي
إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد النحشي الخلوني البكغالوني الحلبي العالم العامل الفاضل الكامل الناسك الزاهد التقي العابد أخذ عن علماء بلدته وارتحل إلى الحج صحبة والده في أواخر القرن الحادي عشر وجأور بمكة مدة وأخذ عن علمائها وعلماء المدينة في مدة مجأورته وأخذ عن والده فقه الإمام الشافعي وفنون الحديث والعربية ثم عاد إلى حلب بعد وفاة والده واستقام بها مدة وأخذ عن علمائها ثم ارتحل إلى دمشق وأخذ عن علمائها وعاد إلى حلب بعد استقامته برهة من الزمان بدمشق وكأنت مدرسة المقدمية يومئذ في تصرف أخيه الشيخ العالم عبد الله البخشي الخلوتي فقرر له يده عنها واستقام بها إلى منتهى أجله مشتغلاً بالإفادة والتدريس وأنتفع به خلائق واشتغل في تلك الأوقات بكتابة وقائع الفتأوى الحنفية وإليه أنتهت رياسة فقهاء المذهبين بحلب مع ثباته على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وبرع في فن الحديث الشريف وسائر علومه حتى صار يشار إليه فيه بالبنان وأخذ عن كثير من أعيان هذا الشان وله في الفتأوى الحنفية ثلاث مجلدات أفاد فيها وأجاد وله في فقه الإمام الشافعي تحريرات مفيدة وكأنت له اليد الطولى في سائر العلوم وكان اشتهاره بالفقه في المذهبين وبالحديث وكان عالماً في الورع والزهد صابراً على ما ابتلاه الله به من حصاة كان الشق عنها سبب وفاته وكأنت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة وألف والبكغا لوني نسبة لبكغالون بفتح الموحدة قرية من أعمال حلب والبخشي هو جدهم الكبير أحمد بخشي خليفة الأماسي نسبة إلى أماسيه كان له يد في التفسير وقرأ عليه جماعة كثيرون وترجمه طاش كبرى في الشقائق النعمانية وأثنى عليه في الطبقة التاسعة وذكر أن وفاته كأنت في سنة ثلاثين وتسعمائة وقد رأيت نسبة المترجم إليه محررة في خط أحد الحلبيين كما ذكرناه وسيأتي في تاريخنا هذا ذكر حسن وإسحق أخوي المترجم وذكر ابن أخيه إن شاء الله تعالى(1/24)
ابراهيم المرادي
إبراهيم بن محمد بن مراد بن علي بن دأود بن كمال الدين الحنفي المعروف بالمرادي البخاري الأصل الدمشقي المولد عمى شقيق والدي السيد الشريف الحبيب النسيب الشاب الفاضل الأديب النبيه الزكي المتفوق كان من نبهاء عصره لطيفاً حسن العشرة حاذقاً بارعاً كاملاً ظريفاً متودداً رقيق الطبع حسن الشمائل ولد بدمشق في سنة ثمان عشرة ومائة وألف تقريباً ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن ونبغ بها وتفوق وطلع مكتسباً للكمال والفضائل وقرأ على بعض الشيوخ وصارت له ملازمة وتدريس في طريق الموالي بدار الخلافة اسلامبول هو وأخوه السيد خليل بعده من شيخ الاسلام المولى قره إسماعيل مفتي الدولة العثمانية ولم يترق بالمدارس كعادتهم لكونه توفى بعد صيرورتها ولم تطل مدته وكان والده جدي حفه الرضوان القدسي يحبه وله به تعلق لنجابته وفضله وأدبه وحسن نباهته وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وتزوج بابنة ابنه الشيخ إسماعيل وكتب للعم المترجم سميه وصاحبه الأديب إبراهيم الحكيم الصالحي بقوله وكان وعده بوعد ولم ينجزه
يا ابن الأولى يا جيدا رباب العلا ... يا من به روض المفاخر قد زها
لا تنس ما أوعدت في إنجازه ... لا زلت بحر المكرمات وكنزها
فأجابه العم المذكور بقوله
إني بما أوعدت لست بمخلف ... حاشى لمن رب الفضائل حازها
والعفو عما قد أتيت سجية ... منكم وإني مسرع إنجازها
وللعم المذكور ماء حب الآس قوله
إن من يذكر الحبيب بوصل ... عند مضناه زائد الوسواس
ذاك عذب يرى ولو بملام ... هو أحلى من ماء حب الآس
وقوله في ذلك
بأبي أغيد يصول على الصب ... بلحظ مفوق نعاس
وحلا منه للمتيم نطق ... هو أحلى من ماء حب الآس
وقوله في ذلك
يا فريدا في الحسن أرفق بصب ... داءوه معجز الحب الآسى
ثم جد سيدي برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس(1/25)
وفي ذلك مقاطيع شعرية صدرت من أدباء دمشق لأمر اقتضاه ذلك فمن أنشد فيه وأبدع في التشبيه الشيخ محمد بن أحمد الكنجي الذي هو المبتدع لتضمينه والمبتكر لايجاده وافتراع أبكاره وعونه فقال
ظبي أنس بدا برونق حسن ... يتهادى بقده المياس
وحباني من ثغره برضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس
وله
يا رسول الرضى ويا خير هاد ... للبرايا ورحمة للناس
طيب ذكراك في كل حين ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ سعدى العمري
يا مثير الغرام في كل قلب ... ما لجرح اللحاظ غيرك آسى
دأو مرضى الهوى برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول أخيه الشيخ مصطفى العمري
بدر تم حلو الشمائل غض ... وافر الظرف بالمحاسن كاسي
يحتسي السمع منه طيب حديث ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول المولى حامد العماري المفتي
يا حبيبي إذا سألت سوالا ... عز نقلا وفيه نفع الناس
انشر الكتب كالجدأول ليلا ... ونهارا مع اجتماع حواس
فسروري بنقل قول صحيح ... هو أحلى من ماء حب الآس
وله مداعباً رجلاً طلب منه ذلك
قال شخص طبخ الكنافة ليلا ... واقتناصى لنقلها واختلاسي
واقتطافي قطر القطائف معها ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول المولى سعيد السعسعاني
بي ريم يسبي بمسكي خال ... يتلالا في جيده الألماسي
علني من رحيق ثغر بكاس ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ أحمد علي المنيني
قلت للأهيف الممنع لما ... صعدت ماء خده أنفاسي
ماء ورد بوجنتيك لصاد ... هو أحلى من ماء حب الآس
وتفنن في ذلك فنقله إلى لغة الألثغ فقال
لست أنساه أغيدا قد أثارت ... لثغة منه لوعتي بانبعاث(1/26)
قام يجلو من المدام كؤسا ... بين مثنى يديرها وثلاث
قائلاً هاك من رضأبي كاثا ... هو أحلى من ماء حب الآث
ومن ذلك قول الشيخ صادق الخراط
يا بروحي من جاء يخطر عجبا ... في حلى الملك كالقنا المياس
ناظر للورى بطرف غضوب ... بين قومي ولم يخف من باس
قلت لا تغضبن فشتمك عندي ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ محمد المحمودي وفيه التورية
قد حباني الاسي بحب عجيب ... قال هذا مفرح الأكياس
قد عجنا أجزاء هذا بماء ... ذيب من سكر كما الالماس
فرآء الحبيب فاشتاط غيظاً ... قال دعه ولا تخف من باس
وتعوض عنه برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الفاضل محمد ابن رحمة الله الأيوبي مخاطباً محمد الكنجي
يا هماما حاز الكلمالات طرا ... بابتكار التخييل والاحتراس
دمت في حلبة الفضائل فردا ... حائز السبق زائد الايناس
كم لكم من بديع در نظام ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ صالح ابن المزور
أسر القلب حب ظبي غرير ... ثوب حسن له المصور كاسي
اتخذ الهجر والصدود دلالا ... بفؤاد على المتيم قاسي
قلت جد لي بنظرة من محيا ... ك حبيبي فقد عدمت حواسي
فحباني منه بساعة وصل ... هي أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ موسى المحاسني
بدر تم بدا بحسن اللباس ... يتباهى بقده المياس
يزدري بالغصون لينا وقدا ... والظباء لفتة مع استيناس
أسكرتني ألفاظه بحديث ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ سعيد الكناني
يا سروري من بعد طول التنائي ... بالمقا واعتناق ظبي كناس
فبروحي وما حويت بشيرا ... رد إذ جاء ناظري وحواسي
عندما دار لي من البشر كاسا ... هو أحلى من ماء حب الآس(1/27)
ومن ذلك قول الماهر مصطفى ابن بيرى الحلبي
بأبي مشرق الجيوب بوجه ... هو كالبدر في دجى الأغلاس
قد جلته يد التلاقي علينا ... مسفراً في ملابس الايناس
وأمال العناق نحوي عطفا ... يزدهي من قوامه المياس
فتجارت سوابقي من دموعي ... قطرتها صواعد الأنفاس
فتلقى بفاضل الردن دمعي ... مذ رأى فيض عبرتي ذا انبجاس
فتأوهت حين أنكر حالي ... قائلاً وهو بانعطافي مواسي
إن دمع السر ورغب التلاقي ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول البارع حسين ابن مصلى
زان منها زبرجد الوشم ثغرا ... سكريا معطر الأنفاس
أرشفتني رضابه ثم قالت ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الكامل محمد بن عبد الله كتخدا أوجاق اليرليه
ما على من قضى ممر الليالي ... صارفاً نقد عمر للكاس
يتعاطى مشمولة بمزاج ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قوله أيضاً
هات حدث عنها ولا تخش لوما ... واستقنيها بالجام أو بالطاس
بنت كرم مزاجها وصفاها ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ خليل بن محمد الفتال
جس نبضي الطبيب قال عليل ... في هوى أغيد شديد الباس
قلت خل الهوى وعد جس نبضي ... إن هذا يزيد في الوسواس
قال إني لناصح بكلامي ... ليس الأمن أعين نعاس
قلت صف لي مفرجاً يجل همى ... ويزل حر مهجتي وحواسي
قال فارشف من ريقة رشفات ... هي أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الكامل إبراهيم بن مصطفى الاسطواني مخاطباً الكنجي
يا فريداً في عصره والمزايا ... من حوى العلم والحجى باقتباس
هو خلى الكنجي بحر نظام ... معدن الجو دعا طر الأنفاس
لم يدع للمقال معنى بديعا ... يجتني منه حار فيه حواسي
أودع السمع من حلاه حديثاً ... هو أحلى من ماء حب الآس(1/28)
وقوله وتعرض لذكر وصف رجل يعرف بابن الفستقي من أهالي الصالحية على طريق المداعبة
قلت يوماً للفستقي تأدب ... وأشهد الحق معلناً في الناس
قال دعني ولا تكن لي نصوحا ... فاقتي أزعجت جميع حواسي
درهم في شهادة الزور عندي ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك ما أنشد فيه الاستاذ الشبح عبد الغني النابلسي بقوله
نزل الغيث بعد طول رجاء ... فهنيئاً به لكل الناس
وحلا عندهم وطاب كثيراً ... فهو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق
روض حسن فيه الحبيب تجلى ... بدلال تيهاً على الجلاس
قد سقاني من البعاد بوصل ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومن ذلك قول الشيخ محمد بن عبيد العطار
صاد قلبي بلحظه مذ تبدا ... ينثني بعطفه المياس
رشا كامل المحاسن فرد ... في بهاء معطر الأنفاس
وصله بغبتي ورشف الماء ... هو أحلى من ماء حب الآس
ومما وجد على هامش هذا الكتاب فألحقناه وهو للمولى السيد حسين المرادي المفتي بدمشق الشام بيتين في هذا المعنى ومشطرهم السيد محمد أمين الأيوبي في سبك المعنى طعما ورايحة
شامات حب الآس لما إن بدت ... في خده أسبت عقول الناس
وتكاملت أوصافه لما غدت ... من صدغه في وجنة الماس
فانظر إلى ريق حلا في ثغره ... أشهى وأزهى من سلاف الكاس
والثم لما ذاك الثغير لانه ... أزكى شذا من ماء حب الآس
وفي ذلك غير ما ذكرنا من المقاطيع وأما الآس ففضائله عظيمة حتى ذكر أن عصا موسى عليه السلام كأنت منه وخضرته دائمة وله زهرة بيضاء طيبة الرائحة وثمرته سوداء ومنها ما هو أبيض كاللؤلؤ بين ورق الزبرجد وعصارة ثمرته رطباً تفعل فعل الثمرة في المنفعة وهي جيدة للمعدة وله خصائص غير ذلك وطبعه بارد يابس مجفف يولد سهر أو دفع مضرته بالبنفسج ويصلح الأمزجة الباردة بالحاصية وأنشد في تشبيهه سليمان بن محمد الطرابلوسي قوله
أحبب بقضبان آس في سائر الدهر توجد ... كأنها حين تبدو سلاسل من زبرجد(1/29)
وقال الاستاذ عبد الغني النابلسي
ولقد أتينا للحدائق بكرة ... والطل يقطر فوق روض أنفر
وكائن حب الآس فوق غصونه ... عقد اللآلي ضمن سلك أخضر
وقد قال ابن حجة تتبعت ما قيل في الآس فما ارماني الاقول القائل
خليلي ما للآس يعبق نشره ... إذا أشتم أنفاس الرياح البواكر
حكى لونه أصداغ ريم معذر ... وصورته آذان خيل نوافر
وما خلا عن فائدة وكأنت وفاة العم صاحب الترجمة في يوم الأحد الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وأربعين ومائة وألف بمرض الدق ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق بمقام سيدنا ذي الكفل عليه السلام وقيل في تاريخ وفاته
ضريح قد تبوأ السناء ... وفي قاسيون لاح به ضياء
حوى من آل خير الخلق شهما ... يدوم لجده منه الرجاء
له بالقرب من ذي الكفل كفل ... ويسعد من رعته الأنبياء
وفي دار البقا قد نال زافي ... وبالجنات طاب له اشوآء
فبالرضوان والفردوس أرخ ... لإبراهيم إذ وفى الهناء
إبراهيم بن سفر
إبراهيم بن محمد المعروف بابن سفر الحنفي الغزى الشيخ الصوفي العالم الفاضل نشاء في غزة وحين حصل لجده بالاسلامبول عزه أخذ المترجم بنفسه وسافر إلى مصر القاهر وأقام وجد بالطلب في العلوم والتحصيل فنال الحظ الأوفر وتفقه مدة خمس عشرة سنة ومن جملة شيوخه السيد علي الضرير والشيخ سليمان المنصوري وغيرهما ورجع إلى غزة واجتمع بعد سنين بالاستاذ الشيخ مصطفى ابن كمال الدين الصديقي الدمشقي وأخذ عنه الطريق ولقنه بعض أسمائه المنوطه به وصار له ملكة قوية في علوم القوم وخاض في بحرها وعام وهو مع ذلك يفتي على المذهب الحنفي ويقري بعض الطلبة ما أرادوه من منطق وبيان وغير ذلك وكان فيه بقية من الحظوظ النفسانية وهي التي أقعدته أخيراً كسيحاً وبقى في ذلك مدة ومرض بالاستسقاء آخراً ومات وكان له شعر كثير فما وصلني منه قوله من قصيدة
ترفق رعاك الله بالصب يا حادي ... ومل بي يا هادي إلى شاطىء الوادي
إلى كعبة التطواف وأنزل بشعب من ... تملك قلباً ذاب بالوجد يا حادي
ويا راكباً بزلا عراباً وواصلاً ... مقاما لسعدى ربة الخال والنادي
ويا هادياً تلك العراب وغادياً ... فديتك يا هادي دخيلك يا غادي(1/30)
تعرج لهاتيك الخيام بحاجر ... ونحوز رودمل فثمة ميرادي
وقل يا حماك الله خلفت مغرما ... أسيراً مشوق القلب من وجده صادي
يجن إلى لقيا الأحبة مولع ... يئن إذا برق بدا دون ميعاد
كنت على نار الغرام ضلوعه ... إذا هب من سلع نسيم وأجياد
وإن بارق من ثهمد لاح نحوه ... وقد فاح عرف الندا وطيب أوراد
ترى دمعه يجري صبيباً كعندم ... ويبدي زفيراً لا يحد بتعداد
فنوا عليه باللقا بعد بعده ... وحنوا وحيوه تحية أجواد
عسى تنطفي نار الفراق بقربكم ... ويطرب قريه على غصن مياد
عسى رأفة يد نوبها لمقامكم ... وبلبله يشدو لها فوق أعواد
عسى ترحموه عطفة وتكرما ... فيحيى بكم يا سادة القرب والبادي
يحن إذا ما الليل جن لما يرى ... ويرقب طرف النجم في سيره العادي
يقول وقد ضاقت عليه مذاهب ... ولا كالذي جاب البلاد بلا زاد
الأهل مجير لي اخا الكشف والولا ... ومن لي معينا أرتجيه لارشادي
بحقك كن لي ناصحاً ومؤيدا ... لمن ألتجي في كشف حجبي وامدادي
وقوله مخمساً أبياتاً للشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره
حكم الله جل فيها انبهار ... وعلى العقل من مداها استتار
فلذا قاله عارف مختار ... رب شخص تقوده الأقدار
للمعالي وما لذاك اختيار
مائلاً والهداية استقبلته ... ما هلا والعناية اكتنفته
خاملاً والارادة استحسنته ... غافلاً والسعادة احتضنته
وهو منها مستوجس نفار
فتراه إن قال قد قال حقا ... وإذا سار سار بالحق صدقا
لا مضراً يخشى ولا يتوقى ... يتعاطى القبح عمداً فيلقا
جميلاً ويستر الستار
وفقيهاً إن قال في الفقه أفتى ... تقياً حاز الفضائل شتى
وأخا الزهد بت دنياه بتا ... وفتى كابد العبادة حتى
مل من ذاك ليله والنهار
ان يروم الاحسان يلقاه ضرا ... أو يذيع المعروف يرجع شرا
أخذا جانباً عن الناس طرا ... يفعل الخير ثم يلقاه شرا(1/31)
وإذا رام جنة فهي نار
منح جل قادر مبتديها ... وشؤن لخلقه بمصطفيها
فهي حق إن رمت أن تجتليها ... حكم حارت البرية فيها
وحقيق بأنها تحتار
ليس يدري شخص إذا ما انجلت ... كيف إقبالها ولا إذ تولت
غير أنها أحوال في الخلق جلت ... وعطايا من المهيمن دلت
إن الله فاعل مختار
ومن شعره قوله
ساقي الندامى بدالي ... بكأس خمر الدوالي
قديمة العصر تجلى ... صرفا بنور الجمال
وزمزم الكاس منه ... بريق شهد حلالي
وقال لي اشرب وعربد ... واصدح بها لا تبالي
شربت شرباً هنياً ... منه بدا ما بدا لي
حتى سكرت بحاني ... وما علمت بحالي
فغبت عني بسكري ... ولم أزل في توالي
سكرى بحاني حلالي ... فيه اعتكاف الليالي
فقيل لي ذا حرام ... عليك قلت حلالي
وكأنت وفاته كما أخبرت في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن ظاهر غزة رحمه الله تعالى
إبراهيم بن محمد الرومي
إبراهيم بن محمد الحنفي الرومي أحد الموالي الرومية قدم من ملطية مسقط راسه إلى دار الخلافة قسطنطينية وخدم بها شيخ الاسلام مفتي الدولة مصطفى بن فيض الله الحسيني وصار عنده إماماً ولازم على عادتهم وسلك طريق التدريس حتى صار مدرساً وتنقل بالتدريس على العادة حتى صار قاضياً باسكدار وبعد انفصاله قدم حاجاً صحبة المولى محمد نافع بن محمد قاضي المدينة المنورة وعاد من الحجاز للديار الرومية وكان يترقب صيرورته قاضياً بإحدى البلاد الأربع التي هي ادرنه وبورسه والشام ومصر ورتبتهم بالمقام كرتبتهم بالعدد فولى قضاء دمشق ودخلها وكان دخوله سنة إحدى وتسعين ومائة وألف وباشر أخوه سليمان المدرس أمور النيابة وتعاطى الأحكام ووقع بينه وبين الوزير محمد باشا ابن ابن العظم والي الشامي وأمير(1/32)
الحاج الشريف ماجريات وأحوال يطول شرحها وكان يظهر البله والتغفل في حركاته بعد انفصاله بمدة ولى قضاء المدينة المنورة وعاد إلى دمشق ثانياً وذهب منها وبعد وصوله لدار الخلافة قسطنطينية مات وكأنت وفاته بها في سنة سبع وتسعين ومائة وألف عن سن عالية رحمه الله
إبراهيم الراعي
إبراهيم بن مراد بن إبراهيم المعروف بالراعي الدمشقي البارع الأديب ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه راعي ولأ الموده ومراعي ذمة من والاه ووده أشار إلى الأدب فأقبل نحوه يسعى وحمدت في تلقي مراميه عواقب المسعى وجال فيه جولة كرمت فيها خصاله وأرهفت بمواقع أرائه بيضه ونصاله واجتنى من باكورته الثمرة الجنبه ونهل من منهله الشربة الهنية بمنطق يطفي الحرارة ويخمد من جمر الحشا شراره ولحبة كالقطن المندوف فيها اعتياض وطبيعة سالمة من علاج الأدوآء والأمراض وله شعر صادف الإصابة فوق سهمه إلى غرضه فأصابه ليس بمتكلف فيه ولا متعسف ولا هو حريص على جمعه ولا متأسف أنتهى مقله ورحل في خدمة الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي إلى البقاع وبعلبك وذلك في سنة مائة بعد الألف ورحل في خدمته أيضاً للقدس في سنة إحدى بعد المائة وكان الاستاذ له نظر عليه وأخذ عنه وكان عليه كتابة في أوجاق اليرليه ومن شعره قوله
لم أكن أرعوي لقول وشاة ... في هوى شادن تملك قلبي
غير أن أقول في كل حين ... لخلو الفؤاد الله حسبي
وقوله
مليح في دمشق غدا فريداً ... يرى أبداً غرامي فيه شب
ولم يك دأبه إلا التجافي ... لصب ناره أبداً تشب
وقوله
بديع جمال الخجل الغصن قده ... لقد تاه في ذاك الجمال وعربدا
لئن ضل قلبي في دجى ليل شعره ... فمن وجهه قد لاح نور لنا هدى
قوله
وزهر الدفل لما راح يزهو ... حكى في حمله للورد لونا
كؤس من عقيق قد تبدت ... فتره في رياض الانس عينا(1/33)
ومن ذلك قوله الشيخ البارع أحمد الشراباتي الدمشقي
كأن زهور تلك الدفل لما ... تبدت فوق أشجار جسام
قناديل من الياقوت أضحت ... معلقة على خضر الخيام
وفيه للاستاذ عبد الغني النابلسي قوله
وأشجار دفال فوقها الزهر قد بدا ... كجمر على تلك الغصون توقدا
والاكتبر أحمر سال ساعة ... فصادفه برد الهوى فتجمدا
والا عقود من عقيق تنظمت ... وقد قلدوها ساعة الدوح واليدا
ومن قد رآه من بعيد يظنه ... هو الخد ممن قد هويت توردا
ويحلف أن الورد فوق غصونه ... بدا فإذا وافاه الكرما بدا
وللمترجم مضمنا
رشأ أدرا الكأس ليلاً بيننا ... من خمرة تحكي عصارة عندم
حتى بدا وجه الصباح فقال لي ... من عادة الكافور إمساك الدم
ألم يقول الأمير المنجكي
وروضة أنس بات فيها ابن ايكة ... يغرد والنادي الرخيم يشف
وقد ضمنا فيها من الليل سابغا ... رداء بأكناف السحاب مسجف
وباتت عرانين الأباريق بالطلا ... إلى أن بدت كافورة الصبح ترعف
وقد سبق المنجكي إلى ذلك ابن رشيق حيث قال
صنم من الكافور بات معانقي ... في بردتين تعفف وتكرم
ففكرت ليلة وصله في هجره ... فجرت بقايا أدمعي كالعندم
فطفقت أمسح مقلتي بجيده ... من عادة الكافور إمساك الدم
قال الخفاجي لكنه جعل جيد محبوبه منديلاً فدنسه فلو قال
فجعلت عيني تحت أخمص رجله ... إذ شيمة الكافور إمساك الدم
لكان أليق بالأدب ومن ذلك قول ابن برج الأندلسي وأجاد
ألا بشروا بالصبح مني باكيا ... اضربه الليل الطويل مع البكا
ففي الصبح للصب المتيم راحة ... إذا الليل أجرى دمعه وإذا اشتكى
ولا عجب أن يمسك الصبح عبرتي ... فلم يزل الكافور للدم ممسكا
وللخفاجي ما يشير إلى ذلك
وساق في السرور غداً طبيبا ... له طرف يشير إلى التصأبي
رأى في الكاس صب دم الحميا ... فذر عله كافور الحباب(1/34)
ومن ذلك تضمين الشيخ أبي السعود العباسي الشهير بالمتنبي الدمشقي حيث قال
قد عض من فوق العقيق بلؤلؤ ... من ثغره حلو اللما والمبسم
فحمى رضابا بن سلافة ريقه ... قد لاح من شفق العقيق كعندم
خمر له در الثنايا أمسكت ... من عادة الكافور إمساك الدم
ومن ذلك تضمين الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
وشقائق النعمان حول الماء في ... روض أريض بالربيع منمنم
هطل الندى فيه النضارة ممسكاً ... من عادة الكافور إمساك الدم
وقوله لواقعة في دمشق
قتلت بجلق عصبة لعبت بهم ... أهواؤهم بفعال طاغ مجرم
وبشيبة الجأويش كان ختامهم ... من عادة الكافور إمساك الدم
قوله
ومهفهف يحكي بأبيض جسمه ... في شعره بدراً بليل مظلم
وبدا بورد أحمر في كفه ... من عادة الكافور إمساك الدم
ومن ذلك قول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرزاق مضمناً
ورد الرياض تفتحت أكمامه ... والجلنا رادار كاس العندم
والياسمين الغض وافى بعده ... من عادة الكافور إمساك الدم
ومن ذلك قول عبد الحي الشهير بالحال مضمناً
ولقد وقفت على الطلول وأدمعي ... تجري على خدي كلون العندم
وطفقت أسأل ربعهم وديارهم ... شوقاً إليهم باليدين وبالفم
فأجابني رسم الديار وقال لي ... حييت من باك بغير توهم
لو عاينت عيناك أجياداً لمن ... بانوا لما سالت دماً بمخيم
ولجف هذا الدمع منك لأنه ... من عادة الكافور إمساك الدم
ومن ذلك قول الشيخ صادق الخراط مضمناً
ودعته وبكيت عند فراقه ... بمدامع تحكي عصارة عندم
وأتت بشائر قربه في رقعة ... بيضاء ذات تلطف وتكرم
فوضعتها فوق العيون فأمسكت ... من عادة الكافور إمساك الدم
ومن ذلك قول الشيخ سعيد السمان مضمناً
ومورد الوجنا لما إن رنا ... صاد الورى من كل ليث ضيغم
وأراش من تلك اللواحظ أسهما ... لصميم أحشاء الكئيب المغرم(1/35)
فنثرت دمعاً في مواقف ذلتي ... من طرفي الجاني بلون العندم
لما رآه الطرف أمسك دمعه ... من عادة الكافور إمساك الدم
وأنشدني الفاضل الشيخ علي ابن محمد الشمعة مضمناً لذلك بقوله
لما بفكري مر طيف خياله ... وأردت أنظر وجنة لم تلثم
كادت تسيل لطافة لكنه ... من عادة الكافور إمساك الدم
وأنشدني أيضاً الأديب السيد عبد الرحيم اللوجي مضمناً لذلك بقوله
لما دنا الآسى ليقصد منيتي ... وأبى الخروج دماء ذاك المعصم
ناديته مه يا طبيب فإنه ... من عادة الكافور إمساك الدم
وقد ألف صاحبنا الكمال محمد بن محمد الغزي العامري رسالة في ذلك سماها لمعة النور بتضمين من عادة الكافور أكثر فيها من التضمين لهذا المصرع فلتراجع وللمترجم مقتبساً ومكتفياً
ومخضر العذار يميس تيها ... وفاتك لحظه للقلب فاتن
فقلت له وقد أصمى فؤادي ... وصبر من جفوني الدمع هاتن
إلى كم ذا الجفافا كشف قناعا ... عن الخال الذي في الخد ساكن
وجد في نظرة تطفي لهيبا ... مقيما في الحشا أبداً وكامن
فألوى جيده عني ونادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن
ومن ذلك تضمين الشيخ عبد الرحمن الموصلي حيث قال
وبي ظبي رقيق الطبع أحوى ... شهي الثغر بالالحاظ فاتن
رآني مقبلاً يوماً وقلبي ... به قلق ودمع العين هاتن
فقال الآن ملت إليك طبعا ... فكن أبداً من الهجران آمن
فقلت له أتحلف لي فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن
ومن ذلك تضمين الأديب حسين الحلبي المعروف بابن الجزري
أقول لرب حسن قد رماني ... فمن يفاتك الأجفان فاتن
مميتي كيف تحييني فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن
ومن ذلك تضمين الشيخ إبراهيم الأكرمي الدمشقي
أقول لمن أموت به وأحيا ... مراراً وهو لاهي القلب ساكن
أيحيى وصلك الموتى فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن
وللمترجم حيث كان يخدمه الاستاذ عبد الغني النابلسي في رحلة القدس قوله
شرفت بالربيع كل الأراضي ... وتباهت به على كل فصل(1/36)
وغدا زهره يفوح علينا ... حيث كنا بالوصل من غير فصل
وقال في القدس
أيا صخرة الله فيك الهدى ... ومن قد أتاك غدا أسعدا
لقد خصنا الله في زورة ... تذكرنا الحجر الأسعدا
وله
لا يعيب الشعر إلا جاهل بين البرية ... لا تقول الشعر سهل إنما الشعر سجية
ومن ذلك للاستاذ عبد الغني النابلسي حيث قال
انظم الشعر وجانب قول من حذر منه ... لا يعيب الشعر إلا كل من يعجز عنه
وفي ذلك لي من النظم وهو قولي
انظم الشعر ولا تصغ إلى قول جهول ... حبذا شيء أتى فيه حديث عن رسول
وهوان من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا ولنا من قصيدة هذا المفرد
واقطع الأيام فيه ... تحظ في أنس جزيل
وللمترجم
ذوو جنة حمراء مذ شاهدتها ... أضحى الفؤاد مولهاً بلهيب
فسألت روضة حسن ما هذه ... جورى فقالت لا فقلت نصيبي
ولا تخفى النورية فإن من أولى الورد الجوري وأحسن من ذلك قول الملك الأشرف رحمه الله تعالى
جارت ورود خدودفي أوجه كالبدورفقلت لما تبدتكوني نصيبي وجوري
ومن شعر المترجم قوله
وظبي من بني الأتر ... اك إذ ما ماس يسبيني
فدع يا عاذلي عذلاً ... فما في القلب يكفيني
وقوله
دمشق سادت على كل البلاد ولم ... ينكر لذا القول ذو عقل وتمييز
من بعض أوصافها في الحسن إن وصفت ... ثلوج كانون في أيام تموز
وكأنت وفاته في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى
إبراهيم بن مصطفى الحلبي
إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم الحنفي الحلبي المداري نزيل قسطنطينية العلامة الكبير والفهامة الشهير آية الله الكبرى في العلوم العقلية والنقلية ذو التصانيف(1/37)
الباهرة الذي هو بكل علم خبير كان من أكابر العلماء الفحول وشهرته تغني عن تعريفه ووصفه ولد بحلب وكان مدارياً في الأصل ففتح الله عليه واشتغل في بدايته على أهل بلدته حلب الشهباء وكان رأى رؤيا فقصها على شيخه ومربيه الشيخ صالح المواهبي شيخ القادرية بحلب فأمره بالقراءة في العلوم فتوجه إلى مصر القاهرة واستقام بها سبع سنين مشتغلاً وأتقن فيها المعقولات ثم توجه إلى بلده فسئل عن المنقول فأظهر أنه لم يحققه كما ينبغي فقالوا له احتياجنا إلى المنقول أكثر من احتياجنا إلى المعقول فسافر إلى الحج على طريق الشام وقدم دمشق وأخذ بها عن جماعة فأخذ التصوف عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عن الشيخ أبي المواهب ابن عبد الباقي مفتي الحنابلة بها والشيخ الياس الكردي نزيلها وقرأ مفصل الزمخشري على الشيخ محمد الحبال وأخذ عن الشهاب أحمد الغزي العامري وتوجه إلى الحج فأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي طاهر بن إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد حياه السندي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي ثم رجع إلى القاهرة فأخذ المعقولات والمنقولات عن السيد علي الضرير الحنفي وكان معيد درسه وأنتفع به كثيراً وعن الشيخ موسى الحنفي والشيخ سليمان المنصوري مفتي الحنفية وعن الشيخ سالم النفرأوي المالكي والشيخ الدفري والشيخ أحمد الملوى والشهاب الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشيخ علي العمادي والشيخ محمد بن سيف والشيخ منصور المنوفي وأذن له المشايخ بالتدريس فاقرأ الدر المختار وهو أول من اقرأه في تلك الديار وأول محشى له فأقرأه في أربع سنوات مع الملازمة التامة وأقرأ الهداية وغيرها وأنتفع به الجل واشتهر بالذكاء والفضيلة وتزاحمت الطلبة على دروسه وصار إماماً ليوسف كنجيه وأنتفع من المذكور بدنيا عريضة وجهات كثيرة إلى أن توفي فآذاه الأمير عثمان الكبير أحد أمراء مصر المعبر عنهم بالصناجق واستخلص جميع ما بيده من الجهات وألزمه بأموال كثيرة فما بقي عنده شيء ففي تلك السنة عزل من طرف المصريين الوزير سليمان باشا العظم من ولاية مصر فأرسلوا للشكاية عليه المترجم مع جماعة فتوجه إلى الدولة العثمانية فما اعتبره واليها وكان رئيس كتابها إذ ذاك الوزير محمد باشا المعروف بالراغب فلما اجتمع به واطلع على غزير فضله وعلمه أخذه إليه وتلمذ له فأقرأه في كثير من العلوم وقابل له النسخ المتعددة منها الفتوحات المكية أتى بأصلها نسخة مؤلفها من قونية وغالب النسخ المقابلة خط المترجم واشتهر إلى أن أعطى الراغب الأطواغ ومنصب مصر فأراد التوجه وأنزل حوائجه في السفينة(1/38)
فمنعته القدرة الالهية وبقي في القسطنطينية واجتمع بشيخ الاسلام عمة الروم المولى عبد الله الشهير بالايراني وكان إذ ذاك قاضي العساكر فصار عنده مفتشاً ومميزاً وقرأ عليه علماء الروم منهم ولد المذكور شيخ الاسلام المولى محمد أسعد ومنهم كنخد الدولة محمد أمين كاشف المشهور بالمعارف وأحد رؤساء الكتاب ملاحق زاده المولى إسحق قاضي العساكر ولازم من ملاجق زاده المذكور على قاعدة المدرسين الموالي ثم لما صار شيخ الاسلام المولى السيد مرتضى ولد شيخ الاسلام المولى السيد فيض الله الشهيد عرضت عليه مؤلفاته فأعطاه تدريس الدولة وسلك طريق المالي إلى أن وصل إلى موصلة السليمانية فأدركته المنية قبل الأمنية وله حاشية على الدر المختار وشرح جواهر الكلام ونظم السيرة في ثلاثة وستين بيتاً وشرح لغز البهاء العاملي وله رسالة في العروض ورسالة في الوفق ورسالة في المعمى وغير ذلك ودرس في جامع السلطان سليم وفي جامع اياصوفية بمشيخة الحديث وكان مكباً على المطالعة والاقراء ليلاً ونهاراً مع عدم مساعدة سنه وانحطاط مزاجه لاستعمال المكيفات ودائماً دروسه تحضر فيها العلماء وغالب محققي الأزهر تلامذته وأما في بلاد الروم فلا يحصون كثرة توفى رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة تسعين ومائة وألف ودفن بقسطنطينية جوار سيدي خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
إبراهيم بن سعد الدين
إبراهيم بن مصطفى بن سعد الدين بن محمد بن حسين بن حسن بن محمد بن أبي بكر بن علي الأكحل المعروف كأسلافه بابن سعد الدين الجبأوي السعدي الشافعي الدمشقي القبيباتي شيخ طائفة بني سعد الدين وخاتمة السلف الصالحين الشيخ الأوحد الصالح العمدة صاحب الحالات العجيبة كان شهماً معتقداً له ثروة زائدة وملأة واسعة لأن إيراد بني سعد في وقته كان من المجمع على كثرته وهو ينفقه باكرام الوافدين واستقام على سجادة المشيخة مدة والناس يتبركون به ويخرجون إلى زيارته بالزأوية في القبيبات وأعطاه الله جاهاً ومالاً ودنيا كما اشتهى وشاع ذكره إلى يومنا هذا والحكام تهابه والأعيان تحترمه وتخرج لزيارته وكان من أكابر الصوفية له الشهامة الزائدة والنعم الطائلة وقد توسع في آلات الاحتشام حد التوسع وكان على طريقة أسلافه في البذل والادرارات والميل إلى الشهرة وعلى كل حال فقد كان خاتمة الأجواد من آل بيتهم وبعده لم يخلفه أحد وامتدحه(1/39)
الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بموشح عمل فيه طريقتهم التي ينشدونها في محل الذكر في أوائل ربع الثاني سنة تسع ومائة وألف امتدحه بقصيدة سنية فأدرت ذكرها هنا وهي قوله
ركائب شوقي والحداة بهم تحدو ... إلى الحي حيث البان ينفح والرند
وحيث رياض الذكر عابقة الشذا ... تروح بأهل الذكر وجدا كما تغدو
سقى الله شعب العامرية يا له ... على البعد من شعب وإن كثر البعد
فإن لقلبي في مغانيه وقفة ... بها ضج منى البان والعلم الفرد
شجاني وميض البرق من جهة الحمى ... وما مسعدي سعدى ولا منخدي نجد
فقلت له يا برق رفقاً بمغرم ... إذا غبت يخفى أو ظهرت له يبدو
وأنت فسلم يا نسيم وحيهم ... فأخبار أحبأبي بها قدم العهد
ولم أنسهم لكن نسوني وإنما ... لنار غرامي من هبوب الصبا وقد
وشوقي إليهم كاملاً لم يزل كما ... لأولاد سعد الدين قد كمل السعد
مشايخ وقت عطر الكون ذكرهم ... فما العنبر الوردي يعبق ما الورد
وفي كل عصر واحد بعد واحد ... بهم تنظم الذكرى ويتسق العقد
وقام بإبراهيم بيت مقامهم ... كما قام شكراً لله بالبيت والحمد
فطافت به الراجون من بركاته ... مزايا كمال أودع الأب والجد
فتى يهدي أسلافه الغر يهتدي ... ولا زالت القصاد تنحوه والوفد
له الصدق في الأحوال مثل جدوده ... قديماً وغير الأسد لا تلد الأسد
هم القوم سر يا ابن الجبأوي بسيرهم ... وما هو إلا الجذب في الله والوجد
ونفحة قدس ندها من يشمه ... فقد هام حتى ما له مثلهم ند
وترتعد الأعضاء منه تواجدا ... بأسرار غيب شاهدانه الشهد
صفت لك أوقات الصفا يا ابن مصطفى ... ودار بباب الله دار بها السعد
وما كل من سمى باسمك مدحنا ... له بل بهذا المدح أنت هو القصد
تجلت بذكر الله ذات ستورنا ... ولا سبب إلا المحبة والود
فقمنا بها طوراً ونقعد تارة ... على سنن الأشياخ إذ فعلهم رشد
وما القصد إلا الذكر في كل حالة ... كما جاء في قرآننا ذلك القصد
سلام على السادات من سكنوا جبا ... بنى القطب سعد الدين من لهم المجد
ونسل بني شيبان سادة معشر ... بنور هداهم تبرأ الأعين الرمد(1/40)
يخصهم عبد الغني بتحية ... تغم وتسليم لهم ما له حد
على أمد الأوقات ماهينم الصبا ... فمالت غصون في حدائقها ملد
ثم لما شاعت في وقتها نسبها إلى مدحه الشيخ إبراهيم المنتسب لبني سعد الدين الشاغوري المتولي على الجامع الأموي وقال إن الشيخ عبد الغني امتدحني بها ولم يمدح الشيخ إبراهيم الجبأوي القبيباتي فأخبر بعض الناس الاستاذ النابلسي بذلك فألحق البيتين اللذين مطلعهما ما صفت لك أوقات الصفا إلى آخرهما وذكر أن مرادنا بالمدح أنت يا ابن مصطفى وليس مرادنا غيرك وعنى الشيخ إبراهيم الشاغوري وكأنت وفاة صاحب الترجمة في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم رحمه الله تعالى
إبراهيم بن سعد الدين
إبراهيم المكنى بأبي الوفا بن يوسف بن عبد الباقي بن أبي بكر بن بدر الدين بن حسين بن محمد بن سعيد بن أبي بكر بن إبراهيم بن علي الأكحل ابن الاستاذ الشيخ سعد الدين بن موسى الشيباني الجبأوي المعروف كأسلافه بابن سعد الدين الشاغوري الشيخ المبارك المعتقد المجذوب الخلوتي الناجح التقي السالك كان من كبار المشايخ المعتقدين ومن رؤساء المحافل وصلحاء العالم معتقداً عند الخواص والعوام وله في الروم الرتبة السامية والمقام العالي معظماً مبجلاً نعتقده رؤساء الدولة وأركانها حتى السلطان صاحب الخلافة وله زأوية ومريدون في اسلامبول وخلفاء وتلاميذ كثيرة وقد نشر الطريقة المأخوذة عن أسلافهم الكرام في البلاد العربية والرومية وبالجملة فبنو سعد الدين أشهر من كل مشهور وهم قوم مجاذيب صلحاء يغلب عليهم التغفل في الحركات وهم معروفون بالصلاح وقد خرج منهم جماعة أجلاء وزأويتهم وسجادة خلافتهم مقرها في الميدان في محلة القبيبات بدمشق بها يقيمون التوحيد والاذكار غير أن المترجم وأسلافهم كانوا قاطنين في محلة الشاغور البراني ولهم هناك زأوية وأوقاف وكان المترجم مقيماً هناك ويقيم الأوراد والتوحيد والاذكار مستقيماً على السجادة في الزأوية المذكورة وله مريدون وحفدة وكان يغلب عليه الجذب في حركاته والصلاح وتولي تولية وقف الجامع الشريف الأموي وتولاه مدة سنين عديدة وعزل عنه في أثناء ذلك وعادت إليه وكان مسلماً جميع الوقف وأقلامه لكتابه أولاد الخليفة حسن الكاتب وأقاربهم وأخيه مصطفى الكاتب وأقاربهم واستولوا على جميع الإيراد والأقلام وعينوا للشيخ المقدم في كل يوم مقداراً معلوماً والباقي يتصرفون فيه وجروا على ذلك سنين(1/41)
وأياماً والشيخ كان لا يعقل ولا يدرك لأمور الخارجية ولا أحوال الأوقاف فيتلاعبون فيه وفي الوقف كيفما شاؤا ويوجرون الأقلام ويستحكرون ويستأجرون ويبيعون ويشترون بالوكالة عنه والحال إن ذلك كله خلاف الواقع وليس يعلم الشيخ بذلك جميعه بل هم المتولون والوكلاء والوقف كناية عنهم ولم يزالوا كذلك إن أن مات المترجم فإذا بهم الله تعالى واضمحل حالهم وخربت دورهم بسبب ذلك وكان الشيخ من الأولياء المغفلين وأرباب الدولة يعتقدونه وذهب للروم مراراً عديدة وإلى مصر وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية وكأنت سبباً للعبث والهذيان فيه لأنه كان متغفلاً يجلس على حوانيت القهوة ودابته فوقها رقعة الاعتبار وهيئة المدرسين فيصبر العوام وغيرهم يهزأون به لأجل ذلك وكان ياكل البرش المعجون المشهور ويلبس الأثواب المفتخرة المزينة ويجلس بها على حوانيت الأسواق وعلى كل حال فحظه أكثر من عقله وبالجملة فقد كان من المشايخ المشاهير الصلحاء وبعد لم يخلفه أحد من ذريتهم على زأويتهم وكأنت وفاته بدمشق
إبراهيم المعروف
فندق زاده
إبراهيم بن مصطفى بن محمد المعروف بفندق زاده الحنفي القسطنطيني أحد الموالي الرومية المشهورين بحسن الخط الحادث المعروف بالتعليق كان جده من الوعاظ ووالده من أرباب الدورية وهي الطريق الأوسط في القضاء ولد بقسطنطينية وبها نشأ في كنف والده وأخذ الخط المرقوم عن عبد الباقي عارف قاضي العساكر وأذن له وأجازه بالكتبة المعروفة عند أرباب الخطوط وأتقن الخط ومهر به واشتهر وصار مدرساً على عادتهم وتنقل بالمراتب حتى وصل إلى الثمان ومنها أعطى قضاء القدس وبعده ولي قضاء دمشق الشام وبعده قضاء المدينة المنورة وكان مشهور بالخسة وله بها وقائع مشهورة في الروم وفي الشام لم تصدر من غيره توفى بقسطنطينية سنة خمس ومائة وألف
إبراهيم صره أميني
إبراهيم بن مصطفى صره اميني زاده السيد الشريف الحنفي القسطنطيني أحد الموالي الرومية كان جده كاتب وقف جامع الوالدة في اسلامبول ووالده من الموالي وتوفي معزولاً عن قضاء ازمير وهو نشاء نجيباً وأخذ الخط المعروف بالتعليق عن(1/42)
الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر في الرم ومهر به وقرأ على بعض الشيوخ في الطب وبرع به وصار من حكماء السلطان ولازم على عادتهم وصار مدرساً وتنقل في مراتب التدريس حتى وصل إلى الثمان وأعطى قضاء بلدة حلب الشهباء وكان تزوج بابنة شيخ الاسلام جلبي زاده إسماعيل عاصم مفتي الدولة وأعقب منها وكأنت وفاته في أواسط سنة ثمان وثمانين ومائة وألف
إبراهيم بن أشنق
إبراهيم الشهير بابن أشنق الحمصي الولي الصالح الشهير كان رحمه الله ذا لحية عظيمة ينسج العبا ولا يفتر عن ذكر الله تعالى في فراغه وشغله ويأخذ الحال في حال نسجه فلا يفيق إلا وقد نسح على لحيته في بعض الأوقات فينقض النسج عنها وكان يسقي الماء على ظهره مجاناً وهو مشتغل في الذكر وقد شاع عنه الخبر وذاع من الناس بأنه اجتمع به بعض أهل بلدته في جبل عرفات ولم يكن صحبة الحج وأخبر المذكور أنه حج في بعض السنين وكان الحج إذ ذاك في الشتاء في أيام كوانين وهو في عرفة وإذا بالشيخ إبراهيم المترجم ومعه رجال لا يعرفهم فرآه على حالته التي يعهدها عليه في حمص فسلم عليه واستخبر منه متى كان الخروج فأخبره أنه بهذا اليوم بعد التروية منه وعدم التسليم من الرجل واستخبر منه عن حال ولده فقال له بخير هو وحال الخروج رايته ينزع الثلج عن سطح داره ثم إن الرجل فارقه لحظة فلم يجده بعد ذلك بعد مزيد التعب منه في التفتيش عليه فكتم أمره حتى جاء إلى حمص فأخذ هدية وذهب إلى عنده وذكر له قصته معه فقال له أنت من مشاليم الحج فلم يزل يكثر عليه حتى أخذ العهد منه بأنه لا يقبل الهدية منه إلا بالكتمان عليه وكتم أمره إلى أن مات فأخبر حينئذ بذلك عنه وعلى كل حال فإن صاحب الترجمة كما أخبروا عنه من المجمع على ولايتهم معتقد الخاص والعام وكأنت وفاته في نيف وستين ومائة وألف ودفن باطن حمص في جامع وحشي ثوبان رضي الله عنه في إيوان الجامع المذكور من جهة الشرق رحمه الله تعالى
إبراهيم الزبال
إبراهيم المعروف بالزبال الدمشقي الولي المستغرق المجذوب ترجمه الاستاذ السيد مصطفى الصديقي في كتابه الذي ترجم فيه من لقيه من الأولياء وقال في(1/43)
وصفه كان خالي البال موصول الأحبال معلوماً بين الرجال وأخبرت أنه قال اذن ل بالظهور وكان على يد شيخنا الياس الكردي المشهور فإنه كان يتردد عليه إلى القميم فاعتقد الناس فيه الاعتقاد الجسيم وصار يقول ما أشهرني إلا الياس نفعنا الله تعالى بهما وأزال عنا الالتباس ولما حج الشيخ الياس آخر حجته مرض وخرج في رجله أحد عشر خراجة فأخبرني بعض جماعة الشيخ أنه جاء الشيخ إبراهيم إلى تلميذه وخليفته المنلا عباس الكردي وقال له إن شيخكم المنلا مريض وأخبر عن عدد خراجاته وعجز عن المشي فلحته وأوصلته لمحله وهو يوصيك ويقول لك الأمر الذي أوصاك به وهو كذا وكذا لا لستره قال فلما جاء الشيخ همت أن أسأله عن صحة ما أخبر به الشيخ إبراهيم قال فد الشيخ المنلا رجله حالاً وقال كان في رجلي أحد عشر خراجة وأراني محلها فتحققت جميع اذكره وحدثني عنه بعض المترددين عليه أنه قال له شككت هل حصل لي سلوك أو لا فأخذت بيدي عكازاً وغرسته في الأرض وقلت في نفسي اللهم إن كنت مننت علي بالسلوك فاشهدني ذلك في هذا العكاز واخضراره قال وخطوت عنه خطوات ورجعت إليه فرأيته قد نبت في رأسه أوراق خضر فحمدت ربي سبحانه وعلمت أنه حصل لي سلوك ولقد كنت أراه ماشياً خلف الحمير يسوقها وهو غارق في حاله فلا أكلمه وكان يأتي إلى المدرسة الباذرائية يغسل رجليه ويصلي ولا يترك الصلاة ومع ذلك فهو مستغرق مدهوش وله أحوال كثيرة ومناقب شهيرة معلومة للشيخ عبد الرحمن السمان وللملازمين له كبعض الخلان أنتهى ما قاله الصديق بخروفه ولم يذكر تاريخ وفاته
إبراهيم بن عاشور
إبراهيم بن خليل بن عاشور الشافعي قرأ القرآن على والده وتفقه عليه وأنتفع أتم الأنتفاع واستقام على سنن أبيه يفيد ولا يستنكف أن يستفيد رحمه الله رحمة واسعة
أبو بكر الجزري
أبو بكر إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن عثمان الجزري الأصل الدمشقي المولد الحنفي الشيخ حافظ الدين الأديب الكامل المقري الحافظ كان حسن الصوت صحيح التلأوة والقراءة لطيف الصحبة ولد بدمشق ونشأ بها في حجر والده وكان من المشايخ(1/44)
الصلحاء قدم هو وأخوه الشيخ محمود الجزري إلى دمشق واستوطناها وكان أبو الثناء محمود عارفاً بالأوفاق والزايجه والسيمياء وغالب هذه العلوم تعاطاها بدمشق وراج أمره بها واستقامت أحواله مع صلاح وتقوى واعتقده الناس وله مناقب غريبة في هذه الأشياء وأما والد المترجم فلم يتعاط هذه الأشياء نبغ له هذا وأخوه الشيخ محمد الكاتب تعان الكتابة وقد أدركته وأما المترجم فقأ القرآن على شيخنا البرهان إبراهيم بن عباس الدمشقي وغيره وتلاه مجوداً وأخذ بعض العلوم وقرأ مقدماتها وحضر دروس الأجلاء كالشيخ الإمام المسند أبي الفتوح أسعد بن عبد الرحمن المجلد وأبي عبد الله محمد بن محمد بن سعد الدين العبوي وقرأ على الأول الفقه وعلى الثاني النحو ونظم الشعر وأم وخطب في جامع الصوفا الكائن بالقرب من محلة سوق صاروجا وولي كتابة بعض الأوقاف وحضر دروس والدي في السليمانية وكان يقرأ لديه العشر من القرآن العظيم اجتمعت به كثيراً وكان يزورني وصحبته وسمعت من أشعاره وسمع مني توفي يوم السبت خامس عشر شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بمقبرة مرج الدخداح خارج باب الفراديس ومن شعره ما أنشد من لفظه لنفسه يمدح به بعض الرءساء ويهنيه ببناء مكان ومطلع القصيدة
نزهة الروح والفؤاد بناء ... نتهادى في ظله النعماء
سيماموئل بروضة أنس ... شاده للمكارم الكرماء
هو للسعد طالع ومقر ... للتهاني يدوم منه الثناء
بسناء أضاء رونق صرح ... أخجل النيرين منه الصفاء
عطر رياه غم قطر دمشق ... حيث فاحت زهوره والشذاه
وكذب الرضاب ماء معين ... لفؤاد المشوق منه ارتواء
مزريا بالرياض من شعب بو ... وان الذي فيه هامت الشعراء
جفه لطف ذي الوقار فأضحى ... روض أمن به أقام البهاء
هو صدر الكرام مجد أو فخرا ... أوحد الدهر من له الآراء
فاق بالفضل غيره فتراه ... بحر علم تؤمه الفضلآء
يا فريد الخصال لا زلت ركنا ... لك يسعى الفخار والعلياء
نعم قابلت هلاك فشكرا ... لجزيل العطا ونعم العطاء
وحياك الاله أسمى مقام ... ما البدر السما إليه ارتقا
ومنه ما قاله معجزاً ومصدراً(1/45)
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... ماذا الهيام بأنه وتوجع
فأنا الكئيب وأشتكي لك حالتي ... إن كنت مسعد الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... كالقلب حركه الهوى بتولع
ولديك منزله الهني ونوره ... في راحتيك وجمره في أضلع
وصدرهما وعجزهما الأجلاء من دمشق وأدباؤها فمنهم السيد الماجد العلامة الوالد فقال
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... بالشعب من نحو العذيب ولعلع
إني أحن إلى الديار فغردي ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... حمر القنا تدمى بكل مولع
رفقا بحالي يا حمامة أنه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال أبو اللطف شاكر بن مصطفى العمري الدمشقي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... رفقا بصب بالتوله مولع
قل المساعد والنصير على الهوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تحكي نحولي في الهوى وتوجعي
وبه عقيلك نزهة وغياضه ... في راحتيك وجمره في أضلع
وقال الشاكر بن عمر الحموي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هيجة أشواقي ونار تولعي
إنا تقاسمنا النضا فغصونه ... مثوى لك ونباته من أدمعي
وإذا ادعيت دون ذاك فرطبه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الشمعة الدمشقي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... قد طاب مغناكي ولذ لمسمعي
ورميت في قلبي تباريح الجوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... لك معهد يسق بسح الأدمع
وظلاله لي موطن وزهوره ... في راحتيك وجره في أضلعي
وقال الشيخ سعيد بن أحمد المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هل أنت من مرأى سعاد بمسمع
فلقد تركت موسدا فرش الضنا ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تلك اليوانع جيدات المطلع
ذات النضارة يا حمام لأنه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال الشيخ نور الدين علي بن خالد الصفدي(1/46)
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... ما بين ذات المضى والأجرع
أنسيت قولي إذا ضر بي النوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تزهو وتسقى من سحائب أدمعي
ولقد حبوتك إذ جعلت أراكه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال السيد عبد الفتاح بن مصطفى مغيزل الدمشقي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... أشجاك ما أشجى فقد الأربع
إني ليسعدني البكاء من الجوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... لك موطن وقتادة في مضجعي
وشذاه تحمله الصبا وخضابه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الباقي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هلا تذكرت اللقا بالأجرع
فبحقه عودي بغربي الحمى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... ماست بك لك ناره في مدمعي
ما تعجبين فقد غدت أفنانه ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال الشيخ محيي الدين يحيى بن يحيى العطار الدمشقي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هل شمت مثلي من كئيب مولع
ذي محنة قد غاب عنه الفه ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تزهو وتلهى كل صب موجع
ومن العجائب كونه هو دائماً ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال الشيخ محمد كمال الدين بن محمد بن محمد الدمشقي الشهير كأسلافه بالغزى الشافعي
أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... تشدو بندب الألف بين الأجرع
إني المشوق وإن ما بك نابني ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... اللاتي ذهت بعبيرها المتضوع
هي طبق ما حكم الغرام بحالتي ... في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال مخمساً
لما برا جسمي السقام وامرضا ... ورأيت من أهواه عني أعرضا
ناديت من قلب تصبره انقضى ... أحمامة الوادي بشرقي الغضا
إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
فلعل ما بي قد ألم بلينه ... تلحينك المستعذبات فنونه(1/47)
يكفيك منه الآن ما سيينه ... إنا تقاسمنا الغضا فغصونه
في راحتيك وحمره في أضلعي
أبو بكر الموروي
أبو بكر بن إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم الحروري الأصل القسطنطيني المنشأ الحنفي الوزير حسام الدين أحد وزراء الدولة العثمانية الوزير ابن الوزير العالم الفاضل الكبير الأديب الشاعر البارع الكاتب الماهر ولد في حدود الستين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وقرأ واشتغل وسمع وأخذ الفنون وقرأ الكتب المعقول والمنقول على أجلاء منهم القاضي عماد الدين إسماعيل بن مصطفى القونوي الحنفي وأكثر من الأخذ عنه وأنتفع به ومهر بالأدب والكتابة وكتب الخط المنسوب وبرع بالترسل والانشاء واكب على المطالعة والاستفادة وتفوق وكان عارفاً باللغة العربية والفارسية ينظم وينثره فيهما والتركيت أيضاً وشعره في غاية الجودة وكان كريم الطبع حسن الأخلاق كاملا كثير الحيا لطيف المذاكرة يحفظ النوادر واللطائف ويوردها في محاضراته ويحب العلماء ويكثر من مجالسة الأدباء ويختلط بالشعراء مع الديانة والعفة والصلاح والتقوى وملازمة العبادات والأوراد وصلوات النوافل والاكثار من المستحبات اجتمعت به بدمشق لما قدمها مع أخيه وبقسطنطينية لما دخلها وصحبته وزرته وزارني وسمعت من شعره وسمع من شعري وبيني وبينه محبة ومودة وكان يزيدني إكراماً وتوقيراً كلما اجتمعت به وهو أفضل من اجتمعت به من الوزراء وأكملهم وكان جده ووالده من الوزراء المشهورين بالرأي والتدبير وجده عثمان أمير الأمراء ووالده ولي الوزارة وصار حاكم البحر واشتهر في الدولة وعلا صيته وأخوه أبو عثمان محمد الوزير بعد أن ولي الوزاره وتنقل بالنيابات ولي نيابة جدة ومشيخة الحرم الشريف المكي وتوفي بمكة سنة تسع وتسعين ومائة وألف وكان من الوزراء الأجلاء كثير النبل والذكاء غزير الفضل والأدب اجتمعت به بدمشق لما ولي نيابة صيدا وكان منصرفاً عن نيابة حلب ولمال اشتهر حسن حال المترجم الوزير حسام الدين بين الناس وأكثروا من الثناء عليه أعطاه الوزارة السلطان الأمجد الأعظم غياث الدولة والدين عبد الحميد خان وولاه حكومة البحر كما كان والده وركب البحر ودخل السواحل والثغور واشتغل بتعاطي أمورها وتنظيم أحوالها ثم ولي نيابة بوسنة وحمدت سيرته بها ولما هجم الكفار الرومية على أطرافها جهز عليهم العساكر والجنود وحرضهم على الجهاد(1/48)
ونصره الله تعالى عليهم وقتل منهم ألوفاً وأسر أمثالها وعلا شأنه واشتهر وأعطاه الله القبول وشكره الناس ولجوا بالدعاء له وأحبه السلطان وأرسل إليه الأموال الكثيرة والخلع الفاخرة والمراسيم الشريفة
أبو بكر باشا
أبو بكر باشا ابن إبراهيم الرومي أحد وزراء الدولة العثمانية المشاهير وكان يعرف بالقوجه ومعناه الاختيار الشيخ بالعربية كان من الوزراء المعروفين بالعقل والراي والمعتبرين وصار كمركجياً وأمين دار الضرب ثم صار رئيس الجأويشيه بالديوان السلطاني ومنها خرج بالوزارة ومنصب جدة واستقام بها مدة ثم مصر ثم المورة واغريبوز وثانياً جدة وبوسنه وترخاله وقبرس وصارقبودانا وله من الآثار في قبرس الماء وغيره وقدم دمشق ونزل وهو حاكم البحرين الذين تحت تكلم سلطان الملك العثماني وهما الأبيض والأسود وأخذ السلطانة صفية سلطان واتصل بها وتوفي في جماد سنة ألف ومائة وإحدى وسبعين ودفن في اسلامبول وتربته مخصوصة له وعمى في آخر عمره
أبو بكر العلبي
أبو بكر بن أحمد بن صلاح الدين المعروف كأسلافه بالعلبي الحنفي القدسي الشيخ العالم الفقيه المحدث المقدام كان زاهداً في الدنيا راغباً في أفعال الخير والصدقات وتولى افتاء الحنفية بالقدس وتوجه لاسلامبول في الديار الرومية فات هناك ولما توجه ودع أحبابه وأقاربه وأشار إليهم أن فيما بعد الاجتماع إن شاء الله في الجنة دار البقاء وكأنت وفاته في اسلامبول في سنة أربع وأربعين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده وأقاربه في محلاتهم رحمهم الله تعالى
أبو بكر الحلبي
أبو بكر بن أحمد بن علي الشافعي القادري الحلبي الشيخ الصالح الورع الزاهد المسلك المرشد مولده بقرية دارة غزة غربي حلب في سنة تسع وتسعين وألف وصحبه شيخه الشيخ محمد هلال وبه أنتفع وعنه أخذ طريق القادرية(1/49)
وخلفه شيخه المذكور في حياته وهذه الفرقة من هذه الطريقة المباركة يخلفون إذا صدر لهم الإذن بعد تكرار الرؤيا مراراً من يختاره الله تعالى أن يكون خليفة في حياتهم وبعد وفاة شيخه جلس في زأويته لقراءة الأوراد وإقامة الاذكار وأنتفع به الناس وأعقب له ولداً يقال له محمد هلال خلفه والده في حياته وألبسه الاخوان تاج والده بعده أخبر الشيخ عبد الله الشهير بابن شهاب أنه كان صاحب الترجمة يوماً بصحن الجامع الموي بحلب عند العامود وعنده جماعة من أحبابه ثلاثة أو أربعة قال فأتيت إليه وقبلت يده فأخذ يباسطني بالسؤال وإذا برجل من الأشراف جاء ليقبل يد صاحب الترجمة فزجره وصاح به اخرج وابعد ولم يرد قربه منه فعطف الشريف إلى نحو باب الجامع الغربي فاتبعته إلى أن خرج الشريف من الباب وسألته عن ذلك فقال إني محدث حدثاً أكبر أو سهوت وله كرامات ظاهرة وبالجملة فقد كان شيخنا صالحاً معتقداً وكأنت وفاته في نهار الخميس الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف قبل العصرود في بالزأوية المعروف به التي دفن بها شيخه بتعصب من أهله وبعض جهال وكان مرضه نحو خمسة أيام بالحمى وأرخ وفاته السيد عبد الله اليوسفي الحلبي بقوله
لصاحب هذا الرمس سر غدا يسرى ... ونور جلي واضح حالة الذكر
لذا خصه مولاه أسنى مكانة ... وأسمى مقام ساطع بسنا البشر
وكان مع الابرار في جنة البقا ... يلوح بهاتيك المنازل كالبدر
فقولوا لابناء الطريق وارخوا ... تهنى بفردوس الجنان أبو بكر
أبو بكر بن بهرام
أبو بكر بن بهرام الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية دار الخلافة وأحد الموالي الرومية كان فاضلاً عالماً مفنناً متقناً خصوصاً بالرياضيات فإنه كان بذلك ماهراً جداً وكان يدخل مجالس الصدور واشتهر سنا قدره وسطعت شمس اقباله وأنتظم عقد سعده ولد بدمشق وبعد تحصيل الاستعداد ارتحل إلى قسطنطينية واستوطنها وأنتسب إلى الصدر الأعظم الوزير أحمد باشا الكبرلي المعروف بالفاضل وابنتسابه إليه سلك طريق الموالي ولازم على قاعدتهم من الموالي شيخ محمد عزتي وبعد انفصاله عن مدرسة بأربعين عثماني كقاعدتهم ترقى في المدارس إلى سنة تسع وتسعين في صفر ففيه أعطى رتبة خامسة سليمانية(1/50)
وفي السنة المذكورة في جمادي الأولى ارتقى إلى أحد المدارس السليمانية وفي سنة إحدى ومائة في جمادي الأولى أعطى قضاء حلب الشهباء مكان خواجه زاده المولى لطف الله وفي سنة اثنين ومائة وألف في جمادي الأولى عزل وصار مكانه قاضياً بحلب المولى إدريس أحد الموالي الرومية ففي السنة المذكورة في جمادي الآخرة كأنت وفاته وكان معتبراً مشتهراً حتى أنه صار معلوماً للسلطان محمد بن إبراهيم خان بسبب همته وتربية الوزير الفاضل المذكور آنفاً وبعده الوزير قره مصطفى باشا المرزيفوتي الشهير وبأمر السلطان المذكور ترجم بالتركيه جفر الاقياجي الكتاب المشهور والآن الذي ألفه في الخزينة السلطانية محفوظ وموضوع رحمه الله تعالى
أبو الإسعاد بن أيوب
أبو الاسعاد بن أيوب الخلوتي الدمشقي الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها كان من أكابر العلماء المحققين في سائر الفنون حتى كان في علم الابدان غاية لا تدرك ولد بدمشق في سنة ثلاث وخمسين وألف وقرأ العلوم واجتهد في تحصيل المعارف والفنون مدة أعوام وشهور ومن مشايخه العلامة الشيخ إبراهيم الفتال وأجازه الشيخ يحيى الشأوي المغربي وغيرهما ثم ارتحل إلى الروم إلى دار الخلافة واستقام بها إلى أن مات وسلك طريق الموالي بها فلازم من شيخ لاسلام المولى علي ولما كان منفصلاً عن مدرسة بأربعين عثماني في خامس رجب سنة ثمان وتسعين وألف في ابتداء الأحداث أعطى مدرسة رابعة ساري الغلطه ودرس بها وهو أول مدرس درس بها ففي صفر سنة مائة وألف أعطى مدرسة أبهم مكان المولى رجب أحد المدرسين وفي سنة أربع ومائة في ربيع الآخر أعطى مدرسة خاص أوده باشي وفي سنة ستة ومائة وألف في ذي القعدة أعطى مدرسة أولاي خسر وكنخدا مكان المولى بسنوي حسن ففي يوم الجمعة العشرون من الشهر المزبور كأنت وفاته وبسبب اشتغاله بالطلب صار في مارستان أبي الفتح السلطان محمد خان في قسطنطينية رئيس الأطباء وقد أخذ عنه العلوم في تلك الديار خلق كثيرين من الموالي والوعاظ وكتب له والده الاستاذ والكبير وصية مستقلة كما خص(1/51)
أخا المولى أبا الصفا بوصية خاصة رحمهم الله تعالى
أبو بكر القواف
أبو بكر بن عبد القادر بن عبد الله المعروف بالقواف الشافعي الدمشقي العالم الإمام الكامل أحد البارعين والمنسريلين بحلة الفضل ولد في سنة ست ومائة وألف واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ علي كزبر وأنتفع به وكان مفيداً لدرسه ومنهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ محمد أبو المواهب مفتي الحنابلة والشيخ محمد الكامل والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد العجلوني وغيرهم وروى عنهم جميعهم ما بين السماع والقراءة والاجازة الخاصة والعامة بسائر ما يجوز لهم وعنهم رواية وإجازة بالافتاء والتدريس وأقرأ بالجامع الأموي في النحو وغيره وكان حافظاً لكتاب الله تعالى قرأ الناس عليه بالتجويد وأنتفعوا به وعم بره وفضله وكف في أثناء عمره ثم رد الله له بصره وكأنت وفاته في نهار الاثنين غرة ربيع الثاني سنة سبعين ومائة وألف ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى
أبو بكر ابن عراق
أبو بكر الشهير بابن عراق الحلبي الفاضل المشهور الشاعر المجيد كان يعاني العطارة في حانوت بالقرب من جامع البهرامية ولد بحلب ونظمه أكثر من أن يحصر وكان حلو المنادمة وله اطلاع على دوأوين المتقدمين وحفظ أشعارهم ومن نظمه قوله
إليك يا دهر من انك تحسبني ... أخاف اقتاراً أم أبكي على طلل
إني إذا ما رأيت الضيم من جهة ... بسيف أبرى هامة الامل
وله غير ذلك وكأنت وفاته في حلب بعد العشرين ومائة وألف وقد ناهز السبعين رحمه الله تعالى
أبو بكر الدسوقي
أبو بكر بن محمد بن عبد الوهاب بن شرف الدين بن أحمد بن عيسى الدسوقي الدمشقي الشافعي الخلوتي مرشد الدين الشيخ السيد الشريف أحد المشايخ(1/52)
المشهورين المعتقدين ولد بدمشق سنة أربع وعشرين ومائة وألف وقرأ بها القرآن وغيره من العلوم وأخذ الطريقة الخلوتية عن والده وأقام الذكر والتوحيد على عادتهم في زأويتهم المعروفة بهم الكائنة بالقرب من باب جيرون قريب الجامع الأموي واعتقده الناس وكتب التمائم والتعأويز للمرضى وغيرها واحترمه الكبار والصغار وكان مبجلاً معتقداً اجتمعت به مرات بمجلس والدي وغيره وكان يزورني وأنتفعت بدعواته وكان الوالد يجله ويحترمه ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات توفي يوم الاثنين سابع عشر رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي وحضرت مع من كان مصلياً عليه ودفن من يومه بمقبرة باب الصغير
أبو بكر بن مصطفى باشا
أبو بكر بن مصطفى باشا الحنفي القسطنطيني أحد خواجكان الدولة العثمانية وهم باصطلاح الدولة أعان الكتاب وروسائهم كان من أرباب المعارف والكمال والوقار حسن الأخلاق يكتب الخطوط الحسنة كالثلث والنسخي والديواني ماهراً بهم صاحب دراية ومعرفة ولد بقسطنطينية وبها نشأ ودخل السراي السلطانية وصار من علمائها الذين يحدثون السلطان ثم ان السلطان أحمد خان الثالث أخرجه كعادتهم برتبة الخواجكان وأعطاه منصب الموقوفات ثم بعد ذلك صار طغرأى الدولة المعروف بالتوفيعي وأمين الدفتر وكاتب أوجاق البنكجريان ومعناه العسكر الجديد ومثل ذلك من المناصب العالية وكان والده من الوزراء ويعرف بقره كوز مصطفى باشا ومعناه بالعربية أسود العين ولم يزل المترجم على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بقسطنطينية في شعبان سنة إحدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى
أبو بكر ابن قنصه
السيد أبو بكر بن منصور المعروف بابن قنصة الشريف لامه الحنفي الحلبي الفاضل الكامل من المنوه بهم في حلب بين روسائها ولد بها في سنة أربع وثمانين وألف وقرأ على الفضلاء بها وبرع وصار مدرساً صاحب رتبة وكان له لدى الحكام في أموره اقدام نفي وأحلى بسببه مراراً منها في سنة أربع وستين ومائة وألف أجلاه الوزير السيد أحمد باشا مع من ساق من أعيان حلب فاستقام في بلدة(1/53)
ببلان إلى أن عزل الوزير المذكور من حلب ووليها صاري عبد الرحمن باشا فعاد إليها واستمر الحال إلى أن مات وكأنت وفاته في يوم السبت خامس جمادي الثانية سنة سبع وسبعين ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة وأعقب ودفن في التربة الأمينية التي مدفون فيها الشيخ أبو يمنى خارج باب قنسرين وقنصة اسم جدته أم والده كأنت من قرية من قرى حلب رحمهم الله تعالى
أبو بكر الدراقي
أبو بكر المعروف بالدراقي الحمصي كان ورعاً زاهداً نطق بولايته الخاص والعام وكان مشهوراً باستجابة الدعاء وله كرامات كثيرة يطول ذكرها توفي تقريباً في سنة خمسة وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى
أبو الذهب محمد بيك
أبو الذهب محمد بيك بن عبد الله رئيس الأمراء الكبار بالديار المصرية كان مولى من موالي الأمير علي بيك ثم لما صدر من والي دمشق الوزير عثمان باشا بعض الأمور مع أهل غزة والجاهم في الشكاية عليهم إلى الأمير علي بيك المزبور فعين الأمير علي بيك للركوب على الوزير عثمان باشا والأنتقام منه صاحب الترجمة وجهز معه العساكر الكثيرة والذخائر فتوجه جهة دمشق وكان وصوله إليها يوم الاثنين تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف وكان معه تسعة صناجق وخمسة من أولاد عمر الظاهر أمير بلدة عكا ومشايخ المنأولة والصفديه أهل البدع والرفض ومعه نحو ثمانين مدفعاً وأربعين ألف مقاتل وكان عثمان باشا لما سمع ما صدر من شكاية أهل غزة وتجهيز العساكر لقتاله من جهة الديار المصرية وكان الأمير علي بيك أرسل لوالدنا مكتوباً يخبره بما صدر من عثمان باشا وانكم إن لم تسلموه نلقاكم بالرجال والأبطال فأخبر والدنا وعثمان باشا الدولة العلية بهذا الأمر فعينت الدولة لقتال العساكر المصري ودفع غائلتهم عن البلاد الشامية والي حلب عبد الرحمن باشا ووالي كليس خليل باشا ووالي طرابلس محمد باشا المزبور وتوفي والدنا في أثناء ذلك قبل وصلو أبي الذهب إلى الشام فلما قدم أبو الذهب بعساكره المار ذكرها ونزل بقرب داريا الكبرى ووصل خبره إلى دمشق خرج للقائه الوزراء الأربع بالعساكر الشامية والأجناد وصارت المعركة في سهل داريا المزبورة وفي أقل من ساعة انكسر العسكر الشامي وفر هارباً كل من خليل باشا وعبد الرحمن باشا(1/54)
وعساكرهما وقتل منهم شرذمة قليلة وثبت كافل دمشق عثمان باشا وولده محمد باشا والعساكر الشامية وحصل القتال معهم ثلاثة أيام ثم في ليلة الجمعة رابع عشر صفر المزبور ذهب عثمان باشا فاراً مع ولده محمد باشا وصبحة الجمعة ورد مكتوب من أبي الذهب لعلماء دمشق وأعيانها يطلبهم لمواجهته في ذلك اليوم كل من العلامة علي بن صادق الطستاني مدرس الحديث تحت القبة والمولى أسعد بن خليل الصديقي أحد الرؤساء بدمشق الشريف محمد بن أحمد العاني أحد المدرسين بالجامع الأموي وحين وصلوا عنده طلب منهم تسليم دمشق وأنه لا بد له من أخذها على أي حالة وتوعدهم إن خالفوه أنه يحرقها ويأسر جميع أهلها فأمهلوه بالجواب إلى يوم السبت حتى يجتمعوا ويشأوروا أهل دمشق من الأعيان والعلماء والأوجاقات ففي تلك الليلة ليلة السبت هربت الأعيان وعثمان باشا وولده ورئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري ولم يبق في دمشق مقاتل واستولى على الناس الخوف والفزع والقلق وغص الجامع الأموي بأهالي القرى فإنهم نزلوا جميعاً بأهلهم وأمتعتهم ومواشيهم إليه وكان ذهاب الفارين إلى بلدة حماه ففي صبيحة يوم السبت هاجت الضعفا بدمشق وذهبوا إلى العلماء حيث لم يجدوا من يدافع عنهم وتوسلوا بهم أن يواجهوا المترجم ويسلموه الشام ويدفعوا عنهم غائلته فخرج لملاقاته كل من العلامة علي الطاغستاني المار ذكره ومفتي الشافعية بدمشق السيد محمد شريف بن الشمس محمد الغزي العامري وخطيب الجامع الأموي المولى سليمان بن أحمد المحاسني والعلامة خليل بن عبد السلام الكاملي فلاقوا العساكر عند قرية القدم متوجهة لدمشق لأجل القتال فطلبوا منهم المهلة حتى يواجهوا أبا الذهب فلما دخلوا عليه قابلهم بغاية الاكرام فأخبروه بأنه لم يبق في الشام مقاتل وقالوا له إن البلد لمولانا السلطان مصطفى خان فتسلمها أنت واحقن دماء المسلمين وكف عن أموالهم وكان رئيس جند القول مصطفى أغا المطرجي لما فراعيان دمشق وكافلها وصار ما تقدم أغلق باب القلعة الدمشقية وحاصر فسألهم أبو الذهب المترجم عن القلعة فأخبروه بما وقع وطلبوا منه أن يخرج لهم من ينادي في شوارع دمشق بالأمان ورفع القتال ففعل ذلك ثم رفع القتال عن أهل دمشق وصار عسكره ينزل إليها ولا يتعرضون لأحد من أهلها بأذى ثم بعد أيام حاصر القلعة الدمشقية ونصل لها الأطواب من المرج الأخضر وضربها بالقنابر فصارت تنزل القنابر على أهل البلد ولا تصيب القلعة حتى وقع على سقف الجامع الأموي منها واحدة فخرقته وأزعج الناس(1/55)
لذلك انزعاجاً كلياً فخرج إليه بعض العلماء وأخبروه بما صار وإن هذا الأمر ليس بأمان لأهل دمشق وأخبروه بما فعلت القنابر في البلد واستمر الحال على ذلك إلى يوم الاثنين رابع ربيع الأول هذا لسنة فورد من أورديه كتاب مضمونه
أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا اضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وإن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن إنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وإن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كأنت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وانزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كان السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكان الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كان يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم إنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم إن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقولهأنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا اضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وإن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن إنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وإن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كأنت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وانزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كان السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر(1/56)
لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكان الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كان يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم إنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم إن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله
ألا فانظروا في الدهر ولا تأمنوا له ... يسالم في بعض ومن شأنه الغدر
وإن هو يصفو بعض يوم يرى به ... تباريح أكدار يقل بها الصبر
فكم خان من مولى بكت بفراقه ... عيون سماء المجد والغيث والقطر
ولا سيما مير اللواء محمد ... وكان له الاسعاد والفتح والنصر
فمات على عز ونودي شأنه ... لموتته أرخ به قضى الأمر
وجامعه المزبور من أحسن جوامع القاهرة صار للمجأورين بالأزهر به أنتفاع عظيم رحمه الله تعالى
أبو السعود الكواكبي
أبو السعود بن أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد الشهير كأسلافه بالكواكبي الحنفي الحلبي مفتي الحنفية بها وابن مفتيها نجل السراة الصناديد الذي أشرقت سماء الشهباء بكواكب مجدهم وحسبهم وافتخرت بفضائلهم ونسبهم الذين تسنمو أمراً في المعالي(1/57)
وازدانت بهم الأيام والليالي ولد بحلب في سنة تسعين وألف وبها نشأ وأخذ العلم عن فحول علمائها أجلهم والده أخذ عنه التفسير والمعقولات وأخذ النحو عن الشيخ سليمان النحوي والشيخ عبد الرحمن العادي والفقه عن الشيخ زين الدين أمين الغنوي والحديث عن الشيخ أحمد الشراباتي وبالواسطة والإجازة أخذ عن الشيخ حسن العجيمي المكي وأجازه الشيخ أحمد النخلي وأخذ سائر الفنون من أجلاء العلماء وتولى الافتاء بحلب بعد والده سنة خمس وعشرين ومائة وألف واستمر مفتياً إلى أن توفي وأقرأ التفسير مدة افتائه بالمدرسة الخسروية المشروطة لمفتي حلب قراءة تحقيق والتزم المحاكمة بين ما ناقش به جده العلامة محمد بن حسن الكواكبي مع العلامة عصا والعلامة سعدى جلبي وبين والده وجده فيما تناقشا به وأف في مبدأ غمره لكن لم يسعه عمره فما نظمه في مبدأ عمره وعنوان شبابه رسالة آداب البحث ورسالة الوضع وكتب على منظومة أداب البحث شرحاً مفيداً وباشر تحرير شرح على نظم الرسالة الوضعية فنعته من ذلك شواغل الفتوى ولازم التدريس وتصدى للافادة وأخذ عنه أفاضل حلب وغيرهم جماعة كثيرون وفاق أهل عصره وكان له شعر رقيق وكان رحمه الله لطيفاً خلوقاً عفيفاً نظيفاً شريفاً شفوقاً عالماً محققاً مدققاً رئيساً محتشماً علامة مفرداً علماً وزهداً وورعاً ذا حلم ووقار وصلاح حائزاً للأوصاف الحميدة وكأنت وفاته في ثاني رجب سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن عند آبائه بالتربة التي بداخل المسجد المعروف الآن بمسجد أبي يجبى وسيأتي ذكر والده أحمد إن شاء الله تعالى في محله وبنو الكواكبي طائفة كبيرة أهل فضل ورياسة ولهم طريقة معروفة اردبيلية تنتهي إلى الاستاذ جدهم الكبير الشيخ صفي الدين والحق اسحق الاردبيلي ولهم سيادة الشرف من جهة المذكور وأما المترجم فكان حائزاً للشرفين فإنه كان شريفاً أيضاً من جهة والدته التي هي الشريفة عفيفة ابنة السيد الحسيب الشريف السيد بهاء الدين النقيب الحلبي المعروف هو وآباؤه ببني الزهرا الذين امتدح جدهم الشريف أبا محمد إبراهيم المنتقل من حران إلى حلب أبو العلا المعري في تاريخه وقصائده وكلهم نقباء في حلب وشرفهم أشهر من كل مشهور والله أعلم
أبو السعود بن يحيى المتنبي
أبو السعود يحيى بن محيي الدين بن محمد بن يحيى بن عبد الحق أخذ(1/58)
عن إسماعيل اليازجي وقرأ على الشهاب أحمد الغزي الدمشقي وحضر دروسه بالفقه والحديث وأجازه وقرأ أيضاً على الياس بن إبراهيم الكردي في فنون كثيرة وصحبه في بعض الأسفار وقرأ أيضاً طرفاً من الفرائض على عبد القادر التغلبي وأخذ عنه وقرأ على عثمان بن حموده ولازمه وأنتفع به الشهير بالمتنبي العباسي الشافعي الدمشقي أحد العلماء والأفاضل الذين طلبت مواردهم بالأدب ومهروا بالعلوم واقتبسوا من مشكاة المنطوق والمفهوم الأديب المجيد الشاعر الواعظ قرأ على أشياخ وأخذ عنهم كالاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ محمد بن عبد الهادي والشيخ عبد القادر العمري واستجاز من الاستاذ الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ أبي السعود التاجي القبافبي والشيخ محمد الكامل والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ السيد سلمان القادري الدمشقي وكان من الأدباء المشاهير وجدت له ديواناً نظمه سماه مدائح الحضرات بلسان الاشارات وقد ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه أديب محاسنه سافرة النقب ومعانيه لم تستمع أبدع منها مسامع الحقب فهو سلك السبك متقن الرصف جار في خلائقه على أحسن ما يقال من الوصف جرى في حلبه الشعراء ملء العنان فاعترف له السبق بمزية البيان والبنان فيشف أدبه عن عقد الثريا وتحلى شعره تحلى الروضة الريا وقد اجتمعت به مرات حمدت بها مسرات ومبرات فجعلت حجتي عليه مقصوره واثنيته في فمي غير محصور واستمليته من أشعاره فاخرجها في درج وكأنما اطلع لي منها كواكب مجموعة في برج فكتبت ما راق وطاب وكساه الدهر برداء طرزه فصل خطاب فمنه قوله من قصيدة مطلعها
خذا حيث بدر التم طاف بها صرفا ... وأبرزها من خدرها تنجلي كشفا
وعوجا بسفح كم سفحت مدامعي ... خليلي فيه والهوى يوجب الحنفا
فإن به هيفاء ذات محاسن ... إذا ما بدت عاد الأنام إلى الزلفى
فريدة حسن قد تثنت فأخجلت ... بكل قوام مائس قد ثنت عطفا
أعارت سناها للبلد ورفا شرقت ... وأهدت لورد الروض من عرفها عرفا
وقد عمت الاكوان حسناً فما ترى ... سوى أغيديسيك أو غادة هيفا
ووجه غزال قد غزانا بلحظه ... وغازلنا بالطرف والمقلة الوطفا
فكل مليح راح يختال في الورى ... بثوب جمال عن محاسنها شفا
وهي طويلة وقد تخلص فيها بمدحه لشيخه الاستاذ عبد الغني النابلسي منها(1/59)
وأوردنا عين الحياة وقد غدت ... شموس الهدى تجلى بمورده الاصفى
وفي جنة العرفان كم سال كوثر ... لديه فأسدى من مياه الهدى غرفا
ومغرسه النامي بروض علومه ... قطفنا ثمار الفضل من غصنه قطفا
وقوله من قصيدة مطلعها
نطق عين الوجود وصف ثناكا ... يا حبيبي والبدر يحكي سناكا
وجهك الحق والأنام مرائي ... ايما شاهد المحب رآكا
وشموس الجمال عنك تبدت ... مشرقات على الورى بضياكا
وبروق الحمى بريق ثنايا ... ثغرك الدر حين يبسم فاكا
يا رعى الله حضرة جمعتنا ... يا بديع الجمال في مغناكا
حيث شمس المدام يجلو محيا ... ك سناها والراح من معناكا
ونداماي كل أحور طرف ... لم يكن عرشه سوى مستواكا
وسلمى عنها اللثام أماطت ... فمحتنا واثبتتنا هناكا
فشهدنا في ذاتنا ذات حسن ... ورشفنا من ثغرنا للملكا
وتبدت عروسة الحي تجلى ... من محياك وانجلت بحلاكا
وهي في غيبها النزيه ولكن ... شمسها أشرقت بأفق سماكا
فعجبا لوحدة قد تدأنت ... مذ تجلت وما حوت اشراكا
يا وحيدا في ذاته أنت وتر ... وكثير بمقتضى اشماكا
عينت ذاتك الذوات لعيني ... فاجتلينا الوجود في مجلاكا
ولعيني كنت الضيا فلهذا ... بك قرت وما رآك سواكا
فلذا إن أقل بنك اني ... أنت قد قلته فإني أناكا
أو أقل أنني سواك فقولي ... عنك باد لأنني مرآكا
حضرات لها بها صورتني ... كيف شاءت وقلبتني يداكا
جنة زخرف الشهود رباها ... فنعمنا فيها بطيب لقاكا
فالمثاني تتلو المثاني إذا ما ... كنت تصغي بمسمعي لغناكا
وفؤادي يهواك في كل قلب ... وعيوني في كل عين تراكا
وإذا ما بدا من الحسن مرآ ... ك لعيني سجدت شكراً هناكا
يا حبيباً أفنى هواه محبي ... هـ حبذا حبذا الفنا في هواكا
أنت أنت الوجود والكل فان ... يا حبيبي لك الهنا ببقاكا
مذ تجليت لي بافق سعودي ... شمت عبد الغني بدر حماكا(1/60)
شاخصاً للوجود إن شام برقا ... من سماء الشهود طار لذاكا
وقال مخمساً
إن من في حماه قتلى أباحاكم محبوه اتلفت أرواحاوشذاه لما به الروض فاحا
غرد الطير في الرياض وناحا ... وشكا العشق والغرام وباحا
وجه حق بدا فلم يبق غيرافاجتلى حسنه ولا تخش ضيراعن ثناه تثنى العوالم خيرا
ونسيم الشمال أهدى سحيرا ... من شذا المسك عرفه الفياحا
بدر تم فيه المتيم هاماإذ تجلى بجلوسنا الظلاماقد شربنا من راحتيه مداما
واجتلينا على الندى والنداما ... بكردن في راسها الشيب لاحا
خرمة الذات تلك ذات النعيمفاسقينيها من حادث وقديمهي أم الأفراح برء السقيم
بنت كرم تجلى لكل كريم ... وسنا نورها كسا الأقداحا
كعبة الحسن كم إليها سعيناوالي قدس ذاها قد سزيناوسنا وجهها يضىء لدينا
كلما أظلم الظلام علينا ... اقتبسنا من نورها مصباحا
أقبلت تنجلي بسلمى وليلىوأمالت معاطف الغصن ميلاخمرة للعديم تمنح نيلا
أشرقت في الكؤس كالشمس ليلا ... فحسبنا أن المساء صباحا
وله
ومليح أدار كأس سلاف ... واحمرار الخدود للكاس كاسي
فأراج الخيال يقطف وردا ... من رياض الخدود بالاختلاس
فأرانا لآلئا فوق ورد ... وأسال العقيق حول الآس
وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول الأمير المنجكي رحمه الله
لقد زارني من بعد عام مودعا ... وطوق الدجى قد صار في راحة الفجر
فأخجلته بالعتب حتى رأيته ... يزيح الثريا بالهلال عن البدر
وله
لو لم يكن راعها فكر تصورها ... من واله وثنتها مقلة الأمل
ما قابلت نصف بدر بابن ليلته ... وألقت الزهو فوق الشمس من حجل
وفي المعنى قول أبي جعفر محمد من شعراء الدمية
قلت هبيني منك تقبيلة ... يا منية القلب وياقوتها
فأغمضت من عينها موخرا ... ورصعت بالدر ياقوتها
ومثله قول الأديب الألمعي إبراهيم السفرجلاني الدمشقي وهو(1/61)
نظر البنفسج في الشقيق مؤثراً ... فارتاع حتى انهل ماء جهاله
فغدا يرصع دره ياقوته ... ويزيح أنجم بدره بهلاله
ومنه ما جادت به قريحتي السقيمة وهو قولي
حين آن الفراق فاضت دموعي ... وهمى دمعه بخد أنيق
فأسلت العقيق فوق لجين ... واسال اللجين فوق العقيق
ويقرب منه قول الأديب المفنن الشيخ سعيد السمان الدمشقي حيث قال
لولا الحياء وعفتي يا موردي كأس الردى ... لأعدت ياقوت الشفاه وإن أبيت زبرجدا
وهو مأخوذ من قول بعض الأندلسيين وهو
والله لولا أن يقال تغيرا ... وصبا وإن كان التصأبي أجدرا
لأعدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبر
ومن معشرات المترجم قوله
جاء بالحق من أنار الدياجى ... فهدانا بنوره الوهاج
جل من بالجمال فيه تجلى ... واجتباه لقربه والتناجي
جرد العزم فهو خير نبي ... من أولى العزم واضح المنهاج
جدد الدين بعد ما فرقته ... عصبة بين زائغ ومداجى
جوده عمر الوجود وجدوا ... هـ بحار والخلق كالأمواج
جحدته عيون قوم فأطفا ... إذ رمى الله نورها بالعجاج
جمع المر بين حق وخلق ... وانطوى الكل فيه بالاندارج
جبرائيل الأمين منه يناجي ... بطور الفؤاد وهو المناجي
جال في لجة الغيوب وأسرى ... ورأى الله ليلة المعراج
جد بعفو يا خير من بذل الجو ... د لعبد ما زال للفضل راجي
وله غير ذلك من الشعر المعجب ذكر له منه الأمين في ذيل نفحته كثيراً وكأنت وفاته يوم الأربعاء ثاني عشر صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وفرغ بمرض موته وظائفه بمال وأوصى منها بجانب لطلبة العلم بدمشق رحمه الله تعالى
أبو الصفا المفتي
أبو الصفا بن أحمد بن أيوب العدوي الحنفي الصالحي الدمشقي الخلوتي الشيخ الإمام الصدر الرئيس العلامة العالم الفاضل البارع المحتشم الفقيه المفسر النحوي(1/62)
كان مفنناً بالعلوم من القائمين اناء الليل وأطراف النهار والمجتهدين في الأسحار وكان والده استاذاً كبيراً وشيخاً شهيراً جامع بين الولاية والعلم وتوفي في صفر سنة إحدى وسبعين وألف وخلف من الأولاد الذكور خمسة وتوفوا بعد المترجم أبو السعود وأبو الاسعاد وإبراهيم وإسماعيل ذكرنا ترجمة كل منهم في محله وكان له ولد سادس اسمه محمد وكان من فضلاء وقته أديباً مطبوعاً حسن المعاشرة خفيف الروح مع صلاح وتقوى وعبادة وتوفي بعد والده بسنة وكان صار شيخاً بعده فلم تطل مدته وأما المترجم فولد بدمشق في سنة خمس وأربعين وألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم على العارف والده المذكور وقرأ عليه في بعض العلوم وأخذ عنه طريق الخلوتية وأجازه وكتب إليه وصيته وفي وصيته إليه يقول له يا أبا الصفا ستنال المقام العالي والوفا فلا تتكبر ولا تتجبر وقرأ على الشيخ إبراهيم الفتال الدمشقي والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ المنلا محمد أمين اللاري أحد أعلام الدهر وغيرهم من مشايخ دمشق والروم وبرع وتفوق وصارت له فضيلة علم ودرس بالمدرسة العذرأوية وترقى إلى معالي المناصب فولى قضاء قارا إلى أن مات على طريق التأبيد وولى افتاء الحنفية بدمشق بعد وفاة الشيخ إسماعيل الحايك المفتي واستمر مفتياً إلى أن مات وفتأويه متدأولة مرغوبة وكان يتولى نيابة الحكم في محكمة الباب وحج وجأور وولى بمكة المدرسة المرادية لأمر كان وظهر قدره ونمت حرمته وسما صيته وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها ولم يزل كذلك إلى أن مات وبالجملة فقد كان صدراً جليلاً عالماً فاضلاً وكأنت وفاته في عصر يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح والعدوى نسبة إلى عدي بن مسافر الصحأبي رضي الله عنه وأصل أجداده من البقاع العزيز ناحية من نواحي دمشق والله أعلم
أبو السعود الخلوتي
أبو السعود بن أيوب وتقدم ذكر أخيه أبي الصفا الحنفي الدمشقي الخلوتي الشيخ الكبير المسلك الفاضل الأوحد كان شيخاً مبجلاً عابداً متنسكاً أديباً ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين بعد الألف ونشا في كنف والده وأخذ عنه الطريق وفي وصيته لأولاده يقول يا أبا السعود الطريقة إليك تعود وقد أخذ أيضاً عن السيد العارف بالله تعالى محمد غازي الحلبي الخلوتي الشيخ إخلاص وجلس على سجادة المشيخة وكان أخاه الشيخ إبراهيم كبر سنه فانعزل عن المخالطة وعهد للمترجم(1/63)
في المشيخة وتوفي بعده في سنة خمس عشرة مائة وألف ثم المترجم بايع واشتهر وأقام عهدهم بالتوحيد والذكر في محلهم بالجامع الأموي وترجمه محمد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه واسطه عقدهم المقتني وغصن روضتهم المجتني وعبير ذكرهم المردد ولسان حالهم المجدد يروقك محتلاه ومحله يهزا بالبدر معتلاه كرم فرعاً وأصلاً وشرف جنساً وفصلاً وله فضل أضحى تاجاً لراس المناقب وأدب تتوقد به نجوم الليل الثواقب وبيني وبينه موالاة محققه وعهود موثقه وثناء كمائمه عن أزكى من الزهر غب القطر مفتقه ورأيت له أشعاراً في الذروة من الانطباع ثأويه لها في كل قلب بلطف موقعها خلوة في زأوية وقد أثبت منها قصيدة شطريها سينية ابن الفارض فناصفها شطر الحسن كما تناصف حسن الخد بالعارض وهي قوله
قف بالديار وحي الابع الرسا ... مخاطب لرسيس الشوق مقتبسا
واسترجع القول يا ذا الراي مختبرا ... ونادها فعساها أن تجيب عسى
وإن أجنك ليل من توحشها ... فلا تكن آيسالا كان من أيسا
خذ من زناد الجوى ناراً مشعشعة ... فأشعل من الشوق في ظلمائها قبسا
يا هل درى النفر الغادون عن كلف ... موله هائم كاس الغرام حسا
تراه مستصحب الافكار ذا حرق ... يبيت جنح الليالي يرقب الغلسا
فإن بكى في قفار خلتها لحجا ... ما شامها ناظر الاهمى وجشا
وإن خبت ناره هاج الغرام به ... وإن تنفس عادت كلها ببسا
فذو المحاسن لا تحصى محاسنه ... إذا رآه عذول حاسد خنسا
ومن أبيت فلا فقد لوحشته ... وبارع الحسن لم أعدم به أنسا
قد زارني والدجى يربد من خنس ... وحسن إشراقه بالشهب قد حرسا
فالزهر ترمقه عجباً برونقه ... والزهر يبسم عن وجه الدجى علبسا
وابتز قلبي قسرا قلت مظلمة ... فحسبي الله ممن قد جنى وقسا
حيرتني فأنا المحتار وآ اسفي ... يا حاكم الحب هذا القلب لم حبسا
زرعت باللحظ ورداً فوق وجنته ... فأثمرت منه لي في ناظري أسى
إن رمت أقطف منه عطر رائحة ... حفا لطرفي أن يحبني الذي غرسا
وإن أبى فالاقاحي منه لي عوض ... أوردته القلب حيث الحب فيه رسا
جعلت راس مالي مذ ربحت به ... من عوض الثغر عن درفا بخسا
إن صال صل عذاريه فلا حرج ... إن عاد منه صحيح الجسم منتكسا(1/64)
فهذه سنة للعشق واجبة ... ان يجن لسعا وأما يجتني لعسا
كم بات طوع يدي والوصل يجمعنا ... لم يخطر السوء في قلبي ولا هجا
وزاد في عفة إذ كان ذائقة ... في بردتيه التقى لا يعرف الدنسا
تلك لليالي التي أعددت من عمري ... يا ليتها بقيت والدهر ما نكسا
ويا سقى الله أياماً لنا سلفت ... مع الأحبة كأنت كلها عرسا
لم يحل للعين شيء بعد بعدهم ... وما صبى دونها صب الجوى ونسا
ولا شممت نسيماً استلذ به ... والقلب مذ آنس لتذكار ما أنسا
يا جنة فارقتها النفس مكرهة ... ابقي لصبك في نيل المنى نفسا
وحق موثق عهد لا انفكاك له ... لولا التاسي بدار الخلد مت أسى
ولم يذكر الأمين له سوى هذا التشطير وكأنت وفاته في ليلة الجمعة رابع عشر رجب سنة عشرة ومائة وألف ودفن بتربتهم برمج الدحداح بالقرب من والده وحضر جنازته أهالي دمشق وأعيانها وخلق كثيرون رحمه الله تعالى
أبو الفتح العجلوني
أبو الفتح بن محمد بن خليل بن عبد الغني الشافعي العجلوني الأصل الدمشقي المولد الشيخ العالم الفاضل المتقن المحقق كان أحد الشيوخ الأعلام الأفاضل الفقهاء سهل الأخلاق طيب العشرة حسن المطارحة له ديانة واحتيط له بدمشق يوم السبت رابع رمضان سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده واشتغل بالطلب على جماعة منهم والده والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد البقاعي والشيخ علي كزبر والشيخ محمد الخمسي المغربي نزيل دمشق ومهر وبرع ثم في شعبان سنة سبع وخمسين صرف عنان الهمة نحو مصر فارتحل إليها وأقام هناك مدة سنين مشتغلاً بالتحصيل والدروس اشتغالاً تاماً على قايتباي والشيخ إسماعيل الغنيمي والشيخ سليمان الزيات والشيخ عطية الاجهوري والشيخ خليل المالكي والشيخ محمد الحفنأوي وأخيه الشيخ يوسف والشيخ حسن المدابغي صاحب الحواشي والشيخ علي الصعيدي والشيخ عمر الطحلأوي والشيخ أحمد الجوهري والشيخ علي الحفنأوي والشيخ أحمد الملوي والشيخ أحمد الاشبولي والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ أحمد المغربي البناني والشيخ عبد الله الشبرأوي والشيخ عيسى البرأوي والشيخ محمد الدفري وغيرهم وأخذ عن الاستاذ السيد الشيخ مصطفى الصديقي وحصل على ما حصل من الفضل والاتقان وعاد لدمشق في سنة أربع وستين(1/65)
وقرأ في الأموي بالسنة المذكورة ولازم التدريس والاقراء والافادة ولزمه الطلبة لللأنتفاع والاستفادة وأقرأ من كتب النحو والصرف والمعاني والمنطق والاصول والحديث وغيرهما في مجالس عامة وخاصة وأنتفع به خلق وأخذ عنه جم غفير وكنت قرأت عليه شيئاً من النحو وكان يقيم الذكر في الجمعات في الجامع الأموي في المشهد المعروف ببني السفر جلاني وطريقته الطريقة الشاذلية المزطارية وهو أخذها عن جماعة منهم والده عن الاستاذ الشيخ محمد المغربي المزطاري إلى أخر السند وكذلك عن الشيخ إبراهيم كرامة الاسكندراني وتنافس هو وخليفة المزطاري الذي هو من بني السفرجلاني بخصوص ذلك وأرادوا أخذ المشهد لأجل ذلك ووقع بينهم ما وقع من الحصام والجدال واستقر الحال على أن ابن الشيخ عبد الرزاق السفرجلاني خليفة المرطاري يكون في المشهد الكائن بالقرب من باب البريد المعروف بمشهد الحرمين وأن يكون المترجم في المشهد الثاني الذي كان يقيم به الذكر الشيخ عبد الرزاق المذكور وصار لكل تلاميذ ومريدون وصار للمترجم تدريس البخاري في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظيم وكان قبل ذلك له بها وظيفة حفاظة الكتب وكان والدي أحدث له في وقف السنانية عشرة دارهم عثمانية في كل يوم وكان يجله ويحترمه وبالجملة فقد كان أحد مشاهير الافاضل بدمشق ولم يزل على حاله إلى أن تبرأ الدار الآخرة وكأنت وفاته في ليلة الجمعة تاسع عشر شوال سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن من اليوم في تربة باب الصغير وسيأتي ذكر والده محمد في محله رحمهما الله تعالى
أبو المكارم بن حبيب
أبو المكارم محمد بن مصطفى بن حبيب الشيخ الفاضل الأوحد الملقب بالدده الحنفي الارضرومي السيد الشريف نزيل دار السلطنة قسطنطينية وقاضيها وأحد علمائها الاعلام الافاضل قدم دار السلطنة في دولة المرحوم المولى شيخ الاسلام فيض الله المفتي بالدولة العثمانية وأدخله الطريق وسلكه وترقى بالرتب حتى صار قاضياً في الغلطة خارج قسطنطينية ثم ولى قضاء البلدة المذكورة بعد مدة واشتهر وتفوق ونهض للمعالي وتسنم ذراها وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها وعظم شأنه وقدره واتسعت دائرته وكل ذلك لتقرب شيخ الاسلام المذكور للحضرة السلطانية ونفوذ كلمته وإقبال الملك عليه وكان المترجم مع هذا فاضلاً(1/66)
عارفاً وله من الاثار كتاب السياسة والاحكام مفيد جداً ورسالة في الفقه ورسالة في المولد النبوي وأشعار بالفارسية والتركية وغير ذلك ولما قتل فيض الله المفتي المذكور وأظلمهم ديجورهم وذبلت من رياض الدولة زهورهم وجفت من مسالك الاقبال نهورهم نفى المترجم بالأمر السلطاني إلى بلدة بروسا واستقام بها إلى أن مات نحو ثلاثين سنة وكأنت وفاته بها سنة ست وأربعين ومائة وألف ودده بفتح الدالين وهاء بعدهما لفظة فارسية معناها الشيخ
أبو المواهب الحنلي
أبو المواهب بن عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهيم بن عمر بن محمد الحنبلي البعلي الدمشقي الشهير جده بابن البدر ثم بابن فقيه فصه مفتي الحنابلة بدمشق القطب الرباني الهيكل الصمداني الولي الخاشع التقي النوراني شيخ القرآ والمحدثين فريد العصر وواحد الدهر كان إماماً عاملاً ملا حجة خبراً قطباً خاشعاً محدثاً ناسكاً تقياً فاضلاً علامة فقيهاً محرراً ورعاً زاهداً آية من آيات الله سبحانه وتعالى صالحاً عابداً غوا صافي العلوم بحراً لا يدرك غوره وكوكب بها على فلك التقى دوره ولد بدمشق في رجب سنة أربع وأربعين وألف ونشأ بها في صيانة ورفاهية وطواعية في كنف والده وقرأ القرآن العظيم وحفظه وجود على والده ختمة للسبع من طريق الشاطبية وختمه للعشر من طريق الطيبه والدرة وقرأ عليه الشاطبية مع مطالعة شروحها وأخذ العلم عن جماعة كثيرين من دمشق ومصر والحرمين وأفرد لهم ثبتاً ذكر تراجمهم فيه فمن علماء دمشق النجم الغزي العامري حضر دروسه في صحيح البخاري في بقعة الحديث في الأشهر الثلاثة مدة مديدة وقرأ عليه الفية المصطلح وأجازه إجازة خاصة وحضر دروسه في المدرسة الشامية في شرح جمع الجوامع في الاصول ومنهم الشيخ محمد الخباز المعروف بالبطنيني والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ إسماعيل النابلسي والد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ زين العابدين الغزي العامري قرأ عليه في الفرائض والحساب والمنلا محمود الكردي نزيل دمشق والعارف الشيخ أيوب الخلوتي والشيخ رمضان العكاري محمد بن كما الدين الحسني المعروف بابن حمزة والشيخ محمد المحاسني ومحمد بن أحمد بن عبد الهادي ورمضان بن موسى العطفي ورجب بن حسين الحموي الميداني وعلى بن إبراهيم القبردي وأجازه الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ(1/67)
يحيى الشأوي الجزائري المالكي المغربي وأخذ عن الشيخ عيسى الجعفري نزيل المدينة المنورة والشيخ أحمد القشاشي المدني والشيخ محمد بن علان البكري والشيخ غرس الدين الخليلي وإبراهيم بن حسن الكوراني وغيرهم وارتحل إلى مصر في سنة اثنين وسبعين وألف وأخذ فيها عن جماعة منهم الشيخ الشمس محمد البابلي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ عبد السلام اللاقاني وعبد الباقي بن محمد الزرقاني ومحمد بن قاسم البقري ومحمد بن أحمد البهوتي وغيرهم ومات أبوه في غيبته بمصر ثم عاد إلى دمشق وجلس للتدريس مكان والده في محراب الشافعية بين العشائين وبكرة النهار لاقراء الدروس الخاصة فقرأ بين العشائين الصحيحين والجامعين الكبير والصغير للسيوطي والشفا ورياض الصالحين للنووي وتهذيب الاخلاق لابن مسكويه واتحاف البرره بمنقب العشرة للمحب الطبري وغيرهما من كتب الحديث والوعظ وأخذ عنه الحديث والقرآت والفرائض والفقه ومصطلح الحديث والنحو والمعاني والبياني أمم لا يحصون عدداً وأنتفع الناس به طبقة بعد طبقة وألحق الأحفاد بالأجداد ولم ير مثله جلداً على الطاعة مثابراً عليها وله من التآليف رسالة تتعلق بقوله تعالى مالك لا تأمنا على يوسف ورسالة في قوله تعالى فبدت لهما ورسالة في تعملون في جميع القرآن بالخطاب والغيبة ورسالة في فواعد القراءة من طريق الطيبة وله بعض كتابة على صحيح البخاري بنى بها على كتابة لوالده عليه لم نكمل وغير ذلك من التحريرات المفيدة وكان يسقي به الغيث حتى استقى به في سنة ثمان ومائة وألف فكان الناس قد قحطوا من المطر فصاموا ثلاثة أيام وخرجوا في اليوم الرابع إلى المصلى صاما فتقدم صاحب الترجمة وصلى بالناس اماماً بعد طلوع الشمس ثم نصب له كرسي في وسط المصلى فرقى عليه وخطب خطبة الاستسقام وشرع في الدعاء وارتفع الضجيج والابتهال إلى الله تعالى وكثر بكاء الخلق وكان الفلاحون قد أحضروا جانباً كثيراً من البقر والمعز والغنم وأمسك المترجم بلحيته وبكى وقال إلهي لا تفضح هذه الشيبة بين عبادك فخرج في الحال من جهة المغرب سحاب أسود بعد أن كأنت الشمس نقية من أول الشتاء لم ير في السماء غيم ولم ينزل إلى الأرض قطرة ماء ثم تفرق الناس ورجعوا فلما أذن المغرب تلك الليلة انفتحت أبواب السماء بماء منهمر ودام المطر ثلاثة أيام بلياليها غزيراً كثيراً وفرج الله الكربة بفضله عن عباده وله كرامات كثيرة وصدقات سرية على طلبة العلم والصالحين وكسبه من الحلال
الصرف في التجارة مع التزام العقود الصحيحة حتى في سنة خمس عشرة ومائة وألف كان والياً بدمشق محمد باشا ابن كرد بيرم فأرسل إليه من طرف الدولة العلية أن يضبط بعلبك والعائد منها ويرسله إلى طرفهم لكونها كأنت في يد شيخ الاسلام المولى فيض الله مفتي الدولة العثمانية فحين قتل صارت للخزينة السلطانية العائد منها حتى الحرير وغيره وكان لما وصل إليه الحرير طرحه على التجار بدمشق وأرسلوا منه جانباً إلى أخ الشيخ أبي المواهب صاحب الترجمة وهو الشيخ سليمان فذهب جماعة إلى عند المترجم وترجوا منه برفع هذه الظلمة عنهم فأرسل ورقة مع خادمه ابن القيسني إلى الباشا فلما وصل إليه هدده فهرب من وجهه فلما ذهب كان حاضراً في مجلس الباشا أحد أعيان جند دمشق وهو محمد أغا الترجمان وباش جأويش وغيرهما فأخبروه بمقام الشيخ وعرفوه بحاله من النسك والعلم والعبادة والولاية فلما تحقق ذلك وكان مراده أن يأخذ من الشيخ مالاً لما سمع بخبره من مزبد الثروة أرسل خبرا لا أحد يتعدى على التجار ثم إن التجار وقعوا على الشيخ مرة ثانية فأرسل ورقة أخرى إلى الباشا وذكر أن الرعية لا تحمل الظلم أما أن ترفع هذه المظلمة وأما نهاجر من هذه البلدة والجمعة لا تنعقد عندكم وأيضاً الحرير للسلطان لا لك وزاد على ذلك في الورقة فلما وصلت إليه ترك مراده ورفع الرمية بعدما علم بمقام الشيخ وإن الرعية تقوم عليه إذا فعل ذلك أنتهى وكان المترجم رحمه الله تعالى لا يخاف في الله لومة لائم ولا يهاب الوزراء ولا غيرهم وأصيب بولده الشيخ عبد الجليل قبل وفاته بسبع سنوات فصبر واحتسب ثم بولده الشيخ مصطفى وكان شاباً فصبر واحتسب ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن اختار الله له الدار الباقية وكأنت وفاته في عصر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وسيأتي ذكر ولده عبد الجليل وحفيده محمد إن شاء الله تعالى ونسبته إلى فصه وهي قرية ببعلبك عن دمشق نحو فرسخ لأن أحد أجداده كان خطيباً بها فلهذا اشتهر بذلك وأجداده كلهم حنابلهالصرف في التجارة مع التزام العقود الصحيحة حتى في سنة خمس(1/68)
عشرة ومائة وألف كان والياً بدمشق محمد باشا ابن كرد بيرم فأرسل إليه من طرف الدولة العلية أن يضبط بعلبك والعائد منها ويرسله إلى طرفهم لكونها كأنت في يد شيخ الاسلام المولى فيض الله مفتي الدولة العثمانية فحين قتل صارت للخزينة السلطانية العائد منها حتى الحرير وغيره وكان لما وصل إليه الحرير طرحه على التجار بدمشق وأرسلوا منه جانباً إلى أخ الشيخ أبي المواهب صاحب الترجمة وهو الشيخ سليمان فذهب جماعة إلى عند المترجم وترجوا منه برفع هذه الظلمة عنهم فأرسل ورقة مع خادمه ابن القيسني إلى الباشا فلما وصل إليه هدده فهرب من وجهه فلما ذهب كان حاضراً في مجلس الباشا أحد أعيان جند دمشق وهو محمد أغا الترجمان وباش جأويش وغيرهما فأخبروه بمقام الشيخ وعرفوه بحاله من النسك والعلم والعبادة والولاية فلما تحقق ذلك وكان مراده أن يأخذ من الشيخ مالاً لما سمع بخبره من مزبد الثروة أرسل خبرا لا أحد يتعدى على التجار ثم إن التجار وقعوا على الشيخ مرة ثانية فأرسل ورقة أخرى إلى الباشا وذكر أن الرعية لا تحمل الظلم أما أن ترفع هذه المظلمة وأما نهاجر من هذه البلدة والجمعة لا تنعقد عندكم وأيضاً الحرير للسلطان لا لك وزاد على ذلك في الورقة فلما وصلت إليه ترك مراده ورفع الرمية بعدما علم بمقام الشيخ وإن الرعية تقوم عليه إذا فعل ذلك أنتهى وكان المترجم رحمه الله تعالى لا يخاف في الله لومة لائم ولا يهاب الوزراء ولا غيرهم وأصيب بولده الشيخ عبد الجليل قبل وفاته بسبع سنوات فصبر واحتسب ثم بولده الشيخ مصطفى وكان شاباً فصبر واحتسب ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن اختار الله له الدار الباقية وكأنت وفاته في عصر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وسيأتي ذكر ولده عبد الجليل وحفيده محمد إن شاء الله تعالى ونسبته إلى فصه وهي قرية ببعلبك عن دمشق نحو فرسخ لأن أحد أجداده كان خطيباً بها فلهذا اشتهر بذلك وأجداده كلهم حنابله
السيد أبو المواهب العرضي
السيد أبو المواهب الحلبي سبط العرضي الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ولد بحلب ونشأ بها ثم رحل إلى قسطنطينية دار الملك بعد تحصيل الاستعداد ولازم من المولى يحيى ابن حكيم باشى السلطان محمد المولى صالح الحلبي قاضي العساكر ولازم على قاعدتهم وعزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً وبعده أنتسب إلى المولى(1/69)
السيد فتح الله ابن شيخ الاسلام المولى فيض الله الشهيد وتشرف بخدمته وصار مكة وبجباله ففي سنة ست ومائة وألف في ذي الحجة أعطى مدرسة سراي الغلطة وفي سنة ثمان ومائة في ذي القعدة أعطى مدرسة يارحصار وفي سنة عشرة ومائة في صفر صارت له مدرسة الداخل المعارفة بين الموالي وفي اثني عشرة أعطى مدرسه سليمان صوباشي وفي سنة أربعة عشر في محرم صار له انعام بثاني مدرسة شيخ الاسلام المولى زكريا مكان هادي زاده المولى فيض الله مرتبة موصلة الصحن وفي سنة خمسة عشر في ربيع الثاني بسبب واقعة ادرنه وقتل شيخ الاسلام وما جرى نزلت رتبته وصارت له مدرسة بهرانية برتبة الداخل وفي سنة سبعة عشر في رمضان أعطى عن محلول اركه زاده المولى بليغ مصطفى مدرسة حافظ باشا وفي سنة عشرين في صفر صار له انعام مدرسة خديجة سلطان ومن مكاتباته قوله بمينا بمن جعل الارواح جنوداً مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ان شوقي إلى سدى شوق الروضى إلى النسيم وتشوقي لاخباره تشوق الصحة من الجسم السقيم وانه قد استنفد جلدي واحتوى على جميع خلدي وجرح جوار حي وجنح على جوانحي ولو أنني كاتب شوقي إليك لما ابقيت في الارض قرطاساً ولا قلماً والذي جعل الدهر تارات وأودع التنائي الغم والتلداني المسرات لتكاد أنفاسي تحرق بالوجد قرطاسي وأكثر ما أكابد لتذكري تلك الليالي والأيام التي لا أشك في أنها كأنت أضغاث أحلام ليلى لم نحذر حزون قطيعة ولم نمش إلا في سهول وصال فلا أكابد ما كابد من الكرب واتمثل لها بقول شاعر العرب
حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سوداً وكأنت بكم بيضاً ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تالفنا ... ومورد الانس صاف من تصافينا
إن الزمان الذي قد كان يضحكنا ... انسا بقربكم قد عاد يبكينا
وقد كان من مدة ورد على منه كتاب منطو على أنف كلام وخطاب فسرت به سرور من عاد غائبه إليه ودخل حبيبه من غير وعد عليه وهذا سروري من ملاقاة خطه فكيف سروري إن لقيت جماله وجعلته أنيسي وسميري وجليسي ونديم ضميري وقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً بخير كتاب جاء من خير صاحب وفي خامس عشر شوال يوم الجمعة سنة إحدى وعشرين ومائة وألف كأنت وفاته وكان مشهوراً بالعلوم والمعارف لطيفاً حسن الالفة رحمه الله تعالى(1/70)
أبو الوفا بن عبد الصمد بن محمد بن عمر بن سعد الدين بن تقي الدين الشهير كأسلافه بالعلمي الشافعي القدسي هو من بيت الولاية والصلاح لهم الرتبة العلية في القدس وخرج منهم علماء وصلحاء كثيرون وكان المترجم شيخنا كبيراً صالحاً مرشداً من الأخيار حسن الأخلاق صافي السريرة بشوشاً عالماً عابداً عاملاً زاهداً وافر الحرمة مقبول الكلمة مجللاً عند خاصة الناس وعامتهم وكان ذا رأي سديد وفعل رشيد جارياً على مناهج الصوفية ولد في سنة اثنين وخمسين وألف وأدرك جده الاستاذ القطب سيدي محمد العلمي وحفظ عليه القرآن المجيد وقد لبس خرقة الصوفية من أخيه الشيخ عمر العلمي وتلقن منه الذكر وصار شيخنا معظماً وكان بركة زمانه وشيخ الشيوخ بالقدس وكبير الصوفية وله هذه الأبيات في الساعة التي تصنعها الافرنج للأوقات وتحمل مع الانسان
لله ساعة انس قد حوت طرفا ... تمشي على عجل في خدمة السعدا
تقضي لنا مدة الهجران دورتها ... لطفاً وتدنى قدوم الحبان وعدا
دامت بعروتك الوثقاء وصلتها ... محبوة الصدر ما سحت يداك ندا
ومن ذلك للأديب الأمير منجك الدمشقي
لقد شبهت بالفلك اعتباراً ... لما قد كان من أمر مديري
ولكن ذاك منتضح هلالاً ... ومستور هلالي في ضميري
وله فيها أيضاً
وساعت بلسان الحال قائلة ... لما تشل في أجزائها الفلك
الناس تحسب ساعاتي وما عملوا ... بأن أعمارهم تمضي وما ملكوا
وكأنت وفاة المترجم في سنة تسع ومائة وألف ودفن بالقدس بتربة مأمن الله وسيأتي ذكر قريبه أحمد وأولاده فيض الله ومحمد ومصطفى في محلاتهم وتقدم ذكر قريبه أبو بكر وعلى كل حال فبنوا العلمي في القدس شهر من كل مشهور وهم بيت ولاية وصلاح وكراماتهم ظاهرة وأحاديث فضائلهم متواترة ورثى المترجم الاستاذ عبد الغني النابلسي الدمشقي بقوله
يا دهر ابن أبو الوفا ... وأبو المكارم والصفا
ابن الهمام ابن الهمام
ابن الإمام المقتفي ... أجداده الشم الانوف
وهم من الداء الشفا
أهل العلوم ذوي التقى ... والمجد ليس لهم خفا
سل قدسهم عنهم وسل
أكناف مروة والصفا ... وسل الخليل وأهله
وسل الكريم لتعرفا(1/71)
لله در مهذب ... في القدس كان الارأفا
من سادة ملىء الملا
كرما بهم وتعففا ... وتقدموا حلما وقد
فاقوا هدى وتصوفا
يا أيها الوادي المقد ... س إن ركنك قد عفا
ابن الذي أخلاقه
كأنت أرق والطفا ... ابن الذي أوصافه
كالروض شمأله هفا
يا قدس مالك لا تنو ... ح تلبها وتلهفا
أرضيت عن قرب الاكا
رم بالتباعد والجفا ... لا شك قلبك صخرة
فاللين منك قد أنتفى
والعهد بالاقصى دنا ... بمن لديه تألفا
والجسم في قلب القنا
ديل استنار وما انطفى ... والكاس يسكب دمعه
وبسكب مدمعه اكتفى
والطوردك وإنما ... برق التقرب رفرفا
يا للفتى العلمي بل
شيخ الشيوخ تعرفا ... نور تالق ساعة
بين المعالم واختفى
وبنوه أنجم أفقه ... عند الكبير تخلفا
فيض الهدى فمحمد
ثم المقدم مصطفى ... لا زال كوكب سعدهم
بالقدس يشرق لا خفا
ولهم عن الماضي هنا ... عوض بمن قد خلفا
يا أهل ذكر الله لا
يكن الفعال تأسفا ... كوني معاني الرسم ان
رفع المجيد المصحفا
قلم العناية مثبت ... في القدس منكم احرفا
وصحائفا منشورة
في الناس لن تتخلفا ... وحوادث الدنيا لها
أيد تسل المرهفا
طوراً وطوراً ترعوي ... فتربك برا مسعفا
ما الدهر إلا هكذا
منه الجميع على شفا ... سألتني الأوقات في
زمن بكم قد أسلفا
أيام لذه جمعنا ... بمجالس ملئت وفا
ما بال طرفك باكيا
ما بال قلبك مدنفا ... فأجبت كيف وأرخى
مات التقي أبو الوفا
رحم المهيمن روحه ... ولديه أحسن موقفا
وحباه من غرف الجنا
ن ومنها أن يغرفا ... ما هب عرف صبا وما
نغم البلابل شنفا
أوقال عبد للغني ... حسبي ومن حسبي كفى
أبو يزيد الحنفي
أبو يزيد بن يوسف الحنفي القسطنطيني الأيوبي الكاتب المنشي كان والده كنخدا المولى محمد القريمي قاضي العساكر في الدولة ونشأ المترجم وأخذ الخطوط ومهر بالتعليق منها وأخذه عن الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر وتفوق بالخط المزبور وكأنت وفاته سنة إحدى وسنين ومائة وألف والايوبي نسبة لمحلة أبي(1/72)
أيوب خالد الانصاري خارج سورة قسطنطينية رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين
أبو يزيد الحلبي
أبو يزيد الحلبي العابد المجتهد في العبادة المبارك الدين العفيف الصالح كان يربي الأطفال في مسجد بمحلة المشارقة من رآه أحبه يتبارك به الناس ويأخذون منه التمائم فيجدون بركتها وكف بصره قبل وفاته فانقطع في داره وكان عليه من الجلالة والنور والوقار ما يدهش المتأمل فقير في زي غني ووجهه كأنه المصباح وقد أخبر من يعتقد صدقه قال كنت لا أعرف الشيخ أبا يزيد فذهبت في جنازة أحد المجاذيب فأراني بعض الناس الشيخ أبا يزيد في الجنازة وكان كف بصره فبادرت لتقبيل يده فلما قبلت يده قال لي أنت السيد محمد الذي هو ساكن في دكان الشيخ محمد البني فقلت له نعم وقضيت من ذلك العجب وقد أخبرت عن صاحب الترجمة أنه لم ينزع قميصه نحو اثنتي عشرة سنة نفعنا الله سبحانه بعباده الصالحين وكأنت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وله من العمر مائة وخمس سنين ودفن في مدفن ولي الله المعروف بالشيخ سري الدين خارج محلة المشارقة رحمه الله تعالى وأموات المسلمين
أحمد الرسمي
أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرسمي الكريدي الحنفي شهاب الدين أبو الكمال المولى العالم الرئيس الصدر الفاضل الأديب الكاتب البارع المنشي اللغوي أحد أعيان دار السلطنة وروسائها المشهورين ولد بجزيرة رسمو المعروفة بكريد الجزيرة الكبيرة التي وسط البحر الأبيض سنة ست ومائة وألف وقرأ القرآن وغيره واشتغل بتحصيل العلوم والانشاء والخط والأدب ودخل قسطنطينية سنة سبع وأربعين ومائة وألف وقرأ بها على أبي عبد الله الحسين بن محمد الميمي البصري وأبي النجاح أحمد ابن علي المنيني الدمشقي وغيرهم وأخذ التفسير والفقه واللغة والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأدب والشعر وتفوق واتقن الانشاء وحسن الترسل واللغة وحفظ الأمثال والشواهد والأغلب من أشعار العرب ووقائعهم وكان حريصاً على تحصيل فائدة مهتماً بجمع الفوائد العلمية والمسائل الأدبية ويكتب الخط المنسوب ويضبط الألفاظ والمسائل التي يثبتها في أجزائه وصاهر المولى الأديب(1/73)
زين الدين مصطفى بن محمد رئيس الكتاب وأنتسب إليه فجعله من أعيان الكتاب وأقبل بكليته عليه ورسم له أن يكون من روسائهم وولي بعض المناصب ككتابة الصدر الوزير الأعظم ثم صار رئيس الجأويشية وانعقدت عليه أمور الدولة وفوضت إليه في أيام السلطان أبو التأييد والظفر نظام الدين مصطفى خان في المعسكر السلطاني وكان هو مع من كان في المعسكر السلطاني أيام الغزا والجهاد على الكفار الروسية وحمدت سيرته بين أعيان الدولة وكان الوزراء والأمراء والحكام ينقادون إلى كلامه ويستشيرونه في أمور الدولة وترتيب العساكر وتقليد المناصب واستقام على هذه الحالة قدر خمس سنين ثم بعد وقوع الصلح بين المسلمين والكفار وانقضاء الأمر ورجوع الوزراء والأمراء وأعيان الكتاب صحبة المعسكر السلطاني واللواء الشريف إلى دار السلطنة قسطنطينية صار محاسب الأموال السلطانية وثاني وكلاء بيت المال والروزنامجية الكبيرة وأمين المطبخ السلطاني اجتمعت به في دار السلطنة في جمادي الثانية سنة سبع وسبعين ومائة وألف وسمعت من فوائده وصحبته واطلعني على آثاره منها حديقة الروساء ومنها خميلة الكبراء تشتمل الأولى على تراجم روساء الكتاب في دولة العثمانية والثانية تشتمل على تراجم الخواص والمقربين روساء خدام الحرم السلطاني الأمراء السود والحبشان وسمعت من أشعاره ونثاره الكثير وكان بينه وبين والدي محبة ومودة وله أخذ عن الجد العارف محمد بهاء الدين المرادي الحسيني وكنت أسمع خبره من الوالد وغيره قبل الاجتماع وكان الوالد يراسله ويكاتبه واجتمع به بقسطنطينية وكان خبيراً بالأمور بصيراً بأعقابها له رأي ووفرة عقل وقوة ذكاء وقريحة غير قرية وفضل لا ينكر وأدب غض وحسن ترسل في الألسن الثلاث ولا يكتب إلا جيداً مع حسن الخط والضبط والأعيان والكتاب تتنافس بتحريراته ورسائله وفي آخر أمره ضعف بصره وقل نظره وقويت علي الأمراض والهرم ومات ولده الأديب النجيب عمار الكاتب في حياته فتأسف عليه وحزن لفقده وكدر مصابه توفى وأنا بدار السلطنة في ليلة الأحد ثالث شوال سنة سبع وتسعين ومائة وألف ودفن بمقبرة اسكدار ومن نثره هذه المقامة سماها الزلالية البشارية فيما جرى بين ركبان الجاديه تشتمل على أمثال كثيرة وهي هذه
حركني الشوق إلى التنقل يوماً من الأيام مع رفيقي بشار بن بسام أخذا بقول بعض أصحاب الأمالي لا يصلح النفس إذ كأنت مصرفة إلا التنقل من حال إلى حال فنزلنا نحر النهار على عادة الهوز بطفطاف الراموز فأجلنا(1/74)
الأنظار إلى مستعام فارغ عن زحام أنذال الأنام فإذا بشادن قد أشرق الورد من نسرين وجناته واهتز غصن البان من لطف حركاته له رواء وشاهد أحلى شفونا من الفارد يروي الرحال ويشفيهم بمبتسم كابن الغمام وريق كابنة العنب فأشار إلينا بلمحة مغناطيسية ولحظة داهشة مخفيه كأن الثريا علقت في جبينه وفي خده الشعري وفي جيده القمر فانحدرنا نحوه كالماء إلى قراره والغريب إلى جاره وداره فحملنا على قارب نظيف لطيف خال عن الخليط والوصيف فقدم لنا الترحيب والترجيب على ديدن الأديب الأريب ثم أخذ يفحص عن المنصب والمشرب والمذهب والمرغب فنلنا سقاطاً من حديث كأنه جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع فتعجبت من فصاحة لهجته أكثر مما تعجبت من طلأوة بهجته فاستكشفت عن أصله وعترته وعن اسمه وكنيته فقال أسمى زلال بن بلال وأرومتي كريمة الأعمام والأخوال وكنيتي أبو الحسن على الاجمال ثم خاض يتكلم بمنطق تتناثر به اللآلي من الاصداف وتضن بسلاسته الباهرات في مجراها على الرجاف ألذ من الصهباء بالماء ذكره وأحسن من بشر تلقاه معدم قائلاً بأني كنت من أبناء بعض التجار متلمذاً بثروة أي علي الادباء الأخيار فتوفي والدي وذهب المال والنشب تحت كل كوكب فصادني هوى بعض الغزلان بحكم الصبا المنعوت بوصف بعض رنا ظبياً وغنا عندليباً ولا شقائقا ومشى قضيباً فصار ما صار مما لست أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر وقادني المجون والخلاعة إلى هذه الصناعة والاجتهاد أربح بضاعه لكنني لا آلف إلا أصحاب البراعة والبراعه فقال له بشار يا قرة الابصار وخيرة الشمس والأقمار لا أظنك إلا شريف النجار بمدلول إذا عذبت العيون طابت الأنهار فأدمت على هذه الشارة والشيار يكفيك مقلب الليل والنهار ومسير الجواري على البحار عن معأونة الموالي والأنصار إن البطالة والكسل أحلى مذاقاً من عسل الناس في هوساتهم والدب يرقص في الجبل أما القناعة والعمل يدنى المطالب والأمل ملك كسرى تغن عنه كسرة وعن البحر اجتراء بالوثل فقال نعم إذا المرء لم يستأنف المجد نفسه فلا خير فيما أورثته جدوده ثم شرع يشمر عن ساعدين مثل اللجين ويحل أزرار اللبات عن الأجرام الزاهرات كالبدر من حيث التفت رايته يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً فقال لي بشار ملمي إلى خلوقة الدثار لا تعجبوا من بلى غلالته قد زرا زراره على القمر فجلوبه(1/75)
زلال بتلميح تقبيح الابتذال ومن يبتذل عينيه في الناس لم يزل يرى حاجة محجوبة لا ينالها فقلت لبشار إن كنت ريحاً فقد لاقيت أعطاراً فالزم الصمت وغض أبصاراً لكن الريح كان يحرك العباب والهوى يلعب بالالباب والجنون شعبة من الشباب فقال له بشار يا مطلع البشاره أريد القعود جنبك حتى أعينك تارة فتارة فإن على الجار عوناً لجاره فقال ليس بعشك فادرجي واخطاءت استك فلا تبهرجي فقلت له يا ألطف الخليقه وأطرف ذوي السليقه لا تخيبه فإنه لا يتنشم في الحقيقه الاشمة من أردافك الأنيقه فقال متبسماً تسألني برامتين شلجما ثم أنشد وذاك له إذا العنقاء صارت مربية وشب ابن الخصى فأبى أبو عمرة إلا ما أتاه وتاه في منزعه وما تاه فقال يا زلال ويا منبع الأوس والافضال أجرينا إلى ميسرة نضيره مياؤها غزيره ورياضها للجنان نظيره فقال سقطت على صاحب الخبرة والعوان لا تعلم الخمره فأذهبنا إلى أن خرجنا بموضع يفعم نفحات أزهاره المشام وألقينا المراسي بذي رمرام فأعطيته شيئاً مما تيسر فأحرزه ولاح في وجهه الحفر فنأولني تفاحة أبرزها من جيبه الظريف على نهج التعريض والتلطيف تفاحة تتسور العنبر والغاليه ويغبن من استبدلها بقرطي مارية ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها وفي الغرب مزكوم لعاد له الشم فقلت له يا علالة الروح وطلالة الغبوق والصبوح لغيري زكاة من جمال فإن يكن زكاة جمال فاذكرا بن سبيل كأني أردت به التعريض لقبلة الوداع فقال لا تطعم العبد الكراع فيطمع في الذراع ثم فاه وأنفاسه مطيبة برامك السبيل أمامك فامش طالباً مرامك ثم ودع وأنشد كأن غراب البين غرد
إذا ما دعتك النفس يوماً لحاجة ... وكان عليها للخلاف طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما ... هواها عدو والخلاف صديق
فقلت له من غاب عنكم نسيتموه وروحه عندكم رهينه أظنكم في الوفاء ممن صحبته صحبة السفينة ثم انصرفت وداعي الشوق يهتف بي.
ارفق بقلبك قد عزت مطالبه، ثم قلت لبشار وهو أحير مني من أوضاع ذلك الطرير الطرار تنقل فلذات الهوى في التنقل ورد كل صاف لا تقف عند منهل هلم نتفيأ ظلال هذه الحدائق ونتفرج بتلون الأزهار وتموج الخلائق عسى أن يرشنا بدل الزلال بلل بمفهوم إن لم يكن وابل فطل فأنشد فتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا أراها في الضلال تهيم هيهات يبدل العنبر(1/76)
بالغبار فالجحش لما فاتك الأعيار طار الطأووس فلا يفيد السبه والوله وقد يركب الصعب من لا ذلول له قلت له ويحك اكذب النفس إذا حدثتها وعظم المطالب متى فتشتها وغرد وتمثل بقول الشاعر الأمثل اعلل النفس بالآمال ارقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فإن الطير يطير بجناحه والمرء بهمته على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وليس الرزق عن طلب حثيث ولكن الق دلوك في الدلاء تجئ بملئها طوراً وطوراً تجئ بحماءة وقليل ماء أنتهى
وله هذا اللغز أيها العماد الرميز القمقام المطفئ ورده النمير أنواع الطش والأوام من أناخ نهبرته وفي وصيدك الحضارم المنعام كان خليقاً بمضمون القت مراسيها بذي رمرام أفتنا في سبع فقرات حسان يحسدها بفيض فضلك عقود الجمان وقلائد العقيان وكاد أن يحصل التشوير من بلاغتها للمعلقات الثمان ما ماهية شيء يضاف إلى أول حروفه علم من العلوم الغريبة ويسمى بما عداه العسل والصاحب وشجر من الأشجار الطيبة يرفع على الرؤس والأيدي حين يلازم الأيادي سواء العاكف فيه والبادي يستخدم في الرواح والغديه ويبتهج من دورانه أهل المجالس والأنديه مضاف ولكن لا يرى له رماد ممسوح الاذنين فلا يصغي يوم ينادي المناد تارة أجوف كاسمه وتارة مملو قد رسمه مرة استر من المخدرة وربما ينكشف مثل النيلوفره وقت الظهيرة ترى أحشاؤه من لطافة الجثمان وطوراً تستتر كليتاه من كثافة الجسم مثل حبوب الرمان عريان لا يرى إلا في الأسفار ملابس زماناً بارد الطبع وأخرى يابس يحتاج تارة من حرارة مزاجه إلى الكشف والكشط وإن كان أغنى عن اللباس من الأقرع عن المشط تراها مقنعة أحياناً فيقول خاطبها لا تجعل شمالك جردباناً بعض أجناسها حديث السن ذو الخصب وبعضها مضرب أكل الدهل عليه وشرب أعظم بركة من نخله مريم وإن كأنت موصوفة بالحساسة والكرم فالناس اخوان وشتى في الشيم كل نجاراً بل نجارها ومع هذا اياي من حنيف الحناتم عند جارها مجلوبة من كل أرض كونها كأبي برقش كل لون لونها يجيب إلى دعوتها الملوك وهي لا تجيب وفي التلذذ من النعم التي حواها كالمربوط والمرعى خصيب مهما كأنت لرحيق المسرة وغاية وقايه يضرب لها استق رقاش فإنها سقايه متى كأنت خلية البال تقوم على القدم والرأس وإذا اشتغلت بابنة العنقود أو بأبي العلا فلا تقبل(1/77)
الانعكاس خذوا من مشاربها اللطيفة الارباع والانصاف فليس عن التشاف فأجابه عنه العالم الأديب أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد القادر الحموي الكيلاني بقوله أيها الندب الذي صدره للآداب مجموعه ونفيس معاني المعاني بحيزومه مجموعه وأداب الأولين غدت له جبلة تتوارد على صفاء فكره منها ثلة فتلة ما اسم ثلاثي البناء أجوف يحيى سنة من السنين إذا انحرف لواردك وسط الرزق لكان شجرا وإذا تجافى نهايته أورث الاقدام خوراً لا ينهل ولا يعل إلا منعكس الرأس طوراً بحلية النعمان وتارة بحلية بني العباس وأونة للاعاجم بمذهب فيلبس التاج المذهب لا يمل من رشفه الثغور مغرم بالزنج دون الحور مستدلاً بأن الاناب أفضل من الكافور والتامور تخدمه الملوك بالأنامل وتقدم خدمه على أرباب الظبي والعوامل فهو مبتدا الاجسام والمميز رفع قدره في الذكر في أعداد الاقسام ثلثاه جمع إذا شدد آخره وهو فعل يحسن أن تتصل بالفعل أواخره وحرف بانضمام مصحف نقي وجازم بتصحيف بقى وإذا تشوش قلبه أظهر حيواناً وألاح في العين إنساناً وانبا عن جزء من اليعافير عظم شانا وإذا صح قلبه كسب الانسان ومحبته ومكانا وإن لفظت ثالثه وصحفت أوله دل المنادي على خذف من جهله وفي هذه الحالة يشين الصارم وينفح الشذا الفاغم وأعجب بمصحفه مستنكفاً عن الغد إلا إذا أضيف إليها أربعون مما وراءها وانظر حظها واستحفاظها الاسرار في كل حال وصونها ما استودع قلبها اللسان عين مال وإذا جعلت ختام المسك فاتحتها كأنت صيغة كمال وإن حرفته وسلبت لبه أمر بالوقوف وبتكريره مع ذلك يعود ظرفاً لما تتطيب به الانوف وفي هذه الحالة إن لفظه الروم كان من مضافات عالج وعلماً يستخرج الغوامض وهو لدى كل مرغوب ورايج وبحراً ماؤه مفقود وهو من أنفس البحور معدود ومن كان أمله لجهة الصفا مصروفاً حرك ساكنه ونصب نصباً مألوفاً وإذا حرف المعاني أوله وضحه إلى الثاني فإن بالتكلم أمرا ومعلماً جمع القليل ظاهراً وإن فصلت كبد قلبه غدا للرجل رديفاً وللحدوث ضدا إذا لاقى تحريفاً وللغبي والأحمق صفة إذا قابل تصحيفاً وإذا قطعت رأسه في هذه الحالة صار نجيعاً وبعكسه مداده والعطار والسما المنبت ربيعاً له صدر أحاط بالبسيطة وأجزاؤه متشعبة إلى مشوبة ومحيطه يقتحم الطنين من الالوف في تاليبها ويجعل قسمة جموعها بين طريحها وضريبها هو أخرس وكله لسان ولفصاحة البليغ أبدع ترجمان وإذا(1/78)
نحيت عنه عدد صدره فقد استخلصت وداده وإياك والتحريف فإنه يكلم فؤاده وأضجر قلبه المجوف يفصح عن ملك ويسمح بملك
وملك وملك وإن تقدمت غايته الوسط أذن بالأنتهاء في كل نمط ولو قصدت الاغراب لشاهدت العجب العجاب ولو استعملت الاعداد والرديف لرأيته على الآلاف يليف والقصد رياضة الخاطر لاذاعة المآثر على أنه عفو البداهة والساعة مع قصر الباعة وقلة الصناعة احجية لطيفة في الورق والصحيفة أنتهىك وملك وإن تقدمت غايته الوسط أذن بالأنتهاء في كل نمط ولو قصدت الاغراب لشاهدت العجب العجاب ولو استعملت الاعداد والرديف لرأيته على الآلاف يليف والقصد رياضة الخاطر لاذاعة المآثر على أنه عفو البداهة والساعة مع قصر الباعة وقلة الصناعة احجية لطيفة في الورق والصحيفة أنتهى وكتب ثانياً أبو الكمال الرسمي المترجم والغز بقوله يا من أنسى بروائع البديع ذكر الصاحب وعبد الحميد وأخجل بإنشائه الذي بذ المصاقع منشات القاضي الفاصل وابن العميد ما اسم ثلاثي الشكل قريب من المربع يطأوع في غالب الأشكال ويتبع كسر عينه المفتوحة ثمرة الاكسير الجابر الكسير إذا أحرفنه غدا عين الحمائم وإذا اعتاض عن ذاهب قلبه غاية السعد هتن قطر الغمائم والعجيب تكراره في سطر ومع الجمع يكون أسفاراً صدرها الصدر أبيض الوجه كالعاج يتحلى بألوان نقوش الديباج وإن بدا صدره يهمز غدا وافي الدجنة وبقلبه يهزم الأجنة وبتشويش قلبه محرفاً يمثل عمومي المشترك والمجاز وإن تشوش قلب كامله كان محمولاً على متون الدواب وقرنا أيضاً بلا ارتياب ومع التشديد من محسنات الشراب ومع التصحيف يصلح للبزاز ما فسد من الأثواب وامتاع وصرح ببلد بإقليم الزنج واشتمل معين الاسراع وإذا سلب غاية السمو فرسمه رق وإن حرفته أنتظم من العبيد واشتق وفي قلبه في هذه الحالة عدوكم قتل وافني وإن صحفته تراه فر وحده وله منه ثلاث ومثنى وفي قلب كامله مصحفاً جنة حسناً وإن بان صدره مع العكس والتصحيف وجعلت غاية الرمح قلبه صار للسرور خير رديف وإن حذفت صدره مع القلب والتصحيف وختمته بمبدأ الأمر وصدرته بلام التعريف كان مفتح الدعاء في الابتداء وامام الأبناء وإذا صح قلبه مذيلاً بغاية المعالي غدا منسوباً للضياع وبحذف تالي مقدمه يشعر بالمنعة والدفاع وإذا أخذت حاشيته وجعلت قلب الشام له عيناً أنبأ عن جزيرة وحافظ لا يلحق شينا وإن طرحت أوله ورتبت ما بقي على القلب وجعلت غرة ميقات موسى أو ذاته له صورة قلب أراك قمر السما وأشار بقلبه لبقية نفس أشهب عدما وإذا اطلعت ذارته بعد المائتين أراك إقليم آل جنكيز رؤياء العين وإن ترك على فطرته وغودر على نبعته كان للدنيا جمالاً وبهجه وللافنان جلباباً نضيراً اتقن الربيع نسجه(1/79)
وحسبه فخاراً إنه رونق لكل إنسان ومنتظم في سلك جوهره كل حي من الحيوان والمال مقترن بلفظه يسعف كلاماً زها خطه وكفاه تخيري تبياناً لدى ذوي الفطالة وإن كنت لم أدع مثل الجعبة والكنانة ولم أطلق المجلى الكفر في حلبته عنانه أنتهى والكريدي نسبة إلى كريد
أحمد الجبالي
أحمد بن إبراهيم الجبالي نسبة إلى المحل المشهور بجبال الزبيب الحسني العلوي الشاذل الشافعي الاسكندري المتصل النسب بسيدي أبي الحسن علي الشاذلي الاستاذ الكامل العالم الصالح الناصح الصوام القوام الفقيه الخاشع المتواضع المشهور بالديانة والصيانة والأمانة ذو الطريقة المرضية الموافقة للكتاب والسنة المحمدية وأفعال السلف الصالح مربي المريدين موصل السالكين أخذ طريق السادة الشاذلية عن الإمام العارف سيدي محمد بن أحمد المزطاري المغربي وكان لا يشترط في الطريق شيئاً إلا ترك المعاصي كلها والمحافظة على الواجبات وما تيسر من المندوبات وذكر الجلالة الشريفة مهما أمكن وقدر عليه وفي كل يوم البسملة مائة مرة والاستغفار مائة ولا إله إلا الله الملك الحق المبين مائة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما أمكن وأقله مائة مرة وكان من دابه ترغيب مريديه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصيهم بقيام الليل والتهجد ولو بركعتين وبصلاة الضحى والتسأبيح وبصلاة ستة ركعات بعد صلاة المغرب وبقراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة وبقراءة دلائل الخيرات في كل يوم إن أمكن وإلا فقراءته تماماً يوم الجمعة وكان يأمر بكثرة الاستغفار خصوصاً عقب أداء كل فريضة ثلاثاً وكان يأمر كثيراً بقراءة الحزب الكبير لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه الذي أوله وإذا جاك الذين يومنون بآياتنا فقل سلام إلى آخره كل يوم بعد صلاة الصبح وقبله قراءة حزب الفلاح وبقراءة حزب البحر كل يوم بعد صلاة العصر وفي يوم الجمعة يأمرهم بهذه الصيغة ثمانين مرة بعد صلاة العصر وهي اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم وكان يأمرهم بقراءة البردة وغيرها من المدائح النبوية حكى ذلك عنه جميعه تلميذه الشيخ إبراهيم بن محمد كرامة الاسكندري في إجازته لشيخنا أبي الفتح محمد العجلوني وحكى عنه أيضاً أنه قال سمعت شخصاً يقول لي يا ابن الشاذلي لأي شيء إذا جاء المطر كل الناس تهرب منه وإذا جاء النيل كل الناس تفرح به ويهجمون عليه ولو كان يغرقهم فقلت له يا سيدي لا أدري فقال لي يا ابن الشاذلي الناس تهرب من المطر لكونه يأتي من فوق الرؤس(1/80)
والنيل تفرح الناس به لكونه يأتي من تحت الأقدام ونقل عنه أنه كان يقول ينبغي لكل منتسب إلى شيخ من مشايخ الطريقة وأعلام الحقيقة أن يعرف من اذكار شيخه وأوراده وأحزابه أو ما تسير أو قدر عليه ليكون داخلاً معه بقدر ما عرفه منه وأخذ عنه فإن الذي ينتسب إلى مذهب الشافعي مثلاً ولا يعرف ما تعبد به من مذهب الشافعي ليس له في تلك النسبة إلا اسمها فقط وكأنت وفاة المترجم كما نقلته من خط تلميذه المقدم ذكره ليلة الخميس وقت العشاء الأخيرة لسبعة عشر خلت من شهر ربيع الثاني سنة سبع وأربعين ومائة وألف بمدينة اسكندرية ودفن بها بجوار سيدي أحمد أبي العباس المرسي وجوار سيدي ياقوت العرشي وكان يوماً مشهوداً وكراماته كثيرة لا تحصى قدس الله سره العزيز ورحمه رحمة واسعة وأموات المسلمين
أحمد الحرستي
أحمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحنفي الحرستي ثم الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الفرضي الحيسوب الفاضل كان أحد الافاضل والفقهاء المفوه بهم والبارعين في علم الفرائض والحساب ولد سنة أربعين وألف وقرأ على المشايخ وعلماء عصره كالعلامة العرضي الشيخ كمال الدين ابن يحيى الدمشقي واشتغل عليه في علم الفرائض والحساب وقراءة كتبها كالترتيب والياسمينية ومرشدة الطلاب ولازمه مدة تزيد على خمس عشرة سنة وأجازه في سنة سبعين وألف ولازم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي وقرأ عليه وتزوج بابنته وصار عنده كاتب الفتوى وعند الولي علي العمادي المفتي أيضاً ورأيت له رسالتين في الفرائض والحساب سمى الأولى الكواكب المضية في فرائض الحنفية والثانية المنح السنية في فرائض الحنفية وبالجملة فقد كان عالماً فرضياً وكأنت وفاته في سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن بالروضة في تربة باب الصغير وولده الشيخ أحمد كان من الافاضل والفقهاء الصالحين وجيهاً مقبولاً استقام على أسئلة الفتوى مدة عمره عند بني العمادي وخلف أولاداً ذكوراً وأنجبهم الشيخ أسعد وستأتي ترجمته وكأنت وفاته في يوم الجمعة ثاني وعشرين ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بباب الصغير أيضاً رحمه الله تعالى
أحمد مغلباي
أحمد بن أبي الغيث الشهير بمغلباي الحنفي المدني خطيب المدينة المنورة وابن خطيبها الشيخ الفاضل العامل الكامل ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وأم بالمسجد الشريف النبوي وخطب به ودرس(1/81)
وأنتفعت به الطلبة وله من التآليف نظم عقيدة السنوسي الصغرى وشرحها وتوفى بالمدينة المنورة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع
أحمد الأركلي
أحمد بن إبراهيم الاركلي الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الفاضل الطبيب المقري الصالح ولد سنة عشر ومائة وألف وكان يطالع في كتب الطب كثيراً وله في ذلك كتابات كان يكتبها على هامش كتبه في الطب وله من التآليف شرح على الشمائل ومقامات ضاهى بها مقامات الحريري توفي بالمدينة المنورة سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالبقيع
أحمد البسطامي
أحمد بن أمين الدين البسطامي الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه الفرضي صدر الديار النابلسية قرأ القرآن العظيم على خاله الشيخ عبد الحق الاخرمي وتفقه عليه وحصل له الفضل التام ولما توفى عمه السيد حسن المفتي بنابلس تولى افتاء الشافعية وتصدر للافادة وألف مؤلفات نافعة منها شرح البردة للابوصبري وشرح الأربعين النووية وجمع كتاباً في المواعظ سماه المناهج البسطامية في المواعظ السنية ولم يزل على حالته المرضية إلى أن توفي سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين
أحمد الكردي
أحمد بن الياس الملقب بالارجاني الصغير أو بالقاموس الماشي الشافعي الكردي الأصل الدمشقي الشاعر المفلق اللغوي الماهر كان فاضلاً محققاً فطناً بارعاً متوقد الذهن والفكر وكان والده كردياً من نواحي شهرزور قدم إلى دمشق وتولى خطابة خان قرية النبك وتزوج بامرأة من القرية المذكورة وأولدها عدة بنين وبنات ولد في ابتداء هذا القرن وقرأ على والده بعض مقدمات على مذهب الإمام الشافعي وحبب له الطلب فرحل لدمشق ونزل بمدرسة السميساطية وقرأ على المجأورين بها وأكثر على استاذه الشيخ أحمد المنيني وبه تدرب وصار طبا خافي المدرسة المرقومة غير أنه كان يناضل في الائتقاد ويساهم في الاعتقاد ولم يزل في ضنك من العيش ولم نحل حركاته من طيش وحصلت منه هفوة حمله الجمق بسببها على أنه أقربها لدى الشرع وخشى(1/82)
من إقامة الحد عليه وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق فخرج منه خائفاً وقصد مدينة اسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة وأمن من زمانه تلك الصولة فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ونسى ما كان فيه ومشى مشبة لم يكن ورثها عن أبيه فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ففارقها وفي النفس منها ما فيها وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام وحصل له بعض وظائف ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير الفريد الصدر الوحيد محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب وامتدحه بقصيدة وهي قوله
هذي مناي بلغتها لأوانها ... فالحمد للافلاك في دورانها
الآن قرت بالتواصل أعين ... طال اغتراب النوم عن أجفانها
كم بت في ليل الفراق مردداً ... بيتاً يسلى النفس عن أشجانها
يا ليت شعري هل أرا منشداً ... دهما نبذ الدرهم يوم رهانها
النيل أيتها السفين فليس لي ... في فارس ارب ولا أرجانها
فترشفي من ثغر دمياط المنى ... لأظل ذاك الشعب من بوانها
من فوق حماء القرا نوحية ... تثنى بصنعتها على سفانها
وجناء لارعى الغضا من همها ... يوماً ولا ورد إلا ضامن شانها
سارت فشقت من خضارة أزرقا ... شق الثكول السود من قمصانها
وتعسفت أمواج يم مترع ... كالأيم إذ تنساب من كثبانها
هندية في الماء ألقت نفسها ... والهند تلقي النفس في نيرانها
زنجية غنت لها ريح الصبا ... فغدت تجيد الرقص في أردانها
تمشي على الدأماء فعل ولية ... وتطيع جهر أعابدي صلبانها
دار متى فتحت تلافي هلكها ... سكانها أسرى يدي سكانها
أفتلك فتخاء الجناح تصوبت ... م الجو فهي تسف في طيرانها
أم عرمس هوجاء مهما راعها ... صوت الرياح تجد في ذملانها
أم مومس ورهاء ليس يليقها ... بعل ولا تأوى إلى أوطانها
أم تلك من سرب المها وحشية ... نشأت خلال الماء مع حيتانها
آلت على أن لا تقر بمرفأ ... والبر كل البر في أيمانها
أو تجلعن من نيل مصر ورودها ... عللاً وتمضي بعد ذاك لشانها(1/83)
وهناك نسلمها إلى أخواتها ... اللائي غدت تمشي على آسانها
فتظل بين الموجتين شوارعا ... في النيل سبق الخيل في ميدانها
تنفك تحدوها الشمال فإن ونت ... عنها ظللن يقدن في أرسانها
تسمو لتنظر قلعة الجبل التي ... تجلو بطلتها صدا أحزانها
وإذا أدار الصحب ذكرى راغب ... طارت هوى وعصت على ربانها
المشتري طيب المحامد بالبهي ... ويرى قليلاً ذاك في أثمانها
والتارك الماضين من أسلافه ... خير محته الناس من أذهانها
هو كعبة الوزراء إن بصرت به ... بدرت إلى التقبيل من أركانها
أزرى بإنشاآته الكتاب بال ... لسن الثلاث فإذ عنو لبيانها
والعرب لو تر مثله لم تفتخر ... في قسها يوماً ولا سحبانها
فخر الدولة آل عثمان بمن ... هو كالفريدة من عقود جمانها
فيمثله أنتظمت ممالك ملكها ... وبرأيه وثقت عرى سلطانها
كم راغب في أن يكون كراغب ... وأرى المواهب في يدي منانها
والاسم في الوزراء مشترك ول ... كن ما عتاق الخيل مثل هجانها
فإن اغتد وأوزر النصرة دولة ... فهو الشباة لسيفها وسنانها
حاطت مهابته الممالك قاعداً ... كالبيض ترهب وهي في أجفانها
حتى تسأوى خصبها والأمن من ... أرض العريش لمنتهى أسوانها
من بعد ما كأنت مصاعب بفيها ... في السوح منها ملقيات جرانها
وتبيغت فيها دماء فسادها ... دهراً فكان البرء في سيلانها
لم أدر مرهف عضبه أمضى إلى ... الأعداء أم يده إلى احسانها
أبد له لم أنس نائلها وهل ... تنسى الغيوم الغر في تهتانها
وخلائقاً مثل الرياض يزينها ... صدح العلوم له على أفنانها
يا أيها الدستور والشهم الذي ... ألقت إليه أولوا النهي بعنانها
وأخا الصوارم كالبروق كلاهما ... يعلو الرءوس فهن من إخوانها
لم أقصر التمداح فيك وانما ال ... بئر النزوع قصرت من أشطانها
ضمنك مصر ضم مشتاق إلى ... مرأى علاك وشبكت ببنانها
ولطالما سمعت بأنك واحد ال ... دنيا فصدق حدسها بعيانها
فافخر بها أعلى المناصب انها ... تخت الملوك الصيد في سلطانها(1/84)
بهرام سيفك في الرقاب وأنت في ... أعلى سماء العز في كيوانها
ولما آب لوطنه الثاني فائزاً من رغائب الراغب بما هو أطرب من هزج المثاني كتب بها إلى شيخه أحمد المنيني وكتب معها ما هذه صورته
ربما خطب ببال سيدي أن يسال عن عبده الأقدم وسهم كنأنته الاقوم من حطه وترحاله وتلاعب الدهر بأحواله ليجدد ربوع العهود الدوارس ويضئ ليالي تفرقنا الدوامس فأخبرها إني امتطيت الدهماء وخبطت بها الدأماء في عشري ربيع الثاني من سنة ألف ومائة وإحدى وستين حتى وردنا النيل في أواخر جمادي الأولى من هذه السنة ودخلنا القاهرة المعزية واجتمعنا بمولانا الوزير ذوي القدر الخطير راغب باشا وكنت وأنا في البحر قد بغمت بأبيات في وصف السفينة وتخلصت إلى مدحه فأنشدته إياها كما واجهته فانبسط إليها وأذن وهو بنقد أمثالها قمن والقصيدة المذكورة كتبت لكم إياها في صفحة هذا الطرس وضمخت تلك العروشة بمسك هذا النقس وإنما جلوتها عليكم وزففتها إليكم لما عساكم أن تسايلوا الركبان وتستخبروا كل نوتى وربان ما فعل تلميذنا القديم وصديقنا الحميم وهل بقي له في طرابلس شعراَ وشعور أم جرت عليه اذبالها الدهور وهل خمدت نار فهمه أو فل غرار عزمه وحزمه سيدي والقصيدة ليست تصلح للعرض عليكم ولا أن تتلى بين يديكم ولكنها لما كأنت في وصف السفينة نادرة الاسلوب معطرة بذكر راغب منها الاردان والجيوب أحببت أن أرسلها إليكم لتكون سبباً لذكرنا بعد النسيان ومفخرة لكم عند الاخوان إذ أنا قطرة من بحرك ونفثة من نفثات بيانك وسرحك ولك المثل الأعلى في الآخرة والأولى هذا ثم سيدنا قابلنا بالاكرام والأجلال والاعظام من ارسال الملابس الفاخرة والدراهم الوافره واركأبي الفرس المحلى وفوزي من تقريبه بالقدح المعلى فلما كان بين جماد ورجب رأينا كما قيل من الانقلاب العجب ونزل مولانا من القلعة وحق على من قصده بالسوء الملامة والشنعة وليست بأول عظيمة ارتكبوها وفرعونية ابتدعوها بل شنشنة من اخزم ونكزة من أرقم وقد سلمه الله تعالى من ذلك الكيد وأيده منه بقوة جنان وايد ثم رحلنا من الديار وامتطينا غارب الأسفار وخلصنا من أولئك الطغام وبعدنا من تلك الفجرة الفئام حتى توسطنا طريق البحر بعد أن بلغت الأنفس التراقي والنحر جاء بشير من طرف ذلك الدستوز الوزير بأن باشا أعطى منصب أيدين المختلف وصف أهلها(1/85)
بتعصب عصاتها وأهل الدين فخلينا ذلك الفلك السيار إلى أنتحاء قطع تلك المفأوز والقفار إلى أن انخنا بأحسن مدنها المعروفة كوز الحصار وهو بلد مسور لكنه مطول غير مدور تخترق أكثر بيوته المياه كثير الفواكه والأمراض قليل الأدباء والقراض ما سمعوا بديوان أبي الطيب ولا عرفوا بكر المعاني من الثيب مع أن تلك البلدة نحو عشرين مدرسة كلها العلم الأدب مدرسه ولولا وجود مولانا لما قدرت أمكث ما مكثت ملحوظاً مؤيداً ومن وجد الاحسان قيداً تقيدا سيدي قد كتبت لكم هذه الترهات التي لا حاجة لكم بها ولكنها وسيلة إلى ذكركم إياي وسوآلكم كيف كان مثواي وها إنني استأذنت سيدنا في الصله فأجازني بها مع الاكرام والصله وجئت براً لا بحرا لما قاسيت رعباً وذعرا ويا سيدي وعيشك والحرم إنني نقشت لكم هذا الرقيم من رأس القلم فأسألكم أغماض عين السخط عن كتأبي وأسبال ذيل الودود المحأبي فأجابه بقوله
أعيذك بالقرآن العظيم والسبع المثاني يا من ليس له في عصره ثاني ولله أنت من ساحر بيان وناثر عقود جمان وناظم قلائد عقيان ومطأول سحبان ومعارض صعصعة بن صوحان فمن ذا يضاهيك وإلى النجم مراميك وشأوك يدرك وشعبك لا يسلك وها أنت قد اقتعدت النجم مصعدا واعتمت نهر المجرة موردا وسموت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك حتى ملكت المجد بأيد وعلقته من النجدة بقيد وافترعت للمعالي هضاباً وارتشفت من ثغور الأداب رضاباً وجمعت طبع العراق إلى رقة الحجاز واقتطعت كلماتك الجوهرية جانبي الحقيقة والمجاز وملأت المهارق بياناً واريت السحر عياناً وسارت بمناقبك الركبان واعترف لك بالتفرد كل إنسان وأقر بالنزول عن درجتك كل من يزعم أنه مسأوي ونسبت إلى محاسنك محاسن أقوام فتبين أنها مسأوي وبلغت من الفضل والأدب مجمع البحرين ومن شرق البلاد وغربها ملتقى النيرين وما ظنك بمن منذ وافى وطنه لم يزل لا بد البدة الأسد قاعداً للأيام بمرصد والليالي تمنيه بكل أمنية والدهر يعده بمواهب سنيه حتى وثب وثبة الفهد ونهض نهضة النمر فخطا خطوة بلغ بها مصر القاهرة فيها من الأدب ما لو بلغ ابن نباتة لما نبت له لينة من آدابه الوافرة فحق لنا أن نطلق عليه أنه من أهل الخطوة ولا سيما خطوة نال بها عند عزيزها أسنى خطوه ولعمري إن من اهتز لسماع قوافيه عزيز مصر هزة العصفور بلله القطر وتهللت أسارير(1/86)
محياه عند القيام بالبشر وطوى ذكر غيره طي السجل للكتاب ونبذ كلامه نبذ الاثم والاصر لجدير بأن يطوى له البعد ويدمث له الحزن وتراض له شماس المطالب وتخضع له أعناق المراتب ويقض شوارد العلى وتطول يده إلى السهى ويصعد حتى يظن الجهول أنه حاجة في السما
لا تيأسن إذ ما كنت ذا أدب ... على خمولك أن ترقى إلى الفلك
فبينما الذهب الابريز مطرحاً في ... أرضه إذ غدا تاجاً على الملك
وأما قافيتك البحريه وعقيلة فكرك القسية فما تركب البحر الاستخراج دررها من معادنها والتقاط جواهرها من مكامن أماكنها وأبديت فيها من البدائع والعجائب ما لم يخصه قلم ولا يراع كاتب ولم تزفها بحمد الله إلا إلى راغب وكفؤ لها من غير مدافع ولا منازع ولقد تدأولها الرأوون من ذوي ولائك وابتهج بها المخلصون من أولى ودك واخائك وكأنت لديهم أحلى من عطف حبيب وارد وأشهى من رشف اللمى من ثغر عطر بارد بل أطيب من شرخ الشباب وأعذب من ماء السحاب وابتدرت إلى رقمها الاقلام وأنتشت من رحيق سلافها الاحلام لفظ كائن معاني السكر تسكنه فمن تجرع كأساً منه لم يفق وأقبل عليه أرباب الفضائل والافضال ولا إقبال الصاحب على ابن هلال ولا سيما ريحانة الفضل والأدب وماء وجه ذوي الأقدار والرتب الموليان الأجلان والسيدان الأفضلان غصنا دوحة النبوة ونيراً فلك الشهامة والفتوه من هما بدران في هالة وشمسان في طفأوة وروحان في جسد والمتحدان اسماً وصفة وإن كانا اثنين في العدد فإنها وقعت منهما موقع الاستحسان فخلداها في صحائف الاذهان بعد أن أثبتناها في جرائد الآداب تذكرة لأولي الألباب هذا وإني قد كتبت لكم هذه العجالة جواباً يعثر في أذيال الحجالة بين عجزناه وشوق آمر وفكر ساه ووجد سامر على أني لو كنت فارغ البال عن كل كرب وبلبال مطلق الأسار صقيل مرآة الأفكار لما كنت إلا معترفاً بالقصور قاضياً على طرف فكري بالكبوة والعثور فكيف والأيام قد تركن بالي كاسفاً وخطوي واقفاً وذهني كليلاً وفكري عليلاً بما فار من طوفان عجائبها وفاض وبلغ الزبى بعد أن أترع الحياض مع تخاذل القوى وهجوم شدائد الهرم والبلوى مما لا ينوء به رضوى وخيانة الحواس الظاهرة والباطنة وظهور محن كأنت أيام الشباب كامنه كما قال من أسلمه الكبر إلى ضعف السلامي(1/87)
والأوصال أبتات أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك راس البعيران نفرا وإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته فلقد جمح فأعيى الرواض ولم يبق له سهماً في الوفاض إلا وقد قرطس فيما ينويه من الأغراض ولقد ذكرت في هذا المعنى أبياتاً كنت أنشأتها وأنا في الروم زعمت أني لم أسبق إليها فإذا معناها في أبيات فارسية ومضمونها أن ما بعد الغين من لفظ عالم ألم واحد الآلام وهي
إن الزمان لأهل الفضل ذواحن ... يسومهم محنا كالسيل في الظلم
فهل ترى عالماً في دهرنا فتحت ... من غمضها عينه الأعلى ألم
والجاهل الجاه مقرون بطالعه ... إن النعيم يرى في طالع النعم
فافطن لسر خفى دق مدركه ... يناله ذو ذكا والفهم من أمم
ولكن هذه الأبيات لا تنطبق على مثلي والأليق بحالي المطابق لامثالي قول صاحب معاهد التنصيص
أرى الدهر يمنح جهال ... وأوفر حظ به الجاهل
وانظر حظى به نافصا ... أيحسبني أنني فاضل
ونحن والسيدان المشار إليهما آنفاً نضرع إليكم أن تشرفوا وطنكم الأصلي دمشق الشام بالزيارة ولو زيارة المام عدة ابام لنبل بروياكم الأوام ومن نار البعاد لهيب الضرام والسلام وللمترجم من قصيدة
أرى قوامك من مياس املود ... فما لقلبك من طماء جلمود
وإن بخدك مخضر العذار بدا ... فالموت الأحمر في أجفانك السود
يا محرقاً بهجير الهجر جسم فتى ... ضم الضلوع على أحشاء مفؤد
ومرسلاً من جفون حشؤها سقم ... رواشقاً لا يقيها نسج دأود
نعطفا يا غنى الحسن في دنف ... لسائل الدمع منه أي ترديد
نهاره الليل إن أوحشت ناظره ... ما لم ير الصبح من ذيالك الجيد
يا للعجائب من ريم لواحظه ... ترتاع من سحرها الآساد في البيد
يدر نبوأ مني القلب منزلة ... ليت الذراع حظى منه بتوسيد
وهو من قول العناياتي حل من منزليه بالطرف والقلب فأضر لو يحل الذراعا
ذو مبسم قد حوى در تخلله ... ماء الحياة ولكن غير مورود(1/88)
وقامة كغضيب البان رنحها ... ماء الصبا الغض لا ماء العناقيد
ذوو جنة كجنى الورد ناضرة ... تزيدها نظراتي أي توريد
وفي المعنى لبعضهم
يا من يجود بموعد من خده ... ويصد حين أقول ابن الموعد
ويظل صباغ الحياء بخده ... تعبا يعصفر تارة ويورد
هو من قول الأبيوردي
نظرت إلى وجه الحبيب وفي الحشا ... تباريح وجد لا تريم ضلوعي
فطرزه بالجلنار حياؤه ... وطرز خدي بالشقيق دموعي
وقال آخر
خالسته نظراً وكان مورداً ... فاحمر حتى كاد أن يتلهبا
وقال آخر
حلو الفكاهة لا عيب ينقصه ... إلا الصدود واخلاف المواعيد
رجع هو من قول بعضهم
ولا عيب فيهم غيران سيوفهم ... بهن فلول من قراغ الكتائب
وقول الآخر
ولا عيب فيه غيران خدوده ... بهن احمرار من عيون المتيم
وقول الآخر
أحبب به وليالي الأنس تجمعنا ... في ظل عيش مع الأحباب ممدود
أزوره وعليه في الدجى مقل ... من الأسنة لم تكحل بتشهيد
لا أهب البيض في بيض النحور ولا ... من طعنة في الخدود الحمر أخددي
حتى حسبت السها عينا بها سنة ... من الكبرى وسهيلاً قلب رعديد
ويا رعى الله أيام الصبا فلكم ... أمسى يلذ بها عذلي وتفنبذي
فلم أرى بعدها دهر اليسر سوى ... زمان مفتي الورى ذي الفضل والجود
وله من قصيدة
خذ جانباً عن سهام اللحظ والحدق ... فدرع صبرك منها الآن ليس بقى
وإن شككت بفتك الغيد قاتله ... تصيد أسد الشرى في سالك الطرق
فذا فؤادي جريح من لواحظها ... وذي دموعي حكت للوابل الغدق
فتى بحب الغواني لا يزال به ... ضرب من السحر أو داء من القلق
من كل ماءسة الأعطاف لو رمقت ... مدامعي لم تصل عطفاً على رمقي(1/89)
تمشي وتسحب ذيل الدل رافلة ... تثنى الغصن في خضر من الورق
وربما التفتت شذراً بمقلتها ... للعاشقين وهم صرعى على نسق
يا جنة الخلد هلا نهلة لشج ... من كوثر الثغر تطفي لاعج الحرق
أعيذ بالميل داجي الشعر منك وبال ... ضحى المحيا وزاهي الجيد بالفلق
عجبت منك وأنت الشمس طالعة ... وفي خدودك تبدو حمرة الشفق
وليلة بالنجوم الزهر تحسبها ... عروس زنج لها حلي من الورق
والنسر مد جناحاً ليس يقبضه ... كأنه حائم جوعاً على لمق
وقد تبدى السهى للعين مختفياً ... يحكي لانسان عين في البكا غرق
مظعتها بفتاة ظلت أشربها ... من صرف ريقتها في حالك الغسق
تقول إذ مال بي سكر الهوى وغدا ... لخصرها ساعدي كالطوق للعنق
هأورد خدي مسك الخال نقطه ... طوبى لملتثم منه ومنتشق
ولست أنسى لها قولاً وقد علقت ... أيدي النوى بعناني أي معتلق
أي البلاد تؤم اليوم مجتدباً ... وما بكأس الندى فضل لمغتبق
والجود قد مات من يحيه قلت لها ... يحيى فباب رجاه غير منغلق
فتى على البعد إن أضللت ساحته ... هداك باهيي سنا من وجهه الطلق
هو من قول البهاء العاملي من قصيدة
خمرة إن أضللت ساحتها ... فسنا نور كاسها يهديك
منها
يا من على السحب قد آلى ليلثمها ... قبل يديه وإن تحنث ففي عنقي
يا من مدى الدهر لا تحصى مدائحه ... ومن يرم حصرها بالنطق لم يطلق
من لي بدر النجوم الزهر أنظمها ... فغيرها بسوى علياك لم يلق
وهاكها من نبات الفكر غانية ... تهدي نسيم الصبا من نشرها العبق
بكر من العرب ما قد شان بهجتها ... سبى ولا سمعتها اذن مسترق
وقال مضمناً شطر للفتح النحاس الحلبي
بنفسك بادر رم بيتك واجتهد ... وإن لم تجد أحكامه واصطناعه
ولا تدخل العمار دارك انهم ... متى وجد وأخرقا أحبوا اتساعه
وله من قصيدة
قد تبدى لنا محيا الصباح ... واستطار الكرى نسيم الرياح(1/90)
فأجلياها على بكر مدام ... بكرت بالسرور والافراح
كاحمرار الشقيق لوناً وإن شئت ... فقل لي شقيقة الارواح
شمس راح قد أشرقت في سماء ال ... دن تختال في بروج الراح
تفضح الشاربين بالشفق الأح ... مر بعد الغروب أي افتضاح
نار فرس وكم سجدت إليها ... وفتى الاغتباق والاصطباح
تشبه العسجد المذاب لدى المز ... ج وفي الطعم ذائب التفاح
فاسقنيها على محياك يا بد ... ر وجاهر بها على المصباح
يا نديمي وللهوى بفؤادي ... منه سهام العيون أي جراح
كيف لي بالسلو في الحب أو من ... سجن هذا الغرام كيف سراحي
أشتكيك الهوى ولم أشتكي من ... جور عدل القوام شاكي السلاح
وجهه روضة الجمال ولكن ... لا يريني بالابتسام الاقاحي
لعبت خمرة الدلال بعطفي ... هـ فأمسى ينبه سكران صاحي
نافراً إن لمسته نفرة العا ... شق عند استماع قول اللاحي
يا شبيه الغصون اسكرت من اح ... داقك النجل خمرة الاقداح
صل شهيد البدر حسنك في مع ... ترك الحب يا نبي الملاح
طال ليل المحب لم ير صبحا ... طالعاً من جبينك الوضاح
إلى آخرها وهي طويلة وله أيضاً
قالوا علام تركت جامع جلق ... شهر الصيام وليس ذاك بسائغ
قلت المبيح به لترك جماعة ... برد الشتاء ورؤية ابن الصائغ
وابن الصائغ المذكور وهو رجل من الطلبة كان من مشهوراً بغلظ الطبع وللمترجم حين كان بالروم في عام أطبق شتاؤه واحتجبت بالغيوم أياماً كثيرة كواكبه وسماؤه فقال
للشمس هل تعلمون من خبر ... أم هل وقفتم لها على أثر
ضلت طريق المسير أم غرقت ... في البحر أم أقعدت من الكبر
أم أسد النجم رام يقنصها ... فاستترت بالغمام من حذر
أم حسبتها السماء شمس طلا ... فارتشفتها على سنا القمر
فلا تراها الدوام صاحية ... وقد حست من مدامها العطر
يا لهف نفسي لفقد نيرة ... كأنت سراج العشي والبكر
فالأفق يشكو لطول غيبتها ... والجو يبكي بأدمع المطر(1/91)
ويا شقائي بذا الثناء وهذا ... الوحل قد حل عقد مصطبري
طوفان طين لم يعتصم أحد ... في البدو من لوثه أو الحضر
زركش أثوابنا ودبجها ... حتى غدت تزدري على الحبر
ورب بيت غدا مشيده ... يبكي بدمع للسقف منحدر
حتى الزرأبي مع نمارقة ... رأيتهم يسبحون في نهر
هذا دم للسحاب منسفك ... بسيف برق عليه مشتهر
ومما كتبه لبعض أحبابه في نحو ذلك سيدي كفيت النوائب ووقيت عوادي الغوادي ومس السحائف وتبرأت من غث عيث الأنواء ومن تراكم ركامها المفضي إلى الأقواء وننهى أنه ما خفى عنه ما أتى في هذا العام من حال الشتا ومطره الجاري كتموج البحر العجاج وسحابه المبرق الذي هو والرعد ذو امتزاج وفعلاته التي فعلها في دمشق الشام حتى تعدى النفح وبرزة والمقام فنفر ثلجه البارد طيرها السارح وغرق في لحج السرطان حوتها السابح وشرد أوانس الوحش وأخفر ذممها وألم بفنن الأطواد وشيب لممها ومر بالابذية المشيدة فهدم قوائمها وأشار إلى القصور فاندكت دعائها ولطم خدود الشقيق بأنامل كف وأبكى الكمائم بعد ضحكها من وكفه وصارت الأشجار بين يديه صرعى والنبات لا نصرة ولا مرعى وادي يومه بوقت الصباح مسا وأنسى الرجال حالهم وأبكى النسا اللهم تفويضاً لقضائك وتسليماً لأمرك واستدفا عالملا النازل بمزيد شكرك هذا بدمشق المؤملة للجنوب تصاعفت منها القوى والجنوب فليت شعري كيف بلاد الاقبال وقد مالت إلى اليمين والشمال فهل صينت منه حماة وحميت أو قاحت دملها بتلجها بعد ما دميت وهل أقام العاصي على مدافعته أو أطاع الشريعة وأجاب نهر المرافعة وهل اجتنب السحاب مسانها أو اجتلب لو ترك معرة المعرات وعم الحافل وحلب وكيف كان حال المولى النمر مع الشتاء الجموح والغيث المنهمر وبرد السحب تشقق بمدية الرعود والافق بالبرق مذهب الرايات والبنود والأيام طوت بالقصر منشور طولها واهوية نشرت القتام بمطوى هولها فهل طلعت الشمس بعد مغيبها وأرت حق اليقين لعين مريبها وهل جادت بقرصها لدى نار أو سمحت بعد وصي ثلجها بدينار وهل نسخ شباط أحكام تشرين ونشر بالبشارة ورداً أبيض ونسرين وهل هب من حزيران نافحه فأطفئ من جمر كانون لافحه وهل شممتم للربيع المريع نشر وحظيتم بحسن معدنه البديع بشرى فعطروا مجامعنا منه بنوافح الطيب وشنفو ما معنا بخبر حديثه الغريب(1/92)
وانبؤنا بمنطق ورقه الصأوحة واطباره وهل كسيت بالخلل عرائيس أشجاره فبالله أسرعوا بالجواب والعجل فالعين متاسحة والقلب في وجل لا زالت قائمة بخدمتكم الأقلام والبراعة منشى في البدأ والختام
إن صفقت طور الدياجي ... وتسربلت سبل الدواجي
فهلا لها مثل اللجين ... كأنما هو فوق عاج
تلقى به سحب الشتا ... رمت الدياجي بالدماج
ليل تخلله الحيا ... في صبغتي عفص وزاج
طمست معالم شمسه ... سحب مصدعة الزجاج
شابت نواصي نوئه ... وأتت معتقة الرتاج
لقح الثرى بثلوجه ... فغدت مقطعة النتاج
ومقت شفوف سحابه ... لكنها دعمت بساج
والفجر وهم في الدجى ... واليل مثل الطرف ساجي
والرعد قلب واجف ... والجو كالرحل المداجي
والبرق نبض عرقه ... تحت الدجى مثل اختلاج
سقطت شأبيب الحيا ... وجرت على كل الفجاج
عذب فرات سائغ ... لكنه ثمل الاجاج
ثلج أقام على الربى ... وكأنه حلب النعاج
ملأ البسيطة فضة ... مبثوثة لا لاحتياج
صاغ القلائد للربا ... وجلا القلائد للمحاج
أتظنني في مدحه ... ذاك المعرض للاهاج
قد لج صوت سحابه ... ماء السحائب واللجاج
لزم الثرى فكأنه ... قد جاء يطلب بالخراج
فلكم رمى رجلاً بكسر ... ثم رأسا بالشجاج
فالجرف ذو شرخ به ... والطوف منه في انفلاج
ولقد تمرد دأوه ... وطغى على أهل العلاج
عمت بلاياه الورى ... ما في الورى منهن ناجي
هل في الأنام من الورى ... كنفي يضم إليه لاجي
من وجهه شمس الضحى ... وجبينه ذو الانبلاج
ليظل يطعن نحره ... منه بأطراف الزجاج(1/93)
ويشيمنا برق الربيع ... بروضة ذات ابتهاج
نشم نشر زهورها ... من بعد طي واندماج
ونسيمها يروى أحا ... ديث المسرة بامتزاج
فلما وصل إليه كتب الجواب وأرسله وهو قوله ورد المثال الذي رفع قدراً يروي أحاديث بشر ويسند بشرى فمال العبد بالسرور جانباً وقال بشراي إذ كنت عبداً مكاتباً وكنت كثيراً أرأود نفسي المنازعة أن تجهز إلى باب سعادتكم مطالعه تنبي بما جل بحماة المحروسة وما جرى على ربوعها المأنوسة إلى أن ورد المثال البديع الذي يقصر عن مماثلته البديع أما القصيدة المزرية جواهرها بالجمان الفائقة على نظم العقود الحسان فكادت أن تستوجب قافية الجيم ومعارضها يحتاج في تحصيل القافية إلى التنجيم وإلا فمن يحصل هذه القوافي ويكون في حسن المعارضة موافي وما يقدر على نظم الجواهر إلا الملوك الصيد والأكابر الأكاسر وأما النثر فما النثرة من أمثاله ولا الجوزآء من أشكاله وحق من ملك المولى زمام الكلام وأقدره على صوغ النثر والنظام إن فضل مولانا أشرق في الأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فلا نجد شاعراً إلا تحلى بأشعاره ولا نرى ناثراً إلا اجتلى بديع نثاره
خصصت بفضل ليس يوجد مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
وأنهى الجناب أحوال الشتاء العام الذي ثقل على الخاص والعام فقد امتدت على البسيطة سدته وطالت على جميع العالم شدته فنصب خيمته وضرب أوتاد الثلوج وسرح مواشي الريح والبرد بالمروج ورمى الوجود ببنادق برده بشتائها وأعرب عن تراكم ثلجها وأنوائها ووصف من ذلك ما يعجز الخنساء بوصفه ويتحقق السامع منه حقيقة ضعفه فأما حماة فقد حل حماها فأذهل أهلها من المصائب ودهاها فأول الفصل كفاها الله وحماها وأفاض بسمائها أنوار الشمس وضحاها وزين الأفق بدرر الواكب وحلاها وأبدر قمرها في الليل إذا يغشاها ثم تغيرت الأنواء وتراكمت سحبها الثقال وتعاظمت حتى صارت ثقل الجبل وزادت الرعود فارتجت الأرض رجا وبرد الجو فعقد الماء ثلجاً واشتملت قضايا الأنواء على الدوام ودلت بمطابقة الثلوج دلالة التزام فترى وجه البسيطة بفضة مرشوش والجبال عليها منه كالعهن المنفوش فكم من خليل به أمسى مبرداً فاعتزى إلى الكسائي والفراء فانسج وارتدى وأنكر جبال حماه من يراها وتأبضت بالثلوج شراً فشاب قرناها وأما(1/94)
العاصي فكان أمره عجباً ومنظره يقصر عن وصفه الادبا حمل العاصي فأجرى في حماة نيل مصرا فاعجبو يا قوم منه كان نهراً صار بحراً قد مد حتى جأوز الحد واشتد في حملته وما ارتد ودارت على نواعيره دوائر التلف وحل بجسوره الاقواء فأمست على شرف ودخل المساكن النهرية فارتحل أهلها من حيث طما بها عليها ونهلها فكم من جدار قد انقض وبناء مشيد قد رفض وركن بركن إليه قد سقط وحائط حيط بالدعائم قد هبط وتخوت أخذها الماء غصباً فاحتملها وسقوف اقتلعها من السقوف فانزلها ورواشن أتاها فخلخلها من القواعد وقصور عالية رماها بمنجنيق الرواعد ولطف الله تعالى بزيادة في النهار وأخبر عن حاله حفظاً للجوار ثم صحت السماء وتقشعت السحب وبدا وجه الشمس من الحجب وبشرا شباط بقرب مقدم الربيع وبسط له الفرش بالروض المربع وفاحت نسمات الصاب بنشر عبيره ولاحت أنواع الخصب بورود بشيره وصدحت الورق فرحاً بمقدمه وغنت فتحركت النفس لايام الصبا وحنت وانشرح صدر المصدور واستقر خاطره وتمتع بهذا الخبر سمعه وقر ناظره ونسى ما كان من نكد الأيام وعفا عن المبدا بحسن الختام
سفرت فاشرقت الدياجي ... بالنور اشراق السراج
خود إذا ابتسمت رأي ... ت الصبح آذن بانبلاج
وجناتها تحت الشوا ... لف وردة تحت السياج
أردافها مما ثقلن ... إذا مشت ذات ارتجاج
باتت تناجيني فيا ... لله ذياك المناجي
وسعت إلى بخمرة ... صهباء صافية المزاج
بيضاء جلت أن يشو ... ب وصلها انكد الزواج
صيغت من الدر البيا ... ض وطوقها المسود ساجي
بياضها وسوادها ... ملكت مرادي لاحتياجي
وحكت مثال جاءني ... بوزوده زاد ابتهاجي
اهدى إلى مسرة ... وبشكره عظم ابتهاجي
فعقوده في نظمها ... ذات انفراد وازدواج
ألفاظه في نفسها ... برق تألق بالدياجي
متضمناً أمر الشتا ... ء وثلجه العسر العلاج
قد أوضحت من أمره ... بالشام ما آذى مزاجي
فتشابهت فيه البلا ... د فنشره فيها مفاجي(1/95)
أما حماة فإنه ... وافي إليها بانزعاج
وأقام فيها مدة ... يسطو عليها في لجاج
فكأنه وافى إليها ... طالباً مال الخراج
عقدت حمائم سحبه ... ها فوجه للجو داج
نصبت فخاخ ثلوجه ... للساريين على الفجاج
وأطارت الريح الثلو ... ج كما استطارت بالعجاج
قد شاب قرناها بها ... وتأبطت شراً مفاجي
ضاعت مصالح أهلها ... فصدورهم ذات انحراج
لوانها تصحى لهم ... أضحوا على عزم الهجاج
وظمى بها العاصي إلى ... أن صال كالليث اللهاج
كم من جواد قد تخلخل ... فانثنى مثل الخراج
ورواشن سقطت فهن ... إلى حمى العاصي لواجي
وتمازجت آلاتها ... بمياهه أي امتزاج
ورفارف مثل الجفون ... إذا علت ذات اختلاج
أخذ التخوت فأصبحت ... في الماء كالسفن النواجي
ورمى النواعير التي ... كأنت تدور على رواج
دارت بها أفلاكها ... منكوسة ذات انعواج
فتطايرت أرياشها ... فيها ولا ريش الدجاج
فتت مغالفها وكا ... نت قبل مغلقة الرتاج
ولسوف ياتيك الربيع ... فيطرد البرد المفاجي
وتطيب أوقات الزما ... ن فمالها في الناس هاجي
والروض بفتح وردة ... من بعد طي واندماج
وترى الأزاهر قد بدت ... في روضها ذات ابتهاج
وتزول كافات الشتا ... ء بغير بحث واحتجاج
أمر الشدائد لم يزل ... وهمومها ذات انفراج
وأسلم ودم لا زلت في ... الأيام ملجا كل راجي
وكان قدم خلب صحبة واليها الوزير الراغب المقدم ذكره فتوفي بها وكأنت وفاته يوم الاحد الثاني عشر من رجب سنة تسع وستين ومائة وألف بتقديم تاء التسعين ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ ابن أبي النمير رحمه الله تعالى(1/96)
أحمد الخالدي
أحمد بن حسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدي الشهير بالجوهري الشافعي القاهري الشيخ الإمام العالم المحقق المدقق النحرير الهمام الفقيه الأوحد البارع أبو العباس شهاب الدين ولد سنة تسع وتسعين وألف وأخذ عن جماعة من العلماء الايمة كالجمالين عبد الله الكنكسي وعبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد الخليفي وأحمد النفرأوي وأحمد بن الفقيه وأحمد الهشتركي وأحمد ابن محمد المرحومي وعن الشموس كمحمد الاطفيجي ومحمد الورزازي ومحمد بن عبد الله السجماسي ومحمد النشرتي وأبي العز محمد بن أحمد العجمي وأخذ أيضاً عن عبد ربه الديوي وابن زكري ومحمد الزرقاني ورضوان الطوخي وعبد الجواد الميداني وعمر بن عبد السلام التطأوني وعبد النمرسي ومنصور المتوفي وأبي المواهب البكري وأبي السعود الدنجيهي وعبد الحي بن عبد الحق الشر نبلالي الحنفي وعمر ابن عبد الكريم اللخخالي والشهاب أحمد بن محمد النخلي وتصدر بالجامع الأزهر للاقراء والتدريس وأخذ عنه جملة من الأفاضل وصار له غاية العز والرفعة بين أبناء عصره وله من المؤلفات حاشية على شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام اللاقاني وغيرها وكان نسبه يتصل بسيدنا خالد بن الوليد الصحأبي الجليل وكان شازلي الطريقة مهاباً محتشماً محترماً فرداً من أفراد العالم علماً وتحقيقاً وكأنت وفاته بالقاهرة سنة إحدى وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة المجأورين رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين
أحمد الكيواني
أحمد بن حسين باشا بن مصطفى بن حسين بن محمد بن كيوان الشهير بالكيواني الدمشقي مفد الزمان وحسنته الاديب الشاعر والأديب الماهر كان سميدعا عارفاً بارعاً كاملاً كاتباً فاضلاً له يد طولى في العلوم وفنون الآداب ومهارة تامة خصوصاً بالانشاء والنظم والنثرة براعة في الكناية بحيث تفرد بحسن الخط بوقته مع معارف تامة وخط أخذ من الحسن وافر الحظ فلو رآه ابن مقلة لانبهر من صنائع كتابته وياقوت الوقف قلمه عند بدائع براعته ولد بدمشق ونشأ بها وارتحل إلى مصر واستقام بها مدة سنين وطلب العلم على جماعة أجلاء وحضر على الشيخ محمد الدلجي في النحو وعلى أحمد الاسقاطي الحنفي بالفقه وغيرهما من العلماء ومن مشايخه بدمشق الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري الشافعي الدمشقي وأخذ الخط عن الكاتب الشيخ محمد العمري الدمشقي وأجيز بالكتابة المعروفة عند أرباب الخط وأخذه عنه الناس(1/97)
ونظم ونثر وسلب برقتهما عقول البشر وكان بدمشق غالب جلوسه في حانوت بسوق الدرويشية يجتمع عنده زمرة الادباء والكمل على لعب الشطرنج وله فيه ارجوزة عجيبة وكان هو أحد أعيان جند أوجاق اليرلية بدمشق والمشار إليه بهم ووالده كان أمير الامراء تولى حكومة القدس وعجلون وغيرها وهذا المترجم كان فيما أعلم وأتحققه درة في جيد دهره وغرة في جبهة عصره ولما وفد إلى دمشق المولى السامي عثمان الشهير بالخلصة صاحب الوقف بدمشق وكتخدا الوزير الأعظم أراد الاجتماع برجل من الأدباء فجىء له بصاحب الترجمة فرآه مستوفي الشروط من جميع أدوات الظرف وطبق مشربه فلما ذهب إلى الروم واصطحبه معه وحصل له منه غايت الأماني والاكرام وصرف كليته إليه واقبل بالتعظيم عليه والذي حصل له منه من الاكرام لم يحصل إلى أحد وكان المولى المذكور يمينه بما يروم وسوداؤه تخيل له أشياء أخر وذهب معه إلى السفر فلما قتل عاد إلى قسطنطينية ومنها عاد إلى الشام وكان رحمه الله مع أدبه سوداؤه تنفره عن الناس ومعاشرتهم وتخيل له أشياء غريبة فبسببها كان يندب زمانه ولما ولي حكومة دمشق الشام الوزير الشهير عبد الله باشا المعروف بالشنجي وكان كاتباً فاضلاً له اطلاع في العلوم ومعرفة حتى انه ألف كتاباً سماه أنهار الجنان في آي القرآن رتبه على طريقة ترتيب ذيباً في الآيات القرآنية وزاد أشياء أخر وكان وزيراً شجاعاً مقداماً سخياً لم تكتحل عين الأوقات والزمان برؤيا مثله ولما وفد إلى دمشق كأنت إذ ذاك مشحونة بالفتن وخروج الأشقياء بها فمهد ما كان وأزال الاشقياء ضر بالسيوف ومحامهم وجاء بعسكر غزير إلى دمشق مختلف الأجناس ثم إنه بعد ذلك أصلحت دمشق وطافت غارت إليه الأدباء وأهلها وقابلهم بمزيد الاكرام مع التوقير والاحترام ومدح بالقصائد الغرر وكان ممن مدحه صاحب الترجمة ولما اجتمع به قابله بالاعزاز ومنحه بالاكرام الوافر وصارت عنده الرتبة العظمى والمقام الأكبر وكان الأديب الشيخ سعيد ابن السمان يسمى ديوان المترجم بالملطمة حسد منه لأنه في محل المشكلات لا يصح أن يصير تلميذاً له لأن المترجم نوع وابن السمان نوع أخر وصحيح القول انه في هذا القرن كالأمير منجك المنجكي في القرن الماضي بل أرجح وإن لم يكن أرجح منه فهو مقارن له وعلى كل حال فهو فرد الدهر أدباً وفضلاً ونظماً ونثراً وترجمه ابن السمان المذكور آنفاً في كتابه الذي ترجم به شعراء دمشق وقال في وصفه بقية القوم الذين مضو وسنوا الندى وفرضوا ودان لهم المجد فرضوا احتفل به الكمال احتفال الصاحب بابن هلال وأحاط بأطرافه(1/98)
إحاطة الهالة بالهلال فتقاسمه عضواً عضواً وأودعه من الاناءة ما يطيش دونه رضوى فأنتدب لإقامة برهانه وإحراز السبق في حومة رهانه فرأى عبا بافخاض واعتاص بالجواهر عن الأعراض منتقياً منها الجياد ومختار ما يهزأ بقلائد الأجياد برقة تحسدها الألطاف وفكاهة خنية القطاف ومحاضرات بها لراغب واله وحديث بالرقة لم يسنج على منواله وطبع يسابق حاتم بالكرم وغيره ينفخ في غير ضرم وقلم بنوادر المعاني ندى ومداد عنبري الفوحة ندى وخط نزهة العاشق والروضة الغنا للمستعبر الناشق أشهى من العارض المزرد إذا استدار بالخد للورد وأما شعره فإنه التبر المذاب والرشفات من الثنايا العذاب استخلصه من حكم هي من جوامع الكلم واستودعه ما هو من قول لو وليت سلم فإذا وصف الرياض أغنى عن إملاء ذات الأطواق
وإذا ترسل في الغرام علم ابن الدمنة الاشواق أو ندب الاطلال انسى قفا نبك أو أنتقل إلى النشيب في الآرام فما أبو عبادة في حسن السبك إلا أنه من الانفة في مناط الثريا قاد حابها من الأوهام زنداً وريا تخيل له سوداؤه آراء شاسعه يسلك منها سبلاً واسعه فلا يرضى من الأيام إلا بالاستحدام وهي تصول على أمانيه صولة إقدام فيعتبها بقصيد ويوسعها من تأنيبه وتفنبدهذا ترسل في الغرام علم ابن الدمنة الاشواق أو ندب الاطلال انسى قفا نبك أو أنتقل إلى النشيب في الآرام فما أبو عبادة في حسن السبك إلا أنه من الانفة في مناط الثريا قاد حابها من الأوهام زنداً وريا تخيل له سوداؤه آراء شاسعه يسلك منها سبلاً واسعه فلا يرضى من الأيام إلا بالاستحدام وهي تصول على أمانيه صولة إقدام فيعتبها بقصيد ويوسعها من تأنيبه وتفنبده من كل معنى تكاد تشربه في كل مغنى مسامع الأدب على أن غالب شعره في ذلك مشحون لا يشوبه على كثرته غش ولا ملحون وهو ممن جاب البلاد وسبر أغواها والأنجاد وكنت وإياه بمصر والشباب به كلف نختلف لمبادرة الأدب ولا نختف وقد أنسيت به الطارف والتليد واستعوضت بصحبته عن الحميم والوليد وحين عصفت بي إلى الروم رياح القدر رأيت هلاله في أفق سمائها بدر وهو في كنف بعض رؤسائها والحظوة تلحظه وشيم المعالي مطمحه وملحظه ترنو إليه الدنيا وهو يرمقها شزراً حتى عادت إلى طبعها فأوسعته ملامة وزجراً فرجع منها بخفي حنين خأوى الراحة صفر اليدين فكأنما ارته أضغاثا وخيلت له الأجادل بغاثا وأراد أن يستقبل من أمره ما استدير فلم يجد ما قدر وما دبر
على المرء أن يسعى لما فيه نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر
وعلى أي حال فله في النظم والنثر القدح المعلى وفي الأساليب البديعة الطرار المحلى وناهيك بابن الحسين أحمد الذي جمرة ذكائه متوقة لا تخمد وقد أثبت له ما تستأخر البلغاء عن الحاقه ويفديه اللبيب بعيونه وأحداقه ثم قال فمن ذلك ما ندب به زمانه بقوله(1/99)
قفوا بالناجيات على زرود ... تناج دوراس الدمن الهمود
نحى حمى زرود بالقوافي ... ونبك عليه بالدمع البديد
على اطلالها وكف الغوادي ... بعرصتها ودمدمة الرعود
تعرت من بشاشتها وأضحى ... يسر محولها قلب الحسود
وأخلق ثوب جدتها وكأنت ... مفوفة الدر انك والبردود
وقد كأنت تهش لزائريها ... منازلها وتضحك للوفود
سقى أيامنا بزرود غيث ... يجود مدى الزمان على زرود
ليالي باللقا بيض أعبضت ... بأيام من التفريق سود
ولي كبد بذاك الجوحري ... تلوب بها من الظمأ الشديد
وقلب لا يعنف بالتسلي ... ودمع لا يغير بالخمود
وركب أدلجوا والليل مرس ... بكلكاء على قب وقود
أبادوا العيس مما كلفوها ... دؤوبا قطع بيد بعد بيد
وما زال الهوى والشوق يرمى ... براكبه إلى أمد بعيد
إذا أنوا من الأشواق أنت ... من الجهد المبرح والوخيد
ترامى كالسهام بهم وترمى ... بخوص عيونهن إلى الورود
فقد ألفوا بها قطع الفيافي ... وقد مرنت على حن القتود
تشف جسومهم عن جمر وجد ... ويبدو عظمهن من الجلود
إلى أن ثار جيش الصبح يسطو ... على الظلماء خفاق البنود
فكفوا الزجر عن عيسى تفايت ... وخروا كالسجود على الصعيد
فرحت أسائل الركبان عمن ... أضاعوني ولم يرعوا عهودي
رمى كبدي بثالثة الأثافي ... زمان حكمه حكم الوليد
زمان أخرق قد راح سكرا ... يجر ذيول جبار عنيد
يريك الباز من خدم الحبارى ... وأسد الغاب من خول القرود
وأجدل مرقب يمسي غراب ... يهدده بأنواع الوعيد
وأيام غضاب لا بجرم ... على الأحرار معلنة الحقود
دعا داعي الحمام بعز قومي ... فوافوه على خيل البريد
وأودعهم لحود ابل جفونا ... كذا الأسياف تودع في الغمود
مضوا وبقيت بعدهم فريدا ... أقاسي وحشة الفرد الوحيد
أزى عاراً وقد أودوا حياتي ... فآنف من بقاي ومن وجودي(1/100)
اكفكف كلما ذكروا دموعي ... فعصيني وثأبي غير جود
ترامي همتي في كل مرمى ... وأرسف من همومي في قيودي
وأطوي أضلعا ملئت غراماً ... لتقصيري على نفس مديد
اعل بآجن رفق وامرى ... عفافة بلغة دون الزهيد
ترفق يا زمان فما فؤادي ... بصلد لا يلين ولا جليد
وليس القلب من حجر فيبقى ... على هذا ولا أنا من حديد
رويدك لا تحأول ماء وجهي ... وهاك ان اشتهيت دم الوريد
ولا تحسب حياتي فيك منا ... فإني لست أرغب في الخلود
ومن ذلك قوله من قصيدة
وهاتفة تملي حديث صبابة ... على غصن عال من الرند ميال
فنبه أشواقي ووجدي سجعها ... ولم أك سال عن هواها ولا سالي
كان غليل الشوق بين جوانحي ... لسان لهيب دب في جسم زبال
فيا حر أشواقي ويا طول غربتي ... وواكبدي الحري وواجسمي البالي
رمتني الليالي بالغرف فجذذت ... بسيف النوى قلبي وكفي وأوصالي
فإن تردني الأيام أبقى بحسرتي ... ويبقى الهوى والشوق أسرع قتال
وإن تبقني حيا لحزني والضنا ... اعش كاسفاً بالابهم وأوجال
كفى حزناً طول اغتراب ووحشة ... وقلة أعوان وإخفاق آمال
فلا بدع إن قل احتمال منكراً ... تغير حالي بعد خمسة أحوال
تنوع أطوار وفقد موانس ... وأعواز أوطار وقلة أشكال
وهم بلا حد وطرف بلا كرى ... وقلب بلا أنس وكف بلا مال
تنكبك الهم الدخيل فإنه ... إلى الحرا سرى من خيال إلى خال
وأسرع من أودى به الهم والأسى ... كريم أهأنت نفسه رقة الحال
وغير منه الدم غر خصاله ... وكلفه الاقلال عادات بخال
وقوله
أرى السحر ما نوحيه أجفانك المرضى ... ولكنه لا يقبل الشرح والعرضا
رموز وأسرار معانات حلها ... إلى ما تراه من نحولي بها أفضى
يسل على قلبي الفتور مهندا ... من السيف أمضى حين يغمد أو ينضى
حمى لحظه السفاح تفاح خده ... فلا شم منه يستفاد ولا عضا
ودق عن الادراك والوهم خصره ... فلا هصره يرجى ولا ضمه يقضى(1/101)
ويؤلمني أن لا يزال فم الصبا ... يقبل سراً ورد وجنته الغضا
ألا يأبى من كلما أعرضت له ... دموعي بشكوى الشوق أعرض أو أغضى
رضيت تلافي في هواه صبابة ... ويا ليته عني بسفك دمي يرضى
فافي حياتي أو يجود بها سوى ... عذاب أراه في محبته فرضا
وريح أنت تسري برياه موهنا ... ففضت ختام الدمع من مقلتي فضا
وصادحة تشكو الفراق مجانة ... وتهجع أحياناً ولم أذق الغمضا
وقد لاح من ثغر الصباح ابتسامة ... أحس بها جفن العمامة فارفضا
فأودعني تغريدها الحزن والأسى ... وطارت بلبي حيث لم أستطع نهضا
وخيل لي وهمي طروق خياله ... فألصقت خدي بالطريق له أرضا
فإن كان لا يرضى مجراً لذيله ... بحكم الهوى العذوي الأدما محضا
فقد نفض الدمع المورد صبغه ... على أرض خدي مثل ما يشتهي نفضا
وحيرني دهر يجوز مع الهوى ... فلم أستطع إبرام أمر ولا نقضا
سأندب عصر الوصل ما ذر شارق ... فما كان إلا كوكباً لاح وانقضا
وقوله
ظبي على ملك الجمال استحوذا ... فابتز صبري بالنفار وأنفذا
ما فيه من قضو يقول إذ ... عاينته يا ليت خلقة ذا كذا
وملخص الشرح المطول كل من ... لاقاه راح مسبحاً ومعوذا
ذكراه تنعش مهجتي وتذيبها ... فهي اتلاف لمهجتي وهي الغذا
ويغيم طرفي بالدموع إذا بدا ... مع انه يجلو من المقل القذا
وأموت من عطشي إليه وقد جرى ... ماء الحياة بثغره العطر الشذا
لا تنطفي حرق الجوى إلا إذا ... قبلته بل ان صدقت ولا أذا
وقوله
العز لا يشتام إلا ... من ذرى فلك القناعة
لا تغلطن فليس إلا ... ما أقول أو الوضاعة
رقع سمال الصبر أو ... فالبس جلأبيب الرقاعة
وإذا اقتنيت سوى التوكل ... فالبضاعة للاضاعه
وله حين كان في الروم
مشينا في بلاد ليس فيها ... سوى وحل يموج ولا يحول
كأنك راكب فلكاً إذا ما ... مشت بك في مجاريه الخيول(1/102)
أقول لراسب في الوحل يحبو ... أطلب لك التردد والمقيل
فحول وجهه دون انزعاج ... وغنى وهو مضطجع يقول
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما يمر به الوحول
وأشعاره كثيرة والذي أوردناه نبذة منها وديوانه شهير ما بين نظم ونثر وغير ذلك ومن نثره ما كتبه على لسان السيد فتح الله الدفتري بدمشق الفلاقنسي حين عوده من قسطنطينية إلى أوحد الدهر رئيس الكتاب بالدولة المولى مصطفى المعروف بالطأوقجي وهي قوله نبتهل إلى الله ولي كل نعمت وكافي كل مهمه أن يجدد من نفح انسه وفيض قدسه ما تزاد به بهجة الحضرة التي لا يدور إلا عليها فلك المجد ولا تشير الأكف إلا إليها ببنان الاعتبار والحمد فهي الجدير بأن تؤتى من أبوابها وتضمح بغوالي الثناء عوالي أعتابها وهي ساحة جناب افتخار أرباب المجد والأجلال قدوة أصحاب السعادة والاقبال أسوة أهل المقادير والرتب زبدة مخض الدهور والحقب دقيقة قريحة الزمان حقيقة نسخة الفضل والبيان فذلكة جموع المحاسن والاحسان مظهر عناية الرب الأكرم الذي علم بالقلم فله القلم الذي له فعل الأمطار في حسن الآثار وسرعة البرق إذا استطار في الأقمار قد سخره الباري لنفع العباد فلا ترى له رشحة مداد إلا بنفحة امداد ولا تسمع له صره إلا لدفع مضره إلا وهو الذي استرق البلاغة في اللغتين والف بين الضرتين بل جمع بين الاختين وهو كفوء للكريمتين أما العربية الفصيحة والخالصة الصريحة الشهية الضم والالتزام المقصورة في الخيام فهي لديه سافرة اللثام وأما الفارسية الدرية والدرة البهية ذات الحلى والحلل والغنج والكحل فقد التجأت إلى بابه ونشأت تحت حجابه فهذبها بحسن التربية وأولدها أبكارا فتى دعاها اجابته بالتلبية إلا وهو قرارة الفيض الرباني وانموذج شرف النوع الانساني أحسن الله تعالى إليه في الأمور كلها كما أجرى على يديه الاحسان في عقدها وحلها وأدام كفايته لابكار المكارم والمعالي ولا زالت تبلغه المقاصد رواحل الأيام والليالي آمين
أعاذك رب الناس من كل وحشة ... فإنك في هذا الزمان غريب
ولا كان للمكروه نحوك مقصد ... ولا لصروف الدهر فيك نصيب
هذا وإذا اجنح الخاطر الكريم ... للسؤال عن حالي الداعي القديم
فالحمد لله الملك المنان الذي أحسن فعم بالاحسان قد وصل الداعي بعونه إلى الوطن(1/103)
مثقلاً بأعباء التفضلات والمنن فاستحسن بسبب دالة الأنتساب إلى رعاية الجناب أن يقرع باب الاحتمال بعرض صورة الحال ملمعة الجد والامحاض بشيء من الملح والأحماض علماً بأن القصة بهذه الكيفية لا تثقل على السح بالكلية وثقة بأن شافع الوداد وجيه عند السيد الأوحد النبيه يمنعه من الملل كما يحمله على اقالة الزلل وجزماً بأن الجناب المومى إلى عنوان مجده مولع بقبول لطف الأدب هزله وجده فالمنهى أن الداعي بعد تلك الكائنات المقضيه وتلبية الاشارة السنية انصرف عن الاعتاب العلية خلد الله تعالى أيامها وأيد أحكامها وأبد أنعامها ولا زالت القدرة الباهرة لاعدائها قاهره ولانصارها ناصره ولا برح سرادق عدلها على الرعايا بالأمن ممدودا والتوفيق بأرائها وحركاتها معقوداً بحرمة سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين فأشرفنا على بحر الخليج وللريح نئيج والملاحون من أجل ذلك في أمر مريج ونحن على الله متوكلون وإلى حرم حمايته ملتجئون فركبنا ظهر ماخرة الحيزوم وكأنها عقاب يحوم وقد نشرت جناح الشراع وكأنه في الخفقان جنان الجبان إذا ترآءت الفئتان والبحر قد عب عبابه وعلت أعلامه وهضابه ولو شبهناه بغزارة كرم أولياء النعم السابغ على الغنج والمحتاج لما كان لنا دليل عند الاحتجاج ما يستوي البحران هذا عذب سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وقد تلاطمت كالعساكر أمواجه وأنتفخت من الحنق أوداجه وتشمخت عرانينه وظهرت من العجب والكبر عجائبه وأفانينه ومرأجل صدره تغلي بالحقد وتفور ولهواته ترمي بالزبد فيمور وكأن متونه مهارق وأدراج وكأن السفن مصاقل من عاج
فلا وصل إلا ان اروح ملججا ... على أسود من فوق أخضر مزيد
شوائل أذناب يخيل أنها ... عقارب دبت فوق صرح ممرد
وللموج زفير وهدير وللدسر والألواح صليل وصرير وللريح دوي وصفير وهي بجبال الموج من غير احتشام كما تتلاعب الأيام بالكرام وكأنها حين تعبث به في التمثيل تبحث عن سر في أحشائه دخيل أو تطالبه بذحل وهو يطلبه منها ونحن نطلب سكونه لا سكناه وما كل ما يتمنى فقل في سجن يمشي على زئبق مواج أول مصحوب فيه الارتعاش والانزعاج وأقل مسلوب فيه السكون والرقاد اللذان فيهما راحة الأجساد وكم به من عربيد لا تحمل أخلاقه ولا يستطاع فراقه ولا نفس زمجرة الملاح واستدباره لواقح الرياح واستقباله دوافع الزبد بوجه وقاح والخيزرانة في قبضته كقادمة جناح وكم له من نظرة شزراً ونعرة نكراً وهو يحملق في خطوط(1/104)
أمامه ضئيله لتستبين بها سبيله المحيله ودليله فيها من الحديدة ابره لو أخذتها في عشقها للمغناطيس فتره لهمنا هيام الشعرا في كل واد ولأضللنا قصد الطريق والرشاد هذا وأمواج متدافعة متقاذفه ترجف الراجفة فتتبعها الرادفة وتذهب الغاشية المضمحلة فتعقبها الناشئة المستقلة وما كفى البحر مرارة طعمه في الأفواه واحتياج ضيقه إلى قطرة من المياه حتى اكفهر وجهه واسود وتجعد وأربد فكأنه مزج بدم الفرصاد أو خلق من مرائر الحساد أو ذابت فيه من أعداء الدين الأكباد يغر الناظر بالسكون ثم يكون منه ما يكون ولا يسمع للشكوى ولا يرثي للبلوى والماء وإن جعل الله منه الحيوان فقد أسند إليه في الجملة الطغيان في قوله سبحانه في الفرقان إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وما برحت عادته من تجأوز الحد غير عارية وكيف براكبه إذا حلت السحب عز إليها وسيئم المسافر تواليها وهزت البروق سيوفها في كل طريق فاختفت الأبصار بالبريق وأرفضت منه شعل الحريق ومن كابد أخطاره فهو عن استحسان ركوبه يرى وإن استخرج منه الحيلة الفاخرة وأكل اللحم الطري على ان من مزاياه الشريفة حمله عساكر الموحدين إلى غزو أعداء الدين وخلاصة القصة لم تزل السفينة تعلو بنا علو الحق إلى الأفلاك حتى كإننا نمسح وجه السماك ونسبح مع الأملاك وتسفل بنا سفول الباطل إلى الدرك حتى نسبح مع السمك ونحن نرتقص لا من طرب ونرعد والقلوب من الرجف تقوم وتقعد وكأننا في جوفها حب في حوصله ولا نتكلم إلا بالاسترجاع والحوقلة وقد تبرقعت الوجوه بصبغ الورس وثبت المسامع عن الجرس وبطل الحذر والحدس ورب قائل قد كان عمى أوصاني أن لا أركب البحر ولا يراني متهكماً بنفسه بنفس يكاد يتبرأ منه عند خلسه
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
وما برحنا نبدي إلى الله الخشوع وهو أدرى ونتشبث بذيل الاستغاثة جرا وهلم جرا حتى ألقانا تيار الأقدار على المرفأ وما فينا إلا من لكاء النوتى وما تلكأ ثم صافحنا يمين السلامة ونفحتنا بميامن أولياء النعم كل كرامه ثم أبدلنا الغلك بأفلاك السروج وكأننا في السير نجوم وكأنها لنا بروج وطارت بنا خيول البريد وللفرانق بالهمالج عنف شديد يعتادها من وقع صوته أفكل عجيب ولقلوبها اذا نعر وجيب مريب فلا يده عندها بيضاء ولا وجهه إليها حبيب كم من كميت من خوفه كالميت وكم من ابلق كالعقعق قد مسه من سوطه أولق ثم ان وصل إلى المنزل العامر علك الشكيم إلى انصراف الزائر تصيح وعيونها من كراهة طلعته حول وتتمنى(1/105)
لو تركها غرق في بحار الوحول أو لو تصدق بها للاحتساب وجعلها طعمة للذباب وهزوة للكلاب لكي تستريح من صب صوت العذاب فكم طوينا بها والليل حالك مهامه فسيحة الارجا والمسالك في سعة الصدر الكريم أو قريب من ذلك حتى أشرفنا على البلد المعروف والوطن المألوف فخرج إلى استقبال الداعي كل كبير وصغير ونحن لهم بصدد التوقير إلى أن غصت أفواه الطرق بالناس وأسفرت وجوه المحبين بالاستيناس
فقلت لصاحبي انعم صباحا ... لعمرك قد تعارفت الوجوه
وأوقد في بعض الأسواق الشموع والشمس في الرابعة والدعوات لأولياء النعم متتابعة والتأمين بالارتفاع حتى من ذوات القناع ولا سيما عند وصول الداعي للدار واجتماعه بمن كان له في الأنتظار من أهل وحرم وأتباع وخدم كان أبكاهم ألم الفراق وتجرعوا مرارة كاسه الدهاق فرب قارة في كنها لم تخرج وطفل من وكنه بعد لم يدرج وكان الارجاف بنا أقعدهم عن النهوض ومنع أجفانهم من لذة الغموض وتخلى عنهم كل صديق كان يعد للمضيق
لا تعدن للزمان صديقا ... وأعد الزمان للأصدقاء
وبحمد الله تعالى سهام مطاعن الأعداء علينا طاشت وأباطيل الحساد اضمحلت وتلاشت ومودات من قد كانوا دفنوا المعرفة عاشت ومن غضب من غير شيء كان من غير شيء رضاه فلا بلغ حاسد ما يتمناه وبتوفيق الله تعالى قد بذل الداعي ما في طوق الامكان من إكرام كافة الاخوان ولم يبدلا حد منهم صفحة انكار ولا أحوجه إلى مضض الاعتذار
على أنني أقضي الحقوق بطاقتي ... وأبلغ في رعى الذمام لهم جهدي
وما مثل الداعي ومثل من دبت إليه منهم عقارب النميمة ورموه عن قوس الزور والبهتان بكل عظيمة إلا كما قيل
كل يوم يقول لي لك ذنب ... يتجنى ولا يرى ذاك منى
فانا الدهر في اعتذار إليه ... وإذا ما رضى فليس يهنى
ربما جئته لاسلفه العذ ... ر لبعض الذنوب قبل التجني
على أن الأكثر فيما تقولوه وازهقه الله فبطل كما قيل في المثل مكره أخاك لا بطل
ورب اشارة عدت كلاماً ... ولفظ لا يعد من الكلام
ونثار المترجم من جزيل وأشعاره كثيرة وكأنت وفاته في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى وبنو كيوان بدمشق طائفة(1/106)
خرج منها امرآء واعيان اجناد ونسبتهم إلى كيوان ابن عبد الله احد كبراء اجناد الشام كان في الاصل مملوكاً لرضوان باشا نائب غرة ثم صار من الجند الشامي وصدر منهم بغي وتطأول في الظلم جداً وكان قتله في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين من محرم سنة ثلاث وثلاثين والف ودفن عند باب دمشق من ابواب بعلبك وارخ وفاته شيخ الادب بدمشق الاديب ابو بكر الغمري بقوله
ولما طغى كيوان في الشام واعتدى ... وارجف اهليها وللظلم فصلا
فقلت لهم قرّوا عيواناً وارخوا ... ففي بعلبك قتل كيوان اصلا
وله ترجمة طويلة في تاريخ الاعين المحبي الدمشقي والله سبحانه اعلم
أحمد الدمشقي
أحمد بن حسين بن جمال الدين الدمشقي ثم القسطنطيني كان والده المزبور من اهالي دمشق وارتحل إلى قسطنطينية دار الملك وسلك بها طريق الموالي والمدرسين وتنقل بالمدارس إلى ان وصل إلى مدرسة قاسم باشا برتبة التمشلي وصار عند شيخ الاسلام مفتي التخت العثماني المولى على مفتش الأوقاف ومرح في خدمته وتوفي في جمادي الأولى سنة مائة والف وكان مشهوراً بالمعارف العلمية وولده صاحب الترجمة بعد سن التمييز اشتغل بتحصيل المعارف وفن الآداب وكان ممدوح الاطوار والحركات مشتغلاً بكسب العلوم والكمال ثم في سنة سبع وتسعين والف اعطى ملازمة الطريق من المولى محمد الانقروي وعزل عن مدرسة باربعين عثماني ففي سنة خمسة عشر ومائة والف في شوال اعطى رتبة الخارج مكان المولى يحيى زاده المولى عبد الله بمدرسة حاج حمزة وامتاز بين الاقران ولما تولى المولى حسين الطيار قضاء مكة المكرمة وكان المذكور مصاهرة توجه بخدمته فلما كانوا في الطريق على جهة مصر القاهرة بقرب اسكندرية غرقوا جميعاً بالبحر وذلك في شعبان سنة سبعة عشرة ومائة والف رحمهم الله تعالى
أحمد بك دست
أحمد بن خليل المعروف بيكدست الحنفي النقشبندي الجورياني نزيل مكة المكرمة الشيخ الاستاذ العارف الكامل العمده كان من مشاهير الأجلة والشيوخ الاخيار تلمذ للاستاذ الكبير محمد معصوم بن أحمد الفاروقي السرهندي واخذ عنه الطريقة النقشبندية وسلك على يديه وعمته نفحاته وروته رشحاته وفاض عليه صيب امداده(1/107)
وبركته فاثمر وأورق واينع وطاب للواردين روضه ودفق بالارشاد حوضه وقدم مكة المكرمة واستقام بها مدة سنين واشتهر وفاق واخذ عنه الطريقة المذكورة اناس كثيرون وكان هو والجد الاستاذ محمد مراد بن علي البخاري قدس سرهما رفيقين التلمذه على الاستاذ محمد معصوم الفاروقي المذكور واعطاهما القبول واشتهر امرهما ظهرت لهما الكرامات واحوال العجيبة وعقدت على ولايتهما خناصر الاتفاق ومدهما الله بمدد وعونه وكأنت وفاة المترجم بمكة المكرمة سنة تسع عشر ومائة والف والجورياني بضم الجيم وكسر الراء ثم مثناة تحتية والف ونون وياء نسبة إلى جوريان وبكدست لفظة مركبة بالفارسية من كلمتين الأولى بك بمعنى واحد والثانية دست بمعنى اليد أي ذو يد واحدة لان الاستاذ المترجم كان عاطل اليد الواحدة فلذا اشتهر بيكدست رحمه الله تعالى
أحمد بن رمضان
أحمد بن رمضان الملقب بوفقي على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنطيني الاسكداري احد الادباء المشهورين والشعراء البارعين باللغة التركية تزوج اخت الشيخ عيسى شيخ زأوية درغمان التي بالقرب من جامع سلطان سليم خان بقسطنطينية واخذ عنه الطريقة الجلوتية بالجيم وأخذ الخط عن حسين الكاتب المشهور ومهر باتقانه واجاد فنونه وصار واعظاً في جامع الوزير علي باشا الحورللي وله أشعار كثيرة جميعها باللغة التركية وكان مشهوراً بجودة الخط واجادة الشعر وكأنت وفاته سنة احدى وخمسين ومائة والف ودفن في خارج قسطنطينية في تربة قاسم باشا المشهورة رحمه الله تعالى
أحمد بن النقطه
أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن النقطة وبابن المغرفة مقاطع جي الخزينة وكاتبها كان من أرباب التوريق وله وقف على ذريته توفي ليلة الخميس ثاني ربيع الأول سنة ثمان عشرة ومائة والف عن اثنين وخمسين سنة
أحمد بن سراج
أحمد الشهير بابن سراج الدمشقي أحد مجاذيب دمشق الولي المجمع على ولايته ترجمه الاستاذ السيد مصطفى البكري في رسالة ترجم بها من لقيه من الأولياء بدمشق وقال في وصفه أظن أصله من نواحي صفد أو نابلس واقام بجامع السقيفه(1/108)
نحو ثمان سنين وحروف شهرته مطموسة ثم أنتقل إلى مدرستنا واقام بها مدة خافي الحال إلى ان أذن له بالظهور الكبير المتعال ولقد ذكره الشيخ أحمد الكستي الحلبي الامجد في رسالة شرح بها تطهر بماء الغيب ان كنت ذا سر وقال فيها عند قول الاكبري وقدم اماماً كنت أنت امامه ورد علي مجذوب كردي فسألته عن معنى الامامة فتكلم في معناها بكلام لم أره في كتب خاتم الولاية المحمدية فاخبرني الاخ الشيخ مصطفى بن عمرو ان الشيخ أحمد اخبره قال كان عندي الشيخ أحمد المجذوب وقال لي ما عاينت من مر علي قال فسألته من مر قال أكثر من مائتي رجل من رجال الغيب قال الشيخ أحمد وصدقته فاني أدركت أشباحاً مرت وحكى لي عنه أيضاً قال بينما الشيخ أحمد في البيت والباب مغلق عليه كعادته وقد طبخ له مملوكه الطباخ أوزتين وإذا بالشيخ أحمد لمجذوب داخل عليه وطلب ما يأكله فاني له بأوزة فقال ابن الثانية فقال له كل هذه فإذا أتممتها فإني لك بالاخرى فاخرج من جيبه موسى وقال اشق بطن هذه أو بطنك فقال له وأنا عندي سيف واشار به إلى سيف هنالك وكان مملوكه حسن ذهب إلى السوق ليشتري له حاجة فرآه مجذوب فقال له ان شيخك دخل عليه رجل من رجال الشام يمتحنه فخذ لي ما آكل وانا احميه منه فاشترى له ذلك ورجع فرأى الشيخ أحمد يتحأور مع سيده وهممت مرة على مشأوريه في الذهاب إلى حلب فقلت له مرادي اشأورك على أمر فشره علي والمستشار لا يكون خواناً فقال قف حتى أشأورك أنا أولاً فقلت قل فقال مرادي اذهب إلى حلب فكيف تقول فعلمت انه يحكي على لساني فقلت له أنا أذهب بالنيابة عنك فلوص على هناك جماعتك وجاءني قبل ان اعرفه على الحج وقال لي يا مصطفى كيف تقول مرادهم يرسلوني الآن غفيراً في الحج ففهمت اشارته وقلت له انا اذهب نائباً عنك ثم جاء وانشدني ولو قيدوا المشتاق بقيد بن ماهدا فتحرك مني العزم وسهل الله تعالى بالحج ذلك العام وكنت ليلة الاثنين اعمل ذكراً في المدرسة واناديه أحياناً بباطني فمتى ناديته جاء وإذا غفلت عن مناداته لم يأت فعاتبته مرة فقال انك لم تناد علي فقلت له أنت كل ليلة تحتاج من يناديك فقال كل انسان يعطي حقه وخرجت إلى خلوته مرة فرأيته يكتب في كتاب الفه فقلت له ما هذا الكتاب فقال تراجم اهل الوقت فقلت له ما الذي ترجمتني فيه فقال قلت مصطفى من الامراء فقلت هذا فقط فقال يكفي واخبرني الاخ الشيخ مصطفى قال اتيت مرة اليك فلم القك وكان واقفاً عند الايوان فسلمت عليه فقال لي أنت ما تأتي الا إلى ابن البكري لم تأتي إلي ولا مرة فقلت له أنت مكانك مرتفع وانا عاجز فقال(1/109)
اخرج إلى الحلوة اضيفك قال فلم تسعني مخالفته فخرجت معه وخفت من رائحة النتن ان تؤذيني لصغر الحلوة فعلق غليونه وصار يحكي معي لكن لم اشم رائحة النتن ولم يأت إلى جهتي منه شيء فعلمت انها كرامة له قال وسألته هل يأتي اليك الخضر عليه الصلاة والسلام قال نعم وأي فائدة فانه ينطق حنكاً ويذهب قلت قوله ينطق حنكاً أي يفيد علوماً لم تكن عندنا لان الخضر عليه الصلاة والسلام ما اجتمع بأحد إلا وأفاده علماً لم يكن عنده وقوله أي فائدة اعظم من هذه وقصد التعمية بهذا الكلام وقدم وأخر لأنه من الملأ متيت الكرام وأخبرني ابن الخالة المرحوم السيد عبد الرحمن السرميني في مرض موته انه دخل عليه الخلوة قبل ان يمرض بأيام قليلة فقال له يا عبد الرحمن لنا رجل اسمه عبد الرحمن رايح يموت قال فلما سمعت عبارته هبط قلبي وانا أخشى ان يكون اشار الي ففسحت له في الأجل وقلت له ما بقي في الدنيا عبد الرحمن إلا أنت قال وكنت إذا توعكت أرسلت خلفه فيأتي من غير مهلة والآن ارسلت خلفه مراراً فلم يأت فقلت له هؤلاء ارباب الاحوال كل ساعة في طور وسليته بما أمكن وكان ما اشار به إليه ودخل على الخلوة التي في ايوان البادرائية الكبير وكنت اطالع في كتاب فلم احفل به كعادتي فقال لي انا لا أواخذك لكن لا تفعل هذا مع غيري فقلت جزاك الله خيراً وأوصاني ان لا أجلس بدون سروال وطلب من العم الحاج إبراهيم بن أحمد ابن الطويل كان الله له مرة في عتبه الخلوة
مصرية فدفعها إليه فطلب اخرى فدفعها ثم طلب منه اخرى فتوقف عن الدفع فقال له أنت تعطي صدقة عنك هات حقنا فرأيته تنبه وبادر إلى اعطائه وعدله خمساً أخر فأخذها ومضى فسألته عن ذلك فقال قد تذرت وأنا في البحر لاصحاب النوبة سبع مصريات ونسيت النذر فلما طلب مني أولاً وثانياً وثالثاً وذكرتي تذكرت وتحققت انه فهم ووقع له مع رجل مصري يقال له الشيخ عمر واقعة وآخر يقال له السيد مصطفى الدباغ فسلب الأول ولم يلبث ان مات الثاني واشهرت قصتهما واعتقدت الناس فيه وكنت ارسلت له مع الوالد القلبي الشيخ إسماعيل الحرستاني المرحوم من البيت المقدس كتاباً وصدرته بقصيدة مطلعهاصرية فدفعها إليه فطلب اخرى فدفعها ثم طلب منه اخرى فتوقف عن الدفع فقال له أنت تعطي صدقة عنك هات حقنا فرأيته تنبه وبادر إلى اعطائه وعدله خمساً أخر فأخذها ومضى فسألته عن ذلك فقال قد تذرت وأنا في البحر لاصحاب النوبة سبع مصريات ونسيت النذر فلما طلب مني أولاً وثانياً وثالثاً وذكرتي تذكرت وتحققت انه فهم ووقع له مع رجل مصري يقال له الشيخ عمر واقعة وآخر يقال له السيد مصطفى الدباغ فسلب الأول ولم يلبث ان مات الثاني واشهرت قصتهما واعتقدت الناس فيه وكنت ارسلت له مع الوالد القلبي الشيخ إسماعيل الحرستاني المرحوم من البيت المقدس كتاباً وصدرته بقصيدة مطلعها
يا نفس في وحب من تهوينه طيبي ... واستشقى عرفه الزاكي على الطيب
وسر اهل الهوى ضنى بذاك ولو ... ضنى فنيت لتحظى بالاعاجيب
وفي المنى هيمي وجدا من محبته ... وعنك حال تجليه به غيبي
وان بدالك منى في السرا ملل ... لومي علي وفي التقصير لي عيبي
وحافظي عند ارباب اللسان على ... حفظ اللسان وقومي في المحاريب(1/110)
ولازمي عند ارباب القلوب على ... صون القلوب فهم صقل المخاليب
وحاذري فعل اهل الحان تعترضي ... وسلمي كل احوال المجاذيب
وصدقي ما يقول السائرون به ... في حال كشفهم من غير تكذيب
قوم بأرواحهم جادوا وما بخلوا ... وجدهم بين ترغيب وترهيب
وقلبهم فوق نار الشوق قد وضعوا ... ولم يمل لسلو عند تقليب
قد هذبوا انفساً منهم مجاهدة ... واضعفوها بتفحيص وتنقيب
وكابدوها إلى ان ضاع نشر ندى ... فضاع عقلهم عن وصف تدريب
عليهم ابدا ما لاح نجم هدى ... سلام لعب بهم راج لتقريب
ما اشتاق نحوهم من ذاق محوهم ... أو ما شجتني اسرار المناهيب
وما شدا مصطفى البكري ملتهفا ... في النصح يلي بانواع الاساليب
قال الوالد المرحوم صب الله على جدثه مياه الغيوم فلما اسمعتها له قال ابن عرب وقال لي مرة يا مصطفى مرادهم يعملوني قاضي فقلت أي شيء تفعل بالقضاء فقال انا مرادي افرغ لك عنه فقلت أنت ما لقيت تعملني الاقاضيا فقال هذا أمر مليح فتحادثت معه كثيراً فقال يا مصطفى راسين في مكان فقلت له انا تنزلت لك عن الرياسة فقال لا نحن نقسم المدرسة قسمين النصف الذي من جانبك لك والذي من جانبي لي فقلت له وهكذا يكون رضي الله عنه وله حال غريب ومقال عجيب يحكي حكايات عن بعض اناس وبلاد ويضحك لحكيه فيملا بالسرور الفؤاد يدعي بالملكيه لكل ما استحسن وشاهد من باب مشاهدة لله ما في السموات وما في الارض ومما سمعت عنه انه قال نحن لا نفيد قارياً ولا ولد قاري أي نحن معاشر الملامية من شرطنا ان لا نفيد عالماً عارفاً ولا ولده بل نفيد من ليس عنده علم ولا خبر ولا له رسم في هذه الدائرة ولا أثر قال وكان قد أكل بطيخاً ومن أكل البطيخ ولم يغسل لحينه فقد أساء اليها وسمعته يقول من لا يشأورك لا تهنيه بالسلامة وقد رأيته مع جماعة في المنام وانا متوجه في البحر إلى يافا من دمياط ذات الثغر البسام وعلمت انهم ارباب المقام ورأيتهم يتشأورون في امر منهم عشرة ومنهم من يقول سبعة فرأيته قام على قدميه وفتح اصابع يده وقال خمسة فاستفقت وكأنت الرؤيا يوم دخولي السفينة فخشيت ان يكون أشار لايام الاقامة فيها وإذا الامر كما خطر لي سقاه الله من خمرة القرب صافيها وغاينت له غير ما ذكرت ولكن لما قصدت الاختصار على ما قدمت اقتصرت وقد بلغتني وفاته وانا بالبصرة وانها كأنت بدمشق في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائة والف رحمه الله تعالى.(1/111)
أحمد المحاسني
أحمد بن سليمان بن إسماعيل بن تاج الدين بن أحمد الحنفي الدمشقي التميمي الشهير كأسلافه بالمحاسني الشيخ الفاضل العالم الكامل الأوحد البارع الفقيه المفتن المؤرخ ابو العباس شهاب الدين أحد رؤساء دمشق واعيانها واصلائها ولد ليلة الثلاثاء التاسع محرم افتتاح سنة خمس وتسعين وألف ونشأ في حجر والده وتلا القرآن العظيم واخذ عن جملة من أعيان علماء دمشق كالاستاذ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري والشمس محمد بن علي الكاملي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي وغيرهم وولي خطابة جامع الاموي وتدريس المدرستين الامينية بدمشق والباسطية بصالحيتها وصارت له الاعتبارات المتعارفة بين الموالي وجمع مجاميع حسنة في الفقه والادب وكتب الكثير بخطه وكان حريصاً على الفوائد العلمية وكأنت وفاته في سابع ذي الحجة سنة ست وأربعين ومائة والف ودفن بتربة الباب الصغير.
أحمد بن سوار
أحمد بن شمس الدين بن زين الدين بن عبد القادر الشافعي الدمشقي المعروف كأسلافه بابن سوار شيخ المحيا بدمشق كان عالماً فاضلاً محققاً ورعا عاملاً زاهداً متبحراً في الفنون كلها معقولاً ومنقولاً لا سيما الحكمة والكلام وله قدم راسخ في الحديث وتوابعه مع حسن الاخلاق ولطف المعاشرة والاحسان إلى فقراء طريقه وطرح التكليف ولد بدمشق في سنة ثمانين بعد الالف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الكاملي والشيخ ابو المواهب الحنبلي والشيخ الزاهد الملا الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ يونس المصري المدرس تحت قبة النسر بالحديث والشيخ عثمان القطان والشيخ محمد المالكي والشيخ إسماعيل الحائك المفتي الحنفي والشيخ السيد عبد الباقي مغيزل والشيخ عبد الرحمن المجلد والملا عبد الرحيم الكابلي نزيل دمشق والشيخ محمد عقيلة المكي وغيرهم وحصل واحتسى كؤس الفضل واغتذى من لبان التحقيق حتى أشير إليه بالبنان فدرس في القبة الباعونية الكائنة داخل الجامع الاموي بالخارج ويحضره جماعة وفي محلته قبر عاتكة مشتغلاً بافادة العلوم والعبادة ولما توفي قريبه العلامة الولي الصالح الشيخ مصطفى اراد ان يصير مكانه شيخاً في عمل المحيا فلم تصر له المشيخة وصارت لأولاد قريبه المذكور فصار يجعل ذكراً وحده ووقع بينهما الخصام التام ثم بعد ذلك حصل(1/112)
اتفاق بينه وبين قريبه على ان كلاً منهما يعمل ليلة في مشهد المحيا داخل الجامع الاموي والاخرى في جامع البزوري خارج دمشق كما هم عليه الآن ولما صارت الزلزلة العظمى في دمشق ونواحها في سنة وفاته صاموا الناس ثلاثة ايام ودعوا وابتهلوا إلى الله تعالى في مسجد المصلى وكان المترجم هو الذي قدموه للدعاء فدعا وابتهل والناس خلفه وبالجملة فانه كان من العلماء المشهورين بالفضل والصلاح وكأنت وفاته في ثالث شوال سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وسيأتي قريبه مصطفى وولداه رحمهم الله تعالى.
أحمد الوراق
أحمد بن صالح بن أحمد بن صدقة المعروف بالوراق الخلوتي الاخلاصي الحلبي الاديب النظم البارع السميدع كان نادرة الشهباء في الادب ونظم الشعر فاضلاً له اطلاع وفضيلة بالمعاني والبيان والعربية وفنون الادب والعلم ممن اشرقت شمس آدابه واينعت حياض معارفه وراقت مواردها حسن الاخلاق مجيداً ماهراً محبوباً عند الناس ولد في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة والف وكان في ابتداء شبابه يتعاطى صناعة القصب ثم في عام ثمان وأربعين أنتقل إلى باب أموي حلب الشرقي واشتغل ببيع الورق فنسب حينئذ إلى الورق صحب أفاضل الشهباء وجد في الطلب اخذ العربية عن العالم الشيخ محمد الحموي واخذ الفقه والعقائد عن الشيخ قاسم النجار واخذ البديع عن الشيخ قاسم اليكرجي وعن الشيخ محمد المعروف بابن الزمار واجازه علامة بغداد الشيخ صالح البغدادي وسمع معظم صحيح الامام البخاري عن المحدث محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة عام قفوله من الروم واخذ المصطلح والادب والمعاني والبيان عن الشيخ أبي الفتوح علي الميقتي باموي حلب وأنتفع به كثيراً واستجاز الشيخ صالح الجينيني الدمشقي عام ارتحاله اليها وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف فاجازه بثبته وله ادبية وشعر واطلاع على فنون الادب ومعرفة غنه من سمينه فن ذلك قوله متوسلاً بزاكي الاباء والحدود وصاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم
زمن الربيع به الازاهر ... تفتر عن ثغر البشائر
فانهض إلى روضي المنى ... وانف الهموم عن الضمائر
واسمع غناء بلابل ... قد غار منها كل طائر
وتمايلت قضب الاراك ... تريك ميلات المفاخر(1/113)
والنهر يحكي ماؤه ... درا اذيب على الجواهر
والشمس من حلل الغصو ... ن كأنها غير تناظر
وغدت نسيمات الريا ... ض تنم عن سر الازاهر
والورد كلل خده ... در من السحب المواطر
والاقحوان كأنه ... اجفان صب بات ساهر
فاطرب بما صنع الآله ... وكن له يا صاح شاكر
منها
وأجل الكروب بمدح طه ... المصطفى نور البصائر
الفاتح البر الرؤ ... ف محمد زاكي العناصر
والعاقب الماحي الذي ... ضاءت بمبعثه الدياجر
ذي المعجزات الباهرا ... ت ومن غدا للغي باتر
هو سيد سادت به ... آباؤه الغر الأطاهر
وبه افتخار أولى الكما ... ل من الأوائل والأواخر
طابت ارومة ذاته ... والطيب لا ينفك عاطر
منها
ما الشمس الا من ضيا ... ء جبينه حازت مفاخر
وإذا ألم بصحبه ... ما البدر ما الزهر الزواهر
يا قطب دائرة النبيي ... ن الكرام أولى المآثر
يا سيد الكونين يا ... من لم يزل للحق ناصر
يا رحمة الله التي ... قد نالها باد وحاضر
مولاي يا كنز العفا ... مومن غدا بالعفو آمر
عفوا رسول الله عن ... ذنب به الوراق حائر
اني استجرت بجاهك ال ... احمى المنيع من المضائر
وبآلك الاطهار وال ... اصحاب من سادوا العشائر
وبصاحبيك توسلي ... لافوز من ظلم العناصر
وانال في الآخرى شفا ... عتك التي تمحو الكبائر
فلأنت اكرم شافع ... حيث القلوب لدى الحناجر
فاقبل ضراعة عاجز ... حين الشدائد غير صابر
صلى عليك وسلم ال ... رحمن ما لمحت نواظر(1/114)
وكذاك آلك والصحا ... بة ما شدا في الدوح طائر
أو حن مشتاق إلى ... أوطانه أو سار سائر
وقوله متوسلاً بأشرف الوسائل وسيد الأواخر والأوائل صلى الله عليه وسلم
خطرت فغار الغصن من خطراتها ... ورنت فشمنا السحر في حركاتها
غيداء رنحها الصبا بعقاره ... فنضت سيوف الهند من لحظاتها
نصبت لنا شرك الغرام شعورها ... فتكابنا والفتك من عاداتها
ورمت حواجبها القسي سهام ما ... قد راشت الاجفان من نظراتها
طارحتها شكوى الغرام فلم يفد ... الا تماديها على نفراتها
ودعوتها أخت الغزال ترفقي ... في مهجة صبرت على زفراتها
ومحاجري ترعى النجوم وربما ... اربت على الطوفان في عبراتها
لم يرقها الا التكحل من ثرى ... دار يفوح المسك من عنباتها
دار الذي وسع البرية فضله ... وله اليد البيضا على ساداتها
أعني به طه الذي بجنابه ... لاذت جميع الخلق في شدانها
ما في العوالم ذرة الا به ... تكوينها خلقاً واصل حياتها
جبلت على الحلق العظيم طباعه ... من ذا يباريه بحسن صفاتها
قد طهر الاكوان من دنس الردى ... وازال ما قد كان من شبهانها
وبه النجاة من الشدائد كلها ... وخلاص أهل الكرب من كرباتها
تالله ما وصلت لعبد نعمة ... الا وكان هو الممد لذاتها
مولاي يا ختم الرسالة جد على ... نفس اضر الذنب في حالاتها
مالي سواك وأنت أكرم شافع ... في المذنبين مشفع لنجاتها
صلى عليك الله ما هبت صبا ... سحرا فهاج الصب من نفحاتها
وكذا على الآل الكرام وصحبك ال ... اطهار من كرمت بطيب ذواتها
ابدا على مر الجديد مسلما ... لا نال حسن الختم من بركاتها
وله مضمناً البيت الاخير
يا صاحبي قفا نسائل ساقيا ... ملاء القلوب بلا عج الاشواق
تالله لا ادري عشية ان سقى ... ماذا سقى لمعاشر العشاق
قد خامرتني والكؤس لحاظه ... فكأننا كنا على ميثاق
فاستنشداه عل يخبر صادقا ... فلقد تشاكل امر هذا الساقي
احدافه ملئت من الافداح ام ... اقداحه ملئت من الاحداق(1/115)
وله أيضا
اسأت إلى نفسي وغيري جهالة ... بسهو وعمد والمهيمن ساتر
وظني بان الله جل جلاله ... جميع ذنوبي حين موتى غافر
وله غير ذلك مرض في أوائل شعبان المعظم وانقطع في داره وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر ذي القعدة الحرام سنة تسع وثمانين ومائة والف ودفن في مقبرة جامع البختي تجاه تكية بابا بيرم رحمه الله تعالى واموات المسلمين.
أحمد العلمي
أحمد بن صلاح الدين المعروف كاسلافه بالعلمي القدسي تقدم ذكر ولده أبي بكر وابن عمه أبي الوفا وكان هذا عالماً فاضلاً صوفياً صالحاً اشتهر حاله بالصلاح والتقوى وكان على قدم العبودية صائماً نهاره وقائماً ليله على نهج الصوفية ولد في يوم السبت سادس شوال سنة خمس وخمسين والف وتنبل واخذ الطريق عن الاستاذ المزطاري المغربي الشاذلي وجعله خليفة له في الديار القدسية ومع ذلك فبنوا لعلمي أهل طريق أيضا وصار يقيم الاذكار وقرأ في العلوم على الشيخ السيد عبد الرحمن اللطفي القدسي وغيره وكان يخطب بالسجد الاقصى المحترم بصوت حسن ويعظ وعظاً يلين القلوب القاسية وكان مع ذلك صاحب فضيلة ومعرفة وبالجملة فقد كان من محققي اهل زمانه ومعتقد اهل عصره وأوانه وكأنت وفاته في ليلة الاحد عاشر شعبان سنة ستة عشر ومائة والف رحمه الله تعالى.
أحمد الملوي
أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجبري الشافعي القاهري الشهير بالملوي الشيخ الامام العلامة المعمر مسند الوقت شيخ الشيوخ واستاذ اهل الرسوخ التحرير المفنن الأوحد صاحب التآليف النافعة ابو العباس شهاب الدين ولد في ثالث شهر رمضان سنة ثمان وثمانين والف ودخل الازهر وطلب العلم واخذ عن جملة من الشيوخ منهم الشيوخ الأجلاء الشهابان أحمد ابن الفقيه وأحمد بن محمد الخليفي وأبو محمد عبد الرؤف البشبيشي والجمالي منصور المنيفي وأحمد بن غانم النفرأوي وأحمد الشبراخيتي وعبد ربه بن أحمد الديوي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني وعبد الجواد بن القاسم المحلي ومحمد بن عبد الله النكسي وأبو الصلاح أحمد بن محمد الهشتركي ومحمد بن عبد الله السجلماسي ومحمد بن عبد الرحمن بن ذكرى وابو العز بن الشهاب محمد العجمي والشمس محمد بن منصور الاطفيحي ورضوان الطوخي وابو الحسن علي(1/116)
بن علي الحسيني الحنفي وعمر بن عبد السلام التطأوني وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن الملحي وابو الفيض محمد بن إبراهيم الابوتيجي ومحمد ابن أحمد الورزازي وغيرهم واشتهر صيته وعلا ذكره وله من المؤلفات شرحان على رسالة الاستعارات مطول ومختصر وشرحان على السلم للاخضري مطول ومختصر وغير ذلك من المؤلفات وكأنت وفاته سنة احدى وثمانين ومائة والف رحمه الله تعالى.
أحمد الدمنهوري
أحمد بن عبد المنعم بن خيام الشافعي الحنفي المالكي الحنبلي هكذا كان يكتب بخطه المصري الشهير بالدمنهوري الشيخ الامام العلامة الأوحد آية الله الكبرى في العلوم والعرفان المفنن في جميع العلوم معقولاً ومنقولاً ابو المعارف شهاب الدين ولد في حدود التسعين والف ونشأ طالباً للعلوم فأخذ عن جملة من العلماء كالشهاب أحمد الحليفي وعبد ربه الديوي ومنصور المنوفي وعبد الجواد الميداني وعلي أبي الصفا الشنواني ومحمد الغمري وعبد الوهاب الشنواني وعبد الرؤف البشبيشي وعبد الجواد المرحومي وعبد الدائم الاجهوري ومحمد بن عبد العزيز الحنفي الزيادي وأحمد بن غانم النفرأوي المالكي ومحمد الورزازي وأحمد بن محمد الهشتركي ومحمد بن عبد الله السجلماسي والسيد محمد سلموني المالكي والشهاب أحمد المقدسي الحنبلي وكان عالماً بالمذاهب الاربع أكثر من أهلها قرآءة وله اليد الطولى في سائر العلوم منها الكيمياء والأوفاق والهيئة والحكمة والطب وله في كل علم منها تآليف عديدة وتولى مشيخة الجامع الازهر بعد وفاة الشمس محمد الحفني وله من التأليف شرح على سلم الاخضري في المنطق وشرح على رسالة الاستعارات السمرقندية وشرح على أوفاق قلب القرآن وغير ذلك من التآليف وبالجملة فهو نسيج وحده في هذه الاعصار وكأنت وفاته سنة اثنين وتسعين ومائة والف.
أحمد الغزي
أحمد بن عبد الكريم بن سعودي بن نجم الدين بن بدر الدين بن رضي الدين بن رضي الدين أيضاً ابن أحمد بن عبد الله بن مفرج بن بدر الشافعي الغزي الاصل العامري الدمشقي مفتي الشافعية بها وابن مفتيها شيخ الاسلام وابن مشايخه واحد ذوي البيوت المشهورة بدمشق ابو العباس شهاب الدين الشيخ الامام العالم العلامة الحبر الفقيه النحوي كان عالماً صدراً رئيساً محققاً مكرماً للناس مقبول(1/117)
الشفاعة عند الحكام كثير الوعظ اليهم محترماً لديهم له وجاهة كلية واقدام مع التوقير والاحترام من الخاص والعام ولد بدمشق في سنة ثمان وسبعين والف وبها نشأ واشغله والده بطلب العلم بعد ان تأهل لذلك فقرأ عليه في الفقه وعلى الشيخ إسماعيل الحائك المفتي الحنفي في الاصول والنحو وعلى الشيخ محمد أبي المواهب في مصطلح الحديث واجازه السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني وبرع وفضل وساد وتصدر للتدريس بعد وفاة والده فدرس بالمدرسة الشامية البرانية في شرح المنهج وفي الاشهر الثلاث بالجامع الاموي في صحيح البخاري وصنف شرحاً على المنحة النجمية في شرح اللمحة البدرية وشرحاً على نظم نخبة الفكر لجده الرضي لم يشتهر واختصر كتاب جده محدث دمشق الشيخ محمد نجم الدين الغزي المسمى اتقان ما يحسن في الاحاديث الواردة على الالسن وسماه الجد الحثيث في بيان ما لبس بحديث واختصر السيرة النبوية للشيخ العلامة علي الحلبي وشرح منظومة النخبة التي نظمها جده رضي الدين الغزي وله غير ذلك وتولى افتاء السادة الشافعية بعد وفاة والده وحمدت سيرته بها وكان بدمشق مقداماً له القول والكلمة النافذة ويحترمه اعيانها وله مزيد التعظيم عندها إلى ان مات وكأنت وفاته في يوم الجمعة ثاني شعبان سنة ثلاث واربعين ومائة والف ودفن بتربتهم بمقبرة الاستاذ الشيخ ارسلان رضي الله عنهما ورثاه الشيخ سعيد السماني الدمشقي والاديب عبد الرحمن بن محمد البهلول بقصيدة مطلعها
قضاء الله من للخلق أوجد ... بنا يمضي تواني الشخص أوجد
والعامري نسبة إلى عامر بن لؤي رضي الله عنه والغزي نسبة إلى غزة هاشم ولكن المحقق المتواتر انهم رؤساء العلم في دمشق ابا عن جد من حين وفودهم اليها وأول من قدم منهم إلى دمشق جد المترجم الكبير أحمد بن عبد الله في سنة سبعين وسبعمائة قاله لسخأوي وقال ابن قاضي شهبة تقي الدين في سنة تسع وسبعين وسبعمائة وقطنها واخذ بها عن ائمة اعلام كالشهاب الزهري والشرف الشريشي والنجم ابن الجأبي والشرف عيسى الغزي صاحب كتاب أدب القاضي وشرح المنهاج والبرهان الصنهاجي المالكي واذن له بالافتاء في سنة احدى وتسعين وبرع في الفقه واصوله وناب في الحكم عن القاضي شمس الدين الاحساء في اخر ولايته وعن غيره وولي نظارة البيمارستان النوري فحمدت ديأنته وعفته ودرس بعدة مدارس كالعذرأوية والناصرية والشامية والكلاسة والاتابكية بالصالحية وتصدر للاقراء وجلس لذلك بالجامع الاموي والف مؤلفات منها مختصر المهمات في ثلاث مجلدات وشرح الحأوي(1/118)
الصغير في اربع مجلدات ومنسك كبير جمع فيه فأوعى وشرح جمع الجوامع لابن السبكي وشرح عمدة الاحكام لم يكمله فاكمله ولده الرضى والجواب الرأسي عن مسئلة التقي الفاسي وتحفة المبتغي لمعان ينبغي يشرح من المنهاج قطعة من أوله إلى كتاب الصلاة في مجلدين وله تعليق على صحيح البخاري في ثلاث مجلدات وشرح قطعة من منهاج البيضأوي وجانباً من الفية ابن مالك في النحو وكتاب تراجم رجال البخاري واختصر تاريخ ابن خلكان وغير ذلك وكأنت وفاته بمكة حين كان حاجاً في يوم الخميس سادس شوال سنة اثنين وعشرين وثمانمائة ودفن بالمعلاة وقد انجب فروعاً ازدهت بهن الايام وعمت فضائل علومهم للخاص والعام وإلى وقتنا هذا موجود منهم بقية أفاضل كرام وسيأتي ذكر والد المترجم عبد الكريم واقاربه عبد الحي وعبد الرحمن ومحمد وعلي ان شاء الله تعالى.
أحمد بن عبد اللطيف العمري
أحمد بن عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن تقي الدين أبي بكر بن زين الدين عبد الهادي وينتهي نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدمشقي الشافعي المعروف بابن عبد الهادي الشيخ الفاضل الاديب البارع الصالح ولد بدمشق في ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثلاثين ومائة وألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة منهم الشيخ أحمد المنيني العثماني والشيخ إسماعيل العجلوني والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والشيخ صالح الجنيني والمولي حامد بن علي العمادي المفتي وغيرهم وفضل وبرع وصار له فضيلة ودرس في آخر أمره بالجامع الأموي عند المنارة الشرقية ولما توفي والده صار خليفة مكانه إلى أن مات وكان له نظم جيد وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه من محتد يفتخر به السودد وتذعن له المعالي إذا سهم النسبة سدد تضرع منه الكرم المحض وارتضع من لبنه الخالص الذي لم يشب بمخض فطلع بدره في افق المجد تماماً وتفتق الروض زهوراً وكماماً فقضى له بالتوفيق العزيز وأنزل منه بالمكانة القعساء يحرز حريز ووالده الفرد الذي يشار إليه إذا عدت الافراد والمأخوذ عن كمالاته إذا تليت الأوراد صور الله ذاته من لطف وكونها وسهل على يديه الامور الشاقة وهونها فلورقي ذا جنة لاستفاق أوامر يديه على ذي عاهة برئ باذن الله ولم يحتج إلى أوفاق فدعوته تكف المرتكب عن معاصيه وتأخذ المتهالك بالاعتراض بنواصيه بمنظر بملاء العيون وضاء ويغني عما للبدر من الاضاءة وحلم دون متالع بمراتب ومحاسن(1/119)
لا تحصيها براعة حاسب ولا مداد كاذب إلى نسبة إلى الفاروق تنتهي ونفس عن استيفاء المكارم لا تنتهي فعطر الله تلك الروح بالنفحات الربانية وانزلها في المحل الاسني من الفراديس الجنانية وخلفه هذا خير خلف كما ان سلفه نعم سلف وله من الشعر ما هو واضح الدلائل إلا أن أبيات قصائده قلائل أنتهى مقاله ومن شعره قوله
بادرتني سواجع الالحان ... وحبتني بنشر بشر التهاني
مذ رأتني مغري بحفظ عهود ... سالفات جنيت منها التداني
وادبرت سلافة الصفو صرفاً ... فازدرينا بها بنات الدنان
ان يوماً يمضي بغير نصاب ... ليس عندي يعد في الازمان
وعجيب بأن يكون المعنى ... غير صب مكابد الاشجان
لا أرى صحوة لمخمور وجد ... أسكرته مدامة الاجفان
يا خليلي عرجاً بعناني ... نحو أرض بها تركت جناني
وقفا بي على الرياض صباحاً ... واسألاها عن الغواني الحسان
واغنما فرصة الزمان فما التس ... ويف الامطية الحرمان
بسوى من بجلق من صحأبي ... ولداني بالله لا تذكراني
كلما هزني الغرام اليهم ... أصبح الوجد آخذ بعناني
ان لي بينهم غزالاً شروداً ... من ظبي النير بين رخص البنان
صال باللحظ بين فتك وسفك ... بفؤاد أقسى من الصوان
لا وعهد الاحباب لست بسال ... مذهبي في الهوى رأى ابن هاني
مراده بقوله رأى ابن هاني قول المذكور
سأبكي عليكم مدة العمر انني ... رأيت لبيداً في الوفاء مقصرا
بيد أني أرجو الخلاص بمدحي ... والنجائ لوارث النعمان
من به قرت العيون ونالت ... ما عنت من كل قاص ودان
واستثارت فيه دمشق وطابت ... واكتست فيه حلة الرضوان
بقدوم قد قارنته سعود ... انقذتنا من صولة الحدثان
وتباشير انسه قد اذاعت ... نشر عرف الهنا بكل مكان
لوذعي يصبو بصائب فكو ... ما توارى في غيهب الاذهان
ما جد كل ما جد من علاه ... يرتقي فوق هامة الاقران
ذو بنان تجري بعشرة انها ... ر من فيض جودهن اليدان
خير مستودع كنوز علوم ... نورت صدره بآي المثاني(1/120)
من غدا زند فضله اذ دهتنا ... مشكلات في فضلها كاليماني
من كرام ولاؤهم فرض عين ... وكذا مدحهم بكل اسان
سبقوا الناس بارتقاء المعالي ... وتساموا فلا ترى من يداني
كيف والسابق الخليفة من قد ... كان في الغار للمشفع ثاني
قدحوا نسبة إليه ونالوا ... بالنبي الرسول اسني الاماني
والتجائي من بينهم لخليل ... العز دوما في كل ما قد دهاني
وابق في روضة السرور تهني ... بارتقاء من دونه الفرقدان
مع بنيك الانجاب ما صيغ مدح ... في معاليك ناشر للتهاني
وقوله من قصيدة
بنيل الاماني طاب وقت مجدد ... ووافى الهنا والعيش فينان ارغد
ورجعت الورقاء في نغمة الرضى ... تغني على حظ المنى وتغرد
ودارت كؤس الانس فينا وقد غدا ... يطوف بها ساق كما الغصن اغيد
هلال محا آي الظلام جبينه ... وظبي بجفنيه حسام مجرد
رعى الله منه ساعة قد سرقتا ... وغصن التصأبي بالهوى متأود
نعمت به والدهر يفتر ثغره ... وقد غاب عنا عاذل ومفند
ولم اك ممن يسمع اللوم في الهوى ... ويصغي لاقوال الوشاة ويرصد
اخلاي ان رمتم من الدهر مأمناً ... وحصناً منيعاً فيه للعز مقعد
فجلوا بباب الفتح ذي الحلم والنهى ... ومن رأيه في المعضلات مهند
فتى طيب الأوقات طيب خصاله ... ولم يبق الا ما يروق ويحمد
منها
امولاي يا كهف العفاة ومن غدت ... خلائقه روضاً سقاه المزرد
ونجل الأولى شادواد عائم سؤدد ... تزول الرواسي وهي فينا تخلد
تهني باهنى العيد عاد مقامه ... يعيد لنا البشرى كما كان ينجد
طلعت طلوع الشمس يمحي بها الدجى ... وأنت بصمصام الفخار مقلد
واسديتنا ما لا نقوم بشكره ... من النعم اللاتي عليهن نحسد
فدم في أمان الله صدراً مؤملاً ... وكل البرايا بحر جودك تورد
مدا الدهر ما جادت قريحة شاعر ... بمدح وما غنى الهزار المغرد
وقوله من قصيدة امتدح بها المولى العالم حامد العمادي المفتي مطلعها
بشرى بها الدين قد قرت نواظره ... ومن سماء العلا لاحت زواهره
وكوكب النصر حياناً بطلعته ... يهدي إلى العز من قلت نواصره(1/121)
وبلبل البشر يشدو في الرياض على ... غصن المسرات يحبو من يذاكره
وعرف طيب ربا الآمال قد نشقت ... نفحاته حيثما فاحت ازاهره
والفجر لاح على الافاق معترضاً ... يزيل جيش الدجى عنا عساكره
وللمنى امتد من أهل التقى مقل ... قد شاقها لمراقي السعد فاخرة
وأعين الشام قرت غب ما يئست ... والدهر عن أهلها عفت نواظره
وقد اغيثت بمفتيها الذي ابتهجت ... به الورى وزكت فينا عناصره
من كف غرب الأسى عن قرع لامتها ... وقد كفتها عن الشكوى بوادره
وقد جلا بمواضي الحزم ما احتكمت ... ايدي الردى فيه واختلت مصادره
منها
صدر الموالي عماد الدين حامده ... شمس المعارف زاكي الوصف عاطره
من أصبح الدهر مختالاً بطلعته ... ومن سمت أنجم الجوزا مفاخره
الماجد الجهبذ المولى الذي بزغت ... شموسه فاهتدت فيها معاصره
مجرى يراع القضايا بالسداد على ... لوح الهدى لم تزغ عنه ضمائره
ما زل عن موقف التقوى له قدم ... ولا انثنت لهوى يوماً سرائره
مولاي يا من غدت أقلامه شهبا ... يرمى بها كل شيطان ينافره
اعر يتيمة فكر نظرتي كرم ... واغفر قصور معنى كل خاطره
وللمترجم معرباً معنى بالفارسية وهو قوله
لقد خضت بحر الحرب يطفو عبابه ... ونازلت في الهيجآء كل فتى قرم
وقارعت آساد الشرى فقهرتها ... واشبعتها ضرياً يحل عرى العزم
فما راعني الا وقطب حاجب ال ... غزال الذي الحاظه للحشا تصمي
فلما رأت عيني تهلل وجهه ... ومن حاجبيه حاللاً عقد الزم
تيقن طرفي صفحه ورضآءه ... وبشرت قلبي بالعناق وباللثم
لأن إذا حلت لأوتار قوسها ... ليوث الوغى كان الدليل على السلم
ومن ذلك قول العالم الفاضل أحمد بن علي المنيني
طلبت وصالاً من حبيب ممنع ... فأوتر قوس الحاجبين وقطبا
وفوق لي سهماً أصاب مقاتلي ... واصمى فوآدا بالصدود معذبا
فلما رأى ما برحت بي جفونه ... وقد عيل صبري والسلو تغيبا(1/122)
رثى لي ومن تعبيسه حل عقدة ... وحلل وصلاً كان حوباً وأوجبا
كذاك بنوا لهيجاً إذا تم سلمهم ... يحلون أوتار القسي تجنبا
ومن ذلك قول ولده الاديب إسماعيل بن أحمد المنيني
عيل صبري في حب ظبي غرير ... فاتر اللحظ فاتن الالباب
أوترت حاجباه قوس التجافي ... مذ رآني ملك الهوى والتصأبي
ثم وافى متيماً بوصال ... بعد بين مبرح واكتئاب
وكذا الصيد في النزال إذا ما ... عقدوا السلم حل قوس الحراب
ومن ذلك قول الاديب الفاضل مصطفى اسعد اللقيمي
بأبي الذي لما تحقق حيرتي ... وغدا بتقطيب الحواجب معرضا
وافى وفرق حاجبيه تقطعا ... متبسماً فعلمت منه بالرضى
اذ عادة الصيد الملوك بحربهم ... فك القسي إذا الوطيس قد انقضى
ومن ذلك قول النبيه السيد محمد الشويكي
وافى وقطب حاجبيه مطرقاً ... طرقاً بذا منه الرضى لي وافى
وكذلك الفرسان ان هم سالموا ... فكوا القسي واغمدوا الاسيافا
ومن ذلك قول الاديب محمد سعيد السمان
ومذ زار الحبيب بلا عتاب ... وتقطيب يحاجبه السني
علمت رضاءه من غير شك ... وقد امسيت بالعيش الهني
لأن الحرب ان خمدت لظاها ... تجل الصيد أوتار القسي
وكأنت وفات العمري المترجم في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر والده عبد اللطيف وجده محمد وقريبه سعدي وأخيه مصطفى وقريبه الآخر محمد وبنو عبد الهادي في دمشق مشايخ صلحاء وللناس بهم اعتقاد واصلهم من بيت معروف بقرية صفوريه ولهم أنتساب صحيح إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأول من قدم منهم دمشق الشيخ العارف الكبير المسلك المربي الشيخ عبد الهادي ابن الشيخ عيسى بن عبد اللطيف ونزل بمحلة قبر السيدة عاتكة وأقام هناك إلى أن توفي في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ودفن بتربة له هناك وقبره مشهور يزار ويتبرك به قال ذلك الحافظ النجم محمد ابن الغزي في كتابه الكواكب وأما ما ذكره المحبي في تاريخه أولاً فلا أصل له(1/123)
وتزوج حفيده محمد بن أبي بكر عبد الهادي المزبور بنت العارف بالله الشيخ عبد القادر ابن سوار شيخ المحيا بدمشق وجاءه أولاد كثيرون منهم أحمد جد المترجم فنشأ طالباً للعلوم وقرأ وحصل وتوفي في أواخر ذي القعدة سنة تسع بعد الألف ودفن في تربة القصارين في جانب قبر عاتكة والله سبحانه أعلم
السيد أحمد التونسي
السيد أحمد ابن عبد اللطيف التونسي نزيل دمشق المغربي بن العالم المحقق المتفوق الماهر البارع الفاضل ترجمه الشيخ سعيد ابن السمان في كتابه وقال في وصفه هذا الأديب وان كأنت تونس مسته القوابل فيها الا أن الشام حبته بملء فيها فربض بها ربضة الليث وقال لوطنه منادياً إلى حيث ولاذ ببعض الصدور وجعل لندبه الورود والصدور فأنزله منه منزلة ابن اللبانة من المعتمد وأصبح في لجه المستقبض هو المغترف المستمد فأقبل عليه الدهر بوجه أغر وما أقدمه على هجر ولا به غر وأقطعه من الحظوة نصيباً وأورثه الرعاية فرضاً وتعصيباً فاستكان وتقرب وبعد في مرامه ومارب فتهدلت عليه أغصان الحنو وعطفت عليه الافئدة بالدنو وتابط سفراً وكراسه وأكب على قراءة ودراسه فارتشف من ذلك دون الوشل ولم بالعنا منه حد الفشل وادعى الفضل التام وخاض في ذلك القتام وسولت له نفسه الاماره ما خفرت به الآمال ذمته وذماره وشمخ بعرنين الانفه واستنكف عمن احله كنفه فلم تقبل له خوكه وقال في القفول البركه فند ندو البعير ولم يدرا هو من العيرام من النفير فحل القدس والديار المصرية ورصد من الدهر العطفة الحرية فرق له وحن وسقاه من الأوبة الغمام مرجحن فعاد لما سلف وعانق ذلك العلف فعافته الطباع وقذفته في مهأوي التعريض باليد والباع ومكر به حاله واستدرجه ووضعه من الأعين درجة فدرجه ولم يزل أطواره تتقلب وطويته عليه تتغلب حتى عصفت به مهاب هواء وأكبه على مخطمه عقبى دعواه وقام به الغرام واستأثر ورشقته بما أودى بفواده وأثر وسلم قلبه لمن عذبه واستلذ تهتكه فيه واستعذبه حتى بعدت عليه من التنصل الشقه واستقلت به المضرة والمشقه وانقلب وهو مليم عرضة للتقريع الاليم وما انفك يريه من التجني ما يريه ويطرق سمعه بكل كريه حتى تخطفته أيدي الشتات بعد أن طلق الشام تطليق البتات فما استقر حتى نودي إلى ابن المفر وطواه رمسه كما طوي أمسه وبالجملة فقد كان يستأنس بمذاكرته ويستروح بمحاضرته وله شعر زهري الارج ما عليه في سبكه حرج قد انبت منه(1/124)
طرفاً وتركت ما يعد سرفاً أنتهى ومن شعره قوله وأرسله إلى الاديب سعيد السمان ملغزاً
أيا بابلي السحر في النثر والنظم ... وجامع أشتات الدقائق عن علم
ويا من سما فوق السماكين هامة ... ففاق اياساً بالذكاء وبالفهم
ويا من غدا في الشام مذهل بدره ... سعيداً فنير الكون مذ لاح في التم
نجمت ففقت الناس علماً وحكمةً ... ومن ذا يسأوي انجم الارض بالنجم
ابن لي ما اسم رباعي أحرف ... له نشأة أحلى من الضم واللثم
فأوله في الذكر أول سورة ... وأمر بلا شك لدى الكسر في الحكم
وربعه ان اخرت يأتيك قلبه ... سريعاً كما قد كان في أول الرقم
وأوله أيضاً كذلك مثله ... وباقيه يقري الطرد كالعكس في الرسم
توان حذفوا اخراه لاح لناظر ... مصحفه فهو الضمير بلا وهم
وان حذفوا ربعيه صدراً وآخراً ... هو الحق لا يخفي بعيد عن الوصم
ونصفه ان صحفت فه بجماله ... معانيه قد لاحت تروق لذي فهم
على ان هذا الاسم قد شاع ذكره ... شبيه سحيق المسك يجلو صدا الغم
عزيز فمن قسم المباح فعده ... وصرح بمن تهواه رغماً على الخصم
وجد بجواب يا فريد زمانه ... ويا بابلي السحر في النثر والنظم
فأجابه بقوله
الأقل لموفور النهي ثاقب الفهم ... فريد السجايا أحمد الوصف والاسم
ومن جلق الفيحاء قرت عيونها ... بمقدمه اذ لاح كالبدر في التم
فتى في الورى أخلاقه وحديثه ... وآدابه كالروض باكره الوسمي
لقد طاب أصلاً مثل ما طاب مخبراً ... وفاق أياساً بالنثار وبالنظم
انثنى منه بنت فكر كأنها ... بما ضمنت سكري تشير إلى الضم
تسايلني ما اسم إذا لاح في الورى ... شذاه أبى الا التحكم في الجسم
يمد له العافي بنان صبابة ... فيرشفه ثفراً حماء من اللثم
رأينا به قبض النفوس وبسطها ... فهذا على الاداء يشكل في الحكم
تلظى حشاياه من الحقد للورى ... فيظهر فوه ما أكن من الظلم
على أنه لا يرتضى قط منزلاً ... سوى القلب لا يخشى بذلك من جرم
ويغدو على الراحات بالرغم قائماً ... وناهيك ممن يرتقي العز بالرغم
عجبت وقد أمسى إلى الحق محرماً ... اناثاً وذكراناً لدى اللثم والشم(1/125)
حلال يطوف البيت وهو محرم ... فلم يخل من مدح وذم بلا اثم
من النار أمست روحه وحياته ... ولم تدر معنى صوته العرب كالعجم
فخذ ما يروق السمع من بنت ليلة ... جواباً معانيه توقد كالنجم
ودم سالماً موموق عيش نضيره ... براعيك طرف الامن واليمن والسلم
وله من قصيدة أرسلها للشيخ أحمد بن علي المنيني ملغزاً بقوله
لعمرك ما ريح الصبا اذ تنسما ... ولا الزهر في الروض الا ريض تبسما
ولا طيب انفاس الربيع وحسنه ... ولا ريق محبوب به يذهب الظما
ولا ضم خود كالاراكة قدها ... اجادت لمشغوف بها قد تيتما
ولا شرب كاس الراح من كف أغيد ... بديع السنا عذب المراشف واللما
بأطيب من عرف زكي شممته ... صبيحة وافيت الامام المكرما
له الله من مولى أحاديث مجده ... معنعنة تروى وتعدادها نما
سليل التقى شمس المعارف أحمد ال ... مزايا وفي أوج السيادة قد سما
غدا شافعي في الحب لي وهو مالكي ... وفي مذهب النعمان بحر لقد طما
وأحسن ما قيل في هذا المعنى
ألا ليت شعري من إلى الوصل شافعي ... لدى أشعري حرت في وصفه الجلي
فنعمان خديه لقلبي مالك ... ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي
ولبعضهم في المعنى
يا مالكي شافعي ذلي فصل كرما ... ولا تكن رافضي وأقصر عن الملل
فجملة الامراني مغرم دنف ... شوقي أمامي وصبري عنك معتزلي
وقال الآخر
قلت وقد لج في معاتبتي ... وظن ان الملال من قبلي
خدك الاشعري حنفني ... وكان من أحمد المذاهب لي
حسنك ما زال شافعي أبداً ... يا مالكي كيف صرت معتزلي
عودا إلى قصيدة المترجم فمنها
أتى بحلال السحر هاروت نطقه ... وأدهش أرباب العقول وأفحما
وغاص بحور العلم غواص فكره ... فأبدى نفيس الدر دراً متيما
ومنها
فيا أحمد الأوصاف يا عالم الورى ... وعلامة الدنيا ويا فاضلاً سما
بك اسم خماسي كروض مدبج ... يا فنانه ظبي الاراك ترنما(1/126)
حوى كل لطف واحتوى كل رقة ... جرى في كتاب الله لا شك مبهما
وقد حله قدما كثير أعزة ... وهام أبو نواس فيه وهيما
وتصحيفه معنى هو الموت للعدا ... يلوح لذي فهم إذا ما تفهما
وان زال من أولاه خمساه فاعتبر ... مصحف باقي الاسم بخلاقه أنتمى
لنا في نبي جاء بالحق مرسلاً ... لقوم هم أهل الجهالة والعمى
وان قلبوا باقيه ماس بعطفه ... كغصن النقا اذ مال في روضة الحمى
وان حذفوا اخراه من بعد قلبه ... غدا اس بنيان كودك محكما
ونبتا بديع الحسن كالغصن قد زكت ... روائحه كالمسك اذ ما تنسما
امط عنه ستر اللبس لا زلت محسناً ... ودمت لطلاب الافادة منعما
وله من قصيدة امتدح بها والدي لكونه كان نزيلاً عنده في مدة اقامته بدمشق
هي الأدب النفسي وهي النفائس ... بها غصن عمري بالتأدب مانس
ولي غزل فيها الغزالة في الضحى ... إلى لطفه يصبو الغزال الموانس
هي البكر بنت الكرم هيفاء ناهد ... كعوب لعوب لا ذلول وعانس
من الغرس بيت المجد عنقود كرمها ... فيا حبذا ذا الكرم ربا فارس
أدرها لنا قبل الصباح فإنني ... رأيت شراب الليل للنفس آنس
ودعني صريعاً بين ندمان حانها ... اهيم بها وجداً وجسمي رامس
أدرها بلا مزج ولا تقتلنها ... فما بسبطها الا البسيط المجانس
وان شئت فامزجها ولكن بريق من ... له من ظبا البيدا عيون نواعس
مليح صبيح الوجه ظبي خباؤه ... له من ظبا الغارات حام وحارس
يصيد قلوب الناظرين بلفتة ... بها الأسد في الغيل المنيع فرائس
أخالسه في موكب الحسن بغتة ... فيرنو بطرف فاتر ويخالس
له غرة كالصبح لا ليل قبلها ... ولكن له شعر هو الليل دامس
إذا قيس بالغصن الرطيب يقول من ... يقس بقوامي النبث ما ذاك قايس
وان قيس بالبدر المنير يقول لا ... فبدر الدجى من نور وجهي قابس
يدير علينا الراح في عسجدية ... تطيب بها بين الندامى المجالس
إذا جليت في كأسها عند ذائق ... ترى يا نديمي كيف تجلى العرائس
على تاجها اكليل در تناسقت ... فرائده منها تضئ الفوانس
وما هي راح الحسن دع عنك ذكرها ... فتلك لمن تسطو عليه الوسأوس
مرادى بها خمر المعاني فشربها ... ينافس في احرازه من ينافس(1/127)
مدام غذاء الروح والجسد الذي ... ترنحه الآداب وهي النفائس
فقد تسكر الارواح من غير خمرة ... فغيبتها ذاك الحضور المماسس
لراح المعاني نشوة أي نشوة ... إلى شربها تنحو الكرام الاكايس
فتفعل بالالباب ما تفعل الطلا ... إذا كان ساقيها الهمام المجالس
على على القذر من بحر فضله ... مديد طويل وافر لا يقايس
وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي أيضاً مطلعها
على مقام دونه الأنجم الزهر ... هو الراح والريحان والورد والزهر
تجلت له الأسرار من ملكوتها ... فحفت به الأنوار ما الشمس ما البدر
إلى أن سرى في سائر الكون سره ... فنور أسرار الورى ذلك السر
وحل حلول القطر في القطر كم فتى ... رآه أتى كالعبد وهو الفتى الحر
إذا افتخرت بين المدائن جلق ... وأبدت به تيهاً وحق لها الفخر
وقد لبست منها غلائل زينة ... كما زين الغلمان ما زانه النحر
زان فخرت مصر وقالت لجلق ... بي النيل نهر هل يقاس به نهر
تقول نعم بالشام سبعة أنهر ... كذا بر بر ليس يعد له بر
واني أنا الفردوس في الأرض جنة ... ولي بحر فضل بين أقرانه حبر
نعم ان في كفيه عشر أنامل ... مقدسة في كل أنملة بحر
مرادي وروحي بل ملاذي ومنيتي ... على على القدر دام له العمر
فتى في الورى تروى أحاديث فضله ... معنعنة قد طابق الخبر الخبر
ورتبته فوق المراتب كلها ... وما ثم في اثنا طريقته وعر
فما عزه عز وما قاده هوى ... ولا عابه تيه ولا شأنه كبر
ولا هو مثل الغيران زاد رتبة ... يميله من فرط اعجابه السكر
وما دابه الا اجتلاب خواطر ... بكل طريق في ميامنه الشكر
فقوله مسموع وأمره نافذ ... يقل ما يشا يسمع لقولته الدهر
تراه كمثل الغيث والليث في الوفا ... وفي الدفع عمن في حماه له خدر
فلا نقص الغيث الهتون بقطره ... ولا مس ليث الغاب في دفعه ضر
وله غير ذلك من النظم وكأنت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف باللاذقية رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.(1/128)
أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين بن محفوظ بن رجب العطار المعروف بابن جدي الدمشقي الشيخ الفاضل الأديب الماهر الناظم كان رقيق الحاشية لطيف المذاكرة حسن الخط وله مشاركة جيدة في كل فن وقد ترجمه المين المحبي في نفحته فقال في وصفه سمح سهل لكل ثناء أهل كانما بينه وبين القلوب نسب أو بينه وبين الحياة سبب بمحاضرة أشهى من ريق المحبوب ومحأولة أصفى من ريق الشؤبوب وعلى الجملة فما هو الا تحفة فادم واطروفة منادم ودعوة صحة لمريض واصطباح عيش في روض أريض وبيني وبينه اخوة أو أخيها مشدودة وأبواب التمويهات عنها مسدودة مازلنا في خلسة للود ونهزه وأريحية للحظ وهزه من حين رضعنا للتالف ذلك الدر وجرينا فيه على حكم عالم الذر والله يصوننا في بقية العمر عن الغير كما صاننا عن الشوائب فيما مضى وغبر فمن أريج عاطره الذي نفح به روض خاطره
وبليلتي ساجي اللحاظ قوامه ... غصين على دعص تثنيه الصبا
يهتز لينا حين يخطر مائساً ... جذلان من مرح الشبيبة والصبا
بدر تقمص بالملاحة والبها ... فغدا إلى كل القلوب محببا
سلت لواحظه علينا مرهفاً ... ما كان الا في القلوب مجربا
يخشى على ورد الخدود للافح ... فغدا بريحان العذار منقبا
سأومته وصلاً فحدق لحظه ... متبرماً نحوي والوى مغضبا
فكان صفحة خده وعذاره ... تفاحة رميت لتقتل عقربا
وقوله من قصيدة طويلة مطلعها
عتبي على الدهر عتب ليس يسمعه ... اذ بالهوى والنوى قلبي يروعه
بأنوافاً صبحت أشكو بعدما رحلوا ... للبين ما بي يد التفريق تجمعه
شكوى يكاد لها صم الصفا جزعا ... كما تصدع قلبي منه يصدعه
منها
ومن رسيس الهوى داء يصانعني ... طول الزمان إلى ما الحب يصنعه
وانثنى من لظى الأشواق في حرق ... إذا وميض الدجى يبدو تلعلعه
لم ألق يوم النوى الأحشا قلقاً ... ومدمعاً بأبي الدمع يشفعه
يا صاح أين ليالينا التي سلفت ... مرت سراعاً وطيب العيش أسرعه
فاعجب لنار ضلوعي كلما حمدت ... أشبها من غروب الجفن أدمعه
وبات يذكي ضرامي صادع غرد ... في النير بين بترتام يرجعه
يا ورق مهلاً إذا الترجاع من فرح ... بالروض ام فقد ألف عن مرجعه
وله من قصيدة(1/129)
أفي كل يوم بالنوى نتروع ... ومن حادثات الدهر يشجيك موقع
وتشقي برسم قد ترسمه البلى ... وتسقى ثراه كل نكباء زعزع
وتندب اطلالاً تعفت رسومها ... وتشكو لربع أعجم ليس يسمع
وتصبح هيماً بين قفر تجوسه ... وتمسي ولهاناً وأنت مروع
وترمي بطرفيك الهضاب عشية ... وفي كل هضب للأحبة مطلع
وقائلة فيما الوقوف وقد خلا ... من القوم مصطاف يروق ومربع
فقلت لها أذرى الدموع وهكذا ... أخو الشوق من فرط الصبابة يصنع
وما كنت أدري قبل وشك رحيلهم ... بأني إذا بانوا عن الجزع أجزع
ولا أن أنفاسي يصدعها الجوى ... إذا لاح برق في الدجنة يلمع
فرحت ودمع العين تجري غروبه ... على الخد مني والحمائم تسجع
تنوح بشط الواديين ولي حشا ... إذا ما انبرى ترنامها تنصدع
فلا كبدي تهدى ولا الشوق مقصر ... ولا لوعني تخبو ولا العين تهجع
وقد رحلوا عن أيمن الجزع غدوة ... فلم يبق في قرب التزأور مطمع
وقوله
ومطعف الأصداغ تختلس النهى ... أبدى التشاغل عن محب واله
يبدي تلفت شادن ويدير لح ... ظي جؤذ روا البدر جزء كما له
تمثال شكل الحسن لا بل انما ... ذا الحسن مطبوع على تمثاله
وقد كان أنشده الأمين المحبي قوله
ولما أدار الشمس بدر لا نجم ... يا فوق الهنا بين الهلالين في الغسق
عجبت له يبدي لنا البدر طالعاً ... وما غاب عنا بعد في جيده الشفق
فنظم المترجم هذا المعنى وأنشده اياه بقوله
وساق ميود القد أحور أوطف ... إذا لم يمت بالصد يقتل بالحدق
يرينا بافق الكاس شمساً توسطت ... هلالين يمحو نورها آية الغسق
ومذ هم يحسوها ترفع جيده ... فبان لنا صبح وما غرب الشفق
ومن ذلك قول العالم الشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وقد أجاب بهما الأمين
وساق أراثاً من بدائع حسنه ... هلالين والشمس المنيرة في الغسق
فهم بها رشفا فقبل مذاقها ... أتى الصبح من أطواقه ورأى الشفق
وقوله كذلك(1/130)
حث شمس الجام بدر ليلة ... بهلالين أطلا في نسق
فبدا من طوقه الصبح وما ... غاب عنا بعد في فيه الشفق
وكتب له الأمين المحبي يستدعيه إلى روض طلع علينا هذا اليوم في نضارته يكاد صحوه يمطر من عضارته فلقينا زهره ونظمنا نثره في يوم وشي بخسرواني الديباج وغشى بما يربو على أصناف الجواهر في الابتهاج فمن نور مدرهمه بهج وزهر مدثره رهج يضاحك دره مرجانه وتعبق بصائك المسك أردائه وللنسيم فيه اعتلال اشفاق إذا ما رقد المخمور فيه أفاق والروض رطب الثرى رطب المقيل وليس فيه غير ردف الساقي ثقيل ولم نعدم ندامى بألفاظ عذاب كائنها قند مذاب معرفتهم بأغصان القدود وتفاح الخدود لا بالنصول الحداد والقسي الشداد ولديهم من الفكاهة ولطف البداهة ما إذا جلى فما الراح والتفاح وما ريحان الأصداغ إذا فاح وان شاؤا ألحقوها بحكم متلوه وأخبار في صحف الاحسان مجلوه وعندنا لحن يثير الشجن ويبعث من الشوق ما أجن وحبيب قرب من عهد الصقال خده فلم يجف ريحانه ولم يذبل ورده يزل عن خده الدر فلا يعلق ويمش عليه انمل فيزلق وقد تمنينا فلم نجد غيرك امنيه ولا مثل ادابك غضة جنيه وعلمنا انه ما للأنس مع غيبتك بهجه ولا للعيش دون لقائك مهجه فبالله الا ما انحجت الأوطار وفتحت بمذاكرتك عن جونة العطار ولك الثناء الذي يتجمل به الدهر ويتفتق رياه عن الروض فاح فيه أرج الزهر وكأنت وفاة المترجم في يوم الأحد ثاني عشر شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى مع اشهاده على نفسه لولده الأديب المجيد الشيخ محمد وللشيخ عبد اللطيف العمري ابن عبد الهادي انه تارك الدنيا مقبل على الاخرى يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان ما جاء به رسول الله حق وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور هكذا أشهد المذكورين على نفسه حين موته ثم أنه ابتدأ في قراءة شهد الله انه لا اله الا هو إلى آخر الآية وسلم وولده المذكور ترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وكان هو ينسخه قرأ عليه كثيراً من مؤلفاته وكتبها وأنا لم أظفر بكيفية أحواله حتى اترجمه ولكن من أراد الاطلاع على شيء من شعره فعليه بالذيل المذكور رحمهم الله تعالى.
أحمد البعلي
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحلبي الأصل البعلي(1/131)
الدمشقي الحنبلي الامام الورع الزاهد الفقيه كان عالماً فاضلاً عاملاً بعلمه ناسكاً خاشعاً متواضعاً بقية العلماء العاملين عابداً فرضياً اصولياً لم يكن على طريقته أحد ممن أدركناه مع الفضل الذي لا ينكر ولد في رمضان سنة ثمان ومائة وألف واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة وأخذ عنهم الحديث وغيره منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ عبد القادر التغلبي وأنتفع به ولازمه ومنهم الشيخ أحمد الغزي العامري الدمشقي ومنهم الشيخ مصطفى ابن سوار شيخ المحيا والشيخ محمد الكاملي والشيخ محمد العجلوني نزيل دمشق والمنلا الياس الكردي نزيل دمشق أيضاً والشيخ عواد الحنبلي الدمشقي وأخذ طريق الحلوتية عن الاستاذ الشيخ محمد بن عيسى الكناني الصالحي الدمشقي والشيخ محمد عقيله المكي والشيخ عبد الله الخليلي نزيل طرابلس الشام وتتبل وتفوق وحاز فضلاً سيما بالفقه والفرائض ودرس بالجامع الأموي وأفاد وأنتفع به الناس سلفاً وخلفاً وله من المؤلفات منية الرائض لشرح عمدة كل فارض والروض الندي شرح كافي المبتدى والدخر الحرير شرح مختصر التحرير في الاصول وغير ذلك من التعليقات في الحساب والفرائض والفقه وكان يأكل من كسب يمينه في حياكة الالاجه وفي آخر عمره ترك ذلك لعجزه وحج ودرس بالمدينة المنورة ولازمه جماعة من أهلها وتولى افتاء الحنابلة بعد الشيخ إبراهيم المواهبي سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وكأنت وفاته في محرم سنة تسع وثمانين بعد الألف ودفن بمقبرة باب الصغير وسيأتي ذكر أخيه عبد الرحمن نزيل حلب رحمهما الله تعالى.
السيد أحمد البيروتي
السيد أحمد الشهير بابن عز الدين البيروتي ذكره الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية سنة خمس ومائة وألف وقال كان قدم علينا دمشق سنة ثلاث وتسعين وألف وكان يحضر دروسنا ويلازم عندنا وهو رجل من الأفاضل الكرام ذوي الصلاح والكمال والخير التام أنشدنا من لفظه لنفسه هذين البيتين تاريخ وفاة الولي الصالح الشيخ عيسى الصالحي الكناني شيخ الخلوتية بدمشق الشام وهما قوله
حسبنا الله تعالى وكفى ... من هموم أعقبت هماً وبؤساً
قد أصبنا يالعمري حيثما ... جاء في تاريخه بالشيخ عيسى
ثم قال والسيد أحمد المذكور له قراءة على والدنا المرحوم العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي واجازه وكتب له على نسبه الشريف وكان مولده في سنة اثنين وعشرين(1/132)
بعد الألف وأنشدنا من لفظه لنفسه قوله
ثمانون عاماً فما فوقهامضت يالعمري بلا فائدهتقضت ولم أك أشعر بها
كأني بها ساعة واحدةأيا ضيعة العمر حيث انقضىبآراء سامجة فاسدة
فيا ليت ما أهتم بي والدي ... ويا ليتها حارت الوالدة
وقال الاستاذ وأنشدنا أيضاً من لفظه لنفسه قوله من الدوبيت
صبري وتجلدي بإسماعيلا ... والقلب متيم بإسماعيلا
لو قيل تسلي عنهما يا هذا ... قالت عيناي لا وإسماعيلا
وهو من قول بلدينا الشيخ أحمد العناياتي النابلسي ثم الدمشقي
صبري عدم في حب إسماعيلا ... لا تحسبه في حب إسماعيلا
كم قلت له بمن تسميت به ... أنعم بنعم فزاد إسماعيلا
وقال الاستاذ ولقد كان بيننا وبين السيد أحمد المذكور موانسات أدبية ومطارحات شعرية في أيام اجتماعه بنا وتردده علينا مع كمال محاضرته وقد جمع لطفاً وليناً وفيه شباهة اعتقادية وطرف جذبة الهيه ثم قال الاستاذ وأنشدنا من لفظه السيد أحمد فوله
أرى هذا الوجود خيال ظل ... محركه هو الرب الغفور
فصندوق اليمين بطون حوا ... وصندوق الشمال هو القبور
وأنشدنا أيضاً من لفظه لنفسه
ما خيال الظل الاعبرة لمن اعتبرفاعتبر قولي اياهذا تجده معتبر
وكذا الدنيا شخوصتترآءى للنظرثم تمضي وتوليمثل لمح بالبصر
وهو من قوم الامام الشافعي رضي الله عنه
رأيت خيال الظل أكبر عبرة ... لمن كان في علم الحقيقة راقي
شخوص وأشباح تمر وتنقضي ... الكل يفنى والمحرك باقي
أنتهى وله غير ذلك ولم تصلني وفاته في أي سنة كأنت وترجمته لئلا يخلو كنا بي منه رحمه الله تعالى وأموت المسلمين.
أحمد المنيني
أحمد بن علي بن عمر بن صالح بن أحمد بن سليمان بن ادريس بن إسماعيل بن يوسف ابن إبراهيم الحنفي الطرابلسي الأصل المنيني المولد الدمشقي المنشأ الشيخ(1/133)
العالم العلم العلامة الفهامة المفيد الكبير المحدث الامام الحبر البحر الفاضل المتقن المحرد المؤلف المصنف كان فائقاً ذائقا له مسامرة جيده ولطافة ونباهة من شيوخ دمشق الذين عمت فضائلهم وكثرت فوائدهم وطالت فواضلهم المعيا لغوياً نحوياً أديباً أريباً حاذقاً لطيف الطبع حسن الخلال عشوراً متضلعاً متطلعاً متمكناً خصوصاً في الأدب وفنونه حسن النظم والنثر ولد بقرية منين سحر ليلة الجمعة ثاني عشر محرم افتتاح سنة تسع وثمانين وألف ولما بلغ سن التمييز قرأ القرآن العظيم ثم لما بلغ من السن ثلاثة عشر سنة قدم إلى دمشق وقطن بحجرة داخل السميساطية عند أخيه الشيخ عبد الرحمن وكان له أخ آخر يقال له الشيخ عبد الملك ارتحل لبلاد الروم وصار مفتياً بأحد بلادها وشغله أخوه الشيخ عبد الرحمن المذكور بقراءة بعض المقدمات كالسنوسية والجزرية والاجرومية وتصريف العزى على بعض المشايخ وله رواية في الحديث عن والده عن قاضي الجن عبد الرحمن الصحأبي الجليل الملقب بشمهورش فانه اجتمع به والده في حدود سنة ثلاث وسبعين وألف وصافحه وآخاه وأمره بقراءة شيء من القرآن فقرأه وهو يسمع فلما أتم قراءته قال له هكذا قرأه علينا النبي صلى الله عليه وسلم بين الأبطح ومكة وتكرر اجتماعه به بعد ذلك وقد توفي شمهورش المذكور في سنة تسع وعشرين ومائة وألف وأخبر بوفاته الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ووافق تاريخ وفاته فقد الجني شمهورش ثم ان المترجم طلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على سادات أجلاء ذكرهم في ثبة منهم الشيخ أبو المواهب المفتي الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليلي وجل أنتفاعه عليه والشيخ محمد الكامل والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ يونس المصري نزيل دمشق والشيخ عبد الرحيم الكاملي نزيل دمشق والشيخ عبد الرحمن المعروف بالمجلد والشيخ عبد القادر التغلبي المجلد والشيخ عبد الله العجلوني والشيخ عثمان الشهير بالشمعة والشهاب أحمد الغزي العامري والشيخ نور الدين الدسوقي والشيخ الصالح محب الدين ابن شكر وأخذ عن علماء الحجاز كالامام عبد الله بن سالم المكي البصري والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ محمد البصير الاسكندري المكي والشيخ عبد الكريم الخليفتي العباسي والشيخ أبي الطاهر الكوراتي المدني والشيخ علي المنصوري لصراي نزيل القسطنطينية وعلامة الروم المولى سليمان بن أحمد رئيس الوعاظ بدار السلطنة العلية وأخذ عن الشيخ محمد الحليلي القدسي والشيخ محمد شمس الدين الرملي وأخذ طريق السادة النقشبندية مع بعض العلوم عن الجد الشيخ مراد البخاري الحسيني الحنفي وطريق(1/134)
الخلوتية عن الشيخ حسن المرجاني البقاعي الحلوتي الشهير بالطباخ وطريق القادرية عن الشيخ السيد يسن الحموي القادري الكيلاني ومهر وفضل وطهر كالشمس في رابعة النهار ونشرت تلاميذه وقرأ عليه الوالد حصة من العلوم وأخذ عنه الحديث وغيره واجازه بسائر مروياته وأسانيده وتزوج وكان يوده ويحبه ومن تآليفه نحو ألف ومائتي بيت من كامل الرجز نظم بها انموذج اللبيب في خصائص الحبيب وشرحها فتح القريب ومنها شرح رسالة العلامة قاسم بن قطلوبغا في اصول الفقه ومنها شرح تاريخ لعتبي في نحو أربعين كراساً للغة في رحلة الرومية بطلب من مفتي الدولة العثمانية في ذلك الوقت وهو كتاب مفيد وشرح بشروح كثيرة لكن هو استوفى الجميع وزاد عليها زيادات حسنة ومنها النسمات السحرية في مدح خير البرية وهي تسع وعشرون قصيدة على الحروف المعجمة ومنها القول المرغوب في قوله تعالى فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ومنها العقد المنظم في قوله تعالى واذكر في الكتاب مريم ومنها تفح المنان شرح القصيدة الموسومة بوسيلة الفوز والامان في مدح صاحب الزمان وهو المهدي ومنها القول الموجز في حل الملغز ومنها بلغة المحتاج لمعرفة مناسك الحاج لخص فيه منسك الشيخ عبد الرحمن العمادي مع الزيادة الحسنة ومنها مطلع النيرين في اثبات النجاة والدرجات لوالد سيد الكونين ومنها الاعلام في فضائل الشام ومنها الفرائد السنية في الفوائد النحوية ومنها اضاءة الدراري في شرح صحيح البخاري وصل
فيه إلى كتاب الصلاة ولم يكمله وله غير ذلك من الرسائل وجمع للوزير الفاضل عثمان باشا الشهير بأبي طوق والي دمشق وأمير الحج كتاب السبعة أبحر في اللغة للامام الجليل مير علي شيرنوأبي ونقله من السواد إلى البياض من مسودة المؤلف وحسنه وجعل له خطبة من انشائه ودرس بالجامع الاموي بشرق المقصورة بأمر من شيخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة لما توفي ولده الشيخ عبد الجليل فاستقام إلى أن توفي الشيخ أبو المواهب فبعد وفاته درس بحجرته داخل مدرسة السميساطية إلى أن توجه عليه تدريس العادلية الكبرى فأنتقل اليها ودرس بها وأقام على الافادة في المدرسة المذكورة والجامع الاموي مدة عمره فدرس بالجامع المذكور في يوم الاربعاء في البيضأوي وفي يوم الجمعة بعد صلاتها صحيح البخاري وبين العشائين في بعض العلوم وأنتفع منه خلق كثير وتزاحمت عليه الأفاضل من الطلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام مع تواضع ما سق لغيره في عصره وحسن المجانسة ودماثة الاخلاق وغزارة الفضل والمطارحة اللطيفة ورحل إلى دار الخلافة مرتين وكان ابناؤها يحترمونه وله هناك شهرة بسبب شرحه على تاريخ العتبي المقدم ذكره ورحل إلى الحج مرة وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وصارت عليه تولية السميساطية والعمرية وآخراً صار له قضاء قاراً وأحدث له في الجامع الأموي عشرون عثمانياً وربط عليه خطابة في الجامع المذكور وصار بينه وبين الخطيب محمد سعيد بن أحمد المجانسي المجادلة في ذلك والشقاق وشاعت في وقتها ثم استقر الأمر عليها بعد علاج كثير وقد ترجم المترجم تلميذه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شيخ العلم وفتاه ومن بوجوده ازدان الفضل وتاه أشرق بدراً من افق الهدى تقتبس أنواره وأصبح وهو لمعصم العلى دملجه وسواره فاكتحل به انسان الكمال وتعلقت بذيله من أولى الفضائل الآمال وانقلب به الدهر كله حسنات محمود العواقب في الحركات والسكنات تنهل أساريره بشراً وننفح أردانه نشراً بذكاء لو كان لذكاً لما غيرها الأصيل وأصل في باذخ المجد أصيل وخلق يعلم الحلم الاناءة وشيمة تقابل بالحسنة الاساءة فكم من مغفل فضل أعلمه وكم من مستفيد علم علمه فممن عارفه الا هو أبو عذرتها ولا نادرة الا هو مرهف شفرتها فإذا خاض في مشكل تحقيق حصحص الحق وإذا ابتدر مبحث تدقيق حاز السبق واستحق وإذا ارتقى المنبر سجد له كل مصقع وما تكبر وأما الأدب فهو روضة ذات أفنان الآتي من بدائعه ببدائع أفنان فأساليبه فيه حسنة الانطباع تسوغها الأسماع والطباع وحسبك بمن تأهل للكمالات واعتد من قبل غصن شبيبته يمتد ففاق ببيانه ولسانه وابتهج طرف المعارف بانسانه وتزينة صفحات المهارق بتحريره والتقطت فرائد الفوائد من تقريره وأذعنت لمؤلفاته الصناديد وأودعتها الصدور اشفاقاً عليها من التبديد وكان دخل الروم فتطوقت منه بعقد الثريا واقتدحت من أفكاره زنداً وريا فتلقته رؤساء أعيانها وأحلته منها بسواد أعيانها واقترحت عليه فأجاب بما هو كالصبح المنجاب وقصارى الأمر أنه الفرد الذي عليه المعول والمظهر بمعاني بيانه أسرار الأطول والمطول وهو حدقت عين أساتذتي الذي تحرجت عليه وحبوت للأفادة بين يديه وعطرت أوقاتي بأنفاسه واقتبست نور الأماني من نبراسه وتفيات ظل رعايته عمراً ولم أعص له نهياً ولا أمراً ولي في كل لحظة دعوات أرجو لها الاجابة وتوسلات مقرونة بالضراعة والانابة الا يعتري زهرة أيامه ذبول ولم يبرح لابساً من العمر برداً ضافي الذيول فقد أحلني مكان بنيه ومن يحتوي عليه ويدنيه وهاك من آثاره ما هو أشهى للعيون من الوسن وأفتن للمشجون من الوجه الحسن أنتهى مقاله وكان جدي الشيخ مراد المذكور آنفاً أجل أخصائه ومريديه أخو صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن المنيني وكان قائماً في أمور جدي بالخدمة وغيرها حتى لما بنى المدرسة المعروفة به في سنة ثمان ومائة وألف جعله ناظراً على العمالين والصناع بها وجعله على أوقافها كاتباً وأمين الكتب وغير ذلك من الوظائف وهي الآن على أولادهم وكذلك جدي والد والدي ووالدي بعده لم يزل كل منهما قائماً باحترام صاحب الترجمة كما سبق إلى أن مات وله شعر كثير حسن بديع فمن ذلك قوله من قصيدة مدح بها المولى أسعد مفتي الديار العثمانيةفيه إلى كتاب الصلاة ولم يكمله وله غير ذلك من الرسائل وجمع للوزير الفاضل عثمان باشا الشهير بأبي طوق والي دمشق وأمير الحج كتاب السبعة أبحر في اللغة للامام الجليل مير علي شيرنوأبي ونقله من السواد إلى البياض من مسودة المؤلف وحسنه وجعل له خطبة من انشائه ودرس بالجامع الاموي بشرق المقصورة بأمر من شيخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة لما توفي ولده الشيخ عبد الجليل فاستقام إلى أن توفي الشيخ أبو المواهب فبعد وفاته درس بحجرته داخل مدرسة السميساطية إلى أن توجه عليه تدريس العادلية الكبرى فأنتقل اليها ودرس بها وأقام على الافادة في المدرسة المذكورة والجامع الاموي مدة عمره فدرس بالجامع المذكور في يوم الاربعاء في البيضأوي وفي يوم الجمعة بعد صلاتها صحيح البخاري وبين العشائين في بعض العلوم وأنتفع منه خلق كثير وتزاحمت عليه الأفاضل من الطلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام مع تواضع ما سق لغيره في عصره وحسن المجانسة ودماثة الاخلاق وغزارة(1/135)
الفضل والمطارحة اللطيفة ورحل إلى دار الخلافة مرتين وكان ابناؤها يحترمونه وله هناك شهرة بسبب شرحه على تاريخ العتبي المقدم ذكره ورحل إلى الحج مرة وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وصارت عليه تولية السميساطية والعمرية وآخراً صار له قضاء قاراً وأحدث له في الجامع الأموي عشرون عثمانياً وربط عليه خطابة في الجامع المذكور وصار بينه وبين الخطيب محمد سعيد بن أحمد المجانسي المجادلة في ذلك والشقاق وشاعت في وقتها ثم استقر الأمر عليها بعد علاج كثير وقد ترجم المترجم تلميذه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شيخ العلم وفتاه ومن بوجوده ازدان الفضل وتاه أشرق بدراً من افق الهدى تقتبس أنواره وأصبح وهو لمعصم العلى دملجه وسواره فاكتحل به انسان الكمال وتعلقت بذيله من أولى الفضائل الآمال وانقلب به الدهر كله حسنات محمود العواقب في الحركات والسكنات تنهل أساريره بشراً وننفح أردانه نشراً بذكاء لو كان لذكاً لما غيرها الأصيل وأصل في باذخ المجد أصيل وخلق يعلم الحلم الاناءة وشيمة تقابل بالحسنة الاساءة فكم من مغفل فضل أعلمه وكم من مستفيد علم علمه فممن عارفه الا هو أبو عذرتها ولا نادرة الا هو مرهف شفرتها فإذا خاض في مشكل تحقيق حصحص الحق وإذا ابتدر مبحث تدقيق حاز السبق واستحق وإذا ارتقى المنبر سجد له كل مصقع وما تكبر وأما الأدب فهو روضة ذات أفنان الآتي من بدائعه ببدائع أفنان فأساليبه فيه حسنة الانطباع تسوغها الأسماع والطباع وحسبك بمن تأهل للكمالات واعتد من قبل غصن شبيبته يمتد ففاق ببيانه ولسانه وابتهج طرف المعارف بانسانه وتزينة صفحات المهارق بتحريره والتقطت فرائد الفوائد من تقريره وأذعنت لمؤلفاته الصناديد وأودعتها الصدور اشفاقاً عليها من التبديد وكان دخل الروم فتطوقت منه بعقد الثريا واقتدحت من أفكاره زنداً وريا فتلقته رؤساء أعيانها وأحلته منها بسواد أعيانها واقترحت عليه فأجاب بما هو كالصبح المنجاب وقصارى الأمر أنه الفرد الذي عليه المعول والمظهر بمعاني بيانه أسرار الأطول والمطول وهو حدقت عين أساتذتي الذي تحرجت عليه وحبوت للأفادة بين يديه وعطرت أوقاتي بأنفاسه واقتبست نور الأماني من نبراسه وتفيات ظل رعايته عمراً ولم أعص له نهياً ولا أمراً ولي في كل لحظة دعوات أرجو لها الاجابة وتوسلات مقرونة بالضراعة والانابة الا يعتري زهرة أيامه ذبول ولم يبرح لابساً من العمر برداً ضافي الذيول فقد أحلني مكان بنيه(1/136)
ومن يحتوي عليه ويدنيه وهاك من آثاره ما هو أشهى للعيون من الوسن وأفتن للمشجون من الوجه الحسن أنتهى مقاله وكان جدي الشيخ مراد المذكور آنفاً أجل أخصائه ومريديه أخو صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن المنيني وكان قائماً في أمور جدي بالخدمة وغيرها حتى لما بنى المدرسة المعروفة به في سنة ثمان ومائة وألف جعله ناظراً على العمالين والصناع بها وجعله على أوقافها كاتباً وأمين الكتب وغير ذلك من الوظائف وهي الآن على أولادهم وكذلك جدي والد والدي ووالدي بعده لم يزل كل منهما قائماً باحترام صاحب الترجمة كما سبق إلى أن مات وله شعر كثير حسن بديع فمن ذلك قوله من قصيدة مدح بها المولى أسعد مفتي الديار العثمانية
تذكر والذكر يجد قديمها ... سطور عهود قد تعفت رسومها
فهب به التهيام يسترشد السها ... م إلى ابن امت بالعقائل كومها
الا في سبيل الحب قلب كأنه ... غداة ناؤا وحشية ضل ريمها
سروا عنقاً في ليلة مدلهمة ... تخيلت ان النائبات نجومها
فصرت أرى الأيام تقصر بعدهم ... خطاها كأن قد قيدتها همومها
إلى الله ما بي من بقايا صبابة ... فكادت إذا شبت يبين كظيمها
فمن خلدي لم يبق الا نسيسه ... ومن مقلة لم يبق الا سجومها
ومن شبح لم يبق الا ذمأوه ... ومن أعظم لم يبق الا رسومها
ولما تلاقيا وللعين أعين ... أشد من الهندي فبنا سقيمها
فأيقنت أن لا حتف الا لوامق ... يخال التداني فرصة يستديمها
هنالك من باع الفضائل حلمه ... لعمر العلي بالخرق فهو حليمها
وكم لي من ليلى أمطت به المكري ... أراعي نجوماً راع قلبي رجومها
تحجب عني الفجر حتى كأنه ... سريرة صب لم يزعها كتومها
فبت أراعي النجم فيه وعزمتي ... تشب كنار قد نحاها كليمها
سأضرب وجه الأرض لا أنتحي به ... من المجد الا ما أنتحته قرومها
إلى أن أعاف البدن وهي لواغب ... وأترك غيطان الفيافي تلومها
وأبصر غيلان المنايا تنوشني ... بها الواري أوطار نفسي ترومها
فمن لم يكن ذا همة دونها السها ... فسوف تلاقي نفسه ما يضميها
لعل النجيات الجياد إذا طوت ... من البيد ما لا يطويه نسيمها(1/137)
يجوب بنا بيد أيضل بها القطا ... إلى أسعد المولى الهمام رسيمها
إلى ماجد لم يبرح الدهر واهباً ... رغائب لم يسمح بهن يميمها
يكتم مهما اسطاع جدواه للورى ... وكيف صرار المسك يخفي شميمها
ولا عيب فيه غير أن نواله ... إذا ضنت الانواء فهو سجومها
على الخير مقطور بغير تكلف ... سجية طبع عطر الكون خيمها
ومن لي بأن أرجي المطي على الدجى ... وتدنو بالآمال مني حلومها
لدار هي الدنيا وشهم هو الورى ... وجود هو الانواء سحت غيومها
فما روضة غناء جاد نبالها ... من المغدق الهطال جود يرومها
توالى على أرجائها غير ضائر ... وأمرع ما بين الرياض هشيمها
وظل يباري المندلي عرارها ... ويزهو لعين الناظرين جميمها
كأني قد أسقيتها من محاجري ... حياء سقاها من عيوني عميمها
باندي يداً منه وأبسط راحة ... تمادي على مر الزمان نعيمها
وكم من يد بيضاء من شام نورها ... يقل عاد للدنيا عياناً كليمها
أعد نظراً في وجهه تر بهجة ... هي الشمس لا يسطيع طرف يشيمها
وقوله من قصيدة ممتدحاً بها المولى خليل الصديقي حين ولي أفناء دمشق الشام
ألم والشهب حيرى في دياجيها ... طيف يقرب آمالي ويقصيها
فاعجب له من خيال زار مشبهه ... والعين لم تدن من غمض مآفيها
اني اهتدي المكاني والكري حقباً ... كراه عن وكر جفني ضل هاديها
يزورني والدجى سود غدائره ... وينثني وهي مبيض حواشيها
كي لا ينم على خود ممنعة ... لم يطمع الوهم يوماً في تلاقيها
مهاة حسن كخوط البان ان خطرت ... فالدل يقطر من اعطا فيها تيها
هي الغزالة في أشراقها فلذاً ... تكلف البدر لما رام يحكيها
وشاحها خافق يشكو الصدى أبداً ... من فوق أمواج حقف عم طاميها
وللحجول نعيم لا يزايلها ... يظل بالري غصاناً مجانيها
والحلم في قلبها خلق تزان به ... والقرط يبدي لنا طيشاً وتسفيها
تمشي كما لاعبت ريح الصبا غصناً ... أو كالغمامة تخطو في تهاديها
لولا دجى شعرها ما ضل ذو شجن ... ولا انثنى عن هدي لولا تثنيها
واهاً لقلبي كم يصلي بنار جوى ... وكم يساء بيأس من تجنيها(1/138)
قل للعقيلة من تيماء تحرسها ... بيض الصفاح وسمر الخط تحميها
مالي إذا افتر صبح أو دجى غسق ... أو نص بالعيس يوم البين حأويها
تهزني نشوات من تذكرها ... كأنما أنا للصهباء حاسيها
وتستثير إذا هبت يمانية ... دواعي الشوق مني من أقاصيها
حتى طويت رداء الحلم ممتطياً ... سوابقاً ضل عن رشدي هواديها
فخضت بحر حديد من عشائرها ... وجست غيل رماح من أهاليها
ما خلت أن يطبيني وصل غانية ... ولا يحل حبي حزمي أمانيها
لكن طرفك يا هذي أفاح دمي ... مذموه السحر في عينيك تمويها
اتلفت مهجة من يهواك فاحتملي ... غرماً فقد يغرم الاشياء مرديها
فان أراك ذو جهل وشي فسلى ... فإنما ينبئ الاشياء داريها
هذي شريعة خيراً لخلق ظاهرة ... وذا ابن صديقه بالحق مفتيها
وقوله مشطراً أبيات العارف بالله تعالى الاستاذ أبي المواهب البكري المصري
ما أرسل الرحمن أو يرسل ... من كل خبر للورى يحصل
وما حبا الله لأهل الولا ... من رحمة تصعد أو تنزل
في ملكوت الله أو ملكه ... فوق الطباق السبع أو أسفل
وما من الألطاف حف الورى ... من كل ما يختص أو يشمل
الأوطه المصطفى عبده ... سر الوجود السيد الأكمل
خاتم رسل الله مبعوثه ... نبيه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها ... وليس فيها للسوي مدخل
وكل افضال منوط به ... يعلم هذا كل من يعقل
فلذ به من كل ما تخشى ... تأمن أذى خطب غدا يثقل
ولا تخف سطوة باغ سطا ... فإنه المأمن والمعقل
وناده ان أزمة انشبت ... مخالباً من دونها الأنصل
وقل إذا نائبة علقت ... أظفارها واستحكم المعضل
يا لكرم الخلق على ربه ... وأشرف الرسل الأولى فضلوا
وشافع الخلق بفصل القضا ... وخير من فيهم به يسال
قد مسني الكرب وكم مرة ... قد ضمني من جاهك الموئل
وكم لدى الضيق عن الخلق قد ... فرجت كرباً بعضه يذهل(1/139)
ولن ترى أعجز مني فما ... لدى صبر في البلا يجمل
ولست من ضعفي وما حل بي ... لشدة أقوى ولا أحمل
فبالذي خصك بين الورى ... بانك الخاتم والأول
فصرت ممتازاً على الانبيا ... برتبة عنها العلى تنزل
عجل باذهاب الذي أشتكي ... فقلبي المضني به موجل
مالي سواك اليوم من ملجأ ... فإن توقفت فمن أسأل
فحيلتي ضاقت وصبري انقضى ... وهول أوجالي لا يحمل
وضقت ذرعاً بالذي نابني ... ولست أدري ما الذي أفعل
وأنت باب الله أي امرء ... لازمه فاز بما يأمل
وفضله جم ولكن من ... أتاه من غيرك لا يدخل
صلى عليك الله ما صافحت ... أيدي الصبا قضب الربا الميل
وما أفاحت كل وقت شذا ... زهر الروأبي نسمة شمأل
مسلماً ما فاح عطر الحمى ... مذ جاده صوب الحيا المسبل
وما سرى صبحاً نسيم الصبا ... وفاح منه الند والمندل
والآل والأصحاب ما غردت ... صوادح منها حلا مقول
وما استقلت فوق غصن النقا ... ساجعة املودها مخضل
وقوله
لا تعجبوا أن قلبي عندما نظرت ... عيناي طلعته يصلي لظى الوهج
فوجهه الشمس منا العين قد قبست ... للقلب نار أتسوق الحنف للمهج
والشمس أن قابل البلور طلعتها ... تذكي وتحرق ما مسته بالبلج
وأصل المعنى فارسي ومنه قول الأديب إبراهيم السفرجلاني
اطلاق طرفي في محاسن وجهه ... أذكى الجوى في القلب حتى برحا
فحريق قلبي من زجاجة ناظري ... مذ قابلت من وجهه شمس الضحى
ومنه قول الفاضل المولى خليل الصديقي
ترف كغصن البان يعجب بالبها ... وبوجهه الشمس المنيرة تشرق
فكأن عيني عندما نظرت له ... بلورة فيها فؤادي يحرق
ومن ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
يقولون ما نار بقلبك أوقدت ... ومن أين تأتي النار أدركك السلب(1/140)
فقلت لهم بلورة العين قابلت ... أشعة شمس الحب فاحترق القلب
وقوله أيضاً
قال لي من أحب من أين نار ... هي في القلب منك قلت اعتذاراً
ان عيني بلورة قذفت في ... وسط قلبي من شمس وجهك ناراً
وقوله أيضاً
قابلت عيني شعاعاً لاح في شمس الجبين ... فرمت في القلب نار العشق بلورة عيني
وللمترجم
أقول لما بدا كالغصن يخطر في ... برد حكى الجلنار الغض في الورق
جل الذي فتنة للناس صوره ... قوموا انظروا كيف يسري البدر في الشفق
هو من قول تاج الدين جعفر وقد رأى غلامين على أحدهما ثوب ديباج أحمر وعلى الآخر ثوب أسود
أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق
وفي ثوبين قد صبغا ... صباغ الخد والحدق
فهذا الشمس في غسق ... وهذا البدر في شفق
وقول الآخر
ظبي من الترك يرمي قوس حاجبه ... في قلب ناظره سهماً من الحدق
تضئ في الحلة الحمراء طلعته ... كأنه قمر قد لاح في الشفق
ويقرب من ذلك قول بعضهم في غلام متردي بلباس أزرق
ولما بدا في أزرق من قبائه ... يتيه بفرط الحسن في خيلائه
خلعت عذارى ثم صحت عواذلي ... قفوا وانظروا بدر الدجى في سمائه
وقول الآخر في مليح لابس ثوب أحمر
يا طلعة القمر المنير الأزهر ... يا مقلة الظبي الغرير الأحور
لو لم تكن غصناً لما لاحت لنا ... أعطاف قدك في لباس أحمر
ولبعضهم في مليح لابس ثوباً أصفر
بدا قاتلي في أصفر فتعجب ال ... خلائق منه قال ما في من عجب
لا بي أرى جسمي سبائك فضة ... فأحببت منها أن تموه بالذهب
ولبعضهم في مليح لابس نوباً فستقياً في فستقي اللون لما بدا يميس مثل الغصن المورق من وقد مر على صبه وما الذ المن بالفستق وللمترجم(1/141)
على السر لا تطلع صديقاً ودعه في ... ضميرك عن كل الأنام مصوناً
فان ضمير الفرد مستتر وان ... تثنى تبدي للعيان مبيناً
هو من قول بعضهم
سرك ان أودعته ثانياً ... فاعلم بأن قد آن أن تفشيه
فإن ما اضمر في حالة ال ... افراد تستخرجه التثنيه
وللمترجم
وصفته ببديع من محاسنه ... بدر غدا يخجل الأغصان بالميد
فقام من فرح يسعى للثم يدي ... لما سلكت بمدحي أحسن الجدد
فقلت تفديك مني الروح من فطن ... فاق المها والظبا باللحظ والجيد
قبل فمي يا رشا ان رمت جائزة ... فإنه بفمي قد صيغ لا بيدي
وأصل ذلك يحكي عن عبد الباقي شاعر الروم أنه كان نظم قطعة من الشعر في غلام مشهور بالجمال فلما سمع الغلام القطعة أعجبه ما فيها من التخيل وأقسم أنه يقبل رجله إذا رآه فاتفق انه صادفه في بعض أسواق قسطنطينية وعبد الباقي راكب وجماعته في خدمته فدخل الغلام وأراد يقبل رجله فمنعه من ذلك وقال ما حملك على هذا الك حاجة قال لا وأخبره باليمين الذي حلفه فقال له أنا نظمت الشعر بفمي ولم أنظمه برجلي فخجل الغلام وانصرف ونظم هذه الواقعة الأديب أبو بكر العمري الدمشقي في ثلاثة أبيات وهي قوله
قال لما وصفته ببديع ... الحسن ظبي يجل عن وصف مثلي
مكن العبدان يقبل رجلاً ... لك كيما يحوز فضلاً بفضل
قلت انصف فدتك روحي فإني ... بفمي قد نظمته لا برجلي
وقريب منه قول الصاحب ابن عباد
وشادن جمالهتقصر عنه صفتيأهوى لتقبيل يديفقلت لا بل شفتي
وقوله الوأواء الدمشقي
يا بدر بادر إلي بالكاس ... فرب خيراتي على ياس
ولا تقبل يدي فان فمي ... أولى به من يدي ومن رأسي
وللمترجم
يا مانعاً لزكاة حسن صانه ... وبوجنتيه من الجمال نفائس
أدى زكاة الحسن بوسا أنني ... لبهاء طلعتك الفقير البائس(1/142)
أخذه من قول الآخر الحسن مال له زكاة وعندكم جزؤه الكبير ادوا زكاة الجمال بؤساً فها أنا البائس الفقير ومن نثره البديع ما كتبه بعض الموالي في غرض عرض سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك اليك نفثة مصدور قد خزئها اللسان وبثة مضرور انطوى على شوك القتاد منها الجنان قد كنت في ابدائها شفاهاً أقدم رجلاً وأوخر اخرى ثم رأيت حملها على لسان القلم بي أحرى حذراً من مشافهة ذلك الجناب بما لا يدري الاعتذار هوام عتاب وذلك أن الداعي تشرف منذ قريب بالمجلس العالي لا زالت به مشرقة الأيام والليالي وفاز من كعبة المجد بالتقبيل والاستلام وحيا ذلك المحيا بعد لثم الأيدي بسلام فلما استقرت به زمر الناس وحمل كل منهم على ايناس بعد ايناس شمت منه أعزه الله بارقة أعراض ولمحت من جنابه عين أغماض ووجدت أبواب الأقبال محكمة الأقفال وكواعب الالتفات ممنعة بحجب الجلال ولطالما وردت من ألطافه كل عذب نمير وتنزهت من بشراه ونداه بين روضة وغدير واستضحكت ببشاشة الروض الأنيق ورنحت بنسائم لطفه كل غصن وريق
كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء
فأحدقت بي اذ ذاك الهواجس وتنازعتني الوسأوس وانبثت مطايا افهامي في كل فج عميق وطاشت سهام أفكار في كل مرمى سحيق إلى أن ظهر السبب بما يقضي منه العجب فتمنيت أني كهدهد سليمان لأبرز جلية ما عندي على منصة البيان أو أبوء بالنكال والحسران ولا أتقلب من الكتمان على جمر الغضا وأردد الأمر بين سخط ورضى ومما زاد ذلك ضراماً وملأ القلب كلاماً أنني يوم تشرفت برؤياكم وتوسمت جميل محياكم قصدت الاجتماع بجناب سيدي المولى الأكرم من لا أذكره من الحقوق الا بعهد زمزم لأشكو إليه بثي وحزني وأبين له جلية أمري وشأني فلما آنس مني ذلك سرى كما يسري الطيف الحالك وخرج من المنزل السامي سراً كأنه كلف شيأ نكراً فليت شعري أخالف كريم شيمه أم أخلف عهود كرمه
قد كنت عتى التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملته ... والمرء يشرق بالزلال البارد
تالله أنكم لأهل بيت مرفوع العمد بخفض الجناح للمؤمنين وبذل النصح والمعروف لأهل التقى والدين الطافكم وافرة وصلاتكم غامرة فمن أبدى لكم عقوقاً أو غمصكم منناً وحقوقاً فقد ظلم نفسه وخسر يومه اذ نسي أمسه وتعرض للمقت والهوان(1/143)
وأرتدي بجلباب الردى والخسران وكان كالرأس إذا جحد جسده أو كالسارق إذا عق يده ولكن زادكم الله تثبيتاً وصانكم عن أن تسوموا محباً تعنيتاً هل يحسن منكم بعض الظن بعبيد رق لا يروم فداء ولا من ام كيف تشهر صوارم الأعراض على من لا يطيق مع ذوي وده كفاحاً أو يرمي بالقطيعة أسيرحب لا يريد سراحاً ومن أين يشتبه عليكم من سبكت أيدي امتحانكم نضاره وسبرت بصائر نقدكم أسراره كيف وأنتم ملجأه الأسمي وكهفه المنيع الأحمي واليكم مهيعه ومهر به إذا نشب به من الزمان مخلبه وحاشاكم من ضعف الثقة بأهل المحبة والمقه أو أن بروج عليكم زخرفة كلام أو يستوي عندك التبر والرغام أو يرضيكم تبسم كاشح لم يدر ما وراء برقه أو يقنعكم تمويه ظاهره عما جنه من خلقه فلكم قطوب من وداد خالص وتبسم عن غل صدروا غر وإذا غنم عليكم من سحب هلال رمضانه أو أشكل لديكم شيء من شأنه فالاخرى بأمثالكم أحضاره ثم اختباره واستفساره كيلا تصغو إلى بهتان أو يدنو من سماء مجدكم شيطان ومثلكم لا يخفى عليه الحسن من الشين ولا يلتبس عليه الصدق بالمين وها أنا أبرز القضية بجليتها وأعبر عها بحقيقتها والله المطلع على السرائر العليم بما اكنته الضمائر فان تبين بهذا المقال حقيقة الحال وتميز السراب من الشراب والاه لتربص إلى أن يأتي الله بالبيان ويتجلى الأمر للعيان فهو المزيج لما في الضمير وبيده أزمة التقدير وقلوب بني آدم بين اصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء أنتهى.
وله أيضاً
وصاحب هزني شوق لرؤيته ... ولم تزل ناجيات الوجد تحملن
حتى إذا الدهر يوماً حط راحلتي ... بقربه وأنتهزنا فرصة الزمن
جأورت منزله كيما أنال به ... انسا يزيل صدا الاكدار والحزن
فلم يزدني علي دعوى الطعام كما ... يدعى على سغب ذو الفقر والاحن
لم يقض حقي فما لبيت دعوته ... وما بذلك عار عند ذي الفطن
ودعت من ذاته رسماً وقلت له ... حتى م الوى على الاطلال والدمن
وله راداً على رومي يسمى شهري نعرض لذم أهل الشام بقوله
يقولون شهري قد تجأوز حده ... بتنقص أرباب الكمال ذوي القدر
فقلت إذا كأنت مذمة ناقص ... فتلك كمال ظاهر عند من يدري
وما قد بدا من فيه فيه محقق ... ولا عجز فالنقص من عادة الشهر(1/144)
وله أيضاً
يا شقيق الغزال جيداً وطرفاً ... أنت باللحظ قاتلي وحياتك
أنني نائل الشهادة حتماً ... بسيوف الجفون من لحظاتك
ما لقلبي يصلي من الخد ناراً ... تتلظى في جنتي وجناتك
قد تركت الكماة بين قتيل ... وصريع لم يصح من سكراتك
وإذا ما تثنيت تخطر تيهاً ... كان حتف العشاق في خطراتك
كيف يرجو النجاة من رشقته ... بفتور تلك العيون الفواتك
تستلذ لقلوب منها احوراراً ... وهو أمضى من السيوف البواتك
من جفك المديد صبري جفاني ... ونفار المنام من نفراتك
لم يكن لي إلى سواك التفات ... فتدارك وأو ببعض التفاتك
لم يدع لي جفاك غير ذماء ... وبه قد سمحت في مرضاتك
أنت في الحل من دمي وبروحي ... مع أهلي أفدي بديع صفاتك
وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والنثر البديع والعنوان يدل على ما في لصحيفة وكأنت وفاته في يوم السبت تاسع عشر جمادي الثانية سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر أولاده عبد الرحمن وعلي وإسماعيل ان شاء الله تعالى والمنيني نسبة إلى قرية منين من قرى دمشق ولد بها هو ونشأ وأصله من برقائيل بكسر الباء الموحدة وسكون الراء بعدها وقاف ثم ألف ثم ياء مثناة تحتية مكسورة ثم لام قرية من أعمال طرابلس الشام كان والده ولد في برقائيل المذكورة في سنة ثمان وعشرين وألف ثم ارتحل وسنه احدى عشرة سنة إلى دمشق الشام وتوطن بصالحيتها واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم العلامة الشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ علي القبردي الصالحي وتفقه على مذهب الامام الشافعي ثم ارتحل إلى قرية منين المذكورة في سنة ست وأربعين وألف وكان مرجعاً لأهل تلك القرية وغيرها بالفرائض وتوفي بالقرية المزبورة في سنة ثمان ومائة وألف ودفن بها والله أعلم.
أحمد السعيد المرادي
أحمد السعيد ابن علي بن محمد بن مراد بن علي بن دأود وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم المرادي الحسيني الدمشقي الحنفي أبو المجد رشيد الدين أخي المولى الامام الأجل العالم الفاضل العديم المناظر والمناضل الذكي النبيل النبيه(1/145)
الأديب الألمعي ولد بدمشق سنة خمسين ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ سليمان بن محمد أبي الدنيا بن جمال الدين المصري المقري وعلى الشهاب أحمد بن عبد اللطيف التونسي المغربي وتلاه وحفظ بعض المتون وقرأ في الفقه والتفسير والنحو وأخذ علم التفسير الشريف والحديث وبقية العلوم من منطوق ومفهوم عن أجلاء منهم الامام علاء الدين علي بن صادق بن محمد الطاغستاني الحنفي تريل دمشق قرأ عليه الكثير والشيخ أحمد أثير الدين بن عبيد الله بن عبد الله العطار الشافعي وأنتفع به وأبو الفتوح البرهان إبراهيم بن عبد الله السويدي البغدادي وجده لأمه الامام الكبير أبو النجاح أحمد بن علي المنيني الحنفي والشيخ الفاضل محمد ابن حسين الحصاري الحنفي وغيرهم وبرع وتفوق وكان له ذكاء تام وحذق زائد وقوة حافظة وسرعة حفظ ومتانة مع حسن الأخلاق ودماثة الطبع ونظافة الملبوس وحسن المطارحة والصحبة وجودة الخط وسرعته وكثرة العقل وحسن التدبير والادراك التام وكان الوالد يحبه كثيراً ويثني عليه ويجله وصرفه بأملاكه وعقاراته كيف شاء وأذن له بتعاطي أموره وادارة دائرته فتعاطى ذلك وباشره طبق رضاء الوالد وكان لا يخرج عن ارادته بأمر من الامور ويكلفه الوالد إلى أشياء لا يطيق حملها أحد وهو يتلقاها بالبشاشة والقبول ومع ذلك واشتغاله بامور والده الجلائل كان لا يشغله عن المذاكرة والمطالعة شيء ولا يفتر عن تعاطي مطارحات الأدب بين أصحابه واخوانه ولما كان الوالد يقري الهداية في السليمانية كان يعيد له الدروس واشتهر فضله وأدبه ونبله واعطاه الله القبول وأحبه الناس وذهب إلى دار السلطنة قسطنطينية مع والده وجده وإلى القدس والخليل وعمر الدار التي هي بالقرب من دارنا جوار الحمام العقيقي وصرف عليها المال الكثير وزينها أنواع النقوش وأحجار الرخام واتقن صنعها ولما مات استوحش منها الوالد وباعها بأبخس ثمن وكان يحبني ويودني ويبذل جهده في مرضاتي رحمه الله تعالى مع أنه هو الاكبر سناً وقد رأو كان ينظم الشعر وينثر الاسجاع في الرسائل التي تصدر عن والدي وشعره قليل منه هذه الأبيات نقلتها من خطه
لقد كنت أهواها ولم أدر ما الهوى ... وزاد غرامي الآن والعين تدمع
ومذ علمت أني شغفت بحبها ... جفتني صديقي دلني كيف اصنع
وان شئت أن أسلو هواها بغيرها ... فلا مقلتي ترقا ولا الاذن تسمع
فقل لي خليلي هل إلى الوصل شافع ... إلى مالكي أم هل إلى القرب مهيع(1/146)
قوله هل إلى الوصل إلى اخره مأخوذ من قول بعض المتقدمين
ألا ليت شعري هل إلى الوصل شافع ... إلى أشعري حرت في وصفه الجلي
فنعمان خديه لقلبي مالك ... ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي
وأحسن منه قول الآخر
قلت وقد لج في معاتبتي ... وظن ان الملال من قبلي
خدك ذا الاشعري حنفني ... وكان من أحمد المذاهب لي
حسنك مازال شافعي أبداً ... يا مالكي كيف صرت معتزلي
ولما أراد الوالد الحج سنة ثمانين ومائة وألف كتب للأبواب السلطانية ذلك وطلب الاذن فرسم له بالاذن وأن يكتب على مسائل الفتوى ولده أخي المترجم فعزم على الحج وتعاطى لوازم الطريق ثم ان الأخ في غضون تلك الأيام مرض وازداد به المرض حتى مات صباح يوم الاربعاء رابع شوال من السنة المذكورة ودفن داخل دارنا في مدرسة الجد النقشبندية البرانية في محلة سوق صاروجا واجتمع للصلاة عليه وعلى دفنه جميع علماء وكبراء وامراء دمشق ودفنه الوالد بيده وحزن لفقده كثيراً لكنه لم يبد جزعاً وصبر واحتسب وأقام عمي المولي الأجل حسين المرادي مكانه وحج وأنا معه وحزن الناس لفقد الأخ وكثر عليه يوم موته العويل والبكا وكان من نجباء عصره وأفراد مصر، ورثاه جماعة من الادباء أنشدني من لفظه لنفسه صاحبنا الأديب شرف الدين مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد اللوجي الشافعي الدمشقي هذه القصيدة
اجمر الغضا بين الجوانح مضرم ... ام الحزن في الاحشاء جاش له الدم
ام الدهر أودت نائبات صروفه ... فقلب البرايا بالأسى منه مفعم
يؤلمني الفقد المشت فانثنى ... وأدمع عيني كالغمائم سجم
ويحسب مسرور الفؤاد من انطوى ... على حرق والقلب منه مقسم
الا في سبيل الله نفس زكية ... وراضية مرضية وهي ترحم
هو الدرة العلياء قدراً وقيمة ... وجوهرة الفضل التي لا تقوم
سأعتب هذا الدهر لو كان يرعوي ... لعتبي أو يصغي لقول ويفهم
لما ذاد هاه بالمنية بغتة ... وكان التروي واجباً والتلزم
وما هي الا فلتة منه افلتت ... واحسبه من بعد ذلك يندم
قضى الله أن يقضي لشرخ شبابه ... فتى وفتى يبقى إلى حين يهرم
وذلك ما لا بد منه وكلنا ... مطيع لأمر الله حقاً مسلم(1/147)
فأين الورى من عهد حوى وآدم ... إلى عهدنا بل أين حوى وآدم
فنحن وهم في الموت في حكم واحد ... ولكن تأخرنا وهم قد تقدموا
وانك فيه قد أصبت وان تكن ... مصيبتك العظمى فاجرك أعظم
فصبراً جميلاً سيدي ولك البقا ... ولا ريب رب الخلق بالخلق ارحم
فأي قلوب لم ينلها تقطع ... وأي نفوس لم ينلها تألم
وأي عيون لم تفض يوم فقده ... تترجم عن حزن وبالدمع ترجم
وعاد مغنى الطير في الجو نائحاً ... عليه وصار الموج في البحر يلطم
يسومونني الصبر العزيز مناله ... وأبى يطاق الصبر والصبر علقم
أمولاي لا تحزن لنجل فإنه ... هو اليوم في جنات عدن منعم
إذا كان رب العالمين بذا قضى ... فصبراً لما يقضي الاله ويحكم
وأنت الذي تهدي الورى وتدلهم ... على الصبر حين الأمر يدهى ويدهم
سقى قبره عفواً وغفراً ورحمةً ... ومن كوثر المختار يسقى ويكرم
أحمد المدني
أحمد بن علي المدني المدرس بمدرسة رستم باشا الشيخ الفاضل العالم الأوحد المفنن البارع في العلوم معقولاً ومنقولاً أبو العباس نجيب الدين ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الصفي القشاشي وغيره وفاق أقرانه حتى صار نادرة الدهر ووحيد العصر وألف مؤلفات نافعة منها شرح البسملة في مجلد ضخم وشرح على الاجرومية وشرح على الايساغوجي في المنطق وغير ذلك وكان ولوعاً بجمع الكتب وتصحيحها حتى ما دخل تحت يده كتاب الا وصححه وكتب على هوامشه وكان له اطلاع تام على علم اللغة وكان في الغالب يتتبع الالفاظ الغريبة في خطبه لعقود الانكحة وفي مكاتباته ومراسلاته وكان يؤم بالمسجد الشريف النبوي ويدرس به وأنتفع به جملة من الطلبة وكأنت وفاته في المدينة المنورة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع.
أحمد النفرأوي
أحمد بن غانم القاهري المالكي الشهير بالنفرأوي الشيخ الامام العالم العامل المحدث الفاضل الفقيه المفنن أفضل المتأخرين أخذ عن الامام الشمس محمد البابلي وطبقته وكان فرداً من أفراد العالم علماً وفضلاً وذكاء وأخذ عنه الشهاب(1/148)
أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري وأبو ربيع سليمان بن عمر البجيري وغيرهم وكأنت وفاته يوم الجمعة مع أذان العصر عاشر ربيع الثاني سنة عشرين ومائة وألف ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
أحمد الأسقاطي
أحمد بن عمر القاهري الحنفي الشهير بالأسقاطي الشيخ العالم الفقيه المفنن أخذ عن جماعة كالشيخ عبد الحي الشرنبلالي ومحمد أبي السعود والشهاب أحمد الخليفي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وأخذ عنه المسند نور الدين علي بن مصطفى الميقاتي الحلبي الشافعي وأجاز له في ختام رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وكأنت وفاته سنة 5.
أحمد البكري
أحمد بن كمال الدين بن محي الدين بن عبد القار بن حسن بن بدر الدين بن ناصر الدين ابن محمد شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين بن محمد وينتهي إلى الخليفة الأول امام الأئمة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه الدمشقي الحنفي سبط آل الحسن رضي الله عنه قاضي القضاة نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية كان عالماً علامة مفنناً صدراً رئيساً محتشماً فقيهاً أديباً لا يخلو مجلسه من الفوائد العلمية نير الشيبة بهي المنظر غزير العقل ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين بعد الألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة بهمة علية منهم الشيخ رمضان العكاري والشيخ محمد المحاسني والشيخ منصور المحلي وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروس الحافظ النجم الغزي العامري ويرع وساد وظهر منه فضيلة وكساه الله تعالى حلة الرياسة من مبدأ أمره فولى نيابة الباب والقسمة العسكرية وارتحل إلى الروم إلى دار الخلافة والملك ولازم على قاعدتهم من المولى شيخ الاسلام محمد الأسيري وبعد عزله عن مدرسته بأربعين عثماني وجهت إليه مدرسة الجقمقية الكائنة بدمشق مع اعتبار رتبة موصلة الصحن ثم سافر ثانياً إلى الروم وفي سنة أربع وتسعين بعد الألف في رجب أعطى مدرسة مولاي خسرو كتخدا بابتداء الداخل ففي رمضان من السنة المذكورة أعطى مدرسة روم محمد باشا وفي سنة خمس وتسعين في جمادي الآخرة أعطى مدرسة بيري باشا وفي سنة ست وتسعين في شعبان أعطى أحد المدارس الثمان ففي سنة ثمان وتسعين في ربيع الأول أعيد إلى مدرسة بيرباشا برتبة(1/149)
ابتداء التمشلي وفي سنة تسع وتسعين في شعباتها أعطى مدرسة شاه سلطان ففي سنة اثنين ومائة وألف في رجب أعطى قضاء المدينة المنورة فلما عزل منها سنة ثلاث قدم دمشق مع الحاج فلما كان من ذي القعدة من سنة أربع ومائة وألف أعطى قضاء دمشق الشام ولم يتفق ذلك لغيره وصار له في ذلك كرامة وهي في الحقيقة كرامة الصديق رضي الله عنه وهي ان جماعة من أعيان دمشق كان بينهم وبينه مخاصمة من جهة وقف فرتبوا أنهم في ثاني يوم يشتكون عليه لقاضي الشام ففي عصر ذلك اليوم جاءه منصب القضاء وهو في داره فركب وجاء إلى المحكمة وأبرز المنشور السلطاني بتولية القضاء ثم عاد إلى داره بقرب المارستان النوري ونقل مجلس الحكم اليها أياماً حتى ارتحل القاضي المعزول وباشر القضاء بعفة ونزاهة وتودد للناس وعدم محاباة في لحق ثم عزل عنها وسافر إلى الروم فولي قضاء بروسة في محرم سنة تسع ومائة ولما عزل في ربيع سنة عشرة ارتحل إلى اسلامبول وأقام بها ثم في ربيع الآخر سنة خمس عشرة ومائة وألف ولي قضاء مكة المكرمة وقدم إلى دمشق في شعبان من السنة المرقومة وحصل لأهل دمشق سرور عظيم في ذلك وامتدح بالقصائد الغر فممن امتدحه الأديب عبد الحي الخال بقوله
انادية الافراح أضحت تغرد ... بأندية المجد الأثيل تردد
وصوت المثاني والمثالث ما بدا ... لسمعي ام اسحق أم ذاك معبد
أم العود لا بل ذاك صوت مبشر ... يبشرنا بالعود والعود أحمد
بمقدم مولى دون صهوة طرفه ... منال الثريا لا يطأولها يد
امام إذا ما رمت نعت صفاته ... فذلك شيء من علا الشمس أبعد
رقى من ثنيات العلوم بواذخاً ... لها في تخوم الفكر أصل مؤطد
إلى كعبة العلم الذي صار صدره ... لها حرماً فهام ذي الفضل تسجد
وطود فخار قد تسامت به العلى ... وبدر علوم للاضاءة يرصد
وبحر نوال لا يضاهي خضمه ... وشمس معال عندها تقصر اليد
ونجل أبي بكر وناهيك محتداً ... رفيعاً له الجوزاء تعثو وتحسد
إذا قيل من في الناس أو في عزيمة ... من الشم ثم البحر والبحر مزيد
لقلنا الذي لو صادف الدهر مغضباً ... لولي وجيش الدهر منه مشرد
وذاك ابن خير الخلق بعد محمد ... كذا قال خير لخلق عنه محمد
لقد شرفت منه معاهده التي ... بأركانها ضاءت نجوم وفرقد(1/150)
ونيطت عليه في مهاد العلا بها ... تمائم عز بالفخار تقلد
أمولاي فيك السعد عاد لنا كما ... أعاد وبالآمال بالخصب أسعد
وردنا عطاشاً بحر نائله ومذ ... صدرنا فنادانا الندى منه ان ردوا
فلو أن قدرنا أن نشخص شكرنا ... على فضله الطامي الذي لا يحدد
لمثلته لكن شكري له ابتدا ... بلا آخر كالبحر والله يشهد
وحمدي له حمد لديك مقدم ... ومن يك ذا نجل كهذا فيحمد
فاهلاً على مر الزمان ومرحباً ... بمولى على كل الموالي يؤيد
اليك أتت خود من الفكر أنتجت ... معان لها حبي القديم يولد
فخذها كحوراً لخلد حشا ورتقاً ... خويدمة والذكر فيها مخلد
وهاك نظاماً جاء كالنظم باهراً ... بأفق معاليك السعيدة يرشد
بقيت كما تختار مولاي راقياً ... إلى رتبة نيران ضدك تخمد
ودمت الدهر ما قامت سويجعة الهنا ... على فنن الاقبال يوماً تغرد
وكتب إليه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ثالث يومق دومه هذه الأبيات ومعها أرسل له هدية طبقين كبيرين داخلهما حلوى تسمى كل واشكر واخرى نسمي معمولاً مع التضمين في الأبيات
ان الحلأوة في شعبان نهديها ... بمقتضى ما أشارت من معانيها
فان شكري لكم معمول حضرتكم ... عسى القبول أراه من مساعيها
أهدت سليمان يوم العرض هدهده ... جرادة قد أتته وهي في فيها
وأنشدت بلسان الحال قائلة ... ان الهدايا على مقدار مهديها
لو كان يهدي إلى الانسان قيمته ... لكان يهدي لك الدنيا وما فيها
ثم سافر مع الحاج إلى مكة فعزل عنها في سنة ست عشرة وارتحل مع الركب المصري إلى مصر القاهرة فتوفي يوم دخوله اليها وهو الخامس والعشرون من محرم افتتاح سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة أسلافه السادة البكرية بالقرافة في قبر الاستاذ الشيخ زين العابدين الصديقي المصري المتوفي قبله في سنة سبع ومائة وألف وأرخه بعض علماء مصر بقوله مات قطب كبير بمصر وسيأتي ذكر ولده أشعد وحفيده خليل وقريبه مصطفى وبنو الصديق بدمشق نسبتهم من جهة الامهات للنبي صلى الله عليه وسلم فان والدة جدهم الكبير أحمد المعروف بزين الدين شريفة ونسبتهم منها وأول من قدم منهم(1/151)
من مصر إلى دمشق الشيخ محمد بدر الدين جد المترجم المذكور ونسبتهم إلى الصديق شاعت وذاعت وناهيك بنسبة لم يبق من العلماء الأقدمين الأجلاء المشهورين أحدا لأوشهد بحقيقتها وصحتها أنتهى والله أعلم.
أحمد العكي المعروف ببطحيش
أحمد بن بكر بن أحمد بن محمد بطحيش العكي الحنفي مفتي عكا وعالمها ومحيي ربوعها ومعالمها العلامة الامام المؤلف المحرر التحرير ولد في سنة خمس وتسعين بعد الألف وله من التآليف فتأويه المشهورة الملقبه باسمه وله حاشية على تنوير الأبصار بالفقه وله الألفة الجيبية في علم الميقات وشرح منظومة ابن الشحنة في الفرائض وله مختصر السيرة الحلبية وله حاشية على نزهة النظار في علم الغبار في الحساب وله شرح على ملتقي الأبحر في الفقه وله بعض أشعار رائقة رحمه الله تعالى وأنا أذكر من شعره شيأ فمن ذلك قوله
سبقت فما شق الغبي غبارها ... وسمت فما بلغ البليغ مدارها
وسرت مساري النجم وهي مصونة ... عن درك غير ذوي النهى أسرارها
وتحجبت ببراقع شيحية ... وتسربلت رند الربا وعرارها
وحشية ترعى بقيعان الغضا ... قيصومها وبريرها وبهارها
ما أوجبت في النفس نبأة خاتر ... الا استزادت بالوجيش نفارها
عجباً لها كيف البصير وقد نأت ... عن ذي البصيرة حأول استبصارها
وأهله من ذي شطاط عاسف ... لم يهد من طرق الرشاد منارها
أيروم اطفاء بكل أفيكة ... من بوح مع برح الخفا أنوارها
كيف السبيل لنقض أهرامية ... نقل الوشاة إلى الورى أخبارها
وحدا بها الحادي بكل تنوفة ... فيما يحأول ذا العيار سرارها
بجعاجع لو جسمت من عنبر ... واستاقها الجاني لمج خيارها
غفل فلا معنى يروق لناظر ... فيها ولا سبك يزين فقارها
لو كنت معنياً بقول زعانف ... لأمطت عن تلك العقيم خمارها
وكشفت عن تلك المريبة جلها ... لترى البرية عرها وعوارها
لكن رأيت من السفاه مسامها ... عبثاً وان من المجون سبارها
وكفى بمطلعها الركيك وتلوه ... مهما أبانا للغي شنارها
وانظر لهاذك النسيب ترابه ... عنفاً يطير من النفوس شرارها(1/152)
وكفى بمخلصها المشوب رقاعة ... ومتى جعلتم في الثغور مدارها
قل لي متى ألقى الزمان قياده ... لذويك سقيت المنون خمارها
أوما شعرت بضد ما برقشته ... حيث الزيادة جأوزت مقدارها
ما أنت في علياء معد معرقاً ... كلا ولم تك في الفخار نزارها
لو نافرتك بنو شهاب في العلا ... هل تستطيع هبلت أنت نفارها
هل طوقوك بمنة وبضدها ... لولا عوالينا استدمت مرارها
فهم إذا عد المفاخر مصقع ... كانوا من الجل الكرام كبارها
فاسال معاشرك الكرام فانهم ... أدرى بمن فك الأسار صغارها
فهم الأولى تخذوا العوافي سنة ... واستسهلوا من صعبها أوعارها
وسواهم أن رام ذاك فمقتف ... تلك الحجاحج تابعاً آثارها
وهم الأولى قد عودوا سمر القنا ... والمرهفات طوالها وقصارها
فأعرف ولا يجديك ما لم ترعوي ... ان الحمية حركت أوتارها
فمن الذي يحمي حماها عنوة ... ان غضها أهل الهوى أخبارها
ومن الذي منا استحل أو أقتدي ... ومن الذي تلك الحروب أثارها
ومن الذي بادي بظلم واعتدي ... بالجاهلية وأستحل فجارها
أمحأوراً نعمي ولست بمحشن ... يا لا نعمت جوارها وحوارها
سأورت نعماً لست من أكفائها ... ثكلتك امك لو عرفت نجارها
لولا ذكرت صرامها وغرامها ... فصغرت عن ذكراكها ومزارها
أتقول نعمي أعرضت لا عن قلا ... منها وهذا موضح أعذارها
أخطأت لو تدري مداراة المها ... حتى أثرت بذا اللحي أوغارها
فلئن قلتك فرفض مثلك ما عدا ... عين الصواب وقد خفرت جوارها
لا بدع من خطأ الصواب وما درى ... ان سيم من خطط الهوان جدارها
هب أن لا حرج عليك كما ترى ... لكن قرونتك أعرفن مقدارها
أن رمتموا عد السوالف منكم ... لم تبلغوا مما لنا معشارها
وقوله
سايل بناحينا الأدنى بنا نسبا ... أو في البرية عهداً خيرهم نسبا
الحادبون علينا حيث لا حدب ... والمانحون تراث المجد والنشبا
والزايلون الردى عنا إذا اشتبكت ... سمر العوالي وأذكت زرقها اللهبا
حيث اطلخم الوغى والبيض بارقة ... والقلب تقذف من أقطارها شهبا(1/153)
وانصاع عنها اللجايا صوع نافرة ... من النقا درأت في إثرها طلبا
والبهم فيما ترى أما من أولها ... مختار حتف وأما ممعن هربا
لم يبق فيها سوى حامي حقيقته ... ان طاش ذو الحلم في آزيها رسيا
والضاربون الطلي بالبيض عن عرض ... والها تكون فروج الزعف واليلبا
ورب ملمومة الأطراف تحسبها ... بحرا تسمع في لجاته لجبا
قد مزقوها بطعنات مملكة ... مثل الشجا في لهاة الحلق قد نشبا
ما ضاق ذرعاً قليل المال عندهم ... بل ينقمون ثريا عندهم وهبا
كأنما الجود لم يخلق لغيرهم ... طبعاً فلله منجاب وما نجبا
ان كان أبقى النوى فيهم أواصرنا ال ... قربى ولم يخرموا من ودهم سبيا
واستنطق الحال من تلك الأسرة عن ... طي السريرة ان بشرأوان غضبا
فإن رأيت مكان القول ذا سعة ... فبث شوق شبج للنازحين صبا
وقل تركت أمراً أعيت مذاهبه ... وصبره من توالي صدكم ذهبا
فإن يكن ذاك تأديباً ترون له ... فحسبه بعض ما لاقى بكم أدبا
أو كان فيما أتى فيمن أتى فله ... أبوة من أبى الضيم نعم أبا
أو لا يكن ذا ولا هذا فعدلكم ... أربى ولن يعدم الراجي بكم أربا
هب أنه قد تعدى فوق ما نقلوا ... وكل ما قد أتاه قبل ذاك هبا
الست تعلم أن الصفح مغنمة ... سيما الكرام وأن تربو الذنوب ربا
فأدركوا من تداعي جسمه أسفاً ... لم يبق غير لفاً منه وقد كربا
لا تجعلوا كأسه في الرعد أولها ... وحظه جذا أتلى آية بسبا
فليت لوان تريثتم بما أنتحلوا ... حتى تبينتم من جاءكم بنبا
لكن في القدر المحتوم متبعة ... يجري المدار بانفغاذ الذي كتبا
هذي الليالي وقاك الله سوأتها ... كم أبدعت في بنيها خطة عجبا
تباين الخلق شتى في مذاهبهم ... ولم يحوموا على سر هناك خبا
بينا ترى المرء مغبوطاً بنعمته ... حتى تراه وشيكاً شاحباً عطبا
ان البصر بها من بات ينظرها ... وان زهت لذويها معبراً خربا
وأعتد للسير عنها والرحيل إلى ... دار البقاء فكم قاص بها قربا
والدهر مكتنع للوثب مجتمع ... فإن رآ رصة من غافل وثبا
لله يبقى على الأيام ذو حيد ... فاستبق ذكراً جميلاً للنجاسيا
لا زلت مقتدر اللعفو معتذراً ... عمن أتى راغباً وأفاك محتسبا(1/154)
تحمي النزيل وتهمي بالجزيل وبال ... صفح الجميل تبذ الستبق العربا
وله غير ذلك من الشعر وكأنت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
أحمد شاكر الجكواتي
أحمد بن عمر بن عثمان المعروف بالشاكر الحموي نزيل دمشق الحنفي الشيخ أبو الصفا فائق الدين الامام العالم الفاضل الصوفي الأديب البارع الشاعر الناظم الناثر أحد الشعراء المشهورين بالصناعة والبلاغة والموصوفين بالنباهة والنباغة ولد في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وقرأ الفنون والعلوم وأكثر من الأدب ومن أول أمره خرج من بلدته ودخل البلاد وطافها وأجتني من بواكر اللذات قطافها ودخل حلب وبغداد والموصل وطرابلس واللاذقية والقدس ومصر ومكة والمدينة وغيرها من السواحل والثغور ودخل غالب امهات البلاد وعلى قوله انه دخل الهند والعجم والروم وتلك البلاد كما أخبرني ولما كان بحلب أعتنى به هلها وجرت بينه وبينهم مودة والمبادي والمراجع الشعرية والمطارحات الأدبية وامتدح أعيانها ورؤساءها وصارت له شهرة وأحبوه ثم ما دخل مصراً الا وامتدح أعيانها وعلماءها واجتمع بهم وسأجلهم وسأجلوه وأحبهم وأحبوه وفي أواخر أمره قطن دمشق وكان دخلها أولاً مع والده واستوطنها بأهله وكأنت داره في الصالحية بالقرب من السليمية وامتدح أعيان دمشق وكبراءها واشتهر فضله وأدبه واعتبره أهلها وفي أيام سياحته وطوافه في البلاد وسبره الأغوار والأنجاد اجتمع بشيوخ العصر من كل واد وأخذ عن كثير من الأجلاء والأفراد لا يحصيهم الحصر والتعداد ومدائحه فيهم كثيرة عدة يحتويها ديوانه الكبير المشتمل على أشعاره وكان ينقل نوادر وأخبار أو حكايات غريبة وقعت له ورآها في أسفاره حدثني بكثير منها وفي أول أمره تعاطي بدمشق نظم الأشعار والأزجال والموشحات والقصائد والأبيات واصطحب مع الكثير من أهلها وتعاني عمل الكيمياء وأتلف أوقاته بها وانغرم معه جماعة كثيرون وصرفوا أموالهم ولم يرجع عن عملها حتى مات وكان ذلك هو السبب الأعظم لفقره ورثاثة أثوابه وضعف بصر وابتلائه بالأمراض ولازمه جماعة كثيرون من دمشق وغيرها وأخذ وأعنه التصوف وبعض الفنون وكان يقري دروساً خاصة في داره آخر أمره وفي أول أمره تقلبت به الأحوال ورمته الأيام بالبوائق والأهوال حتى أفضى به الحال إلى أن صار في بعض بيوت القهوة ينقل الحكايات والوقايع ويبدي(1/155)
النوادر واللطائف في أقبح المواضع مع فضله وأدبه الذي لا ينكر ثم ترك ذلك ولازم مطالعة كتب السادة الصوفية وكتاب الفتوحات لأبن العربي رضي الله عنه وغالب كتبه وكتب شيخه الاستاذ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي الحنفي المعروف كأسلافه بالنابلسي ولزم الأنفراد والعزلة وكثرت عليه الأمراض وصار الناس يزرونه في داره ويجتمعون به هناك حتى مات اجتمعت به كثيراً في مجالس والدي وبعد موت والدي كان يأتي الي ويزورني من الصالحية ويمدحني بقصائده وأبياته ويحدثني بوقائعه وحكاياه ويسمعني أشعاره ويتحفني بنوادره وفوائده وكنت أوده وأحبه وهو ممن أخذ الطريقة النقشبندية عن جدي العارف بهاء الدين محمد مراد البخاري المرادي وأنتفع بفضائله وحفته بركاته وله في الوالد والجد المدائح الحسنة ذكرت أكثرها في كتأبي مطمح الواجد في ذكر أحوال الوالد الماجد وكنت طلبت من صاحب الترجمة ديوان أشعاره وهو في ثلاث مجلدات سماه حانة العشاق وريحانة الأشواق فنالنيه من يده مجلدة بعد أخرى حتى أتممت مطالعته وهو عندي الآن نسخة منه كتبتها عن الأصل الذي نأولنيه المترجم وصححته عليه ولما مات أبيعت كتبه فاشتراه أحد الطلبة وصار يمدح الأعيان والعلماء بقصائده ويدعى معرفة الشعر ويسرق من الديوان وينسب ذلك إليه حتى اشتهر بدمشق ثم بعد سنين مات هو أيضاً فخرج بين كتبه وأبيع واستكتبت عنه النسخة الموجودة عندي وظهر للناس جلية أمره ويشتمل على سبعة أبواب الباب الأول في نظام كلام الحقيقة الباب الثاني في مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم الباب الثالث في مدح الآل والأصحاب والأولياء العارفين الباب الرابع في الغراميات والغزليات والخمريات الباب الخامس في مدائح الأعيان من العلماء والفضلاء وغيرهم الباب السادس في الأحاجي والمعميات والألغاز الباب السابع يشتمل على القوما والمردوف وكان وكان والزجل المشعر والملحون وكل غريب من هذه الفنون هذا ما عدا قصائد وأبيات وأهاجي صدرت على سبيل الارتجال وواقعات حال لم تحرور لم تقيد تنوف عما جمع وبالجملة فقد كان أكثر أهل وقته نظماً واقتداراً وكل نظمه مليح وقد ذكرت هنا من
شعره ما سمعته من لفظه وكتب لي به توفي يوم الأربعاء غرة شهر صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالسليمية ودفن في مقبرة سفح جبل قاسيون ومن شعره المسموع من لفظه والمنقول عن خطه قوله في المديح النبويعره ما سمعته من لفظه وكتب لي به توفي يوم الأربعاء غرة شهر صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالسليمية ودفن في مقبرة سفح جبل قاسيون ومن شعره المسموع من لفظه والمنقول عن خطه قوله في المديح النبوي
أشرف الأنبياء والرسل دارك ... ملتجي خائفاً ألم بدارك
جاء يشكو اليك ما يلتقيه ... من زمان صعب اللقاء معارك(1/156)
يدعى الخير وهو في الشر هأو ... فاهده للهدى بنور منارك
خطفته الأهوال في ساحة الأه ... واء فانجده سيدي باقتدارك
قد تعرى من الفلاح وضلت ... نفسه والضلال يعمي المدارك
حاش لله أن تخيب عبداً ... عائذاً لائذاً بطول فخارك
كيف يشقي ويقهر الضر قلباً ... يجتني يانع الوفا من ثمارك
كيف يهوى إلى الهوان كئيب ... يطلب الورد من فيوض شعارك
أو لست الغياث والعروة الوث ... قى لمستمسك بحبل مصارك
فيما قد أوليت من رتب المج ... د كمالا وماعلا من مطارك
وبمسراك حيث صليت بالرس ... ل وأهل السماء في أنتظارك
وبما قد حباك ربك تخصي ... ص كمال لم يرض فيه مشارك
وبسر بلغته بعد أن قم ... ت تجر الجمال في أطمارك
وبعلم من قاب قوسين أدني ... ت إليه قربا لدى جيارك
وبكشف الحجاب لما تدلي ... لك وصلى وأنت في أسرارك
لا تكلني أرجو سواك ملاذاً ... عند ربي وأنت للقصد تارك
لا تدعني مع غربتي وافتقاري ... أرتجي الغير دون غيث أنتصارك
أنت سر الوجود لجة بحر ال ... جود والفضل رشح طامي بحارك
ووجود الأكوان والعرش والكر ... سي واللوح من سنا أنوارك
صل ربي عليه والآل والصح ... ب جميعاً وأنعم وسلم وبارك
وقوله مخمساً قصيدة الفتح النحاس
برق أهاج سحاب الدمع لائحه ... والقلب يرعد والاحشا تكافحه
والصب مذبان في الذكرى فوادحه ... تذكر السفح فانهلت سوافحه
وليس يخفاك ما تخفي جوائحه
حال المشوق جلي غير منكتم ... والوجد يظهره ناراً على علم
فلا تلم أن هما دمعي بمشجم ... صدع الهوى يا عذولي غير ملتئم
يدريه بالبان من أشجاه صادحه
سر الغرام بدا في أهله علناً ... والعين يبدو بها ما القلب قدكما
وأن تسل ما بهذا الحكم علقنا ... هي المنازل أشجانا خلقن لنا
فلا يزيد على المشجون ناصحه
منازل قام فيها لقلب ملتزماً ... هوى نجوم بها اللاحي لقد رجما(1/157)
لا أحمد الدمع لكن عندما سجما ... سقى العقيق من الساري الملثبما
شاء العقيق وشاءته صحاصحه
يحبي الحيا ربعها من بعد مجدبه ... والزهر تفتر بشراً من جوانبه
ولا عفا الودق أرجاها بصيبه ... حتى تخب بأبناء الرجاء به
في سندس لا ترى أينا طلائحه
تروى الأجارع اذ تروى لها خبراً ... عن مطلق الدمع من قيد الجفون جرى
هذا وأن حمدت عند الوصول سرى ... تؤم من طيبة الفيحاء طيب ثرى
لا تشتكي السقم أجفان تصافحه
هناك تبرأ من ضر ومن علل ... وتبلغ الفوز من قصد ومن أمل
يا قلب لا تخش فيها وصمة الوجل ... فثم قبر من الأملاك في زجل
وثم عرف من الفردوس نافحه
مقام أمن به للخير فيض منن ... ومنزل لنزول الاي فيه سنن
وثم من نال عند الحق كل حسن ... وثم أشرف مبعوث وأكرم من
تكفلت بغتا الراجي منائحه
فالحلق من ظلمة الأعدام أظهرهم ... بنوره الحق أذفى العلم قدرهم
ورب قوم لقد ألقوا تصورهم ... قالوا حمدت السري فأمدحه قلت لهم
تحصى النجوم ولا تحصى مدائحه
لولاه ما كان فرض في الهدى وسنن ... ولا لنا لاح من سر العلوم علن
ماذا حصل فيه بالمديح لسن ... وما أقول إذا ما جئت أمدح من
جبريل خادمه والذكر مادحه
لكن أهل المعاني في فصاحتهم ... تفاضلوا بثناه في رجاحتهم
وأحسنوا حين قالوا قصد راحتهم ... مدح الكرام رشاء لأستماحتهم
وليس بعوز بحر عم طافحه
فهو الكريم الذي أنواء راحته ... فيض وما البحر الا بعض قطرته
يا مشتكي ضنكه من عسر يسرته ... ثق بالنبي وقف قدام حضرته
وسل فمهم ترمه فهو مانحه
من للكئيب الذي منه القوى ضعفت ... عن وصف معناه يا من نفسه شرفت
وفكرتي لك وجه العجز قد كشفت ... يا أكرم الخلق فاعذر شاعراً وقفت
عن درك أوصافك العليا قرائحه(1/158)
عبد به قلم الغيب العلي جرى ... هشيم أحواله ريح البلاء ذرى
وافا غناك الوفى مع جملة الفقرا ... صفر اليدين غريب الدار منكسرا
أتاك والدهر أحنى الظهر فادحه
مآثم النفس قد أودت به عللا ... وحاله حال حيث الصبر عنه خلا
تلقاه من عظم ما قد طأول الأملا ... يهوى الحياة ولم يسلف له عملا
يسر يوم يسر المرء صالحه
قد ارتضى الذل في دار الهوان ردا ... ولم يرم لمقام العز ملتحدا
أضاع أوقاته باللهو ما ارتشدا ... يا ويله يوم يأتي للحساب غدا
ان لم يكن بك مولاه يسامحه
اذ كل عبد به حاطت خطيئة ... تعاظمت في مقام العذل محنته
ها قد أتاك وقد ساءت بضاعته ... عسى بقربك أن تنفي رعونته
وتستحيل إلى الحسنى قبائحه
فيصبح السعد بالبشرى مواصله ... قربا وينتج باللقيا مسائله
فا احقك فيه أن تعامله ... وما أحثك في حق الجوار له
وكيف يوضح معنى منك واضحه
إذ أنت في حاله أدري بلا ملق ... يبديه عند غرام فيه أو حرق
وليس يخفاك ما يخشاه من فرق ... وانما طالب الحاجات ذو قلق
كل على من به تقضي مصالحه
أتى فتى فيه من وشك النوى قرح ... لكن بحبك منه الصدر منشرح
صب غريب بعيد الدار منجرح ... فاستدن من هو في الأعتاب منطرح
غير الأسى ماله خل يطارحه
يا كنز جود لقد فاضت كرامته ... للسائلين ولم تسقط غلاقته
أن عم شاكر من فتح سماحته ... فالفتح بالباب لا تخفي علاقته
لا سيما باب جود أنت فاتحه
يا رحمة للورى بالنور قد صرمت ... ليل الضلال بها أهل الهدى سلمت
بك ابتدت دورة الأرسال واختتمت ... عليك أزكى صلاة كلما ختمت
بالمسك عادت بتسليم فوائحه
حاشا، يغلق عن بذل وعن كرم ... أو يمتع المرتجى من سائل عرم
فإنني آمن من غلق محترم ... وكيف لا يأمن الأغلاق في حرم(1/159)
لا يحرم الجود غاديه ورائحه
بلطف عرفهما روح الكمال رقى ... يعم من مجدك الاكناف والافقا
ولا يزال إلى ناديك متفقاً ... ما امتد للصبح باع الشرق فاعتنقا
أو حن نحو لقاء الألف نازحه
أو نسمة الوصل للأحباب قد نسمت ... أو بهجة الفجر وجه الليل قد وشمت
والآل والصحب ما روض الدجى ابتسمت ... أو أحرف الأمر في أكوانها ارتسمت
ثغوره فاستعارتها مصابحه
وقوله أيضاً
قصر المدح والسنا والثناء ... وانثنى القول عنه وهو عياء
عن معالي فرد الصفات وحأوي ... مجمع الفضل من له العلياء
أحمد الغيب في الشهادة لا ري ... ب بهذا محمد لامراء
قد أفاض الكمال من نوره حي ... ث استفاضت نواله الامناء
حيث من نوره بدا العرش والكر ... سي واللوح وأنتشت أشياء
وبه الله شق عن ستر غيب ... فبدا العيون منه ضياء
واستبان الوجود بعد خفاء ... عدم والوجود ثم هباء
ولقد رتبت به رتب العل ... م قديماً وهبت الآلاء
منه علمنا ينابع السر والأر ... واح حقاً تفجرت والبهاء
فهداه وفضله لجميع ال ... انبيا قبل يظهر الانباء
وعلاه عال وما ثم الا ... نور مولى رداؤه الكبرياء
فأراد العليم ابراز هذا ... النور من غيبه ليبدو الثناء
فتوالت منه الرقائق بالامدا ... د يتلو أيضاً لها الانشاء
وتهادت لطائف اللطف فيما ... شاء رب الأرباب كيف يشا
حيث كأنت أكوانه بقيام ال ... لا أمر حتى صباحها والمساء
ثم دارت أفلاكها وسرت فيها ... نجوم ولاحت الانواء
ولقد أعطت الحقائق منها ... حسبما يستعد منها الجلاء
لمعاني المولدات من الحيوا ... ن حيث النبات فيه النماء
وكذا المعدن الكريم وما في ... كل فرد منها أذى أو دواء
كل ذا من ظهور نورك يا من ... سره قد سرت به النعماء
حيث قال الرحمن لولاك ما كا ... نت نجوم ولا أظلت سماء(1/160)
ما سمعنا ولا رينا وأنى ... يدرك السمع ذاك والاراء
مثل علياك أو فخارك يا من ... في المالي له علا وارتقاء
انما الانبياء من قطرات ... قطرت ليس في الحديث امتراء
حيث في النور غمست ففاضت ... تلك مما أفاضت الأجزاء
كنت نوراً من حفرة الذات بل ... فيك توافت جموعها الأسماء
والنبيون كل فرد له مر ... تبة اسم بهاله الالقاء
فإذا كنت جامعاً لعلاهم ... كيف ترقى رقيك الأنبياء
وقوله يمتدح الوالد
يا سيد العلماء والفضلاء يا ... شمس نور الشرع والافتا
يا من إذا رام البلغ مديحه ... ألقى يراغ الفهم والأملاء
وصريح مدحي فيك من بعض الكنى ... وكنايتي عنه صريح ثنائي
وأرى اعترافي بالوفا عن أوجه ... مثل اغترافي بحركم بدلاء
أنت العلي مكانة وسقوط تع ... ريف الصفات باسم ذاتك نائي
والجوهر الفرد الغني عن وصفه ... أولى لكشف حقيقة الانباء
وجميع ما استغلى القريض بمدحكم ... بنوادر الابداع والانشاء
أتريد أن تنبي الحجي عن عينه ... والعين حلف مدارك الفصحاء
مولاي شهر الصوم هم على السرى ... مستودع الضراء والسراء
من بعد ما قامت بساق حقوقه ... سوق الرباح وصفقة الاكداء
ولرب غرثان الحشا حلف الكرى ... ما نال منه سوى امتلاء الاحشاء
أو قائم يدعو وليس له سوى ... سهر الدجى وتلجلج الاكفاء
منح القبول سعادة الابد التي ... تعنو لها الارواح عند بقاء
عار على مرشحاً وملمحاً ... لسواك عند ضريعة الحوباء
وحمي المرادي كعبة الآمال لل ... فقراء والشعراء والادباء
ان لم يجز لي من نداك جوائز ال ... شعرا فاندية إلى لفقراء
وانظر بعين الجبر نحو أخي ضنا ... تبدي بها أكسير عين غنائي
فالعيد لا زالت عوائد بركم ... فيه أتى بصنائع الكرماء
حسبي برود ثنائكم أزهو بها ... ان برها منكم برو دحلاء
لا زلت والنجم السعيد وانه ال ... ابجم الذي يسمو على الجوازاء
في نعمة الاقبال والاسعاد تح ... ت عناية الرحمن والعلياء(1/161)
ما عاد شهر الصوم بالاعياد في ... منح المراد لشاكر النعماء
وله
في كاس فيك سلاف ... يروى حديث زلالك
قد عمه الحسن لكن ... ختامه مسك خالك
وله مضمناً المصراع الأخير
أعاذل مهلا لاعدتك النوائب ... أأرغب عمن فيه قلبي راغب
أغرك أني ذبت فيك صبابة ... أمانع عنه مهجتي وأجانب
ولي كبد تهوي مواقع لحظه ... ندوبا إذا ما البيل اثوى تطالب
فكيف أرى يوماً بمن أبصر الهدى ... محياه ان أبدت ضلالي الذوائب
نبي جمال جاء في معز اليها ... بفترة جفن للقلوب تحارب
تمكن مني حبه فهو مالكي ... بنعمان خد شافعي وهو سالب
فدعني من غي الملام وخلني ... فما كل حين تستباح المآرب
تخذت هواه دون قومي مذهبي ... وللناس فيما يعشقون مذاهب
وله في مليح يصنع الساعات
بالروح أفدي غزالاًبالحسن حاز البراعهبريق مبسمه في ال
عديب أبدى شعاعهخلا عداراً فأعطىقلبي ضروب الحلاعه
فالخد شمس وقوس الجبين زاد ارتفاعهأجاد في صنعة السا
مات اجتهاد الصنعهفكم أقول لعليأفوز منك بساعه
وله في الورد
أرى الوردان مرت به الريح فارساً ... من الشوك قد انضى حدود سيوف
وهزقنا أغضانه لاعتراكه ... وستر منه وجهه بكفوفه
أنتهى ما أردنا ايراده من نظمه رحمه الله تعالى ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين
أحمد الصيدأوي
أحمد بن عبد الله الصيدأوي المعروف بالبزري الحنفي الشيخ الفاضل الصالح كان أديباً متكلماً فصيحاً له يد في علم السير مستقيماً على وتيرة الصلاح والتقوى والديانة ولد بصيدا في سنة خمس ومائة وألف وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على مفتيها العلامة الشيخ عبد الغني الآتي ذكره في محله وحصل سيما في علم السير وقرأ(1/162)
القرآن وختم واحدة من طريق السبع وواحدة من طريق العشرة على الفاضل الأديب الشاعر الوزير عبد الله باشا كوبرلي في مصر القاهرة وقرأ أيضاً على الشيخ أحمد الأسقاطي وعلى الشيخ البقري في القراآت ثم عاد إلى صيدا بعدما ذهب إلى الحج من طريق مصر ومن شعر هذه الأبيات يمدح فيها والي صيدا في سنة احدى وستين ومائة وألف ومنها يخرج ما ينوف على العشرين تاريخاً وهي قوله
اهديك بحر أو ماء برقبها وقدراً أتى لقاكااعطاء حي بسر قسم
فاعجب بمن جابر روى علاكاآيات مهد بكل مدصواف عقد أصل سناكا
بصهر أحمد عالي السجايا ... رفقاً بمولا يحدو حماكا
ولم يزل مستقيماً على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بصيدا في سنة خمس وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
السيد أحمد الفلاقنسي
السيد أحمد ابن السيد محمد ابن السيد محمود الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد الأديب المنشئ السيد الشريف أحد حسنات الزمان كان أديباً شاعراً كاتباً بارعاً عارفاً ولد بدمشق وبها نشأ وتذيل وتفوق وتملك أحرار المعاني ونظم ونثر وولي من الكتابات كتابة في وقف الحرمين وصار محاسبه جي بالخزينة العامرة الدمشقية ولما قتل أخوه أهين وحبس وأخذ منه مبلغ من الدراهم فبعدها لم يكن كأوله حتى باع كتبه الذي احتوى عليها وتملكها وكأنت من نفائس الكتب وأغلب متعلقاته وهي وكتب ابن عمه السيد عاصم الآن أغلبهما موجود في خزانة كتب أسعد باشا الكائنة داخل مدرسة والده في سوق الخياطين وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه عند ذكر أخيه أخو المجد وصنوه ونزهة روضه وقنوه في بحبوحة تلك السيادة بسق وفي سلك محامدها اتسق وناهيك بمن ربى بين ذراعي وجهة الأسد واقتبس من مشكاة ذلك الرأي السديد والفكر الأسد واقتطف ما طاب جناه ولم يعتد بما أولى الزمان وما جناه فاعتلق الأدب بردنه واحتفل به من بين تربه وخدته وبرع به ومهر وافترع بكره ومهر ودأنت له قوافيه وخفقت بنباهته بواديه وخوافيه إلى انشاء تزينت به جبهة القراطيس يجذب لانفوس لتلقيه ولا جذب المغناطيس مع اعتناء بما يفضي به مرامه ويغضي إلى ما يبرد به غليله وغرامه وبراعة طليقة البنان تغني عن نشوة بنت الدنان فكم دارت ما بيننا أكوابها فنفخت عن(1/163)
جنان المحأورة أبوابها ونادى أخيه مشرق تنتحيه الكرام من المغرب والمشرق وهو مستظل بأفيائه ومستقل بالكمال ومشتغل باحياء أحيائه يكتسب ولا يقتصر ولم يلو على ما لا يعني ولا ينتصر على انه سمح اللسان وفي الشعر وافر الاحسان فمما حباني من طرفه الغرر فبعث فيه الفكر من دون غرر أنتهى مقاله ومن شعره هذه القصيدة مدح بها أخاه وهي قوله
لا تلمني إذا خلعت العذارا ... فالتصأبي كم أستخف الوقارا
ليس للمرء حيلة في قضاء ... والهوى كم تلك الأحرارا
اقصر اللوم عاذلي ففؤادي ... كلما لمتني يزيد استعارا
قدك لا تشغل المعنى بعذل ... شغل الحلي أهله أن يعارا
أمن العدل لوم من سلب الأش ... واق منه الصواب والاختيارا
كنت أعصي الهوى قد جذبتني ... يده انقدت طائعاً مختارا
حمل القلب مثقلات غرام ... ويح قلبي كم ذا يطيق اصطبارا
فتهارى ما بين شوق ملح ... وعناء مقسم أطوارا
والدجى منقض بكاء وسهداً ... وزفيراً وانه وافتكارا
ودموعي تشب نار غرامي ... وعجيب ماء يؤجج نارا
لائمي لو سقيت كأس غرامي ... لم تفق منه صبوة وخمارا
علم البين ويحه سهر اللي ... ل جفوني وقلبي الانفطارا
وحمام الاراك اضمر جمراً ... في فؤادي وجدد الادكارا
ما صفت لي موارد الأنس الا ... أعقب الدهر صفوها أكدارا
وبعاد الحبيب انحل جسمي ... وجفاني الرقاد حتى غرارا
هان عندي بعد النوى كل صعب ... قمت فيه مخالف الأخطارا
الفتنى حوادث الدهر حتى ... تركتني لكل خطب مدارا
وفؤادي إذا به جر وجدى ... فجرى الدمع عندما مدرارا
أنا لو لم أعلل النفس طورا ... بالتداني وبالأماني مرارا
وبظن محقق في همام ... تخذ الحلم والعفاف دثارا
كنت أقضى أسى بفرط التياع ... يسلب اللب والفؤاد اضطرارا
خير ركن للحادثات معد ... ومقيل لكل كاب عثارا
كنت أشكو الزمان من قبل حتى ... رده شاكياً إليه اقتدارا
لا يبالي لاج إليه بحال ... أحسن الدهر أم أساء فجارا(1/164)
هو حصن لكل راج منيع ... بأسه يلبس الليوث صغارا
ان تسالمه سالمتك صروف ال ... دهر أولاً فقد منعت القرارا
أو تيمم حماه تلقي الاماني ... سافرات وتمس للنجم جارا
لأن صعب الزمان منه بعزم ... وببأس قد طبق الأقطارا
فكأن القضاء طوع يديه ... كيفما شاء صرف الأقدارا
جاد حتى لم يبق طالب رفد ... يشتكي في زمانه الاقتارا
حاز غايات كل مجد وفضل ... وعلاء بهمة لن تجارى
فإذا ما البليغ جاء بمدح ... كان من بعض وصفه مستعارا
بل سما قدره المديح فكاد ال ... مدح فيه بأن يكون احتقارا
ليس من حاز بالمناقب فخراً ... مثل من أكسب المعالي افتخارا
وله من قصيدة
ولقد بليت من الزمان بعصبة ... ألفوا الخنا وفعال ما لا يجمل
من كل من نبذ الحفاظ خيانة ... وغدا يؤنب بالمقال ويعذل
يرضيك ظاهره وبين ضلوعه ... حقد يئز كما يئز المرجل
عشق الضلال طباعه فاباده ... وبسجن عاشقه يموت البلبل
يا جانياً ألف المضر بنفسه ... حتى متى تجني علي وتهمل
تبدي الوداد وأنت وغد كاشح ... وتظن يخفي ما تسر ويجهل
أني غررت بسوء فعلك برهة ... وطفقت أهجر من عليه أعول
والآن ألبسني التجارب بردة ... وأنجاب عن عيني ذاك الغيطل
قل ما بدا لك يا ابن كل رذيلة ... فلسوف تدري من أصيب المقتل
لا تعجلن بما تفوه بذكره ... فلقد يخاف الندلة المستعجل
لو كنت تدري ما تقول سفاهة ... لعلمت أنك في مقالك تجهل
لا تخد عنك في لسان نبوة ... ينبو المهند وهو ماض صيقل
منها
ان ابد يوماً للعذول تسامحاً ... فليدر أن عقيب أربي حنظل
ان السحاب وان يحمل جهده ... فإذا تصاكك فالصواعق تنزل
والكلب يترك خاسئاً في ذلة ... فإذا تحرش بالأذية يقتل
ومنها
لا تنكري نسجي القريض وتزعمي ... أني بما قد حكت فيه أهزل(1/165)
اني وان كنت الأخير زمانه ... آت بما لا يستطيع الأول
لكنني أبداً أصون فرائدي ... وأرى الهجاء بكل ندل يرذل
والصمت أسلم والذي حأولته ... يجدي وبالنطق البلاء موكل
وله على طريقة المشجر
سلب الفؤاد بقدهوغدا يتيه بصدهلم ينثني قول العذو
ل بعذله عن وردهيرنو إلي بلحظهفأذوب خشية رده
من منصفي من جور أحور لا يفي في وعدهاني أخاف عليه من
مر النسيم ببردهنيل الأماني أن أفوز بحل عقدة بندة
وله أيضاً
وليلة قد بات طرفي بها ... يرعى الدر أرى مالها من نفاد
كأنما الفجر توفي وقد ... تسربل الليل ثياب الحداد
هو مأخوذ من قول الوأوآء الدمشقي
ولرب ليل طال حين سهرته ... والزهر فيه كأعين الحساد
فان بما عمر الدجى لما انقضى ... لبست عليه الشمس ثوب حداد
وللمترجم مؤرخاً خنان تجل الوزير سليمان باشا ابن العظم والي دمشق وأمير الحاج بقوله أبت المفاخر والمحامد أن تقيل بغير ظلك وزهت دمشق على البلاد وأهلها فخراً بعدلك هيهات أن تحظى الممالك دهرها يوماً بمثلك وليوث غابات المكارم قادهن زمام فضلك وبلوغ غايات المنى أرختها بختلن نجلك لا زال في برد السيادة والسعادة بين أهلك ببقاء دولتك العلية ناهلاً من فيض سجلك خضعت لك الأعناق من كل الورى بالرق فأملك وله أيضاً
لما ألم به الرحيل تصاعدت ... زفراتنا بتنفس الصعداء
فعقدت سحباً من دخان تأوهي ... ونضت بروق من لهيب حشاء
وطمت فجاج الأرض من برد البكا ... كيما أمتع ساعة بلقاء
وله أيضاً
رقت فذقت عن الابصار اذ جليت ... في كأسها وبدا في وجهها الخبب
كأنما الكاس قد حوى شفقاً ... وقد تراءت لنا من دونه الشهب
وله مضمناً المصراع الأول من البيت الأخير
وعنفني قومي بحب معذر ... فما زادني التعنيف الاتوددا(1/166)
يقولون هل بعد العذار تهتك ... فأمسك رعاك الله عن حبه يدا
فقلت معاذ الله اسلو وقد غدا ... فؤادي باشراك العذار مقيدا
وكيف أرى الامساك والخيطا سود ... أقبل انبلاج الصبح يمكنني الهدى
وأصله قول بعضهم
يلومونني في حب ذي عارض بدا ... ومثلي في حب له لا يفتد
يقولون أمسك عنه قد ذهب الصبا ... وكيف أرى الأمساك والحيط الأسود
وكأنت وفاته بدمشق في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بالشيخ أرسلان رضي الله عنه وسيأتي ذكر ابن عمه عاصم وأخيه فتح الله ان شاء الله تعالى والفلاقنسي نسبة لفلاقنس قرية من نواحي بلدة حمص قدم منها لدمشق جد المترجم السيد محمود واستقام في محلة القيمرية ينسج الالاجة واشتهرت صنعته والله أعلم.
أحمد الحلوي
أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن زين الدين الشهير بالحلوي السيد الشريف القادري الحموي الأصل الحلبي المولد والمنشأ الحنفي أبو الفتوح نجيب الدين الشيخ العالم الأديب القدوة المتفوق الأريب البارع ولد بحلب يوم عاشورا سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشابها في حجر أبيه وقرأ العلوم والفنون على الشيخ عبد اللطيف المكتبي الحلبي والشيخ عبد الغني والشيخ حسن بن ملك الحموي والوجيه عبد الرحمن بن مصطفى البكغالوني والامام الشيخ حسن السرميني والشمس محمد بن أحمد المكتبي وأبي الثناء محمود البرستاني والشيخ عبد الوهاب بن مصطفى العداس والامام محمد بن الحسين الزمار وعبد الله البهرمي والحسن الكردي والشمس محمد الرشواني والشيخ عبد السلام الحريري وشعيب بن إسماعيل الكياني والشيخ محمود بن محمد الانطاكي والشيخ نعمة الله الفتال والشيخ عبد الهادي المصري والشيخ محمد بن كمال الدين الكبيسي والشيخ حسن بن عبد الله البخشي وعثمان بن عبد الرحمن العقيلي وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الدمشقي وعلي بن إبراهيم العطار وأبي اليمن محمد بن طه العقاد وأبي الفتوح خليل المصري سبط الشعراني وقاسم النجار وقاسم البكرجي وأبي الفتوح علي بن مصطفى الميقاتي وطه بن مهني الجبريني وأبي المواهب محمد بن صالح المواهبي وعبد الكريم بن أحمد الشراباتي وغيرهم من الواردين إلى حلب كالشمس محمد بن أحمد عقيله المكي ومحمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة ونجم الدين عمر بن نور الله الرملي الحنفي ورحل إلى القسطنطينية ودخل دمشق أربع(1/167)
مرات أخرها سنة تسع وثمانين ومائة وألف وأخذ بها عن محمد بن عبد الجليل المواهبي وصالح بن إبراهيم الجنيني والعماد إسماعيل العجلوني ومصطفى ابن الشهاب أحمد الغزي العامري وأجاز له من القاهرة الشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والنجم محمد بن سالم الحفني وغيرهم وألف المؤلفات النافعة فمنها مطالب السعادات في الصلاة والسلام على سيد السادات مشتمل على ثلاثة مطالب في كل مطلب ثلاثة فصول وتعليقه على كنوز الحقائق كتب منها إلى حرف الحاء والتوضيح والتبيان في أحكام سجدات التلأوة وتعظيم القرآن وسعادة الدارين في بر الوالدين والفوائد البهية في مولد خير البرية والمعاطر الأنسية في الفضائل القدسية والعقد الفريد في تهاني خلاقة السعيد والدر المنظم في أسلاك الذهب في التهاني بسليمانية الرتب والموارد الروية في حديث الرحمة المسلسل بالأولية ومنظومة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومنظومة في الخصال الموجبة للظلال ومنظومة في التوسل بأهل بدر ورسالة في الشفاعة العظمى ومنظومة في رفع الأيدي نظم فيها ما ذكره الفقهاء وديوان خطب وديوان شعر ومنظومة في أشكال الرمل ورسالة في الانغام والابراج والطبقات والاصول ورسالة في استعمال الاعضاء للشكر واستغراق الحواس للذكر ورسالة فيمن يؤتي أجره مرتين ورسالة في السماع المجرد بالآلات وغير ذلك من مجاميع وفوائد والشعر والترسلات وغيرها ولازم الاذكار في حلب واقامة التوحيد وصار شيخ طريقة القادرية بها واشتهر أمره بين أهلها واجتمعت به في دمشق لما دخلها المرة الرابعة مع نقيب أشراف حلب أبي المعالي محمد بن أحمد بن طه الحلبي توفي في حلب الشهباء في ليلة الخامس والعشرين من جمادي الثانية سنة خمس وتسعين ومائة وألف والحلوي بفتح الحاء واللام نسبة إلى المدرسة الحلوية المعروف بحلب وكل من أقام الذكر نسب اليها ومنهم المترجم
أحمد بن سويدان
أحمد بن محمد بن سويدان الدمشقي الحنفي الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن الفقيه كان يسكن ميدان الحصا وولد به وطلب العلم وأخذ عن المتصدرين بدمشق من العلماء كالعماد إسماعيل بن عبد الغني النابلسي وهو والد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي المشهور وعن الشيخ محمد بن تاج الدين المحاسني خطيب دمشق والمحدث عبد العزيز الزمزمي الشافعي مفتي الحرم الشريف المكي والحافظ النجم محمد الغزي العامري والشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والمحدث محمد بن سليمان المغربي نزيل دمشق وغيرهم من الايمة وأخذ عنه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكأنت وفاته بدمشق(1/168)
أحمد المقدسي
أحمد بن محمد بن طه المقدسي الأصل والشهرة الدمشقي الصالحي الشافعي الشيخ الفقيه العالم العامل الصالح الناسك العابد المتفوق البارع أبو العباس شهاب الدين ولد سنة عشر ومائة وألف وأخذ بدمشق عن أفاضلها كالشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره ولازمه الملازمة الكلية ليلاً ونهاراً وكان جل أنتفاعه به وصارت له الملكة التامة في علوم الحقائق ببركة عود أنفاس الاستاذ المزبور عليه ودرس بصالحية دمشق في الجامع الجديد وترددت إليه الطلبة وأنتفعوا به وله مع الاستاذ المزبور وقانع مشهورة تدل على محبته له وكأنت وفاته بدمشق سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
أحمدالزهيري
أحمد بن محمد أمين ابن محمد الدمشقي الحنفي الشهير بابن الزهيري سبط بني الموقع أحد الكتاب بمحكمة الباب الشيخ البارع الهمام الكاتب ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن علمائها كالاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره وتزوج بابنة ابنه الشيخ إسماعيل وعرض له قبل موته مرض طويل وكأنت وفاته يوم الاربعاء خامس عشري شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وبنو الزهيري طائفة بدمشق كانوا يتولون كتابة الصكوك بمحاكمها آخرهم المترجم.
أحمد الأدهمي
أحمد بن صالح بن منصور المعروف بالأدهمي الحنفي الطرابلسي العالم الفهامة الفاضل المتقن الأديب المحقق الجهبذ اللوذعي كان مهذب الأخلاق حلو الشمائل ماجد الأعراق أورق في دمياط عوده النضير اذ للبقاع في الطباع تأثير واشتغل بالعلوم وملك أزمة منطوقها والمفهوم ثم تولى الافتاء بها وبعدها تولى نقابة الاشراف بمصر المحروسة مع ما يليها من الاطراف والبلاد ولم يمكث بها الا قليلاً وأدخل عليه الرحيل فأذاقه الحمام وكان في الانشا له سرعة وفكاهة ونباهة كلية ورأيت من آثاره شرحاً على قصيدة الشيخ أحمد المقري المغربي علامة دهره التي مطلعها
سبحان من قسم الحظو ... ظ فلا عتاب ولا ملامه
أعمى وأعشى ثم ذو ... بصر وزرقاء اليمامه
وقد سماه بالكواكب السنية شرح القصيدة المقرية وهو تأليف حسن مفيد يدل على فضله الغزير وقوة اطلاعه وجزالة تقريره والتحبير والتحرير وأودعه فوائد كثيرة(1/169)
ونقولات مستحسنة وأشياء غريبة وقد اصطفاه من أكثر من عشرين كتاباً وكأنت وفاته في سنة تسع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى وكان مولده سنة تسع عشرة ومائة وألف.
أحمد السجان
أحمد بن علي الشهير بابن السجان الحنبلي البعلي مفتي الحنابلة ببعلبك الشيخ العالم الفقيه الفرضي النحوي الكامل الصالح العالم العلامة الواصل الامام المقري الناسك الناجح الدين الامام قدم دمشق وقطن بها مجأوراً في المدرسة العمرية بصالحية دمشق وقرأ على العلامة الشيخ محمد بن بلبان الصالحي العربية والفرائض والحساب وتفوق بالفقه ومما وقع له بدمشق أن ولده الشيخ محمد تشاجر مع رجل ميازري شريف من أهالي دمشق وتشاتما ثم بعد ذلك وفق بينهما بعض الناس وأصلح بينهما عند نائب الحكم في محكمة الصالحية وهو الفاضل بالشيخ عبد الوهاب العكري وكتب بذلك حجة فبعد مضي أيام خرج ذلك الميازري بالاعلام والمزاهر إلى طرابلس الشام مشتكياً على ولد صاحب الترجمة الشيخ محمد المذكور إلى كافلها الوزير أرسلان باشا اللاذقي المعروف بابن المطرجي فحين وصوله إليه أمر بمباشر من طرفه يطلب سبعمائة قرشمن الشيخ محمد المذكور فلما وصل إليه المباشر ختم دارهم ووالده خرج هارباً إلى جبة عسال ثم أغلظ المباشر على أهله بالتشديد من النساء والرجال وحصلوا المبلغ منهم بعد رهن أسباب وبيع ما أمكن بيعه من الأماكن ثم جاء الشيخ أحمد المترجم إلى دمشق وأخبر بذلك من له التكلم بها فأنتصر له جماعة منهم جدي الكبير قطب العارفين الشيخ مراد الأزبكي نزيل دمشق والمولي الهمام أسعد ابن أحمد الصديقي والقاضي بها وأرسلوا إلى الوزير المذكور كتباً يترجون منه رجوع الجريمة إلى الشيخ أحمد المترجم وذهب إلى عنده هو بنفسه صحبته متولي الجو إلى أحد أعيان جند دمشق صادق أغا ابن الناشف ثم اعطاء أرسلان باشا الجريمة وأكرمه غاية الأكرام وكأنت وفاته في يوم الخميس آخر جمادي الثاني سنة أربع عشرة ومائة وألف ودفن ببعلبك عند الشيخ العارف الولي عبد الله اليوناني الحنبلي رضي الله عنه.
أحمد الشراباتي الحلبي
أحمد بن عبد الله بن علوان الحلبي الشافعي الشهير بالشراباتي الشيخ الفاضل(1/170)
العالم العامل المحدث الفقيه الورع الصالح المفنن أبو العباس شهاب الدين ولد بحلب سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بها ورحل إلى القاهرة لطلب العلم وأخذ عن جماعة من الأئمة المسندين كأبي العزائم سلطان المزاحي والنور على الشبراملسي والشمس محمد بن علاء الدين البابلي وعنهم أخذ الفقه واصوله وعبد الباقي الزرقاني ثم رجع إلى دمشق وأخذ بها عن الشمس محمد بن علي الكاملي وعن السيد محمد بن كمال الدين ابن حمزة نقيب الاشراف بدمشق والعلامة عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والشيخ محمد البطنيني والقطب أيوب بن أحمد الحلوتي وأخذ أيضاً عن جماعة غيرهم كأبي الوقت إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة المنورة والشهاب أحمد بن محمد الادريسي المغربي نزيلها أيضاً ومحمد بن سليمان المغربي وعبد العزيز الزمزمي وأبي الروح عيسى بن محمد الثعالبي المكي وأحمد بن محمد الحموي المصري وأبي الوفا العرضي الحلبي الشافعي وموسى الرام حمداني البصير الحلبي الشاعر والشيخ خير الدين بن أحمد الرملي الحنفي وعن غيرهم وبرع في سائر العلوم وفاق في معرفة المنطوق والمفهوم ودرس بجامع حلب وأنتفع به الناس ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفاه الله تعالى سنة ست وثلاثين ومائة وألف ودفن خارج باب المقام ولم أقف له على شيء من الشعر وستأتي ترجمة ولده الشيخ عبد الكريم رحمه الله تعالى.
أحمد النخلي
أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الشهير بالنخلي الصوفي النقشبندي المكي الشافعي الامام العالم العلامة المحدث الفقيه الحبر الفهامة المحقق المدقق التحرير أبو محمد شهاب الدين ترجمة تلميذه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى لطائف المنه فقال ولد سنة أربع وأربعين وألف بمكة المشرفة ونشأ بها وثقلت من ثبته الجامع لمشائخه ومروياته أن أول شيخ قرأ عليه بمكة سنة خمس وخمسين وألف الشيخ العالم العامل عبد الله بن سعيد باقشير المكي الشافعي ثم قرأ على السيد عبد الرحمن بن السيد أحمد الحسني المغربي المكناسي المالكي الشهير بالمحجوب ثم على السيد محمد الرديني اليمني الشافعي ثم على شيخ الاسلام الشمس محمد بن علاء الدين البابلي وسمع عليه صحيح البخاري الافوتا يسيراً فبالاجازة وغالب صحيح مسلم وغالب سنن الترمذي وسنن أبي دأود وجميع السنن الصغرى للنسائي وجميع سنن ابن ماجة والموطا وأطرافاً من الجامعين الكبير والصغير للسيوطي ونوادر(1/171)
الاصول للحكيم الترمذي والمصأبيح للبغوي وأجازه بخطه اجازة حافلة ومن مشائخه أيضاً الشيخ منصور الطوخي والشهاب أحمد البشبيشي والشيخ يحيى الشأوي وأبو الروح عيسى بن محمد الثعالبي وأبو الوقت إبراهيم بن حسن الكوراني والعلامة محمد ابن علان الصديقي والنور علي بن الجمال والشيخ عبد العزيز الزمزمي وغيرهم وبرع في العلوم ولازم التدريس والافادة بالمسجد الحرام وأنتفع به في افادة العلوم الشرعية وغيرها وكان بشوشاً متواضعاً وافر الحرمة منور الوجه لا يشك الناظر إليه في ولايته وأخذ طريق السادة النقشبندية عن السيد مير كلال بن محمود البلخي وأخذ عنه خلق لا يحصون كثرة وأنتفعوا به وألف ثبتاً جامعاً لاسماء شيوخه وكأنت وفاته بمكة المشرفة في أوائل سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالمعلى رحمه الله.
أحمد الغزي
أحمد بن محمد بن زين الدين بن زين العابدين بن زكريا بن البدر محمد الغزي الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح المجذوب المستغرق المكاشف أبو الرضى نور الدين ولد بدمشق سنة احدى وستين ومائة وألف ونشأ بها وتلا القرآن العظيم على الشيخ المقري محمد بن عبد الرحمن المكتبي وقرأ في الفقه ومقدمات العلوم على والده وعلى الشيخ عبد الخالق الزيادي وكأنت وفاته ثاني محرم سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بالباب الصغير.
أحمد الراشدي
أحمد بن محمد بن شاهين الشافعي القاهري الشهير بالراشدي الشيخ لامام الورع المحقق المدقق الفقيه المحدث الضابط أبو العباس شهاب الدين تفقه على الشيخ مصطفى العزيزي ومحمد العشمأوي وأخذ الحساب والهندسة عن الشمس محمد الغمري وسمع الحديث على كل من عيد بن علي النمرسي وعبد الوهاب بن أحمد الطنتدائي والشمس محمد الورازي برواية النمرسي والطنتدائي عن عبد الله بن سالم البصري نزيل مكة والشمس محمد الزرقاني وتصدر صاحب الترجمة في جامع الأزهر وأخذ عنه خلق كثيرون وله مؤلفات نافعة وتقريرات رائعة وأخذ عنه ثعيلب بن سالم الغشني وغيره وكأنت وفاته سنة ثمان وثمانين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً وصلى عليه بالجامع الأزهر بجمع حافر بالناس وازدحم الناس على حمل نعشه وكثر البكاء عليه ودفن بتربة المجأور بن رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
السيد أحمد الصمادي(1/172)
السيد أحمد ابن السيد محمد بن السيد عبد الرزاق بن السيد إبراهيم بن أحمد بن دأود بن محمد المعروف كأسلافه بالصمادي الحنفي شيخ سجادة الصمادية بدمشق وأحد رجال الدهر المشهورين كان شيخاً عاقلاً عارفاً بالأمور له خبرة واطلاع حسن العشرة لطيف المذاكرة والمحأورة ممن أنجبهم الزمان ولد بدمشق تقريباً سنة سبع ومائة وألف ونشأ بها وكان جده يعرف بابن الواعظ لأن والده الشيخ إبراهيم كان واعظاً فقيهاً عالماً ناصحاً وكان امام المقصورة بالجامع الأموي على مذهب الشافعي وكأنت وفاته سنة أربع وخمسين وألف وترجمه الأمين المحبي في ترجمة قريبه إبراهيم بن مسلم الصمادي وكان ولده الشيخ عبد الرزاق نزهة النفوس مجاناً ضحاكاً بشوشاً وجمع من ذلك مالاً كثيراً وغدا في دمشق معلوماً شهيراً تستأنس به في المجالس أهلها وكان له أخ اسمه دأود حسن الخلق ويجخ للاكتساب وكان عبد الرزاق من ملازمي كبير جند دمشق الشام محمد أغا بن سليمان الترجمان واخصائه ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة اثني عشر ومائة وألف وترك ولدين محمد وعلي فكان علي صاحب خلاعة ومجون ونشأ هو وعلي أغا بن محمد أغا المذكور من حين الصبا على الوفا والصفا وارتحل للديار الرومية ومات بها وكان محمد يلقب بعزرائيل وهو والد السيد المترجم ونشأ ولده هذا في بلهنية لم يمرح في ميدان السرور بين اخوانه واخلائه مع طلاقة تكلم ومحأورة وايراد نكب ومجون ونوادر تستعذب حركاته وتطرب الاخوان حين يبدي نوادره ومضحكاته وكان اعجوبة الدهر لما جبل عليه وأسلافه كلهم مشائخ مشهورون بالتقديم والتبجيل في المحافل لهم بين ابناء الطريق الرتبة المعلومة ثم ان المترجم استظل برواق المولى خليل بن أسعد الصديقي قاضي دار السلطنة العلية لما كان بدمشق واختص به وكان من معدودي أتباعه وأودائه واستقام على سجدة المشيخة شريكاً لقريبه وعالج الدهر وعالجه وخالط الاكابر والاعيان وحصل له الرفعة والشأن حتى دخل سلك المدرسين مع بقاء المشيخة ولم يزل يترقى رتبة عن رتبة حتى قبل وفاته في زمن شيخ الاسلام المولى محمد أمين صالح زاده صارت له رتبة السليمانية وتولى وظائف وتداريس وتوالى كثيرة وعثامنة وارتحل للديار لروية إلى اسلام ولي مراراً عديدة وتردد إلى صدور علمائها وأجلاء رؤسائها وكان له ولولده وجده في وقف السلطان إبراهيم بن أدهم قدس سره الكائن جهاته في قصبة جبله بالقرب من طرابلس الشام معلوم معين من ربع ذلك يتنأولونه من المولين على ذلك وكان المترجم كلما عاد لاسلامبول يزايده ويرقيه ويعالج على(1/173)
أخذ جميع التولية والسبب في ذلك أنتسابهم إلى السلطان المومى إليه فاز المترجم ولده محمد بن عبد الرازق بن زليخا ابنة محمد بن محمد بن أحمد المرزناتي الصالحي الحنبلي ترجم الامين المحبي أخاها عبد الحق بن محمد بن محمد المذكور ووصفه بأنه كان من مشاهير صوفية الشام مع أدب ومعارف ثم قال ونسبة إلى سلطان الأولياء إبراهيم بن أدهم مستفيضة مشهورة وقد وقفت على كتابات لعلماء دمشق على هذه النسبة كثيرة وكأنت وفاة عبد الحق في جمادي الأولى سنة سبعين وألف أنتهى أقول وقد رأيت النسبة المذكورة عند المترجم ورأيت كتابات لصدور علماء الروم ودمشق وغير ذلك ولم يزل المترجم قائماً بخصوص ذلك بالباع والذراع إلى أن غنى له الدهر وسالمه من الخطوب وأقبل عليه بالأماني والتهاني وكان ذلك في زمن الوزير الصدر محمد راغب باشا فبواسطته ومساعدته له أبداها للسلطان مصطفى خان رحمه الله تعالى ووصلت لحضرته السامية وساعده المذكور في أن تكون على الذرية المرقومة احساناً على طريقة المشروطة بالتوجيه العثماني فكتب على النسبة السلطان المذكور بخطه ووجه التولية للأولاد والذرية احساناً وصدقة وعنونها بخطه الشريف وعمل براءة على موجب ذلك صاحب الترجمة وقدم من الديار الرومية وذهب إلى قصبة جبلة وضبطها وصارت له معيشة ولم يزل متوليها إلى أن مات وكان قديماً جده الشيخ محمد تولى التولية المذكورة في سنة سبع عشرة ومائة وألف ووكل بها حاكم حماه محمد باشا المعروف بابن الارنأود في زمن الوزير عبد الفتاح باشا الموصلي والي طرابلس حصل له حقارة وأراد المذكوران يوقع فيه بطشاً وأخذ منه مبلغاً من الدراهم على طريقة الجريمة والظلم بالجملة فإن المترجم نال منالاً من الثروة والسعة
واتساع الدائرة ما ناله أحد من أسلافه وكان في اثناء ذلك يتردد لدمشق أحياناً وفي سنة وفاته عزم على القدوم لدمشق فلما وصل إلى منزلة قرية القطيفة نأوله ساقي الحمام كأس منونه وفقد أنيسه مع خدينه وكأنت وفاته في الساعة العاشرة من ليلة الخميس سادس عشر محرم الحرام افتتاح سنة خمس وتسعين ومائة وألف وحمل منها إلى دمشق ودفن يوم الخميس المذكور في تربة باب الصغير عند أسلافه خارج باب جراح بعد صلاة العصر وقد جأوز التسعين عمره من السنين والصمادي نسبة إلى صماد بضم الصاد قرية من قرى حوران بها أجداده وبنو الصمادي طائفة كثيرون كلهم مشائخ معتقدون وثبت نسبهم من جهة الآباء وسيادتهم في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وذكروا انها كأنت عند بني عمهم في نابلس ولم يطلعوا عليها ووضعوا العلامة الخضراء على رؤسهم وبالجملة فهم أهل سيادة وطريق وسيأتي ذكر قريب المترجم عبد القادر وقريبه الآخر مصطفى كل في محله ان شاء الله تعالى. تساع الدائرة ما ناله أحد من أسلافه وكان في اثناء ذلك يتردد لدمشق أحياناً وفي سنة وفاته عزم على القدوم لدمشق فلما وصل إلى منزلة قرية القطيفة نأوله ساقي الحمام كأس منونه وفقد أنيسه مع خدينه وكأنت وفاته في الساعة العاشرة من ليلة الخميس سادس عشر محرم الحرام افتتاح سنة خمس وتسعين ومائة وألف وحمل منها إلى دمشق ودفن يوم الخميس المذكور في تربة باب الصغير عند أسلافه خارج باب جراح بعد صلاة العصر وقد جأوز التسعين عمره من السنين والصمادي نسبة إلى صماد بضم الصاد قرية من قرى حوران بها أجداده وبنو الصمادي طائفة كثيرون كلهم مشائخ معتقدون وثبت نسبهم من جهة الآباء وسيادتهم في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وذكروا انها كأنت عند بني عمهم في نابلس ولم يطلعوا عليها ووضعوا العلامة الخضراء على رؤسهم(1/174)
وبالجملة فهم أهل سيادة وطريق وسيأتي ذكر قريب المترجم عبد القادر وقريبه الآخر مصطفى كل في محله ان شاء الله تعالى.
أحمد الموقت
أحمد بن محمد بن يحيى الشهير بالموقت القدسي المولد الغزي الأصل المالكي ثم الحنفي العلامة المحدث كان له التضلع من العلوم سيما في علم الميقات وفضله مشهور رحمه الله تعالى أنتقل بعض جدوده من غزة هاشم العذبة المورد وهو من ذرية أبي العزم أحد أولياء المغاربة المشاهير وكان بيت المترجم بيت الميقات عن أبيه عن أجداده الثقات في جامع الأقصى فجد وشمر ذيله للطلب بالاجتهاد والاستعداد وبذل أوقات عنفوان شبابه في التحصيل وهجر المضاجع وأسهر الجفون لاقتناص الذخائر وكان له ذكاء مفرط وهمة شامخة وقرأ العلوم ببلدة القدس ولم يذق كربة الغربة أو أن تحصيله للعلوم وأخذ عن الشيخ عامر وعن الشيخ محمد الخليلي ولما انفك يستفيد الغرر ويستزيد حتى جلس على منصة التصدر للأفادة وأجازوه شيوخه فبث العلوم بالأقصى وصار منهلاً للصادر والوارد بعد ما تضلع من أعذب الموارد ونشر العلوم والنتائج وأنتهت له حقائق العلوم العقلية وألقت إليه مقاليدها العلوم النقلية وكان يتعاطى المتاجر الدنيوية بحيث لا تمد عينه إلى أهل التمتعات بكرم الغرباء لا سيما أهل العلم ويمنحهم البشاشة وتولي افتاء الحنفية بالقدس مرتين مدة يسيرة وما طابت له فكأنت عليه عسيرة وكأنت عليه المدرسة الافضلية وجمع بين امامة الصخرة وامامة المالكية وكأنت له الثروة العظيمة ثم آخر عمره لازم العبودية في الدياجر سيما وقت السحر فكأنت يحييه في مغارة الصخرة المشرفة لا يفتر عن ذلك مع الاشتغال بالمطالعة والمراجعة إلى أن توفي وكأنت وفاته في يوم الجمعة عاشر جمادي الأولى سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بمقبرة ما من الله وسيأتي ذكر ولده في محله وولده أحمد كان من أعيان القدس ورؤسائها وتوفي سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
أحمد الكواكبي
أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي الحلبي الحنفي مفتي الحنفية بها العلامة الصدر والعلم العالم الأديب الماهر الفرد الوحيد ناشر ألوية الفضل وحامل لوائه والوارث المجد عن آبائه كان من أعيان العلماء محققاً فضيلته شهيرة دائماً مشغولاً(1/175)
بالمطالعة والعبادة صارفاً عمره بالاشتغالات في العبارات العلمية عابداً فالحاً ولد بحلب في سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها الفحول والواردين اليها وقرأ التفسير على والده المحقق المولي الكواكبي والفقه على الشيخ زين الدين أمين الفتوي وأخذ المعقولات عن الفاضل السيد أبي بكر المعروف بنقيب زاده والحديث عن الشيخ أبي الوفا العرضي والآلات عن الشيخ عثمان الشعيفي وأخذ كثيراً من الفنون على كثير من العلماء منهم الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني ثم المدني وبرع وفاق وفهد بفضائله الآفاق وألف وأفاد وصنف وأجاد وكتب على مواضع كثيرة في التفسير ودون حاشية على جزء البنا وحاشية على منظومة والده التي في الفروع المسماة بالفرائد السنية وشرحها الفوائد السمية وحاشية على منظومة والده في الاصول المسماة منظومة الكواكب وشرحها ارشاد الطالب وله تحريرات على المطول والتلويح وغير ذلك لكنه لم يخرج أكثرها من المسودات ولازم المولى شيخ الاسلام علامة الافاق يحيى بن عمر المنقاري ودخل طريق المدرسين والموالي في دار الملك قسطنطينية المحمية وعزل عن مدرسة بأربعين عثماني ففي سنة ست وتسعين وألف توفي والده الشهير العلامة فأعطى مكانه فتوى حلب بلدته مع مدرسة الخسروية باعتبار رتبة السليمانية ففي سنة ست ومائة وألف في ذي الحجة أعطى رتبة قضاء القدس الشريف ثم في سنة عشرين ومائة وألف في شعبانها أعطى قضاء ازنيق على طريق الاربلق في سنة احدى وعشرين ومائة في جمادي الأولى أعطى قضاء طرابلس الشام وبعد عزله توجه إلى القسطنطينية وجرى له مع علمائها مباحث ومذاكرات نفيسة في أنواع العلوم وله في أهلها القصائد اللطيفة والمدائح البديعة الا أنها لم تدون ولما كان قاضياً بطرابلس الشام أنشد فيه ممتدحاً العالم الشيخ محمد التدمري الطرابلسي قوله
على فترة قاض أتانا كيوشع ... فردت شموس الفضل بعد الغياهب
فقل للمدعي أن رام يبلغ شأوه ... محال ومن يبلغ بلوغ الكواكب
وقد ترجم المترجم خاتمة البلغاء السيد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه سابق حلبة الاحسان والحجة البالغة في فضل الانسان بهمة دونها فلك التدوير وشهاب تابى أن تنطبع في غالب التصوير لا يبعد على قدره نيل السها ولا تعز على شيمته في المعاني سدرة المنتهى وثائقه في المجد ثابتة وأغصان محامده في رياض الشرف نابته فهو أعظم من أن يفي قول بأوصافه وأكبر من ان يقاس طول بمعروفه وأنصافه وهو الآن مفتي تلك الديار وعند حماه تلقى(1/176)
عصاه التسيار فهو كالكعبة يزار ولا يزور وأم الفضائل بمثله مقلاة نزور وتأليفه وتحريراته وفتأويه وتقريراته مل النواظر والمسامع ورونق المحافل والمجامع ولاقلامه صرير من سرور الصواب بتحرير فتأوي شقت صدور الجواب وله شعر تسمو به البراعة وتعلو وتنمو به فرائد البراعة وتغلو فمنه قوله مضمناً مطلع قصيدة المتنبي
دار للمياء كنت أعهدها ... يجمع شمل السرور معهدها
أقوت فلا ريمها وربربها ... بها ولا ريمها وخردها
لا تلحي أن وقفت أنشدها ... بيت أخي الشعر وهو سيدها
أهلاً بدار سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها
وكف عن عبرة أحدرها ... فيها وعن زفرة أصعدها
هل هي الابلوي أحققها ... ونار وجد بالدمع أخمدها
ما لبنات الهديل تطربني ... ألحانها عندما ترددها
حمائم كلما هتفن ضحى ... يشب من لوعتي توقدها
أبكي وتبكي معي فنحن كذا ... تسعدني تارة وأسعدها
يا من لنفس عن برئها عجزت ... أسانها واستعاذ عودها
ومهجة قد قضت صبابتها ... لها وقد خانها تجلدها
ساروا بريا الشباب ناعمة ... يزين أعطافها ناؤدها
ما لغصون النقا موشحها ... ولا لسرب المها مقلدها
ساروا ولي في حمولهم كبد ... تائهة ما أطيق أرشدها
بالله يا حاد بي ركائبها ... قفوا لعلي في الركب أنشدها
في كل يوم دار أفارقها ... وأهل دار بالرغم أفقدها
ترمي النوى بي وناقتي سعة ... للبيد ينضي المطي فدفدها
أرح بمثواك همة تعبت ... وعزبلاً لا تزال تجهدها
سينظر الناس بعدها ويرى ... أطواق مدحي لمن أقلدها
قيل فأي الكرام تطلب أو ... تقصد والحال أنت أحمدها
قلت منجي العباد هاديها ... إذا ما عرت ومرشدها
وقوله
بالله ان لحظات فتان الهوى ... لحظت فكن للناس أكبر ناسي
متهتكاً في هاتك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس(1/177)
وإذا جلست إلى المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس
وتنأول الافراح من حالاتها ... بالزق أو بالدن أو بالطاس
واجعل نديمك فيه غير مقصر ... ابن الكرام لبنت كرم حاسي
الراح طيبة وليس تمامها ... الا بطيب خلائق الجلاس
ومديرها رشأ كأن عيونه ... وسنانة كالنرجس النعاس
فاشرب ولا تقنع بحسو قليلها ... فأقل فعل الخمر ميل الرأس
وإذا مللت من المدام فثغره ... نعم المدام الطيب الانفاس
قوله متهتكاً في هاتك البيت إلى آخره والذي بعده هما لأبي نواس من خمرية له وقوله من قصيدة
يا رشادي وابن منى رشادي ... غاب عني مذ غاب عني فؤادي
كان عهدي به باطلال سلع ... ضل مني ما بين تلك الوهاد
أسرته من ساكنيه مهاة ... فهو في أسرها ليوم المعاد
فهو في قبضة الجمال معنى ... في هواها وهالك دون وادي
يا خليلي عرجاً نحو سلع ... وأنشداه من رائح أو غادي
وأشرحا حالتي وسقمي لمى ... وغرامي بها وطول سهادي
وأبكيا لي بين الطأول بدمع ... فدموعي قد آذنت بنفاد
عل ذات الحمي ترق لصب ... قد خفي رقة عن العواد
وابلغ ما قيل في معناه قول الخالدي أبي بكر رحمه الله تعالى
مهدد خانه التفريق في أمله ... اضناه سيده ظلماً بمرتحله
فرق حتى لو أن الدهر قاد له ... حيناً لما أبصرته مقلتا أجله
وأغرب منه قول أبي الطيب المتنبي
ولو قلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غبرت من خط كاتب
وقول أبي الطيب أيضاً
ابلي الهوى اسقا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن
روح تردد في مثل الخيال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن
كفي بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي اياك لم ترني
وألطف منه قول الثماد الواسطي
قد كان لي فيما مضى خاتم ... والآن لو شئت تمنطقت به
وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه
وقول كشاجم(1/178)
وما زال يبري أعظم الجسم حبها ... وينقصها حتى لطفن عن النقص
فقد ذبت حتى صرت ان أنا زرتها ... آمنت عليها أن يرى أهلها شخصي
وقال الأديب أبو بكر العمري الدمشقي
كدت أخفي من ضنا جسدي ... عن عيون الجن وأبشر
وقال بعضهم
براني الهوى بري المدى وإذا بنى ... صدودك حتى صرت انحل من أمس
ولست أرى حتى أراك وانما ... يبين هباء الذر في الق الشمس
وللمترجم
ان لم يكن لي أجداداً سود بهم ... ولم تثبت بنو الشهباء لي شرفا
ولم أنل من ملوك العصر منزلة ... لكان فخري في ذا العلم منه كفى
وبعد نفيه وأجلائه إلى قبرس وعزله عن الافتاء بلا جناية تقتضي ذلك ارتحل للروم وكان خلاصه على يد الوزير الصدر علي باشا فألف كتاباً باسم السلطان أحمد خان وهو مبني على تعريف السلطان والرعايا وما يجب له عليهم وما يجدهم عليه وجمع به نوادر ومسائر علمية وغير ذلك وأعقبه بنثر هو فرائد جمان ودرر وامتدح الوزير بقصيدة يذكر بها تراكم الخطوب عليه ومطلعها
حلف الزمان يمينه مأجورا ... من دون مجدك لا يروم وزيرا
وبلابل الافراح غنت في الربا ... طرباً بمن ملأ الوجود سرورا
بجدد الدين الذي علم الهدى ... لا زال في ساحاته منشورا
صدر له شم المعالي رتبة ... بالصدق يعرف ظاهراً وضميرا
انسان عين الدهر جوهره الذي ... ما مثله بين الانام نظيرا
ألقت له الدنيا مقاليد الملا ... فغدا العصي بعزمه مأسورا
تجري الأمور بوفق ما يختاره ... فالعسر كان ببابه ميسورا
ما قابلته كتيبة الا غدا ... سلطانها من بأسه مقهورا
فكان وقع سيوفه في حامهم ... قلم يسطر طرسهم تسطيرا
كل الولاة لأمره منقادة ... حتى الزمان غدا له مأمورا
يا أيها البدر الذي في أفقه ... أضحى على أهل الزمان منيرا
بشرت طالعت السعيد بأنه ... في الخافقين بنى علا وقصورا
هابتك أجناس الحلائق كلهم ... وغدا الكبر براحتيك صغيرا
وعلى قدر شارفت شرفاته ... شرف النجوم غدا لديك حقيرا(1/179)
لك هيبة لولا تبسم سنك ال ... ضحاك ألقت في القلوب سعيرا
منها
والعبد يعرض حاله فلقد غدا ... بالعزل ظلماً جابراً مكسورا
فغدا يكابد همه وغمومه ... في قعر دار لا يريد سمرا
يدعو لسلطان البسيطة والذي ... أضحى بنصرة دينه مشهورا
بعلاك يرجو أن يكون مؤيداً ... في خدمة تدع الفقير أميرا
أيحل من كأنت تراجعه الورى ... من كل مصر أن يرى محجورا
فإذا تصادمت الفحول بمشكل ... أضحى بخافيه البهيم بصيرا
وغدا يقول الفاضلون بأنه ... فخر غدا للفاضلين أميرا
وامنن على قوم كرام لم يروا ... مما دهاهم منقذا ونصيرا
كانوا بحال في الغنا متوسط ... حالت إلى حال أراه خطيرا
لا زلت في أوج المعالي صاعداً ... متأيداً متأبداً منصورا
وأسلم ودم تمضي أمورك في الورى ... كمضاء سيف لم يزل مشهورا
وامتدح بالقصائد من دمشق وغيرها فممن مدحه الأمين المحبي المذكور
يهيجني للوجد ذكر الحبائب ... وللمدح أشواقي كوصف الكواكبي
همام به الشهباء تسمو وتعتلي ... وتجري على مضمارها بالغرائب
فتى لبس المجد الموئل فخره ... فكان إذا كشاف كل النوائب
إذا فسروا وألتفت الساق بينهم ... ودارت رحاهم في دقيق التشاغب
فما عد لو أمنه بمثل ابن عادل ... ولا فخروا بالفخر عند الثعالبي
وان حدثوا قال البخاري ليته ... تقدمني يوماً ليسند جانبي
وان ذكروا الاسناد سلم مسلم ... فمن فوقه حتى البراء بن عازب
ومهما رووا قال الامامان سلموا ... له فهو منا عوض ضربة لازب
ومهما نحوا بز الكسائي ثوبه ... وجر به عمرو ذيول المآرب
وان وزنوا قال الخليل بن أحمد ... عروض عروضي ثم غير مناسب
وان نظموا قال ابن أوس مدائحي ... سبايا وقال البحتري نسائي
جواد تناجي الفكر آثار جوده ... بأن ثرى ناديه مثوى المواهب
لقد سارت الركبان شرقاً ومغرباً ... بأوصافه الغر النقايا المناقب
ترقرق ماء الشرفية ورنقت ... على خلقه الأيام صفو المشارب
له سؤدد لو كان للشهب أصبحت ... شموس نهار لا نجوم غياهب(1/180)
وثمة أراء بنجح حوافظ ... تسدد من أطراف سمر سوالب
تقلم أظفار المكارم تارة ... وتمسح طوراً عن وجوه المطالب
من القوم يثني نحو سدة مجدهم ... عنان القوافي والثنا المتراكب
وان كثروا احصوها بفضل بيانهم ... على ذلك التدوير زهر الكواكب
كأني وقد أسجيته المدح ريطة ... ثنيت على عطفيه حلة كاعب
أحييه بالمدح الذي فاح نشره ... وأودعه قلباً نزوع المآرب
ولي أمل أرجو به طول عمره ... يجدد ما أبلته أيدي الحقائب
فلا زال يبقى للأنام يفيدهم ... علوماً كحد الماضيات القواضب
وكأنت وفاة المترجم في قسطنطينية في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب سنة أربع وعشرين ومائة وألف ودفن خارج باب أدرنة وفي حصر أثاره واستقصائها تجأوز الحد وكمال التطويل رحمه الله تعالى.
أحمد السابق
أحمد بن محمد بن علي بن عبد القادر العراقي الحدادي المعروف بالسابق الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح الفاضل الأديب اللوذعي الأريب الصوفي كان ممن كرع من حوض العلوم وتفيأ ظلال الكمال والأدب الكامل وله أشعار كثيرة وترجمة الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أحد من جال في ميدان هذا الطابق وجرى في حلبة رهانه فكان هو السابق شرع في طلب الكمال فنال المرام وقال في صوته النوم على الأجفان حرام وجد وما قصر وطمع وربما أبصر وله أشعار أكثرها على لسان القوم قد عام في مداركها أي عوم رأيته وبياضه بالكتم مكتوم راضياً من الزمن بالأمر المحتوم الا أن نكته العذب المساغ بل الذهب الذي هو للأجياد مصاغ وقد أثبت من شعره اللامع ما يطرب به المنشد السامع أنتهى مقاله وأجار له الشيخ مصطفى السواري شيخ المحيا بدمشق بعد أن قرأ عليه الفقه وأصوله وله من التأليف مختصر الاتقان للسيوطي ومن شعره قوله من بحر السلسلة
من عرك بالصد للمحب وأغراك ... ترمى بسهام عن اللواحظ سفاك
يا ظبي كناسي ويا خلاصة ناسي ... كم عهدي تنسى وليس قلبي ينساك
يا نعم جليس ويا أعز أنيس ... لا عاش عزول على تلاقي ولاك
يا سالب لبي ويا حشاشة قلبي ... ما لكشف كربي بطيب ساعة لقياك
لقياك مرامي وفيك زاد هيامي ... ارحم لسقامي ودع لعاذل ينهاك(1/181)
أصبحت وجالي من الصدود عجيب ... هل منك مجيب يفك عقدة أسراك
قد ردت بنحبي وما درى بي صحبي ... لا تحرق قلبي فإن قلبي مأواك
أشمت حسودي وقد نقضت عهودي ... وزدت بصدي وبات طرفي يرعاك
يا خير نبي له الفضائل تعنو ... قد حزت فخاراً وقد أعزك مولاك
يا صفوة ربي عساك تجبر قلبي ... اذ مدحك دأبي أروم وصف سجاياك
لا أقدر أوفى ببعض بعض مديح ... في بدر مليح له المحامد أفلاك
وقوله ملغزاً
اسم الذي طرزت نظمي به ... أوله يسحر عقل الأديب
والثاني يا صاح عذار الذي ... أهواه والباقي دعاء الحبيب
وقال مخمساً
تذكار عهد بالوصال تقدما ... سلب الرقاد ورض مني الاعظما
فلذا أقول من الغرام تبرما ... لله موقفنا العشية بالحمى
ودموعنا شرقت بها الالحاظ
ولقد كفى من أدمعي ما قد جرى ... ومن الهوى ما بيننا ياما جرى
مما يزيد به الفؤاد تسعرا ... والعاذلات هواجع خاط الكرى
أجفانها وذوي الهوى ايقاظ
آه على ذاك اللقاء وطيبه ... في مربع فاز الشجي بحبيبه
أكرم به لو تم لي أحبب به ... فسقى الحياء وأدمعي ربعا به
فست القلوب ورقت الالفاظ
وقال أيضاً مخمساً
ان الذين مضوا لقد حازوا العلا ... بمكارم الأخلاق ما بين الملا
قل للذي في عصرنا رام اعتلا ... يكفي الذين تقدموا شرفا على
من بعدهم وطئوا على الغبراء
قوم كرام شاع سامي فخرهم ... بودادهم ووفائهم وببرهم
ان لم أنل فوزاً بسالف عصرهم ... اني لأحيا أن مررت بذكرهم
وأموت من نظري إلى الاحياء
وقال مخمساً بيتي القاضي رضي الدين الغزي
ان من أعرض عنافاته ما يتمنىقد تركناه وقلنا
كل خل مل منا ... خلنا بالله منه(1/182)
عله قد ساء ظناًفبنا أورث ضغنافنجازيه ويعني
هو لا يسأل عنا ... نحن لا نسأل عنه
وقال مخمساً بيتي الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
تهاجمت الأهوال من كل جانب ... علي ودهري خصني بمصائب
وقوم رأوني ذا جفون سواكب ... يقولون ان الصرا كرم صاحب
صدقتم ولكن قد تقضي به عمري
فيا قوم من لي قد اضر بي العنا ... ولم أدر يوماً أية ساعة الهنا
هبوا ان صبري صار طبعاً وديدنا ... إذا كنت ذا صبر ولم أبلغ المنى
ومت أنا من يجتني ثمر الصبر
وله غير ذلك وكأنت وفاته في سنة احدى وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه ورحمه الله تعالى.
أحمد الخليفي
أحمد بن محمد بن عطية بن أبي الخير القاهري الشافعي الشهير بالخليفي الشيخ الامام العالم العلامة المفنن الفقيه المحقق أبو العباس شهاب الدين أخذ عن الشمس محمد ابن دأود العناني والجمال منصور بن عبد الرزاق الطبوخي والشهاب أحمد بن عبد اللطيف الشبيشي وغيرهم وكان فرداً من أفراد العالم وكأنت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة وألف ورثاه تلميذه الجمال عبد الله الشبرأوي بقصيدة طويلة مطلعها
لا تأمن الدهر ان الدهر خوان ... يعطي ولكن عطايا الدهر حرمان
ولا تخل ان عين الدهر نائمة ... الدهر يقظان والانسان وسنان
لا تحسبن المنايا عنك غافلة ... لها اليك وان لم تدر امعان
كل ابن انثى فان الموت يصرعه ... قد استوى فيه أشياخ وشبان
وهي طويلة مشتملة على محاسنه وقد كان آية من آيات الله العظام رحمه الله تعالى
أحمد السلامي ابن أغري يبوزي
أحمد بن محمد السلامي الشهير بابن أغري يبوزي الدمشقي كان أحد أعيان جند دمشق أديباً نحوياً صوفياً بارعاً منشياً وله شرح على الشاهدي بالعربي وأودعه مقولات مستحسنة وكان مسكنه في دار بمحلة سوق صاروجا وصار تذكره جي دفتر خانة التيمارات التي كأنت سابقاً في دمشق ورفعت عنها وسافر(1/183)
إلى الحج الشريف وحبس في قلعة تبوك في سنة خمس عشرة ومائة وألف بأمر من أمير الحاج اذ ذاك الوزير محمد باشا ابن كرد بيرم لما بلغه أنه يتكلم بحقه بعض كلمات لا تليق به وأنه مراده يجعل صرا لبعض العرب وكان أخذه من دمشق كتخدا له ثم بعد مدة أطلقه وعاد إلى دمشق وأخذ بدمشق عن الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه الفتوحات المكية لابن العربي رضي الله عنه ولازمه واختص بصحبته وكان للأستاذ نظر عليه وكان عليه تيمار قرية حلبون بدمشق وترجمه خاتمة البلغاء السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه تذكرة العرب المتوفر فيه من الأدب الأرب بحسن أداء يعرب ويطيب ولطف خلق كل عضو فيه لسان رطيب وله شعر كالروض فتح الندى وجه ثراه فاستيقظ ثواره ونثر كأنه سقيط فيه در وقد تجسمت نوراً أنواره أغرب فيهما أحسن أغراب وأعرب عن فهمه بحسن تخيله أبدع أعراب فكأن حبيباً من لهجته تعلم والوليد على لسانه تكلم وهو رفيقي من عهد معرفتي الرفاق وزميلي في العشيرة التي أسست على محض الوفاق ولي معه مجالسات يستعير منها النسيم فضل التلطف ويأخذ عنها الهزار والغصن حسن الترنم والتعطف فتعطر منها مجامر الزهر في الأندية لنسائم الاسحار حواشي الأذيال والأردية ان سكرت بكلامه فنديمي ذكراه وتهدي لي شمائله الصا فيبعث إليه الروح في مسراه ويتحفني بكل ما يملك لب الاحسان مقتنيه ويدل على ما يثمر جمع الحسن مجتنيه فمما أملاه علي وهداه إلى قوله
علقته ذا قوام ماس من هيف ... كالغصن يعطفه من لينه الميد
يرنو بفاترة الأجفان فاتنة ... بالسحر غضبانة ما شأنها القود
بنغنغ فوق جيد أجيد يفق ... كذائب الدر تحت الدر يتقد
ممنطق فوق خصر دق عن نظر ... كالخيزرانة لطفاً كاد ينعقد
والردف مثل كثيب هامل ترف ... ان رام نهضا به الا امواج تطرد
وقوله
علفته ذا نواس مترف غنج ... كأنه كوكب يزهو بأطلسة
قد رق لطفاً فلو في لحلم أبصره ... أدماه في الطيف فكري في تخلسه
ضنيت سقماً فلو جس الطبيب يدي ... لم يلق منبي عضواً في تجسسه
وقد خفيت فلو وهم توهمني ... لما اهتدى لي وهم في توجسه
والنفس طارت شعاعاً في تنفسها ... مثل لحباب تفانى في تنفسه
وقريب منه قول ابن القيسراني في وصف شمعة(1/184)
يا حسنها من شمعة ثوب الدياجي احرقتفاعجب لها لابها
تفنى إذا تنفست
وقول المترجم قد رق لطفاً البيت من قول خالد الكاتب
توهمه طرفي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحه كفي فألم كفه ... فمن لمس كفى في أنامله عقر
ومر بفكري خاطراً فجرحته ... ولم أر خلقاً قط تجرحه الفكر
وقريب منه قول إبراهيم النظام
عجباً أعوازك الماء وأطرافك ماء ... كيف لا يخطفك الظل ويحويك الهواء
وخفي اللحظ يدميك وان عز اللقاء ... يا بديعاً كله غنج وشكل وبهاء
وقوله
رق فلو بزت سرأبيله ... علقه الجو من اللطف
يجرحه اللحظ بتكراره ... ويشتكي الايماء بالكف
وقوله
ومز نرقسم الا له مثاله ... قسمين من غصن ومن رمل
فإذا تأمل في الزجاجة ظله ... جرحته لحظة مقلة الطل
ومنه قول عبد الصمد البغدادي
اضمران اضمر حبي له ... فيشتكي اضمار اضماري
رق فلو مرت به ذرة ... لخضبته بدم جاري
ولشيخ الاسلام البدر الغزي العامري الدمشقي
توهم اني ربما زرت طيفه ... فأمسى شهيداً حيثما لمع الصبح
وخيل بأن لي فكرة فيه فأنثنى ... ومن خده من وهم فكري به جرح
وقال آخر
نظرت إليه نظرة فتحيرت ... دقائق فكري في بديع صفاته
فأوحى إليه الوهم اني احبه ... فأثر ذاك الوهم في وجناته
وألطف منه قول الأديب اللوذعي مصطفى البأبي الحلبي من قصيدته الميمية
صنم كأن الله صوره من الأرواح جسماً ... فكأنما مزج الصبا حتى تكون منه بالما
وجناته دقت فكادت من خيال الوهم تدمى خفض عليه أيا نطاق فقد كددت الخصر ضما
واخفف مرورك يا نسيم فقد خدشت الخد لثما
والمعنى كثيراً ما تدأولت به الشعر أفلنمسك عنه عنان القلم ونقول من شعر المترجم قوله(1/185)
يا ليلة سمحت حواشي بردها ... واحلولكت بظلام هجر مسبل
لما اكفهرت أقمرت بجبين من ... رغمت بزورتها انوف العذل
فطفقت أفرش في ممر نعالها ... أهداب أجفان بدمع مهطل
بتنا جميعاً والنجوم شواخص ... ورقيبها يرنو بطرف أجدل
فتنبهت وسناء تمسح عن نوا ... ظهرها الكرى بتذلل وتململ
فلحظت ما سترت ذوائبها إذا ... أثر جناه ساعدي ومقبلي
عاينت رصة قرطها في جيدها ... تحكي بنفسجة بصفحة جدول
وله أيضاً
قد زارني في الدجى والشمس طلعته ... حتى ظننت نهاراً حالك الظلم
يرد طرفي لآلاء بوجنته ... ويلاه لا نظرة يشفي بها سقمي
مشى يرنح خوط البان من هيف ... على نقا خلقت من لؤلؤ هضم
صيغ الجمال على تمثال صورته ... فاستغرق الحسن بين الفرع والقدم
سبحان من صاغ من ابداع قدرته ... روح الجمال ولكن حل في صنم
ومنه قول الحشري
وذي دلال كان الله صوره ... من جوهر الحسن لولا أنه شبح
وقول المتنبي
لعبت بمشيته الشمول وجردت ... صنماً من الأصنام لولا الروح
وقول الأديب حسين ابن الجزري الحلبي
نتفداك ساقياً قد كساك ال ... حسن من فرقك المضئ لساقك
تشرق الشمس من يديك ومن في ... ك الثريا والبدر من أطواقك
أوليس العجيب كونك بدراً ... كاملاً والمحاق في عشاقك
فتنة أنت اذ تميت وتحبي ... بتلاقيك من تشا وفراقك
لست من هذه الخليقة بل ان ... ت مليك أرسلت من خلاقك
وللمترجم غير ذلك وكأنت وفاته فجاة بعد ما شرب القهوة يوم الجمعة سابع رجب سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله.
أحمد المهمنداري
أحمد بن محمد بن عبد الوهاب الحلبي نزيل دمشق والمفني الحنفي بها المعروف بالمهمنداري العالم الجليل العلامة المحقق المدقق البارع كان من أفاضل الأجلاء عالماً ماهراً متضلعاً من علوم شتى حسن الخلق متودداً مع الخلق عفيفاً ولد في سنة(1/186)
أربع وعشرين بعد الألف كما نقلته من خط الفاضل الشيخ إبراهيم الجينيني وذكر انه استملاه من لفظه وطلب العلم على جماعة منهم والده العلامة المولى محمد أحد الموالي الرومية المتوفي عن قضاء أيوب بدار السلطنة قسطنطينية في سنة ستين بعد الألف والعالم المحقق الشيخ محمد نجم الدين الحلفأوي الحلبي وغيرهما واتقن كثيراً من العلوم وصار علماً لا يحتاج إلى اشارة وظهر علمه وفضله وقدره وقدم إلى دمشق الشام واستوطنها وألقى بها عصا التسيار وحل بها محل الندى في عيون الأزهار وتصدر للأفادة والتدريس وتولى الافتاء بها في رمضان سنة ست وسبعين بعد الألف وباشرها وفتأويه متدأولة بين الناس وتولى نيابة الباب بدمشق وتدريس السليمانية ولم يعهد منه انه شتم أحداً وذكره العلامة الشيخ إبراهيم الخياري المدني في رحلته الرومية واثنى عليه وقال انه أسمعه بعض مباحث في التفسير له وعلى كل حال فإنه ممن ازدان به الزمان وتباهى وترجمه الأديب السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وأثنى عليه وقال في وصفه اتخذ الثريا مصعداً وورد المجرة مقعداً ثم طلع شنباً فكان في ثغر الشام وهب نسيماً فحرك طرباً أغصان البشام واستقر روضها الزاهر استقرار الغمض في الجفن الساهر فقيد الأعين بصفاته كما عقل الأفكار بلحظه والتفاته وهو نسيج وحده استيلاء على الفضل واشتمالاً ووحيد نسجه ابداعاً لتحالف المقول واعتمالاً يتحلى بخلق لو كان للروض ما ذبل في الشتاء نوره وفكر يدرك غور البحر ولا يدرك غوره وحلم ما شيب بوهن وتثبت لم يخف له وزن يصعب أغضابه ويسهل ارضاؤه ويفيض اقباله ولا يتوقع اغضاؤه ويقرب الزمن في عطفه ولا يتراخى المدى إلى لطفه وهناك أدب بسلسل الرقة يتدفق وطبع عن زهر الرياض يتفتق فإذا تفوه بسطت الحجور لالتقاط لآليه وإذا املأ ترك الملأ املأ أماليه وهو أحد من حضرت عنده واقتدحت في الافادة زنده وكان هو وأبي عقيدي صحبه وأليفي مودة ومحبه وبينهما لحمة ليست سداً واتفاق ليس الا ببر فضل وندا وكان أبي يقول فيه لم أر مثله كثرة اناءه وتجنب بذاءة واساءة وتناسب ذات ونعت وتوافق سجية وسمت تروق أنوار خلاله وأدبه تنفس الرياض في خلاله وقد أوردت له من شعره الرقيق ما هو أعذب من ريق الندى في ثغور الشقيق أنتهى ما قاله ومن شعره قوله من قصيدة
دون رشف اللمى وضم النهود ... طعنات المثقف الاملود
واقتحام المنون اجدران ... اعقب وصلاً بحال كل عميد(1/187)
مهج العاشقين منذ قديم ... خلصت للبلاء والتنكيد
من لقلبي باغيد قسم القل ... ب بعضب من اللحاظ حديد
ألف النفرة التي تعقل العق ... ل وتذري الدموع فوق الخدود
قال الامين وكتب إلى والدي
حيتك فصل الله ديمة سؤدد نشأت بمجدكوعلتك أنواع السعا
دة فاغتنم أشراق سعدكوكذا الفضائل والفواضل والمكارم حشو بردك
أما القريض ونسجهفلأنت فيه نسيج وحدكبك جلق فخرت كما
بأبيك قد فخرت وجدكمولاي فكري قاصرعن ان يحيط بكنه حدك
فاعذر ودم بمسرة ... تبقى على الدنيا بودك
فراجعه بقوله
هل زهر روض أم زواهرا نجم أم در عقدكأم روضة قد فاح من
ريا رباها عرف ندكأم ذي بدور أشرقتفي حينا من أفق سعدك
يا مفرد العصر الذيلم تسمح الشهبا بندكأنت الذي افتخرت بفض
لك أهلها من عصر مهدكولك المعارف والعوارف واللطائف قدح زندك
أرسلت نحوي غادةألفاظها شهدت بشهدكحيت فأحيت مغرما
قد كان منتظراً لوعدكواليك مني روضةبالود زاكية بحمدك
وافت علي ظماء بهاتبغي الورود لعذب وردكفأقبل بفضلك عذر من
يرعى الوفا بوثيق عهدك
ودعاه الخطيب المحاسني إلى داره وقمر سعده اذ ذاك في ابداره فلما طابق خير المجلس مخبره وأطلق فيه عوده وعنبر أنشد بدبها
قد حللتا بمنزل راق حسناً ... وبهاء وحاز لطفاً عجيبا
ضاع مسكاً وكيف ينكر هذا ... منذ ضم الخطيب ضمخ طيبا
وقد تنأول هذا الجناس من قولهم بعضهم
ملئ المنبر مسكاًمذ به قمت خطيباًأترى ضم خطيباًأم ترى ضمخ طيباً
قال الأمين وأنشدني من لفظه لنفسه معنى ما زلت أحمق به فكري وأتمنى لو كان لي بكل شعري وهو هذا
مذ رأى الورد على أغصانه ... خد من أهواه في الروض الأنيق
صار مفمي فلطيف الطل قد ... رش في جنته كي يستفيق
ولصاحب الترجمة مؤرخاً عام اتمام بناء قاعة صدر دمشق حسين باشا المعروف(1/188)
بابن قرنق في سنة سبع وسبعين وألف الكائنة في صالحية دمشق
لقد شيد الشهم الحسين الذي له ... مآثر مجد لا يحيط بها عد
بناء إلى أعلى السماكين أرخوا ... هي القاعة الحسنا لطالعها السعد
وله في القرنفل قوله
قرنفل في الرياض هيئته ... تحكي وقد مد للسحاب يدا
فوارة من زبرجد فنقت ... ففار منها العقيق وانجمدا
وله فيه أيضاً
هذا القرنفل قد بدافي لونه القاني يحمدفكأن مرآه الأنيق
لدى الرياض إذا تبددقطع العقيق تناثرتفتخطفته يد الزبرجد
ومن ذلك للأديب مصطفى ابن بيري الحلبي فيه
الا حبذا في الروض زهر قرنفل ... ذكي الشذا قاني الأديم مورد
إذا ما بدا للناظرين حسبته ... مجن عقيق فوق رمح زبرجد
وقوله فيه
قرنفلنا يحكي وقد ضاع نشره ... ولاح لنا في ثوبه المتوقد
صحافاً من الياقوت قد نصبت لها ... سواعد الا انها من زجرجد
ومن ذلك قول البارع المجيد السيد عبد الرحمن ابن حمزة الدمشقي
أهدى لنا الروض من قرنفلة ... عبير مسك لديه مفتوت
كأنما سوقه وما حملت ... من حسن زهر بالطيب منعوت
صوالج من زبرجد خرطت ... لها الغوالي كرات ياقوت
وقوله
وجنى من القرنفل يبدو ... لك عرف من نشره بابتسام
فوق سوقي كأنها من أباري ... ق الحميا مساكب للمدام
وسدت فوقها السقاة خدوداً ... داميات منها مكان الفدام
وقوله
قم بنا قرنفل يا نديم فالطير غرد ... لمدام كؤسه تتوقد
فلدينا قرنفل قد نماه ... جبل الفتح نشره قد تصعد
بين سوق عوج الرقاب لطاف ... شعرات من لينها تتجعد
وقوله(1/189)
أرى زهر القرنفل قد علته ... قدود ترجحن به قيام
أخال لو أنها أعناق طير ... نهض به لقلت هي النعام
توقد زهره جمراً لدينا ... وتلك لها من الجمر التقام
وقوله في الأبيض
ما ترى ناصع القرنفل وافى ... بتحايا الشميم بين الزهور
قضب من زبرجد حاملات ... قطعاً فككت من الكافور
وللأديب الامير منجك المنجكي
قرنفلنا العطري لوناً كأنه ... رؤس العذارى ضمخت بعبير
مداهن ياقوت بأعلى زبرجد ... لقد أحكمت صنعاً بأمر قدير
ومن ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
كأن قرنفلاً في الروض يسبي ... شذا رياه منتشق الانوف
سواعد من زبرجد قائمات ... بلا بدن مخضبة الكفوف
وقوله
قم يا نديمي لداعي اللهو منشرحاً ... فقد ترنمت الورقاء في الورق
وانظر إلى حسن ياقات القرنفل ما ... بين الربا نفخت كالمندل العبق
أطفى النسيم لهيباً من مشاعلها ... في ظلمة الروض حتى حمرهن بقي
وقوله
هيا بنا فالطير صاح مغرداً ... ما ان يقاس لدى الورى بمغرد
والروض مدمن القرنفل للندى ... كاسات در في زنود زبرجد
وقوله في المشرب بحمرة
وزهر قرنفل في الروض يحكي ... قطور دم على صفحات ماء
رأى وجنات من أهوى فأغضى ... فبان بوجهه أثر الحياء
ومن ذلك قول العلامة السيد الأمين المحبي الدمشقي
وافى القرنفل معجباً فينا بمنظره الانيق ... يبدي زنود زبرجد حملت تروساً من عقيق
ومن ذلك قول الكاتب الاريب السيد سليمان الحموي وكان محمر القرنفل اذ بدا عطر ندى أفلاذ ياقوت جمعن برستبان زبرجد وفي ذلك للشعراء مقولات كثيرة ومقاطيع شهيرة فلنمسك عنان القلم عن تحريره وللمترجم غير ذلك من الشعر وكان جدي والد والدي اتصل بابنة ابنه المولى الفاضل عبد الرحمن المهمنداري المتوفي في سنة ثمان عشرة ومائة وألف(1/190)
وتوفت قبله بسنة وكأنت وفاة المترجم في ليلة الاثنين ثالث عشر جمادي الثانية سنة خمس ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه وكان يوم موته مطر غزير والمهمنداري نسبة إلى جامع المهمندار بحلب لكون جده كان اماماً به رحمه الله.
أحمد الباقاني
أحمد بن محمد الشافعي الباقاني النابلسي الشيخ العالم الفقيه المحدث الاصولي المفسر المتكلم النحوي المنطقي الأديب الفاضل كان من العلماء الأجلاء ولد في سنة ثمان عشرة ومائة وألف وأخبر أنه لا يعي نفسه الا في تلأوة القرآن وتجويده والاعتناء بحفظه وحفظ المتون وتحصيل الفنون وحفظ القرآن العظيم على العالم الصالح الشيخ السيد محمد السقيني العباسي النابلسي الشافعي مع جملة من المتون كالجوهرة والسنوسية ومقدمة ابن الجزري وغير ذلك وقرا عليه طرفاً من الفقه ورباه وتخرج عليه وبالغ في نصحه وحثه على الطلب وكان من أكابر الصالحين الأجواد جامعاً بين الشريعة والحقيقة وقد لقي الأكابر وأخذ عنهم العلوم وحضر معه المترجم مجلس الشيخ محمد الخليلي المحدث المقدسي واستدعى منه أن يسمعه الحديث المسلسل بالأولية فأسمعه اياه بسنده ثم قدم المترجم دمشق ومكث فيها مجأوراً مدة وأخذ عن شيوخها أنواعاً من العلوم كالتفسير والحديث والفقه والأدب والتصوف وغير ذلك منهم الاستاذ الشيخ علي بن أحمد كزبر الدمشقي قرأ عليه كتباً عديدة في الفقه ومنهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي حضر في دروسه في البيضأوي وفي صحيح مسلم وفي الشمائل وأجازه اجازة عامة بسائر مؤلفاته ومروياته وقرأ على الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق جملة من الرسائل في التوحيد وغيره ومنهم الشيخ إسماعيل بن محمد جرح العجلوني حضر عليه وسمع منه طرفاً من صحيح البخاري وحضر دروس الشيخ أحمد بن علي المنيني الدمشقي في البخاري وأجازه اجازة خاصة ومنهم الشيخ مصطفى ابن سوار المحيوي حضر دروسه في البخاري وأجازه به وبغيره وقرأ في الفقه والعربية على الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي الدمشقي وحضر دروس الشيخ موسى بن أسعد المحاسني الدمشقي في البيضأوي وغيره وقرأ عليه شرح الكافية للجامي بتمامه مع حاشية عصام الدين عليه وعلى الشيخ محمد بن محمود الجمال الدمشقي وحضره في دروس البيضأوي وقرأ على الشيخ عبد الرحيم المخللاتي الدمشقي رسائل في المنطق وقرأ في النحو على الشيخ(1/191)
حسن المصري نزيل دمشق وحضر دروس الشيخ عبد الله البصروي الدمشقي ومنهم الشيخ محمد الكردي المعروف بأبي قميص نزيل دمشق قرأ عليه شرح مقدمة الجزري للقاضي زكريا وقرأ على الشيخ محمد بن عبد الغني العجلوني نزيل دمشق وغيرهم وعادت عليه بركاتهم وتنبل وحصل وتفوق وعاد إلى نابلس واستقام يفيد ويقري واشتهر فضله ونبله وأخذ طريق السادة الخلوتية عن العارف الشيخ مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي ولازمه مدة وأثنى عليه الاستاذ المذكور وبالغ في مدحه ورقة فهمه وسعة اطلاعه وألف رسائل في علوم المادة متعددة وكتابة على شرح المنهاج لابن حجر فائقة وبالجملة فقد كان من أخيار العلماء في عصرنا الأخير ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة خمس وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
أحمد البهنسي
أحمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الحق المعروف كأسلافه بالبهنسي الحنفي الدمشقي الفاضل الفقيه الأديب كان من الأفاضل المنوه بهم كاملاً بارعاً نبيهاً فائقاً ولد بدمشق في سنة أربع وعشرين ومائة وألف وبها نشأ في صيانة وديانة واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ محمد الغزي قرأ عليه في النحو شرح الشذور لمصنفه وشرح الالفية لابن الناظم وشرحها للاشموني مع مطالعة بعض الحواشي ولازم الشيخ إسماعيل العجلوني أيضاً وأخذ عن الشيخ حسن الكردي نزيل دمشق ولازمه مدة ومهر وفضل وحصل فضيلة حسنة وتصدى للاقراء والافادة في النحو والصرف والمعاني والبيان واشتهر وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه فاضل روضه خصيب وفايق فكره مصيب نشاء في حجر الصيانة وترعرع ما بين طاعة وديانة فشمر للتحصيل عن ساق وأطلق العنان في ميدانه وساق فأدرك الخصلة المحسودة وأكبت بها شانيه وحسوده بغض طرف عن المحارم ولواء عن الجرم والجارم فما عهدت له صبوه ولا زلت به كبوه منزل خاطره في رياض طروشه وشاغلاً ضمائره في استنساخ دروسه وكنت واياه نستقبل باردة الطلب وتقابل الصباح بمحأوراته حتى نعود مجس المنقلب الا أنه ما رث جلباب شبابه وما خلق حتى عاد إلى ما منها خلق وذوت ريحانة تلك الرونق وصار عليه الزمان وهو المغلط المحنق وله شعر قليل كنفس الصبا العليل وقد أثبت منه ما هو مستجاد ويشبب به في الأغوار والأنجاد أنتهى مقاله وله الشعر الحسن فمن ذلك قوله(1/192)
لما رأيت بنات نعش أدبرت ... والليل مدمن الظلام رواقا
والسحب قد وكفت دموع جفونها ... والرعد صاح وطبق الافاقا
أيقنت أن الصبح مات وقد كسى ... الليل السواد لفقده الاشراقا
هو ناظر لقول الأديب أحمد بن منقذ
لما رأيت النجم ساه طرفه ... والقطب قد ألقى عليه سباتا
وبنات نعش في الحداد سوافرا ... أيقنت أن صباحه قد ماتا
وللمترجم
والله ما كنت أدري أن سيبعدنا ... هذا الزمان وسمط الود ينفصم
لكن يد القدر المحتوم قد رقمت ... به فحمد العل الشمل ينتظم
وقوله
أفديه ريمي المعاطف والطلا ... حلو المراشف مر بي يتبسم
يومي بحاجبه أتصبر للهوى ... وبطرفه قلب الشجى يكلم
وقوله مضمناً
ظبي أنس حاز أنواع البها ... وحكى غصن النقا لما اعتدل
رمت منه الوصل كي أحيا به ... فبدا في وجهه ورد الخجل
فأنتضى صارم لحظ باتر ... وغدا يشحذه منه الكحل
لا تلمني ان سطت ألحاظه ... يا ابن ودي سبق السيف العذل
وقوله
وإذا رمت رؤية الحب يوماً ... ابتلاني الآله بالرقباء
فينادي الفؤاد مما اعتراه ... آه من شدتي وفرط عنائي
هكذا الدهر شأنه عكس آما ... ل محب بل ذاك حكم القضاء
وقوله من قصيدة مطلعها
أبدى السلو لعذال وقد كتما ... وجداً فنم به الدمع الذي انسجما
متيم نسجت أيدي الغرام له ... ثوب الضنى فكست جثمانه سقما
لا يهتدي الطرف من وهن إليه وقد ... يكاد ريح الصبا يؤذيه ان نسما
وكيف يسلو رسيس الحب من لعبت ... به المحبة مذ لم يبلغ الحلما
فيا عذولي دع عتب المشوق فلا ... يصغي اليك كأن في سمعه صمما
ولا يميل إلى لاحيه في عذل ... فكيف يصبر فان والغرام نما
ففي حبائل هذا الظبي قد علقت ... حشاشة والحشا من حبه انفصما(1/193)
قد كان يجدي ملام قبل ما عبثت ... به الصبابة أما بعد ذاك فما
لا يشرئب إلى نصح النصوح شج ... قد خاض تيار بحر الحب حين طما
فيا خليلي هلا تسعفان فتى ... من حمل أعباء داعي الشوق قد سئما
يبيت يسبل دمع العين من حرق ... على سعير غضا في القلب قد ضرما
وليس بالدمع ما تذري المحاجر بل ... نار الهوى قد أذابت قلبه فهما
وقوله
لما تمنع عن وصال متيم ... ظبي يصيد بني الهوى بخداع
أملت من دهري الفراق سفاهة ... كيما أقبل خده لوداع
هو من قول بعضهم
أرأيت من يرضى الفراق لألفه ... أنا قد رضيت لنا بأن نتفرقا
لأفوز منه بقبلة في خده ... عند الوداع ومثلها عند اللقا
وقد يقرب منه ما ذكره ابن خلكان في ترجمة ابن ماهان الخزاعي قال وكان قد مرض فعاده الوزير فلما انصرف عنه كتب إليه ما أعرف أحد أجزى العلة خيراً غيري فإني جزيتها الخير وشكرت نعمتها علي اذ كأنت إلى رؤيتك مودية فأنا كالأعرأبي الذي جزى يوم البين خيراً فقال
جزى الله يوم البين خيراً فإنه ... أرانا على علاتها أم ثابت
أرانا دبيبات الخدود ولم نكن ... نراهن الا يانعات البواغت
ومثله ما كتبه البحتري إلى ابن غانم وقد مرض فعاده الوزير وهو
يا أبا غانم غنمت ولا زا ... لت عهاد الوسمى تسقي بلادك
ليت أنا مثل اعتلالك نعتل ... ل على أن يعودنا من عادك
أبهجت زورة الوزير أودا ... ك جميعاً وأرغمت حسادك
وقد رأيت بخط العلامة الأديب السيد محمد الأمين المحبي الدمشقي ما نصه مما اتفق لي أني حصل لي بعض توعك فعادني بعض أصدقائي ممن أوده فكتبت إليه
أن يوماً مرضت فيه لعمري ... خير يوم فديته من يوم
قد شفاني فيه حضورك عندي ... وبه الفخر نلت من بين قومي
وللمترجم مشجراً
عذاب جسمي مقيم في هوى عمر ... وحبه عن فؤادي غير منصرف
مضى وأخلفني وعد وثقت به ... فزال صبري وزاد الدمع في الذرف
رحماك ما فيك من عدل ومعرفة ... فقال نكرتني في العشق فانصرف(1/194)
وله
لو بيع بالشهباء جامع جلق ... يوماً لأضحى البائع المغبونا
هل مثل جامعها الرحيب وماؤه ... يحكيه ماء سيما جيرونا
وله
جس نبضي الطبيب لما رآني ... ذا نحول وقال داء عضال
ألم حل في سويدا فؤادي ... ليس يرجي يا صياح منه نصال
قلت حقق مما اعتراني فنادى ... أنت أدرى مما اعتراك الهزال
قلت صرح فإنني ذو ذهول ... لست أدري فقال هذا محال
كيف ينسى ما خامر القلب واللب ... ب وفي الفكر دائباً لا يزال
وأشنى قائلاً بماذا أدأوي ... داء صب أضناه حبا غزال
وله
يا نجل طه اني محب ... وجدك المصطفى المطهر
وقد روينا معنى حديث ... المرء مع من أحب يحشر
وله
يا فريد العصر يا من هو في العلياء نجم ... لا تسئ ظنك فينا ان بعض الظن اثم
ومن ذلك للشيخ منصور الدمشقي خطيب السقيفة قوله
عاذلي ظن قبيحاً مذ رأى عشقي ينمو ... ظربي ما هو فيه ان بعض الظن اثم
وله أيضاً
ظن بالناس ميلاً واتبع الخيرات تسمو ... واجتنب ظناً قبيحاً ان بعض الظن اثم
وفي ذلك للعلامة الشيخ عبد الباقي حفيد بن غانم المقدسي المصري
صادني خشف ربيب ... فاتن بالحسن يسمو
ظن عذالي سلوى ... ان بعض الظن اثم
وله
وأغيد حيي بتفاحة ... محمره اللوان ذات اصفرار
يفضح غصن ألبان أن ماس بال ... الأعطاف والبدر وشمس النهار
فقال خذ شاهد جمالي بها ... ان لم يكن للوصل عني اصطبار
فعندي اللون خدي إذا ... ضممته للثم غب النفار
ولونها الآخر يحكيك إذا ... نأى وقد شط بحبي المزار
وله(1/195)
سألتها عن فؤادي حين سار بها ... وظل في طرق البيداء يرعاها
قالت لدى قلوب لست أحضرها ... فأيها يا معنى قلت أشقاها
وأصله قول ماميه الرومي نزيل دمشق
سألتها عن فؤادي أين مسكنه ... فإنه ضل عني عند مسراها
قالت لدى قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني قلت أشقاها
وللمترجم قوله
ها هو بليل عذار الوجه حين دجى ... كأنه روضة حفت بأحداق
ما ذاك الأغراب البين ينعق في ... اطلال حسن عفت من لثم عشاق
أو بدرتم أحاط الحسف دائره ... فأظلم الأفق منه بعد الأشراق
وله
أقول لعاذل مذ لام جهلاً ... أما تسلو هوى هذا الغلام
سلوى والوصال ونوم عيني ... حرام في حرام في حرام
أقول هذا النوع تسميه أهل البديع التطريز وهو أن يبتدي المتكلم بذكر جمل من الذوات غير مفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قرره في تلك الجمل الأول وقد أكثر الشعراء في ذلك فمنهم قول عز الدولة أبو منصور بختيار
وفاؤك لازم مكنون سري ... وحبك غايتي والهم زادي
وخالك مع عذارك في الليالي ... سواد في سواد في سواد
ومنه قول بعضهم
أيا قمراً تبسم عن أقاح ... ويا غصناً يميل مع الرياح
جبينك والمقلد والثنايا ... صباح في صباح في صباح
قال الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في بديعيته المسماة نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبي المختار عند ذكر البيت والكلام عليه وعائشة الباعونية لم تنظم هذا النوع مع أن التطريز من عادة النساء وقد تلطف رضي الله عنه وكأنت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأربعاء ثامن عشر جمادي الأولى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
أحمد الكجي
أحمد بن محمود بن محمد بن محمد بن جانبك الكجي العصروني الحنفي الدمشقي الأديب كان بارعاً لطيف الطبع والذات ويتولى بدمشق نيابات الحكم كالكبرى والميدان(1/196)
وترجمه خاتمة البلغاء السيد محمد أمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه روح الفؤاد وانسان الطرف وظرف الرشاقة المملوء من الظرف فظرفه من لب اللباب ولطفه يكيد نشطات الشباب يجتلي أوقاته غرا صقلة فلو تجسمت لكأنت حسناً عقيله فإذا حل بنادي صحب تلقاه قلباً واسعاً وصدراً رحب فتتضاحك له الحدائق والأزهار ويجذل به الجديد ان الليل والنهار وطبعه الربيع في نضارته وعهد الشبيبة في غضارته وهو على الحرص على الشهاب يستر شمس الشيب بالضباب مع أن روض صباه أخلق برده واستعار ثيابه من لا يرده وهو صحيبي منذ عرفت الصحبة وعقيدي في العشرة التي تمحضت للمحبة لم يزل بيتنا عيش حلو غير أن كلامنا من سجو صاحبه خلو فهو في عشق الجمال متفضح وسمته بحسب الغريزة جلي متوضح فلهذا تغلب عليه القلق حتى استعاذ برب القلق وله في صبوته موشحات وشحت بها النوادي وحثت بها المدامة في الحانات والاظعان في البوادي وشعره وان كان قليلاً الا أنه يروي غليلاً فمنه قوله
عدنا بوصل عسى تجدي المواعيد ... وأحسن لنا فبهذا تعرف الصيد
وأرفق بنفس قضت في راحتيك أسى ... مذ نابها منك تسويف وتنكيد
يا ظالماً صدنا من بعد وصلتنا ... الحب ذنب لنا أم هكذا الغيد
ان كنت أضمرت تجفونا وليس لنا ... خل وقد عمناهم وتسهيد
فأي ليل إذا وافى نسر به ... وبدرتا فيه محجوب ومفقود
وأي يوم من الأيام نشكره ... وما به وقفة تشفي ولا عيد
وأي باب من الأبواب نسلكه ... إلى منانا وباب الوصل مسدود
وأي دخل من الأصحاب كنت له ... عوناً أتتني إذا منه الأناشيد
علاء لم يأتنا من نحوكم خبر ... ولم يكن بيننا بيد أباعيد
ولم أراك بحال لا أسر به ... ترعاك من دوننا بيد رعاديد
فإن منك صلات كنت أعدها ... في كل يوم لها للوصل تجديد
وإن منك حديث كنت أسمعه ... أرق مما راقته العناقيد
يا من إذا ماس من تيه ومن هيف ... تغار من قده الغصن الاماليد
ويا غز الأغز أنا من لواحظه ... بمرهف قد نضته الأعين السعود
ان كنت أقسمت حتماً لا تواصلنا ... عدنا بوصل عسى تجدي المواعيد
وقوله يمدح بعض امراء دمشق(1/197)
الخير فيك وفي رجالكوالدهر يفخر في مثالكوكذاك يروى عن أبي
ك وجدك السامي وخالكولك المودة والفتوةوالحجي شكراً لذلك
يتلوهم الفضل الذيما ذال يخبر عن كمالكمنح الآله وذاك من
حسن اعتقادك واتكالكيا فخر آل الترجمانوعزهم وأنعم بذلك
أنت المذهب والمحببوالتأدب من خصالكوالناس طرا يمدحون
ويشهدون بحسن حالكهذا وأنك في الوغىتخف الكواسر من نزالك
ما سرت خلف قبيلةوقناك أسبق من نبالكألا أسرت كبيرها
والحيش أصبح في اعتقالكوالجود فيك سجيةوالشح لم يخطر ببالك
والمجد قد أورثتهمن قومك النجبا وآلكمن رام مجدك فليكن
يا واحد الدنيا كذلك
وطلب منه امضاء حجة نظماً حين كان نائب الشرع بمحكمة الميدان فكتب
لما تأملت ما تحويه أسطره ... وصح عندي ما في طيه وقعا
أنفذته واثقاً بالله معتمداً ... عليه دون الورى راض بما صنعا
فإنني أحمد الكنجي ابن أبي ال ... ثناء الذي بحبال الله مدرعا
وانني النائب الشرعي بمحكمة ال ... ميدان والحر في دنياه من قنعا
يا رب فاختم بخير لي وخذ بيدي ... ما طاف بالبيت عبد صالح ودعا
ومن شعره ما قاله مخمساً
دعوني من مكائدكم دعوني ... فما نظرت مثالكم عيوني
فيا تيساً تعمم بالقرون ... تقول أنا لكبير فعظموني
ألا ثكلتك أمك من كبير
جهلتم نسائر الأشياء جمعاً ... وفيكم صار جل اللوم طبعا
فيا لردى الورى جوزيت صنعا ... إذا كان الصغير أعم نفعا
فما فضل الكبير على الصغير
وله قسماً ومن بالحب قد أبلاني ... اني لغيرك ما لويت عناني
يا أيها الظبي الذي ألحاظه ... من غنجهن السقم قد وافاني
مالي أراك اضعتني وتركتني ... في حر نار بعضها أضناني
وصبوت عني بعد كنت مواصلي ... وأمرت عندي بالجلوس مكاني
فلك البقاء فالرب يوم ان تسل ... عني تراجعني فلا تلقاني
ان المحب إذا تناهى عمره ... فالدهر لا يعطيه عمراً ثاني(1/198)
ومن مقطعاته قوله مضمناً
كن حليماً ما تستطيع وأحسن ... لجميع الأخوان والخلان
ان من كان محسناً قابلته ... بجميل عوائد الاحسان
وقال مداعباً لابن المليحي
يا سيد أو حبيباً ... بالخبر لا زلت تذكر
تدعى بابن المليحي ... وأنت أبلوج سكر
وكأنت وفاته في سابع وعشرين رمضان ليلة القدر سنة سبع ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر ولده محمد ان شاء الله تعالى ورثاه جماعة من الفضلاء الاعلام منهم الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي فقال مؤرخاً
أحمد النجي قد ما ... ت فاصبر واصطبر
قد أتى تاريخه ... ليلة القدر قبر
وقال أيضاً
أحمد الكنجي أحمد خل ... فاضل خلقه احتمال وصبر
مات شهر الصيام ليلة قدر ... وله من الهه كان جبر
يا لميت مبارك كنت حتى ... لك أرخه ليلة القدر قبر
ومنهم نابغة الأدباء السيد أمين المذكور فقال
يبكيه متى ما بقيت ... قديم ود لا يحول
ان كان فارق ناظري ... فله بأحشائي مقيل
خطب الكيجي الجليلي ... ولي به الصبر الجميل
لو كان يفدي لأفتدا ... هـ الناظر الدامي الكليل
ما للأماقي لا تفيض ... لحطبه منها سيول
حتى تفيض نفوسنا ... وتضلها منها عقول
رحمه الله تعالى ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين
أحمد النحلأوي
أحمد بن مراد بن أحمد الشهير بالنحلأوي الأحمدي الدمشقي المولى المشهور العارف الخاشع الناسك المستغرق في أبحر المشاهدة والعرفان كأنت له مكاشفات خارقة وكرامات ظاهرة وللناس فيه اعتقاد وافر عظيم وهو بركة الشام وأحواله وأطواره غريبة مع التغفل الالهي والجذب وترددت إليه الناس من الخاص والعام(1/199)
يتبركون به وعلى كل حال فقد كان بركة الشام وخلاصة الأولياء الكرام أظهره الله بدراً كاملاً بالولاية وشمساً منيرة بالدراية والهداية نفعنا الله به وببركاته وأعاد علينا من نفحات نفحاته وكان مستقيماً في المدرسة النورية عند محكمة الباب ويقيم الذكر في مدرسة الخاتونية عند المحكة أيضاً وله حفدة ومريدون وتلاميذ وإلى الآن يقام الذكر هناك ورأيت للفاضل السيد محمد الجعفري تلميذه كتاباً ألفه في أحواله ورتبه على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة فالمقدمة في ذكر مولده ومنشأه وتنقلاته وسلوكه وبمدائه والفصل الأول في تجنبه عن الدنيا وزهده فيها وملبوسه وقنعه بالقليل منها والفصل الثاني في حسن مودته وسيرته واقبال الناس عليه ورأفته بهم وشفقته والفصل الثالث في تربيته للمريدين وكلامه حال الشطح والتنبه على انه مع حزب معينين والفصل الرابع في زياراته وبعض كرماته والفصل الخامس في ذكر نبذة تتعلق بفضائل دمشق الشام ذات الثغر البسام والخاتمة في ذكر طائفة ممن لهم في السلوك قدم راسخ ونسب رفيع باذخ شامخ وسماه الجعفري المذكور بالطبيب المدأوي بمناقب الشيخ أحمد النحلأوي وللماهر الشيخ عبد الله الطرابلسي نزيل دمشق رسالة فيه أيضاً وذكره الاستاذ العارف السيد مصطفى الصديقي الحسيني في كتابه الذي ترجم به من اجتمع معه من الأولياء وأثنى عليه وذكر من مكاشفاته اللامعة فمما اتفق لابن عمته قال أتيته بعد المغرب مرة في جامع في القرب من الشاغور البراني فقال لي أجلس إلى أن آتيك فذهب إلى الطهارة قال فرأيت الحائط قد انشق وظهر لي رأس كبير له عيون تقدح جمراً فخفت منه خوفاً شديداً ولم أستطع الفرار ولا القرار وكلما لمحت له بطرفي رأيته يرمقني فلما خرج غاب الرأس فوجدني مذعوراً خائفاً فقال جاؤا يجربونك فلم تثبت قال فقلت له أقسمت عليك بسيد المرسلين من هذا الذي رأيته قال السيد أحمد البدوي رضي الله عنه ومنها ما نقله الاستاذ في ترجمته قال ذهب بعض الاخوان إلى زيارة الشيخ مصطفى بن عمرو فجاء مع الشيخ عبد الرحمن السمان ومعهما غيرهما فقال له الشيخ مصطفى غنى لنا مطا وعيا فتوقف عادته ثم غنى فلقت له أعمل عشرة فأخذ ينشد فأعددت ما يقوله فلم يزد عليها ثم ذكرنا زيارة أبا يزيد البسطامي قدس سره فقال الشيخ عبد الرحمن هيا بنا الساعة فقلت هيا فسرت والمذكور صحبتنا يعني عن النحلأوي فلما وصلنا إلى زيارة سيدي أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه توقف ولم يسر فسألناه عن توقفه فقيل له يقول(1/200)
الاخوان تتعب ويشير للفقير فألحينا عليه فسار فلم يزل سائر فلم أصل إلى قرية ببيلا الا بجهد شديد ويتنابها فقام أهلها باكرامنا أتم قيام وحملونا على دوابهم إلى الزيارة وسرنا بعد زيارة سيدي عقيل المنبجي ومنه إلى الشيخ حياه بن عيسى الحراني وهو معنا وكان يوم الأربعاء فبتنا عنده وأقمنا يوم الخميس وليلة الجمعة وأقامنا الشيخ عبد الرحمن غلساً وقال صلوا الصبح فإن الفجر خرج فلما رآنا أردنا القيام للصلاة رفع رأسه من النوم وقال ايش هذه الصلاة الفجر ما طلع فعجبت من كلامه ثم صلينا وركبنا الطريق على ظهور الدواب فلم يخرج الفجر الا بعد ساعتين فنزلنا عند نهر بردا وأعدنا الصلاة وأخبرني الشيخ عبد الرحمن أنه بعد ذلك قال ومقصودي أن نصل قبل أن يحمي الحر أنتهى ثم قال ولقد عاينا للشيخ أحمد المذكور كرامات كثيرة وقال لنا مرة وكان معنا الشيخ أحمد بن سراج أنا متصرف في ثلثي الأرض وقال ابن سراج قبله أنا متصرف في نصف الأرض فقلت كأن كلام كل واحد منهما بحسب ما يظهر له ثم قال الأستاذ الصديقي وفي خطرتي الأولى للبيت المقدس سنة اثنين وعشرين بعد المائة والألف خرجت ملتحفاً بشال لئلا يعرفني أحد فعارضني عند باب الله وقال لي مصادف العون فعجبت من معرفته لي وحصل لنا لطف في تلك الخطرة وعناية وقال وأخبرت أنه في مبدأ أمره كان يلازم جامع أهل البلوى الملاح فخرج إلى المنارة وألقى نفسه منها إلى الأرض وبدت عليه طوالع الفلاح ووقع له
مثل هذا في جامع القرب كما حكى عنه ذلك بعض من إليه تقرب وحدثني عنه بعض الملازمين لصحبته الهائمين بمحبته ما لو أخذنا في سرد ذلك لأدى إلى الاتساع في تلك المسالك والقصد من ذكرهم التنبيه لا الاستيفاء فإن الأولى حظ النبيه أنتهى ما قاله الصديقي وذكر الجعفري المقدم ذكره ان مولده كان سنة احدى وثمانين بعد الألف وتوفي والده وكان سنه اذ ذاك شهرين فنشأ في حجر جدته لأمه رحمهما الله تعالى وربته هو وأخاه الشيخ محمد ثم أنه تعلم القرأن العظيم وهو وأخوه المذكور وفاق الشيخ سائر أقرانه وكان شأنه في صغره أنه يجلس مطرقاً رأسه ناصتاً وأنه كان طلب العلم مدة وقرأ الغاية في فقه السادة الشافعية على العالم الشيخ أحمد الدسوقي ثم لما بلغ تعاطي ضمان الثمار مدة هو وأخوه ومع ذلك كان يدأب نفسه في العبادات وبدهنه بواده التجليات وهو راق على السلم ليجني الزيتون ولاحت له بارقة الجذب وسمع هواتف الأحوال تناديه بدخول ديوان الرجال فنزل عن السلم وفرق جميع ما كان عليه من الملابس والثياب(1/201)
وأتلف جميع ما عنده من متاع ونحاس وغيره ثم أنه خرج في ساعته هائماً إلى الجبانة المعروفة بباب الصغير وصعد إلى محل عال هناك شاخصاً ببصره إلى السماء واستمر مدة على ذلك قال الجعفري قال أخوه فجئت إلى البيت فسألت عنه فلم أره وكان الشيخ توجه من ساعته إلى الصالحية قال فخرجت أطلب أثره فلم أجده إلى سبعة أيام وفي اليوم الثامن جاءني رجل وأخبرني أنه في الصالحية فخرجت من ساعتي مسرعاً فوجدته واقفاً في السفح خأوي الجوف من الجوع مرخى الزنار ثم قال له أخوه أين كنت يا أحمد فقال أخذوني السادات إلى بغداد ووضعوني في مغارة وشرعوا يذكرون الله تعالى علي ثم جاءني رجل أشعث أغبر وأعطاني غليون وقال أشرب فأخذته وشربت ثم قال له أخوه قم بنا واركب معي حتى نذهب إلى البيت فأبى فألحيت عليه واستنجدت بعض الناس حتى الجأناه إلى الركوب فأركبوه وراء في وسرت حتى وصلنا من سيدي خليل عند باب السرايا فجذبني فسقطت أنا واياه إلى الأرض ثم ألحيت عليه في الرواح معي فأبى وتركني ومضى في سبيله وفي اليوم الثاني وجدته في البيت وشاع خبره واشتهر بين الناس ذكره وصدرت عنه أحوال عجيبة وأخبار غريبة حتى كان الناس يظنون أن حالته هذه حالة جنون وحاشاه انما هي فنون بعدها حركة وسكون واستمر الشيخ على هذا المنوال مدة حتى جئ له برجل من أشياخ طريقة سيدي أحمد الرفاعي قدس سره فكبسه وجاء له بسعوط وسعطه في أنفه فأنتفخ حالاً وجعل يقول قتلتني يا شيخ أحمد يا سيدي العفو فنظر إليه فانطلق معافى لساعته وتاب لوقته فشفى واستمر الشيخ المذكور على منوال ما ذكر مدة طويلة يتطور في تطورات الأحوال إلى سنة عشرين ومائة وألف وفي العام الحادي والعشرين أطلق أمره في التصرف وترقى من ذرى الأحوال إلى ذرى أهل المقامات على ما حدث به بعض أهالي الكشف وقد أخبر بعض الناس أن رجلاً من أهل الله تعالى يقال له الشيخ أسعد الجبأوي حصل له في السنة المذكورة حالة غطوس استغرق فيها معظم النهار فلما أفاق من غيبته سأله ولده الشيخ أحمد عن سبب ما حصل له من هذا الحال فقال ان السادات أهل الباطن اجتمعوا وألبسوا الشيخ أحمد النحلأوي التاج وأخبر بعض الناس أيضاً عن الشيخ إبراهيم الرفاعي أنه قصد زيارة جده وكان مدفوناً في قرية براق فذهب لزيارته فحصل له وارد وحال عظيم فنادى يا رجال الشام فجاء الشيخ أحمد النحلأوي وأنا أقول وبالله التوفيق قد ذكر الجعفري للأستاذ المترجم مقامات كثيرة وغالبها شاهدها في العيان فمنها ما ذكره قال ومن كراماته ما اتفق له وقد كنا عند بعض الاخوان فسقط(1/202)
صبي من أعلى سطح عال ولم يبق به رمق فحملوه ودخلوا به إلى الشيخ فوضعوه بين يديه فمسكه وهزه فعادت روحه إليه بعدما أيست منه حياته ومنها وكان دخل إلى محله الآن ونصب السلم وصعد إلى السطح ولم يدر أحد ما السبب ثم نزل وبعد حصة من الزمان خرج إلى الشجرة ولد لأهل المحل وتعلق بغصن منها فسقط على السلم ومنها إلى المسطبة فغشى عليه فحمل إليه ووضع بين يديه فأمر يده عليه وهزه فشفى لوقته مما به ومنها ما أخبرني به بعض محبيه قال خرجت إلى الحج فجئت المدينة ليلاً فرأيت صبياناً تجاه شباك الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأون الموالد فقلت لهم قرأو لي أربعين مولداً فصرت أقول هذا المولد على
اسم فلان وهذا لصديقي فلان فخطر في خلدي جناب الشيخ حفظه الله تعالى فقلت لهم اقرأو لي مولداً يكون مقدار الجميع ختاماً لهذه الموالد على اسم الشيخ أحمد النحلأوي فقرأوه وختموه وأهدوه للشيخ حفظه الله تعالى فلما ذكروا اسمه مدت يدمن الشباك وبدرت عليهم المصاري فأردت أن آخذ منهم شيأ فلم يمكنوني وقالوا يا سيدنا ان صاحب هذا المولد أعطانا فنظرت إلى الشباك فرأيت رجلاً بصفة جندي واقفاً والشعرية لا يمكن مد اليد منها فعلمت أن الشيخ حضر هنا ومنها وقد اجتمع عنده صبيحة يوم الثلاثاء أشخاص أحدهم من الميدان وآخر من الصالحية والثالث من باب توما فقال أحدهم كان الشيخ نائماً عندي بالأمس فقال له الآخر لا فإنه كان عندي فقال الثالث كل منكما لم يصدق كان بالأمس عندي فحلف كل بالطلاق على ما ادعاه مع أنه كان نائماً في محله تلك الليلة ومنها ما شاهده الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق وأمير الحج قال دخلت الحرم في مكة ليلاً فوجدت الشيخ وجماعته يذكرون الله تعالى فيه ومنها ما أخبرته بعض تلامذته أن الشيخ في الحج يرى عياناً في الطريق وأنه شاهده مراراً ومنها ما أخبر به أنه لما ذهب الوزير سليمان باشا المذكور إلى الدورة جاء إلى عنده الشيخ هو وفقراؤه فلما بلغه زيارة الشيخ قام ولاقاه وانسر غاية السرور فجلس الشيخ والفقراء عنده فطلب من الشيخ الاذن إلى طبريا فقال له ايش لك عندهم فقال له يا سيدي ان حضرة السلطان أرسل جنجانه وفرمان ان أركب عليهم فأجابه بقوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت فتروع الباشا من هذا الكلام ثم ان الشيخ عاد إلى زأويته وبعد خمسة عشر يوم جاء الخبر بأن سليمان باشا توفي وجئ به محمولاً بتخت إلى دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير ومنها انقلاب الحجر ذهباً حين نظر إليه قال الجعفري كنا في زيارة سيدي أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه صحبة الشيخ والاخوان وكان الشيخ جالساً بقرب الضريح فجاء رجل من الاخوان بحجر مستدير مقدار خمسة أرطال ووضعه بين يديه وقال له يا سيدي لو كان هذا ذهباً كنا تججنا به وانبسطنا فقال له وقد نظر إلى الحجران لله رجالاً إذا نظروا إلى الحجر يصير ذهباً ثم أمره بحمله فلم يقدر يزعزعه من محله فقال له يا سيدي ما قدرت على رفعه وقد صار ذهباً فنظر إليه ثانياً وقال رده إلى محله فاقتلعه كما جاء به أولاً على هيئة الحجرية ومنها ما حكاه الجعفري المذكور قال كنا ذهبنا لزيارة السيدة زينب بصحبته فجلسنا في أثناء الطريق وأوقدنا ناراً فقال بعض الحاضرين لما أردنا المسير يا سيدي ضع لي راحتين من هذه النار في ذيلي فغرفها براحتيه ووضعها في ذيله وسرنا إلى أن قطعنا الطريق فرماها وهي متوقدة ولم يتأثر ذيل جوخته بها أصلاً وكان جديداً فكأنه لم يوضع فيه شيء أصلاً وقد ذكر الجعفري له كرامات غير الذي ذكرناها ولكن نحن أردنا الاقتصار ولو أردنا التطويل في بعض ما ذكر من مزاياه لأعيي الأوراق نشره وتحريره والقول الصحيح المجمع عليه أنه فرد وقته وولي عصره وكأنت وفاته في سبع عشر جمادي الثانية سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالمدرسة الخاتونية التي كان يقيم بها الذكر عند المحكمة وإلى الآن يتبرك به ويزار ورثاه الأديب عبد الرحمن البهلول بهذه القصيدة مؤخراً وفاته بقولهفلان وهذا لصديقي فلان فخطر في خلدي جناب الشيخ حفظه الله تعالى فقلت لهم اقرأو لي مولداً يكون مقدار الجميع ختاماً لهذه الموالد على اسم الشيخ أحمد النحلأوي فقرأوه وختموه وأهدوه للشيخ حفظه الله تعالى فلما ذكروا اسمه مدت يدمن الشباك وبدرت عليهم المصاري فأردت أن آخذ منهم شيأ فلم يمكنوني وقالوا يا سيدنا ان صاحب هذا المولد أعطانا فنظرت إلى الشباك فرأيت رجلاً بصفة جندي واقفاً والشعرية لا يمكن مد اليد منها فعلمت أن الشيخ حضر هنا ومنها وقد اجتمع عنده صبيحة يوم الثلاثاء أشخاص أحدهم من الميدان وآخر من الصالحية والثالث من باب توما فقال أحدهم كان الشيخ نائماً عندي بالأمس فقال له الآخر لا فإنه كان عندي فقال الثالث كل منكما لم يصدق كان بالأمس عندي فحلف كل بالطلاق على ما ادعاه مع أنه كان نائماً في محله تلك الليلة ومنها ما شاهده الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق وأمير الحج قال دخلت الحرم في مكة ليلاً فوجدت الشيخ وجماعته يذكرون الله تعالى فيه ومنها ما أخبرته بعض تلامذته أن الشيخ في الحج يرى عياناً في الطريق وأنه شاهده مراراً ومنها ما أخبر به أنه لما ذهب الوزير سليمان باشا المذكور إلى الدورة جاء إلى عنده الشيخ هو وفقراؤه فلما بلغه زيارة الشيخ قام ولاقاه وانسر غاية السرور فجلس الشيخ والفقراء عنده فطلب من الشيخ الاذن إلى طبريا فقال له ايش لك عندهم فقال له يا سيدي ان حضرة السلطان أرسل جنجانه وفرمان ان أركب عليهم فأجابه بقوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت فتروع الباشا من هذا الكلام ثم ان الشيخ عاد إلى زأويته وبعد خمسة عشر يوم جاء الخبر بأن سليمان باشا توفي وجئ به محمولاً بتخت إلى دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير ومنها انقلاب الحجر ذهباً حين نظر إليه قال الجعفري كنا في زيارة سيدي أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه صحبة الشيخ والاخوان وكان الشيخ جالساً بقرب الضريح فجاء رجل(1/203)
من الاخوان بحجر مستدير مقدار خمسة أرطال ووضعه بين يديه وقال له يا سيدي لو كان هذا ذهباً كنا تججنا به وانبسطنا فقال له وقد نظر إلى الحجران لله رجالاً إذا نظروا إلى الحجر يصير ذهباً ثم أمره بحمله فلم يقدر يزعزعه من محله فقال له يا سيدي ما قدرت على رفعه وقد صار ذهباً فنظر إليه ثانياً وقال رده إلى محله فاقتلعه كما جاء به أولاً على هيئة الحجرية ومنها ما حكاه الجعفري المذكور قال كنا ذهبنا لزيارة السيدة زينب بصحبته فجلسنا في أثناء الطريق وأوقدنا ناراً فقال بعض الحاضرين لما أردنا المسير يا سيدي ضع لي راحتين من هذه النار في ذيلي فغرفها براحتيه ووضعها في ذيله وسرنا إلى أن قطعنا الطريق فرماها وهي متوقدة ولم يتأثر ذيل جوخته بها أصلاً وكان جديداً فكأنه لم يوضع فيه شيء أصلاً وقد ذكر الجعفري له كرامات غير الذي ذكرناها ولكن نحن أردنا الاقتصار ولو أردنا التطويل في بعض ما ذكر من مزاياه لأعيي الأوراق نشره وتحريره والقول الصحيح المجمع عليه أنه فرد وقته وولي عصره وكأنت وفاته في سبع عشر جمادي الثانية سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالمدرسة الخاتونية التي كان يقيم بها الذكر عند المحكمة وإلى الآن يتبرك به ويزار ورثاه الأديب عبد الرحمن البهلول بهذه القصيدة مؤخراً وفاته بقوله
زر مقاماً مباركاً بمزايا ... حضرة الشيخ أحمد النحلأوي
وتوسل إلى الاله بصدق ... فيه يظفر بكل ما أنت نأوي
كان في أهل جلق الشام قطباً ... واضح السر للكمالات حأوي
وهو مستغرق بمولاه حقاً ... كشحه عن سواه بالصد طأوي
قد أصبنا به فصبر جميل ... عظم الأمر حيث عز التدأوي
ولئن غاب شخصه ان فينا ... منه سراً يرجى الدفع البلأوي
ان لله في البرايا خواصاً ... ساريات في كل رطب وذأوي
أيها الخل خل عنك أنتقاداً ... فهو يغضي إلى ارتكاب المسأوي
انما الاعتقاق أسلم قطعاً ... عن ذي العلم ثابت بالفتأوي
أمة الدين أجمعت ان ذا من ... سادة صالحين لأوتك غأوي
قد حباه الا له رتبة قدس ... وهي علياء لم تنل بالدعأوي
دام روح الرضى وريحان فضل ... في ضريح أمسى له متنأوي
قد قضى يوم جمعة في جمادي ... آخر في النعيم لا زال ثأوي
جاء تاريخه ببيت فريد ... راق معنى لسامع ولرأوي(1/204)
قدس الحي سر قطب سني ... صادق الحال أحمد النحلأوي
أحمد البقاعي
أحمد بن ناصر الدين بن علي الحنفي البقاعي ثم الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية العالم الأديب الفاضل الخبير كان من فضلاء الزمان الذين انجنبهم سيما بفنون الأدب وفضله مشهور لا يحتاج إلى شاهد ولد بالبقاع بقرية تل ذي النون المشهورة الآن بتل الذنوب وهي بطريق المالكانه في تصرفنا وقدم إلى دمشق وقطن في حجرة داخل مدرسة لسميساطيه بدمشق واشتغل بطلب العلم على جماعة وشيوخة شيوخ الشيخ أحمد المنيني ومهر وظهر له فضل غض ودرس بالجامع الأموي وأنتمى إلى صدور دمشق بني القاري وكان بدر سعد هم اذ ذاك في ابداره وتغالى بمدحهم ومما يحكي من ذلك ان الأديب مصطفى ابن أحمد الترزي كتب إليه هذين البيتين موبخاً له ومتعرضاً بهما لذم بني القاري وهما قوله
ورب عطوف في نهار ضرامه ... يذيب دماغ الضب والأسد الضاري
سقاني به ثلجاً كأن جليده ... قريض البقاعي في مديح بني القاري
فأجابه بقوله وتعرض إليه لما اشتهر عنه من التشع
ليس القريض يروق حسناً نظمه ... ما لم يكن بمديح آل القاري
كيف للئيم الرافضي يعيبني ... في مدحهم ويسب من في الغار
ولبعض الأدباء هذين البيتين معرضاً بهما للبقاعي المترجم
سألت خدينا للبقاعي وامقاً ... به قلت من أي البلاد أخا الجهل
رفيقك من تل الذنوب فقال لا ... ولكنه والله يا سائلي بعلي
وفي ذلك قول مصطفى الترزي المقدم ذكره مخاطباً بهما المولى عمر القاري
أيا عمر القاري ابن مفصحا لنا ... عن الغمر شرواك البقاعي أخي الجهل
فاني لم أعرف حقيقة نجره ... ومن أي عفر حيث فرع بلا أصل
فقال فاني قد تنأولت أصله ... وأروي الذي أرويه عندي عن أهلي
توارثته عن والد بعد والد ... وناهيك عما قد توارثت بالفعل
فقلت أمن تل الذنوب فقال لا ... ولكنه والله يا سائلي بعلي
وفي ذلك كتب الترزي المذكور للبقاعي المترجم جواباً عن بيتيه بقوله
دع الجاهل المغرور بالجهل انه ... يزيد بشتمي ثم ينصب في خفضي
فلو كان أهلاً للهجاء هجوته ... ولكنه والله منخرق العرض
زعمت بأني عبت شعرك كونه ... يمدح اناس حبهم كان كالفرض(1/205)
ولكن لما ضمنته من سماجة ... وبرد ومن يصغي له عجلاً يقضي
وحاشا أمير الغار من أفك مبطل ... كتلك بل حبيه ذخري للعرض
فمت كمدا ليس القريض موافقاً ... لطبعك لو تهوى النجوم إلى الأرض
وما عيب ذا الشعر الفصيح بمدحهم ... ولكن أيا شالوص شعرك لا يرضى
وشالوص اسم رجل من أتباع امراء ناحية البقاع وكان أصل ذهاب المترجم إلى الروم وتوطنه بها كونه منتسباً اليهم وذلك أن المولى محمد بن إبراهيم العمادي المفتي تغبر خاطره عليه وأوشوا له بعض الناس به فتوافق مع القاضي بدمشق اذ ذاك أن يرتب علي البقاعي دعوة قبيحة توجب تعزيره لأجل أن يعزره وأحضر عدة شهود فلما مثل بين يدي القاضي بالمحكمة أثبتوا عليه ذلك الأمر وشهدوا بصحته الشهود الذين من طرف العمادي وأمر القاضي بتعزيره وضربه وأهين اهانة بليغة واشتهرت بدمشق في ذلك الوقت وطنت حصاتها فبعد ذلك لم يستغم بدمشق وسافر إلى دار الخلافة وأنتظم في سلك مواليها واشتهر والذين شهدوا عليه لم تطل مدتهم وماتوا جميعاً وكان دخل اليها في حين سفر المورة وتوجه مع العسكر عسكر ياثم أنه في ختان أولاد السلطان أحمد عمل تاريخاً للختان ودخل طريق الموالي وأخذ عنه ثمة جماعة من علماء رؤساء الروم فهم شيخ الاسلام الولي محمد أمين حياتي زاده ورئيس الكتاب المولى مصطفى الشهير بالطأوقجي وكان يعتقده آغة دار السعادة بشير أغا وتقلب بالمدارس وأقرا دروساً عامة إلى أن وصل إلى قضاء ديار بكر ولم يتول غيره من المناصب وجمع من الأموال شيأً كثيراً ولم يتزوج وترجمه الشيخ سعيد السمان الدمشقي في كتابه وقال في وصفه هذا ممن ساد بنفسه وشمخ بعرنينه على أبناء جنسه في البقاع العزيز ترعرع وفي دمشق برع وتورع ثم قاد بناصيته العجب حتى ظن أنه يخرق الحجب فدعى من أجل ذا عصيبه وكأنت اراؤه غير مصيبة فانسل إلى الروم واليها سعى واستند إلى العراقة ولها ادعى فصادفته العناية وغض عن تلك الجناية فقابلته بوجه الاقبال وقمصته من الشرف أحسن سربال وكان حصل في أبان عمره من العلم ما حصل فببركته توصل إلى ما توصل الا أنه لم يزل من البيضاء والصفراء صفر اليد والجيب فكأنه ينفق من الغيب شاهدته في الروم وهو من الادعاء في مكانة وأي مكانه ينتسب لبيت أسست أصوله قواعده وأركانه ودعواه أو هي من بيت العنكبوت واهية الأدلة مقطوعة الثبوت إذا تكلم بالتركية ضحك وتحقق سامعه ماهيته وما شكك والثمانون تعز به بعمره وهو(1/206)
ملتهى عن الحسناء بزيده وعمره غير أن الزمان بعدها له تنفس وتبسم بعد أن قطب وعبس وجعله بعد رتب التدريس من الموالي وجدد ما رث من ثياب حظه البوالي وبالجملة فأدبه بيت القصيد باسط به ذراعيه بالوصيد وله شعر عجيبة أساليبه يعجبني منه قوافيه وتراكيبه أنتهى مقاله وكان امتدح الوزير الكبير علي باشا المعروف بابن الحكيم في صدارته الأولى مؤرخاً فتح مورة بقوله من قصيدة
ما المجد الا بحد السيف والأسل ... والعيش الا بعز الخيل والأسل
ان المعالي في هذين من قدم ... وليس يدركها من كان ذا كسل
وافت برونقها في كل منقبة ... تعزى إلى أسد في القول والعمل
من نال منها أقاصي كل مرتبة ... أدنى فضائله كالوابل الهطل
صدر الصدور التي سارت محامده ... في المشرقين مسير الشمس والمثل
لا يشغل الفكر الا في اقتناص عدا ... ما بين مؤتسر منهم ومنجدل
كأنه والعدى في كل معترك ... سيف يقد بهم كالأعين النجل
يختار فكري بأوصاف له تليت ... في صفحة لدهر مثل المندل الخضل
فليت شعري أمدح ما أفوه به ... في وصف صدر العلي أم رقة الغزل
يستوضح الجيش من لالاء غرته ... ان كان في الليل آثار من السبل
يسعى إلى الحرب والأسياف لامعة ... والخيل تعثر في الخطية الذبل
فأوضح الملك حتى صار مشكله ... من حسن سيرته كالشمس للمقل
لا يختشي العسكر الجرار يوم وغى ... ان جر ذيل القنا في حومة الوجل
منها
لا زلت تنصر من وافاك ملتجياً ... من كل هول يذيب القلب من وجل
حتى أقمت بأبطال الحروب على ... أكناف مورة فانقادت على عجل
وخضت منها بحار الحرب ممتطياً ... من نصرة الله خيل العز في الدول
وكان طائرك الميمون من ملك ... تروى مفاخره عن أهله الأول
ومنها
قد صار بيتين في كل يؤرخه ... من بعد هذا كعقد زان ذا عطل
في كل حرب دهى الاسلام من نوب ... قد أيد الله فيها أحمداً بعلي
لا زال بين الورى أعلاء عدلهما ... ما دام عزهما في السهل والجبل
وقال مضمناً لمصراعه الأخير
يا رب ظبي كالمدام حديثه ... فيسيغه سمعي وعقلي يطرب(1/207)
قد خلعته شمس النهار بكفه ... مرآة حسن لونها يتذهب
والوجه فيها لائح فكأنما ... هي دارة البدر فيها يلعب
ومن ذلك تضمين العالم أحمد المنيني
عاينته وكأنه من لطفه ... راح تكاد لها اللواحظ تشرب
بالعقل والشطرنج يلعب وهو في ... فسطاط حسن للمسرة يجلب
يحكي الزمرد خضرة فكأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب
ومن ذلك تضمين الناظم الناثر أبي الحسن محمد بن العتر المصري حيث قال
يا سائلي عن خصده ونطاقه ... حيث استدار بكل عضو كوكب
ثبت جنانك ما استطعت فانما ... هي دارة والبدر فيها يلعب
وقوله
انظر مناطقه على أعطافه ... والبدر فيها بالترافة يحجب
ليست مناطق تستدير وانما ... هي دارة والبدر فيها يلعب
وقوله أيضاً وقد نقله إلى العذار
خد بأقلام العذار مغضض ... وبأحرف الحسن البديع مذهب
لام العذار به تدار كأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب
وضمنه الأديب الشيخ محمد سعيد اللقيمي الدمياطي بقوله
وممنطق بحلي الجمال مجرد ... وعذاره الزاهي الطراز المذهب
نشوان يسبح لاهياً في بركة ... هي دارة والبدر فيها يلعب
وأصله بيت الأديب الألمعي سعدي بن عبد القادر العمري من قصيدة وهو مضمن لمصراع الصفي بقوله
خفقت مناطق خصره فكأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب
ولصاحب الترجمة
هذا الجمال بوجه من في وجهه ... قد أدهش الألباب والأبصارا
فكأنه المرآة لو من خلفها ... خدشت غداً في وجهها آثارا
ومما وقع له من المسأجلة مع العالم الشيخ أحمد المنيني حيث قال
وروضة قد بكتها أعين السحب ... فراح يفتر فيها الزهر عن شتب
فقال المترجم
وبات يعتل في أكنافها سحراً ... ريح الشمال وداعي الشوق والطلب(1/208)
فقال المنيني
وغرد الطير في أعلى أرايكها ... والنهر صفق بالأمواه من طرب
وقد كستها يد الانواء طرز حلي ... للنبت يختال في أثوابه القشب
فقال هو
وصاغ جدولها للغصن من ورق ... خلاخل الحلي والتيجان من ذهب
فقال المنيني
يستوقف الطرف من لالاء بهجتها ... نور من النور أو ورد من الحبب
إذا شدا بلبل الأفراح ينعشها ... أجابه عند لبب اللهو من كثب
وأن سرى نحوها جيش الصبا سحراً ... تدرع النهر واهتزت قنا القضب
فقال هو
فمن ثراها عبير المسك قابلنا ... وفي حماها نرى الحصباء كالشهب
فقال المنيني
طبنا بطل نما في حجر دوحتها ... مذ شب يبدو لنا في زي محتجب
فقال هو
مع كل مولى كان الله صوره ... من زهرة الفضل أو ريحانة الأدب
فقال المنيني
ان لاح أحجل بدر التم في شرف ... أوفاه بالقول أزرى بابنة العنب
ولما ارتحل الأديب سعيد السمان إلى الديار الرومية اجتمع به وتردد إلى داره كثيراً وكان كلما حضر عنده يملي عليه من راح آدابه أكواباً ويفتح له من كل ما ترتاح إليه النفس أبواباً وكتب إليه السمان المذكور هذه القصيدة
ظمأى لمنهل ثغرك الوباص ... وتشوقي للقاك واستشخاص
مالي وللاحي الملح بلومه ... غلب الغرام ولات حين مناص
كيف الخلاص وهل يلذ لمدنف ... دامي الفؤاد وليس بالخراص
نسجت عليه يد الهوى ثوب الضنا ... حتى اختفى عن أعين الأشخاص
يصغي لترجيع الحمائم في الدجى ... فيئن منه كأنه المخماص
ما ساء التبريح في طرق الجوى ... الا الملام وقالة النقاص
عذراً له يا ناهجي نهج الهوى ... فدموه في الحب غير رخاص
كيف التخلص من يدي رعبوبة ... سلبت حجاه بطرفها القناص
رقصت مناطقها وقلبي للقا ... كتراقص الأطيار في الأقفاص(1/209)
وغدت تهز من الدلال معاطفاً ... مرحاً كهز الاسمر الرقاص
وسرت فناظر وجهها بدر السما ... شتان بين حدائد وخلاص
يا دمية الأهواء رحمة مشفق ... لمتيم يا درة الغواص
يرعى الثريا غير أن غرامه ... في كثرة والصبر في استنقاص
شوقاً لمراك البديع لكي يرى ... ذاك الجمال بمقلة الأخلاص
فتبسمت عن در ثغر اشنب ... يزري بحسن الجوهر البصاص
أوما كفاك بأن يزورك طارقاً ... طيفي على رغم الرقيب العاصي
من لي بذاك ولم أذق طعم الكرى ... والنوم عن جفن المسهد قاصي
من حاز في طرق المعالي رتبة ... عزت مداركها عن الفحاص
لولا اشتغالي في امتداح أخي العلا ... من آن من اسر الغرام خلاصي
هو أحمد الأوصاف فرد زمانه ... ووحيده من قادة وخواص
وحديقة الفضل الجني المجتنى ... حأوي الكمال وأشرف الأعياص
قد غاص في بحر البلاغة مخرجاً ... درر الهدى بذكائه الوباص
متلفعاً برد المحامد والتقا ... متدرعاً منهن أخير دلاص
حيث القوافي تستقل بنظمه ... وتفوه فيها السن القصاص
يا ساكناً بحبوحة المجد الذي ... أهل الكمال لهم بذاك تواصي
خذها اليك بديعة ألفاظها ... عذراء تمشي مشية العراص
وافتك تسأل ما اسم شيء لائح ... في الجوبل في الترب والادعاص
يسري فيهدي المدلجين فربما ... سلب النفوس يسيره الحصحاص
طوراً تراه مسدداً قوس الردى ... بل فاغراً فاها كما المعراص
وتراه طوراً في السرى مستخفياً ... وتراه يستره رفيق نشاص
وتراه ممدوداً ونهراً سائحاً ... متدفقاً في روضة وعراص
ذو شوكة فيها المنية والأذى ... يسقي السموم كما القنا الوقاص
يخشى سطاه ويتقي من بأسه ... وهو الجبان الشخت في الأشخاص
فابن معانيه لاقدام على ... كسب المعالي والكمال حواص
واسلم ودم ما سار ركب في الدجى ... يطوي الحزون على متون فلاص
فأجابه بقوله
وافت على رغم العذول العاصي ... هيفاء بين تطأوع وتعاصي
تغدو كروض في نهار ملاحة ... وتروح عاترة بذيل عقاص
مصقولة الحذين الا انها ... كالسيف يفشي هامة النقاص(1/210)
ضربت قباب محاسن من دلها ... من كل فج يبتغي كصياصي
لم تتخذ لقريب معنى حبها ... قلباً سوى الصاد الروي العاصي
لو رام لأستنباط ماء وسامة ... من وجهها لحظ رمي برصاص
تختال في الخيلا علا وفصاحة ... قد قاد كلاً منهما بنواصي
ذو الفضل من بالشعر صار لبيده ... وسعيده في الود والاخلاص
من أو تصفح في الصحائف فكره ... ألقت معانيها له بخواص
لولا حقوق الشعر عند فحوله ... لجنحت عنه وملت للقصاص
لكن أجبت سعيدهم عن اسم ما ... هو عقرب في الجو والاعاص
لا زال من شمس المعارف نورها ... يرقى لكوكب فضله الوباص
ما سار عن وادي دمشق عشية ... بين الغصون نسيمة كعلاص
وكتب إليه الجاب السامي السيد فتح الله الدفتري الفلاقنسي هذه القصيدة مع النثر الآتي ذكره وهي قوله
الماجد الصرف الودادخدن السيادة والسدادترب المعارف والعوارف
والمساعي والأياديمن شأنه نفع الصديقوقمع أعناق الأعادي
ذو خاطر في كل شأنمعضل وأرى الزنادومآثر غر غدا
برهانها كالشمس باديفخناصر النقاد قدعقدت عليه باعتقاد
لا زال نادي فضلهذات العماد إلى المعادأهدى إليه من تنأي
ما يخطر كل ناديومن السلام أرق حينيروق من دمع الغوادي
وإذا تكرم بالسؤالعن تلقيم على الودادفالحمد لله المفيد
بحمده حمد العبادنعماؤه مع ما نقصركل آن في ازدياد
لكن للأشواق ناراًفي الحشا ذات اتقادوعلام لا اشتاقه
وبه ابتهاجي واعتداديوهو الذي يصفي الودادعلى التداني والبعاد
يغدو على حلل الطريقمن الفضائل والتلادوعلى التصنع والتزين
بالملابس غير غاديفي رونق الصمصام مايغنيك عن حلي النجادي
لا مثل من يضحي وعنوان الهوان عليه باديلا لاصطناع يد ولا
لمنال فضل مستفاديرضى بقهقهة القناني دون حمحمة الجياد
والمجد أمر لا ينالبدون كد واجتهادشرف ابن آدم ان نظرت
بفضله لا بالعتادوقناعة المجهود بالموجود من جنس الجهاد(1/211)
ماء الوجوه أعز منأن يقتني بعد النفادأيداً يضن به الأبي
وان غدا سلس القيادوبريقه من لا يبالي بازدراء الازدراد
هيهات لا تحسب دم الفرصاد مثل دم الفصادهو من وصفت وما وصفت
بغير بحيث وأنتقادالمتعب الحساد والحساد من أهل الفساد
يغدو الحسود وكيدهكالجمر من تحت الرمادوالعير يقمص جاهداً
ويفوته جري الجواديا ويح أهل الفضل منأهل الجهالة والكياد
ان غبت عنهم امعنوافي السب من غير اقتصادمتجأوزين حدودهم
سلقاً بالسنة حدادهذا وقد ورد الكتابوشاؤ شوقي في امتداد
فاغاث قلباً كان فيالله الترقب دون فاديوجلا العناء بكل معنى
مستجد مستجادصد الهموم وراح مروبالرواء لكل صادي
فكأنه نفس النسيمإذا تضمخ بالجسادفسقى معاهد أنسنا
بلقاكم صوب العهاد
الجناب الذي رفع الله سبحانه ذروته العليا على منكب الجوزاء وخفض جناح اعتزازه بالتواضع للأصدقاء وبرأ ساحته من شوائب المعائب كما أسبل تقلب حيائه على غر المناقب وأترع حياضه من زلال الفضائل في أنه مثل مارين رياضه بزخارف الفواضل فلا مرية عند ذوي الألباب في أنه غنى عن كثرة الألقاب مبنى فسطاط مجده بدون أطناب الأطناب وإذ كان ذاك كذاك فغيم تطأول الكوالي مساحة الافلاك وقد جل عطارد عن المس والادرك الا فجدد الله من عبير التحية والتسليم ما يضاعف طيب الندى الكريم ومن الثناء ما تزداد به الحضرة النضرة فتهتز بهجة ومسرة ولا زال الاقبال يغشاها والاكدار تتحاماها وتنحاشاها هذا وان تعارضت السؤال عن كيفية الحال روابط الصداقة الوثيقة التي هي بالنمو حقيقة فالحمد لله الذي ما من نعمة في الوجود الا وهي من جوده الموجود ومن جلائل نعمته سلامة الاخوان الثقاة التي لا نطيب الا معها الحياة ومنها ورد الكتاب البديع الخطاب وقد كان الفؤاد الواجد لطلوع نجمه الزاهر راصد فلما فضت ختامه المسكي يد التوقير أفضت إلى روضة وغدير ونسيم وعبير فشيد دعائم المحبة لا لنقصان وجدد معالم الذكرى وحاشاه من النسيان ثم حاشى رسائل الجناب بعد الآن من الفترة فان أخبار سلامته ذريعة إلى أقصى المسرة وهي منه مبر ولا سيما إذا تضمنت ما يسنح من الطائر الميمون بحاجة يرتاح بانجازها القلب وتقر العيون والسلام فأجابه عنها بأبيات ونثر لما وصلت إليه وهي قوله(1/212)
وافت عقود من ودادفي جيد ألفاظ جيادفي كل معنى قد جرى
من لفظه ماء الفوادي ... كادت تسيل فصاحة وبلاغة في كل واد
فكأنها الغزلان ينشرطيبها مسك المدادعن فكر منشيها بدت
توري الحقيقة كالزنادلله فيه سريرةبين الحواضر والبوادي
لو أعلنت أجرى بهاالماء الزلال من الجمادولقد علمت بأنه
صب إلى بذل الأياديمن ضئضئي نص الكتاب بأنه خير العباد
فرع شريف أشبه الأصل الأصيل من المهادجاز الكرام إلى ذرى
غايات مجد فيه باديواحتل غارب كل فضللم ينل من عهد عاد
خطم الانوف وذلل الأعناق من أهل الفسادما نام شخص منهم
الا على شوك القتادحيث انثنوا في شب نيران لهم ذات اتقاد
فكأنه من عزهشمس وهم مثل الرمادلم يرمهم بعزائم
لكريهة بل للرشادما زال يقحم كل يومخيل علياء الطراد
حتى أشام سيوفهبطلى الأشد من الأعاديوالله أيد فتحه
بالنصر مع بيض حدادوأناله من كل خيرما يروم من المراد
وأباح عفواً بعضهموالبعض صار إلى انقيادهذا الثقاف يقيم مع
وج الأنام إلى السدادهذا هو المجد المؤثل والطريف مع التلاد
هذا الذي تتلى مدائحه على سمع المعاديصارت بها تحد والحدا
ة كما ترى في الارتيادوغدت بما تحدويهترقى على السبع الشداد
والشعر مثل مطيةلا تنبري الا بحاديهذا وأهديه السلا
م مع الدعاء من الفؤادوأبيحه مدحا مع الود الاكيد المستزاد
لا زال يرقى بالسعو ... د وعمره بالامتداد
وصلت العذراء من القصائد وفي جيدها عقد من القلائد وعليها من ملابس البديع حلل وهي مفردات من الجواهر وجمل حاكتها كلماته الغر كشجر طيبة ثمرها الدر فعذبت في المغاز له وطابت عند المنادمة والمسأجلة مع نثر يعير النور إلى الكواكب ويغبر في وجه الصأبي الصاحب وكلاهما من شريف ألمعي وأديب لوذعي وفاؤه سموءلي في هذا الزمان وسخاؤه غيث مريع في كل مكان صدقته كعين الصدق صادقه ومودته مع محببه بكل لسان ناطقه يجريان مجرى الروح في الجسد ويستعيذان من شرحا سدا ذا حسد ويرويان عن وشي خلوص الفتح من فتحهما وعن الرياض الغضة من نضارتهما ما يهزأ بخلوص كل ذي(1/213)
نظافة ويروض ورد ومحاسن اللطافة حرس الله عن الزيغ فكره وأدام على الألسنة حمده وشكره مع دوام حياته في ربوع مسراته ليحظى محبوه برسائله السائرة المشتملة على خصائصه النادرة فقابلتهما بسلام وشوق إليه وثناء كجلائل النعم عليه هذا وعمره مع السلام يطول بجاه جده النبي الرسول آمين وكأنت وفاة المترجم في قسطنطينية دار الخلافة في سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بها والبقاعي نسبة إلى البقاع العزيزي نسبة إلى العزيز عكس الذليل وكأنه نسبة إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قال في التعريف ومقر ولايت كرك نوح وأما البقاع البعلبكي فهو نسبة إلى بعلبك لقربه منها قال في التعريف وليس له مقر ولاية وهاتان الولايتان منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لحاكم غير حاكمها والآن يتولى تلك الناحية حاكم من طرف ولاء الحكم في دمشق الشام والله أعلم.
الشيخ أحمد العاني
أحمد بن هديب بن فرج العاني نزيل دمشق الميداني الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه القرصي الصالح الكامل كان عابداً ديناً نقا ولد ببلده عانه وقدم دمشق بعد ما جأوز العشرين وقطن بها في المدرسة السميساطية واشتغل على جماعة من شيوخها كالعلامة الشيخ الاستاذ عبد الغني النابلسي والعالم الشهاب أحمد الغزي العامري ابن عبد الكريم والمحدث الشيخ محمد الكامل وحضر دروس الشيخ علي كزبر ودرس في بعض مساجد محلته بميدان الحصا وصار اماماً بجامع الدقاق ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بدمشق في شوال سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمقبرة الشيخ الحضي خارج باب الله رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر ولده محمد ان شاء الله تعالى.
الشيخ أحمد الأكرمي
أحمد بن يحيى بن محمد المعروف بالأكرمي الحنفي الصالحي الدمشقي خادم مقام سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قيس سره انشح المعمر الفاضل الأديب الشاعر كان مجموعة معارف تعلو بها الأقدار لكنه حظه نزر فصيره اضبع بين أترابه في زمانه من البدر في اليالي الشتاء كما قيل
ان المقدم في حذق لضنعته ... انى توجه منها فهو محروم(1/214)
وكان المترجم ملازماً تلك العتاب رامياً بنفسه في رحب ذلك الجناب وترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه شيخ هرم يحدث عن سيل العرم مناخاته كلها سكر وأرى وفكاهاته ملؤها شبع ورى وقد عبثت به يد اللأواء فصيرته طوع مقتضيات الأهواء فحاله أضيق من فم الحبيب وأشد غصة من بأس الطبيب الا أنه وان أرهقه الدهر بصرفه ونبا به كأنه سها في طرفه فصفحته يغشي العيون ائتلاقها وشيمته ما غير المكارم اعتلاقها وله شعر جاش به خاطره فجاء كزهر الروض فاح عاطره أنتهى مقاله
ومن شعره قوله
ثنيت عناني عن فتية ... يرون من العار علمي وكتبي
وكانو أصحأبي علي زعمهم ... وكلهم قد تهيا لحربي
فأعرضت عنهم لهم قاليا ... ولم آل جهدا بشتم وسب
واذ ذاك لو هتفوا بي هلم ... لما كنت يا صاح ممن يلبي
وقوله
أقول لا هيف أضحى بقلبيمقيراً باختيار وانقيادأيا حلواً للما وأصل محبا
ولا تقصد مجبك بالبعادوبرد غلتي بالوصل انيأخاف عليك من حر الفؤاد
وقوله
سقياً لموقفنا العشية بالحمى ... نشكو الغرام ولفظنا الألحاظ
وعواذلي لما تشابه أمرنا ... هجعوا أسى لكنهم ايقاظ
فكأننا المعنى المراد لطافة ... وكأنهم في ضمنه ألفاظ
وهي عروض أبيات الأمير المنجكي التي هي قوله
ومهفهف لولا عقارب صدغه ... لتناهبت وجناته الألحاظ
طارحته ذكر الهوى وعواذلي ... لا نائمون ولا هم أيقاظ
نبدي الحديث ولا حديث كأنما ... عبراتنا ما بيننا ألفاظ
وقوله من قصيدة مطلعها
لك لا لغيرك في البرية أعشق ... يا من به ثوب الحشا يتمزق
يا مخجل القمر المنير وفاضح ال ... ظبي الغرير لك الجمال المشرق
اني أضعت جميع عمري رغبة ... في أن يرى لي من ودادك موثق
يا من به أضحى فؤادي راتعاً ... في روضة من حسنه تتنمق
وغدا لساني ناطقاً في حبه ... بمدائح تعلو وحمد يشرق(1/215)
يا عاذلي في غير عذلك مطمع ... كلا فلا قلب يميل فيعشق
أمسى وأصبح في هواك بمقلة ... تندى وقلب من جلالك يخفق
بالله يا فرد الورى في حسنه ... أرحم فريد هواك فهو الأليق
وتلاف قبل تلافه فلقد غدا ... في نزع ثوب الاصطبار يفتق
وأسال مضاجعه الضنا ورفيقه ... أعنى النحول ترى الهوى وتصدق
ومن مقاطيعه قوله
وقالوا الذي تهواه أصبح هاجراً ... وقد كان قدما واهباً لنواله
فقلت لهم ماذا يضر لأنني ... شغلت به عن هجره ووصاله
قوله شغلت به إلى آخره مضمن من قول بعضهم
وقائلة انفقت عمرك مسرفاً ... على مسرف في نيهه ودلاله
فقلت لها كفى عن اللوم انني ... شغلت به عن هجره ووصاله
وكتب للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي يمدحه بقوله
يا أعلم العلماء والبطل الكمي ... يا من يفيد لكل من لم يعلم
شرفت أحمد اذ نطقت بذكره ... ورفعته فوق الثرى بتقدم
فالله خير جزائه يجزيكم ... ما دمت أذكركم بقلبي مع فمي
فأجابه الاستاذ النابلسي بقوله
يا خان دم العربي محيي الدين من ... حاز الفضائل والمقام الأفخمي
ثابته ومن التناسب حكمة ... كم دل عنها ذو حجي وتفهم
هو حاتمي من سلالة حاتم ... والأكرمي فأنت يا بن الأكرم
ومن شعر الأكرمي قوله
الا أن هذا الكون يرقص فرحة ... بموجده الحي القوي وذي الشان
فلما تحققنا بذاك وكوشفت ... سرائرنا حقاً زمرنا بدخان
وله في ذي عمة كبرى
وذي عمة كبرى غدوت مسائلاً ... على العلم منه أم على الجهل عمما
فقال على مقدار علمي ولو غدت ... على قدر جهلي ضاقت الأرض والسما
وله غير ذلك وكأنت وفاته في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر الخير سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى.
الشيخ أحمد الأحمدي
أحمد المعروف بالأحمدي المصري نزيل طرابلس الشام الشافعي الشيخ(1/216)
العالم العلامة الفاضل المحقق البارع له البراعة والنظم والنثر والفضل والباع الطويل لأقامة دعائم الدليل قال بعض من لقيه لم يتحف أحداً برقيق أشعاره. ولا ينزه طرفاً في حدائق آثاره فهي دائماً بخدور صدره وتحت أذيال ستره. يتطلب دائماً أشعار اخوانه وفقه خلانه ويضعها في أكنانه كما يزن عقلهم بميزانه فعلى الحالين ان أحسنا به الظن نقول هو يعلم بالأذن وان أطعنا النفوس طوع البهائم وركبنا بطون المحارم وامتطينا القلاص الرواسم لوامض برق من الظنون الرواجم فلا يبعد أن نقرع سن الندم على سر طوى عن غير كاتم فالتسليم أسلم والله أعلم وقد وفد إلى طرابلس الشام بالطريقة الأحمدية في سنة خمس وثمانين ومائة وألف واشتهر بها وقد أخبرني من أثق خبره ان المترجم كان آية باهرة في العلوم والفنون وانه في كل علم بحر خضم جامع بين الحقيقة والشريعة ووفد إلى دمشق واجتمعت به وقد رأيت من آثاره بيتين خاطب بهما الفاضل الأديب السيد أحمد البربير الدمياطي وهما قوله ارتجالاً
ان حمد الناس منك فضلاً ... فانني لا خفاء أحمد
وان يرى من حميد وصف ... فأنت بدر التمام أحمد
فأجابه حالاً
مدحتكم في الورى بقلبي ... ولم أزل باللسان أحمد
لكن بدا في الثنا قصوري ... إذ أنت في الحالتين أحمد
وكأنت وفاته بقسطنطينة في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ولم يبلغ في السن ثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
الشيخ أحمد الشاملي
أحمد المعروف بالشاملي الحنفي الدمشقي أحد مشاهير أعلام الفضلا المفيدين بدمشق كان فاضلاً عالماً محققاً تقياً له اطلاع أخذ وقرأ على جماعة أجلاء منهم الشيخ علي ابن الخليفة الدمشقي والشيخ عثمان القطان وكان يدرس بالمدرسة البيرمية الكائنة بالقرب من سراية الحكم بدمشق التي بناها كافلها الوزير محمد باشا الشهير بابن كرد بيرم في سنة سبع عشرة ومائة وألف ولازمه جماعة من الطلبة وأنتفعوا به وكأنت وفاته بدمشق في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بالمديان الأخضر رحمه الله تعالى.
أحمد الراشدي(1/217)
أحمد بن محمد بن شاهين الراشدي الشافعي الأزهري الشيخ الامام العالم الفقيه الفرضي الحيسوب أبو العباس نجيب الدين تفقه على الشيخ مصطفى العزيزي والشمس محمد الفرضي العشمأوي وأخذ علم الحساب والهندسة عن الشمس محمد الغمري وسمع الحديث على كل من عيد بن علي النمرسي وعبد الوهاب ابن أحمد بن بركات الطنتدائي والشمس محمد الورزازي النمرسي والطنتدائي عن الجمال عبد الله بن سالم البصري ومحمد الزرقاني وبرع صاحب الترجمة وأنتشر صيته ودرس وأفاد وأخذ عنه جماعة كثيرون منهم ثعيلب بن سالم الفشني وهبة الله بن محمد الناجي وغيرهما وتوفي في سنة ثمانين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً رحمه الله تعالى.
أحمد الحلبي
أحمد الحلبي الشيخ البركة الصالح المعمر الكامل شيخ السجادة بمقام تكية القرقلار بحلب الشهباء تصدر للمشيخة سنة تسع ومائة وألف وتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
أحمد سكوني
أحم المعروف بسكوني الرومي نزيل دمشق أحد الشعراء الروميين المشاهير كان من أتباع الصدر الأعظم قره مصطفى باشا المرزيفوني وزير السلطان محمد خان وبهمته نال بعض المناصب ثم وفد إلى دمشق واستقام بها مقابله جي أوجاق اليرليه إلى أن مات وكان شعره يميل إلى الهجو والملاطفة ودائماً يجري بينه وبين الشاعر المجيد يوسف الشهير بالنأبي الرهأوي مطارحات ومكالمات معلومة شهيرة وشعره بالتركي كثير وكأنت وفاته بدمشق في ربيع الثاني سنة اثنين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
أحمد التركماني
أحمد الحنفي التركماني الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ارتحل اليها في سنة ثمان ومائة وألف وسلك طريق مواليها وحين وفاته كان منفصلاً عن رتبة السليمانية وكان من العلماء الفحول الأفاضل المحققين وله شهرة وفضيلة بين أهالي الروم توفي بعد الخمسين ومائة وألف في قسطنطينية رحمه الله تعالى.(1/218)
أحمد العقربأوي
أحمد العقربأوي الشيخ الامام الفاضل الفقيه الأوحد الهمام شهاب الدين أحد رؤساء العلم بالديار النابلسية رحل إلى مصر واشتغل بالتحصيل بها وقرا على الشيخ عبد الله محمد الشبرأوي والنجم محمد بن سالم الحفني وغيرهما وتصدر للأفتاء على مذهب الامام الشافعي ودرس وأفاد وأنتفع به خلائق كثيرون في تلك البلاد وتوفي في بلدته عقرباً من بلاد نابلس في حدود الثمانين ومائة وألف
أحمد الدومي
أحمد الدومي الحنبلي الدمشقي قاضي الحنابلة بدمشق الشيخ الفاضل البارع العالم الأوحد أبو العباس نجيب الدين تفقه علي الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروس شيخ الاسلام النجم الغزي العامري تحت القبة وغيرهما وولي القضاء وحمدت سيرته ولم يزل على طريقة مثلي إلى أن توفي نهار الاثنين ثامن شعبان سنة سبع ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
أحمد الجعفري
أحمد بن مصطفى النابلسي الحنبلي الشهير بالجعفري الشيخ العالم الفقيه الصالح البارع أبو الفضل شهاب الدين كان من أعيان الصلحاء كل من يعرفه بصفه بأنه من الصالحين وكان من أكابر بلده وأعيانها المشار اليهم وله فضيلة في فقه مذهبه وتوفي في أوائل شهر رمضان سنة احدى ومائة وألف ببلدة نابلس وسيأتي ذكر أخيه صلاح الدين في حرف الصاد ان شاء الله تعالى.
أحمد القطان
أحمد ابن القطان المكي الفقيه الصوفي ولد بمكة ونشأ بها وجد واجتهد وكان ذا فهم ثاقب وذكاء مفرط وتصدر للتدريس فأقبلت عليه الطلبة واختص بصحبة العارف بالله تعالى السيد سعد الله ابن غلام محمد الحسيني وأنتفع به وأخذ عنه طريق التصوف وحصل له منه نفحات وعنايات وأخذ عن المترجم الشمس محمد عقيله المكي وغيره وهو من أعيان المحققين توفي سنة تسع ومائة بمكة.
السيد إسحق الكيلاني
إسحق بن عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي وينتهي(1/219)
إلى الولي الكبير سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله تعالى عنه السيد الشريف القادري الحموي الحنفي أبو يعقوب الشيخ المعتقد الكامل أحد المشائخ المشهورين المعظمين ولد في حماه سنة احدى عشرة ومائة وألف كما أخبرني صاحبنا القاضي حسين ابن الرئيس على المستوفي الحموي نقلاً عنه وهو أكبر اخوته يعقوب ومحمد وصالح وعبد الرحمن ونشأ في كنف والده ولما استقر والده وأعمامه واخوته بدمشق وسكنوها استقام معهم وأخذ عن والده الطريقة القادرية ولقنه الذكر واشتهر أمره واحترمه الناس وكان الحكام والقضاة يبجلونه ويحترمونه اجتمعت به بدمشق وكان يدعو لي ويكتب لي بخطه بعض التعأويذ والتمائم وكان الوالد يحترمه ويجله ولم يزل شيخاً معتبراً محترماً حتى مات شهيداً قتله في واقعة أبي الذهب المصريين مع أهالي الشام جماعة من عسكر الأتراك طمعاً في ماله فوق معرة النعمان وهو ذاهب إلى حلب وكان ذلك في شعبان سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارج المعرة والحموي بفتح الحاء والميم نسبة إلى حماة البلد المعروفة المشهورة توطنها أسلافه من قديم الزمان وهم رؤساؤها وأعيانها ومشائخها وأحوالهم غنية عن التطويل وكلهم مشائخ معتقدون وسيأتي ذكر أخيه محمد وابني عمه ان شاء الله تعالى.
السيد إسحق المنير
السيد اسحق بن محمد بن علي المعروف بالمنير الحسني الشافعي الحموي الأصل الدمشقي الشيخ العالم الصالح كان من خيار الأخيار من الأمة المحمدية وكان والده من المعمرين الأخيار اتفق أهل عصره على صلاحه ودياته وكأنت له كرامات وأحوال عجيبة وكان في جميع أحواله ماشياً على نهج الكتاب والسنة وتوفي في سنة احدى وستين وألف وخلف ثلاثة أولاد أكبرهم السيد حسن كان من خلاصة الخلاصات عانا فقيهاً ورعا زاهداً وكان في عصره فرداً من أفراده جمع بين العلم والعمل وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وأثنى عليه وذكر أن وفاته كأنت في شوال سنة أربع وتسعين وألف وأوسطهم السيد عبد الرحمن كان عالماً عاملاً تقياً نقياً توفي سنة تسع وثمانين وألف وثالثهم صاحب الترجمة قال المحبي في تاريخه عند ترجمة والد المترجم ولقد حكى لي بعض الاخوان عن صدوق من الناس انه رأى والدهم فسأله عن مرتبتهم في الولاية فقال أما حسن فكنا نتجارى نحن واياه فسبقنا(1/220)
وأما عبد الرحمن فقد وصل وأما اسحق فمع الركب مجد على الوصول أنتهى وكأنت وفاة المترجم في يوم الاثنين بعد العصر أواخر جمادي الثانية سنة ثمان ومائة وألف ودفن في يوم الثلاثاء في تربة الباب الصغير وسيأتي ذكر ولده أسعد وحفيده عبد الرحيم كل في محله ان شاء الله تعالى.
إسحق البخشي
اسحق بن محمد البخشي الحنفي الحلبي الخلوتي العالم الجليل الفاضل النبيل مولده بحماه في حدود السبعين وألف واشتغل على والده المذكور وارتحل معه إلى مكة المشرفة في أواخر القرن الحادي عشر وجأور بمكة مدة وتفقه على والده وأخذ عن علماء الحرمين في وقته وعن علماء بلدته وبرع في سائر العلوم واشتهر بلطائف التحريرات في المنثور والمنظوم وله سياحات كثيرة وابتلى بالاغتراب بسبب القضاء وله في علوم العربية والأدب ما يملأ الدلو لعقد الكرب وله نظم القدوري وغيره من الرسائل المفيدة والمراسلات الفريدة ولما اصطحبه معه الوزير قبطان إبراهيم باشا لسفر المورة من البحر وحصل لهم الفتح والنصر انشأ مقامة بحرية ووصف فيها كيفية الذهاب والاياب وكيفية القتال براً وبحراً وما يسره الله من الفتح والنصر بألفاظ عذبة وعبارات أنيقة وشاع ذكرها بين ادباء العصر وكان له نظام كالدر النظيم وتحريرات تفصح عن فضله الجسيم لو دونت لبلغت مجلدات وعاقبة أمره عدل عن القضاء وكأنت وفاته في حلب الشهباء في سنة أربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
إسحق أفندي منلاجق زاده
اسحق بن محمد بن اسحق بن يحيى الشهير بابن المنلاجق القسطنطيني الحنفي قاضي العساكر أبو الكمال صدر الدين القاضي الأجل العالم الفاضل الأديب اللوذعي المتكلم الملسان صاحب النوادر والنكات المشهورة ولد بقسطنطينية سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم واشتغل بأخذ العلوم فقراً المقدمات وشرع بأخذ البواقي وتحصيل الكمالات وأخذ عن جماعة منهم الامام أبو العباس أحمد بن ناصر الدين البقاعي الدمشقي نزيل قسطنطينية والمولى الهمام أبو الصفا برهان الدين إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم الحلبي وغيرهم وبرع بالأدب والكمالات وحفظ الأشعار العربية والفارسية واللغة وكان صاحب حافظة قوية سريع الاستحضار يتوقد ذكاء حسن الصحبة والعشرة طارح التكلف بالألفة وقدم دمشق وحج(1/221)
وأخذ بها عن الامام الشيخ أبي النجاح أحمد بن علي المنيني وعن الجد بهاء الدين محمد بن مراد الحسيني المرادي وقرأ أوائل شرح تاريخ العتبي على مؤلفه المنيني المذكور وسمع من أشعاره ودرس بمدارس دار السلطنة على عادتهم ثم درس باحدى الثمان وأعطى قضاء يكيشهر البلد المعروفة ثم أعطى بعد مدة قضاء مصر واجتمع بعلمائها وامرائها واختلط بهم وأحبوه وأحبهم وكان يحدثني بأخبارهم ويشكر صنيعهم ويمدحهم وولي قضاء دار السلطنة وبعدها ولي قضاء عسكر روم ايلي كان أول اجتماعي به في صفر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف بقسطنطينية وسمعت من فوائده وأشعاره ونكاته ونوادره وحدثني بكثير منها وكان بينه وبين والدي محبة ومودة واجتماع كثير وكنت قبل ذهأبي إلى دار السلطنة أسمع أخباره من والدي وهو يثني عليه ويذكر أوصافه ولما اجتمعت به وجدته فوق ما وصف ولما عدت إلى دمشق كنت أراسله بالكتب وكان رحمه الله تعالى من الصدور الأجلاء أرباب لانقض والابرام وله شهرة بدار السلطنة وعمر الدار المعروفة به وصرف عليها الاموال الكثيرة وشرع في بناء دار في ساحل البحر خارج قسطنطينية وصرف على تأسيسها مالاً وافراً ومات وما أتمها وأعطاه الله القبول والجاه والرفعة وكان مع اشتغاله في امور الدولة وتدبير الملك لا يفتر عن المطالعة في كتب العلوم والمذاكرة ومجلسه لا يخلو دائماً عن عالم أو أديب أو شاعر أو كاتب أو رجل صاحب معرفة وله محبة لابناء العرب ويشهد بفضلهم ويتكلم بالعربية الفصيحة وبالجملة فقد كان من الافراد توفي في رابع عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن داخل سور قسطنطنية بمقبرة إبراهيم الوزير حاكم البحر بالقرب من جامع السلطان سليمان خان وحضر للصلاة عليه وعلى دفنه جميع قضاة العساكر والعلماء وأعيان الدولة ومنلاجق بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة وبعدها جيم وقاف تصغير منلا والمنلا باللغة التركية الشيخ العالم.
أسعد الإسكداري
أسعد بن أبي بكر الاسكداري الأصل المدني الحنفي مفتي المدينة المنورة لشيخ العالم الفاضل الأوحد المفنن الفقيه البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمسين وألف ونشأ بها واشتغل بأخذ العلم وحصل فأخذ الفقه عن مكي افتدى قاضي المدينة المنورة وتزوج بنته وأخذ عنه وعن غيره عدة فنون ونبل وفضل وصار أحد الأعلام المشهورين ودرس بالمسجد الشريف النبوي وتولى افتاء الحنفة(1/222)
مراراً وجمع في الفتأوي كتاباً حافلاً يسمى الفتأوي الأسعدية عليها المعول في بلاد الحجاز وله تحريرات كثيرة كان يكتبها على هوامش الكتب ولتلامذته على الكتب المقروءة عليه تحريرات معزوة إليه وبالجملة فقد كان من أفراد الدهر في علم الفقه ومعرفة الوقائع وتحرير الأسئلة والأجوبة ولم يزل على أحسن حال إلى أن توفي وكأنت وفاته سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
أسعد الحرستي
السيد أسعد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحرستي الأصل الدمشقي الشريف لأمه الذكي المتفوق الشيخ الفاضل الكامل الفقيه الفرضي البارع كان دمث الأخلاق له يد طائلة في المسائل الفقهية وله مشاركة في غيرها قرأ على المشايخ وحصل وتخرج على يد العالم الشيخ علي التركماني وقرأ عليه وصار كاتب الفتوي مع المزبور عند المفتي حامد العمادي ثم عند والدي رحمه الله تعالى لكون والده الشيخ أحمد كان كاتب الفتوى عند العمادي المذكور وكان والده من الأفاضل الفقهاء الفرضيين ورأيت لجده رسالتين ألفهما في الفرائض وكان قرأ في هذا الفن على العالم الشيخ كمال الدين ابن يحيى الفرضي الدمشقي المتوفي في سنة ثمان وثمانين وألف والمترجم صار في آخر أمره من الفقهاء البارعين غير أن والده كان يتغضب عليه فلذلك لم يبدر قمر حظه في سماء الاشراق ولم يزل يتجرع من دهره المصائب بدهاق وكان عليه عدة وظائف منها امامة السنانية وغيرها ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف عن نيف وخمسين سنة رحمه الله تعالى.
أسعد البكري
أسعد بن أحمد بن كمال الدين وتقدم ذكر والده الصديقي الحنفي الدمشقي الرئيس الفاضل الهمام المقدام الكامل البارع الألمعي كان صدر أعيان دمشق وواحدهم ممن تسامى وعلا واشتهر ذكره وشاع صيته من ذوي المفاخر والمحامد الرؤساء الأجلاء مقبول الشفاعة عند الحكام معتبراً موقراً لدى الخاص والعام وبالجملة ففضائله ومحامده تكاثرت واشتهرت في وقته مع الجاه العريض والرفعة والشان والسمو للمعالي ولد بدمشق تقريباً في سنة ثلاث وستين وألف وبها نشأ وترقى ومهر وتفوق وابتهجت به الأوقات وازدان به الدهر وأينع روض سعوده وبسق غصنا يترنح في خميلة السيادة والسعادة تؤمن الوفود وتقصده الأفاضل والمداح(1/223)
وتولى نيابة الحكم في محكمة الباب وفي المحكمة الكبرى والقسمة مراراً وأعطى رتبة قضاء القدس وكأنت عليه وظائف وتوالي كثيرة وتملك العقارات والأملاك الوافرة وبنى الدار والجنينة في قرية جرمانا خارج دمشق وأتقن بناءها وجاءت نزهة وبهجة وصار يذهب إلى هناك ويدعو الأعيان والأحباب وكأنت في وقتها أحسن مكان يوجد في القرى وارتحل للروم والي مصر وحج إلى بيت الله الحرام وفي سنة ثمان عشرة ومائة وألف في يوم السبت ثاني وعشرين ذي الحجة الحرام من السنة المذكورة توجه إلى جهة صيداً هو والمولى عبد الرحمن بن أحمد القاري والمولى سليمان بن إسماعيل المحاسني الخطيب بالجامع الأموي والأمام بأمر سلطاني على طريق الأجلاء والنفي وكان ذلك باشارة والي دمشق الوزير سليمان باشا البلطجي وصنعه وكان السبب أنه أراد أخذ قرض من التجار وأحداث بعض مظالم فمنعه المذكورون فعرض للدولة بخلاف ذلك ثم استقاموا في صيدا إلى خامس عشر ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائة وألف ففيه ورد الأمر السلطاني ثانياً باطلاقهم والعفو عنهم بأمر من السلطان أحمد خان وعند وصولهم إلى دمشق خرجت الناس خاصة وعامة كباراً وصغاراً إلى ملاقاتهم وصار لهم الكرام الوافر ولما وصلوا إلى عند الوزير المذكور خلع عليهم الملابس الفاخرة واستعفى منهم واعتذر لديهم غاية الاعتذار وممن امتدح المترجم الشيخ عبد الرحمن البهلول بقصيدة مطلعها
من عذيري في حب ظبي مصون ... ذي قوام يزري بهيف الغصون
وعيون ترمي الحشا بسهام ... ذقت من رشقهن ريب المنون
وهي طويلة ومنهم الأديب عبد الحي الحال فمن مدائحه فيه قوله هذه القصيدة التي مطلعها
قادنا في الشباب والعنفوان ... قائد الغي للوجوه الحسان
فأطعناه برهة وعصيتا ... لائماً نصحه من الهذيان
وعكفنا على العروس جهاراً ... حين زفت من دنها للقناني
وطويت الحشا على الشرب حتى ... خلت ان المدام فيه طواني
بين غيد وتمرد وغدير ... وغياض وغلمة كالغواني
كل ظبي إذا بدا وتثنى ... ستر البدر منه بالأغصان
منها
يا ليالي السعود والبسط والقص ... ف ونيلي لصادقات الأماني
كم خلعت العذار في ساعة الله ... ومطيعاً أوامر الشيطان(1/224)
غير أني رعيت أمر معادي ... وطرحت المخل في ايماني
ثم أني أحسنت ظني بالله ... لعلمي بواسع الغفران
وبحب الرسول والآل والصحب ... وحسبي فحبهم قد كفاني
فيهم قد كفيت أمر مالي ... وبنجل الصديق جور زماني
الامام الذي هو الجوهر الفرد ... وحيداً في حل صعب المعاني
هو بين الأعلام واسطة العقد ... وحأوي السباق يوم الرهان
ومنها
أنفق المال في الجهاد وفي حب ... التهامي وطاعة الرحمن
أورثتك الجدود بيت فخار ... شدته بالعلوم في كل آن
ورفعت العماد منه بأيد ... أركزت أمه بأعلى مكان
هي أيد تضمنتها أيادي ... صيرت حاتماً أخاً خسران
تخجل السحب والغمام إذا ما ... أمسكت والظنون ليس تعاني
من شهرت اليمين في لنيل سيلا ... وسنوح اليسار كالسيحان
قلت بحران يا خليلي قل لي ... عمرك الله كيف يجتمعان
الامان الامان أنا غرقنا ... من ندى راحتيك في بحران
يا امام الكرام يا كعبة الجود ... وبيت العطا وركن الاماني
يا عباب العلوم يا مجمل الفضل ... ونهر الروى وبحر البيان
يا محل الآمال يا موطن القصد ... وربع النوال والاحسان
يا غياث الملهوف يا كهف من قد ... طرقته طوارق الحدثان
دم مهنا كما تحب وتختا ... ر أميناً على مدى الازمان
وامتدحه الشيخ صادق الخراط بقصيدة مطلعها
طيور التهاني بالمسرات غردوا ... فان المعالي قطبها الآن أسعد
وأنتم حداة البسط للشام يموا ... فتلك العدا فيها من الغيظ انكدوا
ونال ابن صديق النبي كرامة ... بها مات ذلاً من له كان يحسد
وأنت لقد وفيت يا دهر بالمنى ... وجدت بما كنا نروم ونقصد
فلا زلت توفي الوعد يا دهر دائماً ... وتخلف للحساد ما أنت موعد
ولا زلتم يا آل صنو محمد ... على الناس يعلو قدركم ويشيد
وهي طويلة وكتب إليه ممتدحاً داره الكائنة في قرية جرمانا بقوله(1/225)
أسعد الدهر قد بنيت دياراً ... عش بسعد في ظلها الممدود
من رآها يقول من غير شك ... هذه الدار من جنان الخلود
وقال أيضاً
لا زلت يا دار طول الدهر عامرة ... ولا تعداك اقبال واسعاد
ولا برحت بيمن السعد مشرقة ... يرتاح في ربعك المعمور قصاد
وكتب إليه السيد الأمين المحبي يمدحه حين ولي نيابة حكومة الشرع بقوله
ليس بالفخر مدحة المعشوق ... انما الفخر مدحة الصديقي
ماجد كل ماجد من علاه ... يرتقي فوق هامة العيوق
لوذعي يكاد بالفكر يدري ... ما درى الغيب من خيال رقيق
فاضل أبدعته أيدي قدير ... لترى فيه صنعة التخليق
جمعت فيه ما تفرق دهراً ... فتعجب للجمع والتفريق
ولي الشام نائباً فاطمأنت ... كل أسرارنا بمحض الوثوق
أيها الفاضل العريق الذي ند ... عوه فينا بالفاضل المنطيق
ان لي ذمة تشبثت فيها ... من معاليك بالصدقي الصدوق
انأمن حاله لديك عيان ... وسكوتي يغنيك عن تنميقي
فارغ ودي بقيت في كل أمر ... نافذ القول عاملاً بالحقوق
وبالجملة فقد كان المترجم من رؤساء دمشق المنوه بهم والمعول عليهم وكأنت وفاته فجأة في ليلة الجمعة بعد المغرب الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ودفن يوم الجمعة في تربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه بمشهد عظيم حافل وكان قبل موته حصل له عارض سودأوي ومرض فانزوى في داره وعولج كثيراً ولم يفده شيء إلى أن مات ورثاه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بقصيدة مطلعها
عزيز قوم كان لا يذلبمهو على أسلافه يذلأوصافه محض الثنا مشيرة
بأنهم لفضلهم محلمن نسل صديق النبي ليس فيباطنه حقد وليس غل
ونسل طه المصطفى أيضاً كمايعرف من عقد له وحلوآأسفي على شريف طبعه
ذاك الذي بالجود لا يذلكان هماماً كيفما قصدتهوجدته لا يعتريه كل
يحل كل مشكل لكل منأموره تكاد لا تحلتواضع يزينه مع رفعة
وهو الكثير ما هو الأقلوكان ركناً في دمشق عمدةللكل يحتاج إليه الكل
مهذب الأخلاق صعب المرتقىحديثه الشهي لا يملكأنه الروض ذهت أزهاره
وكلل الأوراق منه الطل(1/226)
السيد أسعد المنير
السيد أسعد بن اسحق بن محمد بن علي الشهير بالمنير الشافعي الحسيني الحموي الأصل الدمشقي المولد الشيخ الامام العالم البارع المقري كان ديناً صيناً خيراً كثير الحياء وافر الديانة مصون اللسان عن اللغو ولد بدمشق في سنة ثمان وثمانين بعد الألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل لذلك فقرأ على جماعة منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي لازمه مدة مديدة وقرأ عليه ختمة للسبع من طريق الشاطيبة وقرء عليه ختمة للعشر من طريق الطيبة ولازم الشيخ عثمان الشمعة وقرأ وسمع عليه كتباً في عدة فنون منها شرح القطر للفاكهي في النحو مع حاشية يس ومختصر المعاني والبيان وشرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا وغير ذلك وام في لمحراب الأول بالجامع الأموي شريكاً للشيخ محمد الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق ودرس بالمدرسة البونسية بالشرق الأعلى وجلس للتدريس بالجامع الأموي واقرأ في النحو والقراآت وقرأ عليه القرآن العظيم للسبع وللعشر جماعة وأنتفعوا به ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن مات وكأنت وفاته مطعوناً في شهر رمضان سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه بالقرب من ضريح الصحابة بالباب الصغير رضي الله تعالى عنهم.
أسعد بن عابدين
أسعد بن عابدين الشهير بابن كوله بضم الكاف واللام الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح الدين الصوفي كان يتكلم بعلوم الحقائق ويظهر من مكنوناتها الخفايا والرقائق صحب لاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي مدة تزيد على أربعين سنة وتقل له الاستاذ بفمه وبارك عليه ووضع يده الشريفة على صدره وصار بعد ذلك يتكلم في الحقائق ويملي من علوم القوم الرقائق مع أنه كان أميالاً يقرا ولا يكتب ومع ذلك يقضي منه بالعجب في معرفته لغامضات علوم العارفين وكأنت وفاته بدمشق سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
أسعد الإيراني
أسعد بن عبد الله بن خليل الشهير بابن المولى أبو سعيد الايراني والملقب بالهندي لسمرته القسطنطيني الحنفي شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية يمين الدين العالم الأجل الصدر الكبير المهاب المحتشم الفاضل الذكي الأديب البارع ولد سنة(1/227)
تسع عشرة ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده العلامة الكبير أبي محمد عبد الله الشهير بالوصاف وقرأ واشتغل بالفنون وسمع الكثير واكب على التحصيل وأخذ الخط المنسوب المعروف بالتعليق عن رئيس هذه الصناعة في وقته المولى رفيع مصطفى الكاتب رئيس الاطبا ومهر وتفوق وجود الخط وأتقنه واعطاه الله القبول والذكاء وأكثر من مطالعة كتب اللغة والأدب ونظم ونثر بالألسن الثلاث واشتهر من حين شبيبته ودرس على عاداتهم وتنقل في التداريس العلمية ثم ولي قضاء الغلطة ولما ولي والده مشيخة الاسلام في الدولة تزايد قدره وعظم حاله وكان والده من أفراد الزمان علماً وأدباً وجاهاً ولقب بالايراني لكونه أرسل سفيراً ورسولاً من طرف الدولة العثمانية إلى الدولة الايرانية أيام الخارجي الشهير نادر علي شاه المنبوزبطهما سب قولي خان سلطان العجم ثم أعطى المترجم قضاء مكة وبعدها قضاء قسطنطينية بالرتبة ولم يتصرف بالقضاء بل بالرتبة كما هو داب الدولة العثمانية ثم أعطى قضاء عسكر أناطولي وباشر الأحكام وبعد انصرافه وعزله ولي قضاء عسكر روم ايلي سنة ست وسبع وثمانين ثم في سنة تسعين ومائة وألف ولاه السلطان الأعظم أبو النصر غياث الدولة والدين عبد الحميد خان مشيخة الاسلام وصار مرجع الخاص والعام وأفتى وأفاد واشتهر في الأمصار والبلاد وامتدحه الشعراء وأقبلت عليه الأدباء وكان حسن الأخلاق عالماً محققاً أديباً أريباً حسن النظم والنثر لطيف الصحبة والمذاكرة كثير اللطائف والنوادر ولما دخلت إلى قسطنطينية في صفر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف كان شيخ الاسلام فذهبت إليه مع قاضي دمشق المولى محمد أمين ابن شيخ الاسلام ولي الدين المفتي ولما رآني قام واقفاً وقال أهلاً ومرحباً بابن شيخنا رحم الله جدك سيدنا الاستاذ الشيخ مراد اجتمعت به وقبلت يده وتشرفت بزيارته ولما مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف حضرت غسله وجنازته والصلاة عليه ولم أر مدة عمري أبيض من جسده جسداً ولا أطرى منه وكان بالمجلس حاضراً المولى اسحق بن محمد المنلاجق قاضي عسكر انا طولي فأثنى هو أيضاً عن الجد وأكثر من المدح واجتمعت به بعدها غير مرة ولما كنت بدمشق قبل اجتماعي به رقأبي إلى المدرسة السليمانية وأرسل إلى رؤس المرسوم الصادر باشارته وأبقى ابن عمي أبا طاهر عبد الله بن طاهر المرادي في منصب فنودي دمشق وكتب له به كتاباً وأرسله إليه تمرض وأنا بقسطنطينية واشتد به المرض ولا زال يكثر حتى قرب من الموت وهو في هذه الحالة لم يعزله السلطان عن المشيخة ورسم له أن يجعل حتماً للفتأوي يكتب الجواب كاتب الفتوى وهو(1/228)
يختم به لعجزه عن الكتابة فقال له المقربون والوزير الأعظم يا سيدنا ان المولى أسعد الايراني للآخرة أقرب وتعطلت امور الدولة وضاجت ذوو الحاجات وأرباب المطالب والصرار على ابقائه في المنصب مضر للدولة ويحصل منه تنكر والأمر اليك فقال لا بد أن أسأل عنه رئيس الأطباء فإنه أن أخبرني بما ذكرتموه أعزله ولما حضر بين يديه رئيس الأطبا سأله عن مرضه وعلته وحاله وأخبره بضعفه وأنه للآخرة أقرب ولا ينتج من دائه فرسم بعزله وأحضر قاضي عسكر روم ايلي المولى شريف ابن شيخ الاسلام المولى أسعد ابن شيخ الاسلام المولى إسماعيل بن إبراهيم المفتي ألبسه خلعة مشيخة الاسم البيضا وهي فروج من الجوخ الأبيض حشوها السمور الأسود لا يلبسها الا شيخ الاسلام المنصوب وكان ذلك في اليوم السادس والعشرين من جمادي الثانية سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ثم لم يلبث الا ستة أيام ومات في ثاني رجب من السنة وصلى عليه في جامع أبي الفتح السلطان محمد خان مجمع حافل حضره ما عدا السلطان جميع الوزراء وقضاة العساكر والرؤساء والأعيان ودفن عند والده في مقبرة أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه خارج قسطنطينية وقبره معروف رحمه الله تعالى.
الشيخ أسعد المجلد
أسعد بن عبد الرحمن بن محي الدين بن سليمان الشهير بالمجلد لكون والده في مبدأ أمر كان مشتغلاً بتجليد الكتب الحنفي السليمي الدمشقي ولي الله تعالى بلا تراع العالم العابد الزاهد الورع الفاضل الشيخ الأجل كان صواماً قواماً محافظاً على العبادات والطاعات ولد بدمشق في سنة سبع وتسعين وألف ونشأ بها في كنف والده وطلب العلم على جماعة بعد أن تأهل منهم العلامة والده قرأ عليه في النحو والصرف والفقه ومصطلح الحديث ومنهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ عبد القادر التغلبي وأعاد دروس الشيخ صالح الجنيني في يوم الجمعة تجاه النبي الحضور يحيى عليه السلام وكان يقرئ بالجامع الأموي تجاه سيدي يحيى عند محراب المالكية ويعظ بعد المغرب تجاهه ودرس بالمدرسة العادلية الصغرى وبالمدرسة الجمالية بصالحية دمشق وأنتفع به جماعة من الطلبة وما قرأ عليه أحد الا وصار له الفتوح ببركة خلوصه وكان ملازماً للديانة والصيانة ونشر العلم والانزواء عن الناس وشرف النفس وعدم التردد إلى أهل الدنيا ولما صارت الزنزانة العظمى بدمشق ونواحيها في سنة ثلاث(1/229)
وسبعين ومائة وألف تعطل نصفه من حائط وقع عليه وبقي سطيحاً إلى أن مات وكأنت وفاته في شهر رمضان وهو صائم سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر والده عبد الرحمن ان شاء الله تعالى.
أسعد أفندي العبادي
أسعد بن أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن محمد المعروف بالعبادي الحنفي الدمشقي الأديب الفاضل الكامل الماهر اللوذعي أحد من اتصف بالبراعة والنظم والأدب اشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ محمد الحبال ومنهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عنه ولازمه وكان في مبدأ أمره يحضر دروسه في الفتوحات المكية وغيرها وتلمذ له وقرأ المطول وغيره على الشيخ عبد السلام الكاملي وتفوق وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أبي سلك شعب الأدب وابتدر لنظم شمله وأنتدب فأعلم حبره وطرز وأبرز من مصوناته ما أبرز واقتض شوارده وأحرز برقة لو سرى بها النسيم لما استيقظ الوسنان أو ما زجت الرحيق لما استفاق النشوان خالية من شائبة تخالط طبعه أو تكدر من صافي فكره نبعه تستعبد من المعاني أحرارها وتظهر في سبك الألفاظ أسرارها لم تقطع علائقه من الاشتهار وتأبى خلائقه الاستظهار يستهويه الزهر والأعجاب ويرده التيه إلى الاحتجاب ولم يزل مرتبكاً بنفسه متعلقاً بتخمين آماله وحدسه تسير به في مهأوي الأوهام الا ما تضيق به منه الافهام فطوراً تؤربه الهمة فلم يقتدر وتارة تقعده عما يهم به ويبتدر فهو في ذلك كثير النجوى قليل الجدوى الا أنه في الخيلات الشعرية باقعة وملحة وسط لقلوب واقعة فكأنما اقتطفها من زهر على ضفة نهر أو اختلسها من أنفاس الصبا إذا سرت بها إلى سمع الربا فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها
أمل يرنح غصنه الوعد ... وسطور شوق حطها البعد
وتذكر ثمراته لهب ... يذكيه مني الحب والوجد
ونواطر شحت بأدمعها ... قد صاد طائر غمضها الصد
أفدى الذي الأوهام تجرحه ... ترفاً ويحسد خده الورد
ريم ملاعبه جوانحنا ... وقلوبنا لا البنان والزند
يرنو بأجفان مهندها ... ماضي الشبا قلبي له غمد(1/230)
غصانة بالسحر فاترة ... مكحولة ما راعها سهد
تخطو فهل ريحانة لعبت ... بقوامها النسمات أم قد
حلو الحديث منعم بهج ... تحمي رياض جماله الأسد
أتراه صاغ حديثه درراً ... في الجيدام هذا هو العقد
وأظنه غصب الكواكب من ... فلك الذي يسمو به المجد
مولى ملوك العز تخدمه ... والدهر في أبوابه عبد
منها
قد طوق الاعناق نائله ... فلراحتيه الشكر والحمد
لو مس أعواداً ذوت حملت ... أو مس صلداً أورق الصلد
من مثله أو من يفاخره ... وله رفيق المصطفى جد
واليك يا روض الكمال أتت ... ورقاء نظم بالثنا تشد
سكرت بخمرتها العقول وقد ... سجدت لكوكب حسنها القصد
تهدي للعالي عقد تهنية ... بك يا وحيد أماله ند
وقوله ممتدحاً بها الاستاذ الأعظم الشيخ زين العابدين البكري المصري حين كان بمصر صحبة الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية سنة خمس ومائة وألف
حث كاس الصبوح قبل الصباح ... واسقنيها مع الوجوه الصباح
بنت كرم لو برزت جنح ليل ... لغنينا بها عن المصباح
بكردن تنفي الهموم عن القل ... ب وتبقى الهنا مع الافراح
واردها على ما بين ورد ... يا نديمي وسوسن وأقاح
من يدي شادن مليح المحيا ... ناعم الخد فيه يحلو افتضاحي
أهيف أغيد رخيم دلال ... ان تثني يزري بسمر الرماح
هو بدر يسعى وفي اليد منه ... شمس راح تدار في الأقداح
عاطنيها فإنني لست أخشى ... من زماني بأن يقص جناحي
كيف أخشى من الزمان واني ... عبد رق للسيد الجحجاح
الامام الهمام خدن المعالي ... واحد الدهر زين أهل الفلاح
وهو غيث الورى وغيث البرايا ... من رآه رأى جميع النجاح
من رقي ذرورة الكمال وأضحى ... قبلة القاصدين والمداح(1/231)
وجهه الطلق ليس يلقاك الا ... بالتهاني والبشر والانشراح
لبس المجد حلة وتحلي ... بالكمالات والتقى والصلاح
وهو زين العباد نجل أبي بكر ... وسبط البتول ذات السماح
دام في نعمة وعز وسعد ... وكمال ما أن له من براح
أمد الدهر ما تألق برق ... وتغنت حمامة الادواح
وقوله مضمناً
سمير الاماني كيف يرتاح باله ... وآماله قد غلقت بالكواكب
يؤرقه حب أذاب فؤاده ... وفهم معاني رمز قيس الحواجب
تخذت الهوى روضاً ونوحي حمامة ... فأنبت ورداً من دموعي السواكب
أروم وصالاً من هلال ممنع ... بسمر القنا والمرهفات القواضب
ادار على الياقوت ذوب زبرجد ... وأطلع صبحاً تحت ليل الذوائب
فيا غصن الريحان عطفاً على الذي ... أحاطت به الأشواق من كل جانب
فكم أجتني زهر الأسى وإلى متى ... أعلل قلبي بالأماني الكواذب
فليت ربي الآمال تثمر بالمنى ... وينزاح بأسى عن وجوه مطالبي
لا لثم جيداً واضحاً وذؤابة ... فبين الضحى والليل كل العجائب
وللأديب محمد الكنجي مضمناً أيضاً
أعد نظرة يا صاح علك أن ترى ... فؤادي الذي قد ضل عند الكواعب
فهن اللواتي سقنه ليد الردى ... وأغرين فيه كل عين وحاجب
وهن أمرن الطرف أن يهجر الكرى ... وعلقنه في سهده بالكواكب
وهن بعثن الموبقات إلى الحشا ... وأسلمنه من غيه للنوائب
أمطن نقابات المحاسن فانمحت ... لشمس محياهن دجن الغياهب
أبحن دم العشاق حتى جعلته ... خضاباً لا نملهن دون الرواجب
تحالفن أن لا يرعين لعاشق ... ذماماً ولا يحفظن عهد الصاحب
أسلن على أجيادهن أفاحماً ... من الفرع أدناهن تحت الترائب
فخلت وأيم الله كل عجيبة ... فبين الضحى والليل كل العجائب
ومما اتفق أن المترجم رحمه الله تعالى رأى في منامه ليلة الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمان عشرة ومائة وألف أن رجلاً أطلعه على خمسة أبيات في مدح الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فقرأ الأبيات فلما استيقظ من النوم لم يحضره من الأبيات الا مصراع واحد وهو أرج الشيخ عطر الكون طيباً فضمن ذلك فقال(1/232)
أن يكن عطر الربا عرف زهر ... عندما واصل القبول الجنوبا
وزها الروض بالعبير فهذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
ثم ضمنه أيضاً الفاضل الكريم الكامل الشيخ محمد الدكدكجي فقال
طيب زهر الرياض ان فاح فينا ... وحبا الجسم من شاذه نصيبا
فعبير العلم الآلهي من قل ... ب امام الوجود أحيى القلوبا
هو عبد الغني شيخ البرايا ... من لأهل الكمال صار حبيبا
لا تلمني يا صاح ان قلت عنه ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
حفظ الله ذاته أمد الده ... ر ولا زال للقلوب طبيبا
وقد أحسن جداً لا سيما وهي أبيات خمسة كما أخبر صاحب الواقعة ثم قال الشيخ محمد الدكدكجي أيضاً
ان ذلك الخزام والشيخ ان ... بدا بقاسون منه عرفا رطيبا
لا عجيب من عرفه ان هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
وقال الأديب الفاضل الشيخ صادق الخراط
ان زهر العلوم من روضة الفض ... ل الينا أهدى عبيراً رطيبا
فسكرنا من نشره وطربنا ... وفتى الحب من يكون طروبا
وسمعنا هداتنا الحق تشدو ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
فهو شيخ الوجود قطب البرايا ... من سنا علمه أنار القلوبا
ذاك عبد الغني فرد المعالي ... من شهدناه للقلوب حبيبا
دام يرقي أوج العلى بكمال ... عرفه يفضح الصبا والجنوبا
ما تبدي طير المعارف يحكي ... في رباه مؤذناً وخطيبا
وقال أخوه الفاضل الشيخ أمين الخراط
عجب الصحب من شميم عبير ... فاح في قاسيون يحيي القلوبا
قلت لا تعجبوا لرياه هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
وقال الفاضل الكامل الشيخ سعدي العمري
نفحة الروض عطرت كل ناد ... حين وافى بها النسم رطيبا
أن يكن عرفها يضوع فهذا ... أرج الشيخ عطراً لكون طيبا
وقال إبراهيم ابن الراعي
ان روض الكمال أهدى الينا ... كل وقت شذاه مسكاً وطيبا
مذ بدا عرفه لنا قلت هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا(1/233)
وقال البارع الفطن خليل الصديقي
زهر روض الكمال مذ لاح فينا ... هيج الشقوق منه عرفاً وطيبا
أن يكن نشره العبير فهذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
وقال الاستاذ عن نفسه
شيخنا الأكبر الذي نحن نمشي ... منه في روض علمه تقريبا
لا عجيب أن قيل في المدح عنا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا
وللمترجم يا سقى عهدنا بأيام وصل درر الغيث عن جيوب السحاب حيث ريحأنتي نضارة قد ورياضي محاسن الأحباب ومدامي خمر العيون اللواتي البستني ثوب الهوى والتصأبي يا سقاه عهداً مضى بشموس في غصون سكري بخمر الشباب ما تذكرته على الكاس الا رقصت أدمعي كرقص الجلب هو من قول الباخرزي
وسكرت من خمر الفراق ورقصت ... عيني الدموع على غناء الحأبي
ومنها يا نديمي والشوق ورد دمعي لظباء ألحاظها أصل ما بي ما عليهم لو سامحونا بكاس حملتها أنامل العناب
وله أسدلن هاتيك الذوائب ... فغدا النهار كما الغياهب
وبسمن عن درر فاش ... رقت المشارق والمغارب
وسفرن فاختفت الشمو ... س مهابة تحت الغياهب
ونظرن عن حدق المها ... يا قلب خذ عنهن جانب
كم ليلة للنجم بت ... لأجلهن هوى أراقب
حتى دنانير النجو ... م من السماء غدت ذوائب
وله
أنادم فكري في هواك فينقضي ... نهاري وليلي في كواذب آمالي
ولي مقلة قد طال عمر سهادها ... وقد ذل من جوار لنوى دمعها الغالي
وطرف رجا قد كحل الياس جفنه ... وربع اصطباري عنك يا منيتي خالي
وميلة أغصان يحركها الهوى ... فتشدو بأعلاها حمائم بلبال
هواك بقلبي ليس تمحي سطوره ... ولو محت الأقدار أسطر آجالي
ولولاك عاطيت الزمان سلافة ... من العتب أحلى من سلافة جريال
ولكنني أخشى بأن يسمع الصبا ... فينقل أسراري إلى سمع عذالي(1/234)
ولولاك ما كأنت حميا مطامعي ... تدار بأقداح الأماني على بالي
وله
ريم أطار فؤادي في تقلبه ... تكاد تشزبه الالحاظ من ترفه
تخفي الشموس حياء من محاسنه ... كأنما الحسن قد أبداه من طرفه
أشكو هواه إلى كاسي فتلهبه ... أنفاس نيران قلب ذاب من أسفه
يفديه منى وان عز اللقاء به ... قلب تحالفت الأهوا على تلفه
وله مضمناً
لمجمر العود فعل زادني عجباً ... كأنه البدر يبدو في دجى الظلم
طلبته فسعى في أفق مجلسنا ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم
وللأديب مصطفى الصمادي مضمناً
أجاد قمقم ماء الورد خدمته ... بمجلس كان فيه أحسن الخدم
سعى يقبل أيدينا يودعنا ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم
وللمترجم
انظر لقمقم ماء الورد حين بدا ... تتلوه مبخرة العود الشذي الزكي
كان هذا وهذا في ضيائهما ... عمود صبح تلته شمس أفلاك
وللسيد مصطفى الصمادي
لقد تدأنت الينا شمس مبخرة ... تروي أحاديثها عن عنبر عبق
تخفي كواكب ندمان السرور إذا ... بدت كما الشمس تخفي أنجم الأفق
وله
يا بروحي رشيق قد تبدي ... حاملاً قمقماً ومجمر ند
لاح كالبدر والبخور سحاب ... قد تغشاه ممطراً ماء ورد
وللأستاذ عبد الغني النابلسي
ان ضيف الكرام يلقى سروراً ... وانشراحاً وفرط أنس وود
ثم في آخر الجلوس سحاباً ... من بخور قد أمطرت ماء ورد
وللصمادي المذكور
ان يكن في ختام مجلس أنس ... بحضور البخور تفريق شملي
فمن الورد فال وارد خير ... ومن العود فال عود لوصلي
ومن ذلك قول النبيه إبراهيم الراعي
وقمقم ماء الورد قد فاح عرفه ... وطيب شذا عود القماري أجود(1/235)
يقول لنا قم قم وعد نحو حينا ... تجدد اكراماً وعودك أحمد
وهي من قول النبيه عبد الرحمن الموصلي
ولم أطلب المأورد عند فراقنا ... وعود القماري كي أزيد به ودا
ولكنني بالعود أبغي تفاؤلاً ... بعود وماء الورد أبغي به وردا
وللأستاذ عبد الغني النابلسي
وجموع من سادة في دمشق ... يا سقى الله عهد تلك الجموع
نظمتهم بسلكهن ليال ... زاد فيها الثنا لسان الشموع
ثم كانوا إذا المجالس تمت ... واراد وافراق تلك الربوع
رفعوا للدعاء منهم أكفاً ... فملتها قماقم بالدموع
ثم جاءت مباخر داخلات ... تحت أذيالهم لفرط الخضوع
صاعدات أنفاسها ببخور ... من جوى نار قلبها الموجوع
نفح عود وصوت عود اشارا ... لي بعود مكرر ورجوع
ومن هذا القبيل قول العالم محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري
لما رأى قمقم المأورد عزمكم ... على الذهاب ونار الوجود تضطرم
اشار للكف اذ حأنت بفرقة ... مقبلاً ودموع العين تنسجم
وللفاضل أحمد المنيني عاكساً للمعنى بقوله وأجاد
لقمقم ماء الورد أعظم منه ... لدفع ثقيل مثل صخرة جلمود
يقول له قمقم وان دمت جالساً ... فعما قليل سوف تخرج بالعود
وللمترجم في تشبيه اللعلع
يا حسن لعلعة جناها أغيد ... والحسن يجني من رياض جماله
فكائنه غصن الرجاء بوصله ... تعلوه جمرة شوق قلبي الواله
وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في التشبيه
ولعلعة ككاس من عقيقجوانبه طوال مع قصاروداخله فتيت المسك يعلو
سواد صبائغ ضمن اصفراروفيه منارة بيضاء حفتبست مشارف ذات اخضرار
وتحمله يد خضراء تحكيأصابعها مسامير النضاريقول إذا رآها المرء جلت
وعزت قدرة نسبت لباري
وله
جميل المحيا قد أدرت على النهى ... من اللحظ والطرف الكحيل كؤسا
وحزت سناء لو تقسم بعضه ... على الزهر صارت في السماء شموسا(1/236)
وله وهو في بيت ابن حمزة
قالوا شذا العود أحيى القلب عاطره ... وعطر الكون ريا مجمر العود
فقلت هذا شدا طيب النوال سرى ... في العود اذ وضعته راحة الجود
وقال الاستاذ عبد الغني النابلسي
شاع في الناس ان للعود عرفا ... ظاهرا تفهم الأحبة رمزه
صدقوا في الذي يقولون لكن ... هو عود من كف أولاد حمزه
وله غير ذلك وكان نظم أبياتاً مضمناً البيت الأخير منها فقال
أيا ربة الخال التي من دلالها ... تدار علينا قرقف وشمول
ويا بهجت الأنوار يا من بعادها ... له في جراحات الفؤاد نصول
ويا بانة في روض حسن ترنحت ... ويا من بألحاظ الغزال تصول
تلاهيت عنا واشتغلت بغيرنا ... وليس لنا منك الحياة بديل
فيا دعدان أغراك واش بمينه ... وصدك عنا عاشق ورسول
زنى القوم حتى تعلمي عند وزنهم ... إذا رفع الميزان كيف أميل
فلما وقف عليها بعض نبهاء عصره كتب تحتها هذا البيت وهو
وزنتك يا خلي فملت فأيقنت ... بأنك يا روح الغرام ثقيل
فحين بلغه الخبر عز به المصطبر ولم يلبث سوى أيام قلائل ومات وكأنت وفاته في أوساط ربيع سنة خمس وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وبنو العبادي فيما يزعمون ينسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج الصحأبي الجليل رضي الله عنه فعليه يكون العباد بضم العين والعامة تكسرها وهو غلط مشهور والآن لم يبق منهم سوى الأسباط والله أعلم.
أسعد الطويل
أسعد بن محمد بن علي بن محمد بن محمود المعروف بابن الطويل الشافعي الدمشقي لشيخ لعالم البارع الفاضل الأديب كان من ادباء دمشق النبهاء الظرفاء مع خلق حسن ورقة وطلاقة محيا وتوقد ذكاء ولد بدمشق في سنة اثنين وثمانين وألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة من علماء عصره كالشيخ عثمان الشمعة قرأ عليه جانباً كبيراً من شرح الكافية للجامي وحصة وافرة من شرح التلخيص المختصر وغير ذلك ولازم درس الاستاذ لشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عنه وكان الاستاذ يميل إليه وحصل فضلاً وأدباً واشتهر بالشعر والأدب وكان رفيقاً للشيخ(1/237)
سعدي العمري لا ينفك أحدهما عن الآخر وقد أبيض شعر لمته ولم يقعده في التصأبي عن همته وهو لا يفتر عن أنتهاز الفرص ويقطع أوقاته بين روض وغدير وغزال غرير مشتغلاً بذلك منهمكاً وبالجملة فهو بالعشرة ممن طال غرامه فساد واشتهر ما صرف عن أبائه والأجداد وقد ترجمه خاتمة الأدباء السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من الشعر وقال في وصفه شاب نبيه القدر تراه فتستريب بصفحته البدر سقى منبته بماء الفضل فاخضر عوده وأخصب ربيع كماله لما لاحت في سمائه سعوده نشا أبدع من تصفح صفحه وأعار النسيم من عرفه نفحه يستضئ المقتبس بجماله ويتبسم الزمان بكماله وله همة في تحصيل المعارف لم تزل ولا تزال سابغة المطارف حتى قرت به العيون ووفاه الدهر ما بذمته من الديون ولي فيه عدات وثيقة الزمام كامنات كمون النور في غض الكمام وقد حلف بالزيادة وعليه ان يبر يمينه فقاله للأقبال قابل وطله عند أهل المعرفة وابل وله أدب مغانيه فساح وشعر معانيه فصاح أثبت منه ما يتقد به السمع والطرف وتعلم أنه خالص العيار عند أهل النقد والصرف فمنه قوله في صدر رساله وهو أول شعر قاله
سلام مشوق قد تزايد وجده ... ودر ثناء قد تنظم عقده
وأزكى تحيات أخص بهديها ... اماماً علا فوق السماكين مجده
هو العالم النحرير علامة الورى ... سليل أولى التحقيق من خاب ضده
رفيع الذرى من خصه الله بالتقى ... رفيق العلى غوث الزمان وفرده
إليه يد التقصير أهدت تحية ... وأزكى سلام فاح في الكون نده
وأبدت إليه الاعتذار بأنها ... قريبة عهد النظم حياه عهده
فلا زال في أوج المكارم دائماً ... مدا الدهر ما روض المنى فاح ورده
وما مستهام الشوق أهدى جنابه ... سلام مشوق قد تزايد وجده
وقوله وقد أرسلها للشيخ صادق الخراط
أيا مربع الأحباب حييت من عهد ... ولا زلت مرعى للأحبة من بعدي
لقد خلفوني مغرماً وترحلوا ... أكابد شوقاً في الحشا زائد الوقد
أجيرتنا لا أوحش الله منكم ... لقد خنتم عهدي وملتم عن الود
الا هكذا الأحباب تنسى عهودهم ... ام الدهر بالهجران قد خصني وحدي
رويدك يا حادي الظعون بمهجة ... اذيبت بنيران التباعد والصد
ورفقاً بمن في الركب أوهنه الجوى ... ويصبو إلى تلك المعاهد من نجد
الا أين نجد بل وأين ظباؤها ... وأين كحيل الطرف من زاد في البعد(1/238)
غزال سبا كل البرية طرفه ... وصال على أسد الشرى منه بالقد
إذا ما تبدى أخجل الشمس وجهه ... وان لاح بدر التم ناداه يا عبدي
له وجنة حمراء زينها الحيا ... ومبسمه يحكي الهلال مع الشهد
لقد زارني أفديه من كل حاسد ... على غفلة الحراس من غير ما وعد
وقد سرني قرب التواصل والوفا ... كما سرني مدحي سليل ذوي المجد
هو السادة الغر الذين تقدموا ... وقد أنجبوا فرداً وناهيك من فرد
هو الصادق المفضال أوحد عصره ... كريم خصال ليس تحصر بالعد
هو الحبر كشاف الملمات كلها ... وبيت ذوي التحقيق واسطة العقد
همام رقي أوج المعالي بفضله ... وفاق على كل الأفاضل بالجد
له همة علياء في كل مشكل ... وداب على حفظ المودة والعهد
الا يا وحيداً في المحامد والعلا ... ومن فقت في فن القريض على الند
اليك لقد أهديت مدحي وأنه ... لجهد مقل أوهن الفكر بالكد
فسامح وقيت السوء عثرة وامق ... فأنت لأحرى بالسماحة عن نقد
دم في ثياب العز ترفل دائماً ... مدا الدهر ما صاح الهزار على الرند
فأجابه الشيخ صادق المذكور بقوله
أتت من حلي الاسعاد ترفل في برد ... فقلنا أضاء البدر من فلك السعد
ووافت لدى الاصباح من غير موعد ... ويا حبذا الحسناء زارت بلا وعد
أتت تتهادى يخجل البان قدها ... إذا رنحت عطفيه ريح الصبا النجدي
تجر ذيول التيه في موكب اليها ... وتنتشر عرف الطيب من ذلك البرد
تسايل عن ربع الأحبة تارة ... وطوراً تحيي ما مضى فيه من عهد
حفيظة ود لا تزال على المدا ... تدير علينا بالوفا اكؤس الود
مليكة حسن لم تزل بجمالها ... نواظرنا في القرب تشخص والبعد
تصورها الأفكار منا إذا نات ... فنشهد حسناً باهراً جل عن حد
لطلعتها الأقمار تسجد طاعة ... وتركع أجلالاً لها قضب الرند
تشير إلى نحو القلوب بطرفها ... فتستلب الأرواح من داخل الجلد
أقامت شموس الحسن في باب عزها ... حيارى وأمسى عندها البدر كالعبد
عرفنا هواها قبل أن تعرف السوى ... فكان لدى الأحشاء أحلى من الشهد
سقى الله دهراً قد تقضي لنا بها ... بليلة أنس اذ أمنا من الضد
وباتت تعاطينا كؤس حديثها ... فتمنحنا عقداً ثميناً على عقد
وتذكرنا ما قد مضى من عهودنا ... لدى الورضة الغناء والمسهد السعدي(1/239)
زماناً به كنا نرى الدهر طائعاً ... معيناً على الشكوى حفيظاً على العهد
تقضي فلا والله ما كان عيشنا ... به غير مر الطيف زار بلا قصد
يميناً بما جادت به من ودادها ... لأني حفيظ في هواها على ودي
ولست الذي ان حاربته يد النوى ... يميل إلى السلوان لو ذاب بالوقد
فيا عاذلاً قد رام نصحي مذ نأت ... رويدك اني لا أميل إلى الرشد
هواها حياتي ما حييت وان أمت ... معي أبداً يبقى إلى النشر في لحدي
وان هي أولتني التباعد والجفا ... ومالت بوشي الحاسدين إلى الصد
فها أنا لم أبرح مقيماً على الوفا ... أكايد أشواقاً جنتها يد الوجد
أشاغل أوقاتي بنظم فرائد ... من المدح في سلك من الشكر والحمد
أحيي بها خدن المكارم والتقى ... سليل العلا أرثاً عن الأب والجد
فريد المعالي من سجاياه أصبحت ... تجل عن الأحصاء في موقف العد
له من حلي الأفضال أفخر حلة ... يتيه بها في الناس كالعلم الفرد
ففي الفضل كم أضحى به الدهر معجباً ... وفي اللطف كم أمسى مصاناً عن الند
فما نسمات الروض باكرها الحيا ... فازري شذاها بالعبير وبالند
تمر على زهر الروأبي عشية ... فتكسوه برداً من شذاها على برد
بالطف من أخلاقه وصفاته ... وأعطر من أنفاسه عندما يبدي
ولا الجوهر المكنون تاه به الحجي ... بأفخر من ألفاظه درر العقد
فيا واحد الدنيا ويا أوحد العلا ... ويا من رقى أوج السعادة والمجد
اليك كغصن البان وافت بخجلة ... فريدة حسن زانها رونق الخد
تبثك مدحاً كاللالي منظماً ... وتخشى من التقصير غايلة النقد
فسامح أخا الاسعاد فكرتي التي ... غدت في بحار الطمس غرقى عن الرشد
ودم وابق وأسلم بالأماني منعما ... مدا الدهر ما غنت سويجعة الرند
وقوله من التفريع
وما لحظات من عيون جآذر ... تبيح دم العشاق بالسحر والفتك
إذا شامها صب يقول لصحبه ... خليلي من فرط الغرام قفا نبكي
يا صعب من يوم الوداع لأنه ... أطال به شوقي وقد لذ لي هتكي
وقوله من التفريع أيضاً
وما حالة الخنساء بالوجد والأسى ... وقد رابها طول التباعد من صخر
تنوح فيبد ومن ضمائرها الجوى ... وتزري عقود الدمع كالعقد في النحر(1/240)
بأكثر مني لوعة وصبابة ... إذا شمت هذا الظبي يجنح للهجر
وقوله كذلك
وما لوعة المديون وافي غريمه ... وليس له شيء يوفيه دينه
وقد شام أبناء الزمان تنصلوا ... من اللطف والمعروف فاستلم حينه
بأثقل من لطف الثقيل وليتني ... أموت ولا يلتام بيني وبينه
قلت وهذا التفريع بالفاء من أنواع البديع ويسميه بعضهم النفي والجحود وقد وقع في كلام الشعراء قديماً وحديثاً من ذلك قول كثير عزة
وما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى حمحامها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها
ولبعضهم
وما روضة حل الربيع نطاقها ... وجرت بها الأنواء حاشية البرد
إذا حررت فيها النعامى لثامها ... ثنى عطفه الحوذات والتف بالرند
بأطيب نشراً من خلائقه التي ... تنم برياها على العنبر الورد
وكأنت وفاة صاحب الترجمة يوم الأحد سادس عشر جمادي الآخرة سنة خمسين ومائة وألف ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر عمه عبد الحي ان شاء الله تعالى.
أسعد المالكي
أسعد بن محمد بن محمد بن يحيى بن أحمد المالكي الشريف لأمه مفتي المالكية بدمشق أحد الأفاضل المشاهير كان عالماً فاضلاً له تحقيق وتدقيق في العلوم سيما بالمعقول كاملاً معرضاً عن الناس لا يخلو من سوداء في طبعه ولد بدمشق تقريباً في سنة سبع وسبعين وألف ونشأ بها واشتغل على جماعة من الشيوخ وحضر دروس الشيخ محمد الحبال في تفسير البيضأوي واجازه الاستاذ المحدث الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل الحرمين والمتوفي بدمشق وتفوق وكساه الله حلة الفضل ودرس بالجامع الأموي ولزمه جماعة وبالجملة فإنه كان ممن اشتهر بالفضل وكأنت وفاته في يوم الأربعاء سابع المحرم افتتاح سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية بمرج الدحداح وسيأتي ذكر أخيه يوسف في محله رحمهما الله تعالى.
الشيخ إسماعيل المنيني
إسماعيل بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الخطيب والامام بجامع بني أمية أحد الأعيان الأفاضل كان عالماً فاضلاً أديباً لوذعياً كاملا(1/241)
ً له أدب وفضيلة محتشماً موقراً ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ونشأ في كنف والده واشتغل عليه بالقراءة وعلى غيره كالشيخ السيد محمد بن محمد العبيبي والشيخ عبد الرحمن الكفرسوسي والشيخ صالح الجنيني وحضر دروس الشيخ علي الطاغستاني نزيل دمشق وكذا قراء بعضاً على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق واكتسى من مبدأه حلة الفضل وتفوق ومهر بصناعة الشعر والأدب واقرأ في داره بعض العلوم ودرس في الجامع الأموي وخطب بعد والده وأخيه بالأموي وكأنت عليه وظائف وعقارات وقد كان في داره ملازم المطالعة والمذكرة مشتغلاً بنفسه عن غيره وارتحل إلى قسطنطينية حين توفي أخوه الشيخ عمر المنيني في سنة تسع وسبعين ومائة بسبب وظائفه ثم في رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة لما توفي عمي شقيق والدي المولى السيد حسين المرادي وكان مفتي الحنفية بدمشق برتبة قضاء القدس اختير مفتياً المولى محمد أسعد بن خليل الصديقي فنصب برأي واليها وأمير الحاج الوزير الكبير محمد باشا ابن العظيم وقاضي البلدة اطلقجي زاده المولى حافظ السيد محمد أمين وغيرهما ثم لما وصل إلى الحبر إلى الروم وكان مفتي الدولة العثمانية اذ ذاك شيخ الاسلام المولى إبراهيم نجل الوزير الصدر عوض باشا فوجه الافتا إلى صاحب الترجمة مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وكان قبل ذلك له رتبة ايكنجي التمشلي وجاء الخبر بذلك إلى دمشق وقيل في تاريخ فتائه
والسعد نادى ارخوا ... بدمشق إسماعيل مفتى
فباشرها مدة أشهر ثم عزل ووجهت الافتاء من شيخ الاسلام المولى محمد أمين صالح زاده لابن ابن ابن عم والدي المولى السيد عبد الله بن السيد محمد طاهر ابن السيد عبد الله بن السيد مصطفى بن الاستاذ الجد سيدي السيد محمد مراد قدس سره برتبة قضاء القدس كما سبق لوالدي وعمى وقد ترجم المترجم الشيخ سعيد الشمان في كتابه وقال في وصفه درة تلك البحر الفياض ويتيمته العصماء التي ما للحسن عنها اعتياض اقتبل الكمال وما هل هلاله ولا اشتدت أواخيه ولا أوصاله فسالت به غرة المجد وطالت وانجذبت إليه الافئدة ومالت وهو في حجر والده تبتسم في وجهه الآمال وتتفرس فيه النجابة من دون احتمال يدنيه دون اخوته ويمرنه على اكتساب الفضل ويدربه فحصل على ما حصل وما عهده من الشبيبة تنصل ولا بدع فالأصل طيب وقد سقى من ذلك الصيب والتربة الزكية لا تنبت الا زهراً والافق الصافي لا يطلع الا بدراً وزهراً أنتهى مقاله ثم باشر امور الفتيا وكتب على المسائل مدة أشهر وكان ورود المرسوم إليه في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ثم عزل(1/242)
عنها ووليها ابن عمي المولى الشريف عبد الله بن طاهر المرادي ودخل دمشق في أواسط سنة تسع وثمانين وكان الوالد يجله ويحترمه واتصل بأخته أم الخير خديجة والدة الأخ الفاضل أحمد السعيد المار الذكر وتزوج بها وأيضاً عمي المار ذكره تزوج بأخته الثانية ام اليمن خانم وجاءه منها ولده أبو الفخر مصطفى وبيننا وبينهم محبة قديمة ومودة وله في الوالد المدائح ذكرت أغلبها في مطمح الواجد وكان والده وعمه أبو الفرج عبد الرحمن المنيني من أصحاب الجد الاستاذ الشيخ مراد بن علي البخاري وصحباه في السفر والحضر عدة سنين وهما من خواص تلامذته القائمين بخدمته والملازمين لحضرته والمستظلين باقياء فضائله وخضرته توفي صاحب الترجمة يوم الأربعاء ثالث ذي الحجة ختام سنة اثنين وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الشريف الأموي ودفن في مقبرة مرج الدحراح خارج باب الفراديس ومن شعره ما أنشدنيه من لفظه لنفسه يمدح بها بعض الأعيان
أيها السائق المجد تصبر ... عمرك الله فالفؤاد تفطر
وقف الركب ساعة عل طرفي ... بسنا الا هيف المحجب يظفر
أو ما قد علمت ان فؤادي ... صاده من ظبائها العين جؤذر
ثم عج بي نحو الربوع ففيها ... قد تركت الفؤاد بالحب مؤسر
في هوى أغيد من الشمس أبهى ... فلذا البدر من محياه أسفر
أكحل الطرف لين العطف أحوى ... كامل الظرف أهيف القد أحور
ذو جبين كالبدر من ليل شعر ... وثنايا سلسا لها العذب شكر
ولحاظ لسحر باب تعزى ... ولعمري بل منه أمضى وأسحر
صاد عقلي بحسنه مذ تبدى ... قلت جل الذي لحسنك صور
ورماني بالصد والبعد عنه ... ان حظي منه الصدود مقدر
وكساني ثوب السقام نحولا ... ولقتلي سيف اللواحظ أشهر
فشهودي عليه عند مدمعي ... ولعمري يمين ان هو أنكر
وهواني قد لذ لي من هواه ... ان خلع العذار في الحب يغفر
آبا لوصل لو يبل أو أمى ... من لهيب من هجره يتسعر
لا مني في هواه من ليس يدري ... وأخو الوجد والصبابة يعذر
فاذيعوا يا امة العشق شوقي ... لمليح من الجاذر انفر
قد كوى مهجتي بنار التجافي ... ولقوس الصدود والهجر أوتر(1/243)
ولئن فوق النبال لقتلي ... لذت بالأوحد الهمام الموقر
ذي المزايا الغر الحسان اللواتي ... من جبين الزمان حقاً تسطر
وآياد تزري بكعب اياد ... وسجايا من مسك دارين أعطر
سيد ما جد أديب أريب ... أروع باسل همام غضنفر
أحرز المجد وامتطى العز طفلاً ... وهو بحر وللمكارم مصدر
في اكتساب العلوم قد راض فكراً ... وبنيل الكمال للطرف أسهر
وإذا ما أجنه جنح ليل ... فتراه عن ساعد الجد شمر
وإذا ما دهت دياجي خطوب ... زادها فكرة من الصبح أنور
فهو فرع لخير أصل كريم ... غرسه بالكمال والنيل أثمر
قد حذا للعلاء حذو أبيه ... وبدا للفخار أكرم مظهر
وبه قد سمت ربوع المعالي ... ولها بالندى وبالجود عمر
فلئن غاب شمس ذاك المحيا ... فسنا نجله من البدر أنور
أيها الشهم ان يكن نزر مدحي ... وثنائي عن قدر علياك قصر
فأقلني العثار وامنن بعفو ... ما مسئ من للمقصر اعذر
ثم فاهنأ بنيل حج كريم ... ببلوغ المنى وبالنجح بشر
وكذا بعده زيارة طه ... سيد الرسل ذي المقام المطهر
أنعماً قصرت يد الشكر عنها ... قد حباك الآله منا ويسر
فتمتع بطيب عيش هني ... مع أخيك الهمام ذي الفضل الأشهر
ما لنحو الحجاز سار مشوق ... وبنحر الدماء لله كبر
وأنشدني هذه المرثية لنفسه في الجد البهاء المرادي
خطب أذيب به الفؤاد الصادي ... وغدا به المضني حليف سهاد
ونوائب لا تنطفي جمراتها ... تذكي الفؤاد بلوعة الايقاد
بدلت بعد الصفو من عيشي بما ... قد كنت أخشى من زمان عادي
يا دهر كم تغري بنا صرف الردى ... أولست ترعى ذمة لوداد
وإلى م ترهفنا شدائد أوهنت ... منا قوام الروح بالأجساد
ولكم تجرعنا كؤس مصائب ... قد آذنت بتقطع الأكباد
قد كنت أزعم ان دهري مسعدي ... يجري الأمور على وفاق مرادي
فبليت منه بضد ما أملته ... ورميت منه بأفظع الأنكاد
وفقدت مولى للعلاء وللندى ... والفضل والأفضال والأرشاد(1/244)
من لم يمل لزخارف الدنيا ولم ... تلقى له شغلاً بغير سداد
كم من أياد بالسخأوة عم من ... أفضاله أزرت بكعب أياد
غوث الورى غيث الندى بدر الهدى ... روح تكون من تقى ورشاد
شمس المعارف والعوارف والعلا ... وملاذ أهل الحق والعباد
آناؤه مقسومة للجد وال ... طاعات والعرفان والاسناد
انسان عين العارفين وموئل ال ... لاجين بحر العلم والامداد
منها
فلئن تكن أفلت شموس جماله ... فلقد غدت منها البدور بوادي
ما منهم الا همام كامل ... متبؤ بالعزا رفع نادي
لا سيما الفرد العلي ومن حوى ... جل العلا من طارف وتلاد
سباق غايات المكارم والندى ... وخلاصة الأمجاد والأجواد
شهم يرجى في الخطوب إذا دهت ... وعدت علينا في الزمان عوأوي
يا أيها المولى الذي بجماله ... بهر الورى من حاضراً وبادي
فاسلم ودم أمد الزمان بنعمة ... مغبوطة بتغائظ الحساد
ولك البقاء فأنت خير خليفة ... أحيي ثنا الآباء والأجداد
وعلى أبيك الفرد من فاق الورى ... بمناقب تربو على التعداد
سحب الرضى والعفو والغفران من ... مولى كريم بالعطاء جواد
قوله ما كنت أدري قبل وضعك في الثرى إلى آخر البيت مأخوذ من قبل الشهاب الخفاجي
قيامة قامت بموت الذي ... بموته مات الندى والكمال
فإن شككتم فانظر وأنعشه ... وشاهدوا كيف تسير الجبال
والأصل فيه قول المتنبي
ما كنت آمل قبل نعسك ان أرى ... رضوى على ظهر الرجال يسير
وقول ابن المعتز
قد ذهب الناس ومات الكمال ... وصاح صرف الدهر أين الرجال
هذا أبو العباس في نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال
وأنشدني من لفظه لنفسه أيضاً يمدح بها الوالد ويهنيه بمولود له
علاء على هام السماك مخيم ... وعز به الأيام تزهو تبسم
وبشرى بها طير الهناء مغرد ... على فنن في ايكه يترنم(1/245)
فن أفق الآمال لاح محجب ... به انجاب عن وجه التهاني التلثم
وأربى على الأقمار ضوء جبينه ... ومن وجهه نور الشهامة ينجم
لعمري لقد طاب الزمان وأصبحت ... ثغور الأماني بالسرور تبسم
بمولد بدر المجد من أنجبت به ... وعن مثله الأيام لا شك تعقم
سليل همام طاب أصلاً ومحتداً ... فأكرم به فرعاً وأصل مكرم
هو الأوحد المفضال والأمجد الذي ... به يشرف التمداح حقاً ويعظم
همام سرى مسرى الكواكب صيته ... به منجد بين البرايا ومتهم
له رفعة فوق الثريا مناطها ... ونور له رب السماء متمم
وشهم له حزم وحلم وهمة ... وعزم من الهندي أمضى وأحكم
وشدة بأس تردع الدهر سطوة ... فلا تنقض الأيام ما بات يبرم
إذا عدت الأمجاد كان رئيسهم ... وان عدت الأجواد فهو المقدم
ففي الجود معن وهو في الحلم أحنف ... وفي الحذق سحبان وفي البأس ضيغم
الا قل لمن قدر أم أدراك شأوه ... لقد سمت مالاً ذو نهى يتوهم
وحأولت أمراً دون درك ابتدائه ... نهاية أقوام بسبق تقدموا
فذا شمس أفق الشام قطب مدارها ... أتبدو مع الشمس المنيرة أنجم
فيا ابن الأولى بالفخر قد طار صيتهم ... بحزم إذا ما أصبح الكون مظلم
شموس إذا ساروا بدور إذا سروا ... ليوث إذا غاروا غيوث تكرموا
أياديك حقاً في الأنام شهيرة ... وقدرك في العلياء قدر مسلم
وما أنت الا الجوهر الفرد من به ... لنا بان حقاً انه ليس يقسم
منها
ليهنك نجل منك لاح بهاؤه ... وفي حجرك الميمون دام ينغم
بميلاده الاسنى لك البشر مقبل ... ووافاك بالنعمى عليك يسلم
فقربه عيناً مع الشبل صنوه ... ودام بهم عقد العلاء ينظم
ودمت ترى أبناهم كل أمجد ... أغر له الأسعاد والعز يخدم
ومنها
ودمت تهني كل عام بمولد ال ... رسول المرجى من به الخلق ترحم
تساق لك النعمى ويزجي لك العطا ... ويهمي لك الأفضال منه ويسجم
عليه من الرحمن ألف تحية ... وألف سلام كل حين يؤمم
وقال مشطراً بيتي سليمان بن نور الله الحموي(1/246)
لا تحسبوا ان ريحان العذار بدا ... في خد من بالبها والحسن قد برعا
أوان ذاك شعاع الحسن صوره ... في وجنة صاغها الرحمن وابتدعا
وانما طوقه السمور قابلها ... مرآة حسن لبدر في الدجى طلعا
وزانه منظر من نور بهجتها ... فشكاه في نواحيها قد انطبعا
وكتب لبعض أصدقائه وقد أهداه شاشا لعمامة
قد أثقلت كاهلي نعماك اذ وليت ... فلست أقضي لها شكراً مدى الزمن
وتوجتني يد النعماء منك بما ... يلقى على الرأس مقبولاً ومنك سنى
فالله يبقيك مفضالاً تحوز على ... شرخ الشباب مقاماً سامي القنن
وقال مشطراً
من حط ثقل حموله ... ان لم يجد منها سراحا
في جنب عفو الله أو ... في باب خلقه استراحا
ان السلامة كلها ... ان رمت في الدنيا نجاحا
وكذا النجاة من العنا ... حصلت لمن ألقى السلاحا
وكتب إلى بعض أحبابه مضمناً البيت الأخير
أتيت رحابكم أبغي ازديارا ... لأقضي بعض حقكم اللزام
فما سمح الزمان بما أرجى ... ولم أبلل بلقياكم أوامى
وبت بليلة كحلت جفونا ... بسهد لم تذق طعم المنام
ولما لم أفز منكم بمرأى ... وعدت ونار شوقي في ضرام
نثرت من المآقي در دمع ... يحاكي صوب منهل الغمام
وبرح بالحشا شوق ملح ... أهاج بمهجتي فرط الغرام
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام
وكتب إلى مهنياً ومؤرخاً نبات عذارى سنة سبع وثمانين ومائة وألف
سما بجد أثيلمن لم يقس بمثيلوعز عن أن يداني
بين الورى بعد يلالشهم خدن المعالينجل المرادي الجليل
ومن حوى المجد رقاعن السراة الأصولومن كسى ثوب عز
واف بقصد وسولفلاح منه عذارللسعد أقوى دليل
كدارة البدر زاوالليل مدلي الدلوليومذ تبدي سناه
وقدرها بقبولأرخته ضمن بيتسما كعقد جميل
طراز يمن وسعدزاه بوجه الخليللا زال يسمو عزيزا(1/247)
في ظل سعد ظليلودام مجد علاهمدى الزمان الطويل
ولما كنت في قسطنطينية سنة اثنين وتسعين ومائة وألف كتب إلي من دمشق
يؤمك بالهنا عز وسعد ... فسر بالنجح مصحوب الكرامة
قضى المولى الجليل لك الأماني ... وردك بالمسرة والسلامة
الجناب الذي تحلى بالفضل والأدب إلى المعالي نهضة ذوي الجد والدأب فاحرز بها قصب السبق وجلى فكان بذاك من سواه أحق وأولى سيما وهو فرع بسق من دوحة العلم وبرز على من سواه بالذكاء والفهم ومن كان التوفيق له مساعد فأحرى بأن يمد إلى المعالي أطول ساعد
كالبدر لما ان تضاءل جد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا
ومذ سرت تفاءت بالعود بالمسرة للقلوب وأيقنت ان بعزمتك تفريح الكروب وان كان قد أظلمت لبعدك هذه الديار وحلت الوحشة هذه الأقطار فسيعود بعودك قريباً لها المسار وينجلي بنور طلعتك ظلمة الأغيار وتجلس على سرر الهنا وتقطف ثمار المسرة دانية الجنى وتحظى بحضرتك بما فوق المنى
لقد سرت سير البدر في كل وجهة ... وقد حمد المسرى وعودك أحمد
أهدى إلى تلك الذات تحايا ما الروض بأعطر منها عرفا ولا أنضر منها وان باتت تسح عليه باندائها سحاء وطفا وسلاماً يتضوع تضوع مسك دارين وثناء تكسب منه الشذا والأزهار والرياحين وأسواقاً تكرر تكرر الشفق وتتجدد كلما تمزقت ثياب الغسق
ولو كأنت الأقطار طوع ارادتي ... وكان زماني مسعدي ومعيني
لكنت على شط الديار وبعدها ... مكان الذي قد سطرته يميني
لكن كيف الحداية بدون بعير أم كيف السباحة في غير غدير واني لمقعد الهموم والأوجال اطلاق وتيسير غير أني أضرع إلى مالك الملك ومدير الفلك ومدبر الفلك ان يجمعنا بالجناب جمع سلامه قاضياً من مقاصده مطلوبه ومرامه ويسهل له كل مطلوب ومراد ويذلل له كل صعب القياد ويدرأ عنه كيد الكايدين وشر الحاسدين وقد أنتهضت بحامله الهمة العلية للتشرف بالجناب ونيل تلك الأمنية فحسدناه حسد غبطه على نيل هذا الوطر وركوب غارب الغتراب والسفر ونبذ معان الذل والخطر والقاء العنان إلى ما جرى به القلم في القضاء والقدر كتب الله تعالى السميع سلامة الجميع انه قريب مجيب ليجتمع كل محب بحبيب دمت في سلامة(1/248)
وعافية ونعم ملابسها الفاخرة ضافية أنتهى ثم بعد وصول الكتاب الي أرسلت له الجواب وصدرته بثلاث أبيات من نظمي وهي
تخيل في فكري وبعدك لم يزل ... يؤجج ناراً في الجوانح والقلب
وحسبك مني أنني كل ساعة ... لك الذكر مني ان نأيت وفي القرب
وأني لك الخل الخليل بلا مرا ... وقلبك في ذا شاهد دونما كذب
والمنيني نسبة إلى قرية منين قرية معروفة تابع دمشق ولد والده بها وأصله من قرية برقايل تابع طرابلس الشام
لشيخ إسماعيل بن الشيخ أيوب
إسماعيل بن العارف صاحب العوارف الشيخ أيوب الخلوتي الدمشقي العثماني العدوي صاحب الكرامات الولي المستغرق الصالح العالم العامل المحقق الزاهد الفاني في الله ولد بدمشق في سنة خمس وخمسين بعد الألف ونشأ بها وترجمه الاستاذ السيد مصطفى البكري في كتابه الذي ذكر فيه من اجتمع به من الأولياء وقال في وصفه أخبرت عنه أنه كان يقري في جامع بني أمية قباله ضريح سيدي يحيى الحصور عليه السلام ورأيت بخطه اجازة لوالده أجازه بها وذكر فيها ان سبب انشائها طلب ولده المذكور وقد كتب بخطه كتباً كثيرة وتوجه إلى جهة بلاد الروم فحصل له في الطريق علة في رجله وصحبها جذب فرجع متوليها مستغرقاً ولم يتدأوى وبقي على حاله ولقد كان كثير التردد إلى بيت ابن العم المرحوم المولى أسعد الصديقي ويلبس عمامة وصوفاً ثم استغرقه الوله فرمى بهما وقد شوهدت له كرامات كثيرة منها ما أخبرني به ولد ابن العم المهاب محمد خليل الصديقي بلغه الله مناه المعيد المبدي قال كنت جالساً عنده مرة فقال لي قم قم لا بأس عليها فقمت إلى الحرم فرأيت جارية من الجواري صعدت السطح فزلقت رجلها فوقعت إلى أسفل الدار وقامت وما بها من بأس وضرب مدة رجلاً فاعترف أنه مستحق لذلك الضرب وقال قد وقعت مني هفوة وأتيت أقبل يده فضربني وقد نبهت وتبت وكان أكثر أوقاته لا يفتر عن التكلم مع نفسه الا انه إذا سمع أحداً يتكلم في مسئلة من العلم فإنه يسكت وينصت وقد أخبرني بعض الثقاة انه توقف مع جماعة في مسئلة قال فانصت وقال مولانا راجعوا له المحل الفلاني فراجعناه فرأينا الجواب عنها وكنت اقرأ لأخينا الشيخ عبد المنعم رحمه الله تعالى في بعض كلام القوم فأول ما أشرع بالتقرير يسكت ويلقى اذنه وأحيانا إذا سكت يقول لي اقرأ فاقرأ له وأنشدت أبياتاً مطلعها إذا جن(1/249)
ليلى همام قلبي بذكركم إلى آخرها فقال هذه الأبيات لسيدي أحمد الرفاعي فقلت له نعم سيدي تنسب إليه فقال هكذا قلت نعم ولقد رأيت وصية لوالده ذكر فيها أولاده الأربعة وهم الشيخ أبو السعود والشيخ إبراهيم والشيخ أبو الصفا والشيخ إسماعيل المذكور وهو أصغرهم وقال له فيها يا ولدي إسماعيل أنت إلى الحق دليل يا ولدي إسماعيل تناديك الوحوش في القفار يا ولدي إسماعيل تناديك الأطيار في الأوكار يا ولدي إسماعيل أنت قطب العارفين يا ولدي إسماعيل مقامك مقام محيي الدين وأخبرت ان أخاء الشيخ أبا الصفا مفتي الشام كان كلما أشكل عليه أمر بانيه ويشكو إليه ذلك الأمر فيحل كل ما أشكل عليه ولو أخذنا في تفصيل أحواله وسردنا ما نقل من أفعاله لطال المجال واتسع المقال أنتهى ما قاله الاستاذ الصديقي وكأنت وفاته رحمه الله تعالى في حادي عشر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
إسماعيل المحاسني
إسماعيل بن ناج الدين بن أحمد المعروف بالمحاسني الدمشقي الحنفي خطيب الجامع الأموي بدمشق وامامه الشيخ الامام العالم الفاضل كان له ثروة ومال وافر ويتعاطى التجارة كوالده ولد بدمشق تقريباً بعد العشرين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من أعيان التجار المياسير أديباً المعيا توفي في شعبان سنة ستين وألف وولده المترجم برع واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ كالشيخ رمضان العكاري وكان رفيقه في الطلب العالم الفاضل الشيخ رمضان العطيفي وحضور الدروس مقدار خمسين سنة حتى ان الشيخ رمضان المذكور صار في الآخر يحضر دروس المترجم في الجامع الأموي بالثلاثة أشهر في صحيح البخاري مدة إلى أن مات نحو أربع وعشرين سنة ودرس بالجامع الأموي وفي المدرسة الجوهرية واقرأ في العلوم ولزمه جماعة من الطلاب وكان من العلماء والأفاضل المشاهير والرؤساء المعلومين وحين توفي العلامة السيد محمد بن عجلان النقيب في سنة ست وتسعين بعد الألف انحل عنه تدريس السليمية فوجهها قاضي الشام المولى السيد مصطفى الاسكداري الرومي إلى صاحب إلى صاحب الترجمة وصارت له بموجب العرض من الدولة العلية وابتدأ في الدروس في تفسير البيضأوي من أول سورة طه ومعيد درسه كان ولده سليمان المحاسني وأيضاً لما توفي العلامة المحدث السيد محمد بن كمال الدين الحسيني المعروف بابن حمزة نقيب الأشراف بدمشق انحلت عنه تولية وتدريس المدرسة التقوية(1/250)
وذلك في سنة خمس وثمانين بعد الألف فوجهها قاضي دمشق المولى عثمان الرومي إلى صاحب الترجمة وكتب له عرضاً بذلك ومكتوباً إلى شيخ الاسلام المذكور وكتاباً آخر إلى الوزير إبراهيم باشا والي مصر والشام وكان مع السلطان محمد في الغزاة ودفع الكتب إلى ارج آغا متسلم إبراهيم باشا المذكور الذي أرسله إلى دمشق إلى حين مجيئه اليها فأرسل المتسلم المذكور جميع الكتب إلى الوزير المذكور وذهب لطرف الدولة فشرع المترجم في القاء الدروس بالمدرسة التقوية المذكورة في تفسير البيضأوي من أول سورة الكهف واستمر يلقى الدروس في المدرسة المذكورة إلى أن جاء الخبر من طرف الدولة على أن تولية المدرسة والتدريس وجههم شيخ الاسلام إلى العالم الفقيه الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي فلما جاءت البرآة السلطانية قيدت باسمه في السجل بالمحكمة في دمشق ولم يظهر إلى الكتب المرسلة من طرف صاحب الترجمة اثر أبداً واختفت وربما كان لا يخلو من تفضل في طبعه لأنني رأيت له مجموعة بخطه ذكر بها أشياء مما لا تذكر ولا في لوح الأوراق تحرر وتسطر أعرضت عن ذكر شيء منها هنا لعدم روابطها في الكلام وقد ترجم المترجم العالم المحقق الشيخ إبراهيم المدني المعروف بالخيارى في رحلته حين قدم دمشق وقال في وصفه الخطيب الأوحد والعالم الأمجد من أن وعظ الآن القلوب القاسية بزواجر وعظه وأبان الأجياد دحالية بجواهر لفظه وحلى الطروس بآثار أقلامه وبهج النفوس بفذه وثوآمه عباب فضل ترده الأسماع فلا يمله جليسه ومراد خضل مترع من نقود الأموال كيسه يقول للجواهر الأدبية إذا تحلى بها الغير انما أنت من معادني وللفضائل والفواضل أنت صادرة من محاسني الا وأنه المنهل العذب الروي مولانا إسماعيل المحاسني الخطيب بالجامع الأموي انفرد بتتويج هام ذلك المنبر ثم ليس من خطيب غيره فيذكر أنتهى ما قاله وكتب إليه العلامة صدر الشهامة أحمد الصديقي الدمشقي من دار الخلافة قسطنطينية في صدر كتاب هذين البيتين وذلك في منتصف رجب سنة ست وتسعين بعد الألف
يا غائباً ما غاب طيب ثنائه ... عن خاطري يوماً ولا تذكاره
لك في الفؤاد منازل معمورة ... كم من بعيد والفؤاد دياره
ولما كان المترجم في الديار المصرية أرسل له شقيقه العلامة الشيخ محمد المحاسني من الديار الرومية كتاباً وصدره بهذين البيتين وذلك في سنة خمسين وألف(1/251)
ألا ليت شعري هل تذكرت عهدنا ... وطيب ليالينا كما أنا ذاكر
واني لاستدنيك بالفكر والمنى ... إلى مهجتي حتى كأنك حاضر
وكتب إليه الاستاذ الشيخ عبد الغني مهنياً له بالعافية من مرض نزل به بقوله
شفاء به ثغر المعالي تبسما ... وبرء له طيراً لتهاني ترنما
وعافية صرنا نهني نفوسنا ... بها حيث عيداً تلك صارت وموسما
بصحتك الأيام صحت كأنما ... سقامك للأيام قد كان مسقما
وما هي الا مسة الدهر وانقضت ... لك الله في أثنائها الأجر أعظما
ليهنئ بك الأموي يا ركن عزه ... فقد جئنه كالغيث جاء على ظما
فسر بك إسماعيل حتى تباشرت ... مصليه لما ان دخلت مسلما
ومنبره أضحى بذكرك عامرا ... وبالفضل أيام الجموع منعما
وقد أظهر المحراب فرط مسرة ... بصوتك حتى كاد أن يتكلما
هو المجد عوفي حين عوفيت فليكن ... دعاء البرايا بالبقا لك ملزما
ومن نعم الرحمن عافية الذي ... بمنطقه شمل العلوم منظما
زهت تضحك الدنيا إلى وجه ماجد ... أياديه تبكيها ندى وتكرما
أخو الفضل وابن الفضل قد كاد فضله ... يصير من التكرار في فمه فما
اليك سليل المجد تهنية امرء ... بمدحك مغري ليس ينفك مغرما
أراد تفاصيل الثناء فلم يجد ... لها قدرة لكن أشار فافهما
رددت على الأيام يا روح جاهها ... فدم في سرور ما سرت نسمة الحمى
وكتب إليه الأستاذ المذكور يطلب منه شرح ديوان الشيخ عمر بن الفارض قدس سره لجده العلامة الشيخ حسن البوريني الدمشقي بقوله
أيا سيدا من نسل بورين جده ... ويا من حوى كل الكمال بذاته
لجدك شرح زان نظم ابن فارض ... وحل عقود الدر من كلماته
ومقصودنا منه اعادة نسخة ... بها الدهر فينا مقبل بهباته
وكم نسخ في الناس منه وانما ... أردنا اقتطاف الزهر من شجراته
ودم حسناً كالجنديا ابن محاسن ... قريراً باقبال المنى والتفاته
وكتب إليه الاستاذ المذكور أيضاً يطلب منه اعارة أحياء علوم الدين للغزالي رضي الله عنه بقوله
اليك سليل المجد بيتين ضمنا ... تحية مشتاق لحضرتك العليا
وما مات شخص الود بيني وبينكم ... لأدراككم اياه في الحال بالاحيا(1/252)
ومما وقع واتفق للمترجم انه اجتمع بمجلس فيه زمرة من العلماء السراة الكرام فأنشد المحدث العالم السيد محمد الحسيني بن حمزة النقيب مبتدراً
بعثتنا إلى الرياض صباحاً ... نسمات تحكي الوجوه الصباحا
ثم أنشد المترجم فقال
ونعمنا بسادة تشرق الأر ... ض بأنوارهم فتملا البطاحا
ثم أنشد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فقال
كل شهم ينير في فلك المج ... د كشمس به سنا الفضل لاحا
وأنشد ثانياً المترجم فقال
سيما سيد الأفاضل من م ... لك منا بلطفه الأرواحا
ثم أنشد الشيخ حسن العطيفي فقال
جوهر الألفاظ خص بنطق ... أخذ الجوهري عنه الصحاحا
فقال تابعاً له أخوه الشيخ رمضان العطيفي
ورث الجود عن جدود كرام ... ملأوا الكون سؤدداً وسماحا
ثم قال الاستاذ النابلسي ثانياً
أممرت منهم رياض المعالي ... حيث منها شذا المحاسن فاحا
ثم قال المولى السيد محمد الحسيني ابن حمزة ثانياً أيضاً
ورقوا في ذرى الفخار سناما ... دونه كل محرز أرباحا
ثم أنشد ولده اللوذعي السيد عبد الرحمن فقال
فتحلوا بكل معنى لطيف ... مستجد قد وافق الاقتراحا
من علوم مبذولة للافادا ... ت وبحث يولي القلوب انشراحا
ثم قال المولى والده المزبور
وإلى شيخنا المفدى بأروا ... ح رجوع لمن غدا أو راحا
أزهرت فيه دوحة القتل والمج ... د وزادت بما لديه أتاحا
وكأنت وفاة صاحب الترجمة بدمشق في ليلة الخميس سادس عشر جمادي الثانية سنة اثنين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وسيأتي ذكر قريبه موسى وحفيد ولده سليمان قلت وبعد وفاته انفصلت الخطابة عن بني محاسن في الجامع الأموي وتولاها العلامة الشيخ إسماعيل الحائك ثم بعد وفاته تولاها الفاضل الشيخ مصطفى الاسطواني واستقامت عليه إلى سنة خمس وعشرين ومائة وألف ففيها عزل عنها وتوجهت للمولى سليمان المحاسني ولد المترجم(1/253)
مع تدريس السليمة في الصالحية وسبب عود الخطابة اليهم كون ولد سليمان المحاسني المذكور وهو أحمد المحاسني رحل إلى الروم ونزل في دار شيخ الاسلام المولى عطاء الله وكأنت بينهما محبة أكيدة وشكى حالهم إليه قال له ان الخطابة والتدريس من قديم الزمان على بني محاسن والآن توجهت الخطابة للشيخ مصطفى الاسطواني والتدريس للشيخ عبد الغني النابلسي وكان شيخ الاسلام المذكور بينه وبين الشيخ عبد الغني النابلسي اغبرار خاطر لكونه لما ورد قاضياً إلى دمشق صار بينهما مباحثة طويلة في شرب النتن وكيفية حكمه وكان شيخ الاسلام ممن يحرمه كبعض علماء الروم المتورعين وينكر على الاستاذ لشرب ذلك فحين بلغ الاستاذ ذلك ألف رسالة فيه وسماها السيف المضي في عنق عطاء الله القاضي فلما اطلع المذكور على ما أبداه المحاسني أحمد وجه التدريس والخطابة لولده المار ذكره وأرسلهما إليه وجاء الخبر إلى دمشق في رجب من السنة المذكورة ثم ان تدريس السليمية رجع بعد أيام قلائل للشيخ النابلسي والخطابة استقامت على المحاسني إلى أن مات وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ثم بعده لأولاده ثم بعدهم الآن على أولادهم.
القاضي أسعد الوفائي
أسعد بن عبد الحافظ بن إبراهيم الوفائي الحنبلي الدمشقي قاضي الحنابلة بدمشق الشيخ الفقيه الفاضل الكامل حافظ الدين كان قاضياً مراجعاً في الأحكام الشرعية الموافقة لمذهبه مستقيماً على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته سنة خمس وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
إسماعيل الإيجي
إسماعيل بن عثمان بن أسد الحنفي الدمشقي المعروف بالايجي كان يتولى نيابة الحكم بمحكمة الباب والقسمة العسكرية وغيرهما وله معرفة بالفقه والمسائل الشرعية قتله قطاع الطريق بين قرية قطنا وقرية عرطوز عائداً من قطنا إلى دمشق وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشري ذي الحجة سنة سبع ومائة وألف والايجي نسبة إلى ايج بالجيم الفارسية قرية من بلاد الفرس.
إسماعيل الرومي
إسماعيل بن عبد الله الرومي الأصل والشهرة الحنفي المدني الشيخ المحقق المدقق المحدث أبو الفدا عماد الدين أخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي حين قدم(1/254)
المترجم دمشق وعن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي وغيرهما وبرع وفضل ودرس بالمدينة وأخذ عنه جمع من أفاضلها منهم شيخنا تاج الدين بن جلال الدين الشهير بابن الياس المدني المفتي وكأنت وفاة صاحب الترجمة في المدينة المنورة في حدود الستين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
الشيخ إسماعيل الاسكداري
إسماعيل بن عبد الله الاسكداري الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العالم الكامل المرشد النقشبندي الصوفي المحقق المدقق أبو اليمن نور الدين شيخ الطائفة النقشبندية بالمدينة النبوية ولد سنة تسع عشرة ومائة وألف ونشاء في عفة وديانة وتلا القرآن العظيم أخذ في طلب العلم فأخذ عن الشمس محمد أبي طاهر بن إبراهيم الكوراني والسيد عمر البار العلوي والشمس محمد حياه السندي والشيخ محمد بن محمد الشهير بابن الطيب المغربي الفاسي نزيل المدينة والشيخ الامام عبد المصري حين ورد المدينة وغيرهم وله مؤلفات نافعة منها مختصر صحيح الامام مسلم ومختصر شرح الشفا للشهاب أحمد الخفاجي وغيرهما من الرسائل والتعاليق وكان شيخاً فاضلاً قوالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم مشاركاً في فنون كثيرة كالحديث والفقه والعربية والتصوف والقرآن معتقداً عند الخواص والعوام وأخذ عنه جماعة من أهلي المدينة وغيرها وكأنت وفاته بها سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله.
إسماعيل اليازجي
إسماعيل بن عبد الباقي بن إسماعيل اليازجي الحنفي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الواعظ كان من العلماء الأجلاء البارعين في الفنون ولد بعد الخمسين وألف تقريباً ونشاء بدمشق واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ منهم الشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ إسماعيل الحايك أنتفع به ولازمه وقرأ على الشيخ إبراهيم الفتال وأخذ عن الشيخ يحيى الشوي المغربي ولقنه المواخاة وأخذ عن السيد عبد الرحيم المقدسي ابن أبي اللطف واشتهر بالفضل ودرس وأفاد بالجامع الأموي ووعظ به وأخبرني بعض الأصحاب ان لصاحب الترجمة شرحاً على الهداية بالفقه وصل فيه إلى ربع العبادات مجلد كبير وكتب شرحاً على الجلالين بالتفسير جزئين لم يتم ولم يزل على حالته إلى أن مات وبالجملة فقد كان من العلماء(1/255)
الأفاضل وكأنت وفاته في يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير عند والده ووالده كان كاتب أوجاق اليرلية بدمشق ولفظة يازيجي بالتركية بمعنى كاتب وقتل بأمر سلطاني هو ورئيس الجند بدمشق عبد السلام أغا لفتن ظهرت منهما وكان قتلهما في زمن الوزير عبد القادر باشا والي دمشق في سنة تسع وستين بعد الألف ودفنا بالباب الصغير وعبد السلام المذكور ترجمه الأمين المحيي في تاريخه وذكر حكاية ذلك والسبب فيها فمن أراد مراجعته فعليه بالتاريخ المذكور والله أعلم.
الشيخ إسماعيل بن الشيخ عبد الغني
قدس سره
إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي كان من المشائخ الموسومين بالصلاح والتقوى والعلم ولد بدمشق في سنة خمس وثمانين بعد الألف ونشأ في كنف والده الاستاذ الأعظم وقرأ على جماعة منهم والده المشار إليه والشيخ الملا الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ إسماعيل الحايك المفتي والشيخ أبو المواهب الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليل والشيخ عثمان الشمعة وقرأ الفقه والنحو وغيرهما في محراب المالكية بالجامع الأموي ودرس بالسليمية في صالحية دمشق في يوم الثلاثاء البيضأوي وحج مع والده الاستاذ في رحلته الكبرى في سنة خمس ومائة وألف ولما توفي والده الاستاذ أخذ تدريس السليمية عنه الفاضل عبد الرحمن السفرجلاني ثم بعد مده عاد إلى المترجم ولم يزل على حالته إلى أن مات وبالجملة فقد كان مباركاً صالحاً وكأنت وفاته في ليلة الاربعاء الثامن عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بصالحية دمشق في دارهم عند الباب على يمين الداخل وخلف أولاداً ذكوراً واناثاً فالذكور الباقين بعد وفاته وهم الشيخ مصطفى والشيخ عبد القادر والشيخ إبراهيم والشيخ عبد الغني والشيخ حسين والشيخ درويش والشيخ ذيب وكلهم أفاضل صلحاء وسيأتي ذكر والده الاستاذ وولده مصطفى في محلهما رحمه الله تعالى.
الشيخ إسماعيل الحائك
إسماعيل بن علي بن رجب بن إبراهيم الشهير بالحائك الحنفي العيني الأصل الدمشقي مفتي الحنفية بدمشق الامام العلامة المحقق البحر الحبر الفهامة كان من أجل العلماء الفقهاء ناسكاً قواماً متعبداً زاهداً ورعاً عاملاً صالحاً متقشفاً مفيداً له يد طولى في سائر الفنون سيما الفقه فانه كان فقيه الشام في عصره مع حسن(1/256)
الطبع واللطف وحسن المعاشرة ومعرفة اللغات الثلاث التركية والعربية والفارسية ولد في سنة ست وأربعين بعد الألف ونشأ في طلب العلم حتى ان والده كان فقيراً جداً وصنعته الحياكة فكان ولده المترجم يفر من حانوته ويجئ إلى الجامع الأموي ويقرأ القرآن ولا يشتغل في صنعة والده وكان ذلك مما يحمق والده ويصعب عليه ولزم الاشتغال في العلوم فقرأ على جماعة منهم الشيخ إسماعيل النابلسي الدمشقي وهو أجلهم والعالم الشيخ محمد المحاسني والولي الشيخ أبو بكر الشهير بمعزل الطرقات والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمد علاء الدين الحصكفي وجل أنتفاعه عليه والملا محمود بن عبد الرحمن الكردي والشيخ عبد الباقي الحنبلي وأجازه اجازة حافلة بخطه واشتهر وشاع واستفاد وأفاد وتصدر للأفادة بالجامع الأموي وفي مسجد المغيربية وبالدويلعة وكان يقري بالأموي الدروس في الاسبوع في غالب الأيام في فنون عديدة ما بين اصول وفقه وكلام ونحو وبلاغة وغير ذلك من أنواع العلوم وقرأ عليه غالب فضلاء دمشق وأنتفع به جماعة وصار مدرساً بمدرسة الشبلية بالصالحية في سنة اثنين ومائة وألف وتولي افتاء الحنفية بدمشق من غير طلب ولا تعرض في سنة سبع فباشرها بهمة علمية لا دنيوية واستمر مفتياً إلى أن مات وفتأويه متدأولة حتى ان تلميذ وقريبه الشيخ إبراهيم ابن محمد المعروف بالشامي المتوفي في سنة سبع وعشرين ومائة وألف جمعها وجعل لها خطبة ونسخها الآن موجودة وولي خطابة الجامع الأموي في سنة ثمان فارخ توليته تلميذه الشيخ صادق الخراط بقوله
مذاماً م العلوم قام خطيباً ... وترقى إلى المقام السعيد
وبدا نور وجهه قلت أرخ ... زين بالنور منبر التوحيد
وعلى كل حال فقد كان شيخ وقته بالفقه وغيره وكأنت وفاته في ثالث عشر جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنهما ورثاه السيد مصطفى الصمادي مؤرخاً بقوله
مفتي دمشق خطيبهاعلامة الاعلامالكامل المولي الهما
م أجل كل همامصدر الشريعة كنزهابحر العلوم الطامي
كهف الأيمة وارث النعمان خير امامعلم الهداية ركنها
بدر العلاء الساميذو الهمة العلياء والمجد الأثيل النامي
فرد الوجود وغوثهغيث الأنام الهامي العابد النساك اف(1/257)
ضل ناسك قوام لما ابتغى دار البقاء ووجه ذي الأكرام
ورقى إلى الفردوس بالجلال والا أعظاملاقاه رضوان برض
وان وحسن مقاموسالت عنه الهاتف الغيبي باستفهام
هل نال ما يرضيه منعز ومن انعامفأتى بتاريخين في
بيت جواب كلامينال الرضى أرخت اسمعيل مفتي الشام
إسماعيل أفندي القونوي
إسماعيل بن محمد بن مصطفى القونوي الحنفي أبو المفدي عصام الدين الشيخ الامام الكبير العالم العلامة المحقق الفهامة المتجر الاصولي المنطقي المفسر أحد الأفراد بالعلوم العقلية والنقلية ولد بقونية وقرأ على الشيخ مصطفى القونوي والامام الشيخ خليل الصوفي القونوي ومصلح الدين مصطفى المرعشي وجل أنتفاعه وأخذه عن العلامة الفاضل عبد الكريم القونوي وأبي عبد الله محمود بن محمد الأنطاكي نزيل حلب ودرس بمدارس داراً لسلطنته قسطنطينية بعد دخوله اليها وسكناها واشتهر بين علمائها وعظمه علماؤها وفاق وطار صيته في الآفاق ووصل خبره إلى السلطان أبي التأييد والظفر نظام الدين مصطفى خان وجعله رئيس المعلمين بدار السعادة واقرأ بها الدروس الخاصة والعامة وأعطاه الله القبول وبعده أخذه السلطان أبو النصر غياث الدين عبد الحميد خان احترمه وعظمه وكان يجتمع به ويسمع تقريره ويأمره أن يدرس بحضرته كما كان يفعل أخوه المذكور وكان بدار السلطنة أجل علمائها وله تأليف كثيرة منها حاشية على تفسير القاضي البيضأوي والرسالة العلمية والحاشية على المقدمات الأربع لصدر الشريعة والرسالة الضادية وغير ذلك وكان استأذن أن يحج فرسم له بالأمر السلطاني لكونه كان مدرس دار السعادة ورئيس علمائها ودخل دمشق في رمضان سنة أربع وتسعين ومائة وألف واستقام بدار صاحبنا المولى الأجل أسعد بن خليل الصديقي واجتمعت به وسمعت من فوائده ولم يتيسر لي الأخذ عنه وأروي عنه بواسطة تلامذته وارتحل للحجاز مع الركب الشامي وفي العود تمرض بالمزاريب وجئ به إلى دمشق مع الركب مريضاً ومات ثاني عشري صفر سنة خمس وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بالصالحية بمقبرة مقام نبي الله ذي الكفل عليه السلام بسفح جبل قاسيون رحمه الله تعالى.(1/258)
الشيخ إسماعيل العجلوني
إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني الشهير بالجراحي الشافعي العجلوني المولد الدمشقي المنشأ والوفاة الشيخ الامام العالم الهمام الحجة الرحلة العمدة الورع العلامة كان عالماً بارعاً صالحاً مفيداً محدثاً مبجلاً قدوة سنداً خاشعاً له يد في العلوم لا سيما الحديث والعربية وغير ذلك مما يطول شرحه ولا يسع في هذه الطروس وصفه له القدم الرأسخ في العلوم واليد الطولى في دقائق المنطوق والمفهوم كما قيل
حدث عن البحر لا عتب ولا حرج ... وما تشاء من الأجلال قل وقل
ولد بعجلون تقريباً في سنة سبع وثمانين بعد الألف وسماه والده أولاً باسم محمد مدة من الزمان لا تزيد على سنة ثم غير اسمه إلى مصطفى نحو ستة أشهر ثم غير اسمه بإسماعيل واستقر الأمر بهذا الاسم وقد أشار إلى ذلك العارف الاستاذ الشيخ مصطفى الصديقي من جملة أبيات قرض بها على كتابه كشف الخفا ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس بقوله
حرس الآله بفضله مشيه من ... كل المضار وصيانه وله كفي
وهو الذي سمي محمد أولاً ... وبمدة اخرى تسمى مصطفى
من بعد ذا سمي بإسماعيل لا ... برحت له ترنو عيون الاصطفا
ثم لما بلغ سن التمييز شرع في قراءة القرآن العظيم حتى حفظه عن ظهر قلبه في مدة يسيرة ثم قدم إلى دمشق وعمره نحو ثلاثة عشر سنة تقريباً لطلب العلم وذلك في منتصف شوال سنة ألف ومائة واشتغل على جماعة أجلاء بالفقه والحديث والتفسير والعربية وغير ذلك إلى أن تميز على أقرانه بالطلب ومن أسباب توجهه إلى طلب العلم انه لما كان في بلاده وكان صغيراً يقرأ في المكتب رأى في عالم الرؤيا ان رجلاً ألبسه جوخة خضراء مركبة على فرو أبيض في غاية الجودة والبياض وقد غمرته لكونها سب على يديه ورجليه فأخبر والده بالمنام فحصن له بذلك السرور التام وقال له ان شاء الله يجعل لك يا ولدي من العلم الحظ الوافر ودعا له بذلك قلت ومشائخه كثيرون والكتب التي قراها لا تعد لكثرتها ما بين كلام وتفسير وحديث وفقه وأصول وقراآت وفرائض وحساب وعربية بأنواعها ومنطق وغير ذلك وقد ألف ثبتاً سماه حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمل الرجال وترجم مشائخه به فمن مشائخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق والشيخ محمد الكاملي الدمشقي والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ(1/259)
الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ يونس المصري نزيل دمشق والشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي والشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والشيخ أحمد الغزي الدمشقي ومفتيها الشيخ إسماعيل الحائك والشيخ نور الدين الدسوقي الدمشقي والشيخ عثمان القطان الدمشقي والشيخ عثمان الشمعة الدمشقي والشيخ عبد القادر التغلبي الحنبلي والشيخ عبد الجليل أبي المواهب المذكور والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق ومن غير الدمشقيين الشيخ محمد الخليلي المقدسي والشيخ محمد شمس الدين الحنفي الرملي وأجازه الشيخ عبد الله بن سالم المكي البصري والشيخ تاج الدين القلعي مفتي مكة والشيخ محمد الشهيري بعقيلة المكي والشيخ محمد الوليدي والشيخ محمد الضرير الاسكندراني المكي والشيخ يونس الدمرداشي المصري ثم المكي والشيخ أبو طاهر الكوراني المدني والشيخ أبو الحسن السندي ثم المدني والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني المدني والشيخ أحمد النجلي المكي والشيخ سليمان بن أحمد الرومي واعظ ايا صوفية وارتحل إلى الروم في سنة تسع عشرة ومائة وألف فلما كان بها اتحل تدريس قبة النسر بالجامع الأموي عن شيخه الشيخ يونس المصري بموته فأخذه صاحب الترجمة وجاء به إلى دمشق وكان والي دمشق اذ ذاك الوزير يوسف باشا القبطان عارضاً به إلى شيخه الشيخ محمد الكاملي وألزم القاضي بعرض على موجب عرضه وانه يعطي ما صرفه شيخه الشيخ أحمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق للقاضي وكان مراد الغزي أولاً التدريس فحين وصول العروض إلى دار الخلافة قسطنطينية للدولة العلية ما وجهوا التدريس لشيخه الكاملي ووجهوه للمترجم واستقام بهذا التدريس إلى أن مات ومدة اقامته من سنة ابتداء عشرين إلى أن مات احدى وأربعون سنة وهو على طريقة واحدة مبجلاً بين العال والدون ودرس بالجامع الأموي وفي مسجد بني السفرجلاني ولزمه جماعة كثيرون لا يحصون عدداً وألف المؤلفات الباهرة المفيدة منها كشف الخفا ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس ومنها الفوائد الدراري بترجمة الامام البخاري ومنها اضاءة البدرين في ترجمة الشيخين ومنها تحفة أهل الايمان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان ومنها نصيحة الاخوان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان ومنها عرف الزرنب بترجمة سيدي مدرك السيدة زينب ومنها الفوائد المجردة بشرح مصوغات الابتدا بالنكرة ومنها الأجوبة المحققة عن الأسئلة المفرقة ومنها الكواكب المنيرة المجتمعة في تراجم الأيمة المجتهدين الأربعة ولكل واحد منها اسم خاص يعلم من الوقوف عليها ومنها أربعون حديثاً كل حديث من كتاب ومنها عقد الجوهر(1/260)
الثمين بشرح الحديث المسلسل بالدمشقيين وهذه الكتب كاملة وأقلها نحو الكراسين وأكثرها نحو المعشرين ومنها التي لم يكمل وهي كثيرة أيضاً منها أسنى الوسائل بشرح الشمائل ومنها استرشاد المسترشدين لفهم الفتح المبين على شرح الأربعين النووية لابن حجر المكي ومنها عقد اللآلي بشح منفرجة الغزالي ومنها اسعاف الطالبين بتفسير كتاب الله المبين ومنها فتح المولى الجليل على أنوار التنزير وأسرار التأويل للبيضأوي ومنها وهو أجلها شرحه علي البخاري المسمى
بالفيض والجاري بشرح صحيح البخاري وقد كتب من مسوداته مائتين واثنين وتسعين كراسة وصل فيها إلى قول البخاري باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته أياهم من المغازي ولو كمل هذا الشرح لكان من نتائج الدهر وكان صاحب الترجمة حليماً سليم الصدر سالماً من الغش والمقت صابراً على الفاقة والفقر وملازماً للعبادات والتهجد والاشتغال بالدروس العامة والخاصة كافاً لسانه عما لا يعنيه مع وجاهة نيرة ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات قرأ عليه الوالد مدة ولازمه وأخذ عنه وأجازه ولما حج الوالد في سنة سبع وخمسين ومائة وألف كان هو أيضاً حاجاً في تلك السنة فاقرأ كتاب صحيح البخاري في الروضة المطهرة وأعاد له الدرس الوالد وقد أجاز الوالد نثراً ونظماً فالنظم قوله والجاري بشرح صحيح البخاري وقد كتب من مسوداته مائتين واثنين وتسعين كراسة وصل فيها إلى قول البخاري باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته أياهم من المغازي ولو كمل هذا الشرح لكان من نتائج الدهر وكان صاحب الترجمة حليماً سليم الصدر سالماً من الغش والمقت صابراً على الفاقة والفقر وملازماً للعبادات والتهجد والاشتغال بالدروس العامة والخاصة كافاً لسانه عما لا يعنيه مع وجاهة نيرة ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات قرأ عليه الوالد مدة ولازمه وأخذ عنه وأجازه ولما حج الوالد في سنة سبع وخمسين ومائة وألف كان هو أيضاً حاجاً في تلك السنة فاقرأ كتاب صحيح البخاري في الروضة المطهرة وأعاد له الدرس الوالد وقد أجاز الوالد نثراً ونظماً فالنظم قوله
أجزت نجل العارف المرادي ... أعنى علياً فاز بالمراد
وهو الشريف اللوذعي الكامل ال ... أريب والمفضال ذو الأيادي
أجزته بكل ما أخذته ... عن الشيوخ الفضلا الأطواد
أجزته بكل ما صنفته ... كالفيض والكشف مع الأرشاد
أجزته بكل ما في ثبتنا ... الجامع النوعين بالسداد
أجزته اجازة بشرطها ... عند أولي التحديث والنقاد
أجزته في الروضة الفيحاء ... بطيبه المختار طه الهادي
صلى عليه ربنا وسلما ... وآله وصحبه الأمجاد
ما غردت قمريه فأطربت ... وأمطرت سحب وسال وادي
وكان ينظم الشعر وشعره شعر علماء لأنهم لا يشغلون أنفسهم به كما قال ابن بسام ان شعر العلماء ليس فيه بارقة تسام وجعل الشهاب أن أحسن بعض أشعارهم من قبيل دعوة البخيل وحملة الجبان وقال الأمين في نفحته قلت علة ذلك أنهم يشغلون أفكارهم بمعنى يعني والشعروان سموه ترويح الخاطر لكنه مما لا يثمر فائدة ولا يغني وشتان بين من تعاطاه في الشهر مرة وبين من أنفق في تعاطيه عمره أنتهى وقد ترجمه الشيخ(1/261)
سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه خاتمة أيمة الحديث ومن ألقت إليه مقاليدها بالقديم والحديث اقتدح زناده فيه فأضاء وشاع حتى ملأ الفضاء خذا بطرفي العلم والعمل متسنماً ذروة عن غيره بعيده الأمل يقطع اناء الليل تضرعاً وعبادة ويوسع أطراف النهار قراءة وافادة لا يشغله عن ترداده النظر في دفاتره مرام ولا عن نشر طيها نقض ولا ابرام مع ورع ليس للرياء عليه سبيل وغض بصر عما لا يعني من هذا القبيل وهو وان كأنت عجلون تربة ميلاده فان الشام تشرفت بطارف فضله وتلاده فقد طلع في جبهتها شامه وأرهف منصل فكرته بها وشامه حتى صار هلاله بدراً ومنازله طرفاً وقلباً وصدراً فاستحث عزمه نحو الروم وقصد بها انجاز ما يروم فأحلته بين السمع والبصر وجنى غصن أمانيه واهتصر وعلى ما به قوا معاشه اقتصر فآب ولم يخب مسعا وطرف الدهر بمقلة الارتقاء يرعاه فأظلته قبة النسر المنيفة وصار لمن سلفه خليفة وأي خليفة فتغص خلعته بالخاص والعام فيملي على فتح الباري ما يوضح خفايا البخاري بناطقة تسحر العقول بادائها وتسخر بالعقود ولألائها ووجاهة ملء البصيرة والبصر على مثلها الوقار اقتصر وخلق ما شابه انقباض وسجية لم تنقد باعراض ولم يزل نسيج وحدة تأليفاً وتقريراً وحديثاً حسناً تسطيراً وتحريراً حتى شرب الكاس المورود وذوت من روض محاسنه تلك الورود فتنفذ عليه البصر والدمع وعمي البصر والسمع بل الله بالرحمة ثراه فهو ممن أخذت عنه الاسناد وأمدني بقراءتي عليه بما ينفع ان شاء الله يوم التناد وله شعر موزون يتسلى به الواله المحزون أنتهى مقاله ومن شعر المترجم قوله من قصيدة ممتدحاً بها المولى عطاء الله قاضي العسكر في الدولة العلية مطلعها
أظبي الأنس عطفاً بالتداني ... فقد أضرمت نيران الجنان
وقد عذبت بالألحاظ صبا ... قتيلاً بالعيون وبالبنان
وبالثغر الذي قد صار كاساً ... لمختوم الرحيق وقد سباني
وبالجيد الذي كلجين ماء ... وكالشمس المنيرة في البيان
وبالقد الذي كالسهم فعلاً ... ويشبه في التثني غصن بان
ترفق يا فريداً في جمال ... فان الرفق جلاب الأماني
وزل هجري وتعذيبي وصدي ... وقتلي بالجفا في كل آن
ومالي منقذ من ضير هذا ... سوى حبر خبير بالزمان
همام متقن للعلم طرا ... وفي التحقيق لا يشبهه ثاني(1/262)
امام فاق في التقسير فخراً ... وفي علم الحديث مع المعاني
وفي علم الكمال وعلم أصل ... وعلم الفقه مع نحو اللسان
وباقي العلم صار له جواداً ... فيلوي رأسه لي العنان
وله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام المولى عبد الله مطلعها
أعبق المسك ذاع من الخزام ... أمن ثغر حوى مثل الملاام
أمن وجه يفوق البدر نوراً ... ويبهر من رآه من الأنام
أمن جيداً عار الظبي حسناً ... أمن قد قويم كالسهام
فيا من لا يضاهي في جمال ... دع الأعراض وادفع للملام
وصل يا ظبي قد عذبت قلبي ... بألحاظ تفتك كالحسام
ودع قتلي فان القتل ظلماً ... حرام مقنض نيل الاثام
نعم في شرع عشاق أباحوالهذا لقتل صبر للحمامفان رمت السلامة منه يوماً
فلذ بالعالم الشهم الهمامأمام منقذ من كل سواءشفاء للنفوس من السقام
هو الخبر الخبير بكل علم ... يفوق الناس طرا في المقام
وقوله
باعد عن اللذات واجتنب الهوى ... فاخو الشقاء قبيحة حالاته
واعمل من الخيرات بشرى لامرء ... غلبت على آحاده عشراته
هو من قول الايب إبراهيم السفرجلاني
جد عن طريق اللهو واطرح الهوى ... فاخو الذنوب طويلة حسراته
واجنح إلى التقوى فطوبى لامرء ... غلبت على أحاده عشراته
وللمترجم
قيامي على الأقدام حق وسعيها ... لرؤياك يا فرد الزمان أكيد
فقد أمر المختار أنصاره به ... لسعد الذي قد مات وهو شهيد
وله
يا بدر واعدتني والوصل يحسن لي ... اتجزه لي يا حماك الله من زلل
فالوعد دين وخير الناس أحسنهم ... له قضاء أتى عن سيد الرسل
وله مضمناً
ان جزت ربع الحي حبي حيهم ... وأرعاهم ان اعرضوا أو أكرموا
واعلم عذولي ان حبي فيهم ... ولأجل عين ألف عين تكرم
وله مقرضاً على سؤال رفعه الأديب مصطفى الترزي للمولى العالم حامد بن علي العمادي مفتي الحنفية بدمشق وهو قوله(1/263)
أنور صبح بدا في غرة الدين ... أم عرف نور لأزهار البساتين
أم النجوم الدراري أشرقت سحراً ... أم اللآلي على تاج السلاطين
أم البدور التي لم تنكسف أبداً ... أم ضوء مبسم حوراء من العين
أم تلك خود جرى من طيب مبسمها ... ما أسكر الحي في تلك الأحايين
بل ذاك وشي العمادي الذي بهرت ... أقلامه بالفتأوي والبراهين
مفتي الأنام ومن في كل معضلة ... يرجى لكشف مخباها بتمكين
أجاب بالنظم بعض السائلين له ... يستظهر الحكم عن تعداد زوجين
من النساء اللواتي حض شارعنا ... على النكاح لنسل أو لتحصين
يا أوحد الدهر يا من طاب مغرسه ... بالعلم والحلم يا نجل الأساطين
هم الرجال ومن كأنت مآثرهم ... لم يحصها العد في نشر الدوأوين
وجاء منهم فتى أحيى محامدهم ... هو حامد صانه ربي بياسين
فالله يبقيه بدراً يستضاء به ... ونور صبح بدا في غرة الدين
والسؤال الذي أرسله الايب المذكور هو قوله
ما قول سيدنا مفتي الانام ومن ... سمت فضائله فوق السماكين
علامة الدهر والمحمود سيرته ... ابن العمادي كنز العلم والدين
العالم العامل الفرد الذي ورث ال ... علوم والمجد عن غر ميامين
من سادة كل شهم قام منتصراً ... منهم لذا الدين معلوم السلاطين
كفى دمشق فخاراً بل ومنقبة ... بحامد دام في وعن تمكين
فيمن له زوجتا سوء يبرهما ... ويبغضاه بلا ذنب ولامين
وطال مكثهما دهر الدية وقد ... غدا من الهم في أسر وفي هون
والآن يبغي فتاة السن ناضرة ... تجلو صدى قلبه باللطف واللين
يروم تزويجها بالشرع متبعاً ... نهج الهدى غير مأثوم ومأفون
والزوجتان مع الأولاد أجمعهم ... قاموا علي كاغوال الشياطين
قالوا بأني ارتكبت الآن معصية ... لم يرتكبها طريد في الملاعين
ابن لعبدك هل في ذاك مثلبة ... عنها نهى الشرع أم في ذاك من شين
أم هل يذل محب أنت ناصره ... حاشاك حاشاك يا ذخر المساكين
أجبه من غير أمر دمت توضح من ... مسائل الشرع مخفياً بمكنون
لا زلت ترقى ذرى العلياء مبتهجاً ... وترشد الخلق للتقوى وللدين
ما غردت ساجعات الورق في فنن ... فأطربت في سجاها كل مشجون(1/264)
فأجابه المولى العمادي بقوله
لله حمدي وشكري دائماً ديني ... ثم الصلاة على من جاء بالدين
محمد عين انسل الوجود ومن ... لشرعه تابع للحشر والدين
اعنبر اشحرذا أم مسك دارين ... وافى يطيبنا بالطف واللين
يا أعرف الناس بالآداب مفترقاً ... من بحره رشفات منه تكفين
كأن تلك الدراري الغر في يدكم ... در تنظمها من غير تثمين
تغوص أفهامكم فيه فتبرزه ... كلؤلؤ في حشا الاصداف مكنون
لقد رقيت مراقي المفخر منفرداً ... فأنت في أفقه فوق السماكين
نظمت عقداً كروض فيه صادقة ... ورقاء يطرب منها حسن تلحين
نور طلائعه نور حدائقه ... حور كواعبه تزهو على العين
منك استفدنا لباقي وصف رونقه ... لما حسبناه في أكواب زرجون
إذا سرى في دياجي الليل تحسبه ... فخر الصباح تبدي غر مسجون
بل الهلال ترأى في غلائله ... بل الغزالة بالأشراق تشجين
ما مثله من خبايا الفكر رائقة ... وافت بل اشتهرت الهند والصين
قد جاء يسألني عن حكم مسئلة ... هاك الجواب بايضاح وتبين
تروم ثالثة حتى تعود إلى ... عصر الشباب بعيد الشيب والحين
والزوجتان مع الأولاد أجمعهم ... قاموا عليك كأغوال الشياطين
لهم زئير أسود الغاب ضارية ... من شدة الحزم مع عزم وتمكين
يقلن معهدنا كم قد قطفت به ... زهر الرياض وكنا كالرياحين
وكم رفت بأثواب السرور على ... بسط وبسط وأفراح وتلوين
وكم ركبت لأفراس الهنا مرحاً ... تلهو بصفو بطيب الرفق مقرون
وكم سترنا أمور أعنك خافية ... وساقهن بدا والكشف للسين
فاخفض لهن جناح المحتسبا ... لما أصابك من صفع ومن هون
وصم اذنيك عن قول يفهن به ... غمسن من تاره الحرا بسجين
وتلك شنشة قدماً لهن جرت ... على الملوك جميعاً والسلاطين
وأقدم على كل كلم اصائلات ولا ... تحجم لقول اللواتي فوق ستين
هذا وشعركم المرضي يقول لنا ... هل أخذ ثلثة ذنب فأتوني
منى ثلاث رباع ليس معصية ... ان يأخذ المرء في عرف وفي دين
فما نهى الشرع عما أنت طالبه ... وليس مثلبة فيه لمفتون(1/265)
لكن ذا بشروط أنت تعرفها ... اياك اياك من خلق الملاعين
وخير مأوى لشخص يطمئن به ... حسناء كاملة في العقل والدين
لله درك من شهم حصلت على ... نيل المنى والأماني غير مفتون
والله ننصركم في كل معضلة ... ودام نصر من الرحمن ياتيني
وابن العمادي أجاب السؤال حامدكم ... مفتي دمشق وربي الله يهديني
ثم أتبعه بنثر وهو قوله
الحمد لله الذي حمد نفسه بنفسه فهو الحامد المحمود فسواه عابد متعبد وهو المستعبد المعبود سبحانه لا اله الا هو حياً أزلياً قيوماً أحداً دائماً ديموماً خلق فاحكم وقضى فأبرم وعلم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ثم الصلاة على من أرسل إليه الروح الأمين وأنزل عليه الكتاب المحكم المبين سيدنا محمد سيد الولين والآخرين والسابقين واللاحقين المخصوص بأمة جعلها الله خير الأمم وبسط لهم ببركته موائد الفضل والكرم واصطفاهم بمصطفاه واجتباهم بمجتباه وأحل لهم من النساء ما لم يحل لغيره وأباح لهم أربعاً من واسع خيره وجعلهن زهرة الحياة الدنيا وثمرتها وقوام قيامها وقيمتها يطأول إلى نكاحهن همم الرجال العوالي ويتضاءل دونهن من المهور الغوالي لأنهن نزهة الأنفس والأرواح ورياض الأجساد والأشباح أصلاً لنا من أصل لم يكن من نكاح أصلاً كرمه الله ما أكثره أهلاً ونسلاً سنة الله التي قد خلت وفي القلوب قد حلت فهو من أقوى الأسباب في ارتفاع الأحساب واتصال الأنساب وحصول الولد الذي هو قرة عين وعمل صالح لوالده وأثر بعد عين وأمتن الله تعالى بهن على البرية فقال الله تعالى وجعلناهم أزواجاً وذرية وهي تجارة رابحة قال عليه السلام الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال من والى الله عليه صلات الصلاة حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وقرة عين في الصلاة فهو من سنة المصطفى اعلاناً فمن رغب عنها فليس منه وكفى بذلك خسراناً وهن أمانات الرجال مستودعات عندهم إلى ما شاء الله من الآجال يجب حفظهن خوفاً عليهن من الضياع ومراعاة لما لهن وعليهن من الأنتفاع والاستمتاع اذ كن ريحانات لا قهرمانات فإذا تهن عليك وملن بأواصر الأدلال وعرفن فتونك وأخذن ينتفن عثنونك فلا يضيق صدرك فتدله ويختل أمرك فرد ثورة عجبهن بخلق كريم واسع وخيم عن كل خلق وخيم شاسع وغط عيب شيبك بسبب طولك واحسانك لا بمعرة قصر يدك وطول لسانك فتفكر في ذلك(1/266)
فأنت دليل محيرك ورسول سيرك ولن أبدين اليك نفاراً وقد عنك جهاراً أو رأيتك بصورة منكوسة ولحية بالفم فاعذرهن في ذلك واقطع من وصالهن أطماع آمالك فان فيك من الذبول وتكرج الجلد والنحول وأبيضاض المفارق والحواجب ما ينفر رازنات الكواعب
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فاعرضن عني بالخدود النواضر
وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي ... بدرن فرفعن الكرى بالمحاجر
فأنخ لهن كاهل الذل ومد عنان عنقك للعقد والحل وصعد أنفاسك في أكسير شمس الطاعه مغترفاً من بحر القناعة ويالها من صناعة وذلك أعذب من الماء على الظما وألطف من سقوط الأنداه على الروضة الخضراء فحينئذ تعلو عليهن كالقمر وهو أمر اشتهر وتكون حكيماً قوياً وشهماً شهياً فيخضعن لديك ويضعن خدودهن تحت قدميك ولا تكون غاية سعيهن الا اليك لأن من كرمت خصاله وجب وصاله وهو أمر معروق قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن ركب مركب الخلاف ومال إلى الأنحراف فليستعد إلى الأدبار وليتبوأ قعده من النار وعليهن ان لا يشقن العصا ولا يحرقن أنفسهن بنار الغضا فان فعلن ولحقك من الامتحان والتنكيل والاذلال والتذليل ما يريك الكواكب ظهراً فلا يجدن لأنفسهن وزراً ولا ظهراً فان كن كما وصفت الآن نعوذ بالله من شر النساء اذ هن حبائل الشيطان ولا جرم أنهن فاجرات قاهرات صائلات عاديات فلا تتخذهن أسوة فتعد من النسوة وألف قلوبهن بالود والوصال وأصبر على كل حال وانظر لما قيل
إذا شاب رأس المراء وقل ماله ... فليس له من ودهن نصيب
وقال امرؤ القيس
أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوساً
وقال آخر
والشيب أعظم جرم عند غانيةفان خفت ان لا نعدلفعد عن الثالثة وأعدل وألا تكسر وتنكسر
هي الضلع العوجاء لبست تقيمها ... الا أن تقويم الضلوع انكسارها
فان علمت من نفسك العدل في القسم طالباً الاستمتاع فأنكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومن لامك واعترض لما أباح الله وافترض خيف عليه أن يكون كفر لأنه عن محجة الحق نفر قال الله تعالى في كتابه المبين(1/267)
الأعلى أزواجهم أو ما سكت ايمانهم فانهم غير ملومين وهذه حجة عامة على قول العامة ودع عنك غيرة النساء فداء ليس له دواء قد أعجز الطباء وأعي ذوي العقول والآراء كما قيل
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ... أمر النساء وأمرة الصبيان
ولا تذهب نفسك عليهم حسرات فان الضرورات وأنت القوام عليهن المتبوع وما ارتكبت بهذا التثليت الا المشروع لكن ان شفقت وتركت تنأوله فضله لقوله عليه الصلاة والسلام من رق لأمتي رق الله له هذا وكم قول آذى فاصبر لهن أن يتبع ملاذاً ولا تمل كل الميل فتقع في الشؤم والويل وحذار من العول عن منهج الصواب ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا بو الحساب
واياك والأمر الذي ان توسعت ... موارده ضاقت عليك مصادره
وهنيت بما منحته ولا سد عليك الباب الذي فتحته فلقد سلكت في طريق البلاغة مسلكاً عريباً وأخذت من مذاهب البراعة مذهباً عجيباً فلا مؤاخذة بهذه لأبيات الغريبات والفقرات ذوات المعاني الشاسعات فإذا ثبتت المصادقة تطلب المطابقة وأنت تعلم أن هذا طريق رفضناه وغبار نفضناه من مدة وافية والآن لا أزن بميزان العروض ولا القافية لكن لما جاءتنا قصيدتك السالفة في البلاغة مسلكي لاطناب والايجاز حركت مناظر فامن الآداب لما رأيت بواد بها مطابقة الأعجوز مع نظم الدرر الحسان التي لم يطمثهن أنس قبلكم ولا جان فاصخ لما قلنا ورتله ترتيلاً ولا تحد عن منهج الصواب تلا ان كنت تبغي للعلاء سبيلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً نساله سبحانه التوفيق إلى لزوم الطاعة والدخول فيها مع الجماعة والله سبحانه الهادي وعليه اعتمادي أنتهى فلما وصل إليه الجواب أجابه من غير ارتياب.
بقوله
اللؤلؤ فوق تيجان السلاطين ... أم اليواقيت قد لاحت على العين
أم الدراري على الزرقاء مشرفة ... بها أهتدي كل حيران ومشجون
أم البدور أنارت في دجنتها ... أم ذي شموس زهت فوق السماكين
أم ذي جباه حسان أم مباسمها ... أم ذي نطاق نضار فوق سطرين
أم ذاك نبت عذار أم لمى شفة ... أم أعين العيد أم ذا مسك دارين
أم ذي زهور ربيع في مواسمها ... أم ناضر النبت بزهو في البساتين(1/268)
أم ذي قدود ملاح حين رنحها ... شرخ الصبا اذ تحست بنت زرجون
أم عطر غائبة أم نشر نسرين ... أم الصبا حملت عرف الرياحين
أم ذاك عطر شباب من مهفهفة ... تجلو هموم فتى بالعشق مفتون
أم بغية بعد يأس نالها دنف ... ودت له العز بعد الذل والهون
أم برء مضي سقيم الجسم ذي شجن ... وافى أحباه أم اطلاق مسجون
أم كل ما يفرح الأنسان رونقه ... أم غائب آب أم أنفاس مسكين
أم ذا جواب سؤال خطه قلم ... قد نظم الدر من بحر بسمطين
نظماً ونثراً فنون الشعر قد جمعا ... فاعجز أكل ذي نطق وتبيين
قد قاله حامد مفتي الورى وبه ... إلى سواء طريق الحق يهديني
أجابني بجواب منه قد طفحت ... بحاره مدد للنهر والعين
أثابني الدر عن مثل الحصا وأني ... بكل معنى رقيق فائق زين
أحلني فوق مقداري وشرفني ... اذ قد غدا فرد حرف منه يكفيني
أمده الله بالعمر الطويل مع ال ... عز المديد باقبال وتمكين
والعبد يطلب عفواً عن تطأوله ... اذ قابل الدر شعراً غير موزون
سيدنا المولى العلامة الألمعي والنقاد الأفضل اللوذعي الذي ورث العلوم كأبراعن كابر وشهدت بفضائله الطروس وأقرت الأقلام والمحابر وافتخرت دمشق بأبائه الأعاظم الأكابر وأنا ربهم شهاب الدين وقام عماده وأشرقت في الخافقين مآثرهم وظهر في الكون رشاده بدر سماء علماء الأعصار وغرة سماء بلغاء الأمصار وأيم الله انما سرحت حديد نظري في رياض قصيدتك الغرا ورويت رائدي فكري في حياض خريدتك العذارء زاد بها ولوعي وغرامي واشتد بها ولهي وهيامي وكلما وجهت قاصر نظري في ألفاظها ومعانيها وأجلت صاعد الفكر في مبانيا وجدتها قرة في عين الأبداع ومسرة في قالب الاختراع والحق أحق بالأتباع فالمتابعة على رفعة معالم العلم والأدب بعد اندراسها وتقوم راية البلاغة بتعديل أساسها ورد غريب الفضائل إلى مسقط رأسها وإزالة وحشتها بايناسها فكأنما عناها من قال
قصيدتك الغراء يا فخر دهره ... الذ من الماء لزلال لمن يظمى
فنروي متى نروي بدائع نثركم ... ونظماً إذا لم نرو يوماً لكم نظما
ولعمري لم أر سيدي الا أخذاً بأوابد اللسن تقودها حيث وردت وتوردها اني شئت وأردت حتى كادت الألفاظ تتسابق إلى سلك لمعاني وتغار(1/269)
في الانثيال لأجفان المباني فالله يحرس ذاتكم المقدسة الكريمة ويمد في أنفاسكم العاطرة السليمة فقد شفيت بهذا الجواب من المسائل مريضاً عليلاً وأثلجت بسلسال درر ألفاظها من الفؤاد غليلاً والمسؤول من المولى أدام الله حراسته اكمال ما من به من تأهيد داعيه برفع مقامه وأنتصاره لأدبه بين أقرانه وأقوامه بأن يعطف عليه قلوب ساداته وأحبابه حتى يرجع زكاة أدبه إلى نصابه والدعاء وعلى هذا السؤال والجوال قرض أهل الفضل والآداب وأطالو في ذلك المقال فلا حاجة لذكره هنا لئلا يطول المجال وقد جمع لذلك العلامة الهمام حامد العمادي مفتي الشام في رسالة سماها عقيلة المغاني في تعدد الغواني ثم نعود إلى المترجم فنقول ومن شعره قوله
لئن قالوا قبضت يديك بخلاً ... ولم تنفق كالفلق الرجال
أقول لهم اخلائي ذروني ... فانفاقي على مقدار حالي
وقوله
طول الحياة حميدة ... ان راقب الرحمن عبده
وبضدها فالموت خير ... والسعيد أتاه رشده
وقوله سابكاً الحديث وهو خيار الناس أحسنهم قضاء وكتب به إلى مفتي دمشق المولى حامد العمادي المذكور
أيا شمس المعالي نلت خطاً ... من الله المهيمن والرضاء
ويا نحل العمادي من تباهى ... بك الاسلام فازددنا ضياء
عمادي أنتم والشكر دأبي ... وحمدي قد ملأت به الفضاء
أتاني منكم ما نلت فخراً ... به بالمدح منكم قد أضاء
وحليتم حديثاً قد عقدتم ... خيار الناس أحسنهم قضاء
فأجابه العمادي بقوله
أيا شيخاً لنا عزاً وفخراً ... ومنك العلم في الدنيا أضاء
حديثكم الصحيح النقل أحيى ... دمشق الشام فابتسمت ضياء
ودادي ثابت فيه عمادي ... واني حامد أبدي ثناء
واني قد سمعت الآن منكم ... خيار الناس أحسنهم قضاء
وللشيخ أحمد بن علي المنيني مخاطباً المولى حامد المذكور
أيا بدر المعارف والمعالي ... ومن في أفق جلق قد أضاء
بمجدك هذه الأيام تزهو ... ويكسي الكون والدنيا ضياء(1/270)
رعاك الله من حبر همام ... به نلنا الأماني والهناء
لقد أوسعتنا حلماً وعلماً ... وأفضالاً غدا يقفوا لحياء
لعمري ان درس الفقه أضحت ... به الأيام تفتخر ازدهاء
تشدا لي استفادته رحل ... بها تستعذب النجب النجاء
ودادي يا همام لديك دين ... به أرجو من الكرم الوفاء
فقد جاء الحديث بذا صريحاً ... خيار الناس أحسنهم قضاء
ومن ذلك قول السيد حسين السرميني كألبابه إلى العمادي المذكور طالباً منه كتاباً
ثناكم قد علا ولنا أضاء ... ومجدكم تزايد واستضاء
وكم لبني عماد الدين فضل ... على أهل الفضائل قد أضاء
عمادي أنتم ولكم أبادي ... غدت تملي عطاياها الفضاء
فجودوا بالكتاب فقد وعدتم ... فان بعهدكم أرجو الوفاء
فذا دين وعن خير البرايا ... خيار الناس أحسنهم قضاء
ومن ذلك قول الشيخ سعيد الجعفري
يا مقاماً سما بقطب جليل ... شمس فضل به الوجود أضاء
ان لي عندك اللبانة دين ... وخيار الأنام أهنئ قضاء
ومن ذلك ما رأيته منسوباً لمحدث دمشق الشيخ محمد نجم الدين الغزي وهو قوله
أعاطيه كؤساً من لجين ... فيجعل لي من الذهب الأداء
ولست مرأبياً في ذوا ولكن ... خيار الناس أحسنهم قضاء
ورأيت أيضاً منسوباً إلى الحافظ ابن حجر سبك ذلك وانه كتب به إلى العلامة الدماميني وذلك قوله
أيا بدر اسما فضلاء أرضا ... رعيته وفي الظلماء أضاء
ويا أقضى القضاة ومرتضاها ... وأحسنها لما يقضي أداء
تهني العام أقبل في سرور ... وأبدى للهنا بكم هناء
روى وأشار مقتبساً لديكم ... خيار الناس أحسنهم قضاء
ولصاحب الترجمة أشعار غير الذي ذكرناها وبالجملة فهو أحد الشيوخ الذي لهم القدم العالي في العلوم والرسوخ وكأنت وفاته بدمشق في محرم الحرام افتتاح سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله(1/271)
عنه والجراحي نسبة إلى أبي عبيدة الجراح أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين.
إلياس الكردي
الياس بن إبراهيم بن دأود بن خضر الكردي نزيل دمشق الشافعي الصوفي ولي الله تعالى العالم العامل الحجة القاطعة الورع العابد المحقق المدقق الخاشع الناسك الفقيه الحبر الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المقبل على الله مولده كما أخبر تلميذه الفاضل الفرضي سعدي بن عبد الرحمن بن حمزة النقيب في سنة سبع وأربعين وألف هكذا رأيته بخط تلميذه المذكور وقدم دمشق بعد السبعين وألف وكان فاضلاً طلب العلم في بلاده وقرأ في تلك البلاد على جماعة من الشيوخ منهم مصطفى البغدادي ابن الغراب وأخيه محمود والشيخ طاهر ابن مدلج مفتي بغداد وعلى والده وعلى عيسى الفاضل والشيخ أبو السعود القباقبي الشامي وأول أمره أخذ عن عمه الشيخ دأود وتاج العارفين البغدادي وسعد الدين البغدادي وحين قدم دمشق قرأ على جماعة من مشائخنا أيضاً منهم الشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد القادر الصفوري والشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ حيدر الكردي والشيخ عثمان القطان والشيخ يونس المصري نزيل دمشق وشيخ الحديث بها والشيخ أحمد النخلي المكي المحدث وأجازه الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ إبراهيم بن حسن الكردي نزيل المدينة المنورة والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني والشيخ يحيى الشأوي وغيرهم ممن يطول ذكرهم وبرع في العلوم ولازم الدروس والمطالعة والافادة والاستفادة بجد واجتهاد وآثر لذت العلم على اللذات المألوفة فلم يتخذ ولد أو لا عقال أو لا زوجة بل تزوج في دمشق في ابتداء أمره امرأة ثم طلقها ولم يضع جنبه على الأرض في ليل ولا نهار أزيد من أربعين سنة حتى في ليلة وفاته وكان يؤثر على نفسه فيلبس الثوب الخشن ويتصدق بالجديد الحسن وللناس فيه اعتقاد عظيم وله كرامات ظاهرة ودرس أولاً في البادرئية ثم لم يزل بها إلى سنة ألف ومائة واثنين ففيها تحول إلى جامع العداس في محلة القنوات وقطن به داخل حجرة إلى أن مات ودرس وأفاد وأنتفع به خلق كثير لا يحصون عدداً من دمشق وغيرها وله من التآءليف حاشية على حاشية الملا عصام الدين الاسفرائيني وصل فيها إلى باب الاستثناء وحاشية على شرح الاستعارات وشرح على شرح العقائد النسفية للجلال الدواني وحاشية عليه أيضاً وحاشية على حاشية الملا يوسف القراباغي وحاشية على شرح العوامل الجرجانية لسعد الله وحاشية على شرح جمع الجوامع وحاشية على شرح(1/272)
ايساغوجي للفناري وحاشية على شرح رسالة الوضع للعصام وحاشية على الفقه الأكبر للأمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وحاشية على شرح عقائيد السعد وحاشية على شرح السنوسية للقيرواني وغير ذلك من الحواشي وله رسائل كثيرة في علم التصوف وأما تعاليقه وكتاباته فلا يمكن احصاؤها وتردد إلى القدس مرات للزيارة ماشياً على قدم لتجريد ولزيادة الخليل أيضاً عليه السلام وحج إلى بيت الله الحرام وجأور بالمدينة المنورة وكان مواظباً على نوافل العبادات من الصيام والصدقة وعيادة المرضى مشهود الجنائز وحضور دروس العلم مع قدمه الرأسخ في المعلوم وكان مقبول الشفاعة عند الحكام مع عدم تردده اليهم وصدعهم بالمواعظ إذا اجتمع بهم وعدم قبول جوائزهم حتى ان الوزير رجب باشا كافل دمشق لما كان واليها زار الشيخ مرة وكان يعتقده ويحبه فطلب منه الدعا فقال له والله ان دعاي لا يصل إلى السقف وما ينفعك دعائي والمظلومون في حبسك يدعون عليك وعرض عيه مائة دينار فأبى أن يقبلها وقال له ردها على المظلومين الذين تأخذ منهم الجرائم ولم يزل على طريقته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته في ليلة الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وقد قارب المائة أو جأوزها وهو ممتع بحواسه وعقله ودفن بتربة باب الصغير ولم يشعر غاب الناس بموته وأنشد الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في تاريخ وفاته قوله
قد كان في بلدتنا كامل ... وهو الامام المفرد الواحد
شيخ العلوم الياس نجم الهدى ... ومن هو الموجود والواجد
من بعده مات التقى أرخوا ... ومات الياس التقى الزاهد
وقد رثاه الشيخ الامام الفاضل الكامل إبراهيم المفتي بقضاء بلدة أريحا متخلصاً بمدح الاستاذ عبد الغني النابلسي فقال
لقد ثلمت من الاسلام ثلمه ... بها حصلت لجمع الناس غمه
لموت الياس مولى كان حبراً ... جليلاً زاهداً وعلى همه
بأنواع العلوم حتى تلي ... وطاعات مع الاخلاص جمه
فحق لمثله يرثي وينعي ... وتبكيه الأنام ولا مذمه
لأن لفقده اندرست علوم ... سقى قبراً حواه الله رحمه
وأسكنه قصوراً عاليات ... بجنات وواصله بنعمه
وقابله ببشر لقاه أرخ ... ومحض نداه جوداً منه عمه
وأبقى الله للاسلام مولى ... وعبداً للغنى عنيت اسمه
حوى مجداً وحاز تقى وزهداً ... وجرد في طريق القوم عزمه(1/273)
وأصبح غرة في الفضل حتى ... من الجهل البسيط أزال ظلمه
ففي علم الحقيقة لا نظير ... وفي علم الشريعة فهو أمه
تعظمه الملوك وتفتديه ... وتخدمه لذلك أي خدمه
ونطلب اذ تكاتبه رضاه ... وعندهم له جاه وحرمه
وكيف وقد تحققت البريا ... بان هو المجدد دين أمه
لأحمد خير خلق الله طرا ... ليحيى شرعه ويبين حكمه
وتأليفاته في الناس شاعت ... وقد ملأت لأقطار ومهمه
إذا المولى يضاهي في علوم ... الا أقصر مضاهيه ومه مه
واني وهو أوتي من علوم ... من العلم اللدني خبر حكمه
أيا بحر العلوم فدتك روحي ... فكم أوضحت مسئلة مهمه
ومشكلة جرى فيها اختلاف ... كثيراً طال ما بين الايمه
كشفت نقابها وأزحت عنها ... غوامض بالمعاني المستتمه
جزاك آلهنا بالخير عنا ... وأوقع باغضيك بكل نقمه
فإبراهيم يرجو العفو منكم ... لعجز جمع وصفك لن أتمه
وعذراً سيدي اذ لست أهلاً ... فسامحني لأنت على همه
ودم أبداً بعون الله غوثاً ... مدى الأزمان في خير ونعمه
أمين
أمين بن محمد بن حسن بن علي القسطنطيني الأصل الدمشقي المولد الحنفي الشهير بابن الكمش أبو العون عز الدين الأمير الأديب المتفوق الفاضل الكامل الرئيس أحد أعيان الأمراء وحاجب الحجاب ولد بدمشق سنة ست وثلاثين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وكان من أعيان الأمراء والرؤساء وصار رئيس الجأويشية بديوان دمشق في مبتدأ أمره وكان يعرف بابن الكمش بضم الكاف والميم وبعدها شين وهي الفضة باللغة التركية لقب به جده أبو والده لشدة بياضه واستوطن دمشق وتدبرها ونجب له بها أولاد منهم صاحب الترجمة ووالدته شقيقة والدة والدتي وقرأ القرآن العظيم وشرع بالأخذ والطلب وحبب إليه الاشتغال بالعلوم فأخذها وقرأ على جماعة منهم الشيخ علم الدين صالح بن إبراهيم الجنيني وأبو النجاح أحمد بن علي بن عمر المنيني والشيخ أبو الثنا محمود بن عباس الكردي وشيخنا فخر الدين خليل ابن عبد السلام الكاملي والشهاب أحمد بن محمد المعروف بالشامي والشيخ أسعد بن عبد الرحمن المجلد وسراج الدين عمر(1/274)
بن عبد الجليل البغدادي نزيل دمشق وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم المخللاتي وأخذ علم الأوفاق والتسخيرات عن الشيخ محمود المصري نزيل دمشق وأخذ الخط المنسوب عن شيخنا الكاتب قطب الدين عبد الرحمن بن محمد العمري ابن قطب الدين والأديب أبي سعيد جعفر ابن محمد الكاتب وغيرهما وأخذ الأدب والشعر والترسل عن جماعة وصحب الأفاضل والأدباء وخالط الشعراء والنبلاء واشترى الكتب النفيسة من سائر العلوم والفنون واقتناها واستكتب أكثرها وجمع ألوفاً منها وكان لا يضن بعاريتها عن طالب ويحفظ أشعار العرب ووقائعهم ويحب مطالعة الكتب القديمة المتعلقة بالأدب واللغة وإذا حضر بمجلس يورد ما يحفظه من النكات والنوادر الأدبية ورأس بدمشق وتعين بين امرائها وصار رئيس طائفة الجند الاسباهية أرباب الأقطاعات الأميرية السلطانية ولما توفي والده وأخوته تقلبت به الأحوال وذهب إلى دار السلطنة قسطنطينية لأخذ الاقطاعات الأميرية التي كأنت بيدهم من القرى ونظارة الأنهار وأعشار البساتين والغياض وغيرها وصرف لتحصيل ذلك أموالاً كثيرة وركبته الديون وتنغص عيشه بعدها وكان مع ذلك لا يفتر عن تحصيل الكتب واشترائها ومطالعتها وحضور الدروس ومنها درس والدي وزيارة الأعيان والوزراء وايراد اللطائف والنكات في المحاضرات وكان كريم الطبع حسن الخصال سليم الصدر من الحفد والحنق سخي اليد يكرم الفقراء ويحسن إلى العلماء صحبته منذ ميزت وكنت أحبه ويحبني وكأنت والدتي تقول لي ان قريبك الأمير أمين من أهل الأدب والديانة والصلاح والصيانة وأنا أحب أن توده وتجتمع به وتصاحبه وما طلبت منه كتاباً للعارية ألا وأرسله إلى هدية مع جملة كتب وسمع من شعري الكثير وأخبرني انه ما نظم من الشعر غير بيتين وأنشد فيها من لفظه لنفسه وهما قوله
كن ليناً في الناس واحذر أن ترى ... فط الطبيعة انه لم يحسن
انظر إلى الأكحال وهي حجارة ... لأنت فصار مقرها في الأعين
ولما سمع ذلك صاحب العالم الأديب خليل بن مصطفى الدمشقي نظم المعنى وأنشدنا أياه من لفظه فقال
ان شئت ترقى لدي الخلان منزلة ... كن كالذي لان طبعاً في مودته
فالكحل يوضع في العين حيث غذا ... ملايم الطبع مع وجدان قسوته
فقلت لهما هذا المعنى قديم واستعلمه بعضهم في مدح الغربة فقال
الكحل نوع من الأحجار تنظره ... في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه ... وصار يحمل بين الجفن والحدق(1/275)
وطلب مني الكتاب المرقص والمطرب لأبي سعيد ولم يكن عندي اذ ذاك فكتبت إليه
يا أيها المفضال يا ذا الحجى ... يا مفرداً بالمشرق والمغرب
ألست تدري ان داري خلت ... من مرقص فيها ومن مطرب
ولمقدم دمشق الاستاذ العارف الوجيه عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس اليمني اجتمع به صاحب الترجمة ولازم مجلسه مدة اقامته بدمشق وأخذ عنه وأجاز له بخطه وكتب الاجازة نظماً كما هي محررة وجدتها بخطه رضي الله عنه
حمدا لذي الاطلاق في الوجود ... مولى الموالي الواحد الودود
من خص بالتلوين أرباب الصفا ... في حالة التمكين سرا وخفا
وعلم الانسان ما لم يعلم ... لا سيما أهل الطراز المعلم
فاحرزوا الذهاب والايابا ... وشرفوا البقاع والاحقابا
وجانبوا التلبيس والتمويها ... وحققوا التنزيه والتشبيها
وعاينوا مسبب الأسباب ... في كلها بالرشد والصواب
وشاهدوا الظاهر في المظاهر ... وهذه حقيقة المفاخر
واتحفوا بسائر الفضائل ... وحققوا بالحق بالفواضل
فلم يحيدوا عن جميل الفعل ... وأيدوا الكشف بحق النقل
وتابعوا في سائر الأمور ... ممدهم في الورد والصدور
انسان عين الكون روح السر ... ملازناً في سرنا والجهر
من خص أقواماً من الصحابة ... بمنهج قامت به القطا به
وجاءنا بأشرع والطريقة ... ونور سر الكشف والحقيقة
فبين الاسلام والايمانا ... وأوضح الاحسان والايقانا
وهو الحبيب الشافع المقبول ... نور الوجود الموصل الموصول
سامي المزايا المصطفى محمد ... عالي السجايا والمقام الأوحد
أفضل رسل الله خير الأنبيا ... وسائر الاملاك نعم الاتقيا
مقام أو أدنى له خصوصاً ... وفي ذرى ألقاب حوى التخصيصا
صلى عليه ربنا وسلما ... وآله وصحبه والعلما
وبعد فالاجازة المنيرة ... منا بدت في ساعة مبرورة
في كل علم نافع مؤيد ... أحوال قلب المستقيد المهندي
لا سيما التفسير مع علم الأثر ... والفقه ذي السر الذي ينفي الكدر
وعلم أرباب العلا الصوفية ... من حققوا بأبهج المزيه(1/276)
لا سيما ما قاله الاجداد ... من فيهم الاقطاب والأوتاد
كالعيد روس الغوث بحر النفع ... وفرعه أكرم به من فرع
وتلكم الاجازة العلية ... لمن غدت أحواله مرضية
ذي العلم والأعمال والأذواق ... محبوب أهل القيد والاطلاق
وهو الأمين الذات والأوصاف ... لا زال يحظى بالنعيم الصافي
لله ذاك الأوحد الممجد ... خدن العلى خدن الندى محمد
وقد أجزت الأوحد المذكور ... لا زال بالمولى يرى مسروراً
في كل نهج من طريق القوم ... لكي به يعطي عريز الروم
كعلم أوفاق وعلم حرف ... وعلم أسرار لأهل الكشف
كذا أجزته بما ألفته ... في كل علم نافع أو قلته
والآن تأليفي أراه عدا ... عشرين مع سبع تحاكي العقدا
وقد أجزت الأوحدا المعهودا ... بأن يجيز الراغب المريدا
ولي مشائخ يعز حصرهم ... وقد تسامي وردهم وصدرهم
ومنهم جدي عظيم الفضل ... شيخ التقى في قوله والفعل
والوالد الأواه وهو المصطفى ... ذو العلم والأعمال سامي الأقتفا
وابن الشجاع المصطفى بحر الدرر ... نسل الامام العيدروس المشنهر
وعيدروس الأصل والمعارف ... وهو الحسين ابن الوجيه العارف
وعابد الرحمن بلفقيه ... علامة الزمان ذو التنبيه
ونجل من يدعونه بسهل ... مولاي عبد الله سامي الأصل
والسيد المكي مولانا عمر ... فرع الشهاب الفرد محمود السير
والمدهر المزهر سامي القدر ... وهو العفيف القطب حأوي السر
والسيد المشهور باعبود ... مشيخ المقدام في المشهود
وابن حياة العارف السندي ... وهو المحدث الفتي السني
والمغربي ذو المقام المفرد ... أعني فتى الطيب نعم الأوحد
ومن غدا في العلم كالنوأوي ... خلى صديقي العارف الحفنأوي
والملوي المعتلي والجوهري ... والمصطفى البكري مولانا السري
وغيرهم من كمل أماجد ... حازوا العلى في صادر ووارد
ولي اتصال ذو جمال سامي ... من بعض أهل برزخ أعلام
والعيدروس الجد عبد الله ... من خيرهم أكرم بقطب باهي(1/277)
قد قال هذا مرتجي الغفران ... وهو المسمى عابد الرحمن
مصلياً مسلماً على الذي ... بجاهه من كل سوء منقذي
والا آل والأصحاب أعلام الهدى ... وتابعي خير الأنام أحمدا
توفي صاحب الترجمة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة سنة مائتين وألف وصلى عليه بجامع التوبة ودفن من يومه عند والده واخوته بمقبرة مرج الدحداح خارج باب الفراديس وكأنت جنازته حاملة حضرتها رحمه الله وأموات المسلمين.
أويس الصيداوي
أويس بن عبد الله الندأوي الحنفي الشهير باليماني الشيخ صلاح الدين العالم الفاضل الفقيه التقي الصالح ولد بصيدا ونشأ بكنف والده وقرأ وسمع وأخذ الفقه وغيره عن عبد الرحمن العيدأوي وولي نقابة الأشراف بها وقدم دمشق أيام نائبها الوزير محمد باشا ابن العظم اجتمعت به وسمعت من فوائده وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشر محرم سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.(1/278)
الجزء الثاني
الجزء الثاني من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته أمين.(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الباء الموحدة
السيد بدر الدين الهندي
بدر الدين بن جلال الدين بن عبد الهادي الهندي نزيل دمشق النقشبندي الشيخ البركة المعتقد الصالح العابد الناسك الزاهد قدم دمشق من بلدته شاهجان أبادي هو وابن عمه السيد هداية الله في سنة أربع وتسعين بعد الألف ونزلا في الخلوة الكائنة بالجامع الأموي عند باب جيرون شرقي الجامع المذكور ومكثا في أرغد عيش في الخلوة المرقومة وأكرمهما أهل دمشق غاية الأكرام ثم احترم ابن عمه الأجل وذلك في سنة أربع ومائة وألف فاستقام صاحب الترجمة مدة تزيد على أربعين سنة إلى أن مات وكان مرهف العيش متجملاً في ملبسه سخي الطبع ثم في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف أنتقل بالوفاة إلى رحمه الله تعالى ودفن في مقابر الغرباء في تربة مرج الدحداح وهو من ذرية السيد يس بن السيد محمد الغوث الجهان بادي مؤلف كتاب الجواهر الخمس رضي الله عنه
بدر الدين القدسي
بدر الدين بن محمد بن بدر الدين بن جماعة الكناني الحنفي القدسي الشيخ العالم الفاضل توفي والده وكان سنه نحو ست سنين ولما صار سنه سبعة(2/2)
عشر خطب على المنبر الشريف بعد ما كان حافظاً للقرآن ويطلب العلم على مشائخه بالقدس كالشيخ محمد الخليلي والسيد مصطفى اللطفي والشيخ عامر وعمه الشيخ نور الله بن جماعة والشيخ المحدث أحمد الموقت القدسي وأجازه علماء مصر بالمراسلة وعلماء دمشق بقراءة الحديث والتفسير وسائر العلوم النقلية والعقلية فمن علماء الأزهر الشيخ محمد بن أحمد الأسقاطي الحنفي والشيخ عبد الله الشبرأوي الشافعي والشيخ محمد الدفري الشافعي والشيخ أحمد الملوي الشافعي ومن علماء دمشق الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والعالم حامد العمادي مفتي الحنفية والشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي بن كزبر وكان المترجم يقرأ القرآن تماماً غالباً كل يوم في الصلوات الخمس وفي سنتها وقد كان يصلي ركعتين ليلاً يختم بهما القرآن تماماً وقد وقع ذلك منه مراراً مع اشتغاله بالمطالعة وبمصالح العباد وصنف أدعية سماها النور الوضاح ونجاة الأرواح وكان فاضلاً فقيهاً فرضياً تولى افتاء الحنفية بالقدس سنة اثنين وسبعين نحو عشر سنين وله فتأوي تسمى البدريه نحو عشرين كراسة وكأنت وفاته في صفر سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بباب الأسباط بتربة اليوسفية بالقدس وسيأتي ذكر والده محمد ان شاء الله تعالى ورثاه الشيخ محمد التافلاتي مفتي الحنفية بالقدس بقوله
لفقدك بدر الدين تشكو المنابر ... وينديك الأقصى وتبكي المحابر
وهدى محاريب الصلاة حزينة ... لموتك ما منها لبعدك صابر
لقد كنت في نادي الخطابة بارعاً ... بوعظك يا هذا تطيب البصائر
إذا ما تلوت الذكر في ملاء الورى ... تيقظ ذو سمع اليك وسامر
ومتعت بالفتيا زمان وعشت في ... رياض التقى وهي الرياض النواضر
وحين دعاك الحق نحو لقائه ... أجبت سريعاً إذ أتتك البشائر
فأوحشتنا يا بدر بعد تأنس ... وسرت لدار الخلد والقلب شاكر
فأحرقت أكباداً وأحزنت أنفساً ... وسرت لدار الخلد والقلب شاكر
وما هذه الأيام الأمر أحل ... وكل ابن انثى للمقابر صائر
وما الدهر الا عبرة بعد عبرة ... وفقدان أحباب وما هو حائر
وفي كل يوم للصحاب ترحل ... وكأس المنايا في المنية دائر
قدمت على رب كريم مواهب ... فبشراك بالرضوان يا بدر ظاهر
فصبراً جميلاً أعظم الله أجرنا ... بحسن عزاء فيك والدمع وافر
فيا معشر الاسلام جمعاً ترحموا ... عليه لتغشاه الفيوض المواطر
وصلوا عليه واغنموا أجر ربكم ... وهذا سبيل كلنا فيه سائر(2/3)
وتوبوا إلى المولى فمن مات تائباً ... تلقة أملاك الرضى وهو زاهر
خباه آله العرش فضلاً ورحمة ... مدى ناح في دوح الاراكة طائر
وما التافلاني خله صاح منشداً ... لفقدك بدر الدين تشكوا المنابر
بركات الرفاعي
بركات بن علم الدين الرفاعي الصالحي الدمشقي الشيخ الصالح المعتقد أصله من معتايا قرية بوادي بردى وكان حصل له جذب في بدايته وتقيد في خدمة الشيخ الولي الشهير عثمان أبو الخواتم الصالحي صاحب الأحوال وكل أصابعه غاصة بالخواتم إلى العظم وقيل انه لا يقدر يقلع منها شيأ لأنه حكى انها عدة بلدان ويحكي أنه مرة كان في عضده سوار غاص فاجتمع جماعة ومسكوه قهراً وردوه وهو يصيح ويقول لا تردوه فألحوا وفكوه عن عضده فأخذ يتأسف ويتحول ويلطم على يديه فما مضى شهر من الزمان الا وأخذت النصارى بلدة عظيمة من المسلمين في بلاد الروم وبالجملة فالشيخ المترجم كان من الأولياء المعتقدين بدمشق وكأنت وفاته في أواسط جمادي الثانية سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
بيرم الحلبي
بيرم المعروف بعيدي الحلبي الشاعر الشهير الأديب المفنن ولد بحلب الشهبا وارتحل إلى قسطنطينية دار الملك ولازم على قاعدة المدرسين المعتادة وبعد أن عزل عن مدرسة بأربعين عثماني صارفي قلم أناطولي قاضياً لبلاد جليلة وشعره بالتركي ومخلصه عيدي على طريقة شعراء الفرس والروم وفي العربي لم أر له من الشعر شيأ وكأنت وفاته في سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى.
بهاء الدين النابلسي
بهاء الدين بن عبد الله المعروف بالخماش النابلسي الشيخ الخطيب البليغ الفاضل الكامل المتقن الصالح التقي المفنن حفظ القرآن وتفقه على الشيخ عبد الغني مكية وقرأ على الشيخ عبد الله الشرأبي وأخذ عن الشيخ المحدث محمد بن أحمد عقيلة المكي ورحل إلى الجامع الأزهر وقرأ على الشيخ السيد علي العقدي(2/4)
ولازم الشيخ يوسف بن سالم الحفني وحصل له فتوح كلي ثم عاد لوطنه واستقام متصدراً للافادة والتدريس وأنتفع عليه من الطلبة الكثير ولم يزل على حالته حتى مات ولم أتحقق وفاته في أي سنة رحمه الله تعالى.
حرف التاء المثناة
السيد تقي الدين الحصني
تقي الدين بن السيد محمد شمس الدين بن السيد محمد بن السيد محمد محب الدين ابن أحمد بن محمد الحصني الحسيني الشافعي الدمشقي السيد الشريف الشيخ الامام الحبر العالم العلامة الصوفي الورع الصالح المعتقد الناسك الفاضل التقي النقي الفقيه ولد بدمشق في ثالث صفر سنة ثلاث وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ منهم الشيخ عبد القادر الصفوري أخذ عنه الفقه والحديث والأصول ولازمه مدة سنين وهو أجل من أنتفع وحصل ودأب عليه وأجازه جماعة من الشام وغيرها فمن الشاميين الشيخ عبد الباقي الحنبلي والمحدث الامام محمد بن علي بن سعد الدين المكتبي الدمشقي والشيخ محمد البلباني انصالحي ومن المدنيين الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني والشيخ علي البصري البصير المالكي نزيل المدينة وعالمها وأخذ عن الشيخ محمد بن دأود العناني المصري وأخذ علم التصوف عن والده السيد محمد شمس الدين وأفاد واقرأ ودرس وقرأ عليه خلق كثيرون وجلس على سجادة مشيختهم بزأوية سلفه المعروفة بهم بالشاغور البراني في سنة ثمان وتسعين وألف وتردد إليه الناس وكان مكرماً للواردين ومنهلاً للقاصدين ورأيت له مجاميع بخطه تدل على فضله واتقانه ومعرفته بالأنساب والتاريخ وكان حريصاً على النوادر يحرر الواقعات والمسائل حتى اني وجدت في كتبه التي كان مالكها وفيات ومسائل مفيدة ولم ألق كتباً منهم خالياً عن حواش بخطه وتحريرات وكان بهي المنظر منور الشيبة يملأ العين جمالاً والصدر كمالاً سخي الكف كثير الصدقة وشفاعته مقبولة عند الحكام وغيرهم معظماً عند الخاصة والعامة مواظباً على اجراء صدقة الكشك في خان ذي النون كعادة أسلافه غير أنه مع علمه الباهر كان لا يخلو أحد من لسانه بالتنكيت والتنكيت ونوادره وحكاياته إلى الآن متدأولة بين الناس ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته في ليلة الأحد سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بزأويتهم عند سلفه وتولى المشيخة بعده(2/5)
قريبه السيد الشريف عبد الرحمن ثم لما ذهب الخبر إلى الدولة العلية كان اذ ذاك فيها المولى خليل الصديقي فجعلها مشاطرة النصف إلى السيد عبد الرحمن الحصني والنصف إلى السيد يحيى الحصني ثم انه في زمن الوزير عبد الله باشا الآيدنلي والي دمشق وأمير الحاج وقع هفوة منه وهو ان بيدهم مكتباً أعطاه إلى رجل يهودي لأجل أن يدخله إلى داره وأخذ منه مبلغاً من الدراهم واشتهرت بدمشق هذه الحكاية ثم ان السيد محب الدين أخا السيد يحيى المذكور أخذ المشيخة جميعها ورفع منها المذكورين لسبب ما وقع عن السيد عبد الرحمن والآن على أولاده ومن الأتفاق العجيب ان المترجم شارك جده الأعلى من جهة الأم العلامة السيد تقي الدين الفقيه الشافعي صاحب المصنفات الكثيرة المشهورة كشرح الغاية والمنهاج والتنبيه وقمع النفوس وهو المدفون خارج باب الله بمحلة القبيبات في أشياء منها اللقب مذهب وخدمة العلم والشهرة بالديانة وعام الوفاة فان جده المذكور مات سنة تسع وعشرين وثمانمائة ولم يعقب الا البنات وكأنت احداهن قد تزوجها ابن أخيه السيد محب الدين جد صاحب الترجمة الأعلى وكان العقب لأبن أخيه المذكور وأيضاً المترجم لم يعقب الا البنات وسيأتي ذكر أقربائه حسن وبعده محب الدين ان شاء الله تعالى.
حرف الجيم
جار الله بن أبي اللطف
جار الله بن محمد المعروف كأسلافه بابن أبي اللطف الحنفي القدسي العالم الفاضل الفقيه الأديب الأديب كان حسن الشمائل حميد الخصائل ولد بالقدس في حدود التسعين وألف وجني ثمر العلم بالتحصيل وجد في تلقي العلوم من الشيوخ حتى تفوق وفضل وكان خطيباً في الحرم الأقصى ومدرساً في المدرسة الصلاحية وقدم دمشق مع قاضيها المولى أحمد كوتاهيه لي في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وكان قاضياً بالقدس ومنها نقل إلى دمشق فجاء في خدمته وولاه بها نيابة الحكم في المحكمة الكبرى ولم يزل محط الافادة مقيماً على أحسن حال حتى توفي ابن عمه السيد محمد بن عبد الرحيم اللطفي مفتي الحنفية بالقدس فرحل للديار الرومية لأخذ الفتوى فصادفته المنية قبل الأمنية وكان له شعر متوسط فمنه هذه القصيدة امتدح بها ابن عمه المذكور وهي قوله(2/6)
نبه الطرف ساهياً بالعود ... وأنتهز فرصة خمود الحسود
في رياض حاك النسيم دروعاً ... بمياها فشابه الدأودي
ورباها زمرد رصعته ... راحة القطر في وشي البرود
بشقيق مربع كخدود ... عم خالا بصحن تلك الخدود
ثم من نرجس كأعين صب ... ساهر عاف يرتضي بالرقود
والبنفسج أقراط ياقوت زرق ... أو كشام بجيد خل ودود
وحكى الورد من عقيق صواني ... قمعت بالزبرجد المعهود
وكذا ألبان بأن منه غصون ... مائسات تميل مثل القدود
مع خليل ان ماس يختال تيهاً ... أسر القلب مذرنا في قيود
وحبيب منيته الوصل والان ... س وذكرته قديم العهود
قال لا كان ما تمنيت حتى ... ترد المنهل الكثير الورود
وتحلى بنظره منه تلبس ... ك فخاراً وحلة من سعود
نجل عبد الرحيم صدر الموالي ... منبع الفضل غاية المقصود
من بني اللطف مربع اللطف قدماً ... وهو فرع قد فاق تلك الجدود
مفتي القدس مفرد في البرايا ... مثله نادر بهذا الوجود
بحر علم قد راق عند ورود ... عم ريا مع ازدحام الوفود
عالم عامل فقيه فطين ... بعلوم الكلام والتوحيد
ان تصدى للدرس يوماً تراه ... هامر الغيث أو زئير الاسود
سيدي أنت للمعالي سمى ... رغم أنف الأعدا وكيد الحقود
هاك بكر أحوت معاني در ... بنت فكر زهت لكم بالعقود
ترتجي لثم راحة وتهني ... ببلوغ المنى وعيد سعود
لست أبغي بها نوالاً ولكن ... احتساباً لديك يا ذا الحميد
دمت حامي الحمى وكهف البرايا ... سالكاً في حماية المعبود
والله غير ذلك وبالجملة فقد كان من الأفاضل الأخيار الأماجد وكأنت وفاته بقسطنطينية دار الخلافة في سنة أربع وأربعين ومائة وألف وبنى اللطف في القدس بيت علم وله اشتهار ومزيد رفعة وشان وسيأتي في كتابنا هذا منهم جملة كالسيد عبد الرحيم وولده السيد محمد وقريبه الشيخ علي وغيرهم رحمهم الله تعالى.
جرجيس الموصلي
جرجيس الأديب الموصلي الشيخ الفاضل كان في سرعة انشاء التاريخ(2/7)
من معجزات الأدب ونادرة العرب وكان له فضل وفصاحة وبلاغة وفيه مجون ومحاضرة لطيفة رقيق الطبع أنيق النظم حسن المعاشرة لطيف المباحثة والمناظرة في كل فن له دخول وإلى كل ذروة وصول وله مجون أنيق ونزاهة ظريفة وربما طلب منه التاريخ باسم معين فيقول الشرط فلا يخطي العدد ودخل حلب فاجتمع بادبائها وتطارح مع فضلائها وقال له يوماً بعض الأفاضل أريد أن اشوشك فقال يا سيدي فرجني وهذا يسمى في البديع بالأسلوب الحكيم والقول بالموجب كقوله مثل الأمير من يحمل على الأدهم والأشهب وقد قال له الحجاج لأحملنك على الأدهم مريداً القيد وذلك غير خاف وله في المعاتبات المرقص المطرب وكذا في كل فن وتوفي في سنة احدى وأربعين ومائة وألف ودفن في الموصل وترجمه في الروض فقال هذا الأديب الذي رفعه المجد وأوقعه من الكمال النجد امطر واستبرق وأثمر في المعارف وأورق أسهر في ليالي الفضائل وأسهد وسابق في ميدان المعارف فأبعد أسفر عن البلاغة صباحها وصير نفسه جناحها فلم يبق من البيان مورد الا ورده ولا عقد الا وقد أحرزه وأصفده ومن شعره قوله يمدح على أفندي العمري
ربع الشباب هو الربيع الأينع ... ورياضه لذوي البلاغة مرتع
أكداره صفو المشيب وماؤه ... خمر وظلمته شموس تطلع
فاغنم لذيذ حياته فالمرء لا ... يدري لعمرك أين منه المصرع
لا تجعلن العيش منه مؤجلاً ... ما فاز باللذات الا مسرع
وأنهز إلى فرض الزمان فإنه ... ما مر من أيامه لا يرجع
ومنها
يا لائمي باللهو في زمن الصبا ... لست النصوح ولست ممن يسمع
اني امرء لا يلوي عن لذاته ... ان شئتموا أو لا فلوا أودعوا
اني عليك أخا الشباب المشفق ... ان كنت لي فيما أرى لك تتبع
وأصل به الأخوان أصحاب الوفا ... ممن له ان غاب كاس يكرع
صل بالغبوق صبوحه واشر على ... نغم البلابل حيثما هي تسجع
بكر معتقة إذا جلبت غدت ... منا العقول بها عليها تخلع
من كف ظبي تحكها وجناته ... غنج من التقبيل لا يتمنع
وله يستدعي بعض اخوانه(2/8)
مولاي قد راق لنا مجلس ... يفرح القلب وينفي المهموم
وشوقتا الدعي قضى أن تكن ... معنا فشرف وقتنا بالقدوم
جرجيس الإربلي
جرجيس امام اربل ومقتداها البرز أدباً وفضلاً وعملاً والحائز قصب السبق ذوقاً وفهماً نشأ في اربل ثم رحل إلى موران فأخذ على أهلها نبذة من العلم ثم قرأ على صبعة الله العلامة ومكث في بغداد مدة وله إلى الموصل سفرات عدة ثم في سنة ثمان وسبعين دخلها أيضاً وكان له اليد الطولى في العلوم الغريبة وانقطاع العبادة وأخذ اجازة في الطريقة القادرية ومكث كذلك مدة ودرس في الموصل في مدرسة قريباً من الحضرة الجرجيسية مدة من الزمان ثم استوطن اربلاً وهو الآن فيها وسنه يقارب الأربعين وله حواش وتعليقات ومنظومات رشيقة وحج في السنة التي حج فيها الشيخ درويش السابق وترجمه في الروض فقال صاحب يد في الكمال وزند وحلأوة شهد في القريض وقند فهودر الأجياد والنحور التي منها تكتسب الرونق فوائد البحورا فصبح من استعمل المحابر والأقلام وأنجح من توغل في تصفية الأذهان والأفهام ناصر رايات الكمالات والحكم وهاصر عناقيد البلاغة للأمم أنتهى وله شعراً رائق ونثر فائق فمن نظمه الرقيق قوله مصدراً ومعجزاً الهذين البيتين
ورب حمامة في الدوح باتت ... يا سجان وحزن مستكن
على أيام وصل حيث فاتت ... تعيد النوح فنا بعد فن
أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا ... وتروي قصة الأشواق عني
على حكم الهوى فينا اقتسمنا ... فمنها النوح والعبرات مني
جعفر البرزنجي
جعفر بن حسن بن عبد الكريم بن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني الشافعي الشيخ الفاضل العالم البارع الأوحد المفنن مفتي السادة الشافعية بالمدنية النبوية ولد ونشأ نشأة صالحة وبرع في الخطب والترسل وصار اماماً وخطيباً ومدرساً بالمسجد النبوي وألف مؤلفات ناقعة وانشاآت رائعة منها رسالة سماها جالية الكرب بأصحاب سيد العجم والعرب وهي في أسماء البدريين والأحديين وكان فرداً من أفراد العصر وكأنت وفاته في شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
جعفر البيتي
جعفر بن محمد الشهير بالبيتي بأعلوي السقافي المدني الشافعي السيد الشريف(2/9)
الأديب الشاعر الناظم الناثر الأوحد المفنن ولد سنة عشر ومائة وألف ونشأ نشأة صالحة واشتغل بطلب العلم على والده وغيره وبرع في نظم الشعر حتى كاد أن يكون كالمتنبي وكأنت له مهارة بالطلب وسافر للديار الرومية واليمنية ودخل مدينة صنعا ثلاث مرات وتولى كتابة الشريف ووزارته وله ديوان شعر مشهور مشحون باللطائف نقلت منه قوله
لا تستخف بشيء في الورى أبداً ... فالمرء يقتله ما يستحق به
ولا تفرط ولا تفرط وخذ وسطاً ... تنجو بنور الهدى من ظلمة لشبه
وقوله
سلم لمن رقاه حظ كما ... يسلم الفرزان للبيدق
وطأوع الصانع انطبع ... بكل ما شكل في الزبرق
وقوله
فضلك رزق زائد فوق ما ... ترزقه مع سائر الخلق
لأنه لا بد من بلغة ... ثم الحجي رزق على رزق
وقوله
تحفظ على أهل الحجي من ذوي التقى ... فان التقى للمتقين زمام
فمن تكن فيه مع الله ذمة ... فليس له في العالمين ذمام
ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفاه الله تعالى في شعبان المعظم سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع وبنو السقاف بيت مشهورون بالشرافة والفضل.
حرف الحاء المهملة
حافظ الدين بن مكية
حافظ الدين بن مكيه النابلسي مفتي الحنفية بالديار النابلسية أحد الجهابذة والاساتذة الأفاضل كان عالماً عجيب الفضل فاضلاً فقيهاً أديباً ذو نكات جمه ومصنفات مهمة ومن تأليفه شرح الملتقى بالفقه أزال به صعابه وكشف نقابه وله كتابة على منح الغفار مات وهي في مسودتها فعكف عليها عناكب الهجران ومزقت أوصالها من كل مكان ومن رايق نظمه ما أرسل به للشيخ عبد الرحيم اللطفي الحنفي مفتي القدس بقوله
حافظ الدين يبتغي الجود عفواً ... من أياديك وهي في الجود سحب
كم همى الغيث من نداها فأثرى ... معدم واعتراه في الجدب خصب
قال قوم بأنني فيك أظمى ... قلت كلا فان ذا البحر عذب(2/10)
حاش لله ان بيت بضيق ... عند باب الجمال والدار رحب
وله غير ذلك كأنت وفاته في أواخر سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حامد العجلوني
حامد بن سالم العجلوني الشافعي مفتيها وابن مفتيها قرأ على والده وهاجر إلى مصر لطلب العلم بعد الخمسين وألف وأجازه الأجلاء من علمائها بعد القراءة عليهم كالشيخ محمد الشوبري والشيخ شهاب الدين القليوبي والشيخ سلطان المزاحي وله اجازة من الشيخ علي الأجهوري المالكي وكأنت وفاته في عاشر ذي الحجة سنة ست ومائة وألف رحمه الله.
حامد العمادي المفتي
حامد بن علي بن إبراهيم بن عبد الرحيم بن عماد الدين بن محب الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي مفتي الحنفية بدمشق وابن مفتيها وصدرها وابن صدرها الصدر المهاب المحتشم الأجل المبجل العالم الفقيه الفاضل الفرضي كان عالماً محققاً أديباً عارفاً نبيهاً كاملاً مهذباً ولد بدمشق في يوم الأربعاء عاشر جمادي الثانية سنة ثلاث ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرأن واشتغل بطلب العلم على جماعة وأخذ عنهم وبرع وساد ونما ذكره وعلا فضله وازدان به وجه الزمان وأخذ عن مشايخ منهم الشيخ أبو المواهب مفتي الحنابلة وحضر دروسه في الأموي والياغوشية وأجازه وكذلك الشيخ محمد بن علي الكاملي حضر وعظه في الأموي ودرسه في السنانية وأجازه وأخذ عنه وكذلك الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ الاستاذ عبد الغني النابلسي حضر دروسه في السليمية ودرسه في الفتوحات وأخذ عنه ومنهم الشيخ يونس المصري نزيل دمشق حضر دروسه وكذلك الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق قرأ عليه كذلك علوماً شتى وأخذ عنه وأجازه الشيخ عبد الجليل المواهبي الحنبلي ومنهم الشيخ أحمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق والشيخ محمد الخليلي والشيخ علي التدمري وأخذ عن عمه المولى محمد بن إبراهيم العمادي ولما حج في سنة ثمان وعشرين أخذ عن جماعة في الحرمين وأجازوه منهم الشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ محمد الاسكندري ثم المكي وأوهبه تفسيره الذي ألفه النظم بعشرة مجلدات ومنهم الشيخ عبد الكريم الهندي نزيل مكة والشيخ تاج الدين القلعي المكي وأخذ عنه حديث الأولية وكذلك الشيخ محمد الوليدي المكي والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخليفتي العباسي المدني والشيخ محمد(2/11)
أبو الطاهر لكوراني المدني وغيرهم ومن علماء الروم أخذ عن المولى أحمد المعروف بعلمي قاضي العساكر في دار السلطنة العلية ومهر المترجم ودرس أولاً بالجامع الأموي ثم صار مفتياً في أواسط رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة وألف وصار يدرس في السليمانية بالميدان الأخضر واستفتح في دروسه خطباً من انشائه وجمعها فبلغت مجلداً كبيراً وله تأليف رسايل منها شرح الايضاح مجلد كبير ومنها فتأويه مجلدين كبار وبها أنتفع الناس ومنها الحواشي التي جمعها على دلائل الخيرات ومن رسائله الدر المستطاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنها الحوقلة في الزلزلة ومنها في قوله تعالى بيدك الخير ومنها نقول القوم في جواز نكاح الأخت بعد موت اختها بيوم ومنها مسائل منثوره ومنها الأتحاف لشرح خطبة الكشاف ومنها تشنيف الاسماع في افادة لو للامتناع ومنها في الأفيون ومنها في القهوة ومنها القول الأقوى في تعريف الدعوى ومنها زهر الربيع في مساعدة الشفيع ومنها اختلاف أراء المحققين في رجوع الناظر على المستحقين ومنها التفصيل في الفرق بين التفسير والتأويل ومنها الرجعة في بيان الضجعة ومنها ضوء الصباح في ترجمة سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ومنها في دفع الطاعون ومنها مصباح الفلاح في دعاء الاستفتاح ومنها اتحاد القمرين في بيتي الرقتين ومنها اللمعة في تحريم المتعة ومنها في بحث من أبحاثها ومنها تقعقع الشن في نكاح الجن ومنها الصلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة ومنها الخلاص من ضمان الأجير المشترك والخاص ومنها الاظهار ليمين الاستظهار ومنها المطالب السنية للفتأوي العلية ومنها الحامدية في الفرق بين الخاصة والخاصية ومنها النقحة الغيبية في التسليمة الآلهية ومنها قرة عين الخط الأوفر في ترجمة الشيخ محيي الدين الأكبر قدس سره ومنها منحة المناح في شرح بديع مصباح الفلاح ومنها صلاح العالم بافتاء العالم ومنها عقيلة المغاني في تعدد الغواني ومنها جمال الصورة واللحية في ترجمة سيدي دحية رضي الله عنه ومنها العقد الثمين في ترجمة صاحب الهداية برهان الدين وديوان شعر ومكاتبات وغير ذلك وترجمه السمان في كتابه فقال عماد الفتوي وحامل لوائها ومستخلصها من ربقة لأوانها اهتصر من الفضل غصنه الفينان وقرت من الهداية بتقريره العينان فدأنت لمعلومات النقول وتدلت وعلى ما حواه ظواهره دلت فهو من لباب المجد تصور وناهيك بمن لم يخط الاصابة إذا تصور جري طلق العنان في ميدان الكمال فأدرك الحصلة التي(2/12)
تقطع دونها الآمال
بفكر جائل ما بين التهذيب والتحرير وتنقيح فتأوي يذعن لها الجهبذ التحرير وله السجايا التي تزدهي بها العصور والمزايا التي حسنها عليه مقصور فان كان للمعالي افق فهو بدره أو للمارم مستقر فهو صدره لا تستفزه داعيه ولا يلقى لما لا يعني اذناً واعيه مشتغلاً بالرياسة الحرية بالاشتغال سالكاً في مسلكها مسرى الايغال يحنو عليها حنو الوالدات على الفطيم ويشفق ان يمر بها النسيم على أنه من بيت اشتهرت بالعلم أوائله وأواخره وأشرقت من سماء العلياء فضائله ومفاخره وحسبك من بيت اسمه عماد الدين ومنتداه مأوى السراة المهتدين لم تبرح نوافح أهليه نركية الشميم ومحاسنها آخذة من الأفئدة بالصميم يعقب كل آن منهم بدر بدراً ويجدد من مآثرهم كذراً وقدراً وهاك منهم هذا الرئيس والمدير على الباب ما يفعل ولا فعل الخندريس حواشيه رقيقه وخلقه كالروضة الأنيقة تنحساه الآذان قبل الاستماع وتتخذه الأخصاء سمراً عند الاجتماع وله شعر رقراق توشحت بجواهره الأوراق أنتهى مقاله وتصدر بدمشق ورأس واشتهر وامتدح بالقصائد الطنانة من دمشق وغيرها وكأنت الحكام تهابه ويحترمون ذاته وتكاتبه أعيان الدولة العلية وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وتملك من التوالي والوظائف والعقارات شيأً كثيراً وكلما وقعت وظيفة يتخذها لولديه حسن وعبد الحميد مع كثرة الأموال واتساع الدائرة وحين توفي ذهبت جميع متروكاته وولداه المذكوران توفيا بعده بقليل وعزل عن الأفتاء مدة عشرة أشهر وعادت إليه وكان الآخذ لها المولى محمد العمادي وكان ابن أخيه المذكور المولى عبد الرحمن ذهب إلى الروم إلى دار الخلافة قسطنطينية لأجل ذلك لكونهم كأنت البغضاء بينهم موجودة ولم يأتلفا وحين عزل استقام درس السليمانية عليه ولم يزل المترجم عند الناس مبجلاً مكرماً إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الصدور العلماء الأفاضل وله شعر ونثر فمن ذلك قوله من قصيدة ممتدحاً بها أجناب الرفيع ومعار ضابها قصيدة لسان الدين ابن الخطيب التي مطلعها تألق نجد يا فاذكرنا نجداً ومطلعهار جائل ما بين التهذيب والتحرير وتنقيح فتأوي يذعن لها الجهبذ التحرير وله السجايا التي تزدهي بها العصور والمزايا التي حسنها عليه مقصور فان كان للمعالي افق فهو بدره أو للمارم مستقر فهو صدره لا تستفزه داعيه ولا يلقى لما لا يعني اذناً واعيه مشتغلاً بالرياسة الحرية بالاشتغال سالكاً في مسلكها مسرى الايغال يحنو عليها حنو الوالدات على الفطيم ويشفق ان يمر بها النسيم على أنه من بيت اشتهرت بالعلم أوائله وأواخره وأشرقت من سماء العلياء فضائله ومفاخره وحسبك من بيت اسمه عماد الدين ومنتداه مأوى السراة المهتدين لم تبرح نوافح أهليه نركية الشميم ومحاسنها آخذة من الأفئدة بالصميم يعقب كل آن منهم بدر بدراً ويجدد من مآثرهم كذراً وقدراً وهاك منهم هذا الرئيس والمدير على الباب ما يفعل ولا فعل الخندريس حواشيه رقيقه وخلقه كالروضة الأنيقة تنحساه الآذان قبل الاستماع وتتخذه الأخصاء سمراً عند الاجتماع وله شعر رقراق توشحت بجواهره الأوراق أنتهى مقاله وتصدر بدمشق ورأس واشتهر وامتدح بالقصائد الطنانة من دمشق وغيرها وكأنت الحكام تهابه ويحترمون ذاته وتكاتبه أعيان الدولة العلية وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وتملك من التوالي والوظائف والعقارات شيأً كثيراً وكلما وقعت وظيفة يتخذها لولديه حسن وعبد الحميد مع كثرة الأموال واتساع الدائرة وحين توفي ذهبت جميع متروكاته وولداه المذكوران توفيا بعده بقليل وعزل عن الأفتاء مدة عشرة أشهر وعادت إليه وكان الآخذ لها المولى محمد العمادي وكان ابن أخيه المذكور المولى عبد الرحمن ذهب إلى الروم إلى دار الخلافة قسطنطينية لأجل ذلك لكونهم كأنت البغضاء بينهم موجودة ولم يأتلفا وحين عزل استقام درس السليمانية عليه ولم يزل المترجم عند الناس مبجلاً مكرماً إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الصدور العلماء الأفاضل وله شعر ونثر فمن ذلك قوله من قصيدة ممتدحاً بها أجناب الرفيع ومعار ضابها قصيدة لسان الدين ابن الخطيب التي مطلعها تألق نجد يا فاذكرنا نجداً ومطلعها
لطيف نسيم الروض اذكرني حمداً ... وفوق عبير الشوق هيجني وجداً
غوادي رياء حين أهدت أزاهراً ... إلى كل عطف من معاطفه كما
أقامت خطيب الدوح بالشوق حادياً ... لقلب كثير الوجد انضاؤه تحدى
فخفق وميض منه غادر مهجتي ... حليف جوى صارت حشاشتها غمدا
سحاب هموم مع غموم تراكمت ... بقلبي وأبدت من جوانحه رعدا(2/13)
وأجرت به من وابل الشوق أبحراً ... در أريه من جفني نظمت الخدا
كأن انسكاب الدمع من غرب ناظري ... ركام غمام قارنت شهبا رصداه
يؤجج ناراً وهو ماء مصعد ... تقاطر فانظر كيف مازحه ضدا
عسى ينجلي من فجرها فرج الرجا ... فينسج من وشي الرضاء لنا بردا
فننشق عرف الطيب من نحو رامة ... ونجني بوادي المنحني الشيخ والرندا
ونسعى على الأقدام والوجد والحشا ... وتذري به دمعاً نهيم به وجدا
ندأوي كلوماً من ثرى ذلك الحمى ... وقلباً كثير الوجد والأعين الرمدا
أشيم به وادي العقيق وطيبة ... وطيباً لذات الستر أذكرني العهدا
به حجر من عهد آدم شاهد ... لمستلميه ما أنا خوا له وفدا
صفا لي صفاها بالمقام وزمزم ... يزم للداعي سرور الما أدى
معاهد فيها الدين والنور والهدى ... رسول الرضي حقاً تبوأها مهدا
أقام شراع الشرع فوق منارها ... وألبسها من نور هيبته بردا
إذا ما عرانا في الملمات حادث ... لجأنا إليه اذ وجدنا به رفدا
فأحمد خير الخلق أفضل كائن ... وأحمد داع للرشاد ومن أهدى
منها
نتيجة هذا الكون أنت وكل ما ... أعاد فأنت القصد منه وما أبدى
وأثنى عليك الله في الذكر مادحاً ... ولم يبق جبريل لنا مدحة تهدى
أبى الله أن ألقاك الا منعماً ... وحبل رجانا بالأماني قد امتدا
اليك التجأنا يا مغيث فكن لنا ... مغيثاً إذا ما الهم فينا قد اشتدا
عسى لمحة من نور هديك نستقي ... بها كوثراً يوم الزحام غدا وردا
ومنها
عليك صلاة الله يا من به ضياء ... إذا ما الليل للهم قد مدا
كذاك على أصحابك الغرر التي ... فضائلهم لا تقبل الحصر والعدا
خصوصاً أبا بكر خليفتك الذي ... حباك بما يحوي وبالنفس قد قدى
وأفضل خلق الله بعد تبيه ... من الأنس ثاني اثنين في الغار قد عدا
كذا عمر الفاروق من فرق العدى ... وسل حسام الحق بالحق فامتدا
كذلك ذي النور بن عثمان بعده ... على أبو السبطين من بذل الجهدا
وآلك أصحاب لمعارف والهدى ... فكم أوضحوا الآيات والشرع والرشدا
كذاك على النعماك ذخري ومالك ... وأحمد تلو الشافعي له تهدى
وأيضاً لعبد القادر العلم الذي ... توطن بغداداً وشرفها لحدا(2/14)
كذاك جميع الأنبياء لأنهم ... عمادي واني حامد لهم حمدا
وسرى سرى بالسرور لأنه ... تالق تجديا فاذكرنا نجدا
وقوله مشجرا
خليلي هل من نظرة لمتيم ... حليف جوى وسط الفؤاد وقيده
لك الله من صب لبعدك طرفه ... فديتك مسلوب الرقاد فقيده
يرقرق دمعاً تحت حاشية الدجى ... ظوامي الكرى من مقلتي تستزيده
ليالي اشتياق كما نهنه الدجا ... هواي بدا يأسى وجد جديده
بحيث فؤادي فيك ما زال وامقاً ... إذا رام أصلاً فالغرام يزيده
يلاقي تلافي الهجر قد صار ديدنا ... لمن هو دون العالمين عميده
كريم كريم ان جفا وإذا وفا ... له الفضل اذ كل الحسا عبيده
وقوله
ومشربش ملك القلوب بحسنه ... يفتر عن شنب الحياة رضابه
ويروق ماء الحسن في وجناته ... فيريك في مرآتها أهدابه
هو من قول السيد مصطفى الصمادي
لا تحسبوا هذا العذار بوجهه ... خطا خفياً لاح في صفحاته
هو ظل أنفاس لرقة خده ... يبدو لناظره على مراته
وقد ألم بقول السيد أبو بكر الحلبي من قصيدة
لاح الصباح كزرقة الألماس ... فلنصطبح ياقوت در الكاس
من كف أهيف صان ورد خدوده ... بسياج خط قد بدا كالاس
فكان مرآه البديع صحيفة ... للحسن جدولها من الأنفاس
ويقرب منه قول بعضهم
أعذ نظراً فما في الخد نبت ... حماه الله من ريب المنون
ولكن رق ماء الحسن حتى ... أراك خيال أهداب الجفون
وللمترجم في فوارة
كأن فوارة قامت لناظرها ... ذوائب لفتاة نظمت غررا
قد أطربتها الغواني وهي ناشرة ... من شدة الرقص في أطرافها دررا
وللشيخ سعيد العمري في ذلك
ورب فوارة فاضت أناملها ... ماء يكاد صفاه يدهش النظرا
كأنه ذائب الألماس مزقه ... كف الصبا فكسا أعطافها دررا(2/15)
وللسيد يوسف الدمشقي مفتي حلب
لله ما أبصرت فوارة ... أعيذها من نظرة صائبه
كانها في الروض لما جرت ... سبيكة من فضة ذائبة
وللأستاذ العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي
الأرب فوارة تنثني ... لها عين ناظرها شاخصه
غدا الماء ثوب لها أبيضا ... وتلك كجارية راقصة
وللمترجم
ولا تبغ الا الأوج أرفع منزل ... وان ملت نحو الدون انك سافل
فما المرء الا حيث يجعل نفسه ... واني لها فوق السماكين جاعل
وله مؤرخاً اتمام الحواشي التي جعلها على دلائل الخيرات
سفر به نشر الفضائل قد غدت ... زهر الدراري في علاه تنظم
أجرى يراع الحسن في تاريخه ... بيتاً به يرد الأجادة معلم
دأبي مديح محمد نور الهدى ... صلوا عليه يا كرام وسلموا
وقال مداعياً رجلاً يسمى الشحرور
سألت عن الشحرور هل كان معكم ... فقال لي المولى مجيباً أما تدري
فقلت باذني شدوه وغنؤه ... لذلك لم أفقده اذ هو في فكري
كتب المترجم تقريظاً على رسالة في الألهام بطلب من مؤلفها العالم الا ورع الهمام أحد الموالي الرومية المولى علمي أحمد قاضي القسطنطينية المحروسة وهو قوله أحمد من شيد معالم الحق وهدانا إلى سبيل النجاح ورفع دعائم عماد الدين وأرشدنا إلى طريق الفلاح وأصلى وأسلم على من بلغ أبلغ كلام بأفصح منطق وأحكم أحكام وعلى آله وأصحابه الفايزين بلذيذ خطابه وبعد فقد وقفت على هذه الرسالة العلمية والالهامات الشرعية فوجدت مقاصدها مشرقة بمصأبيح الهداية ومواقفها مشرفة على سنن سنن أهل العناية وعرائس معانيها أبكاراً عرباً ونفائس مبانيها تمثل القلوب طرباً ووارد الهامها ناظراً إلى الكتاب وألسنه عاضاً بنواجده شاداً عليهما سنه وإذا أردت أن أصفها فهيهات أن أنصفها فأقول
صحائف علم ضمنهن تقول ... فمن ذا الذي غير الثناء يقول
يسير على نهج الشريعة ركبها ... إلى نحو عرفان الكتاب تؤولي
تبلج فيها الحق شمس منيرة ... وليس لها في الخافقين أفول(2/16)
إلى الأوحد العلمي يعزي نظامها ... لها منه فخر بالثناء كفيل
كمى علوم في يديه حسامها ... يصول على الأبطال حيث يصول
فلله قد أبدى نظام بيانها ... فزال بها قال يقول وقيل
فلا زال بحاثاً يفيد مسائلاً ... لها غرر قد أوضحت وحجول
يطوق أعناق الأنام قلائداً ... لها منه در بالثناء جميل
مدى الدهر ما لدى بمدحك حامد ... نظام معان ليس عنه عدول
فلا جرم بعد أن يهجر الالهام الا ما وافق السنة والكتاب وأن تغفل الأوهام ويغلق دون منظرها الأبواب حيث ألهم الله هذا المولى التحرير ما نحاه من التحرير فلقد أبدع فيه من لطائف النكات والبيان ما يطرب كل سامع من نوع الانسان ولعمري لم تصدر عوارف هذه المعارف وطرائف هذه اللطائف الا عن فهم هو أشد من البرق لمعاً واحد من السيف قطعاً وملكة راسخة البنيان مستندة إلى أصول المعارف والتبيان فنقد نثر في روضها جواهر كلمه ووشى بما أنشا في طرازها من نقس نقش قلمه بلغ الله بعلمه المبتغي الجملة الخبرية وأظهر بتآليفه النتيجة وأحكم القياس في القضية وجزاه الله تعالى من أنواع الألطاف آلافه وضاعف له جزاء هذا التصنيف من خيري الدارين أضعافه ما نفحت رياض المعارف والعلوم ورنحت القلوب واستخرجت خبايا المفهوم وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد وآله الكرام ونرجو به حسن الختام.
وقال مشطراً
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... نجيع فؤادي حين كابده الكرب
وأجرته دمعاً من جفوني وأنه ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يسيح وقلبي بالغرام لها يصب
فمالت إلى قتلي وقد كان عندها ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وقال مشطراً للبيتين قطب العارفين عبد الغني النابلسي
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... على البعد شتمي ثم منها بدا السب
وقالت ستدري ما أريد وقصدها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يجود به حبي فقالت هو الذنب
خرقت حجأبي مذ نظرت تظنني ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وقال اللوذعي محمد سعدي العمري مشطراً لهما
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... معاقد صبري حين بان بها الركب
وأجرت شئون العين في موقف النوى ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... غداة استقل الركب غص به الترب
وظنت جنوني في تباريح عشقها ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وقال البارع مصطفى ابن بيري الحلبي مشطراً لهما
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... محارم سر قد تضمنها القلب
وفاض بقلبي من شئون مدامعي ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... بتقطير أنفاسي بوادره سكب
وحال عقيق الدمع دراً وقد غدا ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وقال حأوي الفضائل أحمد المنيني مشطراً لهما
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... خلودي بنار الصد يصلي بها القلب
وأجرت من الآماق بالهجر والنوى ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... فما هالها منه انسياب ولا صب
وقد سلبت عقلي وقلبي تملكت ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وقال الأديب محمد شعبان القباني مشطراً لهما
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... قتالي ولم يخطر بخاطرها رعب
وصالت بألحاظ لها ومرادها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يسيل على خدي فقالت كفى تصبو
وقلت لها يا دعد لا تحسبي دمي ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب(2/17)
وقال الأديب مصطفى الترزي مشطراً لهما
نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... محارم في قتلي بها رضى الصب
وحين رأت ذلي أباحت بشرعها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... إذا سفكته لا يطالبها الصحب
وقد عاينت وجدي وسفك دمي غدا ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
وكأنت وفات صاحب الترجمة في سادس يوم من شوال بعد طلوع الشمس بمقدار نصف ساعة سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم المخصوصة بهم في مقبرة الباب الصغير ومدة استقامته مفتياً بدمشق أربع وثلاثون سنة وسيأتي ذكر(2/18)
والده علي وعمه محمد وبنو العمادي في دمشق صدورها الأخيار ومن لهم بها مزيد الرفعة والاشتهار ورأيت بخط والدي بل الله رمسه بغفرانه على هامش الكواكب السيارة للعلامة محمد نجم الدين الغزي الدمشقي حين حرر في ترجمة جد المترجم بقوله محمد بن محمد عماد الدين الدمشقي البقاعي الأصل انه أخبره حامد العمادي صاحب الترجمة ان أصلهم من بلاد بخاري وان من أجداده صاحب الفصول العمادية هكذا سمع من لفظه وقد قال والدي قال لي من أثق به ان شيخنا المحقق محمد الغزي العامري قال ان جده صاحب الكتاب حرر العنأبي نسبة إلى حارة العنابة وهي فوق باب توما لأنه كأنت دارهم هناك لكن من تحريف النساخ حرروا البقاعي وقد كان اعتذر عن جده الشيخ الغزي للعمادي المذكور أنتهى والله أعلم.
حسب الله البأبي
حسب الله بن منصور الحنفي البأبي الأصل الحلبي كاتب الفتوي كان محققاً مشهوراً بالدراية والديانة والتقوى قرأ على علماء عصره وجهابذة مصره وتنبل على يد المولى أبي السعود الكواكبي وكان لطيفاً ظريفاً ديناً عفيفاً نحيف الجسم صبيح الوجه له فضل وأدب أخبر عنه من يوثق به أنه قال كنت سئلت سؤالاً بعد وفاة استاذي أبي السعود الكواكبي والسائل في غاية اصطرار إلى الجواب فاستمهلته أياماً فلم أظفر بالجواب والسائل في غاية الالحاح فبت ليلة في كرب عظيم لذلك فرأيت في النوم العلامة محمد الكواكبي جد أبي السعود الكواكبي وهو يقول نسيت المسئلة في كتب الفتوى التي طالعتها بل هي في الكتاب الفلاني ذكرها اسطراداً في باب كذا فأنتبهت من النوم مسرور الرؤيته وتنأولت الكتاب الذي ذكره في النوم فإذا المسئلة بعينها في الباب الذي عينه وقد كان المولى أبو السعود الكواكبي يقول قبل أن أتولى خدمة الفتوى رأيت الجد يعني العلامة محمد الكواكبي المذكور في النوم ومعه صاحب الترجمة حسب الله وهو يقول لي إذا توليت الفتوى فاجعل كاتبك هذا وأشار إلى صاحب الترجمة فما مضى للرؤيا نحو من عشرة أيام الا وأني لنا الأذن بالفتوى من غير طلب وكأنت وفاة صاحب الترجمة في سنة تسع وخمسين ومائة وألف وقد ناهز الثمانين ودفن بمقابر الصالحين غربي مقام خليل الرحمن عليه السلام بينهما الطريق والبأبي نسبة إلى الباب.
حسن المغربل
حسن بن أحمد المعروف بالمغربل الشافعي الدمشقي الفاضل النحوي اللغوي كان كاتباً(2/19)
حافظاً له فضيلة سيما بالنحو والعربية مشتغلاً في صنعة غربلة القمح فأنتقل منها إلى التجارة وسكن سوق السلاح مدة واشتغل بحفظ القرآن العظيم فختمه في مدة أربعة أشهر واتقن الحفظ ثم اشتغل بطلب العلم على الشيخ إسماعيل العجلوني وعلى الشيخ حسن المصري نزيل بني السفرجلاني بالآلات التفسيرية والعلوم العقلية والشرعية وعلى الشيخ محمد بن قولاقمز وكان المترجم مشتغلاً أيضاً مع الطلب بنسخ الكتب ويكتب الخط المضبوط النير كتب بخطه كتباً كثيرة من النحو وغيره وكتب تاريخ الأمين مرات وشرح دلائل الخيرات وشرح تاريخ العنبي للشيخ أحمد المنيني وسكن مدة بمدرسة الطبيبة وتعرف بمدرسة الكوافي تابع القيمرية ومع هذا الاشتغال يحضر دروس الشيخ إسماعيل في الحديث وتتردد إليه طلبة العلم ويطالعون عليه الفاكهي مع حاشيته للشيخ يس وشرح لشذور وشروح الألفية وكان جيد المطالعة مع الفهم الثاقب والذكاء التام ثم أنتقل من المدرسة المذكورة إلى الشاغور وفتح مكتباً يقال له مكتب الشيخ قاسم الفقيه وكان عفيفاً ديناً له شرف نفس ووقار وكان أنتقاله بطلب أهل محلة الشاغور لرغبتهم فيه في المهمات الفقهية وعقد الأنكحة وكتابة الأواجير والضمانات والصكوك وكان له شعر ونثر قليل فمن ذلك ما كتبه إلى الشيخ أحمد المنيني الدمشقي وهو اذ ذاك في دار الخلافة قسطنطينية بقوله عنوان الفضل وبسملة كتابه ومقلد بابه وفصل خطابه اكليل تاج الدهر ودرة عقد المجد والفخر الجناب الرفيع العالي والبدر المنير المتلالي سيدنا ومولانا بعد حمد الله تعالى مؤلف القلوب وان كأنت لأجساد نائيه والجامع بينها بعد بينها فأصبحت بقدرته في عيشة راضيه أقبل يدي المولى لا زالت مقاليد السعادة طوع يديه ولا برحت مرقاة السيادة مشرفة بلثم قدميه وأهديه سلاماً تتناسب جدأول المحبة في رياض أسراره وتبدر لوامع المودة من فلك سماء أنواره وأبثه ثناء عم نشره أكناف تلك الربوع والمنازل واعتقاداً أقام على برهان صدقه أوضح الدلائل ولوليه دعاء على ممر الدهور لا ينقضي وأبتها لا بأكف الضراعة للأجابة مقتضي أن يديم على صفحات خدود وجه الكون شامة دهره ويمتع الوجود ببقاء أوحد وقته ومفرد عصره من ملك من الفضل زمامه فانقاد إليه انقياد الجواد وجرى في ميدانه فأحرز قصب السبق بفكره الوقاد الحبر الذي فاق بجميل صفاته الأوائل والبحر المشتمل بذاته على جواهر الفضائل(2/20)
الفصيح الذي ان تكلم أجزل وأوجز وأسكت كل ذي لسن ببلاغته وأعجز من تحلى كلامه بقلائد الدرر والعقيان وفاق نظامه على بلاغة قس وفصاحة سجان عامر أندية المجد والكرم وناشر أردية الأدب والحكم لله در امام كله أدب بفضله تتحلى العرب والعجم فلا برح ينبوع البلاغة يتفجر من بنانه ويتلاعب بأساليب البراعة على طرف لسانه هذا وكم نمقت أفكاره في جنح غلس الديجور ما هو واقع في النفوس من حور الحور وكم روى غليل الافهام بسلسل تقريره وحلى أجياد الأقلام بعقود تحريره وكم طافت افهام الطلاب بكعبة حقائقه وعلومه وسعت أفكار بني الآداب بين صفا منثوره ومروة منظومه فلا زالت الأيام باسمة الثغور بمعاليه والأنام حالية النحور بمنن أياديه ولا برح سرادق مجده الشامخ مضر وبأعلى هام المجرة والسماك وشرف فضله الباذخ منوطاً بمستقر الشمس من الأفلاك وهيهات قصر لسان البلاغة عن بلوغ شكره وعجز عن القيام بواجب حقه وبره فلم أر لساناً الا وهو مشغول بشكر أياديه ولم أسمع بياناً الا وهو مقصور على نشر معاليه هو جناب المولى المشار إليه دامت النعم متوالية عليه ولا فتى علما للعلماء يهتدون بأنواره وقدوة للفضلاء يقتدون بآثاره من محب يرى أن لا طيب الا شذا عبير ترابه ولا نجيب الا من تشرف بلثم أعتابه وأقسم بمن جعل محاسن الدنيا في بهجة ذاته محصوره وأسباب العليا على ملازمة أعتابه مقصورة ان عقد عبوديتي عقد لا تتطأول إليه الأيام بفسخ وعهد مودتي عهد لا تتوصل إليه الحوادث بنسخ كيف وقد رفع بفضله قدري وشرح بعلمه وآدابه صدري وسقاني كؤس الآداب وكأنت أحشاي صاديه وكساني حلل الوقار وكأنت مسأوئ باديه ولعمري مهما نسيت فلا أنسى طيب أيامي في شرف خدمته والتقاطي أفخر الدر من بحار مذاكرته فطالما جنيت من محاضرته ثمار فوائد مانسات الأعطاف وقطفت
من مذاكراته أزهار فرائد مستعذبات الجنى والقطاف فالله تعالى يزيد باع مجده امتداداً وشعاع فضله سطوعاً وازدياداً وغاية جهد امثالي دعاء يدوم مدى الليالي أو مديح هذا وان المشوق من حين فراقكم لم يزل بنار الجوى يتقلب وفؤاده من ألم النوى بجمر الغضا يتلهب كيف وقد غلب الوجد وغاض الجلد ولازم السهاد وفاض الكمد وجفا الجفن الكري فماكر وخان الصبر فما تبت ولا استقر وليس يبرد بغير لقائكم غليله ولا يشفي بغير روياكم عليله فان شوقه اليكم قد زاد عن حده وغرامه بكم لا ينبغي لأحد من بعده فلذا خدم الجناب بهذه الفقرات المغتلة وتهجم بهذه السجعات المعتلة اعتضاداً بلطائف حسن شيمكم واعتماداً على عواطف سحب كرمكم ثم غلبه الوجد وفاض عليه الهيام ففاه بأبيات من هذر الكلام وان لم يكن من أهل هذه الصناعة لقصر باعه وقلة البضاعة على أن من تجرع مرارة كاس فراقكم لا يلام وان تعدى الصواب وأخطأ المرام مع علم سيدي بأنه لم يفه لساني قبل بشيء من الشعر فليعامل مملوكه بالأغضاء والستر فقلت ميمناً ومضمناً؟ منها البيت الأخير رجاء أن يقرب الله ساعات الاجتماع انه ولي التيسير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير مذاكراته أزهار فرائد مستعذبات الجنى والقطاف فالله تعالى يزيد باع مجده امتداداً وشعاع فضله سطوعاً وازدياداً وغاية جهد امثالي دعاء يدوم مدى الليالي أو مديح هذا وان المشوق من حين فراقكم لم يزل بنار الجوى يتقلب وفؤاده من ألم النوى بجمر الغضا يتلهب كيف وقد غلب الوجد وغاض الجلد ولازم السهاد وفاض الكمد وجفا الجفن الكري فماكر وخان الصبر فما تبت ولا استقر وليس يبرد بغير(2/21)
لقائكم غليله ولا يشفي بغير روياكم عليله فان شوقه اليكم قد زاد عن حده وغرامه بكم لا ينبغي لأحد من بعده فلذا خدم الجناب بهذه الفقرات المغتلة وتهجم بهذه السجعات المعتلة اعتضاداً بلطائف حسن شيمكم واعتماداً على عواطف سحب كرمكم ثم غلبه الوجد وفاض عليه الهيام ففاه بأبيات من هذر الكلام وان لم يكن من أهل هذه الصناعة لقصر باعه وقلة البضاعة على أن من تجرع مرارة كاس فراقكم لا يلام وان تعدى الصواب وأخطأ المرام مع علم سيدي بأنه لم يفه لساني قبل بشيء من الشعر فليعامل مملوكه بالأغضاء والستر فقلت ميمناً ومضمناً؟ منها البيت الأخير رجاء أن يقرب الله ساعات الاجتماع انه ولي التيسير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير
إلى السيد المفضال أهدي تحية ... نعم الربا طيباً وتملا النواحيا
تحية عبد قد أباح ولاءه ... لديه عسى يرضاه رقاً مواليا
وألثم أرضاً شرفت بنعاله ... فأضحى ثراها عنبراً وغواليا
لقد أشرقت مذ حل فيها وأصبحت ... طيور الهنا والأنس فيها شواديا
وأقتم وجه الشام من بعد بينه ... وقد كان قبل البين أزهر زاهيا
ترى هل يعيد الدهر أوقات السنا ... وهل ترجع الأيام ما كان ماضيا
رعى الله هاتيك الليالي التي خلت ... ليالي الهنا أكرم بها من لياليا
زمان أوافى بدر تم بغبطة ... وكان به دهري سخياً مواتيا
أما ما حوى مجداً وفضلاً وسؤدداً ... وسعد علاه جأوز التجمد راقيا
فمن مجده يستقبس المجد كله ... كذا جوده يحكي الغيوث الهواميا
ترى البشر يبدو من أسارير وجهه ... وضوء محياه يفوق الدراريا
إذا ما دجى بحث وأعضل مشكل ... هدانا بنور منه يجلو الدياجيا
ومن يك من ثوب الكمال مجرداً ... ولاذ به تلقاه يرجع كاسيا
وهيهات مدحي أن يحيط بوصفه ... ولو طأول السبع الطباق العواليا
فأدنى صفات المدح فيه بأنه ... علا قدره فوق السماكين ساميا
لقد كان جيدي قبل لقياه عاطلاً ... فأصبح من نعماه تالله حاليا
وأنهلني من فيض بحر كماله ... وكم علني من بعد ما كنت صاديا
ويا طالما أملى علي فوائداً ... مهذبة أدركت فيها الأمانيا
وكنت قرير العين في روض أنسه ... وعيشي من الأكدار قد كان صافيا
ولكنما الأيام تعبث بالفتى ... فقد غادرت بيت المسرة خأويا(2/22)
وكر على الدهر كرة ياسل ... فهاض بها عظمي وفت فؤاديا
ولكنني منيت نفسي نعلة ... بأن الذي يقضي يقرب قاصيا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا نلاقيا
فعذراً مولاي لمن هو أخرس من سمكه ... وأشد تخبطاً من طائر في شبكه
فأجابه المنيني المذكور نظماً ونثراً فقال
أضوء صباح لاح يجلو الدياجيا ... أم الفلك الأعلى يجيل الدراريا
أم الكون يجل في مروط مسرة ... منمنم برد الصفو أزهر زاهيا
أم أفتر ثغر الدهر بالبشر والمنى ... وأصبح طلق الوجه يدنى الأمانيا
أم الفكر من روض البلاغة يجتني ... أزاهر آداب ويرعى أقاحيا
وما بال أرض الروم تندي رياضها ... وينفح مسكاً تربها وغوليا
كأن نسيم النير بين عشية ... بهاجر ذيلاً عاطر النشر ضافيا
ومالي أرى الأغصان تهتز معطفاً ... إذا عندليب الروض غرد شاديا
وتختال سكراً في رباها إذا احتست ... مدامة طل قد ترقرق صافيا
وقد تخذت تيجانها من زبرجد ... مرصعة من زهرها بلآليا
وأصغت بآذان لها سندسية ... كما استصرخ المرتاد جرداً مذاكيا
كأن بها شوقاً ملحاً ونشطة ... تسمع ما أضحى له الدهر رأويا
فواف من الشعر البديع بيانه ... أتت للمعاني السافرات قوافيا
عقيلة فكر تزدهي في ملابس ... من الحسن أضحت تستثر التصأبيان
حوت حر أنواع الكلام جزالة ... ودقت معانيها ورقت حواشيا
ووافت كزهر الروض ثندي غضارة ... ويعبق من أنفاسها المسك زاكيا
وهاجت لي الشوق المبرح وانثنت ... تذكرني ما لم أكن قط ناسيا
وماست دلالاً فاستثارت بدلها ... كوامن أشجان الفؤاد الاقاصيا
عليها بداً من رونق السحر مسحة ... تريك المعاني الشاسعات دوانيا
تدفق عن ماء البلاغة لفظها ... فروى من الأذهان ما كان صاديا
وقد أسكر الأسماع صرف مدامها ... فأضحت بها الأفكار نشوى صواحيا
أتتني من خل بعد مزاره ... على أنه في القلب ما زال ثأويا
هو البارع المفضال والأوحد الذي ... غدا الدهر من ألفاظه الغر حاليا
همام أطاعته القوافي وطالما ... على غيره أضحت صعاباً عواصيا
وقد سال منه الطبع عن ماء مزنه ... يسنح سحاباً بالفضائل هاميا(2/23)
واطلع من أفق الفضائل ذكره ... شهاباً لمعتام الدقائق هاديا
فلله ما أنداه طبعاً وفكرة ... واذكاء زنداً في المباحث واريا
فيا أيها المولى الذي لم يزل إلى ... مراقي العلي فوق السماكين ساميا
اليك على شحط المنازل نفثة ... لمصدور أشواق نعم النواحيا
غدا القلب في نار الغرام مخلداً ... بها وتري الأحداق تندي ماءقيا
تحملها مني اليك خريدة ... أجابت ولبت من خطابك داعيا
وجاءت على شط المزار وبعده ... تبثك شكوى البين ان كنت صاغيا
وأني من الله الذي جل شأنه ... لفي نعم لم أحصها وأياديا
وما بي غير البعد عنكم فإنه ... ينغصني في شربي الماء صافيا
أقلب طرفي في الديار فلا أرى ... وجوهاً لهم ودي وعقد ولائيا
فيرتد عنها اللحظ من شجن وقد ... ترقرق فيه الدمع أحمر قانيا
وصبري قد أودى به البين بعدكم ... فصرت بحال لا أرى الدمع شافيا
فقلبي وأحشائي ومحني أضلعي ... ثلاث لنار الشوق أضحت أثافيا
وقد صديت مرآة طبعي وفكرتي ... ومربع أنسي بعدكم ظل خأويا
وأضحت شئون الدمع تحكي الذي جرى ... من البين والأجفان قرحي دواميا
ولم يتبوأ أدهم الهم مقلتي ... لشيء سوى أن يورد الماء جاريا
أأحبابنا ماذا التقاطع بيننا ... وعهدي بكم أن لا تطيعوا اللواحيا
فهلا سمحتم للمشوق بزورة ... فإني أداني منكم اليوم دانيا
اليكم على شحط النوى كل ساعة ... يقربني فكري وان كنت نائيا
رعى الله هاتيك الليالي التي مضت ... فما كان أسناها لنا من لياليا
ليالي عنا الدهر قد كان غافلاً ... وعن صفونا طرف النوائب غافيا
لله درك من ناظم عقود جمان وناضد قلائد درر وعقيان وناثر لؤلؤ ومرجان وفارس يقصر فرسان البلاغة في ميدانها وماهر عريف بتصريف شأنها. ومالك للفصاحة آخذ بنواصيها وملك لها عامر أنديتها ومشيد صياصيها ومصقع للبراعة قائم على منابرها وسلطان للبراعة تبذل في خدمته سواد عيون محابرها وتسعى عبيد الأقلام في امتثال أوامره على رؤسها وتصفد أوابد المعاني بسلاسل النقوش في سجن طروسها ومداده لو رآه سجان لأودع فقره زوايا الخمول وخبايا الهجران ولو أبصره صعصعة بن صوحان لبرقع وجوه بنات فكره بعناكب النسيان وأبو تمام لما تم له التقدم في هذه الصناعة أو الثعالبي لراع أمام جدار(2/24)
فكره في مضمار البداعة أو المعري لألحق بنفسه المعرة والنقصان أو ابن العميد لقال ان نسبة ختم الصناعة إلي زور وبهتان والمتنبي لأظهر زيف معجز شعره وأبطل دليله ولعلم كل أحد من بعد أنه لا ينبغي له أو ابن عبد ربه لبدد جواهر عقده أو لأعترف بأن ملك الأدب لا ينبغي لأحد من بعده أو الخفاجي لأخفى بذكا ذكائه سنا شهابه أو الأمين لأقربا لخيانة واختلاس نفحته من ريحانة آدابه أو العناياتي لنسج حلل آدابه على منواله أو الهلالي لخفي عند سطوع شمس فضائله قلامة هلاله وبالجملة فشأوك لا يدرك وشعبك لا يسلك وسحاب طبعك لا يباري وجواد فكرك لا يجاري ولعمري لقد فاخرت لذات الشيخ والقيصوم وطأولت بأسجاعك السائرة وأبياتك العامرة ما شيدوا من منثوره ومنظوم وأحرزت قصب السبق في سوق عكاظه بين أبطال نجد وتهامه فنادتك الغاصاحة مذ بلغت في مضمارها الأنتهامه فلقد أزريت بأهل الوبر من سكان الضال والسلم ويممت حرم بلاغتهم فاقتنصت منه أوابدها وأبحت الصيد في الحرم فعقدت عليك اذ ذاك الحناصر واياك عني من قال كم ترك الأول للآخر وارتقيت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك فعين الله ترعى من بهائك للفضائل بدراً وتكلا من سنائك للآداب فجراً وهو المسئول أن يديم علاك ويطيل بقك ويسنى قربك ويدني لقاك كتبت اليك أعلى الله قدرك وأسرى في فلك السعادة يدرك بين عجز ناه ووجد آمر وذكر ساه وشوق ساهر عن زفرة لا يخمد لهيبها وحسرة لا يسكن وجيبها ونار بعاد تتلظى ونفس من شطط البين تشتظي وشوق يتكرر يتكرر الشفق ويتجدد كلما تمزقت ثياب الغسق بتحيات ألطف من رشحات الخجل على صفحات الخدود وأرق من شمائل الشمال تهصر بانات القدود وأعطر من تنفس الرياض بأفواه الأكمام عن ثغور الزهر وأشذى من نسمات الصبا تعطف وأوات الأصداغ وتعبث بالطرر وأثنية كما موهت بالسحر صوارم الأحداق أو كالمناجاة بين أجفان الغيد وقلوب العشاق سألتني أدام الله تعالى سني ذاتك وأندى غصون مسراتك عن جلية أمري وحقيقة حالي وما إليه يؤل حطي وترحالي فأنهيت اليك أنني لم أزل في نعم من الله تعالى تترى لا أحصى لها عداً ولا حصراً ولا أستطيع القيام بها شكراً ولما وردت دار السلطنة العلية وتمتعت ببعض منازهها ورياضها البهية وجدتها مشحونة بأعيان الفضلاء وأفاضل الأعيان ممن تحلى بهم لبات المجالس وتتقرط بجواهر ألفاظهم الآذان وحصل لي مع بعضهم(2/25)
مزيد ألفة وأنسية لشغفهم بالمطارحة للطائف اللغة العربية ومنه في وصف الكتاب وبرزت منه عذراء مهرها النفوس تنفح مسكة النقس من أردانها ولا عطر بعد عروس فطفقت تعبث بالأحلام وتنفث سحراً في الهوات الأفهام وجعلت أطوف حول كعبة بلاغتها طواف قدوم لا وداع والثم من أركانها ما يجمع لي بين هزة نشطة والتياع وأدخل جنات حدائقها دخول رائض متامل فأنزه طرف الفكر من بديع أزاهير معانيها بما ينسى ذكرى حبيب ومنزل ثم لأجابة داعيها وتعويلاً على النظر بعين الرضى من منشيها قابلت خزفي بدرها وأوردت ثمدي إلى تيار بحرها وأتيت بازاء بيوتها العامرة بهذه الأبيات الخأوية فاقتصرت من معارضتها على البحر والقافية اعتماداً على النظر بعين الأعراض والسماح وتعهد ما في أبياتها من الخلل بالأصلاح والسلام عليكم سلاماً يكون غب التحميد عنوان الكلام وعند أنتهاء الخطاب مسك الختام وكأنت وفاة المترجم بعد الخمسين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
حسن البخشي
حسن بن عبد الله بن محمد البخشي الحلبي كان عالماً فاضلاً ذكياً ذا هيبة ووقار لطيفاً خلوقاً ولد في سابع شهر سنة احدى عشر ومائة وألف وقرأ على والده العلامة المحدث الحجة الشيخ عبد الله البخشي أخذ عنه الفقه والنحو والحديث والتصوف وألبسه الخرقة ولقنه الذكر وعلى عمه العلامة الشيخ إبراهيم البخشي المدرس بمدرسة المقدمية بحلب وأخذ عنه الكتب الستة والأدب والعلوم العربية وكذلك عن عمه العالم الشيخ اسحق وعن عمه العالم السيد عبد الرحمن وقرأ على العلامة السيد محمد الكبيسي الحلبي حسب الله أمين الفتوي والشيخ عبد الرحمن العاري والشيخ علي الميقاتي والشيخ حسن السرميني وحسن الطباخ والشيخ قاسم النجار والشيخ سليمان النحوي والمولى علي الأسدي والشيخ علي الشامي والشيخ أحمد الحافظ وأخذ الفرائض والحساب عن العلامة الشيخ جابر المصري وأخذ علم الكلام عن شيخه السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب والقرات عن شيخه الشيخ عمر البصير والسيد عبد الله المسوتي واستجاز له والده من المسند المحدث الشيخ حسن العجمي المكي والشيخ أحمد النخلي وأخذ عن الشيخ أبي الطاهر الكوراتي والياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وقرأ على الشيخ طه الجبريني الحلبي وعلى العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي لما قدم حلب وعلى الشيخ(2/26)
عبد الرحمن والشيخ عثمان ولدي الحجار الملازمين بالمدينة المنورة والمدرسين بالحرم النبوي وعلى الشيخ السيد عيسى المرشدي امام الحنفية بالكعبة المشرفة المكي وعلى الولي الزاهد الشيخ عبد الله الزمزمي وله سياحة في كثير من البلاد ذكر من اجتمع بهم من الأفاضل في رحلته وتردد على قسطنطينية مراراً وقرأ على علمائها وألف وأجاد ونظم وفضل فمن تأليفه بهجة الخيار في شرح حلية المختار ومنها النور الجلي في النسب الشريف النبوي وتأليف عظيم في الرد على من اقتحم القدح في الأبوين المكرمين ورسالة في رجال الشمائل وشرح على الشمائل وله شرح على أسماء البدريين وله تأليف في العقائد سماه تحرير المقال في خلق الأفعال وله ديوان حافل وشرح مفيد على قصيدته المسماة بعقود الآداب سماه تنقيح الألباب في حل عقود الآداب وكل يتعاطى القضا والنيابة بحلب وغيرها وقبل وفاته بأكثر من عشرين سنة انفصل عن قضاء صيدا بالفعل وترك طريق القضا اختياراً للعزلة ولازم تكية الاخلاصية بحلب وكان لا يخرج منها الا وقت الدروس وآلت مشيختها وتولية أوقافها له بحسب الشرط فلم يرغب لها رضاء بالقناعة والعزلة وسمح بها لأبن أخيه السيد محمد صادق ومن فرائد شعره قوله من قصيدة تبلغ مائة بيت امتداحاً في الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم
رحم الحبيب تنفس الصعداء ... فأجاب فيه تضرعي ودعاي
قد لذ لي فيه التذلل والعنا ... وغدا سقامي فيه عين شفاي
حارت ذوو الألباب فيه صبابة ... وضلالهم في ذا غدير هدائي
منها
فاضممه عني أن حظي عاقني ... وأخبره أني قانع بفنائي
وبه انثنى نحو العقيق مقبلاً ... بالجفن خد التربة الفيحاء
ومنها
وبفيض جودك سيدي وبنسبتي ... قلبي الحزين معلل بقراء
أأضام في يوم الجزاء وملجأي ... لحماك فيه سيد الشفعاء
لا اختشي محل الرجال وجودكم ... يغني إذا عن ديمة وطفاء
كل الورى يرجون منك شفاعة ... هي حصنهم في الشدة الدهماء
وكذاك ذا البخشي يرجو نظرة ... يسمو بها فرحاً إلى العلياء
ويفوز بالرضوان يوم مآبه ... متشرفاً من نوركم بضياء
لا غر وأن يعطي مناه في غد ... حسن وأنت وسيلة الرحماء(2/27)
ومن شعره بأهل بدر متوسلاً بقوله
يا سادتي أهل بدر ان قاصدكم ... يعطي الأمان ولو حفت به الغير
ما نابني كدر يوماً ولذت بكم ... الا وساعد فيما ارتجى القدر
وله هذه القصيدة ممتدحاً بها صاحب الرسالة ومطلعها
لأتركنن لداعي اللهو واللعب ... وأحذر مخادعة الأهواء والطرب
منها
خلاصة القول أني مذنب وجل ... ومن مكابدة الأهواء في نصب
لم يبق لي سالف العصيان معذرة ... الالتجائي لغوث الخلق خير بني
محمد المصطفى الهادي الذي شرفت ... به الخلائق من عجم ومن عرب
قد بشرتنا به العجماء ناطقة ... والجن والأنس والأملاك في الحقب
وأصبح الدهر مسروراً بمولده ... وأظفرتنا يد الآيات بالعجب
فللسرور على أرجائه قمر ... من حين ليلته الغراء لم يغب
وأشرق الكون بالتوحيد مفتخراً ... يختال من فرح فيه ومن عجب
فياله رحمة للناس شاملة ... ونعمة للورى قاص ومقترب
لولاه لم تخرج الأكوان من عدم ... ولا تنزلت الأملاك بالكتب
ولا اهتدى الخلق في الدنيا لخالقهم ... ولا اضمحل ظلام الشرك والريب
كلا ولا أشرقت ولا غربت ... يوماً ولا دارت الأفلاك بالشهب
ومنها
يا صفوة الله في الكونين يا سندي ... ويا ملاذي اذ ما الهول أحدق بي
هلكت ان لم تكن لي شافعاً سنداً ... فارحم مسيئاً لقد أخطى ولم يصب
اليك وجهت آمالي أطارحها ... نيل المرام وما أرجوه من أرب
فكن شفيعي إذا ما الخلق أذهلهم ... يوم الزحام وخوف المكر والغضب
فلا ولي وصديق وذو شرف ... الأغدا وجلاجاث على الركب
يشبب من هوله الطفل الوليد إذا ... ضاق الخناق على الجاني من الرهب
وثم لا والد يغني ولا ولد ... عن المسئ ولا ماحان من نسب
وكل خل له شان سيشغله ... عن الخليل ويغنيه عن العتب
لكن رحمة ربي ثم معتمدي ... وأنت واسطتي فيها ومنتدبي
فليس يحصرها حد ولا قلم ... وحلمه بعطاه منتهى طلبي
أكبر جودك أن ألقى على جرمي ... أحاله حسنات عند محتسبي(2/28)
فان تفضلت يا فوزي ويا شرفي ... وان تكن شافعي يا خير منقلبي
وكم عصاة لهم في جودكم طمع ... عقباه يلقونها أشهى من الضرب
ومنها
صلى عليك الهي ما همت سحب ... وما رجوت لكشف الضر والكرب
وكل آن على مر الدهور وما ... نجت مراحمك الجاني من العطب
كذا السلام بأبهى صيغة ودت ... يفوق ريا نشر المندل الرطب
والآل والصحب والأزواج من لهم ... في القلب منزلة للغير لم تهب
بحبهم أرتجي حسن الختام إذا ... قضيت نحبي ونعم اللطف ذلك بي
وله قصيدة مجيدة ومطلعها
ألا ليس لي عن مورد الحب مذهب ... ولي الوجد دين والصبابة مذهب
إذا غربت شمس النهار فمونسي ... شموس جمال نورها ليس يغرب
ومنها
خليلي قلبي ضاع مني فهل له ... رجوع وهل للنازحين تقرب
خذ أحيت تجد طيب الله تربها ... وباكرها من وأكف السحب صبب
ومرا بسلع والعقيق وحاجر ... فثم خيام للأحبة تضرب
بها حاز فخراً في المنازل لعلع ... ووادي النقا واخيف ثم المحصب
ألما بهاتيك الربوع فانها ... منازل أحبأبي بها القلب يطلب
وعوجاً بقلبي نحو طيبة أنه ... يحن للثم الترب منها فيندب
هي المربع الفياح مأوة نبوة ... ومنها الثرى للعين كحل مجرب
مقام ختام الرسل أحمد من له ... بكل مقام للآله تحبب
ومنها
اليك غياث الخلق سارت مقاصدي ... ولا يرتجي الاك قلبي المؤنب
اليك أتى البخشي يرجو شفاعة ... ولا غر وان ينجو بجاهك مذنب
فيا حسن الأخلاق والخلق والعطا ... ويا من إليه في الملمات أرغب
أجر حسناً يوم الزحام فإنه ... به المرء عمن يصطفيه ينكب
أجر مذنباً يرجو الاقالة قاصداً ... حما جاهك العالي لبيك ينسب
ومنها
عليك من الرحمن أزكي صلاته ... وأنمي تحيات من المسك أطيب
نعم ذوي القربى وصحبك من لهم ... بأعلى مقام المجد مثوى ومرجب(2/29)
يعطر منها الكون ما سار نير ... ولاح بأفاق المجرة كوكب
ومن معمياته في عثمان وعلي
ودعتني وتشكت بيننا ... ودموعي فوق خدي كالجمان
قلت في كم ينقضي هذا الجفا ... فأشارت لي بلحظ وثمان
وقوله معمياً في محمد
فوضت أمري لربي وارتضيت بما ... قضاه لي قبل تخليقي من القسم
وان جفا ذمتي ظلماً بغير وفا ... صابرته شاكراً والحمد ملأ فمي
وله في حسن
من مجيري في هواه شادن ... سهم لحظيه بعمد صائب
خلع الحسن عليه تاجة ... وحمى الطرة فوق الحاجب
وله غير ذلك وكأنت وفاته في حادي عشر رمضان سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
الشيخ حسن الشهير بالحنبلي
حسن بن علي الشهير بالحنبلي الشافعي القادري الشريف لأمه والمعروف بالطباخ الحلبي الشيخ العالم العامل المحقق الكامل المتقن الخطيب بجامع الخسروية والمدرس بأموي حلب ولد في حلب في سنة ثمانين وألف وكان والده طباخاً فأثرى حاله وأقتني من أنواع أواني النحاس شيئاً كثيراً وكان يؤجرهم إلى الناس في الأفراح وأتخذها حرفة ثم ولده المترجم نشأ في حياته موفر الدواعي مرفه البال وكان زكياً نجيباً فاشتغل بطلب العلم واكتساب الكمال فلازم الشيخ مصطفى الحفسر جأوي وأكثر عنه وأنتفع به وعليه تخرج وبرع في الفقه وأخذه وسائر العلوم عنه وقرأ التفسير على المولى أحمد الكواكبي والحديث وفقه الحنفية والأصول على ولده المولى أبي السعود الكواكبي وقرأ على الشيخ أحمد الشراباتي وعلى الشيخ سالم المكي وعلى غيرهم من علماء عصره وأكثر عن الواردين وبرع في المذهبين وكان سريع الاستحضار لكثر المسائل وأقتني الكتب النفيسة النافعة كثيراً وأعتني بتصحيحها وضبطها لملازمته اقرآءها وكان يخبر عن نفسه أنه أكثر لياليه لا يضع جنبه على الأرض للنوم بل يتكي في زأوية البيت ويضع الأحرام على ركبتيه والمصباح عند رأسه ويطالع فإذا غلب عليه النوم وضع الكتاب ونام على حالته هذه فإذا استيقظ تنأول الكتاب واشتغل بالمطالعة ويقول ان هذه الكيفية في المطالعة فائدتها كلية لأن الانسان إذا نام عقب المطالعة وأعادها حين استيقاظه من النوم علق(2/30)
ذلك في ذهنه بحيث أنه لا يزول وكان له تقرير بتحقيق وتدقيق من غير حشو ولا تلعثم ولا توقف وأنتفع عليه خلائق كثير ولما انحلت خطابة الحسروية عن الشيخ عبد اللطيف الزأويدي وجهت على صاحب الترجمة وكان من الخطباء المحسنين وكان شديد الأنكار والتعصب على الدخان وشاربه حتى كاد أن يقول بحرمته وكان إذا حضر في مجالس من يحتشمونه لا يشربون أبداً وإذا شرب في مجلس أمسك أنفه بأصابه وتأنف وقال يا أخي أكفف أذاك عنا واستمر على ذلك إلى قبيل موته بنحو عامين حتى اعتراه حادر حار فعالجه فلم يفده شيئاً فوصف له الدخان فوقف برهة وزاد به الألم فشربه وترك الأعتراض وكان معاصره الشيخ قاسم البكرجي مثله بل أشد تعصيباً منه فحصل له قبل موته حادر ذهبت به عينه الواحدة فأمره الطبيب بشرب الدخان خوفاً على عينه الثانية فشربه وقد شاهدته في بلدتنا دمشق الشام وقع لبعض أحبابنا من الأفاضل وكان كما ذكر فبعد مدة صار ديدنه شربه وكأنت وفاة صاحب الترجمة بعد ايابه من الحج وكان سبق له قبل ذلك مرتين توفي في بدر بختام ذي الحجة ختام سنة أربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
الشيخ حسن العكي
حسن بن علي بن محمد بطحيش العكي الشيخ القطب الرباني والهيكل الصمداني له حاشية على الدرر والغرر في الفقه واختصر ديوان شيخ الاسلام القاضي زكريا رضي الله عنه وله أشعار ولد في سنة خمس وسبعين وألف وكأنت وفاته في سنة احدى وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حسن أفندي الدفتري
حسن بن علي الرومي الأصل الحموي المولد الدفتري أحد خواجكان الدولة العثمانية الشهم المعتبر الرئيس المفنن السميدع كان والده كخدابوأبين الوزير أحمد باشا المعروف بالحافظ أحد وزراء الدولة العثمانية المشاهير ولما عين من طرف الدولة لنظام أطراف دمشق ورفع تعدي رئيس طائفة الدروز الأمير فخر الدين ابن معن الدرزي المشهور وجرى ما جرى بين الفئتين كما ذكره المؤرخ السيد محمد أمين المحبي في تاريخه وجرت المواقع بين العساكر السلطانية وبين ابن معن المذكور حمل نفسه وجاء منفرداً في جماعته وعساكره مظهراً لشجاعته للمحاربة على عسكر أحمد باشا المذكور فقتل واحداً من العساكر وعاد راكضاً لعشيرته فلحقه من طرف العساكر السلطانية والد المترجم وكان شجاعاً فوصله وضربه بسيف(2/31)
أطاح رأسه عنه لكن ما أمكنه أخذ رأس المقتول لكثرة عساكر ابن معن ليأخذه للوزير المذكور فحين عاد قال له الوزير هل قتلته فقاله باللغة التركية فإنه باق أي انظر إلى الدم يعني انه اشارة إلى قتله لحوق الدم إلى من ضربه بالسيف فحينئذ قيل له قنبق بالاختصار وصار لقباً له فلذلك اشتهر المترجم وأولاده إلى الآن ببني قنبق ثم ان والد المترجم اتصل بخدمة متصرف حماه محمد باشا الارنؤد وحظى عنده وتزوج بأم ولده المترجم فنشأ المترجم في حماه وفي حجر والده وحماه مشتغلاً بطلب العلم وتعلم الكتابة التركية ومهر بها فلما توفي والده في حماه ارتحل للروم إلى دار الخلافة قسطنطينية العظمى ودخل للسراي السلطانية ومعه ولده السيد علي الآتي ذكره في محله وهو حديث السن وبعد مدة خرج من السراي بمقابلة خدمته برتبة الخواجكان أي كتاب الديوان بأحد المناصب الكتأبية وهذا الطريق في الدولة يحتوي على كمل وادباء وظرفاء وشعراء ثم التزم حمص وكأنت اذ ذاك خاصاً للوزير الأعظم والآن هي وحماة لكل من يتولى امارة الحج الشريف مالكانة توجه له ثم عاد المترجم للدولة وصار دفترياً ببغداد مدة من الزمان ثم صار دفترياً بدمشق سنتين سنة احدى واثنين بعد المائة وألف ثم استعفى من المنصب واستقام بحماه وكان اذ ذاك متصرفاً في حماة على طريق المالكانة علي باشا ابن محمد باشا الارنؤود المذكور آنفاً وكان بينهما الفة ومحبة أكيدة ومصاهرة بزواج ابنة المترجم إلى ابن الأمير إبراهيم ثم عزل علي باشا المذكور عن منصب حماة وأعطى منصب حماه إلى الشريف سعد بن زيد شريف مكة المكرمة سابقاً وكان ولي أولاً معرة النعمان بأمر من الدولة لأختلاف الحجاز في ذلك الحين وما جرى بينه وبين الشريف بركات شريف مكة فضبط حماة لكنه كان شديد الخلف كثير التعدي بحيث أن أهل حماة قاموا عليه وأخرجوه من البلدة قهراً فوصل إلى معرة النعمان وكتب يشتكي عليهم للدولة العلية وأسند ما جرى إلى المترجم وأفهم بكتابته ان رجلاً يقال له حسن من أهل حماة كان هو السبب في اخراجي وتعزيري وهو مظهر العصيان فتأمر وأوالي حلب بقتله لتنضبط ولم يزد على هذا التعريف لقضاء مصلحته ونفوذ الأمر الالهي وكان ولد المترجم السيد علي الآتي ذكره اذ ذاك من كبار الخواجكان لكنه كان مرسولاً من طرف الدولة رسولاً المعبر عنه بالايجي إلى بلاد النصارى النمسة ولم يبلغه قتل والده الا بعد سنة حين عاد ثم أرسلت الدولة أمراً سلطانياً بقتله فقتل المترجم في حماة بداره وهو في حالة النزال لمرض اعتراه وسنه متجأوز الثمانين وكان صاحب ثروة كثير الصدقات محباً لاشتراء المماليك والجواري حتى(2/32)
قيل لما قتل وجد أربعون مملوكاً متزوجين لأربعين جارية كلهم عتقاؤه مع تنظم وجه معاشهم وكان قتله في سنة ست ومائة وألف ودفن بحماة بجانب والده وستأتي ترجمة والده السيد علي وحفيده مصطفى ان شاء الله تعالى.
الشيخ حسن البغدادي
حسن بن مصطفى البغدادي القادري النقشبندي نزيل دمشق الشيخ الصوفي المعتقد كان اماماً بارعاً في علم الحقيقة وشهرته في ذلك وله صلاح وتقوى وعدم تردد إلى أرباب الدنيا والانزواء والاشتغال بعلم الحقيقة ولد ببغداد وبها نشأ وكأنت له ثروة ولم يكن أولاً من المتجردين عن الدنيا بل كان أحد الكتاب ببغداد ثم ترك ذلك وانفرد إلى الاشتغال والاكتساب بما يقربه عند الله زلفي وحسن مآب وقدم دمشق هو وأخ له يسمى الشيخ خليل وكان من المتصفين بالعلوم وحج إلى بيت الله الحرام ثم بعد العود قطنا دمشق وقرأ على الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي الفتوحات المكية وقطن المترجم في داخل جامع بني أمية في داخل المشهد الشرقي في دار وحجرة ووجهت عليه من طرف الدولة ببراءة سلطانية ومن بعده على أولاده وذريته بهذا الشرط وصارت له عثامنة أيضاً في الجوال الميرية من طرف الدولة وطنت حصاة شهرته في الآفاق واعتقده الخاصة والعامة واقرأ وكأنت الأعيان تتردد إليه ويزورونه ويقصدون التبرك به وترسل إليه العطايا والهدايا وبالجملة فقد كأنت سيرته حسنة وطريقته مستحسنة وله من التآليف معراج في أحوال الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي الله عنه ورسالة جواب عن سؤال ورد عليه في بيان لن تراني على لسان القوم السادة الصوفية ولم يزل مستقيماً على حالته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته بدمشق في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه وأرخ وفاته السيد عبد الرزاق البهنسي بهذه الأبيات وهي قوله
بدر المعارف في أفق الشهود سرى ... وغاب عن جملة الأكوان واستترا
لا تحسبوا جنة في ذا الثرى قبرت ... وانما الفضل والتحقيق قد قبرا
بخلوة اللحد مختاراً رضى ملك ... فيالها خلوة يقضي بها وطرا
العارف الأوحدي أعني به حسناً ... يلقى بها الروح والريحان منتشرا
قد قلت اذ زدت فرداً قد قضى أربا ... بجنة الخلد في تاريخه ظفرا
عليه أو في تحيات مباركة ... في روضة تشهدها زاكي الشذا عطرا(2/33)
حسن النخال
حسن بن محمد بن أحمد المعروف بالنخال الشافعي الغزي العمروي كان أحد الأفاضل بغزة عالماً نبيلاً علامة نشأ في حجر أبيه وحفظ القرآن وجوده وارتحل إلى مصر وقرأ وحصل العلوم على الشيوخ كالشيخ مصطفى العزيزي والشيخ أحمد الأسقاطي والشيخ عبد الرؤف السجيني والشيخ أحمد الملوي والشيخ عبد الله الشبرواي وغيرهم وأخذ عن كل وتفوق وصارت فيه البركة وتمتع بملابس الفضل والاستفادة وأجيز بالفتوى والرواية ثم بعد سنين عاد إلى بلدته وأقام بها يفتي على مذهبه ويقري الناس بالعلوم واجتمع بالاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الذكر وأسماه وأجازه بالخلافة وألبسه كسوة الطريق واشتهر بذلك لما كان عليه من الصلاح والورع ونشر أعلام الطريق وكان معاشه من عقارات ورثها عن أبائه يقتات بها كفافاً مع القيام باكرام الوفود ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في أوائل ربيع الأول سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن في ظاهر غزة ورثاه ابن استاذه الشيخ السيد محمد كمال الدين الصديقي بقصيدة مطلعها
أفق أيها الأنسا من غفلة الدهر ... فما هذه الدنيا بباقية العمر
لعمرك لا تبقي لذي عيشة هنا ... ولو سالمته الحادثات من القدر
فكم من مليك ساد وهو مبدد ... العزائم لا يدري إلى أية يسري
وكم خدعت من عالم شاع فضله ... وكم سالمت بالغدر منها أخا وزر
فهذا فريد الوقت أضحى مجأوراً ... رضى ربه يغشاه في ذلك القبر
امام غدا نجم العلوم وطالما ... هدى أنفساً تاهت بأياته الغر
وجدد آثار ابن ادريس في الورى ... بما فيه من فضل غدا سامي القدر
وأمسى اماماً في علوم حقائق ... أتته بلا ريب عن السيد البكري
وغاص بحار الوهب يبدي جوهراً ... تسامت علاً عن كل ساه وعن غر
وقد كان رحاً في العلو إذا همى ... يجل عن التمداح في النظم والنعثر
لعمروي نسبة إلى محلة بني عامر في داخل غزة هاشم والله أعلم
حسن بن ملك الحموي
حسن بن ملك الحموي المولد الحلبي المنشأ والوفاة ولد في حماة في رابع عشر ربيع الأول سنة ثمانين وألف ونشأ بحلب وقرأ على فضلائها وأخذ عنهم الفنون والآلات(2/34)
وصحب الأديب الفاضل الشيخ مصطفى الحلفأوي الخطيب بأموي حلب يومئذ وتأدب عليه وكان له شعر رقيق الحاشية فمنه ما قاله في المديح النبوي من قصيدة
ألا يا رسول الله يا أشرف الورى ... ويا من يرجي للمهمات والبلوى
منها
فقد خصك المولى الكريم بفضله ... فيا حبذا عنك الأحاديث أن تروى
ومنها
عليك صلاة الله ما غاسق دجى ... وما زال نور البدر في الأفق يستضوي
كذا الآل والأزواج والسحب كلهم ... ومن عن رضاهم لم أطق أبداً سلوى
وذاك مع التسليم في كل لحظة ... بتعداد ما في العلم من عدد يطوى
وله مضمناً
لقد رشقتني من سهام لحاظها ... مريشة تلك اللحاظ من الهدب
وقامت تهز العطف نحوي مجاهلاً ... وتخبرني أن ليس لي ثم من ذنب
ولكن ألحاظي رصدن متى رأت ... أسير هوى ترمى بجارحة السلب
فقلت ودمع العين جاد كأنه ... سحاب تراه حين سال على الترب
خليلي لا تستنظرا البرء أنني ... سمعت بأذني رنة السهم في قلبي
وكأنت وفاته بحلب في ثالث عشر ذي القعدة سنة أحد وتسعين ومائة وألف.
الشيخ حسن الطباخ
حسن بن مرجان البقاعي ثم الدمشقي الشهير بالطباخ الخلوتي الشيخ التقي النقي الصالح الكامل الورع الزاهد المخلص العابد القدوة المعتقد أخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ عيسى الكناني الصالحي وهو أخذها عن شيخ الوقت السيد محمد العباس الدمشقي وهو أخذها عن صاحب الكرامات الشيخ أحمد العسالي الخلوتي المدفون خارج باب الله وظهر واشتهر وأخذ عنه جم غفير وكأنت تعتقده الناس وكأنت وفاته بدمشق في يوم الخميس ثامن ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وخلف للطريق قبل وفاته الشيخ يوسف المملوك الآتي ذكره ولم يخلف ولده حتى بعض الناس اعترض عليه بذلك ثم بعد مدة صار الشيخ يوسف بركة دمشق وظهرت كرامة المترجم رحمهما الله تعالى.
الشيخ حسن الكردي
حسن بن موسى الباني المولد الكردي نزيل دمشق الشيخ العارف العالم(2/35)
العلامة المدقق أمام أهل الحقيقة وفرد الوقت ووحيده كان صوفياً قطباً خاشعاً مربياً زاهداً ورعاً جامعاً بين الظاهر والباطن وله من التأليف شرح الحكم للشيخ محين الدين ابن العربي وشرح رسالة الشيخ أرسلان رضي الله عنه وشرح مواقع النجوم للشيخ الأكبر رضي الله عنه وشرح عوامل الجرجاني وشرح تصريف العزي وحاشية علي شرح العقائد للقيرواني قدم إلى دمشق وقطن أولاً في المدرسة السليمانية ثم تحول إلى جامع العداس بمجلة القنوات ثم إلى دار في محلة القيمرية ثم أسكنه عنده نقيب الأشراف بدمشق المولى السيد حسن بن حمزة وأخذ له داراً لصيقة لداره واستقام بها وظهر علمه واشتهر وقصده الخاص والعام ودرس وأفاد وكأنت له كرامات خارقة لا تأخذه في الله لومة لائم وللناس به اعتقاد وافر وكأنت وفاته بدمشق في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وكان مرضه نحو عشرة أيام ودفن بتربة مرج الداح وسيأتي ذكر ولده عبد الرحمن في محله رحمهما الله تعالى.
حسن الحلبي المعروف بشعوري
حسن الحلبي نزيل قسطنطينية المعروف بشعوري الأديب ولد بحلب وارتحل إلى اسلامبول وصار من زمرة الكتاب ثم صار من خلفاء قلم المالية وكان مشهوراً بالمعارف شيخ معمر بالصلاح ومن آثاره بانشاء اللغة التركية كتاب جمع فيه اللغات الفارسية وكتاب دستور العلم للمولى رياضي أيضاً ذيله بذيل وبند عطار المشهور قابله من نظم التركي بمؤلف قدر أبياته وترجمه وديوان أشعاره باللغة التركية مشهور ورأيت من نظمه أشياء وأما في اللغة العربية فلم أر له أثراً بذلك وكأنت وفاته في سنة خمس ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حسن المصري
حسن المصري الفيومي نزيل دمشق الشيخ العالم العامل الفاضل الورع العابد الناسك المجتهد كان من العلماء الفحول بارعاً في العلوم وله يد طائلة في النحو حتى قرئ عليه شرح القطر للفاكهي مراراً وإذا ظهر في بعض النسخ تحريف يقول عبارته كذا وكذا وله شهرة في علم القراآت واشتغل عليه الناس بطريق الجمع وكأنت له أيضاً مهارة في علمي المعاني والبيان وله مشاركة في بقية الفنون لا سيما الفقه وعلم الكلام وكان كوكب الولاية على ذاته لائح وبدر أسرار الهداية الربانية عليه سناه واضح قدم دمشق في سنة مائة وألف واستوطنها وأنتسب إلى بني السفرجلاني رؤساء دمشق وأدوه بأسعا فهم ودرس بدمشق وأفاد وتلمذ له(2/36)
الجم الغفير ولم يعهد له تأليف وكأنت وفاته بدمشق كما أخبرت في سنة احدى وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
حسن الخياط
حسن المعروف بالخياط الدمشقي الشيخ الأديب الناظم كان ممن خاط جلأبيب اللام ومهر بالنثار والنظام وكان ادباء دمشق يداعبونه في أبياتهم وقصايدهم ورأيت له مجموعة بخطه أكثرها شعره ونظمه وأحجياته وألغازه فذكرت من شعره هنا ما استحسنته وضربت عن باقيه صفحاً فمن شعره ما كنبه إلى الشيخ محي الدين السلطي بقوله
أيا بارقاً في الدجى أومضا ... تحمل رسالة صب صبا
حليف غرام وذا مقلة ... تسح فتسقي زهور الربا
لك الله يا برق ان جزت في ... ديار تسامت مراقي الرقا
ديار أرتنا حلا بهجة ... تروض النواظر روضاً زها
فيا ساكني تلك هل من لقا ... فقد ذيب من هجركم والقلا
إذا ما سرى الركب الحمي ... يهيج عشاق ذاك الجنا
فيا حادي العيس مهلاً فقد ... رميت بهجر يذيب الحشا
تسيل العيون فتجري هتون ... أقتلي العيون لها من فدا
أنوح نواح الحما الحمي ... فيشفق مما تراني العدى
ولا غرو اني بكم عاشق ... كليم فؤاد حليف الضنى
أروم لدار الهوى بالأسى ... دواء فارشد للمبتغى
ملاذي وقصدي دون الورى ... وموئل نحجي مقر الحجى
أمامي في الضل والمقيتدي ... ونجمي المنير لطرق العلا
إذا ضن فضل الغمام أرتوي ... أياديه فاقت كام الحيا
أمام النظام وكهف المرام ... ومولى الكلام روى واقتدى
بديع الزمان مليك البيان ... معاني المعاني ونجم الهدى
يراع يروع لأهل الجدال ... ينوب الحسام إذا ما أنتضى
بشيخ الفضائل يدعي وفي ... صدور الأفاضل يدعى فتى
هو السلطي محي ربوع النظام ... ومندي رباها بغيث الندا
إذا أم جدواه ذو حاجة ... يعود بمراي مراد نحا
هو البحر لكن ترى لفظه ... من الدركا لدر حلو الجنا
فيا واعي القصد من منطقي ... ويا صاحبي في طلاب الغنا(2/37)
فمولاي من في مديحي له ... ووصفي لما حاز نذر سما
إذا أنصف الدهر كان الرئيس ... على كل فز بعرف ذكي
لقد فاق سحبان في منظم ... غدا لو يجسم عقد الطلا
فقد جهدوا أهل هذا الروى ... بنظم يدانوا فكان الهبا
فأين معانيك يا قدوتي ... وأين مبانيك فيما ترى
اليك مديحي يبغي الجلا ... عروساً تؤم اختدام الولا
ولا شك ان الذي يقتدي ... بفحواك يهدي بنجم أضا
اليك التجأت بفن القريض ... ومنشئ أنتشائي اليك أنتهى
فأجابه الشيخ محي الدين بقوله
أفدي نظاماً مثل ععقد في طلى ... لما وفى لي اعتضته عن الطلا
مقصورة النعت تروي بالفتى ... أسنى المعالي مثل نجم قد أضا
حايكها المحيا بحسن نظمه ... حسان بالأنصاف مع فهم ذكا
بدر المعالي لقبا فاسمه ... وصف لكل ممدح سامي الرقى
بأحسن الاسم ويا من فعله ... بالأحسن الموصوف وصفا ينتمي
برعت من قد أنتمى بمنظم ... في سلكه أودع دراً من لهى
فأنت ممن مدحه منتدب ... من كل ندب هديت ذوو الروى
لما تمليت بما أرسلته ... ظننت أني في رياض تجتني
أو أنني حاس طلا مزاجه ... أمسى وذا نكهة تنشي القوي
صادرة عن صدر فذ صادق ... في وده وغير كذب أو مرا
كأنها مرسوم عرض صاغها ... يعلمني محض التصافي والولا
فيالها من غادة بهنانة ... بديعة الأوصاف في معنى الغنا
جلوتها في ثوبها فانحمقت ... ومزقت أثوابها قصد الجلا
فلاح من نحوي رواها مشرقاً ... بدر المعالي وأضحا باهي السنا
يا حسنها لما أضاء جسمها ... كبرق سلع حين لا حين حنا
وقد أضاء الثغر منها باسماً ... يهدي لمن قد ضل فيها لا لعي
ما أومض البرق وهاج خاطري ... الا تذكرت به ما قد مضى
وما وفت رسالة من معتني ... الا وكان القصد أوفى مقتني
يا غادة جاءت نروم باحة ... عفا مساعيها وفي أهل الوفا
كيف اهتديت معطنا في رسمه ... عافته من جود بها أهل الدنا
ضللت أم ضل الضلال فاهتدى ... بنو الكمال اذ تراقانا الهدى(2/38)
قالت ومعنى القول مني صادر ... أممت من هو المرام المرتضى
ضيف ألم قاصداً بني الوفا ... يطرق باب الفخر قصداً والحجي
قلت أرحي فهذه موائد ال ... عرفان للقاصد فيها المشتهي
آنست يا عريدة الدوح الذي ... سيب أياديه دواء للصدى
قبلتها هدية وافرة ... تنوب عن جم العطاء والسخا
فلم تزل خادمة نكبر مها ... ولم يزل ودي لها مدا المدى
إلى ختام المنتهى في المبتدا ... والمبتدأ إلى ختام المنتهى
ما دام عهد الود موثوق العرى ... والفعل من فاعله إلى الي
وكتب للمترجم الأديب مصطفى بن أحمد الترزي يمدحه بقوله
عليلك بعد هجرك لا يرى ما ... سوى لقياك ما يشفي السقاما
فهل لك في حياة فتى معنى ... يبيت الليل لم يعرف مناما
يحن إلى معاهدك اللواتي ... يهجن الصبابة والغراما
ويبكي يوم بان الحي عنه ... بدمع يفضح السحب انسجاما
ويندب طيب أيام التداني ... ويقريها التحية والسلاما
سقاها عن دموعي الغيث سحا ... وهل غير البكا يطفي الاؤواما
الا لا يذكر الرحمن يوماً ... به للبين قد شدوا الحزاما
وسار به الخليط وخلفوني ... لهم أنعي المضارب والخياما
تراني والها من غير عقل ... كأني قد تحسيت المداما
مدام نواك يسكرني ويذكي ... بقلبي الوجد يضرمه ضراما
الا يا ام ذاك الخشف هلا ... تراعي العهد ما بين الندامى
أما تذكرك هاتيك الليالي ... وهل تنسي من البعد الذماما
عشية قادني للحب قلب ... أرد به من الوجد الحساما
ولا أخشى الحروب تذل منها ... جحاجح لا يهابون الحماما
غداة يقدم الخيل المذاكي ... فتى يغشى بنائله اليتامى
يرد الجيش لا يثنيه خوف ... يرى الأدبار في الهيجا حراما
ويقتحم الردى في كل هول ... يرد الاسد من باس حيامى
وما الفخر الجليل ولا المعالي ... يصيرني لها شيخاً اماما
بأكرم من يوأوي الضيف يهدي ... له من كل غالية طعاما
ويبذل كي ينال المجد مالاً ... ويرقى في الكمالات المقاما
ويخش العار عنه بيت بنائي ... بحاذر من عواقبه الملاما(2/39)
فهذا في المعالي نال خظا ... له قسمته أيديها اقتساما
فحق له التفاخر يوم فخر ... إذا العليا غدت تحبي الكراما
وان صعبت أمور بني المعالي ... فأيدي الخيل تدني ما تحامى
فرفقك ان منعني ما يرجي ... سنجلس منه في العليا قياما
نقابلكم بأقوام عليهم ... يلوح المجد نوراً كالعلاما
حجاحج لا يهابون العوالي ... تحف الهول والموت الزؤاما
ولسنا لا وعهدك من اناس ... تكون من القتال له شآمى
سنعلم من يمل الحرب منا ... ومن يرمي به هاما فهاما
رويدك بعض هذا الهجر يكفي ... فقد فت الهوى منا العظاما
وغادرني الغرام لكم ذليلاً ... وصيرني لبابكم غلاما
فهلا ترفقين على معنى ... غدا من طول هجركم هلاما
يكابد في الهوى صرف الليالي ... ويكتم في الهوى داء عقاما
ويشتاق المعاهد والمغالي ... وصار بها حليفاً مستهاما
أحبك والهوى والقلب أرمي ... ولا أخشى اللواحي والملاما
وبالأخلاص أمنح كل ودي ... أديباً فاضلاً شهماً هماما
أديب قد حوى غرر القوافي ... ينظمها بفكرته أنتظاما
سريع الذهن إذا أدب وفضل ... كروض بات يرتشف الغماما
فريد في المعالي لا يجاري ... وهل ترمي أمر أجاري السهاما
أيا حسن الصفات مع المسمى ... وأفخر في العلى من قد تسامى
اليك أنت قواف سائرات ... تعيد الطرس نوراً وابتساما
وما غير القبول تروم مهراً ... يكون لها به مسكاً ختاما
فكتب إليه الجواب المترجم بقصيدة مطلعها
أتت تختال ما بين الندامى ... فأضحى الصب فيها مستهاما
مهفهفة القوام كخوطبان ... ترينا ابدران سفرت لثاما
ولعت بحبها طفلاً وكهلاً ... وهانا عبدها ولهاً غلاما
ترنحها الشبيبة والتصأبي ... فيرمي قوس حاجبها سهاما
تملكني هواها من قديم ... فصار حديث وجدي لن يراما
يريك الجوهري صحاح در ... إذا أبدت من الشعر ابتساما
تراني في هواها مستهاماً ... أهيم بحبها عاماً فعاما(2/40)
يميناً لا أمين به وودي ... لها يرعى هواها والذماما
وان ماست دلالاً أو تثنث ... أذوب صبابة فيها غراما
وفاح لنا عبير من شذاها ... يفوق بعرفه ريح الخزامي
أعيذ جمالها من كل سوء ... وابرأ من نواها ان اقاما
فلو جادت لمغرمها بوصل ... فلا وأبيك ما هذا حراما
علت وغلت محاسنها فهمنا ... بها طرباً كمن شرب المداما
وكسرى جفنها والخد منها ... كنغمان بصد غيهها تحامى
جننت بلوعتي ويفرط وجدي ... ومن ولهي لهد لقد ذقت الحماما
لحوني العاذلون بها وقالوا ... تسلاها فقلت ومن سلاما
فلا والله ما أسلو هواها ... ولومني النوى فت العظاما
أنا المسلوب والملسوب وجدا ... ودمعي فوق خدي قد جرى ما
رويدك أيها الحسناء رفقاً ... بمن ملك الهوى منه الزماما
وهل منك الشفاء لمستهام ... يكابد في الهوى بعد أسقاما
وهل من رحمة لقتيل حب ... لمنهاج الصبابة قد أقاما
وهلا تسمحين لنا بقرب ... فنغتم الوفا منك اغتناما
ومن شعر المترجم قوله ومن خطه نقلته
أفديه بدراً طالعاً بسماء ... متوشحاً بغلالة زرقاء
بسبي العقول بجيده وبخده ... فكأن ضرج خده بدماء
نشوان من ماء الصبابة أهيف ... بهتز مثل الصعدة السمراء
ذو شامة سوداء فوق خديده ... يسبي بها وبمقله كحلاء
كم عاشق قد ضل في فرع له ... والاهتداء بغرة غراء
هو ممرضي بصدوده وبتهه ... وهو المراد لمهجتي ودوائي
ويلاه من لي أن أراه معانف ... وأفوز منه بقامة هيفاء
وقوله
ولست بناس حين بات معانقي ... وفمي على فيه ووردي ثغره
وبات يعاطيني المدام وبيننا ... محياه لي صبح وليلى شعره
وله غير ذلك وكان يلقب بالاياط وفي زمنه كان رجل آخراً يلقب بالقحف ورجل آخر يلقب بالشليف اسمه الشيخ محمد بن ناصر الدين فأنفق ان آجالهم كأنت قريبة فتوفي القحف ثم لحق به المترجم ثم بعدهما توفي الشيخ شليف فأنشد(2/41)
في ذلك الأديب الترزي المتقد ذكره على طريق المجون لأن ادباء عصرهم كانوا ايتلاعيون بأسمائهم ويجرون النكات الأدبية في أشعارهم وهو قوله
أغلق الاقميم اذ مات الآباط ... تابعاً للقحف أعلوه البلاط
وشليف الزبل أمسى فارغاً ... قد بكى الخدنين حزناً واستشاط
كيف لا يبكي خدينيه وقد ... صار متروكان ومحلول الرباط
وكأنت وفاة المترجم في حدود العشرين ومائة وألف بدمشق رحمه الله تعالى.
حسين مصلي
حسين بن أحمد المعروف بابن مصلي الدمشقي الأديب النبيه كان جندياً متزياً بزي الأجناد وأقاربه كلهم أجناد زعما وسباهية في أوجاق السلطان ولهم اقطاعات من القرى وكان هو مع هذا أديباً بارعاً بفنون الأدب له شعر حسن ولطف خصال وتلمذ للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شاعر مستوفي الشروط ومكتسي من الآداب أبهج برود ومروط تصدى للمعالي فتصيد وعقل شواردها وقيد وفتح شراع سفنها فجرت في ذلك التيار وأبدع من سانحات خاطره منها ما هو كورد الرياض في أيار فاستحق أن تقر عينها فيه وأن تلتقط الدرر المنتثرة من فيه وأن تخصه بالطارف والتليد وتتفداه بالوالد والوليد حتى ينتظم شملها المبدد وهو ترقوس اصابتها المسدد على أن الكمال مازج دمه ولحمه وخالطه مخالطة السدى للحمه وهو لجمر تكلفاتها مصلي قائلاً في تحصيلها لا نقل أصلي وفصلي وله شعر جيد الانطباع تصغي إليه السليمة من الطباع أثبت منه ما تجعله للآذان شنفا وما عنه قائلة اللائم تنفي فمن ذلك قوله مخمساً أبيات ماني الموسوس بقوله
خذ حديث الغرام والوجد عني ... يا ابن ودي ان الصبابة فني
ما تراني من الهيام أغني ... حجبوها عن الرياح لأني
قلت للريح بلغيها السلاما
جرد الشوق في فؤادي صلتا ... حيث صار الوصال لا يتأتى
صيروا حولها الموانع شتى ... ثم لم يقنعوا بذلك حتى
منعوها يوم الرياح الكلاما
سرت يا صاح والغرام حليفي ... حين بانوا وطال بي تسويفي(2/42)
قيل حلوا بها مني والخيف ... فتأوهت ثم قلت لطيفي
آه لو زرت طيفها الماما
سر اليها لعلني أتسلى ... بالأماني عسى وهل ولعلا
وإذا لاح للخطاب محلا ... خصها بالسلام مني والا
منعوها لشقوتي أن تناما
وقوله
لا تحسبن الذي في لحظ فاتنتي ... كحلا يزين ظبي أحداقها النجل
لكنها خشيت برء الجريح بهم ... فصيرته مكان السم في النصل
أخذه من قول محمد الحشري الشامي
ولرب ملتفت بأجياد المها ... نحوي وأيدي العيس تنفث سمها
لم يبك من ألم الغرام وانما ... يسقي سيوف لحاظه ليسمها
وأصله قول الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أيوب
ومورد الوجنات أغيد خاله ... بالحسن من فرط الملاحة عمه
كحل العيون وكان في أجفانه ... كحل فقلت سقى الحسام وسمه
وهو من قول عبد الجبار بن حمد يس الصقلي
زادت على كحل الجفون تكحلاً ... ويسم نصل السهم وهو قتول
وللمترجم مضمناً المصراع الأخير بقوله
بروحي فتاة رنح التيه عطفها ... تميس بأعراض وعجب على الصب
آمال بها سكر الدلال فعربدت ... لواحظها بالفتك بالجسم والقلب
وقد جأوزت في الحسن فرط بهائها ... ولم تخش لومي بل يلذ لها عتبي
أماطت حجاب الحسن عن نور وجهها ... فخر هلال الأفق ملقى على الترب
غوازل لحظيها وفتر جفونها ... رمتني بهم تيهاً غزيلة السرب
فلم أدر في أي رمتني وانما ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول القطب المربي عبد الغني النابلسي
وأهيف ساجي المقلتين كأنه ... غزال ربيب أغيد فر من سرب
رنا فرما في القلب سهماً مريشاً ... بأجفانه ويلاه من ذاك وأحربي
فلو كان قلبي صخرة مثل قلبه ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الأديب أحمد بن محمد السلامي ابن أغر يبوزي
وبي سمهري القد بالفتك مولع ... يصول ولا يخشى من اللوم والعتب(2/43)
يهددني طوراً بعضب لحاظه ... ويقصد أحياناً فؤادي بالهدب
فلم أدر ايا قاتلي غير أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول البارع السيد العبادي
تعرض لي يوماً بشرقي عالج ... غزال كحيل الطرف منظره يسبي
وأقصدني من ناظريه بأسهم ... تركن دمي يجري عياناً على الترب
وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الفاضل محمد بن أحمد الكنجي
كف بالله واتثد يا عذولي ... ما لقلبي إلى السلو سبيلي
كيف أسلو وفي الحشا من هواه ... لاعج الشوق راسخ لا يزول
كلما قلت مال قلبي حاشا ... أن قلبي إلى سواه يميل
راشني من لحاظه بسهام ... قاتلات إلى فودآدي وصول
ما تحققت فعلها الفتك الا ... حين رنت فكان ذاك الدليل
ومن قول موسى بن أسعد المحاسني
ولم أنس فعل الريم أذمر معرضا ... وطلعته من فرط حسن البهاتسبي
وأسكرني من عطفه بشر طيبه ... ونكهة ذاك الثغر محمودة القرب
وما كنت أدري قبل أن أعشق الرشا ... مراتع غزلان تلذذن بالعتب
وموطن أهوال الهوى وشجونه ... وما ذقت طعم الذل في طمع الحب
إلى أن نولاني الغزال وطرفه ... كحيل تبديه الحروب على العضب
وراش سهاماً من لحاظ قواتل ... سفكن دمي عمد وأثرن في اللب
فكأنت لقتلي علة ودليلها ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول اللوذعي محمد المحمودي
نهاني عن باهي المحيا عواذل ... وما علموا أني به قد فنى اسمي
فقلت لهم كفوا الملام واعرضوا ... فما قلبكم قلبي ولا جسمكم جسمي
وكيف ومن ألحاظه راش أسهما ... وأقصد أحشائي برشق لها يصمي
وما برحوا بالعذل حتى باذنهم ... لقد سموا في مهجتي رنة السهم
ومن ذلك قول اللبيب محمد الشهير بابن العنز
أراش سهاماً عن قسي حواجب ... وأرسلها للقلب عن قلتي تنبي
وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي(2/44)
وقوله
أتنكر قتلي حين أرسل لحظه ... لقلبي أسهماً قد أريس من الهدب
وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني في رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الأديب محمد بن عثمان الشمعة
تبدي يهددني برشق نباله ... غزال غزنا باللواحظ والهدب
فقلت له رفقاً لأنك فاتني ... وتقتلني ظلماً ولم أر ما ذنب
فقال اصطبر صبر الكرام لأنني ... أعامل أهل العشق بالقتل والسلب
وصال على المضني بلحظ سهامه ... مفوقة للقلب تنقض كالشهب
ولما رماها طالباً قتلتي بها ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الماهر مصطفى البيري الحلبي
وناضلني لما رمى من لحاظه ... بأسهم فتك راشها شعر الهدب
وقرطس قلبي ثابري بلامي فخذ ... من الشادن الأحوى فافعاله تنبي
دمي شاهدي في وجنتيه وأنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الماهر السيد مصطفى العلواني الحموي
بروحي لخط ظل يفعل بالحشا ... على فعله فعل المدامة باللب
إذا راش منه الريم سهماً فلا ترى ... له غرضاً يلفي سوى مهجة الصب
عجبت له يدمي الفؤاد مجأوزاً ... إليه أديما صين عن أثر ينبي
فيا منكري ما في حشاي اليكم ... عن الحكم فيما عندكم غاب في الحجب
ولا تنكر وأصدع الفؤاد فأنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الأديب إبراهيم بن الحكيم الصالحي
إذا رمت منك القرب تنفر من قربي ... وان رمت منك العفو بالغت في سبي
فليس لنا في الناس الا معنف ... وليس لنا في الحي غيرك من حب
اذ لم تجد بالوصل لست بمصنف ... وان كنت قد أذنبت تبت إلى ربي
فريش من جفنيه نبلاً ورامني ... فقلت قفا ترشف من المنهل العذب
أشار لنحوي بالنبال وأنني ... سمعت بأني رنة السهم في قلبي
ومن ذلك قول الأديب محمد سعيد السمان
بديع المحيا بالصدود مولع ... يصول دلالاً بالقوام الذي يسبي(2/45)
أراش سهاماً ريشها الهدب وانثنى ... يهز بعطفيه فيهزأ بالقضب
وأقصد أحشائي فاصمى صميمها ... ففاض دماها واستهال على الترب
وما أنا بالراجي بقاء وأنني ... سمعت باذني السهم في قلبي
وأصله من قول أبي تمام
ولما امتلا قلبي نصالاً وأسهماً ... بمعتركي سحر اللواحظ والهدب
وفوق ذاك الجفن آخر نبلة ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي
وللمترجم
تغيرت الأيام وأسود بيضها ... وصارت أسوداً عند ذاك قرودها
ففي الموت عز للكرام وراحة ... إذا ملكت أحرار قوم عبيدها
وله كاتباً على كتاب في الأدب
نزهت طرفي في رياض طروسه ... مستغنياً عن روضة غناء
تجلي العرائس من خدود سطوره ... تدعو لمالكه بطول بقاء
وله مخمساً
سلوا عن فؤادي حين سارت ظعونها ... غزيلة رسل المنايا عيونها
فمن عجبي روحي لدى أصونها ... وأصبو إلى سحر حوته جفونها
وان كنت أدري أنه جالب قتلي
أهيم إذا ما لاح برق وأومضا ... وأذكر أياماً تقضت بذي الغضا
فيمنحها ودي ولست معرضا ... وأرضي بأن أمضي قتيلاً كما مضى
بلا قود مجنون ليلى ولا عقل
وله مخمساً أيضاً
انني في الغرام أصبحت صبا ... لست أدري للداء بعدك طبا
كم أدأوي والقلب قد زاد حبا ... يا مريض الجفون عذبت قلبا
كان قبل الهوى قوياً سوياً
أنت قصدي وبغيتي ومرادي ... لا سليمى وزينب وسعاد
فبحق الهوى وصدق ودادي ... لا تحارب بناظريك فؤادي
فضعيفان يغلبان قويا
وكأنت وفاته تقريباً في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.(2/46)
حسين القصيفي
حسين بن رجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل الدمشقي الميداني الشافعي الشطاري بالقصيف الشيخ الفاضل البارع الأعجوبة كان رحمه الله له باع في عدة علوم قرأ وحصل وتفوق وظهرت له فضيلة لم تكن مع غيره لكن لم ينتفع بها ولم ينفع وكان كثير المطالعة لكتب الغزالي رضي الله عنه سيما الأحياء وكان فلتدري المشرب دعبلي اللسان يقذف الكبير والصغير ويهجو الناس بشعره حتى أنه هجا نفسه فلذلك وقع في المهالك ويحكي أن السبب في ذلك غضب والده عليه وكان والده من العلماء المشهورين له اليد الطولى في العلوم الرياضية كالحساب والهيئة والفلك والمويسقي ويعرف الفرائض حق المعرفة وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وذكر أن وفاته كأنت في سنة سبع وثمانين بعد ألف وبالجملة فقد كان ولده هذا من النوادر المقبولة وله شعر كثير وديوانه رأيته فرأيته يشتمل على هجو وحقيقة وغيره فمما جردت منه قوله ان أهل الخمول أهل الطريقة لهم قد بدت معاني الحقيقة وسواهم وأن تسامي غروراً ماله في الوجود تلك الرقيقة فاختصر واقتصر فما تم الا ذو ريا أو مرا خلا عن وثيقه وقوله
أحن إلى أناس قد تفانوا ... عن الأغيارة وانقطعوا إليه
تراهم في الورى أبداً سكارى ... حيارى من حضورهم إليه
ولست أرى أناساً قد تساموا ... بما هم فيه من زور عليه
ومن شعره
لي فيك معنى لطيف ليس يدريه ... الا امرؤ ليس يدري ما الذي فيه
به تخليت عن علمي وعن عملي ... وصرت منه به في منتهى التيه
وله أيضاً أحن إلى المنازل والربوع وقلبي من نواها في نزوع أسائل من لقيت ولي غرام مقيم بين أحشاء الضلوع لقد جد الهوى بي حيث أودى بما أبدى لدي من الضلوع وله
من عرف الآشياء في ذاته ... معرفة ذوقية ذاك هو
ومن غدا في نفسه عارفا ... ديدنه القال فقد عافه
وقال أيضاً
هذا الوجود بدا فأين الواجد ... هذا الشهود فهل لديك مشاهد
يا مقعد العزمات لا تنظر إلى ... أسد الفلاة فأنت ذاك القاعد(2/47)
ما أنت يوماً للحقيقة مظهراً ... بل أنت حقاً للحقيقة فاقد
قوم علت أرواحهم لما زكت ... ولها يداً منها لذاك شواهد
حلوا بأرض خملوهم حتى علوا ... بالذل قهراً فالمذلة شاهد
فأمط وجودك للشهود ولا تكن ... من أهل ذاك القال ذاك اللاحد
ما تم يا هذا لقالك معهد ... يجذق المشوق فأنت حقاً جامد
فالمنظر العالي لديه مناظر ... تبدي المنايا للذي هو قاصد
كم من قتيل في حماه مجندل ... ما أن له يوماً لذلك قائد
هذا ونحن كذاك من غير أمتراً ... حالي وحالك في الدراية واحد
ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها
يا نزولاً بجيرة الجرعاء ... نظرة منكم دواء لدائي
لست أسلوكم وان طال ما بي ... من بعاد وذلة وضناء
أي قلب يسلوكم وسناكم ... لم يزل ظاهراً بغير خفاء
بل جميع الوجود قد أسكرته ... في مجاليه نشأة الصهباء
فتداعى لكل حال تبدي ... باشتياق ولوعة وعناء
يا عريب النقا وسر ولاكم ... أنتم فتنة بغير امتراء
حيث حيرتم العقول بسر ... هي منه عن دركه في عماء
فتراها بمائها تترائ ... أيما لاح في ذرى العلياء
قد بطنتم مع الظهور وبنتم ... باقتراب وجلتم في انطواء
أي عقل له بذاك مجال ... مع تداعيه باختلاف المرآئ
ما ارتقاء إلى مقام على ... دون علياه أنجم الجوزاء
غاية السؤل عند أهل التصأبي ... أن يرى ظاهراً بسر الخفاء
ومن هجوه قوله
جاءنا الشيخ لابساً للعمامه ... ينجلي تحتها شبيه الغمامه
وهو في نفسه كبير عظيم ... ليس في فعله يرى من ملامه
يا لعمري وانه شيخ سوء ... جل أفعاله محل الندامه
وله أيضاً
لما تجلت نكهة اللاهوت ... فيما بدا من عالم الناسوت
فعلمت تقديس الوجود وأنه ... باد عن الرحموت لا الرهبوت
وانظر لسر الاستوا في قوله ... تبدو لديك شواهد التابوت(2/48)
ومن هجوه قوله في أهل التكية
يا نزولاً بالتكيةأنتم أهل البليةكل من رام حماكمحل في أقوى رزيه
مالكم قط صفاءلا ولا حال وفيهبل أمور ان تراءتفر منها ذي التقية
ما لورد كم وردوبل حظوظكم جليةواشتهاركم وبالللتعصب والحمية
والتراءس والتراءيوالتكبر بالمزيةلا دقيقة خير تبديمنكم سراً خفية
بل دعاء في مهأوأنزلتكم بالسويةشيخكم للجهل شيخكم حوى لفساد نية
مظهر السوء كذوبدارس السنة السنيةآكل السحت دواماًخقه السوء سجية
كم لكم فشر وقشركم له مكر الطويةكم يداهن كم يعانيماله عيش هنية
كم يفاخركم يباهيللتعاظم والانيةكم له جرار سوءكي ينال به العطية
لا جزاه الله خيراً ... فهو دجال البرية
وكأنت وفاة المترجم في حادي عشر جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ومن غريب ما وقع له بعد وفاته أنه لما أبيعت كتبه واشترتها فضلاء دمشق صار كل من أخذ كتاباً من تركته يرى هجوه فيه رحمه الله وعفا عنه.
حسين الداديخي
حسين بن أحمد بن أبي بكر المعروف بالداديخي الحلبي كان فاضلاً بارعاً أديباً ذا نكتة ومعرفة له باع طويل في الشعر العربي والانشاء أيضاً وكذلك الانشاء التركي ولد بحلب سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وقرا على أفاضلها وله تأليف سماه قرة العين في ايمان الوالدين وكتاب في السياسة وله تأليف حافل نظير تعريفات السيد سماه الفيض المنبوع في المسموع وله حاشية على الدرر نحو ثلاثين كراسة وكان له القدم الرأسخ في ميدان الأدب والشعر الرايق المرغوب عند بني حلب وكان مدرساً بمدرسة البولادية خارج باب المقام المشهور بباب الشام في حلب برتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وكان يتولى النيابات حتى استوعب نيابات المحاكم الأربع بحلب من طرف قضاتها في أزمان متفرقة وقبل وفاته بمدة عشرة سنين لزم داره وبالعزلة وجد راحته وقراه بعد أن وقع بينه وبين الشيخ طه منافسة وعدأوة أدت إلى غدره وكأنت علة قهره وله بديعية غراء مطلعها
لي في ابتداء أنتداي مزنة الكرم ... براعة تستهل الفضل بالقلم
تركيب سائلها يسدي لسائلها ... في حل ما حل اطلاقاً من العدم
فازمم زمام النوى ان النوال غدا ... لحاقه يوقع الأحرار في ضرم
ما للأيادي النوادي من مكارمها ... مثل الأيادي النوادي في عكاظهم(2/49)
يا صاحبي صاح بي حظي الملفق من ... بعدي ومن روعة الأكدار والألم
ومنها
فالقلب كالراء وسطا لهم مضطربا ... مهلاً أيا عصر ما يكفيك عصر دمي
فالشكل كالهاء والقلب الضئيل غدا ... كالراء والميم مثل الحال في الرقم
كابن شعبة قد صارت ليالينا ... تعدو علينا بمعنى غير منهضم
ومنها
دع التفات العذارى في الغرام وصل ... إلى اكتساب العلى وأسعى لها وهم
ان العواذل بالابهام في عذلي ... قد أكد وأسوء ظن الناس بالقسم
يا لائمين على الاحسان غيرهم ... نزهتم النفس عن أسداه بالذمم
يزيد في بغيه خصمي مشاكلة ... خصم الحسين يزيد البغي في القدم
فأصبحوا لا ترى الا مساكنهم ... من اقتباس دعا المظلوم في الظلم
ومنها
يا نفس صبراً على كيد الزمان وهل ... يجدي العتاب وأذن الدهر في صمم
برئت من طلب العلياء ان رجعت ... عنها العزائم مني أو دنا قسمي
يا قلب لذ بشفيع المذنبين إذا ... اشتد الزمان بايغال من الازم
وأجزم لنيل المعالي بالتخلص في ... مدح الجناب الكريم العالي الهمم
هو الحبيب الذي ترجي أغاثته ... لكل هول من الأهوال مقتحم
لنيل صعب العلي حسن التخلص لي ... بمدح ابن رسول الله ذي الهمم
ومنها
تم البديع على الوجه البديع إلى ... النادي البديع الذي منماه من أضم
مولاي يا واحد العليا ومانحها ... ومنقذي من أليم الغدر والتهم
خذها بديعة حسن البيان لها ... يعنو لها فصحاء العرب والعجم
من فكرة تشتكي الالام من زمن ... قد استوى فيه حر الطير والرخم
يغدو بها الفاضل الحلي في حلل ... والكفعمي كما العميان عنها عمي
وابن حجة لو ينحو ببهجتها ... لحج بيتاً حوته حج ملتزم
لذاك طاب لها ترك النهوض به ... أولاً فمن يمنع العلياء عن ذمم
نعم تخليت عن هجر وعن لغط ... لكن تحليت بالاخلاص في القسم
تباً لدنيا ترينا من تقلبها ... خيال ظل على التحقيق لم يدم
أين الذين مضوا أين الذي ملكوا ... أين الذين بنوا الأهرام مع أرم(2/50)
أين الذين مضوا في عصرنا وغدا ... خيالهم نصب عين الفائق الفهم
أين الصدور الذي كنا نعاضدهم ... على الوفاء بحفظ العهد والذمم
ومنها
ودم مصان العلي عن منع ذي أمل ... لاج لعلياك في بدء ومختتم
وكأنت وفاته في أوائل صفر الخير سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حسين باشا الجليلي
حسين باشا ابن إسماعيل باشا الجليلي وحيد دهره وفريد عصره عدلاً وكرماً ورياسة وتقدماً تعاطى كؤوس الفضل شابا وكهلاً وشيخاً ورسخ قدمه في المحاسن رسوخاً كان في العزم والثبات والحزم في مكان لا ينال ترجمه عثمان الدفتري في كتابه الروض فقال صاحب الآثار المعمورة والمحامد المبرورة الذي قلد أعناق الأنام بقلائد نعمه وأورق أغصان الآمال بسحب سيبه وكرمه روح جسد هذا الزمان انسان عين كل انسان تميمة قامة الدهر نتيجة وزراء العصر ذو المحامد المنوعة والمكارم المرصعة سحاب المجد والسماحة مالك أزمة العلو والرجاحة حسيني الأخلاق طاهر العنصر والأعراق وترجمه جامع هذه الكراسة في كتابه مراتع الأحداق فقال ماضي بيض الصوارم فاضح الغمائم صيب البنان طلق الجنان حأوي الفخر درة العصر حياة العلا وضاح الجلا زناد الفضل الموري عطايا فلك العز المضئ بالسجايا إلى أن قال ظهر ظهور الشمس في الأفاقا فأصبح في الوزراء بمنزلة الأحداق فبهر فضله واشتهر عدله وانبسطت لوجوده بسط الأفراح وانطوت بطالعه السعيد منشورات الأتراح واعتدل مزاج الزمان بعد انحرافه وامتنع المجد لعدله ومعرفته من انصرافه وأنتعش جسم العلم بعد أن أنتعش وانمحى ما كان من الجور على صحيفة الزمان قد أنتقش وسرت حميا عطاياه بمشاش العديم فأصحت أيامه رياش الدهر البهيم فأقام سوق الفضل بعدما كسد وأصلح من العلا ما اندرس وفسد وكأنت وزارته سنة ست وأربعين ومائة وألف ثم في سنة سبعين ومائة وألف ولي حلب الشهبا ثم عاد إلى مسقط رأسه بلدة الموصل وتوفي بها سنة احدى وسبعين بعد المائة والألف ودفن بالجامع الذي أنشأه ولده محمد أمين باشا ومولده كان بالموصل سنة سبع ومائة وألف ورثته الشعراء بمراثي عديدة يطول ذكرها وله مع الوزير أحمد باشا والي بغداد وقائع عدة.(2/51)
حسين جبلي
حسين بن رمضان المعروف بجبلي الحنفي الرومي الكاتب المشهور ارتحل في مبدأ أمره إلى دار السلطنة قسطنطينية وصار فتالاً في الغلطة ثم صار حبالاً في باب الحبس داخل سور البلدة المذكورة وتعلق على الكتابة والقراءة فأخذ الخطوط عن درويش علي بن الأنباري وتلمذ له وملك حسن الخط وأتقنه وتزوج بابنته وبرع وحسن خطه وشاع وتنافس الناس بخطوطه حتى صار شيخاً ومعلماً في دار السعادة العتيقة ثم في سنة خمس وأربعين ومائة وألف عين لتعليم غلمان الحرم السلطاني في دار السعادة الجديدة مقر السلطان وصار اماماً في جامع الوالدة الكائنة بدار السلطنة المذكورة وكان شيخاً كاتباً صالحاً ديناً زاهداً يعلوه أبهة ووقار وأنتفع به بالخط خلق كثيرون لأشتهار أمره بين الكتبة وكان وفاته في شعبان المعظم سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن باسكدار رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
حسين البيتماني
حسين بن طعمة بن طعمة بن محمد الشافعي البيتماني الأصل الدمشقي الميداني القادري الرفاعي الشيخ العارف الكامل الصالح الصوفي الطريقة والمشرب كان ممن تصدى في علم الحقيقة وشهرته في ذلك قراء واشتغل على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق فإنه خدمه في خلوته بجامع العداس في محلة القنوات وهو دون البلوغ ورباه أكثر من أبيه وأمه حتى بلغ مبلغ الرجال فقرأ عليه في كتب الفقه والتصوف والآداب المحمدية ومكارم الأخلاق ورياضات النفس ما به الكفاية في أمور الدين وسلوك طريق المريدين وأنتفع به وشمله نظره وأجازه بمروياته في هذا الطريق عن مشائخه الكرام وكأنت مدة تلمذته له أكثر من خمسة عشر سنة وأخذ وقرأ أيضاً على الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه مدة تزيد على خمسة عشر سنة وأخذ عنه وقرأ عليه في علم الحقيقة وأنتفع به وتلمذ إليه إلى أن مات واشتهر بيركات أنفاسه حتى ان الاستاذ المذكور واسمه بفارس الميدان ولا تخفي التورية في ذلك وهذا مما يرشد إلى بيان مقام المترحم وكان له مشايخ كثيرون منهم الشيخ أبو المواهب مفتي الحنابلة بدمشق والشيخ أحمد الغزي المفتي الشافعي والمولي محمد العمادي المفتي الحنفي والشيخ عبد الله البقاعي الأزهري نزيل دمشق والشيخ محمد الكاملي والشيخ عثمان الشمعة والشيخ علي كزبر الدمشقي وأخذ الطريقة(2/52)
القادرية عن السيد يس الكيلاني الحموي نزيل دمشق ولما قدم دمشق العالم الشيخ عبد الرحمن بن مصطفى البكفلوني الحلبي حين عوده من المدينة المنورة بعد مجأورته بها اصطحبه وأخذ عنه وقرأ عليه وكتب له ثبته بخطه وأجازه بجميع مروياته وكأنت مدة صحبته معه ست سنوات وأيضاً لما قدم دمشق المحدث الشيخ محمد عقيلة المكي قرأ عليه وخدمه مدة اقامته بدمشق ولما حج إلى بيت الله الحرام المترجم اجتمع بالمذكور ثمت في داره بمكة وأجازه بجميع مروياته ثم اشتهر بالتصوف وعلم الحقيقة ودرس في زأويته تجاه الشيخ محمد الحميري رضي الله عنه في ميدان الحصا وصار يقيم الذكر في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظم التي بناها في سوق الخياطين بالقرب من المحكمة وألف وصنف ومن تأليفه شرح قصيدة أبي الحسن الششتري ومنها الفوائد المستجادات الشرعية وملخص علوم الفتوحات المكية ومنها شرح مختصر الرسالة العظيمة المسماة بذخيرة الاسلام ومنها ترجمة مختصرة في بيان سنة تلقين الذكر ومنها الفتوحات الربانية في شرح التدبيرات الآلهية ومنها الهداية والتوفيق في سلوك آداب الطريق ومنها السهام الرشيقة في قلوب الناهين عن علم الحقيقة ومنها كشف الأسرار في حل خيال الايزار ومنها ديوان شعره الذي سماه فتح الملك الجواد في نظم الحقائق ومدح الأسياد وقد أطلعت عليه فرأيته ديواناً كبيراً والأغلب فيه بل كله على لسان القوم وقد ذكر به أشياء عام فيها أي عوم وقد تصفحت أغلبه وكان من أحباب جدي ووالدي ومتردديهما ومن شعره قوله
لنا العلم والتحقيق والمورد الأصفى ... وأرواحنا بالأمر والأمر لا يخفى
ونحن على العهد القديم ولم نزل ... ومن يبتغي التبديل لا يأمن الحتفا
تجلى علينا الله بالوصف ظاهراً ... وبالحلم والاحسان جادلنا كشفا
سلكنا به أوج العلى وقلوبنا ... على الصدق والايمان لم تألف الخلفا
وفيه تركنا المزج من كل مازج ... فطاب شراب الوصل منه لنا صرفا
ومنه رأينا الوجه فينا بنوره ... ولولاه ما كنا وجوداً ولا وصفا
ولولاه ما بعنا النفوس بحبه ... ولولاه ما نلنا المسرة والألفا
سقانا من التحقيق عذباً مقدساً ... لديه فؤاد الصب يشربه لطفا
هو العلم علم الدين دين محمد ... هو النور نور الله قد جل أن يطفى
وما عندنا شك بعلم لظاهر ... هو الحكم بالمنصوص فالحكم لا ينفى
ولكن لدينا السر فيه قلوبنا ... تطير من الأكوان للحضرة الزلفى(2/53)
ويعمل فيها الراح معنى سرورنا ... فنسكر حباً بالحبيب إذا وفى
فتعذلنا الجهال من فرط جهلهم ... بموردنا الوافي ومشربنا الأصفى
شربنا وعربدنا وطبنا بحبنا ... ولم نمنح اللوام قولاً ولا طرفا
وقد جاءنا المختار يهدي لدينه ... على السنة البيضاء والسنن الأوفى
دعانا لأمر قد أجبنا لأمره ... بطوع وكان الأمر منه لنا عطفا
وله من قصيدة
خمر المحبة في القلوب تروقا ... قد حاز فيه الصب أنواع التقى
فاحت روائحه على طلابه ... فغدا المحب له يزيد تعشقا
وفؤاد أهل الله فيه معربد ... لكن على التقوى إلى يوم اللقا
قد قال ربي في نصوص كتابه ... فافهم كلامي لا وجدتك أحمقا
كل الذي في الخلق فان هالك ... الا الذي بالوجه دوماً للبقا
أعني بوصف الوجه وجه آلهنا ... فاجمع به طوراً وطوراً فرقا
علم الحقائق والدقائق قد غدا ... يسمو بأهل الله درجات الرقا
والعارفون لهم مقاصد بينهم ... يبغونها غرباً كذاك ومشرقا
فاحذر من الزلات فيها انها ... حكم تفيد إلى الجهول تزندقا
جمع وفرق يا أخي فكن بها ... في الكون عبداً للآله موفقا
واسلك على الأمرين في توحيده ... واملأ فؤادك بالكمال تحققا
وقد وقع له واقعة منامية مع الاستاذ شيخه الشيخ عبد الغني النابلسي وجدي العارف محمد المرادي النقشبندي وهي انه رأى في المنام الاستاذ النابلسي المذكور والاستاذ الجد المذكور وكل منهما نائم في فراش فطلب جدي منه خدمة فذكر بين يديه البيت الأول من هذه القصيدة الآتية فقال له الاستاذ النابلسي زده فقال الثاني إلى الرابع فلما بلغه أومى إليه جدي المذكور ان يذكر الاستاذ النابلسي في الخطاب فقال البيت الخامس وما بعده فلما أنتبه وفي فهمه ذلك بادر إلى كتابتها وهي قوله
تذكر خاطري عهد المرادي ... كما كنا عليه من الوداد
هو الخوجا محمد نقشبندي ... كريم الأصل محفوظ الولاد
يذكر السر فاز القلب منه ... وبالأحوال يقدح كالزناد
تفرد في المقام على نقاء ... وجلت تابعوه عن الفساد
زمان قد قطعناه بجد ... مع الأحباب خال عن عناد(2/54)
رجال سادة كالبحر يبدوا ... لأهل الأرض أمواج الرشاد
تجلى الله فيهم بالمعاني ... وفي العلم المقدس بالسداد
وشمس الذات قد طلعت عليهم ... فنالوا باللقا أعلى المراد
الا يا سادة نالوا مقاماً ... من الرحمن مرفوع الأيادي
فأنتم للأنام بدور هدى ... كنجم في الدجى للقوم هادي
وغوث للورى أنتم ومنكم ... تملت تابعيكم والنوادي
ونور المصطفى فيكم تلالا ... كشمس الأفق تظهر للعباد
ونسبتكم إليه بلا خفاء ... وفي التحقيق فيه بغير ذاد
سلكتم بالتقى ديناً قويماً ... ومنكم تم لي فيه انقيادي
ولم أنس العهود كما سلكنا ... وعزمي في وفاكم كالجواد
واني منكم صب وليد ... ولي منكم بكم حبل امتداد
وعن ثدي المراضع من سواكم ... تمنع خاطري وكذا فؤادي
وعنكم قد رويت العلم حقاً ... واذكار الطريق بلا تمادي
ولي بالعهد ملتزم وثيق ... واني لم أزل للفضل صادي
بقدر الوسع قلت بكم مديحاً ... واني لا لقدركم أبادي
جزاكم كل خير يا موالي ... الهي بالجنان بلا نفاد
وأولاكم رضى وكذا سروراً ... ومن فيكم تمسك بازدياد
على طه السلام بكل وقت ... مدى ما صاح في الركبان حادي
كذاك الآل والأصحاب جمعاً ... وكل الأولياء على السداد
مدى ما قلت في الأسياد لطماً ... وأعلنت الثناء على المراد
وشعره كثير وكأنت وفاته في ليلة الخميس بين العشائين سابع جمادي الأولى سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بزأويته بميدان الحصا رحمه الله تعالى.
حسين الجزايري
حسين بن عبد الله المعروف بالجزايري الرومي الكاتب الشهير بحسن الخطوط واتقانها كان في الأصل رقيقاً للدرويش على الكاتب القسطنطيني وأخذ الخط بأنواعه عن سيده المذكور وأتقن الكتابة ثم فر هارباً من قسطنطينية من عند سيده إلى جرائر الغرب وكان اسمه دلأور فسمى نفسه حسيناً ثم قدم مصر القاهرة وأقام بها إلى أن مات واشتهرت خطوطه بين الناس وأخذ عنه الخط(2/55)
أناس كثيرون وفاق أقرانه وشاع صيته وكان شهماً جليلاً له تصرف تام ومهارة في صناعة التوريق وكأنت وفاته سنة خمس وعشرين ومائة وألف بمصر القاهرة رحمه الله.
حسين باشا حسني
حسين باشا بن عبد الله الملقب بحسني القسنطيني أحد وزراء الدولة العثمانية في عهد السلطان مصطفى خان الثالث ابن السلطان أحمد خان الثالث العثماني تغمدهم الله بالرضوان تقلبت به الأحوال وصار رئيساً للعسكر الجديد المعروف بالينكجرية ثم صار أمير الأمراء وحاكم البحرين وبعده أعطى الوزارة وكان شهماً جليلاً مدبراً جسوراً كاملاً مكملاً توفي في جزيرة قندية سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وحسني منسوب للمحسن وهو لقب له على طريقة شعراء الفرس والروم في الألقاب وبالجملة فقد كان نادرة دهره ووحيد عصره رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين.
حسين السرميني
السيد حسين ابن السيد عبد الرحمن بن محمد الشهير بالسرميني الحنفي الدمشقي كان مجاناً بارعاً طارح التكليف سالكاً بين أبناء زمانه له في كل مقام مقال ولد بدمشق وقرأ وجالس الأعيان وانخرط في مجالسهم ولازمهم وادعى نظم الشعر والفضل حتى شرع في التدريس بمدرسة الخصاصية الكائنة بسوق الدرويشة بالقرب من سراية الحكم لكونه كان متوليها وقف الوزير طويل أحمد باشا وصارت له رتبة اكنجي المتعارفة بين الموالي وكان أحد من يتولى النيابات بالمحاكم كالعونية وغيرها كوالده السيد عبد الرحمن المتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وبالجملة فقد كان ممن يؤنس بحضوره وعشرته وكان والدي يسعفه لأنه كان من أخص المحسوبين والمنسوبين إليه وقد ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أليف ودادي الذي عهوده وثيقة وحليف مرادي الذي درر ذممه نسيقه غبطني عليه الزمن ومتعني باخائه الغالي الثمن فصرفت إليه وجهة الألفة ورفعت ما بيننا حجاب الكلفة فإذا اجتمعنا نودان لا نفترق وإذا افترقنا عاد كل منا وهو أسف فرق فهو لي مطمح سرور وراحة قلبي المحرور تبسم لي تباشير الرضى من خلائقه فاقطع حبال وثوقي من علائقه فما رأيته الا وهشيت ولا طارحته الا وطربت وانبشيت كأنه من ملح تصور ومن اهتضام النفس تكون وبسوار(2/56)
الانطراح تسور وقد استبضع من الآداب شطراً وأطرب في تفاصيلها وأطرى لا يفتر عن تحصيل فائدة ولا عن تلقاء أمر منافعه للخير عائده وله شعر ساحته محمية عن النظير كأنه منابت الزهر في الروض النضير فمن ذلك قوله
لك الدهر قد أبدى المسرة والبشرى ... وأطلع في أفق السما أنجماً زهرا
وجر نسيم البشر في الروض ذيله ... ندياً فأضحى الزهر مبتسها ثغرا
وعادت روأبي الأنس تندي نضارة ... فأصبح وجه الأرض ممتلئاً بشرا
وقام بناطير السرور مغرداً ... فأطر بنا صدحاً وأبدى لنا اليسرا
بمقدم نجل قد تبدي وطرفه ... لأسنى المعالي طالب الرتبة الغرا
فقرت به شكراً عيون أولى النهى ... وراقت به الأوقات مذ حلها طرا
سيرتع في روض الكمال بهمة ... ويجمع بالحزم المحامد والشكرا
ولا بدع فيه فهو نجل الذي رقا ... آلي ذروة العليا فصار بها صدرا
همام لقد أضحت كواكب رأيه ... بها يهتدي الساري لدنياه والأخرى
هو الأروع المفضال من آي فخره ... مدى الدهر تتلى فوق هامته جهرا
لقد شابهت أخلاقه الغرقى العلى ... زهور الروأبي مذ حوى طيبها نشرا
فيا روضة الآداب يا من قد اكتست ... ثغور طروسي من مدائحه عطرا
اليك سطوراً أعلنت ببشارة ... بنجل بهي في المعال سما قدرا
فلا زال في حصن الاله ولطفه ... تحف به النعماء من ربه تترى
ودمتم بأهنى العيش ما لاح كوكب ... وما هب من نجد صبا يعقب الفجرا
وقوله في بكرة ماء
وبركة ماء قد تكفكف دمعها ... لها حبب مثل اللالئ تنثر
بسطنا بساط البسط حول فنائها ... فنلنا سرورا كنهه ليس يحصر
وكتب إلى المولى عبد الرحيم الرومي ابه زاده القسام العسكري بدمشق بقوله
يا ذا الكريم الذي طابت عناصره ... ومن غدا في العلى والمجد قد ساما
لو لم تكن آبداً بالعدل متصفاً ... ما كنت بين أولي الألباب قساما
فأنت لي سند عبد الرحيم فقل ... لصنوك الشهم من بالشرع قد قاما
يحسن لعبدكما فيما وعدت به ... أصير معتبر أفضلا وانعاما
لا زال سعد كما تسمو مراتبه ... والدهر يلقاكما بالعز بساما(2/57)
وكأنت وفاة صاحب الترجمة في سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مزج الدحداح
حسين الوفائي
حسين بن علي بن محمد الوفائي شيخ سجادة الوفائية بزأوية الشيخ أبي بكر ابن أبي الوفا ظاهر حلب المحمية الحنفي الحلبي المولد هو وآباؤه الفاضل الكامل الأديب المرشد ولد في سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وقرأ القرأن على الشيخ محمد الشهير بقدره وأخذ العلوم أصولاً وفروعاً عن العلامة السيد يوسف الدمشقي مفتي الديار الحلبية وعالمها واختص به وعن العالم الشيخ قاسم النجار وغيرهما وجلس على السجادة في الزأوية المذكورة بعد وفاة والده في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وكان شاعراً له ديوان شعر كله توسل ومدح في النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والأولياء خصوصاً في شيخه واستاذه الولي الكامل الشيخ أبي بكر الوفائي فدس سره ومن شعره قوله من قصيدة نبوية مطلعها
يا شفيع الورى وبحر العطايا ... وملاذ الضعيف والملهوف
ورسولاً أتى إلى الخلق طرا ... رحمة عمه فيضها بالصنوف
نبياً به هدينا إلى الحق ... بهدي من عزمه الموصوف
ورؤفاً بالمؤمنين رحيماً ... يوم نبلي بكل هول مخوف
حزت خلقاً ونلت خلقاً زكياً ... وصفاتاً تليق بالموصوف
انني جئت نحو بابك أبغي ... كشف ضراً ضرني بالوقوف
فأقلني منه ومن كل كل ... حل جسمي بجيشه الموصوف
أنت أنت الملاذ يا أشرف الرس ... ل وكنز الشتيت والمضعوف
منها
فعليك الصلاة تترى دواماً ... ما تحلت صحائف بالحروف
وعلى الآل كل حين وآن ... وعلى الصحب معدن المعروف
وله قبل وفاته بأيام قليلة قوله
إذا عشت عمر النسر في ظل راحة ... أحافظ لذاتي بها وأصون
فلا بد لي يوماً بأن أسكن الثرى ... وأعلم حال الموت كيف يكون(2/58)
وله غير ذلك وكأنت وفاته في الساعة الثالثة من نهار الحادي والعشرين من ربيع الثاني سنة ست وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حسين بن معن
حسين بن فخر الدين بن قرقماس المعروف بابن معن الدرزي الأصل الشامي نزيل قسطنطينية أحد خواجكان الدولة العثمانية ورؤسائها المشهورين بالمعارف والبيان والفضائل والاتقان كان عارفاً متقناً لأمور الدولة مفنناً بالأدب يغلب عليه التقوى والصلاح كان والده فخر الدين أميراً مشهوراً من طائفة كلهم امراء ومسكنهم بلاد الشوف من جانب السلطنة بعد موت أبيه وعلا صيته وشأنه وتدرج إلى أن جمع جمعاً كبيراً من السكبان واستولى على بلاد كثيرة منها صيدا وصفد وبيروت وما في تلك الدائرة من اقطاع كالشقيف وكسروان والمتن والغرب والجرد وخرج عن طاعة السلطنة ولما وصل خبره للدولة العلية بعثوا لمحاربته الوزير أحمد باشا المعروف بالحافظ نائب دمشق وكثيراً من امراء هذه النواحي وصدر بينهم المحاربات ولم يظفر الحافظ منه بظفر ثم بعد ذلك زاد طغيان فخر الدين والاستيلاء على البلاد وبلغت أتباعه نحو المائة ألف من الدروز والسكبان واستولى على عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب وسلمية وبالجملة فإنه سرى حكمه من بلاد صفد إلى انطاكية وبلغ شهرة وافية وقصده الشعراء من كل ناحية ومدحوه ولما تحقق السلطان مراد خان مخالفته وتعديه بعث لمقاتلته الوزير أحمد باشا المعروف بالكوجك وعين معه امراء وعساكر كثيرة فركب عليه وصارت له النصرة من طرف الله تعالى وقتل أولاً ابنه الأمير علي حاكم صفد ثم قبض على فخر الدين ودخل به إلى دمشق بموكب حافل وفخر الدين مقيد على الفرس خلفه ثم أرسله إلى طرف السلطنة هو وولديه الأمير مسعود والأمير حسين المترجم ولما وصل إلى قسطنطينية وكان السلطان مراد خان في يوم دخوله في اسكدار فعند الوصول أمر بحبس فخر الدين وأرسل ولديه إلى سراي الغلطة وكان ذلك في سنة ثلاث وأربعين وألف ثم في شوال من السنة المذكورة أمر السلطان المذكور وزيره بيرام باشا بقتله فأخذ فخر الدين من حبس بستانجي باشى إلى تجاه مكان الوحوش المعروف بأرسلان خانه ورميت رقبته هناك وجثته ألقوها في المكان المعروف بات ميدان وولديه المذكورين مسعود والمترجم أما مسعود فلكونه كان اذ ذاك كبيراً خنق وألقى في البحر وأما المترجم حسين فلكونه صغيراً رشيداً فالحاً أبقوه في سراي الغلطة كعادتهم وعدل عن مذهب أسلافه وتبع منهج الاسلام(2/59)
رافضاً لخلافه ثم نقل للسراي الكبيرة التي بها السلطان ثم نقل لخاص أوطه وترقى في الرتب السلطانية الجوانية الداخلة في السراي العثماني حتى صار كتخدا الخزينة السلطانية وصار له القبول التام في السراي حتى عرضت عليه رتبة الوزارة فأباها ثم خرج كعادتهم برتبة الخواجكانية على القواعد العثمانية وتولى عدة مناصب بمقتضى الرتبة المذكورة وكان بالمعارف ممن يشار إليه بالبنان لنظر الملوك عليه ولتربيته في ظلالهم وأنتشائه من زلالهم ورؤية الدولة ومعرفة القوانين ومجأورة الأكابر والعلماء وخدمة السلطان حتى انه ألف كتاباً سماه التمييز في المحاضرات والأدبيات يدل على فضله ونبله ثم أرسله السلطان محمد خان ابن إبراهيم خان ايلجيا من طرفه يعني قاصداً إلى سلطان الهند وهذه الخدمة تتعلق بالسفير الذي يذهب من طرف دولة إلى طرف دولة اخرى ثم أنه ركب بحراً وهو ذاهب وطلع من صيدا فلما سمع بوصوله قريبه الأمير أحمد بن معن حاكم بلادهم اذ ذاك وأقاربه بني شهاب امراء وأدى التيم وكأنت قرابته لهم من جهة النساء ذهبوا لأستقباله واجتمعوا به في حاصبيا ثم عرضوا عليه حكومة بلادهم وكلفوه أن يصير حاكماً عليهم فقال لهم كيف بعد خدمة الدولة والسلطان والرتب السامية السلطانية أصير حاكماً على بلاد الدروز بعد أن استظليت بظل الدولة وارتضعت أفأويق نعمتها وشملتني ببرها وهبتها فهذا أمر محال وارتحل لمقصوده للديار الهندية ورجع مكرماً متمماً مصالحه ولم يزل في قسطنطينية له الشهرة بين رؤسائها حتى أنتقل إلى رحمة مولاه وكأنت وفاته بها في سنة تسع ومائة وألف عن نيف وسبعين سنة وأما أملاك وعقارات والده وأمواله فان أحمد باشا الكوجك المذكور لما قتل والده كما حررناه آنفاً أوهبه السلطان مراد جميع ذلك وكان عمر التكية خارج باب الله بالقرب من قرية مسجد القدم فوقف عليها ذلك من متعلقاته في بعلبك وصيدا وريشيا وحاصبيا كأنت أملاكاً لفخر الدين والحق بذلك ستين جزأ بالجامع الأموي وتعيينات لأهالي الحرمين والقدس
وإلى الآن ذلك جاري رحمهم الله تعالى. إلى الآن ذلك جاري رحمهم الله تعالى.
حسين باشا ابن مكي
حسين باشا بن محمد بن محمد مكي بن فخر الدين واشتهر نسبهم بالفخر الغزي والي دمشق وأمير الحاج كان جده أحد تجار غزة المتمولين ونشأ ولده محمد في حجر العارف الشيخ حسين خليفة الشيخ شعبان أبي القرون الولي المشهور إلى أن شب واكتهل فاتصل بخدمة وزراء الشام ونشأ ولده الوزير المترجم في غزة معتبراً معلوما(2/60)
ً إلى سنة خمس وخمسين ومائة وألف فتوجه والده من دمشق إلى اسلامبول وأخذ بلاد غزة اقطاعاً له بطريق المالكانة وأقام ولده المترجم فيها ثم ان والده طلبه الوزير أسعد باشا حاكم دمشق ابن العظم وجعله كتخدا له واستقام بدمشق سنين وتوطن بها وكان ذا عقل وتدبير وله معرفة بالكتابة والقراءة حسن الرأي صادقاً في الخدمة وبقي ولده المترجم في غزة هاشم حاكمها ثم ان الوزير أسعد باشا أقامه منصوباً في بلدة القدس من طرفه حاكماً إلى سنة تسع وستين ومائة وألف فتوجهت عليه ايالة القدس بطوخين فصار أمير الامراء وبقي تسعة أشهر وعزله أسعد باشا وعاد إلى غزة ثم توجهت عليه صيدا وايالتها بالوزارة ثم صار أميراً لحاج ووالي الشام بعد عزل أسعد باشا المذكور وصيرورة الوزير محمد راغب باشا والياً على دمشق ودخلها فاستقبله أعيانها وأكابرها ووصل للجند واليرلية بقدومه كمال الحظ الوفير والانبساط وظهر ابتداء شوكتهم من ذلك العهد وقوى وكان ابتداء ظهورهم ثانياً وتطأولهم وكان الوزير المذكور يوقر العلماء والأشراف ولم يكن شرها على جمع المال ويميل للعدل وحسن الرياسة غير أنه كان بطئ الحركة عن شهامة الوزارة فبسبب ذلك حصل من اليرلية التطأول في زمنه وحصلت الفتن التي لم تعهد من قديم الزمان وظهر الغلا والقحط في دمشق وضاجت الرعايا وحصل الضيق واشتدت الأمور وقامت رعاع الأوجاقات اليرلية والقبي قول وغيرهما كذلك من طوائف الأكراد والعساكر وحصل ما حصل من الفتن والحروب وفي رمضان كذلك صارت المحاربات والقتال وقوي العناد والطغيان وعقب ذلك الطاعون والزلازل والذي صدر في تلك الأوقات من الخطوب والأمور المعضلات والفتن يطول شرحه ويعجز الانسان عن الاتيان بذكره وحصل للأعيان والرؤساء الضيق العظيم وقامت عليم الناس حتى في يوم دخول الوزير المترجم تكلمت بعض الأعوام في حقهم وضجت العالم عند دخوله وكان الفساد مباديه ظاهرة وعلامات الفتن للعيان ثم لما ذهب للحج قدر الله تعالى أن عرب بني صخر اجتمعوا هم وعربان البرية ونهوا الجردة وكان أمير الجردة أمير الأمراء موسى باشا المعرأوي لما وصل إلى منزلة القطرانة خرجوا عليه ونهبوه وشلحوه ومن معه في الجردة وأخذوا جميع ما عنده ولم يبقوا شيأ ورجعت الناس الذي للجردة منهم ناس للقدس ومنهم إلى الشام وتفرقوا أيدي سبا وأما الوزير المزبور رجع وأقام في قرية داعل معري ما عنده شيء فلما وصل الخبر للشام أرسلا له تختاً فلما وصلوا إليه وجدوه ميتاً فحملوه وجاؤا به لدمشق ليلاً وفي ثاني يوم دفن في مقبرة سيدي خمار ثم ان العرب ربطوا للحج ومنعوه السبيل من قلعة تبوك ثم انهم هجموا على الحج(2/61)
لضعفه فنهبوه جميعاً وصدر على الحجاج شيء لم يصدر أبداً وفر الوزير المزبور هارباً مع شخص واحد مختفياً في لباسه إلى قلعة تبوك ومنها فر هارباً إلى غزة وبقي هناك إلى أن وردت له رتبة الوزارة مع منصب مرعش فتوجه اليها أو حكمها سنة ثم عزل وعاد إلى غزة فركب عليها عرب من بني صخر وعربان الوحيدات فجهز عليهم عساكره وخرج لقتالهم وأبعد عن غزة خمسة أيام فلحق بهم وحاربهم قليلاً من الزمان ثم فر كتخداه بعساكره فبقي هو في نفر قليل فاستأصلوهم قتلاً وجرحاً وقتل الوزير المذكور في يوم الخميس الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائة وألف وضبطت أمواله لجهة الدولة بأمر منها رحمه الله تعالى.
حسين الزيباري
حسين بن مصطفى بن حسن الزيباري الحلبي الشيخ الفاضل الأديب ولد سنة أربع وتسعين وألف وأقام بمدرسة الشعبانية بحلب مدة خمسين سنة وأكب على الطلب حتى برع في الأدب وكان له اسم بين شعراء حلب فمن شعره قصيدة مدح بها أحد حكامها مطلعها
من الله أرجو نصرة الحق والشرع ... يامن ويمن دائم الخصب والنفع
بمقدم أهل الجود والمجد والهدى ... وميض المحيا في العلا طيب الطبع
سليمان سيف الله ذي الفخر في النهى ... فضيل كسعد الدين والسد السبع
ومنها
ودمت قرير العين ماجن غاسق ... وما بزغت شمس على الوتر والشفع
ومنها
لذلك وافانا البشير مؤرخاً ... سليمان سيف الله بالحق والشرع
وأخرى مطلعها
بشرى لنا قد جاءنا محمد ... نسل الكرام كامل ممجد
وزير أهل المجد طيب الشذا ... محمود هذا لوقت حقاً يحمد
ومنها
لا زلت في السرور يا فرع العلى ... وعيشكم طول الزمان أرغد
ودمت للداعي لكم ما شعشعت ... شمس الضحى بنورها والفرقد
وتوفي بحلب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد حسين الحصني
السيد حسين بن مصطفى بن عبد الرحمن بن محمد المعروف كأسلافه بالحصني تقدم ذكر قريبه السيد تقي الدين الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه(2/62)
الصالح التقي كان من أفاضل وقته خصوصاً في فقه مذهبه مع صلاح واجتهاد في العبادة والتقوى والاشتغال بمطالعة كتب الصوفية واتباع سنن الاسلاف ولد بدمشق وقرأ بها على أجلة من شيوخها واقرأ دروساً وأفاد وأخبرت انه ألف حاشية على المنهاج في فقه مذهبه وتلمذ للاستاذ الشيخ أحمد النحلأوي ولازمه فلمحته من حضرته لمحة وأمده من نفحاته بنفحة فاستغرق في بحر الوجدان والشهود وتفانى عن الأغيار في مقام الوجود وتغير لحال زاد منه ولهه واستغراقه فلازم البيت وانكف عن المخالطة واستقام على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته مطعوناً في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بباب الصغير وأخوه السيد علي كان من أخيار الأتقياء الناجحين الأولياء أدركته وهو ممن يتبرك به وبدعواته وبالجملة فكلاهما كانا من خيار خلق الله تعالى الناهجين على طريقة الأبرار وكأنت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن أيضاً بتربتهم المذكورة رحمهما الله تعالى.
حسين بن حسن تركمان
حسين بن موسى باشا ابن محمد المعروف بابن حسن تركماني التركماني الأصل الدمشقي الميداني أحد كبراء الجند بدمشق وأعيانهم وسراتهم الأمير السخي الجواد الممدوح كان من رؤساء الأجناد وكبراء أوجاق الينكجرية المشار اليهم موصوفاً بأحسن الأوصاف ومنعوتاً بأجمل الأخلاق يكرم الأفاضل والأدباء بالجوائز الحسنة ومع هذا كان عالي الشأن والقدر وصار كتخدا جند الأوجاق المذكور واشتهر وشاع صيته وهو وأسلافه لهم قدمة في الرياسة وكانوا في الجملة زينة المواكب وطنت حصاتهم في الآفاق وربما كانوا مع توابعهم ولواحقهم وأقاربهم يقاربون ربع العسكر ودارهم في محلة باب المصلى من الدور العظيمة وأعطاهم الله القبول حتى نالوا وكثرت دولتهم ولم يزالوا في عز وجاه حتى فاق لهم الزمان وغدر بهم وفاجاهم بالمحن والرزايا ونسخ آياتهم ورض بنيان عزهم ومجدهم وجعلهم مندبة الأيامى ومجنة اليتامى وفضل منهم بقية نالوا بعض الرفعة ثم أودى بهم الدهر إلى أن قتلوا في فتنة اليرليه في زمن الوزير أسعد باشا ابن العظم حاكم دمشق وأمير الحاج والآن البقية منهم من آحاد الناس وكان موسى باشا والد المترجم بعد تنقله في مناصب الأجناد صار أميراً على الحج وحج في الناس سنتين متتابعتين وتولى امارة عجلون وفوضت إليه حكومتها ثم في ثاني سنة من امارته على الحج وقعت الفتنة والواقعة مع الأمير حمد بن رشيد أمير بلاد حوران حين نهب الحج بالعود فقتل موسى باشا في المعمعة وكأنت قتلته في سنة احدى وثمانين وألف وبقي ابن رشيد بعده مدة والطلب(2/63)
واقع عليه فلم يظفر به واتفق ان المقادير ساقته لأجله برحلة وقعت له إلى نواحي بغداد نزل بها عند رجل غدر به فمات وكان قتله في سنة تسعين وألف ثم ان المترجم نشأ مكتسباً للكمال والأدب وتنقل على عادتهم في الأوجاق وصار كتخدا الجند وتكرر ذلك له وكان مع ذلك فاضلاً أديباً لوذعياً شاعراً منشياً عارفاً له كمال وأدب واطلاع وينظم الشعر الباهر ومن شعره ما كتبه للشيخ محمد بن عيسى الكناني شيخ الخلوتية بدمشق وهو قوله
أنعم صباحاً أيهذا المقتدى ... بكل خير فالسعود قد بدا
ودم على نهج التقى محترما ... مكرماً وسيداً مؤيدا
كوكبك الميمون ضاء نوره ... من دونه ضاء سناء وقدا
أعنى العزيز ابن العزيز سيدي ... وعمدتي وعدتي حمدا
ابن الامام الجهبذ الذي حوى ... كل كمالات الهدى وأرشدا
مولاي عيسى من عطى ولاية ... ورتبة عالية وسؤددا
من شاع بين العالمين ذكره ... وفضله ويمنه ولا سدا
أقسم بالله العظيم انني ... لمغرم في حبه على المدا
هو أطل الرحمن تغشى قبره ... والروح والريحان ينمو سرمدا
فتى له الفضل كذا طريقه ... انجابه محمداً وأحمدا
منها
يا منهج الصدق ويا بحر الوفا ... يا من تسامى بالرشاد وارتدى
مدحك لا يحصى واني قاصر ... عن شرحه اذ منتهاه مبتدا
فامنح أخاك سيدي بدعوة ... صالحة وكن بها لي منجدا
لا زلت للأخوان كهفاً مانعا ... ومنهلاً عذباً سما وموردا
واسلم على مر الزمان مرشدا ... ما العندليب في الرياض غردا
وكتب إليه في ذيلها من نظمه أيضاً
تحية المخلص في الوداد ... حسين راجي نفحة الامداد
فان أجاز نظمه القبول ... فذاك والله هو المسؤل
مع الرجا بالعفو عن قصوره ... وعن تجافيه وعن كسوره
والحمد لله على السراء ... في كل حال وعلى صراء
وصل يا ربي على خير الورى ... محمد نبينا عالي الذرى(2/64)
ومن شعره قوله مخمساً أبياتاً لبعض الأندلسيين
ومذ زادت أشواقي لنادي تهامة ... وبان اصطباري عن تلافي اميمة
شممت شذا اقبالها من نسيمة ... ولما تلاقينا على سفح رامة
وجدت بنان العامرية أحمرا
فما بال محزون الحشاشة والجوى ... ومن فرقة الأحباب للهم قد حوى
فقالت يرى خضباً وقد شفه الهوى ... ولكنني لما ألم بي النوى
بكيت دماً حتى بللت به الثرى
رويدك لا بالعتب تؤذي مسامع ... فسمعي أصم عنه ليس بسامع
فيوم القلاد معي جرى كالمشارع ... مسحت بأطراف البنان مدامعي
فعادت خضاباً بالكفوف كما ترى
لعمرك اني بين قومي كريمة ... اصول اصولي الزاكيات شهيرة
ولم ير من عاهدت في مريبة ... فلم سئت طنأبي واني بريئة
من الظن فارجع لا يغرك افترا
وله من أبيات قوله
الأهل لظل من سعاد ظليل ... وهل في رباها للمشوق مقيل
وهل نهلة من نهلة طاب ورده ... لدفع صدى الصادي يرد غليل
وشوقاً إلى سلمى ومغنى جمالها ... فهل لا إلى تلك الربوع بسبيل
بليلي ولبني ثم دعد وحاجر ... ونعمي ومي لا تخله يزول
بثنية مع سعدى هما الغيد والمها ... لهن وداد لست عنه أحول
فزينب حبي والرباب سميرتي ... لهم زادت أشواقي وعز وصول
لقد حرمت عيناي طول رقادها ... وناهيك ليل المغرمين طويل
ألم يأن للأحباب أن يرحمونني ... لمن في سويداه اللهيب جزيل
فما كل من قد يعي الحب صادق ... ولا كل خدن للعثار مقيل
وهي طويلة وكتب إلى الشيخ محمد بن عيسى المذكور في أول الترجمة مؤرخاً يهنيه بعد خروجه من خلوته بقوله
يا اماماً تهنى في خلواتك ... وتمتع بالسعد في جلواتك
يا سقى الله غيث رحماه ناد ... فيه نشر القبول من أوقاتك
ورعى الله خلوة بك زأنت ... زانها الفضل والتقى من سماتك
يا ابن من قد رقى مقاماً علياً ... كملت منه نرات صفاتك(2/65)
نظرة منك يبتغيها محب ... فعساه يمد من نفحاتك
ليس يدعي لنظرة هي تسقي ... ظمأي من رحيق فيض فراتك
دمت في نعمة من الذكر تسمو ... وليكن في الأمان تاريخ ذاتك
وله غير ذلك من النظم والنثر وفي سنة ست عشرة ومائة وألف صار كتخدا جند الينكجرية فمدحه يهنيه عند ذلك الأديب عبد الحي ابن الطويل المعروف بالخال بقوله ومطلع القصيدة
لاموا ولكنهم لو عاينوا عذروا ... بل انهم عجلوا في اللوم ما صبروا
والله لو شاهدوا أوصافه وجموا ... عن نطق ميم ملام فيه وانبهروا
هذا الذي فعلت أسياف مقلته ... فعل المنايا إذا ما صادف القدر
عجبت من فعل الحاظ له فتكت ... مع ان أجفانه من نظرتي انكسروا
لا سومحت أعين للغيد انهم ... جاروا على القلب لما نحوه نظروا
كجور دهري الذي آراؤه انعكست ... كأنما قد غدا في سفله البصر
إذ الاسافل ملحوظون فيه بما ... يسرهم والأعالي عيشهم كدر
ابن اللئام من الانعام مشتهر ... وابن الكرام من الاعدام مستتر
فذاك أمواله أنسته فطرته ... وذا أماليه منها القلب ينفطر
سبحانه لا اعتراض في ارادته ... ولا على فعل هذا الوقت مصطبر
لكن ذكرى لجور الدهر تسلية ... لمن له الدهر والأيام قد غدروا
يا دهر اذ لم تباين عنك فاقره ... أشكوك مولى إليه أنت تفتقر
الكامل الندب من أوصافه اشتهرت ... في الكون حتى غدت تتلى وتستطر
الأريحي الذي فاقت مكارمه ... سيل التلاع ومنها يستحي المطر
اللوذعي ذكي القلب طيبه ... الألمعي الذي ألفاظه درر
طلاع طود المعالي حين تقصر عن ... صعوده الصيد والأوهام والفكر
سهل العريكة دارت حوله أسد ... كأنه الماء قد حفت به الشرر
ان قيل من ذا الذي تعني أقول لهم ... حسين ابن الموسى الباسل الذمر
سليل قوم بنوا للمجد أبنية ... تعلو على الشمس اذ من دونها القمر
ما قصروا في اكتساب المكرمات ولا ... تمهلوا بل على نيل العلى اقتصروا
هم الكماة السراة الصيد ان وعدوا ... وفوا وعفوا إذا ما شمتهم قدروا
ونشر طيب ثناهم دائماً أبداً ... كالمسك والمدح فيهم طيب عطر(2/66)
منها
على منها كبهم سمر مثققة ... ترى المنايا بها للعمر تنتظر
وفي أكفهم بيض إذا لمعت ... انستك لمع بريق الغور ان شهروا
ترى المذاكي لهم من تحتهم ضبح ... كنفخة الصورى لما تبعث الصور
وامتدحه غيره من الأدباء وبينه وبينهم كأنت مراسلات شعرية أدبية ومطارحات ومدائح سنية فلا حاجة للتطويل ولم يزل المترجم لمناهج أسلافه يقتفي ماجداً أديباً ممدوحاً جواداً رئيساً حتى توفي وبالجملة فقد كان من رؤساء الأجناد أرباب المعارف ونبل بيتهم وسراج ليلهم وصبح دجاهم وغرة وجههم وكأنت وفاته في سابع شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مسجد النارنج بالميدان رحمه الله تعالى.
حسين الحموي
حسين الحموي نزيل دمشق الولي الصالح الخاشع صاحب الكرامات والمكاشفات المستغرق أحد أولياء الله تعالى في الكون كان يلبس الخشن من الثياب ويدور في الأزقة وأخراً انقطع في دهليز بني البهنسي ثم أنتقل منه إلى زقاق الأوضه باشي وجلس تحت سقيفة هناك على القمامات والأحجار وكأنت الكلاب لا تفارقه لأنه كان يطعمها مما يأتي إليه من الطعام وربما أفرغ الأناء على الأرض وأكل معهم وقيل انه كان المتدرك بنواحي الجامع الأموي وله كرامات ومكاشفات صريحة وللناس به اعتقاد عظيم ومن كراماته انه رأى رجلاً يحمل علبة لبن فناداه وأخذها منه وصبها للكلاب فنظر الرجل فإذا فيها فرخ حية ومنها انه دخل لص بيتاً ليس فيه سوى نسوة لم يعلمن به فطرق الباب عليهم الشيخ المترجم ففتحوا له فدخل وأرادوا منعه وقالوا له يا شيخ حسين نحن نسوة وما عندنا رجل فلم يرد عليهم جواباً إلى أن طلع للمحل الذي اختفى فيه ذلك اللص وقال له اخرج فخرج وتبعه ومنها ان وزيراً من وزراء آل عثمان ولي حكومة دمشق فلما استقر بها سمع وبخبر الشيخ فأرسل أحد أعوانه إلى الشيخ المترجم وأرسل له معه ستة عبي فلما وصل إليه قبل يديه وقال له يقبل أياديكم المولى الوزير فلان ويسألكم الدعاء وهو مرسل هذه العبي لأجل أن تلبسوها فقال له لا أقبل منها شيأ وكش في وجهه فوقع على يديه وقال له لا يمكنني أخذها خوفاً من الوزير وترامى عليه ففي الآخر قبلهم وقال له أعطيناه منصب دمشق ست سنوات كل عباة سنة وكان الأمر كذلك(2/67)
ومنها ما حكاه الفاضل عبد الرحمن المهمنداري ولد العلامة أحمد المهمنداري الحلبي المفني بدمشق وكان ممن يعتقده وله فيه مزبد الاعتقاد وهو كثير التردد إليه قال لما أنتقلت إلى الساحة التي عند دارنا نمت في بعض الليالي فرأيت الناس يهرعون إلى الصالحية ويقولون ان الشام غرقت بالزيادة فسرت معهم وصعدنا جبل قاسيون فإذا الشام كما قيل قد غرقت والماء يصعد إلى الجبل ونحن نفر منه وقد عاينا الهلاك فبينما نحن في كرب عظيم وهم جسيم وإذا بالشيخ حسين قد أقبل وشق الصفوف وجلس على ركبتيه وشرع يشرب الماء فعاينت النقص فيه ثم صار هو يشرب والماء يهبط وهو يتبعه قال فأيقنت انه حمل حملة أهل الشام ثم اني خرجت إليه فرأيته يئن ورجليه متورمة كالجسر فسألته فقال ولك امك وأبوك هذه المياه التي شربتها صرفت من رجلي قال فمضيت إلى الصلاة ورجعت وإذا الماء ينبع من أسفلها وامتد إلى باب الساحة واختفى الماء منها فعوفيت من وقتها وحصلت له الراحة وقد حكى عنه الكرامات غيرها كثيرة الا تحصى عدداً ورأيت في بعض المجاميع انه كان يتمثل بهذين البيتين المشهورين وهما
أمطري لؤلؤ أجبال سرنديب ... وأفيضي آبار تكرور تبرا
أنا لن عشت لست أحرم قوتاً ... ولئن مت لست أعدم قيرا
وحكى انه كان بين جماعة فأذن المؤذن فقالوا له قم حتى نصلى فأنشد البيتين المشهرين أيضاً وهما
يصلي من له فرس وعبد ... وجارية ومملوك ودار
وأما المفلسون فما عليهم ... إذا تركوا صلاة الخمس عار
وكأنت وفاته بدمشق ليلة الجمعة الثامن والعشرين من جمادي الأولى سنة ست ومائة وألف وصلى عليه بعد صلاة الجمعة الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكأنت جنازة حافلة وازدحم الناس على حمله ودفنه ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه.
حسين السرميني الحلبي
حسين السرميني المنشأ الحلبي الموطن الشافعي المدرس بالجامع الأموي في حلب الشيخ العالم الكبير والفاضل الشهير المحدث النبيه الفرضي الفقيه أخذ العلم عن الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلس الدمشقي والشيخ أبي المواهب الدمشقي والشيخ محمد الوليدي المكي أجازه سنة حجه ذلك في سنة تسع وعشرين ومائة وألف ثم عاد إلى حلب وأنتفع به خلق كثير وكأنت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.(2/68)
حسين أفندي العشاري
حسين بن علي بن حسن بن فارس العشاري البغدادي الشافعي أبو عبد الله نجم الدين الشيخ الامام العالم الأديب الأريب الفطن النظام صاحب الكمالات الشائعة والنوادر الدائعة ولد سنة خمسين ومائة وألف وهو من بلدة تسمى بالعشارة موضوعة على الخابور الذي ينصب إلى الفرات وقرأ القرآن واشتغل بالتحصيل والأخذ فقرأ ببغداد وأخذ العلم عن مشائخ متعددين منهم أبو الخير عبد الرحمن السويدي وتفوق ونظم الشعر ودون له ديواناً أكثره في المدائح النبويه ومدح الصحابة وآل البيت والأولياء والعلماء والملوك والأمراء وكان عالماً فاضلاً شاعراً أديباً حسن الخط كتب كتباً متعددة تنوف عن العد والخد وله تأليفات منها حاشية على شرح الحضرمية لأبن حجر وحواش متفرقات على سائر العلوم تدل على نباهة شأنه وعلو مكانه ولما ولي نيابة بغداد والبصرة سليمان ابن عبد الله الوزير سنة أربع وتسعين ومائة وألف ولاه تدريس البصرة وأرسله اليها ولم تطل مدته وكان رحمه الله له تضع كلي في سائر العلوم معقولها ومنقولها وخمس قصيدة البرأة وبعض القصائد الفارضية وكان مشهوراً بحسن الاملاء والانشاء والنظم البليغ كتب إلى حصة منه بخطه فمن ذلك ما قاله في المديح النبوي
قف في المنازل ان الدمع مدرار ... وابك الطلول فان القوم قد ساروا
خلاك ذم فان العيس قد حذيت ... أخفافها بسهاد فوقه نار
تهوى السرى فكأن السير راحتها ... وأن أطرافها يا صاح أوتار
تطير في الدومن شوق فلا عجب ... فقد يكون من الأنعام أطيار
شرودة عن بقاع الماء مسئلة ... عن الكلاء فلا يلفي لها دار
فتلك أحشاؤها في الجوف ضامرة ... قد ذانها خمص منها واضمار
ومذ تبينت الأقوام حل بها ... من السرور علامات وأسرار
قوم كرام علت في الناس رتبتهم ... وكل شخص له حدو مقدار
شموس مجد لقد ظابت عناصرهم ... صغيرهم في الوغى كالليث مغوار
سود الملابس أقوام شعارهم ... في الحرب حم كم لله أنصار
رهبان ليل فسل ان كنت مختبراً ... تجيك يا صاح أبكار وأسحار
قد عمروا بكتاب الله دورهم ... لا قينة رقصت فيها ومزمار
كفاهم شرفاً اذ كان سيدهم ... مولى به شرفت ريف وأمصار(2/69)
محمد من له في كل مرتبة ... شماء رسم وآيات وآثار
مصباح فضل لذا تهدي الأنام به ... كأنه علم في رأسه نار
بدر أضاءت به الأكناف وابتهجت ... ففي مسالكها نور وأنوار
كتربه الدر مرفوع المنار وكم ... تنويره قد أنارت منه أبصار
لأنه الصدر قد عمت هدايته ... وفي وقايته كم عمرت دار
ذخيرة كم حوت في العلم من درر ... وقنية الفضل لا تبر ودينار
تاري الهداية لا الاشباه تشبهه ... سل الفصول فما في الفضل انكار
خلاصة الحق قد سارت فوائده ... عماد من لا له كهف وأنصار
فذاك جوهرة الدنيا وخيرتها ... معين من ساءه الداني والجار
بحر فما النهر الا من جد أوله ... فاشرب من البحر ان ساءتك أنهار
خير النبيين كهف المستجير إذا ... أولو الجهالة في أفعالهم جاروا
هو الملاذ لمن وافاه منزعجاً ... من حادث فوقه حمل وقنطار
لذاك لذت به من حادث نشبت ... في الجلد منه مخاليب وأظفار
خلص فديتك جلدي من مخالبه ... واستر علي فان الله ستار
وارفع بحقك هذا الخطب ان له ... في القلب ناراً وفي جسمي له نار
أزكى الصلاة على قبر حللت به ... فكم به حل آيات وأسرار
ثم اسلام على دار حللت بها ... هنيت بالمصطفى المختار يا دار
حسين المرادي
حسين بن محمد بن محمد مراد بن علي بن دود بن كمال الدين صالح بن محمد بن عمر بن شعيب بن هود وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحسيني البخاري المحتد الدمشقي المولد الحنفي المرادي أبو علي نظام الدين عمي شقيق والدي السيد الشريف المولى السميدع الحلاحل الغطريف الصدر الكبير والعماد الشهير الرئيس النبيل النبيه الفاضل الأديب الصوفي الأصيل الكامل الصالح التقي النقي مفتي الحنفية بدمشق وقطبها الذي عليه مدار أمورها والحرم الذي يأوي إليه الجمع من كبيرها وصغيرها ولد بدمشق سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وأخذ فنون العلم وقرأ على جماعة منهم والده محمد بهاء الدين رضي الله عنه وألبسه الخرقة وأجاز له بالطريقة النقشبندية وسائر الطرق السنية ولقنه الذكر ورباه وأحسن تربيته وكان يقربه ويدنيه وأنتفع بدعواته ونفحاته وأنظاره وقرأ على والد زوجته أبي النجاح أحمد شهاب الدين المنيني وأبي البركات مصطفى بن محمد بن رحمة الله الأيوبي(2/70)
وغيرهم وحج مع والده ووالدي وارتحل إلى قسطنطينية مع الجد واجتمع بسلطانها الملك الأعظم محمود خان وأدناه من حضرته وكان إذا جاء إلى زيارة الجد يقوم بخدمته عمي صاحب الترجمة واجتمع بعلماء الدولة ورؤسائها ومشايخ الاسلام بها ووزرائها العظام وكان كثير الاتحاد مع الوالد لا يفترقان أكثر الأحيان وكان يعامل الوالد معاملة الوالد وإذا رآه يقبل يده ويتأدب بخضرته وكان الوالد يجله ويحترمه ويسعى باكرامه وتوقيره واحترامه وكان حسن الأخلاق كريم النفس سليم الباطن من الحقد والغيظ لا يذكر أحداً بسوء يحسن لمن يسئ إليه ولا يظهر لأحد مقتاً ولا عبوساً كثير التواضع والرفق بالناس يجالس الدرأويش والفقراء ويجلس على خوان الأكل معهم ويحادثهم ولا يستأنف من القعود معهم ويلتذ بصحبتهم ويعتقد على الأولياء والمشايخ ويحب العلماء والأفاضل ويسعى برعيهم واكرامهم ويبذل لهم العطايا والنوال وكان كثير التعبد والتهجد ملازم الصلوات والأوراد والأدعية ولما مات والدي في شوال سنة أربع وثمانين ومائة وألف أقيم مفتي الحنفية مكانه عمي المترجم بارادة أهل دمشق قاطبة واتفاقهم وعرض للأبواب السلطانية بذلك وذهب أحد خدامنا إلى دار السلطنة قسطنطينية مع العروض ولما وصل خبر موت الوالد رسم بالأمر السلطاني لعمي نظام الدين المترجم بالفتوى وجاءته المناشير السلطانية والمراسيم العثمانية تتضمن ابقاء جميع الوظائف التي كأنت على والدي والتوالي والرواتب والتداريس وغيرها وبعد مدة أعطى رتبة قضاء القدس كي يزيد اعتباره وينمو اشتهاره وباشر الأفتاء بهمة علية ومكارم حاتمية وزهد أدهمي وسخاء حاتمي وعفة ونزاهة وتقوى وديانة وأنتشرت فتأويه وأرغم أنف منأويه وامتدحه الشعراء وقصدته الأدبا ووردت عليه العلماء من البلاد وقام باحترامهم واكرامهم وسعى فيما يرضيهم وينفعهم وانعقدت عليه رياسة دمشق وكان هو المرجع والمقصد في امورها وازالة مدلهماتها واصلاح فسادها وتنظيم قراها وبلادها وسياسة رعاياها وحماية فقرائها وصيانة اغنيائها ووصل خبره إلى السلطان الأعظم أبي النصر غياث الدين عبد الحميد خان رحمه الله تعالى فانسر من حال عمي المترجم ودعا له وكتب إليه كتاباً يتضمن استحلاب دعواته وحثه على قيامه بالرياسة واعمار دمشق وصيأنتها من الظلم والتعدي وأرسل له ألف دينار ولم يزل على حاله إلى أن مات سمعت من فوائده رضي الله عنه وأنتصحت بنصائحه وتربيته وكان يحبني ويودني ويقدمني على أولاده ويقوم باحترامي وتعظيمي وكنت أشاهد منه مودة الوالد لولده وحنو المرضعات على الفطيم وأنتفعت بدعواته ولما مات تكدرت لموته وحزنت(2/71)
لمصابه وفقدت بارا يشفق ووالد يرحم وملازا للنائبات يعد وقد فصلت أحواله وأطلت في ذكرها في كتأبي أتحاف الأخلاف بأوصاف الأسلاف توفي رضي الله عنه بعد أن مرض شهراً يوم الجمعة خامس عشر رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن من اليوم على والده في مقبرتنا داخل دارنا في محلة سوق صاروجا وكأنت جنازته حافلة حضرها أهالي دمشق جميعاً رحمه الله تعالى.
حسين الخالدي
حسين بن محمد بن موسى بن محمود بن محمد بن صالح الخالدي القدسي الحنفي أبو عبد الله الشيخ العالم الأديب النجيب المتفوق الذكي الكاتب ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم واشتغل بالأخذ والتحصيل وجل أنتفاعه إلى الشيخ أبي النون يونس بن محمد الغزالي الخليلي نزيل بيت المقدس وكان سريع الكتابة والانشاء يعرف الأدب واللغة حسن الخط ونظم الشعر وبرع به ومن نظمه وأنشدنيه من لفظه تعجيز وتصدير قصيدة كعب بن زهير المشهورة اللامية والتوسلات الألهية وأهداها إلي بخطه وله من التآليف البشائر النبوية وغاية الوصول في مدح الرسول وغير ذلك من النظم والنثر وتعاني الشهادة والكتابة في مجلس القضاء بالقدس وصار أحد العدول المنوه بهم والمشهورين بالمعرفة وامتحن أيام نائب دمشق جواد الدين درويش بن عثمان الوزير وسعى به أناس عنده وأرادوا تكديره واعتقاله ونسبوه إلى أفعال وأشياء قبيحة فأرسل جاء به من القدس إلى دمشق وأمر بحبسه واعتقاله وتأديبه فمنعته عن ذلك وتشفعت به وأخذته إلى داري وبقي عندي أياماً وعاد إلى القدس مكرماً مبجلاً وذلك سنة تسع وتسعين ومائة وألف ولم تطل مدته ومات وكأنت وفاته بالقدس في ختام شعبان سنة مائتين وألف أنشدني من لفظه لنفسه هذه القصيدة يمدحني بها
أخليل دين الله يا ابن عماده ... ملجأ الأفاضل كهفها ببلاده
نسل الأماجد كابراً من كابر ... أقطاب غوث رحمة لعباده
مفتي دمشق وروح جسم حياتها ... بدلاً وهدايا عزها بسداده
وبهاؤه كبهاء ذي التاج الذي ... ملك الورى مع حكمة في امداده
بدر الجمال كيوسف في مصره ... شمس الهدى انسان عين مراده
رضوانها هذا وفرقد نجمها ... مصباحتها وطيبها بسهاده
فأبوك نعم الليث وهو عليهم ... علامة اذ يقتدي برشاده(2/72)
بم المكارم لا يمل من العطا ... وكفاك ان تحذو بحفظ ووداده
وأبوه جدك وهو بحر زاخر ... فمحمد قط بالملا بجهاده
وكبيرهم في الأولياء مرادهم ... وغياثهم متعبد برقاده
وإلى أبي السبطين تسمو نسبة ... نسب له شرف لدى تعداده
قد حل بي ما قد سمعت من البلا ... فبفضلكم حسناً روى بفؤاده
وبعرفه مذ كان منك بسرعة ... فبدا بياض عواقب بسواده
وعسى يكون كما المهيمن مخبراً ... في محكم التنزيل خير عباده
لله حمدي دائماً من سعيكم ... برجاك فينا يا خليل مراده
أنت المقدم مع حداثة سنكم ... في عصرنا عد لا على أسياده
وتقاصرت همم الأساتذة الأولى ... عن منصب اذ جزت فوق جواده
لا سيد بالشام مثلك يرتجي ... عند المضيق وحق ذا وأجداده
ماذا أقول وطول مدحي قاصر ... لوفاء وصفك لم أطق بمداده
لكنه شرفي به أسمو على ... أتراب عز لوقدت بزناده
عذري اليك فان حان ظاهر ... والفكر مني فاتر بمعاده
فحسيتكم بالذل ظل مسربلاً ... بالخطب مخضوباً لدى حساده
نظمت بدمع والدعاء ختامها ... من مبتل بالنأي عن أولاده
وكتب إلى من القدس بعد دخوله اليها
ما أنت في الأعلام الأعاشر الأيام من شهر الحجيج فيحمد لكن ذاقي كل عام مرة عيد وأنت بكل يوم أحمد أنت الخليل لذا الزمان وأهله بل وجهه اذ أنت فيه محمد ما رقم قلم وما تنفس فجر عن ظلم وما غرد طير الفلاح وتنفس روح الصباح وما كشف الكروب عن كل محزون ومكروب الا وأهديت سلاماً أرق من نسيم الصبا على خمائل الرياض أبدا وألذ من زمن الصبا بين شمائل المآرب والوصال سرمداً مع بث أشواق قلبيه وأدعية قدسيه من قلب صب حزين عن سويداه بأنين في رحب بورك فيه للعالمين لجناب ولي الاحسان والنعم عميم المجد والكرم فريد الحسن والشيم خليل المحاسن على الهمم خلاصة مراد الله خيراً في العرب والعجم نور صدقة آل النبي في الحرم صدر الشريعة وتاجها وكنز الهداية ومعراجها انسان عيون الأفاضل ونور مرادها وحسنة الأيام والليالي بل هو أوقات أعيادها من تباهت ببهائه الأعلام وتاهت بمدحه على أترابه الأقلام بهجة الجمال وبدر(2/73)
الكمال كعبة القاصدين وحرم الخائفين ملجأ الأفاضل وسابق الأوائل أكليل السؤدد والمجد وفلك الرفعة والسعد مالك أزمة ولائي وسبب حياتي وبقائي شيخ الاسلام مفتي الخاص والعام مولانا وسيدنا السيد المفتي المرادي جعل الله فلك سعده مستنيراً في كل نادي لا زالت الأدباء متشرفين برفده والأفاضل متعلقين بسعده ولا برحت العلماء مبجلين مرفهين بامتداد ظله ورياض قلوبهم ممطرة بفيض طله ووبله اذ هو المدأوي مرضاهم بطب قلمه ومزيل شعث فقرهم وعناهم بسوابغ كرمه فنسألك اللهم أن تجمع له المد الطويل في العمر والعلو المتفاضل المتواصل في القدر والنفاذ الدائم في القول والأمر والمعروض غب الدعاء المفروض اننا بحمد الله تعالى غب بلوغنا الأوطار ووداعنا لتلك الدار التي بصاحبها أصول وعلى الحساد والأعداء أقول فقلت لها والدموع هطالة على الخدود متوسلاً بالدعاء لخليلها إلى الملك المعبود
لا زال فيك ثلاثة يا دار ... العز والاحسان والدينار
ولباغضي خليلك أضدادها ... الذل والباساء والأكدار
لا زالت بالضيفان معموره وبالخيرات ان شاء الله مغموره ولما دخلنا الوطن المقدس بالحبور وتلقتنا الأحباب بالسرور نشرنا لكم ألوية الثناء الوافرة على رؤس الأكابر والأصاغر وما من سامع من الأخوان الا وهو لكم داع إلى الرحمن بكل خير واحسان فنسأله سبحانه القبول بجاه الرسول وانني غب ذلك مقيم لكم على الدعوات الخيرية في الأماكن القدسية السنية ما دامت الأنفاس وأدركت الحواس كما هو الواجب علينا وعلى العيال وعلى اخواننا وذوي الفضل بكل حال وله في الوالد مدائح ومرائي ذكرتها في مطمح الواجد ومنها ما أنشدنيه من لفظه يمدح بها الوالد قال وكنت كتبتها إليه رحمه الله تعالى من القدس
دعاء لكم مني بدا وسلام ... وألف تحيات اليك عظام
إلى تاج أهل الفضل في الشام كلها ... وفيه تباهت في المدائن شام
وينبوع علم ثم حلم وسؤدد ... وجدله للأولياء سنام
ومن نسل طه المصطفى ولقد سما ... على مرادي في الأنام أمام
سنائي له من كل كلي كذا الورى ... وكل مديح في سواه حرام
لك المدح من كل العوالم انها ... لمدحك شخص واللسان أنام
وانك ذو الأنعام في الناس كلها ... وشكرك نور والجحود ظلام
وانك ليت للمروءة جامع ... محاسن أخلاق وأنت همام(2/74)
فيا حبذا ذات تجلت بجلق ... كطلعة بدر القدس وهو تمام
فثغر دمشق ضامتك بوجودكم ... وتأمينها بالعدل منك يرام
فعدلك حظ في دمشق كساهر ... وأعين أهل البغي منك نيام
وعيدك مسبوق بعفوك أوجزا ... ووعدك حتماً بالوفاء دوام
فلا زال فيك المجد بالفضل خادما ... فمنك رسوم المكرمات تقام
ولا زلت محبوباً إلى السعد دائماً ... ولا زال فيكم للسمو غرام
فكم فاز بالأسعاف منك ذوو التقى ... وكم كمدت بالقهر منك لئام
وكم نال ذو حق بفتواك حقه ... وكم نالت النعماء منك كرام
لكم راحة تعطى بخير مؤمل ... تسح نوالاً أنها لغمام
نداها حياة الواردين بسرعة ... وأقلامها للطاعنين سهام
فذلك شيخي وافداً لربابكم ... وبابك للقصاد فيه زحام
ومن كان محسوباً عليكم فإنه ... ليرجوك تفريجاً وأنت مرام
بقيت بقاء الدهر في ذروة العلى ... فأنت إلى كل الكرام ختام
حمزة بن بيرم الكردي
حمزة بن بيرم الكردي نزيل دمشق الشافعي الاستاذ الصوفي الامام العالم العلامة العابد الناسك القدوة المسلك أحد مشاهير الصوفية بدمشق ولد كما قرأته بخط تلميذه الفرضي السيد سعدي الحسيني ابن حمزة في سنة ثمان وثلاثين بعد الألف وقدم إلى دمشق واستطونها وتولى بها المدرسة الفارسية ودرس بها في الفتوحات المكية وغيرها ولزمه جماعة وأجاز لهم الحديث وكان في ابتدائه رحل إلى دار الخلافة بالروم وكان بدمشق في أول أمره إذا ركب الجواد وأراد الذهاب إلى مكان تحيط به الأتباع والخدام ثم أخراً ترك ذلك وهو جد والدي رحمه الله تعالى لأمه لكون جدي والد والدي المذكور العلامة المربي الصوفي الشيخ السيد محمد المرادي اتصل بابنته وجاءه منها والدي وغيره وكأنت وفاته بدمشق في يوم الخميس العشرون من محرم افتتاح سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه وتولى بعده المدرسة الفارسية جدي السيد الشريف محمد المذكور آنفاً رحمهما الله تعالى.
حمزة الدومي
حمزة بن يوسف بن محمود الحنبلي الدومي الأصل ثم الدمشقي الشيخ العالم(2/75)
العلامة العمدة الفهامة الفاضل الصالح التقي كان متضلعاً من عدة علوم مع الصلاح والتقوى ولد في سنة خمس وثلاثين بعد الألف ونشأ واشتغل بالقراءة على جماعة وأخذ عنهم منهم الشيخ منصور السطوحي نزيل دمشق وحج معه مرتين وأخبر عنه انه كان يفرق في المدينة ثلاثمائة قميص وسبع جبب وثلاثمائة بابوج وتسع سراميج وخمسمائة ذهب مشخص وكذلك في مكة المشرفة يفرق خمسمائة ذهب ومنهم الشيخ محمد يحيى البطنيني ومحدث الشام الشيخ محمد نجم الدين الغزي والشيخ عبد الباقي الحنبلي والشيخ محمد بن بلبان الصالحي الدمشقي ودرس وأفاد بالجامع الأموي مدة تزيد على ثلاثين سنة وبالمدرسة اليونسية مدة مديدة ولزمه جماعة وأخذوا عنه منهم الشيخ محمد الحبال والشيخ عبد السلام الكاملي وآخر من روى عنه الشيخ صالح الجينيني وكأنت وفاته بدمشق في ليلة الأحد غرة جمادي الثانية في سنة ست ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالقرب من الشيخ أبي شامة رضي الله عنهما.
حيدر الحسين أبادي
حيدر بن أحمد الشافعي الحسين أبادي الشريف الصفوي كان في التقوى والزهد والعلم والعمل على جانب عظيم وكان مرجع علماء قطره ولد في حدود سنة ست وثلاثين وألف وكان قد أخذ العلم عن والده وهو عن أبيه حيدر وترجمه صاحب الروض فقال في حقه هذا الثاني صاحب المثالث والمثاني باقة مسك ضاع ندا وعبق مجداً فعطر الكون برياه العاطر وحاز بطيب مكارم فضائله المعالي والمفاخر.
فاح الثرى متعطر ببيانه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا
وترجمتهم في كتأبي المومي إليه فقلت هذا البيت كالسبع المثاني في البيوت وأهله بين الأنام كالجواهر والياقوت نهلوا من نهر المجرة واقتطفوا بالمعالي زهر الزهرة تغذوا بلبان المجد وتربوا بموائد المدح والحمد وتفوح من طيب الثناء روائح لهم بكل مكانة تستنشق
مكية النفحات الا انها ... وحشيه بسواهم لا تعبق
أنتهى وله تآليف عديدة منها حاشية كبيرة على شرح اثبات الواجب وسافر لدار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية سنة ست وعشرين ومائة وألف ثم رجع منها إلى الموصل وتوفي بعد عوده بنحو ثلاث سنين وقد جأوز التسعين ويقال انه لما توفي ظهرت لوفاته امور خارقة فاشتد الريح وأرعدت السماء وأبرقت وأحمرت الدنيا وأسودت بالغبرة الآفاق فكانوا يرون ان ذلك حزناً(2/76)
على فقده رحمه الله تعالى.
حيدر بن قرأبيك
حيدر بن قرأبيك الشيخ العالم الفاضل الزاهد العابد الموصلي الشافعي كان له في العلوم اليد الطولى ولد سنة أربع وسبعين وألف وطلب العلم وقرأ وجد واجتهد وحصل جملة صالحة من جميع الفنون الشرعية والآلية وكان قد سافر إلى البصرة وأخذ الطريقة الرفاعية هناك عن آل السيد يوسف وفتح الله عليه فتحاً ربانياً وأفاض عليه فيضاً لدنيا وكان منعزلاً عن الناس منقطعاً للعبادة لا يعاشر أحداً من الناس ولا يذهب إلى أحد وكان ينسج الثياب ويكتسب الحلال وعاش غير محتاج وما عهد لأحد عليه منه بل كل من صحبه كان له عليه المنة وسافر إلى حلب وعاد ماشياً وعرض عليه بعض التجار الركوب فأبي والناس تشهد بولايته وله كرامات وأحوال واضحة ظاهرة عند أهل الموصل واشتهر ذكره وظهر أمره وبعد صيته وتوفي في سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بالموصل وكان سنه اذ ذاك خمساً وتسعين سنة وقبره الآن يقصد للزيارة ويرجى لقضاء الحاجت رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته في الدنيا والآخرة.
حرف الخاء المعجمة
خالد بن صنون
خالد بن محمد بن زين الدين المعروف بابن صنون بفتح الصاد المهملة وتشديد النون الحمصي الخلوتي الشيخ لمبارك المعتقد الصالح الدين الخير السيد الشريف ولد في سنة سبع وأربعين وألف وكان يتردد إلى دمشق ولبعض أهلها اعتقاد عليه وكان يتردد إلى الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وكان يثني عليه وهو من أصحابه وبالجملة فقد كان من الأشراف الصالحين أهل الجذب والخير وكأنت وفاته في أواخر جمادي الأولى سنة ثلاث ومائة وألف ودفن بحمص في تربة الأشراف عند باب الدريب بضم الدال المهملة مصغراً أحد أبواب حمص رحمه الله تعالى.
خالد القدسي
خالد القدسي الشافعي كان عالماً فاضلاً مفيداً شيخاً بارعاً بالفقه كاملاً زكياً أخذ العلوم على مشايخه وأزهر روض فضله وكرع من حياض العوارف وفاز بالتحصيل وأكمل التفريع بالتأصيل وتفوق وحصل وتصدر للافادة والتدريس واشتغل عليه جماعة من الطلاب وأنتفعوا به مع تواضع وزهد ورفض اللغو والتمنع(2/77)
من اللهو مقبل على شأنه في سره واعلانه وتوفي بالقدس وكان صغير السن وبالجملة فقد كان من العلماء والفقهاء الأفاضل المفيدين وكأنت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بباب الرحمة رحمه الله تعالى.
خالد العرضي
خالد ابن السيد محمد بن عمر بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمود بن علي المعروف كأسلافه بالعرضي الحنفي الحلبي الأديب الأريب اللوذعي الفائق الفاضل السميدع البارع هو من بيت بحلب خرج منه علماء وأفاضل اشتهرت فواضلهم وفضائلهم وكان جده الشيخ عمر علامة فهامه خصوصياً بالفقه والحديث والأدب أوحد عصره ومصره وله من التأليف شرح على الشفاء في أربع مجلدات ضخام وشرح شرح الجامي ولم بكل وشرح على العقائد وحاشية على تفسير المولى أبي السعود العمادي المفتي بالدولة العثمانية وغير ذلك من التآليف والرسائل والتحريرات والتعليقات واشتهاره يغني عن الاطالة بمدحه وكأنت وفاته في شعبان سنة أربع وعشرين وألف وولده والد المترجم ترجمه الأمين المحبي الدمشقي في تاريخه ونفحته والشهاب أحمد الخفاجي المصري في ريحأنته وكان فرد دهره أدباً وفضلاً وتولى افتاء الحنفية بحلب وكأنت وفاته في صفر سنة احدى وسبعين وألف وكان ولده المترجم صغيراً فنشأ يتيماً وقرأ على علماء عصره ومهر ونظم ونثر وتخرج في الأدب وابتدر مشرقاً بالكمالات مورقاً غصن فضله وأنتظمت عقود فضائله وبرع في العلوم وسيادته من جهة والدة والده وأقاربه كلهم شافعية أجلاء وكان هو حنفي ووالده أيضاً وترجمه السيد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وذكر له شيأً من شعره وقال في وصفه مولى الفضل وسيده ومن انحشر إليه حسن القول وجيده فعجز عن شأوه وقصر وعميت عليه طرق الحيلة فلم يهتد ولم يبصر سكن في القلوب ولوعه من قبل أن تساكن القلب ضلوعه فكل قلب به كليم يتبع خضراً في الهوى بود سليم فما ترى له نظيراً ولا مثلاً فإذا أنتهجت في وصفه فأنتهج طريقة مثلي فوصفه كله تلميح وتمليح والعد في المجيد المليح مليح وقد ذكرت من شعره النضر ما التقى في روضه ماء الحياة والخضر أنتهى مقاله فيه ومن شعره قوله يمدح بعض قضاة حلب الشهباء
بالصدر حأوي القدر من قدره ... قد جأوز العيوق والنسر
قد أشرقه أرجاء شهأنا ... وفاقت المدن به قدرا
فالعدل فيها باسم ثغره ... عن كل أنصاف قد افترا
والشرع قد نار بأحكامه ... تهللت أوجهه بشرا(2/78)
مولى إذا قست به حاتما ... ما قلت الا كلما هجرا
أو بأياس رمت تشبيهه ... أتيت بالمعضلة الكبرى
أو كشريح قلت في حكمه ... كنت لعمري الجاهل الغرا
فكل ذي منقبة لو رأى ... سؤدده دان له قسرا
فانه بكر الليالي إذا ... أتى بصنع تلقه بكرا
لو علمت شهباؤنا انه ... يسعى اليها لم تطق صبرا
واشدرت تسعى لأعتابه ... والتمست من فضله العذرا
وكتب إلى بعض أحبابه معاتباً ومضمناً البيت الأخير بقوله
أيا من قد تحول عن ودادي ... وعهدي لا يحول ولا يزول
فديتك من غضوب ليس يرضى ... سوى روحي وذا شيء قليل
أيجمل ان تخيب فيك ظني ... وأنت الماجد الشهم الجليل
وكيف رضيت بي غيري بديلاً ... ومالي والهوى العذري بديل
على هذا تعاهدنا قديماً ... أم الجاني الخوؤن هو الجهول
أجلك أن تصدق في عذلا ... ومثلي ليس يجهل ما يقول
ليفعل مالكي بالعبد مهما ... يروم فانه العبد الذليل
فمل واهجر وصد فلا اعتراض ... عليك وأنت لي نعم الخليل
ولكني سأندب سوء حظي ... وما يجدي بكاء أو عويل
وكيف وكنت آمل منك حبا ... يدوم وصدق ودلا يحول
وكنت أظن ان جبال رضوي ... تزول وان ودك لا يزول
ومن شعره قوله ممتدحاً المولى أحمد بن محمد الكواكبي المفتي الحلبي بقصيدة مطلعها
قد منح الصد واللقا منعا ... وأوصل الهجر والوفا قطعا
بدر تفوق الشموس بهجته ... في منزل السعد والبها طلعا
أهيف قد بالتيه منفرد ... في وجهه رونق اليها جمعا
سكى عرف درى مبتسم ... يزيد عزا إذا الشجى خضعا
وقده الناضر الرشيق به ... مال لقتلي ظلماً وفيه سعي
ألحاظه في الحشا فعائلها ... في بعضها مهجتي غدت قطعا
لم يطق الطرف لمح طلعته ... هيهات برق الوصال ان لمعا
ومذ جفاني فاضت مدامع اج ... فاني وجادت وجودها همعا
أصبح في حبه حليف هوى ... مضني وأمسى محيراً جزعا(2/79)
تضرم نار الغرام في كبدي ... كان قلبي على الغضا وضعا
وجأوز الجد في العباد وما ... جأوز خلا بحبه ولعا
ودعني الصبر حيث أودعني ... أسى قد أعيا الأسا وما رجعا
زاد فخاراً على الحسان كما ... أحمد زاد الكمال والورعا
سما مقاماً ومن له نسب ... كواكبي إلى السما رفعا
رب علوم يفوز طالبها ... في كل علم أراد وأنتفعا
راحته في انبساط راحته ... لو رام قبضا حاشاه ما استطعا
مكمل فضله ولا عجب ... في المهد ثدي الكمال قد رضعا
مهذب الخلق لن يرى أحد ... في لخلق أمثاله ولا سمعا
شهم حماه غدا بهيبته ... حمى مخوف وأمن من فزعا
ناهيك في ماجد أرومته ... من خير داع إلى الرشاد دعا
منها في الأخير
مولاي بكراً أتتك ترفع في ... روض المعاني ونورها طلعا
قانعة بالقبول تمهرها ... والحر يا ابن الكرام من قنعا
ولا برحت الزمان في دعة ... مرغد العيش رافعاً بدعا
ما صدح الورق في الرياض على ال ... أوراق صدحا به الحشا صدعا
وله قصيدة مطلعها
وحقك لا أشكو الزمان وأعتب ... إذا كان عنى عامداً يتجنب
وأي لبيب أكرم الدهر قدره ... وهل هان الا اللوذعي المهذب
فلا فاضل ألا تراه بحسرة ... يبيت على فرش الأسى يتقلب
تعانده الأيام فيما بريده ... وتمنعه عما أتى يتطلب
وله من قصيدة ممتدحاً بها بعض قضاة حلب ومطلعها
مديحك أشهى للنفوس من الوصل ... ومرآك حقاً انه آية العدل
ومجدك قد سامى السماكين رفعة ... وقدرك قدر لا يدنس بالمثل
ثويت بأسنى المجد مذ كنت يافعاً ... وجئت رياض العز تمشي على مهل
فيا كعبة الأفضال يا منهل الندى ... ويا قاضياً يفضي على الحق في الفضل
أقمت بشهبانا شريعة أحمد ... وأيدتها بالعلم عن وصمة الجهل
ومزقت أثواب المظالم كلها ... وأظهرت دين الحق بالعدل والفضل(2/80)
منها
تراه لأهل الفضل يبذل لطفه ... وفي بره لم يصغ يوماً إلى العذل
تحلى بأنواع المعارف قلبه ... كما قد تخلى عن مدانسة الغل
فلا زال في حفظ الاله مؤبداً ... بخصب الأماني في أمان من الذل
وله
لا تطلبن من الاله وعفوه ... الا الكفاف وحسن خاتمة العل
والعفو عن وزر مضى مع صحة ... يا حبذا المطلوب ان هو قد حصل
وله مقتبساً من الحديث
ان كنت لا ترحم المسكين ان عدما ... ولا الفقير إذا يشكو لك الألما
فكيف ترجو من الرحمن مرحمة ... وانما يرحم الرحمن من رحما
وله معرباً معنى بالتركية
تؤمل ان الدهر ينجز وعده ... فهذا محال بالزمان بلامين
فكم أحببتي صادق في وداده ... فيعطي بلا من ويبذل من عين
فأحسن عندي من قريب وماله ... بوارق احسان إذا صرت في حين
وله
إذا كنت لا تتقي الموبقات ... ولم ترم عنك حديث الدمى
ولم تحرز الفضل والمكرمات ... فأخذك للعلم قل لي لما
وهو مثل قول القائل
إذا كان يؤذيك حر المصيف ... وببس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك طيب زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لي متى
وللمترجم غير ذلك من أحاسن الشعر وبدائعه وبالجملة فقد كان أحد الأدباء الأفاضل بحلب من ذوي البيوت ولم أتحقق وفاته في أي سنة كأنت غير أنه في سنة خمس عشرة ومائة وألف كان موجوداً على التحقيق رحمه الله تعالى.
الشيخ خليل اللقاني
خليل بن إبراهيم بن علي بن علي بن عبد القدوس بن محمد ابن هرون السيد الشريف المالكي الشهير باللقاني الشيخ الامام العالم العلامة المحدث المحقق المدقق الفقيه التحرير الأوحد المفنن أبو مفلح عز الدين أخذ عن جملة من الأعلام منهم والده البرهان إبراهيم والنور علي بن محمد الأجهوري والشمس محمد بن علاء(2/81)
الدين البابلي والشيخ سلطان بن أحمد المزاحي وشيخ الاسلام عامر الشبرأوي والشيخ محمد الشبراملسي المالكي والنور على الشبراملسي الشافعي والجمال يوسف الفيشي المالكي والنور على الحلبي صاحب السرة والشهاب أحمد المنشأوي الحنفي تلميذ ابن نجيم والشمس أحمد الطحطائي المالكي والشهاب أحمد القلوبي والشهاب أحمد الدواخلي والاخوان الشمس محمد والشهاب أحمد الشوبريان الأول الحنفي والثاني الشافعي وعن أخيه زين الدين عبد السلام اللقاني والنور على النبتيتي الحنفي والشيخ عبد الجواد الجنبلاطي والشيخ يسن العليمي محشي الفاكهي والشمس محمد بن علان وتاج الدين القاضي ورضى الدين الهيتمي وعبد الرحمن الخياري وعبد العزيز الزمزمي وغيرهم مما هو مذكور في ثبته المسمى باتحاف ذوي الارشاد بتحرير ذوي الاسناد وأخذ عنه الشيخ محمد بن خليل العجلوني وكأنت وفاته سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته.
خليل البياض
خليل بن أحمد المعروف بالبياض الدمشقي أحد مجاذيب دمشق المشهورين المعتقدين كان من أولياء الله تعالى معتقداً عند الخاصة والعامة وله كرامات ظاهرة ومجالسته أنيسة ويستأنس بمنادمته وله حركات مقبولة كان خياطاً ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكأنت وفاته سنة ثمان وستين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه على جهة الطريق وقبر ظاهر مشهور رحمه الله تعالى.
خليل الدسوقي
خليل بن السيد أحمد ابن لاسيد عبد الرحيم بن إسماعيل الدسوقي الشافعي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الدين الخير نشأ في صيانة وعفاف وطلب العلم على جماعة في صغره منهم الامام الشيخ السيد حسن المنير الدمشقي لازمه في دروسه بالدرويشية في شرح الغاية للشربيني وفي شرح المنهاج للمحلي وفي شرح المنهج لشيخ الاسلام القاضي زكريا وقرأ في النحو على المحقق الشيخ إبراهيم الفتال وفي مصطلح الحديث على شيخ الاسلام الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق وحضر دروس العلامة الشيخ عبد الكريم الغزي الدمشقي في المدرسة الشامية البرانية وبرع واقرأ دروساً بالجامع الأموي ولزمه جماعة من الطلبة ولم يزل على طريقته الحميدة إلى أن مات وكأنت وفاته يوم السبت ثالث(2/82)
ربيع الأول سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
خليل بن عاشور
خليل بن أحمد عاشور الشافعي النابلسي الشيخ الفاضل الفقيه ولد في سنة احدى عشرة ومائة وألف وحفظ القرآن في صغره ورحل لمصر القاهرة وجأور وقرأ على الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبده الريوي وحصل له الفتوح بالفقه فلا يكاد يجاري فيه وجر أذيال المفاخر على ذويه مع وقوف تام على بقية علوم المادة ولما عاد تولى الافتاء والتدريس وتصدر للافادة ولم يستنكف من الاستفادة وأخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وأثنى عليه هو وأنتفع عليه جملة من الطلبة ولم يزل على حالته الحسنة إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة خمس وخمسين ومائة وألف ورثاه بعض تلامذته مؤرخاً وفاته بقوله
أدم من جفون الحزن دمعك ذارفا ... على فقد مفضال دهانا فناؤه
خليل بن عاشور الفقيه امامنا ... ومن بالامام الشافعي اقتداؤه
لقد زج في نور الاله وحزبه ... أفاح عبير الندمسكان شذؤه
ولما شممت العرف أرخت طيبه ... هنيأً بفردوس الخلود جلاؤه
خليل الصديقي
خليل بن أسعد بن أحمد بن كمال الدين الصديقي الدمشقي نزيل قسطنطينية الحنفي قاضي القضاة الصد الجسور المقداد الألمعي كان من أفراد الزمان فقيهاً عالماً فاضلاً أديباً بارعاً نبيهاً حاذقاً عارفاً فطناً ذيقاً ذهن وقاد وهمة دونها الثريا وطلاقة لم تدع لقاتل مجالاً مع النطق الحسن حيث إذا تكلم تعشق الآذان لسماع نوادره وطلاقته وله النظم والنثر البديعان ولد بدمشق في سنة ثمان وتسعين وألف ونشأ بها في كنف والده وتنبل وحضر الدروس وقرأ على جماعة في العلوم والأدب وتخرج على يد الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه وكذلك على الشيخ عبد الجليل ابن أبي المواهب الحنبلي وأنتفع به وعلى والده والشيخ عثمان بن محمود القطان وعلى الشيخ علي الشمعة والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد الكاملي وتفوق ومهر بالعلوم وجالس الأفاضل والأدبا وازدان به وجه الزمان وظهرت عليه علامات الرشد والفلاح ثم لما قدم جده قاضياً إلى مكة كما أسلفنا ذكر ذلك في ترجمته اصطحبه معه للحج مع والده وأقاربه وكان جده يرى فيه الرشد ويوصي والده به ثم لم يزل مستضياً ظلال نعم والده متنعماً في بلهنية العيش الهنية إلى أن مات والده فارتحل بعده إلى اسلامبول(2/83)
في زمن الوزير رجب باشا ثم انه عاد إلى دمشق واستقام بها ففي أثناء استقامته توفي مفتي الحنفية بدمشق المولى الهمام محمد بن إبراهيم العمادي وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف فانعقد الاجماع من أهالي دمشق على أن يصيروا مفتياً الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فذهبوا لعنده وأبرموا عليه في ذلك فلم يرتضي وأبى فلم يزل يلحون عليه ويبرمون جميعهم إلى أن قبلها فكتبوا العروض للدولة العلية بذلك وصار الاستاذ النابلسي يكتب على الاسئلة الفقيهة فما استقام الخبر الا وجاءت الأخبار بورود الفتيا لصاحب الترجمة ثم انه ندم على فعله مع الشيخ النابلسي في ذلك لكونهم محبتهم معه قديمة وكان الاستاذ مرة فدا والد المترجم بعينه لأمر أوقع فيه بالهلاك وصار الاستاذ بعين واحدة إلى أن مات ثم لما كان مفتياً باشر بالهمة العلية وكأنت في تلك الأوقات دمشق الشام مشحونة بالظلم والعدوان وواليها الوزير عثمان باشا الشهير بأبي طوق فلما وجهت حكومة دمشق إلى الوزير إسماعيل باشا ابن العظم اصطلحت الفتن وكان المترجم الساعي في هذه الحيرية وتمهيد الفساد وقتل أربعة أنفار من المعلومين منهم صالح بن سليمان شيخ الأرض والصوباشي واهينت العوانية الذين تمردوا في زمن أبي طوق وخلت دمشق من الفساد ونظمت محاسنها بعدما كأنت منتشرة ثم ان المترجم ما استقام بدمشق وذهب إلى دار الخلافة قسطنطينية بالروم ثانياً واستقام بها إلى أن مات وكأنت له ملازمة في الأصل من شيخ الاسلام المولى فيض الله حسن جان زاده ولازم على طريقة قاعدة الموالي الرومية وسلك طريقهم وتنقل بالمدارس حتى وصل إلى رتبة الصحن فلما كان شيخ الاسلام المولى أبو الخير أحمد دامات زاده مفتياً بالدولة كان المترجم من المنتمين إليه فلما عزل وتولى مكانه افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى اسحق كان المترجم بدمشق فارتحل عند وصول خبر صيرورته للروم ولما وصل بعد أيام قلائل أرسل له الأمر بقضاء طرابلس الشام وأخرجه من طريق الموالي إلى طريق الموالي الأوسط لكونه منتمياً لداماد زاده وكان المولى اسحق المذكور بينه وبين داماد زاده عدأوة كلية فرجاه برفعه ووقع عليه فلم يكن إلى أن وصل إلى السليمانية فدرس بها في الهداية ثم في سنة ثمان وخمسين ومائة وألف ولي قضا القدس الشريف وقدم دمشق وارتحل للقدس ثم عاد وارتحل لقسطنطينية واستقام بها إلى سنة خمس وستين ففيها ولي قضاء دمشق وقدم اليها وامتدح عند وروده بالقصائد الغر ونقل مجلس الحكم إلى داره في قرب المارستان النوري كما فعل جده حين ولي قضاء دمشق ثم بعد مضي مدته سافر إلى الروم وتولى قضاء مكة(2/84)
رتبة ثم صار قاضياً في دار الملك مع رتبة قضاء عسكر اناطولي فشاع صيته وذاع إلى أن وصل خبره للسلطان الأعظم مصطفى خان رحمه الله تعالى حتى انه ألبسه في حضرته فروة من السمور وضبطها ضبطاً لم يسبق إليه ولم تطل مدته بها حتى توفي وترجمه الشيخ السمان في كتابه وقال في وصفه ماجد وضعته العلياء في مفرقها اكليلاً وأطلعته بدراً في أفق مشرقها واكليلاً
فاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قولهاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قوله
سقاها وان لم يطف حر غليلي ... ملث الحيا من أربع وطلول
وحاك لها كف الثريا مطارفا ... تسدي بأيدي شمأل وقبول(2/85)
لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في الدار غير محيل
اذ لدار من لمياء غير طروحة ... وشعب اللقا لم ينصدع برحيل
خليلي قد هاج الغرام وشاقني ... سنا بارق بالرقمتين كليل
يلوح خفي الومض حتى كأنه ... تكلف بشر في جبين تخيل
فميلا بأعناق المطي لعلها ... تقيل بظل في الاراك ظليل
فدون الكثيب الفرد بيض عقائل ... لعبن بأهواء لنا وعقول
وفي الكلة الحمراء بيضاء أصبحت ... أسيرة حسن في قيود حجول
من البابليات العيون كأنما ... تدير لنا باللحظ كأس شمول
محجبة يحمون ورد رضابها ... بسمر رماح أو ببيض نصول
لها فتكات الأسد في كل مهجة ... وطرف مهاة بالصريم خذول
عدت مقلتي فاحمر منها مدامع ... بخد لها مثل الشقيق أسيل
إذا قلت قد انحلت جسمي صبابة ... تقول وهل صب بغير نحول
وحتى م استشفى بسقم جفونها ... وهل في عليل من شفا لعليل
وليلة ودعت الرقاد مسامرا ... شجوني كما شاء الهوى ونحولي
طرقت حمى لمياء والنسر في الدجى ... صليب لجين في مسوح أبيل
ولا بد من خوض الفتى دون حبها ... مدامع صب أو دماء قتيل
فما أنا بالناسي الحياة مقالها ... وقد راعها للخدر وشك دخولي
أعنترة العبسي أنت فلم ترع ... باسد الشرى من اسرتي وقبيلي
فقلت لها ما خفت مذاناً عاشق ... طعان رماح أو نزال رعيل
ولا هبت صرف الدهر مذاناً منتم ... إلى ركن عز من جناب خليل
أخي الرتبة القعساء والأروع الذي ... يحدث جيلاً عن علاه لجيل
فذاك الفتى لا جوده بممنع ... ولا جاره في ظله بذليل
غنى عن الايضاح أصلاً ونسبة ... وهل أحوجت شمس الضحى لدليل
سما بمعال سار في الأرض ذكرها ... وفخر على هام الزمان أثيل
ورأى كصدر السمهري مثقف ... وعزم كمتن المشرقي صقيل
غدا مغرماً بالمكرمات فلم يطع ... بها قول واش أو ملام عذول
وكم كحلت من مهرها مقلة العلى ... مرأود أقلام لديه مثول
تكاد ترى خضراً إذا هو مسها ... بغيث ندى من اصبعيه همول
أنجل رفيق الغار بل سبط أحمد ... وأكرم فرع ينتمي لأصول(2/86)
تهن بفتوى بل فتاه مهرتها ... نصيحة اسلام وحسن قبول
ببابك قد حلت فحليت جيدها ... وجرت بفضل منك فضل ذيول
وأنت الفتى مذ كان منك اشتقاقها ... فعادت لأصل في الكمال أصيل
فدمت تنال النجم عزا وسؤددا ... بباع على طول الزمان طويل
تلوذ بك الراجون هدياً ونائلاً ... ويغشى حماك الرحب كل نبيل
وغفرا لعبد زلة من قصوره ... بموقف مدح بالفحول ذليل
على أنني للكرد والشعر فيهم ... أقل وجوداً من وفاء مطول
ولكن معانيك البديعة صيرت ... إلى المكن بل للعجم أفصح قيل
وبقيت وطرف النجم يا من سموته ... لذاتك لما يكتحل بمثيل
مدى الدهر ما ورقاء غنت بروضة ... وسارت بنص في الفلا وذميل
وكان للمترجم نظم باهي باهر ونثر زاهي فمن نظمه قوله من قصيدة نبوية مطلعها
أي دمع لا يسحوشبح في الحب يصحومن ملام فتت الاح
شاء والشوق ملحكيف أصحو من غرامفيه للعشاق نحج
يا عذولي دع ملاميفدوام اللوم قبحان قلبي فيه من نار الجوى قدح ولفح
ومنها
يا نداماى وهل للدهر بعد البين صفحان قلبي طير شوق
دابه نوح وصدحبعت روحي منه في سوق الهوى والسقم ربح
ولسلواني بابماله بالعدل فتحيا حبيبي صل معنى
من هيام ليس يصحووترفق بفؤادفيه من قدك رمح
ودع الهجر فقلبيآن أن يثنيه مدحلرسول جاء بالان
وار ليل الشك يمحومنقذ الناس إذا ماهالهم في الحشر رشح
سيد الكونين من ذكراه لي طيب ونفحواسع الصدرا إذا ضاق بأهل الأرض فسح
منها
وبه الأكدار زلت ... حين مس القوم قرح
وبه الآفاق ضاءتوانجلى للكون جنحوهو غوث وغياث
وبه السقم يصحوله القدح المعلىويداه لا تشح
مدحه فرض ولكنليس يحصى ذاك شرحيا نبي الله يا من
أنت للراجين نحجعجل البرء لداعدمعه بالبين سفح
فعسى تشفي عليلاًشقه ضعف وكدححيث لي فيكم وفي الصد(2/87)
ديق أنساب تصحفعليك الله صلىما غدا للطرف لمح
وعلى آل وصحبمن لهم في الدين نصحسيما الصديق من مد
حي له كسب وربحوعلى الفاروق من أيديه بالخير تسح
وعلى عثمان من زين به للدين قدحوعلى الكرار من تم
به للآل مدحأمد الدهر دواماًما بدا في الأفق صبح
ومن شعره الباهر يمدح ادباء دمشق بقوله
سمح الدهر باغتنام ليال ... طاب فيها السرور بالندمان
فاجتنينا ثمار دوح وصال ... واقتطفنا أزهار روض الأماني
وسمعنا صوت الأناشيد تتلى ... ببديع الغناء والالحان
وشممنا عبيرود صحاب ... كل شهم سما على كيوان
سيما الصادق الحبيب ومن قد ... بهر الناس فضله كل آن
شمس أفق الكمال بدر سماء ال ... فضل والعلم قدوة الأعيان
وكذا الكامل الشريف خدين ال ... مجد والسعد مصطفى الاخوان
فخر أهل الآداب انسان عين ال ... علم أنعم بذلك الانسان
والمفدى الفريد عاصم رأى ... من تسامى بنوره النيران
ثم فتح الزمان قرة عيني ... ووحيد الأوان والخلان
فهما في سما السعود كنجمين ... ينبران أو هما بدران
وسعيد شقيق روحي وخلي ... فهو لا شك زهر روض المعاني
فتراه كالمسك يهدي عبيراً ... أو كبحر أضاء بالعقيان
ثم ذخري محمد وملاذي ... كنز بحر العلوم والتبيان
وهو خدن الكمال غيث سحاب ال ... فضل والجود زائد العرفان
وشريف الخصال سعدي وفخري ... عقد جيد الفهوم والاتقان
فكره ثاقب كصبح تبدي ... فيريك الخفي مثل العيان
وكذاك الوحيد أسعد صحب ... ليس تلقى للطفه من يداني
قد تباهت به الفضائل فخراً ... فهو لا بدع سعد هذا الزمان
والزهيري أحمد المقوم من حا ... ز فخاراً يسمو على الأقران
سيد ساد قدره وتسامى ... نسبة في الورى إلى العدناني
يا سقي عهدهم بمربع أنس ... حيث كنا من الردى في أمان
وأدام المهيمن الحق فيهم ... كل بيت مشيد الأركان(2/88)
وحباهم مراتب الغر والسعد ... دواماً ونيل كل تهاني
ما نعمنا بمجمع الشمل منهم ... وحظينا من قربهم بالأماني
فأجابه الشيخ سعدي العمري بقوله
درر القطر في طلي الأفنان ... نظمت أم قلائد العقيان
أم أسارير غرة قد تجلت ... تحت ديجور فاحم فينان
أم سطور من البلاغة جرت ... ذيل آياتها على سحبان
وأدارت على المسامع منا ... كاس فضل متوج ببيان
يالها أسطر حبست عليها ... جمر فكري وناظري ولساني
فنظمت المديح منها عقوداً ... لوحيد الكمال والعرفان
من حوى في ذرى العلاء محلاً ... وقفت دون منتهاه الأماني
وارتقى في معارج الفضل حتى ... قد غدا منه في أعز مكان
فاق في نثره البديع كما قد ... تاه في نظمه على حسان
فهو البارع الذي حاز فضلاً ... قصب السبق يوم عقد الرهان
واغتدى الغر في حماه وضحى ... يتحامى سطاه ريب الزمان
يا وحيداً به المفاخر تهفو ... هدب أعلامها على كيوان
هاك مني خريدة أبدعتها ... فكرة تملأ الطروس معاني
وابق في دوحة السرور بعز ... يتوالى بالبر والاحسان
ما تبدت عقودك الغر تحكي ... درر القطر في طلى الأفنان
ثم كتب المترجم جواباً بقوله
وافت عروسة فكر تزدهي شرفاً ... في حلة الحسن تهدي فرط احسان
جواهر قلدت جيد الزمان وقد ... فاقت فصاحة قس ثم سحبان
عقودها حيرت سمعي ومذ ظهرت ... خلنا اللآلئ في أسلاك عقيان
لله در فريد ناظم درراً ... تزري بنظم فصيح العرب حسان
فهو الهمام البليغ الشهم من بهرت ... منه الكمالات في علم واتقان
لساسانه سايح في بحر فكرته ... فينظم الشعر من در ومرجان
آدابه روضة والفضل رونقها ... ولفظه زهر يبدو كتيجان
فيا وحيداً لقد فاق الأنام علا ... ونال مجداً أثيلاً جل عن ثاني
اليك غيداء قد أهديت غانية ... تسبي الأنام بقد ماس كالبان
فأسبل عليها رداء الستر منك كما ... يعفو الكريم بلا من عن الجاني(2/89)
وأسلم بعز وريف ما الرياض زهت ... برونق الزهر من ورد وريحان
فأجابه الشيخ سعدي العمري ثانياً بقوله
سلافة الفضل في أقداح عرفان ... دارت علينا بها آيات حسان
حلت بماء بلاغات وقد عقدت ... تاج الفصاحة مشمولاً باتقان
ألقت على السمع نوراً من أشعتها ... فهز فكري به أعطاف نشوان
ونافحت مهجة لا الورد يعطفها ... عنها ولا نسمات الشبخ والبان
فبت أنظم من شمائلها ... بدائعاً ما احتواها فكر سحبان
لمن أعار الربا أنار شيمته ... فرأوحت بشذا رند وريحان
مولى كأن الأماني غرس راحته ... حتى غدا من رباها القاطف الجاني
من لم يدع لصروف الدهر غير يد ... شلا بهمته عن قرع انسان
يا واحداً لم يزل ووض الكمال به ... معللاً بندا من واحسان
اليك عذارا في أثواب تهنية ... بخير عام حليف اليمن جذلان
ودم بأسنى المعالي ما أدرت لنا ... سلافة الفضل في أقداح عرفان
وكتب اللوذعي السيد مصطفى الصمادي للمترجم
يوم أغر وليلة غراء ... نعم الصباح وحبذا الامساء
أحبب به يوماً تلته ليلة ... حسدت سناً اشراقها الأضواء
بتنا وعين الحظ يقطى لم تنم ... والدهر ملء جفونه اغفاء
والشمل مجتمع بصحب نظموا ... عقداً عليه بهجة وبهاء
وخليل وسطى العقد كنز المجد في ... جيد الزمان يتيمة عصما
فخر الأكارم من بني الصديد من ... فاقت به آباءها الابناء
البارع الندب المجيد بدائعاً ... تنمو فليس يحدها الاحصاء
سحر البلاغة في فصاحة لفظه ... سحبان عند بيانه فافاء
في الطرس ينثر من عقود أوشكت ... تهوي لتلقط درها الجوزاء
ملك الكمال كساه برد وقاره ... ان الملوك لها الوقار كساء
يقظ الجنان ولوذعي الفكر لم ... تسبق بوادي رأيه الآراء
ينبي بأعقاب الأمور كأنما ... تبدي حقائقها له الأشياء
رقت شمائله كما بكرت على ال ... روض الشمال تبلها الانداء
لو جاء في العصر القديم لانبا ... بعظم أخلاق له الانباء
مولاي يا بن أجل من وطئ الثرى ... بعد النبي وحسبك العلياء(2/90)
خذها خريدة خدر فكرا قلت ... تسعى اليك وحليها اسحياء
والعفو عن تأخير مدحك مهرها ... وبمهرها تستملك الحسناء
فامنن وقابل بالقبول قصورها ... عن بعض وصفك تعجز البلغاء
واسلم ودام ما رأوحتك وباكرت ... تتلى عليك مدائح وثناء
فأجابه المترجم بقوله
بدر الفصاحة لاح منه ضيآ ... أم زهر طرس أفقها الآراء
أم تلك أنوار بدت من غادة ... سكرت بنشر حديثها الندماء
مياسة الأعطاف يخجل حسنها ... بدر السماء وهكذا الحسناء
فتانة الألحاظ ملء جفونها ... غمز بها لقتالنا ايماء
فجبينها اللاهي وطرة شعرها ... تعم الصباح وحبذا الامساء
أم زهر روض الفضل فتح نوره ... فتارجت بشميمه الأدباء
أم هذه الأقمار من فلك العلى ... ضاءت بها الأكوان والأرجاء
بل هذه آيات سحر بلاغة ... من سيد دأنت له الفصحاء
الماجد الفرد الذي أخلاقه ... لطف النسيم بها ورق الماء
مولى أعار أولى الفضائل برده ... فتمسكت بذيوله البلغاء
ذو نسبة لا الزهر في اشراقها ... كلا ولا الأنوار والأضواء
كم قد شهدنا من بدائع لفظه ... درراً تضئ بحسنها الجوزاء
يختال في حلل العلوم كأنما ... هزت معاطف فضله صهباء
فهو الذي اتخذ الكمال سجية ... وعلت بطيب أصله العلياء
وهو ابن خير المرسلين المصطفى ... من أشرقت بجبينه الظلماء
يا أيها المولى الذي أفكاره ... سجدت لعقد نظامها الشعراء
خذ بنت فكر بالحياء توشحت ... ان الغواني طبعهن حياء
وأسبل عليها ثوب عفوك انما ... يعفو ويسمح سادة كرماء
لا زلت في عز مدا الأزمان ما ... أهدى لذاتك يا مليك ثناء
وللمترجم قوله
لقد قال الحبيب وقد رآني ... أردد في محاسنه عيوني
إلى كم أنت تولع بالتصأبي ... ألم تحفظ فؤادك من جفوني
فقلت وقد أصابتني سهام ... أذاقت مهجتي كاس المنون
فكيف أرد طرفي عن محيا ... به أجلو صدى قلبي الحزين(2/91)
وقوله
من لي بطرف سقيم قد كسى بدني ... ثوباً من السقم لما زدته نظرا
يومي بقتلي بأهداب الجفون لذا ... غدا فؤادي لوقع السهم منتظرا
هو من قول إبراهيم السفرجلاني
وراشق لم يطش سهم لمقلته ... ولم أكن عن هواه قط منصرفا
فكلما فوقت سهما عرضت له ... كيلا يكون سوى قلبي له هدفا
وأحسن منه قوله أيضاً
ريم تصدى للرماية طرفه ... بعض القلوب ولا جناح عليه
فإذا رمت سهماً إلى جفونه ... جاراه قلبي بالمسير إليه
وللمترجم
عاتبت من أهوى فأطرق مغضباً ... والبدر يبدو من عرى ازراره
فأردت هصر منه عساه ان ... يلوى على فضاع من زناره
هو من قول أبي العباس البغدادي من شعراء الخريدة
رقت معاقد خصره فكأنها ... المعنى الخفي يجول في أفكاره
والبيت الأول مأخوذ من قول بعضهم
لا تعجبوا من بلا غلالته ... قد زرا زراره على القمر
وللمترجم
قبلته ليلاً فألوى جيده ... فنظرت فوق العاج منه عنبرا
فسألته ماذا فقال لي اتئد ... هذا سواد اللحظ فيه أثرا
وله
نام الحبيب بلا ضوء يؤانسه ... والورد في خده باد تفتحه
فرام أيقاظه بالضوء خادمه ... فقلت أخشى خيال الهدب يجرحه
وله
ومريض الجفون أصبح يمشي ... فوق جفني القريح بالتعظيم
لست أدري أذاك سرعة خطو ... منه تبدي أم ذاك مر النسيم
وله
من لي بظبي نحيل الخصر قامته ... تزري بسمر القنا بالميل والغيد
جفون عينيه سهم الحتف قد رشقت ... عن حاجبيه فسل الروح عن جسدي(2/92)
وله
غزال انس كبدر تم ... تزيد نوراً به العيون
بديع حسن يتيه عجباً ... فكل حسن لديه دون
لو تابع الخطو فوق هدب ... لما أحست به الجفون
وله مضمناً
ومذ شمنا سواد اللحظ يدعو ... لشرب مدامة منه تدار
وقام صباح ذاك الجيد يومي ... لتقبيل وشط بنا المزار
أشار الخد بالثاني ونادى ... كلام الليل يمحوه النهار
وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في ذلك مضمناً
توعدنا سواد الطرف منه ... بقتل مالنا منه فرار
فقال بياض ذاك الخد منه ... كلام الليل يمحوه النهار
ومن ذلك تضمين البديعي
جمعنا قهوتي بن وكرم ... لنعلم من له ثبت الفخار
فقالت قهوة البن اشربوني ... متى شئتم فبي نسي العقار
فأنشد ضاحكاً كأس الحميا ... كلام الليل يمحوه النهار
ومن ذلك تضمين النواجي وأحسن
بدا ليل العذار فلمت قلبي ... وقلت سلوت اذ طلع العذار
فأشرق صبح غرته ينادي ... كلام الليل يمحوه النهار
ومن ذلك تضمين الفاضل الأديب المولى إبراهيم بن عبد الرحمن العمادي الدمشقي
لقد وعدت زيارتنا سليمى ... وقد قل التصبر والقرار
فواخت بعد حين وهي سكرى ... ترنحها الشبية والوقار
فريعت من تبلج صبح شيبي ... وقالت لا أزور ولا أزار
فقلت لها وكم تعدين صبا ... كئيباً قد براه الأنتظار
فغضت طرفها عني وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار
وأصل ذلك ما نقل ان أمير المؤمنين الرشيد هجر جارية ثم لقيها في بعض الليالي في القصر سكرى وعليها رداء خز وهي تسحب أذيالها من التيه فرأودها فقالت يا أمير المؤمنين هجرتني هذه المدة وليس لي علم بموافاتك فأنتظر حتى أتهيأ للقاك وآتيك بالغداة فلما أصبح قال للحاجب لا تدع أحداً يدخل علي وأنتظرها فلم تجئ فقام ودخل عليها وسألها انجاز الوعد فقالت يا أمير المؤمنين كلام الليل يمحوه النهار(2/93)
فخرج واستدعى من بالباب من الشعراء فدخل عليه الرقاشي ومصعب وأبو نؤاس فقال أجيزوا كلام الليل يمحوه النهار فقال الرقاشي
اتسلوها وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صبا مستهاماً ... فتاة لا تزور ولا تزار
إذا ما زرتها وعدت وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال مصعب
أما والله لو تجدين وجديلما وسعتك في بغداد دارأما يكفيك ان العين عبري
وفي الاحشاء من ذكراك نارتبسم ضاحكاً من غير ضحككلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو نواس وأجاد
وليلة أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكر الوقار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التخميش وانحل الأزار
وهز الريح أرداقاً ثقالاً ... وغصنا فيه رمان صغار
فقلت ها عديني منك وعداً ... فقالت في غد منك المزار
ولما جئت مقتضيا أجابت ... كلام الليل يمحوه النهار
فقال الرشيد قاتلك الله يا أبا نواس كأنك كنت ثالثنا وأمر لكل واحد بخمسة آلاف درهم وأمر لأبي نواس بعشرة آلاف وخلعة سنية وللمترجم في تشبيه الشقيق
هذا الشقيق يروق منظر حسنه ... في وسط روض بالجمال أنيق
يحكي زنود زمرد من غادة ... تهدي إلى الندمان كأس عقيق
وللشريف الرضي في تشبيهه
جام تكون من عقيق أحمر ... ملئت دوائر بمسك اذفر
خلط الربيع قوامه فأقامه ... بين الرياض على قضيب أخضر
ومن ذلك قول الخالدي
وصنع شقائق النعمان يحكي ... يواقيتاً نظمن على اقتران
وأجيانا نشبهها خدوداً ... كساها الراح ثوباً ارجواني
شقائق مثل أقداح ملاء ... وخشخاش كفارغة القناني
ولما غازلتنا الريح خلنا ... بها جيشي وغى يتقاتلان
ومن ذلك قول أبي الفضل الميكالي
تصوغ لنا أيدي الربيع حدائقاً ... كعقد عقيق بين سمط لآلي
وقال الخبز أرزي
وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذاري نقطت بغوالي(2/94)
ومن ذلك في التشبيه قول القاضي عياض
انظر إلى الزرع وحاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهرومة ... شقائق النعمان فيها جراح
وله في تشبيه الخشخاش
كأنما الخشخاش في روضه ... اذ لاح مبيضاً ومحمرا
كاسات در بعضها فارغ ... والبعض منها قد ملى تبرا
من ذلك تشبيه عز الدين الموصلي حيث قال في الأحمر منه
وزهر خشخاش بدا أحمرا ... كأنه في رونق وابتهاج
أقداح بلور وقد أترعت ... من خمرة لم تختلط بالمزاج
وقال ابن وكيع
وخشخاش كأنا منه تعرى ... قميص زبرجد عن جسم در
كأقداح من البلور صيغت ... بأغشية من الديباج خضر
وقال آخر
ولما بدا الخشخاش في الروض مزهراً ... وقد نظرت شزراً إليه الخلائق
حكى قلعة أبراجها مستديرة ... مشرفة دارت عليها الصناجق
وللمترجم مخمساً
خليلي اني لست أرضى بذلة ... إذا ما دعا داعي المعالي لرفعة
ولست بغير العزا سعي لرتبة ... ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنة
ولا أشتري عز المراتب بالذل
وأنفق في العلياء روحي جملة ... والارتضى الا الصدور محلة
وأبذل في نيل المفاخر همة ... وأعشق كحلاء المدامع خلقة
لئلا أرى في عينها منة الكحل
وله في مليح ينظر في المرآه
نظرت إلى المراة وأنت شمس ... فكنت إذا نظرت لها مراتا
وقد أكسبت صفحتها شعاعا ... فأحرقت القلوب لها التفاتا
وله في تشبيه الورد
وكأنما ورد الرياض تميله ... أيدي النسائم بكرة وأصيلا
وجنات غلمان حسان أقبلت ... لتروم من أمثالها تقبيلا
هو من قول ابن تميم مضمنا
سبقت اليك من الحدائق وردد ... وأتتك قبل أوانها تطفيلا(2/95)
طمعت بلثمك اذراتك فجعمت ... فمها اليك كطالب تقبيلا
ومثله قول الآخر
دوح روض تميس فيه غصون ... فتحاكى مهفهفات القدود
زهرها فوق ما تفتح منها ... كشفاه ضمت للثم الخدود
ويضارعه قول صاعد الاندلسي
ورد تفتح ثم انضم منطبقاً ... كما تجمعت الأفواه للقبل
وقول الآخر
ووردة تحكي أمام الورد ... طليعة سابقه للجند
قد ضمها في الغصن قوس البرد ... ضم فم لقبلة من بعد
وفي هذا المعنى قول بعضهم
أرى الورد عند الصبح قد ضم لي فما ... يشر إلى التقبيل في ساعة اللمس
وبعد زوال الصبح ألقاه وجنة ... وقد أثرت في وسطها قبلة الشمس
وللمترجم في تشبيه البنفسج
هزا البنفسج قد زهافي روضه الباهي المزاروعلته أوراق له
مثل انزبرجد في اخضرارفكأنه أثار لثم تحت حاشية العذار
هو من قول بعضهم
بنفسج يانع زكي ... يزهو على حسن كل ورد
كأنه عند ناظريه ... أثار قرص بصحن خد
وقد غيره الآخر فقال
وقد لاح في الزهر البنفسج مائلاً ... ترنحه القضب الضعاف الذوابل
كآثار لطم في خدود ثواكل ... مهتكة قد أحرقتها الأنامل
ومن المشبهات في البنفسج قول النامي
جاء البنفسج فاشرب كل صافية ... والزم مقالة أصحاب المقاييس
كأنه حين وافاك الربيع به ... منضد من أكاليل الطوأويس
وقال الآخر
كأن البنفسج مع ما حوى ... من الطيب أنفاسك المشرقة
يلوح فتحسب أوراقه ... فصوصاً من الفضة المحرقة
وقال ابن الرومي
وبنفسج غض القطاف كأنما ... نثرت عليه محاسن المازينج
لا شيء يحكي غير زرقة أثمد ... أو دمعة قطرت على فيروزج
وأحسن من ذلك كله قول أبي العتاهية(2/96)
ولا زورديه تزهو بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت
وللمترجم
وكأنما نهر الربا لما ازدهت ... في صفحتيه من الغصون ظلال
وجه تدلى فوق باهر حسنه ... من فرعه في عارضيه خيال
وللأديب سعدي العمري في ذلك
تأمل في صفاء النهر وانظر ... رقيق الظل من تلك العروش
كمعصم غادة هيفاء لاحت ... على طرفيه آثار النقوش
وهو من قول زين العجمي
وحديقة ينساب فيها جدول ... طرفي برونق حسنه مدهوش
يبد وظلال غصونها في مائة ... فكأنما هو معصم منقوش
وقول الآخر
لما تبدى النهر عند عشية ... والروض يخضع للصبا والشمأل
عاينته مثل الحسام وظله ... يحكي الصدى ولريح مثل الصيقل
وللمترجم غير ذلك من أحاسن الشعر والنثر وكأنت وفاته بقسطنطينية في غرة جمادي الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب أدرنة وأولاده الذكور الذين خلفهم هم المولى اسعد والمولى عبد الله والمولى عبد الرحمن والمولى سعد الدين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
خليل الغزي
خليل بن رضي الدين بن سعودي بن شيخ الاسلام النجم محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل العالم العامل اللبيب الدين الصالح جامع الفضائل والفواضل أبو المحاسن فخر الدين ولد بدمشق سنة سبع وثمانين وألف وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده وعلى ابن عمه الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري وحضر في دروسه ولازمه الملازمة الكلية وأنتفع به في فنون عديدة وعلى الشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأجاز له المسند الشمس محمد بن محمد المقدسي الشهير بالخليلي باجازة مطولة وقفت عليها وصارت له فضيلة تامة خصوصاً في علوم العربية وكأنت وفاته بدمشق نهار الخميس العشرين من ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائة وألف مطعوناً ودفن بالتربة الرسلانية(2/97)
خليل الموصلي
خليل بن عبد الرحمن بن أبي الفضل بن بركات بن أبي الوفا بن عبد الله الشهير بالموصلي كأسلافه الدمشقي الميداني الشافعي الصوفي الشيخ العلامة المتقن العالم الماهر الفاضل كان من مشاهير الأفاضل الأجلاء ولد تقريباً في حدود الخمس والستين وألف وقرأ واشتغل على جماعة بالعلوم كالفقه والنحو والصرف والأصول والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والفلك والهية والهندسة والمساحة وعلم الشمس وغير ذلك ومهر وتفوق وأفاد وأخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد الحبال والشيخ عثمان الشمعة والشيخ محمد الكناني الخلوتي وكان ساكناً في صالحية دمشق وكأنت وفاته في عاشر ربيع الثاني سنة أربع عشرة ومائة وألف وسيأتي ذكر والده عبد الرحمن في محله رحمه الله تعالى.
خليل الحمصاني
خليل بن محمد بن علي بن عمر بن أحمد بن رمضان الشهير بالحمصاني الشافعي الدمشقي العالم الفاضل المحقق كان علامة له يد طولى في العلوم سيما في التفسير وكان يحل مشكلات البيضأوي ويكثر المطالعة له اجتهد ودأب في تحصيل العلوم بهمة وأخذ عن جماعة فقرأ على الشيخ محمد نجم الدين الفرضي الدمشقي وعلى الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي وأخذ المعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال والأصول والمنطق عن الشيخ أبي السعود القباقبي الدمشقي وحضر دروس العالم الشيخ محمد بلبان الصالحي الدمشقي وأخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ أبي السعود بن الشيخ أيوب الخلوتي ودرس بالجامع الأموي واقرأ بين المغرب والعشاء الحديث ووعظ في رمضان بالجامع المذكور ثم ترك ذلك وذهب إلى دار الخلافة في الروم مراراً وآخرها صارت له رتبة موصلة الصحن المتعارفة بين الموالي وأعطى توليه المدرسة الحجازية مع التدريس ولما قدم دمشق على طريقة الموالي ركب في الموكب مرتين أو ثلاثاً وترك ذلك وبقي يخطب في جامع سنان آغا كعادة الخطباء وكأنت له وظائف كثيرة منها الامامة في الجامع الشريف الاموي والخطابة في جامع السيبائية في باب الجأبية ووقف وقفاً بدمشق على أولاده وبالجملة فقد كان من العلماء المشاهير وكأنت وفاته بدمشق يوم الاربعاء رابع ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وتولى بعده المدرسة الحجازية تلولى محمد بن علي العمادي(2/98)
رحمه الله تعالى.
خليل الفتال
خليل بن محمد بن إبراهيم بن منصور الشهير بالفتال الدمشقي الحنفي الشيخ الفاضل الفقيه الأديب كان له يد في الفقه أصولاً وفروعاً وغيره حمولاً طارحاً للتكلف وجده الشيخ إبراهيم كان في عصره علامة فهامة محققاً تحريراً أنتقع به جملة أجلاء وكأنت وفاته في دمشق سنة ثمان وتسعين وألف وهذا المترجم ولد بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف وقرأ واشتغل على جماعة في العلوم منهم الشيخ أحمد المنيني الدمشقي قرأ عليه الفقه وغيره والنحو والصرف ومنهم الشيخ صالح الجينيني الدمشقي قرأ عليه شرح التنوير للحصكفي والهداية بالفقه وغير ذلك والشيخ محمد الحبال قرأ عليه النحو والمعاني والبيان وغيره والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق قرأ عليه الاصول وغيره والشيخ عبد الله البصروي الدمشقي قرأ عليه أيضاً الاصول والطب وبعض آلات والشيخ حسن المصري نزيل دمشق قرأ عليه في بعض الآلات والشيخ السيد علي بن كوله الدمشقي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد قولقسز ولا مهم وقرأ عليهم في العلوم وصار يقرئ بالجامع الاموي وفي حجرته الكائنة في مدرسة الكلاسة التي هو متوليها واصل من جعلها حجرة وكأنت من مشاهد الجامع الاموي وكان المترجم ذهب إلى دار الخلافة بالروم وقطن بها مدة وعاد منها ثم رحل في تلك السنة للحج قاضياً بالركب الشامي ثم بعد مجيئه عاد إلى الروم مرة ثانية ومن ثمة رحل إلى مصر القاهرة ثم عاد إلى دمشق ورحل للروم ثالثاً ثم عاد لدمشق واستقام بها وكان في هذه المدة صارت له رتبة الخارج المتعارفة بين الموالي وقضاء عكة على طريقة التأبيد واشتهر حاشية بالفقه على شرح التنوير للشيخ علاء الدين الحصكفي ونسبها إليه وهي حاشية جليلة مفيدة وأخبرت ان له شرحاً على لامية ابن الوردي وألف رحلة حين سفره للروم وكان ينظم الشعر وآخراً صار صاحب الترجمة أحد كتاب أسئلة الفتوى عند سيدي الوالد وبعده عند عمي وقد ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه هو من الزمرة الذين ألفتهم وبصدق الوفاء جاريتهم وعرفتهم حمدت في الأدب مساعيه وتوفرت فيه دواعيه فاعتنق منه غصناً يانع الثمر ورمق افقاً نيراً طالع القمر وركب من كل أمر صعباً وسلك من كل تخيل شعبا حتى استوى عنده الأمران السعة والضنك ولم تحركه نغمة الناي مؤتلفة بألحان العود والجنك لا يفتر عن مخبرة يسيرها أو أشياء تؤدي إلى(2/99)
مقاصده يتدبرها ينقض ويبرم ويوصل ويصرم وله مطارحات لمحاضرات الراغب تنسيك وعبارات يحار منها الماهر النسيك وشعر يثلج الأوار وتختلف في أساليبه الأطوار فمما سمعت من فيه وكشف لي عن ظواهره وخوافيه قوله تاريخ عذار
طرز الحسن عارضاً من عذار ... في شقيق الوجنات بالاخضرار
فانجلى للعيان روض جمال ... متحل بحسن عقد الوقار
لوحيد من فرع دوح المعالي ... من تسامي حسناً على الأقمار
أحمد الاسم والصفات ومن قد ... حاز للفضل والعلى والفخار
لم يزل يألف الكمالات حتى ... عاد في افقها كبدر النهار
لو حوى البدر منه بعض جمال ... ما اعتراه الخسوف في الأسحار
يا وحيداً أعيذ ذاتك دهراً ... بالمثاني وأمناً في القرار
وتهنى بخط عارض خد ... وبعيد يضحى من الذنب عاري
قام فيه الهنا ينادي فأرخ ... أحمد زاد حسنه بعذار
وله
أسر القلب أهيف بدلاله ... وسبا القلب قده باعتداله
رشأ يفضح البدور جمالاً ... والهوى طوع لفظه ومقاله
غنج اللحظ أهيف ذو محيا ... هو للصب منتهى آماله
حين لاقيته تعشقت منه ... حسن لحظ يرمي الحشا بنباله
فتمنيت منه وصلا لأطفي ... جمر نار الجوى بماء زلاله
قال وصلى من المحال لأني ... قمر في الجمال عند اكتماله
لكن املأ كؤس عينيك مني ... فهي تطفي اللهيب عند اشتعاله
وقد نظم المعنى جماعة من ادباء دمشق منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الكنجي فقال
اغصن النقا رفقاً بمن شفه النوى ... مروع فؤاد في الدجى ساهر الجفن
أهل لا وصالاً برهة يشتفي به ... لواعج أشواق أرى لوعة تضني
وحق الهوى لولاك ما ذاقت الحشا ... تباريح أشجان ووجد لها يفنى
فقال وجفني فاض منهل غربه ... بموقف اذلالي لديه من المزن
أنا البدر بل لم يحص بعض محاسني ... ومن يرتجي بدر السماء له يدني
فوصلي محال فاطف نيران مهجة ... باملاء كأسي جفنك الآن من حسني(2/100)
وقال أبو محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي نزيل دمشق
يا مودعاً قلب المتيم حرقة ... بفتور جفن للبرية فاتن
هل منك وصل مطفئ نار الحشا ... ولهيب وجد في الأضالع ساكن
فأجابني ولجفني يذري دمعه ... وصلى محال للشجي الواهن
فاملأ كؤس العين مني نظرة ... يطفي بها حر الغرام الكامن
وقال رشيد الدين سعيد بن محمد السمان
علق القلب غادة أسرته ... بجفون تقرب الآجالا
من مهاة الصريم تفترس الاس ... د وتزري غصن الرياض اعتدالا
أودعت مهجتي لهيب غرام ... حينما شمت قدها الميالا
سمت منها الوصال كي تبرد القا ... ب فقالت أردت مني محالا
لكن املأ بنظرة من جمالي ... كأس عينيك تطفئ الاشتعالا
وقال فتح الدين عبد الفتاح بن مصطفى ابن مغيزل
أفديه ظبياً باللواحظ فاتكاً ... لما طلبت الوصل منه أجابني
وصلى محال لكن املأ يا فتى ... كأسي جفونك من بديع محاسني
وقال المترجم مخمساً بيتي السلطان سليم خان المكتوبين على المقياس في مصر
ان ساعدتك الأماني واستفدت غنى ... فكن حديثاً إذا طال المدا حسنا
ولا تباهي بملك من مشيد بنا ... الملك لله من يظفر بذيل منى
يردده قهراً ويضمن بعده الدركا
ان كنت ذا رتبة في الأفق نازلة ... أو ثروة لاجتنا العلياء سامية
فلا تقل لي شيء ضمن منزلة ... لو كان لي أو لغيري قدر انملة
فوق البسيطة كان الأمر مشتركاً وتوفي المترجم في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
خليل البني
خليل بن محمد البني الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه كان صاحب تحرير وافادة راسخ القدم في العلوم رحل إلى دار الخلافة في الروم وتولى افتاء الحنفية بالقدس وقدم اليها واستقام بها متصدراً بالفتيا بأمر الدولة العلية وزمن في آخر عمره وتوفي بالقدس في سنة خمس وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
خليل بن محمد المغربي
خليل بن محمد المغربي نزيل القاهرة وخازن الكتب في المؤيدية المالكي(2/101)
الشيخ الفاضل المعالم العامل الفقيه البارع المفنن أبو الصفا قدم مصر وأخذ عن المتصدرين بها كالشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي قرأ عليه عدة فنون وروى عنه وهو أشهر شيوخه وغيره وبرع وفضل ودرس وأفاد وعنه أخذ شيخنا أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي وغيره وحج سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف فلما قضى حجه ورجع أدركته الوفاة في منزلة من منازل الحج المصري يقال لها أكرى ودفن بها.
خليل بن علي البصير
خليل بن علي الموصلي السيد الشريف صاحب البصيرة الوقادة كان نادرة من النوادر مع علم وعمل وتجويد وتبريز بكل صناعة وكان في الحفظ آية باهرة يحفظ الصحيفة بسماعها مرة أو مرتين وله سفرات عديدة إلى حلب والرها والروم والعراق وله لطائف نفيسة كان حاضراً في مجلس بعض الوزراء فأخبره بعض الحاضرين ان القاضي فلان ممتحن بزوجته وبالأمس اقتتلا فآذته فقال على الفور يا ليتها كأنت القاضية وكان يحفظ من الشعر ما لو كتب لكان أسفاراً وكان له في النحو والصرف والعلوم العقلية اليد الطولى وله نظم بالفارسية والتركية والعربية ونثر رشيق وله معرفة تامة بالمويسيقى وكان مهذب الأخلاق ميمون الطلعة مأمون العشرة ومن قريضه الرايق ونظمه البديع الفائق قوله مؤرخاً واقعة العجم
كفى الله أهل الموصل الشر اذ أتى ... عدو لهم من جانب الشرق ناهض
أجل ملوك العجم نادر اسمه ... ظلوم غشوم للمواثيق ناقض
سبى نسوة السكان في البيد والقرى ... بظلم وكل في المهالك حائض
وساق أناعيم الرساتيق كلها ... فما في الضياع اليوم بكر وقارض
فحاصرنا ستين يوماً مهيجاً ... حروباً وفي الجمعات ماتت فرائض
فحاربه الدستور والي ديارنا ... حسين بعون الله وهو يناهض
فألقى رعب في قلوب جنوده ... فبانوا وكل نحو مثواه راكض
فلما أزال الله عنا شعوبهم ... بتوفيقه أرخت زال الروافض
وقوله مخمساً
نأى الغزال الذي في القلب موضعه ... ياليت شعري أي الروض مرتعه
ناديته بانكساري إذ أودعه ... يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
نار المحبة في الأحشاء حامية ... والعين كالنهر طول الدهر هامية(2/102)
يا من به رتبتي في العشق سامية ... ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وله مصدراً ومعجزاً
يا مشتكي الهم دعه وأنتظر فرجاً ... فمن يفرج كربات المساكين
واصبر على محن الأيام ذا جلد ... ودار وقتك من حين إلى حين
ولا تعاند إذا أصبحت في نكد ... من النوائب واستقبله باللين
هيهات هيهات أن تصفوا بلا كدر ... فانما أنت من ماء ومن طين
وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وتوفي سنة ست وسبعين ومائة وألف بالموصل ودفن بها وله شعر كثير اختصرنا منه خوفاً من التطويل رحمه الله تعالى.
خليل المصري
خليل الملقب بأبي الفتوح الفيومي الشافعي المصري نزيل حمص الشيخ العالم الفاضل الصالح الناظم الأديب كان محققاً في سائر العلوم له مؤلفات عديدة وقصائد فريدة سريع النظم لا يتكلف إليه كان عظيم الفهم فصيح اللسان تقياً مغرماً بشرب القهوة والتتن ولد ببلدة الفيوم في سنة سبع ومائة وألف وارتحل إلى مصر وحصل العلوم في جامعها الأزهر الذي بالخيرات معمر وفضل وصار له فضيلة ومكانة عالية ويد طائلة في العلوم ومن مؤلفاته رسالة نظم في التصوف سماها دوام الراحات في اتخاذ الخلوات تنوف عن حجم كراس مطلعها يقول راجي من به التكميل المحيوي عبده خليل إلى آخرها وسلك فيها مسلكاً عظيماً يدل على عظم فضله وذوقه وله مؤلف في الرد على الإسماعيلية سماه السطوة العدلية بالفرقة الإسماعيلية نحو أربعمائة بيت وهي عجيبة وله مؤلف في العروض مفيد أجاد فيه كثيراً وله كتاب صنفه بالحديث اقتضيه من العهود الكبرى للشعراني ومن الأذكار النووية وله قصائد كثيرة يطول تعدادها وهو من أسباط سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله ببركاته وقدم دمشق في سنة ست وأربعين ومائة وألف وأخذ بها عن بعض علمائها وارتحل إلى حمص واستقام بها مدة سنين وكان فرد وقته رقيق الطبع والذات وله حدة في بعض الأوقات خارجة عن العادات يحصل منها أمور مضحكة منها انه رأى كلباً في بعض الأزقة وهو في تلك الحالة فخلع فرحيته عليه وقال له أنت أفضل من خليل وله مناقب كثيرة لا يحصر عدها وكأنت وفاته بحماة في نيف وستين ومائة وألف ودفن خارجها رحمه الله.(2/103)
خليل الرومي
خليل بن جند الرومي نزيل دمشق كان علامة من الأفاضل المدققين مخشوشناً متقشفاً زاهداً ورعاً وعليه تدريس ووظائف توفي بدمشق في يوم السبت ثامن شوال سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
خليل الشهواني
خليل المعروف بالشهواني الشافعي القدسي الشيخ الأديب الفاضل الفقيه الكامل كان محبوباً للقلوب مرغوباً لدى الأعيان يجلب الأفئدة برقيق ألفاظه رقيق الحاشية ذكي الفهم وهو من ذي البيوت القديمة بالقدس وله اشعار وقصائد عديدة فمن ذلك قوله حين حج في سنة خمس عشرة ومائة وألف ومطلعها.
سل العقيق وسل عربا بذي سلم ... عن دمع عين جرى استهلاله بدم
وسل أهيل النقا مع أهل كاظمة ... وسل أهيلاً بذك الشيح والعلم
وقف بسلع وسل أهلاً بربعهم ... وحى أرضاً بذات البان والغم
وأنشد دليل السرى عن حالنا سحراً ... وحادي العيس والأظعان بالنغم
وسلهم عن فؤادي عن تضرمه ... وعن نحولي وما لاقيت من الم
يا صاح كرر أحاديث الغرام فما ... على المحب إذا ما باح من سدم
ودع كلام عذول ان ترم أربا ... ان المحب عن العذال في صمم
وبح بمدح ختام الرسل كلهم ... فهو الشفيع غدا في يوم حشرهم
وهو الملاذ إذا قلت بناحيل ... وهو الغياث غدا في موقف الحكم
خير النبيين قد عدوا وأفضلهم ... حوى المحاسن من فرق إلى قدم
وقد رقى للسموات العلا ودنا ... من قاب قوسين أو أدنى ولم يهم
وخاطبته الظبا والجذع حن له ... لديه قد أفصحت البدن بالكلم
والبدر شق له والضب كلمه ... وقد غدا معدنا للجود والكرم
لما تحققت اني في مدائحه ... مقصر نهت من وجدي ومن هيمي
ناديت والشوق مني قد نما ورقا ... ودمع عيني على خدي كما الديم
يا أكرم الرسل ياسر الوجود ويا ... كهف المساكين من عرب ومن عجم
مالي سوى جاهك الأسنى ألوذ به ... فأنت كل المنى يا خير مغتنم
وأنت قصدي وسؤلي ثم معتمدي ... ان لم تغثني أهل يا زلة القدم
اليك أشكو ذنوباً ضيقت حبلي ... وأجهدتني ومنها القلب في سقمي(2/104)
ان لم تكن لي معيناً في المآب غدا ... فضلاً فيا حسرتي حزناً ويا ندمي
وامتدح السيد محمد بن عبد الرحيم اللطفي مفتي القدس حين قدم من الديار الرومية بقصيدة مطلعها
أبدر المنى في غيهب السعد قد طلع ... أم البرق في جنح البها بالهنا لمع
أم الروض بالزهر المنير تنورت ... حدائقه أم هاطل الخير قد همع
لعمري ما هذا سوى نفحة أتت ... هلال محياها بنور العلي سطع
لطلعة فرد الوقت أعنى محمدا ... هو العالم التحرير لا بدع ان برع
فقرت عيون المجد عند قدومه ... ونلت المنى والهم ولي مع الجزع
وعود الفخار أخضر بعد يباسه ... وغنى حمام الايك جهراً وما هجع
وأصبح ناموس الفضائل قائماً ... بمن زان تيجان المناصب وارتفع
أمام تربي في السيادة مذ نشا ... ترى كل مخلوق على حبه انطبع
همام يضيق الوقت عن كنه وصفه ... حسيب نسيب كل عز لقد جمع
فلله ما أحلى عذوبة منطق ... تنفس عن در كصبح إذا طلع
بليغ إذا رقت أحاديث لفظه ... فكم مشكل في لفظه انزاح واندفع
ومنها
فقد كنت قدماً أهلها ومحلها ... فمن أجل ذاعنها سواكم قد انخلع
فناهيك مجداً قد حوى كل سؤدد ... فلم يبق شيأ من مناك ولم يدع
فوا طرابا فيك المحامد جمعت ... وقطر الندا من بين أيديكم نبع
وفي الفضل قد أحرزت كل فضيلة ... فكم مرتج للفضل أبوابكم قرع
وكم قاصد للمجد أم حماكم ... فنال المنى عند المراد وما امتنع
وله غير ذلك وكان شعره متوسطاً وكأنت وفاته بالقدس في منتصف رجب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
خليل الشهري المنجم
خليل بن مصطفى بن عيسى فايض الشهري المنجم له رسالة تفسيرية وفذلكة الحساب وشرح الحسينية وحاشية على شرح النونية لخضر بيك ورسالة الدخان وغيرها صلب نفسه ليلة الجمعة في جمادي الأولى سنة أربع وثلاثين ومائة وألف باسلامبول رحمه الله تعالى.
خليل حدادة(2/105)
خليل حدادة الموصلي الكاتب الماهر الخطاط الشاعر إليه تنتهي الكتابة والخط في زمانه وصار يضرب به المثل في الجودة والحسن والنفاسة كأنه حواشي عذار على متون خدود أو نقوش فضة أو لؤلؤ على وجنات أبكار وكان أديباً ماهراً نبيلاً حاذقاً وله الفصاحة والنجابة رحل إلى الهند في سنة احدى وستين ومائة وألف وتوفي بها سنة ثلاث وستين ومائة وألف ومن شعره قوله في وقعة العجم مادحاً ومؤرخاً
وذاك من يمن الوزير الذي ... خصصه الله بلطف أعم
قام لنا في حسن تدبيره ... وأرهب الخصم بأعلى الهمم
وجال في عسكره جولة ... فميل الركن له وانهدم
ورام منه الصلح عن أنفه ... رغماً ولم يدر الصواب الأتم
فقام عنا وهو من غيظه ... يعض حرصاً لكفوف الندم
أبو مراد لم يزل دافعاً ... عنا إذا الخطب علينا هجم
فسأله من اسد قد حمى ... غايته من كل خصم صدم
خليل المصري
خليل بن شمس الدين المالكي المصري أحد المحققين المشار اليهم بالبنان المعقود عليهم بالخناصر في رفعة القدر والشأن أخذ عن العلامة السيواسي والسيد محمد البليدي توفي راجعاً من الحج في الطريق المصري شهيداً سنة ثمان وسبعين ومائة وألف عن نحو ستين سنة.
خير الله البولوي
خير الله محمد بن عثمان بن سفيان بن مراد خان البولوي الرومي الحنفي الشيخ الفاضل العالم الفقيه المتقن أخذ عن كل من تاج الدين بن محمد الدهان والجمال عبد الله ابن سالم البصري المكيين وعن أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني وغيرهم.
حرف الدال
درويش الملحي
درويش بن أحمد بن عمر بن أبي السعود بن زين الدين عمر بن تقي الدين أبي بكر ابن علاء الدين علي بن صدر الدين أبي عبد الله محمد الدمشقي الحنفي الشهيري بالمليحي الشيخ الفاضل الكامل العالم النبيل المتفوق الأخذ من الفهم الثاقب بالحظ الأوفر ومن الذهن المتوقد بالنصيب الأكبر كان مولده بدمشق في شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتربى في حجر والده وتوفي والده في جمادي الثانية سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وطلب العلم الشريف(2/106)
فلازم الاستاذ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري الملازمة الكلية في سائر أوقاته وقرأ عليه كتباً عديدة في فنون شتى من العلوم وقرأ عليه الفقه على مذهب سيدنا الشافعي فإنه كان أولاً شافعي المذهب على مذهب أبيه وجده ولازم خدمته والقيام بقضاء مصالحه وصحبته إلى أن توفي وسمع منه المسلسل بسورة الصف وبالحفاظ وبالشافعية وبالحنفية وبالقبض على اللحية وكثيراً من الأحاديث الصحيحة وما لا يحصى من الفوائد العلمية وكتب له اجازة مطولة وقفت عليها بخطه قدس سره ثم ان صاحب الترجمة تحنف لما صارت له حصة من امامة الحنفية بالجامع الأموي فقرأ في الفقه النعماني على الفقيه صالح بن إبراهيم الجينيني والعالم موسى بن أسعد المحاسني والشهاب أحمد بن علي المنيني الحنفيين وكتبوا له اجازات رأيتها بخطوطهم المباركة وأخذ عن الشيخ البركة أسعد بن عبد الرحمن المجلد السليمي وعن العلامة حامد بن علي العمادي مفتي الحنفية بدمشق قرأ عليه بين العشائين كتباً فقهية وأصولية عديدة كالهداية وحاشيتها للمولى المذكور فانه كان يقابلها معه حين اخراجها من المسودات وبيضها وعدة رسائل من مؤلفاته ومؤلفات غيره وكالمنار في الاصول وشرحه لابن ملك وغير ذلك وعن المحقق محمد ابن محمد قولاً فسر قرأ عليه في الفقه والعربية وعلى الضياء عبد الغني بن الصيدأوي مفتي مدينة صيدا قرأ عليه وصحبه واستجازه فأجازه وعن الجمال عبد الله بن زين الدين البصروي الشافعي قرأ عليه الفرائض والحساب وعن الركن محمد بن إبراهيم التدمري الشافعي وغيرهم وصارت له ملكة في الفقه والعربية وحج سنة احدى وستين ومائة وألف وصارت له حصة من امامة الحنفية بالجامع الشريف الأموي فباشرها مدة حياته وكان لطيف الذات كامل الأدوات مبجلاً له اللطف والظرف والديانة والعفة ومكارم الأخلاق وحسن الشيم وكأنت وفاته عشية يوم الجمعة سابع شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف وصلى عليه بعد صلاة ظهر يوم السبت بالجامع الأموي ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
درويش آغت اليرلية
درويش بن عبد الله الحنفي الدمشقي آغت أوجاق الينكجرية اليرلية ورئيسهم وأحد أعيان جند دمشق المشار اليهم والمنوه بقدرهم كان شهماً كاملاً فاضلاً أديباً بارعاً في العلوم له حفظ وتقيد تام فيها سيما بفنون الأدب والشعر ماهراً بالفارسية والتركية حسن الأخلاق متودد أطيب الخصال صاحب عقل وتدبير ذا رأي(2/107)
حميد رئيساً معتبراً صاحب وجاهة واحتشام مع حسن الملتقى وطلاقة الوجه ولطف الشكل مهاباً ضابطاً له على أنفاره غلبة وسطوة ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده الآتي ذكره في محله آغة الوجاق المذكور وقرأ القرآن وبعض المقدمات على الشيخ عبد الرحمن الكليسي نزيل دمشق وبعده قرأ شرح القطر للفاكهي على الشيخ إسماعيل العجلوني ثم الدمشقي وشرح الألفية لابن الناظم على الشيخ محمد الغزي الدمشقي مفتي الشافعية بها وقرأ الدرر والغرر وشرح التنوير في الفقه على الشيخ صالح بن إبراهيم الجينيني وقرأ المختصر على الشيخ حسن المصري نزيل دمشق في داره وكان يجئ الشيخ إليه ويحضر معه الشيخ خليل بن محمد الفتال والشيخ محمد بن إبراهيم العجلوني الدمشقي وقرأ التوضح والتلويح على الشيخ علي الأنطاكي نزيل دمشق وكذلك تعلم منه الفارسية وقرأ عليه بها وقرأ شرح ديوان المتنبي للواحدي على الأديب أحمد بن حسين باشا الكيواني الدمشقي وتخرج عليه في الأدب ومهر وتفوق وحصل له فضيلة ونظم الشعر قليلاً بالعربية والتركية وجمع كتباً نفيسة وتملكها وكان مجلسه يحتوي على الأفاضل والأدباء والمطالعة والمطارحة الأدبية ولما توفي والده استقام في داره بأهنى عيش ثم تولى بطريق المالكانة قرية معلولا النصارى وقرية عيتا وقرية غزة وقرية قبر الياس وغير ذلك من العقارات ودار والده الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة وكان له أخ يسمى مصطفى شجاعاً جسوراً قتل في بعلبك لأمور في سنة أربع وخمسين ومائة وألف ثم ان المترجم صار رئيساً على أوجاق الينكشرية بدمشق سنة سبع وخمسين وكان قبله رئيسهم محمد بيك بن الوزير كوسج خليل باشا واستقام رئيساً عليهم مدة ثلاثة عشر سنة مع الضبط والربط وحسن السياسة والتدبير وتنظيم أمور الأوجاق وحسن الرعاية وكأنت أعيان دمشق تحبه وتوده سيما والدي فكان يتخذه بمنزلة الأخ الشقيق وهو مرغوب لديهم لأسباب منها فضله وأدبه ومنها عفته وديأنته ومنها تربصه وعقله ومنها كماله وحسن أخلاقه ولم ير في وقته من يضاهيه في هذه الخصال ولو اجتمعت بأحدهم خصلة من ذلك كان خالياً عن الأخرى وكان الوزير أسعد باشا ابن العظم والي دمشق وأمير الحاج يعرف قدره ومقامه ويحبه ويوده وله عليه مزيد التفات وكان يتخذه في أموره عضد أو في أفعاله مشاراً وكأنت الأدباء تمدحه لمعرفة مقام الأدب والشعر وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي وكان من أخصائه فقال هذه القصيدة ممتحده بها حين عاد من الحج ومطلعها.(2/108)
نفحة الفجر من مهب الجنوب ... روحي مهجتي بطيب الهبوب
وأطيلي الوقوف بين المصلى ... وزرود وبين تلك الشعوب
واحملي من شذا تهامة نشرا ... ناشرا طي لذة المحبوب
وأرسفي بالنخيل من لابتيها ... حيث أظلاله مقيل الجبيب
والثمي رسم من أناخوا صباحاً ... في ذراه عن المحب الكئيب
وإذا ما أنتجعت أجراع حزوي ... وحمى الشعب من يمين الكثيب
فاسألي هذه المواطن عمن ... حل فيها من كل ظبي ربيب
رحلوا والفؤاد خلف النواجي ... حادياً يستفز بالتطريب
وطووا شقة الفلا واستقروا ... بتلاع العذيب عند الغروب
فاستقلت بهم نواحيه حتى ... شغلوا عن مولع محروب
فأريا بردة الدجى بانين ... ولهيب بين الحشا مشبوب
كلما عن ذكرهم رنحته ... لوعة ملء خليه والجنوب
وإذا ما استطار من نحو سلع ... برقهم وأصل البكا بالنحيب
وإذا جأوب الحمام هديلاً ... يشتكي الألف في القضيب القشيب
أخذته حمية الوجد حتى ... أوثقته برائعات الكروب
يا خليلي فاسعفا ذا قروح ... لم يغيره مؤلم التأنيب
ضاق ذرعاً عن عبء ما أوسعته ... محن البين كل ليث وثوب
خل يا عاذلي صنوف ملامي ... ما خلى الفؤاد مثل السليب
انما العشق والهوى لي طبع ... لم يزل في حديثه تشبيبي
وعيوني إذا العقيق تردئى ... سفحته بسفحه امهضوب
عللوني إذا أردتم حياة ... بحديث الغرام رغم الرقيب
وأثلجوا غلة الفؤاد بذكرى ... ما حواه بدر الكمال المهيب
كامل حل من ذرى فلك المج ... د مقاماً بحسن رأى مصيب
وهمام ما الحرب دارت رحاها ... وتلظى خلب الكمى الغضوب
فله العز والمفاخر تعزى ... والمعالي بالاسم والتلقيب
ليس يطوي الا على الحلم قلبا ... لا على ريبة ولا تكذيب
فمن اللطف قد تكون ذاتاً ... وصفاتاً من الجمال العجيب
نعم ليثاً للائذين وغيثاً ... ان دعى للندى وخير مجيب
وغياثاً للمستجير إذا ما ... مسه فرط لوعة ولغوب(2/109)
دأبه في الورى اصطناع اياد ... لبعيد يوم الندى وقريب
فإذا لم يجد لبذل سؤالاً ... طالبته بنيله المسكوب
فلذا علم السحاب نداه ... كيف يهمي بكل روض خصيب
فلكل من راحتيه غمام ... يا لعمري وليت حين مشيب
ما رأينا ولا سمعنا بشهم ... مثله مفحم لكل لبيب
منح قادها الزمان إليه ... ذللاً فوق قصده المطلوب
فابتلى الدهر والأنام فلاذوا ... بحماه في موقف التأديب
وحوى ما المديح يقصر عنه ... بنظام وافى على اسلوب
أي مجددون الذي حزت يروي ... وفخار وأي صدر رحيب
ومن المعالي بلغتك المعالي ... رتب الافتخار والتهذيب
فنهنيك يا أغر السجايا ... بقدوم من حجة التقريب
نلت فيها الرضى وعفواً جلياً ... وبلغت المرام غير مخيب
ووردت المقام والبيت يهوي ... لهما كل ضامر يعبوب
فوقه كل أغبر أشعث الرا ... س ملب لربه ومنيب
حاسراً بردة الجدال يقضي ... تفثاغب نثرة المرغوب
ولدى المشعر الحرام صباحاً ... يذكر الله بالفؤاد السليب
ويوفي النذور بالعج ... والثج ويرمي الجمار بالترتيب
ويريق الدماء وهو حلال ... في منى موطن المنى بالوجوب
ويوافي أم القرى فيلاقي ... حرماً آمناً من الترهيب
وهي طويلة أخبرني صاحبنا الفاضل خليل بن مصطفى الدمشقي قال أخبرني من لفظه درويش محمد بن عبد الله رئيس الجند اليرلية انه رأى حاله بالمنام ينشد هذين البيتين واستفاق وهو ينشدهما ولم يدراهما قديمان أم جديدان وهما
لو كنت أملك طرفي عندما سكبت ... عيناي مذ فارقت حبي وأوطاني
لكنت قد خنت عهداً والعيون إذا ... خوانة بالهوى ان أبصرت ثاني
وكتب للمترجم الأديب مصطفى الترزي الدمشقي يشكره على حاجة أرسلها إليه بقوله
يا جوهراً قد صفا من العرض ... لم يجد المجد عنك من عوض
أنت لجسم العلاء روح حيا ... وشمس فضل للناس أنت تضي
ورثت طود العلاء مفتخراً ... عن والد والفخار منك رضي(2/110)
وفقت بالجاه كل ذي عمم ... مرتفع الفضل غير منخفض
رأست حنك العلى بأجمعه ... كالسلك قد ضم كل متنقض
أرسلت لي برء ساعة وبه ... قد زال ما قد وجدت من مرضي
لا زلت في دولة مؤبدة ... بالغر كالكوكب السعيد تضي
أعيذ منك الجناب معتصماً ... بالله رب السماء والأرض
وارتحل المترجم إلى حلب وكأنت مستولية عليه الامراض السودأوية وكان مرهف العيش متنعماً في أحواله منتظم الملبوس حسنه جميل الهيئة متقن الحركات واللوازم المتعلقة في الزينة للدار وغيرها سخي الطبع ذكياً حاذقاً عشوراً وهو خال والدتي لأن والدة والدتي جدتي اخته وشقيقته وأحسن تربية والدتي لأنها لما توفي والدها المولى عبد الرحمن السفرجلاني كأنت طفلة فنشأت عند المترجم وقام في تربيتها أحسن وأشفق من الوالد والوالدة وفي سنة سبعين ومائة وألف عزل عن حكومة دمشق وامارة الحاج الوزير أسعد باشا ابن العظم وولي مكانه الوزير حسين باشا بن مكي الغزي فرأى المترجم بوادر الفتن وبوادي الفساد من الاشرار فترجى حسين باشا المذكور وترامى عليه أن يعزله من منصبه آغوية الوجاق المذكور لأنه أولاً قاسى منهم خطراً بليغاً وكان لا يألف النوم خوفاً من رؤسائهم المفسدين أن يغتنموه في الليل قتلاً أو نهياً وكان ذلك سبباً لأمراضه وعلله فانه رحمه الله كأنت الامراض السودائية وغيرها دائماً تعتريه ولما رأى ما رأى عند عزل أسعد باشا تحقق القتل به واهأنته عند تحريك الفتن وظهور الاشقياء أهل البغي والشرور فاستعفى من المنصب المذكور برضاه وحسن اختياره وانه بسبب أمراضه عجز عن ذلك والقيام بهذه الخدمة فألحوا عليه الأعيان أن يبقي في المنصب وان لا يرتضي العزل فما قبل وما أمكن حتى كتب حسين باشا المذكور للدولة العلية بذلك وكتب هو أيضاً فعزل وصار مكانه السيد مصطفى آغا الحموي الآتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى وفي محرم سنة احدى وسبعين لما صارت الفتنة بين الينكجرية اليرلية والينكجرية القول وعظمت بينهم المحاربات والقتال كان هو اذ ذاك ساكناً في دار زوج اخته محمد أغا الكمش الرومي نزيل دمشق الكائنة في القرب من البوابجية بالقرب من باب القلعة فجاء طائفة القول ليلاً ونقبوا جدار الحجرة التي في الدار المذكورة من جهة باب القلعة ودخلوا الدار ونهبوا أمواله وحوائجه وأخذوا غالب متاعه فلما أخبرت طائفة اليرلية بذلك جاؤا عليه وصار بينهم القتال والمحاربة ثم ان اليرلية أخرجوهم من الدار واستخلصوا بعض الأمتعة وكأنت اذ ذاك الأوقات مشتعلة بنيران(2/111)
الفتن والبغي ولم ير في عصر من الأعصار مثلها وكان صاحب الترجمة وهاماً عاقلاً يحسب الأمور البعيدة فزادت عليه الأمراض غب واقعة الدار المذكورة ونهب متاعه وماله وزادت عليه الاسقام وابتلى بداء ورم المعدة فمات فجأة في جمادي الثانية سنة احدى وسبعين ومائة وألف وشاع في دمشق انه هو أودى بنفسه للهلاك فمن قائل انه شنق نفسه بيده ومن قائل انه أدخل عليه سم وحين شاع موته أرسل حسين باشا من طرفه كتخدا البوأبين وكذلك قاضي البلدة المولى علي ختن قاضي العساكر المولى أحمد علمي معتمداً من طرفه لأجل الكشف عليه فوجدوه ميتاً من غير سم ولا شنق بل بأجله فكتب بذلك حجة كشف ودفعت لورثته وكان كل الذي شاع افتراء وكذباً ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
درويش الحلواني
درويش بن ناصر الدين المعروف بالحلواني الحنفي البعلي ثم الدمشقي الخلوتي الشيخ العالم العامل الامام التحرير الأوحد كان فقيهاً فاضلاً عارفاً متقناً في الحديث وعلم الكلام ديناً ناسكاً ليناً متواضعاً قرا على جماعة من الشيوخ وبهم أنتقع كالشيخ إبراهيم بن منصور الفتال الدمشقي ولازم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي مدة من الزمان وأنتفع به حتى انه قال الحائك عنه وشهد بأنه مفرد عصره وأوانه بالفضل وقرأ على الشيخ محمد علاء الدين بن علي الحصكفي الدمشقي شارح الملتقى والتنوير وغيرهما وأنتفع به ورحل للرملة واجتمع بمغيبها فقيه الشام ومحدث عصره الشيخ خير الدين بن أحمد الرملي الحنفي وسمع الحديث عليه وأخذ عنه واجتمع بدمشق بمحدث العصر الشيخ محمد بن سليمان المغربي الفاسي نزيل الحرمين وطالع عليه وأخذ عنه وجمع منسكاً في حج بيت الله الحرام ولازم الافادة والتدريس بالجامع الأموي وأنتفع به جم غفير وروى عنه جماعة منهم الشيخ محمد بن إبراهيم التدمري الطرابلسي نزيل دمشق والمولى عبد الرحمن بن أحمد القاري المفتي بدمشق والشيخ محمد ابن زين الدين الكفيري الدمشقي وغيرهم ورأيت في بعض المجاميع فائدة منقولة عنه وهي ان من دخل إلى مقام سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه في قرية برزة بدمشق حرم الله جسده على النار ومن صلى فيه أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أقول وفيه ورد أخبار وآثار منها ما ذكره ابن الجوزي في كتابه الاشارات إلى أماكن الزيارات أخباراً وآثاراً كثيرة تدل على فضله حيث قال وعن أحمد بن سليمان سمعت شيوخنا الدمشقيين يقولون قديماً يذكرون ان الآثار التي بدمشق في برزة عند المسجد الذي يقال له مسجد إبراهيم عليه السلام الذي(2/112)
في الجبل عند الشق انه مكان إبراهيم وان الآثار التي فوق الشق بالجبل هي موضع رؤية إبراهيم الكواكب الذي ذكره الله تعالى في كتابه العظيم فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي انه كان في ذلك الموضع وهو معروف فمن قصده وصلى فيه ودعا أجابه الله تعالى في دعائه فان ذلك الجبل كان فيه لوط وجماعة من الأنبياء وآثارهم في مواضع في الجبل بالقرب من مسجد إبراهيم وأدركت الشيوخ يقصدونه ويقيمون فيه ويدعون الله تعالى وهو نافع لقسوة القلب وكثرة الذنوب وقال ابن عساكر قال ابن عباس رضي الله عنه مقام إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون لما جاء مغيثاً للوط عليه السلام أقام فيه وصلى وعن الأوزاعي ان الجليل في هذا المقام أي ببرزة اتخذه مسجداً وعن الزهري ان مسجد إبراهيم عليه السلام في قرية برزة من صلى فيه أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وان دعا استجيب له وفي رواية ويسأل الله تعالى ما شاء فانه لا يرده خائباً وهذه الرواية التي ذكرها صاحب الترجمة أقول وقد قال الحسن البصري في فضائل الشام قال شيخنا البرهان الناجي ان القاضي أبا بكر ابن العربي الشافعي ذكر في كتابه أخبار الأوائل انه شاهد صحة ذلك واستدل له بما وقع للسبكي مع تنكر نائب الشام فانه عزم على ضرب ولده القاضي حسين فتوجه السبكي إلى المقام بقرية برزة فأقام به يسأل الله تعالى أن يكفيه شره فما نزل حتى أخذ الله تنكز وامتدحه الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بأبيات مطلعها
يا مقام الخليل إبراهيما ... زادك الله في الورى تعظيما
قد أتيناك بافتقار وذل ... نرتجي العفو والجناب الكريما
فعسى الله ان يمن بفضل ... وقبول يعمنا تعميما
ودواعي السرور قد شملتنا ... تممت ما نرومه تتميما
وللشيخ علاء الدين بن صدقة فيه قوله
لا تمل عن رياض برزة يوماً ... فهواها شفاء كل عليل
قل صبري عنها وكيف اصطباري ... عن رياض فيها مقام الخليل
أقول والناس عن هذا المقام غافلون وهو مقام شريف عظيم وناهيك بمقام إبراهيم وكأنت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأربعاء وقت الضحى سادس جمادي الثانية سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى.
حرف الذال المعجمة
السيد ذئب الحافظ(2/113)
السيد ذئب بن خليل الحسيني الشهير بابن المعلى الشافعي الدمشقي الشيخ المقري الحافظ لكتاب الله تعالى المجود المرتل المعتقد المعمر الصالح العابد الزاهد كان له القدم الرأسخ في الصلاح ولد بدمشق تقريباً بعد الثمانين وألف وقرأ القرآن العظيم وحفظه عن ظهر قلب وأخذ القراآت عن الشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي الدمشقي وعن البرهان إبراهيم الغزنوي الحافظ وغيرهما من الأئمة وكان يقرئ أولاً في مقصورة الجامع الشريف الأموي ثم تحول إلى المدرسة النحاسية الكائنة خارج دمشق بمقبرة مرج الدحداح وأخذ عنه الجم الغفير وجأوز من العمر نيفاً وتسعين سنة وكان دأبه تلأوة الكتاب العزيز ليلاً ونهاراً مع الانقطاع عن الخلق وكان يذهب إلى المدرسة المرقومة كل يوم من الجامع الأموي بعد صلاة اليمانية فانه كان اماما بها ويبقى فيها منعكفاً على الافادة والاقراء إلى قبيل الغروب وبعده يجئ إلى الجامع الأموي ويصلي المغرب اماماً ويقرأ أوراده ثم يجلس في درس العلامة علي بن أحمد الكزبري وبعد وفاته صار يحضر دروس ابن اخته الشيخ عبد الرحمن الكزبري ثم بعد صلاة العشاء يذهب إلى داره في دخلة المدرسة الصادرية الملاصقة للجامع الأموي وهذا كان دأبه وديدنه مدة حياته ويبات طول ليله يقرأ القرآن ويصلي وكان كل يوم يأتي إليه جماعة ممن كان يحفظ عليه القرآن فيدارسهم عشرة أحزاب ويأتي لهم بضيافة فيفطرون عنده كل يوم ولم يزل على أحسن حال وأكمل طريقة إلى أن توفاه الله تعالى صبيحة يوم الخميس رابع عشر جمادي الأولى سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الذهبية من مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
حرف الراء
رجب النجيب
رجب المعروف بالنجيب الحلبي الأديب الشاعر اللبيب كان غرة جبهة الدهر له الباع الطويل في الأدب والأشاعة والذكر عند بني حلب ولد سنة ثلاث وتسعين وألف ونشأ في التحصيل وشمر أذيال الاكتساب وتعلق بخدمة فريد وقته الفاضل يوسف الشهير بالنأبي أحد شعراء الروم واكتسب منه فن الأدب وبه تأهل ونما وتسبب وفوضت إليه كتابة القلعة العواصمية وكان لا يرى له مثيل حريري النباغة فاق ابن مقلة في التحرير وليس لشعره شبيه ونظير وكان أغلب شعره باللغة التركية والفارسية وأثاره بالعربية نزرة قليلة وكأنت وفاته بقلعة حلب في سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.(2/114)
رحمة الله الأيوبي
رحمة الله بن عبد المحسن بن يوسف جمال الدين بن أحمد بن محمد الحنفي الدمشقي المتصل النسب بأبي أيوب خالد الأنصاري الصحأبي الجليل الشيخ الفاضل العالم الكامل الأوحد الفقيه الصدر المحتشم البارع في الفنون أبو الكمال ولد بدمشق ونشأ بها في حجر أبيه وأخذ عن جملة من فضلائها كالاستاذ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشيخ إسماعيل المفتي الشهير بالحائك والشيخ أبي المواهب محمد الحنبلي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي وغيرهم وبرع وساد وتقدم على أقرانه بالفضل والرياسة وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية ودرس في الجامع الأموي وفي المدرسة البيانية الكائنة بمحلة باب شرقي وكان ذا همة علية وشيم أريحية مقبول الكلمة عند الخاص والعام ولم يزل على أحسن طريقة إلى أن توفي وكأنت وفاته سنة خمس ومائة وألف ودفن بالجبانة الرسلانية رحمه الله.
رحمة الله البخاري
رحمة الله الحنفي البخاري النقشبندي المقلب بنظيما على طريقه شعراء الفرس والروم الأديب الشاعر الصالح الفالح قدم إلى قسطنطينية من بلدته بخارى صحبة السفير المرسول من طرف سلطان بخارى إلى السلطان أحمد خان في أيام وزارة الوزير علي باشا واستقام بها مدة أربعة أشهر ثم قصد الحج فتوجه تلقاء الحرمين المحترمين وبعد اتمام الحج عاد لقسطنطينية واستقر في خارجها بالمحلة المعروفة بالسودليجه تجاه محلة أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه التي حائل بينهما خليج البحر وكان يجتمع مع الجد الاستاذ محمد مراد البخاري قدس سره وبينهما تحاب وتوادد عظيم وله ديوان شعر بالفارسية ووقفت على البعض من أشعاره الفارسية والتركية أيضاً وبالجملة فقد كان من الأخيار وكأنت وفاته بقسطنطينية في حدود سنة خمس وستين ومائة وألف ونظيماً أصله نظيم فأدخل عليه حرف الندا بالفارسية وهو الألف فصار نظيماً أي يا نظيم والأصل فيه ذكره ضمن أبيات لعلة أوجبت حرف الندا ولكثرة استعمال ذلك صار علماً ويقع كثيراً في ألقاب الروميين وسيجئ في محله ومر في البعض فيقولون في نسيب وكليم نسيباً وكليماً ويغلب حرف الندا ويشتهر لقب الشاعر مع حرف الندا ولا يحذفه الا العارف الخير فافهم والله أعلم.
رضوان الرأوي
رضوان المعروف بالرأوي النابلسي أحد الأبدال الشيخ الصوفي الولي البركة ولد في سنة احدى عشرة ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ محمد الخليلي المحدث(2/115)
ولازمه مدة وافرة وحصل من العلم والصلاح الغبطة الظاهرة حتى قال الشيخ الخليلي من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى رضوان الرأوي ثم اشتغل بمطالعة التنوير في اسقاط التدبير لابن عطاء الله وجد واجتهد في التصوف وخرج عن الدنيا وانقطع في خدمة الاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وعادت عليه بركاته ونفحاته وبالجملة فقد بلغ مبلغ الولاية وله مناقب عديدة وآثار حميدة تؤذن بالمراد وكأنت وفاته في سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد رفيع الأزبكي
السيد رفيع الأزبكي النقشبندي نزيل دمشق قدم دمشق مع سبخه الاستاذ الشيخ محمد البلخي الآتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى وكان امامه وكان من العلماء الأجلاء فصيح العبارة ماهراً بالعربية عالماً بالنحو والمنطق والصرف والحكمة والطب والأوفاق وله حسن حظ وتصرف في مثل الجنون واللوقة والسوداء ماهراً في غالب الفنون مكتسب للأدب محتشماً ورعاً صدوقاً توفي بدمشق مطعوناً في يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الثاني سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بصالحية دمشق بأسفح رحمه الله تعالى.
رمضان بن عبد الحي
رمضان بن عبد الحي الدمشقي الشهير بالمجتهد الحنفي الشيخ العالم الفضل الفقيه الورع كان عالماً محققاً لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يهاب كبيراً ولا صغيراً قرأ وأنتفع وأخذ عن أجلاء كالشيخ إسماعيل بن علي الحائك المفتي قرأ عليه وأنتفع به وكان من أخص تلامذته ودرس بالجامع الموي وفي جامع السنانية في باب الجأبية ولزمه الطلبة وكان أخوه الشيخ زكريا من الأفاضل المدرسين أيضاً وبالجملة فان المترجم كان عالماً فاضلاً وكان سكناه في محلة باب السريجة بدمشق وكان الشيخ علي التركماني الحنفي كاتب الفتوي بدمشق يشهد بفضله ويترجمه بالعلم والتقوى وكأنت وفاته في سنة عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
رمضان الحلبي
رمضان بن عبد الرحمن بن أحمد العطار الحلبي الشافعي الشيخ الفاضل الكامل ولد بحلب قبل المائة وقرأ على أفاضل بلدته كالشيخ مصطفى الحفسرجأوي الفاضل والشيخ جابر والشيخ السيد محمد الكبيسي وأخذ عن العارف الشيخ قاسم الخاني طريقة القادرية وأفاد وكان عفيفاً سخياً حلو المنادمة كثير الذكر ملازماً للعبادة والافادة والاستفادة يقري(2/116)
الفقه بين العشائين تجاه سكنه بجامع منكلي بغا وينفع الناس وكأنت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف وأعقب ودفن في التربة الشهيرة بالشيخ نمير وكأنت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
رضوان الصباغ
رضوان بن يوسف الشهير بالصباغ المصري الأصل الدمياطي الحنفي المفتي بثغر صيدا من الأعمال الشامية الشيخ الفاضل النبيل العالم العامل الصالح الجليل أبو الجنان زهر الدين أجاز له الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي باجازة مطولة ذكرها في الرحلة الكبرى وذكر له رؤيا جليلة وهي انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام سنة اثنين ومائة وألف في الجامع الكبير العمري بصيدا ورأى الناس مزدحمين عليه وشخص يقول له يا رضوان بصريح اسمه أدخل وكلم رسول صلى الله عليه وسلم فدخل معه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فخاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له يا فلان وذكر اسمه أخرج قل عني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عش ما شئت فانك ميت وأحبب من شئت فانك مفارقه وأعمل ما شئت فانك مجزي به فخرج وبلغ كما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم.
حرف الزاي المعجمة
زبيدة القسطنطينية
زبيدة ابنة أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حمزة القسطنطينية الحنفية ام الفطنة الشاعرة المشهورة صاحبة الديوان الأديبة الفاضلة الحاذقة ولدت بقسطنطينية ونشأت بكنف والدها شيخ الاسلام المولى أسعد مفتي الدولة العثمانية وقرأت القرآن العظيم واشتغلت بأخذ الفنون وقرأت الفقه واللغة والأدب ونظمت الشعر الفارسي والتركي وتعلقت على الأدب واشتهر ذكرها وشاع صيتها وكأنت تخترع كل معنى مبتكر تحار فيه الالباب والفكر وامتدحت سلاطين وقتها ووزراءه واشتغلت بمطالعة الكتب واتصل بها المولى الرئيس درويش بن عبد الله نقيب الأشراف وقاضي العساكر وأعطاها الله القبول وتنافس الناس بشعرها وتدأولته الأيدي ودونت ديواناً مرتباً وجعلنه مع ديوان والدها وديوان أخيها والثلاثة صارت في مجلد واحد على الترتيب أولاً ديوان والدها ثم ديوان أخيها شيخ الاسلام المولى شريف بن أسعد مفتي الدولة ثم ديوانها وإذا استكتبها الناس يستكتبونها(2/117)
على هذا المنوال ولما كنت بقسطنطينية طلبت من شعرها لأثبته في بعض أسفاري وأجزاء آثاري فأرسلت إلى ديوانها وأنتخبت منها أشياء ذكرتها في غير هذا الكتاب وشعرها بليغ حسن مقبول قل ان يماثله شعر أحد من شعراء العصر واعتنى الناس به وفيه كل معنى لطيف تشربه الأسماع بفم الاشتها وتخيل يعجز عن فهمه الدراكة من ذوي النهى توفيت وأخوها مفتي الدولة في ذي القعدة سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفنت بالقرب من قبر سيدنا أبي أيوب خالد الأنصاري بالمقبرة الكائنة هناك رحمها الله تعالى.
زين الدين بن سلطان
زين الدين بن محمد بن أبي بكر بن كمال الدين الشهير كأسلافه بابن سلطان الحنفي الدمشقي الفاضل الأديب البارع كان رئيس كتاب القسمة العسكرية بدمشق ولد بدمشق في سنة ثمانية عشر وألف ونبغ واشتهر بالأدب واستقام مدة رئيساً في المحكمة وكان من أخصاء الأمير منجك المنجكي الدمشقي صاحب الديوان وخالط الأدباء والأفاضل وحصل وبرع وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه أول من تتزين الطروس بتحائفه وتقرأ سورة الحمد من كتاب الاخلاص في صحائفه فهو بالعروة الوثقى من الأدب معتصم وحجته البالغة قائمة ان قام نحوه مختصم يتعرف به طريق الصواب المتحير هو في صدق الود لا بالملول ولا بالمتغير فالذي قسم القبول جعل له منه أعظم قسمه والذي أوجد الكمال صير له مسماه وللناس اسمه اطلع على الناس والناس بعد ناس وفيهم من تقدس مثواه بلطف وايناس فلحقته من جمائلهم جملة جمال وقرت له بمحض الاعتناء تكملة كمال مع خلق كالخلوق ينفح وأغضابه عن الجرم يصفح وله انشاء بديع حسن المبنى كالسحر الحلال لفظاً ومعنى أخلصه السبك ابريزاً واستوجب به تفوقاً وتمييزاً وله أدب ذكرت منه ما يدل على طول باعه وانه أخذ بسلاف الوصف وانطباعه تشعشعت حمياه يهيم به القلب هيام عمر بثرياه ذكرت منه ما تتأمله قتستجيده ويتلى على سمع الدهر فيتحلى به نحره وجيده.
فمنه قوله
زار المفدى بروحي منزلي ورعا ... ودي فزاد عفافي بالوفا ورعا
بطلعة أشرقت بالحسن قد فتنت ... والشوق من مشرق الأقطار قد طلعا(2/118)
أمير حسن على كل الملاح لقد ... زاد التصأبي فأضحوا أجنده تبعا
أعارهم منه حسناً بارعاً فغدا ... كل الملاح له أسرى بما صنعا
قد قسم لحسن أشطاراً وعدلها ... فرضاً ورداً فعادت بعدما جمعا
فالورد من خده القاني دنا فزها ... والبدر من جيده حسناً به ارتفعا
يا جيرة الصب من لحظ مهنده ... ماض لحتف الفتى من قبل أن يقعا
كم عاشق قد محاه الشوق من وله ... ومسه الخبل عشقا فيه وانطبعا
من قبله لم يكن عشق ولا تلفت ... روح به لا ولا عقل به أنتزعا
فلا تلمني سدى يا عاذلي غلطا ... فالحب دأبي وعز الصبر وانقطعا
قد زارني حيث لا ولش ينم به ... ولا رقيب رأى مسراه أو سمعا
ومذ خلا مجلسي وانقاد طوع يدي ... أسدلت ثوب عفافي عنه ممتنعا
في ليلة لم يكن فيها سوى أدب ... غض فؤادي وعقلي فيه قد رتعا
من كل معنى رقيق زادني طربا ... عودوا ودفا وشعراً طاب مستمعا
والراح قد جليت صرفا معتقة ... لا شك عاد بطيب كرمها زرعا
عاينت من ريقه شربا له أرج ... ووجنتيه شعاعاً أحمراً لمعا
آه على ليلة ولت ونادمني ... فيها المليح بما أهوى وما ودعا
تمتعت مهجتي فيها بلا كدر ... والوقت صاف صفا لي خادماً وسعى
فقلت آه ومثلي من يكررها ... على زمان مضى لو طال أو رجعا
وقوله راثياً الأمين المذكور
همام حوى علماً وحاز فضائلاً ... بتأليفه قد شرف الوقت والنادي
أديب الورى دارت كؤس حديثه ... فروت ظما المعتل فضلاً عن الصادي
أمين الثنا خان الزمان بفقده ... فأبكى دماً من حر قلب وأكباد
ومذ حل في الأرماس لاح لي الرثا ... ليصغي سماعاً حاضراً كان أو بادي
فرد واحداً في العدو أحسب مؤرخاً ... أمين المحبي قد رقى جنة الهادي
وقوله
لو زرت كان ببابك التشريفا ... ولئن بقيت فمقصدي التخفيفا
فوحق حبي فيك قدما انني ... عوفيت أكره أن أراك ضعيفا
وله غير ذلك من الشعر وكأنت وفاته سنة اثنين وعشرين ومائة وألف عن مائة وأربع سنين ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى.(2/119)
زين الدين البصروي
زين الدين بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن زكريا بن خليل الشهير بالبصروي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم العلامة الفهامة الفاضل الأديب النبيل كان حأوياً للآداب والفضائل مالكاً زمام العلوم واللطائف مولده في جمادي الثانية سنة تسع وثلاثين بعد الألف وأخذ وفرا وأنتفع بالعلوم ومن مشائخه الشيخ عبد القادر الصفوري الأصل الدمشقي وأنتفع به وأخذ عن العلامة الشيخ خير الدين الرملي ورحل إليه وأجازه العلامة الشيخ يحيى الشأوي المغربي المالكي المشهور حين كان بالروم في دار الخلافة قسطنطينية وكان المترجم بها وقرأ عليه هو وجماعة من بلدته دمشق وغيرها كالعلامة السيد محمد أمين المحبي والفاضل الشيخ أبو الاسعاد بن الشيخ أيوب الخلوتي والشيخ عبد الرحمن المجلد والسيد أبو المواهب سبط العرضي الحلبي فقرأوا تفسير سورة الفاتحة من البيضأوي مع حاشية العصام ومختصر المعاني مع حاشية الحفيد الخطائي والألفية وبعض شرح الدواني على العقائد العضدية وأجازهم جميعاً باجازات نظمها لهم وتولى المترجم تولية المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف مع افتاء الشافعية بها واستقام بدار الخلافة من الروم مدة وصار اماماً عند ابن الكويريلي الوزير الأعظم مصطفى باشا وتردد إلى دمشق مراراً وكان ناظماً أديباً له شعر وأدب وله يد طولى في علم التاريخ وزاد أشياء في تاريخ الامام جمال الدين محمد بن عزم المغربي نزيل مكة وقد ترجمه الأمين المحبي المذكور آنفاً في نفحته وقال في وصفه هو لذات الأدب زين وبه ينجلي عن القلب كل زين وكان صحيبي من منذ سنين ولا أعده في العشرة الا من المحسنين من مثابته عندي مثابة الروض العاطر ومحله من ودي محل القلب والخاطر اذكره فارتاح ارتياحة القضب الملد وأتذكره فاشتاق إلى النعيم وجنة الخلد وهو من لطف الذات وشفوف الخصال المستلذات ممن تتحاسد عليه الأسماع والعيون ويشتري يوم وصله بنوم الجفون وقد فقدته أولاً فقد غربه ثم غيبته في تلك الغربة غيبة تربه فانقطعت عني بموته امدادات المواد والموات وهيهات هيهات أن يتدارك ذلك الفوات فرحم الله تلك الروح اللطيفة ولا برحت سحائب الغفران يقبره مطيفه أنتهى ما قاله ومن شعره قوله وكتبه إلى العلامة الشيخ إبراهيم الخياري المدني
بالسيما من ربوة الشام ساري ... عج على طيبة أجل الديار(2/120)
وتحمل مني سلام مشوق ... لحبيب المهيمن المختار
ولأصحابه الكرام أو لي المج ... د خصوصاً أنيسه في الغار
ولقوم قد خيموا في ذراه ... قد حباهم مولاهم بالجوار
سيما الأروع المهذب من حا ... ز كما لا ما ان له من مجارى
فرع دوح العلي وأصل المعالي ... نجل شيخ الورى الجل الخيارى
زره تبصر لديه كل جليل ... من علوم ورائق الأشعار
وحديث ألذ من نظرة المت ... شوق وافى في غفلة السمار
وسجايا كنكهة المسك والند ... وورد الرياض غب القطار
دام في رفعة وأرغد عيش ... ما تغنت بلابل الأسحار
فكتب له الجواب في صدر كتاب
حين هب النسيم يا صاح ساري ... زاد شوقي وزال عني قراري
وأتانا بما نظمت بطرس ... أخجل الدر نظمه والدراري
فيه اهدي تحية وسلاماً ... كشذا المسك أو جني الأزهار
لملاذ الأنام والغوث والغي ... ث وملجاء الوقار والزوار
الحبيب الشفيع والسيد المف ... ضال والأنصع الكريم النجار
ولأصحابه بنات ذوي المج ... د الهداة الأكارم الأخيار
ثم ثنيت بالسلام على من ... خصصوا في الورى بوصف الجوار
ثم خصصت بالسلام خليلاً ... وده ثابت بكل اعتبار
وأشدت الثناء منك بأوصا ... ف سمت عن مطالع الأنظار
أنت أولى بها ولكن لطفاً ... منك أبديتها لنعت الخيارى
شرفتني وشنفتني لهذا ... رحت بالمعنيين عالي المنار
فتمنيت أن أكون جواباً ... بحلولي ربوع تلك الديار
فغدا الخط مانعاً ومقيماً ... فعليه الملام والعتب ساري
فنفضل ببعث كتبك اني ... ذو اشتياق لها وللأشعار
فعساها تنوب في القرب عنكم ... وعساها تطفي لهيب النار
دمت للعلم والفضائل تبدي ... كل آن سبيكة من نضار
وكتب إليه ضمن كتاب بعثه له وهما للبدر الغزي العامري
يقبل الأرض حماها الذي ... ألثهما أفواه أهل العلا
عبد إذا كاتبته ثانياً ... يزداد رقا لكم أو ولا(2/121)
فأجابه الخيارى عن هذا أيضاً ضمن كتاب بقوله
يا أيها المولى الذي ربه ... خوله من منه الأفضلا
كاتبت عبداً ذا وفاء لكم ... ما اختار تحريراً ولا أملا
أقر بالرق لكم أولاً ... والآن اذ كاتبته بالولا
واهدي إليه علبة مملوءة من قلب الفستق وكتب عليها
لما تركت القلب عندكم ... وغدوت مشغوفاً بكم صبا
وخشيت أن تخفي مكانته ... صيرت ما يهدي لكم قلبا
فأجابه الخيارى بقوله
لما علمت القلب عندكم ... أهديت لي من لطفك القلبا
أكرم به من زائر وافي ... أطفى اللهيب ورنح الصبا
ثم اهدي له الخيارى تمرامدنيا وكتب مع الجواب السابق قوله
مذ صار قلبكم المكرم عندنا ... أنزلته بحشاشتي دون السوى
وخشيت أن ينوي المرار تشوقا ... فبعثت حلواً ساتراً مر النوى
أقول ومنزع البصروي في بيتيه المرسلين للخيارى مع الفستق ما كتبه العلامة القاضي محب الدين الحموي إلى الاستاذ محمد البكري وقد أهداه فستقا
لما تملك قلبي حبكم فغدا ... مجرداً منه قلباً رق واستعرا
حررته فغدا طوعاً لخدمتكم ... محرراً خادماً وافاك معتذرا
فما ملوه بجبر حيث جاءكم ... مجرداً بمزيد الحب منكسرا
وللمترجم قوله ويخرج منه بطريق التعمية اسم سليم
ولائم لام على ... ترك طلا كالعندم
فقلت حسبي قهوة ... لي في الثنايا والفم
وقد تعارض مع بعض المتأخرين في هذا العمل بقوله
إذا عدم الساقي الشراب ولم يجد ... شراباً به قلبي يلذ ويطرب
فبين ثناياه ومبسمهن لي ... شراب من القطر المروق أعذب
وخاطب صاحب الترجمة الأمين المحبي المذكور في بعض قدماته من سفر بقوله
قدومك زين الدين يا خير قادم ... به ابتهج النادي وضاءت قبابه
فلا موطن الا احتوته مسرة ... ولا كمد الا وأغلق بابه
وكتب صاحب الترجمة البصروي إلى الشيخ إبراهيم الجنيني نزيل دمشق يستدعيه إلى داره بقوله(2/122)
يا من غدا بنداهللمجد بين ربيعاالعبد أضحى مشوقا
فسر إليه سريعاًلا زلت في خفض عيشتعلو مقاماً رفيعا
وكتب الماهر الأديب السيد عبد الرحمن لحسيني المعروف كأسلافه بابن حمزة لصاحب الترجمة هذه الأبيات يطلب منه ريحانة الشهاب الخفاجي ويستدعيه
يا أديباً يبدي من الأدب الغض ... رياضاً موشية الديباج
قد نمتها سحب الحبا وسقاها ال ... طل قبل الصباح عذب المجاج
ان فصل الربيع وافى بورد ... منذ أضحت نفوسنا في ابتهاج
ولغصن الريحان مع يانع الور ... د أزد وأج في قوة الامتزاج
فتفضل مع الرسول إذا جئ ... ت بريحانة الشهاب الخفاجي
وكانت وفاة المترجم في نهار الجمعة العشرين من محرم سنة اثنين ومائة وألف في منزلة يعزونه رابع مرحلة عن بلغراد راجعاً إلى اسلامبول لأنه كان مع الوزير الأعظم مصطفى باشا الكوبريلي في السفر وحضر فتح بلغراد وفتح نيش ودفن في المنزلة المذكورة وبنى عليه قبراً من الأحجار على قارعة الطريق الآخذ إلى بلغراد وسيأتي ذكر ولده عبد الله والبصروي بضم الباء نسبة لبصري الشام.
حرف السين
سعيد الكناني
سعيد بن علي الشهير بالكناني بالخفيف الدمشقي الفاضل الأديب ترجمه السمان فقال في وصفه كنانة طائشة السهم لها في كل غرض أو في سهم انتظم في سلك الطلبة فلم يدرك مطلبه بهيكل لو أراد لأهتصر الغمام وساعد لو مد لطاول البدر التمم وهيولي هائلة وصورة إلى التكلف مائلة ولم يزل في حيرة من أمره وارتباك ناصباً الصيد آماله حبال الشباك مستهدياً به لزمن بخيل ومتطاولاً إلى ما لا تدرك مداه باسقات النخيل فزجر الطير فأراه ان البعد خير فاعمل الأرتحال وتشبث بأذيال المحال إلى أن حل قسطنطينية فأقام بها مدة في بلهنية هنية الا أنه لم يقض من مآربه الوطر ولم ينل الا ما هو في الأزل مستطر حتى استوت به الأرض وارتفع عنه التكليف بالسنة والفرض وعلى أي حال فله إلى الكمال انتهاض أتعب به جناح عمره وهاض وله شعر منطبق على حده كالبحر في جزره ومده انتهى ما قاله وأنا أقول ولما كان في دار الخلافة طلب منه الوزير الأعظم علي باشا بن الحكيم أن يشرح له صلوات سيدي عبد السلام بن مشيش فشرحها وتوفي(2/123)
بقسطنطينية في أواخر سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن في اسكدار رحمه الله تعالى وقد ذكرت له من شعره ما أثبته هنا فمنه قوله من قصيدة مطلعها
لله در المذاكي طاب مسراها ... سقيا لها حيث زاكى الوجد أسراها
السابقات التي ان جد فارسها ... أورت من القدح ما أضوى وأزكاها
تطوى الفيافي فلا طرف يسابقها ... ولا نسيم صبا الأسحار بأراها
يا حاد يا رام في البيداء يزجرها ... رفقاً فلا يدن منك الحدو أدناها
واعطف عليها فان البين أنحلها ... واحذر يذيب الجوى والوجد أحشاها
فلا البلابل في الأدواح تطربها ... من الهيام ولا القمري أسلاها
ولا اهتزاز القنا فوق القباب إذا ... ما اشتد حر الوغى واستد مجراها
تجوب فينا سهولاً وهي ضامرة ... وكم تجوز وعور أعز مسراها
لها الهنا حيث تسعى وهي هازلة ... كأنما داعي الأشواق ناداها
أو هاتف من اليم الخطب حذرها ... أو منذر من وقوع الحتف أنجاها
من قبل أن تتوارى الشمس في حجب ... ومسح أعناق أولاها وأخراها
فكم افكر منها الطرف وهي على ... الحصبا تهادي كان البرق أهداها
وليس الا مزيد الشوق يحملها ... إلى سليمان سامي القدر مولاها
ومن سرى في البرايا وهو واحدها ... على بساط الهدى يستام أبقاها
والعدل في مثله قد شاد منعته ... من بعد ما كان فرط الجور أوهاها
والحلم أضحى بديع الشكر حيث غدا ... مستكملاً في مزايا عزاً حصاها
منها
فمن يقابل اسدا في الفلا هزمت ... يؤمها حيث سارت حتف أعداها
شعث النواصي لها من سهمها لبد ... سود المخالب كالمصباح عيناها
كأنها حين سارت في الفلا شهب ... على الشياطين رب العرش ألقاها
ان الليالي المواضي كن عاطلة ... وهذه بلقاك السعد حلاها
فلا تزال لك الأيام طائعة ... وفق المراد كما تختار تلقاها
ومنها
فالله من فضله بالحكم فهمك ... الصواب فاشكر لنعمي أنت مولاها
لا زال في حكمك الآمال طامعة ... تأوي لك الناس أقصاها وأدناها
وقوله من قصيدة مطلعها
بلابل بشر المسرة تصدح ... على دواح أفراح من العز تفتح(2/124)
وعرف الهنا فاحت نوافج طيبه ... فكل فؤاد من شذاه مروح
وضاع عبير العطر يعبق في ملا ... التهاني وأرواح البشائر تنفح
وروض العلا يفتر ثغر أقاحه ... سروراً بمن في رحبه يترنح
فيا قاطف اللذات دم متمتعاً ... بأنفس ما منه النفوس تروح
لقد طاب مجنى مأربي في ربا الصفا ... لمن رام في نيل المآرب يربح
وأسفر صبح السعد من وجه منحة ... تبيح النهى أو في الهنا حين تسنح
وترتاح آماق لديها تعشقت ... سحابتها أذوابل الدمع يسفح
ففازت بأقصى ما ارتجاه مؤمل ... وانضر ما فيه النواظر تسرح
وقرت مناء حيث سرت سرائر ... حباها أمانيها الزمان المفرح
حست كأس بشراها دهاقاً وعللت ... غليل فؤاد وارى الوجد يقدح
فقد طاب للآمال من صفقاتها ... غنائم أمن للبرية تفتح
ومد ظلال العدل صافي رواقه ... على جلق والدهر يسخو ويسمح
فيا طرف طرف اللحظ لا زلت راتعاً ... ورهبك في أهنى المواهب أفسح
بظل سليمان الذي ليس ينبغي ... لشهم سواه في البرايا ويصلح
وقوله من قصيدة
سمح الدهر باللقا والتداني ... وغدا السعد من حظوظي داني
ولقد حزت من بلوغ مرامي ... ولذيذ الهنا ونيل الأماني
ما به القلب مستزيد سروراً ... ويزيل الضنا عن الجثمان
ان تغنت ورقا على غصن بان ... هيمتني وحركت أشجاني
تشتكي حرقة الجوى والتنائي ... فكأن الذي شجاها شجاني
قوله فكأن الذي شجاها شجاني أقول قد رأيت في الحمام والورق وما ينضاف إلى ذلك للمتأخرين والمتقدمين مقاطيع وما ينضاف إلى المقاطيع من نوابغ أدبيات شيأً كثيراً فمن ذلك قول صاحب مصارع العشاق
رب ورقاء في الدياجي تنادي ... الفها في غصونها المياده
فتثير الهوى بلحن عجيب ... يشهد السمع انها عواده
كلما رجعت ترجعت حزناً ... فكأنا في وجدنا نتبادة
ومن ذلك قول ابن قرطان المغربي
ذكرتني الورقاء أيام أنس ... سالفات فبت أجري الدموعا(2/125)
ووصلت السهاد شوقاً لحبي ... وغراماً وقد هجرت الهجوعا
كيف يخلو قلبي من الذكر يوماً ... وعلى حيهم حنيت الضلوعا
كلما أولع العذول بعتبي ... في هواهم يزداد قلبي ولوعا
ومن ذلك ما أنشده عبد الله بن محمد بن حساس بقوله
لقد هاجني للشوق نوح حمامة ... مطوقة من مترفات الحمائم
وناحت وما أذرت دموعاً وقد رأت ... عيوني تجري بالدموع السواجم
إذا ما تراجعنا الحنين حسبتها ... نوادب رجعن الصدا في المآتم
وأنشد ابن الصاحب
وذات طوق على الأغصان تذكرني ... قوام حسنك في ضمي لمعتنقك
قد سودت مهجتي نوحاً فقلت لها ... سواد قلبي يا ورقاء في عنقك
وقال ابن حجة تقي الدين
ناحت مطوقة الرياض وقد رأت ... دمعي تلون بعد فرقة حبه
لكن بتلوين الدموع تباخلت ... فغدت مطوقة بما بخلت به
وأنشد ابن الذهبي وأجاد
وبمهجتي المتحملون عشية ... والركب بين تلازم وعناق
وحداتهم أحدت عراقاً بعدما ... غنت وراء الركب من عشاق
وتنبهت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فنبهت أشواقي
ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ... يعقوب والألحان عن اسحق
قامت تطارحني الغرام جهالة ... من دون صحبي بالحمى ورفاقي
اني تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وأسى وفيض أماقي
وأنا الذي أملي الهوى عن خاطري ... وهي التي تملي من الأوراق
وكنت نظمت في ذلك أشياء من ذلك قولي حين كنت في اسلامبول عام اثنين وتسعين ومائة وألف وهو
وما شاقني الا تغني حمامة ... لها رنة في سجعها وصدوح
تعلمني شكوى الهوى بغنائها ... وتعلن في شكوى الهوى وتبوح
وفي سجعها تبدي الغرام مرتلاً ... وتذكر طيب العيش وهي تنوح
كلانا غريب عاشق قد أضره ... هواه فأضحى هائماً ويصيح
عودا للمترجم فنقول ومن شعره قوله منها
رددت سجعها بألحان سجع ... فارفضت الدموع بالهملان(2/126)
وإذا أهدت الصبا نفحات ... من شميم الخزام والريحان
ذكرتني العهد القديم بأسنى ... منزل لو قضيت فيه زماني
واغتنام الحواس من در لفظ ... هو أشهى من استماع المثاني
ووالتحلي بطلعة ليس للبد ... ر شبيه منها سوى اللمعان
ومنها في المديح
من يقل حاتم سخي فهذا ... شهدت في سخائه الخافقان
يدع الخيل في الوغى خائفات ... حيث تبقى بالرعب والرجفان
وإذا صال ولت الاسد اذ يقع ... بل خوفاً فكيف بالفرسان
ماله في النزال شبه ولا عن ... ترة العبسي طاعن الشجعان
وقوله من قصيدة
وأيقظ أجفان الغرام هبوبها ... ودار كؤوس الوجد عبهره صرفا
وبدل در الدمع شفاف لطفها ... عقيقاً وزاد الشوق في نسقه ضعفا
وأضحى جوى الأحشاء تضرمه الندى ... وأوهى الضنا جلدا عن الحب ما كفا
أو رقاء هل يصفو لنا العيش برهة ... فنلقى بها لهفاً ونلقى بها ألفا
فان بنا أيدي النوى قد تحكمت ... وهل ربة الألحان في العمر من زلفى
وان جديد الشوق أبلى تجلدي ... وألقى الضنى بيني وبين الكرى سجفا
كأن عيوني حين أقمح طرفها ... بخبخ الدجى قد حرمت لذة الأغفا
كأن سهيلاً صار سهدي وأعيني ... الثريا وهل شيء للقياهما يلقى
كأن بنى نعش جعلن رواقيا ... مخافة أن يأتي الكرى مقلة وطفا
كأن جفوني المعصرات وأدمعي ... رذاذاً ونوء الوجد يرسلها ذرفا
كأن السماكين اشتياقي ولوعتي ... فذا رائح يبدو وذا أعزل يخفي
كأن فؤادي قطب دائرة الهوى ... به فرقدان السقم والبعد قد حفا
كان اصطباري كان جوزاً أفقهاً ... ففحام عقاب الهجر واغتاله خطفا
كان به العيوق مذ شام أدمعي ... غدا لابساً من صبغها حلة ظرفا
كان جوى الأحشاء منذ توقدت ... قد اقتبس المريخ من شهبها سدفا
كان حظوظي كان كيوان برجها ... وحلت بمغناه ولم تجد الصرفا
ففي المشترى هل ينزلن رعيلها ... ويصبح في برد السعادة ملتفا
كان السهى رامت تعين تصبري ... فجاء الجفا أخفى أشعتها ضعفا
كان هلالاً كان يبدو لناظر ... فحالت صروف عند ذلك فاستخفى(2/127)
وقوله في استنجاز وعد
يا وحيداً به المكارم تاهت ... وعزاه الورى لصدق الوعود
قد وعدتم لمن غدا بانتظار ... فأنجز الوعد لا بيوم الوعيد
سعيد السعسعاني
سعيد بن محمد أمين بن خليل بن عبد الرحيم المعروف بالسعسعاني الحنفي الدمشقي الأديب الناظم الناثر الفاضل اللوذعي ولد بدمشق تقريباً بعد السبعين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من صدور أعيان دمشق له السمو والرفعة والشأن والصولة غير أنه كان من العلم فارغ الاناء وتوفي بدمشق في سنة مائة وألف وجده المولى خليل كان أبوه اماماً بسعسع قرية معروفة من نواحي دمشق كبيرة وأصله من بلدة علائية من نواحي قرمان في الروم وسافر إلى الروم خليل المذكور ولازم على قاعدتهم وتولى قضاء طرابلس الشام وقيصرية وبعدها ولي افتاء دمشق مع رتبة قضاء القدس وأعطى قضاء بعلبك على طريق التأبيد ويسمونه بالأربلق وكان مهاباً جليل القدر عالي الهمة وفيه مروءة وسخاء ومعروف وتغلب وتوفي بدمشق في جمادي الثانية سنة احدى وثمانين وألف ثم ان المترجم نشأ بعد وفاة والده متنعماً مترفهاً مدة وصارت له رتبة اعتبار المدرسين ثم تولية وتدريس المدرسة القجماسية ودرس بها وكانت بيده علاقات وغيرها وأملاك وكان فاضلاً مشهوراً بالأدب والفضل حسن النظم من أفاضل المخاديم أولاد الأعيان وظرفائهم ونبهاء دمشق وأدبائها وفي أواخر أمره تغير حاله وعيشه وضره الزمان كعادته وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه ماهر كامل الاستعداد وبارع وافر الاستمداد ربى في حجر المجد وانتشا وارتشف أخلافه حتى انتشى فطلع غصناً إلى العلياء نموه لا يطاول ارتقاؤه بالمناكب وسموه يترنح للفضل ويهتز ويفخر في مجمله ومفصله ويعتز لا يكدر له صفو ولا يصدر عنه الألطف وعفو بكف ما كف عن نوال وأياد تندى قبل السؤال ولسان باللغات الثلاث طليق وخلق بأن يثنى عليه خليق فرقص له الدهر برهة وصفق وصيره هو السعيد الموفق ولم يزل كذلك وشبابه في ريعانه واقتبال عمر في ابانه وسوانحه لا تحظى الأصابة ولا يرمى غرضاً الا أصابه ووالده للكرام قبله قد استأثر بمحامد من بعده ومن قبله لا تنبو له همة ولا تروعه الجلائل المدلهمة كلمه تخرق الصدور وترتاع من مواقعها الصدور حتى خوى منه بيته ولم ينفعه لوه ولا ليته فأقام هو مكانه والدهر يمشي به القهقري ويدب إليه سمومه(2/128)
كما يدب في المهوم طيب الكرى فلم يستفق الا وقد انشب فيه نابه وكان سبباً اقتضى انقباضه واجتنابه وقد لاكته السبعون ولاكها وهو يرصد من سماه أمانيه أفلاكها فلم يظفر بطالع كاسمه ولم يكن غير الأحن من قسمه وقد كان في الأدب قطبه الذي عليه مداره وبدره الذي لم يفارقه ابداره تنقاد إليه القوافي وستعده بالقوادم والخوافي وهاك منه ما يفضح الريم إذا شدن ويسري مسرى الراح في البدن انتهى مقاله وللمترجم شعر بديع فمنه قوله
كل حسن من دون حسنك دون ... أنت للحسن جوهر مكنون
يا نبي الجمال أوتيت حسناً ... أبداً نوره لديك مبين
ظهرت معجزات حسنك حقاً ... ولآياته لانت الأمين
لك لانت صم القلوب وفاضت ... فيك شوقاً من العيون عيون
ما خلاصي وبي غلو غرام ... وبجنبي منك حرب زبون
أنا من أمة الغرام لكل ... فيه شأن ولي بذاك شؤون
مذهب الحب مذهبي وهو ديني ... وبه الله في المعاد أدين
وقوله
حيث بانوا وأزمعوا التوديعا ... تركوا أثرهم فؤاداً وجيعا
قلدوا صارماً بباهر حسن ... واكتسوا سابغاً جمالاً بديعا
جنحوا للسرى الصباح سراعاً ... وبنوا بيننا حجاباً منيعا
طالما أوحشوا المعاهد منهم ... حيث كانت أو أهلاً والربوعا
يا سقى تربها يعاليل جود ... غب جدب يعود خصباً ربيعا
عرب ان ذكرتهم استهلت ... سحب الجفن بالدماء دموعا
حفظ الله عهدهم حيث كانوا ... لا يزالون يحسنون الصنعا
هم شموس الكمال أين استقلوا ... وبدور التمام ثم الطلوعا
فعسى الله رحمة عن قريب ... سوف يأتي بهم جميعاً سريعا
وقوله
كيف يرجو الخلاص صب توله ... بهوى مترف يفوق الأهله
ذو نفار حوى اللطافة طرا ... وبديع الجمال قد حاز كله
زان ورد الخدود منه حياء ... ماء عين الحياة أصبح طله
سرق اللب مذ بدا وهو يزهو ... من طراز البها بأحسن حله
موسوي من حسنه تهت فيه ... اتخذ الفرع للعقول مظله(2/129)
سقم جفنيه شف جسمي سقما ... ويراه وعله واضمحله
واه واحسرتاه مما بقلبي ... منه ما بالجحيم أضحى أقله
يا منى النفس لا من لدنك حنانا ... لفؤاد قد رضه كل عله
واتق الله في أعزة قوم ... في قيود الغرام أضحوا أذله
وقوله مخمساً لبيتين من قصيدة البارع مصطفى البابي الحلبي
أجرني فاني فازع من غوايتي ... وفي تيه آثامي انتهيت لغايتي
إلى بابك الأحمى رفعت شكايتي ... رسول الرضى قد أثقلتني جنايتي
وليس لعاص غير بابك مهرب
أيا رحمة الله المرجي لمن نحا ... يؤم حمى جدواه الا ومنحا
أغثني أياغوث الأنام الوحا الوحا ... ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى
وحاشاك أن ترضى وفينا معذب
وللمترجم
قفا نتشاكى عل تجدي بنا الشكوى ... بيث غرام يضمحل له رضوى
ونندب اطلالاً عفت ومعالماً ... بآرامها كانت هي الجنة المأوى
فتنت بغصان من السحر طرفه ... فما سنه ها روت من لحظه يروى
مقرطق خفاق الوشاح جبينه ... من الكوكب الدرى أبهج بل أضوا
تحيرت الأوهام كل بحسنه ... وفي حبه طرا تجمعت الأهوا
سقى الله عهداً قد مضى بنعيمه ... وعيشاً به أهنى من المن والسلوى
وديم على أرجاء معهد أنسها ... من المزن يعلول مضاعفة الأنوا
فحيث غصون الأنس دانية بها ... لتجني ثمار الوصل منها كما تهوى
فآمالنا قرت هنالك أعيناً ... فأنعم بها مأوى وأكرم بها مثوى
ومن شعره
أيرجى من الغرام فراغي ... وهواه في مهجتي أي باغي
نير يكسف الشموس بهاء ... حين يبدو سناؤه في انبزاغ
ولأجفانه مواقع سحر ... موهته بالمسك في الأصداغ
بفؤادي لعقرب الصدغ لدغ ... ما صنيعي بعقرب لداغ
ولشحر ورخا له روض حسن ... فوق وردي وجنتيه يناغي
ساغني في هواه سما زعافاً ... هل لحتفي في حبه من مساغ
كل مين جاؤا به فهو لغو ... لست أصغي فيه إلى وشي لاغي(2/130)
هو في الحسن والجمال نبي ... جاء بالمعجزات لللأبلاغ
أسبغ الله نعمة لي منه ... بهواه لا زال في الأسباغ
صيغة أبدع المحاسن فيه ... يا له من مهيمن صباغ
وله
في مهجتي من اليم الوجد افراط ... لأن لو أن رضوى فيه قيراط
صبابتي فيك قد قامت قيامتها ... ومن غرامي امارات واشراط
يا كعبة الحسن من حجى إليه غدا ... وبالطواف لروحي فيه أشواط
بلغت من عرفات الا من فيك مني ... وحصر قلبي لوفد الروع محتاط
لك اعتماري وسعى أنت ملتزمي ... وهذه من فروض العشق اسقاط
وله
كيف أرجو من الغرام خبوه ... والتياعي يوري بقلبي نموه
أسبيل إلى منال الثريا ... من هلال أم كيف أرجو دنوه
قمر يستهل بدراً تماماً ... أين للبدر ان يحاكي بدوه
بمحيا كالشمس والريم لحظاً ... حيث يبدي بهاءه ورنوه
يسترق الألباب طرا مراه ... كل لحظ بالسحر فهو مموه
سور نزلت بآيات حسن ... محكمات في شأنه متلوه
ما خلاصي وفي الفؤاد زفير ... كل حين يربي هواه غلوه
باهر الجمال راح برينا ... تارة صده وحينا حنوه
كيف لا يحمد السرى من سعيد ... فيه وإلى رواحه وغدوه
وله مخمساً
يا كوكباً من بروج الحسن مطلعه ... ويا رشا جل منشيه ومبدع
ومن غدا في سويد القلب مرتعه ... أشكو اليك فؤاداً أنت موجعه
شكوى خليل إلى ألف يعلله
موله لم تزل تزداد حسرته ... والجفن من أرق تنهل عبرته
والقلب من وهج أعيته زفرته ... سقمي تزيد على الأيام كثرته
وأنت من عظم ما ألقى تقلله
يا أغيداً لم تجد في حسنه شبهاً ... بحن حيناً وطوراً ينثني رفها
فكيف يصنع صب قد قضى ولها ... الله حرم قتلي في الهوى سفها
وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله(2/131)
وله
بروحي رقيق الخصر أحوى منمنم ... لقد عل لخطاه بسقمهما جسمي
وعللني بالوصل بعد امتناعه ... وكيف لعمري بيننا علة الضم
وهما على عروض بيتي محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي وهما
يلومونني في ضم غصن قوامه ... ولا ذنب للنساك في الضم واللثم
نعم بيننا جنسية الود والصفا ... ولكنني لم ألفها علة الضم
ومن ذلك قول الفاضل محمد الكنجي
ضممت حبيبي عند تقبيل ثغره ... فلح عذولي بالملام الذي يصمي
وكيف وفيما بيننا حلة الوفا ... واني أراها في الهوى علة الضم
ومن ذلك قول مصطفى بن محمد الكنجي المذكور
تنشقت عطر الورد من طل خده ... واتبعته ضما وبالغت في اللثم
فماس دلالاً وانثنى ثم قال لي ... رويدك اني عارف علة الضم
ومن ذلك قول النبيه البارع السيد المصطفى الصمادي
بروحي من في العيد أقبل ضاحكاً ... ومبسمه كالدر مستحسن النظم
وقابلني بالود حتى ضممته ... كضم كمي سيفه خير منضم
وصافحت بالتقبيل صفحة خده ... وطوقت منه الجيد عقداً من اللثم
وما كان في قربي له من وسيلة ... سوى الود منه فهو لي علة الضم
ومن ذلك قول الكامل محمد بن السمان
بروحي ظبي ناحل الخصر قد غدا ... يشابه ذياك النحول ضنا جسمي
ونار فؤادي مثل نار خدوده ... وسقم جفون اللحظ شاكله سقمي
ولا عجب ان قد ضممت قوامه ... وقد ظهرت ما بيننا علة الضم
ومن ذلك قول الأديب محمد المحمودي
وأهيف قد جاذب الغصن في الربا ... فمال إليه الغصن وانقض كالسهم
وعانقته كالعاشق الهائم الذي ... تعانق مع معشوقه الناعم الجسم
ولا بدع للغصنين أن يتعانقا ... فحسن اعتدال القد من علة الضم
وللمترجم
عز المواسي في الهوى والمسعف ... ما لين تحنو يا ظلوم وتسعف
ولطالما أكنت فيك سرائري ... فإذا عها مني الغرام المرجف
يا واحداً بهر الأنام بحسنه ... وغدا لأبصار الورى يستوقف(2/132)
عذب بهجرك ما استطعت ففي غد ... بيني وبينك يا ظلوم الموقف
ومن ذلك قول الأديب عبد الحي الخال
قد طال فيك تستري وتموهي ... واذيع ما أخفيته بتأوهي
وزجرت قلبي منك قلت لعله ... أن ينتهي فأجابني لا أنتهي
يا حبذا حجبوه عني إن يكن ... برضاك اني أشتهي ما تشتهي
عذب وجر فعسى يطول حسابنا ... في الحشر كي أحظى بمنظرك البهي
وأصله قول ابن رواحة
يا ماطلاً لا يرى خليل ... لديه ورداً سوى سراب
نعلم الطيف منك هجري ... فلا أراه بلا اجتناب
كم كتب الدمع فوق خدي ... اليك دعوى بلا جواب
أغلقت باب الوصال عني ... فسد للصبر كل باب
ان كان يحلو لديك ظلمي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
ومنه قول بعضهم
زدني عذاباً ولا تترك لجارحة ... مني جراحاً وخذ روحي وجسماني
عساك في الحسر لما أن يطول غداً ... حسابنا تتملى منك أجفاني
ومنه قول ابن نباتة من قصيدة
وطولي من عذابي في هواك عسى ... يطول في الحشر ايقافي واياكي
وكانت وفاة المترجم في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
سعيد الجعفري
سعيد بن محمد بن إسماعيل بن زين الدين بن بهاء الدين المعروف بالجعفري الشافعي الدمشقي العالم العامل الفاضل المتفوق كان من أفاضل دمشق شيخاً أديباً بارعاً حافظاً لكتاب الله تعالى مواظباً على الطاعة والعبادة مستقياً على وتيرة التقشف ولد بدمشق سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وقرأ على مشايخ اجلاء كالشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ علي كزبر والشيخ محمد الديري نزيل دمشق وغيرهم وتمكن من العلم والأدب وحصل فضلاً لا نكر فيه ودرس مدة بالجامع الأموي ثم ترك ذلك وحصل له في عقله خلل وأخبرني بعض الأصحاب أن أصل ذلك جذبة آلهية حصلت له بعد وفاة الأستاذ الشيخ أحمد النحلاوي لأنه كان ملازماً له هو ووالده الفاضل(2/133)
محمد الجعفري ثم ترك الأقراء والاشتغال بالعلم ولازم منازل طوائف العرب وصار يجلب السمن إلى دمشق ويبيعه ولم يزل على حالته إلى أن مات وكان من أحباب والدي وأصدقائه وكان الوالد يبره ويحفل به وامتدح الوالد بقوله تلك الظباء التي قد زانها الحور إلى آخر القصيدة ومن شعره قوله
سل من لحظه الحسام وسنه ... رشأ قتله الأحبة سنه
وتبدي لهن يوسف حسن ... فلهذا قطعن أيديهنه
وانثنى يعطف الدلال قواماً ... وهو فرد الجمال يأسرهنه
تفضح الغصن منه بانة قد ... في اعتدال القنا وهز الأسنه
ناظراً لي بطرف ريم كناس ... أحور الطرف مالك للأجنه
دب ماء الحياة في وجنتيه ... حين حلت حشاشتي نارهنه
صاد كل القلوب في لحظات ... منذ أمست لعمدهن أكنه
وعجيب ذا الفتك من أين للال ... حاظ والسقم لاح في جفنهنه
الأمان الآمان بالله رفقاً ... ياعبون المها بمغرمكنه
أسرتني وأوات صدغيه لما ... كلمتني لذعاً عقاربهنه
وانطوت في مطوى كشحيه منا ... أعين طالما تمنطقهنه
يا غزالاً إذا رنا أسكرتنا ... حان ألحاظه بخمر تهنه
وهلا لا إذا بدا بدياجي الشعر فيه انطوت بدور الدجنه
عمرك الله يا نشجي ترفق ... وتعطف علي المتيم منه
وامنح الصب فيك لحظة وصل ... منك آماله تحققهنه
وقد نسجها على منوال قصيدة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي التي مطلعها
جذبتنا إلى الملاح أعنه ... وسقتنا الردى لواحظهنه
ورأينا بالغمز ضرب سيوف ... وبتلك الجفون وخزا سنة
ولصاحب الترجمة من قصيدة مطلعها
تكامل حسناً مفي نضارته الخد ... على حين أذكى جمر وجنته الوقد
فكان مليك الحسن في شرعة الهوى ... وكل فتى يهوي الجمال له عبد
وكنت وشأني في الصبابة مطلق ... فأوثقني عشقاً ولج بي الوجد
فعدت وليلي ليل صب لقد قضى ... من الهجر إذا مسى بواصله السهد
أسامر زهر الأفق على أن أرى ... به طالعي للوصل قارنه السعد
بروحي رشا كالبدر طلعة وجهه ... بعيد مناط القرط ليس له وعد(2/134)
تملك منا اللب مياس قده ... وأسلمي العدال ذيالك العد
ومالي عنه في الصبابة منزع ... وما في الهوى اللوام عني لهم صد
يفتك في العشاق صارم لحظه ... كما لضعاف القلب تفترس الاسد
فحيث رنا يستل صلت مهند ... يقول لقلب الصب أنت لي الغمد
ويلعب بالألباب سحر جفونه ... وليس لها عن صبح غرته بد
وقد شاقني الورد النصيبي بخده ... وتيمني في الثغر ذيالك الشهد
فمن لي به والشوق أن يخب زنده ... تهيج به الذكرى فيستقدح الزند
أحبة قلب المستهام متى اللقا ... وفيه بجمع الشمل ينتظم العقد
وله
عن الدمع أن تسأل مدمعي صيب ... يترجم عن حال المشوق ويعرب
فلا العين من بعد التنابي قريرة ... ولا القلب الا بالعنا يتقلب
ومنذ بنا شط المزار تكدرت ... مشار بناهل يصفو بالعبد مشرب
وطيب الكرى قد طلق الجفن وانطوت ... بوارقه فالجفن للنجم يرقب
ولي كيد قد ناهبتها يد الأسى ... أكان لها عند المسهد مطلب
وجسم من الأشواق نضو تركته ... خيالاً به نار الجوى تتلهب
وعندي لطيف الحب شوق وكيف لي ... به والكرى هيهات جفني يطلب
وصبري عنه موجز بل عدمته ... وحزني على طول التواصل مسهب
أهيم إذا هبت نسائم حيه ... ممسكة من عرفه تتطيب
وأغدو من الأشواق حيران ان بدت ... بوارق ذاك الحي أو لاح كوكب
أبى الحب الا أن مدنف زينب ... يهيم من الذكرى إذا قيل زينب
أخلاي لا أقذي التباعد مقلة ... المحب ولا شطت بمهواه سبسب
سلوا نسمات الصبح عن حال مغرم ... تنبئكم اني المشوق المعذب
ودونكم ورق الحمام فانها ... كحالي لفقد الألف تبكي وتندب
لها حسن ودماً تناهت عهوده ... وأنا تناسي الود للورق ينسب
معاذ الهوى ما ذاك عنها روى ولا ... إذا فقدت الفاتهش وتطرب
فآخيتها طوعاً كما حكم الهوى ... ويا ليت اني لست عن ذاك أرغب
وله أيضاً
اليك بالباب صب شفه الوصب ... يشكو فؤاداً من الأهوال يضطرب
ومهجة لعبت أبدى المنون بها ... فصيرته بفرط الضر ينتحب(2/135)
بلى وقلباً قسا من فرط جفوته ... كأنه من صفا الجلمود مكتسب
وأعيناً لم تفض يوماً مدامعها ... من خشية الله الا أن دهت كرب
وليس الاك يا غوث الورى سنداً ... في النائيات أرى أن نابني نصب
من فيض جودك كل يستمد ومن ... علاك كل فتى تعلو به الرتب
ومن عطاياك تفتي الوافدون ومن ... ريا سجاياك زاكي الوصف يكتسب
أنت الملاذ وهل في الخلق ينجدنا ... سواك يا من إليه ينتهي الطلب
مولاي يا سيد الرسل الكرام ومن ... به الآله على طول المدا يهب
أغث أغث فحسام الذنب صال وما ... سوى جنابك خير الخلق لي طلب
وها عبيدك يا خير الأنام لدى ... باب الرجا واقف للفيض يرتقب
حاشاك يا قبضة النور التي بسطت ... في الخافقين على الأملاك تنسحب
أن يحرم القاصد الراجي نوالك من ... جدواك فالأصل زاك منك والنسب
فألمحه في نظرة تمنحه كل منى ... وأنفحه يا من هو التسال والأرب
ففي حمى حرم الا من استجرت ولم ... أقصد سوى من به قد عزت العرب
صلى الآله على علياك تكرمة ... طبول المدا ابدا ما سارت النجب
والآل من هم مصابيح الوجود وهم ... مفاتح الجود للعلياء قد خطبوا
والصحب لا سيما الصديق أفضلهم ... ما حن ذو شجن أو هزه الطرب
وله
ان أولى الأنام في ود طه ... من عليه غدا كثير الصلاة
وبها للهدى دلائل خير ... يالها من دلائل الخيرات
ويقرب منه قول الشيخ أحمد المنيني
ان حب الرسول في الحشر ذخري ... واعتصامي به دليل نجاتي
وصلاتي عليه في كل وقت ... هي أرجى دلائل الخيرات
والأصل فيه قول الأديب إبراهيم السفرجلاني
يتلقون من يؤم حماهم ... بوجوه من التقى نيرات
يالها أوجها يلوح عليها ... كل وقت دلائل الخيرات
وللمترجم
من لقلب المتيم الملتاح ... أثخنته كلما عيون الملاح
لم يمله التأنيب في الحب للس ... لوان كلا ولا اطمأن للاحي
ألف العشق والصبابة طفلاً ... وبه لذفي الغرام افتضاحي
يالقومي وفي البرية اني ... مفرد الحب مفرد الأتراح(2/136)
قد ألح العذول في حب من هم ... حبهم للفؤاد نشأة راح
ما الذي يستفيد من لوم صب ... عن هوى الغيد ما له من براح
وعهودي من الحبيب موفا ... ة بها في الهوى نمت أفراحي
ولقلبي به سرادق حفظ ... عن عذولي المونب الملحاح
ولقد صم مسمعي عنه حتى ... لست أدري هاجى من مداحي
ويحه لو هو استقال من اللو ... م وعنه استقى مياه ارتياح
وعجيب إذا رأى الحب باد ... منه يبدو تملق الانطراح
هكذا دأبه فدعه لأني ... ليس لي في ملامه من جناح
وله مضمناً
لقد قيل لي رعي لذمة أحمق ... لدى الخلق طرا بالمهذب يقبح
وما بال ذي حمق أذاع خبائثاً ... وأنت بثوب العفو ما زلت تمرح
فقلت لهم رعي الذمام خليقتي ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول الأستاذ المربي الشيخ عبد الغني النابلسي
وبدر تمام حسنه وجماله ... إذا ما بدا شمس الظهيرة يفضح
لقد نضحت حسناً على العين ذاته ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول قطب الدين المكي النهرواني
بدا عرق في خده فسألته ... بماذا تندى قال لي وهو يمرح
الا ان ماء الورد خدي اناؤه ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول الفاضل أحمد الصفدي
وخال كمسك فاح نشر عبيره ... على خده الوردي واللحظ يجرح
فأخجلته حتى غدت وجناته ... تقطر ماء الورد والمسك ينفح
وقد رشحت من مقلتي دماؤها ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول مجير الدين ابن تميم
سقى الله روضاً قد تبدى لناظري ... به رشأ كالغصن يلهو ويمرح
وقد نضحت خداه من ماء ورده ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك أيضاً قول كشاجم
ومستهجن مدحي له ان تأكدت ... لنا عقد الأخلاص والحر يمدح
ويأبى الذي في القلب الا تبينا ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول الأديب عبد الرحمن الموصلي الدمشقي
مليح يريك الشمس والبدر وجهه ... وغرته الغرا من الصبح أوضح(2/137)
يفوح نشر المسك والند خاله ... وعارضه والثغر للدر يفضح
يضرج خديه الحياء إذا بدا ... فيقطر ماء الورد منه ويرشح
تراه أواني الجمال جميعه ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك تضمين بعضهم
كأن فؤادي مجمر فيه عنبر ... على نار فكري واللسان يروح
يترجم عما في الفؤاد اشارة ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك قول الشيخ محيي الدين السلطي
عفا الله عمن ساءني بلسانه ... فأنا بما نحوي من الفضل نفصح
وشيمتنا المعروف والحلم والرضى ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ومن ذلك ما ينسب للامام الشافعي
خليلي اني كاتم سر صاحبي ... ولو كان في عرضي يخوض ويشطح
سيظهر بين الناس فعلي وفعله ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
وما ينضح القطران الا سواده ... وما ينضح الما ورد الا التفوح
ولو شئت جازيت المسئ بفعله ... ولكنني أبقيت للصلح مطرح
ومن ذلك قول العلامة الخفاجي
فتى كان من قبل الشباب مؤاجراً ... وقد لاط كهلاً وهو تيس سينطح
يبع برأس المال بالسوق ما اشترى ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
فعلى صحة نسبتهما إليه انظر إلى هذه الهفوة من هذا الحاذق العلامة رحمه الله تعالى وقد قال في ريحانته انه نقل الشيخ نصر الله بن محلى انه رأى في المنام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال له يا أمير المؤمنين تفتحون مكة وتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وقد تم على ولدك الحسين منهم ما تم فقال أما سمعت أبيات ابن الصيفي يعني به الحيص بيص فقلت لا فقال أسمعها منه فلما انتبهت ذهبت إلى داره وذكرت له ما رأيت في منامي فبكى وحلف انه نظمها في هذه الليلة ولم يقف عليها سواه وهي هذه وأنشدها
ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمن ونصفح
وحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل اناء بالذي فيه ينضح
ثم قال وهذا المثل لم أر من شرح مورده ومن ضربه وهو يحتمل معنيين أحدهما وهو الظاهر المتبادر ان كل أحد يلوح على ظاهره ما في باطنه وان أخفاه كما قيل من أسر سريرة أردأه الله بردائها والثاني ان كل أحد يجازي من جنس عمله(2/138)
وهو الذي قصده الحيص بيص انتهى رجع إلى صاحب الترجمة فمن شعره قوله من قصيدة مطلعها
هل لوصل إلى ظباء زرود ... وزمان الأحباب من تجديد
يا سقي الله معهداً جمع الشم ... ل على الحب في النهار السعيد
وأويقات لهونا باغن ... ناعس الطرف أهيف أملود
قمر فوق بانة يتجلى ... سالب العقل في قوام وجيد
ان تثنى فعطفه غصن بان ... يثمر الورد في رياض الخدود
وإذا ما رنا بطرف غزال ... فهو يثني لا شك عزم الاسود
حيث كأس السرور تجلى علينا ... بيد الأمن في رياض الورود
كلما نحتسي الشراب تقول ... النفس يا قومنا وهل مزيد
وقوله من قصيدة مطلعها
في العشق كم ينمو غرامه ... صب أضر به هيامه
علقت به نار الهوى ... ونما به وقد اضرامه
ألف السهاد وما عليه ... أو تاحاه منامه
ومبرح التبريح لو ... ابنا بخطاه احتكامه
يا من على وادي الغضا ... من أضلعي ضربت خيامه
رفقاً بقلب متيم ... فيكم تناهيه سقامه
ما حال عن عهد الهوى ... كلا وان وافى حمامه
فمتى بطيب وصالكم ... يطفي من المضني أو أمه
والهجر في كبد المتيم ... والنوى أودى انتقامه
والجسم منتحل وشو ... قي في الهوى عز اكتتامه
ومعنفي في حبه ... ما زال يتبعه ملامه
أيظن زخرف قوله ... يجدي فيعجبني كلامه
أو أن قلب الصب يسلو ... عن هوى عظم اصطلامه
هيهات لو أن الغرا ... م به تغمدني حسامه
ما حلت عن عهد الهوى ... فأنا المتيم مستهامه
وقوله مذيلاً على البيت الأول
قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل
وعيون تسح صيب دمع ... كالدما في الخدود أضحى يسيل
ما الذي يصنع المتيم والشو ... ق به الجسم والغرام نحيل(2/139)
آه والوعتي وفرط التصابي ... وعنائي به الذي لا يزول
كان لي في الهوى بقية صبر ... واضمحلت فازداد جسمي نحول
كيفما رمت حيلة لخلاصي ... قال لي الحب ما لذاك سبيل
عجباً كيف تدعي الحب فينا ... وإلى ساحة الخلاص تميل
وقوله من قصيدة مطلعها
تلك الظباء التي في طرفها الحور ... ما عن لقاها لقلب الصب مصطبر
نعم وتلك لليالي حيث يجمعنا ... برد العفاف جميعاً كله غرر
سقى المهيمن أيام التوصل اذ ... غاب الرقيب ووافت نحونا البشر
رنت أمانينا بالأنس حين نأى ... بيني وبين الظبا البعد الذي نشروا
وضم جمع اشتمالي فيهم رشأ ... أغن عذب اللمى قد زانه الخفر
ان ماس دلا فما لين الاراكة ما ... الأفنان اذ بصبا الأسحار تنهصر
وان تلفت ما للريم لفتته ... كلا ولا للظبا من عينه الحور
ولا البدور لها من جنس طلعته ... سوى اشتراك بمحض الأسم اذ ذكروا
ممنطق بعيون المغرمين به ... من كل ذي شجن في كشحه بصر
إذا تبسم خلت الدرر في فمه ... منضداً يا قاح حوله الزهر
معقرب الصدغ ان شاهدت غرته ... علمت ان الذي في العقرب القمر
تبارك الله ما هذا الغزال فقد ... حوى من الحسن ما لم يحوه بشر
قوله معقرب الصدغ إلى آخره أقول رأيت في كتاب مطالع البدور للأديب الأريب الشيخ علاء الدين البهائي الغزولي حكاية تذكرتها بمناسبة البيت المذكور والشيء بالشيء يذكر وهي ان الملك المعظم عزم على الصيد فقال بعض الجماعة يا مولانا القمر في العقرب والسفر فيه مذموم والمصلحة الصبر إلى أن ينزل القمر القوس فعزم على الصبر فبينما هو مفكر اذ دخل مملوك كان له من أحسن الناس وجهاً يقال له آي دوغدى ومعناه بالعربية هل القمر فوقف قدامه وقد توشح بقوس فقال له بعض الحاضرين يا مولانا اركب الساعة فهذا القمر في القوس حقيقة فقام لوقته وركب استبشاراً فلم يرا طيب من تلك السفرة ولا أكثر من صيدها انتهى وللمترجم مضمناً سلواً أم عمرو البيت والذي بعده
رويداً فدتك الروح فالدمع مطلق ... وباب اصطباري عنك والله مغلق
أمن مبلغ أشواق صب من النوى ... له كبد حراً وقلب ممزق
ففرط أساء البين لم يبق مهجة ... لذي شجن الا وبالوجد تحرق
وكم ضاريات الوجد تنتابه وهل ... لمنتاب ناب اللهو حال مونق(2/140)
وليس لمخمور الصبابة حالة ... سوى مقل من شدة الشوق تدفق
سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها ... تفك الأسارى دونه وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو ممنون عليه فيطلق
أحباي بالعهد القديم وودنا ... وأيام برق الأنس بالأمن يبرق
وحقكما عوجا على من بحبه ... ولعت ولى قلب للقياء شيق
وقولا فؤاد الصب ما حال عن هوى ... عهدت ولو حال الجفا والتفرق
إذا العين عنها الحب قد غاب بدره ... فشمس محياه لدى القلب تشرق
وان عنه أخبار الحبيب تقاعست ... فعن وده في القلب منب محقق
فهل تطمع الواشون منه بسلوة ... واني لهم ذابل يزيد التعلق
وكانت وفاة صاحب الترجمة في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
سعيد السمان
سعيد بن محمد بن أحمد السمان الشافعي الشدمشقي محلي الطروس برشحات أقلامه ومشفى أوام النفوس ببدائع نثاره ونظامه كان بارعاً في اللغو والأدب وغيرهما متضلعاً من ذلك عارفاً أديباً أريباً ماهراً سميدعاً مفنناً أحد المجيدين صناعة الأنشاء والنظم وافراد الزمن بالأدب ونظم المعاني وصوغها مع حفظ كلام الله العظيم والمعرفة للألحان وعلم المويسيقى بحسن الصوت والأداء ولد بدمشق في سنة ثمانية عشر ومائة وألف وبها نشأ وقرأ القرآن العظيم على الشيخ ذيب بن المعلى وحفظه واشتغل بطلب العلم على الشيوخ فقرأ على الشيخ أحمد المنيني في النحو وغيره وعلى الشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد بن إبراهيم التدمري الطرابلسي نزيل دمشق والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي مفتي الشافعية وأجازه الاستاذ الشيخ عبد الغني نظماً والشيخ أحمد الغزي الدمشقي والشيخ محمد عقيلة المكي وقرأ على الشيخ محمد بن أحمد بن قولاقسز ابن عقيل في النحو والجامي والعصام وقرأ أيضاً على الشيخ علي كزبر والشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق المختصر وحضره في المطول وتخرج في الأدب على يد الشيخ سعدي بن عبد القادر العمري الدمشقي وتفوق في الأدب واشتهر به ونظم ونثر وأشعاره كلها بليغة وعليها طلاوة في تلاو تهاو ارتحل للروم وإلى حلب والحج ثلاث مرات وإلى مصر وطرابلس الشام وبعلبك وامتدح الأعيان والرؤساء والوزراء بدمشق وغيرها بالقصائد البليغة البديعة وجرى له(2/141)
مع ادباء عصره مطارحات ومراسلات سنيه من دمشق وغيرها وكان ممن يراه الصدود وعذبه هجران الغيد تتجدد صبوته وتطول عشرته لم يزل مولعاً في اجتلاء شموس الجمال من مطالع الحسان متهتكاً في ذلك وبسبب ذلك تصدر بينه وبين ادباء بلدته وغيرها النوادر واللطائف من المطارحات والمداعبات وخصوصاً في صباه فانه كان اذ ذاك ممن شمر للهو عن ساق وأجال طرفه بالتصابي وساق وكان في دمشق منتمياً إلى صدرها الرئيس فتح الله بن محمد الدفتري الغلاقنسي ولما بنى مدرسته في محلة القيمرية سنة ست وخمسين ومائة وألف جعله اماماً بها وخطيباً وباسمه ألف كتاباً فيمن امتدحه من الأدباء من دمشق وغيرها وسماه الروض النافح فيما ورد على الفتح من المدائح وأراد تأليف كتاب يترجم به شعراء عصره وجمع آثارهم وارتحل للبلاد يقصد ذلك وأراد أن يجعله كالنفحة للأمين المحبي والريحانة للشهاب الخفاجي والسلافة لأبن معصوم المكي فلم يتم له ذلك وبقي في المسودات وانتثر وتبدد والمنية عاقته عن نشر هذه الفوائد السنية وله رسائل أدبية وديوان شعره سماه منائح الأفكار في مدائح الأخيار وأخبرني بعض أودائه ورفقائه ان المترجم نظم المغنى في النحو وألف حاشية على الكامل للمبرد وكان من المنتمين لوالدي وأحبابه وأودائه وأخصائه هو وأخوه أحمد وللوالد عليهما كمال الألتفات وله في الوالد مدائح كثيرة فما قاله فيه ممتدحاً ومهنياً بمنصب الفتوى بقوله منع الحمى إلى آخره ومن شعره قوله من قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم مطلعها
قفوها إذا شعب الفوير لها عنا ... تقضي لبانات الغرام لها عنا
وهيهات يجديها الوقوف عشية ... بدار عفت منها المعالم والمغنى
أبيت بها طاوي الحشا يستفزني ... تجاوب أصداها إذا ما الشجى أنا
لعلي أرى النادي الذي خيموا به ... وجروا على أرجائه للهوى ردنا
تضوع منه جوه بعبيرهم ... وناجى برياهم به الغصن الغصنا
ونمت عليهم في السرى حيث يمموا ... نوافح عن أنفاس دارين أغنتنا
فكل مقر آنسوا فهو منتدى ... وكل حمى حلواً هو الروضة الغنا
تراهم اذ ما أحدجوها واسأدوا ... تطير ارتياحاً تقطع السهل والحزنا
وان ورد وأطاب الغدير وغادروا ... به من رحيق الثغر ما فضح الدنا
وان هيمنت من نحوهم نسمة الصبا ... عرفنا برياها سراهم وأيقنا
أهل بعد ما بانوا يمر بفكرهم ... معنى عليه البعد في جوره أخنى(2/142)
وهل حققوا مني حنيناً مبرحاً ... يزيد بأشجاني إذا ما الدجى جنا
وهل عجبوا ان قد أسا الركب عنهم ... وبين الحنايا أحكموا لهم كنا
ولي شاطئ الوادي بشرقي ضارج ... حمى سكن لم انتجع دونه حصنا
كلفت به حتى إذا استحكم الهوى ... بحكم الهوى فارقت مأهوله الأهنا
فما زلت أبكيه وأندب أهله ... إلى أن شكا نضوي التباريح والحزنا
ولي كبد أودعتها في ظلاله ... وجسم بأنحاء اللوى لم يزل مضنى
أكلفه مما يعانيه نهضة ... فيقعد بي قسراً يكابد ما أعنا
وفي كبدي ما في الفضا من تأجج ... يسب إذا الحادي بذكراهم غنا
فما يبتغي مني عذولي وقد رأى ... زخارف ما يبديه لم يلج الأذنا
بعض بنان الراحتين تلهفاً ... ويصبح من فرط الأسى قارعاً سنا
لترقى بسقط السفح بالسفح مقلة ... وتكري به والسهد قد لازم الجفنا
فأي فتى بالبان شام وميضه ... ولم يذر منهل الشؤون به مثنى
فيا سائراً يطوي الفلا بامونه ... ويجعل وادي الحرتين لها بطنا
إذا استشرفت عيناك كثبان رامة ... وذاك النخيل الغض والمنزل الأسنى
وساق لك المقدور ما كنت طالباً ... وبردت ما أروي الفؤاد وما أضنى
وجئت مقاماً ضم أشرف مرسل ... وأكرم مبعوث له ربه أدنى
ومرغت خد الذل في ذلك الثرى ... وأذللت دمعاً فيضه يخجل المزنا
فقل يا عريض الجاه وأفاك لائذاً ... بعلياك من هيضت قوادمه وهنا
وله من قصيدة مطلعها
دعني أكابد لوعتي ووجيبي ... وأشق في نهج الغرام جيوبي
وأجيل في تلك المعاهد مقلة ... جادت مواطرها بكل صبيب
وأفك من ربق الاساءة مهجة ... ملأت جوانحها شرار لهيب
مستنجداً صبري الجميل لعله ... يتنابني في موقف التأنيب
لله ليل بت أرصد نجمه ... حيران أوصل أنة بنحيب
مغرورق الأجفان لا ألوي على ... عذل ولا أصغي لقول مريب
والبدر يغري بي الوشاة كأنه ... غيران من كلفي وحسن جيبي
حتى إذا ركضت جحافل فجره ... وتبسمت علياه غب قطوب
وهوت كواكبه تشق بجندها ... حجب الظلام وترتمي لغروب
وعلمت أن لا طارق أطفى به ... زفرات وجد في الحشا مشبوب(2/143)
فصرمت شيطان المطامع مذرياً ... درراً تبل محاملي ونجبي
وطفقت أنتجع الديار مسائلاً ... رسماً ومن لي أن يكون مجيبي
لا أرعوي النجوى وليس بنافعي ... حنقي ولا ذلي يلوم رقيبي
فأرح مطي عناك من أسأدها ... أمؤنبي وأقل من تثريبي
لا بعد شت الشمل شعب يقتني ... طللاً ولا قلبي الحمي بربيب
أين القطين وأين مشتجر القنا ... بل أين ذات الأسم والتلقيب
غالتهم دهم السنين بمكرها ... ودعتهم بروائع التشبيب
ما آن صفوك يا زمان أما كفى ... رحل الشباب ولات حين مشيب
والعمر قد ولى كطيف معقباً ... حسرات مفؤد وندب كئيب
سرعان ما ذهب الصبا وتقلبت ... أفياؤه وأتاح فرط لغوب
فإلى متى الأطماع تعترض الفتى ... بكواذب الآمال والترغيب
أفلم يكن وعظاً لديه وزاجراً ... وخط المشيب وكثرة التجريب
من لم يرعه الفجر من صبح الدنا ... لم تزد جره روادع الترهيب
فأفق من الغفلات يا قلبي الذي ... أعياه حمل اساءة وذنوب
كم ذا تعللني ببرق خلب ... وتروم مني فعل كل معيب
ان الليالي لم تزل حركاتها ... في الكون ذات تقلب وضروب
فاحسر نقاب الغي عن وجه الهدى ... واخلع جلا الأهواء والتعجيب
متفيئاً ظل الرسالة لأنذا ... بحمى الشفيع وجاهه المرهوب
وله يمدح والدي وذلك حين تولى افتاء الحنفية بدمشق الشام
منع الحمى أهلوه أن ينصدعا ... فسقته عن سح السحائب أدمعا
وصغت مسامعها لسجع حمامة ... عند انبلاج الصبح لما رجعا
يا ويحها ضربت على أغواره ... كللاً غدا فيها العميد مولعا
طلل حسبت الركب دون نجوده ... مستشرفاً تلك الظباء الرتعا
أبكيه وهو بما حواه آهل ... وإليه أشكوه ومن لي لووعا
كيف النزوع وأهله في مهجتي ... شاد والهم بيد الصبابة مربعا
واستخلصوا مني الفؤاد وما اكتفوا ... حتى بجمر الهجر شبوا الأضلعا
وتمنعوا حيث الأسنة والظبي ... يحمون حوزتها إذا الداعي دعا
وترى الغيارى تستدير عيونها ... حذراً وتبتدر العوالي شرعا
يعدو بها من كل أجرد ضامر ... يزري بايماض البروق إذا سعى(2/144)
يغنيك عن ضوء الصباح جبينه ... ويريك لوناً كالدياجرا سفعا
فمن امتطاه لا يشك بأنه ... ركب الغمام وسار فيه مسرعا
أمؤنبي عن ذكر بانات اللوى ... وتولعي فيها وقولي يارعى
منها
مه لأتفه الا بذكر حديث من ... أهواه ان كنت الفتى المتوجعا
أنا من عرفت غرامه وهيامه ... ومن استبد به الجوى وتولعا
لم يحل لي الا ادكار عهوده ... ومديح من حاز المقام الأرفعا
ومن استظل الدهر في أعتابه ... وسعى إليه خاضعاً متضرعا
وأبان حسن ضيغه عن حمله ... وأراك في برديه ليثاً انزعا
وسرت عوارفه بآزاق العلى ... تدعو فمن يرد الخضم المترعا
وعلى اسرته يلوح سنا الهدى ... حتى تخيله البروق اللمعا
وببشره يلقاك حين تؤمه ... تبغي مراحمه ولن يتمنعا
فلكفه في كل شخص نعمة ... تأبى غواديها بأن تتخشعا
ولعزمه في كل صعب همة ... يجلو بأدناها الملم المجزعا
ومنها
فالمجد فيك لقد تعاظم شأنه ... حتى بذاتك في الأنام تجمعا
والفضل شرف اذ غدوت نصيره ... والعلم بالغر المنيع تدرعا
وسمت بعلياك الرفيعة أهله ... زهر الكواكب والبدور الطلعا
وأتت لك الفتيا تجر ذيولها ... مدحاً وترجوك المقام الأمنعا
خطبتك وهي دخيلة وتمنعت ... كبراً لغيرك في الورى أن تضرعا
قل لي إذا لم تقبلنها من لها ... أتروم مع علياك أن تتضيعا
فافد فتاويك التي ما قررت ... الا من الهندي أمست أقطعا
وانشر مباحث للهداية ضمنت ... تدع الغوى محوقلاً مسترجعا
وأسلم لها أذانت من أكفائها ... وذر السوى متضجراً متفجعا
لله درك من فتى ما زاولت ... أفكاره أمراً وأخطى المدعى
يهب الهبات الغر لا متغيراً ... وجهاً ولو منح البحار تبرعا
من ذا رأى ندباً تملك بالندى ... الصيد الأماجد قبل أن يترعرعا
أبي لبابك قد نسأت قوافيا ... كالزهر أو كالزهر حيث تضوعا(2/145)
ومنها
أبي وأني غرس نعمتك التي ... أسقيتني البشرى فأثمرت الدعا
من ذا يشكك ان لفظت جواهراً ... وعلاك أودع مسمعي ما أودعا
وأبيك لم أبرح أجيل قرائحي ... فيما حويت وأطرب المتستمتعا
حتى إذا استوفيت عمري وانقضى ... أجلي ووافيت المكان البلقعا
أبقيت ما يتلى على اذن الورى ... من طيب ذكرك كل دهر موقعا
فأقبل وقابل بالقبول بضاعتي ... المزجاة اذ كنت العزيز المصقعا
لا فاتك المأمول فيما تبتغي ... متمتعاً بالدين والدنيا معا
ومن عجيب ما يسمع ما وقع بهذه القصيدة وهو أن الوالد لا زال محفوفاً بالرضوان بين حجرة في دارنا البرانية وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فأمر أحد الكتاب أن يكتب هذه القصيدة على جدارها فكتبها بالذهب وتحلت باللازورد والنقش العجيب ولما وصل إلى قوله حتى إذا استوفيت عمري كتب عمرك بكاف الخطاب وصدر ذلك سهواً منه ثم ان الوالد بعد مدة لما اطلع على ذلك تشاءم وفي تلك السنة توفى وأمر بقحطها وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي مطلعها
برح الخفاء فلا الغيور يقيك ... كلا ولا بيض الظبي تحميك
الا الذي من سقم جفنك ينتضي ... ونراه يغمد في حشا راعيك
أيس الهوى من أن يمر بخاطري ... ذكر السلو فعاد بي يغريك
فتحكمي في مهجتي وتهكمي ... فيمن غدا بعيونه يفديك
ان كنت عالمة بما فعل النوى ... عند الوداع به فذا يكفيك
دنف إذا ضرب الدجى أطنابه ... وصل الأنين برنة تشجيك
وإذا انتضى برق العقيق حسامه ... هاجت لواعجه بمبسم فيك
وإذا الهديل تجاوبت أصداؤه ... جزعاً على ما ناله يبكيك
ليس الضني بردافاً خلعه جوى ... حتى رثى لسقامه واشيك
فإلى م يكتم لوعة في ضمنها ... جمر يشب بدمعه المسفوك
ويرى ركوب الصعب في نهج الهوى ... هيناً ولا التمويه عن ناديك
فسلى جوانحه اللواتي صيرت ... مثواك هل في ذاك من تشكيك
كم وقفة دون الكثيب رمى بها ... نظراً أطال به التفكر فيك
حيران من أسف يعض بنانه ... حذراً عليك مواقع المأفوك(2/146)
لم يثنه عن رشف ذياك اللما ... الا اجتناب الظن من أهليك
حجبوك لا بالرغم عنه ولو دروا ... ان الحشا مأواك ما حجبوك
آنات وصلك لو بأيام الصبا ... والروح تشري ما أبي وأبيك
منها في المديح
فترى له في كل قطر في الورى ... ذكراً جميلاً ليس بالمبتوك
تعتاض عن سمر الحبيب بنشره ... وعن الصبا في ليلها الحلكوك
خيم على حب الكمال قد انطوى ... وأنيل ما يبغي بدون شريك
وأنامل غراء في تهتانها ... سؤل الغنى وراحة الصعلوك
يجري على أرجائها نيل المنى ... لمن التجا لعلائه المسموك
لا يستطاع من المهابة أن يرى ... عند التأمل فيه غير ضحوك
نسخت بأيديه ونور جبينه ... آي العديم وضلة التحليك
وعنى له وجه الزمان وما أبى ... وأجابه باطاعة المملوك
ومنها في الأخير
أقل العثار عثار من فيك احتمى ... وأتى بعدن من لدنه وشيك
اني وان لم أوف قدرك حقه ... ببديع نظم كالنضار سبيك
أنا عندليب في مديحك صادح ... بل صادع قلب السوى المتروك
لي منك وجه بالبشارة مشرق ... وأسرة كالشمس وهو دلوك
وقال أيضاً
فؤاد ملؤه شغفوجفن غربه يكفوصبر فل صار مد
ووجد فوق ما أصفإلى من اشتكى تلقىومالي عنه منصرف
وبي لو حل أيسرهبصلدنا له التلفإذا غنى على فنن
حمام البانة الهتفأميل كأنني ثمللدى الحانات معتكف
يناجيني ولا عجبكلانا مغرم دنفولكن ابه شجني
ولا قد شفه الكلفيبيت معانقاً غصناحوته الروضة الأنف
ولي ممن علقت بهنوى يغتال أو صلفأراعي الزهر مكتئبا
كأني في السما شغفوأغدو في الحمى ولهابراني الشوق والأسف
فهل صب أطارحهحديثي ان دجى السرففطر في لم يذق وسنا
وقلبي مكلم وجفسقى عهد الهوى غدقحكته الأدمع الذرف
وأياماً نهبت بهاحياة عيشها ترفومن أهدت لواحظه(2/147)
لجسمي السقم منعطفرشيق ينثني مرحاًبخصر زانه الهيف
إذا أبدى أسرتهلبدر التم ينخسفيعاطيني على ظمأ
رضاباً منه ارتشفبحيت الشمل مجتمعكضم اللؤلؤ الصدف
فبلغ يا صبا سحراًشجونا ليس يتصفنزولاً في الشام فلا
عراها الصيب الوطفبلاد لا تماثلهاجنان لا ولا غرف
بها روض المنى خضلوزهر اليمن مقتطفووادي الربوة الغرا
للذات الهوى كنفوكم قد خلت من نزهذرى قاسون والشرف
مقام الأنبياء ومنبسيماء التقى عرفواوان في الجامع الأموي
صبحاً جئت تعتسففلا تهمل سلام شجمشوق شفه اللهف
وقل صب لقد لعبتبه الأحداث والعجفبأرض الروم مطرح
بكف الشوق مختطفبكى صلد الجماد لمايلاقي والعدا أسفوا
إذا هبت شآميةبها من الفها لطفهمت أجفانه وقضى
نزاعاً وهو يرتجفوأيم الله ما برحتبه الأطوار تختلف
فطوراً ينثني قلقاًلأحداث الأسى هدفوطوراً يحتسي قدحا
من الذكرى ويغترفمعانيكم له سمروذكراكم له نتف
فهل تهدي لواعجهوما عنكم له خلفوترضيكم أضاعنه
بدار دأبها السرفوحتى ما تطاردهدواعي البين لا تقف
تجنيتم عليه بلاذنوب كان يقترففصبراً يا فؤاد على
صروف ليس تنكشففقد عز اللقا ومضىشباب كنت أئتلف
عليكم ما سرى سحراًصبا بالشوق يلتحفسلام جل عن مثل
وعن ضاقت الصحف
وقال أيضاً
غازل الطرف قلبه فاستطاره ... ليت من جفنه المريض أجاره
مغرم بالهوى إذا عن ذكر ... من حبيب له أبان اصطباره
كلما اهتاجه الجوى أخذته ... لوعة أوقدت على الحب ناره
طالما أزعج التشوق منه ... مهجة مضمراً بها أسراره
حاولت لوعة الهوى والتصابي ... سلب الروح ان قضى أوطاره
ويحه آه كم تراع حشاه ... من جفون بسقمه اماره(2/148)
منها
سامح الله من دماه غزالاً ... لا عج الشوق في حشاه أثاره
يا بلي اللحاظ من آل طي ... بالقنا السمهري يحمي مزاره
العس الثغر والمراشف أحوى ... يخجل الظبي حين يبدي نفاره
مذ رنا والدلال يعطف منه ... معطفاً يزدري الغصون نضاره
صاح من فرط وجده كل صب ... هتك الحب في الهوى أستاره
يا هلالاً رمى القلوب سهاماً ... من جفون مريضة سحاره
فاتق الله في فؤاد محب ... غازل الطرف قلبه فاستطاره
وقال في الصبر
إذا رمتك الليالي وهي مظلمة ... بحادث واستطالت شوكة الزمن
فاصبر فكم في مطاوي جنحها فرج ... ان لم يجئ وقتها المحتوم لم يكن
وله في المداراة
يا صاحب الحزم والرأي الصحيح ومن ... يصغي لكل كمال في الورى ويعي
قالوا المداراة نصف العقل قلت لهم ... ان المداراة كل العقل فاستمع
وله
كن كورد الرياض يزداد نشراً ... كلما نالت الأكف جناه
واحترز أن تكون كالعود صلباً ... يحرقوه حتى يفوح شذاه
وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته بدمشق في تاسع شهر شوال سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه
سعيد الخليلي
سعيد بن محمد صالح ابن العلامة محمد الخليلي الشافعي القدسي كان فاضلاً موفقاً نشأ في طاعة الله تعالى لا تعرف له صبوة وجد في التحصيل بحسن جده لعلمه بأن المجد للأنسان ليس بأبيه ولا بجده وعمر أوقاته بالمطالعة والطلب ولا يعلم له شيخ أخذ عنه الاعن شيخه الشيخ يونس الخليلي الغزالي فكم دأب وسهر ظلام الليالي مشتغلاً بالعبادة والأذكار هاجرا للطلب فأينع روضه وراق حوضه وكان له فهم حسن وذكاء وكان يطالع لأهل الرغبات في بعض الكتب المتداولات وكانت مخائل النجابة عليه لائحه ولكن قبل نضجه ناحت عليه النائحه وتأسفت الناس عليه عن نحو ثلاثين سنة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن عند جده رحمه الله تعالى ورثاه الفاضل(2/149)
السميدع السيد محمد كمال الدين ابن السيد مصطفى البكري بقصيدة وهي
لمن دار عفت بين الرسوم ... وأخطاها من الغيث السجوم
وأوحش أنسها صرف الليالي ... وفارقها الخليل مع الحميم
وما الدينا سوى جرعات ريب ... يجرعها اللبيب على الغموم
فكن ان أضحكت حذراً فعما ... قريب سوف تبكي بالهموم
ومن ظن الخلود بها فعما ... قليل وهو في طي التخوم
فأين السالفون من البريا ... وأين هم من البالي الرميم
فكم من عالم أمسى رهيناً ... بجفوته أنار دجى العلوم
وكم من زاهد فيها تقضى ... ومن ملك وغلاب الخصوم
وهذا الفاضل المولى سعيد ... مجد قد غدا نحو الكريم
أجل فتى أفاد العلم دهراً ... بذهن ما تلعثم في الفهوم
وكم من مشكل أبداه حقاً ... بما قد حاز من ذوق سليم
جميل الخلق والأخلاق طرا ... تحلى من حلى اسم الحليم
له في المسجد الأقصى دروس ... حلت في ذوق سامعها الفهيم
وكم أحيا به روضاً أريضاً ... من التمجيد في الليل البهيم
سليل أماجد من خير قوم ... لقد سلكوا على النهج القويم
وسبط المصطفى الهادي فأنعم ... بجد شافع وأب رحيم
ووالده زكا أصلاً وفرعاً ... بوالده الامام على العموم
هو الشيخ الخليلي حبر علم ... وبحر معارف وربا علوم
وأزهد من هدى فيما روينا ... وشيخ بني الزمان بلا قسيم
أقام شعار من سلفوا بخير ... ونال من الرضى أو في السهوم
مشى في طاعة وعفاف ذيل ... وحسن شمائل وجمال خيم
ولم يطل المقام بدار دنيا ... وذا دأب الخيار من القديم
وحين دعاه داعي الموت لبى ... وسار مسارعاً عفو الرحيم
فاقفرت الديار وغاب عنها ... هلال واستهل سنا النجوم
فمن للعلم أو للذكر يبدي ... ومن للرشد والفضل العميم
وقد أرخت حين قضى ببيت ... فجاء فريدة العقد النظيم
محمد السعيد نسيب طه ... سرى نحو الجنان مع النعيم
فيا رباه زده رضى وعفواً ... وتقديساً بمرقده الوسيم(2/150)
دواماً ما تثنى غصن بان ... وناح الطير بالصوت الرخيم
وما البكري كمال الدين يشدو ... لمن دار عفت بين الرسوم
الشيخ سعدي العمري
سعدي بن عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان بن جلال الدين العمري الشافعي الدمشقي المعروف بابن عبد الهادي الشيخ العالم الفاضل البارع الأديب الناظم الناثر نادرة العصر ويتيمة الدهر كان من محاسن أدباء دمشق مفنناً كاملاً ولد بدمشق بعد الثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلم فقرأ على جماعة من شيوخ دمشق منهم العلامة الشيخ عثمان الشمعة قرأ عليه مختصر المعاني والبيان وشرح الكافية للجامي وأجاز له الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وبرع في النحو والمعاني والبيان والأدب ونظم الشعر الحسن والنثر البديع والخط المعجب ورحل إلى الروم في سنة احدى وثلاثين وخدم سلطانها السلطان أحمد خان رحمه الله تعالى بقصيدة كل بيت بتاريخ حين بنى خزينته لكتب العلم وولي تولية مدرسة دار الحديث الكائنة بدمشق وبعده أخذها المولى محمد العمادي وكانت سابقاً على والده تولاها لما مات العلامة الشيخ عبد القادر الصفوري وكان مدرس المدرسة المذكورة ومتوليها وصادف انه كان بالروم صحبة الأستاذ الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل مكة فوجهت إليه وترجم المترجم الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بارع تشق فكرته جيوب الظلماء ويشف طبعه كما يشف الزجاج عن رائق الماء مد للكمالات ذراعاً فاقتعد من سمائه مرزماً وذرعاً وطلع في أفق المحاسن نجماً متقداً واستخلص جواهر الألفاظ منتقداً فأبرزت أصداف رويته درر المعاني وتفتحت كمائمها عن زهر الأنسجام للمعاني فما تخيل معنى الا وآوى إليه ولا أجرى قلما الا وتراكمت القوافي عليه لم ينضب له ماء اقتضاب ولم يصد لمخيلته افرند قرضاب قد جمع بين الظرف والرقة بلطف صير حبات القلوب رقه يألف السمر كما تألف الرياض بلبلها والجوانح مبلبلها فإذا نظم بهر أو نثر فزهر على نهر أو تكلم استنكفت النحور عن جواهر البحور إلى نسبة لا تطاول وسؤدد لا يحاول وفكاهة ترد الشب شباباً وتسترق من ذوي النهى آراء والبابا ولما استقل بالوجاهة استقلالاً واكتمل بدره بعد ما كان هلالاً نزع للروم بداً وورد عذبها مطرداً فتأرجت بأنفاس نظامه واستهدت برفعته وأعظامه وكان في نفسه حاجة فقضاها واكتفى بها مسيرة وارتضاها فخلص منها(2/151)
إلى عشه خلوص التبر من غشه وما تجهم له محياً ولا تنكر ولا ترنق له صفو ولا تكدر حتى نقد عمره قبض وفي بحبوحة العفو ربض ففقدت باراً يشفق وعضداً لي ومرفق ولي معه أنات تفدي بالروح وتهزأ بالروض المروح طالما جانبني بها أطراف النظم والنثر وقرط سمعي منها بالثريا والنسر وسا ورد عليك ما يضم عليه الأضالع حسناً وتعطر بنشره شفاها ولسنا انتهى مقاله ومن شعره ما مدح به صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام وهو قوله
شجته ثنيات اللوا فبكى وجدا ... وعادت بفيض الدمع مقلته رمدا
ومر به ذكر الأجارع فانثنى ... حليف غرام لا يقر ولا يهدا
يكتم خوف الشامتين عناءه ... ويلبس صوناً عنهم جلداً جلدا
ودون تراقيه كوامن لوعة ... يهجيها ذكراه رامة أو نجدا
إذا هدأ السمار هوم واغتدى ... يوسد وجدا بطن راحته الخدا
وكيف يبيت الليل من كان وامقاً ... وقد ملأ التذكار مقلته سهدا
بحيث معاناة الصبابة والهوى ... تمادت به حتى تجاوزت الحدا
فأصبح مطوي الضلوع على جوى ... يزود بقايا الروح والنفس الأهدا
أسير هوى جارت عليه يد النوى ... وغالته حتى ما يؤمل أن يفدى
وألقته عن قوس الحواجب فارتمى ... إلى حيث لم يسطع لأحبابه ردا
صريع بأرض الشام تندى كلومه ... وقد تخذوا غور الحجاز لهم مهدا
وكيف يرجي القلب من كان موثقاً ... وقد أوسع المقدور شقته بعدا
متى أعمل الأطماع في مهمه الرجا ... أقيمت عوادي الدهر من دون حدا
سقى الله من دمعي إذا فاض غربه ... معاهد لم أخفر لذمتها عهدا
بحيث الصبا النجدي وهنا إذا سرى ... يصافح في أرجائها الشيخ والرندا
وطيب ليال كنت في طي جنحها ... أراوح من نشر القبول بها الندا
مضت فأثيرت جمرة الشوق والهوى ... بها فكأني ما وجدت لها بردا
لك الله يا برق الحجاز إذا هفا ... وجدد في قلبي الصبابة والوجدا
وهب على أكناف رامة موهناً ... يساجد منها النور ان لاح وامتدا
تحمل إذا يممت أشرف مرسل ... من المغرم المشتاق أشرف ما يهدى
نبي به الأكوان من نور ذاته ... تبدت لكي يبقى له شرف المبدا
نبي حوى سر النبوة واهتدى ... وآدم ما عانى الحياة ولا اعتدا
نبي هداه الله من صلب ساجد ... إلى ساجد حتى يكون به الأهدا(2/152)
وقدس في الأرحام أصداف نوره ... وكيف وقد ضمت به الجوهر الفردا
إلى أن تجلى للوجود وأشرقت ... أسرته كالشمس والقمر الأهدى
وطافت به الأملاك شرقاً ومغرباً ... بلاغاً بأن الله قد صدق الوعدا
فلاح عمود الحق وانبلج الهدى ... وأقشع ليل الشك من بعد ما اشتدا
وقام بنا والحمد لله داعاً ... إلى الحق مختاراً لنا العيشة الرغدا
فلبته من أقصى الشعوب سرائر ... وناجته أرجاء بالسنة الأصدا
وجدد من نجوى الست بربكم ... وقول بلى منا الوثائق والعهدا
وأنهلنا ورداً من الأمن سائغاً ... وأكسبنا فضلاً وأوسعنا رفدا
وهب إلى تأييده كل أروع ... تدرع بالايمان محكمة سردا
أتوا بقلوب آنست بمحمد ... مشارع دين الله قد عذبت وردا
حموه ببأس لا يفل وعزمة ... تصدع ان لاقوا بها حجراً صلدا
وكل دقيق الساق أجرد فوقه ... أشم حديد المتن يفترس الاسدا
وسمر لدى الهيجاء بيض فعالها ... وبيض غداة الروع سود الأعدا
ليوث وغى يوم الهياج رأيتهم ... وقد ثبت الأقوام أثبتهم جندا
وكيف وفيهم أكرم الخلق من سما ... إلى السبع مختاراً فجاوزها فردا
بحيث توارى عنه جبريل وارتقى ... معارج قد عزت على غيره بعدا
وصار لمجلي قاب قوسين الغا ... من القرب أو أدنى فأدرك ما استجدى
نبي هدى لولاه ما نال آدم ... سجال الرضى مما أصاب وما أبدى
وما خمدت نار الخليل التي غدت ... تشب ولا كانت سلاماً ولا بردا
ولا أنس النور ابن عمران عندما ... تجلى له من جانب الطور فانهدا
ولا شملت من قبل قبضة نوره ... سرائر أهل العزم فامتلأت رشدا
فيا خير من تحيى القلوب بذكره ... وتأمن من بعد الهداية أن تصدى
وأوضح من أبدى وأشرف من هدى ... وأصدق من أدى وأكرم من أسدى
قصدتك والجاني المفرط هل يرى ... سواك إذا اشتدت مسالكه قصدا
وليس لنا الا رجاؤك عدة ... إذا اقتدحت أيدي الخطوب بنا زندا
وأطلعنا اليوم العبوس وكلنا ... هناك حيارى لا غشاء ولا بردا
وقد نضت الآمال فضل قناعها ... وفاجأنا وجه الصحائف مسودا
وأنت على نهج الحقيقة واقف ... تشاهد ما أخفى القضاء وما أبدى
بحيث لواء الحمد يخفق والورى ... تلوذ به مستشرفين بك الخلدا(2/153)
لتسعدهم منا بفضل شفاعة ... يجاز بها متن الصراط إذا امتدا
فأنت لما ترجوه خير مؤمل ... وأعظم من تأبى خلائقه الردا
وأكرم من تغشى ذيول قبوله ... مدائح من أثنى وقد بلغ الجهدا
فيكمل بالاسعاف سعدى وينثني ... بفضل رسول الله منصلح المغدا
عليه وباقي الصحب أوفى تحية ... تجدد مع أثنى الصلاة له حمدا
وله أيضاً
سلام على المبعوث من خير عنصر ... إلى أمة عزت به حين وافاها
نبي هدى لولا موارد هديه ... لما حمدت أهل الهداية مسعاها
عليه صلاة الله ما لاح كوكب ... تصافح ذياك الحمى عند مغداها
وله أيضاً
ظنوني وان ساءت فعالي جميلة ... بمن هو في فعل الجميل جميل
وكيف وعندي للنبي علاقة ... تحدثني ان المحب دخيل
وله
تنزه عن التدبير واصطحب الرضى ... ولا تتخذ في الأمر رأياً ولا قصدا
فإن مقادير الأمور إذا جرت ... تحل من التدبير ما استحكم العقدا
وله
جادت لنا باللقا موشية الحبر ... ذات الخلاخل ريا المبسم العطر
تختال بين صموت من دمالجها ... وناطق من تناجى حليها الهذر
لميا المراشف معسول مقبلها ... هيفا المعاطف بين الطول والقصر
ترنو بأكحل يغشاه الفتور فما ... تفيد من غازلته رقية الحذر
تسبي الأنام بوجه كالصباح غدا ... مطرفاً بدجى الطراف والطرر
ومنطق في فم الأسماع أعذب من ... روائع قد برتها رنة الوتر
عاطيتها ودواعي الانس تمرح بي ... من المنى ما أجادته يد الفكر
من كل مخطوبة للسمع تحسبها ... من لطفها اعتصرت من نسمة السحر
تجلي بأبدع ألفاظ فرائدها ... تحكي عقود ثنايا ثغرها العطر
والبدر دوم نحو الغرب وانفضحت ... عرى الثريا لما عانت من السهر
وقد نضى الفجر برد الليل مبتدراً ... يحكي أسرة تلك الأوجه الغرر
بيض الصحائف من أضحت مأثرهم ... استغفر الله في العلياء كالسرر
ومن لهم في المعالي كل مكرمة ... دلت على فضل ما نالوه بالأثر(2/154)
قوم جسام مساعيهم لها أبدا ... إذا دجى الخطب فعل الصارم الذكر
جلوتها بعيون الفكر فابتدرت ... بحسن أمداحهم مملوءة فقرى
وعاد صعب القوافي الغر طوع يدي ... إذا تجارين لا تقفو سوى أثرى
وكنت فيهم وقد أضحوا بحور ندى ... كغائص يتقصى أحسن الدرر
وهكذا كل من يغشاه طيب شذى ... في الروض لا يهتدي الا إلى الزهر
يا سادة أحرزوا رق الثناء بما ... أولوه من أنعم تنهل كالمطر
اليكم بنت فكر في رود هنا ... أعيت على سانحات البدو والحضر
بوارد يتسامى في معارجكم ... ليجتني زهرات الفضل من عمر
تاريخه جاء في بيت فرائده ... تلوح في صفحات السمع كالشذر
نجل به حبى الاسعاد حين بدا ... والحمد لله في العلياء كالقمر
لا زال يبلغ في أفيائكم ربقاً ... يرمي بها كبد الحساد بالشرر
ما مزق الفجر أثواب الدجى وشدا ... طير على فرع غصن في الربا نضر
وله مؤرخاً تجديد الدارة التي في الحجرة الشريفة النبوية المكتوب فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما
أنا النير السامي على كل فرقد ... لأني في أكناف أكرم سيد
ألوح كبدر التم حسناً وأجتلي ... ملامح نور الحق من غير مشهد
وكيف وقد ضميت أسماء من لهم ... لو أشرف يضفو على كل سؤدد
محمد المبعوث للخلق رحمة ... وأكرم هاد للأنام ومهتدي
وسيدنا الصديق أكرم صاحب ... كذا السيد الفاروق أعظم مرشد
فلا برحت سحب الصلاة مع الرضى ... تصافح منهم مرقداً بعد مرقد
وعمت أماني من هداني لبابكم ... شفاعة خير العالمين محمد
بشير قديم العهد في ظل وسوحكم ... له أمل يفضي لا شرف مورد
فيا أشرف الرسل الكرام اغاثة ... لمن لاذ بالأعتاب يا خير منجد
وها حاجتي في ضمن بيت مؤرخ ... نما مفرداً في حسنه كل مفرد
بجاهك يرجو العفو يا سيد الورى ... وبالسيدين الزاكيين مجددي
وله
ان الذي قلب المعنى كواه ... طارحتي ذكر المنايا هواه
بات يعاطيني كؤوس المنى ... تذكر العهد الذي قد طواه
فانحل سلك الدمع من مقلة ... كحيلة بالسهد ترعى سهله(2/155)
حتى ذوت أفنان صبري به ... وحركت غصن التياعي نواه
خلعت سلواني على لائمي ... ولم أعر سمعي لتلك الوشاه
فان نأى فالقلب في أثره ... وان دنا كلى عيون تراه
أبيت والآمال قد أكحلت ... عيون وجدي أسفاً بانتباه
لولا النوى جارت وصبري انقضى ... ما بحت بالشكوى ولا قلت آه
وله
عجبت لهذا الدهر كيف انقلابه ... بأطوار ذي حزن وحالات جذلان
فإن أمس مسروراً أبيت بأزمة ... وإن راق لي يوماً تكدر بالثاني
ومن نثره قوله المولى المشار غيه خلد الله أنواع السعادة عليه ولا برحت حياض فضائله متدفقه ورياض مساعيه بأنواع المحامد مورقة ما أخضل بمديحه يراع فأزهر بروائع الأبداع المعروض أثر رفع الأكف بالدعاء المفروض ونشر ألوية الثناء على فنن تلك الموارد الحسناء هو أن ترادف الأمطار من أجفان كل ديمة منعت هذا العبد عن التمتع بتقبيل تلك الأيادي الكريمة وحبستني حبس الغريم وألزمتني العزلة عن كل صديق وحميم غير اني مما يجلب الأنس من البيضاء والصفراء فارغ الأكف ملئ الأواني والأماكن من النق والدلف انتقل في كنى من زاوية إلى زاوية تنقل الخط من مركز الدائرة إلى احاطة متساوية فالمرجو ممن اخاطبه عز مقامه وجانبه ان يدفع عن هذا الداعي حرارة السوداء بشيء من البيضاء والصفراء وله الفضل في الدنيا والجزاء في الأخرى وان لا يرجع رسولي بخفي حنين عبوس الوجه صفر اليدين.
ولا برحت كفاك يا ملجأ الورى تفك ذوي الأيسار من قبضة العسر وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته بدمشق في يوم الأربعاء رابع عشر جمادي الثانية سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح ورؤي بعد وفاته بخطه هذان البيتان تاريخاً له وهما قوله
جد الهي على محمد سعدي ... ذاك يحثي بتوبة يا حميدا
منك بالفضل بعد تحقيق سعدي ... أرخوا طالب ختاماً حميدا
السيد سعدي بن حمزة
السيد سعيد بن السيد عبد الرحمن بن السيد محمد الحسيني الحنفي الدمشقي(2/156)
المعروف كأسلافه بابن حمزة السيد الشريف الحسيب النسيب العالم المحدث الفاضل الفرضي الحيسوب كان ماهراً بالفرائض له خبرة ومعرفة بالهندسة والمساحة ولد بدمشق في الساعة الرابعة من يوم الأربعاء عاشر شوال سنة خمس وسبعين بعد الألف ونشأ بها وشغله والده وجده في طلب العلم والجلوس بدروس العلماء وأخذ عن جده ووالده الأديب الذي هو أوحد من تفرد بالمعاني الأنيقة والبدائع الشعرية وعن عمه السيد إبراهيم المقدم ذكره وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وعن الشيخ محمد بن سليمان المغربي وعن الشيخ محمد الكاملي الدمشقي وأبي المواهب الحنبلي وأبي الفضل عبد الحي بن أحمد وأبي الفلاح ابن العماد العكري وأحمد بن محمد الصفدي نزيل دمشق والياس الكردي وأبي بكر بن علي السليمي الدمشقي وغيرهم من علماء دمشق وأخذ عن علماء غيرها كالشيخ إبراهيم ابن عبد الرحمن المدني الخياري حين قدم إلى دمشق وحين رحل إلى مصر أخذ بها عن جماعة منهم الشيخ محمد بن داود العناني والشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشيخ عبد الباقي بن يوسف الزرقاني والشيخ أدهم البصير وشاهين بن منصور الأمناوي والشيخ محمد بن قاسم البقري وغيرهم ورحل إلى الحجاز وجاور مدة وأخذ عن جماعة منهم السيد محمد البرزنجي نزيل المدينة المنورة والشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي والشيخ عبد الله بن سالم البصري والشيخ إبراهيم بن أحمد البري المدني والشيخ عبد الرؤف بن محمد الواعظ المكي وغيرهم ودرس بدمشق بالماردانية بالجسر الأبيض بصالحية دمشق وبالمدرسة الجوزية داخل دمشق ورأى والده له مناماً يعلن له بالخير وهو في سنة احدى وثمانين بعد الألف وكان في صغره انه واقف في داره وولده المترجم بين يديه وعن يمينه وشماله جماعة مستكثرة فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل من جهة يمينه وأخذ يعوذ ولده المترجم ويقول ما شاء الله لا قوة الا بالله فأفاق والده وهو يردد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واتفق انه بعد مضي جمعة طعن وقاسى خطراً من ذلك وعوفي ورأيت بخطه أبياتاً من نظمه كتبها إلى عمه المولى السيد عبد الكريم النقيب وذلك في عيد الأضحى في سنة ثلاث ومائة وألف مخاطباً له بذلك بقوله
يا سيد السادات والأشراف ... والواحد المعدود بالآلاف
بشراك بالعيد السعيد مضحياً ... بعداك فيه بصارم الأسياف
في كل عيد دمتم بمسرة ... وسلامة وبرغد عيش صافي
كن في أمان الله محفوفاً بما ... تهوى من الاسعاد والاسعاف(2/157)
وأسلم ودم في عزة ومسرة ... وسماح أخلاق وعهد واف
وكتب إليه أيضاً بقوله
أمولاي يا قس البلاغة من رقى ... إلى ذروة العلياء بالفضل والمجد
كريم وعبد للكريم ومن غدا ... وحيد ذوي الآداب واسطة العقد
ونأمل منكم أن تمنوا بفضلكم ... بأوراق منظوم يتم بها قصدي
ودمتم بعز ثم مجد وسؤدد ... وخير واقبال يدوم بلا حد
وكانت وفاته في سادس عشر شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة بني عجلان خلف قناة الذبان في سوق الغنم بالقرب من الجباوي رحمه الله تعالى.
سليمان المدرس الحلبي
سليمان بن خالد بن عبد القادر المعروف بالنحوي الحنفي الحلبي العالم الفاضل البارع المفضال النحوي المفنن المحقق الماهر كان والده من امراء الأكراد الكائنين في ناحية حلب وولده المترجم نشأ بحلب وقدم دمشق وقرأ بها وحصل الفنون وحضر دروس مشايخها وأخذ عنهم منهم الشيخ يحيى المغربي نزيلها وغيره ثم رجع بعد تحصيل الفضل التام لحلب وتوطنها واشتهر بها بالنحو وتولى تدريس جامع الفردوس وغيره وأخذ عنه الأفاضل وتفوق واشتهر وترجمه الأمين المحيي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه روض فضل مطير عرفه فواح عطير يتطاير الجد عند انقداحه فيوري زند النجاح قبل اقتداحه صحبته بدمشق ابان التحصيل والهمة تعقد بيننا وبين التفريع والتأصيل ونحن في بلهنية هنية نقطف زهر الحياة جنيه فلم أعثر منه على ريبه ولم أعهد منه حالة غريبة وكان له حظوه لم تقصر له عن سابقنا خطوه فثوب الاعتبار لباسه ونور التوفيق اقتباسه ثم رحل إلى بلده حلب بفضل وافر وكمال يهون به كل صعب متنافر فتنازع البلدان فيه صبابة وكلاهما جم الغرام طروب فاجتنى الآمال لذة الفروع وامترى حلوبة العيش ملآنة الضروع وأحرز قصب اليراع فحاك وشيا ما يحاك بالابتكار والاختراع فالأرجاء بأضوائه مؤتلقه والأراجي من الآملين به معتلقه وله شعر مختار كأنه جنى نحل مشتار انتهى ما قاله ومما وصلني من شعره قوله من قصيدة أولها
روى الملث بسيبه الفياض ... ربعا به زمن الشبيبة ماضي
ورعى ظباء فيه قد طارحتها ... ذكر الغرام بأعذب الأحماض(2/158)
في روضة غنا بغوطة جلق ... يجري اللجين بها على الرضراض
مع كل معسول الثنايا لحظه ... عند الفتور أحد غضب الماضي
يفتر عن حبب يجول خلاله ... ماء الحياة لميت الأعراض
أقول وقوله بغوطة جلق إلى آخره هي بقعة بناحية دمشق الشام ذات أزهار وأشجار ومياه ومحاسن وأطيار تشتمل على عدة قرى ذات أدواح وغياض ورياحين ورياض وغير ذلك وقد أجمع جواب الأرض ان منتزهات الدنيا أربع وهي شعب بوان وصغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق قال أبو بكر الخوارزمي وقد رأيتها كلها فكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على سائر الأماكن فبذلك يكون له الرونق البهيج النضر والمحاسن البهية فأما شعب بوان فهو كورة من نواحي نيسابور منسوب لبوان بن أفرح بن أفريدون قد ألحفتها الأشجار وجاست في خلالها الأنهار وهي فرسخان في سئلها وأما صغد سمرقند فهو نهر تحف به بساتين وقصور اثني عشر فرسخاً في مثلها وأما نهر الأبلة فهو نهر من أعمال البصرة وعلى جانبه بساتين كأنها بستان واحد قد خ أشجارها في يوم واحد وهو أربعة فراسخ وأما غوطة دمشق فإنها بقعة مشتبكة القرى والضياع لا يكاد أن يقع للشمس على أرضها شعاع لألتفاف أشجارها وطولها عشرة فراسخ في عرض خمس فراسخ انتهى ذكره غير واحد من أهل التاريخ كصاحب تحفة العجائب والقزويني ومن شعر صاحب الترجمة قوله مضمناً
يا مليكاً قد سبى كل الورى ... وعزيزاً عز من رام حماه
كيف لا أزداد شوقاً اذ غدت ... قبلتي وجهك في كل صلاه
وقوله في القرنفل مشبهاً
ألا حبذا في الروض زهر قرنفل ... ذكي الشذا قاني الأديم مورد
إذا ما بدا للناظرين صيته ... مجن عقيق فوق غصن زمرد
وكانت وفاته في حلب في سنة احدى وأربعين ومائة وألف عن نيف وثمانين سنة ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ نمير رحمه الله تعالى وأموات المسلمين
سليمان سوار
سليمان بن مصطفى بن مصطفى المعروف بابن سوار كأسلافه الشريف لأمه الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل البارع الصالح كان موفقاً لمرضاة الله تعالى مع حسن السلوك وكان فيه البركة سالكاً مسلك أسلافه وله يد بالعلوم وفضيلة تامة ولد بدمشق ونشأ بها واشتغل بالعلوم وقرأ على جماعة منهم الشيخ محمد الغزي(2/159)
الدمشقي مفتي الشافعية لازمه وقرأ عليه في ابن عقيل وأخذ عنه وقرأ على جماعة من علماء العصر وتفوق وأعاد درس قبة النسر في الثلاث أشهر بالجامع الأموي وكان ملازماً هو وأخوه الفاضل السيد عبد الوهاب المتوفي بعده في سنة سبع وثمانين ومائة وألف في عمل المحيا بالجامع الأموي وفي جامع التيروزي كعادة أسلافهم وحج إلى بيت الله الحرام وبالجملة فهو أفضل من أخيه وكانت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بقبر عاتكة رحمه الله تعالى.
السيد سليمان القادري
السيد سليمان بن عبد القادر بن أحمد بن سليمان الدمشقي القادري الشيخ العلامة المحقق الصالح العابد ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ وتفوق وجد على المشايخ ورجال عصره بتلقي العلوم والأخذ ولازم الدروس ومن مشايخه العلامة الشيخ عبد الوهاب الفرفوري مفتي دمشق والشيخ نجم الدين الغزي الدمشقي وغيرهما ودرس وأفاد بعد العصر في الثلاثة أشهر عند محراب الشافعية بالجامع الأموي مدة ثم ترك ذلك ودرس مدة بين العشائين في الحديث والرقائق ورحل إلى الروم كما أخبرت مراراً وأخذ وظائف كثيرة بدمشق وأعطى تدريس السليمية بصالحية دمشق وخطابة السليمانية بالميدان الأخضر ووعظ السنانية وقف سنان باشا وكان ملازماً مواظباً على خدمة الاستاذ الكبير سيدي الشيخ أرسلان رضي الله عنه هو وأخواه الاستاذ الكبير الشيخ صالح والخير الدين الشيخ السيد تاج العارفين القادريين وتوفي أخوه الشيخ تاج العارفين المذكور قبله في سنة تسع وتسعين وألف وكان هو القائم بأعباء أمور أخويه ومتعلقاتهما وله تصرف عجيب وعقل وافر وبالجملة فان صاحب الترجمة كان من العلم له القدح المعلى والقدم الرأسخ وكانت وفاته في يوم الأربعاء رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة ومائة وألف ووجه بعده تدريس السليمية للشيخ عبد الغني النابلسي ووعظ السنانية للعلامة الشيخ عثمان الشمعة وخطابة السليمانية وبقية الوظائف لولده السيد أحمد رحمه الله تعالى.
سليمان السمان
سليمان بن السمان بن محمد بن حسين بن محمد المعروف بابن الدب الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية أحد النبلاء الأفاضل كان فاضلاً أديباً كاتباً بارعاً ولد بدمشق وجد بنفسه وقرأ على الشيخ أحمد الحرستي كاتب الفتوي وانتفع به وأتلمذ له واختص به وعلى(2/160)
غيره وبرع في العلوم خصوصاً بالفنون الأدبية وكتب الخط المنسوب وكتب بخطه كتباً ثم رحل للروم إلى دار الخلافة قسطنطينية واستوطنها وسلك بها على طريق القضاة وتخلص على طريقتهم بمخلص جميل ومهر باللغة التركية والكتابة بها وتردد إلى أعيان الدولة وتولى النيابات وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه هو ممن هذبه الزمن وشرى من الأدب ما هو غالي الثمن واستسقى من ماء النباهة حتى ارتوى واحتوى من الفياقة على ما احتوى بلسان حديث زلق ومنطق سهل طلق يكاد يقدح بعضه من بعض جمراً ويأتي من مخترعاته أمراً أمراً وهو يقع ويقوم ويتجرع ما هو أمر من الصاب والزقوم ونفسه تحدثه بالرفعة وأفكاره تسول له من الحضيض رفعه إلى أن أفاق الدهر من غشوته ولان لحاله بعد قسوته فأسنده إلى بعض الرؤساء ولم يدخل في زمرة البؤساء فمنحه بما ارتضاه حتى أدخله في سلسلة القضاة وقد أطلعني على قطع من نظمه الذي كعقود الجمان ونثره القائل لسان حاله انه من سليمان وسأتلو عليك ما هو ألذ من لبن لم يتغير طعمه ولم يتخط الاصابة سهمه فمن ذلك قوله مادحاً ومؤرخاً تقليد منصب الفتيا في الروم للمولى محمد بيري زاده المعروف بصاحب وهو
الا هكذا ترقى هضاب المناصب ... وفي مثله يزدان صدر المواكب
علوت على بهرام عزاً ورفعة ... وفقت سمواً فوق أعلى الكواكب
جزى الله عنا كل خير أمامنا ... وخلده في الملك رب المراتب
أبان سناء الشرع من أفق ماجد ... تدين له العلياء من كل جانب
وقد لاح ثغر الدين وافتر ضاحكاً ... سروراً بما أسدته أيدي المواهب
ولما غدا للناس في كل نعمة ... ولياً أطافوا حوله للمطالب
وقد معوا تاريخه ونعوته ... بأشرف بيت فاق لمع الثواقب
بهاء وافتاء وحزم بسؤدد ... وسعد باقبال وعلم بصاحب
وقوله في تاريخ عذار
هذا على جودهفي الأرض سح غمامههذا الوحيد بعصرهقد أقبلت أيامه
ما الورد الا خدهحف به نمامهما الصبح الا وجهه
تبدو لنا أعلامهالمجد بردك سيديفيك انطوى أقسامه
في ليلة القدر التيتم بها نظامهمسك العذار أرخوا
يمن بدا ختامه
وقوله
رياض علوم فاح منها دلائل ... وأنهارها في كل علم مسائل
تخبر فتواها بورد ورودها ... إلى ماجد طابت لديه المناهل(2/161)
وحنت إلى نجل الحياتي وشابهت ... شموس ضحى دلت عليها أصائل
ومن نظمه قوله
بي أغيد يسبي الأنام بعطفه ... ومليحة تشفي السقام المعضلا
يستعبد الألباب باهر حسنه ... والشمس من وجه الحبيبة تجتلي
جاذبته القدح العتيق فانبرت ... غضباء تصفق في الخدود الأنملا
فغدا يعنفها بحسن جماله ... وجمالها يبدو إليه ما جلا
وسدتها يمناي أبصر مغضباً ... فتركته كالظبي يرتع في الفلا
وأنا نعمت بكل شيء منهما ... في ليلة غراء من نجم الطلا
بتنا ونحن من المدامة نستقي ... حتى رأينا الصبح أسفر مجتلي
ودعتها فبكت وقالت لا تحل ... للغيد يوماً حيناً بك أجملا
ومن نثره قوله ملغزاً أخبروني يا جهابذة الروم وأنبئوني يا أساتذة المنطوق والمفهوم عن اسم ذي حرفين أولهما حسن زين وثانيهما كالقوس من غير مين ذنبه مقدم على رأسه في ترتيب حروف الهجا وهو في الجمل على العكس جا رأسه مجوهر مسبع وذنبه مقوس مركع رأسه في ذنبه مذكور يقول الصاحب ابن عباد
جعلت جفني واصلاً والكرى ... راء فجد بالوصل فالوصل زين
ولا تجني عن سؤالي بلا ... فالقلب يخشى كرب لا يا حسين
أصله لباس أهل الجنان والعجب منه انه من حيوان ذو أخوات كثيرة وأجناد وميره وهو لا يخطر بساحتهم ولا يتحرم بحركتهم إذا كسر أوله كان رخيصاً وان فتح كان فعل ماض وبالدرية عزيزاً وبيصاً وان عكس كان في لسان العوام قبة الاسلام يعلوها مات الجبابره والملوك الأكاسره وهو ضعيف وجسمه نحيف تارة يشبه لون العشاق واخرى يماثل الأحداق تعظمه المسلمون والنصارى واليهود وجميع الخلق في ذلك شهود وقد بلغ في الاشتهار رابعة النهار يا ابن عمي شكله كعمي يا ابن خالي جوفه خالي اختلفت الأقوال في مكانه فإذا سئل العالم عنه قال لا يوجد عند أقرانه بل هو قطب الدائرة الاثني عشريه وكالنقطة في مركز الخلقة السنيه وإن سألت العامة عن مكانه قالوا هو كالبدر في قرص سمائه أخوانه تتزواج وتدخل في غالب الأوقات وهو خال عن الزوجة والبنين والبنات وإذا صم إلى كلام الزور كان اسم طائر فوق العصفور ان تحير فيه عقلك(2/162)
وتاه فيه فكرك فضع عمامتك قدامك واقبض على لحيتك الشريفة تجده أمامك بغير تفكر ولا تحير أخواته توجد في قول الشاعر
لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر
أجيبوا يا كرام ومني لكم أشرف تحية وألف سلام ومن نثره أيضاً ما كتبه للمولى محمد سعيد الشهير بقرا خليل زاده وهو اذ ذاك صدر الروم الحمد لله ملهم الحمد وصلى الله على رسوله محمد وآله الكرام ما هدر حمام ودر هطال وكر عصر ومال مطلع أسرار العلوم والأعمال وملمع سواطع سماء المحامد والآمال مصد دوائر العلماء الأعلام ممهد أحكام الحلال والحرام موطئ دلائل العدل مدمر أهل المكر والعلل وأحد العصر أوحد الدهر.
علم وحلم والوداد له حلا والرحم والاعطاء والاطعام محمد الاسم محمود الرسم طود السعد والسعداء حسام الله مطحطح الحساد والأعداء عماد الدول الأعصم عصام الملل الأكرم.
مداح كساها الدر وهو معطر حلل السماح ممسكاً ومعوداً كامل الأطوار والأحوال حاسم أهل الأهواء والأهوال دام أمره مطاع لهدر دماء آل الوسواس وهدم صوامع أهل الأسواء والرعاع ألا وهو صدر الروم وعالمها وممهد أحكام الله وعاملها أطال الله عمره وأدام للعالم حكمه وأمره وحرسه وحماه وسلكه مسلك حماه والمأمول أعطاه ما سمح كرمكم لمملوككم ولد محرره محمد سعد الله سلمكم الاله ولكم الدعاء والسلام ماكر العصر ودام الدهر وكانت وفاة صاحب الترجمة في نيف وسبعين ومائة وألف في أحد قصبات الروم وكان قاضياً بها رحمه الله تعالى.
سليمان المحاسني
سليمان بن أحمد بن سليمان بن إسماعيل بن تاج الدين بن أحمد المعروف بالمحاسني الحنفي الدمشقي الخطيب والامام بالجامع الأموي الأديب الحاذق الذكي النبيه كان مطبوعاً سخياً له فطنة وقادة وتحصيل للكمالات ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ على جماعة من مشايخها وبالجملة فقد كان من كمل الناس يتفحص عن الوقائع الأدبية ويكتب ما يستحسنه منها ويشتري الكتب ويقابلها على غيرها ويضبطها ضبطاً حسناً بخطه وكان لطيف العشرة حسن المطارحة عفيف النفس وارتحل إلى دار الخلافة في الروم وصرف بها مبلغاً من الدراهم وباع(2/163)
كتباً جليلة ثمة ولم يحصل على شيء من سفرته وصارت له رتبة موصلة الصحن لما ولي حكومة دمشق الوزير محمد باشا العظم وكانت قبل ذلك له رتبة الداخل وحين جاء عرض له بذلك وللمولى أسعد بن خليل الصديقي برتبة دار الحديث السليمانية وللمولى السيد حمزة بن علي العجلاني نقيب الأشراف برتبة الصحن فجاءت لكل منهم ذلك من شيخ الاسلام المولى محمد سعيد ميرزا زاده مفتي الدولة العلية ولما توفي رئيس الكتاب في القسمة العسكرية يحيى بن إبراهيم الجالقي أخذ الرياسة عنه وباشرها فلم يجل في بابها وأراد أن ينهض فكبا ولم تطل مدته وتوفي وكان يتولى النيابات بمحاكم دمشق ودرس بالجامع الأموي حين جاءت العساكر المصرية إلى دمشق وأخذتها وواقعة ذلك مشهورة أغرض على آغا اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري ونسبه لأمور خالية عنه وإنه خان الدولة وارتشى من رئيس العسكر الأمير محمد المعروف بأبي الذهب وكان الأمر بخلاف ذلك فبعد تمهيد الأمور وعود أهالي دمشق اليها حصل له رعب شديد من آغا اليرلية المذكور وتحقق أذاه له فبعد مضي مدة قليلة غضب على المذكور والي دمشق الوزير عثمان باشا وخنقه في قلعة دمشق وضبط ماله لطرف الدولة العلية وبعد موته ألف صاحب الترجمة في حقه رسالة سماها البغي والتجري في ظهور ابن جبري وذكر فيها ترجمته وأحواله واشتهرت الرسالة في وقتها ولم يزل المترجم على حالته إلى أن مات وكان من أحباب والدي وأودائه وللوالد عليه حنو وعطف وكان يكرمه كثيراً وله فيه مدائح فمن ذلك قوله ممتدحاً والدي بهذه القصيدة ومطلعها
سرت النياق وهزني منها شجن ... وغدت نحن بذا المسير إلى الوطن
وأهاجني برق تراآى اذ حدا ... حادي الظعون بهم وروعني الحزن
لله يا حادي الركاب بمهجة ... قد أورثت وجداً وشوقاً للدمن
ما أنت يا حادي بخلي في السرى ... دعها ومل نحو الديار إلى العطن
هذا العلي أبو المكارم من غدا ... غيث الزمان إذا به محل قطن
ذو الرأي والتدبير حبر كامل ... مع فضل سحبان له خلق حسن
فالبحر يزخر من مواهب جوده ... والدر والياقوت ليس له ثمن
لا غر وان السيل يحكي كفه ... فالكف أسبق بالنوال إذا هتن
منها
وعلى ثنائي للجناب ملازم ... وسرائري تنبي بذلك والعلن
ما فيه عيب غير إن يمينه ... قد طاولت أعلى السماك بلا وهن(2/164)
لا زال يرفل في السيادة دائماً ... ما طاف عبد بالمقام له وحن
أو ما ترنم طائر في بانة ... يشدو بأخان لدى غصن أغن
وله من قصيدة امتدح بها والدي مطلعها
سقاك المزن يا دارا بحزوي ... وأخصبك الربيع بها وأروى
وحياك المهيمن ما تراءت ... بدور من مغانيك لمثوى
بدور قد عهدت بهم وفاء ... بذات الضال ما أهناه حبوا
تذكرني الشبيبة كل وقت ... ورغد العيش بالجرعاء مأوى
رعى الله المعاهد والمغاني ... وإن كانت من الأعمار تطوى
فدع عنك المغاني ثم عرج ... لشهم العصر ساميه كرضوى
امام في العلوم حوى أيادي ... بسعد يالها منحا فتروى
تسامى لا البدور له تحاكي ... وأين البدران يحكيه زهوا
منها
فوافى بابه تجد التهاني ... وتمنحك الهداية منه عفوا
بعز فوق هامات الثريا ... ومجد ناله شرفاً بتقوى
فظل النصر يخدمه دواماً ... ووافته السعادة حيث يهوى
وقال مشطراً
أحمامة فوق الأراك تبني ... قد فاح بالترجيع عرف شذاك
ما أنت أول من بكى لصبابة ... فبحق من أبكاك ما أبكاك
أما أنا فبكيت من ألم الجوى ... متذكراً لمقيل ظل أراك
أجريت فيض محاجري بتذكري ... وفراق من أهوى أأنت كذاك
وكتب في صدر رسالة وهو في الروم قوله
سقى الله أرض الشام صيب رحمة ... تروم على سحب الهنا برباها
فكم لي بمغناها سوالف وقفة ... تقضت بصفو ما ألذ مناها
وقفت على ماضي المعاهد أدمعي ... إلى أن يعاني الطرف طيب ثراها
ومني على من حل موطن جلق ... لألف سلام من مشوق هواها
ومما اتفق له من المساجلة مع الوالد وسادة أجلاء في روض تفتح زهره وصفا نهره واعتدل هواؤه وراق جلاؤه فقال المولى إسماعيل المنيني
وندى أنس بالأهلة مشرق ... وباوج علياهم سناهم يشرق
قد طاب أنساً بالهناء وغردت ... فيه البلابل والمياه تصفق(2/165)
والروض فاح عبيره لنسيمه ... الخفاق والأزهار فيه تعبق
وزهت كؤس الصفو في أرجائه ... صرفاً ليحسوها الفؤاد الشيق
ثم أنشد والدي فقال
والروض يعبث بالنسيم تاؤدا ... لما غدا ماء العذيب يرقرق
والورد غض مطرق لرؤسه ... شبه الذي هو بالخجالة مطرق
لم أنس ليلة زارني في تيهه ... وعذولي النمام ذاك الأزرق
ثم أنشد البارع محمد شاكر العمري فقال
لا كان عذالي ولا كان العدا ... فالقلب من عذاله متقلق
وسقى الحيا روضاً به نلنا المنى ... بأحبة قلبي بهم متعلق
من كل بدر كالغزالة وجهه ... وقوامه غصن بفرع مورق
وجبينه صبح وطرة وجهه ... ليل وصفحته كورد يشرق
ثم أنشد صاحب الترجمة فقال
عاطيته كأس المدام وبيننا ... عهد أكيد بالمحبة موثق
عهد يطول وإن تلاحى عاذل ... فبوجهه أيدا يذل ويطرق
وعلى المحبة قد طويت أضالعا ... حتى القيام وكل فرد يسبق
والبدر يفتضح الظلام كما بدا ... فلق الصباح على الروابي موثق
ثم أنشد المنيني المذكور فقال
وغدا به قلبي يعذب في الهوى ... والجسم مضني والنواظر تحدق
ااراك تسلو يا خلي مهفهفاً ... حلو الشمائل بالفؤاد معلق
صاد القلوب بلحظه فنباله ... بالفتك من سهم المنية أسبق
وحوى جمالاً باهراً جل الذي ... أنشاه بدراً بالمحاسن يشرق
ثم أنشد والدي فقال
من عصبة هم للرياض عبيرها ... ونسيمها الفواح فيها يعبق
حلواً بقلبي شبه سكان الحمى ... كل له في القلب شمس تشرق
ولذاك إني مولع في حبهم ... ولسان حمدي بالفصاحة ينطق
ولطالما إني أشنف مسمعاً ... في حب من في حبهم أتعشق
ثم أنشد العمري المذكور فقال
هم أهل نجد والعقيق وحاجر ... شنف بذكراهم فقلبي يحرق
وأدر لنا ذكر العذيب وبارق ... مع طيب سلع والأبيرق يبرق(2/166)
وانشق به ريح الخزام لعلنا ... من عرف ذياك الحمى نتنشق
دار بها قد حل أشرف مرسل ... طه النبي الصادق المتصدق
ذو الجاه والشرف الرفيع ومن به ... كل الأنام إلى علاه تنطق
ثم ختم المحاسني المترجم فقال
صلى عليه الله ما ركب سرى ... نحو العقيق وما أشرأبت أنيق
والآل والأصحاب ثم ومن تلا ... من بعدهم في الدين هديا حققوا
ما غردت ورق الحمام سواجعاً ... وسرى نسيم الروض فيه يخفق
وللمترجم متشوقاً إلى دمشق حين كان في القدس في سنة ست وسبعين ومائة وألف
شوقي لجلق ذات المنهل العذب ... أهاج وجد غرامي زائد اللهب
يا زاجر العيس شوقاً نحوها دنفا ... في مهمه الفر يبدي شدة اللغب
عرج هناك لصحبي ثم بث لهم ... وجدا تزايد بالأيقاد كالشهب
فيا رعي الله حيا بالشام لنا ... ذات البشام وذات المبسم الشنب
قد حال رسم ترى عما عهدت بها ... أم ظل يبكيه دمعي زائد السحب
لم يبرح الشوق مني نحوها أبداً ... حتى أوسد رمساً في ثرى الترب
أم كيف أنسى ربوعاً بالهنا عمرت ... بين الأحبة لما طال مغتربي
دار بها البشر واللذات قد سلفت ... ما بين أهل الصفا في غاية الطرب
وأهالها وسقاها الله كل ندى ... بكل منسجم الهطال منسكب
معاهد الألف والأحباب من وطن ... قد حن قلبي لمرآها السني العجب
فعمر الله مغناها بكل مدى ... ما حن نازح ألف من جوى نصب
ما هب شمأل روض في غصون ربا ... أو ناح طير على عال من القضب
وله غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة الحرام سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربتهم بباب الصغير ووافق يوم وفاته وفاة السلطان الأعظم مصطفى خان بقسطنطينية المحروسة رحمهما الله تعالى.
السيد سليمان الحموي
السيد سليمان بن نور الله بن عبد اللطيف الحموي ثم الدمشقي المعروف بالسواري الأديب الماهر الشاعر الكاتب أحد السابقين في ميدان الأدب قدم دمشق واستقر بها أخراً نزيلاً عند نقيب الأشراف بدمشق السيد العلامة محمد العجلاني ثم من بعده عند أخيه السيد حمزة العجلاني النقيب وولده السيد حسن وكان من أخصائهم(2/167)
ومداحهم وكاتبهم وغالب قصايده في مدحهم وأنزلوه منهم المنزلة الرحبة والمكانة العلية وقاموا بلوازمه ومعاشه إلى أن مات بدمشق وكان اشتهاره في الأدب والكتابة ورأيت بخطه كتباً كثيرة وخطه مقبول وترجمه السيد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه حرفته الدواة والقلم ولديه في البراعة تلقى أعنة السلم وله طبع سبكت تبره الأيام وصقلت حديد ذهنه من صدا الأوهام بوجه فيه الفلاح يتوسم كأنه در يوقده ثغر تبسم وقد أوقفني من شعره على ملح غضة الشفوف فجردت منها كل بيت كان الحسن عليه موقوف ثم ذكر له من شعره وأنا أطلعت على ديوانه فأثبت هنا منه ما استجليته واستحليته فمن ذلك قوله
أدر الكاس من جفونك صرفاً ... فهي لا شك تصرف الهم صرفا
وأسقنيها حتى ترى كل عضو ... في ذا منطق يجيدك وصفا
يا بديع الزمان حساً ومعنى ... وفريد الا وان حسناً وظرفا
ومعيراً لعزال لحظاً وجيداً ... ونفاراً والبان قداً وعطفا
بالذي زاد مقلتيك احوراراً ... وفتوراً يسبي العقول وحتفا
والذي قد أعار خصرك مني ... سقماً ثم زاد ردفك عسفا
قم بنا لعدمت مثلك خلا ... نختطف لذة الشبيبة خطفا
حيث رق النسيم واعتدل الوقت ... وعنا طرف الحوادث أغفى
في رياض بها البنفسج يروي ... عن شذا صدغك الممسكن عرفا
قد كساها الربيع حلة وشى ... فهي تحكي رياض خديك لطفا
وانتهز فرصة المسرة واركب ... نحوها من سوابق اللهو طرفا
واجعل الورد والأزاهر فرشاً ... عبقرياً ووارف الظل سجفا
وانثر الدر من حديثك حتى ... أتخذه عقداً وقرطاً وشنفا
فهو يغني عن مطربات الأغاني ... وقيان يطربن عوداً ودفا
وأجزني بأن أقبل خديك ... ثلاثاً وأرشف الثغر رشفا
عل أن تنطفي لواعج قلبي ... ويقيناً أظنها ليس تطفى
أيها الأغيد الذي ترك القلب ... حبيساً على الصبابة وقفا
فتنتني لواحظ منك ما تنفك ... تتلو من سحرها روت صحفا
كلما زدت في المحاسن ضعفاً ... زدت من لوعتي نحولاً وضعفا
فوحق الهوى وعيش تقضى ... وزمان من صفو ودي أصفى(2/168)
إن قلبي فدتك روحي الفا ... لم يرد في الأنام غيرك ألفا
كن كما شئت انني بك راض ... ثم عدني ولا يكن ذاك خلفا
زادك الله بهجة وسروراً ... وكسى جسمك المنعم لطفا
ثم لا زال غصن قدك غضا ... أبد الدهر مورقاً لن يجفا
وقال عفا الله عنه
وشادن زان قده الميل ... أغن غض الشباب مقتبل
ذو ترف جسمه الرطيب إذا ... مر عليه النسيم ينفعل
كالماء طبعاً ورقة وكذا ... يضرب في فرط لينه المثل
يكاد أفديه من لطافته ... يسيل لولا تضمه الحلل
كأنما البدر حسن صورته ... والورد في الروض خده الخجل
من ولد الترك ليس يعطفه ... تذللي في الهوى ولا الخيل
ذو مبسم رائق حوى درراً ... يحسن فيها النظام والغزل
رنح أعطافه الصبا فغدا ... يميس تيهاً كأنه مثل
لم يحل للضم عير معطفه ... إذا ثناه الدلال والكفل
ترتع في حسنه اللحاظ وفي ... رياض خديه ترتع القبل
تيمني دله وزودني ... بقبلة تحت طيها علل
وأيدته لواحظ خلقت ... نشيطة الفتك ما بها كسل
ينبعث السحر من محاجرها ... فيعتريني النحول والخبل
يجعل حب القلوب أثمدها ... فيوهم الناس انها كحل
تالله ما الروض حين باكره ... صوب من المزن هامل هطل
وقد كساه الربيع أدرية ... من وشى صنعاء زانها الخمل
وقام شحروراً يكه غرداً ... بثوبه العنبري مشتمل
كأنه معبد علا شرفاً ... فأطرب السمع لحنه الرمل
عندي بأبهى وليس أحسن من ... مرآه لما يشوبه الخجل
ملكه الله رق أفئدة ... منا وأمر المليك ممتثل
لا برح الدهر مالكاً وكذا ... قلوب أهل الهوى له خول
وله أيضاً
رقة الخصر لجسمي أو رثا ... ليته رق لحالي أورني
شادن طاوي الحشاذ ومقلة ... سحرها يسبي النهى إن نفنا(2/169)
مترف ذو صلف من تيهه ... لم يكن فيما أتى مكترثا
من عذيري أو مجيري من رشا ... حال عن ودي وعهدي نكثا
هو يحكي الدهر فعلاً فعلى ... حالة والحدة لن يلبثا
لم يزل يحلف لا يهجرني ... وهو لا يحلف الا حنثا
ليت شعري ما الذي يمنعه ... لو على حفظ عهودي مكثا
وبروحي لثغة من لفظه ... حيث ضاهت منه عطفاً خنثا
يخرج السين من الثاء إذا ... خاطب الناس بها أو حدثا
لست أنسى ليلة إذ ساقه ... بدر تم ثم نحوي بعثا
جاء يسعى والهوى قد راضه ... وحباه منه خلقاً دمثا
طبت عيشاً إذ صفا وقتي به ... ورقيبي عيشه قد خبثا
لست أخشى ثالثاً يفجعني ... لا ولا من حادث أن يحدثا
بت يقظان أراعي وجهه ... وهو من جفني الكرى قد ورثا
ثم لما إن مضى شطر الدجى ... هب من مرقده وانبعثا
يتهادى مسبلاً أردانه ... يعرك الأجفان منه عبثا
قائلاً قد عنعث الليل فقم ... لثلاف الكاث فلنقتبثا
وقال أيضاً غفر الله له
ليس في الأرض والكتاب المبين ... بلدة مثل جلق بيقين
دار لهو ترابها المسك لكن ... حصاها من لؤلؤ مكنون
هي لا شك جنة الخلد والأن ... هار تجري من تحتها كل حين
فسقى الله وادييها وحيا ... ساكنيها بكل جود هنون
فسقى النير بين والسهم والب ... وة منها والسفح من قاسيون
والرياض التي يفرج مرأى ... حسنها الكرب عن فؤاد الحزين
ذات نشر كان في طي بردي ... هـ عبيراً يرفض بين الغصون
والقصور التي تصيد بنات ال ... لهو من لجة السرور المعين
مهبط الأنس مطمح النفس مأوى ال ... غد بل مسرح الظباء العين
كل ريم كأنما الطرف منه ... رائد الحتف أو نذير المنون
مخطف الخصر مترف الجسم المي ... باسم عن سني درثمين
ذو محبا ينوب عن طلعة البد ... ر إذ لاح في الليالي الجون(2/170)
رب وقت راس الهوى منه طلقاً ... شرساً فارتدى بلطف ولين
وإني زائري وقد فضح اللي ... ل هلال يلوح كالعرجون
ونجوم الجوزاء مالت كخود ... ثملت من سلافة الزرجون
والثريا كالقرط في إذن المغ ... رب أو باقة من الياسمين
وقد أخذه من قول ابن حمد يس من أبيات وهي قوله
والثريا رجح الجوبها ... كأنما ضم لكور جناح
وكأن الغرب منها ناشق ... باقة من ياسمين أو أقاح
وفي الثريا تشابيه كثيرة منها ما أنشده بعضهم
وكأنما نجم الثريا ... إذ تقوس كالوشاح
كأس بكف خربدة ... تسقى المسابيد الصباح
وقال ابن رشيق في مقابلة البدر للثريا
والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جامه
وقال الوأواء الدمشقي
والثريا كأنها كف خود ... داخلتها للبين رعدة وجد
وقال الآخر
والثريا كأنها كف خود ... برزت في غلالة زرقاء
وقال ابن المعتز من أبيات
كأن الثريا والظلام يحفها ... فصوص لجين قد أحاط بها سيج
وقال أيضاً
ألا فاسقنيها والظلام مقوض ... ونجم الدجى في لجة الليل يركض
كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض
وللصنوبري في تشبيهها
في الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي أواسط السماء قدم
ولأبن المعتز فيها قوله
كان الثريا طلعة قد تشققت ... وقد أظهرت نوراً ولم تتعقد
فقال خليلي زد فقلت مباراً ... كطاس من البلور في كف أغيد
فقال خليلي زد فقلت كأنها ... لجام محلي لم يفصل بعسجد
فقال خليلي زد فقلت كأنها ... دراهم صفت فوق راحة أسود
فقال خليلي زد فقلت كأنها ... نواظر حسناً لم تكحل بأثمد(2/171)
فقال خليلي لم تقصر فقم بنا ... لنشرب راحاً كالزلال المبرد
على ضوئها حتى ترى البدر لائحاً ... كسيف صقيل من قراب مجرد
وتتمة الأبيات
وكان السماء أرض أريض ... فيه نهر المجر ذوب اللجين
فتلقيته بأحسن ما يل ... قى محب حبيبه بعد بين
وقضينا من التعانق والل ... ثم حقوقاً برغم واش خؤون
ثم بتنا معاً ببرد عفاف ... لم يدنسه لوثة من ظنون
يالها ليلة من العمر كانت ... حيث بدر التمام فيها قريني
جاد دهري بها وذاك عجيب ... أن يجود البخيل بالمضنون
لم يكن عيبها سوى إنني لم ... أقض منها كما أحب ديوني
فتولت سريعة كخيال ... من ملول بطيب وصل ضنين
تلك من جملة الليالي اللواتي ... سلفت في دمشق دار شجوني
كلما مر ذكرها بفؤادي ... أغرقنني شؤون دمع هتون
فعليها تأوهي وأنيني ... وإليها تلفتي وحنيني
وقال أيضاً
يأبى شادن بديع المحيا ... أحمراً لوجنتين من غير صبغ
لين الملتقى ضحوك الثنايا ... قد سباني بعارض وبصدغ
ساحر الطرف الثغ اللفظ قد فا ... ق بيان الذين هم غير لثغ
هجر الراء فهو كابن عطاء ... ليته كاسمه للهجر يلغي
قلت إذ مر كاسراً جفنيه ... دلالاً وللمقالة مصغي
كف عني زبان عقرب صد غي ... ك فقد أثخن الفؤاد بلسغ
وابر حسماً كساه جفنك سقماً ... وابغ أجرى فقال لي لست أبغي
وله أيضاً
قم يا نديمي نياكر القدحا ... أما ترى الصبح زنده قدحا
والجو صافي الأديم من كدر ... صفو امرئ في وداده نصحا
وقام من فوق أيكه غرد ... يذكرنا بالصبوح اذ صدحا
وقد أهاجت لنا الصبا شجنا ... بنشرها العنبري اذ نفحا
فحركت ساكن الفؤاد وما ... أسره الوجد فيه والبرحا
والدهر أبدى الرضى وجادلنا ... بفرصة والرقيب قد نزحا(2/172)
فانهض لنقضي من الصبا وطرا ... في غفلة اللائمين والنصحا
وعاطني قرقفا معتقة ... صهباء تنفي الهموم والترحا
من كف ظبي كأنما غفلت ... أعين رضوان عنه مذ سرحا
أحور أحوى أغن ذو هيف ... فداؤه كل من عليه لحا
قد أبدع الله خلقه فأتى ... متزراً بالجمال متشحا
وقوله من قصيدة رحمه الله تعالى
قد نشر الشرق لواء الصباح ... وجرد الأفق متون الصفاح
وعطر الأرجاء نشر الصبا ... فانتبهت كل ذوات الجناح
والروض حياه الحيا سحرة ... فابتسمت منه ثغور الأقاح
ومالت القضب نشاوى به ... كأنها تسقى بماء وراح
وقد أماط الورد عن وجهه ... نقابه والسر منه أباح
من بعد ما غطى باكمامه ... خدوده من خشية الافتضاح
والنرجس الغض غدا شاخصاً ... بنظر شزراً بعيون وقاح
والطير قد وافى على منبر ... منادياً حي على الاصطباح
فانهض فدتك الروح يا مسعفي ... بحيث ضيق الوقت فيه انفساح
وامسح بأذيال الصبا نعسة ... عن مقل سود مراض صحاح
وعاطنيها حيث رق الهوى ... صهباء من أنفاسها المسك فاح
يديرها ذو قرطق قد سبا ... بدله كل ذوات الوشاح
مختصر الخصر هضيم الحشا ... مهفهف القامة شاكي السلاح
من طرفه الوسنان مع قده ... واخجلة البيض وسمر الرماح
ذو طرة منها استعار الدجى ... وغرة منها استنار الصباح
يرنو وكأس الراح في كفه ... فيمزج الجد لنا بالمزاح
فهاكها من يده قهوة ... يسري إلى روحك منها ارتياح
فاشرب ولا تصغ لمن قد لحا ... فما على أهل التصابي جناح
وقال أيضاً من قصيدة
أدر المدامة يا سميري ... يا غرة القمر المنير
وانهض لنغتنم السرو ... ر مبكراً قبل السفور
وامسح فدتك الروح عن ... جفنيك آثار الفتور
وانزل على الوادي السعي ... د بشاطئ العذب النمير(2/173)
يلهيك عن نهر الأبلة ... والخورنق والسدير
أقول نهر الأبلة تقدم ذكره في ترجمة سليمان المدرس الحلبي وأما الخورنق والسدير فقال المحبي في كتابه قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل هو معرب خورنكاه أي موضع الشرب وقيل معرب خورنقاً قصر للنعمان ارتفاعه مائتا ذراع بناه لبعض أولاد الأكاسرة وقيل نهر بالكوفة وبلدة بالمغرب وقرية ببلخ وقد وقع ذكره في كلام الشعراء قديماً وحديثاً وأما السدير معرب سه دله أي فيه ثلاث قباب متداخلة وقيل سه دلى ويسميه الناس سه دلى فأعرب قال أبو حاتم هو السدلى فأعرب فقيل سدير قال عدي بن زيد
سره حاله وكثرة ما يملك ... والبحر معرضاً والسدير
تتمة الأبيات
حيث الربيع كسا الرياض مطارف الوشي الحبيرحيث الجداول كالمنا
طق درن من حول الخصور ... حيث الغصون كأنهن معاطف الرشأ الغرير
حيث الصبا يجري رخاء ثم ينفح عن عبيرفرعي الاله معاهدي
من جلق مغنى السرورذات المنازه والمنازل والجواسق والقصور
وسقى رياض النير بين بكل منهمر غزيرلله أوقات سلف
ن بظل وارفها المطيرمع كل سحار اللواحظ بالفتون وبالفتور
رشأ رخيم الدل فيه صولة الليث الهصورنشوان من خمر الشبا
ب يميل كالغصن النضيريحكي الغزالة طلعةوتلفتاً عند الفتور
خنث الشمائل شاطر الحركات كالظبي البهيرلم أنس ليلة زارني
في غفلة الواشي الغيوروغدا يعاطيني كؤوس حديثه دون الخمور
وبلغت غايات المنىإذ بات من أهوى سميريحتى بدا فلق الصبا
ح بظل وارفها المطير ... ألا ريحي محمد السامي على الفلك الأثير
أقول ومن هذا الروي والقافية رأيت قصائد كثيرة منها قصيد الأديب درويش الطالوي مفتي الحنفية بدمشق المشهورة التي مطلعها
أنسيمة الروض المطير ... بالعهد من زمن السرور
وهي طويلة وشهيرة ومن ذلك للشريف الرضي الموسوي مطلعها
نطق اللسان عن الضمير ... والسر عنوان الضمير(2/174)
ولأبي بكر الخوارزمي ومطلعها
ان الأولى خلف الخدور ... هم في الضمائر والصدور
ومن هذا العروض قصيدة المنخل بن الحارث اليشكري ومطلعها
ان كنت عاذلتي فسيرى ... نحو الحجاز ولا تجوري
ولإبراهيم بن المدبر قصيدة في مدح المتوكل على هذا المنوال منها قوله
يوم أتانا بالسرور ... والحمد لله الكبير
أخلصت فيه شكره ... ووفيت منه بالنذور
انتهى وله أيضاً
وافى الربيع بخبر مقدم وفم الزمان به تبسم والأرض قد لبسب مطا
رفها من الوشي المختموتنفست زهر الربافعبيرها الآفاق أفعم
وأريج أنفاس الصبا المسكي بالأسحار نسمفتخال هيمة الريا
ض إذا سرى شكوى متيمفانهض فأيام الربيع وطيبها للروح مغنم
فيم انتظارك يا فديتك والحوادث عنك نومقم فأجلها حيث الزما
ن بموسم اللذات أنعمراح يلوح بكأسهاحبب يخال كدور درهم
أو عقد در ناصع من غير سلك قد تنظمما تخيرها أنو
شروان في الزمن المقدميسقيكها رشأ رخيم الدل ذو وجه مقسم
فاشرب وداو بها جراح الهم فهي لهن مرهمبظلال ورد مثل دي
باج الخدود إذا تنمنمحيث الصباء لواؤه المنشور بالياقوت معلم
ساق كأن قوامه الخطى من لطف تجسمذو مقلة هاروت عل
م السحر منها قد تعلموالعندليب بطيب نعمتهعلى غصن ترنم
فكأنه يملى علي ... نا فضل من بالمجد خيم
وقوله من قصيدة أيضاً
نبه الصحب لأرتشاف سلاف ... وأدرها بين الندامى الظراف
وامسح الطرف من فتور نعاس ... بذيول الصبا الرقاق اللطاف
يا فدتك النفوس داو بصرف ال ... راح روحاً تعرضت للتلاف
وأسقيتها من كف ظبي غرير ... لين الملتوى قليل الخلاف
باسم الثغر أكحل الطرف المي ... أهيف القد ناعم الأطراف
مخطف الخصر يختفي البند منه ... بين طي الأعكان والأرداف(2/175)
في رياض حفت بسور تضير ... كجوار ميالة الأعطاف
باكرتها غر السحاب بصوب ... دائم السح هاطل مذراف
فغدت ذات بهجة كجنان ... حاويات محاسن الأوصاف
ناظرت زهرها النجوم فأبدت ... شكلها في غديرها الشفاف
فاغتنم فرصة الزمان فقد جا ... د بما تشتهي من الاسعاف
ما ترى الليل قد أحس بجيش ال ... صبح وافى فهم بالانصراف
وطوى بنده وشمر ذيلي ... حلة زرها على الأكتاف
وأغتدي الجو كالمرآة صفاء ... والدراري ما بين باد وخاف
وبدا الفجر ضاحك الثغر يحكي ... غرة الأمجد الكريم المطاف
وله من قصيدة
قد نبهتنا صوادح القمري ... لما ترآءت طلائع الفجر
وفاح من نسمة الصبا عبق ... يفوق رياه عنبر الشحر
والروض يختال في مصبغة ... يجر أذيالها على النهر
وسروه كالقيان إذ خطرت ... لرقصها في مآزر خضر
وهذا مأخوذ من قول ابن ظاهر الخباز
والسرو فيها كعذارى غدت ... ترقص في أردية خضر
وفي تشبيه السر وقول أحمد بن خلوف الأندلسي المالكي وهو
وسرو كزنج شمروا الذيل قد غدا ... تهزهم خفق الربابات للطرب
أذاه شطت أيدي النسيم فروعها ... ترى حللاً خضراً تزرر بالذهب
ومن ذلك قول إبراهيم الملاح
ولما رأيت السرو في الروض مانسا ... وأيدي الهوى فيه تزيد وتنقص
حسبت رفاعياً أتى قاعة الهنا ... وأسبل فيها شعره وهو يرقص
وقال الآخر
فكأنها والريح يخطر بينها ... تبغي التعانق ثم يمنعها الخجل
تتمة منها
والطل في أعين الزهور حكى ... أدمع صب أحس بالشر
والجو قد راق والمدامة قد ... رقت كطبع النديم والشعر
فانهض فدتك النفوس مبتكراً ... وهاتها قبل ضيعة العمر
صهباء تنفي هموم ذي ترح ... إن برزت كالعروس من خدر
طيبة النشر في الكؤوس وهل ... بعد عروس يكون من عطر(2/176)
يديرها أهيف القوام رشا ... فاق محياه طلعة البدر
أحوراً حوى مهفهف ترف ... مختصر الحصر باسم الثغر
وقال مضمناً بيت العباس بن الأحنف
وشادن صورته فتنة ... يصبو اليها الناسك المتقي
لم أنس وقتاً مر بي معجباً ... ينظر في عطفيه والقرطق
قلت له تفديك روحي أما ... من رحمة للمغرم الشيق
فافتر عن مبسمه ضاحكاً ... كالبدر إذ لاح من المشرق
ولم يزل يلحظني طرفه ... شرزاً من الاقدام للمفرق
ثم انبرى يشتمني لاوياً ... صفحته كالمغضب المحنق
وقال بالله أما تستحي ... انظر إلى المرآة ثم أعشق
وقال مؤرخاً
روحي الفداء لمن يلوح البدر من ازرارهرشأ كحيل طرفه
قد ناب عن بتارهسلب العقول بسحرهويلاه من سحاره
متبسم عن واضحعذب اللمى معطار مثل المعاطف قد سقا
هـ الدل كأس عقارهيغزو الفؤاد بقامةأغنته عن خطاره
فاق الغزالة طلعةقد ذبت خوف نفارهغصن نضير غير أن
الصبر جل ثمارهما ضر لو زار المتيممع دنو دياره
شغف الجمال به فصار القلب من أنصارهوكساه من استبرق
حللاً على مقدارهوأتى الكمال بلا ذوردحله بنضاره
وغدا ينمنم عارضيه من لطيف نثارهحتى بدا الوشي البدي
ع الوصف من آثارهفي طرس خدار خوه أجاد مسك عذاره
وقال أيضاً
أجل صدى النوم عن الأعين ... واستقبل الأنس بوجه سني
وباكر اللهو زمان الصبا ... سقياً له من زمن محسن
وأنهض لوادي النيرب المشتهي ... وأنزل على جانبه الأيمن
في روضة غناء مطلولة ... أفنانها تحكيك أذتنني
فالليل قد مزق سرباله ... مذ طلع الفجر من المكمن
وأقبل الصبح على أشقر ... يختال في ديباجه الأدكن(2/177)
فاستجلها حيث نسيم الصيا ... يعبث بالورد وبالسوسن
راح كذوب التبر في كأسها ... قد كللت بالجوهر المثمن
يسعى بها أغيد ذو غنة ... يدعى شقيق الشادن الأرعن
ريم من الأعراب طاوي الحشا ... هميانه من حدق الأعين
تياه يعتم ببوشية ... منسوجة بالذهب المفتن
مسكية دارت على وجهه ... فهو بها كالبدر في الموهن
أحسن من تاج نفيس على ... كسرى أنوشروان أو بهمن
قد رنحت أعطافه في الصبا ... فاهتز يزري الغصن الألين
يبدي ابتسام الثغر في خفية ... صوناً لعقد فيه مستمكن
هذا ومن ألطف ما قد بدا ... في وجهه من حسنه المتقن
إن الشفاه اللآء من دونها ... وشم على كنز اللآلي السني
قفل من اياقوت مفتاحه ... من رائق الفيروزج المعدني
ساق صبيح حسن فاتن ... بكل عضو منه مستحسن
يسقيكها راحاً كنيل المنى ... فاشرب على ورد الخدود الجني
وأنشد من الأشعار ما قد حلا ... لفظاً وما خف على الألسن
واشرب وطب نفساً ولا تيأسن ... من رحمة البر الغفور الغني
وإن قول الحق جل اسمه ... قل يا عبادي حجة المؤمن
وقال أيضاً
لا تعجبوا إن ريحان العذار بدا ... في وجنة صاغها الرحمن وابتدعا
وإنما طوقة السمور قابلها ... فشكله في حواشيها قد انطبعا
ومثله للشهاب الخفاجي
وظبي من السمور ألبس فروة ... ومال كما هزت صبا سحرة سروا
والأعيون الناس من دهشة به ... تخايل أهداباً فتحسبه فروا
وللمترجم
شمس جمال غربت مذ بدا ... ليل عذارى فلقى كل ضير
والحسن قد قال لعشاقه ... مساكم الله تعالى بخير
وله
لا نظن الذي ترى بمحيا ... فتنة الخلق عارضاً مستديرا
إنما طير حسنه حل روضاً ... يانعاً فوق وجنتيه نضيرا(2/178)
فأغتدى ناشراً جناحيه لكن ... لست أدري يقيم أو أن يطيرا
ويقرب منه قول الأديب أحمد الشاهيني الدمشقي
ومذ تبدى الشعر في وجهه ... بدلت الحمرة بالأصفرار
كأنما العارض لما بدا ... قد صار للحسن جناحاً فطار
وللمترجم
روضة حسن جف نوارها ... واستحصد النب بها واستطاب
أما ترى نمل عذاريه قد ... دب لكي ينقل حب الشباب
وفي معنى ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
لا تحسبوا شامة في خده طبعت ... هاتيك حبة قلب زاده حبا
فدب ينقلها نمل لعذار له ... والنمل من شأنه أن ينقل الحبا
وللمترجم
وحديقة إحداق نرجسها غدت ... مكحولة بمراود الأمطار
حفت بورد شق عنه كمامه ... كالخد يزهو باخضرار عذار
بسط الربيع بها مطارف سندس ... قد رصعت بجواهر الأزهار
حتى إذا حاز الشروق وقد جلت ... ثغر الأقاح نسيمة الأسحار
جرت عليها الشمس ذيل شعاعها ... فتحاً لها قد موهت بنضار
أقول لي في هذا المعنى وهو معنى البيت الأخير بيتان كنت نظمتهما في جنينة بني العمادي الكائنة خارج دمشق بمحلة باب توما ولم أعلم أن صاحب الترجمة سبق الي هذا المعنى وابتكاره الأبعد ان نظمتهما وأودعتهما داخل أحد مجاميع شعري وهما قولي
قم بي لروض الزهر يا صاحبي ... نغتم زمان الصفو في ذا النهار
فالشمس في وقت أصيل لقد ... ألبست الروض مروط النضار
وللمترجم
عند الصباح سألت الورد يكشف عن ... باهي المحيا الذي بالكم قد حجبا
فضم لي انملاً خمساً يمهلني ... حتى ترى الشمس مدت مطر فاذهبا
وقال
ووردة حمراء قد ركبت ... في وسطها نرجسة ناضرة
كوجنة رائقة قد بدا ... بها مثال المقلة الناظرة(2/179)
وقال
وكأنما الورد الجني إذا انتهى ... وتناثرت أوراقه عن نظمها
خود زهت بغلائل من سندس ... تغري المشوق بضمها وبلثمها
هب النسيم فراعها فتساقطت ... تلك الدنانير التي في كمها
وقال
لا تحسب الورد من ضعف المزاج إذا ... هب النسيم عليه فهو ينفتر
وإنما الورد في أبانه ملك ... ذو شوكة وبه الأزهار تفتخر
إذا نسيم الصبا وافاه مجتدياً ... يلقي له ألف دينار ويعتذر
وقال أيضاً
والشمس عند شروقها ملك له ... وجه البسيطة جنة ينتابها
والورد كالحور الحسان تنقبت ... بزبرجد فنما بها اعجابها
لما تبدى راعهن جماله ... فانزاح عن وجناتهن نقابها
وقال
بوجنة الورد شمس الأفق قد شغفت ... فقبلتها بلا خوف ولا حذر
لكن رأت أثر التقبيل يفضحها ... فنقطتها بدينار على الأثر
وقال أيضاً
تأن جهدك في كل الأمور ولا ... تضجر إذا سمت بحر الخطب قد ماجا
من لم يكن ذا أناة في مآربه ... لم يكس من ورق الفرصاد ديباجاً
وقال
وما كرب ظمآن بري الماء قربه ... فتمنعه عنه الأفاعي القواتل
بأعظم كرباً من شيخ ذي صبابة ... بأغيد تستولي عليه الأراذل
وقال
وثقيل روح بالمرأة مولع ... سمج المحيا هاذم اللذات
أهديته من صيد بازي بومة ... يغنيه منظرها عن المرآة
وقال أيضاً
حبذا النرجس النضير إذا ما ... راح يحكي لأعين النظار
معصماً من زبرجد وأكفاً ... من لجين واكؤساً من نضار
وقال
ذوو الكمالات والآداب ليس لهم ... حظ من الغيد غير المقت والضرر
وأرذل الخلق منهم نال بغيته ... إن الخنازير ترعى أطيب الثمر(2/180)
وقال أيضاً
زاح شر يوشه عن الفرع يوماً ... فتدلت لخده أطرافه
شبه أوراق جنة قد أظلت ... ورد روض يشفي العليل اقتطافه
وقال فيمن سأله عن تحفة العشاق
عن تحفة العشاق جاء مسائلي ... رشأ يكف السحر بالأحداق
فأجبته يا من فتنت بحسنه ... هل ثم غيرك تحفة العشاق
وقال
يقولون لي صف من هويت مع اسمه ... فقلت ومن في لجة الحب القاني
حكى البدر وجهاً قد أدار لفتنتي ... على جانبيه شده الأحمر القاني
ومن شعره
فسما بالحواجب النونيه ... وافتراز المباسم الميميه
والثنايا التي تصان بياقو ... ت شفاء عقودها لؤلؤيه
ووجوه كأنهن رياض ... مشرقات تحكي الشموس المضيه
إن حالات من تتيم بالحب ورام الكتمن ليست خفيه
بأبي الاغيد الذي قد أثارت ... فتنا واو صدغه الملويه
رشأ قد اراش من هدب جفني ... هـ سهاماً لها فؤادي رميه
عربي الألفاظ يتسلب العق ... ل بسحر اللواحظ التركيه
وبوجه كطلعة البدر يزهو ... بخدود وردية عندميه
بهج مشرق حوى قسمات ... تحت تضعيف طرة مسكيه
مترف لين المعاطف يهتز ... دلالاً كالصعدة السمهريه
أهيف القد مخطف الخصرعبل ... الردف حلو المراشف الالعسيه
وكان الخال الذي شرف الله ... به ثغره فحاز المزية
حبشي رام التنزه فارتا ... د له أحسن البقاع البهيه
فاغتدى بين روضة وغدير ... قرب مسرى أنفاسه العنبرية
أقول هو مختلس من قول بعضهم
وبين الخد والشفتين خال ... كزنجي أتى روضاً صباحا
تحير في الرياض فليس يدري ... أيجني الورد أم يجني الاقاحا
وقريب من هذا قول ابن التلمساني(2/181)
كأنما الخال على خده ... إذ لاح في سلسلة للعذار
أسود يخدم في روضة ... قيده مولاه خوف الغرار
تتمة منها
أيد الله دره من حبيب ... صلف لم يدع لصبري بقيه
قلت اذمر بي ضحى يتهادى ... ساحباً ذيل حلة موشيه
يا فدتك الأرواح صبحك ... الله بخير وألف ألف تحيه
راقب الله في فؤادي واكفف ... عنه أسياف لحظك المشرفيه
وتحنن ولو بطيف خيال ... واحي صبا مشافها للمنيه
إن من كنت الغه دام في أر ... غد عيش صباحه والعشيه
فانثنى ضاحكاً وقال رويدا ... أنا أدرى بكنه هذي القضيه
وقال
قد كنت حصلت فصلامن العتاب المنوعوقلت إن زار يوما
أقول ذاك ليسمعحتى إذا ما اجتمعنانسيت ذلك أجمع
هو مأخوذ من قول بعضهم
وقد كان عندي للعتاب دفاتر ... فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا
وقال
قد كان شحرور خال الثغر مسكنه ... بروض وجنة من قد حرت في صفته
لكن رأى المنهل الصافي بمرشفه ... فانقض للورد واستعلى على شفته
وله غير ذلك من الشعر وكانت وفاته بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى
سليمان المنصوري
سليمان بن مصطفى بن عمر بن محمد الحنفي القاهري الشهير بالمنصوري مفتي السادة الحنفية بالجامع الأزهر وخاتمة الفقهاء الحنفية بالديار المصرية الشيخ الإمام الفقيه المفنن الأوحد البارع أبو الربيع بهاء الدين ولد سنة سبع وثمانين وألف وتفقه على كل من الشيخ شاهين بن منصور الارمنازي وعبد الحي ابن عبد الحق الشرنبلالي وأبي الحسن علي بن محمد العقدي وعثمان ابن عبد الله النحريري وعمر الدفري الشهير بالزهري وقائد الابياري شارح الكنز وغيرهم واشتهر أمره وبعد صيته وعلا ذكره وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى وأموات(2/182)
المسلمين آمين
سليمان المجذوب
سليمان المعروف بتش تش بتاء وشين ثم تاء وشين الدمشقي الشيخ المجذوب المعتقد المستغرق الولي المبارك كان من المجاذيب والياء الله تعالى وله كرامات وأحوال عجيبة وكانت الناس تعتقده وإذا مر في الأزقة يسرع في المشي وإذا رأى أحداً من الناس يطلب منه دانقاً فبعضهم يقصد مداعبته فيعطيه درهماً أو دينار فيمسح يده منه ويحقه حتى يعطيه إياه ولا يقبل سوى الدانق فيهرب مه المعطى وهو لحقه مسرعاً حتى يعطيه ذلك وكانت الأولاد تجتمع عليه وكان يتكلم بسرعة وغالب أوقاته يكون في سوق البزورية تجاه حمام نور الدين عند باب دار بني المزور وكان دائماً مكشوف الرأس محلوق شعر الرأس واللحية والشوارب وإذا اجتمعت عليه الأولاد يفر منهم ويصرخ وهم يصرخون عليه تش تش فصار ذلك لقب له وفي آخر أمره قبل وفاته بنحو سنتين انقطع في داره وصارت غالب الناس يزورونه بها لعارض حصل له في رجليه وتغير في مرضه حاله للسكون وصار يتكلم بكلام منظوم دون عادته الأصلية واستقام في داره إلى أن توفي في سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته آمين
حرف الشين
شاكر العمري
شاكر بن مصطفى بن عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان بن جلال الدين العمري المعروف بابن عبد الهادي الحنفي الدمشقي أحد الأفاضل البارعين بفنون الأدب كان أديباً أريباً عرافاً حاذقاً لطيفاً نبيهاً فاضلاً صاحب نكت ونوادر حسن المطارحة رقيق الطبع مع خط حسن وإنشاء بديع في اللغة العربية والتركية وكن له نظم رائق وحسن مذاكرة ولد بدمشق في ليلة الثلاثاء بعد العشاء بساعة ونصف السادس عشر من شوال سنة أربعين ومائة وألف وتفوي والده وهو صغير عمه ثلاث سنين وكذلك والده لما توفى والده الشيخ عبد القادر كان صغيراً عمره ثلاث سنوات وهذا من عجيب الاتفاق فنشأ المترجم يتيماً كما نشأ والده يتيماً وقرأ القرآن وأخذ الخط حتى أتقنه ومهر بصناعة الشعر ولازم الاستفادة والدروس ومن مشايخه الشيخ أحمد المنيني والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية ابن عبد الرحمن والشيخ محمد العبي والشيخ أبو الفتح العجلوني والشيخ أحمد التونسي المغربي نزيل دمشق وغيرهم وبرع وتفوق وحصل فضلاً مع أدب أينعت رياضه وراقت حياضه وكمالات ومعارف تفيأ في ظلها الوارف ثم ارتحل إلى اسلامبول واستقام بها مدة سبع سنين ينسخ ويقابل الكتب مع أركان الدولة الذين كان يتردد إليهم وأخذ(2/183)
بها بعض العلوم وقرأ على بعض المحققين ثمة ولما توفي أحمد البقاعي نزيل اسلامبول أخذ وظائفه ووجهت عليه لموته عن غير ولد وكانت على البقاعي نصف قرية بسيما من نواحي دمشق بطريق المالكانة فوجهها الوزير محمد راغب باشا صدر الدولة إذ ذاك للمترجم أيضاً والسبب في إعطائها له إنشاء المترجم مكتوباً عن لسان الوزير المذكور إلى شريف مكة فوقع عند الوزير موقع الهيبة والقبول وقابله بالمالكانة المزبور وصارت له رتبة الخارج من شيخ الاسلام المولى فيض الله دامادزاده مفتي الدولة ثم لم يزل يتنقل إلى أن صارت له رتبة ابتداء التمشلي في دمشق وأعطى قضاء جبلة على طريق الاربلق بسعي وهمة من المولى إسحق منلاجق زاده قاضي العساكر في روم ايلي لكون المترجم من اخصائه ومنسوبيه وتولى بدمشق القسمة العسكرية ونيابة محكمة الباب مراراً وفي آخر أمره ترك ذلك ولازم العالم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وتلمذ له وأخذ عنه وقرأ عليه التصوف وحضره في التفسير وغيره إلى أن مات وكان رحمه الله إذا حضر بمجلس يبدي الحكايات المستظرفة والنكات اللطيفة وبالجملة فقد كان من الأفاضل والأدباء وله شعر حسن فمن ذلك قوله مشطراً قصيدة العارف بالله محمد بن إسرائيل الدمشقي ومطلعها
غنها باسم من إليه سراها ... كي تراها تطير في مسراها
واذكر المنزل الشريف لديها ... تغن عن حثها وجذب براها
ثم عدها عيون حمزة وردا ... تعد شوقاً إلى شفاء جواها
فلديها تلك المناهل تروى ... فهي تشفى لا ماء صدى صداها
طالعات من الثنايا سراعا ... تتهادى والشوق قد انضاها
ليس تثنى عن المنازل عزما ... لو تبدى لها الردى ما ثناها
ناجيات من المفاوز نصبا ... ناصبات آذانها لحداها
قد أماطت أزمة الصبر عنها ... والمطايا نجاتها في نجاها
جاعلات ريف الشآم وراء ... منذ شامت من طيبة أضواها
وترامت تفلي الفيافي شوقاً ... حين أمت من الحجاز هواها
قد وصلن الهجير والآل قصدا ... قاطعات من الغرام كراها
ثم واصلن يومها بالليالي ... وهجرن الظلال والأمواها
كلما خفن في القفار ضلالاً ... حفها النور فاهتدت بسراها
ماذا ضلت المفاوز يوماً ... لاح برق من طيبة فهداها
حيث نور الهدى بلوح سناه ... ورياح الندى يفوح شذاها(2/184)
أيها الظاعنون دعوة صب ... صب دمعاً والعين قد أجراها
قد أضر البعاد فيه وهذي ... نفسه كثر الخطايا خطاها
كم تمنت لقاء تلك المغاني ... فالأماني للنفس ما تهواها
ولكم حاولت وصالا لقرب ... وتحول الأقدار دون مناها
وإذا ما دنت بنية صدق ال ... قلب قرت عيونها إذ نواها
ولئن جادها القبول بحسن القص ... د والشوق لم يضرها نواها
خفف الله عنكم ثقل السي ... ر حداة المطي في مغناها
ولقيتم في سعيكم وافر الخي ... ر ووطا سبيلكم وطواها
وسقاكم على الظما سبيل الغي ... م وروى ركابكم وشفاها
وحماكم في السير من عنا العيث ... وقوي ركابكم في قواها
إن رحلتم من بئر عثمان نيلاً ... قاصدين الخيام مع ما حواها
وطويتم تلك الفيافي سراعاً ... والمطايا قد خف ثقل مطاها
ثم شارفتم النخيل صباحاً ... وشهدتم من المغاني علاها
وتراءت منارة المسجد الأش ... في لقلب المشتاق نور علاها
ورأيتم أنوار ساكنه الأش ... رف والحجرة المنير سناها
حبذا ذاك من صباح سعيد ... قرت العين فيه في لقياها
ياله من لقاء فوز ونحج ... تحمد العيس عنده مسراها
عندما تهبطون خير بلاد ... تر بها في العيون كحل جلاها
قد حوت أفضل البرايا جميعاً ... أرضها بالسمو تعلو سماها
بلدة حلها ضريح كريم ... يخلى الجلال قد حلاها
فيه بدر الدجى وشمس المعالي ... صفوة الله قبل خلق براها
وهو هادي الورى ببعثة حق ... والذي نوره جلا الاشتباها
سيد المرسلين أحمد خير النا ... س والمرتجى ليوم عناها
الرؤف الرحيم ذو الحمد أسمى ... الخلق طراً من كهلها وفتاها
فابلغوا ذلك الجناب سلاماً ... حين تاتوا الأعتاب منه شفاها
بلغوه كما يليق التحايا ... وصلاة بهولكم رباها
وهي طويلة تنوف على مائة وثلاثين بيتاً ومن شعره قوله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية المولى ولي الدين حين(2/185)
ولي الافتاء في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف المرة الأولى بقوله
زهر العلا من مطلع التمكين ... حلت بسعد في الهدى مقرون
أبدت لنا بالبشر أنوار الهنا ... يجلي على الأفضال بالتبيين
يزهو بها برج الهنا وبصفوها ... ثغر المعالي مشرق الترصين
دانت بعليا من صفا بعلومه ... للخلق سبل الفرض والمسنون
كل الورى بالشكر تبدي مذ سما ... حمداً بأدعية مع التأمين
الله أسماه إلى شرف العلا ... بالسعد والتوفيق والتزيين
لله ما أذكاه من متورع ... كالبدر بل كالليث وسط عرين
رد الضلال إلى مشارع شرع من ... جلت شعائره عن التوهين
حتى لقد أسدى فأحيى عافياً ... وأبان للسؤال طرق الدين
مهما يرم أحد لنائل جوده ... دهراً يصب من دره المكنون
نالت به الفتيا مفاخر إذ بدا ... كالليث يحمي وردها عن دون
بالسدة العلياء من أعتابه ... ممتاز حق عن هوى المفتون
أمته قاصدة على جنابه ... تعنو له إذ كان خير أمين
لما رأته بدر فلك سمائها ... وجمالها وافته في تمتين
تدعو لسؤدده العباد وترتجي ... جود الآله لشخصه المأمون
وتقول هذا سيد العلماء من ... هبت خلائقه بحسن شؤون
فالبحر من أقلامه والدر من ... أفضاله قد جل عن ثمين
ومن شعره
قوله وامتدحني بها حين توليت الأفتاء بدمشق ومطلعها
هل لجفن أضحى حليف السهاد ... غير طيف يجود غب البعاد
يا لقلبي من الغرام فوجدي ... شب فيه مشيب الأفواد
طال شوقي إلى اللقاء ومن لي ... بالتداني لظل هذا النادي
يا رعى الله شملنا في رياض ... حيث ورق السرور في الأعواد
وغياض قد كللتها زهور ... مشرقات كالدرر في الأجياد
والهوى قد أمال منها غصوناً ... كقدود الحسان عند التهادي
وبها الماء والأزاهير راقت ... وتسامت بالورد والأوراد
حيث كنا ندير خمر المعاني ... بكؤوس الانشاء والانشاد
والأماني لنا سوانح فكر ... سطرتها الرواة في الايراد(2/186)
وترانا نميد في سوح فضل ... بيان يشفي غليل الصوادي
يالها من رياض أنس حكاها ... شعب بوان نزهة الوراد
فكان الزهور فيها استعارت ... عرف خيم الهمام نجل المرادي
وكأن الطيور تملي علينا ... وصف زاكي النجار سامي العماد
وكأن الأنهار تجري لتحكي ... غيث فضل من ذهنه الوقاد
عين شمس الفخار خدن المعالي ... وخليل الاسعاف والاسعاد
منها
يا هماماً سما بفضل وجود ... وكمال من ساعة الميلاد
فاعف واصفح عن القصور وسامح ... شاكراً قد أتى بنغبة صادي
وتهنا لدى المعالي بفتوى ... بل لها البشر بل لكل العباد
آل بيت المرادي دمتم ودامت ... في حماكم مطامح القصاد
فلأنتم شموس جلق حيث ... الفضل فيكم من النبي الهادي
وأنشدني من لفظه لنفسه متوسلاً
يا نبياً له السنا والسناء ... أنت للخلق نعمة غراء
يا رسولاً إلى العوالم طرا ... حيث من فضل نورك الابتداء
كن مغيثي يا سيدي ومعيني ... في زمان عنى به الأكداء
فلقد أثقل الظهور ذنوب ... طال منها البلاء لي والعناء
ليس الا علاك أرجو مجيراً ... يا شفيع العصاة أنت الرجاء
وعليك الآله صلى دواماً ... مع سلام لا يقتفيه انتهاء
وعلى الآل والصحابة جمعاً ... ما تغنت حمامة ورقاء
وله في أعرج ارتجالاً
قال العذول لقد شغفت بأعرج ... في مشيه غمز حوى كل السرف
فأجبته ما ذاك من عيب به ... ذا غصن بان مال نحوي وانعطف
قد شام من شعاقه أيدي المنى ... لعبت بملعب خصره فلذا انحرف
ولما قدم دمشق من الروم أحد الموالي الرومية العالم الشاعر الأديب المولى السيد يحيى المعروف بتوفيق قاضياً لدمشق اصطحب معه المترجم واختص به وأقبل عليه بكليته وكان المترجم له اختلاط بأبناء الروم لمعرفته لأحوالهم في استقامته باسلامبول وهكذا عادته فلما انفصل من القضاء وعاد ثانياً قاضياً بمكة المكرمة أهدى للمترجم هدية فكتب إليه صاحب الترجمة(2/187)
أهديتني فهديتني للحمد إذ ... أوليتني رفعاً على التحقيق
وكسوتني ما لا أقوم بشكره ... أنواع ألبسة العلا الموموق
فالعذر لي في كل حال انني ... في الوصف محتاج إلى التوفيق
وكتب إليه معمياً باسمه بقوله يحيى توفيق وهو
أيا من فاق احساناً وحسناً ... وقد أربى على البدر التمام
متى توفي بقصد دون صد ... ترى بختي يعيش على الدوام
وأنشدني من لفظه لنفسه قوله
وعند ولي عن زيارته لنا ... وقد زرته وقت المصيف وفي المشتى
فقلت له لا غرو في ذا لأنه ... مثالي من يأتي ومثلك من يؤتى
وأنشدني قوله في فوارة ماء بقربها الثريا المصنوعة من القناديل
انظر إلى فوارة قد أبدعت ... رقصاً حلا بيد النسائم تهصر
فكأنما هي والثريا جنبها ... تومي للثم خدودها اذ تخطر
حسناء تاهت بالدلال فكلما ... قربت من الصب المتيم تنفر
وله قوله
يا خير خلق الله يا من فضله ... عم البرايا حيث كان لها شفا
أنت الذي داوى القلوب برحمة ... من دائها ولها بحق قد شفى
أنت الذي نجى الورى من بعدما ... كانوا لدى زيغ الضلال على شفا
صلى عليك الله ما تليت لنا ... أوصافك الغراء وما قرئ الشفا
وأنشدني معنى ابتكره فأجاد وهو قوله
قد قال لي الظبي مذ تبدي ... نمام وشي العذار عارض
من دولة الحسن قد أتاني ... خط شريف بذي العوارض
ومن شعره قوله مشطراً
وزارني طيف من أهوى على حذر ... مناد ما بعتاب لذاذ لطفا
يبدي الرضى باسماً عن ثغري جزع ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقط من حولي به فرحاً ... لما أتى في برود الحسن ملتحفا
والقلب في عشقه زادت بلابله ... وكاد يهتك ستر الحب لي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تحتيل لي ... وصلا فما زار حتى مر وانصرفا
يا للهوى ما أتى الا ليحكي لي ... نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا(2/188)
وكتب إلى بعض أصحابه مستنجزاً وعده بالبطيخ ومداعباً
حسبي من المولى مقالة موجز ... والوعد أكرم شيمة للمنجز
مولاي يا من فضله جادلنا ... وسما بعز للقريض معجز
قد بت ليلي أشتكي حر الظما ... لا أرتوي الا بطيب الخريز
ولقد نصبت الأذن نحو الباب مر ... تقباً لآت حالة المستوفز
من بعدما مهدت في بيتي له ... كنا حصيناً مانعاً بتحرز
ومنعت نفسي من دخولي سوقه ... وانفت من سومي به وتجوزي
وشرعت اأخذ أهبتي للقائه ... وجعلت عند الباب يوماً مركزي
حاشى وعودك سيدي من أن ترى ... الا على الاسعاف للمستنجز
فابعث بها كبد ورتم أشرقت ... تروى الأوام بجوفها المتحزز
حمر وصفر عن بياض نزهت ... وزهت بخضرة جلدها المتطرز
وأسلم وسدولك البقا تختال في ... اسمي محل بالسعود معزز
وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته في ظهر يوم الاثنين السادس والعشرين من ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بعد عصر اليوم في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
شعبان الصالحي
شعبان بن محمد الشافعي الصالحي الدمشقي الشيخ الفاضل الفقيه الدين الناصح الورع الكامل المتواضع كان كثير الحيا حسن الهيئة وكتب بخطه كتباً كثيرة قرأ وتفقه وقرأ الفرائض والحساب وشيأ من النحو وأخذ في بداية أمره عن الشيخ علي القبردي الصالحي وعن الشيخ محمد البلباني الصالحي وعن الشيخ القاضي حسين العدوي الصالحي وخطب في جامع الماردانية وأم بمدرسة التابكية وكان عليه وظائف ولم يزل على حالة مرضية إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالصالحية رحمه الله تعالى.
السيد شعيب الكيالي
السيد شعيب الكيالي بن إسماعيل المعروف بالكيالي الشافعي الأدلبي العالم الفاضل كان أديباً أريباً محققاً هشابشاً لطيفاً عفيفاً من رآه تحقق علو نسبه ولد بأدلب سنة ست عشرة ومائة وألف وقرأ على أفاضلها ثم ارتحل إلى دمشق وقرأ على علمائها(2/189)
وقدم حلب في سنة ثلاث وأربعين ونزل بالمدرسة العثمانية وقرأ على مدرسها الشيخ محمود الانطاكي ومهر في عدة من الفنون وله رسالة في التصوف سماها الدر المنضود في السير إلى الملك المعبود وشرح على صلوات بن مشيش وله مختصر في فقه ابن ادريس رضي الله عنه سماه تدريب الواثق إلى معاملة الخالق وله شرح لطيف على دالية ابن حجازي وغير ذلك وأما نسبته إلى الكيال فهو جده الأعلى ولي الله تعالى الشيخ إسماعيل الكيال البلخي الأصل قدس الله روحه له كرامات ظاهره وقبره معروف بقرية من أعمال حلب تدعى طربنا وهو إلى الآن يزار وكان صاحب الترجمة له أدبية وشعر أكثره في الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله مضمناً بيتي حسان رضي الله عنه
أهيل الود هل منكم وفاء ... وهل جرحي له منكم براء
سلبتم بالنوى قلبي ولبي ... وهل للمرء دونهما بقاء
قد استولى على كلى جواكم ... ومالي عن تعشقكم غناء
إذا ما لامني اللاحي بلوم ... أفوه له بان قل ما تشاء
هيامي ليس لي منه براح ... وصبري ليس لي عنه انثناء
فكيف وقد جبلت على هواهم ... وعهدي لا يغيره الضناء
فهم للروح إن ظمئت رواء ... وهم للعين إن رمدت جلاء
أيا سكان طيبة إن فيكم ... يطيب لي التمدح والرثاء
نأيتم عن عيوني واحتجبتم ... فهلا كان لي منكم لقاء
فبعد الدار عنكم هد حيلي ... وشيبني وما تم الصباء
على قلبي تجلى من حماكم ... حبيب قد تغشاه البهاء
جميل لا يشابهه جمال ... منير لا يقاربه سناء
يعير البدر عند التم نوراً ... وهل الا به ذاك الضياء
به الغبراء جاءت ثم قالت ... ومن مثلي فهاتي يا سماء
نبي هاشمي أبطحي ... قريشي يمازجه الزكاء
منها
وما إن جئت أمدحه بنظمي ... ولكن فيه للنظم الثناء
به الألفاظ تنفد والسجايا ... لعمر أبيك ليس لها انتهاء
رسول الله ما مدحي بواف ... وأين المدح مني والوفاء
رقيت من الكمال إلى مقام ... علي لا يقاربه علاء(2/190)
وكيف وقد ملكت زمام حسن ... بشطر منه جاء الأنبياء
فأحسن منك لم ترقط عين ... وأجمل منك لم تلد النساء
ولدت مبرأ من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
محياك الجميل له ثناء ... لطلعتها حكتك به ذكاء
رسول الله يا غوث البرايا ... وملجأها إذا عم البلاء
شعيب قد ألم به خطوب ... يضيق الصدر عنها والفضاء
ومنها
ضعيف عاجز قلق ذليل ... له جرع الأسى أبداً غذاء
وقد فقد القوي كلا فأضحى ... وثكلى في كآبتها سواء
حزين دائماً حتى إذا ما ... جلاه الصبح كدره المساء
ومنها
له دارك رسول الله غوثاً ... إذا ما بالذنوب غدا بجاء
عليك الله صلى كل آن ... مع التسليم ما لاحت ذكاء
كذاك الآل والأصحاب جمعاً ... دواماً لا يرى لهما انقضاء
وله عدة نبويات عشقتها الأرواح والنفوس واتخذتها الأحباب تمائم فوق الرؤس وأما غزلياته فقليلة من ذلك قوله
وظبي من ظباء الأنس وافى ... بوجه يخجل البدر الاتما
وخد فيه جمر شاب ثلجاً ... فواعجبي لجمر جامع الما
وثغر قد حوي دراً وشهداً ... فواظمائي لشهد صار طلما
وجيد زانه خال كمسك ... وقد ما برا الا وأدمى
منها
سكرت ولم يكن في الحان خمر ... سوى الألحاظ حين إلي أومى
فقلت له وقلبي لم أجده ... لدي وكيف قلبي منك علما
فقال وكم لمثلك من فؤاد ... عليه قد وضعت يداً ورسما
ولكن أنت طب نفساً فإني ... أمين لا أخون العهد ظلما
وله غير ذلك وهذا ما وصلني منه وفي سنة اثنين وسبعين ومائة وألف أراد الحج من جهة مصر فأدركته الوفاة في الطريق رحمه الله تعالى.(2/191)
حرف الصاد
صادق بن بطحيش
صادق بن مصطفى بن عبد المحسن بن أحمد بن محمد بطحيش الحنفي العكي مفتي عكة الشيخ العالم الفاضل كان فقيهاً فرضياً له مشاركة في غالب الفنون ولد في سنة تسع عشرة ومائة وألف وأخذ عن خاله العلامة الشيخ أحمد العكي وليس له من التصانيف سوى رسالة مختصرة في التوحيد توفي في محرم افتتاح سنة ثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
صادق الخراط
صادق بن محمد بن حسين ابن محمد الشهير بالخاط الحنفي الدمشقي الشيخ اللوذعي العالم الماهر المفنن السابق في حلبة ميدان الأدب والكمال الفاضل الأديب الألمعي الشاعر كان من دهاة الدهر في الأمور الخارجية عارفاً بالأحكام الشرعية وله اليد الطولى في معرفة تنميق الصكوك والتوريق بحيث إنه انفرد بوقته في هذا الفن وله القدم الراسخ في فن الأدب وشعره كثير وكان يتولى نيابة محكمة الباب ولازم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وتزوج بابنته واتصل بها وأخذ عنه وعن غيره ودرس بالمدرسة العمرية مدة قليلة وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أديب قوافيه ثابتة الأوتاد ودون تخيلاته خرط القتاد استبد بالمعاني فلم يبق بها عليه حوج واستعد لها فارتقى أفقها وإليه عرج فهو بها لا تكاد تخطئ حججه ولا يخاض تيار غوره ولا لججه فما تقاعس عليه أمر الا وذلله بتدبير ولا ناواه امرؤ الا وأغرى على تدميره الا أن الكمال حشواها به والفضل مستودع ايجازه واسهابه فعنده ضالة الآداب تنشد ومنه تلقط الفرائد إذا أنشد وناهيك بمن منذ ترعرع سعى للأدب على قدم وساق وراض طرفه في ميدان البراعة وساق فقرطس بسهام اختراعاته أغراضها وشفي بنفثاته عللها وأمراضها ولم يزل على ذلك الانهماك حتى كاد أن يتناول السماك وقد ولته الثمانون أذنابها وأبدت له المنايا نواجذها وأنيابها فتوارت شمس عمره بالحجاب ودعاه داعي ربه فأجاب وله من النظم ما يستعبد أباً عباده ويحلي به الزمان أجياده اطلعت من ذلك على مجموعه بخطه اخترت منها ما هو كالزهر نبهه الندى بنقطه انتهى مقاله ومن شعره قوله معاً رضا قصيدة أبي بكر العمري التي أولها
لو تم لي في الحب سعدي ... يا حب ما أخلفت وعدي
وقصيدته مطلعها
لو كان صبري فيك يجديلجعلته زادي وورديلكنني أيقنت أن
مدى جفاك بغير حدوعلمت مذ بعد المزار بأن سهم البين يردي
يا غائباً طالت مكابدة النوى وعدمت رشديبالله قل لي ما الذي
يا بدر أوجب طول صدىلم أرد ما ذنبي لديك فلم ترى أنسيت عهدي
كم ذا أبيت بليلة الملسوع أشكو حر فقديوإلى متى أرتاع من
وشك النوى وأليم بعديوإلى م توعد بالوصال ولا تفي يوماً بوعدي
أتظن لي عمراً يطول به أبلغ منك قصديهيهات قد طال المدى
من أين لي عمر ابن معدييا هاجري من نار هجرك في فؤادي أي وقد
سل أنجم الليل البهيم فإنها أدرى بسهديوسل العقيق عن المدا
مع والغضا عن نار وجدييا صاحبي قفا بعيشكما على هضبات نجد
واستخبر أعمن نأىعن ناظري وخان عهديظبي جعلت كناسه
قلبي وأحشائي وخلديفارقته ووددت لوعند الفراق سكنت لحدي
يا للهوى هل مسعدأشكو له ما بي وأبدييا بان وادي الجزع لو
أنصفتني ما خنت وديمل مثل ميلي أوفد عني في هواه أميل وحدي
أنا عاذلي قد عاف لومي مذ رآه غير مجديأنا ينثني غصن الأرا
ك لذكر أشواقي ووجديويذوب رضوي إن بثتله جوي في القلب عندي
أنا بلبل الأدواح يذهل عند تغريدي ونشديأنا حاسدي فيه رثى
لي وعذولي العذر يبديمنهالست الذي أسوا هوا
هـ ولو بليت بألف جهدكلا ولا أنسى زماناً فيه قد وفى بوعدي(2/192)
في ليلة قد زارنيفيها وأشرق بدر سعديفضممت منه معاطفاً
وشحتها زنداً بزندومنهايا قلب دع عنك العنا
واصبر لما الأيام تبديلا يوم الا مثلهيوم يقابله بضد
وله معارضاً قصيدة الأديب السيد محمد القدسي الدمشقي على ذكر غالب أنهار دمشق ورياضها بالتورية لأن القدسي الدمشقي المزبور يدعى بابن الخصيب وقصيدته مطلعها
يا نسمة لثمت حبيبي ... وتمسكت منه بطيب
وقصيدة المترجم
يا نسمة الروض الخصيببالنيرب الغض الرطيبحياك هطال الحيا(2/193)
وحماك من وشي المريبورعى الاله مهبكالزاكي على عرف الجنوب
بالله بالعهد الذيما صافحته يد الكذوبوبما جرى يوم النوى
من مدمع العين السكوبوبمطلع الأقمار منفلك المحاسن والجيوب
وبحكم سلطان العيون على الجوارح والقلوبوبسهمها الماضي الذي
يرمي الندوب على الندوبوبمبسم يفتر عنصفو الرضى لا عن قطوب
وبكل قد أهيفإن ماس يزري بالقضيبوبمجمع الشمل الذي
أهدى المسرة للكئيبوباكؤس الأفراح مندارات ساحات الحبيب
وبطيب مصطلح اللقايا نسمة الروض الخصيبإن جزت روض الصالحي
ية في الشروق وفي الغروبورأيت غزلان النقافي ظل بانات الكثيب
وسمعت أطيار الرباتشدو بحي على الطروبولثمت من بين الأزا
هر وجنة الورد النصيبيفتنشقي أرج المنىمن طيبه الزاكي وطيبي
وإذا مررت على اللوىمن سفح قاسيون المهيبفتحملي أمثاله
شوقاً من القلب السليبواسصحبي نشر القرنفلوالخزام مع الهبوب
وخذيه نحو مراتع الغزلان والظبي الربيبوادي دمشق سقي الحيا
أكنافه أوفى نصيبوإذا وصلت لجلقوالجامع الفرد العجيب
عوجي على بيت العلادار النقيب ابن النقيبوقفي هناك وقبلي
أعتاب منزله الرحيبمنهاواليك يا كهف العلا
وافت على غيظ الرقيبهيفاء تزري بالمهالحظاً وبالظبي الربيب
ومنهالا زلت تسقي أكؤس الأفضال كوباً بعد كوب
متسربلاً ثوب الهناما هب معطار الجنوبوشدت على دوح الحمى ال
أطيار بالصوت الطروب
وقال مضمناً
أفدي غزالاً يرينا في تعطفه ... غصناً وبدراً تراه في ترفعه
يصمي بأسهم لحظيه القلوب فلا ... ترى فؤاداً خلياً من مصارعه
وكلما صاب قلباً صاح من فرح ... أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه
ولإبراهيم السفرجلاني مضمناً
ومثبت سهم نجلاً وبه في كبدي ... كأنه الريم يعطو نجو مرتعه
يقول قلبي لسهم قد رماه به ... أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه
ولصاحب الترجمة
وظبي سقاه التيه كأس محاسن ... وحيته بالكأس الروي يد اللطف
أدار علينا من رحيق رضابه ... ومقلته كأسين جلا عن الوصف(2/194)
فلم أدر أياً منهما كان مسكري ... ولم أدر أياً منهما مال بالعطف
وله
وظبي من بني الأتراك المى ... هواه بمهجتي أبدا مقيم
يقول تظن في اللطف حتماً ... فقلت نعم كذا نقل النسيم
وله
لما تبدى دخان التبغ ينفخ من ... ثغر الحبيب به أهل الهوى ولعوا
قالوا سحاب علا شمساً فقلت لهم ... ما ذاك الأغبوق الورد يرتفع
وله
رأيت الحب يمنع لثم خد ... فقلت بحق حسنك لا تعارض
فحرك مبسماً بالأذن ينبي ... وبان من الثنايا البيض وامض
ولما ان دنوت ورست لثماً ... وجدت المنع من جهة العوارض
ولبعضهم
عزمت على السلو لطول هجري ... فجاءتني عوارضه تعارض
وكان العذر يقبل في سلوى ... ولكن ما سلمت من العواض
وللسيد أحمد الدمشقي في المعنى وهو قوله معتذراً
أيا من فضله والجود ساراً ... مسير النيرين بلا معارض
وعدتك سيدي والوعد دين ... ولكن ما سلمت من العوارض
وللماهر المجيد الشيخ إبراهيم الأكرمي الدمشقي في المعتي وهو قوله
لحا الله أيام العوارض انها ... هموم لرؤياها تشيب العوارض
يضيق لها صدري وإني لشاعر ... خليع وبيتي ما عليه عوارض
والعوارض مظلمة سلطانية تؤخذ من البيوت في الشام في كل سنة ويقال انها من محدثات الملك الظاهر بيبرس وللمترجم قوله
أوحشتني يا ظبي أنس غدا ... مرعاه في القلب وفي الخاطر
وللحشا آنست يا منيتي ... فليت لو فاز بذا ناظري
وقوله
قد كان يمكن أن أدوم مجانباً ... خلا عن المشتاق طال ذهابه
لكن خشين بأن تقول عواذلي ... هذا الذي قد خانه أحبابه
وقوله مضمناً
لئن أردتم سؤالاً عن محبتكم ... وعن وداد خلا عن كل تمويه(2/195)
سلوا فؤادكم عني سيخبركم ... فصاحب البيت أدرى بالذي فيه
وقوله
ولا أنسى بوادي التل يوماً ... جرى ما بين خلاني وبيني
وطلقنا الهموم به وزالت ... ليالي جفوتي وانزاح بيني
وأنزلنا السرور على رياض ... تفوق على رياض النير بين
فقلت ترى تمنى بانشراح ... أجابتني على رأسي وعيني
وله معارضاً قصيدة البهاء العاملي
هب لمضناك نهلة من فيك ... وترفق بمن تولع فيك
يا غزالاً أزيد فيه جوى ... كل وقت حشاشتي تفديك
لك وجه سبى البدور سنا ... فوق رمح بمهجتي قد شيك
وعيون بغمزها فتكت ... في فؤادي فلم أجد تحريك
حاش لله أن نرى مثلاً ... لك في الحسن أو نروم شريك
لم أزل حافظاً ودادك بل ... ماضياً في الهوى بما يرضيك
فتصدق بطيب وصلك لي ... إن ذا الهجر والجفا يكفيك
ذبت شوقاً اليك يا أملي ... ليت لو زرت يارشا داعيك
يا فؤادي فخذ أمانك من ... لحظه فهو لا مرا مرديك
واصطبر عند صده فعسى ... وأرد الحلم منه يشفع فيك
لا تطع قول لائم أبداً ... في هواه أخاف أن يسليك
بدر تم بدت محاسنه ... يا عذولي احترز بأن يسبيك
جفنه بالسقام مكتحل ... فر يا جسم منك لا بعديك
لست أنسى ليالياً سلفت ... نلت فيها المنى بغير شريك
ولي من هذا الوزن والقافية قصيدة مطلعها
يا نديمي الحسن جمع فيك ... باكتمال يبدو بدون شريك
فقم الفجر نحتسي علناً ... خمرة طيب عرفها يشفيك
ورأيت بعد نظمي لها قصيدة للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي من الروي والوزن المذكور مطلعها
حسن كل الملاح جمع فيك ... آه من لي بنهلة من فيك
وجهك البدر فوق غصن نقا ... شعرك الليل زائد التحليك(2/196)
وقصيدة البهاء العاملي مطلعها
يا نديمي بمهجتي أفديك ... قم وهات الكؤوس من هاتيك
خمرة إن ضللت ساحتها ... فسنا نور كأسها يهديك
وهي شهيرة وقد عارض بها قصيدة لوالده وذلك هو المخترع لهذا الوزن وأبيات والده حسين الحارثي الهمداني مطلعها
فاح عرف الصبا وصاح الديك ... وانثنى البان يشتكي التحريك
قم بنا نجتلي مشعشعة ... تاه من وجده بها النسيك
وعارضتها المتأخرون بقصائد غير ذلك فلا حاجة للإيراد حذراً من تكثير السواد في المدام وللمترجم
في خده الروضة لا تحسبوا ... ثلاث شامات بدت عن حقيق
بل كاتب الحسن على خده ... نقط بالعنبر شين الشقيق
ولبعضهم
ثلاث شامات بدت ... في خد من أهوى حقيق
أم هن بارب النهى ... نقط على شين الشقيق
وللمترجم
حتى م تضرم نار قلبيوتروم اتلافي وسلبيوإلى م تعرض لاهياً
يا بدر عن حال المحبوتصدني عمداً بلاجرم بدا وبغير ذنب
إن كان أثر فيك قول عواذلي فالله حسبييا هاجري رفقاً فهج
رك قد أذاب صميم لبيكم ذا يحملني الهوىفي جنب حبك كل صعب
وأبيت حيراناً ولايدري بحالي غير ربياخفي الدموع تستراً
خوف الفضيحة بين صحبيوأنين من جزع ومنولهي ومن حزني وكربي
لم ألق من أشكو لهما سل بي وأليم قلبيكلا ولا أدري الذي
في الحب أوجب طول عتبييا مالك الأحشاء حبكفي الهوى قد صار دأبي
فأحكم بما نختارهبي يا شفا دائي وطبيفلقد رضيت بكل ما
ترضاه من بعدي وقربيفاسمح بوصلك أو أطلهجري فما بي لم يزل بي
وله مخمساً
لله ظبي رثى والقلب حاوله ... وقلب مضناه بالاسعاف عامله
ومذ رأى مهجتي قد شفها الوله ... ألقى يديه على صدري فقلت له(2/197)
لقد شفيت فؤاداً أنت موجعه
أجاب قولي وآمالي بذا علقت ... فكيف تشفى وناري كم حشا حرقت
فقلت إني أرى الألطاف قد سبقت ... فقال لا تطمعن عيناي قد رشقت
سهماً فأحببت أدري أين موقعه
وله وتلطف
قد عهدنا من الزمان قديماً ... إن الانعام في الكلام السامي
فوق الأعراف موقعاً فشهدنا ... عجباً في الزمان بين الأنام
إن الأعراف قدمت في البرايا ... فتراها تعلو على الانعام
وله أيضاً
هو حسن قلوبنا عشاقه ... ويح من بالجفا رمته رفاقه
يا سميري على الهوى كن معيني ... إن قلب الشجي نمت أشواقه
شفني البعد والقلا فإلى ما ... ذا التجافي والصبر مر مذاقه
لي ظلوم أباح قتلي جوراً ... سيما عندما رنت أحداقه
ظبي أنس له فؤادي مرعى ... بدر تم سبي النهى اشراقه
ذو قوام له الغصون أطاعت ... حيث بان اللوى بدا أطراقه
جرحتنا باللحظ منه عيون ... لم تقينا من سحرها أوفاقه
كل يوم يصدني وفؤادي ... ليس يسلو ولا يطاق فراقه
وعذولي يهيم فيه غراماً ... وحشائي على المدا تشتاقه
وأنا لم يزل يكرر لومي ... حير العقل يالقومي نفاقه
وله متوسلاً
يا شفيع الأنام يا من يرجى ... في غد من لهيب نار الجحيم
أنت غوض الورى وربي مغيث ... وأنا قادم بذنب عظيم
ووضعت الرجاء ما بين غوث ... ومغيث وراحم ورحيم
ويقيني وحسن ظني بأني ... لم أخب بين مكرم وكريم
فعليك الصلاة مني دواماً ... تتوالى وأشرف التسليم
وعلى الآل والصحاب جميعاً ... وعلى التابعين بالتعميم
ما أفاض العبير زهر الروابي ... وحبا نابه مهب النسيم
وكانت وفاة المترجم في يوم الاثنين خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير ووافق إنه هو والأستاذ استاذه وشيخه وعمه والد زوجته(2/198)
الشيخ عبد الغني النابلسي انتقلا في شهر واحد في سنة واحدة وسيأتي ذكر أخيه محمد أمين في محله إن شاء الله تعالى رحمهم الله تعالى.
صادق ابن الناشف
صادق بن أحمد بن محمد باشا بن محمود المعروف بابن الناشف الحنفي الدمشقي أحد أعيان الجند بدمشق كان معتبراً محتشماً ممدوحاً من رؤساء الأجناد وأكمل أهل زمانه تام الرياسة والهيئة والهيبة والوجاهة ولد بدمشق واجتهد بالعبادة والتهجد وكان لا يقطع الليل الا بها ملازماً للأوراد ويصوم الخميس والأثنين وأخذ طرق الخلوتية عن الأستاذ الشيخ عيسى الكناني الخلوتي الصالحي الدمشقي وتلقى ذلك عنه واشتهر وكان من متعني الأجناد وتقاعد على طريقتهم واستقام في حاله آخر أمره وتولى نظارات لوما فهم الكائنة بدمشق بعد جده وأبيه وكان جده محمد باشا من الصدور الكبار والرؤساء المشاهير وصارت له حكومة روم ايلي وهي صوفية وتولى بدمشق بعض مناصبها وكان ذلك لأقبال الوزير أبشير مصطفى باشا عليه صاحب الختام في دولة السلطان محمد بن إبراهيم خان وتوفي المذكور في صفر سنة أربع وسبعين وألف وترجمه المحبي في تاريخه وذهب إلى الحج سرداراً في سنة تسع وتسعين وألف وقبلها في سنة خمس وتسعين وسافر للروم لسفر النيش مع عسكر دمشق في سنة ثلاث ومائة وألف وكان له حلم وتودد في الكلام وأدب وكان لا يكثر التردد لحكام دمشق وتولى الجزية بدمشق وغيرها وكان قاطناً في داره الكائنة في زقاق الوزير بالقرب من المدرسة القجماسية والآن الدار المذكورة صارت سكن الوزير محمد باشا والي دمشق وأمير الحاج وبالجملة فإن المترجم كان من رؤساء الأجناد المنوه بهم وكانت وفاته في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادي الثانية سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة جده محمد باشا بالتربة المنسوبة لعم محمد باشا المذكور الرئيس حسن ابن الناشف قبلي جامع حسان بدمشق رحمه الله تعالى.
صادق البيروتي
صادق بن عبد السلام المعروف بالبيروتي الحلبي الأديب النبيه الفاضل كان والده من صدور أعيان حلب المشار اليهم والمعول عليهم وله شهرة هناك وترجمه السيد محمد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه من محتد صادق جامع ذكراهم شرف لافظ وسامع فهم عقد الجيد وتاج المفرق ومدحهم(2/199)
فخر القلم وزينة المهرق نبغ منهم ماجد اثر ماجد فارقه الدهر وهو لعمري عليه واجد حتى طلع هذا بمجد لا مدعى ولا منتحل وهمة لو رامها البدر لأستحذى له زحل فركض في حلبة من حلبات المجد وعانق الغرام في ليل الجد والوجد فهو الآن خلاصة ذلك العنصر وله الفضل الذي تتباهى به الأعصر فهو أحق إلى العلى من شارف مجده متنافس فيه من تالد وطارف وله شعر أخلصه السبك أبريزاً فسما على نظرائه زجاجاً وتبريزا أثبت منه ما تديره كؤوساً على الندام فيتسلى به فؤاد لا تسليه المدام انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة
دمع بتذكار أحباب له سفحاً ... وباح من سره المكتوم ما افتضحا
ومعهد بالحمى صاف ترف له ... سرائر في سويدا القلب قد سنحا
أثار لاعج صب كان منكتماً ... بين الضلوع وشوق زند قدحا
حيث الشبيبة والأيام مقبلة ... وحيث دهري عن معوجه صلحا
نشوان أختال من خمر الصبا مرحاً ... لا أستفيق غبوقاً لا ومصطبحا
وقوله
وردنا مقامك نجلي الهموم ... بشرب المدام وتنفي الكرب
فلم نر فيه الجناب الرفيع ... وما فيه بغيتنا والأرب
فكاد الفؤاد جوى أن يذوب ... لغيبة شهم العلى والنسب
فلما قدمت أضاء المكان ... وزاد السرور بنا والطرب
فدرها سلافاً وحث الكؤوس ... فهذا الصباح أراه اقترب
وهذا النسيم له مؤذن ... وهذي البلابل تملي الخطب
فدا والكلوم ببنت الكروم ... وأفرغ نضارك فوق الذهب
وقوله أيضاً
حبذا عيشنا ونحن بروض ... بين هزل من الكلام وجد
وغناء من مطرب وأغان ... وعبير يضوع من عطر ند
وهزار مغرد وغدير ... بين وردين من نبات وخد
وسقاة مثل البدور وناي ... ومدام وضم خصر ونهد
وقوله أيضاً
لا ولحظ بابلي سحره ... وخدود حفها حسن الضرج
وخصور مضها طول الضنى ... وشعور فوقها تحكي السبج
وثنايا درها منتظم ... في عقيق زانه فيها الفلج(2/200)
هو من قول أحمد المهمنداري الحلبي المفتي
إن الشفاه اللائي حملنني ... في الحب أضعاف الذي لا أطيق
جدول ياقوت بدا تحته ... سبحة در نظمت في عقيق
ولما سمع ذلك الأديب السيد محمد العرضي الحلبي فقال
تلك الثنايا وأشقائي بها ... باتت تريني عند لثمي الطريق
تبددت من غيرة عندها ... سبحة در نظمت في عقيق
عوداً
ما نسيم الروض إلا أنه ... سارق من طيب ذياك الأرج
ما تراه كلما وهبت ضحى ... فاح منه أرج يحيي المهج
وللمترجم
ولما زارني من بعد بعد ... وكاد اليوم يقضي بانقضاء
وأرشفني اللما بعد الثنائي ... وأحيى الروح في ذاك اللقاء
وقام مودعاً كالغصن قداً ... وكالشمس المنيرة في الضياء
وآلى إنه في اليوم يأتي ... قبيل غروب شمس في السماء
فليت الشمس لو بقيت قليلاً ... ففيها كلما بقيت فنائي
ومن مقطعاته قوله في التشبيه
وبدر يعاطيني المدام عشية ... وبمزج أخرى من لماه بأعذبه
إذا ما حساها من فم الكاس خلته ... هلالاً أزاح الشمس عن وجه كوكبه
وقريب منه قول الكامل فضل الله العمادي الدمشقي
ومدير لنا المدام بكأس ... مثل عقد حبابه منظوم
هو بدر وفي اليدين هلال ... فيه شمس وقد علته نجوم
وأصله من قول سيدي عمر ابن الفارض قدس الله روحه ونور ضريحه
لها البدر كأس وهي شمس يديرها ... هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم
وللمترجم أيضاً من هذا المعنى قوله
لله يومي بالبستان إذ جليت ... على بنت الطلا من كف ذي ملق
كأنه إذ جلاها في الكؤوس ضحى ... بدر تناول شمساً من يد الأفق
وله أيضاً
وليلة قد تقضت بالدجى عبثت ... والكأس تجلى وبدر التم لي ساقي
فمذ حساها تراءى لي بغير مرا ... بدر يقبل شمس الأفق من طاق(2/201)
ويناسبه قول الأديب منصور الشهير بكيغلغ
عاد الزمان بما هويت فاعتبا ... يا صاحبي فأسقياني وأشربا
كم ليلة سامرت فيها بدرها ... من فوق دجلة قبل أن يتغيبا
قام الغلام يديرها في كفه ... فحسبت بدر التم يحمل كوكبا
وهذا ما وصلني من خبر المترجم ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه من أهل هذا القرن رحمه الله تعالى.
صادق الشرواني
صادق بن روح الله بن محمد الأمين الشرواني القسطنطيني الحنفي العالم العلامة المحقق شيخ الاسلام مفتي الديار الرومية ولد سنة اثنين وثلاثين وألف وطلب العلوم على مشايخ عصره فأخذ عن جده المحقق صدر الدين ولازم على قاعدة موالي الروم ثم قدم دمشق في خدمة والده لما ولي قضاءها واستجاز له والده بها من شيخ الاسلام الحافظ النجم الغزي العامري وغيره ثم ولي قضاء مصر وغيرها ثم قضاء القسطنطينية ثم قضاء العسكرين ثم في سنة ثمان عشرة ولي الأفتاء بدار السلطنة ثم انفصل عنها في آخر سنة تسع عشرة وقد ذكره العلامة المؤرخ الشمس محمد الغزي في ثبته المسمي لطائف المنة في فوائد خدمة السنة فذكره في جملة من اجتمع بهم فقال اجتمعت به وترددت إليه وسمعت من فوائده ورأيته قد أخذت منه السن وضعفت قواه من الهرم وكان عالماً فاضلاً فقيهاً وله تحريرات على مباحث من التفسير والفقه وتوفي سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
صالح المزور
صالح بن إبراهيم بن خليل الشهير بالمزور الحنفي الدمشقي خطيب السليمية في صالحية دمشق كان من الأدباء البارعين الأفاضل ولد تقريباً في حدود التسعين وألف بدمشق ونشأ وقرأ على الأفاضل والأجلاء وأخذ الأدب عن الأمين المحبي وانتفع به وتخرج عليه وكتب بعض تآليفه وكان عارفاً بارعاً في الأدب حسن الصوت لطيف العشرة ماهراً في المويسيقى والألحان وله شعر حسن وترجمه الأديب الأمين المحبي المذكور في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو عندي بمثابة ابني وإذا أثنيت عليه فبصالح اثني فرابطتي معه علقة علائقه وإني لا أرى غذاء روحي الا في خلائقه فإن بدا روى عيوني رواؤه وإذا تكلم أشبع خاطري أداؤه وإن غاب شمت حزني بفرحي ومتى حضر حضر سروري بمقترحي فلله من روح حياة ضمنت ضلوعه وقمر ملاحة في سماء النبل طلوعه وهو في مبدا صوب قطرته من الغمامه وباكورة خروج زهرته من الكمامه يحل من القلوب بلطفه محل الروح من الجسد(2/202)
ونتحاسد عليه العيون والآذان فكأنما خلق لأجله الحسد وله أدب نفس وسليقه تحلى بحسن خلق وخليقة إلى خط كخط العذار أول طلوعه وصوت يدعو القلوب قسراً إلى صبوته وولوعه فكم حل بمغنى فسيح فمر فيه بمعنى فصيح وشعره عليه مسحة الحسن يوقظ بغرامياته الجفون الوسن انتهى ما قاله الأمين المحبي ومن شعره قوله
يا عين لا تهجعي فالسعد وافاك ... وزار من تعشقي ليلاً وحياك
مليحة صاغها نوراً مصورها ... فافتنت كل ذي رأى وادراك
تعلم السحر هاروت وأتقنه ... من لحظها حين أرماه باشراك
كم عاشق ضل في داجي الذوائب قد ... أهداه نور صباح من محياك
حويت جنة حسن في الخدود علا ... من فوقها عرش شعر جل عن حاكي
قوله حويت جنة حسن إلى خره استعمل العرش في الشعر والمشهور استعماله في الخد كما قيل
غدا خاله رب الجمال لأنه ... على عرش خد فوق كرسيه استوى
وأرسل رسلاً من لحاظ أعزة ... على فترة تدعو الأنام إلى الهوى
عوداً
وكنز ثغر حصين بالعقيق حوى ... جواهراً نظمت من غير أسلاك
يا طلعة البدر يا شمس النهار ويا ... غصن الرياض وذات المبسم الزاكي
تالله لا أبتغي خلاً يسامرني ... يا ظبية أسرتني عين لقياك
لا سامح الله عذالاً لنا عذلوا ... لوعاً ينوا لغدواً من بعض أسراك
وكتب إليه الفاضل الألمعي السيد مصطفى الصمادي ملغزاً بقوله
أيا فاضلاً في حل ما جاء مشكلاً ... من الرمز في لغز ولا يتوقف
ابن لي ما اسم بدؤه بدء سورة ... بحرف عظيم القدر في الذكر يعرف
ومنطوق ذاك الحرف فعل كما ترى ... ووصف لموصوف إذا ما يحرف
وإن منه تحذف أولاً ثم تقلبن ... تبين فعلا ضده الذوق يانف
وتصحيف هذا الفعل إن كنت رادفاً ... تراه يقيناً أوضح الأمر يكشف
وإن منه تحذف ثانياً ثم رابعاً ... مع القلب فاسم الشخص بالسور يوصف
وإن تقلب المقلوب أيضاً رأيته ... أتى باسم ذي روح به النفس يتلف
وصحف لذي المقلوب وافتح لأول ... تراه غدا فعلاً عن الرشد يصرف
وإن رمت قلب الأسم كلا مصحفاً ... لأوله كنت النجاة ترادف(2/203)
فأجابه المترجم عن هذه الأبيات والغز في ذيلها أيضاً بقوله
أياماً جداً حاز الفصاحة والذكا ... ومن لحماه الجود والفضل يألف
سالت عن اسم ما تلا بدءه من ال ... منزل أن تتلوه لفظ مشرف
وثاني رمز فيه قد صار فكرتي ... بما بعده صفني لرؤياك تنصف
ورابعه يا مفرد العصر لم يزل ... به عيش من يشناك يا خل يوصف
وصحفه يا مفضال واترك رديفه ... وحرفه إن العين للضد تألف
وإن تحذف الحرفين للهيئة التي ... أتيت بها بدأ عدو يؤلف
وثامن رمز من يروم بجهله ... يضاهيك في فضل به صار يعرف
وما بعده وقيت من ضده وإن ... تصحف بتعريف إذا ثم يكشف
وآخر ما فيه صلاح لما مضى ... من الرمز أجلى من لآل وألطف
وسامح بما قد جئت فيه مبيناً ... لرمزك يا من للغوامض يكشف
وبين أيا مولاي ما اسم ببدئه ... لقد أقسم الرحمن إذ ما يصحف
وإن تصفه تحذف وحرفه ما بقي ... يكن آلة للبطش في الذكر تعرف
وما بعده وقيت من ضده وإن ... تصحف بتحريف إذا ثم يكسف
وإن صدره تسقط فيوم معظم ... وحرف وصحفه فوصف مشرف
وإن رابعاً منه أزلت محرفاً ... ففعل على الأجساد منه تكلف
وإن تجعل الثاني من الفعل ثالثاً ... بقلب فمركوب إذا سار يسرف
أجب يا حليف المجد وأبدي خفاء ... فكل أديب من بحارك يغرف
ولا زلت محفوظاً على رغم حاسد ... ثمار معاتي النظم بالفكر تقطف
وحين وصل إليه أجابه الصمادي من الوزن والقافية بقوله
أيا روض فضل نوره الحذق والذكا ... ومنه جنى الآداب واللطف يقطف
جوابك وفي حيث وافى بحل ما ... تضمنه لغز من الرمز يكشف
والغزلي في اسم أتى الذكر مقسماً ... به المسجد المشهور بالفضل يوصف
أو الثمر المعروف أو نفس بلدة ... كذا قال أهل العلم فيه وعرفوا
وتصحيف هذا الحرف نبت وقلبه ... به مثل ذي يضاهيك يعرف
ومنطوق حرف جاء يتلوه في الهجا ... إذا فتحوا فالفتح شانيك يردف
وإن نصف هذا الاسم تحذف محرفاً ... فتلك يدمن بحر نعماك تغرف
وإن بعد هذا الحرف بدلت أولاً ... بما بعد حرف الميم فالطيب يعرف(2/204)
وإن بدأه تسقط فيوم مبارك ... وعيد بتصحيف إذا ما يحرف
وإن شئت أسقطه وحرف وصحفن ... فوصف لمحبوب به الصب يشغف
وإن آخراً تسقط وحرفته أتى ... لك السعي مشكور به دمت تسعف
وإن تقطع الطرفين منه مشدداً ... وحرفته فالداء وقيت يضعف
وإن آخراً تخذف ونزلت أولاً ... بمنزله فالعيس في السير تعسف
وإن شئت صحف قلب ذا العيس وأقلبن ... وحرف فد وبطش من الوحش يرجف
وهذا جوابي وأعذر الفكر إن سها ... وسامح فمنك العفو والصفح يؤلف
ودم يا سعيد الرأي للمدح صالحاً ... بكل لسان يالكما لات توصف
ولا زلت تهدي كل عقد منضد ... من النظم يزري بالآلي وتتحف
وللمترجم أيضاً مضمناً
لقد كنت في أسر الغزال صيده ... خبيراً وفي أمري يحار ذوو اللب
إذا رمت صيد الظبي انصب في الهوى ... حبائل فكري حيث لا يشعروا صحبي
فها أنا قد عفت الغزال وصيده ... وأطلب بعدي عنه لا أبتغي قربي
وذاك لما قد قال قبلي شاعر ... فلا بد للصياد من صحبة الكلب
وتأبى نفوس الاسد ماء على الظما ... إذا كان كلب السوء يدنوه للشرب
وله أيضاً
يا معجباً في حسنهقف ريثما إن أسألكأتظن إن الحسن فر
دفى الوجود وتم لكخفض عليك عرفت آخرك القبيح وأولك
وسألت عنك فقيل لي ... من تحت غربال الفلك
وله مشجراً
خذوا بيدي يا أهيل الغرام ... فإني أسير هوى مستهام
لحا الله قلباً خلا من هوى ... وعذب بالسهد طرفاً ينام
يعيرني عاذلي في الضنى ... وما الفخر في الحب غير السقام
لعمرك يا عاذلي فاتئد ... ففي الحب موتي اقصى المرام
وله
أثر بخد معذبي فسألته ... عنه أجاب بعذب لفظ رائق
عوذت ياقوت الخدود بقطعة ... من لازورد خوف عين العاشق
وفي المعنى للأديب إبراهيم السفرجلاني
أجل في خده نظراً فإني ... غرست به البنفسج فوق ورد
ونطت به لرد العين عنه ... على الياقوت قطعة لازورد
وللمترجم(2/205)
يا عاذلاً عن هوى لمياء كاعبة ... هلا عشقت رشيق القدماء نوسا
ضللت لما هويت الآن ملتحياً ... خالفت للناس في هذا وابليسا
أقول إن الشائع عن أهل الموصل إنهم لا يهوون الا المعذر وربما بالغ بعضهم فقال نحن قول إذا سمحنا في طريق المحبة بنوال لا نسمح الا لمن ينفق على عياله قال الأمين المحبي في تاريخه في ترجمة عطاء الله بن محمود الصادقي الحلبي وهذا مذهب جرى عليه الحلبيون وسال العلامة العمادي الحنفي الدمشقي العالم الشيخ أحمد ابن المنلا الحلبي بقصيدة عن ترك الميل إلى المرد والميل إلى المعذرين فأجابه بقصيدة وهي لا تشفي الغليل وكلا القصيدتين مثبتتان في ريحانة الشيخ شهاب الدين الخفاجي المصري ورأيت لأبن منقذ بيتين متعرضاً لما جرت عليه أهل الموصل مما ذكرناه بقوله
كتب العذار على صحيفة خده ... سطراً يحير ناظر المتأمل
بالغت في استخراجه فوجدته ... لا رأى الا رأى أهل الموصل
وفي ذلك قول بعضهم
وقيل محب المرد يدعى بلائط ... ويدعى بزان من يحب الغوانيا
فأحببت أهل الذقن مني تعففاً ... فلااناً لوطي ولا أنا زانيا
ولقد ترقى بعضهم فقال
أعشق المرد والنكاريش والشي ... ب عندي مثل البنين البنات
حد ما يشتهي وينكح عندي ... حيوان تحل فيه الحياة
ولأبن تميم مضمناً
ومعشر عذلوا لما ركبت على ... أحوى محاسنه قبحن فعلهم
دع يعذلوا ما استطاعوا انني رجل ... لو استطعت ركبت الناس كلهم
وترقى بعضهم فقال
كلفت به شيخاً كان مشيبه ... على وجنتيه ياسمين على ورد
أخا العقل يدري ما يراد من الفتى ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحا ناس وناس إلى المرد
فقلت لهم لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد
وسود اللحا أبصرت فيهم مشاركاً ... فاخترت أن أبقى بأبيضهم وحدي
وقد ذكر أن بعض الناس خرج إلى خارج بلدته يوماً للتنزه هو ورفيق له فمر على مكان وجد فيه رجلاً اختياراً بحذاء أمرد وهو يبكي ودموعه تساقط فقال له(2/206)
ما يبكيك فقال له جد هذا ووالده وأعمامه كلهم في عائلتي وأنا قد نكحتهم جميعاً والآن أنكح هذا فأبكي حزناً على أولاد هذا وأولاد أولاده من ينكحهم بعدي أتذكر ذلك وأبكي انتهي قلت وما ذكر من مدح العارض والعذار محمول على المبالغة في الأشعار والاقتدارات في ابراز المعاني والعبارات وايراد الابتكارات الأدبية والا فمن يفضل الملتحي على ذي الوجنة الطرية ومن يميل إلى وجنة تلطخت بالسواد ولبست لموت جمالها ثياب الحداد وذبت ورودها واكتست جلباب الشعر خدودها شتان بين خدانيق يزدري بطراوته ونكهته الورد وحمرة الشقيق وبين المخالي ومن سودت وجهه الأيام والليالي فمن ينظر للقمر وقت المحاق أو يدخر الفضة بعد الاحتراق أو يعتاض عن الآرام بالقرود أو يستبدل بالترف خشن الخدود أو يستحسن كسوف الشمس أو يستغني بعجوز الشياطين عن عروس الأنس وكل ما أبدوه ابتكارات واختراعات للأقتدار لا لمدح العارض والعذار انتهى وللمترجم وكتبه لبعض أصحابه مضمناً
يا من أفاض على الراجين سحب ندى ... من كفه فوق هم ضيقة العطن
إني قصدتك من جور الزمان فلا ... نخيب الظن وأعددها من المنن
واذكر معاهد أنس قد مضين لنا ... تحكي رياض المنى في غابر الزمن
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يائفهم في المنزل الخشن
فهاك ابنه فكري قد بعثت بها ... اليك مستشفعاً في رونق حسن
فأسبل عليها ذيول الستر سابغة ... واغنم ثنائي لكم في السر والعلن
والبيت المذكور ضمنه بعضهم مع الاكتفاء وهو ما حكي إن الأمير بدر الدين بيلبك خزينه دار الحضرة القاهرة كان لتاجر وذلك التاجر يحسن إليه وهو في رقه فلما باعه تنقلت به الأحوال إلى ما صار إليه وافتقر التاجر فيما بعد فحضر إليه إلى مصر وكتب إليه رقعة فيها
كنا جميعين في كد نكابده ... والقلب والطرف منا في أذى وقذا
والآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوي فلا تنسني إن الكرام إذا
فأعطاه عشرة آلاف درهم وكانت وفاة صاحب الترجمة في ربيع الثاني سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى ورثاه الأديب الشيخ عبد الله الطرابلسي مؤرخاً بقوله
على صالح يا قوم تبكي المنابر ... فقد همعت بالحزن منا المحاجر
به أفلت شمس الكمال فأرعدت ... مصيبتنا والحزن بالغم ماطر
وغيضت مياه الحزن عنك فملنا ... وحقك قلب عند فقدك صابر
وليل العنا فينا اكفهر ظلامه ... وضاقت علينا للفراق السرائر(2/207)
لتبك المعالي بعد فقدك حسرة ... كما لبست ثوب الحداد المفاخر
أيا لوذعياً كان في الفضل باهراً ... ومن عيشه بالبشر والعز هامر
لقد كنت بحراً في الفضائل والذكا ... خطيباً لبيباً نور علياك ظاهر
وقمت بأعواد المنابر واعظاً ... بحسن بلاغ منه ناه وزاجر
عليك من الرحمن ألف تحية ... ورضوانه ما ناح في الروض طائر
وما قال بالحزن الجزيل مؤرخ ... على صالح يا قوم تبكي المنابر
صالح الجينيني
صالح بن إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحنفي الجينيني الأصل الدمشقي المولد النعمان الثاني وعمدة ذي التحقيق وشيخ الحديث العمدة الرحلة العلامة الفهامة كان عالماً محدثاً فقيهاً حسن الأستحضار عديم النظير في فقه أبي حنيفة النعمان حتى إن الدر المختار شرح تنوير الأبصار لكثرة اقرائه وقراءته صارت مسائله نصب عينيه وكذلك غالب كتب المذهب كالأشباه والنظائر والدرر وغيرها وكان حسن الخلق سلم المسلمون من يده ولسانه وكانت الطلبة تسير إليه صبيحة كل يوم سوى الاثنين والخميس ويومي التعطيل وكان حريصاً على الافادة ولم يكن في وقته أعلى سنداً منه وانتهى إليه فن الفقه في زمانه وكان جليسه لا يمل ولو جلس مدى الدهر لما حواه من حسن الاستحضار مع إيراد النكت اللطيفة والحكايات الظريفة حسن العشرة للخلق ومعاملتهم بالرفق حتى إنهم يهرعون إليه إذا رأوه ويقبلون يديه ولد بدمشق في سنة أربع وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن جماعة كثيرين وقرأ عليهم فمن مشايخه والده الشيخ إبراهيم الجينيني الحنفي والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ نجم الدين ابن خير الدين الرملي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ محمد بن علي الكاملي والسيد إبراهيم بن حمزة نقيب الأشراف بدمشق والشيخ عبد الرحيم الطواقي الدمشقي واستجاز والده له من جماعة وأخذ عنهم كالمحدث الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي صاحب التآليف المشهورة والشيخ حسن بن علي العجيمي الحنفي المكي والشيخ زين العابدين بن محمد الصديقي المصري والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الكردي نزيل المدينة المنورة والشيخ رمضان بن موسى العطيفي الدمشقي والشيخ محمد بن علي المكتبي الدمشقي والشيخ القاضي حسين بن محمود العدوي الصالحي الدمشقي والشيخ علي بن محمد الكاملي والشيخ أبي الحسن بن إبراهيم(2/208)
الكوراني المدني والشيخ عبد الرحيم بن أبي اللطف القدسي مفتي القدس والشيخ حمزة بن يوسف الدومي الدمشقي والشيخ شمس الدين بن محمد الحصني السيد الشريف الدمشقي وغيرهم وتفوق وبرع وشرع في القاء الدروس بالجامع الأموي وغيره وتزاحمت عليه الطلاب وكثر نفعه وانتفع به خلق كثير وقرأ عليه الوالد في الفقه وغيره مدة وأجازه بمروياته وشملته بركاته ولما توفي الشيخ إسماعيل العجلوني مدرس الحديث تحت قبة النسر في الجامع الأموي وجه التدريس المذكور عليه واستقام به إلى أن مات وآخراً أسكنه سيدي الوالد مدرسته المسماة بالقجماسية بالقرب من سوق الأروام وارتحل إلى الحج ولم يزل على حالته الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأحد بعد العصر سادس عشر ذي القعدة سنة سبعين ومائة وألف ودفن في تربة الباب الصغير بالقرب من مرقد سيدي بلال الحبشي وقبره الآن مشهور يزار ويتبرك به ورثاه تلميذه شيخنا المحقق الشيخ خليل بن عبد السلام الكاملي بقوله
مالي أرى الدمع من عينيك منسجماً ... يا نفس ويحك رب العرش قد حكما
صبراً لما أبدت الأقدار محكمة ... والأمر ماض على ابداء ما علما
لهفي على ماجد فاقت فضائله ... حتى رقى رتبة فوق السهى وسما
بحر من العلم يلقى جوهراً رطباً ... حبر حوى الفضل يسمو في العلى قدما
أمام علم كما راضت موارده ... فاقت شمائله حتى سما كرما
قطب لدائرة الأفضال ذو شيم ... عزت وجواً فما كالدر منتظما
قد كان كهفاً لمن رام العلوم فمن ... يقصد حمى فضله يلقاه مبتسما
وكان ذخر الطلاب الحديث حوى ... أعلى الأسانيد طرقاً لا ترى سقما
يا واحد العلم من فقه ومن سنن ... جاءت من المصطفى تجلو لنا الظلما
يا راقياً في كمال عز مطلبه ... بشراك نيل المنى بدأ ومختتما
عليك سح سحاب العفو منهملاً ... ما لاح فجر وما فضل الرحيم مما
ترى مقامك في أعلى القصور وفي ... جنان حسن زها حسناً وقد عظما
حفت به الحور والولدان قائله ... يهنيك ذا سيدي يا من رقا قدما
رضوان وافى بأملاك تؤرخه ... في جنة القرب سامي منزلاً وحما
صالح الداديخي
صالح بن إبراهيم المعروف بالداديخي الحلبي الفاضل الأديب الناظم السميدع(2/209)
الأريب كان ممن اتصف بالأدب واشتهر به وقد ترجمه الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه أبدع من أجرى يراعاً في مهرق وأبرع من وضع أكليلاً على مفرق طلعت بدائعه على نسق فارت نجوماً زواهر تجلو ظلمة الغسق ما شئت من برنا فقة سوقه ومجد شارقة بسوقه وطبع ما شيب بجمود وذكاء ماشين بخمود شف في الآداب على جيله وزها جواد سبقه في غرته وتحجيله فساغ المنى أطواراً وفتق الدجى أنواراً فبشره يحدث عن منائحه كخرير الماء يحدث على مسائحه فكان روح إلى التروح بمفاوضته شائقه ولولا حلاوة الشهد ما رغبت إليه ذائقه وهو مطمح أملي الذي به استأنس بحدي ورسمي وجرى مني أبعاض قلبي وأعشار جسمي فأصفى هواي كله إليه وصير ودي مادام ودمت وقفا عليه ومما أهدى إلى نهزة من أعجاله وخلسه ارتجاله قوله ينوه بي
أنسيم الخزام من دار حبي ... يا سقاك الحيا وحياك ربي
طالما حرك الغرام أدكاري ... قرب مسراك من معاهد صحبي
فأعدا بها النسيم حديثاً ... وإلى سرب ذلك الظبي سربي
وأمل عن لوعتي وفرط اشتياقي ... ما الاقي وأشرح له بعض كربي
لهف قلبي وليت شعري أيجدي ... قول ما سور لحظه لهف قلبي
رشأ بالشآم شمت عبير ... الورد من نحوه فعطر لبي
كان عشقي له بجارحة السمع ... جزاها العتبي بلا دخل عتب
فأنا اليوم موسوي الهوى من ... قبل رؤياه هائم العقل مسبي
غير أني به على سنن الرق ... مقيم في حال بعدي وقربي
إن يكن في هواه اطلاق دمعي ... جائزاً قد رآه فالله حسبي
فسقى جلقاً ولا غرو أن تختا ... ل في بردتين تيه وعجب
كيف لا تدعي على المدن فخراً ... بأمين فرد الزمان المحبي
الامام الهمام حامي حمى الآ ... داب بالفضل والندى والتأبي
حاك وشيا من القريض عجيباً ... قصرت عنه همة المتنبي
قلم في يديه كم حل صعباً ... وأزدري في مضائه كل غضب
أيها الفاضل الذي لا سواه ... للمعالي روح بها الكون محبي
هاك عذراء ليلة عن بني ... الفكر وافت من الخجالة تحبي
تطلب الأعتذار منك وها قد ... نزلت من ندى علاك برحب(2/210)
وابق واسلم ما غردت ساجعات ... الورق في أيكها وقلبي ملبي
قوله في هذه القصيدة فأنا اليوم موسوي الهوى إلى آخره هو من قول مظفر الدين الأعمى
قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبياً كحيل الطرف المى
وحلاه ما عاينتها ... لكنها طرقتك وهما
ومتى رأيت جماله ... حتى كساك هواه سقما
وبأي جارحة وصلت ... لوصفه نثراً ونظما
والعين داعية الهوى ... وبه تنم إذا تنما
فأجبت اني موسوي ... العشق ادراكاً وفهما
أهوى بجارحة السما ... ع ولا أرى ذاك المسمى
ومثله قوله أبي تمام في جارية تغني بالفارسية
ولم أفهم معانيها ولكن ... شجت كبدي فلم بخمد شجاها
فكنت كأنني أعمى معنى ... أحب الغانيات ولا أراها
وهذا هو من قول الشاعر بشار بن برد
يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهوى فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
ومن تحائف فكره قوله من قصيدة مطلعها
ما على ذلك الغزال الربيب ... قود في دم المحب السليب
فلهذا ترى سكارى هواه ... تحسب الصبح طالعاً في المغيب
كنت أخشاه حال سلم فلم لا ... وهو مغري بالهجر والتعذيب
قمت في حال سخطه ورضاه ... في مقام الترغيب والترهيب
فرعى الله ظبي أنس غدا مر ... عاه في الحالتين حب القلوب
حاز ارث الجمال عن يوسف الحسن ... وحزت الأحزان عن يعقوب
وكساه الآله بردا غدا يز ... دان عجباً من فوق عطف قشيب
كللته العيون لما تبدى ... مقبلاً إذ غفت عيون الرقيب
فيريني إذا بدا بدر تم ... يتثنى من فوق غصن رطيب
عقرب الصدغ راح بحمى جنى خد ... يه عن أن يناله ذو كروب
فخف الله أيها الريم واستر ... ذا المحيا البهي بكف خضب
ومثله قول الاستاذ عبد الغني النابلسي من قصيدة
خف الله واستر حسن وجهم أو به ... تصدق علينا نحن أهل افتقاره(2/211)
ومنه قول الشيخ محمد بن الدار الدمشقي أحد شعراء النفحة مضمناً مع بعض تغيير للأصل
وصن رونق الحسن البديع جماله ... فإن لحت حاضت في الجفون المدامع
وأصله قول أبي الطيب المتنبي
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
والعواتق هي الشواب من النساء لكون المرأة إذا اشتدت شهوتها وأفرطت سال حيضها وللمترجم معارضاً قصيدة السيد محمد القدسي التي مطلعها
يا نسمة لثمت حبيبي ... وتمسكت منه بطيب
بقوله
بالله يا ريح الجنوبوقيت نكباء لخطوبإن جرت في وادي النقا
بين المعاهد والكثيبفاقرأ سلام المستهام لذلك الظبي الربيب
رشأ كان الله أسكن حبه كل القلوبنظري إليه تلهفاً
نظر العليل إلى الطبيبعجباً لفاتر طرفهيرنوا زوراراً كالغضوب
ولخده الجوري لميك في الهوى حيناً نصيبيولحاله المسكي زيد
العرف من طيب رطيبكشف الطبيب لفصدهعن معصم الرشأ الربيب
فجرى دم العرق الذي ... يعنيه من لحظ الطبيب
هو من قول أبي الحسن الجرجاني
يا ليت عيني تحملت الملك ... وليت نفسي تقسمت سقمك
وليت كف الطبيب إذ فصدت ... عرقك أجرى من ناظري دمك
أعرته صبغ وجنتك كما ... تعبره ان لثمت من لثمك
طرفك أمضى من حد مبضعه ... فالحظ به العرق واسترح المك
ومثله لأبي الفضل المكيا لي قوله
ومهفهف أبدى الجمال بخده روضاً مريعاًفصد الحبيب ذراعه
فجرى له دمعي ذريعاًوأمسني وقع الحديدبعرقه الما وجيعا
فأريقه من عبرتي ... ما سال من دمه نجيعا
وألطف ما قيل في ذلك قول الأمير المنجكي رحمه الله تعالى
ومذ كشف الفصاد عن زنده رأى ... محاسن الهته فضل عن الرشد
فقطب من أهوى وأبصر مغضباً ... وأوقع ظل الجفن منه على الزند
وأطلع نور الأرجوان وحبذا ... من الياسمين الأرجوان على الورد(2/212)
وللمترجم
في الدجى مذ لاح طالعمسفراً تلك البراقعأوهم الناس محيا
هـ بأن الفجر ساطعسحت العين على ترحاله جم المدامع
ماله في الحسن ثانلجميع الحسن جامعألف القلب هواه
فهو في الأحشاء راتععذلوني قلت كفوالست أصغي لست سامع
يا ظريف الشكل إنيهائم والدمع هامعلك روحي لك قلبي
يا ترى هل أنت قانع
وقوله أيضاً
طبي أنس وجهه قمر ... عز منه النيل والظفر
ذو قوام زانه هيب ... زانه الخطي والسمر
عذلوا حتى إذا نظروا ... ورد خديه إذا عذروا
ونهوا عنه فحين بدا ... بتلاقي في الهوى امروا
قبلة الألحاظ طلعته ... حيث دارت دارت الصور
هو من قول البابي
كأنما أوقف الله العيون على ... رؤيا محاسنه لأصابها ضرر
فلو بدا من ورا المرآة لأنحرفت ... عن أهلها حيث دارت دارت الصور
والأصل في هذا قول بعض البلغاء
كأنما أنت مغناطيس أنفسنا ... فحيثما درت دارت نحوك الصور
منها رشأ يفتر عن برد ... ناصع في ضمنه درر
توارد فيه مع الأديب مصافي البتروني الحلبي في قصيدته اللامية
شادن يفتر عن برد ... ناصع في ضمنه عسل
منها وحواشي نمل عارضه ... لخفا فينها لنا نظر
أحسن منه قول ابن عرفة
انظر إلى السحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في لحظه الساجي
وانظر إلى شعرات فوق عارضه ... كأنهن نمال دب في عاج
ومنها
ما رأى موسى فواعجباًكيف يدعي أنه الخضرمنصفي في الحب من رشأ(2/213)
مقلتاه ملؤها حورأخذت فيه بنو ثعلفهي لا تبقى ولا تذر
بنو ثعل قبيلة من العرب رماة يضرب بهم المثل لجودة رميهم قال امرؤ القيس
رب رام من بني ثعل ... مخرج كفيه من ستره
فهو لا يخطي برميته ... ماله ما عد من نفره
عودا
ضل في ديجور طرتهعجمها والبدو والحضرسائلي عن حالتي سفعها
ليس لي عن حالتي خبرريع صبري في محبتهمنه لا عين ولا أثر
سامح الله الظبا بدمي ... فهو في شرع الهوى هدر
وللمترجم قوله
أهواه قد لبست غدائره الدجى ... وصباح غرته المنير تبلجا
وعلى حواشي الورد من وجناته ... قد خط ريحان العذار بنفسجا
المى الشفاه يزينها خال لقد ... طبعت على ياقوتها فيروزجا
واحيرتي في شادن حلواً للمى ... رشأ رخيم الدل أحوى أدعجا
ما بين معترك القلوب ولحظه ... لا كان مطلب لحاجته التجى
لا صبر لي وقعت في اشراكه ... جهلاً وأنظر لا أرى لي مخرجا
أرجو رضاه ولو بسلب حشاشتي ... فيقول لي حاولت ما لا يرتجى
ويهز عطف التيه مختالاً كما ... شاء الهوى فأعود منقطع الرجا
ومن مقطعاته قوله
أيها الشادن المحجب عن عين ... محب بليله يرعاكا
أنت في أسود الفؤاد ولكن ... أسود العين يرتجى أن يراكا
وله غير ذلك ولم تصلني وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى.
صالح الغزاوي
صالح بن علي بن يوسف بن عبد الشافي بن علي بن عبد القادر الشريف لأمه الشافعي الغزي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفطن الأديب كان متفوقاً أديباً حسن الأستحضار حافظاً للنوادر وله في الأدب معرفة وفي اللغة والتاريخ من خلاصة الأفاضل والأدباء البارعين الأذكياء ولد بغزة هاشم في شوال سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف كما أخبرني والده الشيخ علي وارتحل إلى مصر وأخذ بها عن علمائها الفحول وتلمذ لتلك الجهابذة حتى حصل الفضل الذي لا نكر فيه وتولى افتاء الشافعية(2/214)
بغزة وقدم دمشق واستوطنها ودرس بالجامع الأموي وفي مدرسة الوزير سليمان باشا العظم الذي أنشأها بالقرب من داره داخل زقاق باب البريد ولزمه جماعة من الطلبة واستمر على الأقراء والافادة وكان منهمكاً بحب الدنيا وكان يكثر الترداد على آغة أوجاق اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري وله عنده مزيد الرفعة وتردد إلى الوالد أيضاً وكان الوالد يحسن إليه ويبره ويشهد بأدبه ونبله وله فيه الشعر والمديح فمن نظمه ما امتدح به والدي بقوله
عيون المها ردي سهامك عن نحري ... فمالي على رشق اللواحظ من صبر
وابق على الصب المتيم قلبه ... فقد راعه ما في الجفون من السحر
إلى الله أشكو ان في القلب لوعة ... تقلب أحشاء المحب على الجمر
وأجفان عين قد تجافت عن الكري ... فما تلتقي الا على دمعة تجري
سلوا لليل يخبركم دجاه بأنني ... أبيت سميراً لنجم فيه إلى الفجر
أبت مقلتي الا مجانبة الكري ... فواخجلي هل لي إلى الطيف من عذر
أهيم اشتياقاً نحو دار ألفتها ... فآهاً وآهاً ثم آهاً على مصر
ترقرق ماء النيل فيها كأنه ... لجين مذاب فوق أرض من التبر
ولولا بقايا طعمه في مذاقتي ... لما ظهرت تلك الحلاوة في شعري
وقائله لما رأت ما أصابني ... وصبري على داء أمر من الصبر
أتذكر مصراً بعدما صرت داخلاً ... رحاب هلال المجد في وجنة الدهر
على علا معنى العلا باشتراكه ... له في اشتقاق صار في السر والجهر
إليه أنتهي ما في النهى من مدائح ... جواهره في الجيد تزهو وفي النحر
له في مقام الجمع فرق وانما ... حقيقته التوحيد في عالم الذر
إلى الغير لم ينظر وإن حان لفتة ... فتلك مبادي الأمر من مبدأ السر
يربى مريديه بأدنى التفاتة ... ولولا المرادي ما نظرت سنا البدر
فإن مدحوه باكتساب معارف ... أقول علوم الوهب في صدره تجري
وإن خاض بحر البحث منه جداولاً ... تفجر من عين الحقيقة بالدر
فما الفخر في التفسير ما المجد في اللغة ... وما ابن دريد منه في النثر والشعر
وما السعد في علم المعاني وغيره ... إليه سوى مثل القلامة في الظفر
تنال به الفتيا بأوراقها على ... فضائله كالطل في مبسم الزهر
فطرزها منه اليراع بدائعاً ... لو أبصرها النعمان قال بها فخري
تجارت معاليه إلى غير غاية ... فغايتها قول الخلائق لا ندري
فيا واحد الدنيا وبيت قصيدها ... وشامة وجه الشام من غير ما نكر(2/215)
إلى بابك الأحمى أتت لي نجائب ... ونورك في الليل الدجوجي بها يسري
وقد لفظتني بلدتي لفظ زاهد ... ولاقيت فيها فوق قاصمة الظهر
تعالى بها قدر الأسافل وارتقى ... وخاب بها قصدي وحط بها قدري
وجئت دمشق الشام أطلب راحة ... ولولاك ما مرت دمشق على فكري
تقبل وقابلني براحة نظرة ... مرادية تفدي الأسير من الأسر
والا فارشدني إلى سيد له ... أياد تحاكي بعض نائلك البحري
فحاشى وقد قام الدليل محققاً ... بأنك في ليل المنى ليلة القدر
وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم
يا من إذا بخل السحاب بقطره ... فاضت أنامله وابل بره
الناس عام والكرام بأسرهم ... شهر الصيام وأنت ليلة قدره
منها
ينادي على الدهر لما أتيتكم ... دخلت حمى من فيه تؤمن من غدر
فإني إلى أهل الزمان بأسرهم ... سوى أهله بالقهر أسعى وبالمكر
وخذ نفثة المصدور غير مؤاخذ ... خطوب زماني أوضحت عندكم عذري
وإن عشت في نعماك قاطن جلق ... ساهديك من شعري أرق من السحر
وليس رقيق الشعر أسنى فضائلي ... ولكنه شيء يردد في صدري
فدم جامعاً شمل المعارف طالعاً ... مطالع سعد نافذ النهى والأمر
مدى الدهر ما الغزي صالح منشد ... عيون المها ردي سهامك عن نحري
وهي عروض قصيدة ابن الجهم التي مطلعها
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن ... سلوت ولكن زدت جمراً على جمر
وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بالباب الصغير رحمه الله تعالى.
صالح الحلبي
صالح بن مصطفى الشريف الحلبي اعجوبة الزمان ونادرة الأوان دعواه أكبر من معناه كان يلقب بالعشري ولد في أوائل هذا القرن وحفظ القرآن العظيم والشاطبية والرائية وكان يجمع للعشرة فلقب نفسه بالعشري لذلك وكان يحفظ أشياء كثيرة وله معرفة بالموسيقى وينظم الأشعار ويجاز عليها وينظم(2/216)
في اللغات الثلاث وربما نظم باللغة الكردية والعبرانية والرومية من غير فهم معانيها بل مجرد كلمات متغايرات المعنى والمبنى وكان في مشيه قزل وكان يكتسب من شعره فمن شعره ما كتبه مهنياً المولى السيد محمد أفندي المعروف بطه زاده نقيب حلب بمولود ولد له بقوله
فطوبى لمن قد جاء بداً وسيداً ... وحفت له الأنجاب في الحال أيدا
يدوم بحفظ الله في طول عمره ... على حسن أيام الزمان مؤيدا
وابن الأفندي العظيم محمد ... شهير بطه الشيخ قل زاد أحمدا
وهي عدة أبيات وكلها على هذا النمط وكان المترجم يتهم بكثرة المال وكذا والده وكان يدعى أنه يعرف الكيمياء ويدعى معرفة كل شيء وهو لا يحسن شيأً ولما كان ثامن شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وجد في بيته داخل باب الأحمر الذي هو باب بالوج ميتاً في قاعة خربة فغسل هناك ودفن وقد ناهز السبعين ولم يوجد في بيته ما يساوي عشرة قروش وقد وجد من توجه من طرف المحكمة لجل تحرير أسبابه زجاجة على رف القاعة مختومة ففضوا ختمها فإذا بها ورقة بخط صاحب الترجمة وخطبة من انشائه يقول فيها وبعد فهذا ما من الله به علينا وجمعناه وقصدنا صرفه في طريق الحج ولكننا رصدناه بعد دفنه وهو إن تحت الثلاثة الأحجار السود في الإيوان الشمالي كذا كذا ألف دينار بندقي وفي الصف الشرقي كذا كذا ألف دينار فندقلي وتحت المحل الفلاني كذا كذا سبيكة ذهب كل ذلك دفين في الأرض لأجل النفقة في طريق الحج وكي لا يرثه أحد من ورثتي فتعجب الحاضرون من ذلك ولم يكن في بيته أعمدة ولا أحجار سود في الأرض ولا الجدران.
صلاح الدين ابن الحنبلي
السيد صلاح الدين بن مصطفى الجعفري الحنبلي النابلسي المعروف بابن الحنبلي كان من أكابر بلده وأعيانها المشار اليهم والمنوه بهم مع فضيلة في فقه مذهبه وغيره وكانت وفاته في أواسط صفر سنة احدى مائة وألف.
صنع الله الديري
صنع الله المعروف بالديري الحنفي والخالدي القدسي أحد الأفاضل الأنجاب والنبهاء المتوقدة الألباب طلب العلم وارتوى من مناهله وجد واجتهد وتولى رياسة الكتابة في محكمة القدس كما سبق لآبائه ذلك مع الخط الحسن والنفس النفيسة وأصلهم من الدير قرية من قرى نابلس وكان للمترجم تقييد في المسائل فقيهاً كريماً سخياً حليماً ووقف في القدس وقفاً وعين منه مبرات للفقراء وخبزاً وطعاماً وقرآات وعمر سبيل ماء وكانت وفاته في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة باب الرحمة وترك(2/217)
أولاداً منهم الشيخ خليل تولي بعد أبيه وقام مقامه وكان فاضلاً سليماً فقيهاً توفي سنة احدى وستين ومائة وألف رحمهما الله تعالى وأموات المسلمين آمين.
حرف الطاء المهملة
طاهر النابلسي طاهر بن إسماعيل بن الأستاذ القطب العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الشيخ الفاضل الصالح النبيل الأوحد ولد سنة احدى عشر ومائة وألف ونشأ في حجر جده الأستاذ ورباه أحسن تربية وقرأ القرأن وطلب العلم فقرأ في الفقه على جده وغيره وصار له فضل في الجملة ثم إنه بعد وفاة الأستاذ بشهر وعشرة أيام حصل له اصطلام وجذبة الهية واستغراق في المشاهدات الملكوتية فدخل إلى الخلوة وأعرض عن الدنيا وبقي مختلياً ثلاث سنوات وسبعة أشهر وكان يقلل الغذاء شيأً فشيأً إلى أن مكث آخر أمره ثلاثة وستين يوماً لم يتناول فيها شيئاً من الطعام أصلاً وتوفي أخرها في ختام شهر ربيع الثاني سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن في حجرة والده الكائنة على يمين الداخل إلى دار الاستاذ في القبر القبلي ثم إن شقيقه الشيخ مصطفى الآتي ذكره بني على قبره وقبر والده المار ذكره قبة لطيفة موجودة إلى الآن ورثاه الأديب عبد الرحمن بن محمد البهلول بقصيدة طويلة مطلعها
شاهد القلب مصرع البين حقاً ... فله ساغ أن يذوب وحقا
وهي قصيدة طويلة مذكورة في ترجمته في كتاب صاحبنا الكمال محمد الغزي الذي وضعه في ترجمة جده الاستاذ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه.
طاهر المرادي
طاهر بن عبد الله بن مصطفى بن الأستاذ العارف الشيخ مراد أفندي المرادي كان من الكمل والنجباء الصالحين حسن الأخلاق والمعاشرة حلو المصاحبة والمسامره ولد بدمشق سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ومات والده وهو صغير فنشأ في كنف جده فرباه أحسن تربية وقرأ القرأن وأخذ في طلب العلم فقرأ على شيخنا أبو الفتح محمد العجلوني والضياء عبد الغني بن فضل الله الصالحي والشهاب أحمد بن عبيد الله العطار وغيرهم وأخذ الطريقة النقشبندية عن جديه والد والده ووالد والدته فإن والدته بنت الاستاذ محمد أفندي جدي وكان مستقيماً لا يخرج من دار الحرم الا قليلاً مشتغلاً بحاله عن غيره وارتحل مع جده لأمه للروم وكان لجده فيه محبة كلية وأعطى رتبة موصلة السليمانية المتعارفة بين الموالي ولما حج المولى علي أفندي والدي وابن عم المترجم في سنة ثمانين ومائة وألف أخذه معه فأصابه مرض في الطريق ولما عاد الحاج من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة توفي صاحب(2/218)
الترجمة وكانت وفاته من السموم الصادر ذلك اليوم فإنه مات به جملة كثيرة من الحجاج يوم دخولهم المدينة ومن جملتهم صاحب الترجمة بحيث كان الرجل يموت في أقل من درجة ودفن في بقيع الغرقد رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
طه الجبريني
طه بن مهنا الشافعي الجبريني المحتد الحلبي المولد العالم الفاضل المتقن العلامة المحقق واحد الدهر في الفضائل المفسر المحدث صاحب الاحاطة بالعلوم العقلية والنقلية كان المعيا وحيداً له الذكاء المفرط كاملاً بحاثاً محققاً مدققاً ورعاً زاهداً ناسكاً ولد في سنة أربع وثمانين وألف وطلب بنفسه وأخذ عن علماء ذلك العصر وحبب إليه الطلب إذ بلغ فسعى وجد واجتهد ورحل إلى الحجاز في سنة احدى وثلاثين بعد المائة وسمع صحيح البخاري على شارحه المتقن الضابط أبي محمد عبد الله بن سالم البصري وأجاز له به وبباقي ما يجوز له وقرأ العربية على الشيخ عيد المصري ومن مشايخه الشيخ تاج الدين القلعي مفتي مكة والشيخ عبد القادر المفتي بها أيضاً وأخذ عنهما وعن الشيخ يونس المصري والشيخ أبي الحسن السندي ثم المدني وغيرهم وعاد إلى وطنه واشتغل بالافادة والحق الأحفاد بالأجداد ثم عاد إلى الحجاز في سنة احدى وستين بعد المائة أيضاً وجاور بمكة المكرمة نحواً من سنتين وعاد إلى وطنه وكتب على صحيح البخاري قطعة صالحة وصل بها إلى المغازي وله تراجم أهل بدر الكرام رضي الله عنهم وغير ذلك من التحريرات وانتفع به خلق لا يحصون كثرة وله مداعبة لأحبابه وكان يعاني حرفة الا لاجة ينسج له وتباع ولم يكن له وجه معيشة ولا وظيفة غير ذلك وله شعر فمن شعره الذي خدم به سيد المرسلين عاقد اللحلية الشريفة قوله
يا أهيل النقا لقد همت وجداً ... في هواكم وقد جفا الجفن سهدا
ما تناسيت المربوع بسلع ... سل من الركب من تناسيت عهدا
كيف أنسى وفيكم من تسامى ... في سماء السماء فخراً ومجدا
خاتم الرسل سيد الكون طه ... من غدا في شمائل الحسن فردا
ذو جبين سما الهلال ووجه ... أخجل البدر بالبها اذ تبدى
في أساريره سنا الشمس تجري ... من سناه أهتدي الذي ضل رشدا
أهدب الجفن فوق خدا سيل ... أكحل العين بالنفوس مفدى
أفرق السن إن تبسم تلقي ... مثل حب الغمام والدر نضدا
أزهر اللون أنفه كان أقنى ... بالقنا للعدا أباد وأردى
شثن الكف للكراديس ضخم ... راحتاه جوداً من البحر أندى
ربعة كان إن مشى يتكفأ ... رجل الشعر ليس سبطاً وجعدا(2/219)
كان فخماً مفخماً يتلألأ ... خافض الطرف أكثر الخلق حمدا
بين كتفيه مثل بيض حمام ... خاتم الأنبياء للخلق مبدا
ومغيث لمن أتى مستجيراً ... من ذنوب فاضت على البحر مدا
وصريخ لمستريح خطوب ... قد توالت عليه صكاً وطردا
ورؤف بنا وأيضاً رحيم ... كم حباني فضلاً وللخير أسدى
يا رسول الورى سميك طه ... قد سعى في الهوى مكباً مجدا
كلما كان يستعد لرشد ... أخرته القيود عما استعدا
وهو قد حل في حماك وحاشى ... أن ينال المنيخ بالباب ردا
وصلاة الآله في كل آن ... مع سلام إلى ضريحك يهدى
وإلى الآل والصحاب جميعاً ... ما سنا كوكب بأفق تبدى
وله غير ذلك وكانت وفاته ضحوة نهار الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب المقام قبيل المغرب وقبره شمالي قبة العواميد وأسف عليه الناس بعد أن انقطع في بيته من أواخر صفر ومرض نحواً من عشرة أيام واختلط في مدة اقامته في بيته كثيراً وأعقب ولداً ذكراً وبنتاً وقد رأيت بعض من ترجمه ذكر أنه في فجر يوم وفاته وعنده جماعة منهم أولاد شقيقته وبعض أقاربه من النساء الخيرات إذ دخل عليه طائر أخضر وحام حوله مراراً والحاضرون ينظرون ذلك ويعبجون ثم جلس على صدره هنيئة وطار وقد أرخ وفاة هذا الاستاذ السيد عبد الله اليوسفي الحلبي بقوله
بشرى لطه حيث حاز فضائلاً عقلاً ونقلاًلقد ارتضاه وقد حبا
هـ الله مغفرة وفضلاًلما غدا الفردوس فيدار البقاء له محلا
أرخته بعلى الجنا ... ن محدث الشهباء حلا
حرف العين المهملة
عاصم الفلاقنسي
السيد عاصم بن السيد عبد المعطي بن السيد محمد الحنفي الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد أحد أعيان الكتاب وزبدة ذوي المعارف والآداب كان كاتباً أديباً بارعاً عارفاً متقناً لأدوات الظرف كاملاً عاقلاً ذا حشمة ووقار مع أدب وحشمة وهو أحد الكتاب في الخزينة الميرية بدمشق وصار مقاطعجياً ومحاسبجياً وكان في دولة ابن عمه السيد فتح الله الدفتري معتزلاً عن أحواله وما خالطه بأموره بل كان مستقيماً ومكباً على مطالعة كتب الأدب والتواريخ مشتغلاً بمحاسبات الدفاتر والأموال الميرية مع ثروة وخدم ورفعة(2/220)
ولما قتل ابن عمه المزبور أهين وأخذ منه مبلغ من الدراهم وصارت له اهانة كلية ووقف وقفاً بدمشق على ذريته وكان يستقيم في أوقات إيناسه في جنينة والده المعروفة الآن بالمترجم بالقرب من جامع السادات بمحلة القصب وكان كريم الذات وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شريف زكي الأصل مستوثق من الكمال بالقول الفصل كرم نفساً وذاتاً وكمل ذاتاً وصفاتاً فاستشرف منه العلي بدراً وشرح به فؤاداً وصدراً وأنزله في برج السيادة وألقى إليه ذمامه وقياده فما لبثت عليه عمائمه ولا ردت ريحان شبيبته عمائمه الا وهو خط وحط والأماني تناظره بعين الرضي وتلحظ طافحاً بسؤدد ومجد ومستفزاً إليه من غور إلى نجد تحمله عواقب آرائه وتحسده الشمس من بين نظرائه عقل كما رسى الهضب وفكر كما صقل العضب وقناة يراعة لا تغمز وذكاء من ريقة الشمل كما يرمز وشيم تتمناها قطع الرياض وفكاهة كما اضطرد الجدول على الرضراض انتهى مقاله وكان ينظم الشعر الا أنه نزر قليل فمنه قوله مشطراً
له وجنات في بياض وحمرة ... كعقد من الياقوت زين به النحر
فيا حسن لاذ بالدمقس توشعت ... فأوساطها بيض وأطرافها حمر
رقاق يجول الماء فيها كأنها ... شقائق نعمان يكللها القطر
وثغر به راق الرضاب كأنه ... زجاج أريقت في جوانبها الخمر
وله
وهضيمة الكشحين خود فوقت ... سهم المنايا نحو قلبي المغرم
فإذا بها لهب الغرام وقد غدت ... من أدمعي تجري كلون العندم
وله
قالوا اشتكى في ركبتيه علة ... أعيته حتى أعجزته قياما
قلت الحرى بتلك منه لسانه ... قطعاً لئلا يستطيع كلاما
وله مشطراً بيتي ابن عمه السيد فتح الله الدفتري بقوله
بقيت مادامت الأفلاك دائرة ... وما تزينت الزرقاء بالزهر
ولا برحت من الأفراح في حلل ... تدير فينا شموس الراح في السحر
ودم تقلد أسماعاً لنا درراً ... عن مثلها يعجز النحرير ذو الفكر
وسورة الحمد نتلوها بالسننا ... كما تلا الطرف منا سورة القمر
وله أيضاً(2/221)
قلت للحب حين فاه بذكرى ... في مقام العذال والرقباء
لا نعرض لدى العذول بذكرى ... فلديه التعريض نصف الهجاء
وهو من قول ابن المعتز
يا هلالاً يلوح في فلك الناورد ... رفقاً بأعين نظاره
قف لنا في الطريق إن لم تزرنا ... وقفة في الطريق نصف زياره
وقد تبعه في ذلك الرئيس منصور القيرواني فقال
يا غزالاً أصاب مقتل صب ... بفتور من أعين صياده
سل عن المستهام إن لم تعده ... فسؤال الحبيب نصف العياده
وقد تبعه على ذلك زمرة من الأفاضل البلغاء والأدباء النبغاء فمنهم البارع الأديب الشيخ صادق الخراط الدمشقي فقال
يا مليكاً يتيه في حلل الحسن ... معناك قد أطال انتظاره
زر بطيف الخيال إن لم تزره ... زورة في الخيال نصف الزياره
وقال أيضاً
يا ظلوماً قد استباح جفائي ... ثم آلى إن لا يفي بلقائي
عدوان لم تفي بوعدك صبا ... إن وعد الحبيب نصف الوفاء
وله أيضاً
ذبت شوقاً إلى لقاك فعدني ... بوصال وسلني بالمحال
وإذا لم تصل فجد بسلام ... فسلام الحبيب نصف الوصال
ولصدر الأفاضل أحمد المنيني
الزم الصدق في أمورك واسلك ... منهج النصح والوفا للرفاق
لا تداهن يوماً من الدهر خلا ... انها يا زكي نصف النفاق
وقال
اجعل القنع عادة لك واحذر ... خلقاً من ذوي العقول المطيشه
واقتصر في الأمور تظفر بنجح ... إن في الاقتصار نصف المعيشه
وله أيضاً
أسهر الليل في مذاكرة العلم ... لذي فطنة وفهم مصيب
وأهجر النوم فيه إلا قليلاً ... إنما النوم نصف موت اللبيب
وقال أيضاً
قل لمن يطلب الزيادة من ... دنياه خوفاً من آفة الافتقار(2/222)
إنما رمته كنصف افتقار ... والرضى باليسير نصف اليسار
وله أيضاً
يا لبيباً يرتاد مجلس علم ... ثم يلقي السؤال من غير فهم
حسن القول في سؤالك وأسأل ... إن حسن السؤال نصف العلم
وللأديب السيد أحمد الغلاقنسي
قال لي اللائم الجهول لماذا ... قد هجرت الدروس والاستفادة
وخللت الإيناس واغتضت با ... لأيحاش عنه وصار ذلك عادة
واعتزلت الأنام قلت لأمر ... فاعتزال الأنام نصف العبادة
وله أيضاً
قيل لم لا تجل مع القوم فيما ... قد أجادوا ابداعه وانتظامه
ولزمت السكوت في كل حال ... قلت إن السكوت نصف السلامة
وللنبيل النبيه محمد بن عثمان الشمعة
تقيد بالفرايض والتزمه ... وكن في روضه مع ألف رائض
فأهل العلم يذهب عن قريب ... ونصف العلم صح هو الفرائض
وللماهر الأديب مصطفى اللقيمي الدمياطي
كان قلبي في حصن أمن بوصل ... فدعاه جيش النوى فاراعه
فرماني ولم يكن بجبان ... فلديه الفرار نصف الشجاعة
وله
زارني من أحب من بعد بعد ... وحباني بوصله والتلاقي
وسقاني من ثغره رشفات ... أطفأت جمر لاعج الأشواق
ورقيبي أتى فبدل أنسي ... فحضور الرقيب نصف الفراق
وله أيضاً
وبخيل لداره قد دعاني ... وقراه اعتذاره بالكلام
فعلى الجوع قد رجوت ثواباً ... من الهي فالجوع نصف الصيام
وله أيضاً
وبروحي غزال حسن سباني ... مذ غدا شاهراً سيوف الجفون
صرت مغمى لما نضاها فطرفي ... رش وجهي منه بماء الشؤون
لم أكلف لفرض لوم عذول ... حيث إن الاغماء نصف الجنون
وقال أيضاً(2/223)
لا تبلغ إذا سمعت سبايا ... واسع بالصلح واستعن بالكتم
لا تقل إن في النميمة صدقاً ... إن نقل السباب نصف الشتم
ولحاوي الكمال سليمان بن أحمد المحاسني
إذا ما حبيبي قد ألم بفكره ... لطيف وصال إذ مررت بباله
فعندي هو الود الأكيد أعده ... من الحب منا أو كنصف وصاله
وللفاضل الكامل إسماعيل المنيني ابن أحمد المنيني المترجم سابقاً
ومليح ممنع ليس يدري ... فرط ما بي من الهوى والتصابي
كلما رمته انثنى بازورار ... وسكوت وليس يدري ما بي
قلت لم لا تجود يوماً برد ... قال إن السكوت نصف الجواب
وله أيضاً
اجهد لنفسك تظفربنيل كل رجاءوفز بنيل كمال
به كمال العلاءفلست تلفي جهولاًفالجهل نصف العماء
ولأخيه الزكي اللبيب عبد الرحمن المنيني المترجم أيضاً فيما يأتي
يا بروحي أفدي حبيباً جفاني ... غب بين مبرح وفراق
بكتاب أحيي عليل فؤادي ... فكتاب الحبيب نصف التلاق
وللوذعي السيد محمد بن السيد مصطفى الراعي
اجعل السعي في نهارك حتى ... تأذن الشمس ضوءها للذهاب
واجعل النوم زاد عينيك ليلاً ... سهر الليل قيل نصف العذاب
وله
لذة العيش في زمان الشباب ... فاسهر الليل باغتنام التصابي
واهجر النوم في اقتناص سرور ... انما الليل نصف عمر الشباب
وله
احفظ العين إن نظرت مليحاً ... فهو فخ به لصيدك حبه
يترأى لها الجمال وقالوا ... نظرة العين نصف داء المحبة
وله أيضاً
يا من بفرط التجني ... أهاج للصب وجده
أهل المحبة قالوا ... نصف الوصال المودة
وللأديب السيد محمد بن عبد الباقي الشويكي
مذ بدا عارض بخد حبيبي ... وبه نلت وصلة للوصال
قيل قد زال حبه فاسل عنه ... قلت كفوا فالشعر نصف الجمال(2/224)
وله
بأبي شادن أبي لثم ثغر ... وحباني من كأسه بسلاف
قلت أفديك هاتها بعد شرب ... شرب فضل الحبب نصف ارتشاف
وله أيضاً
بأبي فرد جمالوجهه للحسن قبلهجاء من بعد بعاد
وأباح الصب وصلهوعن القلب شفي باللمس من كفيه غله
قيل هلا نلت لثماًمنه يشفي السقم كلهقلت لثم الكف عندي
من حبيبي نصف قبله
ولصاحبنا الكمال محمد الغزي العامري قوله
بعض هذا الدلال يكفيك يا من ... من سلطان حسنه بقفوله
فمحياك كان بدر تمام ... ونبات العذار نصف أفوله
وقوله
وقصير القوام أحور أحوى ... حسنه قد حكى لحور الجنان
قده قد أعاب جهلاً عذولي ... قلت يكفي المشوق نصف سنان
وللحسيب السيد عبد الرزاق البهنسي
قيل لم لم تجانس القوم فيما ... حاولوه بفكرة وقاده
وهجرت الفريض دوماً وما حا ... ل الجريض من دونه والافادة
قلت كفوا الملام عني فإني ... قد رأيت السكوت نصف العبادة
وله أيضاً
وقالوا إلى م بذكر الحبيب ... تفوه وقد عدت مثل الهلال
فقلت دعوني على ما ترون ... فذكر الأحبة نصف الوصال
وللبيه السد عبد الفتاح مغيزل
قالوا نراك متيماًفي حبة تبدي الفنونفأجبتهم لا تعجبواإن الهوى نصف الجنون
وللكامل أبي بكر نصرت الرومي
لا تكن في الدهر منهما بمن ... ساء منه الفعل في حق الأنام
قد كفينا منه لو حققته ... إن كظم الغيظ نصف الانتقام
وللفاضل الأوحد أحمد بن عبد اللطيف العمري
ناج مولاك في الدجى واغنم الفر ... صة وانهج نهج الكرام الأوائل
ثم لازم على التسابيح فيه ... فصلاة التسبيح نصف النوافل(2/225)
وللكامل السيد سعيد الجعفري
هذه دارهم وإن فؤادي ... للقاهم مولع بالتصابي
مربي الركب قلت قف بي قليلاً ... على أحظى بلثمة الأعتاب
هي حسبي إن لم أفز بلقاهم ... إنها نصف رؤية الأحباب
وللفائق شاكر بن مصطفى العمري
قلت لما بدا الحبيب كظبي ... في نفار وقد أراني صده
هل سلام إن لم يكن لي وصال ... فابتداء السلام نصف المودة
وللأديب عبد الحي بن إبراهيم البهنسي
لو بعين الانصاف أمعنت في ... الأنصاف من نظم درها المنثور
لتحققت حكمة الشعر منها ... حاكماً إنه لنصف الشعور
وللأديب سعيد السمان
وم أزمعت سيراً وعاث الذي وشى ... ولم أستطيع التوديع والنطق بالفم
أشرت لها بالجفن والجفن مفعم ... دموعاً غدت تحكي عصارة عندم
وقلت لقلبي بالمحال مسلياً ... الا أن غمز الجفن نصف التكلم
وله أيضاً
قال حمامنا الذي يذهب الغم ... ويشفي من موبقات الهموم
ادخلوني وابشروا بسلام ... فدخول الحمام نصف النعيم
وله أيضاً
حين وافى الحبيب من بعد هجر ... وأباح المشوق منه قياده
ودرى خلسة الوصال رقيبي ... فأتاني بقالة مستجاده
ضم والثم ولا تخف من رقيب ... فاطلاع الرقيب نصف القياده
وله أيضاً
لا أريد الوصال بالمن ممن ... انحل الجسم بالجفا والدلال
إنما دائماً له أتمنى ... فتمنى اللقاء نصف الوصال
وله أيضاً
إذا ما امرؤ وافاك في حل مشكل ... من العلم لا تعجل وزاوله بالفكر
وليس معيباً قول لم أدر في الورى ... فقد قيل نصف العلم قولك لا أدري
وله أيضاً
قد شكا أعمى تباريح الجوى ... لمعنى مبتلي بالعور(2/226)
قال لا تشكو وسلم للقضا ... إن عندي صح نصف الخبر
وله أيضاً
لا تلمني إن طلقت في الدياجي ... مقلتاي الكري على التحقيق
قد عراني كما سمعت شخير ... هو عند الخبير نصف النهيق
وله أيضاً
يا خليلاً أبدى صداقة حب ... وحباه من اللسان حلاوه
لا تصاحب عدو خلك يوماً ... إن ذا في الأنام نصف العداوه
وللفاضل السيد شاكر العقاد العاملي الدمشقي
مربي أحور اللواحظ المى ... ريقه السكري غدا كالزلال
تاركاً للسلام منه دلالاً ... إن ترك السلام نصف الدلال
وللسميدع النجيب الأخ السيد أحمد سعيد المرادي
لي حبيب حسنه كالقمر ... ريقه أحلى لنا من سكر
قبلوا من خده واغتنموا ... قبلة في الخد نصف العمر
وللكامل الفاضل السيد عبد الباقي الشويكي
حسن اللبس ما استطعت وحاذر ... أن تدع ما يكون للناس أسوه
لا تدع زر عمة حيث قالوا ... إن زر القاووق نصف الكسوه
وللبارع الشيخ محمد سعيد بن مصطفى المعروف بالنابلسي قوله
أفدي الذي في حبه ... ما زلت في قيد الهيام
لو من لي بسلامه ... نصف المودة في السلام
وقوله
في أغيد حاز البها ... قلبي تولع إذ سفر
هو في المحاسن مفرد ... وجبينه نصف القمر
وللألمعي السيد عبد القادر الحلبي البانقوسي
شاقني في وجهه معنى بديع ... رق فهماً عن حجي طالبه
ليس بالحمرة للخد ولا ... حسن عينيه ولا حاجبه
فتراه يجذب القلب به ... نصف حسن الحب في جاذبه
ولأخيه المفنن السيد محمد صادق الحلبي قوله
يا صاحبي أما وحق صفائها ... في كأسها المتشعشع البراق
لا أبتغيها لذة إن لم تكن ... في كف أهيف فاتر الأحداق(2/227)
تشهيك من أقداحه أحداقه ... نصف الهنا يا صاح حسن الساقي
وقوله
كم ترم نيل المعالي جاهلاً ... سبلها ليس المعالي بالكسل
فرض النفس ولا تركن لها ... نصف قطع السيف من زند البطل
وللبارع الشيخ أحمد المعروف بابن شمس الخلوتي
إن رمت أن ترقى العلاوتحوز أخلاقاً سنيهوترى عداءك أصدقا
ءك بعد ابداء الأسيههاديهم متعطفاًنصف المحبة في الهديه
وله
يا صاح إن رمت الظرا ... فة بالتجمل واللطافة
مل للنظافة إنما ... نصف التجمل في النظافة
وله أيضاً
إن النساء عدمتهن ... ذوي الخيانة والأسى
منهن كن متحذراً ... نصف البلاء من النسا
وللمتفوق اللغوي الشيخ مكي الجوخي
لا تجادل بغير حق خليلاً ... والتزم نصرة لحق مبين
واتبع منهج الصواب وأنصف ... صاح إن الانصاف نصف الدين
وللسيد محمد البيروتي الدمشقي
إياك والمزح الكثير ... فإنه نصف النكد
وإلى حسودك لا تمل ... نصف العداوة من حسد
ولبعضهم
إن رمت تدعى كاتباً يا ذا العلا ... وتكتب الخط الفريد المنتظم
فجود الأقلام وأحسن قطها ... فنصف حسن الخط في قط القلم
وله
ملك بالحسن قد جار ولم ... يخش في الجور وثيبات الزمن
أنصف المظلوم وأرعى حقه ... إن نصف الناس أعداء لمن
ولآخر
أفدى مليحاً جفاني ... وزاد بالهجر صده
عطفاً بحال محب ... فالعطف نصف الموده(2/228)
ولآخر
كن حامداً لله مهما استطعت ... ففي أي حال يرى منعما
واسئل من الله حفظ العيون ... فإن عور العين نصف العما
ولآخر
فرج عن النفس وكن ... مؤملاً للنعم
لقد أتانا مسنداً ... الهم نصف الهرم
ننتهي وقد أطلنا في ذلك وأكثرنا عبور هذه المسالك الا أنه لم يخل من لطافة وكانت وفاة المترجم في سنة سبعين ومائة وألف ودفن بالجبانة الارسلانية رحمه الله تعالى.
عامر القدسي
عامر الشافعي النابلسي ثم القدسي الشيخ العالم الفاضل الورع المحدث المرشد الصالح الفالح الفقيه كان ملازماً للعبادة والافادة صاحب قلب عامر وذكر عاطر من علماء القدس المقيمين على آداب العبودية عمر أوقاته بين تعليم وارشاد وذكر وفكر محيي الليالي بالمشاهدة والمجاهدة ملازماً للمسجد الأقصى قانعاً بالقوت معرضاً عن السفساف وقد استفيض عنه إن بعض تلامذته دخل عليه في حجرته فلم ير الا فروته فرجع فوقف على باب الحجرة فإذا هو يسمع صوت الشيخ وهمهمته فالتفت فإذا الشيخ في مكانه فعرف قدره عند ذلك وحاله وكان دابه الخمول وترك الفضول لم يدنس نفسه بطمع صابراً ينتشر العلوم النافعة معرضاً عن لذة الدنيا وكانت له حواشي على بعض المؤلفات المعتبرة وأصله من نعير بنون وعين مهملة وراء مصغرة قرية من قرى نابلس وكان من المعمرين في السن ولم يزل على حالته الحسنة المرضية في أطواره وأحواله على مدى الأوقات إلى أن توفي وكانت وفاته في سنة أربعين ومائة وألف ومائة وألف ودفن في تربة باب الرحمة رحمه الله تعالى.
عامر المصري
عامر الشافعي المصري الضرير نزيل حلب الشيخ المقري الفاضل الماهر المتقن الاستاذ ولد في حدود الثلاثين وألف وأخذ بمصر وجوه القراآت عن شيوخ الحافظ البقري المشهور وعنه وقدم حلب قبل المائة وألف من السنين ونزل بالمدرسة الحلاوية وأخذ عنه قراء وقته كالشيخ يوسف الشراباتي والشيخ إبراهيم السبعي المحبي وخلائق وانتفع به الناس وكان دمث الأخلاق أخبر تلميذه الفاضل(2/229)
المتقن الشيخ عمر امام جامع الرضائية إنه قرأ عليه القرآن قبل وفاته بشهور قلائل قال كان لي اخوان يقرآن عليه فأخذني أحدهما يوماً معه وكنت في سن الثمان سنين فرأيت شيخاً كبير السن فلما قبلت يده قال لأخي هذا صغيركم سنه فقال له ثمان سنين فضجر وقال لأخي خذه إلى المكتب فقال له أخي إنه ختم القرآن ونريد أن تشرفه تبركاً بالقراآت فقرأت حصة من سورة البقرة فأعجبته قرآءتي وقال لأخي دعه عندي يخدمني إن شاء الله تعالى ينتفع بالقرآن فأقمت عنده غالب الأوقات إلى أن مرض وكنت وصلت إلى سورة إبراهيم عليه السلام فأتيت يوماً وطرقت باب الحجرة عليه فقال من هذا فقلت عمر فقال رح عني أنا غداً أموت فذهبت فلما كان ثاني يوم أتيت فرأيته توفي وأخرجه ضابط بيت المال من الحجرة وختمها وظهر عنده دراهم وحوايج انتهى وكانت وفاته في سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج رحمه الله تعالى.
عباس الوسيم
عباس بن عبد الرحمن بن عبد الله الملقب بوسيم على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الأحدب الحنفي القسطنطيني الأديب الحاذق الطبيب الماهر العارف قرأ كتباً عديدة في علم الطب وأخذه عن الاستاذ علي البروسوي الطبيب السلطاني وبلديه عمر شفاي البروسوي ومهر في الطب وطالع غالب كتبه وأخذه أخذ حاذق خبير وأتقنه وأخذ علم الحكمة عن العالم أسعد الياينوي وقرأ عليه بالفارسية وأخذها عنه وقرأ كتاب المثنوي وغالب الكتب المفيدة بالفارسية على أساتذة أجلاء وأخذ الخط التعليق عن الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر ورئيس الأطباء في الدولة وبرع بالأدب والطب والحكمة وغيرها من الفنون وشرح زيج الغ بيك في علم النجوم وألف كتاباً في الطب سماه الدستور الوسيم وله غير ذلك من الآثار وفتح حانوتاً بالقرب من جامع السلطان سليم خان واشتهر في دار الخلافة وكان ينظم الشعر المرغوب في التركية وله ديوان معروف توفي في شوال سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف.
عبد الباقي التاجر
عبد الباقي بن أحمد التاجر الموصلي الشافعي عالم وقته وفريد دهره كان له الذكاء المفرط والفطنة التامة والمعرفة الكاملة مبرزاً في المعقول والمنقول ولد سنة ثلاث وتسعين وألف بالموصل ونشأ بها واشتغل أولاً بالتجارة ثم ترك ذلك وقرأ على الشيخ إسماعيل بن جحش الموصلي وغيره من الفحول وله تآليف عديدة وتعليقات(2/230)
مفيدة منها منظومة في النحو وكان على جانب عظيم من الصلاح ترجمه في الروض فقال أحد التجار المتخذ تعاطي الكمال من أعظم الفخار فكم له في سوق الأدب من بضاعة وكم له في صياغة المعارف من بديع صناعة فهو رواء الصادي ومورد الغادي والبادي وهو الثابت الأصول والمرهف الفصول حج من طريق العراق سنة احدى ومائة وألف وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى.
السيد عبد الباقي مغيزل
السيد عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الشريف لأمه لكون والدته ابنة السيد السند موسى الصمادي الامام العالم الفاضل البارع النحوي المفنن ولد في حدود الستين بعد الألف واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل لذلك فأخذ الفقه عن الشيخ محمد العيسى والشيخ علي الكاملي والحديث عن الشيخ أبي المواهب والنحو عن الشيخ نجم الدين الفرضي والمعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال وأصول الدين عن الشيخ يحيى الشاوي المغربي وبرع وساد ودرس في الجامع الأموي في فنون من العلم وعكف عليه الطلبة للاستفادة وكان فصيحاً ذكياً ومن محاسنه إنه كانت له منقبة عجيبة ماتت بموته وهي إنه كان إذا حضر في محضر فيه أحد من أهل العلم ذكر في التفسير مبحثاً من تفسير البيضاوي أو تفسير الزمخشري أو مبحثاً في الفقه أو في المعاني والبيان أو في معنى بيت شعر فينتشر البحث ويستفيد غالب الحاضرين ممن يكون من طلبة العلم أو يكون له فهم وذلك مع الأدب والانصاف والتواضع منه ويسلم المجلس من لغو الكلام والغيبة ويحمده على ذلك أهل الديانة من الحاضرين وينقبض منه من كان بخلاف ذلك فتنبعث همم غالب الحاضرين من أهل العلم على مراجعة تلك المسئلة التي ألقاها والمسائل التي جرها البحث في كتب العلم فمن فوائده إن من العطف نوعاً يسمى العطف التلقيني وهو إن تعطف جملة على جملة ويختلف قائلهما ويكون المتكلم بالجملة الثانية مذعناً لمضمون الجملة الأولى كقوله تعالى قال إني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي وذكره الشيخ خالد في باب العطف من شرح التوضيح ومن فوائده إن الأكبار من أسماء الحيض وقد ذكر بعض المفسرين في أكبرنه من قوله تعالى في سورة يوسف فلما رأيته أكبرنه إنه بمعنى حضن على الحذف والإيصال أي أكبرن منه وفوائد المترجم كثيرة ولولا الاطالة لذكرت منها شيأً كثيراً وكان ديناً مواظباً على حضور الجماعات بالجامع الأموي وعيادة المرضى وشهود الجنائز وترجمة الأديب السيد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال(2/231)
في وصفه من الزمرة الأولى من أخلائي ومن به أشرق في أبان رونقه وجه اجتلائي فاستهليت أنا وإياه العيش بدرياً وهززت غصن اللذات غصناً طرياً في زمان عيون سعوده روان والآمال فيه دوان ما بين بكر وعوان لم يتعد فيه أرضي عن أرضه ولم نأل فيه من القيام بنفل الود وفرضه ولم يتنسم أحدنا أخاء الأهب الآخر معه رخاء وهو ممن خلصت ذاته خلوص الذهب على اللهب وتميزت بما أحرزته من نسب شريف وحسب ونشب تليد ومكتسب شمر في الطلب عن ساق وأبدى بدائع حسن واتساق وله براعة تعرب عن لسان ذليق وذهن متوقد يزينه وجه طليق وفضل يستغني عن المدح وشعر يعلم الحمامة الصدح قد استخرجت له ما هو كالروض المعطار تضحك ثغور نواره عن بكاء الأمطار انتهى ما قاله ومن لطائف الأمين تنكيته عليه بقوله وشعر يعلم الحمامة الصدح وقد أشار إلى نكتة وهي أن والد المترجم كان يلبس الثياب البيض فكان يلقب بالحمامة فأشار الأمين بذكر الحمامة إلى هذا اللقب وهذا التنكيت حسن بخلاف الأديب الشيخ سعيد السمان فإنه قل إن يأتي في تراجمه بمثل ذلك بل غالب تراجمه قدح ظاهر كما هو مسطر في تراجمه التي ذكرتها في هذا الكتاب فراجعه إن شئت ومن شعر المترجم قوله
أواه من ذلك الخشف الذي سنحا ... من أكسب المستهام المبتلي برحا
لم أنس إذ مر مختالاً بقرطقه ... من دونه ذلك القد الذي رجحا
يزور لحظاً بطرف زانه حور ... فكم طريح على فرش الضنى طرحا
وكم دواعي الهوى من كل جارحة ... تستخبر القلب عنا آية جنحا
قال الأمين وبعث إلي بهذه الأبيات وكان وافاني ولم يجدني في بيتي
يا ماجداً حاز السيادة يافعاً ... وغدا بأثواب البراعة يرتدي
من مذكري عهد الشبيبة والصبا ... والعيش مع وصل الحسان الخرد
كم مرة قد جئت نحو حماكم ... كي أن أفوز برؤية الوجه الندي
فلسوء حظي لم تجدكم مقلتي ... فرجعت من ذاك الحمى صفر اليد
فكتبت إليه
مولاي من دون الأنام وسيدي ... بلغتني بالسعي أسنى سؤدد
وافيتني والبيت مني مقفر ... من سوء حظي والزمان الأنكد
هي عادة الأيام أرجو صاحباً ... فيصده قدر علي بمرصد
وإذا أبيت فتى وعفت دنوه ... الفيته نفسي يروح ويغتدي(2/232)
وللمترجم
كلما رمت خلاصاً من هوى ... ظبي أنس حبة القلب ملك
قال لي حسن حواه كم له ... من شج مثلك ملقى في الفلك
وقوله
قلت إذ جاء صاحبي ... يشتكي حرقة النوى
كيف شكواك إننا ... كلنا في الهوى سوا
وهذا المصراع قد أكثر الناس من تضمينه وأشهر تضامينه قول بعضهم
قل لمن جاء يشتكي ... باهتمام من الهوى
لأتفه بالذي جرى ... كلنا في الهوى سوا
قال الأمين وأنشدته يوماً قولي معمياً باسم موفق
من ولاة الجمال سلطان حسن ... حكمته القلوب فازداد عجبه
حد للقلب مذ سما حد سر ... نازل في حشاه ما راق حبه
قال فحله وحلاه فقلت أخاطبه
مولاي يا حلال كل مشكل ... بفمه ورأيه السديد
أفديك مذ حليت ما عميته ... حليت قلبي وفمي وجيدي
فقال هذا يشبه قول العفيف
قد قلت لما أدار شداً ... بخصره يا مهفهف القد
حليت قلبي وعقد صبري ... وعاطل الخصر منك بالشد
وطالما جال في خلدي من أي نوع هذا من أنواع البديع فقلت له قد ذكر البدر الدماميني في حاشيته على شرح لامية العجم إنه نوع من الاستخدام وأنشد منه قول ابن نباتة
رشفتها في مكان خلوتها ... وجيد الحسن ثم قد جمعا
حلت مذاقاً ومشرباً وفماً ... والجيد والشعر والصفات معا
وفيه استعمال كلمة واحدة على ستة معان وقدم إن مثل هذا لم ينصوا عليه في الاستخدام انتهى وكتب إليه الأمين المذكور يستدعيه إلى منتزه بالشرف الأعلى بدمشق في يوم شرف الشمس سيدي النفس خضراً والربيع أخضر وأنا شريف وأنت شريف فما علينا أن نهجر المألف والمربع ويجمع بين هذه الفصول الأربع في زمن تعتدل فيه الطباع وتقف عليه الخواطر والأسماع فانهض لنكون ألفين ولك الأعلى من الشرفين في يوم حل به شرف(2/233)
الشمس واتدلت الحواس الخمس فهناك أنشدك باللسان مع موافقة الجوارح والجنان
لم لا أتيه في العلا ... على جميع السلف
والسيد الشريف قد ... شرفني في الشرف
وكانت وفاة المترجم في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورثاه الأديب الشيخ سعيد السمان بقصيدة مطلعها
مصاب لقد عم الأنام عظيم ... وخطب على مر الزمان يدوم
ورزء تكل اللسن عن شرح وصفه ... وفي القلب منه مقعد ومقيم
الا لا رعى الله الفراق ويومه ... لقد عاد صبري منه وهو هزيم
وتباً لدهر لا تزال صروفه ... لتكدير أوقات السرور تروم
أرتنا بوقع الحادثات عجائباً ... يشيب لهن الطفل وهو فطيم
فحاذر ولا تغتر يوماً بصفوه ... فما هو الا للأنام هموم
فكيف وقد حلت أكف صروفه ... من المجد وسط العقد وهو نظيم
همام حوى الأفضال والحلم والتقى ... لسؤدده بدر الفخار خديم
هو الجهبذ النقاد والصدر كهفنا ... وحيد السجايا والخلال كريم
فيا حر قلبي كيف يلتذ بعده ... وأطلب عيشاً ناعماً وأسوم
ويا لهف نفسي كيف أصبح في الثرى ... وقد كان شمساً والكرام نجوم
عبد الباقي الحنفي
عبد الباقي بن علي الحنفي الوارنوي نزيل قسطنطينية الفاضل الأديب الفقيه البارع أحد المشاهير من الأفاضل قدم قسطنطينية وصار خادماً في تربة السلطان أبي الفتح محمد خان وأحد كتبة الأسئلة في باب شيخ الاسلام ودخل طريق المدرسين ولازم على عادتهم في سنة احدى وخمسين ومائة وألف وتنقل بمراتب التدريس حتى وصل إلى الثمان ومنها خرج بقضاء أزمير وقربه وأحبه مفتي الدولة المولي ولي الدين وجعله شيخاً ومعلماً لولده المولى محمد أمين وكان مع فضله ينظم الشعر العربي ورأيت له تخميساً على قصيدة بانت سعاد وله غيره من الآثار وكانت وفاته في ثاني عشر صفر سنة سبع وثمانين ومائة وألف والوارنوي نسبة إلى وارنة بلدة في روم ايلي معروفة.
عبد الجليل المواهبي
عبد الجليل بن أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي الدمشقي الشيخ العالم المحقق المدقق الفهامة الامام الفاضل ولد بدمشق في سادس شعبان سنة تسع وسبعين(2/234)
بعد الألف ونشأ بها في كنف والده المتقدم ذكره واشتغل بطلب العلم على والده وعلى غيره ولازم الشيخ إبراهيم الفتال ومفتي دمشق الشيخ إسماعيل الحايك والشيخ عبد القادر ابن عبد الهادي أخذ عنهم الأصلين والنحو والصرف والمعاني والبيان والعلامة الشيخ عبد الرحيم الكابلي نزيل دمشق وأخذ الفقه والحديث ومصطلحه عن والده وقرأ على الشيخ عثمان القطان وأجازه المحقق الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة والعلامة السيد محمد البرزنجي الكوراني نزيلها أيضاً وبرع في المعقولات لا سيما النحو والصرف والمعاني والبيان وجلس للتدريس بالجامع الأموي وعكف عليه الطلبة للاستفادة وكان عجباً في تقرير العبارة يؤديها بفصاحة وبيان وله من التآليف نظم الشافية في الصرف وشرحها شرحاً حافاً وله تشطير بديع على ألفية ابن مالك في النحو وله أرجوزة في العروض وغير ذلك من الرسائل وكان وقوراً ساكناً كثير البر بوالده وشوهد مراراً إذا كان في درسه ومر عليه والده يقوم من الدرس ويأخذ مداس والده منه ويمشي خلفه بأدب وسكينة ويلازم حضور دروس والده بالجامع الأموي بين العشائين وكان والده يحبه كثيراً ويحترمه ويدعو له لما كان عليه من البر والديانة والصيانة وملازمة الطاعات وكف اللسان عن اللغو والانقطاع عن الناس وكان ينظم الشعر الباهر فمنه قوله مشطراً الأبيات المنسوبة لجعفر الصادق رضي الله عنه
عتبت على الدنيا وقلت إلى متى ... تسيئين صنعاً مع ذوي الشرف الجلي
أفاقدة الانصاف حتى عليهم ... تجورين بالهم الذي ليس ينجلي
فكل شريف من سلالة هاشم ... بسيء حظ في مذاهبه ابتلي
ومع كونه في غاية العز والعلا ... يكون عليه الرزق غير مسهل
فقالت نعم يا ابن البتول لأنني ... خسيسة قدر عن علاكم بمعزل
وأما اساآتي فذلك انني ... حقدت عليكم حين طلقني علي
وقوله مشطراً هذه الأبيات المنسوبة لأبن عباس رضي الله عنهما
أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن بها المسرة والكمالا
وراعوا حقها في كل وقت ... فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس ... انلناها الترفه والدلالا
فخير في نواصيها أقتضي أن ... حفظناها فأشبهت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم ... ولا نخشى لنعمتنا زوالا(2/235)
ونلبسها المحاسن من حلي ... ونكسوها البراقع والجلالا
وقوله مذيلاً على البيت الأول
إذا ملك لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه
فجد للفقير بما يبتغي ... وأفضل مالك كن واهبه
ولا تلف دهرك مستوهباً ... فخير اليدين يد واهبه
وفي الله عن كل شيء غني ... فكن راغباً فيه أو راهبه
ونل طيب العيش وأنعم به ... ولا تك أشعث كالراهبه
وعمرك راس جميع الذي ... ملكت فبالخير كن ناهيه
وحاذر معاصي الآله التي ... تكون لأجر الفتى ناهبه
ومن مال ربك أنفق فما ... تملكت عارية لاهبه
ودم في علاه لترقى العلا ... وتنجو من ناره اللاهبه
وقوله
يا واجداً من بديع الحسن أجمله ... مالي جيدك عني كنت آمله
أليس يحرم لي الواجدين كما ... نص الآله على هذا وأنزله
وقوله
أيها المكتسي رداء جمال ... فوقه برنس المحاسن زانه
من ينعم بنظرة منك يوماً ... أذهبت عنه دائماً أحزانه
وسلا أهله وكل حبيب ... كان يهوى كما سلا أوطانه
وقوله
سلم لله الأمر ولا ... تيأس أبداً من رحمته
جهلت نفس عرفته وما ... رضيت بنفوذ أرادته
عجلاً يأتيك الروح إذا ... سلمت له ولحكمته
لله الأمر فلا تضرع ... للخلق وخف من نقمته
أوما المولى ملك أحد ... ذل الأملاك لعزته
للحال وإن ضاقت فرج ... يأتي المهموم بنصرته
لبين بذلك قدرة من ... تجري الأشياء بقدرته
هون ما ضاق عليك ولا ... تيأس أبداً من رحمته
بينا الانسان يرى قلقاً ... مما يخشى من فاقته
عاد التوسيع عليه بما ... يجري المكروه بسرعته(2/236)
دع ما يدعوك إلى الدنيا ... من حب المال وفتنته
فعسى المولى يؤتيك غنى ... ويزيل الفقر بنعمته
سله ما شئت فإن جميع ... الخير له في قبضته
وبه يرجوه أخو الضرا ... والكرب لدفع مضرته
يا نفس ثقي بالله عسى ... تحظى برضاه وجنته
سعدت نفس أبداً رضيت ... بقضا المولى ومشيئته
رفقاً يا رب بمن يرجو ... منك التفريج لكربته
أرحمه وجد بالعفو فأنت ... هو الغفار لزلته
بمحمد المختار وبالآ ... ل الأطهار وشيعته
وقوله في فوارة ماء
انظر إلى فوار ماء حكى ... رأس عجوز أبيض اللمين
منتشر الشعر يرى دائماً ... مضطرباً يميل للجانبين
كأنها ثملى من الخمر أو ... رعضاوة أو تلطم الوجنتين
وقوله أيضاً
انظر إلى فوارة قد حكت ... جارية قوامها كالغصين
أرخت على أعطافها حلية ... بديعة مثل خيوط اللجين
وفي الفوارة للاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي
رب فوارة زهت تتثنى ... بقوام دبت به الخيلاء
كقضيب الألماس لأبل كغصن ... من لجين فاعجب له وهو ماء
وله فيها
ورب فوارة راقت نواظرنا ... ومن يشاهدها قد حركت طربه
يعلو وينزل فيها الماء منحدراً ... كأنه طاسة البلور منقلبه
وفي ذلك قول الوجيه المناوي
فوارة تشبه في شكلها ... سبيكة من فضة خالصه
تلهيك في الحسن فقد أصبحت ... جارية ملهية راقصه
وقال ابن تميم مع التضمين
لوكنتها أبصرتها فوارة ... للشمس في أمواجها لألاء
لرأيت أعجب ما يكون ببركة ... سال النضار بها وقام الماء
وفي الفوارة تشابيه كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكر وكانت وفاة المترجم في جمادي(2/237)
الثانية سنة تسع عشرة ومائة وألف ودفن بتربتهم شرقي مزار الشيخ بكار بمرج الدحداح وتأسف عليه الغالب من الناس لا سيما والده فصبر واحتسب ورثاه الشيخ سعدي العمري بقوله مؤرخاً وفاته
ألا تباً ليومك من ذميم ... أيا فرد الفضائل والفهوم
أبحت لنا به أسفاً وحزناً ... يزيلان الحياة عن الجسوم
وغادرت الزمان بلا امام ... يرينا كيف فائدة العلوم
فلو تفدي النفوس فدتك منا ... قلوب من حمامك في حميم
ولكن لأمرد لما قضاه ... علينا الله في الأزل القديم
وحين قضى امام العصر طراً ... أتى التاريخ بيتاً من نظيمي
جزاه الله عن دنياه مجداً ... وأسكنه بجنات النعيم
عبد الجليل السباعي
عبد الجليل بن يحيى المعروف بالسباعي الشافعي الحمصي الشيخ العالم الفاضل الجهبذ الكامل ارتحل إلى مصر وانقطع في جامعها الأزهر مدة مديدة وسنين عديدة وبذل الاجتهاد وأخذ عن اجلاء العلماء كالعلامة خاتمة المحققين الشيخ عبد الرؤف البشبيشي الشافعي والامام الكبير الشيخ أحمد الخليفي الشافعي وغيرهما ثم عاد إلى حمص وذلك في سنة عشرة ومائة وألف فأحيى العلوم فيها واستفاد منه جمع كثير وكان محققاً مدققاً له ورع وخشية مهاباً وقوراً وله بذل وكرم للفقراء والأيات كما أخبرني بذلك قريبه مفتي حمص الآن وكانت وفاته تقريباً في سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن خارج حمص بالقرب من سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه.
عبد الجليل السنيني
عبد الجليل المعروف بالسنيني الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه كان من العلماء المدرسين الأفاضل له مهارة في استخراج المسائل وتصويرها بأوجز عبارة وكتب حصة على الدرر والغرر حسنة لكنه أعجبه زيادة فهمه فتعلق بحبال العقل والخيال وترك ميزان النقل في تتبع الأقوال وقال هم رجال ونحن رجال وزاده به حاله حتى زعم انه ممن حقق في دعواه كالكمال وتعرض بالاعتراض على الامام محمد بن ادريس فتبدلت تلك الفنون بأنواع الخبل وصنوف الجنون كما قيل والجنون فنون ولم يزل جليس بيته إلى أن مات وكانت وفاته في سنة اثنين ومائة وألف والسنيني بضم السين نسبة إلى سنين قرية من نواحي طرابلس الشام رحمه الله تعالى(2/238)
عبد الجواد الكيالي
عبد الجواد بن السيد أحمد بن عبد الكريم بن أحمد المتصل نسبه إلى الولي الشهير الشيخ الكيالي رضي الله عنه الشافعي الرفاعي النقشبندي السرميني المولد الحلبي المنشأ والوفاة العارف الكامل والمحقق الواصل الاستاذ الفاضل الصوفي المعتقد ولد في محرم سنة تسع ومائة وألف بسرمين وبها نشأ في تربية والده إلى سنة عشرين فتوفي والده وخلف خال المترجم الشيخ إسماعيل وهو من أهل العلم والصلاح وأوصاه بأن يحسن تربية المترجم فأتى به خاله إلى محل إقامته في ادلب فقرأ بها القرآن في أيام قلائل ثم صار يتفقه على مذهب الامام الشافعي علي العارف المشهور الشيخ عمر الفتوحي ثم صار يتردد إلى حلب لأجل طلب العلم فقرأ على الشيخ عبد القادر المخملجي المقيم بالمدرسة الثعبانية وعلى الشيخ إبراهيم المقيم بالأشرفية الفقه والعربية وغيرهما وكتب له الاجازة ففي سنة اثنين وثلاثين توفيت زوجته ومن حصل له منها من الأولاد وهو في حلب فقطن بها للأشغال والاشتغال وقرأ على شيخ الشافعية بزمنه الشيخ جابر الفقه والحديث وعلى الشيخ سليمان النحوي المعاني والمنطق والبيان وغير ذلك وحضر العلامة أبا السعود الكواكبي في تفسير البيضاوي مع جملة فضلاء ذلك العصر إلى أن برع في العلوم المذكورة وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية وفرغ له شيخه الشيخ عبد القادر المذكور عن وظيفة الحديث في الجامع الأموي بحلب وجامع بشير باشا فقام بهما والشيخ يتناول معلوم الوظيفتين إلى أن توفي الشيخ واستمر على الاقراء مدة مديدة ثم إنه ترك جميع ذلك وانقطع عن الناس في البيت وأقبل على شأنه وكانت له معرفة تامة ويد طولى في الفنون الغريبة والاشتغال بها وتآليفه جليلة فيها لكنه لم يتظاهر بمعرفة شيء وأحرق جميعها ولم يبق شيأً لأله ولا لغيره وأعرض عن ذلك كله وكان كلما حدث بشيء من ذلك يبكي ويستغفر وأقبل على الاشتغال بعلم السادة الصوفية ومطالعة كتبهم ولم يكن قبل ذلك مشتغلاً بالعلوم المذكورة بل كان مكباً على العلوم الرسمية ثم إن خاله المذكور قبيل وفاته أرسل له بالخلافة والاجازة ومن جملة ما كتب له هذا وقد حبب إلى أن أجيز مولانا بما أجيز لنا به تطفلاً مني على سبيل الهجوم وإن كان غنياً عن ذلك بما حواه من دقائق العلوم فكمالاته العلية لا تحتاج إلى نقصنا لكن هكذا جرت عادة هذه الطائفة فهي من بركات السلف عائدة على الخلف كالبحر يمطره السحاب وماله من عليه لأنه من مائه انتهى فاستمر المترجم على الانقطاع في بيته وكان قد تعاطى الأسباب المعاشية نحو ثلاث(2/239)
مرات فتعسرت عليه المعيشة فترك ذلك وجلس على الفتوح فكان يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب فتارة يكون في سعة وتارة يكون في ضيق وكان يقبل ما يأتيه من النذر ولا يقبل ما يأتيه من الهدايا ولو كانت سنية وكانت الناس تقصده في حوائجهم فتقضي بتوجهاته ودعائه كما اشتهر ذلك عنه ورزق القبول التام عند الخاص والعام مع المهابة والتوقي والاحترام وكان حاله الستر والخفا والتمكن وله أصحاب مخصوصون يجتمعون به في أول النهار والليل وكان الغالب عليه التكلم في وحدة الأفعال ظاهراً وقليلاً ما كان يتكلم في وحدة الصفات والذات ظاهراً وكان معلناً بمحبة السادة الصوفية وكان يثني كثيراً على الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وكذلك على كتب العارف الشعراني رضي الله عنهم وأخذ عنه اناس كثير من حلب وغيرها واعتقدوه وتلمذوا له ولم يدع من تآليفه غير رسالتين الأولى في المشط المصنوع من الباغه سماها الاساغه للتسريح بالمشط المعروف بالباغه والثانية في الحديثين اللذين أخرجهما في مسند الفردوس ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله من قال أنا مؤمن فهو كافر وقوله عليه الصلاة والسلام من قال أنا مؤمن حقاً فهو كافر أو منافق وكانت وفاته بحلب في صبيحة يوم الأربعاء العشرين من جمادي الآخرة سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن في بيته باشارة منه قبل وفاته بنحو سنة والآن يزار مرقده رحمه الله تعالى.
عبد الحي البهنسي
عبد الحي بن إبراهيم بن عبد الحي المعروف بالبهنسي الحنفي الدمشقي الشاب الأديب الفاضل العروضي الماهر المتفوق كان رحمه الله من الأفاضل الكمل فقيهاً نحوياً وله خط حسن وتقوى وعفاف ولد بدمشق في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وتوفي والده المقدم ذكره وهو مراهق فقرأ القرآن على المقري الشيخ إبراهيم الحافظ الدمشقي وقرأ واشتغل في العلوم فقرأ العربية على الشيخ محمد التدمري الطرابلسي والشيخ عبد الرحمن الصناديقي والشيخ محمد الخمسي المغربي نزيل دمشق وقرأ المغنى في النحو على الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وقرأ على الشيخ إسماعيل العجلوني الدمشقي وأخذ الفقه عن الشيخ صالح الجينيني وقرأ العروض والصرف على الشيخ محمود الكردي والفرائض والحساب على الشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق وقطن في مدرسة السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري التي أنشأها في محلة القيمرية منعزلاً عن الناس ومجانباً لهم ونظم الشعر(2/240)
الحسن فمما وصلني منه ما كتبه للأديب محمد مكي الجوخي الدمشقي وهو قوله
يا من رقى فسما السما ... ومن البدور تعلما
وازداد عن شرف البدور تلطفاً وتكرماندب إذا واجهته
أعمى لزال به العمىفتراه كالبحر المحيط إذا حلا يبري الظما
يبدي الجواهر من سليمالفكر كي تنتظماوغير القافية دون البحر فقال مكملا
لا زالت الأعدا فدالمن استنار به السناهو سيد من لطفه
الباهي الزهي تكونامن عذب أوصاف لهتزري ببهجته الجنى
لما انثنى ما أبهج الاعطاف منه والينايا قلب ان يممته
عانى لزال به العناوقصدت فيحا جودهمتأدباً نلت المنى
شهم كمى اسمهالقلب أسكنه أنافي حلبة لو بارزت
هـ قنا تكسرت القنايحوي بجد كل قصدرامه متمكنا
لا زال ملحوظاً ومحفوظا فتى متحصناًما غرد القمري على
ايك يبشر بالهنا
فأجابه المذكور بقوله
أفريدة هاتيك أمأسلاك در نظماًأم شمس صبح أشرقت
أم بدر أفق قد سماأم عنبر الشحر الزكيأم نشر مسك قد نما
أم روض زهر يانعفمن النسيم تبسمالا بل نظام الشهم من
بالفضل صار مقدماًندب إذا يممتهتلقاه بحراً مفعما
فهو الذي من فضلهغرر المعاني استخدمامذ أقبلت في الطرس خل
نا من حلاها أنجمايا حسن أبيات زهتبالحسن ما أحلى وما
من عذب ألفاظ بهاتبري من القلب الظماأنى يضاهي حسنها
عقد لآل نظماًفهاك مني مدحةفأقبل لها متكرما
واعذر أخاك فإنهلولا ودادك أحجمالا زلت ترقى رتبة
من دونها بدر السماما هيمنت ريح الصباأو غبث مزن قد همى
وكتب إليه الأديب مكي المذكور هذه الأرجوزة ممتدحاً بقوله
حمداً لربي الواهب الفتاح ... الرازق المولي الندي المناح
الباسط الأرزاق ذي الآلاء ... فهو المجيب السامع النداء
ثم صلاة الله مع سلام ... على النبي المبدأ الختام
والآل والصحب الكرام النجبا ... مدى الدهور ثم ما هبت صبا(2/241)
وبعد يا أخي منك قد أتت ... أرجوزة عن فضلكم قد أعربت
مشحونة من غرر المعاني ... فائقة قلائد العقيان
كاللؤلؤ المنثور نظمها حلا ... لأبدع أن تكون للجيد حلى
نظم الامام الأربحي الأكيس ... الفاضل المقدام نجل البهنسي
أعني به المفضال عبد الحي ... فياله من فاضل زكي
من أشرقت أنواره للأدبا ... فصار في أفق المعالي كوكبا
فهو البليغ البارع الملسان ... وهو الذي في عصره حسان
فهو الكريم ابن الكريم الأمجد ... الطاهر الأخلاق شهم أوحد
لقد غدا في كل فن كاملا ... وقد حوى الآداب والفضائلا
فالله ربي قد حباه فضلا ... إذ كان حقاً للمعالي أهلا
يا سيداً من بالكمالات ارتدى ... يا ماجداً بالروح حقاً يفتدى
إني وحق ودك القديم ... محبتي من باطن سليم
ما شابها زور ولا بهتان ... قلوبنا دليلها البرهان
اياك أن تغتر بالظواهر ... وكن حليماً من أولي البصائر
وأحرص على الأخوان والخلان ... يا ناقداً لا زلت في أمان
فقد فهمت الرمز بالكناية ... يا من غدا بين الورى كالآية
لا زلت في أوج الكمال ترتقي ... حتى يقال أنت بدر الأفق
فأجابه المترجم بهذه الأرجوزة
الحمد لله العليم الباقي ... مقدر الأعمار والأرزاق
القادر المختار في مراده ... يفعل ما يشاء في عباده
وبعد أنني أقول مجتدي ... من طاب في عنصره والمحتد
مذ غبت ليلة عن التشري ... يا سيداً عن خلك الضعيف
اشتدها جسمي وزاد وجدي ... وكدت أن أذوب وسط جلدي
فلم أجد لي مخرجاً ومخلصاً ... الا امتداحي صادقاً ومخلصا
جرثومة الجود أرومة الندى ... روحي لوضاح جبينه فدا
من قد غدت تعمنا هبانه ... لا برحت تكسي الهناء ذاته
من نظمه الشهي الرقيق الباهر ... أسلاك مرجان أو الجواهر
ينضد الألفاظ والمعاني ... كأنها قلائد الحسان
تفوق قسا ببديع النظم ... ولا يشوبه بقبح الخزم(2/242)
ولا يمل من حديث فيه ... إذ كل لطف استقر فيه
يا من هو المصباح والنبراس ... في الليلة الليلاء والإيناس
يا صاحب اللب القوي الراجح ... أعف عن الخل وكن مسامحي
عدمت رشدي وكذا حواسي ... والله من مرارة الافلاس
إذ لم يغادر درهماً نفيساً ... مذ شام سيفه وصال عيسى
فملت لما اشتد بي عذابي ... إلى كتابتي للأكتساب
لا زلت في كلاءة الرحمن ... ولم تزل تسمو على الأقران
ما بزغت نجومك السواطع ... وشنفت نكاتك المسامع
ودمت في ذكائك الصحيح ... بالرمز تستغني عن التصريح
وكتب إليه أيضاً الأديب المذكور مكي نثراً وهو قوله سلام يتعطر برياه الوجود وترقى مخدرات قبوله في مطارف السعود وتحايا طاب شميمها ففاقت على العبير نشراً وعبقت فوائح رباها فزكت طيباً ونشراً وثناء تحلت الجوزاء بفرائده وتوشحت خود الحسان بقلائده إلى من سل مني سويداي ولبي وتملك بلطافته مهجتي وقلبي من نبغ بالفضل ففاق على أقرانه وداب في فن الأدب فصار فريد زمانه المنوه باسمه الكريم في صدر طرس هذا الرقيم كيف وهو بحر بكل فضل محيط وحائز المجد الكامل بالجود البسيط طويل الباع مديد المناقب وجهه كالبدر في الضيا متقارب بشهد له فضله الكامل فهو وافر الحكمة حسن الشمائل وجوهر فكره المنسرح خفيف السباحة في بحر الآداب المقتضب من كل فن ما زكا جناه وطاب ليس له في العلم مضارع ولا في المديح مشارك ولم يزل ضده في رجز من سريع بأسه المتدارك
رمل القلب يمدح ... فيك يا بحر المعاني
بنظام رائقات ... صاغها صب معاني
وكانت وفاة المترجم في ثامن وعشرين شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الحي الغزي
عبد الحي بن علي بن سعودي بن محمد نجم الدين المعروف بالغزي الشافعي الدمشقي ولد في السابع والعشرين من جمادي الثانية سنة ثمانين وألف وتوفي والده وسنه إذ ذاك دون الخمس سنين وأسند وصايته عليه إلى ابن عمه عبد الحرمن الغزي ورباه وأحسن تربيته وكفله أجمل كفالة وقرأ القرآن على الشيخ علي المقري(2/243)
الصالح الملقب بالخناق وأخذ العلم عن كثير من الشيوخ منهم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي والشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان بن حموده والشيخ عبد الرحمن المجلد والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ الحديث عن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ محمد الكاملي وروى الصحيحين مع بقية الكتب الستة غالباً عن عمه العلامة الشيخ عبد الكريم الغزي وعن الكاملي والنابلسي بسندهم المعلوم وحضر دروس النابلسي المذكور في الفتوحات وقرأ عليه باب الوصايا منه وأخذ عنه طريق الصوفية وأخذ طريق النقشبندية عن الجد ولي الله تعالى المحقق العارف الشيخ مراد اليزبكي الدمشقي وحج غير مرة واجتمع بكثير من أهل العلم والصلاح في الحرمين وأخذ عنهم منهم العالم الشيخ أبو طاهر الكوراني والقطب الرباني السيد جعفر العلوي نزيل مكة وكان لطيف الطبع حسن المعاشرة منطر حاوجيها ومحبباً عند الناس ودرس بالتربة الكاملية باطن دمشق شمالي الجامع الأموي بحضرة جمع من الأفاضل وأعاد لعمه الشيخ عبد الكريم درس الشامية لكبرى وكانت وفاته في عصر يوم الخميس عند رفع المؤذنين أصواتهم على المنابر بالآذان قائلاً الله الله ثاني أيام التشريق سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان عند أسلافه رحمه الله تعالى.
عبد الحي الخال
عبد الحي بن علي بن محمد بن محمود الشهير بالخال وبابن الطويل الطالوي الحنفي الدمشقي الأديب الشاعر البارع كان اعجوبة وقته له مهارة في نظم الشعر والمواليا والموشح والهزل وغالب هذه الفنون وغير ذلك وديوانه متداول بأيدي الناس ولم يزل على حالته إلى أن مات وجمع كتاباً في الأدب سماه مرور الصبا والشمول وسرور الصبا والمشمول ورتبه على عشرة أبواب جمع به كل نادرة مستحسنة وحكاية لطيفة ومطارحة رشيقة وأشعار رائقة رقيقة وقرظ عليه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله
أنقطة العلم نقطة الخال ... في الخد مما يشينه الخالي
كثرها الجهل وهي واحدة ... ما مثلها في زماننا الخالي
كتابها الروض صاح بلبله ... فهاج بالشوق كل بلبال
تفوح غب الحيا أزاهره ... ما ثوب صبري علي بل بالي
يجمع فضلاً ورونقاً وعلا ... كعذب ماء بطيب سلسال
لا تسأل المستفيد عنه به ... فإنه المستهام سل سالي
وقائع العاشقين رائقة ... بحسن معنى ولطف أقوال(2/244)
رقة أشعار معشر سلفوا ... ضعيفها كالجفون أقوى لي
وترجمات حكت بلاغتها ... للسحر حيكت بحسن منوال
يقول من شام برق طلعتها ... أما لهذا الجمال من والي
قلنا نعم إنه مصنفها ... سما باكرامه واجلال
وفهمه أوضح الفهوم كما ... كما له في الذكاء أجلى لي
عليه مني السلام ما لمعت ... بقيعة الأرض لمعة الآل
وما بأوفى الصلاة عبد غني ... أتى لطه والصحب والآل
وترجم المترجم السيد محمد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه فارس مجال ورب روية وارتجال تصرف إليه أعنة التأميل ويميل به حب القلوب كيف يميل لم تزل نفحاته تتعطر ورشحات أقلامه تتقطر فيروح النفوس بكلماته تروح الروض مجاري الأنفاس بنسماته وهو يقتنص الشوارد حيث يطاردها ويستخرج الدرر الفرائد حين يواردها بطبع متدفق المذانب وفكر يفل بحدسه المقانب نبه في عصره بشرب اليراعه وتنبل حتى أحرز وصف الفروسية والبراعه فذراعه حبل لكل مصيد ومهما أحسن بفائدة فله أذن سميع والتفات رصيد ففض عن فم الأماني ختماً ونال توجه القلوب إليه بالرغبة حتماً فما يشق غباره في حومة معاديه سوى قذى أسارير في أعين أعاديه وله آثار يدل عليها مع بيانه بنانه كما قيل يدل على الجواد عنانه أتيتك منها بما رق لفظه ومعناه فلهذا تقترحه النفوس وتتمناه انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها
أمن قطرات الطل جسمك أم أصفى ... فقد كادت الألحاظ ترشفه رشفا
هتكت الورى فأردد لثامك عل ما ... تبدي من الثغر الشنيب لنا يخفى
وكف سهام اللحظ عن قلبي الذي ... أذيب هوى مذ شام أجفانك الوطفا
وعطفا على حالي وحقك انني ... عرفت الهوى لما ثنيت لي العطفا
جعلنا فدا تلك اللحاظ فكم بها ... رأينا فني لاقى الصبابة والحنفا
ويا ذا الذي واخى الرقاد جفونه ... تهن فطرفي فيك قد حارب الأغفا
إلى كم أقاسي كلما شمت بارقاً ... من الغور نيراناً من الوجد لا تطفى
شكوت فهل من رحمة لمتم ... يعض من الشكوى أنامله لهفا
زجرت المطايا حين مالت عن الحمى ... سحيراً ولم نشتم من طيبه عرفا
وقلت إلى من في مسيرك تقصدي ... فقالت لرب المجد والمورد الأصفى
سليل الكرام الصيد حقاً ومن له ... محامد لا تحصى وإن سطرت صحفا(2/245)
مليك إذا ما الدهر أضعف برهة ... ووافى حماه الرحب لأرتاح واستشفى
وقوله
أثرها قد أضربها المقام ... قلوص حشو أضلعها غرام
وسيرها بزجر فالتهادي ... قصور فيه لم يدرك مرام
وجب فيها السباسب واقتبها ... وجز فيها كما جاز اليمام
وجد السير في طلب المعالي ... فأما ما طلبت أو الحمام
وارغم أنف من عذلوا ولاموا ... ولو أقذى محاجرك الرغام
مفارقة الحسام الجفن نفع ... ولولاها لما ضر الحسام
فلولا السعي ما فخرت أناس ... ولولا الفخر لم يروى امام
فإن ضاقت بك الدنيا وكلت ... قلوصك ثم أنحلها الركام
فعرج نحو جلق ثم نادى ... عليكم سادة الدنيا السلام
خصوصاً من إذا وفدت عليه ... وفود القاصدين فلا يضاموا
وقل نجل الفلاقنسي أعني ... ترى شهماً تكففه احتشام
شريف سيد أبدا لديه ... صفوف المجد اجلالاً قيام
يصلي نحوه الكرماء حتى ... ينالوا الجود فهو لهم امام
فكل منهم نجم مضئ ... وطلعة وجهه بدر تمام
وكلهم كشهر الصوم جودا ... وليلة قدره هذا الهمام
إذا ما رحت أنعت راحتيه ... فبحر تلك والأخرى غمام
وكل منهما للناس ركن ... وكم في الركن للناس استلام
وله من اخرى
كالغصن مالت في غلائلومضت ولم تشف الغلائلمالت كخوط أراكة
لعبت بها أيدي الشمائلنزلت بأكناف الحميلتظ لها تلك الخمائل
فتعطر النادي ونادى أهله أهلاً منازلورنت إلي بطرفها
فرأيت شخص الموت جائلوتكلمت فتكلمتأحشاي وازدادت بلابل
فعلمت إن حديثهاسحر يقصر عنه بابليا خلة النفس التي
ما بينها والقلب حائلهل من مقام اشتكىلك بعض ما قال العواذل
وابتكي بعض الذيفعلوا وما تلك الفعائلبلغوا مناهم عندما
سارت بهودجك الرواحلورأيت صبري والغرام مسافراً عني ونازل(2/246)
أين استقلت يا ترىتلك المحاسن والشمائلمنها في المديح
بحر العلوم ومالهحد كما للبحر ساحلباهي بطلعته الشمو
س الطالعات ولا تماثلوسل السها عن قدرهفمحله تلك المنازل
ومنهاعبد الغني وان تأخرفهو قطب بالدلائل
فالرسل سيدها ختام المرسلين وهم أوائلحسبي بمدحك سيدي
فخراً على كل الأماثلوعلى علاك رضا المهيمنكلما غنت بلابل
وله من اخرى
أمقلدين الجيد في أجيادعطلتموا جفني بسلب رقاديإني غدوت وفيكم لي غادة
قادت فؤادي للردى بقيادتثنى الصبا أعطافها وأظنهميل الصبا بقواده المياد
لم أنس آخر ليلة قالت وقد ... وافى الفراق لنا وزم الحادي
والركب هم على الرحيل وأدمعي ... جزعا لهزات الرحيل غوادي
وتفطرت أحشاي من ألم النوى ... ونظمت در الدمع في الأجياد
ها قد سعدت بوصل مثلي برهة ... إن السعادة في وصال سعاد
ولقد سألت من الخلي ونحن في ... حزن الوداع وفرحة الحساد
نجل العيون هددن حيلك والقوى ... فأجبته والنار وسط فؤادي
نعم العيون وليس لي من ملجأ ... الا ابن صديق النبي الهادي
صدر الموالي ركن فضلهم الذي ... فيه سموا عزاً على الأطواد
رب السجايا النيرات ومن إذا ... تليت لنا أغنت عن الانشاد
منها
من رام يفخر عندكم قولوا له ... أنت ابن من نحن بنو الأمجاد
من جاء ثاني اثنين فيه فهل له ... نديماً ثله من الأنداد
نحن بنوه الضاربون قبابنا ... فوق السهى يرفيع كل عماد
عمد عليها للفخار سرادق ... آباؤنا نصبوه للأولاد
وإن التجى فرع إلى أبوابنا ... نزل الصياصي في ذرى الآساد
وله أيضاً
زار هذا الحبيب في ابانه ... وأتى والدلال أكبر شأنه
وسقاني من الرضاب شمولاً ... تركتني من صده في أمانه
قده العادل الرشيق علينا ... جار في حكمه وفي سلطانه
خده كالشقيق والخال فيه ... مثل قلب المحب في نيرانه(2/247)
ساقني للغرام فيه جمال ... شاقني العجب فيه مع خيلانه
يالها من شمائل كشمول ... سرقت عقل ذي الحجى من مكانه
وقد عارض بها أبيات البحتري
لج هذا الحبيب في هجرانه ... ومضى والسرور أكبر شأنه
والذي صير الملاحة في خد ... يه وقفا والسحر في أجفانه
وأطعنا الوشاة فيه وقد أسر ... ف في ظلمه وفي عدوانه
يا خليلي باكراً الراح صبحاً ... وأسقياني من صرف ما تمزجانه
ودعا اللوم التصابي فإني ... لا أرى في السلو ما تريانه
وللمترجم
بالله أقسم والفلقإن المنية في الحدقلا بالسوابغ يتقي
سهم اللحاظ لا الدرقبل انما رسل المنايا في الجفون لمن رمق
سود العيون ونجلهاأرمين في قلبي الحرقحطمت جيوش الصبر حتى
ما بقي فيها رمق
وهي على منوال قصيدة ابن مطروح التي أولها قوله
بابي وبي طيف طرق ... عذب اللمى والمعتق
وقصيدة أحمد بن حميد الدين التي مطلعها قوله
اياك من سود الحدق ... فهي التي تكسو القلق
لا يخدعنك حسنها ... فالأمن يتبعه الفرق
وللمترجم
إني لأصبر في الملمات ... الثقال ولا أبالي
وأنازل البطل الكمي ... وأصده عند النزال
وأقارع الليث الغضنفر ... في ميادين المجال
لكن إذا مالوا الظبا ... بقدودهم تلك العوالي
ورأيت ما بين الحوا ... جب والخدود من الفعال
حلت عقود عزائمي ... وعجزت عن رد السؤال
وقوله أيضاً على هذا الأسلوب
إني الأفحم الغياض على الأسود بلا تحاشيوأجول ما بين القنا
والليل مسود الحواشيوإذا رأيت لواحظ الغزلان عن سحر نواشي
أرتاع من طير الفرا ... ش وانبرى ملقى الفراش
وهما على اسلوب قول البرقعي(2/248)
إني أخاف من العيون النجل والحدق المراضوأزور ليث الغاب بال
هندي في وسط الغياضوإذا رأيت مور دالوجنات جمش بالعضاض
أيقنت إن سنيتي ... بين التورد والبياض
وللمترجم على وزن قصيد الأمين المحبي التي مطلعها
يا حبذا خضر الخما ... ئل في الرياض السندسيه
وهي قوله
نفسي أراها مشتهيهتقبيل وجنتك الطريهفاسمح بها في تلك أو
من هذه الشفة الشهيهأنا بين خدك ثم ثغركرحت نهب المشرفيه
وتقاسمت جسمي ظباتلك الظباء الجاسميةمن كل عضب قاطع
ضمن الجفون الكسرويهمالي على صيد المهاقلب ولا لي فيه نيه
ويلاه من حدق الجآذر انها رسل المنيهوأودها ترمي فلا
يغدو سوى قلبي رميهكلف بها ومحبتيلا بالتكلف بل سجيه
كم طالعت خيل المنون من الجفون لها سريهيا للعجائب انني
أسطو على الاسد القويهوتصيدني الطرر التيهي لأمر أشرك الرزيه
قوله
ترى من لصب لا تجف غروبه ... على رشف مسول ترف غروبه
حليف غرام قد تناءت دياره ... أليف سقام قد جفاه طبيبه
وقد لعبت فيه يد البين والنوى ... وسدت عليه طرقه ودروبه
إذا ما غدت عنه من البين رعدة ... أتت رعدة تضني واخرى تريبه
خذي يا صبا عني رسالة مغرم ... يحبي بها صنو الرشا وقريبه
وقولي سلام عن غريب تركته ... وقد أزعج الأحياء منه تحيبه
فهل لبديد الشمل جمع وهل ترى ... قتيل النوى والبعديد نوحبيبه
فآه وآه كم ينادي بحرقة ... فؤادي فلم يلقى له من يجيبه
ومن تحائف غرره وزواهر فقره هذه المراسلة مذ غرست أغصان الفات الحمد في رياض الطروس وأفاض عليها تيار البلاغة من قاموس الشكر ما لم يحوه القاموس وأمطرتها سحائب الفصاحة ببدائع درر ليست في البحر العباب وأحاطت بها أبنية الأثنية من كل جانب وسرت اليها صبا القبول من كل باب وفاحت روائح نور تلك الطروس وتمايلت أغصان الفاقها كالعرائس فنادى لسان القلم لا عطر بعد عروس فكانت(2/249)
ثمراتها أدعية لا يقوم بوصفها لسان ولا بحصرها طرس ولا بنان ودون سنا أنوارها اشراق النيرين ومقامها سامي على الفرقدين محفوفة بأنواع التحيات والتكريم ناشرة لما انطوى من الفضل الحادث والقديم وأصله إلى بحر العلم الذي لا يدرك غوره وطود الفضل السامي الذي لا يقتضب طيره ينبوع عين كل فضل وبيان ونبعة المجد اليانعة الأغصان وانسان كل عين وعين كل انسان نور العين المشرقة من الأفلاك العلوية وضياء الشمس البازغة من سماء الأرحام الهاشمية.
وكتب له الأديب أسعد العبادي مهنياً له بالعافية من مرض نزل به سيدي الخال ووردة الكمال الذي أورق به غصن آمالي وانتظم به بديد أحوالي قد سرت لصحتك الخواطر وقرت النواظر وابتسم الزمان بعد القطوب وارتاحت القلوب فقد يصدأ الحسام ويحجب البدر بالغمام فالحمد لله الذي عمنا بالمنن واذهب عنا الحزن لذهاب ما كنت تشتكيه وتحقق ما كنت من الصحة لك أرتجيه والسلام على الدوام
والا برحت المدا في ثوب عافية ... مطرزاً بطراز الأمن والنعم
ما اشتقت صبح محياك البهي وما ... صحت لصحتك الدنيا من السقم
فأجابه بقوله سيدي أسعد لا زلت بالتفضل مقدماً على كل فاضل ومسعد فقد وردت على الدرر المنثوره واللآلي المنظومة فقلت لما غدت لدى منشوره ما طاب جني الفرع الا من طيب الأرومه أهذه عيون الحدائق أم أحداق العيون أم منشق ثغر رائق من غير رقيب ولا عيون فاغتنمت الفرصة إذ لا عين وقبلت وجنات تلك المعاني التي هي أنور من العين وتنشقت من عرائس قوافيها روائحك التي هي ناشئة عن طيب الغروس وقلت لا أثر بعد عين ولا عطر بعد عروس فهذا هو الفتوح الذي يقصر عنه الفتح والفتح وهذا هو الزند الورى من غير قدح ولا قدح فلا فض هذا الثغر الرائق الشنيب ومستودع اللسان الرطيب فأين منه لسان الدين الخطيب والسلام
ودمت في الدهر محفوظاً من الألم ... في ثوب عز وشاه الأمن بالنعم
ما دمت ذكرى وجاري ثم ما نشدت ... أمن تذكر جيران بذي سلم
وكتب له الأمين المحبي قوله سدى الحال حسن الله بحسن نظره الحال لا تمتع باجتلائه بعد حين واشتم(2/250)
من حواليه ورود أو رياحين قد تكلفت الفكرة هذه الأبيات التي خصصتها بالأثبات وفي ظني انها حسنة تروق وتشوق وتغني عاشقاً مولعاً عن النظر في وجه معشوق وأتحقق منها فيض ورد على الخاطر أو خيال تصور من تذكر شخصك الحاضر وهي
ما الخال الا حبة القلب ... تدعو بواعثنا إلى الحب
أو قطعة من مسك نافجة ... فاحت روائحها على الصحب
أو نقطة الألف التي حسبت ... عشراً من الحسنات في الحب
أو إنه انسان ناظرنا ... فيه دقيقة حكمة الرب
وإذا نظرت فكل ذي نظر ... بالخال يجلو ظلمة الكرب
وللمترجم
إذا المرء لم يغضب إذا خاف خله ... مواثيقه اللاتي بها اتصل الحبل
وعاد إليه بعد ما رام بعده ... وقال مقالاً فيه ليس له أصل
فذاك وأيم الله لا شك إنه ... دنى بلا أصل وليس له عقل
ومن مقطعاته قوله
إن المنايا لتأتي وهي صاغرة ... للحظك الفاتن الفتاك بالبطل
كي تستفيد فنون الموت قائلة ... بين لنا كيف علم القتل بالمقل
وقوله
قد قلت لما صرت من شعره ... والردف في حال كحالي المريض
من منصفي إني رماني الهوى ... والعشق في أمر طويل عريض
وقوله
أقول له اعتراني منك سقم ... وأوجاع وداآت عظام
فيعرض قائلاً لا تشك مني ... سقاماً حيث لم تبل العظام
وقوله
وكنت أقول إني حين يبدو ... بخدك عارض يسلو فؤادي
فلما إن بدا زادت شجوني ... كأني في هواه على المبادي
وقوله
خلبت الدهرا شطره وإني ... لمكروهاته أبداً أقاسي
وعاركت الزمان وعاركتني ... نوائبه إلى أن شاب رأسي
فلم أر لي على همي معيناً ... وافلاسي سوى كسى وكأسي(2/251)
وله في قرية التواني من قرى دمشق وفيه التورية
نزلنا في التواني مع سراة ... رقوا طرق المعالي في أمان
توانى أهلها عنا وأغضوا ... فلا عاشت لحي أهل التواني
وله معمياً في اسد
أفدى الذي قال صفني قلت يا أملي ... خذ ما أقول فإن الوصف طوع يدي
كالغصن قداً وواو الصدغ راقية ... وريقك الخمر والدل الرخيم ندي
ومثله في حيدر
رويدك يا رشيق القد يا من ... بمعسول القوام لنا يهدد
فقدك حظ غصن البان حتى ... بأعلاه الجمال غدا يعدد
ومثله في علي
بدلت له مالي فقال وقد نضى ... من اللحظ سيفاً مال فيه إلى الفتك
هب الروح فاتركها فإن جميع ما ... ملكت من النقد الحويل على ملكي
وقال مدا عبار جلا يدعي بفشفش كان أكولا
وما فشفش الا أكول وإنه ... يفوق ابن حرب في الشراهة والمعدي
يطوف بأكناف البيوت لعله ... يرى رجلاً غرا يقول له عدي
وقال فيه
رأيت الفتى الوزان يسعى لغدوة ... وقد سدت الدينا من البرد والثلج
إذا قيل في أرض الحجاز وليمة ... يقول لنا حتماً نويت على الحج
ومن هجوه قوله
ورب منافق باطنه قير ... وظاهره مضئ كالسراج
كمأذنة فظاهرها قويم ... وباطنها ظلام في اعوجاج
وفي المعنى للاستاذ عبد الغني النابلسي قدس سره
إن المنافق ليس موثوقاً به ... فيما يحاول في جميع مواطن
مثل المنارة مستقيم ظاهراً ... وله اعوجاج كامن في الباطن
وكتب إلى بعض أصحابه في زمن الورد
هلموا إلى داعي السرور ونبهوا ... إلى البسطا فكاراً أضربها القبض
ووفوا حقوق الورد قبل ذهابة ... فهذا لثوب الروح إن صديت رحض
وهذا حلي النفس والأنفس الذي ... على الفلك الدوار تزهو به الأرض
وله مضمناً المصراع الأخير(2/252)
قف في منازل سلمى أيها الباكي ... واحبس مطيك عند المرتع الزاكي
وصير النجب سفناً والدموع لها ... بحراً ونادي ببسم الله مجراك
وخل آرامها ترعى البشام بها ... وقل تهني فعين الله ترعاك
واحكي الحمام نواحاً والرسوم بلا ... فهم يقولون إن الفضل للحاكي
وإن سرت عند شكواك الصبا سحراً ... فنادها يا صبا من أين مسراك
فإن يكن فيك أو في طي ذيلك لي ... رسائل منهم لا خاب مسعاك
وسل رسوم ديار الظاعنين وقل ... أيا منازل سلمى أين سلماك
ومن هجوه
بليت بصاحب وله شقيق ... شهاب الدين ذو شكل كريه
كلا الرجلين ضراط ولكن ... شهاب الدين أضرط من أخيه
وكان رجل دلال يقال له ابن البغل تعمم بعمامة كبيرة ولامه الناس على لبسها فلم ينته فعمل له هذه الأبيات وأرسلها إليه فلما وقف عليها نزع تلك العمامة وعاد إلى عمامته الأصلية وفي الأبيات ايداع المصراع الأخير وهو من جملة أبيات للوزير المهلبي
إلى كم نحن في عيش كريه ... من الدهر الذي لا نرتجيه
ولولا إن هذا الدهر أضحى ... يعاملنا بما لا نشتهيه
لما كان الغراب يقول شعراً ... ويجري شعره من قعر فيه
ولا ابن الغراب الفيل يمسي ... من الكتاب يمشي مشي تيه
ولا ابن البغل نعرفه بعرف ... سلوه هل أتاه من أبيه
إذا نادى على شيء انادي ... الأموت يباع فأشتريه
وللمترجم في الهجر والمجون شيء كثير وبالجملة فقد كان نابغة عصره وكانت وفاته في ثالث يوم من ربيع الثاني سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الحليم أمير زاده
عبد الحليم بن عبد الله بن حسن المعروف بأمير زاده الحنفي القسطنطيني السيد الشريف الكاتب البارع المفنن أحد النجباء الأذكياء الماهرين بالخطوط والكتابة والفنون ولد بقسطنطينية وقرأ القرآن وأخذ الخط وتعلمه وبرع بالأقلام السبعة وأتقنها واشتهر في دار السلطنة وأخذ ذلك عن والده الآتي ذكره بعده عن الكاتب محمد ابن يوسف الملقب براسم وقرأ بعض العلوم وأتقن الفارسية والعربية ومهر بالانشاء(2/253)
والشعر وسلك طريق التدريس ولازم على عادتهم وصار شيخاً في الخطوط والكتابة ومعلماً لغلمان الدائرة السلطانية وعين بالأمر السلطاني مكان والده ثم أصابه بعد مدة داء الفالج فعطله عن الحركات كلها وكان لا ينطق الا بلفظ الجلالة لا غير ولما توفي كان مدرساً بمدرسة موصلة السليمانية وكانت وفاته في رجب سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن عند والده بالقرب من مرقد أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه وأمير زاده معناها بالعربية ابن الشريف كما هو معلوم لمن يعرف اللغتين العربية والتركية.
عبد الحليم الشويكي
عبد الحليم ابن عبد الله الشافعي النابلسي الشيخ العالم اللوذعي العلامة الفاضل الأديب الأريب كان أحد الأفاضل المشاهير رقيق الطبع ينظم الأشعار الرائقة غزير الفضل والذكاء فصيح العبارة نشأ في بلدته الشويكة وارتحل إلى مصر وتوجه للجامع الأزهر وطلب العلم وقرأ وأخذ عن تلك الأساتذة كالشيخ الحنفي محمد وأخيه الشيخ يوسف وانتفع بهما أتم الأنتفاع وقرأ على غيرهما من الشيوخ وأتقن وحصل وفاق وحاز قصب السباق وجر ذيل الفضل والعرفان على اخوانه والأقران وأجازه شيوخه كعادتهم ورجع إلى وطنه ثم ارتحل للديار القدسية وأخذ بها الطريق عن الاستاذ العارف الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي ولازمه مدة وحصلت له بركته واستوطن نابلس وبها استقر ثم قصد عكة وحاكمها إذ ذاك الشيخ ظاهر العمر شيخ مشايخ بلاد صفد فأقامه عنده بعكة واستقام ثمة وهو يراجع في المسائل المتعلقة بمذهب الشافعي وغيرها وحصل له هناك الشهرة وبالجملة فقد كان فريد عصره علماً وأدباً ولم ير في عصرنا من تلك النواحي أديب فاضل مثله وكان له أدب وشعر نضير عديم النظير وقدم دمشق الشام وامتدح رؤساءها وحصل له احترام واقبال من أهلها ومن تآليفه رسالة في علم الكلام رد بها على معاصره الشيخ أبي الحسن العاملي الرافضي في تأليف له أودعه بعض الدسائس الرافضية وله أيضاً شرح على السنوسية قرظ له عليه علماء مصر لما وصلهم وأشعاره كثيرة.
فمن ذلك قوله
ربعا به لي ما حييت شجون ... سقاك من الوسمى الأجش هتون
وحيك من عهد تقادم عهده ... على إن قلبي في حماك رهين
وقفت به حيث الهوى دافع الكرى ... وحادي المطايا لا يكاد يبين
أبث به وجداً وأشكو يد النوى ... وغرب دموعي المرسلات عيون(2/254)
واذكر أياماً نقضت وما انقضت ... لبانات صب في الهوى وديون
زماناً به غصن الشبيه يانع ... به العيش غض والشباب يزين
يدير حميا الراح في كأس ثغره ... أغر بأحياء النفوس ضمين
يميل به سكر الدلال وينثني ... ولا عجب إن الغصون تلين
نبيت نشاوي الراح من غير مأثم ... وقد غض من طرف الزمان جفون
يقول أصيحابي الذين عهدتهم ... ولي منهم عهد الوفا ويمين
تولهت ماذا الوجد والدمع والأسى ... على طلل إن الجنون فنون
وليس بها الا أثافي وأشعث ... يناجيك مشجوج الجبين مهين
نعم وصدى يصدي الفؤاد مجاوباً ... يقول حنين إذ تقول حنين
فقلت وفي الأحشاء من لوعة الجوى ... ضرام وداء العاشقين كمين
لحا الله من ينهى المحبين في الهوى ... أما علموا إن الكمين مكين
وإن الذي يهوى صمام وعذلهم ... طنين وهل يجدي الأصم طنين
وإن لي السلوان عنها ولي بها ... مواقف مع آرامها وشؤون
يعز علينا والحوادث جمة ... أحبتنا إن العزيز يهون
وإنا لنختار التأسي على الأسى ... على إن ما يقضي فسوف يكون
وما زال هذا الدهر يبدي عجابه ... ويصمي وإن بت اليمين يمين
لئن لم يتب هذا الزمان وينتهي ... ويرجع قسراً لو تقر عيون
ليزري ويستعدي عليه بباذح ... برفع ظلامات العتاب يدين
صعود إلى العلياء لا متقاعساً ... بحزم وعزم والوقار قرين
سرى لتشبيه المعالي بفيلق ... يئط زئيراً والرماح عرين
فتى ليس فيه ما يشين كما له ... سوى البذل إن كان السخاء يشين
نعم وسراه بالمقانب في دجى ... من النقع كيما للطغاة يهين
فلا زال مناح الأماني ومعقلاً ... لصون المعالي والكريم يصون
وله أيضاً
ما لصبابتي فيك انتهاء ... كما السلوان ليس له ابتداء
أما إن الوفاء لذي شجون ... وفى بالعهود له وفاء
حليف جوى فلا ينسى فيسلو ... فكيف به وقد عزا العراء
إذا ما الليل جن عليه شبت ... لو أعجه وزاد به العناء
يبيت مسهد الأجفان يدعو ... وهل يجدي لذي وله دعاء(2/255)
وقد أفلت أمانيه الموامي ... وحل قوى رواحله السراء
وهل صاد الغزالة لورآها ... قليل الحظ أدركه الوفاء
وأقعده عن الآمال حظ ... وأخلده ومسكنها السماء
فما لم يتخذ سبباً اليها ... ويسري والظلام له رداء
ويرمي البيد والأرجاء تغلي ... مراجلها وللوجنا رغاء
عزيز ليس تثنيه الليالي ... وبحر لا تعكره الدلاء
ولوعاً بالمكارم إذ رآها ... مخلدة له وله البقاء
محط الوافدين وغوث عان ... وفي أعتابه نيط الرجاء
وينشد قول ذي مجد تليد ... يؤوب وفي زلازله الشقاء
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالأمور وأنت فرع ... لك الخسب المهذب والثناء
خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء
فأرضك كل مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء
وهل تخفي السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء
فذاك ولم إذا نحن امترينا ... يكن في الناس يدركك المراء
وقال أيضاً
لا غرو ان آن من نفس تداعيها ... إذا استكانت وداعي الشوق داعيها
بكل حوراء مصقول ترائبها ... قرعاء عزت فلا ترعى مراعيها
تروى ذوائبها أخبار قرطقها ... إلى المخلخل ما تحوي غداليها
لمياء في حريتها للسليم شفا ... براءة من لوجه الله يبريها
ترنو بعيني مهاة بالرمي ذعرت ... فخيلت كل من في الدو يوميها
تخشىالمرامي بعينيها وكم فطرت ... موائراً نفذت فيها مراميها
قالوا سعت تخلس الألباب قلت لهم ... ذي ربة الخال محمود مساعيها
قالوا دهتك بسهم من لواحظها ... فقلت يا حبذا منها دواهيها
إن الذي زانها بالحسن صورها ... بحيث يحلو لدى الرائي مساويها
وهي التي صورت قلبي لها غرضا ... وابتز نومي من عيني وداعيها
شغفت حقاً بدى تيه ومن سلبت ... منك الرقاد على هون دواعيها
فقلت خلوا سبيلي إنني رجل ... مغري بذات وشاح بل وداعيها
لله ما صنعت فينا لواحظها ... أرقتنا وهي سكرى حبذا فيها(2/256)
وجد بالمنطق العذب الذي بهرت ... به العقول فحارت في معانيها
ما افتر مبسمها الا وخلت به ... دراً تخلله اللآلاء من فيها
لم أنس زورتها إذا قبلت ولوت ... جيداً تليداً وأنت في تلويها
فقلت تفديك نفس لا تحن إلى ... لقياك أو يسترد الروح منشيها
مما تشكيك يا بنت الكرام وما ... يعنيك قالت أمور بت أخفيها
فقلت هات فقالت ويح من سالت ... والنفس منها تراءت في مراقيها
فقلت بالله لا تخفي على دنف ... فأمطرت لؤلؤاً سحا أماقيها
وصعدت زفرات ثم مال بها ... إلى التأبي حياء كان يثنيها
واحمر من وجنتيها الورد من خجل ... فكادت النفس تقضي من تأبيها
واستعبرت ثم أومت بالبنان إلى ... نحو الحجاج بأسرار تواريها
تشير إنك فوق العين منزلة ... وإن حاجبها في ذاك واشيها
فهمت لما فهمت السريا رشأ ... فاق الورى في أمور لست أحصيها
وله أيضاً من قصيدة
ماست فما قدر الغصون الميد ... هيفاء ذات تحبب وتودد
حوراء بهراء المحاسن غادة ... تفري الحصين بذابل ومهند
وبدت فلاح البدر تحت غمامة ... أو نور علم في جهالة ملحد
وحكت لنا بدر المقنع إذ بدت ... فيها الضلالة والرشاد لمهتدي
وافت ولكن بعد طول تنصل ... من وصل غانية وظبي أغيد
فأعادت الوجد القديم فبان لي ... ما ليس أخفيه فبان تجلدي
أكرم بزائرة تجرر دائها ... كبراً ولم يك زورها عن موعد
تختال في برد الشباب وتنثني ... بمعاطف عقدت ولما تعقد
حيت فأحيت بالسلام وأسفرت ... عن ذي أناة بالمحاسن مرتدي
وتبسمت من ذي غروب واشح ... عذب مقبله منيع المورد
واستوضحت عن حالتي وتنكرت ... لما رأت عما تروم تبلدي
مالي أراك وقد عرتك ملالة ... أأنفت من ذكر الحسان الخرد
وقنعت في ظل الحمول بخلب ... ورضيت بالعيش المحض الأنكد
فأجبتها كلا ولكني امرء ... قد طال قبل إلى الحسان ترددي
حتى علا نور الثغام نظرن لي ... نظر السقيم إلى وجوه العود
فطويت كشحي دونها وعلمت ما ... لم تعلمي وشهدت ما لم تشهدي(2/257)
وغنيت عن حب الغواني والغنا ... بمحامد الندب الهمام الأوحد
رب الفضائل والفواضل والعلا ... والبأس والحسب الرفيع المحتد
وأخي المعالي وابنها وسدينها ... ومنيعها وابن السرى المفرد
والأروع الحامي الذمار وذي الندى ... ضخم الدسيعة والحبار والسؤدد
وقال من قصيدة
ويك دع نصحي فلي عنك اشتغال ... أيها اللاحي فإن الحال حال
كان لي وجد فلما إن بدت ... مرجفات القلب ذا الزلزال زال
ولكم لي خيل الطيف ومن ... يك ذا شوق لدى الخلخال خال
كم شج قد بات لا يدري الكري ... وعليه وعدها المطال طال
يحتسي ثغر المآقي مترعاً ... يترائى ريقها السلسال سال
لم ينل من بات يهذي بالمها ... غير كد حيث عنه مال مال
رب من لم ينثني عن غيه ... في حماه طائر الآجال جال
طالما نضين عيني في السوي ... راكباً خطباً من الأهوال هال
عاسفاً سبل المهاوي في الهوى ... مرتد ثوباً من السربال بال
زاعماً درك الأماني والمنى ... فإذا الأحلام والآمال مال
من له الأفضال والآل الوفي ... ياشقاً من عنه بالآمال مال
من له الأيدي النوادي والندي ... من إذا قيس على المطوال طال
من نمته دوحة من هاشم ... في رياض المجد بالاقبال قال
وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد عصره وكانت وفاته في عكة في سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى.
عبد الخالق الزيادي
عبد الخالق بن أحمد بن رمضان المعروف بالزيادي بكسر الزاي المشددة الشافعي الميداني الدمشقي الشيخ العالم الماهر الفاضل المحصل ولد بدمشق تقريباً في سنة تسع وأربعين ومائة وألف بمحلة الميدان وارتحل لمصر في سنة ست وستين ومائة لأجل طلب العلم والاشتغال به فقرأ على جماعة كالشيخ أحد الملوي والشيخ محمد الحفناوي وأخيه الشيخ يوسف والشيخ عبد الله الشيراوي والشيخ عيسى البراوي والشيخ أحمد الجوهري والشيخ علي الصعيدي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الفارسي والشيخ عطية الأجهوري وجل انتفاعه عليه والشيخ سليمان الزيات والشيخ خليل المالكي والشيخ حسن المدابغي والشيخ(2/258)
حسن المصليحي واشتغل عليهم وحصل منهم معقولاً ومنقولاً وأجازوه بالفقه والنحو والأصول والحديث وغير ذلك من العلوم وحصل فضلاً لا بأس به وقدم دمشق في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف واشتغل بالأقرأ والتدريس فأقرأ في الجامع الأموي صيفاً وشتاء ولزمه الطلبة وهو الآن مستقيم على ذلك غير إنه يتعرض للوكالات والخصومات والدعاوي فبسبب ذلك يقع في المضرات ويصير هدفاً لسهام أقوال الناس وهو مستقيم على ذلك بالباع والذراع وهو ممن كان والدي يودهم ويكرمهم وله الينا تودد وتردد وبالجملة فهو من الأفاضل المتفوقين وكانت وفاته قبيل العصر من يوم الثلاثاء لعشري ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن من يومه بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الموصلي
عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن المعروف بالموصلي الشافعي الميداني الدمشقي الصوفي الاستاذ الكامل المربي شيخ الطريقة الأفضل أحد مشاهير المشايخ المعتقدين وهو وأسلافه مشايخ مشاهير لهم حفدة ومريدون وأملاك وعقارات وقد اشتهروا ببني الموصلي وينتهي نسبهم إلى الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ أبي بكر الشيباني رضي الله عنه وكان صاحب الترجمة شيخاً أديباً فاضلاً بارعاً ناظماً ولد في سنة احدى وثلاثين وألف وطلب العلم ومهر وساد وأقبل على مطالعة الدواوين الشعرية وله نظم حسن كثير وديوانه متداول وكان معتقداً عند خاصة الناس وعامتهم مبجلاً معظماً كريم الأخلاق كثير السخاء مصون اللسان وقد اشتهر بالأدب وبهر وفاق على أهل عصره ووالده كان فقيهاً فرضياً حسن الخلق مبذول النعم وله ثروة وافرة وتوفي في المدينة المنورة في محرم سنة أربع وخمسين وألف ودفن ببقيع الغرقد وولده المترجم ترجمه الأديب السيد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه هو في الميدان سابق طلق عنانه وكأنما حشر الصواب بين بيانه وبناته من ملأ رتعوا بأنضر خميله وبذلوا ما شاء السماح من عارفة جميله مكانه في السراة ذروة الثمام وليديه في الجود آثار الغمام لا ينبئ الا عن ظل الكرامة الأندى ولا يبيت الا حيث المحلق والندي وقد متعني الدهر برهة بحضرته فتقلبت معه في بهجة العيش ونضرته وسمعت لفظاً غذاء الروح وشاهدت خلقاً فيض الملائكة والروح إلى تثبت يستخف الجبال الرواسي وانعطاف يلين القلوب القواسي وأنا من ذلك العهد لا افتر عن تذكره بخاطري وأتمثل شخصه في ضميري حتى كأنه حاضري وله أشعار كلها نكت للمستملي وملح للذيق المستحلي وفيها نخب للفتاك وسبح للنساك يقول ما يشاء فتستحسنه(2/259)
وتريد الطير تحكيه فلا تحسنه وقد أثبت منه ما يسترقص الجمادات طرباً ويترك في كل قلب مطرباً انتهى مقاله ومن شعره قوله
عجزا لرقاة عن الحجي ورقائه ... وكذا الأساة عن الأسى ودوائه
ثكلتهم الأعشاب ويح كبادهم ... لم يعلموا ما حل في سودائه
حلوا المراكب العزائم واتركوا ... كل يروح من ملا ببلائه
ابني الصبابة والهوى من بعدنا ... إني لكم هيهات من زرقائه
ليس الهوى بسفاهة من كالح ... مدعو الغرام ومنتدى عدوائه
إن الصبابة واللطافة والحيا ... علم عليه يدل من أسمائه
فهي الأمانة انبأث عن فضل من ... فتق العبير وخصه بردائه
وقوله من أبيات
لئن كنت أسعى كل حين اليكم ... وتوكسني الآمال عن حيكم غصبا
فلي أسوة بالنجم للشرق سيره ... مدا الدهر والأفلاك تهوي به الغريا
هذا من قول الأرجاني
أنحوكم ويرد وجهي القهقري ... عنكم فسيرى مثل سير الكواكب
فالقصد نحو المقصد الأسنى لكم ... والسير رأى العين نحو المغرب
وللمترجم
سلبوا الغصون معاطفاً وقدوداً ... وتقاسموا ورد الرياض خدودا
طعنوا القلوب بما تلاشى دونه ... طعن الرماح وسددوا تسديدا
فتنوا الورى بلواحظ وتجاوزوا ... بالفتك من نهب العقول حدودا
تركوا الحلي شهامة واستبدلوا ... حلل المحاسن والبهاء برودا
فغدوا بها مستعبدين أولي النهى ... مما يشيقك طارفاً وتليدا
نظموا الثنايا في المباسم لؤلؤا ... تحت الزمرد والعقيق عقودا
تخذوا البنفسج في الشقيق عوارضا ... والياسمين معاطفاً وزنودا
بدلوا الخضور من الخناصر رقة ... واستبدلوا حقق اللجين نهودا
فهم الملوك الصائلون على الورى ... وهم الظباء القائدون أسودا
نظروا إلى الجوزاء دون محلهم ... فغدوا على هام السماك قعودا
من كل من جعل الدجى فرعا له ... والبدر وجهاً والصباح الجيدا
ريان من ماء النعيم إذا بدا ... خرت له زهر النجوم سجودا(2/260)
كالماء جسما غير إن فؤاده ... أضحى على أهل الهوى جلمودا
تزداد من فرط الحياء خدوده ... عند استماع تأوهي توريدا
لو أبصروا النصاح فائق حسنه ... عذلوا العذول وجابوا التفنيدا
أو لو رآه راهب من بيعة ... ألقى الصليب ولازم التوحيدا
كم ذا تذكرني العقيق خدوده ... والطرف حاجر والعذار زرودا
وإذا بدا متلفتاً من عجبه ... بالجيدا ذكرني طلاه الغيدا
ما الظبي أحسن لفتة من جيده ... عند النفار وإن أقام شهودا
يحمي اللمى والخد عقرب صدغه ... عن وارد أو من يروم ورودا
قد رق منه الخصر حتى خلته ... عند اهتزاز قوامه مفقودا
ما خلقه الا النسيم السري ... بين الرياض وإن أطال صدودا
قال الأمين المحبي قلت ولولا إن قصدي استجلاب الثناء لهذا الفاضل الأديب لضنيت بهذه الأبيات خوفاً من أن لا يراعي حقها عند أهل التأديب ولوددت لو علقت في جبهة الاسد الكاسر أو ضمت للنيرات في الفلك العاشر وقد عارض بها الأبيات المشهورة المنسوبة إلى محمد الشهير بعبد الله وهي قوله
غصبوا الصباح فقسموه خدودا ... وتناهبوا قضب الأراك قدودا
وتظافروا بظفائر أبدت لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا
صاغو الثغور من الأقاح وبينها ... ماء الحياة قد اغتدى مورودا
وراوا حصى الياقوت دون نحورهم ... فتقلد وأشهب النجوم عقودا
واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسوا بهن ضراغماً واسودا
لم يكفهم خد الأسنة والقنا ... حتى استعاروا أعيناً ونهودا
روى مسنداً إلى أبي عمرو بن شامل المالقي قال لقيت يوماً الشيخ الخطير أبا محمد ابن المالقي وكان رجلاً صالحاً مجاب الدعوة فقال لي أنشدني فأنشدته الأبيات المنسوبات إلى محمد الشهير بعبد الله وهي هذه المذكورة قال فلما أممتها صاح الشيخ وأغمى عليه وتصبب عرقاً ثم أفاق بعد ساعة وقال يا بني اعذرني فشيئان يقهراني ولا أملك عندهما نفسي النظر إلى الوجه الحسن والشعر المطبوع وبيت النهود مما يكثر السؤال عنه وقد رأيت في شعر ابن عمار الأندلسي ما هو مثله وهو قوله
كف هذا النهد عني ... فبقلبي منه جرح
وهو في صدرك نهد ... وهو في صدري رمح
وأنا لم أدرك وجهه ثم رأيت في شعر ابن خلوف ما يبينه بعض البيان وهو قوله(2/261)
وقدود كأنهن رماح ... قد علتها أسنة من نهود
وللمترجم
هم يحسبون دموع العين مذ عطفوا ... هي الدموع التي يوم النوى ترد
وانما هي نصل حل في كبدي ... من نبل جفن ولم يشعر به أحد
فانحل ماء وقد أمسى يقطره ... من اللهيب دموعا ذلك الكبد
ومن غزلياته الرقيقة التي هي السحر في الحقيقة قوله
أما وبياض الدر من ذلك الثغر ... وما فيه من خمر وناهيك من خمر
أمانا وما بالطرف من كل صارم ... يجول بأجفان ملئن من السحر
يصول به في الناس ألطف شادن ... بقلب على العشاق أقسى من الصخر
أسأل عذاراً فوق خد كأنه ... سلاسل مسك في صحاف من التبر
والا فنمل دب فوق شقائق ... مبلل أطراف الأنامل بالحبر
بعيد مناط القرظ أشهى لمعسر ... إذا ماس تيهاً بالدلال من اليسر
وأحلى من الماء الزلال على الظما ... وأوقع معنى في النفوس من النصر
يكاد من القمصان أولاً وشاحه ... إذا فكت الأزرار من لطفه يجري
فكم ثم دون لجيد منه مآرب ... من الخصر تدعو العاشقين إلى النحر
ومذ خبروني إن كوكب خده ... يقارنه المريخ أيقنت بالشر
ركبت هواه بكرة العمر راكباً ... مطايا شبابي وارتياحي مع الهجر
فأشفقت منه في الظهيرة راجلاً ... يريني نجوم الأفق في ظلمة الفجر
متى قلت هذا الصدغ أبدى عقارباً ... وإن رمت أجني الورد أحماه بالجمر
وإن ملت نحو الثغر قالت عيونه ... يزيدك هذا الخمر سكراً على سكر
قريب مرام النفس لطفاً وإنه ... لأعلى منالاً في الأنام من البدر
ترقى به شعري فعز مناله ... وأمسى كعقد الدر يزهو على الصدر
لئن جادت الأيام يوماً بوصله ... يميناً فإني قد صفحت عن الدهر
قوله والا فنمل إلى آخره من قول الوزير المغربي
أوحى لوجنته العذار فما ... أبقى على ورعي ولا نسكي
وكأن نملاً قد دببن بها ... غمست أكارعهن في مسك
ثم رأيت ما هو عين المأخذ في قول المعز البغدادي
كأن عذاريه اللذين تراسلا ... هلالان من مسك وبينهما بدر
منمنمة فوق الخدود كأنما ... مشى فوقها نمل بأرجه حبر(2/262)
وقد ضمن المترجم هذا المصراع بعينه في أبياته المشهورة حيث قال
أنبت عذار أم شقائق روضة ... مشى فوقها نمل بأرجه حبر
أم العنبر المفتوت من فوق وجنة ... أسالته نار الخد فانبهم الأمر
فحيا عذاراً أذهل الصب مذ بدا ... وإن ضل فيه العقل واختلط الفكر
يتيه به لدن القوام مهفهف ... لخ في اختلاس العقل من حسنه غدر
هلال إذا ما قلت أمسى جبينه ... صدقت ولكن دون طلعته البدر
تعلم منه الظبي لفتة جيده ... ومن طرفه الوسنان يستنبط السحر
متى صافحت سمعي مدامة لفظه ... ترى كل عضو في داخله السكر
يمازج ألفاظ البلاغة صوته ... فيبدو لنا دراً في ضمنه خمر
وتشكو ارتجاج القرط صفية جيده ... كما بات يشكو من غدائره الخصر
يخبر عن كأس المنون بصده ... ويقتلني منه إذا هجر الهجر
به غزلي أضحى وفيه مدائحي ... ومني لمعنى حسنه النظم والنثر
وقوله سابقاً يكاد من القمصان لولا وشاحه إلى آخره من قول بعضهم
أخشى التماس يديه من ترف به ... وأظنه لولا الغلائل سالا
ولخالد الكاتب
قد صاد قلبي وصار يملكه ... فكيف أسلو وكيف أتركه
رطيب بسم كالماء تحسبه ... يسلك في القلب منه مسلكه
يكاد يجري من القميص من ... النعمة لولا الوشاح يمسكه
وقوله فأشفقت منه إلى آخره من قول بعضهم العرب تصف اليوم الشديد بظهور النجم فيه قال أبو صخر الهذلي
إني أرى والطرف في سيري ... وضح النهار وعالي النجم
وقد تصرف فيه المتأخرون وتظرفوا كابن لؤلؤ في قوله
أمولاي أشكو اليك الخمار ... وما فعلت بي كؤوس العقار
وجور السقاة التي لم تزل ... تريني الكواكب وسط النهار
ولمجبر الدين بن تميم
بابي أهيف تبدي وحيا ... بابتسام عدمت منه اصطباري
فأراني بوجهه ومحيا ... هـ نجوماً طلعن وسط النهار
ولقد أبدع وأغرب الشهاب الخفاجي في قوله من قصيدة نبوية(2/263)
أتى يوم بدر وهو بدر تحفه ... نجوم سماء أطلعتها كتائبه
فمذ يرزوا في النقع شاهدت العدا ... بهم يوم بؤس لا تغيب كواكبه
ولصاحب الترجمة قصيدته المشهورة التي مطلعها
دعيني فلا والله ما يكشف البلوى ... سوى من لهذا الخلق من نطفة سوى
فلا تقرعي باباً سوى باب فضله ... ولا تظهري يوماً إلى غيره شكوى
ولا تجنحي للغير في كشف حادث ... فغير جناب الله لا يدفع الاسوا
ولا تهرعي الا إليه إذا جفا ... سحاب قافي غير ألطافه رجوى
ولا تسأمي من مر عيش وسالمي ... إلي من بعيد بعيد من فضله حلوا
آله تعالى لا نقوم بحمده ... ولا أحد منا على شكره يقوى
يقلبنا في الخلق سابق حكمه ... علينا بما تأبى النفوس وما تهوى
تبارك منشئ الخلق من صلب آدم ... ضروباً فذ وفقر مهان وذو جدوى
فهذا ندا الأيسار أبرد عيشه ... وهذا بنار الفقر أحشاؤه تكوى
وهذا تراه في المساجد راكعاً ... وهذا يعاني اللهو في حانة القهوا
وهذا الدرس العلم أصبح طالباً ... وهذا يروم اللهو في الروض والزهوا
شؤون قضاها الله قدما على الورى ... وآدم لم يخلق هناك ولا حوى
دعني من التدبير فالأمر كله ... تدبر من قبل الوجود ولا غروا
إذا كان أمر الله في الخلق سابقاً ... فتدبيرنا فيه هو الخبط في عشوا
وهي طويلة وله من اخرى مطلعها
خضبوا الخدود ورصعوها الانجما ... واستخدموا لركابهم بدر السما
شربوا الشموس فأظهرت بوجوههم ... شفقاً ألم على الصباح مخيما
وتروا القسي حواجباً وتعمدوا ... كسر الجفون وفوقوها أسهما
عقلوا الحجى بذوائب من عنبر ... جذبوا القلوب وأوردوها بعدما
بذلو العوالي بالقدود وأثخنوا ... فيها جراحاً ظافرين العلقما
نصروا البعاد على الوصاف كأنهم ... نظروا الممات على الحياة مقدما
اتبعت طرفي ذا نواس منهم ... طمع التداني عامداً فتبسما
ملك تبدى راكباً في موكب ... رحل التصبر عن فؤادي عندما
نبت العذار بخده فكأنه ... مسك به أمسى النضار موسما
لم يكفه صل الذوائب مرسلاً ... حتى أدار على الشقيق الأرقما(2/264)
وتطفلت تحكيه لما إن بدا ... شمس النهار فصدها وجه الدمى
صدع الشروق لثامها فتقهقرت ... نحو الغروب مخافة إن ترجما
منها
قد راح يلوي الجيد عني معرضاً ... والجفن يهطل من نواه العندما
أوقفت ذلي والخضوع بموقف ... ترك الأسود لحره تشكو الظما
وطفقت أجذب ذيل نسكي خاشعاً ... نحو العفاف صيانة فتبرما
أواه مما حل بي من شادن ... أحنى الضلوع ورض مني الأعظما
مولاي رفقاً بالفؤاد فإنه ... لو كان رضوي في يديك تهدما
لا تلوعني بالصدود معاطفاً ... لطفاً أجل من الحياة وأعظما
وقوله
ومالي أرى الأيام تنكر صحبتي ... وترمقني شزراً بطرف مريع
كأني واياها صحاف تضمنت ... مديح أبي بكر يقلبها شيعي
وله أيضاً
تأملت في خديه تحت عذاره ... صحائف بيضاً ما سناها بغائب
وإني من هذا أولئك ناظر ... بياض العطايا في سواد المطالب
وللمترجم معا رضا أبيات الشاب الظريف بقوله
يا أحكم الناس أسيافاً وأسبقهم ... في مهجة الصب فتكادونه الأجل
وأنور الوجه في الديجور من قمر ... تحت الأكاليل مسبول ومنسدل
ما السحر ألعب في الألباب من حدق ... دار الشمول بها من طرفك الكحل
كلا ولا البرق للأبصار أخطف من ... شقائق الحدان وافى بك الخجل
من نظم ثغرك وهو الدر مبتسم ... خمر يزيدك فيه الشهد والعسل
في فترة الحسن من لحظيك قد فتكت ... بواتر الطرف أم من قدك الأسل
ومذ تمادت بنا الآجال واختلفت ... عقائد القوم من للحب قد جهلوا
جاءت تجدد أحكاماً لدولته ... في ملة العشق من أصداغك الرسل
لم يدر ما الصحو مذ بانت ركائبكم ... صريع جفن لأرباب الهوى ثمل
استودع الله قلباً سار مرتحلاً ... بالخرد الغيد ماذا السهل والجبل
وأبيات الظريف هي هذه
يا اقتل الناس ألحاظاً وأعذبهم ... ريقاً متى كان فيك الصاب والعسل
في صحن خدك وهي الشمس مشرقة ... ورد يزيدك فيه الراح والخجل(2/265)
ايمان حبك في قلبي يجدده ... من خدك الكتب أو من لحظك الرسل
إن كنت تنكر إني عبد دولتكم ... مرني بما شئت آتيه وأمتثل
لو أطلعت على قلبي وجدت به ... من فعل عينيك جرحاً ليس يندمل
وللمترجم
ورد العذار مياه حسن خدوده ... ورأى نعيماً خالداً فأقاما
وتلا عليه خاله من جيده ... إني اتخذتك للجمال اماما
وله في القبله نامه وأجاد
عوضت عن قبلة إذ راح يشبهها ... خفوق قلب شجاني أنت قبلته
لا يستقر مدا الساعات منزعجاً ... ولا لغيرك لم يعهد تلفته
ومذ حكاها ولم تحكيه ملتفتاً ... اليك وجهتها كيما تشابهه
وكان المترجم جالس في بعض الحوانيت في دمشق فمر أحد الأعيان فقام المترجم تعظيماً له كيما يسلم عليه فلم يلتفت نحوه ومر فاغتاظ من ذلك وأنشد مرتجلاً
وليس لعير الشيخ إذ مر معجباً ... وقوفي توقيراً لرفعة شأنه
ولكنني أخشى يمزق شوكه ... ثيابي ولم أشعر لسلب عنانه
وله قوله
أسامر عشقاً من خلائقه القتل ... وحيداً ولا وعد هناك ولا مطل
وأصبح ظمآناً وقد عقر الظمأ ... فؤادي ولا وبل يبل ولا طل
وكم أخصبت سحب الأماني مطامعي ... مجازاً ويوميها من الوابل المحل
ورب عذول فيه أشقى مسامعي ... بعذل فيالله ما صنع العذل
أقول له والطرف يقذف مهجتي ... دموعاً لها من كل ناحية هطل
وبي من غرام لو تجسم بعضه ... ومر بأهل الأرض لأفتتن الكل
ترقى إلى قلبي بكل دقيقه ... جميع هوى العشاق وانقطع الحبل
وكانت وفاته في سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مسجد التاريخ في ميدان الحصار عن أولادهم وهم الشيخ أحمد الذي جلس بعده مكانه خليفة والشيخ حسن والشيخ إبراهيم رحمهم الله تعالى.
عبد الرحمن بن عبد الرزاق
عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد الشهير بابن عبد الرزاق الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه الأديب خطيب جامع السنانية ولد في سنة خمس وسبعين وألف ودأب في طلب العلم على مشايخ عديدة منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي(2/266)
والشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ محمد الكاملي والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق وغيرهم حتى برع في جميع العلوم ودقق فيها وحررها لا سيما علم الفرائض والفقه والأدب ونظم في الفرائض منظومة نحو أربعمائة بيت سماها قلائد المنظوم في منتقي فرائض العلوم وشرحها شرحاً كشف عن وجوه معانيها لم ينسج على منواله سماه نثر لآلي المفهوم شرح قلائد المنظوم وله شرح على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي سماه مفاتح الأسرار ولوائح الأفكار وصل إلى آخر كتاب الصلاة ومن كتاب النكاح نبذة رائقة وتحريرات فائقه وله ديوان شعر وديوان خطب وغير ذلك من التعليقات وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له شيئاً من الشعر وقال في وصفه هو في النباهة متخلق وبالآداب الغضة متعلق لبس حبائر الحمد مفوفه واقتضى عدة الفضل لا ممطولة ولا مسوفه يغازل الألطاف غزل ابن اذينه ويكلف بها كلف جميل ببثينة بشباب له مجني رطب ومهتصر وعوده الطري لماء الحياة معتصر فعين الرجا شاخصة إليه وسمع الأنامل يطن بالثناء عليه بطبع ينير فيجلو الظلام المعتكر ويفيض فيخجل الوسمي المبتكر وله شعر حقيق بالاعتبار راجت بضاعته فنفق عند أهل الأختبار أرق من نسمات الأسحار وانضر من الروض المعطار فمما أهداه إلي وأرسلها بكراً تجلى لدي قوله
يا فريداً حوت بدائعه الغر ... كما لا يرف لطفاً وحلما
لم تدع للأنام أبكار أفكا ... رك معنى نصوغه فيك نظما
لا برحت الزمان تطلع في أف ... ق المعالي فرائداً بك تسمى
فأعذر الفكر في القصور فإني ... يدرك الفكر بعض معناك فهما
سيدي وسندي الذي قلد أجياد البلاغة بغرر فكره وقسم السحر من بدائع نظمه ونثره وأدار على النهى سلافة ألفاظه وحكم كلماته وعطر الأرجاء بطيب نفحته وصيغ عباراته وأودعها عرائس أبكار ألذ من المنى عند النفوس يقول مقبل أردانها لا عطر بعد عروس وكيف لا وقد صير بديع الزمان من رواة أقلامه وصاحب قلائد العقيان من جملة خدامه وأوقف العيون والأسماع بفنون طرزها بتوشيح اليراع ورصعها بجوهر ايجازه فلولا الكتاب لتليت من سوره وعدت من أعجازه فهو لعمري آية لم يسمح بمثلها الدهر وحديقة كلل أغصانها الزهر فالله تعالى يحفظها على الدوام ويحرسها من غير الأوهام هذا والمتوقع من سحاب(2/267)
نداه وبحر أفضاله الذي لا يدرك مداه إن يمن بكتاب القاموس المحيط والقابوس الوسيط فلا زالت أيامكم الزاهرة وأوقاتكم الزاكية العاطرة مواسم أعياد وأفراح تنشرح الصدور بها والأرواح والسلام على الدوام ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها
بدر تم سما على أملود ... أم شموس علت قدود الخدود
أم مليح مقلد بالثريا ... حسن مرآه فتنة المعمود
ريم أنس دب الفتور بعينيه ... فأغنى عن ابنة العنقود
وثنى عطفه الدلال فخلنا ... غصنا زانه رطيب النهود
ألف الصد والنفار فحسبي ... بالأماني أجنى ثمار الصدود
يا خليلي في الصبابة من لي ... وفؤادي يسيل فوق خدودي
حدثاني عن الحمى فعهودي ... في هوى غيده الحسان عهودي
هو من قول ابن الفارض من قصيدة
فغرامي القديم فيكم غرامي ... وودادي كما علمتم ودادي
عودا
زمن كنت أجتني ثمر القر ... ب لدى ظل عيشها الممدود
حيث فيها غصن الشبيبة غض ... ورباها مراتع للغيد
وبها كل مترف الجسم المى ... زان خديه رونق التوريد
شق عن زيقه الهلال وأمسى ... فرعه فوق بنده المعقود
يفقد القلب كل من رام أن ... يبصر هميان خصره المفقود
آه مما لقيته ثم آه ... من دواعيه كاذبات الوعود
فلكم رحت من جفاه معنى ... فاقد الصبر زائد التسهيد
ملك القلب حسنه مثل من قد ... ملك الدهر بالندى والجود
منها
يودع الطرس من بدائعه الغر ... كرقم العذار فوق الخدود
لو رآه النظام عاين إن ... الجوهر الفرد ليس بالمفقود
وله من اخرى أولها
راق السرور ورق عوده ... والسعد فيه أخضر عوده
والدهر وفى بالذي ... ترجو وقد صدقت وعوده
والوقت طاب وجاد بال ... بدر الذي كالظبي جيده(2/268)
ترف يكاد يسيل من ... لطف الصبا لولا بروده
يبدي الصدود وكلما ... أبداه يحلو لي وروده
سلطان حسن إن بدا ... شخصت لطلعته جنوده
وإذا المتيم شامه ... بخياله احمرت خدوده
فكري لطائر وصله ... نصبت حبائلها تصيده
فاصطاد قلبي صدغه ... الآسى وقيده زروده
قسما بطلعة وجهه ... وبخده الزاكي وقوده
وبطرفه الساجي الذي ... جارت على المضني حدوده
وبسقم خصرنا حل ... أرواحنا راحت تعوده
ما خان قلبي وده ... كلا ولا نسيت عهوده
وقوله أيضاً
أسروا الخواطر بالنواظروتقلدوا البيض البواتروتناهبوا الألباب ما
بين الحواجب والمحاجرفهم الأولى قادوا الأسود إلى الردى وهم الجآذر
هزوا القدود وأسبلوامن فوقها تلك الغدائرلي منهم الرشأ الذي
بالطرف أمسى ريم حاجرريان من ماء الدلال يميس في حلل نواضر
هاروت أحور طرفهالفتان للألباب ساحرخوط يريك إذا انثنى
في تيهه فعل السماهروإذا استبان جبينهضاءت لطلعته الدياجر
ما لاح بارق ثغرهالا وشمت الجفن ماطرأو خلت ورد خدوده
الا وفاح الخال عاطرملك رعيته القلوب وكل باهي الحسن باهر
حتى م يجفو بالصدود أما لهذا الصد آخروإلى م أرمي بالبعا
د وكم ترى فيه الخواطر
وقوله من اخرى
أشمس الضحى لاحت أم الأنجم الزهر ... أم الصبح أم وجه المليح أم البدر
أم أفتر ثغر السعد في مربع المنى ... فأشرقت الأكوان وابتهج الدهر
أم الروض أهداه الربيع قلائداً ... جواهر أزهار تكللها القطر
وهيهات بل هذا فريد بشامنا ... أتاها فأحياها وعم بها البشر
وقلدها عقدي فخار وسؤدد ... فذا سمطه علم وذا سلكه بر
فأصبحت الأفواه تشدو بمدحه ... فذا نثره زهر وذا نظمه در
واطلع في أفق المعاني دقائقاً ... يحار لديها الفهم بل يقف الفكر
همام له في كل علم فراسة ... ومولى على أبوابه يسجد الفخر
حوى قصبات السبق في حلبة العلا ... ونال فخاراً دون عليائه النسر(2/269)
منها
وإن صاغ من عذب الحديث بدائعاً ... لمسن الغواني الجيد فانتثر الدر
هذا من قول المنازي
تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
ومثله قول المنجكي في وصف خط
لو شام ذو الخال نقط أحرفه ... لراح باليد لامس الخال
ويضارعه قول محمد ابن الدر امن قصيدة له
وحق هوى مصافحة المنايا ... أخف علي منه باليدين
إذا فكرت فيه لمست رأسي ... كأني موقن بهجوم حيني
واصل هذا قول أبي نؤاس في الأمين ابن الرشيد
إني لصب ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من أحد
إذا تفكرت في هواي له ... ألمس رأسي هل طار عن جسدي
قال المصنف رحمه الله تعالى في نفحته وهذا النوع سماه المبرد في الكامل والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام الايماء وهو اما ايماء في تشبيهه كقوله جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط أو إلى غيره قال الشهاب في كتاب الطراز وكنت قبل هذا اسميه طيف الخيال وهو إن ترسم في لوح فكرك معنى صورته يد الحيال فتصبه في قالب التحقيق وترمز إليه بجعل روادفه وآثاره محسوسة ادعاء كما إن ما يلقى إلى المتخيلة في المنام يرى كذلك ولا يلزم من ابتنائه على الكناية والتشبيه إن يعد منهما لأمر يدريه من له خبرة بالبديع ثم رأيت الخفاجي في آخر الريحانة بسط القول فيه وقال هذا لم أر من ذكره وهو مما استخرجته نطق الأفعال انتهى ملخصاً وللمترجم
طلعت فأشرقت المنازل ... حسناء ترفل في غلائل
وسرى بوجنتها الحيا ... فأنهل ماء الحسن سائل
ورنت فخلت بجفنها ... بيض الظبي بل سحر بابل
ورمت بأسهم طرفها ... عمداً فلم تخط المقاتل
نصبت لحبات القلو ... ب سوالفاً هن الحبائل
وسبت بوسواس الحلي ... ذوي العقول وبالخلاخل
ومشت تهادي بالدلا ... ل وفرقها يبدي الدلائل
تخذت لصارم جفنها ... من هديها تلك الحمائل(2/270)
منها
فسألتها ماذا الذي ... بدر الدياجر منه آفل
هل ذاك نور جمالك ... الباهي أم الزهر الكوامل
بالله الا ما أجبت ... فإنني وافيت سائل
قالت وحقك إن هذا ... الأمر لم يحتج دلائل
هذا ضياء أماجد ... ملكوا الفضائل والفواضل
من أشرقت بهم البلا ... د وشرفت بهم المنازل
وله من اخرى
يا رياضاً حكى شذاها العود ... كللتها من الزهور عقود
ورنت نحوها عيون مياه ... نبهتها الشمول وهي رقود
حبذا والمليح طاف بكأس ... من رحيق عصيره العنقود
ونسيم الصبا أمال غصوناً ... حسدت عطفها الرطيب قدود
وزها الجلنار في الروض لما ... صفق النهر وانثنى الأملود
وقوله من اخرى
بسم الزهر وسط روض أريض ... عن ثنايا كما اللآلئ بيض
وزها الياسمين فيه وأضحى ... كمليح يرنو بطرف غضيض
ولطيف النسيم هب فأهدى ... من شذاه الشفا لقلب المريض
وترى النهر فيه مد كجسر ... من لجين صاف طويل عريض
وله أيضاً
نبهت مقلة الرياض نسائم ... وأثارت عبير تلك الكمائم
وتثنت معاطف الدوح لما ... قلدتها عقد الزهور الغمائم
وشدت فوقها سواجع ورق ... فأهاجت بلحنها كل هائم
ونجوم الغصون تزهو إذا ما ... حركت عقدها أيادي النعائم
فوقها العندليب قام خطيباً ... يتهادى ما بين خضر العمائم
وثغور الأقاح قد بسمت مذ ... أيقظ الطل جفنه وهو نائم
وبها الجلنار قام يرينا ... أكؤساً زانها عقود التمائم
وخرير المياه غنى فخلنا ... حوله طائر المسرة حائم
ونجوم الغصون تزهو إذا ما ... حركت عقدها أيادي النعائم
فسقى جلق الشآم سحاب ... كلما سام نيرب السفح سائم(2/271)
ورعى عهدنا بتلك الروابي ... ما تغنت على الغصون حمائم
وقد عارض بها قصيدة استاذه وشيخه العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وهي
ذيل قاسون بللته النسائم ... بندى الورد والبخور الكمائم
لملاقاتنا ببستان أنس ... فوق أعواده تغنت حمائم
وجرت حولنا جداول ماء ... فكأن الربا لهن غمائم
وثغور الزهور تضحك زهواً ... وقدود الغصون خضر العمائم
عطس الفجر فانتهز يا نديمي ... فرصة العيش في الزمان الملائم
وتأمل زهر الرياض إذا ما ... عقدت منه في الغصون تمائم
وانشق الطيب من مداهن ورد ... نبهته يد الصبا وهو نائم
ومن الجلنار لاحت كؤوس ... من عقيق بها المتيم هائم
أو هو النار حل فوق بساط ... أخضر لا يزال في الجو عائم
جمعتنا مع الصحاب رياض ... ثم بالنير بين ذات النعائم
فابتهجنا بيومنا وشهدنا ... موسم الأنس وهو في الروض قائم
وجلسنا من تحت ظل ظليل ... نتقي في الهجير حر السمائم
حي يا صاحبي على طيب عيش ... طير حظي على تلافيه حائم
واستمع بلبل الربا فهو شاد ... وامتثل قولنا ودع كل لائم
إن هذا عيش ابن آدم اما ... ما سواه فذاك عيش البهائم
وقد عارضها الأديب الحسيب السيد يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب متخلصاً بها لمديح الاستاذ عبد الغني النابلسي المذكور ومطلعها
يا رياضاً زهت بلطف النسائم ... وبها الورد شق جيب العمائم
وتغنت فيها البلابل لما ... ساجلتها في الدوح ورق الحمائم
منها
فاعط للروض نظرة ثم نبه ... منك طرف السرور إذ هو نائم
وأجل كأساً من الحديث علينا ... يزدري نظمه بعقد التمائم
وممتع بما يفيدك شيخ ال ... وقت عبد الغني حاوي المكارم
ومنها
كعبة للعلوم ليس له غير ... صفات الكمال منه دعائم
كم جنينا ألفاظه بمعان ... اخجلت بالمقام عذب المباسم
وشفينا بها الفؤاد فكانت ... لجراح القلوب خير مراهم(2/272)
وللمترجم مضمناً
فتكت فينا فمن بالفتك أفتاكاً ... يا مخجل البدر قلبي صار يهواكا
وتهت بالدل يا ذا الريم من هيف ... وفاق بدر السما نورا محياكا
وفقت غصن النقا بالعطف منك وقد ... أضحت ملاح الورى جمعا رعاياكا
وذاب جسم المعنى في هواك سدى ... مذ فوقت أسهماً للقلب عيناكا
لولاك ما عرفت نفسي الهوى أبدا ... ولم تنل شربة في الحب لولاكا
رميتني بالضنا والا سر يا أملى ... وسرت عني ولم تنظر لأسراكا
وقد أتى العيد يدعو الناس تهنية ... وإنه بيننا أيام نلقاكا
عودتني باللقا والوصل تكرمة ... وبعد ذا سيدي أبعدت مرماكا
فصرت أندب أياماً لنا سلفت ... كان اكتحال عيوني حسن مرآكا
إنا عرفناك أياماً وداومنا ... شجو فيا ليت إنا ما عرفناكا
وقوله
أخلصت فيه ولم أصبو لشراك ... ومسكة الصدغ صادتني باشراك
ريم تحجب عني في محاسنه ... وصار يبصرني من طاق شباك
شاكي السلاح إذا ما مال من ترف ... يسبي العقول بروحي خصره الشاكي
ألحاظه فوقت سهم المنون لنا ... وطرفه الناعس الفتان فتاكي
يا أحور الطرف ما قلب الشجي هدف ... فأغمد جفونك واترك قول أفاك
وامنن على الصب في لقياك إن له ... قلباً خفوقاً وطرفاً بالدما باكي
قد حكت فيك ثياب المدح فاصغ إلى ... قولي البديع وخلي نسج حياك
وجد بقربك يا سؤلي ويا أملي ... وهات حدث بثغر منك ضحاك
ومن مقطعاته
بخلت جفوني حين بان معذبي ... فقلت فلم لا تسمحين بدره
فقالت قذى الآمال بالوصل مربي ... فامسك دمعي أن يسح بقطره
وقوله
وأغيد سالت أدمعي لصدوده ... فمر بجفني للوصال قذا الرجا
فأمسكه كي لا يذوب من البكا ... ويغرق طيف قر لي منه في الدجى
وله من الرباعيات قوله
قلبي اسروا وعقد صبري حلوا ... من قد هجروا وفي فؤادي حلوا
يا من سحروا عقولنا مذ ولوا ... هلا نصروا وجدا علينا ولوا(2/273)
ومثله قوله
يا بدر إلى م تطيل عمر الهجر ... والجفن إلى م يسح سح القطر
بالله عليك عد بوصل كرما ... وأطفي ظمائي يرشف ذاك الثغر
ومن معمياته قوله في عبد السلام
مليح يريك الشهد مبسم ثغره ... إذا افتر عن برق الثنايا ووامضه
على خده خال من المسك ختمه ... بأخضر ذاك الصدغ حل وعارضه
وقوله في عثمان
رشأ تلاعب بالعقول ولم يزل ... بطلا الدلال وبالملاحة يسكر
لا غروان وافى الصيام وخده ... كالجلنار يفوح منه العنبر
وله في حجازي
من بني الترك مترف الجسم المى ... خده قد أبان آسا ووردا
فتن العقل حين جاء بوجه ... ذو حياء وأودع القلب بعدا
وفي عيسى وعلي
فم يا نديمي حث الكأس مصطبحا ... واشرب فديتك بين الروض والزهر
لعل بعد احتساء الراح يا أملي ... يزول عني ما ألقى من الكدر
وفي جلنار وتمام
أفدي الذي صاد الفؤاد بحبة ... سوداء لاحت فوق أخضر شاربه
بدر أثار صبابتي من بعدما ... أرمي نبالاً من قسي حواجبه
وللمترجم غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن المقري
عبد الرحمن بن إبراهيم الشريف المقري الفاضل العالم الكامل الشافعي مولده برأس الخليج بليدة بالقرب من دمياط وحفظ القرآن العظيم للعشرة من طريق الحرز والشر والدرة على الشيخ أحمد الشهير بأبي قتب تلميذ البقري المقري المشهور وعلى الشيخ علي الرميلي وقرأ الفقه والعربية على البدر حسن المدابغي وحصر الحديث سماعاً على الشيخ عبد ربه الديوي قدم حلب في سنة خمسين ومائة وألف وتوطنها بالمدرسة الحلوية ثم انتقل إلى مدرسة الصاحب ابن السفاح ثم إلى المسجد بسويقة حاتم وانتفع به الناس بالقراآت كثيراً وبالعلم ولم يزل مقيماً بها حتى توفي في سنة أربع وسبعين ومائة وألف(2/274)
ودفن خارج باب الفرج بالقرب من قبر الولي المشهور أبي نمير
عبد الرحمن المنيني
عبد الرحمن بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الفاضل الأديب الكامل النبيه الذكي الفطن كان حسن الأخلاق عشوراً حلو المنادمة رقيق الطبع ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده وقرأ على والده وانتفع به وأجازه من مصر بالمكاتبة الشيخ محمد بن سالم الحفني المصري وأخوه الشيخ يوسف والشيخ علي الصعيدي المالكي والشيخ خليل المغربي المالكي المصري والشيخ السيد أبو السعود الحنفي وفاق ونبل وبرع بالأدب ونظم الشعر وخالط الأفاضل وكانت له المحاورة الشهية والقريحة الألمعية وكان محبباً جميل الهيئة كأنما جبلت طينته باللطف وما زجت أخلاقه مدام الملاحة والظرف ومما نقل عن حسن براعته إنه كان مرة في بعض المجالس وكان المجلس اضطرب بالسرور ومذاكرة الآداب فأفضى المجلس للأنتقال إلى مذاكرة الأنفاس المعلومة عند الناس فأنشد بعض الحاضرين مخاطباً له قول القائل
نحن قوم نهوي الوجوه الحسانا ... وبها الله زادنا احسانا
فأجابه مستحضراً قول بعضهم
نزه فؤادك عنه ... النجم أقرب منه
فعظم الاضطراب ودارت كؤوس الآداب واشتهر ذلك المجلس النفيس حيث وقع له استحضار هذا البيت في جواب البيت السابق وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه والنجم إذا هوى إنه مغناطيس الوجد والهوى صقلت مرآة وجهه الوسيم كما صقل صفحة النهر مرور النسيم يتمتع منه الناظر بروض حسن زاهر ويتشنف السامع بلؤلؤ رطب باهر مع رقة تستجلب الخواطر وتروح القلوب بنفحاتها العواطر وناهيك من قمر اكتمل من أول طلوعه وعدا الظرف حشوا هاله وضلوعه ومع ما فيه من الطلاوة يعطيك من طرف اللسان حلاوة بمنطق لم يحل من شائبة تعريض وكناية تؤدي إلى طويل وعريض يتكلف لها ويتصنع وتعذر من وقوعها ويتمنع وشبابه في ابانه وعذاره يحدث عن زرود وبانه وقد سلك في الشعر مسلكاً سهلاً وشرب من منهله علا ونهلا فأتى منه بما عليه يثني وعلى مقاصده غر الخناصر تثني وهاك من مصوغاته نبذا إذا أنشدت نادت المسامع حبذا حبذا انتهى ما قاله ومن شعره قوله(2/275)
حين غابت ركائب الصحب عنا ... وسقانا الزمان كأس الفراق
وغدونا حيرى نكابد وجداً ... والتياعاً لشدة الاشتياق
جمعتنا الأقدار في هذه الدا ... ر نحيي معاهد الارفاق
بين باك شجواً وشاك غراماً ... وغريق بدمعه المهراق
بنفوس كادت من الشوق تقصني ... بجواها لولا ادكار التلافي
وقوله
سقياً لظل السنديانة كم مضى ... في سوحه عيش شهي المورد
حيث الربيع كسا الرياض مطارفاً ... خضراً وتوج كل غصن أملد
وسرى الصبا يجني رضاب مباسم ... الزهر الأنيق بذلك الروض الندي
والطير بين مغرد ومردد ... والماء بين مزرد ومجعد
والخيل تسبح في العجاج كأنها ... سفن جرين بمتن بحر مزبد
ترد الهياج نواضراً ويردها ... نقع التطارد في رداء أربد
حتى إذا ما أدلجت في نقعها ... هديت بصبح من طلاقة أحمد
وحين طلب من شعره الشيخ سعيد السمان أرسل له حصة منه وكتب له معها بقوله مضمناً البيت الأخير
ومصقع رام من شعري ليودعه ... ديوان من مجدهم يسمو إلى الحبك
فقلت إني وشعري كلما ارتفعت ... أشعار أهل الذكا ينحط للدرك
فقيل يكفيه فخراً أن يكون له ... راو كنا درة الأيام والفلك
أوفده منه على ندب يهذبه ... فضلاً ويثبت منه كل منسبك
فبينما الذهب الأبريز مطرحاً ... في أرضه إذ غدا تاجاً على الملك
وأرسل إلى الأديب سعيد السمان ملغزاً بقوله
يا لبيباً أفديك بين لنا ما ... اسم شيء نصيفه اسم مصر
وإذا ما صحفت كلاً من الشط ... رين يغنيك عن رضاب وخمر
جبل نصف شطره وهو لفظ ... بعد تصحيفه أتى فعل أمر
فأحبني أفديك من كل شين ... بجواب نظم والا فنثر
فأجابه والغزله بقوله
يا وحيد الأنام ذاتاً ووصفاً ... وفريداً في كل نثر وشعر
ومجيداً في كل معنى دقيق ... من بديع الكلام صائب فكر
قد أتاني من نفثك العذب نظم ... هو مغن عن رشف ثغر وخمر(2/276)
ملغزاً يا فدتك في اسم إذا ما ... طاف في الصحب فاح عاطر نشره
وإذا ما أتاك يضحك زهواً ... نثر الدمع في الأكف كقطر
أعجمي لا يحسن النطق لكن ... قهقهته تبدي نفائس در
وعجيب يقوى بدون لسان ... بين أهل النهى على كل نثر
ما رأينا منه سوى نفحات ... بعبير الرياض والزهر تزري
دأبه في الأنام وهو صديق ... صدع شمل الأحباب من دون غدر
وعلى كل راحة لا تراه ... غير في راحة إذا رام يسري
لم يزل لاثماً يداغب اخرى ... بفم الاشتياق لثمة بشر
ذا جواب فيه المرام وضوحاً ... بالذي رمته كطلعة فجر
وأنا سائل أيا ابن ودادي ... فابن لي عما يجول بسري
ما اسم شيء في الأرض طوراً نراه ... ولدي الجو تارة دون نكر
شأوه في الأنام ليس بحارى ... طائع ربه بنهى وأمر
وله رنة الحزين إذا ما ... فارق الألف بعد وصل مسر
فلذا قد غدا بغير جناح ... قلبه طائر لدى الأفق قادر
يا لعمري وليس فيه قوآه ... وهو يقوي بنا على كل ضر
وإذا راحة الفتى صافحته ... راح أمناً من كل سوء وذعر
مخطئ صائب أمين خوون ... دابه ذاك عند عبد وحر
لا عد مناه من صديق عدو ... صادق كاذب بما شاء يجري
ذو انحناء على عصاه ولكن ... فعله نافذ على كل صدر
فترى الغيد شأنه في البرايا ... في محل الاطلاق من غير غدر
دائماً تعقد الخناصر في الخلق ... عليه من كل ندب أغر
لا برحت المدا صديقك تهدى ... من معاني البيان نظماً كثغر
ما أديب قد حاك من نسج فكر ... حللا من بديع لفظ كسحر
وللمترجم قوله
لأختلاس المحب من فرص الده ... ر لقاء الحبيب غب الفراق
آثر العاشق البقاء على الفو ... ت بدهر يجري شؤون المآقي
وقوله أيضاً
وأغيد زارني والليل داع ... فمزق نوره جيب الظلام
توارى البدر لما لاح شمساً ... حياء تحت أستار الغمام(2/277)
وله من قصيدة مطلعها
لطير الهنا في الروض صدح المغرد ... على فنن الاقبال في روضه الندي
تغني فأنساني الغريض ومعبدا ... بمطرب ألحان وطيب تردد
وهب على زهر الربى نافح الصبا ... سحيراً فأغفى كل جفن مسهد
يمر على الأغصان وهي قويمة ... وينساب عنها وهي ذات تأود
ويكسو متون الماء درعاً مزردا ... لجيناً يحليه الأصيل بعسجد
ومعنى المصراع الأول من آخر الأبيات مأخوذ من قول الآخر
نسج الريح على الماء زرد ... ياله درعاً منيعاً لو جمد
أقول وأصله ما نقله صاحب بدائع البدائه قال روى عبد الجبار بن حمديس الصقلي قال صنع عبد الجليل بن وهبون المرسي الشاعر نزهة بوادي أشبيلية فاقمنا فيه يومنا فلما دنت الشمس من الغروب هب نسيم ضعيف غضن وجه الماء فقلت للجماعة أجيزوا حاكت الريح من الماء زرد فأجازه كل منهم بما تيسر له فقال لي أبو تمام غالب ابن رباح الحجاج كيف قلت يا أبا محمد فأعدت القسيم له فقال أي درع لقتال لو جمد انتهى ثم قال صاحب البدائع ما سبق وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف فقال
نثر الجو على الترب برد ... أي در لنحور لو جمد
فتناقض المعنى بذكر البرد لو جمد إذ ليس البرد الا ما جمده البرد اللهم الا أن يريد بقوله لو جمد لو دام جموده فيصح ومثل هذا قول المعتمد بن عباد يصف فوارة
ولربما سلت لنا من مائها ... سيفاً وكان عن النواظر مغمدا
طبعت لجيناً ثم زانت صفحة ... منه ولو جمدت لكان مهندا
وقد أخذ المقري هذا المعنى فقال يصف روضاً
ولو دام هذا النبت كان زبرجداً ... ولو جمدت أنهاره كان بلورا
وهذا المعنى مأخوذ من قول التونسي الأبادي من قصيدته الطائية المشهورة
الؤلؤ قطر هذا الجو أم نقط ... ما كان أحسنه لو كان يلتقط
والمعنى كثير للقدماء قال ابن الرومي في قطعة من العنب الرازقي
لو أنه يبقى على الدهور ... قرط آذان الحسان الحور انتهى
عودا إلى القصيدة
وأصبح ثغر الدهر بالأنس باسماً ... عن المطلب الأسنى وأعظم مقصد
ولامه الغراء عادت مواسماً ... بها تنجلي خود السرور بمشهد(2/278)
بمقدم نجل مهدت لقدومه ... معاهد مجد للسوي لم تمهد
أغر عليه اللنجابة كوكب ... يشف سناه عن معال وسؤدد
تضرع من دوح النبوة غصنه ... وماس بروض للوزارة أسعد
ومنها
فيا ابن الأولى قد شيدو البأس والندى ... لهم رتب حفت بعز سؤيد
ومن إن دهى خطب وأطلم حادث ... جلوه برأي مستنير مسدد
كرام إذا ما أدلجوا فوجوههم ... مصابيح تغني عن ذكاء وفرقد
ليهنك في أفلاك مجدك فرقد ... يلوح باقبال وسعد مؤكد
فقربه عيناً ودم وابق سالماً ... بعيش كنوار الخميلة أرغد
نسوق لك الأيام كل مسرة ... ومجد أثيل غب أنس مجدد
ولا زال نجماً في المعالي محمد ... محوطاً بعز من جنابك أحمدي
مدى الدهر ما غنى بمدحك صادح ... وما شغفت منك المعالي بأمجد
وما جاء في تاريخه حدد الهنا ... فشهر ربيع مولد لمحمد
ولما عاد من حجه أحد صدور الدولة العثمانية المولى أبو بكر الرومي نزل في العادلية عند والد المترجم فعمل له المترجم هذه التهنية مؤرخاً عامها وذلك في سنة اثنين وستين ومائة وألف وهي قوله
هناء فطير السعد غرد بالبشر ... ونم على أرد إنه أرج النشر
وصير أيام اللقاء مواسماً ... بها تنجلي خود المسرة واليسر
وأصبح روض الغصن يندي نضارة ... وكلله طل البشائر بالدر
وجرد كف البرق عضباً مهنداً ... على السحب فانهلت بدمع كما القطر
وأشرق أفق الشام وافتر بالمنى ... بها مبسم الاقبال عن شلب الشكر
وطلت دواعي اليمن فيها هواتفاً ... وغنى حلم الأنس في القضب النضر
لمقدم طود الفضل والعلم من له ... مآثر قد خطت على جبهة الدهر
جليل رقى العلياء بالفضل والندى ... وحاز مقاماً دونه هامة النسر
جواد إذا ما أخلف السحب وعدها ... رأيت له كفا بسح الندى يجري
همام لوان الليل لاذ بجاهه ... لما مزقت أثوابه راحة الفجر
هو الشهم ذو الأفضال والعلم والتقى ... أخو الرتبة القعساء والهمة لبكر
هو الماجد النحرير والأوحد الذي ... خلائقه كالزهر أو نفحة الزهر
أغر السجايا واسع الصدر رحبه ... فريد المعاني واضح المجد والفخر(2/279)
إليه انتهت آمال كل مؤمل ... فعادت بأوقار الندى والثنا تسري
وباب معاليه انتحته بنو الرجا ... فأمنها مما يروع من الذعر
فما هو الا النجم في كل مشكل ... وما هو الا البدر في الهدى والقدر
له فكرة ما زال ينمو ذكاؤها ... ورأى سديد كالمهندة البتر
أما ومحياك الوسيم الذي لنا ... بخبخ الدجى فيه غناء عن البدر
وفيض أياد كالبحار وهمة ... علوت بها قدراً على الأنجم الزهر
لأنت بهذا الدهر فرد كما به ... قد انفردت في فضلها ليلة القدر
فيا أيها المولى الهمام ومن له ... محامداً دناها يجل عن الحصر
تهنأ بحج بل نهنئ نفوسنا ... بمقدم خير رافع راية النصر
بلغت به ما كنت قبل مؤملاً ... ونلت به الحظ الجزيل من الأجر
وزرت مقاماً حله أشرف الورى ... أبو القاسم الهادي الشفيع لدى الحشر
وجئت دمشق الشام حتى تشرفت ... بموطئك السامي وعزت مدى العمر
وأصبح أهلوها تمد أكفها ... بخير دعاء للجناب بلا نكر
فجوزيت عن مسعاك كل كرامة ... تسير بها الركبان في البر والبحر
فقد جاء تاريخ ببيت منضد ... ينادي بألفاظ ملئن من السحر
بأيمن عام عم بالعز والمنى ... وبالسعد والاقبال حج أبي بكر
وقد عرض المترجم هذه القصيدة على الفاضل الأديب السيد مصطفى العلواني الحموي نزيل دمشق فكتب له هذه الأبيات وأرسلها إليه وهي قوله
أشعرك يا مولى القريض أرق من ... صفاتك أم منه صفاتك ألطف
أزل اشكالي بصبح فطانة ... غدوت بها بين الأفاضل تعرف
ولا غروان تغدو وأنت أبو النهى ... وأنت ابن من منه الفضائل تغرف
وإنك غصن مثمر ضمن روضة ... معطرة منها الكمالات تقطف
بقيت لمنثور الفضائل ناظماً ... وفيها بأنوار الذكا تتصرف
وللمترجم في عين الصاحب أحد منتزهات دمشق
لما وقفنا للوداع عشية ... ما بين مسلوب الفؤاد وسالب
وجرت من الشوق المبرح أدمعي ... رق الحبيب لماء عين الصاحب
ولوالده أيضاً في ذلك
لم أنس موقفنا بعين الصاحب ... مع صاحب حبي له كالواجب(2/280)
أنشدته والشوق يعبث بالنهى ... روحي الفدا شوقاً لعين الصاحب
وللماهر اللغوي الشيخ مكي الجوخي في ذلك أيضاً
يا صاحبي جد المسير ومل بنا ... نحو الرياض فذاك جل مآربي
مع صاحب يروي الفؤاد من الظما ... لتقر عيني عند عين الصاحب
ومن ذلك قول الفاضل الأديب عبد السلام المغربي نزيل دمشق
حث المدامة واسقني يا صاحبي ... كأساً يروق بماء عين الصاحب
واخبب على خيل المسرة مسرة مسرعاً ... فلنحوها طير المسرة صاح بي
وكانت وفاة المترجم في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الصناديقي
عبد الرحمن بن أحمد الصناديقي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الألمعي اللوذعي الفاضل المدقق كان علامة فهامة ذكياً أصولياً فقيهاً نحوياً له مشاركة في فنون كثيرة أخذ وقرأ على علماء دمشق ووالده وأخوه يصنعان الصناديق فجد بنفسه وجاور بمصر مرتين وأخذ عن علمائها كالامام السيد علي الضرير وغيره وكان يقرئ في الجامع الأموي عند باب الصنجق وكتب بخطه كتباً كثيرة وكلها مملؤة بالحواشي وتقريرات مشايخه على طريقة المصريين في كتابة جمع ما يقرأون وله من التآليف شرح على البردة وشرح على الشمائل وله رسالة في اعراب فضلاً وتارة ونحوهما من بقية العشرة كلمات التي ألف فيها ابن هشام رسالة فاختصرها المترجم وكان يحب العزلة ولا يخلو من سوداء في طبعه وولي الخطابة في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظم في سوق الخياطين بالقرب من محكمة الباب وكذلك صار أمين الكتب الموضوعة هناك الموقوفة وسافر إلى القسطنطينية في الروم ومن ثمة رحل إلى طرابلس الغرب وحاكمها إذ ذاك الشهير علي باشا وفي آخر عمره حصل له داء ضيق النفس وبالجملة ففضله أشهر من أن يذكر وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن القاري
عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن علي بن عمر المعروف كأسلافه بالقاري الحنفي الدمشقي أحد الصدور من أعيان دمشق ورؤسائها كان شهماً معتبراً ماجداً سخياً جواداً ممدوحاً ذو همة علية واقدام في الأمور مع جاه عظيم وثروة باذخة وعز وسعد مقبول الشفاعة محترماً عند الصغار والكبار وكان يجل العلماء ويكرمهم وكان(2/281)
جسوراً متكلماً فصيح المقال آية باهرة في الأمور الخارجية وبضاعته كانت من العلم مزجاة جداً ولد بدمشق في سنة اثنين وسبعين وألف وبها نشأ في كنف والده وكان والده منفصلاً عن قضاء آمد من مشاهير الأمجاد الرؤساء وتوفي في سنة ثمانين وألف وولده المترجم ظهر شأنه وعلا قدره وتبسم ثغر اقباله وأزاحت ديجور الأدبار أنوار سعده واحلاله حتى خطبته العياء واشتهر بين أبناء الدنيا وحين قدم والياً إلى دمشق وأميراً على الحاج الوزير رجب باشا انتمى المترجم إليه وأقبل المذكور بكليته عليه وصار له عند المقام الأعلى والقدر الرفيع الأعلى فازداد تطاوله وأقدمه وتضاعفت أفعاله وأحكامه ورفض بقية الأعيان والرؤساء وكان بينه وبين المولى محمد بن إبراهيم العمادي المفتي ما كان كما هو دأب الأقران في كل أوان وتعرض بسبب انتمائه للوزير المذكور للفتيا بدمشق وعزل العمادي ثم إن الوزير المذكور عزل العمادي ووجهها عن الافتاء للمترجم وكتب عروضاً في حق العمادي للدولة العلية أخباراً ببعض افتراآت علي العمادي وصيرورة الافتاء للقاري المترجم وإن ينفي العمادي فحين وصلت العروض للدولة نفذتها للوزير أرباب الحل والعقد ورجال الدولة وصدر أمر سلطاني بنفي العمادي وتوجيه الافتاء على القاري المترجم ولما جاء الرسول المعين من طرف الدولة في نفي العمادي وتوجيه الافتاء على القاري عقد الوزير ديواناً بمجمع من الأعيان والعلماء والرؤساء وقرأ الأمر السلطاني عليهم بالاشاعة فلما انتهت قراءة الأمر السلطاني أمر الوزير بنفي العمادي واجلائه عن دمشق فقال له العمادي في المجلس أما تعفو عني فسيجئ بعد أيام أمر آخر سلطاني بعودي وكان للعمادي خبر بأنه صدر أمر سلطاني بعوده لدياره بعد الأمر السابق فلم يسمع الوزير كلامه وقال لا بد من نفيك واجلائك وكان الوزير شديد البأس وله نظر على القاري فلما خرجوا من باب السراي بالعمادي قامت أهل دمشق على خدام الوزير المذكور وضربوهم فوصل الخبر إليه فعند ذلك أمر بابقائه بشرط أن يلزم داره ثم بعد أيام قلائل ورد أمر سلطاني بالعفو عن العمادي واستقام المترجم في الفتوى ستة أشهر وبعدها عزل وعادت إلى العمادي ولم تطل مدته ومات بعد ذلك وكان المترجم تولى نيابة محكمة الباب مراراً وتولى تولية وتدريس المدرسة الظاهرية حتى إنه درس بها حين أمر والي دمشق بأن المدرسين في كل مكان يلازموا الدروس والاقراء وكان قبله أمر بذلك والي دمشق نصوح باشا وبعده حسين باشا الخازوقجي كذلك فصار كل من عليه مدرسة يباشر الافراء أو يجعل وكيلاً واستقام ذلك قليلاً ثم عاد كل لأصله وكان المترجم حين يقرئ يسرد العبارة فإذا صدر منه خلل في بعض المسائل(2/282)
أو غلط لا يقدر أحد على رده بل كلهم من أفاضل أجلاء صامتون ناصتون لكونه كان يبرهم باكرامه ويحسن اليهم فلا يريدون تخجيله بل يصححون له درسه قبل أن يقرأه وبعده يمليه هو سرداً وكان له عقارات وأملاك ومتعلقات كثيرة ورحل للحج والي الروم وامتدح بالقصائد الفرائد فممن امتدحه الشيخ محمد الكنجي امتدحه بقصيدة مطلعها
خذ ما استطعت علاً ومجداً ... وألبس من النعماء بردا
واستمطر الآلاء من ... مولى وزد شكراً وحمدا
وكن المقدم بالفضا ... ئل لا برحت تنال سعدا
أنت الهمام المقتدي ... وبك النهى تزداد رشدا
حامي حمى الشرع الشريف ... ومن حوى الرأي الاسدا
لا غرو أن ترقى العلا ... أنت الكريم أبا وجدا
من رام جاهك في البرية ... فليمت كمداً وحقدا
لا باجتهاد تبلغ ال ... آمال إن السعد وعدا
أنت الذي نلت السيا ... دة وادعاً وسواك جدا
لم تلف يا ذا الفضل الا ... باذلاً في الخير جهدا
ولديك من جبر الخوا ... طر ما يعيد الحر عبدا
وإذا الزمان إذا قنا ... من ريبه ظلماً وكدا
لم نلق غيرك في البرية ... منهلاً عذباً ووردا
ومن استجار ببابك ... السامي فأنت له تصدى
تلقاه بالصدر الرحيب ... فلن يخيب ولن يردا
وبنى الكرام إلى ذرا ... ك تسوقهم وفداً فوفدا
وإذا وعدت بنائل ... حاشاك ما أخلفت وعدا
وإذا حييت بمنصب ... جعل العفاف عليك يردا
لم تولك الدنيا الدنية ... عن رضى مولاك صدا
تأتي اليك ذليلة ... فترى لديك غنى وزهدا
والناس تستسقي السحا ... ب وجود كفك منه أندى
يتلون ذكراك الجميل ... كأنهم يتلون وردا
وكتب للمترجم أحمد الكنجي والد المذكور لأمر اقتضى ذلك
أخا الفضل لا زالت مدى الدهر سرمداً ... هداياك تعطي للأنام وتنقل(2/283)
ولا زال يا مولاي قدرك سامياً ... على كل قدر في البرية يجمل
تفضل بما أوعدت وأرسله عاجلاً ... فمهما أتى منكم على الرأس يحمل ومن مداحه
ومن مداحه عبد الحي ابن الطويل المعروف بالخال فمن مدائحه فيه قوله من قصيدة يهنيه فيها بالعافية من مرض أصابه وذلك في رمضان سنة اثنتي عشرة ومائة وألف مطلعها
روى جفني عن الجفن الروي ... وعن قلبي عن الزند الوري
عن الكبد التي ملئت غراماً ... ووجداً لا يعبر بالروي
بأن الله قد خلق المنايا ... من الطرق الكحيل البابلي
لقد نهبت ظبي الألحاظ جسمي ... من الظبي الغرير الجاسمي
هو القمر الذي قد راح يزهو ... بطلعته على البدر السني
فيا أملي من الدنيا وقصدي ... ويا رشدي ويا رشدي وغيي
امط طرف اللثام فدتك روحي ... عن الثغر الشهي السكري
منها في المدح
وحيد الفضل يحلو ما توارى ... وغيب عن مدى فهم الذكي
ويروى المجد عن سلف كريم ... كما يروى الحديث عن النبي
له الهمم التي لو صد طوداً ... بها لأندك بالعزم القوي
همام جهبذ شهم إذا ما ... ثرا أي ذل ذو القدر العلي
وإن جئناه في أمر مهم ... تلقاه ببشر أريحي
وامتدحه الشيخ صادق الخراط فمن مدائحه فيه ما قاله مهنياً له برتبة مدرسة الداخل المتعارفة بين المولى الرومية
يا ابن الأكارم والأفاضل ... يا واحداً ملك الفضائل
يا مفرد الأوصاف وال ... ألطاف يا حسن الشمائل
يا من رقى رتب المعا ... لي الغر عن ارث الأوائل
آباؤه الأمجاد من ... ملكوا الفخار ولا مجادل
ورقوا على هام العلا ... واستوطنوا تلك المنازل
يهنيك قد وافت لك ... العلياء ترفل في غلائل
تسعى ولم تمدد لها ... كفاً ولم تنصب حبائل
لا زلت ربع الفضل فيك ... أخا العلا والمجد آهل
متسربلاً حلل الكما ... ل وفي ثياب العز رافل
ما فاح نشر ثناك في ... الدنيا وما هبت شمائل(2/284)
وبالجملة فقد كان المترجم القاري من صدور أعيان دمشق ورؤسائها وبلغ مرتبة من العليا سامية وقدراً من الجاه وافراً عالياً وكان خرج له في صدره دملة وعظمت حتى أخذت سائر صدره وعولجت كثيراً فلم تفد وانحلته ولم تطل مدته ومات وكانت وفاته في يوم السبت التاسع والعشرين من شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وبعده تصدر في دارهم ولده المولى عمر القاري وبلغ شهرة وافية ورقا إلى مراقي سامية ونفذت كلمته وعلت حرمته وراس بدمشق واشتهر كذلك وبعده لم يخلفه أحد مثله منهم وكانت وفاته في يوم الجمعة سابع رمضان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بباب الصغير أيضاً رحمهم الله تعالى وسيأتي ذكر ابن عم المترجم محمد القاري في محله.
عبد الرحمن التاجي
عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن عبده الولي الكبير المدفون في جبل الأقرع من أعمال انطاكية المترجم في در الحبب في أعيان من دخل حلب للعلامة شمس الدين محمد الحنبلي الحلبي وهذا المترجم هو الشيخ الخطيب المعروف بالتاجي الحنفي البعلي العلامة البارع الفاضل المحقق كان عالماً فاضلاً هماماً بليغاً أديباً في غاية من الجرأة ذا وقار واعتبار وعقل تام وله في الأمور وأبناء الزمان اختبار ولد في بعلبك في سنة ست وأربعين بعد الألف وقرأ الكثير على الشيخ عبد الباقي وعلى السيد محمد البرزنجي وغيرهما وأخذ عن الشيخ إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ حسن العجيمي المكي واقرأ الدروس الخاصة والعامة وطلب لخطابة دمشق لما انحلت عن العلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي مفتي الحنفية وخطب بها مدة وكان حسن الصوت له المعرفة التامة في ألحان الموسيقى وكان ذا ثروة ودنيا ولذلك أنشد فيه الأديب الشيخ رجب الحريري حين وعده بارسال شيء من العسل ولم يوف الوعد قوله
يا شبه قارون في مال وفي سعة ... وياسمي الذي للمرتضى قتلا
إني عجبت لمثلي كيف صاغ له ... من أرقم ذات سم يطلب العسلا
ولما دفعهما إليه أجابه بأحسن جواب حيث قال له أنت كالحدأة سلاحها لسانها ورجب المذكور كان أعجوبة دهره في الشعر له باع في أقسام الشعر خصوصاً الهجاء وله فيه نوادر عجيبة وكان مكثاراً بديهاً وترجمه الأمين في تاريخه ونفحته وذكر أنه كان حمصي الأصل دمشقي المولد وتوفي بحلب في سنة احدى وتسعين(2/285)
وألف وكان صاحب الترجمة له رتبة الصحن المتعارفة بين الموالي وله توجهات إلى حلب وصحب الجد الكبير الاستاذ الشيخ السيد مراد وأخذ عنه الطريقة النقشبندية وله محبة أكيدة مع الشيخ العارف الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي ويجري بينهما مطارحات أنيقة يجئ ذكر بعضها وكان له شعر في غاية البلاغة ومقاطيع ذكرهم في ديوانه المشهور وفي آخر عمره توجه لدار الخلافة في الروم لأجل ما وقع لولده الآتي ذكره إن شاء الله تعالى واجتمع بشيخ الاسلام المولى فيض الله وأمره بالتوجه معه إلى أدرنة لقضاء مآربه فتوجه معه وأنشده له قصيدة آخرها فارحم مشيبي يا همام فانني جاوزت للسبعين حداً مذعناً فأنا له منه ما تيسر ثم لما رجع منها بعد أن تزوج بامرأة أخيه العالم البارع المتوفي بقسنطينية واستقام فيها مقدار سنتين دخل بعلبك مريداً التوجه إلى داره بدمشق فأدركه الحمام وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه أديب سامي القدر متوقد كالقمر ليلة البدر حسن المحاضرة بالانشاء وارف الظلال والأفياء يجري على طرف لسانه ما ينطق الدهر باستحسانه وهو أخ لك في الغرض جوهر أخلاقه لا يشوبه عرض وفيه لوذعية تحبيه وبشاشة تزلفه وتقربه وبيني وبينه صحبة ألحمتها الآداب وسدتها ومودة ربطتها موافقة القلبين وشدتها وهو اليوم طلق الشعر ثلاثاً ونقض غزله أنكاثاً وتخلص لعلم ينفعه في الحال ولمآل ويجدد له في الله كل ما تعوده من أماني وآمال وقد أثبت له من أوائل شعره كل بديع الوصف زاد على الجوهر في الشفافية والرصف انتهى ما قاله ومن شعره ما كتبه للاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله
تذكرت أيام الصبابة والصبا ... وعيشاً مضى ما كان أهنى وأطيبا
زماناً به كانت يد الدهر برهة ... تقمصني ثوب السعادة مذهبا
سقى الله ذاك الشعب غيث مدامعي ... إذا الغيث يوماً عن مغانيه قطبا
مغان بها كان أئتلاف مسرتي ... واقبال عيشي بالأماني أخصبا
منازل فيها للبدور مطالع ... على أن فيها للسحائب مسحبا
أقمت بها بين البشاشة والقري ... وإن شئت قل بين المحبة والحبا
وكم سيق من نعمي إلي ونعمة ... وكم قيل لي أهلاً وسهلاً ومرحبا
أبيت أجر الذيل تيهاً ورفعة ... ولا أرتضي غير السماكين مضربا
ويجمعنا بين العشائين جامع ... نسائر فيه الصحب شرقاً ومغربا
ونقصد للروض الوريف الذي له ... علا منزل زاد اعتلاء لنطربا(2/286)
يطار حناها كالجمان قصائداً ... جواد بها في حلبة السبق ماكبا
وتنبعث الأفكار في كل شذرة ... تخال بجيد الدهر عقداً مذهبا
ويوماً ترانا حول مرجة جلق ... نؤم رياض الزاهدين أولى النبا
مجالس أنسى لست عنها براغب ... وكيف أرى عن جنة الخلد مرغبا
حوت كل فتك اللحاظ ممنع ... بصفحة خديه المحاسن كتبا
فما روضة غناء ذات جداول ... سعين بها كالصل يطلب مهربا
علاها لتغر يد البلابل في الحمى ... شؤون تذود الهم إن شاء أو أبى
وقد نسجت أيدي الربيع مطارفاً ... مدبجة والأفق أضحى مقطبا
وقام خطيب الطير فوق منابر ... يقول انهضوا فالراح قد راق مشربا
بأحسن مرآى من شمائله وقد ... تثنى فأزري بالرماح وأعجبا
وشيخهم لم أنسه أدروى لنا ... أحادي الا أنها كلها هبا
وليلة سعد ما سعدت بمثلها ... مدى الدهر في تلك المعاهد والربا
أعانق للآمال قداً مهفهفاً ... والثم ثغر اللأماني أشنبا
فذاك زمان كل عيش به رضى ... وكل نسيم هب من صبوتي صبا
وكنت أرى أن الزمان مساعدي ... فشمت به برق الأماني خلبا
فبينا تراني باسم الثغر ضاحكاً ... إذا بي أعض الراحتين تلهبا
متى تجمع الأيام شملي بجلق ... وألقي بها عبد الغني المهذبا
فتى فضله لو قابل الشمس راعها ... فتصفر أما خجلة أو تهيبا
سليل الأولى سادوا علي ونباهة ... وعلماً وحلماً وافتخاراً ومنصبا
إذا جال في بحث أتاك بمعجز ... وحل عويص المشكلات وأطنبا
بفضل أبيه العالمون شواهد ... ولكن رأينا الأبن قد فضل الأبا
هذا مأخوذ من قول بعضهم
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان
عودا
أخا الود مالي عن ودادك مذهب ... على أن قلبي لم يجد عنك مذهبا
وقد علم الرحمن من أنا عبده ... بأن ودادي عن ودادك ما صبا
وشخصك لا ينفك يسري به لنا ... خيال إذا آب الظلام تأوبا
أقلني أقلني إنني بقصيدتي ... شكوت لترئى لا شدوت لتطربا
ودم وابق في عز وأمن ممنعاً ... لدي غبطة ما أظهر الأفق كوكبا(2/287)
ثم ان الاستاذ كتب له الجواب من الوزن والقافية بقوله
فؤاد لتلقاء الأحبة قد صبا ... يطارح بالأشواق من نحوهم صبا
وجفن لفرط النوح جفت دموعه ... وقلب على نار البعاد تقلبا
وصب محته البين حتى كأنه ... وقد برحت أيدي السقام به هبا
سقى الله عهداً بالمسرة ماضياً ... وساعات أنس رقت فيهم مشربا
زمان اجتماع الشمل حيث يد الهوى ... تناولنا كأس السرور محببا
ودوح الأماني بالشبيبة مورق ... يرف ظلالاً حيث عيشي أخصبا
أو يقات كنا نمتطي الليل أدهما ... إلى اللهو حتى نركب الصبح أشهبا
وداعي الأسى والهم عنا بمعزل ... نحاول عنه للمسرة مهربا
وقد رمقت عين الربيع ومعطف ... الحدائق يزهو كلما هبت الصبا
وللطير في الأفنان صدحة وامق ... تذكر من يهوى فزاد تلهبا
كأن امتداد النهر منساب أرقم ... تلقف من ظل الأراكة عقربا
كأن غصون البان خطية القنا ... يصول بها جيش النسيم على الربا
كان زهور الدوح فنج بعضها ... كواكب أفق طالعات وغيبا
وقد بكر الساقي بكأس مدامة ... فحيا وداعي اللهو ينتظر النبا
وطاف بها شمساً لها الخد مشرق ... إذا كان قد أمسى لها الفم مغربا
وهذا المعنى كثير ومنه قول المتنبي
يا صاحبي أمزجا كأس المدام لنا ... كيما يضئ لنا من أفقهاً الغسق
راح إذا ما نديمي هم يشربها ... أخشى عليه من اللآلآء يحترق
لو راح يحلف إن الشمس ما غربت ... في فيه كذبه في وجهه الشفق
ومنه قول بعضهم
أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبدا الساقي المحيي مشرقا
فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا
عودا
عقار تفوق الورد في اللون والشذا ... كأن عليها فت كفك زرنبا
كميت بها جبت الهموم كأنني ... تمطيتها قيد الأوابد سلهبا
ينا ولنيها تارة من بنانه ... وفي فمه طوراً فارشب أطيبا
ثملت فلم أدر بها أم لأنني ... أصخت لنظم اللوذعي تأدبا
همام له في ذروة المجد رتبة ... ترى النجم منها لأبن غرباء أقربا(2/288)
وباع إذا مدت أقل بنانه ... تناول من أفق السموات كوكبا
فصيح بليغ ساد إذ شاد للتقى ... مناراً به تقضي الهداية مأربا
وأصبح في وجه الفضائل غرة ... جلت من دياجي المدلهمات غيهبا
أقول وقد أهدى إلي رقائقاً ... بها طائراً لاذ كأرشب فشببا
أروضة فضل جادها صيب الذكا ... فهش محياها نباتاً وأعشبا
أم الخود زارتنا على غير موعد ... تبيح لنا ذاك الجمال المحجبا
وقد سحبت ذيل الدلال ملاحة ... وأعرب باهي الوجه منها فأعربا
أم الشمس من أفق المعالي تلألأت ... أم البدر وافى بالسحاب منقبا
أم النسمة المعطار أهدت لنا شق ... روائح هاتيك الحدائق والربا
أم البارق النجدي هاج وبعضه ... غرامي فلولا مدمعي كان خلبا
لعمرك ما عقد الجمان تلدت ... به الغيد ما روض المسرة أخصبا
وما بهجة الحسن المصون بناظر ... المشوق أسالت مدمع العين صيبا
وما قاصرات الطرف نيطت خدودها ... على مثل هالات البدور وأهيبا
بأعذب لفظاً من قواف قد اقتفت ... لنا أثر الكندي وابن طباطبا
ورقت فراقت في خروق مسامعي ... وغنى بها شادي السرور فأطربا
أتتنا بأبكار المعاني رقيقة ... وقد لبست ثوب البلاغة مذهبا
فحرك مني لطفها كل ساكن ... وأوقد من جمر القريحة ما خبا
اليك فخذ مني جواب ابن مسرع ... من الدهر لولا أن يعق لأطنبا
خواطره شتى وعنك بباعه ... قصور وقد عزت أمانيه مطلبا
بأي لسان أم بأي قريحة ... يجازيك شرقاً في القريض ومغربا
دع العتب وأصفح عن زخارف فكرة ... إذا ما جواد النظم جال بها كبا
ودم في سرور ما هفت نسمة الحمى ... وغيث على الأغصان ساجعة الربا
وللمترجم مؤرخاً بناء قصر للأمير عمر الحرفوشي سنة سبع وسبعين وألف
أرواق مجد تحته لك مقعد ... أم صرح سعد بالنجوم ممرد
أم هذه نعم الأمير أباحها ... للواردين فطاب منها المورد
نعم من الباري نرى أظهارها ... مما يؤكد شكرها ويؤيد
عمر الأمير الندب من غمر الورى ... احسانه الصافي فكل يحمد
ليث يريك البرق في يوم الوغى ... عضب يجرده وطرف أجرد
من أسرة سادوا الورى بمكارم ... غرو آلاء لهم لا يخمد(2/289)
أعني الحرافشة الكرام ومن لهم ... عز يذل له الأعز الأصيد
يا أيها المولى الأمير ومن على ... آرائه عقد الخناصر تعقد
قد كان هذا القصر قفراً خالياً ... وبه البناء حكاية تستبعد
فجعلت منظره بهياً رائقاً ... وتركت فيه العندليب يغرد
وإذا تأملت البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
فتهن قصراً شيدته هم ... تعلو على هام السماك وتصعد
أبديت فيه للعيون بدائعاً ... في الحسن تصدر عن علاك وتورد
ولذاك ثغر السعد قال مؤرخاً ... قصر زهى للأمير مشيد
وقال في وصف عطار
وعطار يفوح العطر منه ... كمسك ضاع في ثغر شنيب
كأن الوجنة الحمراء منه ... منقطة بحبات القلوب
وله في صدر كتاب
ما انفك عن وده يوماً كما علم ... الرحمن من عبده ذاك الذي كتبا
ولم يحل عن غرام صح منه كما ... لان يرى وجهك الميمون مرتقبا
وللمترجم أيضاً
ومن عجب أن العيون فواتر ... تقاد لها شم الأنوف وتخضع
وأعجب من ذا إنني الليث يتقي ... سطاه وإني بالغزال مروع
وأعجب من هذين عذب رضابه ... وبي ظمأ عن ورده كيف أصنع
وأعجب من هذي العجائب كلها ... يباعدني والغير يدني ويمنع
وقال من قصيدة أولها
بابي أهيف كظبي غرير ... صال فينا بسيف لحظ شهير
قده غصن بانة يتثنى ... فوق دعص من تحت بدر منير
ألف الصد والنفار دلالاً ... ما عهدناه بالألوف النفور
أسرتني ألحاظه النجل عمداً ... يا لثار المتيم المأسور
أي ذنب جنيت في الحب حتى ... صرت في العاشقين دون نصير
عاذلي تركك الملامة أحرى ... لو تحريت كنت فيه عذيري
لو تراه وقد أدار عذاراً ... مثل وشي الطراز فوق الحرير
لعلمت الغرام إن كنت خلواً ... وعذرت العميد عذر بصير(2/290)
ورشقت الزلال من ريق فيه ... رحت منه بسكرة المخمور
زار في غفلة الرقيب فأحيى ... ميت هجر بسعيه المشكور
أوضح الفرق واستكن بفرع ... فأرانا الصباح في الديجور
بات سكري منه بكأس حديث ... طيب أنفاسه لها كالعبير
ريقه العذب لي مدام ونقلي ... لثم خد بوجهه المستنير
ثم وسدته اليمين وبتنا ... في نعيمي مسرة وحبور
ليلة بالعفاف سربلها الده ... ر فكانت كغرة في الدهور
بدرها رام أن ينم فارجع ... ناه منا بنفثة المصدور
ونجوم السماء منظومة السم ... ط كنظم الجمان فوق النحور
وسهيل يلوح طوراً فطوراً ... يتحامى كخائف مذعور
والثريا قد آذنت بانقضاء ... الليل تومي بنا بكف مشير
تشبيه الثريا كثير ومنه قول ابن سكرة الهاشمي
ترى الثريا والغرب يجذبها ... والبدر يهوى والفجر ينفجر
كف عروس لاحت خواتمها ... أو عقد در في الجو ينتثر
ومثله قول أبي القاسم على جلباب
وخلت الثريا كف عذراء طفلة ... مختمة بالدر منها الأنامل
تخيلتها في الأفق طرة جعبة ... مكوكبة لم تعتلقها حمائل
وقال ابن رشيق
والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جاما
وكانت وفاة المترجم في سنة عشر ومائة وألف في بعلبك وسيأتي ذكر محمد شمس الدين ويحيى ولديه رحمهم الله تعالى.
عبد الرحمن بن جعفر
عبد الرحمن بن جعفر الشافعي الشهير بالكردي نزيل دمشق العلامة العالم العامل الفاضل المحقق المدقق التقي الصالح الدين الزاهد الفالح الورع ولد بقرية من نواحي أرض روم بعد المائة وقرأ القرآن في قريته واشتغل بقراءة بعض المقدمات ثم رحل من قريته فاجتاز بحلب بعد الأربعين ومكث أياماً وسار إلى مصر وأخذ عن علمائها منهم العلامة الكبير الشيخ أحمد الملوي والشمس محمد السجيني وعليهما تخرج وبهما تكمل وأخذ عن بقية علمائها سائر العلوم كالشيخ الحفني(2/291)