رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وشدة اهتمامه بها
قوله عليه السلام: جُعلت قرَّة عيني في الصلاة، وقول جبريل فيها
أخرج أحمد والنَّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُبِّب إليَّ الطيب، والنساء، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة» . وعند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد حُبب إليك الصلاة فخُذْ منها ما شئت، كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً في الكبير عن ابن عباس نحوه، قال الهيثمني: وفيه علي بن يزيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى.
قوله عليه السلام: إن شهوتي في قيام الليل
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً ذات يوم والناس حوله، فقال: «إنَّ الله جعل لكل نبي شهوة وإنَّ شهوتي في قيام الليل، إذا قمت فلا يصلينَّ أحد خلفي، وإنَّ الله جعل لكل نبي طُعْمة وإن طعمتي هذا الخُمُس، فإذا قضيت فهو لولاة الأمر من بعدي» . قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن كَيْسان عن أبيه، وإسحاق ليِّنه أبو حاتم، وأبوه وثَّقه ابن حِبَّان وضعّفه أبو حاتم وغيره. انتهى.(4/112)
أقوال الصحابة في قيامه عليه السلام الليل
وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه - فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «أفلا أكون شكوراً» ؟. كذا في الكنز، وأخرجه أبو يَعْلى والبزَّار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وأخرجه البزَّار عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وفي روايته قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي حتى ترمَ قدماه. قال الهيثمي: رواه البزَّار بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح. اهـ. وهكذا أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي جُحَيفة رضي الله عنه. وعنده أيضاً في الصغير والأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصلِّي من الليل حتى ورم قدماه - فذكر نحوه. وعنده أيضاً في الأوسط عن النعمان بن بشير رسول الله وقد غفر لك - فذكره نحوه.(4/113)
وعن المغرية رضي الله عنه نحوه، كما في الرياض (ص 429) . وعند ابن النجار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تزلع رجلاه. وعنده أيضاً عن أنس قال: تعبَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار كالشن البالي، قالوا: يا رسول الله ما يحملك على هذا؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «بلى، أفلا أكون عبداً شكوراً» ؟. كذا في الكنز.
وأخرج الشيخان عن حميد قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنَّا نشاء من الليل أن نراه مصلياً إلاَّ رأيناه، وما كنَّا نشاء أن نراه قائماً إلاَّ رأيناه، وكان يصوم من الهشر حتى نقول: لا يُفطر منه شيئاً، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم منه شيئاً. وأخرجا أيضاً عن عبد الله رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء، قلنا: ما هممت؟ قال:(4/114)
هممت أن أجلس وأدعه. كذا في صفة الصفوة. وأخرج أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح. يقرأ هذه الآية: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة، الآية: 118) كذا في البداية.
وأخرج أبو يَعْلى عن أنس رضي الله عنه قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما أصبح قيل: يا رسول الله إنَّ أثر الوجع عليك بيِّن، قال: إني على ما ترون قد قرأت البارحة السبع الطُّوَل» . ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.
قصة حذيفة معه عليه السلام في قيام الليل
وأخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ففتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، قال: ثم مضى فقلت: يصلِّي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، فاتتح النساء فقرأنا ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرسِّلاً، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» ، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: «سبحان ربي الأعلى» ، فكان سجوده قريباً من قيامه. انفرد بإخراجه مسلم؛ وسورة النساء في هذا الحديث مقدَّمة على آل عمران، وكذلك(4/115)
هي في مصحف ابن مسعود. كذا في صفة الصفوة. وعند الطبراني عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي فصلَّيت بصلاته من وراءه وهو لا يعلم، فاستفتح البقرة حتى ظننت أنه سيركع، ثم مضى - قال سنان لا أعلمه إلاَّ قال: صلَّى أربع ركعات كان ركوعه مثل قيامه - قال: فذكرت ذلك للبني صلى الله عليه وسلم فقال: «ألاَ أعلمتني» قال حذيفة: والذي بعثك بالحق نبياً إني لأجده في ظهري حتى الساعة قال: «لو أعلم أنك ورائي لخففت» . قال الهيثمي: وفيه سنان بن هارون البُرجمي، قال ابن معين: سِنان بن هارون أخو سيف وسِنان أحسنهما حالاً، وقال مرة: سِنان أوثق من سيف، وضعَّفه غير ابن معين. انتهى.(4/116)
حديث عائشة في قراءته عليه السلام في قيام الليل
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذُكر لها أن ناساً يقرؤون القرآن في الليلة مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فلا يمرُّ بآية فيها تخويف إلاَّ دعا الله واستعاذ، ولا يمرّ بآية فيها استبشار إلاَّ دعا الله ورَغِب إليه. قال الهيثمي: رواه أحمد - وجاء عنده في رواية: يقرأ أحدهما القرآن مرتين أو ثلاثاً - وأبو يعلى، وفيه ابن لَهيعة وفيه كلام. انتهى.
أمر عليه السلام في مرضه بأن يصلِّي أبو بكر بالناس
وأخرج البخاري عن الأسود قال: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها، قالت: لمَّا مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذَّن بلال، فقال: «مروا أبا بكر فيلصلِّ بالناس» فقيل له: أنَّ أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: «إنكنَّ صواحب يوسف مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نسه خِفَّة، فخرج يُهادَى بين رجلين كأنيأنظر إلى رجليه تخطَّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخَّر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنْ مكانك، ثم أُتي به حتى جلس إلى جنبه. وعنده أيضاً من وجه آخر عنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حلمني على معاودته إلاَّ أنِّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وإلاَّ أنِّي علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلاَّ تشاءم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره، وعند مسلم عنها قالت: قلب يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلاَّ كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثاً، فقال: «ليصلِّ بالناس أبو بكر، فإنكم صواحب يوسف» . كذا في البداية.
وأخرج أحمد عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت:(4/117)
ألاَ تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بلى، ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: «أصلِّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: «ضعوا لي ماء في المخُضب» ففعلنا، قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء فأُ غمي عليه ثم أفاق، فقال: «أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: «أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والناس عكوف في املسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام - فذكر خروجه كما تقدم، كذا في البداية. وأخرجه أيضاً البيهقي وابن أبي شيبة، كما في الكنز وابن سعد نحوه.
فرح المسلمين برؤيته عليه السلام حين نظر إليهم وأبو بكر يصلِّي بهم
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلِّي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلين وهو قائم كأن(4/118)
وجهه ورقة مصحف تبسَّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصلَ الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتمُّوا صلاتهم، وأرخى الستروتوفي من يومنه صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً من وجه آخر عنه قال: لما يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بالحجاب» فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجب فلم يُقْدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم. كذا في البداية. وأخرج أيضاً أبو يَعْلى وابن عساكر وابن خُزَيمة وأحمد عن أنسٍ بمعناه بألفاظ مختلفة، كما في الكنز والمجمع والبيهقي وابن سعد أيضاً بمعناه.
رغبة الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة وشدة اهتمامهم بها
انتباه عمر من إغمائه حين نودي عليه بالصلاة
أخرج الطبراني في الأوسط عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: دخلت على(4/119)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجَّى فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى، قلت: أيقظوه بالصلاة، فإنكم لن توقطوه لشيء أفزع له من الصلاة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فقال ها الله إذاً ولا حق في الإِسلام لمن ترك الصلاة، فصلَّى وإن جرحه ليثعب دماً، قال الهيثمي: رجال رجال الصحيح. اهـ.، وأخرجه ابن سعد عن المسور أنَّ عمر لما طُعن جعل يُغمى عليه، فقيل: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة قد صُلِّيت، فانتبه فقال: الصلاة ها الله إذاً ولا حظَّ في الإِسلام - فذكر مثله.
لغاية ص 490
تابع
إحياء عثمان الليل كلَّه في ركعة يجمع فيها القرآن
وأخرج الطبراني عن محمد بن مسكين قال: قالت امرأة عثمان رضي الله عنه حين أطافوا به: تريدون قتله؟ إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن. وإسناده حسن كما قال الهيثمي وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن محمد بن سِيرين مثله إلا أن في روايته: حين أطافوا به يريدون قتله. وعنده أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قالت امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قتلوه: لقد قتلتموه وإنَّه ليحيي(4/120)
الليلة بلقرآن في ركعة؟ قال أبو نُعيم: كذا قال أنس بن مالك ورواه الناس فقالوا: أنس بن سيرين - انتهى.
وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: قال أبي: لأغلبنَّ الليلة على المقام، قال فلما صلَّيت العَتَمة تخلَّصت إلى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينا أنا قائم إذارجل وضع يده بين كتفيّ، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: فبدأ بأمِّ القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فرجع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلَّى قبل ذلك شيئاً أم لا. وعند ابن المبارك في الزهد وابن سعد وابن أبي شيبة وابن منيع والحطاوي والدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: رأيت عثمان عند المقام ذات ليلة قد تقدَّم، فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف. كذا في المنتخب وقال: سنده حسن. وعند ابن سعد عن عطاء ابن أبي رباح أن عثمان صلَّى بالناس، فقام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة كانت وِتْره، وعن محمد بن سيرين أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة. كذا في المنتخب.
رفض ابن عباس ترك الصلاة لمداواة بصره بعد أن عمي
وأخرج الحاكم عن المسيِّب بن رافع قال: لما كُفَّ بصرُ بن عباس(4/121)
رضي الله عنهما أتاه رجل فقال له: إنك إن صبرت لي سبعاً لم تصلِّ إلاَّ مستلقياً تومىء إيماء داويتك فبرأت إن شاء الله تعالى، فأسل إلى عائشة وأبي هريرة - رضي الله عنهما - وغيرهما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كل يقول: أرأيت إن متَّ في هذا السبع كيف تصنع باللاصة؟ فترك عينه ولم يداوها. وعند البزَّار والطبراني عن ابن عباس قال: لما قام بصري قيل: نداويك وتدع الصلاة أياماً، قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان» قال الهيثمي: رواه البزّار والطبراني في الكبير وفيه سهل بن محمود ذكره ابن أبي حاتم وقال: روى عنه أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي وسعدان بن يزيد قلت: وروى عنه محمد بن عبد الله المخرمي ولم يتكلم فيه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند الطبراني في الكبير عن علي بن أبي حميلة والأوزاعي قالا: كان عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة، قال الهيمثي: وإسنده منقطع - اهـ.
رغبة عبد الله بن مسعود في الصلاة
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يكاد يصوم، وقال: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إليَّ من(4/122)
الصيام، فإنْ صام صام ثلاثة أيام من الشهر؛ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفي بعض طرقه: ولم يكن يصلِّي الضحى. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن جرير عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله صلى الله عليه وسلم بن مسعود كان يقلُّ الصوم، فقيل له، فقال: إني إذا صمت - فذكر مثهل، كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ما رأيت فقيهاً أقلَّ صوماً من عبد الله بن مسعود، فقيل له: لم لا تصوم؟ فقال: إني أختار الصلاة عن الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة.
رغبة سالم مولى أبي حذيفة في الصلاة
وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأت ليلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء ثم جئت، فقال لي: أين كنت؟ قلت: كنا نسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد لم أسمع مثل صوته ولا قراءة من أحد من أصحابك، فقام وقمت معه حتى استمع إليه ثم التفت إليَّ، فقال: «هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أُمتي مثل هذا» قال الحاكم ووافقه الذهبي: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه.
رغبة أبي موسى وأبي هريرة في الصلاة
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مسروق قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في سفر، فآوانا الليل إلى بستان حَرْث، فنزلنا فيه(4/123)
فقام أبو موسى من الليل يصلِّي - فذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته - قال: وجعل لا يمر بشيء إلاَّ قاله، ثم قال: اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن وتحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان النَّهْدي قال: تضيَّفت أبا هريرة رضي الله عنه سبع ليالٍ، فكان هو وخادمه وامرأته يعتقبون الليل أثلاثاً.
رغبة أبي طلحة الأنصاري ورجل أنصاري آخر في الصلاة
وأخرج مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأصناري رضي الله عنه كان يصلِّي في حائط له، فطار دُبْسي فطفق يتردد مخرجاً فلا يجد، فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى، فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في صلاته وقال: يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت. كذا في الترغيب وقال: وعبد الله بن أبي بكر لم يدرك القصة. وأخرج مالك أيضاً عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلاف من الأنصار كان يصلِّي في حائط له بالقُف - وادٍ من أودية المدينة - في زمان التر. والنخل قد ذُلِّلت فهي مطوَّقة بثمرها، فنظر إليها فأعجبه ما أرى من ثمرها، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء(4/124)
عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو يومئذٍ خليفة - فذكر له ذلك وقال: هو صدقة فاجعله في سبيل الخير، فباعه عثمان بن عفان بخسمين أفاً، فسمِّي ذلك المال الخمسين. كذا في الأوجز.
رغبة ابن الزبير وعدي بن حاتم بالصلاة
وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أسماء رضي الله عنها قالت: كان ابن الزبير قوَّام الليل صوَّام النهار، وكان يسمى حمام المسجد. وأخرج ابن عساكر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ما جاء وقت صلاة قط إلاَّ وقد أخذت لها أهبتها، وما جاءت إلاَّ وأنا إليها بالأشواق. كذا في الكنز، وأخرجه ابن المبارك، كما في الإِصابة.
بناء المساجد
حديث أبي هريرة وطَلْق بن علي في بناء المسجد النبوي
أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يحملون اللبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، قال: فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عارض لبنة على بطنه، فظننت أنها شقَّت عليهفقلت: ناولنيها يا رسول الله قال: «خُذْ غيرها يا أبا هريرة؛ فإنه لا عيش إلاَّ عيش الآخرة» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى.(4/125)
وأخرج أحمد والطبراني عن طَلْق بن علي رضي الله عنه قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: «قرِّب اليمامي إلى الطين؛ فإنه أحسنكم له مسَّاً وأشدكم منكباً» قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ. وعند أحمد أيضاً عنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد قال: فكأنه لم عجبه عملهم، قال: فأخذت المسحة فخلطت بها الطين، قال: فكأنه أعجبه أخذي المسحاة وعملي فقال: «دعوا الحنفي والطين؛ فإنه أضبطكم للطين» قال الهيثمي: وفيه أيوب بن عبة واختلف في ثقته.
اجتهاد زوجة عبد الله بن أبي أوفى في بناء المسجد النبوي
وأخرج البزّار عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها؛ فإنها كانت تحمل ومواليها بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين.(4/126)
قال الهيثمي: وفيه أبو ماك النخعي وهو ضعيف - اهـ.
رغبة النبي في أن يكون مسجده كعريش موسى عليهما السلام
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قالت الأنصار لي: متى يصلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الجريد؟ فجمعوا له دنانير فأتَوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نصلح هذا المسجد ونزينه، فقال: «ليس لي رغبة عن أخي موسى - عليه السلام - عريش كعريش موسى» قال الهيثمي: وفيه عيسى بن سنان ضعِّفه أحمد وغيره ووثَّقه العِجلي وابن حبان وابن خراش في رواية - اهـ. وعند البيهقي في الدلائل عنه أن الأنصار جمعوا مالاً فأتَوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى نصي تحت هذا الجريد؟ فقال: «ما بي رغبة عن أخي موسى، عري كعريش موسى» وروى البيهقي أيضاً عن الحسن في بيان عريش موسى قال: «إذا رفع يده بلغ العريش» - يعني السقف - اهـ. وعن ابن سهاب: كانت سواريُّ المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذوعاً من جذوع النخل، وكان سقفه جريداً وخوصاً ليس على السقف كثير طين، إذا كان المطر امتلأ المسجد طيناً، إنما هو كهيئة العريش.
سجوده عليه السلام في الماء والطين في مسجده
وفي الصحيح في ليلة القدر: «وإني أُريت أن أسجد في ماء وطين،(4/127)
فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع» فرجعنا وما نرى في السماء قَزَعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد - وكان من جريد النخل - وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جهبته. كذا في وفاء الوفاء.
رفضه عليه السلام أن يبني مسجده على بنيان الشام
وأخرج ابن زبالة عن خالد بن مَعدان قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأبي الدرداء رضي الله عنهما ومعهما قصبة يذرعان بها المسجد، فقال: «ما تصنعان» ؟ فقالا: أآدنا أن نبني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنيان الشام، فيقسم ذلك على الأنصار، فقال: «هاتياها» فأخذ القصبة منهما ثم مشى بها حتى أتى الباب فدحا بها، وقال: «كلا، ثُمام وخشيبات وظُلَّة كظلَّة موصى، والأمر أقرب من ذلك» قيل: وما ظلُّه موسيك قال: «إذا قام أصاب رأسُه السقفَ» كذا في وفاء الوفاء.
توسيع المسجد النبوي في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما
وأخرج أحمد عن نافع أن عمر رضي الله عنه زاد في المسجد من الأْسطوانة لى المقصورة، وقال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يبنغي أن نزيد في مسجدنا» ما زدت.(4/128)
وأخرج البخاري وأبو داود عن نافع أن عبد الله - يعني ابن عمر رضي الله عنهما - أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعُمُده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئاً وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان رضي الله عنه فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقَفِ بالساج. وأخرج أبو داود أيضاً - وسكت عليه - عن عطية عن ابن عمر قال: إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل، أعلاه مُظلَّل بجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة عثمان رضي الله عنه فبناها بالآجر؛ فلم تزل ثابتة حتى الآن.
وفي صحيح مسلم عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره النسا ذلك وأحبُّوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مجسداً لله بنى الله له في الجنة مثله» . وروى يحيى عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما ولي عظمان بن عفان سنة أربع وعشرين كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلُّون في الرحاب، فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس ثم(4/129)
صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزيد فيه، وأشهَدُ لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة» وقد كان لي فيه سَلَف وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسَّن الناس يومئذٍ ذلك ودعوا له، فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلاً يصوم الدهر، ويصلِّي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالقَصَّة المنخولة تعمل ببطن نخل؛ وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ثلاثين، فكان عمله عشرة أشهر. كذا في وفاء الوفاء (1355 و356) .
خطّه عليه السلام لقبيلة جهينة مسجداً في المدينة
وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن جابر بن أسامة الجني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالسوق فقلت: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يريد أن يخط لقومك مسجداً، قال: فأتيت وقد خطَّ لهم مسجداً وغرز في قبلته خشبة فأقامها قبلة؛ قال الهيثمي: وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمه - انتهى. وأخرجه أبو نُعيم عن جابر بن أسامة الجني نحوه.d كما في الكنزل والباوَرْدي عن أسامة الحنفي مثله، كما في الكنز.
كتاب عمر إلى أمراء الأمصار ببناء المساجد
وأخرج ابن عساكر بن عطاء قال: لما افتتح عمر ابن(4/130)
الخطاب رضي الله عنه البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو على البصرة بأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، ويتخذ للقبائل مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو على مصر بمثل ذلك، وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يبدوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجداً وحداً، ولا يتخذ القبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة وأهل مصر؛ وكان الناس متمسكين بأمر عمرو عهده. كذا في الكنز.
تنظيف المساجد وتطهيرها
أمره عليه السلام ببناء المساجد في البيوت وتطهيرها
أخرج أحمد عن عروة بن الزبير عمَّن حدَّثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها ونطهِّرها، قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده صحيح. اهـ. وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنه قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور وأن يُنظَّف ويُطيَّب. كذا في المشكاة (ص61) .(4/131)
رؤيته عليه السلام المرأة التي كانت تنظف المسجد في الجنة بعد أن ماتت
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد، فتوفيت فلم يُؤذَن النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مات لكم ميِّت فآذنوني» وصلَّى عليها وقال: «إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وقال في تراجم النساء: الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعد هذا الكلام إسناد عن أنس رضي الله عنه قال: فذكر الحديث ورجال إسناد أنس رجال الصحيح، وإسناد بن عباس فيه عبد العزيز بن فائد وهو مجهول، وقيل فيه فائد بن عمر وهو وَهَم. انتهى.
تجمير عمر رضي الله عنه للمسجد، النبوي
وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان يجمِّر المسجد مسجد رسول الله كل جمعة. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عمر العمري وثَّقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به.(4/132)
المشي إلى المساجد
قصة الأنصاري الذي كان يسغَى إلى المسجد من بيته البعيد
أخرج أحمد ومسلم والدارمي وأبو عَوانة وابن خزيمة وابن حِبَّان عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة؛ فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد جمع الله لك ذلككله» . وعند الطيالسي ومسلم وابن ماجه عنه قال. كان رجل من اونصاربيته أقصى بيت من المدينة فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجَّعتُ له فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حماراً يقيك من الرمضاء ويقيك من هوامِّ الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مُطَنَّب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم فحملت به حِمْلاً حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعاه فقال له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ لك ما احتسبت» وأخرج(4/133)
أيضاً أبو داود والحميدي بمعناه، وفي رواية الحميدي: «إنَّ له بكل خطوة يخطوها إلى المسجد درجة» كذا في الكنز.
مقاربته عليه السلام الخطا في سيره إلى المسجد
وأخرج الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا، فقال: «أتدرون لم أقارب الخط» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «لا يزال العبد في الصلاة ما دام في طلب الصلاة» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير؛ وله في رواية أخرى: «إنما فعلت هذا لتكثير خطاي في طلب الصلاة» ، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف، ورواه موقوفاً على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح. انتهى.
مقارنة أنس بن مالك الخطي في السير إلى المسجد
وأخرج الطبراني في الكبير عن ثابت قال: كنت أمشي مع أنس بن مالك رضي الله عنه بالزاوية إذ سمع الأذان، ثم قارب في الخطا حتى دخلت المسجد، ثم قال: أتدري يا ثابت لم مشيت بك هذه(4/134)
المشية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ليكثر عدد الخطا في طلب الصلاة، قال الهيثمي: وقد رواه أنس عن زيد بن ثابت والله أعلم، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف. انتهى.
سعي ابن مسعود إلى الصلاة
وأخرج الطبراني في الكبير عن رجل من طيّىء عن أبيه أن ابن مسعود رضي الله عنه خرج إلى المسجد، فجعل يهرول فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما أردت حدَّ الصلاة: التكبيرة الأولى؛ وفيه من يُسمَّ كما تراه. وعنده أيضاً فيه عن سَلَمة بن كُعِيل أن ابن مسعود سعى إلى الصلاة فقيل له، فقال: أوَ ليس أحقَّ ما سعيتم إليه الصلاة؟ وسَلَمة لم يسمع من ابنمسعود؛ كما قال الهيثمي.
نهيه عليه السلام عن الإسراع إلى الصلاة
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال خلفه، فلما قضى صلاته قال: «ما شأنكم» ؟ قالوا: أسرعنا إلى الصلاة، قال: «فلا تفعلوا، ليصلِّ أحدكم ما أدرك وليقضِ ما فاته» ورجاله رجال الصحيح وهو متفق عليه بلفظ: «وما سبقكم فأتمُّوا» كما قال الهيثمي.(4/135)
لماذا بنيت المساجد وماذا كانوا يفعلون فيها
إنكار الصحابة على أعرابي بال في المسجد وموقفه عليه السلام منه
أخرج مسلم - واللفظ له - والطحاوي عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُزْرِموه دعوه» فتركه حتى بال، ثم إنص رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوغ من ماء فشنَّه عليه.
قصته عليه السلام مع الذين جلسوا يذكرون الله في المسجد
وأخرج مسمل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية رضي الله عنه على حَلْقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قال: جلسنا نذكر لله، قال: الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك، قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تُهْمَة لكم، وما كانأحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثاً مني، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم» ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدنا للإسلام ومَنَّ به علينا، فقال: «الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك» قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أنَّ الله يباهي(4/136)
بكم الملائمة» ، كذا في رياض الصالحين (ص156) وأخرجه أيضاً الترمذي والنسائي كما في جمع الفوائد.
قصته عليه السلام مع النفر الثلاثة، وجلوسه إلى أصحاب القرآن
وأخرج الشيخان عن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيي فاستحيى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ، كذا في رياض الصالحين (ص515) . وأخرجه مالك والترمذي، كما في جمع الفوائد. وأخرج ابن منده عن أبي القمراء رضي الله عنه قال: كنا في مسجد رسول الله حلَقاً نتحدث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حُجَره، فنظر إلى الحَلَق ثم جلس إلى أصحاب القرآن، فقال: «بهذا الملجس أمرت» ، كذا في الإصابة. وأخرجه ابن عبد البرّ في الاستعياب. وأخرجه أيضاً أبو(4/137)
عمرو الداني في طبقات القرّاء، كما في الكنز.
قول علي رضي الله عنه في قرّاء القرآن
وأخرج الطبراني في الأوسط عن كليب بن شهاب قال: سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضجة في المسجد يقرؤون القرآن ويقرِئونه، فقال: طوبى لهؤلاء هؤلاء كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في المجمع. وأخرجه ابن منيع بنحون، كما في الكنز. وعند البزّار كما في المجمع عن كليب أيضاً قال: كان علي في المسجد - أحسبه قال: مسجد الكوفة - فسمع صيحة شديدة فقال: ما هؤلاء؟ فقال: قوم يقرؤون القرآن أو يتعلمون القرآن، فقال: أما إنهم كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفي إسناد الطبراني حفص بن سليمان الغاضري وهو متروك ووثَّقه أحمد في رواية وضعَّفه في غيرها وفي إسناد البزّار إسحاق بن إبراهيم الثقفي وهو ضعيف.
قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أهل السوق
وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسم وأنتم ههنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا(4/138)
سراعاً ووقف أبا هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة أتينا المسجد فدخلنا فيه لم نرَ فيه شيئاً يُقسم فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم كذا في الترغيب.
ثناء عمر رضي الله عنه على أهل المجالس في المساجد
وأخرج المروزي وابن أبي شيبة عن ابن معاوية الكندي قال: قدمت على عمر رضي الله عنه بالشام، فسألني عن الناس، فقال: لعلَّ الرجل يدخل المسجد كالبعير النافر فإن رأى مجلس قومه ورأى من يعرفهم جلس إليهم، قلت: لا، ولكنها مجالس شتَّى يجلسون فيتعلمون الخير ويذكرونه، قال: لن تزالوا بخير ما كنتم كذلك. كذا في الكنز.
انطلاقه عليه السلام من المسجد مع أصحابه إلى يهود
وأخرج الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد يوماً خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «انطلقوا إلى اليهودة» فقال: «أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال: «ذلك أريد» ثم قالها الثالثة، ثم قال: «اعلموا أنَّ الأرض لله ولرسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئاً(4/139)
فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله» . كذا في جمع الفوائد.
وضعه عليه السلام سعد بن معاذ في المسجد حين جرح يوم الخندق
وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد رضي الله عنه يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حِبَّان بن العَرهقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعتَ السلاح والله ما وضعتُه أخرج إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم «فأين» ؟ فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فردَّ الحكم إلى سعد، قال: فإنِّي أحكم فيهم أن تُقتل المقاتِلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن يُقسم أموالهم. قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن سعداً قال: اللهمَّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذَّبوا رسولك وأخرجوه، اللهمَّ فإني أظن أنك قد وضعتَ الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فنفجرت من لَبَّته فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غِفار - إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل لخيمة ما هذا الذي يأتينا من قِبَلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً، فمات منها. كذا في جمع الفوائد.
نوم أهل الصفة وأبي ذر وبعض الصحابة في المسجد
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط قال: كان(4/140)
أهل الصفة ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ويظلون فيه، ما لهم مأوى غيره، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه بالليل إذا تعشَّى فيفرقهم على أصحابه، وتتعشى طائفة منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء الله بالغنى. وأخرج أحمد عن أسماء - يعني بنت يزيد - أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد وكان هو بيته يضجطع فيه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فوجد أبا ذر منجدلاً في المسجد، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله حتى استوى جالساً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أراك نائماً» ؟ قال أبو ذر: يا رسول الله فأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فذكر الحديث في أمر الخلافة. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني روى بعضه فيي الكبير وفيه شَهْر بن حَوحشب وفيه كلام وقد وُثَّق. وعند الطبراني في الأوسط عن أبي ذر أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أتى المسجد فاضطجع فيه. وفيه شَهْر أيضاً، كما قال الهيثمي؛ وقد تقدّمت قصص أبي ذر وغيره من الصحابة في النوم في المسجد في ضيافة الأضياف.
وأخرج البيقهي وابن عساكر عن الحسن أه سئل عن القائلة في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفة يقيل في المسجد، كذا في الكنز.(4/141)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا ونحن شباب نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. وعنده أيضاً عنه قال: كنا نجمِّع ثم نرجع فنقيل. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن الزُّهري قال: قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه، فإنه أجدر أن لا يملّ جلوسه. وأخرج عبد الرزاق عن خليد أبي إسحاق قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن النوم في المسجد فقال: إن كنت تنام لصلاة وطواف فلا بأس. كذا في الكنز.
فزع الرسول عليه السلام إلى المسجد عند اشتداد الريح والكسوف
وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح شديدة كان مفزعه إلى المسجد حتى تسكن الريح، وذا حدث في السماء حديث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى المصلَّى، كذا في الكنز وقال: وسنده حسن. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عطاء أن يعلى بن أمية رضي الله عنه(4/142)
كانت له صحبة، فكان يقعد في المسجد الساعة فينوي بها الاعتكاف.
إنزاله عليه السلام وفد ثقيف في المسجد
وأخرج الطبراني في الكبير عن عطية بن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فضرب له مقبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا معه. قال الهيثمي: وفيه محمد ابن إسحاق وهو مدلِّس وقد عنعنه، انتهى. وعند أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم - فذكر الحديث كما تقدَّم في قصة إسلام ثقيف في باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله.
ما كان يفعله عليه السلام وأصحابه في المسجد غير العبادة والذكر
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً شِواء ونحن في المسجد، فأقيمت الصلاة فلم نرد على أن مسحنا بالحصباء. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. وعند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني - أُتي بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه، فلذلك سُمِّي. وعند أبي يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بِجَرِّ فضيخِ بُسرٍ وهو في مسجد الفضخ فشربه، فلذلك سُمي مسجد الفضيخ. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن نافع ضعَّفه البخاري(4/143)
وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين: يُكتب حديثه. انتهى.
وقد تقدمت قصص قسم الطعام والمال في باب إنفاق الأموال، وقصة بيعة عثمان رضي الله عنه في المسجد في باب البيعة، وبيعة أبي بكر رضي الله عنه في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقصة دعوة ضمام رضي الله عنه وإسلامهفي المسجد، وقصة إسلام كعب بن زهير رضي الله عنه وإنشاده القصيدة المعروفة في المسجد في باب الدعوة إلى الله، وجلوس أصحاب الشورى للمشورة في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقعود الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغدوات في المسجد في باب إنفاق المال، وجلوس عمر رضي الله عنه في المسجد لحاجة الناس بعد الصلوات في الخوف على بسط الدنيا، وبكاء أبي بكر والصحابة في المسجد على فراقه صلى الله عليه وسلم باب التعلِّق بحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون في المساجد
كراهيته عليه السلام الاحتباء في المسجد
أخرج أحمد عن مولى لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبياً مشبِّكاً أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنَّ فإن التشبيك من الشيطان، وإنَّ أحدكم لا يزال في صلاةٍ ما كان في المسجد حتى يخرج منه» ، قال الهيثمي: إسناده حسن.(4/144)
كراهيته عليه السلام أن يدخل المسجد مَنْ أكل الثوم أو البصل
وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقع الناس في الثوم فجعلوا يأكلونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أكل من هذه البقعة الخبيثة فلا يقربَّن مسجدنا» ، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط من رواية أبي القاسم مولى أبي بكر، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله موثَّقون. انتهى. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب (الناس) يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين: البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل من المسجد أمر به فأُخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. كذا في الترغيب.
كراهيته عليه السلام التنخم في المسجد
وأخرج الشيخان وأبو داود - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيّظ على الناس ثم حكها، قال: «وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: «إن الله عز وجل قِبَل وجه أحدكم إذا صلّى؛ فلا يبصق بين يديه» وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي سعيد ثم أقبل على الناس مغضباً فقال: «أيحب(4/145)
أحدكم أني يستقبله رجل فيبصق في وجهه؟ إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه والمَلَك عن يمينه، فلا يبقص بين يدهي ولا عن يمينه» كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن المسجد لينزوي من النُّخَامة كما تنزوي البَضْعة أو الجلدة في النار. كذا في الكنز.
كراهيته عليه السلام وأصحابه سلّ السيف في المسجد
وأخرج البغوي وابن السَّكَن والطبراني وغيرهم عن جابر أن بَنَّة الجني رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً - وفي لفظ: مرَّ على قوم - في المسجد يتعاطون سيفاً بينهم مسلولاً، فقال: «لعن الله من فعل هذا أوَ لَمْ أَنْهَ - وفي لفظ: أو لم أنهكم - عن هذا؟ إذا سلَّ أحدكم السيف فإذا أراد أن يدفعه إلى صاحبه فليغمده ثم ليعطه إياه» . كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق عن سليمان بن موسى قال: سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن سلِّ السيف في المسجد فقال: قد كنا نكره ذلك، وقد كان رجل يتصدّق بالنبل في المسجد فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر بها في املسجد إلا وهو قابض على نصالها جميعاً. كذافي الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن محمد بن عبيد الله قال: كنا عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في المسجد، فقلَّب رجل نبلاً، فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تقليب السلاح في المسجد؛(4/146)
قال الهيثمي: وفيه أبو البلاد ضعَّفه أبو حاتم.h
كراهيته عليه السلام وأصحابه نشدان الضالة في المسجد
وأخرج مسلم والنِّسائي وابن ماجه عن بُريدة رضي الله عنه أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا وجدتَ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له» . كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً ينشد ضالة في المسجد فأسكته وانتهره، وقال: نُهينا عن هذا، نوابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود. كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: سمع أُبي ابن كعب رضي الله عنه رجلاً يعتري ضالته في المسجد فغضبه، فقال: يا أبا املنذر ما كنت فاحشاً، قال: إنا أُمرنا بذلك. كذا في الكنز.
كراهية عمر رفع الصوت واللغط وإنشاد الشعر في المسجد
وأخرج البخاري والبيهقي عن السائب بن يزيد قال: كنت نائماً(4/147)
في المسجد فصحبني رجل، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند إبراهيم بن سعد في نسخته وابن المبارك عن سعيد ابن إبراهيم عن أبيه قال: سمع عمر بن الخطاب صوت رجل في المسجد فقال: أتدي أين أنت؟ أتدري أين أنت؟ كره الصوت؛ كذا في الكنز (4258 و260) . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيقهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان إذا خرج إلى املسجد نادى في المسجد: إياكم واللغط، وفي لفظ: نادى بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد. وعند عبد الرزاق وابن أبي شيبة عنه أن عمر نهى عن اللغط في المسجد وقال: إن مسجدنا هذا لا تُرفع فيه الأصوات. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن سالم أن عمر بن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة فسماها البطيحاء، فكان يقول: من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوتاً فليخرج إلى هذه الرحبة. كذا في الكنز.(4/148)
وأخرج عبد الرزاق عن طارق بن شهاب قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل في شيء فقال: أخرجاه من المسجد فاضربا. كذا في الكنز.
لغاية 510
تابع
كراهية ابن مسعود إسناد الظهر إلى قبلة المسجد
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد بين أذان الفجر والإقامة، فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، قال الهيثيم: ورجاله موثَّقون.
كراهية حابس الطائي الصلاة في مقدم المسجد من السحر
وأخرج أحمد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عامر الألهاني قال: دخل المسجد حابس بن سعد الطائي رضي الله عنه من السَّحَر - وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ـ فرأى الناس يصلُّون في مقدم المسجد فقال: مراؤون وربِّ الكعبة، أرعِبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله، فأتاهم النسا فأخرجوهم، فقال: إن الملائكة تصلِّي في مقدَّم المسجد من السَّحَر. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عامر الألهاني ولم أجد من ذكره، وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو نعيم كما في الكنز؛ وأخرجه ابن سعد أيضاً نحوه.(4/149)
كراهية ابن مسعود الصلاة خلف كل أسطوانة في المسجد
وأخرج الطبراني عن مرّة الهمداني: قال: حدثت نفسي أن أصلِّي خلف كل سارية من مسجد الكوفة ركعتين، فبينا أنا أسلي إذ أنا بابن مسعود رضي الله عنه في المسجد، فأتيته لأخبره بأمري، فسبقني رجل فأخبره بالذي أصنع، فقال ابن مسعود: لم يعلم أن الله عز وجل عند أدنى سارية ما جاوزها حتى يقضي صلاته. قال الهيثمي: وفيه عطاء ابن السائب وقد اختلط.
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأذان
رفضه صلى الله عليه وسلم اتخاذ الناقوس والبوق للإعلام بالصلاة قبل الاهتداء للأذان
أخرج أبو داود عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة؛ فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القُنْع - يعني الشَّبُور، وقال زياد: شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: «وهو من أمر اليهود» ، فقال: فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» ، فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه - فذكر الحديث.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن زيد قال: اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذان بالصلاة، وكان إذا جاء وقت الصلاة صعد برجل فيشير بيده، فمن رآه جاء ومن لم يره لم يعلم بالصلاة، فاهتم لذلك همَّاً شديداً، فقال له بعض القوم: يا رسول الله لو أمرت بالناقوس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فعل النصارى؟ لا» ،(4/150)
فقالوا: لو أمرت بالبوق فنفخ فيه، فقال: «فعل اليهود؟ لا» ، فرجعت إلى أهلي وأنا مغتم لما رأيت من اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاله، حتى إذا كان اليل قبل الفجر غشيني النعاس، فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران أنا بين النائم واليقظان، فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى.
وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الصلاة إذا حَضَر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى رجل في الطريق فنادى: الصلاة، الصلاة؛ فاشتد ذلك على الناس وقالوا: لو اتخذنا ناقوساً - فذكر الحديث. كذا في الكنز (4263 و265) .
المناداة بالصلاة جامعة في عهده عليه السلام قبل الاهتداء للأذان
وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير وعروة وزيد بن أسلم وسعيد بن المسيِّب قالوا: كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُؤمر بالأذان ينادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فيجتمع الناس، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة، فقال بعضهم: البوق، وقال بعضهم: الناقوس - فذكر الحديث وفي آخره قالوا: وأذَّن بالأذان، وبقي يُنادي في الناس: الصلاة جامعةً للأمر يحدث، فيحضرون له يُخبرون به مثل فتح يقرأ، أو أمر يؤمرون به، فينادي: الصلاة جامعة وإن كان في غير وقت صلاة.
أذان سعد القَرَظ للنبي عليه السلام في قباء
وأخرج الطبراني في الكبير عن سعد القَرَظَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أي ساعة أتى قُباء أذن بلال رضي الله عنه بالأذان لأن يُعلم الناس أن(4/151)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فتجمعوا إليه، فأتى يوماً وليس معه بلال فنظر زنوجٌ بعضهم إلى بعض؛ فرقي سعد رضي الله عنه في عذق فأذَّن بالأذان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما حملك على أن تؤذن يا سعد» ؟ قال: بأبي وأمي رأيتك في قلّة من الناس ولم أرَ بلالاً معك، ورأيت هؤلاء الزنوج ينظر بعضهم إلى بعض وينظرون إليك، فخشيت عليك منهم فأذَّنت، قال: «أصبتَ يا سعد، إذ لم ترَ بلالاً معي فأذِّن» فأذن سعد ثلاث مرار في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفيه عبد الرحنم بن سعد بن عمّار وهو ضعيف.
أقوال بعض الصحابة في الأذان والمؤذِّنين
وأخرج البيهقي في شُعَب الإيمان عن أبي الوقاص رضي الله عنه قال: سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين. وهو فما بين الأذان والإقامة كالمتشحط في دمه في سبيل الله، قال: وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً ما باليت أن لا أحج ولا «أعتمر ولا أجاهد. قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا صيام النهار؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ اغفر للمؤذِّنين، اللهم اغفر للمؤذِّنين» فقلت: تركتنا يا رسول الله ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال: «كلا يا عمر إنَّه سيأتي على الناس زمان يتركون الإذان على ضعفائهم، وتلك لحوم حرمها الله على النار: لحوم المؤذِّنين» قال: وقالت عائشة رضي الله عنها لهم: هذه الآية: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اوعمل صالحا وقال إنني من المسملين} (سورة فصلت، الآية: 33) . قالت: هو المؤذِّن، فإذا قال:(4/152)
حيَّ على الصلاة، فقد دعا إلى الله، وإذا صلَّى فقد عمل صالحاً، وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فهو من المسلمين. كذا في الكنز. وأخرجه أبو الشيخ عن الرصافي في كتاب الأذان مثله، كما في الكنز.
وعند ابن زنجويه عن أبي معشر قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت مؤذِّناً لم أبال أن لا أحج ولا أعتمر إلاّ حجّة الإسلام، ولو كانت الملائكة نزولاً ما غلبهم أحد على الأذان، كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن قيس ابن أبي حازم قال: قدمنا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من مؤذِّنكم؟ فقلنا: عبيدنا وموالينا، فقال: إنَّ ذلكم بكم لنقص شديد، لو أطقتُ الأذان من الخِلِّفي لأذنت، كذا في الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه قال: ندمت أن لا أكون طلبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الحسن والحسين مؤذَنَيْن، قال الهيثمي: وفيه الحارث وهو ضعيف.(4/153)
وأخرج الطبراني في اكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: ولا قراؤكم؛ قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
قول ابنعرم لرجل يتغنَّى في أذانه ويأخذ عليه الأجر
وأخرج الطبراني في الكبير عن ييحى البكَّاء قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إنِّي لأحبك في الله، فقال ابن عمر: لكني أُبغضك في الله، قال: ولمَ؟ قال إنِّك تتغنَّى في أذانك وتأخذ عليه أجراً؛ قال الهيثمي: وفيه يحى البكَّاء ضعَّفه أحمد وأبو زُرعة وأبو حاتم وأبو داود، ووثَّقه يحيى بن سعد القَطَّان، وقال محمد بن سعيد كان ثقة إن شاء الله.
أمره عليه السلام وأبي بكر بقتال القبائل التي لا يسمع فيها الأذان
وأخرج ابن عساكر عن خالد بن سعيد عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: «إن مررت بقرية فلم تسمع أذاناً فاسبِهم» ، فمرَّ ببني زُبيد فلم يسمع أذاناً فسباهم، فأتاه عمرو بن معدِيكرب فكلّمه فوهبهم له خالد؛ كذا في الكنز.
وأخرج البيهقي عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال:(4/154)
كان أبو بكر رضي الله عنه يأمر أمراءه حين كان يبعثهم في الردّة: إذا غشِيتم داراً فإن سمعتم بها أذاناً (بالصلاة) فكفُّوا حتى تسألوهم ماذا تنقمون، فإن لم تسمعوا أذاناً فشنُّوها غارة، واقتلوا، وحرِّقوا، وأنهكوا في القتل والجراح، لا يُرى بكم وَهْن لموت نبيكم صلى الله عليه وسلم وعند عبد الرزاق عن الزهري قال: لما بعث أبو بكر الصديق لقتال أهل الردّة قال: بيِّتوا فأينما سمعتم فيها الأذان فكفُّوا عنها فإن الأذان شعار الإيمان. كذا في الكنز.
لغاية ص 514
تابع
انتظار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصلاة
هديه عليه السلام في هذا الأمر
وأخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم جماعة صلَّى. وعند ابن أبي شبية عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر ما سمع وَقْع نعل. كذا في الكنز (4246 و247) .
انتظار الصحابة الصلاة حتى ذهب نصف الليل
وأخرج ابن أبي شيبة - ورجاله ثقت - عن عمر رضي الله عنه قال:(4/155)
جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، فخرج إلى الصلاة فقال: «صلَّى الناس ورجعوا وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتموها» . وعنده أيضاً وابن جرير عن جابر رضي الله عنه بنحوه. كذا في الكنز.
قوله عليه السلام لمن جلس بعد المغرب وبعد الظهر ينتظر الصلاة الثانية
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقَّب من عقصب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا ربكم فتح باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: عبادي قضَوا فريضة وهم ينتظرون الأخرى» . كذا في الكنز. وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه ورواته ثقات، كما في التغريب. وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أُمامة الثَقَفي قال: خرج معاوية رضي الله عنه حين صلَّى الظهر فقال: مكانَكم حتى آتيكم، فخرج علينا وقد(4/156)
تردّى، فلَّما صلّى العصر قال: ألاَ أحدثكم شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قال: فإنَّهم صلَّوا معه الأولى ثم جلسوا، فخرج عليهم فقال: «ما برحتم بعد» ؟ قالوا: لا، قال: «لو رأيتم ربكم فتح باباً من السماء فأرى مجلسكم ملائكتَه يباهي بكم وأنتم ترقبون الصلاة» . كذا في المجمع.
قوله عليه السلام لمن انتظر صلاة العشاء إلى شطر الليل
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر ليلةً صلاة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل بوجهه بعدما صلَّى فقال: «صلَّى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها» وعنده أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «إنَّ أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، ما لم يقم من مصلاَّه أو يحدث» وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاَّه أو يحدث» . وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاَّه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: الهلمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث» قيل: وما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط. كذا في الترغيب.(4/157)
ترغيبه عليه السلام في انتظار الصلاة
وأخرج ابن حِبَّان في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألاَ أدلُّكم على ما يمحو الله به الطخايا ويكفِّر به الذنوب» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» كذا في الترغيب.
قول أبي هريرة في المرابطة في عهده عليه السلام
وأخرج الحاكم - وقال: صحيح الإسناد - عن داود بن صالح قال: قال لي أبو سلمة: يا ابن أخي تدري في أي شيء نزلت {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} (سورة آل عمران، الآية: 200) ؟ قلت: لا، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. كذا في الترغيب.
قول أنس في نزول: تتجافى جنوبهم عن المضاجع
وأخرج الترمذي - وصحَّحه - عن أنس رضي الله عنه أن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (سورة السجدة، الآية: 16) نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العَتَمة، كذا في الترغيب.(4/158)
تأكيد الجماعة والاهتمام بها
اهتمامه عليه السلام بالجماعة وعدم ترخيصه للأعمى بتركها
أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم عن عمرو بن أم متكوم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال: «أتسمع النداء» ؟ قال: نعم، قال: «ما أجد لك رخصة» . وفي رواية لأحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى القوم في رقة فقال: «إني لأهمُّ أن أجعل للنا إماماً ثم أخرجَ فلا أقدر على إنسان يتخلَّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه» فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إنَّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة أيسعني أن أصلِّي في بيتي؟ قال: «أتسمع الإقامة» ؟ قال: نعم، قال: «فأتها» . كذا في الترغيب.(4/159)
قول عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل في الجماعة
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادي بهن؛ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي رواية: لقد رأيتنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه أو مريض، إنْ كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذِّن فيه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق والضياء في المختارة بطوله نحوه، كما في الكنز. وأخرجه الطيالسي (ص40) أيضاً نحوه وزاد: وإني لا أجد منكم أحداً إلا له مسجد يصلِّي فيه في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم لتركتم سنة نبيكم.
وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: من(4/160)
سرَّه أن يأتي الله عز وجل آمناً فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، وممّا سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا يقل: إنَّ لي مصلَّى في بيتي فأصلِّي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم.
إساءة الصحابة الظن فيمن ترك الجماعة في الفجر والعشاء
وأخرج الطبراني وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. كذا في الترغيب. وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه، كما في الكنز والبزّار، كما في المجتمع وقال: ورجال الطبراني موثَّقون.
قول عمر فيمن شغله قيام الليل عن جماعة الفجر
وأخرج مالك عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقَد سليمان بن أبي حَثْمة في صلاة الصبح وأن عمر غداً إلى السوق - ومسكن سُليمان بين المسجد والسوق - فمرَّ على الشِّفَاء أم سليمان - رضي الله عنهما - فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح، فقالت له: إنه بات يصلِّي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إليَّ من أن أقوم ليلة. كذا في الترغيب. وعند عبد الرزاق عن ابن أبي مُلَيكة قال: جاءت الشِّفَاء - إحدى نساء(4/161)
بني عدي بن كعب - عمر في رمضان فقال: ما لي لم أرَ أبا حَثْمة - لزوجها - شهد الصبح؟ قالت: يا أمير المؤمنين دأب ليلته فكسل أن يخرج فلصلّى الصبح ثم رقد، فقال: والله لو شهدها لكان أحب إليَّ من دأبه ليلته. وعنده أيضاً عن الشِّفَاء بنت عبد الله قالت: دخل عليَّ بيتي عمر بن الخطاب فوجد عندي رجلين نائمين فقال: وما شأن هذين ما شهدا معنا الصلاة؟ قلت: يا أمير المؤمنين صلَّيا الصبح وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إليَّ من أن أصلي ليلة حتى أصبح. كذا في كنز العمال.
قول أبي الدرداء في الجماعة وفعل ابن عمر إذا فاتته العشاء في الجماعة
وأخرج البخاري عن أم الدرداء قلت: دخل عليَّ أبو الدرداء رضي الله عنه وهو مُغضب فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنَّهم يصلُّون جميعاً. وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن نافع أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيي بقية ليلته، وقال بِشر بن موسى: أحييى ليلة. وأخرجه الطبراني أيضاً. وعند البيهقي: إذا فاتته صلاة في جماعة صلى إن الصلاة الأخرى، كما في الإصابة.(4/162)
خروج الحارث بن حسان لصلاة الفجر ليلة زواجه، وقوله لمن عاتبه
وأخرج الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه - وكان له صحبة - وكان ارجل إذ ذاك إذا تزوج تخدَّر أياماً فلا يخرج لصلاة الغداة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ قال: والله إنَّ امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء. كذا في مجمع الزوائد.
تسوية الصفوف وترتيبها
اهتمامه عليه السلام بتسوية صفوف أصحابه في الصلاة
أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف ويسوِّي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصف الأول» . اكذا في الترغيب. وعند أبي داود بإسناد حسن عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا» فذكر نحوه كذا في الترغيب.(4/163)
وأخرج مسلم والأربعة إلا الترمذي عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربِّها» ؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصُّون في الصف» . كذا في الترغيب. وعند أبي داود وابن ماجه عن جابر (بن سمرة) رضي الله عنه قال: صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا أن نجلس فجلسنا، فقال: «ما يمنعكم أن تصفوا كما تصف الملائكة» - فذكر نحوه. كما في الكنز.
وأخرج مالك والستة خلا البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/164)
كان يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوِّي بها القِدَاح حتى رآنا أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبِّر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: «عبادَ الله لَتُسَوُنَّ صفوفكم أو ليخالِفَنَّ الله بين وجوهكم» . وفي رواية عند أبي داود وابن حِبّان في صحيحه قال: فرأيت الرجل يلزَق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه. كذا في الترغيب.
أمر عمر وعثمان وعلي بتسوية الصفوف قبل التكبير
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن نافع أن عمر رضي الله عنه كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاؤوا فأخبروه أنقد استوت كبَّر. وعند عبد الرزاق عن أبي عثمان النَّهدي قال: كان عمر يأمربتسوية الصفوف ويقول: تقدَّم يا فلان، تقدَّم يا فلان، وأُراه قال: لا يزال قوم يستأخرون حتى يؤخرهم الله. وعنده أيضاً عنه قال: رأيت عمر إذا تقدَّم إلى الصلاة ينظر إلى المناكب والأقدام. كذا في الكنز (4254 و255) . وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي نَضر قال:(4/165)
كان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة قال: استووا، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، أقيموا صفوفكم، يريد الله بكم هَدْيَ الملائكة ثم يتلوا {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ} (سورة الصافات، الآيتان: 165 و166) . كذا في الكنزل. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوِّي الحصباء بنعليه حتى جاء رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فأخبروه أنَّ الصفوف قد استوت، فقال: استوِ في الصف، ثم كبَّر، كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: استوو تستوِ قلوبكم، تراصوا ترحموا. كذا في الكنز.
قول ابن مسعود في تسوية الصفوف
وأخرج أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا وما تُقام الصلاة حتى تَكَاملَ بنا الصفوف، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.(4/166)
وعند الطبراني عنه قال: إن الله وملائكته يصلُّون على الذين يتقدَّمون الصفوف بصلاتهم - يعني الصف الأول المقدَّم - وفيه رجل لم يُسمَّ كما قال الهيثمي.
قول عليه السلام وقول ابن عباس في الصف الأول
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد العزيز بن رُفَيع قال: حدثني عامر بن مسعود القرشي وزاحمني بمكة أيام ابن الزبير رضي الله عنهما عند المقام في الصف الأول قال: قلت له: أكان يقال في الصف الأول خير؟ قال: أجل والله، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفُّوا فيه إلا بقرعة أو سُهْمة» . قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عامراً اختُلف في صحبته. وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عليكم بالصف الأول وعليكم بالميمنة منه، وإياكم والصفَّ بين السواري؛ قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن مسلم المكِّي وهو ضعيف.
قوله عليه السلام: لا يقوم في الصف الأول إلا المهاجرون والأنصار
وأخرج الحاكم في المستدرك عن قيس بن عبادة قال: شهدت المدينة، فلما أقيمت الصلاة تقدَّمت فقمت في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشقَّ الصفوف ثم تقدم، وخرج معه رجل آدمُ خفيف اللِحية فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني واشتد ذلك عليَّ،(4/167)
فلما انصرف التفت إليَّ فقال: لا يسؤْك ولا يحزنْك، أشقّ عليك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقوم في الصف إلا المهاجرون والأنصار» فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبيّ بن كعب رضي الله عنه: قال الحاكم ووافقه الذهبي: هذا حديث تفرّد به الحاكم عن قتادة وهو صحيح الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في الحلية بسند آخر عن قيس قال: بينما أنا أصلي في مسجد المدينة في الصف المقدّم إذ جاء رجل من خلفي فجذبني جذبة فنحَّاني وقام مقامي، فلّما سلّم التفت إليَّ فإذا هو أُبيُّ ابن كعب، فقال: يا فتى لا يسؤْك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا - فذكر الحديث.
اشتغال الإمام بحوائج المسلمين بعد الإقامة
اشتغاله عليه السلام بذلك
أخرج عبد الرزاق عن أسامة بن عمير رضي الله عنه قال: كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة تكون له، فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائماً يكلِّمه فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه عبد الرزاق أيضاً وأبو الشيخ في الأذان عن أنس رضي الله عنه مثله، كما في الكنز. وعند ابن عساكر عن أنس أن الصلاة كانت تقام بعشاء الآخرة فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل يكلمه حتى يرقد طوائف من الصحابة ثم ينتبهون إلى الصلاة. كذا في الكنز.(4/168)
وأخرج أبو الشيخ في الأذان عن عروة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يقيم المؤذن ويسكتون يُكلَّم في الحاجة فيقضيها. قال: وقال أنس بن مالك: وكان له عود يتستمسك عليه، كذا في الكنز. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص43) عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده، وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى.
اشتغال عمرو عثمان في ذلك
وأخرج أبو الربيع الزَّهراني عن أبي النَّهْدي قال: إنْ كانت الصلاة لتقام فيعرض لعمر رضي الله عنه الرجل فيكلمه، حتى ربما جلس بعضنا من طول القيام. كذا في الكنز. وأخرج ابن حِبّان عن موسى بن طلحة قال: سمعت عثمان ابن عفان رضي الله عنه وهو على المنبر والمؤذِّن يقيم الصلاة، وهو يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم، كذا في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن موسى نحوه، وقد تقدَّم في تسوية الصفوف عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه - الحديث.(4/169)
الإمامة والاقتداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
قول أبي سفيان في طاعة الصحابة للنبي عليه السلام حينما رآهم يصلون
أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في صلح الحديبيبة وفتح مكة. وفيه: فقال له: «يا أبا سفيان أسلم تسلم» فأسلم أبو سفيان رضي الله عنه وذهب به العباس رضي الله عنه إلى منزله، فلما أصبحوا ثار الناس لطُهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل ما للناس؟ أمروا بشيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة، فأمره العباس فتوضأ ثم ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كبَّر فكبر الناس، ثم ركع وركعوا، ثم رفع فرفعوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من ههنا ومن ههنا، ولا فارسَ الأكارمَ ولا الرومَ ذاتَ القرون بأطوع منهم له، قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، أصبح ابن أخيك عظيم الملك، فقال له العباس: إنه ليس بمُلْك ولكنها نبوة. كذا في الكنز وعند الطبراني في الصغير والكبير عن ميمونة رضي الله عنها فذكرت الحديث في غزوة الفتح وفيه: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وابتدر المسلمون وُضوءه ينتضحونه في وجوههم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال: ليس بمُلْك ولكنها النبوة، وفي ذلك يرغبون، قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سليمان بن نَضْلة وهو ضعيف.(4/170)
وقال ابن كثير في البداية: وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي كانت عند العباس، ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة؛ خاف وقال للعباس: ما بالهم؟ قال: إنَّهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة، فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال: يا عباس ما يأمرهم بشيء إلاَّ فعلوه؟ قال: نعم، والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه. انتهى.
صلاة المسلمين خلف أبي بكر بأمر النبي عليه السلام
وقد تقدّم في رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد وغيره: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام؛ وفي حيثها عند البخاري: فقال: «مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» .
وأخرج أحمد عن عبد الله بن زَمْعة رضي الله عنه قال: لما استُعزّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلالٌ رضي الله عنه للصلاة، فقال: «مروا من يصلِّي بالناس» قال: فخرجت فإذا عمر رضي الله عنه في الناس، وكان أبو بكر رضي الله عنه غائباً، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالناس، قال: فقام فلما كبَّر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته - وكان عمر رجلاً مُجْهِراً - فقال رسول الله: «فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك(4/171)
والمسلمون» قال: فبعث إلى أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلَّى بالناس، وقال عبد الله بن زمعة قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك لولا ذلك ما صلّيت، قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أرَ أبا بكر رأيتك أحق من حضر الصلاة؛ وهكذا رواه أبو داود، كما في البداية. قلت: وهكذا أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. وعند أبي داود كما في البداية في هذا الحديث قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلعَ رأسه من حجرته ثم قال: «لا، لا، لا يصلي للناس إلا ابن أبي قُحافة» . يقول ذلك مُغْضباً. وقد تقدّم في تقديم الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في الخلافة قولُ أبي عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدَّم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا فأمَّنا حتى مات، وقولُ علي والزبير رضي الله عنهما: إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف شرفه وكِبَره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حيٌّ.
قول عمر وعلي في إمامة أبي بكر رضي الله عنهم
وأخرج النَّسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: ألستم تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر؟(4/172)
فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. كذا في جمع الفوائد، وذكر في نمتخب الكنز عن علي رضي الله عنه قال: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أن بغائب وما بي مرض، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.
قول سلمان الفارسي في إمامة العرب
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي ليلى الكندي قال: أقبل سلمان رضي الله عنه في ثلاثة عشر راكباً - أو اثني عشر راكباً - من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما حضرت الصلاة قالوا: تقدّم يا أبا عبد الله، قال: إنَّا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم، إن الله تعالى هدانا بكم، قال: فتقدَّم رجل من القوم فصلَّى أربع ركعات، فلما سلَّم قال سلمان: ما لنا وللمربَّعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج؛ قال عبد الرزاق: يعني في السفر، وأخرجه الطبراني في الكبير وأبو ليلى ضعَّفه ابن معين، كما قال الهيثمي.
اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالموالي
وأخرج عبد الرزاق عن أبي قتادة رضي الله عنه أن أبا سعيد مولى بني أسِيد رضي الله عنه صنع طعاماً، ثم دعا أبا ذر وحذيفة وابن مسعود - رضي الله عنهم - فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر ليصلي بهم، فقال له حذيفة:(4/173)
وراءك، ربُّ البيت أحق بالإمامة، فقال له أبو ذر؛ قال أبو سعيد: فقدَّموني وأنا مملوك فأممتهم. وعنده أيضاً عن نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة، ولعبد الله بن عمر رضي الله عنهما هناك أرض، وإمام ذلك المسجد مولى، فجاء ابن عمر يشهد الصلاة، فقال المولى. كذا في الكنز (4246 و247) . وأخرج البزّار عن عبد الله بن حنظة رضي الله عنه قال: كنا في منزل قيس بن سعد ابن عبادة رضي الله عنهم ومعنا ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: تقدّم، فقال: ما كنت لأفعل، فقال عبد الله بن حنظلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل أحق بصدر فراشه، وأحق بصدر دابته، وأحق أن يؤم في بيته» فيمر مولى له فتقدَّم فصلَّى، وأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير؛ قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعَّفه أحمد وابن معين والبخاري ووثَّقه يعقوب بن شيبة وابن حبان.
صلاة ابن مسعود خلف أبي موسى في بيته
وأخرج أحمد عن علقمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه في منزله، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى: تقدّم يا أبا عبد الرحنم فإنك أقدم سناً وأعلم، قال: بل أنت تقدم؛ فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق؛ قال: فتقدّم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلّم(4/174)
قال له: ما أردت إلى خلعهما؟ أبا لوادي المقدّس أنت؟ قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ، ورواه الطبراني متصلاً برجال ثقات - انتهى. وأخرجه الطبراني عن إبراهيم مختصراً ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي وفي حديثه: فقال له عبد الله: أبو موسى، لقد علمت أنَّ من السنة أن يتقدم صاحب البيت، فأبى أبو موسى حتى تقدم مولى لأحدهما.
صلاة فرت بن حبان في مسجده خلف حنظلة بن الربيع لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك
وأخرج الطبراني في الكبير عن قيس بن زهير رضي الله عنه قال: انطلقت مع حنظلة بن الربيع رضي الله عنه إلى مسجد فرات بن حبان رضي الله عنه، فحضرت الصلاة، فقال له: تقدَّم، فقال: ما كنت لأتقدّمك وأنت أكبر مني سناً وأقدم مني هجرة والمسجد مسجدكم، فقال فرات: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيك شيئاً، لا أتقدمك أبداً، قال: أشهدته يوم أتيتُه يوم الطائف فبعثني عيناً؟ قال: نعم، فتقدّم حنظلة فصلّى بهم؛ فقال فرات: يا بني عِجل إني إنما قدَّمت هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عيناً إلى الطائف، فجاءه فأخبره الخبر فقال: «صدقتَ ارجع إلى منزلك، فإنك قد سهرت الليلة» فلما ولَّى قال لنا: «ائتموا بهذا وأشباهه» قال الهيثمي:: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ، ورواه أيضاً أبو يَعْلى والبغوي وابن عساكر عن قيس نحوه. كما في الكنز.(4/175)
استخلاف أمير مكة ابن أبزى على الصلاة بالناس وثناء عمر على فعله
وأخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فاستقبنا أمير مكة نافع بن علقمة رضي الله عنه، فقال: من استخلفت على أهل مكة؟ قال: عبد الرحمن بن أبزعى، قال: عَمدت إلى رجل من الموالي فاستخلفه على من بها من قريش وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وجدته أقرأهم لكتاب الله، ومكة أرض محتضرَة، فأحببت أن يسمعوا كتاب الله من رجل حسن القراءة، قال: نِعَم ما رأيت، إن عبد الرحمن بن أبزى ممَّن يرفعه الله بالقرآن. كذا في منتخب الكنز.
تأخير المسور إماماً لا يفصح بكلامه ورضي عمر بذلك
وأخرج عبد الرزاق والبيقي عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: اجتمعت جماعة في بعض ما حول مكة وفي الحج، فحانت الصلاة، فتقدَّم رجل من آل أبي السائب المخزومي رضي الله عنه أعجمي اللسان، فأخِّره المِسْوَر بن مَخْرمة رضي الله عنه وقدَّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرِّفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرّفه بذلك فقال المِسْوَر: انظرْني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحجاج قراءته فيأخذ بعجمته، فقال: أوَ هنالك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت، كذا في الكنز.(4/176)
قول طلحة بن عبيد الله لجماعة صلّى بهم: أرضيتم بصلاتي
وأخرج الطبراني عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه صلّى قوم، فلما انصرف قال: إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدَّم، أرضيتم بصلاتي؟ قالوا: نعم، ومن يكره ذلك يا حَواريَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل أم قوماً وهم له كارهون لم تَجُزْ صلاته أذنيه» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير من رواية سليمان بن أيوب الطلْحي قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابَع عليها، وقال صاحب الميزان: صاحبُ مناكير وقد وُثِّق.
مخالفة أنس لعمر بن عبد العزيز ومخالفة أبي أيوب لمروان في الصلاة
وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخالف عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: ما يحملك على هذا؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، متى توافقها أصلِّي معك، ومتى تخالفها أصلِّي وانقلب إلى أهلي؛ قال الهيثمي: رواه أحمد رجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه كان يخالف مروان بن الحكم في صلاته، فقال له مروان: ما يحمك على هذا؟ قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، إن وافقتَه وافقتك، وإن خالفتَه صلَّيت وانقلبت إلى أهلي. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.(4/177)
قول أبي هريرة وأنس وعدي في صلاة الصحابة خلفه عليه السلام
وأخرج أحمد عن أبي جابر الوالدي قال: قلت لأبي هريرة رضي الله عنه: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بكم؟ قال: وما أنكرتم من صلاتي؟ قلت أردت أن أسأل عن ذلك، قال: نعم، وأوجز. قال: وكان قيامه قدر ما ينزل المنارة ويَصلُ إلى الصفّ، قال الهيثمي: رواه أحمد. وله في رواية: رأيت أبا هريرة صلَّى صلاة تجوَّزَ فيها، رواه أحمد وروى أبو يعلى الأول ورجالهما ثقات. وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لقد كنا نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لو صلاّها أحدكم اليوم لعبتموها عليه؛ قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنَّه خرج إلى(4/178)
مجلسهم، فأقيمت الصلاة، فتقدم إمامهم فأطال الصلاة في الجلوس، فلما انصرف قال: من أمَّنا منكم فليتم الركوع والسجود، فإن خلفه الصغير والكبير والمريض وابن السبيل وذا الحاجة، فلما حضرت الصلاة تقدَّم عدي بن حاتم وأتم الركوع والسجود وتجوَّز في الصلاة، فلما انصرف قال: هكذا كنا نصلِّي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بطوله وهو عند الإمام أحمد باختصار ورجال الحديثين ثقات. انتهى.
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصلاة
بكاؤه عليه السلام في الصلاة
أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت فيناديه بلال - رضي الله عنه - بالأذان، فيقوم فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره، ثم يخرج فيصلِّي فأسمع بكاءه - فذكر الحديث. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج ابن حِبّان في صحيحه عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسكتت ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهَّر ثم قال يصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلّ حِجْره، قالت: وكان جالساً فلميزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟(4/179)
قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أُنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولميتفكر فيها: {إن في خلق السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 190) الآية كلَّها، كذا في الترغيب. وأخرج أبو داود عن مُطَرِّف عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي وفي صدهر أزيز كأزيز الرَّحعى من البكاء. وعند النسائي: ولجوفه أزيز كأزيز المِرجَل، يعني يبكي. كذا في الترغيب وإسناده قوي وصحَّحه ابن خزيمة وابن حِبَّان والحاكم.
بكاء عمر رضي الله عنه في الصلاة
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت نشيج عمر رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح وهو يقرأ سورة يوسف حتى بلغ(4/180)
{إِنَّمَآ أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (سورة يوسف، الآية 86) كذا في نتخب الكنز. وعند أبي نُعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلّيت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف.
الخشوع والخضوع في الصلاة
خشوع أبي بكر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
أخرج أحمد في الزهد عن سهل بن سعد قال: كان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن مجاهد عن بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقوم في الصلاة كأنه عود، وكان أبو بكر رضي الله عنه يفعل ذلك، قال مجاهد: هو الخشوع في الصلاة. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه أبو نُعَيم في الحلية بإسناد صحيح، كما في الإصابة عن مجاهد قال: كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقال: ذلك من الخشوع في الصلاة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير وهو يصلِّي لقلتَ: عصنُ شجرة يصفِّقها الريح، إن المنجنيق ليقع ههنا وهننا ما يبالي. وعنده أيضاً عن عطاء قال: كان ابن الزبير إذا صلَّى كأنه كعب(4/181)
راتب. وأخرجه الطبراني في الكبير نحوه قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
خشوع ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة
وأخرج ابن سعد عن زيد بن عبد الله الشيباني قال: رأيت ابنعمر رضي الله عنهما إذا مشى إلى الصلاة دبّ دبيباً لو أن نملة مشت معه قلت لا يسبقها. وأخرج ابنسعد عن واسع بن حِبّان قال: كان ابن عمر يحب أن يستقبل كلُّ شيء منه القبلة إذا صلَّى، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن طاووس قال: ما رأيت مصلياً كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالاً للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه. وعنده أيضاً عن أبي بُرْدة قال: صلّيت إلى جنب ابن عمر فسمعته حين سجد وهو يقول: اللهمَّ اجْعَلْكَ أحبَّ شيء إليَّ، وأخشى شيء عندي، وسمعته يقول في سجوده: ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وقال: ما صلّيت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفّارة. وأخرج الطبراني في الكبير عن الأعمش قال: كان عبد الله رضي الله عنه إذا صلَّى كأنه ثوب مُلقىً. قال الهيثمي ورجاله موثَّقون والأعمش لم يدرك(4/182)
بن مسعود.
زجر أبي بكر رضي الله عنه لزوجته أم رومان لميلها في الصلاة
وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أم رومان قالت: رآني أبو بكر رضي الله عنه أميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكِّن أطرفه ولا يميِّل ميل اليهود، فإن تسكين الأطراف من تمام الصلاة» . كذا في الكنز.
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب
قول عائشة رضي الله عنها في سنن النبي عليه السلام
أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع، فقالت: كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلِّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بالناس المغرب ثم يرجع إل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر؛ وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلَّى ركعتين ثم يخرج فيصلِّي بالناس صلاة الفجر، انفرد بإخراجه مسلم. كذا(4/183)
في صفة الصفوة، وأخرجه أبو داود والترمذي بعضه. كما في جمع الفوائد.
شدة اهتمامه عليه السلام بصلاة ركعتين قبل صلاة الصبح
وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر. وفي رواية لابن خزيمة: قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر ولا إلى غنيمة: كذا في الترغيب. وأخرج البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة. وأخرج أبو داود عن بلاد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذِنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة رضي الله عنها بلالاً بأمر سألته عنه حتى سألته عنه حتى فضحه الصبح، فأصبح جداً، فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه فلم يخرج رسول(4/184)
الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج صلَّى بالناس وأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جداً وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال: «إني كنت ركعت ركعتي الفجر» فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أصبحت جداً، قال: «لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما» : وإسناده حسن كما قال النووي في رياض الصالحين (ص416) .
شدة اهتمامه عليه السلام لصلاة أربع ركعات قبل فريضة الظهر
وأخرج ابن ماجه عن قابوس عن ىبيه قال: أرسل أبي إلى عائشة: أيُّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلِّي أربعاً قبل الظهر يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود. وقابوس هو ابن أبي ظَبيان وُثِّق وصحَّح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم، لكن المُرسَل إلى عائشة مبهم. كذا في الترغيب. وأخرج أحمد والترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: «إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» قال(4/185)
الترمذي: حديث حسن غريب. كذا في الترغيب. وأخرج الترمذي (ص75) عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين. وأخرج أيضاً عن عائشة رضي الله عنها - وحسَّنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها. وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أيوب رضي الله عنه لمَّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر، وقال: «إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، فلا يغلق منها باب حتى تصلَّي الظهر، فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة خير» . كذا في الترغيب والكنز.
صلاته عليه السلام قبل العصر وبعد المغرب
وأخرج الترمذي (ص58) - وحسَّنه - عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الصعري أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقرَّبين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. وأخرج أبو داود عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبل العصر ركعتين، وإسناده صحيح كما في الرياض (ص419) ، وأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير(4/186)
والأوسط عن يمونة رضي الله عنها مثل حديث علي. كما في المجتمع. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد المغب ركعتين يطيل فيهما القراءة حتى يتصدَّع أهل المسجد. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف.
اهتمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب
اهتمام عمر رضي الله عنه بالسنة قبل الصبح وقبل الظهر
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال عمر رضي الله عنه في ركعتين قبل الفجر: لهما أحب إليَّ من حُمْر النَّعَم. كذا في الكنز. وأخرج ابنجرير عن عبد الرحمن بن عبد الله أنه دخل على عمر ابن الخطاب وهو يصلِّي قبل الظهر فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: إنها تُعَدُّ من صلاة الليل. وعند ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عتبة قال: صلَّيت مع عمر أربع ركعات قبل الظهر في بيته. كذا في الكنز.
لغاية ص 535
تابع
اهتمام علي وابن مسعود رضي الله عنهما بالسنة قبل الظهر
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة بن أَسِيد قال: رأيت علي بن أبي(4/187)
طالب رضي الله عنه إذا زالت الشمس صلّى أربعاً طوالاً، فسألته فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها - فذكر نحو حديث أبي أيوب رضي الله عنه. كذا في الكنز وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني أوصل الناس بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا زالت الشمس قام فركع أربع ركعات يقرأ فيهن بسورتين من المِئين، فإذا تجاوب المؤذنون شدَّ عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ. وعنده أيضاً عن الأسود ومُرَّة ومسروق قالوا: قال عبد الله: ليش شيء يعدل صلاة الليل من صلاة النهار إلا أربعاً قبل الظهر، وفضلهن على صلاة النهار كفضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد. قال الهيثمي: وفيه بشير بن الوليد الكِندي وثَّقه جماعة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى، وقال المنذري في ترغيبه: وهو موقفو لا بأس به. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: ما كانوا يعدِلون شيئاً من صلاة النهار بصلاة الليل إلا أربعاً قبل الظهر فإنهم كانوا يرون أنهن بمنزلتهن من الليل. كذا في الكنز.(4/188)
اهتمام البراء وابن عمر بالنسة قبل الظهر
وأخرج ابن جرير عن البراء رضي الله عنه أنه كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً. وعن ابن عرم رضي الله عنهما مثله. كما في الكنز وأخرج أيضاً عن ابن عمر أنه كان إذا زالت الشمس يأتي المسجد فيصلِّي ثنتي عشرة ركعة قبل الظهر ثم يقعد. وعن نافع أن ابن عمر كان يصلِّي قبل الظهر ثمانَ ركعات ويصلِّي بعدها أربعاً. كذا في الكنز.
اهتمام علي بالسنة قبل العصر واهتمامه وابن عمر بالسنة بين المغرب والعشاء
وأخرج ابن النجار عن علي رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن ما حييت: أن أصلي قبل العصر أربعاً فلست بتاركهن ما حييت. وعند ابن جرير عنه قال: رحم الله من صلَّى قبل العصر أربعاً. كذا في الكنز. وأخرج ابن شيبة عن أبي فاخنة عن علي أنه ذكر أن ما بين المغرب والعشاء صلاة الغَفْلة فقال علي: في الغَفْلة وقعتم. كذا في الكنز. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من ركع بعد(4/189)
المغرب أربع ركعات كان كالمعقِّب غزوة بعد غزة. كذا في الكنز.
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصلاة التهجد
قول عائشة في اهتمامه عليه السلام بقيام الليل
أخرج أبو داود وابن خْوَيمة عن عبد (الله) بن أبي قيس قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لا تدع قيم الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلَّى قاعداً. كذا في الترغيب.
قول جابر في فرض قيام الليل ثم نزول الرخصة
وأخرج البزّار عن جابر رضي الله عنه قال: كُتب علينا قيام الليل {يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ} {قم اليل إلا قليلا} (سورة المزمل، الآيتان: 1 و2) فقمنا حتى انتفخت أقدامنا، فأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى} (سورة المزمل، الآية: 20) إلى آخر السورة. قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وُثِّق - انتهى.
سؤال سعيد بن هشام عائشة عن وتره عليه السلام وجوابها
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن هشام أنه طلَّق امرأته،(4/190)
ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها ويجعله في الكُراع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطاً من قومه فحدّثوه أن رهطاً من قومه ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس لكم فيَّ أسوة حسنة» ؟ فنهاهم عن ذلك فأشهدَهم على رجعتها، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: ائت عائشة رضي الله عنها فسلها ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك، قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت فيهما إلا مضيّاً، فأقسمتُ عليه، فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ وعرفتْه، قال: نعم، قالت: من هذا معك؟ قال: سعيد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قال: فترحَّمت عليه وقالت: نِعمَ المرء كان عامراً قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ هذه السورة: يا أيها المزمِّل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام اليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة.
فهممت أن أقوم ثم بدا لي وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نُعِدّ له سواكه وطَهوره فيبعثه الله لمَّا يشاء أن يبعثه من الليل، فيتسوّك ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربَّه تعالى ويدعوه، ثم ينهض وما يسلِّم، ثم يقوم ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليماً(4/191)
يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحمَ أوتر بسبع، ثم صلّى ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك تسع يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلَّى من انلهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كلَّه في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقتْ، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة. وقد أخرجه مسلم في صحيحه بنحوه. كذا في التفسير لابن كثير.
قول ابن عباس في وتر الصحابة لمَّا نزلت سورة المزمل
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها سنة. كذا في الكنز.
تهجد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
وأخرج ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يوتر أول الليل، وكان إذا قام يصلِّي صلَّى ركعتين ركعتين. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب رضي(4/192)
الله عنه يصلِّي من الليل ما شاء الله أن يصلِّي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصلاة، ويتلو هذه الآية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ} إلى قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (سورة طه، الآية: 132) . كذا في منتخب الكنز. وأخرج الطبراني - ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي عن الحسن أن عثمان بن أبي العاص تزوّج امرأة من نساء عمر بن الخطاب، فقال: والله ما نكحتها حين نكحتها رغبة في مال ولا ولد، ولكن أحببت أن تخبرني عن ليل عمر، فسألها: كيف كانت صلاة عمر بالليل؟ قالت: كان يصلي العَتَمة، ثم يأمر أننضع عند رأسه تَوْراً من ماء نغطِّيه، ويتعارّ من الليل فيضع يده في الماء فيمسح وجهه ويديه ثم يذكر الله ما شاء أن يذكر، ثم يتعار مراراً حتى يأتي على الساعة التي يقوم فيها لصلاته، فقال ابن بريدة: من حدّثك؟ فقال: حدثتني بنت عثمان بن أبي العاص، فقال: ثقة. وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيَّب قال: كان عمر بن الخطاب يحب الصلاة في كبد الليل - يعن وسط الليل - كذا في الكنز.
تهجد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
وأخرج أبو نُعيم في الحلية بسند جيد كما في الإصابة عن نافع عن(4/193)
ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: لا، فيعاود الصلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح. وأخرجه الطبراني مثله ورجاله رجال الصحيح غير أسد ابن موسى وهو ثقة. وأخرج أبو نعيم أيضاً عن محمد قال: كان ابن عمر كلما استيقظ من اليل صلى. وعنده أيضاً عن أبي غالب قال: كان ابن عمر ينزل علينا بمكة فكان يتهجَّد من اليل فقال لي ذات ليلة قبيل الصبح: يا أبا غالب ألا تقوم فتصلِّي؟ ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن؟ فقال: إن سورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن.
تهجد ابنمسعود وسلم ان رضي الله عنهما
وأخرج الطبراني عن علقمة بن قيس قال: بتَ مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة، فقام أول اليل، ثم قام يصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيِّه يرتل ولا يرجِّع يسمع من حوله ولا يرجِّع صوته، حتى لم يبق من الغَلَس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح - انتهى. وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله(4/194)
عنه لينظر ما اجتهاده قال: فقام يصلِّي من آخر الليل، فكأنه لم يرَ الذي كان يظن، فذكر ذلك له فقال سلمان. حافظوا على هذه الصلوات الخمس؛ فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تُصَب المقتَلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل: منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه. فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة اليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فلا له ولا عليه. إياك والحقحقة، وعليك بالقصد ودوام. قال المنذري في ترغيبه: رواه الطبراني في اكبير موقوفاً بإسناد لا بأس به ورفعه جماعة. انتهى.
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالنوافل بين طلوع الشمس وزوالها
حديث أم هانىء وعائشة في صلاته الضحى عليه السلام
أخرج الشيخان عن أُم هانىء - فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها - قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلَّى ثماني ركعات وذلك صحى. كذا في الرياض (ص424) . وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله. كذا في الرياض.
حديث أنس وعبد الله بن أبي أوفى في صلاته عليه السلام الضحى
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات، فما تركتهن بعد. قال(4/195)
الهيثمي: وفيه سعد بن مسلم الأموي ضعَّفه البخاري وابن معين وجماعة وذكره ابن حبان في الثقت وقال: يخطىء - اهـ. وهكذا أخرج الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، كما قال الهيثمي عن أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فصلَّى الضحى ست ركعات. وأخجر البزّار عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه صلَّى الضحى ركعتين فقالت له امرأته: إنما صليت ركعتين، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين حين بُشر بالفتح وحين بُشَّر برس أبي جهل. قال الهيثمي رواه البزّار والطبراني فيالكبير ببعضه وفيه شعثاء ولم أجد من وثَّقها ولا جَرَحها، وروى ابن ماجه الصلاة حين بُشِّر برأس أبي جهل فقط. انتهى ...(4/196)
حديث ابن عباس عن أم هانىء في صلاته عليه السلام الضحى
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أمرُّ بهذه الآية فما أدري ما هي. قوله: {بِالْعَشِىّ وَالإشْرَاقِ} (سورة ص، الآية: 18) حتى حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوَضوء في جَفْنة كأني أنظر إلى أثر العجين فيها، فتوضأ ثم صلَّى الضحى ثم قال: «يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق» . قال الهيثمي: وفيه حجّاج ابن نصير ضعفه ابن المدين وجماعة ووثَّقه ابن معين وابن حِبّان وهو في الصحيح بغير سياقه - انتهى.
حثُّه عليه السلام على صلاة الضحى وتبيينه فضلها
وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكَرَّة، فقال رجل: يا رسول الله ما رأينا بَعْثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البَعْث، فقال: «ألا أخبركم بأسرع كرّة منهم وأعظم غنيمة، رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمدَ إلى المسجد فصلَّى فيه الغاة، ثم عَقَّب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرّة وأعظم الغنيمة» قال المنذري في الترغيب: رواه أبو يعلى - ورجال إسناده رجال الصحيح - والبزّار وابن حِبّان في صحيحه، وبيَّن البزّار في روايته أن الرجل أبو بكر رضي(4/197)
الله عنه، وقد روى هذا الحديث الترمذي في الدَعَوات من جامعه من حديث عمر رضي الله عنه. انتهى. وأخرجه أيضاً أحمد من رواية ابن لَهِيعة والطبراني بإسناده جيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. كما في الترغيب.
صلاة علي وابن عباس وسعد الضحى
وأخرج الطبراني في اجزء مَنْ اسمه عطاء عن عطاءٍ أبي محمد قال: رأيت علياً رضي الله عنه يصلِّي الضحى في المسجد. كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يصلِّي الضحى يوماً ويدعها عشرة: كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عائشة بنت سعد قالت: كانت سعد رضي الله عنه يسبِّح سبحة الضحى ثمان ركعات. كذا في الكنز.
الاهتمام بالنوافل بين الظهر والعصر
أخرج الطبراني في الكبير عن الشِّعْبي قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه لا يصلِّي الضحى ويصلي ما بين الظهر والعصر مع عقبة من اليل طويلة. قال الهيثمي: وفيه رجل لم يُسمَّ.(4/198)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى بين الظهر إلى العصر.
الاهتمام بالنوافل بين المغرب والعشاء
صلاته عليه السلام بين المغرب والعشاء وصلاة عمار أيضا
أخرج النِّسائي بإسناد جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّيت معه المغرب فصلَّى إلى العشاء. كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الثلاثة عن محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت عمّار بن ياسر رضي الله عنهما يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال رأيت حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال: «من صلَّى بعد المغرب ست ركعات غفرت لهذنوبه وإن كانت مثلَ زبد البحر» . قال الطبراني: تفرّد به صالح بن قَطَن البخاري، وقال المنذري في ترغيبه: وصالح هذا لا يحضرني الآن فيه جرح ولا تعديل - اهـ.
صلاة ابن مسعود وابن عباس بين المغرب والعشاء
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعة ما(4/199)
أتيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيها إلا وجدته يصلِّي؛ ما بين المغرب والعشاء، فسألت عبد الله فقلت: ساعة ما أتيتك فيها إلا وجدتك تصلِّي فيها، قال: إنها ساعة غَفْلة. قال الهيثمي: وفيه لَيْث بن أبي سُلَيم وفيه كلام. وعنده أيضاً عن الأسود بن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود: نِعْم ساعة الغفلة - يعني الصلاة فيما بين المغرب والعشاء - قال الهيثمي: وفيه جابر الجُعْفي وفيه كلام كثير. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الملائكة لتحفُّ بالذين يصلُّون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوَّابين. كذا في الكنز.
الاهتمام بالنوافل عند دخول المنزل والخروج منه
أخرج ابن المبارك في الزهد بسند صحيح عن بعد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوَّج رجل امرأة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فسألها عن صنيعه فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلَّى ركعتين، وإذا دخل بيته صلَّى ركعتين لا يدع ذلك. كذا في الإصابة.
صلاة التراويح
ترغيبه عليه السلام بصلاة التراويح
أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/200)
يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» . كذا في الرياض؛ وذكره في جمع الفوائد عن الستة وزاد: فتفوفي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصَدْراً من خلافة عمر رضي الله عنه.
صلاة أبي بن كعب بالناس والتراويح في عهده عليه السلام وفي عهد عمر
وأخرج أبو داود بإسناد ضعيف عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في رمضان وهم يصلُّون في ناحية المسجد فقال: «ما هؤلاء» ؟ قيل له: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأُبيّ بنكعب يصلِّي يهم وهم يصلُّون بصلاته، فقال: «أصابوا ونِعَّما صنعوا» . كذا في جمع الفوائد. وأخرج مالك والبخاري وابن خُزيْمة وغيرهم عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ قال: خرجت مع عمر بنا لخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى املسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل،(4/201)
ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجعت معه ليلة أخرى ولناس يصلُّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَتِ البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله. كذا في الكنز وجمع الفوائد. وأخرج ابن سعد عن نوفل بن إياس الهذلي قال: كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب فِرَقاً في المسجد في رمضان ههنا وهننا، فاكن الناس يميلون إلى أحسنهم صوتاً فقال عمر: ألا أراهم قد اتخذوا القرآن أغانيَ؟ أما - والله - لئن استطعتُ لأغيرنَّ هذا، قال: فلم يمكث إلا ثلاث ليالٍ حتى أمر أُبيِّ بن كعب فصلَّى بهم، ثم قام في آخر الصفوف فقال: لئن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة هي.
تنوير عمر المساجد لتصلِّي فيها التراويح ودعاء علي له بذلك
وأخرج ابن شاهين عن أبي إسحاق الهَمْداني قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان والقناديل تزدهر وكتاب الله يتلى، فقال: نوَّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نوَّرت مساجد الله تعالى بالقرآت. كذا في الكنز. وأخرج الخطيب في أماليه عن أبي إسحاق الهَمْداني وابن عساكر عن إسماعيل بنزياد بمعناه مختصراً. كما في منتخب الكنر.
إمامة أُبيّ وتميم الداري وسليمان بن أبي حثمة بالناس في التراويح
وأخرج الفِريابي والبيهقي عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه(4/202)
جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، والنساء على سليمان بن أبي حثمة. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد: عن عمر بن عبد الله العَنْسي أن أُبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما كانا يقومان في مقام النبي عليه السلام يصلِّيان بالرجال، وأن سليمان بن أبي حَثْمة كان يقوم بالنساء في رَحبة المسجد، فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع الرجال والنساء على قارىء واحد سليمان بن أبي حثمة، وكان يأمر النساء فيُحبَسن حتى يمضي الرجال ثم يُرْسَلن. وأخجر البيهقي عن عَرْفَجة قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء. كذا في الكنز.
صلاة أُبي بنسوته إماماً في التراويح في بيته
وأخرج أبو يعلى عن جابر رضي الله عنهما قال: جاء البيّ ابن كعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء - يعني في رمضان - قال: «وما ذاك يا أُبي» ؟ قال: نسوة في داري قلن: إنَّا لا نقرأ القرآن فنصلِّي بصلاتك، قال: فصلَّيتُ بهن ثمان ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئاً. قال الهيثمي: رواه أبو يَعحلى والطبراني بنحوه في الأوسط وإسناده حسن.(4/203)
صلاة التوبة
أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً رضي الله عنه فقال: «يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك أمامي» فقال: يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صلتي ركعتين، وما أصابني حَدَث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين. كذا في الترغيب.
صلاة الحاجة
صلاة أنس رضي الله عنه من أجل الحاجة وانقضاء حاجته
أخرج ابن سعد عن ثُمامة بن عبد الله قال: جاء أنساً رضي الله عنه أكّار بستانِه في الصيف، فضكى العطش، فدعا بماء فتوضأ وصلَّى، ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً، قال: فدخل فصلَّى ثم قال في الثالثة - أو في الرابعة -: انظر، قال: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال: فجعل يصلِّي ويدعو حتى دخل عليه القيِّم فقال: قد استوت السماء ومطرت، فقال: اركب الفرس الذي بعث به بِشْر بن شَغاف فانظرأين بلغ المطر؟ قال: فركبه فنظر، قال: فإذا المطر لم يجاوز قصور المسيَّرين ولا قصر الغضبان.
صلاته عليه السلام من أجل شفاء علي، وشفاء علي بذلك
وأخرج ابن أبي عاصم وابنجرير - وصححه - والطبراني في الأوسط وابن(4/204)
شاهين في السنة عن علي رضي الله عنه قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقامني في مكانه وقام يصلِّي وألقى عليَّ طرف ثوبه، ثم قال: «برئت يا ابن أبي طالب فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير أنه قيل لي: إنه لا نبي بعدك» (فقمت) فكأني ما اشتكيت. كذا في المنتخب.
استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة.
استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة.(4/205)