تَعَالَى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 14 - 15] .
فَكَانَ قَتْلُ أَبِي جَهْلٍ عَلَى يَدَيْ شَابٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يوقف عليه عبد الله بن مسعود ومسك بلحيته وصعد على صدره حتى قال له لقد رقيت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِيَ الْغَنَمِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حَزَّ رَأْسَهُ وَاحْتَمَلَهُ حَتَّى وَضْعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ فَشَفَى اللَّهُ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُ صَاعِقَةٌ أَوْ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِ سَقْفُ مَنْزِلِهِ أَوْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ تَقِيَّةً مِنْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مُضْطَهَدًا قَدْ فَتَنُوهُ عَنْ إِسْلَامِهِ جَمَاعَةً مِنْهُمُ، الْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ [وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةَ] (1) وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ.
قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: (الَّذِينَ تتوفاهم الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء: 97] وَكَانَ جُمْلَةُ الْأُسَارَى يومئذٍ سَبْعِينَ أَسِيرًا كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمُّهُ العبَّاس بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَابْنُ عَمِّهِ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المطَّلب، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِذَلِكَ عَلَى أنَّه لَيْسَ كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَعَارَضُوا بِهِ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ سَمُرَةَ فِي ذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أُمَيَّةَ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْأُسَارَى أَيُقْتَلُونَ أَوْ يُفَادَوْنَ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عن أنس - وذكر رجل - عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بدر فقال: " إن الله قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ " قَالَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عاد النبي فَقَالَ لِلنَّاسِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصديق فقال يا رسول نرى أن تعفو عنهم وأن نقبل مِنْهُمُ الْفِدَاءَ.
قَالَ فَذَهَبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْغَمِّ فَعَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ.
قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَوْلَا كِتَابٌ من الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ) الآية، انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ (2) .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَكَذَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عكرمة بن عمار حدثنا
__________
(1) سقط من الاصل، واستدرك من ابن هشام.
(2) مسند أحمد ج 3 / 243.
(*)(3/361)
سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ - أَبُو زُمَيْلٍ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أصحابه يَوْمَ بَدْرٍ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَاهُ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَرَى يا ابن الْخَطَّابِ؟ " قَالَ: قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكرِ، وَلَكنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ قَرِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتَمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ عُمَرُ: فَغَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وهما يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بِكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [أبكي] (1) لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ قَدْ
عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ " لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ - وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يكون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ (2) فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ) [الأنفال: 67] مِنَ الْفِدَاءِ، ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثَ (3) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ [أَبِي] (4) عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ اسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لعلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَجُوكَ وَكَذَّبُوكَ قَرِّبْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ.
قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ ثُمَّ أضرمه عليهم ناراً.
قَالَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا.
فَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ ألين من اللين، وَإِنَّ اللَّهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أبا بكر كمثل إبراهيم قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ
__________
(1) من دلائل البيهقي.
(2) يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: أي يكثر قهر عدوه وقتله.
(3) أخرجه مسلم في حديث طويل في 32 كتاب الجهاد (18) باب الامداد بالملائكة ح 58 وأخرجه أبو داود في الجهاد باب فداء الاسير بالمال عن أحمد بن حنبل عن أبي نوح عن عكرمة.
(4) من المسند، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود.
(*)(3/362)
غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم: 36] وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح: 26] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ:
(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 88] أنتم عالة فلا يبقين (1) أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ (2) فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ قَالَ فَسَكَتَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ: " إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ " قَالَ فَأَنْزَلَ اللهِ: (مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ) إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيُّ بِنَحْوِهِ (3) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا أُسِرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ أُسِرَ الْعَبَّاسُ فِيمَنْ أُسِرَ أَسَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ وَقَدْ أَوْعَدَتْهُ الْأَنْصَارُ أَنْ يَقْتُلُوهُ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَالَ: " إِنِّي لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ عَمِّي الْعَبَّاسِ، وَقَدْ زَعَمَتِ الْأَنْصَارُ أَنَّهُمْ قَاتِلُوهُ " قَالَ عُمَرُ أَفَآتِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَتَى عُمَرُ الْأَنْصَارَ فَقَالَ لَهُمْ: أَرْسِلُوا الْعَبَّاسَ، فَقَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نُرْسِلُهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَإِنْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ رِضًى؟ قَالُوا: فَإِنْ كَانَ لَهُ رِضًى فَخُذْهُ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَلَمَّا صَارَ فِي يَدِهِ قَالَ له عمر: يا عباس أسلم فوالله لئن تُسْلِمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُسْلِمَ الْخَطَّابُ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُعْجِبُهُ إِسْلَامُكَ.
قَالَ وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَشِيرَتُكَ فَأَرْسِلْهُمْ وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَقَالَ اقْتُلْهُمْ، فَفَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهِ: (ما كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) الآية.
ثم قال الحاكم في صحيحه هذا حديث صحيح
__________
(1) في المسند والبيهقي: ينفلتن.
(2) قال الواقدي في المغازي 1 / 110 " قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة، ما شهد بدرا، إنما هو أخ له يقال له سهل.
قال ابن سعد: وسهيل شهد بدراً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما لا شكَّ فيه شهد أحدا والخندق والمشاهد كُلَّهَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات عمره أربعون سنة.
أما سهل فأسلم بمكة وكتم إسلامه وأخرجه المشركون معهم قال: والذي روى هذه القصة في سهيل فقد أخطأ: وسهيل أسلم قبل عبد الله بن مسعود ولم يستخف بإسلامه.
(طبقات ابن سعد 3 / 415 و 4 / 213) .
(3) أخرجه التِّرمذي في كتاب الجهاد باب في المشورة 4 / 213 وكذا في تفسير سورة الانفال ح 3084 ومسند أحمد 1 / 383 والبيهقي في الدلائل ج 3 / 138 - 139.
والحاكم في المستدرك 3 / 22 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي وأضاف: صحيح سمعه جرير بن عبد الحميد.
(*)(3/363)
الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خِّير أَصْحَابَكَ في الأسارى إن شاؤا الفداء وإن شاؤا الْقَتْلَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ عَامًا قَابِلًا مِنْهُمْ مثلهم، قالوا الفداء أو يقتل مِنَّا.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ عُبَيْدَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتم عذاب عظيم) يَقُولُ لَوْلَا أَنِّي لَا أُعَذِّبُ مَنْ عَصَانِي حَتَّى أَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ سَبَقَ مِنْهُ أَنْ لَا يُعَذِّبَ أَحَدًا شَهِدَ بَدْرًا.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ: (لَوْلَا كتاب من الله سبق) أَيْ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ.
وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبَقَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَغَانِمَ وَفِدَاءَ الْأُسَارَى حَلَالٌ لَكُمْ، وَلِهَذَا قَالَ بعده: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً) وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْأَعْمَشِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يعطهنَّ أحدا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وحلت لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفاعة، وَكَانَ النَّبيّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ
عَامَّةً ".
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِسُودِ الرؤوس غَيْرِنَا " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً) فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَكْلِ الْغَنَائِمِ وَفِدَاءِ الْأُسَارَى وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ (1) ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ (2) ، وَهَذَا كَانَ أَقَلَّ مَا فُودِيَ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْمَالِ، وَأَكْثَرُ مَا فُودِيَ بِهِ الرَّجُلُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ (3) .
وَقَدْ وَعَدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالْخَلَفِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قلوبهم خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الْآيَةَ [الْأَنْفَالِ: 70] .
وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ فَفَادَى نَفْسَهُ بِالْأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْعَبَّاسُ، فَآتَانِي اللَّهُ أَرْبَعِينَ عَبْدًا - يَعْنِي كُلُّهُمْ يَتَّجِرُ لَهُ - قَالَ وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (4) .
وقال ابن إسحاق: حدَّثني العبَّاس بن
__________
(1) العيشي: من سنن أبي داود ودلائل البيهقي.
وفي الاصل: العبسي وهو تحريف.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب فداء الاسير بالمال ح 2691 ج 3 / 61 - 62.
(3) قال الواقدي: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفداء يوم بدر أربعة آلاف لكل رجل.
وفي رواية له: أرفعهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى الفين إلى ألف إلى قوم لا مال لهم من عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(4) دلائل البيهقي 3 / 143.
(*)(3/364)
عبد الله بن مغفل (1) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأُسَارَى مَحْبُوسُونَ بِالْوِثَاقِ، بَاتَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاهِرًا أَوَّلَ الليل، فقال له أصحابه مالك لا تنام يا رسول الله؟ [وقد أسر العباس رجل من الأنصار] (2) فَقَالَ: " سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّي الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ " فَأَطْلَقُوهُ فَسَكَتَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا مُوسِرًا فَفَادَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْمِائَةُ كَانَتْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ ابْنَيْ أَخَوَيْهِ عَقِيلٍ وَنَوْفَلٍ، وَعَنْ حَلِيفِهِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ كَمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم:
" أَمَّا ظَاهِرُكَ فَكَانَ عَلَيْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ وَسَيَجْزِيكَ " فَادَّعَى أنَّه لَا مَالَ عِنْدَهُ قَالَ: " فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وأمَّ الْفَضْلِ وَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي فَهَذَا لِبَنِيَّ الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَقُثَمَ؟ " فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إن هذا شئ مَا عَلِمَهُ إِلَّا أَنَا وَأُمُّ الْفَضْلِ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا إيذن لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا الْعَبَّاسِ فَدَاءَهُ.
فَقَالَ: " لَا وَاللَّهِ لَا تَذَرُوَنَ مِنْهُ دِرْهَمًا " (3) قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: " انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ " فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي إِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ " خُذْ " فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ.
قَالَ " لَا " قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عليَّ، قَالَ " لَا " فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ قَالَ " لَا " قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عليَّ، قَالَ " لَا " فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ.
فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَخْبَرَنَا الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ.
قَالَ: كَانَ فِدَاءُ الْعَبَّاسِ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الحارث بن عبد المطلب كُلُّ رَجُلٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ (4) ، ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى الْآخَرِينَ فَقَالَ: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حكيم) .
فَصْلٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِينَ، وَالْقَتْلَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ كَمَا وَرَدَ في غير ما
__________
(1) في دلائل البيهقي: بن معبد.
وهو العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني.
(2) من البيهقي.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق (49) ، 11 باب إذا أسر أخو الرجل ح 2537 وأعاده في الجهاد - باب فداء المشركين.
(4) دلائل النبوة ج 3 / 40 (*)(3/365)
حَدِيثٍ مِمَّا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ سِتَّةٌ وَمِنَ الْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ (1) ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تِسْعَةٌ وأربعين، وأسر منهم تسعة وثلاثين.
هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ.
قَالَ: وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (2) .
ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
قَالَ وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَبْعَةٌ مِنَ الأنصار وقتل من المشركين بضعة وعشرون (3) رَجُلًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعون (4) أَسِيرًا، وَكَانَتِ الْقَتْلَى مِثْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيث عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهري قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ زِيَادَةٌ عَلَى سَبْعِينَ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، قَالَ وَرَوَاهُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير قال: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - فِيمَا رُوِّينَاهُ فِي عَدَدِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأُسِرَ مِنْهُمْ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا سَاقَهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَصَابُوا مِنَّا سبعين [يعني يوم أَحَدٌ] (5) .
وَكَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا (6) .
قُلْتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ جُمْلَةَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ وَقَدْ صَرَّحَ قَتَادَةُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُمْ كَانُوا زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ " وَأَمَّا الصَّحَابَةُ يومئذٍ فَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْصِيصُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَسْمَائِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ وَقْعَةَ
بَدْرٍ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَالَهُ أيضاً عروة بن الزبير وقتادة وإسماعيل
__________
(1) في الدرر في اختصار المغازي: الجميع أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار: ستة من الاوس واثنان من الخزرج.
(2) في دلائل البيهقي: الكفار ج 3 / 122 - 123.
(3) في دلائل البيهقي: وأربعون.
(4) في دلائل البيهقي: أربعة وأربعين.
وفي رواية ابن هشام قال: كان قتلى قريش: خمسين رجلا.
وقال عن ابن عباس وسعيد بن المسيب: القتلى سبعون والاسرى كذلك.
(راجع سيرة ابن هشام 2 / 372 - دلائل النبوة 3 / 123) .
(5) من دلائل البيهقي ح 3 / 124.
(6) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي باب 10 ح 3986 وأعاده في التفسير - سورة آل عمران - وأخرجه أبو داود في الجهاد في باب أي وقت يستحب اللقاء ورواه البيهقي في الدلائل 3 / 124.
(*)(3/366)
والسدي الْكَبِيرُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ: " تَحَرُّوهَا لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِينَ فَإِنَّ صَبِيحَتَهَا يَوْمُ بَدْرٍ " (1) .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مَا شَكَّ، وَقَالَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ فَقَالَ: إِمَّا لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ أَوْ لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ.
وَإِمَّا لِسَبْعَ (2) عَشْرَةَ بَقِيَتْ.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ قُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ اللَّيْثِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرِهِ
بِإِسْنَادِهِمْ إِلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَذَكَرَ هَزِيمَتَهُمْ مَعَ قِلَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ وَاللَّهِ لَوْ خَرَجَتْ نِسَاءُ قُرَيْشٍ بالسِّهاء (3) رَدَّتْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ قُلْتُ لَوْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَنَظَرْتُ إِلَى مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسَيَ الْإِسْلَامُ، قَالَ فَقَدِمْتُهَا فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ الْمَسْجِدِ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَسَلَّمْتُ.
فَقَالَ: يَا قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ أَنْتَ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أنَّك رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا خرج مني إلى أحد قط، ولا تزمزمت (4) بِهِ إِلَّا شَيْئًا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي، فَلَوْلَا أَنَّكَ نَبِيٌّ مَا أَطْلَعَكَ [اللَّهُ] (5) عَلَيْهِ، هَلُمَّ أبايعك على الإسلام فأسلمت.
فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْمَغَانِمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يومئذٍ لِمَنْ تَكُونُ مِنْهُمْ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ حِينَ وَلَّى الْمُشْرِكُونَ.
فَفِرْقَةٌ أَحْدَقَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرُسُهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يرجع
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 128، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 20 وقال: هذا حديث صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرِّجاه.
وَفِي رواية للاسود عن ابن مسعود قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان، وليلة احدى وعشرون وليلة ثلاث وعشرون (أبو داود - الصلاة - دلائل البيهقي 3 / 128) .
(2) في البيهقي 3 / 129: لتسع عشرة.
(3) من سيرة ابن كثير، وفي الاصل: بالها وهو تحريف.
والسهاء: جمع سهوة.
وهي القوس المواتية.
(4) في الواقدي: ترمرمت ترمرم: أي حرك فاه للكلام (الصحاح) .
(5) من مغازي الواقدي 1 / 98.
(*)(3/367)
أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ.
وَفِرْقَةٌ سَاقَتْ وَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُونَ، وَفِرْقَةٌ جَمَعَتِ الْمَغَانِمَ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْأَمَاكِنِ.
فَادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمَغْنَمِ مِنَ الْآخَرَيْنِ لِمَا صَنَعَ مِنَ الْأَمْرِ
الْمُهِمِّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فحدثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ عَنْ سَوَاءٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى السَّوَاءِ أَيْ سَاوَى فِيهَا بَيْنَ الَّذِينَ جَمَعُوهَا وَبَيْنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْعَدُوَّ وَبَيْنَ الَّذِينَ ثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا فَرِيقًا مِنْهُمْ مِمَّنِ ادَّعَى التَّخْصِيصَ بِهَا، وَلَا يَنْفِي هَذَا تَخْمِيسَهَا وَصَرْفَ الْخُمُسِ فِي مَوَاضِعِهِ كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بعض العلماء منهم أبو عبيدة وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَلْ قَدْ تنفَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه ذو الْفَقَارِ مِنْ مَغَانِمِ بَدْرٍ (1) .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَذَا اصْطَفَى جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ كَانَ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَهَذَا قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا ابن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عباس بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى المغنم يحوزونه وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ، نَحْنُ حويناها وليس لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طلب العدو لستم بأحق به مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا مِنْهَا الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فاشتغلنا به، فأنزل الله: (يسألونك عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الانفال لله ولرسوله فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1 - 5] فَقَسَمَهَا رَسُولُ الله بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ الرُّبُعَ فَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا نَفَّلَ الثُّلُثَ وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَنْفَالَ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ آخِرَهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَنَعَ كَذَا وكذا فله كذا وكذا، فسارع فِي ذَلِكَ شُبَّانُ الرِّجَالِ وَبَقِيَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرايات، فلما كانت الغنائم جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم، قال الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا فَإِنَّا كُنَّا رَدْءًا لكم لو انكشفتم لفئتم
__________
(1) رواه البيهقي عن ابن عباس 3 / 136، والترمذي في السير، باب في النفل.
وابن ماجة في الجهاد باب: السلاح.
(*)(3/368)
إِلَيْنَا، فَتَنَازَعُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الانفال لله وللرسول فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (1) .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ آثارا أخر يطول بسطها ههنا وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْأَنْفَالَ مَرْجِعُهَا إِلَى حُكْمِ الله ورسوله يحكما فِيهَا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثمَّ ذَكَرَ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَمَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شئ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى والمساكين وابن السَّبِيلِ) الآية فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ الَّذِي جَعَلَ مَرَدَّهُ إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّنَهُ تَعَالَى وحكم فيه بما أراد تعالى، وهو قول أبي زَيْدٍ وَقَدْ زَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ رَحِمَهُ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ عَلَى السَّوَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يُخَمِّسْهَا.
ثُمَّ نَزَلَ بَيَانُ الْخُمُسِ بَعْدَ ذَلِكَ نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَهَكَذَا رَوَى الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَفِي هَذَا نَظَرٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ قَبْلَ آيَةِ الْخُمُسِ وَبَعْدَهَا كُلُّهَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ جُمْلَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُتَفَاصِلٍ بِتَأَخُّرٍ يَقْتَضِي نَسْخَ بَعْضِهِ بَعْضًا، ثُمَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال فيّ قصة شار فيه اللَّذَيْنِ اجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا حَمْزَةُ إِنَّ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَ بَدْرٍ مَا يَرُدُّ صَرِيحًا عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَلْ خُمِّسَتْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ
الرَّاجِحُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ فِي مَسِيرِهِ إِلَيْهَا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ،
__________
(1) أخرجه البيهقي من طريق وهب بن بقية، وزاد في آخره: يقول: فكان ذلك خيرا لهم، فكذلك أيضا أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم.
وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في النفل ح 2737 عن وهب وح 2738 عن زياد بن أيوب عن هشيم عن داود..وح 2739 عن هارون بن محمد بن بكار بن بلال.
وأخرجه النسائي في التفسير عن المعتمر بن سليمان.
ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 89 عن ابن حبان وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر.
(*)(3/369)
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ أقام عليه السلام بِعَرْصَةِ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ رَحِيلُهُ مِنْهَا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَرَكِبَ نَاقَتَهُ وَوَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَرَّعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ سُحِبُوا إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، ثُمَّ سَارَ عَلَيْهِ السلام وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَالْغَنَائِمُ الْكَثِيرَةُ وَقَدْ بَعَثَ عَلَيْهِ السلام بَيْنَ يَدَيْهِ بَشِيرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحَدَهُ وَبِهِ كَفَرَ، أَحَدُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى أَعَالِي الْمَدِينَةِ، وَالثَّانِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ (1) إِلَى السَّافِلَةِ.
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ حِينَ سَوَّيْنَا [التُّرَابَ] عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ احْتَبَسَ عِنْدَهَا يمرِّضها بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فِي بَدْرٍ.
قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمَّا قَدِمَ أَبِي - زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - جِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلَّى وَقَدْ غَشِيَهُ النَّاسُ وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ
هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ.
قَالَ قلت: يا أبة أَحَقٌّ هَذَا؟ قَالَ إِي وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَلَّفَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى [رُقَيَّةُ] (2) بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أيام بدرٍ] (3) ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ الْهَيْعَةَ (4) فَخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَدْ جَاءَ بِالْبِشَارَةِ، فَوَاللَّهِ مَا صَدَّقْتُ حَتَّى رَأَيْنَا الْأُسَارَى.
وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بِسَهْمِهِ (5) وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه مِنْ بَدْرٍ الْعَصْرَ بِالْأُثَيْلِ (6) فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً تَبَسَّمَ فَسُئِلَ عَنْ تَبَسُّمِهِ فَقَالَ: مرَّ بِي (7) مِيكَائِيلُ وَعَلَى جَنَاحِهِ النَّقْعُ فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ، عَلَى فرس أنثى معقود الناصية وقد عصم ثنييه الْغُبَارُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّي بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُفَارِقَكَ حَتَّى تَرْضَى، هَلْ رَضِيتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ قَالُوا: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الأثيل فجاءا يوم الأحد حين
__________
(1) زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ، أبو أسامة الكلبي، الامير الشهيد، سيد الموالي وأسبقهم إلى الاسلام.
وحب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلِمَ يسم الله تعالى في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم عليه السلام، عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الناس وقدمه على الامراء في غزوة مؤتة فقاتل وقتل فيها طعنا بالرماح.
(2) من دلائل البيهقي.
(3) من دلائل البيهقي.
(4) الهيعة: كل ما أفزع من صوت، قال أبو عبيد: هي صيحة الفزع.
(5) أخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 130 - 131.
والحاكم في المستدرك 3 / 217 عن أبي أمامة قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بدر بعث بيشيرين..الخ وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
(6) الاثيل: موضع بالصفراء، قال الواقدي: واد طوله ثلاثة أميال وبينه وبين بدر ميلان.
(7) من الواقدي، وفي الاصل: يرى وهو تحريف.
(*)(3/370)
اشْتَدَّ الضُّحَى، وَفَارَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنَ الْعَقِيقِ، فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يُنَادِي عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ، قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحقاً يا ابن رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ إِي وَاللَّهِ وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَسْرَى مُقَرَّنِينَ.
ثُمَّ تَتَبَّعَ دُورَ الْأَنْصَارِ بِالْعَالِيَةِ يُبَشِّرُهُمْ دَارًا داراً والصبيان ينشدون مَعَهُ يَقُولُونَ: قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْوَاءِ يُبَشِّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُصَلَّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَقُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الْأَنْيَابِ فِي أَسْرَى كَثِيرٍ، فَجَعَلَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يُصَدِّقُونَ زَيْدًا وَيَقُولُونَ مَا جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَّا فَلًّا (1) حَتَّى غاظ المسلمين ذلك وخافوا.
وقد زيد حِينَ سَوَّيْنَا [التُّرَابَ] عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَقِيعِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأُسَامَةَ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ؟ وَقَالَ آخَرُ لَأَبِي لُبَابَةَ: قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرُّقًا لَا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ أَبَدًا وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ وَهَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لَا يَدْرِي ماذا يَقُولُ مِنَ الرُّعْبِ، وَجَاءَ فَلًّا فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذِّبُ اللَّهُ قَوْلَكَ.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إِلَّا فَلًّا.
قَالَ أُسَامَةُ: فَجِئْتُ حَتَّى خَلَوْتُ بِأَبِي فَقُلْتُ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ إِي وَاللَّهِ حَقٌّ مَا أَقُولُ يَا بُنَيَّ فَقَوِيَتْ نَفْسِي وَرَجَعْتُ إِلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ فَقُلْتُ أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ، لَنُقَدِّمَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ إِذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فقال إنما هو شئ سمعته من الناس يقولونه.
قال فجئ بِالْأَسْرَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ مَعَهُمْ بدراً وهم تسعة وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا الَّذِينَ أُحْصُوا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا شكَّ فِيهِ.
قَالَ وَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الروحاء رؤوس النَّاسِ يُهَنِّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْفَرَكَ وَأَقَرَّ عَيْنَكَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا كانَ تَخَلُّفِي عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّكَ تَلْقَى عَدُوًّا، وَلَكِنْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا
عِيرٌ وَلَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَدُوٌّ ما تخلفت.
فقال له رسول الله " صَدَقْتَ " (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَدْ جَعَلَ عَلَى النَّفْلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ.
فَقَالَ رَاجِزٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [يُقَالُ إِنَّهُ] هُوَ عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ -: أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ * لَيْسَ بِذِي الطَّلْحِ لَهَا معرس ولا بصحراء عمير محبس * إن مطايا القوم لا تحبس
__________
(1) الفل: القوم المنهزمون ويقع على الواحد والاثنين والجمع.
عن النهايه.
(2) الخبر في مغازي الواقدي 1 / 114 - 115 وفي دلائل البيهقي من طريق الحسين بن الفرج عن الواقدي.
ج 3 / 131 - 133.
(*)(3/371)
فَحَمْلُهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَكْيَسُ * قَدْ نَصَرَ اللَّهُ وفر الأخس قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصفراء نزل على كثيب بني الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النَّازِيَّةِ يُقَالُ لَهُ سَيَرٌ إِلَى سَرْحَةٍ بِهِ.
فقسَّم هُنَالِكَ النَّفَلَ الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عمرو وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَا الَّذِي تُهَنِّئُونَنَا بِهِ.
وَاللَّهِ إِنْ لَقِينَا إِلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ المعقلة فنحرناها، فتبسم رَسُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " أَيِ ابْنَ أَخِي أُولَئِكَ الْمَلَأُ " قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي الْأَشْرَافَ وَالرُّؤَسَاءَ (1) .
مَقْتَلُ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَقَبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ (2) قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ حتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ (3) قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ " النَّارُ " وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.
وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لَمْ يَقْتُلْ مِنَ الْأُسَارَى أَسِيرًا غَيْرَهُ.
قَالَ وَلَمَّا أَقْبَلَ إِلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ.
قَالَ: يَا مَعْشَرَ قريش علام أقتل من بين من ههنا؟ قَالَ عَلَى عَدَاوَتِكَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وَقَالَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ قَالَ: أَتَقْتُلُنِي يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ؟.
قَالَ: " نَعَمْ! أَتَدْرُونَ مَا صَنَعَ هَذَا بِي؟ جَاءَ وَأَنَا سَاجِدٌ خَلْفَ الْمَقَامِ فَوَضَعَ رَجْلَهُ عَلَى عُنُقِي وَغَمَزَهَا فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ سَتَنْدُرَانِ، وجاء مرة أخرى بسلاً شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي وَأَنَا سَاجِدٌ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَغَسَلَتْهُ عَنْ رَأْسِي " قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ بَلْ قَتَلَ عُقْبَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ وَأَكْثَرِهِمْ كُفْرًا وَعِنَادًا وَبَغْيًا وَحَسَدًا وَهِجَاءً لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ لَعَنَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ فَعَلَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أخت (4) النضر بن
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 2 / 297.
(2) الصفراء: قال ابن سعد واد من المدينة على ثلاث ليال.
وقيل: كثير النخل والزرع وهو على مرحلة من بدر.
(3) في الواقدي: قتل عقبة صبرا في الصفراء.
وفي روايته أن النضر قتله علي بن أبي طالب في الاثيل صبرا بالسيف بأمر النبي مغازي الواقدي 1 / 138 و 149.
والاغاني 1 / 19.
(4) في معجم البلدان - أثيل -: إنها ابنته (*) .(3/372)
الْحَارِثِ فِي مَقْتَلِ أَخِيهَا: يَا رَاكِبًا إِنَّ الْأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ * مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ أبلغ بها ميتاً بأن تحية *؟ إِنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ (1) مِنِّي إِلَيْكَ وعبرةً مسفوحة * جادت بوابلها وَأُخْرَى تَخْنُقُ (2) هَلْ يَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ * أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ (3)
أَمُحَمَّدٌ يا خير ضئ كَرِيمَةٍ * مِنْ قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ (4) مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا * مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلَيُنْفَقَنْ * بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ (5) وَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْتَ قَرَابَةً * وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ * لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَالِكَ تُشْقَقُ صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا * رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهْوَ عَانٍ مُوثَقُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ: " لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ تَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ، مَوْلَى فروة بن عمرو البياضي حجامه عليه السلام ومعه زق خمر (6) مَمْلُوءٌ حَيْسًا - وَهُوَ التَّمْرُ وَالسَّوِيقُ بِالسَّمْنِ - هَدِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ مِنْهُ وَوَصَّى بِهِ الْأَنْصَارَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ مَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ " اسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا " قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي الْأُسَارَى، قَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مرَّ بِي
__________
(1) في ديوان الحماسة وياقوت: بلغ به ميتا فإن تحية.
(2) في ديوان الحماسة: " مني إليه " ويروى: جادت لمائحها تعنى أباها - كما في رواية ياقوت - لأنه هو الذي يستبكيها ويستنزف دمعها.
(3) في الاغاني: إن كان يسمع هالك لا ينطق ويروى: أو ينطق.
(4) في الاغاني: أمحمد ولانت نسل نجيبة.
(5) البيت في الاغاني أو كنت قابل فدية فلنأتين بأعز ما يغلو لديك وينفق وقال محققه: صححه الشنقيطي: لو كنت قابل فدية.
(الاغاني ج 1 / 19.
دار الكتب) .
(6) في سيرة ابن هشام: وَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو البياضي بحميت مملوء حيسا، قال ابن هشام: الحميت: الزق.
(*)(3/373)
أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي فَقَالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ (1) ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلَّهَا تَفْدِيهِ مِنْكَ، قَالَ أَبُو عَزِيزٍ فَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كسرة خبزة إِلَّا نَفَحَنِي بِهَا فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ هَذَا صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بَعْدَ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَمَّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبٌ لِأَبِي الْيُسْرِ (2) - وَهُوَ الَّذِي أَسَرَهُ - مَا قَالَ: قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: يَا أَخِي هَذِهِ وصاتك بِي؟ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إِنَّهُ أَخِي دُونَكَ فَسَأَلَتْ أُمُّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيٌّ فَقِيلَ لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا.
قُلْتُ: وَأَبُو عَزِيزٍ هَذَا اسْمُهُ زُرَارَةُ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي غَابَةِ الصَّحَابَةِ، وعدَّه خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ.
وَكَانَ أَخَا مُصْعَبِ بن عمير لأبيه، وَكَانَ لَهُمَا أَخٌ آخَرُ لِأَبَوَيْهِمَا وَهُوَ أَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ جَعَلَهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا ذَاكَ أَبُو عَزَّةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أسعد (3) بْنِ زُرَارَةَ.
قَالَ: قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ، قَالَ: تقول سودة: والله إني لعندهم إذا أُتِينَا فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، قَالَتْ: فَلَا وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتُّمْ كِرَامًا؟ فَوَاللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْبَيْتِ " يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ " قَالَتْ (4) : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ.
ثُمَّ كَانَ مِنْ
قِصَّةِ الْأُسَارَى بِالْمَدِينَةِ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كَيْفِيَّةِ فِدَائِهِمْ وَكَمِّيَّتِهِ إن شاء الله.
ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (5) : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا
__________
(1) أمه: الخناس بنت مالك العامرية، وأخته هند بنت عمير، أم شيبة بن عثمان حاجب الكعبة، جد بني شيبة (الروض الآنف) .
(2) في الواقدي: أسره أبو اليسر، ثم اقترع عليه فصار لمحرز بن نضلة، - وما قاله مصعب في شأن أخيه أبي عزيز كان لمحرز وليس لابي اليسر -.
(3) من ابن هشام، وفي الاصل سعد وهو تحريف.
(4) من ابن هشام، وفي الاصل: قال وهو تحريف.
(5) أخرجه الحافظ البيهقي في الدلائل - باب قدوم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة على أهل المدينة..وما فعل = (*)(3/374)
أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ (1) النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ العبَّاس، ثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ (2) جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ -.
قَالَ أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَيْهِ خُلْقَانُ ثِيَابٍ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ.
قَالَ جَعْفَرُ: فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمَّا أَنْ رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا قَالَ: إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ.
إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عين لي، فأخبرني أن الله [عزوجل] قد نصر نبيه [صلى الله عليه وسلم] وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان [وفلان] وقتل فلان وفلان [وَفُلَانٌ] (3) .
الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، كَثِيرُ الأراك كأني أنظر إليه كنت أرعى لِسَيِّدِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ إِبِلَهُ، فَقَالَ له جعفر: ما بالك جالس عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحْتَكَ بِسَاطٌ وَعَلَيْكَ هَذِهِ الأخلاط (4) ؟ قَالَ إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى إِنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يحدثوا الله تَوَاضُعًا عِنْدَمَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع.
وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ.
فَلَمَّا جَعَلَ يُعَدِّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة وَاللَّهِ لن (5) يَعْقِلُ هَذَا، فَسَلُوهُ عَنِّي، فَقَالُوا: مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة؟ قَالَ هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَتَحَقَّقُوهُ قَطَّعَتِ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ وَعُقِرَتْ خُيُولٌ كَثِيرَةٌ وَرَوَاحِلُ.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كِتَابِ الدَّلَائِلِ لِقَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ أنه قال لما كانت وقعة بدر سمعت أَهْلُ مَكَّةَ هَاتِفًا مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ: أَزَارَ الْحَنِيفِيُّونَ بَدْرًا وَقِيعَةً * سينقضُّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا أَبَادَتْ رِجَالًا مِنْ لُؤَيٍّ وَأَبْرَزَتْ * خَرَائِدَ يَضْرِبْنَ التَّرَائِبَ حُسَّرَا فَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى عَدُوَّ مُحَمَّدٍ * لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى وتحيرا
__________
= النجاشي حين بلغه الفتح ج 3 / 133 ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 104.
(1) من البيهقي وفي الاصل سلمان تحريف.
وهو أحمد بن سليمان الفقيه.
(2) من البيهقي، وفي الاصل عن - تحريف.
(3) ما بين معكوفين من البيهقي.
(4) في البيهقي: الاخلاق.
(5) في ابن هشام: والله إن يعقل هذا.
(*)(3/375)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاس عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ غُلَامًا للعبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ، وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ، وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ.
وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ
تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ - وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف منهم رَجُلٌ إِلَّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا - فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا، قَالَ وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ أَنْحِتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سرَّنا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بَشَرٍّ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ النَّاس: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ - وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ - ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ.
قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الْخَبَرُ، قَالَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ، فقال: يا ابن أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا، ويأسروننا كيف شاؤا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهِ مَا تُلِيقُ (1) شَيْئًا وَلَا يقوم لها شئ.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجر بِيَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، قَالَ وَثَاوَرْتُهُ (2) فَاحْتَمَلَنِي وَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثم برك علي يضربني - وكان رَجُلًا ضَعِيفًا - فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فبلغت فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ أَسْتَضْعَفْتَهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ، فَقَامَ مُوَلِّيًا ذَلِيلًا فَوَاللَّهِ مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ (3) فَقَتَلَتْهُ.
زَادَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثًا مَا دَفَنَاهُ حَتَّى أَنْتَنَ.
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي هَذِهِ الْعَدَسَةَ كَمَا تَتَّقِي الطَّاعُونَ حتَّى قَالَ لهم رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَيْحَكُمَا أَلَا تَسْتَحِيَانِ إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ لَا تَدْفِنَانِهِ؟ فقالا إنا نخشى عدوة هَذِهِ الْقُرْحَةِ، فَقَالَ: انْطَلِقَا فَأَنَا أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ مَا يَدْنُونَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ إلى أعلا مَكَّةَ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَارٍ ثُمَّ رَضَمُوا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ.
[قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تمرُّ عَلَى مَكَانِ أَبِي لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوزه] (4) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ قَالَ: نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: لا
__________
(1) ما تليق: ما تبقي.
(2) ثاورته: ثبت له.
(3) العدسة: قرحة قاتلة كالطاعون.
(4) ما بين المعكوفين، سقط من الاصل وابن هشام واستدركت تتمة للخبر من دلائل البيهقي ج 3 / 146.
(*)(3/376)
تفعلوا يبلغ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أسراكم حتى تستأنسوا (1) بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ.
قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا عَذَّبَ اللَّهُ بِهِ أَحْيَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ تَرْكُهُمُ النَّوْحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّا يُبِلُّ فُؤَادَ الْحَزِينِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمْعَةُ وَعَقِيلٌ وَالْحَارِثُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ - وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - انْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ - يَعْنِي وَلَدَهُ زَمْعَةَ - فَإِنَّ جَوْفِي قَدِ احْتَرَقَ، قَالَ فلمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلَّتْهُ قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ: أَتَبْكِي أَنْ أَضَلَّ لَهَا بَعِيرٌ * وَيَمْنَعُهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ * عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتِ الْجُدُودُ عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ * وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ وَبَكِّي إن بكيت أبا (2) عَقِيلٍ * وَبَكِّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ وَبَكِّيهِمْ وَلَا تُسمي جَمِيعًا * وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمُ رِجَالٌ * وَلَوْلَا يَوْمُ بدر لم يسودوا بَعْثِ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنًا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ " فَلَمَّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا
تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أَسْرَاكُمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنى: صدفتم لَا تَعْجَلُوا، وَانْسَلَّ مِنَ اللَّيْلِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ أَسِيرٍ فُدِيَ ثُمَّ بعثت قريش في فداء أسراهم فقد مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فقال في ذلك:
__________
(1) من ابن هشام وفي الاصل: تستأنسوا تحريف.
حتى تستأنوا: أي تؤخروا فداءهم حتى لا يتشدد في طلب الفداء.
(2) في ابن هشام: على.(3/377)
أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي * أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمْ (1) وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَتَى * فَتَاهَا سُهَيْلٌ إِذَا يُظَّلَمْ ضَرَبْتُ بِذِي الشَّفْرِ حَتَّى انْثَنَى * وَأَكْرَهْتُ نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمْ (2) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ (3) مِنْ شَفَتِهِ السُّفْلَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْنِي أنزع ثنية سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَدْلَعْ لِسَانُهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلَ اللَّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا ".
قُلْتُ: هذا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ بَلْ مُعْضَلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ فِي هَذَا: " إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ " قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي قَامَهُ سُهَيْلٌ بِمَكَّةَ حِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدَّ مَنِ ارتدَّ مِنَ الْعَرَبِ، وَنَجَمَ النِّفاق بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا.
فَقَامَ بِمَكَّةَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَثَبَّتَهُمْ عَلَى الدِّينِ الْحَنِيفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَلَمَّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إِلَى رِضَائِهِمْ قَالُوا هَاتِ الَّذِي لَنَا (4) .
قَالَ:
اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلُّوا سَبِيلَهُ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرَزًا عِنْدَهُمْ.
وَأَنْشَدَ لَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا أَنْكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَتْ أُمُّهُ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَلْ كَانَتْ أُمُّهُ أُخْتَ أَبِي مُعَيْطٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَقِيلَ لِأَبِي سفيان أفد عمراً ابنك، قال أيجتمع عَلَيَّ دَمِي وَمَالِي، قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا؟ دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ.
قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ إِذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أُكَّالٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيَّةٌ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا مسلماً في غنم له بالبقيع (5) فخرج من هنالك معتمراً وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِمَكَّةَ إِنَّمَا جَاءَ
__________
(1) في الواقدي: فلم ابتغ 1 / 143.
(2) في مغازي الواقدي: ضربت بذي السيف حتى انحنى.
وقال ابن أبي الحديد: ذي العلم بسكون اللام، ولكنه حركه - هنا - للضرورة، وكان سهيل أعلم مشقوق الشفة العليا (شرح نهج البلاغة 3 / 350) .
(3) الاعلم مشقوق الشفة العليا، وأما مشقوق الشفة السفلى فهو: الافلح.
(4) في الواقدي: هات مالنا.
(5) كذا في الاصل البقيع: وهو موضع داخل المدينة وفيها مقابرها.
ولعل الارجح النقيع وهو الاقرب، فالنقيع موضع قرب المدينة.
(*)(3/378)
معتمراً، وقد كان عهد قريش أن قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا إِلَّا بِخَيْرٍ، فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكَّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو وَقَالَ فِي ذَلِكَ: أَرَهْطَ ابْنِ أكَّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ * تَعَاقَدْتُمُ لَا تُسْلِمُوا السَّيِّدَ الْكَهْلَا فَإِنَّ بَنِي عمرو لئام أذلة * لئن لم يكفوا عَنْ أَسِيرِهِمُ الْكَبْلَا
قَالَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكَّةَ مُطْلَقًا * لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا بعضب حسام أو بصفراء نبعة * نحن إِذَا مَا أُنْبِضَتْ تَحْفِزُ النَّبْلَا (1) قَالَ وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكُّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَأَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ (2) فَبَعَثُوا بِهِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَخَلَّى سَبِيلَ سَعْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أُمَيَّةَ خَتَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكَّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً، وَكَانَتْ أُمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ هِيَ الَّتِي سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِابْنَتِهَا زَيْنَبَ وَكَانَ لَا يُخَالِفُهَا وَذَلِكَ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ - أَوْ أُمَّ كُلْثُومٍ (3) مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْوَحْيُ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: اشْغَلُوا مُحَمَّدًا بِنَفْسِهِ، وَأَمَرَ ابْنَهُ عُتْبَةَ فَطَلَّقَ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فتزوَّجها عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ومشوا إلى أبي العاص فقالوا فَارِقْ صَاحِبَتَكَ وَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ بِأَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِذًا (4) لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ [خيراً] (5) فِيمَا بَلَغَنِي.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي الثَّنَاءِ عليه في
__________
(1) نبعة من النبع والنبع: شجر يصنع منه القسي.
(2) قال الواقدي: أن عمرو بن أبي سفيان صار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرعة.
(3) قال السهيلي: كانت رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عتبة بن أبي لهب، وأم كلثوم تحت عتيبة.
فطلقاهما بعزم أبيهما عليهما وأمهما حين نزلت تَبَّتْ يَدَا أَبِي لهب.
طلقاهما قبل الدخول بهما.
أسلمت رقية وأم كلثوم بعدما بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياة أمهما خديجة، وتزوج عثمان رقية وهاجرا إلى الحبشة، وهاجرت أم كلثوم إلى المدينة مع عيال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا توفيت رقية خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم وكانت بكرا، ولم تزل عنده حتَّى توفيت ولم تلد له شيئا.
(الطبقات ج
8 / 36 - 38 الروض الآنف) .
(4) في نسخة لابن هشام: إني.
(5) من ابن هشام.
(*)(3/379)
صِهْرِهِ ثَابِتٌ فِي الصَّحيح كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِلُّ بِمَكَّةَ وَلَا يُحَرِّمُ، مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بعثت زينب بنت رسول الله فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا قَالَتْ: فلمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقَّ لَهَا رقَّة شَدِيدَةً، وَقَالَ: " إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا ".
قَالُوا نَعَمْ! يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأُسَارَى بِغَيْرِ فِدَاءٍ: مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ (1) أَسَرَهُ بَعْضُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَتُرِكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى خلوا سبيله فلحق بقومه قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ يَعْنِي أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ - فوفَّى أَبُو الْعَاصِ بِذَلِكَ كَمَا سيأتي.
وقد ذكر ذلك ابن إسحاق ههنا فَأَخَّرْنَاهُ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ افْتِدَاءِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ وَعَقِيلًا وَنَوْفَلًا ابْنَيْ أَخَوَيْهِ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ.
وقال ابن هشام كان الذي أسر أبي العاص (2) أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَائِذِ (3) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِ لَيَبْعَثَنَّ لَهُمْ بِفِدَائِهِ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ وَلَمْ يَفِ لَهُمْ: قال حسان بن ثابت في ذلك:
ما كَانَ صَيْفِيٌّ لِيُوفِيَ أَمَانَةً * قَفَا ثعلبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ (4) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أهيب بن حذافة بن جمع، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله لقد عرفت مالي مِنْ مَالٍ، وَإِنِّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ، فَامْنُنْ عَلَيَّ، فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا.
فَقَالَ أَبُو عَزَّةَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذلك:
__________
(1) ذكره الواقدي في: بني أبي رفاعة، وقال: كان الذي أسره أبو أيوب الأنصاري وهو ما ذكره ابن هشام، وما سيرد بعد أسطر تحريف.
(2) راجع الحاشية السابقة.
(3) عائذ كذا في الاصل: قال أبو ذر: قال الزبير بن بكار من كان من ولد عمر بن مخزوم فهو عابد، ومن كان من ولد عمران بن مخزوم فهو عائذ (شرح أبي ذر ص 167) فعلى ذلك، فالصواب عابد على قول أبي ذر.
(4) في ديوان حسان: ذمة بدل: أمانة (*) .(3/380)
مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الرَّسُولَ مُحَمَّدًا * بِأَنَّكَ حَقٌّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى * عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ وَأَنْتَ امْرُؤٌ بُوِّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ * شَقِيٌّ وَمَنْ سَالَمْتَهُ لَسَعِيدُ وَلَكِنْ إِذَا ذُكِّرْتُ بَدْرًا وَأَهْلَهُ * تأوَّب مَا بِي، حَسْرَةٌ وَقُعُودُ قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَزَّةَ هَذَا نَقَضَ مَا كَانَ عَاهَدَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ، وَلَعِبَ الْمُشْرِكُونَ بِعَقْلِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُسِرَ أَيْضًا، فَسَأَلَ مِنَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يمنَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا أدعك تمسح عارضيك وَتَقُولُ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ " ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.
وَيُقَالُ إِنَّ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ " وَهَذَا مِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي لَمْ تسمع إلا منه عليه السلام.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أميَّة فِي الْحِجْرِ، بَعْدَ مُصَابِ أَهِلِ بدر بيسير، وكان عمر بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالَّذِي أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُرْوَةَ: فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ ما إِنْ فِي الْعَيْشِ [بَعْدَهُمْ] (1) خَيْرٌ، قَالَ لَهُ عمير صدقت، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً: ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ.
قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ بْنُ أميَّة فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بقوا، لا يسعني شئ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ.
فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فَاكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ، قَالَ: سَأَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ لَهُ وَسُمَّ ثمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَمَا أراهم في عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ وَقَدْ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ.
فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إِلَّا لِشَرٍّ وَهُوَ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَزَرَنَا (2) لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ.
قَالَ: فَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآه
__________
(1) من ابن هشام.
(2) حزرنا: أي الذي قدر عدد المسلمين تخمينا يوم بدر.
(*)(3/381)
رَسُولُ اللَّهِ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ: " أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عمير " فدنا ثم قال: أنعم صَبَاحًا - وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ " قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ
تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ بِالسَّلَامِ تَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثَ عَهْدٍ، قَالَ: " فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَيْرُ؟ " قَالَ جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ، قَالَ: " فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ " قَالَ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا؟ قَالَ: " اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟ " قَالَ مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ، قَالَ: " بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثمَّ قُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ " فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أنَّك رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاكَ بِهِ إِلَّا اللَّهُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ.
ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَعَلِّمُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا أَسِيرَهُ " فَفَعَلُوا.
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْتُ أُوذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ فِي أَيَّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ - أَوِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - هُوَ الَّذِي رَأَى عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يوم بدر وفر هارباً وقال: إني برئ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَكَانَ إِبْلِيسُ يومئذٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بن جعشم أمير مدلج (1) .
فَصْلٌ ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ إِلَى آخِرِهَا فَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ فَمَنْ أَرَادَ
الِاطِّلَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْهُ ثمَّ ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 2 / 317 - 318 ونقله البيهقي عن موسى بن عقبة كتاب المغازي يزيد كلمة وينقص كلمة والمعنى واحد.
في دلائل النبوة ج 3 / 147 - 149 (*)(3/382)
فَصْلٌ ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَرَدَ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوَّلًا، ثُمَّ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْسِهَا وَخَزْرَجِهَا إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا وَمَنْ ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا (1) ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ، وَمِنَ الْأَوْسِ أَحَدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا.
وَمِنَ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا.
وَقَدْ سَرَدَهُمُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ بَعْدَ الْبَدَاءَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بأبي بكر وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ لِلْحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيِّ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَدَاءَةِ بِاسْمِ رَئِيسِهِمْ وَفَخْرِهِمْ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم حَرْفُ الْأَلِفِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ النَّجَّارِيُّ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ، الْأَرْقَمُ بْنُ أَبَى الْأَرْقَمِ وَأَبُو الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ، أَسْعَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خَلَدَةَ بن عامر بن العجلان.
ثم أَسْوَدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ غَنْمٍ، كَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: سَوَادُ بْنُ رِزَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ شَكَّ فِيهِ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، سَوَادُ بن زريق بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ سَوَادُ بْنُ زَيْدٍ، أُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَبُو سَلِيطٍ، وَقِيلَ أُسَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ لوزان بْنِ سَالِمِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَزْرَجِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، أَنَسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَوْسِيُّ، كَذَا سماه موسى بن عقبة، و [سماه] الأموي في السيرة أنيس.
__________
(1) قال الواقدي: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
وفي رواية ابن بكير عن ابن إسحاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون من المهاجرين ومن الانصار مائتان وستة وثلاثون رجلا.
وروى البخاري عن البراء قال: كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر بعدة أصحاب طالوت.
وروى عنه قال: كان المهاجرون يوم بدر نيفاً وثمانين وكانت الانصار نيفاً وأربعين ومائتين وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: ثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة.
(مغازي الواقدي ج 1 البخاري كتاب المغازي 6 باب - وأبو داود في الجهاد باب في نفل السرية تخرج من العسكر) .
(*)(3/383)
[قُلْتُ: وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَادِمُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَشَهِدْتَ بَدْرًا؟ قَالَ وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ لَا أمَّ لَكَ؟ ! وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَنْ مَوْلًى لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسٍ: شَهِدْتَ بَدْرًا؟ قَالَ لَا أمَّ لَكَ وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بَدْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ يَخْدِمُهُ قَالَ: شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: هَكَذَا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي] أَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، أَنَسَةُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّجَّارِيُّ، أَوْسُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْخَزْرَجِيُّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَوْلِيِّ، أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ الْخَزْرَجِيُّ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ نَاشِبِ بْنِ غِيَرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
حَرْفُ الْبَاءِ بُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفُ بَنِي النَّجَّارِ، بَحَّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمَّارَةَ الْبَلَوِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، بَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ رَشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي سَاعِدَةَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ هُوَ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي مَاتَ بِخَيْبَرَ مِنَ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ الصِّديق، بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الأوسي رده عليه السلام مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ.
حَرْفُ التَّاءِ تَمِيمُ بْنُ يَعَارِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جُدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، تَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ، تَمِيمٌ مَوْلَى بن غَنْمِ بْنِ السِّلْمِ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.
حَرْفُ الثَّاءِ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، ثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَيُقَالُ لِثَعْلَبَةَ هَذَا الجدع بن(3/384)
زيد بن الحارث بن حرام بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ، ثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ، ثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ، ثَابِتُ بْنُ هَزَّالٍ الْخَزْرَجِيُّ، ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكٍ النَّجَّارِيُّ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الْخَزْرَجِيُّ، ثَعْلَبَةُ بْنُ عَنَمَةَ بن عدي بن نابئ السَّلَمِيُّ، ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي حَجْرِ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ وَهُوَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ
أَسَدِ.
حَرْفُ الْجِيمِ جَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ [مَسْعُودِ بْنِ] عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ، جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ السَّلَمِيُّ أَحَدُ الَّذِينَ شَهِدُوا الْعَقَبَةَ.
[قُلْتُ: فَأَمَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ أَيْضًا فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِمْ فِي مُسْنَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ وقال كنت أمتح لِأَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ذَكَرْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ - يَعْنِي الْوَاقِدِيَّ - هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ هَذَا وَهْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ جَابِرُ شَهِدَ بَدْرًا وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَلَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا أُحُدًا مَنَعَنِي أَبِي فَلَمَّا قُتل أَبِي يَوْمَ أُحد لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَزَاةٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ رَوْحٍ (1) ] .
جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ، جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيُّ، جُبَيْرُ بْنُ إِيَاسٍ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْحَاءِ الْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ الْخَزْرَجِيُّ، الْحَارِثُ بن أوس بن معاذ بن أَخِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ، الْحَارِثُ بْنُ حاطب بن عمرو بن عبيد بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ رَدَّهُ عليه السلام مِنَ الطَّرِيقِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَبِي غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف بن الخزرج حليف لبني زعور ابن عَبْدِ الْأَشْهَلِ، الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ الْخَزْرَجِيُّ رَدَّهُ عليه السلام لِأَنَّهُ كُسِرَ مِنَ الطَّرِيقِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، الْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ الْأَوْسِيُّ، الْحَارِثُ بْنُ قيس بن خلدة أَبُو خَالِدٍ الْخَزْرَجِيُّ، الْحَارِثُ بْنُ النُّعمان بْنِ أمية (*)(3/385)
الْأَنْصَارِيُّ.
حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ النَّجَّارِيُّ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ (1) وَهُوَ فِي النَّظَّارَةِ فَرُفِعَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ،
حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيُّ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ.
حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَشْجَعِيُّ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عبدود كذا ذَكَرَهُ ابْنُ عَائِذٍ فِي مَغَازِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْخَزْرَجِيِّ وَيُقَالُ كَانَ لِوَاءُ الْخَزْرَجِ مَعَهُ يومئذٍ، حَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلَى بَنِي حَرَامٍ مَنْ بَنِي سَلِمَةَ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَبِيبُ بْنُ سَعْدٍ بَدَلَ أَسْوَدَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَبِيبُ بْنُ أَسْلَمَ مَوْلَى آلِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ أَنْصَارِيٌّ بَدْرِيٌّ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ، الْحُصَيْنُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَرْفُ الْخَاءِ خَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَخُو إِيَاسٍ الْمُتَقَدِّمِ، خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو أَيُّوبَ النَّجَّارِيُّ، خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ الْأَنْصَارِيُّ، خَارِجَةُ بْنُ الْحُمَيِّرِ حَلِيفُ بَنِي خَنْسَاءَ مِنَ الْخَزْرَجِ وَقِيلَ اسمه حارثة بن الحمير وسماه ابن عائذ خَارِجَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ صِهْرُ الصِّدِّيقِ، خبَّاب بْنُ الْأَرَتِّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأَصْلُهُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَيُقَالُ مِنْ خُزَاعَةَ (2) ، خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ السَّلَمِيُّ، خُبَيْبُ بْنُ إِسَافِ بْنِ عِنَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ، خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِمْ، خَلِيفَةُ بْنُ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ، خُلَيْدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ السَّلَمِيُّ، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ السَّهْمِيُّ قُتِلَ يومئذٍ فَتَأَيَّمَتْ مِنْهُ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ ضرب له بسهمه وأجره لم يَشْهَدْهَا بِنَفْسِهِ، خَوْلِيُّ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ الْعِجْلِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ، وَخَلَّادُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَخَلَّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحُ الْخَزْرَجِيُّونَ.
حَرْفُ الذَّالِ
ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ (3) بْنِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مِلْكَانَ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عمرو بن عامر من بني خزاعة حليف لبني زهرة قتل يومئذٍ
__________
(1) في تاريخ خليفة: قتله حبان بن العرفة بسهم وهو يشرب من الحوض.
(2) الصواب أنه تميمي، اشترته في الجاهلية امرأة من خزاعة وأعتقته، وكان من حلفاء بني عوف،..من زهرة فهو تميمي النسب، خزاعي بالولاء، زهري بالحلف (الاستيعاب) .
(3) في تاريخ خليفة: " عبد عمرو " قتله أسامة الجشمي (سيرة ابن هشام) .
(*)(3/386)
شَهِيدًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ وَإِنَّمَا قيل له ذو الشمالين لأنه كان أعسراً.
حَرْفُ الرَّاءِ رَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَوْسِيُّ، رَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ أُمُّهُ، رَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ الْخَزْرَجِيُّ قُتِلَ يومئذٍ (1) .
رِبْعِيُّ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ رِبْعِيُّ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، رَبِيعُ بْنُ إِيَاسٍ الْخَزْرَجِيُّ، رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، رُخَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ الْخَزْرَجِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ أَخُو خَلَّادِ بْنِ رافع، رفاعة بن عبد المنذر بن زنير الْأَوْسِيُّ أَخُو أَبِي لُبَابَةَ، رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الزَّايِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَحَوَارِيُّهُ، زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ زِيَادُ بْنُ الْأَخْرَسِ بْنِ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ زِيَادُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رفاعة بن كليب بن برذعة بن عدي بن عمرو بن الزبعري بْنِ رَشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ، زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الزُّرَقِيُّ، زِيَادُ بْنُ الْمُزَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ ضُبَيْعَةَ، زَيْدُ بن حارثة بن شرحبيل (2) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، زَيْدُ بْنُ الخطَّاب بْنِ نُفَيْلٍ أَخُو عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ النَّجَّارِيُّ أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
حَرْفُ السِّينِ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ الْأَوْسِيُّ، سَالِمُ بن [غنم بْنُ] عَوْفٍ الْخَزْرَجِيُّ، سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ شَهِدَ مَعَ أَبِيهِ، سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بن عائد الْخَزْرَجِيُّ، سَبْرَةُ بْنُ فَاتِكٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرٍو النَّجَّارِيُّ، سُرَاقَةُ بْنُ كَعْبٍ النَّجَّارِيُّ أَيْضًا، سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ الْأَوْسِيُّ قُتِلَ يومئذٍ شَهِيدًا (3) ، سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، سعد بن زيد بن مالك الأوسي وقال الواقدي: سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْفَاكِهِ الْخَزْرَجِيُّ، سَعْدُ بن سهيل بن عبد الأشهل التجاري، سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عُبَادَةَ وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ أَبُو عُبَيْدَةَ، سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ وكان
__________
(1) قتله عكرمة بن أبي جهل (قاله خليفة بن خياط) .
(2) في ابن هشام: " شراحيل ".
(3) قتله طعيمة بن عدي.
ويقال عمرو بن عبدود (تاريخ خليفة) .
(*)(3/387)
لِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَهُ، سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ الْخَزْرَجِيُّ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ حِينَ شَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُلْتَقَى النَّفِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ردَّه مِنَ الطَّرِيقِ قِيلَ لِاسْتِنَابَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَقِيلَ لذعته حَيَّةٌ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ، سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو سَهْلٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ تَجَهِّزَ لِيَخْرُجَ فَمَرِضَ فَمَاتَ قَبْلَ الْخُرُوجِ، سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ ابْنُ عَمِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُقَالُ قَدِمَ
مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَرْجِعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، سُفْيَانُ بْنُ بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ، سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الْأَوْسِيُّ، سَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ، سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ، سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ سُلَيْمُ بْنُ عَمْرٍو السَّلَمِيُّ، سُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْخَزْرَجِيُّ، سُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ النَّجَّارِيُّ، سِمَاكُ بْنِ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ وَيُقَالُ سمِاك بْنُ خَرَشة، سِمَاكُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ وَهُوَ أَخُو بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَوْسِيُّ، سَهْلُ بْنُ عَتِيكٍ النَّجَّارِيُّ.
سَهْلُ بْنُ قَيْسٍ السَّلَمِيُّ، سُهَيْلُ بْنُ رَافِعٍ النَّجَّارِيُّ الَّذِي كَانَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، سُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ الْفِهْرِيُّ وَهُوَ ابْنُ بَيْضَاءَ وَهِيَ أُمُّهُ، سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانِ بْنِ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَلِيفُ بَنَى عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، سِنَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ السَّلَمِيُّ، سَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ سَوَادُ بْنُ رِزَامٍ، سَوَادُ بْنُ غَزِيَّةَ بْنِ أُهَيْبٍ الْبَلَوِيُّ، سُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْعَبْدَرِيُّ، سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيٍّ أَبُو مَخْشِيٍّ الطَّائِيُّ حَلِيفُ بني عبد شمس وقيل اسمه أزيد بْنُ حُمَيِّرٍ.
حَرْفُ الشِّينِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بن ربيعة الأسدي أسد بن خُزَيْمَةَ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمَّاسًا لِحُسْنِهِ وَشَبَّهَهُ شَمَّاسًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَكَانَ عَلَى الْأَسْرَى فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّنْ لَهُ فِي الْأَسْرَى شَيْئًا فَحَصَلَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَهْمٍ.
حَرْفُ الصَّادِ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ الرُّومِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، صَفْوَانُ (1) بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْفِهْرِيُّ أَخُو سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ قُتِلَ شَهِيدًا يومئذٍ، صَخْرُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ السلمي.
__________
(1) في تاريخ خليفة: " صفوان بن بيضاء، قتله طعيمة بن عدي.
(*)(3/388)
حَرْفُ الضَّادِ ضَحَّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدٍ السَّلَمِيُّ، ضَحَّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو النَّجَّارِيُّ، ضَمْرَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ضَمْرَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ أَخُو زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو.
حَرْفُ الطَّاءِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَرْجِعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، طُفَيْلُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُوَ أَخُو حُصَيْنٍ وَعُبَيْدَةَ، طُفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ السَّلَمِيُّ.
طُفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ السَّلَمِيُّ ابْنُ عَمِّ الَّذِي قَبْلَهُ.
طُلَيْبُ بْنُ عمير بن وهب بن أبي كبير بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.
حَرْفُ الظَّاءِ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الْأَوْسِيُّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
حَرْفُ الْعَيْنِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأقلح الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي حَمَتْهُ الدَّبْرُ حِينَ قُتِلَ بِالرَّجِيعِ، عَاصِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ ردَّه عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، عَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَزْرَجِيُّ عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ (1) أَخُو إِيَاسٍ وَخَالِدٍ وَعَامِرٍ، عَامِرُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ النَّجَّارِيُّ، عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ الْفِهْرِيُّ كَذَا ذَكَرَهُ سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَابْنِ عَائِذٍ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَزِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْزِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، عَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عبد الله البلوي القضاعي حليف بني سالم بن مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ.
قَالَ ابْنُ هشام ويقال عمر بْنُ سَلَمَةَ، عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَّاحِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَامِرُ بْنُ مخلد النجاري، عائذ بن ماعض بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، عَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ الْأَوْسِيُّ، عَبَّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرٍ الخزرجي، عباد بن قيس بن عبشة الخزرجي أخو سبيع المتقدم، عباد بْنُ الْخَشْخَاشِ الْقُضَاعِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ
الْخَزْرَجِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عُرْفُطَةَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ أَخُو بَحَّاثٍ الْمُتَقَدِّمِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَوْسِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ السَّلَمِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَقِّ بْنِ أَوْسٍ السَّاعِدِيُّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيُّ وَابْنُ عَائِذٍ عَبْدُ رَبِّ بْنُ حَقٍّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ حَقٍّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُمَيِّرِ حَلِيفٌ لِبَنِي حَرَامٍ وَهُوَ أَخُو خَارِجَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ مِنْ أَشْجَعَ، عَبْدُ اللَّهِ بن الربيع بن
__________
(1) قتله مالك بن زهير (تاريخ خليفة) .
(*)(3/389)
قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْخَزْرَجِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ (1) الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُرَاقَةَ الْعَدَوِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا الْوَاقِدِيُّ وَلَا ابْنُ عَائِذٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، عَبْدُ اللَّهِ بن سلمة بن مالك العجلان حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي زَعُورَا، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ وَالْمُشْرِكِينَ ثُمَّ فَرَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَهِدَهَا مَعَهُمْ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقِ بْنِ مَالِكٍ الْقُضَاعِيُّ حَلِيفُ الْأَوْسِ (2) ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيٍّ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ الْخَزْرَجِيُّ وَكَانَ أَبُوهُ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ أَبُو سَلَمَةَ زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ قُتِلَ يومئذٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النُّعْمَانِ السَّلَمِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بن عمر بْنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ أَبُو جَابِرٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ النَّجَّارِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ.
عبد الله بن كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ عَلَى النَّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
النُّعْمَانِ بْنِ بُلْدُمَةَ السَّلَمِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسَةَ بْنِ النُّعْمَانِ السَّلَمِيُّ، عَبْدُ الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبيس الْخَزْرَجِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَبُو عَقِيلٍ الْقُضَاعِيُّ الْبَلَوِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الزُّهْرِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ السَّلَمِيُّ، عُبَيْدُ بْنُ التَّيِّهَانِ أَخُو أبو الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَيُقَالُ عَتِيكٌ بَدَلَ عُبَيْدٍ، عُبَيْدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ، عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عمرو بن العجلان بْنِ عَامِرٍ، عُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَخُو الْحُصَيْنِ وَالطُّفَيْلِ وَكَانَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ لَوْذَانَ، عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ، عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ تَخَلَّفَ عَلَى زَوْجَتِهِ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمرضها حتى ماتت فضرب له بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ أَبُو السَّائِبِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَقُدَامَةَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْجُهَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا، عصمة بن
__________
(1) في الاصابة: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد الله.
(2) في الاصابة: عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي حليف بني ظفر.
(*)(3/390)
الْحُصَيْنِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ، عصيمة حليف لبني الحارث بن سوار مِنْ أَشْجَعَ وَقِيلَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَطِيَّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيَّةَ الْخَزْرَجِيُّ، عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي السَّلَمِيُّ، عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ أَخُو سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ، عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ، عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ أَسَدُ خُزَيْمَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهُوَ أَخُو شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ حَلِيفُ بَنِي غَطَفَانَ، عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ
الْغَنْمِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَمِمَّنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ بَارَزُوا يومئذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الْعَنْسِيُّ الْمَذْحِجِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدٍ النَّجَّارِيُّ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الأربعة وأحد الشيخين المقتدى بهم رضي الله عنهما، عمر بن عَمْرُو بْنُ إِيَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَلِيفٌ لِبَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ وَقِيلَ هو أخو ربيع وورقة، عَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ أَبُو حُكَيْمٍ، عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضبشة بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ الْفِهْرِيُّ، عَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ الْعَدَوِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، عَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحٍ الْفِهْرِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ عَائِذٍ مَعْمَرٌ بَدَلَ عَمْرٍو، عَمْرُو بْنُ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ فِي بَنِي حَرَامٍ، عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالْأُمَوِيُّ، عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ أَبُو خَارِجَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَمْرُو بْنُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْفِهْرِيُّ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ الْأَوْسِيُّ، عَمْرُو بْنُ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ أَخُو سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
عُمَيْرُ بْنُ الحارث بن ثعلبة ويقال عمرو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لِبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّلَمِيُّ، عُمَيْرُ بْنُ حَرَامِ بْنِ الْجَمُوحِ السَّلَمِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَائِذٍ وَالْوَاقِدِيُّ، عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الجموح بن عَمِّ الَّذِي قَبْلَهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا (1) ، عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مازن أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، عُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمَّاهُ الْأُمَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ بَعْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، عُمَيْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قُتِلَ يومئذٍ شَهِيدًا (2) ، عَنْتَرَةُ مَوْلَى بَنِي سُلَيْمٍ وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْهُمْ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ النَّجَّارِيَّةِ قُتِلَ يومئذٍ شَهِيدًا، عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ الْفِهْرِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأولين رضي الله عنهم أجمعين.
__________
(1) قتله خالد بن الاعلم (قاله خليفة بن خياط) .
(2) قتله عمرو بن عبدود (قال خليفة) (*)(3/391)
حَرْفُ الْغَيْنِ غَنَّامُ بْنُ أَوْسٍ الْخَزْرَجِيُّ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَلَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ.
حَرْفُ الْفَاءِ الْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْخَزْرَجِيُّ، فَرْوَةُ بْنُ عمرو بن ودفة الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْقَافِ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَوْسِيُّ.
قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَخُو عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ، قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ السَّلَمِيُّ.
قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ النَّجَّارِيُّ، قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيُّ كَانَ عَلَى السَّاقَةِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَيْسُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ خَالِدٍ الْخَزْرَجِيُّ، قَيْسُ بْنُ مُخَلَّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ النَّجَّارِيُّ.
حَرْفُ الْكَافِ كَعْبُ بْنُ حمان ويقال جمار ويقال جماز وقال ابن هشام كعب بن عبشان وَيُقَالُ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جَمَّازٍ وَقَالَ الْأُمَوِيُّ كَعْبُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حبَالَةَ بْنِ غَنْمٍ الْغَسَّانِيُّ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ النَّجَّارِيُّ، كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو الْيَسَرِ السَّلَمِيُّ، كُلْفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَحَدُ الْبَكَّائِينَ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ يَرْبُوعٍ أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ.
حَرْفُ الْمِيمِ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ وَيُقَالُ ابْنُ الدُّخْشُنِ الْخَزْرَجِيُّ، مَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ الْجُعْفِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، مَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ الْأَوْسِيُّ، مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو ثَقْفِ بْنِ عَمْرٍو وَكِلَاهُمَا مُهَاجِرِيٌّ وَهُمَا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي تَمِيمِ بْنِ دودان بن أسد، مالك بن قدامة الأوسي، مالك بن مسعود الخزرجي، مَالِكُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ نُمَيْلَةَ الْمُزَنِيُّ حَلِيفٌ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ المنذر بن زنير الْأَوْسِيُّ أَخُو أَبِي لُبَابَةَ وَرِفَاعَةَ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شهيدا (1) ، المجذر بن زياد الْبَلَوِيُّ مُهَاجِرِيٌّ، مُحْرِزُ بْنُ عَامِرٍ النَّجَّارِيُّ، مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ الْأَسَدِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مُهَاجِرِيٌّ، مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، مُدْلِجٌ وَيُقَالُ مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو ثَقْفِ بْنِ عَمْرٍو مُهَاجِرِيٌّ، مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ، مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَقِيلَ اسْمُهُ عَوْفٌ، مَسْعُودُ بْنُ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، مَسْعُودُ بْنُ خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ، مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقَارِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ مُهَاجِرِيٌّ، مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ وَيُقَالُ ابْنُ عَبْدِ سَعْدٍ بن عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيُّ مُهَاجِرِيٌّ كَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ يومئذٍ، مُعَاذُ بْنُ جبل الخزرجي،
__________
(1) قتله أبو ثور (تاريخ خليفة) (*)(3/392)
معاذ بن الحارث النجاري وهذا هُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ أَخُو عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ، مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ الْخَزْرَجِيُّ، مُعَاذُ بْنُ ماعض الْخَزْرَجِيُّ أَخُو عَائِذٍ، مَعْبَدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْفَدْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ وَيُقَالُ مَعْبَدُ بْنُ عُبادة بْنِ قَيْسٍ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ قَشْعَرٌ بَدَلَ قُشَيْرٍ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ قشعر أبو خميصة، مَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، مُعَتِّبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ إِيَاسٍ الْبَلَوِيُّ الْقُضَاعِيُّ، مُعَتِّبُ بْنُ عَوْفٍ الْخُزَاعِيُّ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ الْأَوْسِيُّ مَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ السَّلَمِيُّ، مَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مَعْنُ بن عدي الأوسي، معوذ بن الحارث الجمحي وهو ابن عفراء أخو معاذ بن عوف، مُعَوِّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ السَّلَمِيُّ لَعَلَّهُ أَخُو مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو، الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ وَهُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأولين وهو ذوالمقال المحمود ابن المتقدم ذِكْرُهُ وَكَانَ أَحَدَ الْفُرْسَانِ يومئذٍ، مُلَيْلُ بْنُ وَبْرَةَ الْخَزْرَجِيُّ، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسٍ السَّاعِدِيُّ، الْمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ الْخَزْرَجِيُّ، الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي جَحْجَبَى، مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَصْلُهُ مِنَ الْيَمَنِ وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يومئذٍ.
حَرْفُ النُّونِ نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بن عبد رزاح بن ظفر بن كَعْبٌ، نُعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو النَّجاريّ وَهُوَ أَخُو الضَّحَّاكِ.
نُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ النجاري، نعمان بن عصر بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لِبَنِي الْأَوْسِ، نُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ وَيُقَالُ لَهُ قَوْقَلٌ، نعمان بن يسار مولى لبني عُبَيْدٍ وَيُقَالُ نُعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ.
نَوْفَلُ بْنُ عبيد اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْهَاءِ هَانِئُ بْنُ نِيَارٍ أَبُو بُرْدَةَ الْبَلَوِيُّ خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، هِلَالُ بْنُ الْمُعَلَّى الْخَزْرَجِيُّ أَخُو رَافِعِ بْنِ الْمُعَلَّى.
حَرْفُ الْوَاوِ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَدِيعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جُرَادٍ الجهني ذكره الواقدي وابن عائذ، ورقة بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ أَخُو رَبِيعِ بْنِ إِيَاسٍ، وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ عَائِذٍ وَالْوَاقِدِيُّ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ(3/393)
حَرْفُ الْيَاءِ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ جَنَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُرَّةَ السُّلَمِيُّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ شَهِدَ هُوَ وَأَبَوْهُ وَابْنُهُ يَعْنِي بَدْرًا وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ نَظِيرٌ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمُ ابن إسحاق والأكثرون لَكِنْ شَهِدُوا مَعَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ له ابن قسحم (1) وَهِيَ أُمُّهُ قُتِلَ يومئذٍ شَهِيدًا بِبَدْرٍ، يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ أَبُو الْمُنْذِرِ السَّلَمِيُّ، يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحٍ السَّلَمِيُّ وَهُوَ أَخُو مَعْقِلِ بْنِ الْمُنْذِرِ.
بَابُ الْكُنَى
أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ تَقَدَّمَ، أَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ النَّجَّارِيُّ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ أَبُو الْأَعْوَرِ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ ظَالِمٍ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ تَقَدَّمَ.
أَبُو حَبَّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ أَحَدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ.
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَقِيلَ اسْمُهُ مُهَشِّمٌ، أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بن عَفْرَاءَ، أَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ أَصْرَمَ النجاري، أبو سبرة مولى أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَخُو عُكَّاشَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ سِنَانٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، أَبُو الصياح (2) بن النعمان وقيل عمير بن ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجَعَ لِجُرْحٍ أَصَابَهُ مِنْ حَجَرٍ فضرب له بسهمه، أبوعرفجة مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي جَحْجَبَى، أَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو لُبَابَةَ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ تَقَدَّمَ، أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنٍ تَقَدَّمَ، أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو تَقَدَّمَ، أَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدٍ الْأَوْسِيُّ.
فَصْلٌ فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثلثمائة وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ محمَّد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ.
قَالَ الْبَرَاءُ: لَا وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهْرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ (3) .
ثمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوَهُ.
قَالَ ابْنُ جرير:
__________
(1) في تاريخ خليفة: " ابن فسحم " قتله نوفل بن معاوية.
(2) في ابن هشام: أبو ضياح بن ثابت بن النعمان.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 6 باب عدة أصحاب بدر ح 3959 فتح الباري 7 / 290 و 7 / 391.
(*)(3/394)
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وبضعة عشر رجلاً.
وقال أَيْضًا حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ ثَنَا وَهْبٌ
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ.
قَالَ اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ وَالْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المحاربي، ثنا أبو مالك الجبني عَنِ الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ المهاجرون يوم بدر [سبعة و] (1) سَبْعِينَ رَجُلًا.
وَكَانَ الْأَنْصَارُ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا.
وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
وَحَامِلَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أنهم كانوا ثلثمائة وَسِتَّةَ رِجَالٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ كَانُوا ثلثمائة وَسَبْعَةَ رِجَالٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا عَدَّ مَعَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم والأوَّل عَدَّهُمْ بِدُونِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا.
وَأَنَّ الْأَوْسَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا.
وَالْخَزْرَجَ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَسَرَدَهُمْ.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الصَّحيح عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ شَهِدْتَ بَدْرًا.
فَقَالَ وَأَيْنَ أَغِيبُ؟ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ منصور عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ جَابِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حرام أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَمِيحُ لِأَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهَذَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْبُخَارِيُّ وَلَا الضِّيَاءُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَفِي الَّذِينَ عَدَّهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمٍ فِي مَغْنَمِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهَا تَخَلَّفَ عنها لعذر أذن له في التخلف بسببها وَكَانُوا ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً وَهُمْ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ تَخَلَّفَ عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَرِّضُهَا حَتَّى مَاتَتْ فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَ بِالشَّامِ فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ بِالشَّامِ أَيْضًا فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ (2) وَأَبُو لُبَابَةَ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ردَّه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الرَّوْحَاءِ حِينَ بَلَغَهُ خُرُوجُ النَّفِيرِ مِنْ مَكَّةَ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ ردَّه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مِنَ الطَّرِيقِ (3) وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ كُسِرَ بِالرَّوْحَاءِ فَرَجَعَ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ زَادَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَجْرِهِ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ (4) لَمْ يَحْضُرِ
الْوَقْعَةَ وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وأجره، وأبو الصياح بْنُ ثَابِتٍ (5) خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصاب ساقه
__________
(1) من تاريخ الطبري ج 2 / 272.
(2) قال الواقدي: سعيد بن زيد وطلحة بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسسان له العير.
(3) قال الواقدي: رده من الروحاء.
(4) في الواقدي: كسر بالروحاء.
(5) ذكره الواقدي فيمن حضر بدر وسماه: أبو ضياح بن ثابت من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف.
(*)(3/395)
فَصِيلُ حَجَرٍ فَرَجَعَ وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ قال الواقدي وسعد أبو مَالِكٍ (1) تَجَهَّزَ لِيَخْرُجَ فَمَاتَ وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ بِالرَّوْحَاءِ فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ (2) .
وَكَانَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يومئذٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ وَهُمْ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ قُطِعَتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ قَتَلَهُ الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ (3) وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ قَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّجُوعِ لِصِغَرِهِ فَبَكَى فَأَذِنَ لَهُ فِي الذَّهَابِ فَقُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَلِيفُهُمْ ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ (4) ، وَصَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ (5) ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ (6) اللَّيثي حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ (7) ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ وَهُمْ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ رَمَاهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَمَاتَ، وَمُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ ابْنَا عَفْرَاءَ (8) ، وَيَزِيدُ بن الحارث (9) - ويقال ابن قسحم - وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ (10) ، وَرَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ (11) ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَمُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ (12) رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ بَعِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَعَهُمْ فَرَسَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا الْمِقْدَادُ بن الأسود واسمها بغرجة - ويقال ستجة - وَعَلَى الْأُخْرَى الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَاسْمُهَا الْيَعْسُوبُ وَكَانَ مَعَهُمْ لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَرَايَتَانِ يَحْمِلُ إِحْدَاهُمَا لِلْمُهَاجِرِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالَّتِي لِلْأَنْصَارِ يَحْمِلُهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ رَأْسَ مَشُورَةِ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ورأس مشورة الأنصار سعد بن
معاذ.
__________
(1) في الواقدي: سعد بن مالك، وهو من بني البدي.
(2) وذكر الواقدي وابن اسحاق: أن صبيحا مولى أبي العاص بن أمية تجهز للخروج ثم مرض.
وأن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان خرج فردَّه رسول الله وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر - وقيل في سبب رده أنه بلغه شئ عن أهل مسجد الضرار، وكان قد استخلفه على قباء والعالية فرده لينظر في ذلك -.
وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره، وقال: ولم يذكره أصحابنا.
(3) في الواقدي: قتله عمرو بن عبد، وقتل عمرو أيضاً سعد بن خيثمة.
(4) قال الواقدي: قتله أبو أسامة الجشمي.
(5) قتله طعيمة بن عدي، ويقال قتل طعيمة أيضاً سعد بن خيثمة.
(6) في الواقدي وابن سعد: ابن أبي البكير، قتله مالك بن زهير الجشمي.
(7) قتله عامر بن الحضرمي.
(8) قتلهما أبو جهل.
(9) قتله نوفل بن معاوية الديلي.
(10) قتله خالد بن الاعلم.
قال الواقدي: وهو أول قتيل قتل من الأنصار في الاسلام، ويقال: أول قتيل أنصاري قتل في الاسلام عاصم بن ثابت بن الافلح.
(11) قتله عكرمة بن أبي جهل.
(12) قتله أبو ثور.
(*)(3/396)
وَأَمَّا جَمْعُ الْمُشْرِكِينَ فَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ وَقَدْ نَصَّ عُرْوَةُ وَقَتَادَةُ أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا وَهَذَا التَّحْدِيدُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفٍ فَلَعَلَّهُ عَدَدُ أَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ وَاللَّهُ أعلم.
وقد تقدم الْحَدِيثِ الصَّحيح عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ
سَبْعُونَ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَلِهَذَا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ * سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالْأَسْوَدُ (1) وَقَدْ حَكَى الْوَاقِدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَا خِلَافَ ذَلِكَ (2) وَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فَلَا يُمْكِنُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ بِدُونِ قَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَ الْقَتْلَى وَالْأُسَارَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَحَرَّرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي أَحْكَامِهِ جَيِّدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غُضُونِ سِيَاقَاتِ الْقِصَّةِ ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَوَّلُ مَنْ فرَّ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْخُزَاعِيُّ - أَوِ الْعُقَيْلِيُّ - حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ وَمَا أَفَادَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أُسِرَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِي شِعْرِهِ: وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمُ فَمَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَسَرُوا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قُتِلَا صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنْ بَيْنِ الْأُسَارَى، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَيِّهِمَا قُتِلَ أَوَّلًا على قولين وأنه عليه السلام أَطْلَقَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُسَارَى مَجَّانًا بِلَا فِدَاءٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُمَوِيُّ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ، وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَبُو عَزَّةَ الشَّاعِرُ، وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَادَى بَقِيَّتَهُمْ حَتَّى عَمَّهُ الْعَبَّاسَ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ سَائِرِ الْأَسْرَى لِئَلَّا يُحَابِيَهُ لِكَوْنِهِ عَمَّهُ مَعَ أنَّه قَدْ سَأَلَهُ الَّذِينَ أَسَرُوهُ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَتْرُكُوا لَهُ فِدَاءَهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَا تَتْرُكُوا مِنْهُ دِرْهَمًا، وَقَدْ كَانَ فِدَاؤُهُمْ مُتَفَاوِتًا فَأَقَلُّ مَا أُخِذَ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُخِذَ منه أربعون أوقية من ذهب.
قال مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأُخِذَ مِنَ الْعَبَّاسِ مِائَةُ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ بِمِقْدَارِ فِدَائِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ دَاوُدُ: ثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ، قَالَ فَجَاءَ غُلَامٌ يَوْمًا يَبْكِي إِلَى أمه فقالت
__________
(1) العطن: معناه مبرك الابل حول الماء، واستعاره هنا لقتلى المشركين يوم بدر وعتبة بن ربيعة، والأسود بن عبد الأسد المخزومي.
(2) قال ابن عقبة وعروة: قتل من المشركين تسعة وأربعون رجلاً وأسر منهم تسعة وثلاثون رجلا.
(الدرر في اختصار المغازي والسير ص 109) .
(*)(3/397)
ما شأنك؟ فقال ضربني معلمي فقالت: الخبيث يطلب بدخل بَدْرٍ وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَتَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ كلَّه وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ، وأن تكن الأخرى فترى ما أصنع فقال: " ويحك أو هبلت أو جنة وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ " تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ وَقَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَنَّ حَارِثَةَ كَانَ فِي النَّظَّارَةِ وَفِيهِ: " إِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى " وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي لم يكن في بحيحة الْقِتَالِ وَلَا فِي حَوْمَةِ الْوَغَى بَلْ كَانَ مِنَ النَّظَّارَةِ مِنْ بَعِيدٍ وَإِنَّمَا أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الْحَوْضِ وَمَعَ هَذَا أَصَابَ بِهَذَا الْمَوْقِفِ الْفِرْدَوْسَ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجِنَانِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الَّتِي أَمَرَ الشَّارِعُ أُمَّتَهُ إِذَا سَأَلُوا اللَّهَ الْجَنَّةَ أَنْ يَسْأَلُوهُ إِيَّاهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ هَذَا فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ كَانَ وَاقِفًا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ وَعَدُوُّهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِمْ عَدَدًا وَعُدَدًا ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا: عن إسحاق بن رَاهْوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قِصَّةَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَبَعْثِهِ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَرْبِ عُنُقِهِ فَإِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ " أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَعَلَّ اللَّهَ
اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ - أَوْ قَدَ غَفَرْتُ لَكُمْ - " فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكوا حاطباً قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت لا يدخلها أنه شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ " وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ رَجُلٌ شَهِدَ بَدْرًا أَوِ الْحُدَيْبِيَةَ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي(3/398)
مُسْنَدِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّار مَنْ شَهِدَ بَدْرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ثُمَّ قَالَ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَفَرَّدَ الْبَزَّارُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يخرِّجوه وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي (1) بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الملائكة انفرد به البخاري.
قُدُومِ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنْ مَكَّةَ إِلَى المدينة قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ - يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ - بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ (2) حَتَّى تَمُرَّ بكما زينب فتصحباها فَتَأْتِيَانِي بِهَا، فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ - أَوْ شَيْعِهِ (3) - فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا فَخَرَجَتْ تَجَهَّزُ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حُدِّثْتُ
عَنْ زَيْنَبَ أَنَّهَا قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهَّزُ لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ يَا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكِ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكِ قَالَتْ: فَقُلْتُ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَيِ ابْنَةَ عَمِّ لَا تَفْعَلِي، إن كان لَكِ حَاجَةٌ بِمَتَاعٍ مِمَّا يَرْفُقُ بِكِ فِي سَفَرِكِ أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلَّغِينَ بِهِ إِلَى أَبِيكِ فإن عندي حاجتك فلا تضطبني (4) مِنِّي فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ، قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا لِتَفْعَلَ، قَالَتْ: وَلَكِنِّي خِفْتُهَا فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَتَجَهَّزَتْ فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ جَهَازِهَا قَدَّمَ إِلَيْهَا أَخُو زَوْجِهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بَعِيرًا فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا، وَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حتى أدركوها بذي طوى وكان أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى والفهري (5) فروعها هبار بالرمح
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي فتح الباري 7 / 311.
(2) يأجج: اسم لمكانين: أحدهما: على ثمانية أميال من مكة.
والثاني: أبعد منه، وفيه بني مسجد الشجرة وبينه وبين مسجد التنعيم ميلان.
(3) شيعه: قريب منه.
قال في النهاية: نحواً من شهر.
(4) في ابن هشام: لا تضطني، وفي رواية لا تظطني: أي لا تستحي، وبالظاء: من ظنت أي لا تتهميني ولا تستريبي بي.
(5) من السهيلي، وفي الاصل وابن هشام لم يذكر اسم الفهري مع الواو بل هبار بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى الفهري.
واسمه نافع بن عبد القيس كما ذكره ابن هشام وفي رواية البيهقيّ عن ابن إسحاق.
(*)(3/399)
وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ وَكَانَتْ حَامِلًا فِيمَا يَزْعُمُونَ فَطَرَحَتْ (1) وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ، ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا فَتَكَرْكَرَ النَّاسُ عَنْهُ.
وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جِلَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ كُفَّ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ، فكفَّ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ على رؤوس النَّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا وَمَا دُخِلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَيَظُنُّ النَّاسُ إِذْ خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس النَّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا أَنَّ ذَلِكَ عَنْ ذل
أصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمري مالنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من نؤرة.
وَلَكِنِ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا فَسُلَّهَا سِرًّا وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا، قَالَ فَفَعَلَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أُولَئِكَ النَّفَرَ الَّذِينَ رَدُّوا زَيْنَبَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ قَالَتْ هِنْدُ تَذُمُّهُمْ على ذلك: أفي السلم أعياراً جَفَاءً وَغِلْظَةً * وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النِّسَاءِ الْعَوَارِكِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ لِلَّذِينِ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ بَعْدَمَا قُتِلَ مِنْهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا.
قال ابن إسحاق: فأقامت ليال حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتَّى أَسْلَمَهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا لَيْلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِهَا وَرَدِّهِمْ لَهَا وَوَضْعِهَا مَا فِي بَطْنِهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وأعطاه خاتمه لتجئ مَعَهُ فَتَلَطَّفَ زَيْدٌ فَأَعْطَاهُ رَاعِيًا مِنْ مَكَّةَ فَأَعْطَى الْخَاتَمَ لِزَيْنَبَ فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ مَنْ دَفَعَ إِلَيْكَ هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ فِي ظَاهِرِ مَكَّةَ فَخَرَجَتْ زَيْنَبُ لَيْلًا فَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ حَتَّى قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ.
قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فيَّ " قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ فَأَتَى عروة فقال: ما حديث بلغني أنك تحدثته؟ فَقَالَ عُرْوَةُ وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَأَنِّي أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ حقاً هولها وأما بعد ذلك [فلك] (2) أن لا أحدث به أَبَدًا (3) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ: أَتَانِي الَّذِي لَا يَقْدُرُ النَّاسُ قَدْرَهُ * لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمَّدٌ * عَلَى مأقط وبيننا عطر منشم (4)
__________
(1) قيل أن هبار نخس الراحلة فسقطت على صخرة فهلك جنينها، ولم تزل تنزف دما حتى ماتت بالمدينة (أنظر الاستيعاب) .
(2) من دلائل البيهقي.
(3) دلائل البيهقيّ باب ما جاء في زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..ج 3 / 156.
(4) عطر منشم: مثل، يكنى به عن شدة الحرب، قيل في أصله أن منشم كانت امرأة من خزاعة تبيع العطر والطيب فيشرى منها للموتى، حتى تشاءموا بها لذلك.
(*)(3/400)
وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ * وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمِ قَرَنَّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ * بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصَّلَاصِلِ مُحْكَمِ فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكُّ مِنَّا كَتَائِبٌ * سَرَاةُ خميس من لهام مسوم نزوع قُرَيْشَ الْكُفْرِ حَتَّى نَعُلَّهَا * بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ نُنَزِّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ * وَإِنْ يُتْهِمُوا بالخيل والرجل نتهم يدى الدَّهْرِ حَتَّى لَا يُعَوَّجَّ سِرْبُنَا * وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ وَيَنْدَمُ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمَّدًا * عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيُّ حِينِ تَنَدُّمِ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إِمَّا لَقِيتَهُ * لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمِ فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجَّلٍ * وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنَّمَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي عَنَاهُ الشَّاعِرُ هُوَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ إِنَّمَا هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الدَّوْسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: بُعِثَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً أَنَا فِيهَا فَقَالَ: " إِنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَالرَّجُلِ (1) الَّذِي سَبَقَ مَعَهُ إِلَى زَيْنَبَ فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ " فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ: " إِنِّي قَدْ كُنْتُ أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموها، ثُمَّ رَأَيْتُ إنَّه لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يحرق بالنار إلا الله عزوجل، فَإِنْ ظَفِرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا " تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هريرة أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: " إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ " ثُمَّ قَالَ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: " إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا وَإِنَّ النَّارَ لَا
يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا الله، فإن وجدتموها فَاقْتُلُوهُمَا " وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَلَى كُفْرِهِ وَاسْتَمَرَّتْ زَيْنَبُ عِنْدَ أَبِيهَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ فِي تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ، فَلَمَّا قَفَلَ مِنَ الشَّامِ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ فَأَخَذُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا وَجَاءَ تَحْتَ اللَّيْلِ إِلَى زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ فَاسْتَجَارَ بِهَا فَأَجَارَتْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ صَرَخَتْ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فلمَّا سلَّم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاس هَلْ سَمِعْتُمُ الَّذِي سَمِعْتُ " قَالُوا نَعَمْ! قَالَ: " أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ محمد بيده ما علمت بشئ حتى سمعت ما سمعتم وإنه بجير عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فَقَالَ: " أَيْ بُنَيَّةَ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ " قَالَ:
__________
(1) في ابن هشام: أو الرجل الآخر، ويعني نافع بن عبد القيس.
(*)(3/401)
وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّهُمْ عَلَى رَدِّ مَا كَانَ مَعَهُ فَرَدُّوهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَخَذَهُ أَبُو الْعَاصِ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي عَنِ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخُوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ.
ثُمَّ خَرَجَ حتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ ردَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يحدث شيئاً [بعد ست سنين] (1) ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ وَجْهَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَعَلَّهُ قَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْتُ وَفِي لَفْظٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَإِنْ
كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ تُعُجِّلَتِ الْفُرْقَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ انْتُظِرَ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا اسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحِهَا وَإِنِ انْقَضَتْ وَلَمْ يُسْلِمِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَزَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَسْلَمَتْ حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ وَحُرِّمَ المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست، وَأَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ قَبْلَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ فَمَنْ قَالَ ردَّها عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَيْ مِنْ حِينِ هِجْرَتِهَا فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَنْ قَالَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَيْ مِنْ حِينِ حُرِّمَتِ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالظَّاهِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَلُّهَا سَنَتَانِ مِنْ حِينِ التَّحْرِيمِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا فَكَيْفَ ردَّها عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تنقض وهذه قصة يمين يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، وَعَارَضَ آخَرُونَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردَّ بِنْتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَاهٍ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ.
وَالْعَرْزَمِيُّ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرها عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
وَهَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدِيثُ وَالصَّوَابُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردَّها بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ زَوْجِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الظَّاهِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا فَضَعِيفٌ فَفِي قَضِيَّةِ زَيْنَبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَتَأَخَّرَ إسلام زوجها حتى
__________
(1) من ابن إسحاق.
(*)(3/402)
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنِكَاحُهَا لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بل يبقى بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَبَّصَتْ وَانْتَظَرَتْ إِسْلَامَ زَوْجِهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ قُوَّةٌ وَلَهُ حَظٌّ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ والله أَعْلَمُ.
وَيُسْتَشْهَدُ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ (نِكَاحُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ
الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتُهُنَّ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثَنَا هِشَامٌ عَنِ ابن جريح عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يُقَاتِلُونَهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ ولا يقاتلونه.
فَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنَّ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّت إِلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ هَذَا لَفَظُهُ بِحُرُوفِهِ، فَقَوْلُهُ فَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ لَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّت إِلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَإِنْ هَاجَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ من العلماء.
والله أعلم.
ما قيل من الأشعار في بَدْرٍ الْعُظْمَى فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنْكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ: أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مَنْ عَجَبِ الدَّهرِ * وَلِلْحَيْنِ أَسْبَابٌ مُبَيَّنَةُ الْأَمْرِ وَمَا ذاك إلا أن قوما أفادهم * فخافوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بجمعهم * وكانوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ (1) وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرِ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا * فَسَارُوا إِلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مثنويةٌ * لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حدٍّها * مُشَهَّرَةِ الْأَلْوَانِ بَيِّنَةِ الْأُثْرِ وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيِّ ثَاوِيًا * وَشَيْبَةَ فِي قَتْلَى تَجَرْجَمُ فِي الْجَفْرِ (2) وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ * فَشُقَّتْ جُيُوبَ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ * كِرَامٍ تفر عن الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ * وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرِ
لِوَاءَ ضَلَالٍ قَادَ إِبْلِيسُ أَهْلَهُ * فَخَاسَ بِهِمْ، إِنَّ الخبيث إلى غدر
__________
(1) الركية: البئر غير المطوية.
(2) تجرجم: تسقط، الجفر: البئر المتسعة.
(*)(3/403)
وَقَالَ لَهُمْ، إِذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا * بَرِئْتُ إِلَيْكُمْ مَا بِيَ الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ فَإِنِّي أرى مالا تَرَوْنَ وَإِنَّنِي * أَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو قَسْرِ فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا * وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرِ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا * ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسَدَّمَةِ الزُّهْرِ وَفِينَا جُنُودُ اللَّهِ حِينَ يَمُدُّنَا * بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثَمَّ مُسْتَوْضِحِ الذِّكْرِ فشدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا * لَدَى مأزقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمُ تَجْرِي وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ جَوَابَهَا مِنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ تَرَكْنَاهَا عَمْدًا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنْكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ * بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارٍ وَذِي فَضْلِ بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ * فَلَاقَوْا هَوَانًا مِنْ إِسَارٍ وَمِنْ قَتْلِ فَأَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ * وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنَ اللَّهِ منزلٍ * مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا * فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ * فَزَادَهُمُ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلِ (1) وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ * وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ بِأَيْدِيهِمُ بِيضٌ خِفَافٌ عَصُوا بِهَا * وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجَلَاءِ وَبِالصَّقْلِ فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حميةٍ * صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمُ كَهْلِ تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمُ * تَجُودُ بِإِسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَيْ عُتْبَةَ الْغَيِّ وَابْنَهُ * وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَيْ أَبَا جَهْلِ وَذَا الرِّجْلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمُ * مُسَلَّبَةً حَرَّى مُبَيَّنَةَ الثُّكْلِ ثُوَى مِنْهُمُ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ * ذَوُو نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ * وَلِلْغَيِّ أَسْبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بمعزلٍ * عَنِ الشَّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَسْفَلِ السُّفْلِ (2) وَقَدْ ذَكَرَ ابن إسحاق نقيضها من الحارث أَيْضًا تَرَكْنَاهَا قَصْدًا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاللَّهُ قَادِرُ * عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلَّهِ قَاهِرُ قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا * بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْيِ بِالنَّاسِ جائر
__________
(1) الخبل: الفساد.
(2) في ابن هشام: في أشغل الشغل.
(*)(3/404)
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهِمُ * مِنَ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثِرُ وَسَارَتْ إِلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا * بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ وَفِينَا رَسُولُ الله والأوس حوله * له معقل منهم عزير وَنَاصِرُ وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ * يَمْشُونَ فِي الْمَاذِيِّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ (1) فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلٌّ مُجَاهِدٌ * لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ شَهِدْنَا بِأَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ * وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بالحق ظاهر وقد عريت ريض خفاف كأنها * مقاييس يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْكَ شَاهِرُ بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدُوا * وان يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ فَكَبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ * وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْتُهُ وَهْوَ عائر وَشَيْبَةَ وَالتَّيْمِيَّ غَادَرْتُ فِي الْوَغَى * وَمَا مِنْهُمْ إِلَّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا * وَكُلُّ كَفُورٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ
تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهْيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُهَا * بِزُبْرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا * فَوَلَّوْا وَقَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ لِأَمْرٍ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَهْلِكُوا بِهِ * وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ زَاجِرُ وَقَالَ كَعْبٌ فِي يَوْمِ بدرٍ: أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ فِي نأي دارها * وأخبر شئ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيٍّ عَدَاوَةً * مَعَدٌّ مَعًا جُهَّالُهَا وَحَلِيمُهَا لِأَنَّا عَبَدْنَا اللَّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ * رَجَاءَ الْجِنَانِ إِذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا نَبِيٌّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إِرْثُ عِزَّةٍ * وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذَّبَتْهَا أُرُومُهَا فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنَّنَا * أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجَّى كَلِيمُهَا ضَرَبْنَاهُمُ حَتَّى هَوَى فِي مَكَرِّنَا * لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيٍّ عَظِيمُهَا فَوَلَّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضٍ صَوَارِمٍ * سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا: لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا ابْنَيْ لُؤَيٍّ * عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ * وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَرَدْنَاهُ وَنُورُ اللَّهِ يَجْلُو * دُجَى الظَّلْمَاءِ عَنَّا وَالْغِطَاءِ رَسُولُ اللَّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ * مِنَ امْرِ اللَّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ
__________
(1) الماذي: الدروع البيض اللينة السهلة، وقد تطلق على السلاح كله.
(*)(3/405)
فَمَا ظَفِرَتْ فَوَارِسُكُمْ ببدرٍ * وَمَا رَجَعُوا إِلَيْكُمْ بِالسَّوَاءِ فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ * جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ بِنْصِرِ اللَّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا * وَمِيكَالٌ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ السَّهْمِيِّ (1) :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقَ الْمَاذِيِّ يَقْدُمُهُمْ * جَلْدُ النَّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رعديد (2) أعني رسول إله الخلي فَضَّلَهُ * عَلَى الْبَرِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَبِالْجُودِ وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمُ * وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مورود (3) مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ * مُسْتَحْكِمٍ مِنْ حِبَالِ اللَّهِ مَمْدُودِ فِينَا الرَّسُولُ وَفِينَا الْحَقُّ نَتْبَعُهُ * حَتَّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ * بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلِّ الْأَمَاجِيدِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَلَا ليت شعري هل أتى أهل مكة * إبادتنا الْكُفَّارَ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا * فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَّا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ (4) قتلنا أبا جهل وعتبة قبله * وشيية (وَشَيْبَةَ) يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمَّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ * وَطُعْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ فكم قد قتلنا من كريم مسود * له حسبٍ في قومه نابه الذكر (5) تركناهموا للعاويات يتيتهم (يتينهم) * وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ (6) لَعَمْرُكَ مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ * وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرِ (7) وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المطلب في يوم بدرٍ، في قَطْعِ رِجْلِهِ فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةَ وَعَلِيٍّ
__________
(1) وردت القصيدة في ديوان حسان منسوبة إليه من غير اختلاف في ذلك.
(2) مستشعري: من استشعر، يقال استشعر الثوب: إذا لبسه على جسمه من غير حاجز، ومنه الشعار ما يلي الجسم من الثياب.
(3) في ابن هشام: غير مردود.
وبعده في سيرة ابن هشام: ثُمَّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمُ * حَتَّى شَرِبْنَا رواء غير تصريد التصريد: تقليل الشرب.
والرواء: التملؤ من الشرب.
(4) قاصمة الظهر: الداهية التي تقصم الظهور، أي تكسرها فتبيتها (فتبينها) .
(5) في ابن هشام مرز بدل مسود.
(6) يتينهم أي يأتونهم مرة بعد مرة.
(7) حامت: من الحماية، اي الامتناع، وفي رواية خامت: أي جبنت.
(*)(3/406)
مَعَ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَنْكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ: سَتَبْلُغُ عَنَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَقْعَةٌ * يَهُبُّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيَا بِعُتْبَةَ إِذْ وَلَّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ * وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْرُ عُتْبَةَ رَاضِيَا فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فإني مسلم * أرتجي بِهَا عَيْشًا مِنَ اللَّهِ دَانِيَا مَعَ الْحُورِ أَمْثَالِ التَّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ * مِنَ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيَا وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرَّفْتُ صَفْوَهُ * وعاجلته حتى فقدت الا دانيا فَأَكْرَمَنِي الرَّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنِّهِ * بِثَوْبٍ مِنَ الْإِسْلَامِ غَطَّى الْمَسَاوِيَا وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إليَّ قِتَالُهُمْ * غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيَا وَلَمْ يَبْغِ إِذْ سَالُوا النَّبِيَّ سَوَاءَنَا * ثَلَاثَتَنَا حَتَّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا لَقِينَاهُمُ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا * نُقَاتِلُ فِي الرَّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا * ثَلَاثَتِنَا حَتَّى أُزِيرُوا المنائبا (1) وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَذُمُّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ عَلَى فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ؟ وَتَرْكِهِ قَوْمَهُ لَا يُقَاتِلُ دُونَهُمْ: تَبَلَتْ فُؤَادَكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ * تَشْفِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بِسَّامِ (2) كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ * أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ (3) نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بَوْصُهَا مُتَنَضِّدٌ * بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ (4) بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ * فُضُلًا إِذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رخام (5) وتكاد تكسل أن تجئ فِرَاشَهَا * فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ (6)
أَمَّا النهار فلا أفتر أذكرها * وَاللَّيْلَ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي أَقْسَمْتُ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامي بل مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً * وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الهوى لوامي بكرت إلي بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى * وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيَّامِ
__________
(1) قال أبو ذر في غريب السيرة: المنائيا: يريد المنايا، وقد تكون الهمزة متقلبة عن الياء الزائدة في منية.
(2) رواية الديوان وابن هشام: تسقي بدل: تشفي.
(3) العاتق: الخمر القديمة، قال الخشني في غريب السيرة: وتروى عاتك: وهي الخمرة القديمة التي احمرت (4) نفج: مرتفعة وعالية.
والحقيبة: هنا ردف المرأة.
(5) القطن: ما بين الوركين إلى بعض الظهر.
(6) خرعبة: الحسنة القوام.
(*)(3/407)
زَعَمَتْ بِأَنَّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ * عدمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنَ الْأَصْرَامِ (1) إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي * فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ تَرَكَ الْأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ * وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلِجَامِ (2) يذر العناجيج الجياد بقفرة * مر الذمول بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ (3) مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدَّتْ بِهِ * وَثَوَى أَحِبَّتُهُ بَشَرِّ مُقَامِ وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ * نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ طَحَنَتْهُمُ وَاللَّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ * حَرْبٌ يُشَبُّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ * جَزَرَ السِّبَاعِ ودسنه بحوامي (4) مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يُشَدُّ وَثَاقُهُ * صَقْرٍ إِذَا لاقى الأسنة حامي (5) وَمُجَدَّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ * حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الأعلام بالعار والذل المبين إذا رَأَى * بِيضَ السُّيُوفِ تَسُوقُ كُلَّ هُمَامِ
بِيَدَيْ أَغَرَّ إِذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ * نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَامِ (6) بِيضٌ إِذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمَّمَتْ * كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلِّ غَمَامِ قَالَ ابْنُ هشام تركنا في آخرها ثلاث أَبْيَاتٍ أَقْذَعَ فِيهَا (7) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَخُو أَبِي جَهْلٍ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قتالهم * حتى رموا فرسي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ (8) وَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا * أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوِّيَ مَشْهَدِي فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبَّةُ فِيهِمُ * طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ
__________
(1) الاصرام: جمع صرم وصرم جمع صرمة بالكسر وهي القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الاربعين.
والمعتكر: الابل التي يرجع بعضها على بعض، فلا يمكن عدها لكثرتها.
(2) بعده في الديوان: جرداء تمزع في الغبار كأنها * سرحان غاب في ظلال غمام (3) في ابن هشام والديوان: الدموك بدل الذمول، الدموك: البكرة بآلتها، والمحصد: الحبل الشديد الفتل الرجام: حجر يربط في الدلو، ليكون أسرع لها عند إرسالها في البئر.
(4) حوامي: جمع جامية، وهي ما عن يمين سنبك الفرس وشماله.
(5) البيت في الديوان: من كل مأسور يشد صفاده * صقر إذا لاقى الكتيبة حامي (6) القصار: أراد بهم الذين قصر سعيهم عن طلب المكارم.
(7) في ديوان حسان خمسة أبيات بعد هذا البيت لا ثلاثة.
(8) في ابن هشام: اللَّهُ أَعْلَمُ مكان القوم أعلم.
وشطره الثاني في ابن هشام: حتى حبوا مهري ... وفي السهيلي:: حتى علوا مهري (*)(3/408)
وَقَالَ حَسَّانُ أَيْضًا:
يَا حَارِ قَدْ عَوَّلْتَ غَيْرَ مُعَوَّلِ * عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ إِذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً * مَرَطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ (1) وَالْقَوْمُ خَلْفَكَ قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ * تَرْجُو النجاء وَلَيْسَ حِينَ ذَهَابِ أَلَّا عَطَفْتَ عَلَى ابْنِ أُمِّكَ إِذْ ثَوَى * قَعْصَ الْأَسِنَّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ (2) عَجِلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ * بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ وَقَالَ حَسَّانُ أَيْضًا: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ * غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ بِأَنَّا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي * حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا * إِلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ وَفَرَّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ * بَنُو النَّجَّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهْرٍ * وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بعيد لقد لاقيتموا ذُلًّا وَقَتْلًا * جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ وَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ وَلَّوْا جَمِيعًا * وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التَّلِيدِ وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ تَرْثِي عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ: لَقَدْ ضُمِّنَ الصَّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا * وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللُّبِّ وَالْعَقْلِ (3) عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ * وَأَرْمَلَةٍ تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ وَبَكِّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ * إِذَا احمرَّ آفَاقُ السَّمَاءِ مِنَ الْمَحْلِ وَبَكِّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرِّيحُ زَفْزَفٌ * وَتَشْبِيبِ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي فَإِنْ تُصْبِحِ النيران قد مات ضوؤها * فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنَّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى * وَمُسْتَنْبِحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رِسْلِ (4) وَقَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ قَطَنٍ قَالَ قَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي رُؤْيَاهَا الَّتِي رَأَتْ وَتَذْكُرُ بَدْرًا:
__________
(1) سرح اليدين: يريد بها الفرس.
(2) القعص: القتل بسرعة.
(3) الصفراء: موضع بين مكة والمدينة.
(4) مستنبح: الرجل الذي يضل بالليل، فيتكلف نباح الكلب فيهتدي بصياحه.
(*)(3/409)
أَلَمَّا تَكُنْ رُؤْيَايَ حَقًّا وَيَأْتِكُمْ * بِتَأْوِيلِهَا فَلٌّ مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ (1) رَأَى فَأَتَاكُمْ بِالْيَقِينِ الَّذِي رَأَى * بِعَيْنَيْهِ مَا تَفْرِي السُّيُوفُ الْقَوَاضِبُ فَقُلْتُمْ ولم أكذب عليكم وَإِنَّمَا * يُكَذِّبُنِي بِالصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ (2) وَمَا جَاءَ إِلَّا رَهْبَةَ الْمَوْتِ هَارِبًا * حَكِيمٌ وَقَدْ أَعْيَتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ أَقَامَتْ سُيُوفُ الْهِنْدِ دُونَ رءوسكم * وخطية فيها الشبا والتغالب كَأَنَّ حَرِيقُ النَّارِ لَمْعَ ظُبَاتِهَا * إِذَا مَا تَعَاطَتْهَا اللُّيُوثُ الْمَشَاغِبُ أَلَا بِأَبِي يَوْمَ اللِّقَاءِ مُحَمَّدًا * إِذَا عَضَّ مِنْ عُونِ الْحُرُوبِ الْغَوَارِبُ مَرَى بِالسُّيُوفِ الْمُرْهَفَاتِ نُفُوسَكُمْ * كِفَاحًا كَمَا تَمْرِي السَّحَابَ الْجَنَائِبُ (3) فَكَمْ بَرَدَتْ أَسْيَافُهُ مِنْ مَلِيكَةٍ * وَزُعْزِعَ وردَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَالِبُ فَمَا بَالُ قَتْلَى فِي الْقَلِيبِ وَمِثْلُهُمْ * لَدَى ابْنِ أَخِي أسرى له ما يضارب فَكَانُوا نِسَاءً أَمْ أَتَى لِنُفُوسِهِمْ * مِنَ اللَّهِ حَيْنٌ سَاقَ وَالْحَيْنُ حَالِبُ فَكَيْفَ رَأَى عِنْدَ اللِّقَاءِ مُحَمَّدًا * بَنُو عَمِّهِ وَالْحَرْبُ فِيهَا التَّجَارِبُ ألم يغشكم ضرباً يحار لوقعه * الجبان وَتَبْدُو بِالنَّهَارِ الْكَوَاكِبُ حَلَفْتُ لَئِنْ عَادُوا لَنَصْطَلِيَنَّهُمْ * بخارا تردى تجر فيها الْمَقَانِبُ (4) كَأَنَّ ضِيَاءَ الشَّمْسِ لَمْعَ ظُبَاتِهَا * لَهَا مِنْ شُعَاعِ النُّورِ قَرْنٌ وَحَاجِبُ وَقَالَتْ عَاتِكَةُ أَيْضًا فِيمَا نَقَلَهُ الْأُمَوِيُّ: هَلَّا صَبَرْتُمْ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ * بِبَدْرٍ وَمَنْ يَغْشَى الْوَغَى حَقُّ صَابِرِ
وَلَمْ تَرْجِعُوا عَنْ مُرْهَفَاتٍ كَأَنَّهَا * حَرِيقٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِوَاتِرِ وَلَمْ تَصْبِرُوا لِلْبِيضِ حَتَّى أُخِذْتُمُوا * قليلاً بأيدي المؤمنين المشاعر ووليتموا نَفْرًا وَمَا الْبَطَلُ الَّذِي * يُقَاتِلُ مِنْ وَقْعِ السِّلَاحِ بِنَافِرِ أَتَاكُمْ بِمَا جَاءَ النَّبِيُّونَ قَبْلَهُ * وَمَا ابْنُ أَخِي الْبَرُّ الصَّدُوقُ بِشَاعِرِ سَيَكْفِي الذي ضيعتموا مِنْ نَبِيِّكُمْ * وَيَنْصُرُهُ الْحَيَّانِ: عَمْرٌو وَعَامِرُ وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْثِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ من قريش الذين قتلوا
__________
(1) البيت في دلائل البيهقي: ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم * بتصديقها فل من القوم هارب (2) البيت في دلائل البيهقي: فقلتم - ولم أكذب - كذبت وإنما * يكذبنا بالصدق من هو كاذب (3) الجنائب: الرياح التي تهب جنوبا، وهي تمري السحاب تستنزل مطره.
(4) في نسخ البداية المطبوعة تجربتها (تجريتها) والصواب: تجر فيها.
(*)(3/410)
يومئذٍ مِنْ قَوْمِهِ وَهُوَ بَعْدُ عَلَى دِينِ قومه إذ ذاك: إلا أن عيني أنفذت دَمْعَهَا سَكْبَا * تَبْكِي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إِنْ تَرَى كَعْبَا أَلَا أنَّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تخاذلوا * وأرداهموا إذ الدَّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبَا وَعَامِرُ تَبْكِي لِلْمُلِمَّاتِ غُدْوَةً * فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمُ قُرْبَا (1) فيا أخوينا عبد شمس ونوفل * فداً لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبَا (2) وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدٍّ وَأُلْفَةٍ * أَحَادِيثَ فِيهَا كُلُّكُمْ يَشْتَكِي النَّكْبَا أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ * وَحَرْبِ أَبِي يَكْسُومَ إِذْ مَلَئُوا الشعبا (3) فلولا دفاع الله لا شئ غيره * لأصبحتموا لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا فَمَا إِنْ جَنَيْنَا فِي قُرَيْشٍ عَظِيمَةً * سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التُّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مرزَّءاً * كريماً ثناه لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبَا يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ * يَؤُمُّونَ نَهْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صَرْبَا فَوَاللَّهِ لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً * تَمَلْمَلُ حتى تصدقوا الخزرج الضربا فَصْلٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَشْعَارًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ قَوِيَّةَ الصَّنْعَةِ يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَخِي بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَشْعَارِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرُ * عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ (4) وَفَخْرِ بَنِي النَّجَّارِ أَنْ كَانَ مَعْشَرٌ * أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثمَّ صَائِرُ (5) فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رجالنا * فإنا رجال بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ (6) وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسْطَكُمْ * بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر (7)
__________
(1) في ابن هشام: لهما بدل لهم.
وفي ابن هشام بعده: هما أخواي لن يعدا لغية * تعد ولن يستام جارهما غصبا (2) في الاصل: ونوفل تحريف والصواب: ونوفلا من ابن هشام.
(3) في ابن هشام: وجيش أبي يكسوم.
(4) بصائر: جمع بصيرة، وهي الحجة والدليل قال تعالى: (بَلْ الانسان على نفسه بصيرة) أي حجة.
(5) في ابن هشام: صابر.
(6) في الاصل: رجالا تحريف.
(7) العناجيج: جمع عنجوج، وهو الطويل السريع.
والثائر: الطالب بثأره.
(*)(3/411)
ووسط بني النجار نَكُرُّهَا * لَهَا بِالْقَنَا وَالدَّارِعِينَ زَوَافِرُ (1) فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ * وَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الْأَمَانِيَّ ناصر
وتبكيهم من أرض يَثْرِبَ نسوةٌ * لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنِ النَّوْمِ سَاهِرُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا * بِهِنَّ دم ممن يحاربن ماثر فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بدرٍ فَإِنَّمَا * بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهْوَ ظَاهِرُ (2) وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ * يُحَامُونَ فِي اللَّأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمُ * وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ (3) أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتَّجَتْ من دِيَارِهَا * بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حِينَ تُفَاخِرُ وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ * إِذَا عُدَّتِ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ هُمُ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كل معرك * غداة الهياج الأطيبون الأكابر فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَسْلَفْنَاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاللَّهُ قَادِرُ * عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلَّهِ قَاهِرُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبَ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ خَلَفَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصديق حين طلقها الصديق وذلك حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاسْمُهَا أُمُّ بَكْرٍ: تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بكرٍ * وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بدرٍ * مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بدرٍ * مِنَ الشِّيزَى تُكَلَّلُ بِالسَّنَامِ (4) وَكَمْ لَكَ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ * مِنَ الْحَوْمَاتِ وَالنَّعَمِ الْمُسَامِ وَكَمْ لَكَ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ * مِنَ الغايات والدسع العظام
__________
(1) زوافر: جمع زافرة: وهي الحاملات للثقل.
(2) قصيدة ضرار بن الخطاب قسمان: القسم الاول منها إلى هنا يسلك فيه ضرار سبيل التهديد والوعيد بما ستحققه قريش من إدراك ثأرها - وهو لا ينظر إلى الامر من زاوية الحرب بين مسلمين ومشركين - بل هي حرب بين قريش والأنصار فهي في نظره حرب قبلية لا حرب دفاع عن دين.
والقسم الثاني في قصيدته من هنا يتخذ وجهة أخرى، تتجه فيها معانيه إلى عصبية قرشية واضحة، وهي الفخر بالمهاجرين من قريش على اخوانهم من الانصار.
(3) بعده في ابن هشام: ويدعى أبو حفص وعثمان منهم * وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر (4) الشيزى: جفان من خشب.
والسنام: لحم ظهر البعير وإنما أراد أصحابها الذين يطعمون فيها.
(*)(3/412)
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ * أَخِي الْكَأْسِ الْكَرِيمَةِ وَالنِّدَامِ وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عقيلٍ * وَأَصْحَابَ الثَّنِيَّةِ مِنْ نَعَامِ إِذًا لَظَلِلْتَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ * كَأُمِّ السَّقْبِ جَائِلَةَ الْمَرَامِ يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا * وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ قُلْتُ وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا فِي صَحِيحِهِ لِيُعْرَفَ بِهِ حَالُ قَائِلِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ يَرْثِي مِنْ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ: أَلَّا بَكَيْتِ عَلَى الكرا * م بني الكرام أولي الممادح كبكاء الْحَمَامِ عَلَى فُرُو * عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصُنِ الجوانح (1) يبكين حراً مُسْتَكِي * نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرَّوَائِحُ أَمْثَالُهُنَّ الْبَاكِيَا * ت المعولات من النوائح من يبكيهم يَبْكِي عَلَى * حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلُّ مَادِحْ مَاذَا بِبَدْرٍ وَالْعَقَنْ * قَلِ مِنْ مَرَازِبَةٍ جَحَاجِحُ (2) فَمَدَافِعُ الْبَرْقَيْنِ فَالْ * حَنَّانِ مِنْ طَرَفِ الْأَوَاشِحْ (3) شُمْطٍ وَشُبَّانٍ بَهَا * لِيلٍ مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ (4) أَلَّا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى * وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لَامِحْ أَنْ قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكَّ * ةَ فَهْيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْ * رِيقٍ نَقِيِّ الْوُدِّ وَاضِحْ (5) دُعْمُوصِ أَبْوَابِ الْمُلُو * كِ وَجَائِبٍ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ (6) وَمِنَ السَّرَاطِمَةِ الْخَلَا * جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ المناجح (7) القائلين الفاعل * ين الْآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ الْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْ * قَ الخبز شحما كالانافح (8)
__________
(1) الجوانح: الموائل.
(2) العقنقل: الكثيب من الرمل المنعقد.
والمرازبة واحدها مرزبان: الرئيس الجحاجح: جمع جحجاح.
السيد.
(3) البرقين والحنان والاواشح: مواضع.
(4) وحاوح: جمع وحواح وهو القوي النفس (5) في ابن هشام: نقي اللون.
(6) دعموص: دويبة تغوص في الماء.
(7) السراطمة: جمع سرطم وهو الواسع الحلق.
والخلاجمة: جمع خلجم: وهو الضخم الطويل.
(8) الانافح: جمع إنفحة وهي شئ يخرج من بطن ذي الكرش داخله أصفر فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن.
(*)(3/413)
نُقُلِ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا * نِ إِلَى جفانٍ كَالْمَنَاضِحْ (1) لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ * يَعْفُو وَلَا رُحٍّ رحارح (2) للضيف ثم الضيف بعد الضيف والبسط السلاطح (3) وهب المئين من المئ * ين إِلَى الْمِئِينَ مِنَ اللَّوَاقِحْ سَوْقَ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ صَادِرَاتٍ عَنْ بَلَادِحْ لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا * مِ مزية وزن الرواجح كمثاقل الأرطال بال * قسطاس بالأيدي الموائح (4)
خذلتهموا فِئَةٌ وَهُمْ * يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ الضَّارِبِينَ التَّقْدُمِيَّةَ * بِالْمُهَنَّدَةِ الصَّفَائِحْ وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ * مِنْ بَيْنِ مستسق وصائح لله در بني ع * لي أيمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ إِنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً * شعواء تحجر كُلَّ نَابِحْ (5) بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعِدَا * تِ الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إِلَى * أُسْدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ * مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ بِزُهَاءِ ألفٍ ثُمَّ أَلْ * فٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
قُلْتُ: هَذَا شِعْرُ الْمَخْذُولِ الْمَعْكُوسِ الْمَنْكُوسِ الَّذِي حَمَلَهُ كَثْرَةُ جَهْلِهِ وقلة عقله على أن مدح المشركين ودم الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتَوْحَشَ بِمَكَّةَ مِنْ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَأَضْرَابِهِ مِنَ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ وَالْجَهَلَةِ الطَّغَامِ وَلَمْ يَسْتَوْحِشْ بِهَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحَبِيبِهِ وَخَلِيلِهِ فَخْرِ الْبَشَرِ وَمَنْ وَجْهُهُ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ ذِي الْعِلْمِ الْأَكْمَلِ وَالْعَقْلِ الْأَشْمَلِ وَمِنْ صَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ الْمُبَادِرِ إِلَى التَّصْدِيقِ وَالسَّابِقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَفَعْلِ الْمَكْرُمَاتِ وَبَذْلِ الْأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ في طاعة رب الأرض والسَّموات، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ إِلَى دَارِ الْعِلْمِ وَالْإِسْلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مَا اخْتَلَطَ الضِّيَاءُ وَالظَّلَامُ.
وَمَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ.
وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْعَارًا كَثِيرَةً أَوْرَدَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَوْفَ الْإِطَالَةِ وَخَشْيَةَ الْمَلَالَةِ وَفِيمَا أَوْرَدْنَا كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ في
__________
(1) الممناضح: الحياض.
(2) رحارح: أي واسعة من غير عمق.
(3) السلاطح: الطوال العراض.
(4) الموائح: التي تتمايل لثقل ما ترفعه.
(5) تحجر، وتروى تجحر: أي تلجئه إلى جحره.
(*)(3/414)
مَغَازِيهِ سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ (1) .
قَالَ سُلَيْمَانُ فَذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: عَفَا عَنْهُ إِلَّا قَصِيدَتَيْنِ، كَلِمَةَ أُمَيَّةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أَهْلَ بَدْرٍ، وَكَلِمَةَ الأعشى التي يذكر فيها الأخوص.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ هَذَا متروك والله أعلم.
[غزوة بني سليم في سنة ثنتين من الهجرة] (2) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ - أَوْ فِي شَوَّالَ (3) - وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يُقِمْ بِهَا إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ - أَوِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى - قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ ليالٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ شَوَّالٍ وَذَا الْقِعْدَةِ وَأَفْدَى فِي إِقَامَتِهِ تِلْكَ جُلَّ الْأُسَارَى مِنْ قريش.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْقَرْقَرَةُ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ، وَالْكُدْرُ طَيْرٌ في ألوانها كدرة.
فصل [في غزوة السويق] (4) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَيَزِيدُ بن رومان ومن
__________
(1) لم يظهر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم موقف من الشعر إلا من أمرين: الاول نهيه عن رواية الشعر الذي يذكر الاعراض ويثير كوامن الاحقاد ويشيد بالعصبية والانساب.
والثاني: محاربته غلبة الشعر على قلب المرء حتى يشغله عن دينه وإقامة فروضه ويمنعه من ذكر الله وأثر عَنْهُ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق الحق منه فهو حسن وما لم يوافق الحق منه فلا خير فيه.
وقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلَّم من الشعراء - أيا كانوا - وفق هذا المنهج فقد أباح لهم قول الشعر واستمع إليهم وأشاد بشعرهم وأثاب عليه.
(2) سقط من نسخ البداية المطبوعة.
واستدرك من كتب المغازي والسير.
وتسمى بغزوة قرارة الكدر أو قرقرة الكدر.
وقرارة الكدر وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الارحضية وراء سد معونة، وبين المعدن والمدينة ثمانية برد (طبقات ابن سعد 2 / 31) .
(3) في الواقدي وابن سعد للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهراً من مهاجره وغاب عن المدينة خمس عشرة ليلة.
وحمل لواؤه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفي كامل ابن الاثير: لعشر ليال مضين من شوال سنة ثنتين.
(4) في نسخ البداية المطبوعة: في غزوة بني سليم وهو تحريف، وما أثبتناه من كتب المغازي والسير.
وكانت كما في (*)(3/415)
لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ - حِينَ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ فَلُّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ من جنابة (1) حتَّى يغزو محمدة، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ لِتَبَرَّ يَمِينُهُ فَسَلَكَ النَّجْدِيَّةَ حَتَّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلى جبل يقال له: نيب (2) مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى أَتَى بَنِي النَّضِيرِ تَحْتَ اللَّيْلِ فَأَتَى حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ وَخَافَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ إِلَى سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي النَّضِيرِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرَاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النَّاس، ثمَّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مَنْ قُرَيْشٍ فَأَتَوْا نَاحِيَةً مِنْهَا يُقَالُ لَهَا الْعُرَيْضُ فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا رَجُلًا (3) مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا فَقَتَلُوهُمَا وَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، فَنَذَرَ بِهِمُ النَّاسُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَوَجَدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَادًا كَثِيرَةً قَدْ أَلْقَاهَا الْمُشْرِكُونَ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا وَعَامَّتُهَا سَوِيقٌ (4) ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ السَّوِيقِ.
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُطْمَعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ لَنَا غَزْوَةً؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ هَذَا وَيَمْدَحُ سَلَامَ بْنَ مُشْكِمٍ
الْيَهُودِيَّ: وَإِنِّي تَخَيَّرْتُ الْمَدِينَةَ وَاحِدًا * لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوَّمِ (5) سَقَانِي فَرَوَّانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً * عَلَى عَجَلٍ مِنِّي سَلَامُ بْنُ مِشْكَمِ وَلِمَا تَوَلَّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ * لِأُفْرِحَهُ: أبشر بعز وَمَغْنَمِ تَأَمَّلْ فَإِنَّ الْقَوْمَ سِرٌّ وَإِنَّهُمْ * صَرِيحُ لؤي لاشماطيط جُرْهُمِ وَمَا كَانَ إِلَّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ * أتى ساعياً من غير خلة معدم
__________
الواقدي وابن سعد وابن الاثير: يوم الأحد لخمس خلون من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً من مهاجره.
(1) قال السهيلي: الغسل من الجنابة كان معمولاً به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي معهم الحج والنكاح.
(2) في الطبري: تيت، قال في معجم البلدان وهو جبل قرب اليمامة، وفي كتاب نصر: تيب جبل قرب المدينة (معجم البلدان - ج 2: مادة تيت) .
(3) قال ابن الأثير في الكامل: واسمه معبد بن عمرو.
(4) السويق: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزود به ملتوتا بماء أو سمن أو عسل (شرح المواهب اللدنية 1 / 553) .
(5) في الواقدي بيتان فقط، هذا البيت والآخر: وذاك أبو عمرو يجود وداره * بيثرب مأوى كل أبيض خضرم (*)(3/416)
فَصْلٌ فِي دُخُولِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي سَنَةَ ثِنْتَيْنِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهري عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعطاني شارفاً مما أفاء الله من الخمس يومئذٍ فلما أردت ابتني فاطمة بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رجلاً صواغاً من بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَأَسْتَعِينُ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفِي مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى جَمَعْتُ ما جمعت، فإذا أنا بشار في قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأت الْمَنْظَرَ فَقُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَعِنْدَهُ قينته وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَوَثْبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، قَالَ عَلِيٌّ فَانْطَلَقْتُ حتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَعَرَفَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لقيت فقال مالك؟ فَقَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خواصرهما وها هو ذا في البيت مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَاهُ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَطَفِقَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحَمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثمَّ قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيداً لِأَبِي فَعَرَفَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَقَدْ رَوَاهُ فِي أَمَاكِنَ أُخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قدَّمناه مِنْ أَنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ قَدْ خُمِّسَتْ لَا كَمَا زَعَمَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَنَّ الْخُمْسَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قِسْمَتِهَا وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَبَيَّنَّا غَلَطَهُ فِي ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ هَذَا الصُّنْعُ مِنْ حَمْزَةَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ بَلْ قَدْ قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحد كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى أن عبادة السَّكْرَانِ مَسْلُوبَةٌ
لَا تَأْثِيرَ لَهَا لَا فِي طَلَاقٍ وَلَا إِقْرَارٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذهب إليه من ذهب مِنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ سمع(3/417)
عَلِيًّا يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَقُلْتُ ما لي من شئ ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها إليه فقال: " هل لك من شئ؟ " قلت لا قال: " فأين درعك الخطمية الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ " قَالَ هِيَ عِنْدِي قَالَ: فَأَعْطِنِيهَا قَالَ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ.
هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيُّ ثَنَا عَبْدَةُ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطها شيئاً قال: ما عندي شئ.
قَالَ أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ (1) ؟ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا أَبُو حَيْوَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَنِي غَيْلَانُ بْنُ أَنَسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَنَعَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَقَالَ يَا رَسُولَ الله ليس لي شئ فَقَالَ لَهُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْطِهَا دِرْعَكَ " فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: خَطَبْتُ فَاطِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت مَوْلَاةٌ لِي: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خُطِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا، قَالَتْ فَقَدْ خُطِبَتْ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فيزوجك، فقلت وعندي شئ أَتَزَوَّجُ بِهِ؟ فَقَالَتْ إِنَّكَ إِنْ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَكَ، قَالَ: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَنْ قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُفْحِمْتُ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ جَلَالَةً وَهَيْبَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا جَاءَ بِكَ أَلِكَ حَاجَةٌ؟ " فَسَكَتُّ فَقَالَ: لَعَلَّكَ جِئْتَ تخطب فاطمة، فقلت نعم! فقال: " وهل عندك من شئ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ " فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: " مَا فَعَلَتْ دِرْعٌ سَلَّحْتُكَهَا " فَوَالَّذِي نفس علي بيده أنها لخطمية مَا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقُلْتُ عِنْدِي.
فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَابْعَثْ إِلَيْهَا بِهَا فَاسْتَحِلَّهَا بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَصَدَاقَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لَعِلِيٍّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَمُحْسِنًا - مَاتَ صَغِيرًا - وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قال:
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا.
وأخرج ابن سعد في طبقاته 8 / 20: عن عكرمة: أن عليا خطب فاطمة فَقَالَ لَهُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تصدقها قال ما عندي ما أصدقها.
قال: فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك؟ قال: عندي.
قال: أصدقها إياها.
قال: فأصدقها وتزوجها.
قال عكرمة: كان ثمنها أربعة دراهم، وعنه قال: أمهر علي فاطمة بدنا قيمته أربعة دراهم وعن ابن دينار عن عكرمة قال: تزوجت فاطمة على بدن من حديد.
وعن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال.
أن النَّبيّ قال له: أين درعك الحطمية.
(*)(3/418)
جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ أُدُمٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ (1) .
وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ أَنَّ عَلِيًّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بَعْدَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا بعد ذلك لسنة أُخْرَى (2) .
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ دُخُولُهُ بِهَا فِي أَوَائِلِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ الشَّارِفَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَقِبَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِيَسِيرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ في أوخر (أواخر) السنة الثانية والله أعلم.
فصل جمل من الحوادث سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ تقدَّم مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَزْوِيجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَذَكَرْنَا مَا سَلَفَ مِنَ الْغَزَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ وَفَيَاتِ أَعْيَانٍ مِنَ الْمَشَاهِيرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ
مِمَّنْ توفي فيها الشُّهَدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَا بين مهاجري وأنصار تَقَدَّمَ تَسْمِيَتُهُمْ، وَالرُّؤَسَاءُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَقَدْ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتُوفِيَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِيَسِيرٍ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَعَنَهُ اللَّهُ كَمَا تقدَّم، وَلَمَّا جَاءَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ وَبِمَا فَتَحَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَجَدُوا رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَتْ وَسَاوَوْا عَلَيْهَا التُّرَابَ.
وَكَانَ زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهَا يُمَرِّضُهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لَهُ بِذَلِكَ.
وَلِهَذَا ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فِي مَغَانِمِ بَدْرٍ وَأَجْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ زوَّجه بِأُخْتِهَا الْأُخْرَى أم كلثوم بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لِعُثْمَانَ بْنِ عفان ذو النورين ويقال إنه لم يغلق أَحَدٌ عَلَى ابْنَتَيْ نَبِيٍّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَفِيهَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ عَلَى مَا سَلَفَ، وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ صِيَامُ رَمَضَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهَا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ، وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَفِيهَا خَضَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَيَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ وَصَانَعُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقُونَ مِنْهُمْ مَنَ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنِ انْحَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَقِيَ مُذَبْذَبًا لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ كما وصفهم الله في كتابه.
__________
(1) الخبر في مسند أحمد 1 / 14 ودلائل البيهقي 3 / 161، وفي تجهيزها قال ابن سعد: كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وتور من أدم وقربة وجاءوا ببطحاء فطرحوها في البيت.
(8 / 23) .
(2) الخبر في تزويج فاطمة من علي رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 160 - 161 وأخرج الجزء الاخير منه أحمد في مسنده 1 / 14 وإسناده صحيح.
(*)(3/419)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهَا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعَاقِلَ وَكَانَتْ مُعَلَّقَةً بِسَيْفِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وُلِدَ فِيهَا، قَالَ وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَنَى بفاطمة في ذي الحجة منها.
قال فإن
ويقال إنه لم يغلق أَحَدٌ عَلَى ابْنَتَيْ نَبِيٍّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَفِيهَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ عَلَى مَا سَلَفَ، وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ صِيَامُ رَمَضَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهَا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ، وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَفِيهَا خَضَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَيَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ وَصَانَعُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقُونَ مِنْهُمْ مَنَ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنِ انْحَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَقِيَ مُذَبْذَبًا لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ كما وصفهم الله في كتابه.
__________
(1) الخبر في مسند أحمد 1 / 14 ودلائل البيهقي 3 / 161، وفي تجهيزها قال ابن سعد: كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وتور من أدم وقربة وجاءوا ببطحاء فطرحوها في البيت.
(8 / 23) .
(2) الخبر في تزويج فاطمة من علي رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 160 - 161 وأخرج الجزء الاخير منه أحمد في مسنده 1 / 14 وإسناده صحيح.
(*)(3/420)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهَا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعَاقِلَ وَكَانَتْ مُعَلَّقَةً بِسَيْفِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وُلِدَ فِيهَا، قَالَ وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَنَى بفاطمة في ذي الحجة منها.
قال فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الأول باطل (1) .
تمَّ الجزء الثالث من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الرابع وأوله سنة ثلاث من الهجرة
__________
(1) الخبر في تاريخ الطبري 2 / 300 وفيه قال: ومات في هذه السنة في ذي الحجة عثمان بن مظعون فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع.
وقال: وفيها صلى يوم العاشر من ذي الحجة وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم فذلك أول صلاة صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ بالمدينة بالمصلى في عيد وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين.
(*)(3/420)
البداية والنهاية - ابن كثير ج 4
البداية والنهاية
ابن كثير ج 4(4/)
البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ.
حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء الرابع دار إحياء التراث العربي(4/1)
..(4/2)
سنة ثلاث من الهجرة فِي أَوَّلِهَا كَانَتْ: غَزْوَةُ نَجْدٍ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ (1) : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ثُمَّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلَّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا (2) .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مُحَارِبٍ تَجَمَّعُوا بِذِي أَمَرَّ يُرِيدُونَ حَرْبَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَغَابَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا (3) وَكَانَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، وهربت منه الأعراب في رؤوس الْجِبَالِ حَتَّى بَلَغَ مَاءً يُقَالُ لَهُ ذُو أَمَرَّ فَعَسْكَرَ بِهِ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِيرٌ فَابْتَلَّتْ ثِيَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ هُنَاكَ وَنَشَرَ ثِيَابَهُ لِتَجِفَّ وَذَلِكَ بِمَرْأَى مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، وَاشْتَغَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي شؤونهم، فَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ رَجُلًا شُجَاعًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالُوا: قَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنْ قَتْلِ مُحَمَّدٍ، فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَمَعَهُ سَيْفٌ صَقِيلٌ حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ مَشْهُورًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ قَالَ: اللَّهُ.
وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ لَا أَحَدَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا أُكَثِّرُ عَلَيْكَ جَمْعًا أَبَدًا.
فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فقالوا: ويلك، مالك؟ فَقَالَ: نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وَشَهِدْتُ أن محمداً رسول الله والله
__________
(1) ذو أمر: واد بطريق فيد إلى المدينة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بقرية النخيل (وفاء الوفاء ج 2 / 249) وتسمى في بعض كتب السير: غزوة غطفان انظر فيها: سيرة ابن هشام 3 / 49 مغازي الواقدي 1 / 195 ابن سعد 2 / 34 تاريخ الطبري 3 / 2 النويري 17 / 77 السيرة الحلبية 2 / 279 عيون الاثر 1 / 362.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 49.
(3) في الكامل لابن الاثير: اثنتي عشرة ليلة، وكانت الغزوة في المحرم سنة ثلاث.
(*)(4/3)
لَا أُكَثِّرُ عَلَيْهِ جَمْعًا، وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.
قَالَ: وَنَزَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 11] (1) .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قِصَّةٌ تُشْبِهُ هَذِهِ فَلَعَلَّهُمَا قِصَّتَانِ، قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَحْفُوظَةً فَهِيَ غَيْرُهَا قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ اسْمُهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا لَمْ يُسْلِمْ بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ (2) .
غزوة الفرع (3) مِنْ بُحْرَانَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ رَبِيعًا الْأَوَّلَ كُلَّهُ أَوْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ ثُمَّ غَدَا يُرِيدُ قُرَيْشًا، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُحْرَانَ وَهُوَ مَعْدِنٌ بالحجاز من ناحية الفرع.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: إِنَّمَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَدِينَةِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خَبَرُ يهود بني قينقاع في الْمَدِينَةِ (4)
وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ النِّصْفَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الحشر: 11] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
قَالَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ فِي سُوقِهِمْ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنَ النِّقْمَةِ، وَأَسْلِمُوا فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ.
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إنَّك تَرَى أَنَّا قَوْمُكَ لَا يَغُرُّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَصَبْتَ منهم فرصة أما وَاللَّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاكَ لَتَعْلَمَنَّ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ.
قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعن (5) عكرمة عن ابن عبَّاس قال: ما نزلت هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِمْ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا) [آل عمران: 12 - 13] يَعْنِي أَصْحَابَ بِدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرَيْشٍ (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يؤيد
__________
(1) الخبر في الواقدي ج 1 / 195 وطبقات ابن سعد بنحوه ج 2 / 34.
(2) دلائل النبُّوة للبيهقي 3 / 169.
(3) الفرع: قرية من ناحية المدينة، بينها وبين المدينة ثمانية برد.
وبحران: موضع بين الفرع والمدينة.
وانظر في هذه الغزوة سيرة ابن هشام 3 / 50 مغازي الواقدي 1 / 196 ابن سعد 2 / 35 تاريخ الطبري 3 / 2 عيون الاثر 1 / 362 النويري 17 / 79 الكامل في التاريخ 2 / 142.
(4) انظر في غزوة بني قينقاع: سيرة ابن هشام ج 3، وابن سعد ج 2 تاريخ الطبري ج 3 مغازي الواقدي 1 / 176 عيون الاثر 2 / 352 السيرة الشامية ج 4 السيرة الحلبية ج 2.
(5) في ابن هشام: أو عن.
(*)(4/4)
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمران: 13] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بِدْرٍ وَأُحُدٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ [بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أبي عون قال: كان أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَجَلَسَتْ إِلَى صَائِغٍ هُنَاكَ مِنْهُمْ فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا فَأَبَتْ فَعَمَدَ الصَّائِغُ إِلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إِلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتِ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا فَضَحِكُوا بِهَا فَصَاحَتْ فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يَهُودِيًّا فَشَدَّتِ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ فَأُغْضِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عبد الله بن أُبي بن سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي موالي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ الْفُضُولِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أرسك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر وثلثمائة دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّي وَاللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ لَكَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ أَبَا لُبَابَةَ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إِيَّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ (1) عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَقَامَ دُونَهُمْ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ بني عوف له من حلفهم مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الكفار وولايتهم، قال: وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات مِنَ الْمَائِدَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) الْآيَاتِ حَتَّى قَوْلِهِ
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دائرة) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ إِلَى قَوْلِهِ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغالبون) يَعْنِي عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ.
سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [إلى ذي القردة] (2) إِلَى عِيرِ قُرَيْشٍ صُحْبَةَ أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا وَقِيلَ صُحْبَةَ صَفْوَانَ * قَالَ يُونُسُ بْنُ (3) بُكَيْرٍ عن ابن
__________
(1) من ابن هشام، وفي الاصل عن تحريف.
(2) من كتب المغازي.
(3) من ابن هشام والبيهقي وفي الاصل عن تحريف.
(*)(4/5)
إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إِلَى الشَّامِ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجَّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمَعَهُ فِضَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ، وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ يُقَالُ لَهُ: فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ يَعْنِي الْعِجْلِيَّ حَلِيفَ بَنِي سَهْمٍ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم زيد بن حارثة فلقيهم على ماء يقال له القردة (1) فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا وَأَعْجَزَهُ الرِّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِي ذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا * جِلَادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ (2) بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا: لها لَيْسَ الطَّرِيقُ هُنَالِكِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ القصيدة في أبيات لِحَسَّانَ، وَقَدْ أَجَابَهُ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحارث.
وقال الْوَاقِدِيُّ كَانَ خُرُوجُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ مُسْتَهَلُّ جُمَادَى الْأُولَى (3) عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ رَئِيسَ هَذِهِ الْعِيرِ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة وَكَانَ سَبَبُ بَعْثِهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَعَهُ خَبَرُ هَذِهِ الْعِيرِ وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَاجْتَمَعَ بِكِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فِي
بَنِي النَّضِيرِ وَمَعَهُمْ سَلِيطُ بن النعمان من أَسْلَمَ فَشَرِبُوا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَتَحَدَّثَ بِقَضِيَّةِ الْعِيرِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَخُرُوجِ صَفْوَانَ بْنِ أميَّة فِيهَا وَمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ فَخَرَجَ سَلِيطٌ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَعْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مِنْ وَقْتِهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقُوهُمْ فَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَأَعْجَزَهُمُ الرِّجَالُ وَإِنَّمَا أَسَرُوا رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ فَخَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ خُمْسُهَا عِشْرِينَ أَلْفًا وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا عَلَى السَّرِيَّةِ وَكَانَ فِيمَنْ أُسِرَ الدَّلِيلُ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأَسْلَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ فِي رَبِيعٍ مِنْ هَذِهِ السَّنة تزوَّج عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا.
مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الأشرف وكان من بني طئ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَلَكِنَّ أُمَّهُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَبْلَ جَلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ قِصَّةِ بَنِي النَّضِيرِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ لِمَا سَيَأْتِي: فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ إِنَّمَا كَانَ أَمْرُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَفِي مُحَاصَرَتِهِمْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بِطَرِيقِهِ إِنْ شَاءَ الله.
قال البخاري في صحيحه [باب] (4) قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
__________
(1) القردة: من أرض نجد بين الربذة والغمرة ناحية ذات عرق.
(2) فلجات: جمع فلجة وهي العين الجارية.
المخاض: الابل الحوامل.
(3) في مغازي الواقدي: جمادى الآخرة، وفي ابن سعد: على رأس سبعة وعشرين شهراً.
(4) من البخاري - 64 كتاب المغازي 15 باب قتل كعب بن الاشرف ح 4037 فتح الباري 7 / 336.
(*)(4/6)
عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو [بن دينار] سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ (1) ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ: قُلْ.
فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسَتَسْلِفُكَ.
قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ.
قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شئ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا
قَالَ: نعم ارهنوني.
قلت أي شئ تُرِيدُ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ فَقَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ.
قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رَهْنٌ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ.
قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ.
فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ لَيْلًا فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ.
قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلِمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ.
إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ قَالَ وَيَدْخُلُ محمد بن مسلمة معه رجلين فقال إذا ما جاء فإني مائل بِشَعْرِهِ فَأَشُمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إليهم متوشحاً وهو ينفح مِنْهُ رِيحُ الطَّيِّبِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ عَمْرٌو فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ نَعَمْ.
فَشَمَّهُ ثُمَّ أشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ نَعَمْ.
فلمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الأشرف وكان رجلاً من طئ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَنَّهُ لمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ عَنْ مَقْتَلِ أَهِلِ بَدْرٍ حِينَ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا.
فَلَمَّا تَيَقَّنَ عَدُوُّ اللَّهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ عَلَى الْمُطَّلِبِ بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت [أُسَيْدِ بْنِ] (3) أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ، وَيَنْدُبُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي أَوَّلُهَا: طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٌ لِمَهْلِكِ أَهْلِهِ * وَلِمَثَلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ وَذَكَرَ جَوَابَهَا مِنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ.
ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ فجعل يشبب
__________
(1) في دلائل البيهقي: يا رسول الله أعجب إليك أن أقتله؟ (2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 42 باب قتل كعب بن الاشرف ح
119.
وأبو داود في الجهاد باب يؤتى العدو على غرة ح 2768.
(3) من الواقدي والبيهقي.
(*)(4/7)
بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ (1) وَيَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَصْحَابَهَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ كَعْبُ بْنِ الْأَشْرَفِ أَحَدَ بَنِي النَّضِيرِ أَوْ فِيهِمْ قَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ، وَرَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ فَاسْتَغْوَاهُمْ، وَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ: أُنَاشِدُكَ أَدِينُنَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَيُّنَا أَهْدَى فِي رَأْيِكَ وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ؟ إِنَّا نُطْعِمُ الْجَزُورَ الْكَوْمَاءَ وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الشَّمَالُ.
فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ: أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلًا.
قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [النساء: 51 - 52] وما بعدها (2) .
قَالَ مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يُعْلِنُ بِالْعَدَاوَةِ وَيُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى أَجْمَعَ أَمْرَهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يشبب بأم الفضل بن الحارث وبغيرها من نساء المسلمين.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن المغيث بن أبي بردة - من لابن الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَنَا لَكَ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ، قَالَ: فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إِلَّا مَا يُعَلِّقُ نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ لَكَ قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِي لَكَ بِهِ أَمْ لَا.
قَالَ: إِنَّمَا عَلَيْكَ الْجَهْدُ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنه لا بد لنا أَنْ نَقُولَ، قَالَ: فَقُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ.
وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أبو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ فَقَدَّمُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إِلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَعْبٍ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدَّثَ معه ساعة
فتناشدا شِعْرًا - وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشِّعْرَ - ثُمَّ قال: ويحك يا بن الْأَشْرَفِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَكَ فَاكْتُمْ عَنِّي، قَالَ أَفْعَلُ.
قَالَ كَانَ قدوم هذا الرجل علينا بلاء، عَادَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَقَطَعَتْ عنا السبيل حَتَّى ضَاعَ الْعِيَالُ، وَجَهِدَتِ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جَهِدْنَا وَجَهِدَ عِيَالُنَا.
فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُكَ يَا بن سلامة أن الأمر يصير إِلَى مَا أَقُولُ، فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَكَ وَنُوَثِّقَ لَكَ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ، قَالَ تَرْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا، إِنَّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ فَتَبِيعَهُمْ وَتُحْسِنَ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُكَ مِنَ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَرَادَ
__________
(1) يروى انه شبب بأم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب فقال في أبيات منها: أراحل أنت لم ترحل لمنقبة * وتارك أنت أم الفضل بالحرم (2) نقله البيهقي في الدلائل عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ موسى ج 3 / 190 - 191، والخبر في الدرر لابن عبد البر (143) وعيون الاثر (1 / 356) .
(*)(4/8)
سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا بِهَا.
فَقَالَ: إِنَّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءٌ.
قَالَ: فَرَجَعَ سِلْكَانُ إِلَى.
أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السِّلَاحَ ثُمَّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَالَ: " انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ - اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ " ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بيته وهو فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِ، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذْتِ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا وَقَالَتْ: أَنْتَ امْرُؤٌ مُحَارَبٌ وَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، قَالَ: إِنَّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِي.
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشَّرَّ.
قَالَ: يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ دُعِيَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ، فَنَزَلَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ ثُمَّ قَالُوا: هَلْ لَكَ يَا بن الأشرف أن تتماشى إِلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدَّثُ بِهِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هذه؟ قال إن شئتم.
فخرجوا فَمَشَوْا سَاعَةً.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَائِلَةَ
شَامَ بده (يَدَهُ) فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبًا أَعْطرَ قَطُّ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدوا اللَّهِ! فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا (1) فِي سَيْفِي فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، قَالَ فَوَضَعَتْهُ فِي ثُنَّتِهِ ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقْعَ عَدُوُّ اللَّهِ وَقَدْ أُصيب الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ (2) بِجُرْحٍ فِي رجله أو في رأسه أصابه بعض سيوفنا، قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمَّ عَلَى بُعَاثٍ حَتَّى أَسْنَدْنَا فِي حَرَّةِ الْعُرَيْضِ وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَنَزْفَهُ الدَّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمَّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ وَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا وَرَجَعْنَا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بِعَدُوِّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيٌّ إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعْمَ الواقدي أنهم جاؤوا بِرَأْسِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَغُودِرَ منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير عَلَى الْكَفَّيْنِ ثُمَّ وَقَدْ عَلَتْهُ * بِأَيْدِينَا مُشَهَّرَةٌ ذُكُورُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ إِذْ دَسَّ لَيْلًا * إِلَى كعب أخا كعب يسير فما كره فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ * وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النَّضِيرِ سَتَأْتِي.
قُلْتُ: كَانَ قتل
__________
(1) مغولا: حديدة دقيقة لها حد ماض (شرح على المواهب اللدنية 2 / 15) .
(2) في رواية موسى بن عقبة: أن الذي أصيب هو عباد بن بشر، وهو أيضا في رواية جابر بن عبد الله (انظر دلائل البيهقي.
ودرر ابن عبد البر) .
(*)(4/9)
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ عَلَى يَدَيِ الْأَوْسِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ إِنَّ الْخَزْرَجَ قَتَلُوا أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِي الْحَقِيقَ بَعْدَ
وَقْعَةِ أُحُدٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ شِعْرَ حَسَّانَ بن ثابت: لله در عصابةٍ لاقيتهم * يا بن الْحَقِيقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفف (1) مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لِكُلِّ أَمْرٍ مُجْحِفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ " فَوَثْبَ عِنْدَ ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَوْسِيُّ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ - رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ - فَقَتَلَهُ، وَكَانَ أَخُوهُ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَسَنَّ مِنْهُ وَلَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عدوَّ اللَّهِ أَقَتَلْتَهُ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ.
قَالَ مُحَيِّصَةُ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، قَالَ فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ لأول إسلام حويصة وقال والله لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَتَقْتُلُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ لَضَرَبْتُهَا.
قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا لَعَجَبٌ، فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنِ ابْنَةِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهَا.
وَقَالَ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ: يَلُومُ ابْنُ أُمٍّ لَوْ أمرتُ بِقَتْلِهِ * لَطَبَّقْتُ ذِفْرَاهُ بأبيض قارب (2) حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أخلصُ صَقْلُهُ * مَتَى مَا أُصَوِّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَمَا سَرَّنِي أَنِّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا * وَأَنَّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ وَحَكَى ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بعد مقتل بني قريظة فإن الْمَقْتُولَ كَانَ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا فَلَمَّا قَتَلَهُ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لَهُ أَخُوهُ حُوَيِّصَةُ مَا قَالَ فَرَدَّ عَلَيْهِ مُحَيِّصَةُ بما نقدم فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ يَوْمَئِذٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ قَبْلَهُ خَبَرَ بَنِي النَّضِيرِ قُبَلَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَالصَّوَابُ إِيرَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لَيَالِيَ حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ
كَانَتْ إِذْ ذَاكَ حَلَالًا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: خَبَرُ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
__________
(1) ذفف: أي سريعة القتل.
(2) في ابن هشام: ابن أمي بدلا من ابن أم.
وفيه أبيض قاضب بدلا من قارب، وقاضب: قاطع.
(*)(4/10)
الْيَهُودِيِّ عَلَى يَدَيِ الْأَوْسِ وَخَبَرُ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَلِكَ مَقْتَلُ أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ تَاجِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى يدي الخزرج وَخَبَرُ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ وقصة الخندق كما سيأتي.
غزوة أُحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَائِدَةٌ: ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي تَسْمِيَةِ أُحُدٍ قَالَ: سُمِّيَ أُحُدٌ أُحَدًا لِتَوَحُّدِهِ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ وَفِي الصَّحِيحِ " أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ " قِيلَ مَعْنَاهُ أَهْلُهُ وَقِيلَ لأنَّه كَانَ يُبَشِّرُهُ بِقُرْبِ أَهْلِهِ إِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُحِبُّ وَقِيلَ على ظاهره كقوله (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ " أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَهُوَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، وَعَيْرٌ يُبْغِضُنَا وَنُبْغِضُهُ وَهُوَ عَلَى بَابٍ مِنْ أبو اب النَّارِ " قَالَ السُّهَيْلِيُّ مُقَوِّيًا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثبت أنه عليه السلام قَالَ " الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " وَهَذَا مِنْ غَرِيبِ صُنْعِ السُّهَيْلِيِّ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يراد به الناس ولا يسمى الجبل امرءاً.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ وَقَالَ قَتَادَةُ يَوْمَ السَّبْتِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ (1) .
وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران: (121 - 124] الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب) [آلِ عِمْرَانَ: 179] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفَاصِيلِ ذَلِكَ كله في كتاب التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ولنذكر ههنا مُلَخَّصَ الْوَقْعَةِ مِمَّا سَاقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وغيره من علماء هذا الشأن رح: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُد كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حبان، وعاصم بن عمرو بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحد، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلُّهُمْ فِيمَا سُقْتُ.
قَالُوا أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: لَمَّا أُصِيبَ يَوْمَ بِدْرٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلّهم إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أبو سفيان بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ، ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة.
__________
(1) قال الواقدي وابن سعد: كانت يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجره وقال مالك على أحد وثلاثين.
(*)(4/11)
فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حربه، لعلنا ندرك منه ثأراً، فَفَعَلُوا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الانفال: 36] قالوا: فاجتمعت قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا (1) وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ، قَدْ منَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة: يَا أَبَا عَزَّةَ، إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ فَأَعِنَّا بِلِسَانِكَ وَاخْرُجْ مَعَنَا فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ منَّ عَلَيَّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ.
قَالَ: بَلَى،
فَأَعِنَّا بِنَفْسِكَ فَلَكَ اللَّهُ إِنْ رَجَعْتَ أن أغنيك وَإِنْ قُتِلْتَ أَنْ أَجْعَلَ بَنَاتِكَ مَعَ بَنَاتِي يُصِيبُهُنَّ مَا أَصَابَهُنَّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ.
فَخَرَجَ أَبُو عَزَّةَ يَسِيرُ فِي تِهَامَةَ وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ: أَيَا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرُّزَّامْ * أنتم حماة وأبو كم حَامْ (2) لَا يَعْدُونِي نَصْرُكُمْ بَعْدَ الْعَامْ * لَا تسلموني لا يحل إسلام قال: وخرج نافع (3) بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهَبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ إِلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ يُحَرِّضُهُمْ وَيَقُولُ: يَا مَالِ مَالِ الْحَسَبِ الْمُقَدَّمِ * أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التَّذَمُّمِ مَنْ كَانَ ذَا رَحْمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحُمِ * الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمِ قَالَ: وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيًّا يُقَالُ لَهُ: وَحْشِيٌّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةٍ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلَّمَا يُخْطِئُ بِهَا فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
قال: فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدِّهَا وَحَدِيدِهَا وَجَدِّهَا وَأَحَابِيشِهَا وَمَنْ تَابَعَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظُّعُنِ (4) الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَنْ لَا يَفِرُّوا، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النَّاسِ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلٍ بِزَوْجَتِهِ ابْنَةِ عَمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ عَمُّهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ بِزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّةِ وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهِيَ أمُّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
__________
(1) أحابيشها: من اجتمع إلى العرب وانضم إليهم من غيرهم.
(2) الرزام: جمع رازم، وهو الذي يثبت ولا يبرح مكانه، يريد أنهم يثبتون في الحرب ولا ينهزمون (قاله أبو ذر) .
(3) في ابن هشام: مسافع.
(4) الظعن: جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج، قال الطبري: وكن خمس عشرة امرأة.
(*)(4/12)
عَمْرٍو وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ خَرَجَ بِامْرَأَتِهِ.
قَالَ: وَكَانَ وَحْشِيُّ كُلَّمَا مَرَّ بِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَوْ مَرَّتْ بِهِ تَقُولُ وَيْهًا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ واشتفِ.
يَعْنِي تُحَرِّضُهُ عَلَى قَتْلِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ: فَأَقْبَلُوا حَتَّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السَّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ، فلمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قال لهم قَدْ رَأَيْتُ وَاللَّهِ خَيْرًا رَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ (1) سَيْفِي ثَلْمًا وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أنَّها الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ.
وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا (2) وَاللَّهُ خَيْرٌ (3) فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحد، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدق الَّذِي أَتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ " (4) وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تنفَّل (5) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحد، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاءه المشركون يم أُحُدٍ كَانَ رَأْيُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بدراً: نخرج يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ، وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلَ بَدْرٍ، فَمَا زَالُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ، ثُمَّ نَدِمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ.
فَقَالَ لَهُمْ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ مَا لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ.
قَالَ: وَكَانَ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ الْأَدَاةَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فأوَّلتها الْمَدِينَةَ، وَأَنِّي مردف كبشاً وأولته كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفَيِ ذَا الْفَقَارِ فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقراً يذبح فبقر والله خير " (6) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ
__________
(1) في رواية البيهقي: ذؤابة سيفي.
(2) جاء في غير مسلم زيادة: ورأيت بقرا تنحر، وبها يتم تأويل الرؤيا - حيث أن نحر البقر أول بقتل الصحابة الذين قتلوا يوم أحد.
(3) والله خير: قال القاضي عياض: قد ظبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة: والله خير، على المبتدأ والخبر.
(4) أخرجه مسلم في 42 كتاب الرؤيا 42 باب ح 20.
والبخاري في أكثر من موضع في كتاب المغازي فتح الباري 7 / 374، وفي كتاب المناقب باب علامات النبوة في الاسلام وفي كتاب التعبير باب إذا رأى بقرا تنحر.
كما أخرجه ابن ماجه في كتاب تعبير الرؤيا.
باب تعبير الرؤيا.
(5) من البيهقي، وفي الاصل تعقل تحريف.
(6) أخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 204، ورواه أحمد في مسنده 1 / 271 عن ابن عباس.
(*)(4/13)
عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النائم كأني مردف كبشاً وكأن ضبة سَيْفِي انْكَسَرَتْ فَأَوَّلْتُ.
أَنِّي أَقْتُلُ كَبْشَ الْقَوْمِ، وأولت كسر ضبة سَيْفِي، قَتْلَ رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتَيْ.
فَقُتِلَ حَمْزَةُ وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ (1) .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عقبة رح وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَاسْتَجْلَبُوا مَنْ أَطَاعَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَسَارَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي جَمْعِ قُرَيْشٍ وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ المقبلة من وقعة بدر، حتى [طلعوا من بئر الحماوين ثم] (2) نزلوا ببطن الوادي الذي قبلي أُحُدٍ وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ السَّابِقَةِ وَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ لِيُبْلُوَا مَا أَبْلَى إِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِأَصْلِ أُحُدٍ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَمَّ يَشْهَدُوا بَدْرًا بِقُدُومِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: قَدْ سَاقَ اللَّهُ عَلَيْنَا أُمْنِيَّتَنَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رُؤْيَا فَأَصْبَحَ فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ " رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي بَقَرًا تُذْبَحُ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَرَأَيْتُ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ انقصم من عند ضبته.
أَوْ قَالَ: بِهِ فُلُولٌ فَكَرِهْتُهُ وَهُمَا مُصِيبَتَانِ وَرَأَيْتُ أَنِّيَ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَأَنِّيَ مُرْدِفٌ كَبْشًا ".
فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا أَوَّلْتَ رُؤْيَاكَ؟ قَالَ: أَوَّلْتُ الْبَقْرَ الَّذِي رأيت بقراً فِينَا وَفِي الْقَوْمِ وَكَرِهْتُ مَا رَأَيْتُ بِسَيْفِي.
وَيَقُولُ
رِجَالٌ: كَانَ الَّذِي رَأَى بِسَيْفِهِ الَّذِي أَصَابَ وَجْهَهُ فَإِنَّ الْعَدُوَّ أَصَابَ وَجْهَهُ يَوْمَئِذٍ وقصموا رباعته وَخَرَقُوا شَفَتَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ، وَكَانَ الْبَقْرُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ: أَوَّلْتُ الْكَبْشَ أَنَّهُ كبش كتيبة العدو ويقتله الله وأولت الدرع الحصينة المدينة فامكثو وَاجْعَلُوا الذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ فِي الْأَزِقَّةِ قَاتَلْنَاهُمْ وَرُمُوا مِنْ فَوْقِ البيوت وكانو قَدْ سَكُّوا أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ بِالْبُنْيَانِ حَتَّى صَارَتْ كَالْحِصْنِ.
فَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا: كُنَّا نَتَمَنَّى هَذَا الْيَوْمَ وَنَدْعُو اللَّهَ فَقَدْ سَاقَهُ الله إلينا وقرب المسير.
وقال رجل مِنَ الْأَنْصَارِ: مَتَى نُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا لَمْ نُقَاتِلْهُمْ عِنْدَ شِعَبِنَا؟ وَقَالَ رِجَالٌ: ماذا نمنع إذا لم تمنع الحرب بروع (3) ؟ وَقَالَ رِجَالٌ قَوْلًا صَدَقُوا بِهِ وَمَضَوْا عَلَيْهِ مِنْهُمْ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: وَالَّذِي أنزل عليك الكتاب لنجادلنهم (4) .
وقال نعيم (5) بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تَحْرِمْنَا الْجَنَّةَ،
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 205، وفيه: وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء.
وفي سيرة ابن هشام: وقتل من المشركين يوم أحد: من قريش ثمَّ من بني عبد الدار بن قصي من أصحاب اللواء: طلحة بن أبي طلحة..قتله عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والحديث نقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 274 وعزاه للامام أحمد، والطبراني والحاكم والبيهقي وذكره الهيثمي في زوائده 6 / 107 وقال رواه الطبراني واللفظ له، والبزار وأحمد وفيه علي بن زيد وهو سئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) زيادة من رواية موسى بن عقبة في دلائل البيهقي.
(3) في رواية موسى في دلائل البيهقي: إذا لم نمنع الحرث يزرع.
(4) في البيهقي: لنجالدنهم.
وهو مناسب أكثر.
(5) في البيهقي: يعمر، وفي الواقدي: النعمان.
(*)(4/14)
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَدْخُلَنَّهَا.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ؟ قَالَ: بِأَنِّي أحبَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا أَفِرُّ يَوْمَ الزَّحْفِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: صَدَقْتَ.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
وَأَبَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْخُرُوجَ إِلَى الْعَدُوِّ وَلَمْ يَتَنَاهَوْا إِلَى قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْيِهِ وَلَوْ رَضُوا بِالَّذِي أَمَرَهُمْ كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنْ
غَلَبَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَعَامَّةُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، قَدْ عَلِمُوا الَّذِي سَبَقَ لِأَصْحَابِ بِدْرٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ، فَلَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ وَعَظَ النَّاسَ وذكَّرهم وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالْجِهَادِ ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصِلَاتِهِ فَدَعَا بِلَأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ قَالُوا: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَمَا يُرِيدُ وَيَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْكُثْ كَمَا أَمَرْتَنَا فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا أَخَذَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ وَأَذَّنَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْعَدُوِّ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْخُرُوجَ، فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَأْسِ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ وَانْظُرُوا ماذا أمركم الله به فافعلوا.
قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَسَلَكُوا عَلَى الْبَدَائِعِ وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَمَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأُحِدٍ وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبي بْنِ سلول في ثلثمائة فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعمائة.
قال البيهقي رح هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُمْ بَقُوا فِي سَبْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ قَالَ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ بَقُوا فِي أَرْبَعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ أَصْبَغَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقِيلَ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ سَبْعُمِائَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) .
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَكَانَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وكان لواؤه مع عثمان بن طلحة (2) قال ولم يكن من الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ وَاحِدَةٌ (3) ثُمَّ ذَكَرَ الْوَقْعَةَ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُمْ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بَشَرِّ مُقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ مَعَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ لَا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إِلَى عَدُوٍّ قَطُّ إِلَّا أَصَابَ مِنَّا وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ.
فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ
وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ قالوا: يا رسول الله إن
__________
(1) دلائل النبوة ج 3 / 220.
(2) في رواية البيهقيّ عنه: طلحة بن عثمان أخو شيبة بن عثمان والصواب عثمان بن أبي طلحة - أبو شيبة - وقد حمل اللواء بعد قتل أخيه طلحة بن أبي طلحة (مغازي الواقدي 1 / 226) .
(3) قال الطبري: لم يكن معه إلا فرسان، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لابي بردة بن نيار الحارثي.
(*)(4/15)
شِئْتَ فَاقْعُدْ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلْثِ النَّاسِ، وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي مَا نَدْرِي علام نقتل أنفسنا ههنا أَيُّهَا النَّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ السُّلَمِيُّ وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أُذَكِّرُكُمُ الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حَضَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ.
قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تقاتلون ما أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِّنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ.
فَلَمَّا اسْتَعْصُوا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
قُلْتُ: وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 167] يَعْنِي أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الْقِتَالِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا) الْآيَةَ [النِّسَاءِ: 88] وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً قَالَتْ نُقَاتِلُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ لَا نُقَاتِلُهُمْ كَمَا ثَبَتَ وَبُيِّنَ فِي الصَّحِيحِ.
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ الْأَنْصَارَ اسْتَأْذَنُوا حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِحُلَفَائِهِمْ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لا حاجة لنا فيهم.
وذكر عروة بن موسى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ لَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ هَمَّتَا أَنْ تَفْشَلَا فَثَبَّتَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 122] قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ: (وَاللَّهُ وليهما) كما ثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَلَكَ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبَّ فَرَسٌ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كُلَّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ شِمْ سَيْفَكَ أَيْ أَغْمِدْهُ فَإِنِّي أُرَى السُّيُوفَ سُتُسَلُّ الْيَوْمَ.
ثمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِأَصْحَابِهِ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ (أَيْ مِنْ قَرِيبٍ) مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى سَلَكَ بِهِ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَّمَا سَمِعَ حِسَّ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُ إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ فِي حَائِطِي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب فِي يَدِهِ ثمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَكَ فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ،
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة آل عمران فتح الباري 8 / 225 وفي كتاب المغازي 18 باب فتح الباري 7 / 357 ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة ح 171.
(*)(4/16)
وَقَدْ بَدَرَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجَّهُ وَمَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ في عدوة الوادي وفي الْجَبَلِ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ لا يقاتلن أحد حتى أمره بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زروع كانت بالصمغة من قناة كانت لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ (1) مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ القتال أترعى زروع بني قبلة وَلَمَّا نُضَارِبْ؟ وَتَعَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَئِذٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعَلَّمٌ يَوْمَئِذَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ انْضَحِ الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ.
وَسَيَأْتِي شَاهِدُ هَذَا فِي الصَّحيحين إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَظَاهَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَعْنِي لَبِسَ دِرْعًا فَوْقَ دِرْعٍ وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
قُلْتُ وَقَدْ ردَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً مِنَ الْغِلْمَانِ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُمَكِّنْهُمْ مِنْ حُضُورِ الْحَرْبِ لِصِغَرِهِمْ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي وَكَذَلِكَ رَدَّ يَوْمَئِذٍ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ وَعَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ ذكره ابن قتيبة وأورده السهيلي، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّمَّاخُ: إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ * تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ (2) وَمِنْهُمْ ابن سعيد بن خيثمة ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا وَأَجَازَهُمْ كُلَّهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَكَانَ قَدْ رَدَّ يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَافِعًا رَامٍ فَأَجَازَهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا فَأَجَازَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رح: وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهْمُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهِلِ بْنِ هِشَامٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكُهُ عَنْهُمْ، حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجانة سمِاك بْنُ خَرَشَةَ أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَضْرِبَ بِهِ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى يَنْحَنِيَ.
قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَقِّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مُنْقَطِعًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَعَفَّانُ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هو ابن سلمة أخبرنا ثابت عن النبي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذَ هذا السيف فأخذ قَوْمٌ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكٌ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ.
فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَفَّانَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ وَكَانَ له عصابة حمراء يعلم بها عند
__________
(1) في الواقدي هو: عمارة بن يزيد بن السكن.
(2) وقبله في الطبري: رأيت عرابة الاوسي ينمى * إلى الخيرات منقطع القرين (*)(4/17)
الحرب يعتصب بها فيعلم أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ، قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَاعْتَصَبَ بِهَا ثُمَّ جَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عبد الله بن أسلم، مولى عمرو بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبَغِضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللِّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ: يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَدْ وُلِّيتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إِذَا زَالَتْ زَالُوا فَإِمَّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا وَإِمَّا أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمُّوا بِهِ وَتَوَاعَدُوهُ وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إِلَيْكَ لِوَاءَنَا! سَتَعْلَمُ غَدًا إِذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ (1) .
وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ.
قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي النِّسْوَةِ اللَّاتِي مَعَهَا وَأَخَذْنَ الدُّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلْفَ الرِّجَالِ وَيُحَرِّضْنَ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ: وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدَّارْ * وَيْهًا حُمَاةَ الأديار ضَرْبًا بِكُلِّ بَتَّارْ وَتَقُولُ أَيْضًا: إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ * وَنَفْرِشِ النَّمَارِقْ أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ * فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا عَامِرٍ عبد عمرو بن صيفي ابن مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنَ الْأَوْسِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ.
فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانِ أَهْلِ مَكَّةَ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا يَا فَاسِقُ.
وَكَانَ يسمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الرَّاهِبَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفاسق.
فَلَمَّا سَمِعَ رَدَّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ
قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ثم أرضخهم بالحجارة.
قال ابن إسحاق: فأقبل (2) النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتِ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاس.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْفَ فَمَنَعَنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْتُ أَنَا ابْنُ صَفِيَّةَ عَمَّتِهِ وَمِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ قمت إليه وسألته إِيَّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَتَرَكَنِي وَاللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ فَاتَّبَعْتُهُ فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حمراء، فعصب بها رأسه
__________
(1) تقدم أن لواء المشركين كان مع طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدار بن قصي.
وقد حمله بعد قتله أخوه عثمان.
(2) في ابن هشام: اقتتل.
(*)(4/18)
فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ أَخْرَجَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وهكذا كانت تقول إِذَا تَعَصَّبَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي * وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ أَنْ لَا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ * أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ (1) وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَجُلًا أتاه وهو يُقَاتِلُ بِهِ فَقَالَ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ تُقَاتِلْ فِي الْكَيُّولِ؟ قَالَ لَا.
فَأَعْطَاهُ سَيْفًا فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي * أَنْ لَا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ وَهَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ خَالِدٍ أَوْ غَيْرِهِ يَرْفَعُهُ الْكَيُّولُ يَعْنِي مُؤَخَّرَ الصُّفُوفِ سَمِعْتُهُ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ أَسْمَعْ هذا الخرف إلا في هذا الحديث.
قال ابن هشام: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَكَانَ في المشركين رجلا لَا يَدَعُ جَرِيحًا إِلَّا ذَفَفَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْتَقَيَا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتَّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ.
ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السَّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عتبة، ثم عدل السيف عنها فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
بِذَلِكَ (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: رَأَيْتُ إنساناً يحمس الناس حمساً شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ، فَلَّمَا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلْوَلَ، فَاذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَهُ طَلَبَهُ مِنْهُ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْهُ الزُّبَيْرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَوَجَدَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّالِثَةَ فَطَلَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَأَعْطَى السَّيْفَ حَقَّهُ قَالَ: فَزَعَمُوا أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ فيمن خرج من المسلمين فما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاورت فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ: اسْتَوْسِقُوا كَمَا اسْتَوْسَقَتْ جَزَرُ الْغَنَمِ.
قَالَ وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَظِرُهُ وَعَلَيْهِ لَأْمَتُهُ فَمَضَيْتُ حَتَّى كُنْتُ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قُمْتُ أَقْدُرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِي فَإِذَا الْكَافِرُ أَفْضَلُهُمَا عُدَّةً وَهَيْئَةً.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا فَضَرَبَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَبَلَغَتْ وَرِكَهُ وَتَفَرَّقَ فوقتين (فِرْقَتَيْنِ) ثُمَّ كَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ؟ أَنَا أَبُو دُجَانَةَ (3) .
__________
(1) الكيول: آخر الصفوف في الحرب.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 233 وفيه أن الزبير سأل أبا دجانة لما انكشف القتال: قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة - لم يذكر اسمها البيهقي - ثم لم تضربها، قال: أي والله أكرمت سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أقتل به امرأة.
قال الواقدي هي: عمرة بنت الحارث.
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 3 / 216 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري.
(*)(4/19)
مَقْتَلُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ اللِّوَاءَ، وَكَذَلِكَ قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ حَامِلُ اللِّوَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقًّا * أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ فَقَتْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْغُبْشَانِيُّ وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي نِيَارٍ، فقال حمزة: هلمَّ إليَّ يا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنْمَارٍ مُوَلَّاةَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَتْ ختَّانة بِمَكَّةَ فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ وَحْشِيٌّ - غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - وَاللَّهِ إني لأنظر لحمزة يَهُدُّ (1) النَّاسَ بِسَيْفِهِ، مَا يُلِيقُ شَيْئًا يَمُرُّ بِهِ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إِذْ قَدْ تَقَدَّمَنِي إليه سباع فقال حمزة: هلم يا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنَّمَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْتُهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ جِئْتُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي ثُمَّ تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي بشئ حاجة غيره.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفضل بن عياش (2) بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَحَدُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَأَدْرَبْنَا مَعَ النَّاسِ فَلَمَّا مَرَرْنَا بِحِمْصَ وَكَانَ وَحْشِيُّ مَوْلَى جُبَيْرٍ قَدْ سَكَنَهَا وَأَقَامَ بِهَا فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيًّا فَنَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ قُلْتُ لَهُ: إِنْ شِئْتَ.
فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيًّا وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وبه بعض ما بِهِ فَانْصَرِفَا عَنْهُ وَدَعَاهُ.
قَالَ: فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتَّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفَنَاءِ دَارِهِ عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ وَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ، وَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: ابْنٌ لِعُدَيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طَوًى فَإِنِّي نَاوَلْتُكَهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا فَأَخَذَتْكَ بِعُرْضَيْكَ فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ حتى رَفَعْتُكَ إِلَيْهَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيَّ فَعَرَفْتُهُمَا.
قَالَ: فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: جئناك لتحدثنا عن قتل حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمَا كَمَا حَدَّثْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بْنُ عدي قد
__________
(1) يهد: فيها روايتان، يهد بالدال أي يردي الناس ويهلكهم.
ويهذ بالذال يسرع في قطع لحوم الناس بسيفه (قاله
الخشني في شرح غريب السيرة) ، وفي الواقدي يفري الناس فريا.
(2) عياش في الاصل، وهو تحريف، والصواب عباس.
قاله أبو ذر.(4/20)
أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ (1) : إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيًّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قذف الحبشة قلَّ ما أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصَّرُهُ حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عَرْضِ النَّاسِ كَأَنَّهُ الْجَمَلُ الْأَوْرَقُ يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هداً ما يقوم له شئ، فوالله لا تهيأ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنِّي إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ هلمَّ إليَّ يا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنَّمَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، قَالَ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي فَغُلِبَ وَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا حتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي ثمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ إِنَّمَا قَتَلْتُهُ لَأُعْتَقَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ عُتِقْتُ ثُمَّ أَقَمْتُ حَتَّى إِذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ فمكثت بِهَا فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسَلِمُوا تعَّيت عَلَيَّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْتُ أَلْحَقُ بِالشَّامِ أَوْ بِالْيَمَنِ أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: وَيْحَكَ إنه والله لا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنَ النَّاس دَخَلَ فِي دِينِهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، قَالَ فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَرُعْهُ إِلَّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَشْهَدُ شَهَادَةَ الحق فلما رآني قال لي: أوحشي أنت؟ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ اقْعُدْ فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قَالَ فَحَدَّثْتُهُ كَمَا حَدَّثْتُكُمَا، فَلَّمَا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَكَ غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ فَلَا أَرَيَنَّكَ، قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلَّا يَرَانِي حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عزوجل، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْتُ مَعَهُمْ وَأَخَذْتُ حَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مُسَيْلِمَةَ قَائِمًا وَبِيَدِهِ السَّيْفُ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيَّأْتُ لَهُ وَتَهَيَّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعَتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَشَدَّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيُّ بِالسَّيْفِ
فربُّك أَعْلَمُ أيُّنا قَتَلَهُ، فَإِنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ.
قُلْتُ: الْأَنْصَارِيُّ هُوَ أَبُو دُجانة سمِاك بْنُ خَرَشَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الرِّدَّةِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ.
وقال سيف بن عمرو: هُوَ عَدِيُّ بْنُ سَهْلٍ وَهُوَ الْقَائِلُ: أَلَمْ تر أني ووحشيهم * قتلت مسيلمة المعتبن وَيَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْ قَتْلِهِ * فَقُلْتُ ضَرَبْتُ وَهَذَا طَعَنْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ وَحْشِيًّا هُوَ الَّذِي بَدَرَهُ بِالضَّرْبَةِ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ، لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ صَارِخًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ يَقُولُ: قَتَلَهُ
__________
(1) الخبر في مغازي الواقدي 1 / 286، وقال في رواية أخرى: كان وحشي عبد الابنة الحارث بن عامر بن نوفل.
قالت له: إن أبي قتل يوم بدر فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: إن قتلت محمدا، أو حمزة بن عبد المطلب، أو علي بن أبي طالب.
(1 / 285) (*) .(4/21)
الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ مَقْتَلِ حَمْزَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قال: خرجت مع عبد اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ.
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَذَكَرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ مُعْتَجِرًا عِمَامَةً لَا يَرَى مِنْهُ وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَذَكَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ (1) ، وَهَذِهِ قِيَافَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا عَرَفَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ أَقْدَامَ زَيْدٍ وَابْنِهِ أُسَامَةَ مع اختلاف ألوانهما.
وقال في سباقته: فأما أَنَّ صفَّ النَّاسُ لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: يَا سِبَاعُ يَا بن أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ وِرْكَيْهِ قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ
قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ كأنَّه جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ، قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ كَتِفَيْهِ، قَالَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ على ظهر البيت: واأمير المؤمناه قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَبَلَغَنِي أَنَّ وَحْشِيًّا لَمْ يَزَلْ يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ حَتَّى خُلِعَ مِنَ الدِّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخطاب يقول: قد قلت أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ أَبُو دَسْمَةَ وَيُقَالُ أَبُو حَرْبٍ بِحِمْصَ (2) وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الثِّيَابَ الْمَدْلُوكَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللِّيثِيُّ وَهُوَ يَظُنُّ أنَّه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْتُ مُحَمَّدًا.
قُلْتُ: وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ مُصْعَبًا هُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَانَ اللِّوَاءُ أَوَّلًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فلمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِوَاءَ المشركين مع عَبْدِ الدَّارِ قَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ أخذ اللواء من علي بن أبي طالب فَدَفَعَهُ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أَعْطَى اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ وأرسل علي أن قدّم الراية، فقدم عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَبُو الْقُصَمِ فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ.
هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ فَبَرَزَا بين الصفين فاختلفا
__________
(1) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 23 باب مقتل حمزة بن عبد المطلب ح 4072 فتح الباري 7 / 367.
(2) قال البيهقيّ: مات غريقا في البحر، وفي الاصابة 3 / 631 سكن حمص ومات فيها.
(*)(4/22)
ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَصَرَعَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَفَلَا أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرَّحِمُ وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَهُ.
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ صِفِّينَ مَعَ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَأَةَ لما حمل عليه ليقتله أبدى له عَوْرَتِهِ فَرَجَعَ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَمْرُو بْنُ العاص حين حمل عليه علي فِي بَعْضِ أَيَّامِ صِفِّينَ أَبْدَى عَنْ عَوْرَتِهِ فَرَجَعَ عَلِيٌّ أَيْضًا.
فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ النَّضْرِ: أَفِي (1) كلِّ يومٍ فَارِسٌ غَيْرُ منتهِ * وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ الْعَجَاجَةِ بَادِيَهْ يَكُفُّ لَهَا عَنْهُ عليٌّ سِنَانَهُ * وَيَضْحَكُ مِنْهَا فِي الْخَلَاءِ مُعَاوِيَهْ وَذَكَرَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ دَعَا إِلَى الْبِرَازِ فَأَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَوَثَبَ حَتَّى صَارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلِهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِهِ الْأَرْضَ فَأَلْقَاهُ عَنْهُ وَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حِوَارِيًّا وَحِوَارِيِّ الزُّبَيْرُ " (2) وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَبْرُزْ إِلَيْهِ لَبَرَزْتُ أَنَا إِلَيْهِ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ إِحْجَامِ النَّاسِ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (3) وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَقَتَلَ نافع (4) بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ كِلَاهُمَا يُشْعِرُهُ سَهْمًا فَيَأْتِي أُمَّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا، فَتَقُولُ يَا بُنَيَّ مَنْ أَصَابَكَ؟ فَيَقُولُ سمعت رجلاً حين رماني يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبَى الْأَقْلَحِ.
فَنَذَرَتْ إِنْ أَمْكَنَهَا اللَّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تَشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرَ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ الله لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا وَلَا يَمَسَّهُ.
وَلِهَذَا حماه الله منه يَوْمَ الرَّجِيعِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَيُقَالُ عَبْدُ عَمْرِو بْنُ صَيْفِيٍّ، وَكَانَ يُقَالُ لِأَبِي عَامِرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الرَّاهِبُ، لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهِ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفاسق، لما خلف الحق وأهله وهرب مِنَ الْمَدِينَةِ هَرَبًا مِنَ الْإِسْلَامِ وَمُخَالَفَةً لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَحَنْظَلَةُ الَّذِي يُعْرَفُ بِحَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ لِأَنَّهُ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ كَمَا سَيَأْتِي - هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ فَلَمَّا عَلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شدَّاد بْنُ الْأَوْسِ (5) وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَعُوبٍ فَضَرَبَهُ شدَّاد فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ صَاحِبَكُمْ لُتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ " فسُئلت صَاحِبَتُهُ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أبي بن
__________
(1) في الاصل: أتى، وأثبت ما في الروض الانف ج 2 / 133.
(2) الخبر في البيهقي عن يونس بن بكير، وقال فيه: أن رجلا من المشركين ولم يسم طلحة.
(3) الخبر في ابن هشام ج 3 / 78 ودلائل البيهقي 3 / 239.
وقال السهيلي: " رواه الكشي في تفسيره عن سعد قال: لما كف عنه علي طعنته في حنجرته، فدلع لسانه اندلاع لسان الكلب ثم مات ".
وكان أبو سعد قد أخذ لواء المشركين بعد مقتل طلحة كما في رواية البيهقيّ وذكره الواقدي - أبو سعيد وقتله سعد بن أبي وقاص.
(4) في ابن هشام: مسافع، وفي الواقدي وابن سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة.
(5) في ابن هشام: شداد بن الأسود.
وفي الواقدي: قتله الأسود بن شعوب.
وقال السهيلي في الروض: أن الذي قتل حنظلة جعونة بن شعوب الليثي مولى نافع بن أبي نافع.
(*)(4/23)
سَلُولَ وَكَانَتْ عَرُوسًا عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كذلك غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ ذَنْبَانِ أَصَبْتَهُمَا وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ مَصْرَعِكَ هَذَا، وَلَقَدْ وَاللَّهِ كنتَ وُصُولًا لِلرَّحِمِ بَرًّا بِالْوَالِدِ.
قال ابن إسحاق: وقال ابن شعوب في ذلك: لأحمينَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي * بطعنةٍ مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ: وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا بْنَ حربٍ وَمَشْهَدِي * لألفيتَ يَوْمَ النعفِ غيرَ مُجِيبِ (1) ولولا مكري المهر بالنعف فرفرت * عَلَيْهِ ضِبَاعٌ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ (2) .
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَوْ شئتُ نَجَّتْنِي كُمَيتَ طِمِرَّةٌ * وَلَمْ أحملِ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ وَمَا زَالَ مُهْرِي مزجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمُ * لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لغروب أقاتلهم وأدعي يالغالب * وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنِ صَلِيبِ فبكِّي وَلَا تَرْعَيْ مَقَالَةَ عَاذِلٍ * وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبرة وَنَحِيبِ أباكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا * وَحُقَّ لَهُمْ مِنْ عَبرة بِنَصِيبِ وسَلي الَّذِي قَدْ كَانَ فِي النَّفْسِ إِنَّنِي * قَتَلْتُ مِنَ النَّجَّارِ كُلَّ نَجِيبِ
وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا * وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرَ هَيُوبِ (3) فَلَوْ أَنَّنِي لَمْ أشفِ نَفْسِي مِنْهُمُ * لَكَانَتْ شَجًى فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ فَآبُوا وَقَدْ أوْدى الْجَلَابِيبُ منهمُ * بِهَمْ خدبٌ مِنْ مُغبطٍ وَكَئِيبِ (4) أصابهمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ * كِفَاءً وَلَا فِي خطةٍ بِضَرِيبِ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصِّيدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ * وَلَسْتَ لزورٍ قُلْتَهُ بمصيبِ أتعجبُ أَنْ أَقْصَدْتَ حمزةَ مِنْهُمُ * نَجِيبًا وَقَدْ سمَّيته بِنَجِيبِ أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمراً وَعُتْبَةَ وَابْنَهُ * وَشَيْبَةَ وَالْحَجَّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيًّا فراعَه * بضربةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ
__________
(1) النعف: ما انحدر من حزونة الجبل.
(2) في ابن هشام: قرقرت بدل فرفرت أي أسرعت وخفت.
وفيها: ضباع عليه، بدل من: عليه ضباع.
(3) القرم: الفحل من الابل، ويريد به هنا حمزة رضي الله عنه.
(4) الجلابيب: جمع جلباب، الازار.
وكان المشركين يسمعون مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجلابيب.
(*)(4/24)
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، فحسُّوهم بِالسُّيُوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ لَا شَكَّ فِيهَا.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ، مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ عَلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ، وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فأُتينا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتل، فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ الْقَوْمُ عَلَيْنَا بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ
مِنْهُمْ، [قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ] (1) فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ اللِّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ فَرَفْعَتْهُ لِقُرَيْشٍ فَلَاثُوا بِهِ وَكَانَ اللِّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٍ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيٍّ وَكَانَ آخِرَ (2) مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ أَعْزَرْتُ - يَعْنِي اللَّهُمَّ هَلْ أَعْذَرْتُ - فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: فَخَرْتم باللواءِ وشرُّ فخرٍ * لواءَ حين رُدَّ إلى صواب جَعَلتُم فَخْرَكُمْ فِيهِ لعبدٍ * وَأَلْأَمِ مَن يَطَا عُفْرَ التُّرَابِ ظَنَنْتُمْ، والسفيهُ لَهُ ظنونٌ * وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أمرِ الصَّوَابِ بأنَّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا * بمكةَ بَيْعُكُم حُمْرَ العِياب أقرَّ العينَ أَنْ عُصبتْ يَدَاهُ * وَمَا إِنْ تُعصبَانِ عَلَى خِضَاب وَقَالَ حَسَّانٌ أَيْضًا فِي رَفْعِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ اللِّوَاءَ لَهُمْ: إِذَا عضلٌ سِيقَتْ إِلَيْنَا كَأَنَّهَا * جدايةُ شركٍ مُعْلَمات الْحَوَاجِبِ (3) أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا منكِّلاً * وَحُزْنَاهُمُ بِالضَّرْبِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ فَلَوْلَا لواءُ الحارثيةِ أَصْبَحُوا * يُباعونَ في الأسواق بَيْعَ الجلائب
__________
(1) من سيرة ابن هشام.
(2) قال ابن سعد في الطبقات 2 / 40 حمل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة (من بني عبد الدار) وبعد ما قتله علي حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة أبو شيبة قتله حمزة.
فحمله أبو سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة - قتله عاصم بن أبي الأقلح - فحمله الحارث بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم أيضا.
فحمله كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير ثم حمله الجلاس أخوه فقتله طلحة بن عبيد الله، فحمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي.
ثم حمله شريح بن قارظ فقتل ثم كان آخرهم صؤاب قتله قزمان وهو أثبت القول.
(3) شرك: قال أبو ذر بكسر الشين وضمها: موضع.
قيل: جبل بالحجاز.
(*)(4/25)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَأَصَابَ مِنْهُمُ الْعَدُوُّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى خَلَصَ الْعَدُوُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذبَّ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ، فَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وشجَّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ وَيَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلى الله فأنزل الله (ليس لك من الامر شئ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) [آل عمران: 128] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ (1) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الفضل، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَتَى ابْنُ قَمِئَةَ الْحَارِثِيُّ فَرَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَرَبَاعِيَتَهُ وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَدَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ طَائِفَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس: إليَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إِلَّا طَلْحَةُ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَحَمَاهُ طَلْحَةُ فرُمي بِسَهْمٍ فِي يَدِهِ فَيَبُسَتْ يَدُهُ وَأَقْبَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ.
فَقَالَ: يَا كَذَّابُ أَيْنَ تَفِرُّ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ فَجُرِحَ جَرْحًا خَفِيفًا فَوَقَعَ يَخُورُ خُوار الثَّوْرِ فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا لَيْسَ بِكَ جِرَاحَةٌ فَمَا يُجْزِعُكَ؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ لو كانت تجتمع (2) ربيعة ومضر لقتلهم.
فما يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَفَشَا فِي النَّاس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتل، فَقَالَ بَعَضُ أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَيَأْخُذُ لَنَا أَمَنَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ، يَا قَوْمُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ يَا قَوْمُ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ فَإِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ ممَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ ثُمَّ شدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ وَضَعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قوسه يَرْمِيَهُ فَقَالَ: أَنَا رسولُ اللَّهِ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرِحَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابِهِ مَنْ يَمْتَنِعُ بِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ عَنْهُمُ الْحُزْنُ فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ وَيَذْكُرُونَ أصحابهم الذين قتلوا، فقال الله عزوجل فِي الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) الآية.
فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ نَسُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَهَمَّهُمْ أَبُو سُفْيَانَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا، اللَّهُمَّ إِنْ تُقْتَلْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ ".
ثمَّ نَدَبَ أَصْحَابَهُ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: اعْلُ هُبْلَ حَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ وَيَوْمُ أُحد بِيَوْمِ بَدْرٍ.
وذكر تمام القصة.
وهذا غريب جداً وفيه نكارة.
قال
__________
(1) تاريخ الطبري: ج 3 / 20 دار القاموس الحديث.
(2) في الطبري: بجميع.
(*)(4/26)
ابْنُ هِشَامٍ: وَزَعَمَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى، وَجَرَحَ شِفَتَهُ السُّفْلَى وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ شَجَّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ، وَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون فَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا ومصَّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الدَّمَ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ مَنْ مَسَّ دمه دمي لم تمسسه النَّار قُلْتُ: وَذَكَرَ قَتَادَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَعَ لِشِقِّهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَمَرَّ بِهِ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَأَجْلَسَهُ وَمَسَحَ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ فَأَفَاقَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ فَأَنْزَلُ اللَّهُ (ليس لك من الامر شئ) الْآيَةَ.
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا فِي فَصْلٍ وَحْدَهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَوَّلُ النَّهَارِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بغم) الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 152 - 153] .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عبد الله، حدثني أبي حدثني سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ كَمَا نَصَرَ يَوْمَ أُحد قال فأنكر ذلك فقال: بيني وبين من أنكر ذلك كِتَابُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بإذنه) يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسُّ الْقَتْلُ (حَتَّى إِذَا فشلتم) إلى قوله (ولقد عفا عنكم والله ذوفضل على المؤمنين) وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ وَذَلِكَ أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ.
ثمَّ قَالَ احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَمُ فَلَا تُشْرِكُونَا.
فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ وَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم هَكَذَا (وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ) وَالْتَبَسُوا فَلَمَّا أخلَّ الرماة تلك المحلة الَّتِي كَانُوا فِيهَا دَخَلَتِ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالْتَبَسُوا وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ وَلَمْ يَبْلُغُوا حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ الْغَارَ، إِنَّمَا كَانَ تَحْتَ الْمِهْرَاسِ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ! فَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَمَا زِلْنَا كَذَلِكَ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ حَقٌّ حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ السعدين نعرفه بتكفيه إِذَا مَشَى.
قَالَ: فَفَرِحْنَا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا.
قَالَ فَرَقِيَ نَحْوَنَا، وَهُوَ يَقُولُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فمكث ساعة أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ: اُعلُ هبل اُعلُ هُبْلُ، مَرَّتَيْنِ (يَعْنِي آلِهَتَهُ) ، أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ(4/27)
الْخَطَّابِ أَلَا أُجِيبُهُ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ اُعلُ هُبَلَ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.
قال أَبُو سُفْيَانَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ أَنْعَمَتْ عَيْنُهَا، فَعَادِ عَنْهَا - أَوْ فَعَالِ عَنْهَا - فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ، قَالَ فَقَالَ
أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءَ، قَتْلَانَا فِي الجنَّة وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار.
قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ ذَلِكَ، لَقَدْ خِبْنَا إِذَنْ وَخَسِرْنَا.
ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَمَا إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ سَرَاتِنَا.
قَالَ ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَكْرَهْهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائل (1) مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ بِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلَهُ شَوَاهِدٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ سَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِيَنَا الْمُشْرِكِينَ يومئذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وإن رأيتموهم ظهورا علينا فلا تعينونا.
فلما لقينا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إليَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَبْرَحُوا.
فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَتْ (2) وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبُ سَبْعُونَ قَتِيلًا وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ لَا تُجِيبُوهُ.
فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَقَالَ لَا تُجِيبُوهُ.
فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اُعلُ هُبَلُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِيبُوهُ، قَالُوا مَا نقول؟ قال قولوا: الله أعلى أو جل (وَأَجَلُّ) .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ، قَالُوا مَا نَقُولُ؟ قَالَ قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي (3) .
وَهَذَا مِنْ إِفْرَادِ الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أحمد: حدثنا مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ - وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ وَوَضَعَهُمْ مَوْضِعًا وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَى الْعَدُوِّ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْجَبَلِ وَقَدْ
بَدَتْ أَسُوقُهُنَّ وَخَلَاخِلُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابِهِنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قوم، *
__________
) (1) روى الطبري طرفا منه في تاريخه 3 / 23.
وفي تفسيره 7 / 287 ورواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 269 - 271.
من لفظ الدارمي.
(2) أي تحيروا فلم يدروا أين وكيف يذهبون.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 17 باب غزوة أحد ح 4043.
(*)(4/28)
الْغَنِيمَةَ.
ظَهْرَ أَصْحَابُكُمْ، فَمَا تَنْظُرُونَ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْسَيْتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: إِنَّا وَاللَّهِ لِنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فلنصيبنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ! فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَلِكَ الَّذِي يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بِدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ، أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ، أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثًا، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ، أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا وَقَدْ كُفَيْتُمُوهُمْ، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كلَّهم وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ.
فَقَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي.
ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اُعلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تُجِيبُونَهُ قَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.
قَالَ: إِنَّ العُزَّى لَنَا وَلَا عُزَّى لَكُمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُجِيبُونَهُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَتُهُ لَهُ مُطَوَّلَةً مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَهِقُوا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأنصار ورجل مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَهُوَ رَفِيقِي فِي
الْجَنَّةِ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
فَلَمَّا رَهِقُوهُ أَيْضًا قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَبَقِيَ مَعَهُ أحد عشر رجلاً من الأنصار [فيهم] (2) طلحة بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَصْعَدُ فِي الْجَبَلِ فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ: أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ (3) .
فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَاتَلَ عَنْهُ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، ثُمَّ قُتِلَ الْأَنْصَارِيُّ فَلَحِقُوهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ قَوْلِهِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يا رسول الله، فقاتل وَأَصْحَابُهُ يَصْعَدُونَ ثُمَّ قُتل فَلَحِقُوهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيَقُولُ طَلْحَةُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَحْبِسُهُ فَيَسْتَأْذِنُهُ رَجُلٌ مِنَ الأنصار للقتال فيأذن له فيقاتل مثل
__________
(1) رواه البخاري عن عمرو بن خالد عن زهير في 64 كتاب المغازي 10 باب ح 3986.
وأخرجه أبو داود في الجهاد.
(116) باب في الكمناء ح 2662.
(2) من دلائل البيهقي، وفي الاصل وطلحة وهو تحريف.
(3) في سنن النسائي: فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: من للقوم؟ فقال طلحة بن عبيد الله: أنا (*)(4/29)
مَنْ كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ فَغَشُوهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا، فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالِ جَمِيعِ مَنْ كَانَ قبله وأصيبت أنامله فقال: حس، فقال لو قلت بسم اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حَتَّى تَلِجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ.
ثُمَّ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أصحابه وهم مجتمعون (1) .
وروى البخاري: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ (2) .
وفي الصحيحين من حديث موسى بن إسماعيل عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأيَّام التي يقاتل فِيهِنَّ غَيْرُ
طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا (3) .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حدَّثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عن هاشم بن هاشم السعدي (4) سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَثَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَرْوَانَ بِهِ (5) .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم جمع أبو يه لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أبي وأمي.
قال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حدَّثني صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ دُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَيَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ نَصْلٌ فَأَرْمِي بِهِ (6) .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عن سعد بن أبي وقاص قَالَ: رَأَيْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يُقَاتِلَانِ أَشَدَّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ.
يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ (7) كان يرمي بَيْنَ يَدَيِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ والنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خلفه يترس به وكان
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 236، وأخرجه النسائي في كتاب الجهاد باختلاف.
باب: ما يقول من يطعنه العدو، عن عمرو بن سواد (6 / 29 - 30) .
(2) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4063 وفي كتاب فضائل الصحابة ح 3724.
(3) عن حديثهما: أي هما حدثاني بذلك.
روى الحديث البخاري في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4060 وفي 62 كتاب فضائل الصحابة ح 3722.
ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة 6 باب ح 47.
(4) في البيهقي: الزهري.
(5) في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4055.
(6) الخبر في البيهقي 3 / 239 وفي سيرة ابن هشام 3 / 25.
(7) أبو طلحة هو زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ الخزرجي النجاري الانصاري أحد أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن
بني أخواله، من أعيان البدريين، أحد النقباء الاثني عشر العقبيين،.
شهد المشاهد كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مات في غزوة بحرية.
(*)(4/30)
رَامِيًا وَكَانَ إِذَا رَمَى رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَخْصَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ، وَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ صَدْرَهُ وَيَقُولُ هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
وَكَانَ أبو طلحة يسوّر نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ: إِنِّي جَلْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَجِّهْنِي فِي حَوَائِجِكَ وَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مجوَّب عليه بجحفة لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرجل يمر معه الجعبة مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ.
قَالَ وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ بِأَبِي أَنْتَ وأمي لا تشرف يصيبك سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سليم وأنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان (1) الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ.
وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا (2) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ (3) .
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ من شئ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كان لنا من الأمر شئ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحيم) [آل عمران: 154] قال البخاري:
حدثنا عبد ان أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ حجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هؤلاء القعود قال هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالَ مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا ابْنُ عمر فأتاه فقال إني سائلك عن شئ أَتُحَدِّثُنِي.
قَالَ أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فرَّ يَوْمَ أُحد قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ فَتَعْلَمُهُ تغيَّب عَنْ بِدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ فَكَبَّرَ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ: أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحد فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ له
__________
(1) من الصحيح والبيهقي، وفي الاصل تنقران وهو تحريف.
(2) أخرجه البخاري في 63 كتاب مناقب الانصار 18 باب ح 3811 ومسلم في 32 كتاب الجهاد 47 باب ح 136.
(3) أخرجه البخاري في 64 / كتاب المغازي 21 باب ح 4068.
والنعاس: هو الذي منّ الله به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين يوم أحد، لما علم ما في قلوبهم من خوف، فصرفهم عن التفكير في ذلك بانزال النعاس عليهم لئلا يرهقهم الخوف ويضعف عزائمهم.
(*)(4/31)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ، أما تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ اذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ بِهِ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ انْهَزَمُوا عَنْهُ حَتَّى بَلَغَ بعضهم إلى المبقَّى دُونَ الْأَعْوَصِ، وفرَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعْدُ بن عثمان رجل مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى بَلَغُوا الجَلعَب جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْأَعْوَصِ فَأَقَامُوا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعُوا، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ لَهُمْ.
لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أُحُدًا وَقَعَ فِيهَا أَشْيَاءُ مِمَّا وَقَعَ فِي بَدْرٍ، مِنْهَا حُصُولُ النُّعَاسِ حَالَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ بِنَصْرِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَمَامِ تَوَكُّلِهَا عَلَى خلقها
وَبَارِئِهَا.
وَقَدْ تقدَّم الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً منه) الآية وَقَالَ هَاهُنَا (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الكُمل كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: النُّعَاسُ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ النِّفَاقِ.
وَلِهَذَا قال بعد هذا (طائفة قد أهمتهم أنفسهم) الآية.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْصَرَ يَوْمَ أُحد كَمَا اسْتَنْصَرَ يَوْمَ بِدْرٍ بِقَوْلِهِ: " إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: " أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ فِي الْجَنَّةِ، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِقِصَّةِ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا.
فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يومئذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ (1) : مَا أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحد * حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ منبه سمع أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوًا بِنَبِيِّهِ - يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سبيل الله "
__________
(1) في كتاب المغازي 24 باب مَا أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ.
ح 4073.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد 38 باب ح 106.
(*)(4/32)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حدَّثنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ على قوم دموا وجه رَسُولِ اللَّهِ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ يَسْلُتُ (1) الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يدعو إلى الله " فأنزل الله (ليس لك من الأمر شئ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 128] : وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ (2) ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ هُشَيْمٍ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كسرت رباعيته وشج في وجهه حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (لَيْسَ لَكَ من الامر شئ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ، قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلَيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قطعة من حصير فأحرقتها [حتى إذا صارت رماداً] (3) ألصقتها فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذكر يوم أُحد قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كُلُّهُ لِطَلْحَةَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أحد فرأيت رجلاً يقاتل في سبيل الله دونه وأراه قال حمية، قَالَ فَقُلْتُ: كنْ طَلْحَةَ حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، فَقُلْتُ يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أَحَبَّ إلي، وبيني وبين المشركين رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَهُوَ يَخْطِفُ الْمَشْيَ خَطْفًا، لَا أَخْطِفُهُ فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ وَقَدْ دَخَلَ فِي وجنته حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُمَا صَاحَبَكُمَا " يُرِيدُ طَلْحَةَ وَقَدْ نَزَفَ، فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ قَالَ: وَذَهَبَتْ لِأَنْزِعَ ذَاكَ مِنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أقسم عليك بحقي لما تركتني، فتركته فكره تناولها بيده فيؤذي
__________
(1) يسلت: يمسح.
(2) رواه مسلم في 32 كتاب الجهاد 37 باب غزوة أحد.
ح 104.
(3) زيادة من دلائل البيهقي.
وقال محققه في هامشه: لانها تعمل عمل المواد القابضة، فإنها عندما تستعمل على الجرح فإنها ترسب البروتين السطحي فيكون طبقة على التهتكات والجروح، فتحمي الجرح من المخترقات الجرثومية وغيرها.
وتوقف النزيف بترسيب العنصر البروتيني في الدم، ومن جهة أخرى فإن لها خاصية ترسيب بروتين البكتريا فتموت، فيكون فعلها في حماية الجرح والقضاء على أي جرثوم قريب منه.
(دلائل البيهقي ج 3 / 260) (*) .(4/33)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأزم عليها بِفِيهِ.
فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ، وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلْقَةِ، وَذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي.
قَالَ: فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلْقَةِ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَتْمًا (1) .
فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ بَيْنِ طعنة ورمية وضربة [أو أقل أو أكثر] (2) وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ (3) .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فروة عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ شَهِدْتُ أُحُدًا فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ تَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يَصْرِفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عبد الله بن شهاب الزهري يومئذ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ ما معه أحد، فجاوزه، فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة، فَقَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ خَرَجْنَا أَرْبَعَةٌ (4) فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فلم نخلص إليه (5) .
قال الواقدي: ثبت عندي أَنَّ الَّذِي رَمَى فِي وَجْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ قَمِئَةَ، وَالَّذِي رَمَى فِي شَفَتِهِ وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوُ هَذَا وَأَنَّ الرَبَاعِيَةَ الَّتِي كُسِرَتْ لَهُ عليه السلام هِيَ الْيُمْنَى السُّفْلَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عمَّن حدَّثه عَنْ سَعْدِ بن أبي وقاص قال: [والله] مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَطُّ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وإن كان ما علمت لسئ الْخُلُقِ مُبَغَّضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي فِيهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ
رَسُولِهِ ".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بن أبي وقاص حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ، وَدَمَّى وَجْهَهُ فَقَالَ " اللَّهم لا يحول عَلَيْهِ الْحَوْلَ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا " فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا إِلَى النَّارِ (6) .
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسن، حدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بن حرب عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاوَى وَجْهَهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِعَظْمٍ بالٍ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَأَيْتُهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْمَغَازِي لِلْأُمَوِيِّ فِي وَقْعَةِ أُحد.
وَلَمَّا نال
__________
(1) الهتم: كسر الثنايا من أصلها.
(2) من رواية البيهقي.
(3) الحديث في دلائل البيهقي 3 / 263 من طريق يونس بن حبيب، ورواه ابن حبان عن عائشة والصالحي في السيرة الشامية من ابن حبان والطيالسي 4 / 295.
(4) وهم: عبد الله بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وابن قميئة، وأُبي بن خلف.
(5) الخبر في الواقدي ج 1 / 237.
(6) الخبر في تفسير عبد الرزاق عن مقسم، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس، ونقله عنهما الصالحي في السيرة الشامية 4 / 294 ونقله البيهقي عنه في الدلائل 3 / 265.
(*)(4/34)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَمِئَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَالَ رَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا.
وَصَرَخَ الشَّيْطَانُ أزبُّ الْعَقَبَةِ يَوْمَئِذٍ بِأَبْعَدِ صَوْتٍ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ! فَحَصَلَ بَهْتَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ذَلِكَ وَصَمَّمُوا عَلَى الْقِتَالِ عَنْ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى التَّسْلِيَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسنجزي (وَسَيَجْزِي) اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً، وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا، وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ
الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وكأي مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آلِ عِمْرَانَ: 144 - 151] .
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ خَطَبَ الصَّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ قَامَهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.
ثمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) الْآيَةَ.
قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَا مِنَ النَّاس أَحَدٌ إِلَّا يَتْلُوهَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ، أَشْعَرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتل.
فقال الأنصاري: إن كان محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) الْآيَةَ.
وَلَعَلَّ هَذَا الْأَنْصَارِيَّ هُوَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حدَّثنا يَزِيدُ حدَّثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ قِتَالِ بِدْرٍ، فَقَالَ غبتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمشركين، لئن الله أشهدني قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ ليرينَّ مَا أَصْنَعُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: اللَّهم إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ عَمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ ممَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ دُونَ أُحُدٍ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا مَعَكَ؟ قَالَ سَعْدٌ: فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَصْنَعُ مَا صَنَعَ، فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ (2) ، قَالَ: فَكُنَّا نَقُولُ: فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نحبه
__________
(1) الخبر في دلائل النبوة ج 3 / 248.
(2) زاد البيهقي في روايته: وقد مثَّلوا به، قال: فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه.
(*)(4/35)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ عن إسحاق بن رَاهْوَيْهِ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، قُلْتُ: بَلْ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَحَدَّثَنَا هَاشِمٌ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ.
عَمِّي (قَالَ هَاشِمٌ: أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) سُمِّيتُ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بِدْرٍ.
قَالَ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غبت عنه، ولئن أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرينَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ.
قَالَ فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ فَاسْتَقْبَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ.
قَالَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتل فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.
قَالَ فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ.
وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23] قَالَ فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَزَادَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَخُو بَنِي جمُح قَدْ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لِيَقْتُلْنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا بلغتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْفَتُهُ قَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَ أُبَيٌّ فِي الْحَدِيدِ مُقَنَّعًا وَهُوَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ.
فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْقُوَةَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ فطعنه فيها بالحربة فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوار الثَّوْرِ فَقَالُوا لَهُ: مَا أَجْزَعَكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ.
فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ فَمَاتَ إِلَى النَّارِ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (1) .
وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أدركه أبي بن خلف وهو يقول: [أي محمد] (3) لانجوت إِنْ نجوتَ.
فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أيعطف عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوه! فلمَّا دنا منه تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ - كَمَا ذُكر لِي - فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتفض انْتِفَاضَةً، تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرِ عَنْ ظَهْرِ البعير إذا
__________
(1) رواه البخاري في 56 كتاب الجهاد 12 باب ح 2805.
وأخرجه مسلم عن أنس في 33 كتاب الامارة 41 باب ح 148.
(2) تقدم الحديث عن موسى بن عقبة في سياق كيف كانت الوقعة، والخبر رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 258.
(3) من ابن هشام.
ج 3 / 89.
(*)(4/36)
انْتَفَضَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ منها عن فرسه مراراً.
ذكر الواقدي عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ بِبَطْنِ رَابِغٍ، فَإِنِّي لَأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغٍ بَعْدَ هوي (1) من الليل إذا أنا بنار تأججت فهبتها وإذا برجل يخرج منها بسلسلة بجذبها يُهَيِّجُهُ الْعَطَشُ فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّهُ قَتِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تقدَّم مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: لِمَّا قُتل أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَوْنَنِي والنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تبكه أو ما تبكيه مازالت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ
بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ.
هَكَذَا ذُكِرَ هذا الحديث ههنا مُعَلَّقًا وَقَدْ أَسْنَدَهُ فِي الْجَنَائِزِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدثنا عبد ان أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفن فِي بُرْدَةٍ إِنْ غطِّي رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غطِّي رِجْلَاهُ بَدَا رَأَسُهُ، وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ (أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا) وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عجلت لنا.
ثم جعل يبكي حتى برد الطَّعَامَ (2) .
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خبَّاب بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فمنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحد لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الْإِذْخِرَ.
ومنَّا مَنْ أينعت له ثمرته فهو يهد بها (3) .
وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحد هُزِمَ المشركون فصرخ
__________
(1) في ابن هشام: الشعراء، وقال: الشعراء ذباب له لدغ.
(2) أي بعد ساعة، وهم في طريقهم إلى مكة.
والخبر في مغازي الواقدي 1 / 252 ودلائل البيهقي 3 / 259.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ح 1274 فتح الباري 3 / 140 - 141 - 142.
(4) يهديها: أي يجتنيها، وهذا استعارة لما فتح الله عليهم من الدنيا.
والخبر أخرجه البخاري في 81 كتاب الرقائق 7 باب وفي 23 كتاب الجنائز 27 باب ح 1276 وأخرجه مسلم في 11 كتاب الجنائز 13 باب ح 44.
(*)(4/37)
إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ.
فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي.
قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى
قَتَلُوهُ.
فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ.
قُلْتُ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمَانَ وَثَابِتَ بْنَ وَقْشٍ كَانَا فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ لِكِبَرِهِمَا وَضَعْفِهِمَا فَقَالَا: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ آجَالِنَا إِلَّا ظِمْءُ حِمَارٍ فَنَزَلَا لِيَحْضُرَا الْحَرْبَ فَجَاءَ طَرِيقُهُمَا نَاحِيَةَ الْمُشْرِكِينَ فَأَمَّا ثَابِتٌ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمَّا الْيَمَانُ فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً.
وَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بدِيَّة أَبِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ لِظُهُورِ الْعُذْرِ فِي ذلك.
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّى سَقَطَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فردَّها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وأحدَّهما.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَالَتْ عَلَى خدِّه، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهَا فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وأحدَّهما وَكَانَتْ لَا تَرْمِدُ إِذَا رَمَدَتِ الْأُخْرَى.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: أُصِيبَتْ عَيْنَايَ يَوْمَ أُحُدٍ فَسَقَطَتَا عَلَى وَجْنَتِي فَأَتَيْتُ بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَادَهُمَا مَكَانَهُمَا وَبَصَقَ فِيهِمَا فَعَادَتَا تَبْرُقَانِ.
وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ أنَّه أصيبت عَيْنُهُ الْوَاحِدَةُ.
وَلِهَذَا لَمَّا وَفَدَ وَلَدُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ لَهُ مُرْتَجِلًا: أَنَا ابْنُ الَّذِي سَالَتْ عَلَى الخَدِّ عينُهُ * فردَّتْ بكفِّ المُصْطَفَى أحسنَ الرَّدِ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لأوَّل أَمرِهَا * فيَا حُسْنَها عيناً وَيَا حُسْنُ مَا خدٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ ذَلِكَ: تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبنٍ * شَيباً بماءٍ فعادَا بعدُ أبو الا ثُمَّ وَصَلَهُ فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمُّ عُمَارَةَ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عُمَارَةَ فَقُلْتُ لَهَا: يَا
خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ فَقَالَتْ: خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَّمَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وأذبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَأَرْمِي عَنِ الْقَوْسِ حَتَّى خَلَصَتِ الْجِرَاحُ إِلَيَّ.
قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ أَصَابَكِ بِهَذَا؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ، أَقْمَأَهُ اللَّهُ، لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُ يَقُولُ دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا فَاعْتَرَضْتُ(4/38)
لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ.
وَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَترَّسَ أَبُو دُجَانَةَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، يقبع (يَقَعُ) النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: فَمَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتل، وَبِهِ سُمِّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.
فَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً، فَمَا عَرَفَهُ إِلَّا أُخْتُهُ، عَرَفَتْهُ بِبَنَانِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمَئِذٍ فَهَتِمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أصابه بعضها في رجله فعرج.
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلِ النَّاسِ قُتِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَ لِي الزُّهْرِيُّ - كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ،
فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِلَى] (1) أَنْ أَنْصِتْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا بِهِ، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوُ الشِّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الخطَّاب، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَرَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَلَمَّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بن خلف (فذكر قتله عليه السلام أُبَيًّا كَمَا تَقَدَّمَ) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حدَّثني صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عِنْدِي العودَ - فَرَسًا - أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فَرَقاً (2) مِنْ ذُرَةٍ، أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ.
فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَلَّمَا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدَّمُ فَقَالَ: قَتَلَنِي وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ.
فَقَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاللَّهِ فُؤَادُكَ، وَاللَّهِ إنْ بِكَ بَأْسٌ قَالَ: إنَّه قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكَّةَ: أَنَا أَقْتُلُكَ.
فَوَاللَّهِ لَوْ بَصَقَ عليَّ لَقَتَلَنِي.
فَمَاتَ عَدُوُّ الله بسرَف (3) وهم قافلون به
__________
(1) من ابن هشام.
(2) الفرق: بفتح الراء واسكانها: مكيال يسع ستة عشر منا، وقيل اثني عشر رطلاً.
(3) سرف: موضع على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وتسعة واثني عشر، بها تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَيْمُونَةَ بنت = (*)(4/39)
إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: لَقَدْ ورِثَ الضَّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ * أُبَيٌّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرسولُ أتيتَ إِلَيْهِ تحملُ رِمَّ عَظْمٍ * وتُوعِده وَأَنْتَ بِهِ جَهول وَقَدْ قَتلتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْكُمْ * أميةَ إِذْ يُغَوِّثُ: يَا عَقِيلُ وتَبَّ ابْنَا ربيعةَ إِذْ أَطَاعَا * أَبَا جهلٍ لِأُمِّهِمَا الْهَبُولُ (1) وأفلتَ حارثٌ لما شُغلنا * بأسْرِ القوم، أُسرتِهِ قليل وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَلَا مَن مبلغٌ عَنِّي أُبَيًّا * فَقَدْ أُلْقِيتَ فِي سُحُقِ السَّعِيرِ (2)
تمُني بِالضَّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ * وتقُسِمُ إِنْ قَدرتَ مَعَ النُذور تمنِّيكَ الْأَمَانِي مِنْ بَعِيدٍ * وقولُ الكفرِ يرجعُ فِي غُرُورِ فَقَدْ لَاقَتْكَ طعنةُ ذِي حفاظٍ * كريمِ البيتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ لَهُ فضلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُراً * إِذَا تابت مُلمّاتُ الْأُمُورِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فلمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنَ الْمِهْرَاسِ (3) فَجَاءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَعَافَهُ وَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ، وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " اشْتَدَّ غَضَبُ الله على من دمى نَبِيَّهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ شَوَاهِدُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحيحة بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشعب معه أولئك النفر من أصحاب إِذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِيهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم اللَّهم إنَّه لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا.
فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ مِنَ الْجَبَلِ، وَنَهَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَخْرَةٍ مِنَ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَقَدْ كَانَ بدَّن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَنَهَضَ بِهِ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ " أَوْجَبَ (4) طَلْحَةُ " حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذَ مَا صَنَعَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عمر مولى عفرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظَّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قتادة قال:
__________
= الحارث وبنى بها فيها وبها توفيت (معجم البلدان) .
(1) الهبول: الفقد، هبلته أمه: أي فقدته.
(2) في ابن هشام: لقد.
(3) المهراس: ماء بأحد، وقيل حجر ينقر ويجعل إلى جانب البئر، ويصب فيه الماء لينتفع به الناس.
(4) أوجب: أي وجبت له الجنة.
(*)(4/40)
كَانَ فِينَا رَجُلٌ أتيُّ (1) لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ: قُزْمَانُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا ذُكِرَ " إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ " قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يوم أحد قاتل قتالاً شديداً، فقتل هو وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إِلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ، فَأَبْشِرْ.
قَالَ بِمَاذَا أُبْشِرُ فَوَاللَّهِ إِنْ قَاتَلْتُ إِلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ.
قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أخذ سهماً من كنانته فقتل له نَفْسَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ قِصَّةِ هَذَا فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ " هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار " فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ إنَّه مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ فَقَالَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَى النَّارِ " فَكَادَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَرْتَابُ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ بِهِ جِرَاحٌ شَدِيدَةٌ فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَأُخْبِرَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ " أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةُ وَأَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ".
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ ممَّن قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيقُ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بن الغيطون فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ.
قَالُوا: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ.
قَالَ: لَا سَبْتَ لَكُمْ.
فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدَّتَهُ وَقَالَ: إِنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ.
ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا " مُخَيْرِيقُ خَيْرُ يَهُودَ " قَالَ السُّهَيْلِيُّ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ مُخَيْرِيقَ - وَكَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ - أَوْقَافًا بالمدينة لله قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَكَانَتْ أَوَّلَ وَقْفٍ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يصلِ قَطُّ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ
هُوَ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ.
قَالَ الْحُصَيْنُ: فقلت لمحمود بن أسد: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بدا له فأسلم ثم أخد سَيْفَهُ، فَغَدَا حَتَّى دَخَلَ فِي عَرْضِ النَّاسِ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ قَالَ: فَبَيْنَمَا رِجَالٌ من بني عبد الأشهل يلتمسون قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لِمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا [مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو] (2) أَحَدَبٌ على
__________
(1) أتي: غريب.
قال الواقدي: كان: قزمان عديدا في بني ظفر، وكان لهم حائطا محبا، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم وكان يكنى بأبي الغيداق.
(2) من ابن هشام ج 3 / 95.
(*)(4/41)
قَوْمِكَ أَمْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: بَلْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي، وَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي.
فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ.
فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ قَالُوا: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلُ الْأُسْدِ، يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشَاهِدَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَذَرَكَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَقَالَ: إِنَّ بَنِيَّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْخُرُوجِ مَعَكَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنَّ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ الْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّا أَنْتَ فَقَدَ عَذَرَكَ اللَّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْكَ " وَقَالَ لِبَنِيهِ " مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لعلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ " فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ - كَمَا حدَّثني صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ - وَالنِّسْوَةُ اللَّائِي مَعَهَا يُمَثِّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يجد عن الْآذَانَ وَالْأُنُوفَ حَتَّى اتَّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرِّجَالِ وَأُنُوفِهِمْ خَدَمًا (2) وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وقرطها وَحْشِيًّا.
وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا فَلَفَظَتْهَا.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عقبة: أن الذي بقر عن كَبِدَ حَمْزَةَ وَحْشِيٌّ فَحَمَلَهَا إِلَى هِنْدٍ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ
تُسِيغَهَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ: نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ * وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتُ سُعْرِ مَا كَانَ لِيَ عَنْ عتبةِ مِنْ صَبْرِ * وَلَا أخي وعمه وبكر شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي * شَفَيْتَ وَحْشِيُّ غَلِيلَ صَدْرِي فَشُكْرُ وحشيٍ عَلَيَّ عُمْرِي * حَتَّى تَرِمَّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي قَالَ فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ: خَزِيتِ فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرِ * يَا بِنْتَ وَقَّاعٍ عظيم الكفر صبحك الله غداة الفجر * م الهاشميين الطِّوَالِ الزُّهْرِ (3) بِكُلِّ قَطَّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي * حَمْزَةُ ليثيٌ وعلي صقري
__________
(1) قال الواقدي: " قال أبو طلحة: نظرت إلى عمرو حين انكشف المسلمون، وهو في الرعيل الأول ... وابنه يعدو في أثره حتى قتلا جميعا، ودفن هو وعبد الله بن عمرو في قبر واحد.
وقال السهيلي: أنه لما خرج - عمرو - قال: اللهم لا تردني، فاستشهد، فجعله بنوه على بعير ليحملوه إلى المدينة، فاستصعب عليهم البعير ... فلما لم يقدروا عليه، دفنوه في مصرعه.
(2) الخدم: جمع خدمة، وهي الخلخال.
(3) م الهاشميين: أراد من الهاشميين.
فحذف النون من (من) لالتقاء الساكنين.
(*)(4/42)
إِذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوكِ غَدْرِي * فَخَضَّبَا مِنْهُ ضَوَاحِيَ النَّحْرِ وَنَذْرُكِ السُّوءُ فَشَرُّ نَذْرِ قَالَ ابن إسحاق: وكان الحليس بن زيان أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ - مَرَّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شِدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِزُجِّ الرُّمْحِ وَيَقُولُ: ذُقْ عُقَقُ.
فَقَالَ الْحُلَيْسُ: يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمِّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا (1) .
فَقَالَ:
وَيْحَكَ اكْتُمْهَا عَنِّي فَإِنَّهَا كَانَتْ زَلَّةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ، حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَنْعَمَتْ [فَعَالِ] (2) ، إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، يَوْمٌ بيوم بدر، اعل هبل (أي ظهر دِينَكَ) .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِعُمَرَ " قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ فَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، لَا سَوَاءَ (3) ، " قَتْلَانَا فِي الجنَّة وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار " فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: هلمَّ إليَّ يَا عُمَرَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ.
فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ عُمُرُ: اللَّهُمَّ لَا وَإِنَّهُ لِيُسْمَعُ كَلَامَكَ الْآنَ.
قَالَ: أَنْتَ عِنْدِي أَصْدَقُ مِنَ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ نَادَى أبو سفيان: أنه كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مَثْلٌ، وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ وَمَا سَخِطْتُ، وَمَا نَهَيْتُ وَلَا أَمَرْتُ.
قَالَ: وَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ نَادَى: إِنَّ مَوْعِدَكُمْ بدر العام المقبل.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: قُلْ: نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: اخْرُجْ فِي آثَارِ القوم وانظر مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنَّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطُوا الْإِبِلَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنَّ إِلَيْهِمْ فِيهَا ثُمَّ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ، فَجَنَّبُوا الْخَيْلَ وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة.
دُعَاءِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحد قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " استووا حتى أثني على ربي عزوجل " فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لما باعدت، ولا ومبعد لِمَا قَرَّبْتَ.
اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ المقيم الذي لا يحول ولا يزول.
__________
(1) لحما: أي ميتا لا يستطيع الانتصار لنفسه.
(2) من ابن هشام.
(3) لا سواء: أي لا نحن سواء، وقد جاز دخول لا في هذا الموضع، لان القصد فيه نفي الفعل: أي لا نستوي.
(*)(4/43)
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنَا.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهِ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
اللَّهُمَّ تُوفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ.
اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.
اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ " (1) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ به.
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَفَرَغَ النَّاسُ لِقَتْلَاهُمْ، فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (2) : أَنَا.
فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رمق، قال: فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ فَقَالَ: إِنَّا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سلامي وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نبياً عن أمته.
وأبلغ قومك [الأنصار] (3) عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عند الله إنَّ خلص إلى نبيكم وفيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ.
قَالَ ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مات وجئت النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ.
قُلْتُ: كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا فِي القتلى محمد بن سلمة فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَادَاهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَمَّا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ خَبَرَكَ أَجَابَهُ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ وَذَكَرَهُ (4) .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا أُبَيَّ [بْنَ] كَعْبٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مِنَ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي آخَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي، يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ، وَمُثِّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ، فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى: " لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ وَتَكُونَ سُنَّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ، وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَلَئِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ فِي مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ لَأُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ " فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمِّهِ مَا فَعَلَ، قَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَوْمًا من
__________
(1) الدعاء في مسند أحمد ج 3 / ص 424.
(2) في الواقدي: محمد بن مسلمة، وسيأتي اسمه بعد قليل.
(3) من الواقدي.
(4) الخبر في الواقدي باختلاف 1 / 292 - 293.
(*)(4/44)
الدَّهْرِ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانِ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ ابن عباس: أن الله أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) الْآيَةَ [النَّحْلِ: 126] .
قَالَ: فَعَفَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
قُلْتُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ (2) وَقِصَّةُ أُحُدٍ بَعْدَ الهجرة بثلاث سنين فكيف يلتئم هذا.
فالله أعلم.
قال: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ [بن جندب] قَالَ: مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامٍ قَطُّ فَفَارَقَهُ، حَتَّى يَأْمُرَ بِالصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمَّا وَقَفَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ " لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِكَ أبداً، ما وقفت قط موقفاً أَغْيَظَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا " ثمَّ قَالَ " جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ حَمْزَةَ مَكْتُوبٌ فِي [أَهْلِ] السموات السَّبْعِ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ " قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ حَمْزَةُ وأبو سلمة بن عبد الأسد أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ ثَلَاثَتَهُمْ ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ.
الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ فَسُجِّيَ بِبُرْدَةٍ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ أَتَى بِالْقَتْلَى يُوضَعُونَ إِلَى حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً " وَهَذَا غَرِيبٌ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ (3) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ فَلَوْ حَلَفْتُ يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أَبَرَّ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 101 (2) قال الرازي في التفسير الكبير: سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها.
وحكى الاصم عن بعضهم: أنها كلها مدنية.
وقال قتادة: من قوله " كن فيكون " إلى آخرها مدني.
وقال الرازي: قال الواحدي: ما عليه الْعَامَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رأى حمزة وقد مثَّلوا به قال: لامثلن بسبعين منهم مكانك.
فنزل جبريل بخواتيم سورة النحل فكف النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد.
وقال القرطبي في تفسيره: 10 / 201: أطبق جمهور أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد.
(3) قال السهيلي لم يؤخذ به لوجهين: أحدهما: ضعف إسناده، قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، يعني الحسن بن عمارة فيما ذكروا، ولا خلاف في ضعفه عند أهل الحديث.
وإن كان غيره فهو مجهول والجهل يوبقه والوجه الثاني: انه حديث لم يصحبه العمل، ولا يروى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أنه صلَّى على شهيد في شئ من مغازيه إلا هذه الرواية (*) .(4/45)
ليبتليكم) فَلَمَّا خَالَفَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَوْا مَا أُمِرُوا بِهِ أُفْرِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تِسْعَةٍ (1) سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاثْنَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ عَاشِرُهُمْ - فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ
عَنَّا..فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَا حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: اعْلُ هُبَلَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَقَالُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا، وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ، حَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ (2) ، وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا سَوَاءَ، أَمَّا قَتْلَانَا فَأَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار يُعَذَّبُونَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ كَانَتْ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لَعَنْ غَيْرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرْتُ وَلَا نَهَيْتُ وَلَا أَحْبَبْتُ وَلَا كَرِهْتُ، وَلَا سَاءَنِي وَلَا سَرَّنِي، قَالَ فَنَظَرُوا فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ وَأَخَذَتْ هند كبد فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأكلت شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ فِي النَّار، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمزة فصلى عليه وجئ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة وجئ بِآخِرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَثْبَتَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يصلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا (3) .
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ رَبِّهِ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ: فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يصلِّ عَلَيْهِمْ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ عَدِيدَةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيرٍ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا [ابْنُ] (4) الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
__________
(1) في الواقدي: في أربعة عشر: سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار.
(2) يعني: حنظلة بن أبي عامر بحنظلة بن أبي سفيان.
(3) أخرجه البخاري في الصحيح عن قتيبة في 64 كتاب المغازي 26 باب فتح الباري 7 / 374.
وفي 23 كتاب الجنائز 72 باب فتح الباري 3 / 309.
ورواه أبو داود في الجنائز باب في الشهيد هل يغسل.
ورواه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد.
ورواه النسائي في الجنائز باب ترك الصلاة عليهم.
وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهداء.
(4) من صحيح البخاري.
(*)(4/46)
قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا ولكنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا.
قَالَ: فَكَانَ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظْرَتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجْنَا مِنَ السَّحَرِ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ نَسْتَطْلِعُ الْخَبَرَ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إِذَا رَجُلٌ مُحْتَجِرٌ يَشْتَدُّ وَيَقُولُ: لَبِّثْ قَلِيلًا يشهد الهيجا حمل (1) قال: فَنَظَرْنَا فَإِذَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، ثُمَّ مَكَثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا بِعِيرٌ قَدْ أَقْبَلَ، عَلَيْهِ امْرَأَةٌ بَيْنَ وَسَقَيْنِ قَالَتْ فَدَنَوْنَا مِنْهَا فَإِذَا هِيَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.
فَقُلْنَا لَهَا مَا الْخَبَرُ قَالَتْ: دَفَعَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءَ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عزيزا.
ثُمَّ قَالَتْ لِبَعِيرِهَا: حُلْ.
ثُمَّ نَزَلَتْ، فَقُلْنَا لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: أَخِي وَزَوْجِي.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِتَنْظُرَ إِلَيْهِ (2) وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِهَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا أمَّه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَرْجِعِي.
قَالَتْ وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّه مُثِّلَ
بِأَخِي، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ، فَمَا أَرْضَانَا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَنَّ وَلَأَصْبِرَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَلَمَّا جَاءَ الزُّبَيْرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بِذَلِكَ، قَالَ: خلِّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ وَدُفِنَ مَعَهُ ابْنُ أُخْتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ قَدْ مُثِّلَ بِهِ غَيْرَ أنَّه لم ينقر عَنْ كَبِدِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْمُجَدَّعُ فِي اللَّهِ قَالَ وَذَكَرَ سَعْدٌ أَنَّهُ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جحش دعيا بِدَعْوَةٍ فَاسْتُجِيبَتْ لَهُمَا فَدَعَا سَعْدٌ أَنْ يَلْقَى فَارِسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيَقْتُلَهُ وَيَسْتَلِبَهُ فَكَانَ ذَلِكَ وَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَنْ يَلْقَاهُ فَارِسٌ فَيَقْتُلَهُ وَيَجْدَعَ أَنْفَهُ فِي اللَّهِ فَكَانَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: أَنَّ سَيْفَهُ يَوْمَئِذٍ انْقَطَعَ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْجُونًا فَصَارَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ سَيْفًا يُقَاتِلُ بِهِ ثُمَّ بِيعَ فِي تَرِكَةِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَهَذَا كَمَا تقدَّم لِعُكَّاشَةَ فِي يَوْمِ بدرٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ في الكفن الواحد
__________
(1) البيت في تاج العروس ونسبه: لحمل بن سعدانة وعجزه: ما أحسنَ الموت إذا حان الأجل.
وقال في اللسان: يعني به حمل بن بدر.
(2) أي إلى حمزة بن عبد المطلب.
(*)(4/47)
وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي يَشُقُّ مَعَهَا أَنْ يَحْفِرُوا لكل واحد واحد وَيُقَدِّمَ فِي اللَّحْدِ أَكْثَرَهُمَا أَخْذًا لِلْقُرْآنِ وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ الْمُتَصَاحِبَيْنِ فِي اللَّحْدِ الْوَاحِدِ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَالِدِ جَابِرٍ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُتَصَاحِبَيْنِ وَلَمْ يُغَسَّلُوا بَلْ تَرَكَهُمْ بِجِرَاحِهِمْ وَدِمَائِهِمْ.
كَمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما انصرف عن الْقَتْلَى يَوْمَ أُحد قَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ أنَّه مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي سبيل اللَّهِ إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ
إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحيحين مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ بِالشُّهَدَاءِ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالُوا قَدْ أَصَابَنَا قُرْحٌ وجهد فكيف تأمر؟ فَقَالَ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّهُمْ يُقَدَّمُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا.
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ فَذَكَرُهُ: وَزَادَ وَأَعْمِقُوا (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا (2) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عبد الله وعتاب، حدثنا عبد الله، حدثنا عُمَرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يقول: استشهد أبي بأحد فأرسلني إخواني إِلَيْهِ بِنَاضِحٍ لَهُنَّ فَقُلْنَ: اذْهَبْ فَاحْتَمِلْ أَبَاكَ عَلَى هَذَا الْجَمَلِ فَادْفِنْهُ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي سَلَمَةَ.
فَقَالَ فَجِئْتُهُ وَأَعْوَانٌ لِي فَبَلَغَ ذَلِكَ نبي الله وَهُوَ جَالِسٌ بِأُحُدٍ فَدَعَانِي فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُدْفَنُ إِلَّا مَعَ إِخْوَتِهِ فَدُفِنَ مَعَ أَصْحَابِهِ بِأُحُدٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ قَتْلَى أُحُدٍ حُمِلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب في تعميق الحفر ح 3215 وح 3216 و 3217 وأخرجه الترمذي ح 1713 وقال حسن صحيح.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 103.
(3) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 297 وأبو داود في الجنائز باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض، والترمذي في كتاب
الجهاد، باب ما جاء في دفن القتيل في مقتله 4 / 215.
وأخرجه النسائي في الجنائز، باب أين يدفن الشهيد = (*)(4/48)
وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٌ الْعَنْزِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَنْ المدينة إلى المشركين يقاتلهم، وَقَالَ لِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ: يَا جَابِرُ لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِي نَظَّارِي أَهْلِ المدينة حتَّى تعلم إلى ما مصير أَمْرُنَا فَإِنِّي وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أَتْرُكُ بَنَاتٍ لِي بَعْدِي لَأَحْبَبْتُ أَنْ تُقْتَلَ بَيْنَ يَدِيَّ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي وَخَالِي عَادَلَتْهُمَا عَلَى نَاضِحٍ فَدَخَلَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا إِذْ لَحِقَ رَجُلٌ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ، فَرَجَعْنَا بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا حَيْثُ قُتِلَا فَبَيْنَا أَنَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَثَارَ أَبَاكَ عُمَّالُ مُعَاوِيَةَ فَبَدَا فَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنْهُ.
فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي دَفَنْتُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِلَّا مَا لَمْ يَدَعِ الْقَتْلُ أَوِ الْقَتِيلُ (1) ، ثُمَّ سَاقَ الْإِمَامُ قِصَّةَ وَفَائِهِ دَيْنَ أَبِيهِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا أَجْرَى مُعَاوِيَةُ الْعَيْنَ عِنْدَ قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً اسْتَصْرَخْنَاهُمْ إِلَيْهِمْ فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ فَأَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ قَدَمَ حَمْزَةَ فَانْبَعَثَ (2) دَمًا.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فَأَخْرَجْنَاهُمْ كَأَنَّمَا دُفِنُوا بِالْأَمْسِ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ الْعَيْنَ (3) نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ بِأُحُدٍ فَلْيَشْهَدْ، قَالَ جَابِرٌ: فَحَفَرْنَا عَنْهُمْ فَوَجَدْتُ أَبِي فِي قَبْرِهِ كَأَنَّمَا هُوَ نَائِمٌ على هيئته [وما تغير من حاله قليل ولا كثير] (4) ووجدنا جَارَهُ فِي قَبْرِهِ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ (5) وَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ فَأُزِيلَتْ عَنْهُ فَانْبَعَثَ جُرْحُهُ دَمًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ فَاحَ مِنْ قُبُورِهِمْ مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ دُفِنُوا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لِي مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ عَلِيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا، فَأَصْبَحْنَا وكان أَوَّلَ قَتِيلٍ،
فَدَفَنْتُ مَعَهُ آخَرَ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ
__________
= 4 / 79.
وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم.
(1) انظر الحاشية السابقة.
(2) في دلائل البيهقي 3 / 291: فانثعب.
(3) في مغازي الواقدي 1 / 267: الكظامة، والكظامة: قناة وهي آبار تحفر في الارض متناسقة ويخرق بعضها إلى بعض تحت الارض فتجمع مياهها جارية، ثم تخرج عند منتهاها فتسيح على وجه الأرض.
(النهاية ج 4 / 22) .
(4) من الواقدي.
(5) في الواقدي والبيهقي: عبد الله قد أصابه جرح في وجهه، فيده على وجهه فأميطت يده عن جرحه فثعب الدم (جرى) فردت إلى مكانها فسكن الدم.
(*)(4/49)
كيوم وضعته هيئة (1) غَيْرَ أُذُنِهِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ جَعَلَ يَكْشِفُ عَنِ الثَّوْبِ وَيَبْكِي فَنَهَاهُ النَّاس فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ، لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تظله حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَمَّتَهُ هِيَ الباكية (2) .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ الْبَصْرِيُّ حدَّثنا أَبُو عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ " يَا جَابِرُ أَلَّا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ بَلَى بَشَّرَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ، فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَهُ.
قَالَ: يا رب عبد تك حَقَّ عِبَادَتِكَ أَتَمَنَّى عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأَقْتُلَ مَعَ نَبِيِّكَ وَأُقْتَلَ فِيكَ مَرَّةً أخرى، قال: إنه سَلَفَ مِنِّي أَنَّهُ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُ " (3) .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حدَّثنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي المعروف الإسفرايني، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ (4) بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ
طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ السَّلْمَيَّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نظر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " مالي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا وَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ.
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ أن تردني إلى الدينا فأقتل فيك ثانية، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي الْقَوْلُ: أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ.
قَالَ يَا رَبِّ: فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عند ربهم يرزقون) الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 169] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، سمعت جابراً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلا أبشرك يا جابر؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ: إِنَّ أَبَاكَ حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحِدٍ، أَحْيَاهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تحب يا عبد الله ما تحب أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ قَالَ: أَيْ رَبِّ أُحِبُّ أن تردني إلى الدينا فَأُقَاتِلَ فِيكَ فَأُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى " (5) وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ، وَزَادَ: فَقَالَ اللَّهُ إِنِّي قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
__________
(1) في البيهقي: هنية.
أخرجه البخاري في 23 كتاب الجنائز 77 باب ح 1351 فتح الباري 3 / 214.
وأخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 294 وفي السنن الكبرى 4 / 57.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 26 باب ح 4080 ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة 26 باب ح 130.
(3) دلائل النبوة ج 3 / 298.
(4) سقطت من الدلائل.
(5) سيرة ابن هشام ج 3 / 127.
(*)(4/50)
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحد " أَمَا وَاللَّهِ لوددت أني غودرت مع
أصحابه بحضن الْجَبَلِ " يَعْنِي سَفْحَ الْجَبَلِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَدَعَا لَهُ ثمَّ قَرَأَ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عليه) الْآيَةَ [الْأَحْزَابِ: 23] قَالَ " أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ " (1) وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ فَإِذَا أَتَى فُرْضَةَ الشِّعْبِ قَالَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ وَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ بَعْدَ عُمَرَ يَفْعَلُهُ (2) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهُمْ كل حول فإذا بلغ نقرة الشِّعْبَ (3) يَقُولُ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ حَوْلٍ ثمَّ عُمَرُ ثمَّ عُثْمَانُ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْتِيهِمْ فَتَبْكِي عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو لَهُمْ، وَكَانَ سَعْدٌ يُسَلِّمُ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: أَلَّا تُسَلِّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدُّونَ عَلَيْكُمْ.
ثُمَّ حَكَى زِيَارَتَهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ (5) ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَتْنِي خَالَتِي قَالَتْ: رَكِبْتُ يَوْمًا إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ - وَكَانَتْ لَا تَزَالُ تَأْتِيهِمْ - فَنَزَلْتُ عِنْدَ حَمْزَةَ فَصَلَّيْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ وَمَا فِي الْوَادِي دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ إِلَّا غُلَامًا قَائِمًا آخِذًا بِرَأْسِ دَابَّتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي قُلْتُ هَكَذَا بِيَدِي " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " قَالَتْ: فَسُمِعْتُ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ أَعْرِفُهُ كَمَا أعرف أن الله عزوجل خَلَقَنِي وَكَمَا أَعْرِفُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنِّي (6) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قال
__________
(1) دلائل البيهقي 3 / 284 وقال في آخره: كذا وجدته في كتابي عن أبي هريرة.
ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 200 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي: والحديث عند الحاكم عن أبي ذر، ورواه ابن
مردويه عن خبَّاب بن الأرت.
(2) دلائل البيهقي: 3 / 306.
(3) في رواية البيهقيّ عن الواقدي: تفوه الشعب رفع صوته: أي دخل في أوله.
(4) الخبر في مغازي الواقدي ج 1 / 313 - 314.
(5) وهو إبراهيم بن سعيد.
(6) الخبر في دلائل البيهقي من طريق الحسين بن صفوان البردعي 3 / 308.
(*) .(4/51)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخوانا عَنَّا أَنَا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ.
فقال الله عزوجل: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يرزقون) (1) .
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عند ربهم يرزقون) .
فقال: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " أَرْوَاحُهُمْ في جوف طير خُضْرٍ (2) تَسْرَحُ فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: اسألوني ما شئتم.
فقالوا يا ربنا ما نَسْأَلُكَ وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أجسادنا في الدنيا نقتل في سبيلك مرة أخرى.
قَالَ: فَلَمَّا رَأَى (3) أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا هَذَا تُرِكُوا (4) .
فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ جَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا وقد ثبت فِي الْحَدِيثِ الصَّحيح عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ رَجُلًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ أَنَّهُ كَانَ يقول قارب السَّبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قتل من الأنصار يوم أحد وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سبعون وهكذا قال عكرمة وعروة
__________
(1) الخبر في دلائل البيهقي 3 / 304 وفي سنن أبي داود في الجهاد باب في فضل الشهادة ح 2520.
وسيرة ابن هشام ج 3 / 126.
(2) في البيهقي: أرواحهم كطير خضير.
(3) في صحيح مسلم: فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.
(4) الحديث موقوف.
أخرجه مسلم في 33 كتاب الامارة 33 باب ح 121.
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 303، والترمذي في تفسير سورة آل عمران: وقال: حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه في الجهاد.
(*)(4/52)
وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ويشهد له قوله تعالى (أَوْ لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا) يعني أنهم قتلوا يوم سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قُتِلَ من الأنصار - لعله من المسلمين - يوم أحد خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَمْزَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ وَالْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى قَبَائِلِهِمْ وَقَدِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ ابْنُ هِشَامٍ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ خَمْسَةً آخَرِينَ فَصَارُوا سَبْعِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ وَسَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُمُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا.
وَعَنْ عُرْوَةَ كَانَ الشُّهَدَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعَةً أَوْ قَالَ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَقَالَ موسى بن عقبة تسعة وأربعون وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا (1) وَقَالَ عُرْوَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ (2) .
وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنِ
الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُؤْسَرْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سِوَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ وقد كان من الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا فِدْيَةٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يُقَاتِلَهُ فَلَمَّا أُسِرَ يَوْمَ أُحد قَالَ: يَا مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَيَّ لِبَنَاتِي وَأُعَاهِدُ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أدعك تمسح عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ وَتَقُولُ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ " (3) .
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ كَمَا ذُكِرَ لِي فَلَّمَا لَقِيَتِ النَّاسَ نُعِيَ إِلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانٍ " لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبُّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا (4) .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَنَّهُ قِيلَ لَهَا: قُتِلَ أَخُوكِ.
فَقَالَتْ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّا لِلَّهِ وإنا إليه راجعون.
فقالوا: قُتِلَ زَوْجُكِ قَالَتْ: وَاحُزْنَاهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلزَّوْجِ مِنَ المرأة لشعبة ما هي لشئ " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ (5) مُحَمَّدِ بْنِ سعد بن أُبي
__________
(1) في الدرر في المغازي لابن عبد البر: جميعهم سبعون رجلا (ص 156) .
وقد ذكر ابن سيد الناس في عيون الاثر ما يزيد على المائة نقلا عن كتب السير والطبقات وعقب على ذلك بأنه ذكر أن قتلى أحد سبعون، وإنما نشأت هذه الزيادة من الخلاف في الرواية والاسماء.
(2) أسماء القتلى من المسلمين والمشركين.
(3) الخبر رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 280.
(4) سيرة ابن هشام ج 3 / 104.
(5) من ابن هشام وفي الاصل " عن " تحريف.
(*)(4/53)
وَقَّاصٍ قَالَ: مرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ وَقَدْ أصيب زوجها وأخوها وأبو ها (1) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ فَلَمَّا نُعُوْا لَهَا قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أَمَّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: أَرَوْنِيهِ حتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ.
قَالَ ابْنُ هشام: الجلل يكون من القليل والكثير وهو ههنا الْقَلِيلِ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: لِقَتْلِ بَنِي أَسَدٍ ربهم * ألا كل شئ خَلَاهُ جَلَلْ (2) أَيْ صَغِيرٌ وَقَلِيلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فلمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ: " اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بنيه، فوالله لَقَدْ صَدَقَنِي فِي هَذَا الْيَوْمِ " وَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ: وَهَذَا فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَهُ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حَنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ ".
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَ عَلِيٍّ مُخَضَّبًا بِالدِّمَاءِ قَالَ: " لَئِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِسَيْفِهِ يَوْمَ أُحُدٍ قَدِ انْحَنَى فَقَالَ لِفَاطِمَةَ: هَاكِ السَّيْفَ حَمِيدًا فَإِنَّهَا قَدْ شَفَتْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ كُنْتَ أَجَدْتَ الضَّرْبَ بِسَيْفِكَ لَقَدْ أَجَادَهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ " (3) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَيْفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا هُوَ ذُو الْفَقَارِ (4) ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الفقار (5) ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَلِيٍّ: " لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنَّا مِثْلَهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنَّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال: " لكن
__________
(1) في مغازي الواقدي السميراء بنت قيس إحدى نساء بني دينار وقد نعي لها ابناها: النعمان بن عبد عمرو،
وسليم بن الحارث - ولم يذكر ابن اسحاق غيرهما فيمن استشهد من بني دينار - وسماه ابن سعد: سلم.
ولم أجد في الاسماء التي ذكرت فيمن استشهد يوم أحد اسم زوجها وكانت تحت الحارث بن ثعلبة بن كعب بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بن النجار (وسليم ابنه) (مغازي الواقدي 1 / 292 - سيرة ابن هشام 3 / 131 طبقات ابن سعد ج 3 - ج 8) .
(2) في نسخة لابن هشام: سواه بدل خلاه.
وربهم: يعني ملك بني أسد " حجر ".
(3) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 283 والحاكم في المستدرك 3 / 24 وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(4) كان ذو الفقار سيفا للعاصي بن منبه، فلما قتل كافرا يوم بدر صار إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إلى علي بن أبي طالب.
(5) في ابن هشام: لا سيف إلا ذو الفقار لا فتى إلا علي.
(*)(4/54)
حَمْزَةَ لَا بِوَاكِيَ لَهُ " فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُنَّ أَنْ يَتَحَزَّمْنَ ثُمَّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُنَّ على حمزة خرج عليهن وهن في باب المسجد يبكين فَقَالَ: " ارْجِعْنَ يَرْحَمُكُنَّ اللَّهُ فَقَدَ آسَيْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ " (1) قَالَ: وَنَهَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّوْحِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هشام، وهذا الذي ذكره مُنْقَطِعٌ وَمِنْهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ أُحُدٍ فَجَعَلَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " وَلَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بِوَاكِيَ لَهُ " قَالَ: ثُمَّ نَامَ فَاسْتَنْبَهَ وَهُنَّ يَبْكِينَ قَالَ: " فَهُنَّ الْيَوْمَ إِذًا يَبْكِينَ يَنْدُبْنَ حَمْزَةَ " وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيثي، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مرَّ بِنِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ هَلْكَاهُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بِوَاكِيَ لَهُ " فَجَاءَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ حَمْزَةَ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ويحهن ما انقلبن بعد مرورهن فَلْيَنْقَلِبْنَ وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ " وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِقَّةَ
الْمَدِينَةِ إِذَا النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ فِي الدُّورِ قَالَ: " مَا هَذَا " قَالُوا: هَذِهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ فَقَالَ: " لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بِوَاكِيَ لَهُ " وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَمَشَوْا إِلَى دُورِهِمْ فَجَمَعُوا كُلَّ نَائِحَةٍ بَاكِيَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا تَبْكِينَ قَتْلَى الْأَنْصَارِ حَتَّى تَبْكِينَ عَمَّ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بِوَاكِيَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِالنَّوَائِحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: " مَا هَذَا " فَأُخْبِرَ بِمَا فَعَلَتِ الْأَنْصَارُ بِنِسَائِهِمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا وَقَالَ: " مَا هَذَا أَرَدْتُ، وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ " وَنَهَى عَنْهُ (2) .
وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَوَاءً.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَأَخَذَ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَ بُكَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَكْرِ وَالتَّفْرِيقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْزِينِ الْمُسْلِمِينَ وَظَهَرَ غِشُّ الْيَهُودِ وَفَارَتِ الْمَدِينَةُ بِالنِّفَاقِ فَوْرَ الْمِرْجَلِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ وَلَا أُصِيبَ مِنْهُ مَا أُصِيبَ وَلَكِنَّهُ طَالِبُ مُلْكٍ تَكُونُ لَهُ الدَّوْلَةُ وَعَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ وَقَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: لَوْ كُنْتُمْ أَطَعْتُمُونَا مَا أَصَابَكُمُ الَّذِينَ أَصَابُوا مِنْكُمْ فَأَنْزِلُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ وَتَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي فِيمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَقَالَ: " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الْآيَاتِ كُلَّهَا كَمَا تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة.
__________
(1) نقله البيهقي في الدلائل ج 3 / 301.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 300 عن عروة بن الزبير.(4/55)
خروج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم بأصحابه عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْقُرْحِ وَالْجِرَاحِ فِي أثر أبي سفيان قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بَعْدَ اقْتِصَاصِهِ وَقْعَةَ أُحُدٍ، وَذِكْرِهِ رُجُوعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْمَدِينَةِ: وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنَ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: نَازَلْتُهُمْ فَسَمِعَتْهُمْ يَتَلَاوَمُونَ ويقول بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحْدَهُمْ، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُمْ وَلَمْ تَبْتُرُوهُمْ (1) ، فَقَدْ بقي منهم رؤوس يَجْمَعُونَ لَكُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِمْ أَشَدُّ الْقَرْحِ - بِطَلَبِ
الْعَدُوِّ لِيَسْمَعُوا بِذَلِكَ وَقَالَ: لَا يَنْطَلِقَنَّ مَعِي إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَنَا رَاكِبٌ مَعَكَ.
فَقَالَ لَا، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَى الَّذِي بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ فَانْطَلَقُوا.
فَقَالَ الله في كتابه: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 172] قَالَ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجابر حِينَ ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى أَخَوَاتِهِ (2) ، قَالَ وَطَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدُوَّ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ (3) .
وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَوَاءً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ: وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ النِّصْفَ مِنْ شَوَّالٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ وَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَلَّا يَخْرُجَنَّ أحد مَنْ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ.
فَكَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَذِنَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرهباً للعدو ليبلغهم أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّةً وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا أَنَا وَأَخٌ لِي فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ قُلْتُ لِأَخِي وَقَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم؟ وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا وَمَا مِنَّا إِلَّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا مِنْهُ، فَكَانَ إِذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً (4) وَمَشَى عُقْبَةً حتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ (5) أَمْيَالٍ فَأَقَامَ بِهَا الْاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، [أن]
__________
(1) في رواية البيهقيّ: تبيدوهم.
(2) في قتال أحد، وقد ناشدني ألا أترك نساءنا جميعا وإنما أوصاني بالرجوع للذي أصابه من القتل فاستشهده الله عز وجل - زيادة في رواية البيهقيّ.
قال الواقدي: قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالامس غيري.
(3) نقل الخبر البيهقي في الدلائل ج 3 / 313 عن عروة بن الزبير.
(4) عقبة: من الاعتقاب في الركوب، نوبة.
(5) في ابن سعد: على عشرة أميال طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة إذا أخذتها في الوادي.
(*)(4/56)
مَعْبَدَ بْنَ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مسلمهم وكافرهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، صفقتهم (1) مَعَهُ لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ مرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ وَلَوَدِدْنَا أَنَّ الله عافاك فيهم، ثم خَرَجَ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ أَصْحَابِهِ وَقَادَتِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فَلْنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ.
فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أرَ مِثْلَهُ قَطُّ يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شئ لَمْ أرَ مِثْلَهُ قَطُّ.
قَالَ وَيْلَكَ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ تَرْتَحِلُ حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ.
قَالَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ شَأْفَتَهُمْ، قَالَ فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَاللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ.
قَالَ وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: كَادَتْ تُهِدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي * إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ (2) تَرْدَى بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ * عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ فَظَلْتُ عَدُوًّا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً * لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ فَقُلْتُ وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ * إِذَا تَغَطْمَطَتِ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ (3) إِنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً * لِكُلِّ ذِي إِرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشٍ قَنَابِلُهُ * وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ قَالَ فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
وَمَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا نُرِيدُ الْمِيرَةَ؟ قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا
إِلَيْهِ، وَأُحَمِّلُ لَكُمْ إِبِلَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إِذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا السَّيْرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ.
فَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أُرَاهُ قَالَ، حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ (4) ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمانا
__________
(1) صفقتهم معه: أي اتفاقهم معه.
يقال: أصفقت مع فلان على الامر: إذا اجتمعت معه عليه.
(2) الجرد: الخيل العتاق.
(3) وفي رواية: إذا تعظمت البطحاء بالخيل.
(4) أحمد بن عبد الله بن يونس.
وأبو بكر هو ابن عياش.
(*)(4/57)
وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ ونعم الوكيل (1) .
تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أجر عظيم) قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبو اك مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لما أصاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ (2) .
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ رواه مسلم مختصراً من وجه عَنْ هِشَامٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مستدركه من طريق أبي سعيد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ وَرَوَاهُ مِنْ حديث السُّدي عَنْ عُرْوَةَ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
كَذَا قَالَ.
وَهَذَا السِّيَاقُ غَرِيبٌ جِدًّا فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ كُلُّ مَنْ شَهِدَ أُحُدًا وَكَانُوا سَبْعَمِائَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ قُتل مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَبَقِيَ الْبَاقُونَ.
وَقَدْ رَوَى
ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحد في شوال وكانا التُّجَّارُ يَقْدَمُونَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ الْمَدِينَةَ فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَأَنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَكَانَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الْقَرْحُ وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب الناس لينطلقوا بهم، ويتبعوا ما كانوا متعبين، وقال لنا ترتحلون الآن فتأتون الْحَجَّ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِهَا حَتَّى عَامَ قَابِلٍ.
فَجَاءَ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّبِعْنِي أَحَدٌ فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا فَسَارُوا فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى بَلَغُوا الصَّفْرَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ أَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا (3) وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرَ الَّذِي كَانَ، فَارْجِعُوا فَرَجَعُوا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ همُّوا بِالرَّجْعَةِ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمت لَهُمْ حِجَارَةٌ، لَوْ صُبِّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذَّاهِبِ " قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ، قَبْلَ رُجُوعِهِ الْمَدِينَةِ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، جَدَّ عَبْدِ الملك بن مروان
__________
(1) أخرجه البخاري في 65 كتاب التفسير - تفسير سورة آل عمران 13 باب ح 4563.
(2) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 25 باب ح 4077 ومسلم في كتاب فضائل الصحابة 6 باب ح 51 وح 52 عن أبي كريب.
(3) حربوا: غضبوا (*)(4/58)
لِأُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَسَرَهُ بِبَدْرٍ ثُمَّ منَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لا تمسح عارضيك بمكة [بعدها و] تَقُولُ خَدَعْتُ
مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ (1) ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ " وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ اسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ عَلَى أَنْ لا يقيم بعد ثلاث فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَقَالَ: سَتَجِدَانِهِ فِي مَكَانِ (2) كَذَا وَكَذَا فَاقْتُلَاهُ فَفَعَلَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ كَمَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ، لَهُ شَرَفًا فِي نفسه وفي قومه، وكان فيهم شَرِيفًا، إِذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، قَامَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَعَزَّكُمْ بِهِ فانصروه وعزروه، واسمعوا له وأطيعوه.
ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى إِذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ.
وَرَجَعَ النَّاسُ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كما كان يفعله، فأخد المسلمون ثيابه مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَالُوا اجْلِسْ أَيْ عدوَّ اللَّهِ وَاللَّهِ لَسْتَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بُجْرًا (3) أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ.
فَلَقِيَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (4) بِبَابِ الْمَسْجِدِ فقالوا: ويلك مالك؟ قَالَ: قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَوَثَبَ إِلَيَّ رِجَالٌ من أصحابه (5) يجبذونني وَيُعَنِّفُونَنِي لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بُجْرًا أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، قَالُوا: وَيْلَكَ ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَاللَّهِ ما أبغي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قَالَ إِلَى تَمَامِ سِتِّينَ آيَةً.
وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذِكْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَتَعْدَادِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ عَلَى قَبَائِلِهِمْ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ فَذَكَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَرْبَعَةً حَمْزَةَ وَمُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَشَمَّاسَ بْنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ رَجُلًا وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ ابْنُ هشام خمسة أخرى فَصَارُوا سَبْعِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ ثُمَّ سَمَّى ابْنُ إِسْحَاقَ مَنْ قُتل مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا عَلَى قَبَائِلِهِمْ أَيْضًا.
__________
(1) قال الواقدي: لم يَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد أسيرا غير أبي عزة، وقد أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه.
أما
المغيرة فلم يأخذ رسول الله، فقد انهزم يومئذ فمضى على وجهه قريباً من المدينة، فلما أصبح دخل المدينة فأتى منزل عثمان بن عفان فضرب بابه فأدخله عثمان ناحية البيت.
فأجله ثلاثا ثم ارتحل.
المغازي ج 1 / 332.
(2) في الواقدي: بالجماء.
(3) أي أمراً عظيماً.
(4) في الواقدي: لقيه معوذ بن عفراء.
(5) منهم: أبو أيوب الأنصاري وعبادة بن الصامت.
(*)(4/59)
قُلْتُ: وَلَمْ يُؤْسَرْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سِوَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَرَ الزُّبَيْرَ - وَيُقَالُ عَاصِمَ بْنَ ثابت بن أبي الأفلح - فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحد مِنَ الْأَشْعَارِ وَإِنَّمَا نُورِدُ شِعْرَ الْكُفَّارِ لِنَذْكُرَ جَوَابَهَا مِنْ شِعْرِ الْإِسْلَامِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي وَقْعِهَا مِنَ الْأَسْمَاعِ وَالْأَفْهَامِ وَأَقْطَعَ لِشُبْهَةِ الْكَفَرَةِ الطَّغَامِ.
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ عَلَى دِينِ قومه من قريش فقال: مَا بَالُ همٍّ عميدٍ بَاتَ يَطْرُقُنِي * بِالْوُدِّ مِنْ هِنْدَ إِذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا (1) بَاتَتْ تُعَاتِبُنِي هندٌ وَتَعْذِلُنِي * والحربُ قَدْ شَغلت عَنِّي مَوَالِيهَا مَهْلًا فَلَا تَعْذِلِينِي إِنَّ مِنْ خُلُقي * مَا قَدْ علمتِ وَمَا إِنْ لستُ أُخفيها مساعفٌ لِبَنِي كعبٍ بِمَا كَلِفُوا * حَمَّالُ عِبْءٍ وَأَثْقَالٍ أُعَانِيهَا (2) وَقَدْ حملتُ سِلَاحِي فَوْقَ مُشترفٍ * ساطٍ سبوحٍ إِذَا يَجْرِي يُبَارِيهَا (3) كَأَنَّهُ إِذْ جَرَى عَيرٌ بفدفدةٍ * مكدّمٌ لا حق بِالْعُونِ يَحْمِيهَا مِنْ آلِ أعوجَ يَرْتَاحُ النديُّ لَهُ * كَجِذْعِ شعراءَ مستعلٍ مَرَاقِيهَا (4) أَعْدَدْتُهُ ورقاقَ الْحَدِّ منتخِلاً * وَمَارِنًا لخطوبٍ قَدْ أُلَاقِيهَا (5)
هَذَا وبيضاءُ مثلُ النُّهيِ محكمةٌ * لظَّت عليَّ فما تبدو مساويها (6) سقناكنانة مِنْ أَطْرَافِ ذِي يمَنٍ * عرضَ البلادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا قَالَتْ كنانةُ أَنَّى تَذْهَبُونَ بِنَا * قُلْنَا: النَّخِيلَ فَأَمُّوهَا وَمَنْ فِيهَا (7) نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرِّ مِنْ أُحُدٍ * هابتْ معدٌّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خذِماً * مِمَّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمَّت قَوَاصِيهَا ثمتَّ رُحْنَا كَأَنَّا عَارِضٌ بَرِدٌ * وَقَامَ هَامُ بَنِي النجار يبكيها
__________
(1) العميد: المؤلم الموجع.
والعوادي: الشواغل.
(2) المساعف: المطيع عبء: هنا الامور الشاقة العظام.
(3) مشترف: مشرف.
الساطي: الفرس البعيد الخطو.
(4) أعوج: اسم فرس مشهور في العرب.
(5) المارن: الرمح اللين.
(6) لظت: أي ألصقت، ورواية أبي ذر: نيطت: علفت.
(7) النخيل: عين قرب مكة.
(*)(4/60)
كَأَنَّ هَامَهُمُ عِنْدَ الْوَغَى فلقٌ * مِنْ قيضِ ربدٍ نفتْه عَنْ أَدَاحِيهَا (1) أَوْ حنظلٌ ذَعْذَعَتْهُ الريحُ فِي غُصُنٍ * بالٍ تعاوَرُه مِنْهَا سَوَافِيهَا قَدْ نَبْذُلُ المالَ سَحًّا لَا حِسَابَ لَهُ * ونطعنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيهَا وليلةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جازرُها * يَخْتَصُّ بالنَّقَرى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا (2) وليلةٍ من جمادى ذات أندية * جرباً جمُاديةٍ قَدْ بتُّ أَسَرِيهَا لَا ينبحُ الْكَلْبُ فِيهَا غيرَ واحدةٍ * مِنَ القَريس وَلَا تَسْرِي أَفَاعِيهَا أَوْقَدْتُ فِيهَا لِذِي الضَّرَّاءِ جَاحِمَةً * كَالْبَرْقِ ذاكيةَ الار كان أحميها أورثني ذلكم عمروٌ ووالده * من قبله كان بالمشتى يُغاليها (3)
كَانُوا يُبارونَ أَنْوَاءَ النُّجُومِ فَمَا * دَنَّتْ عَنِ السَوْرة العَليا مَسَاعِيهَا (4) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِكَعْبِ بْنِ مالك وغيره.
قُلْتُ: وَقَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَشْهُرُ وَأَكْثَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) : سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ * إِلَى الرَّسُولِ فجندُ اللَّهِ مُخْزِيهَا أَوْرَدْتُمُوهَا حياضَ الْمَوْتِ ضَاحِيَةً * فَالنَّارُ موعدُها وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا جَمَعْتُمُوهُمْ أَحَابِيشًا بِلَا حَسَبٍ * أَئِمَّةَ الكفرِ غرَّتكم طَوَاغِيهَا أَلَا اعْتَبَرْتُمْ بخيلِ اللَّهِ إِذْ قَتَلَتْ * أَهْلَ الْقَلِيبِ ومن ألقيتَه فِيهَا (5) كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فككناهُ بِلَا ثمنٍ * وجزِّ ناصيةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّ أَيْضًا: أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ عَنَّا وَدُونَهُمْ * مِنَ الْأَرْضِ خرقٌ سيرُهُ متنعنع (6) صحارى وَأَعْلَامٌ كَأَنَّ قَتَامَهَا * مِنَ البعدِ نقعٌ هَامِدٌ متقطع تظل به البُزْلُ العراميس رُزَّحاً * ويحلو بِهِ غيثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ بِهِ جيفُ الْحَسْرَى يلوحُ صَليها * كَمَا لَاحَ كَتّان التِّجار الْمُوَضَّعُ بِهِ الْعِينُ والآرام يمشين خُلفةً * وبيض نعام قيضُه يتقلّع (7)
__________
(1) القيض: قشر البيض الا على.
والاداحي: جمع أدحى.
وهو الموضع الذي تبيض فيه النعام.
(2) النقرى: أن تخص قوما بالدعوة دون قوم.
(3) في ابن هشام: بالمثنى بدل بالمشتى.
(4) السورة: الرفعة والمنزلة.
(5) أهل القليب: يعني قتلى بدر من المشركين (6) متنعنع: مضطرب.
(7) العين: بقر الوحش.
(*)(4/61)
مُجَالِدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلُّ فخمةٍ * مذرَّبةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ (1) وكلُّ صموتٍ فِي الصِّوان كَأَنَّهَا * إِذَا لُبِسَتْ نِهْيٌ مِنَ الْمَاءِ مُترع وَلَكِنْ ببدرٍ سَائِلُوا مَنْ لقيتمُ * مِنَ النَّاسِ والأنباءُ بِالْغَيْبِ تَنْفَعُ وَإِنَّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا * سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا إِذَا جَاءَ مِنَّا راكبٌ كَانَ قولُه * أعِدّوا لِمَا يُزْجِي ابنُ حربٍ وَيَجْمَعُ فَمَهْمَا يهمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكِيدُنَا * فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أوسع فلو غيرُنا كانت جميعاً تكيدُه * البرِيَّة قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وتوزَّعوا نُجالد لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قبيلةٌ * مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَهَابُوا وَيُفْظَعُوا وَلَمَّا ابْتَنَوْا بالعِرضِ قَالَتْ سَرَاتُنَا * عَلَامَ إِذًا لَمْ نَمْنَعِ الْعِرْضَ نَزْرَعُ (2) وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ * إِذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لا نتظلع (3) تَدَلَّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ * ينزَّل مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ ويُرفع نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وقصرُنا * إِذَا مَا اشْتَهَى أَنَّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا بَدَوْا لَنَا * ذَرُوا عنكمُ هَوْلَ الْمَنِيَّاتِ وَاطْمَعُوا وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تقرُّباً * إِلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ ويُرجَع وَلَكِنْ خُذوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكَّلُوا * عَلَى اللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ أَجْمَعُ فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالِهِمْ * ضُحيّا عَلَيْنَا البيضُ لَا نَتَخَشَّعُ بملمومةٍ فِيهَا السنوَّر والقَنا * إِذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرَّعُ (4) فَجِئْنَا إِلَى موجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ * أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ ومُقنَّع ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نصيَّة * ثلاث مئين إن كثرنا فأربع (5) نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيَّةُ بَيْنَنَا * نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ تَهَادَى قِسِيُّ النَّبْعِ فِينَا وَفِيهِمُ * وَمَا هُوَ إِلَّا اليثربي المقطع ومنجوفة حرمية ضاعدية * يُذَرُّ عَلَيْهَا السُّمُّ سَاعَةَ تُصْنَعُ (6)
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرِّجَالِ وَتَارَةً * تَمُرُّ بِأَعْرَاضِ البِصَار تُقعقع وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا * جَرَادُ صَبًا فِي قُرَّةٍ يتريع
__________
(1) الفحمة: الكتيبة العظيمة.
والقوانس: رؤوس بيض السلاح.
(2) العرض: موضع خارج المدينة.
(3) لا نتظلع: أي لا نميل عنه.
وتروى: لا نتطلع.
(4) الملمومة: الكتيبة المجتمعة.
(5) نصية: خيار القوم.
(6) المنجوفة: السهام.
الحرمية: نسبة إلى أهل الحرم.
الصاعدية: نسبة إلى صاعد أحد الصناع.
(*)(4/62)
فَلَمَّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَا * وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ ضَرَبْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ * كَأَنَّهُمْ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسْتَفَقْنَا عَشِيَّةً * كَأَنَّ ذُكانا حَرُّ نَارٍ تَلَفَّعُ وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجَعِينَ كَأَنَّهُمْ * جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلِعُ (1) وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا * أُسُودٌ على لحم ببشة ضُلّع (2) فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرُبَّمَا * فَعَلْنَا، وَلَكِنْ مَا لَدَى اللَّهِ أَوْسَعُ وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ * وَقَدْ جَعَلُوا، كُلٌّ مِنَ الشَّرِّ يَشْبَعُ وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً * عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَمْنَعُ جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى * عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدَّهْرُ تَدْمَعُ (3) بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بشئ نَقُولُهُ * وَلَا نَحْنُ مِمَّا جَرَّتِ الْحَرْبُ نَجْزَعُ بَنُو الْحَرْبِ إِنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشٍ * وَلَا نحن من أظفارنا نَتَوَجَّعُ (4) وَكُنَّا شِهَابًا يَتَّقِي النَّاسُ حَرَّهُ * ويُفرِج عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ فَخَرَّتْ عَلَى ابْنِ الزِّبَعْري وَقَدْ سَرَى * لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيل مُتْبَعُ
فَسَلْ عَنْكَ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا * مِنَ النَّاس مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ وَمَنْ هُوَ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا * وَمَنْ خَدُّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ شَدَدْنَا بِحَوَلِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ شَدَّةً * عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الْأَسِنَّةِ شُرَّعُ تكر القنا فيكم كأن فروعها * عَزَالِي مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزَّعُ (5) عَمَدْنَا إِلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ وَمَنْ يَطِر * بِذِكْرِ اللِّوَاءِ فَهُوَ فِي الحمد أسرع فحانوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا * أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَمَرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ بَعْدُ: يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ * إِنَّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى * وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ وَالْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ * وَسَوَاءٌ قَبْرُ مُثْرٍ ومقل
__________
(1) الجهام: السحاب الرقيق الذي ليس فيه ماء.
(2) في ابن هشام: ظلع بدل ضلع، وبيشة: موضع كثير الاسود.
(3) جلاد: جمع جليد، وهو الصبور.
(4) في ابن هشام: أظفارها.
(5) فروعها في الاصل وهو تحريف والصواب في ابن هشام: فروغها بالغين وهي الطعنات المتسعة.
عزالى: جمع عزلاء وهي فم المزادة.
(*)(4/63)
كُلُّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ * وَبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بكل (1) أبلغا حَسَّانَ عَنِّي آيَةً * فَقَرِيضُ الشِّعْرِ يَشْفِي ذَا الْغُلَلْ كَمْ تَرَى بِالْجَرِّ مِنْ جُمْجُمَةٍ * وَأَكُفٍّ قَدْ أُتِرَّتْ وَرَجَلْ وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ * عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ (2) كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدٍ * مَاجِدِ الْجَدَّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ
صَادِقِ النَّجْدَةِ قِرْم بَارِعٍ * غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ فَسَلِ الْمِهْرَاسَ مَا سَاكِنُهُ * بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ لَيْتَ أَشْيَاخِي ببدرٍ شَهِدُوا * جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ حِينَ حَكَّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا * وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ (3) ثُمَّ خَفُّوا عِنْدَ ذَاكُمْ رُقَّصًا * رَقْصَ الْحَفَّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ (4) فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ * وَعَدَلْنَا مَيْلَ بدرٍ فَاعْتَدَلْ لَا أَلُومُ النَّفْسَ إِلَّا أَنَّنَا * لَوْ كَرَّرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ * عَلَلاً تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَهَبَتْ بِابْنِ الزِّبَعْرَى وَقْعَةٌ * كَانَ مِنَّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمُ * وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُول نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ * حَيْثُ نَهْوَى عِلَلًا بَعْدَ نَهَلْ نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ * كَسُلَاحِ النِّيب يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ (5) إِذْ تُوَلُّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ * هَرَبًا فِي الشِّعْبِ أَشْبَاهَ الرِسَل إِذْ شَدَّدْنَا شَدَّةً صادقة * فاجأناكم إلى سفح الجبل بخناطيل كأشداق الْمَلَا * مَنْ يُلَاقُوهُ مِنَ النَّاسِ يُهَلْ (6) ضَاقَ عَنَّا الشِّعب إِذْ نَجْزَعُهُ * وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ والرجل
__________
(1) بنات الدهر: حوادثه.
(2) سرابيل: الدروع.
(3) بركها: صدرها.
عبد الاشل: هم بنو عبد الأشهل.
(4) الحفان: فراخ النعام.
(5) الاصبح: قال السهيلي: وصف اللبن الممذوق المخرج من بطونهم، وفي ابن هشام الاضياح: اللبن الممزوج
بالماء.
العصل: نبات يصلح الابل إذا أكلته.
(6) أشداق: تحريف، وفي ابن هشام أشداف ويراد بها جمع شدف، وكتب اللغة جمعت شدف على شدوف.
وروى أبو ذر: أمذاق أي: أخلاط الناس (*)(4/64)
بِرِجَالٍ لَسْتُمُ أَمْثَالَهُمْ * أُيِّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ (1) وَعَلَوْنَا يَوْمَ بِدْرٍ بِالتُّقَى * طَاعَةِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلْ وَقَتَلْنَا كُلَّ رَأْسٍ مِنْهُمُ * وَقَتَلْنَا كُلَّ جحجاح رفل (2) وتركتا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً * يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ وَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا شَاهِدًا * يَوْمَ بِدْرٍ وَالتَّنَابِيلُ الْهُبُلْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمِّعُوا * مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ الْهَمَلْ (3) نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْد آستِها * نَحْضُرُ الْبَأْسَ إِذَا الْبَأْسُ نزل قال ابن إسحق: وَقَالَ كَعْبُ يَبْكِي حَمْزَةَ وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَشَجَتْ وهل لك من منشج * وكنت متى تدكر تَلْجَجِ تَذَكُّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ * أَحَادِيثُ فِي الزَّمَنِ الْأَعْوَجِ فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ * مِنَ الشَّوْقِ وَالْحُزْنِ الْمُنْضِجِ وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ * كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلِّ اللِّوَاءِ * لِوَاءِ الرَّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ (4) غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا * جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إِذْ شَايَعُوا * عَلَى الْحَقِّ ذِي النُّورِ وَالْمَنْهَجِ فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ * وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهِجِ كَذَلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ * إِلَى جَنَّةٍ دوحة المولج وكلهم مَاتَ حُرَّ الْبَلَاءِ * عَلَى مِلَّةِ اللَّهِ لَمْ يَحْرَجِ كَحَمْزَةَ لَمَّا وَفَى صَادِقًا * بِذِي هِبَّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجِ (5)
فَلَاقَاهُ عَبْدُ (6) بَنِي نَوْفَلٍ * يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجِ فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشِّهَابِ * تَلَهَّبُ فِي اللَّهَبِ الْمُوَهَجِ وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ * وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرِ لَمْ يحُنج (7) عَنِ الْحَقِّ حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ * إلى منزل فاخر الزبرج
__________
(1) أيدوا جبريل: قال أبو ذر: أي أيدوا بجبريل.
(2) الجحجاح: السيد، رفل: الذي يجر ثوبه خيلاء.
(3) الهمل: الابل المهملة التي تترك في المرعى دون راع.
(4) الاضوج جمع ضوج: جانب الوادي.
(5) السلجج: المرهق.
(6) يريد به وحشي قاتل حمزة.
(7) لم يحنج: لم يحد عن وجه الحق ولم يمل عما أراده.
(*)(4/65)
أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمُ * مِنَ النَّارِ فِي الدَّرَكِ الْمُرْتَجِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهِيَ عَلَى رَوِيِّ قَصِيدَةِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مَنْ يُنْكِرُ هَذِهِ لِحَسَّانَ والله أعلم: يامي قومي فاندبي بسحيرة شجو النوائح * كالحاملات الوقر بالثقل الملحات الدوالح المعولات الخامشات وجوه حرات صحائح * وكأن سيل دموعها الأنصاب تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحْ يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنَّ هُنَاكَ بَادِيَةَ المسائح * وكأنها أذناب خيل بالضحى شمس روامح من بين مشرور ومجزور يذعذع بالبوارح * يبكين شجو مسَّلبات كَدَّحَتْهُنَّ الْكَوَادِحْ (1) وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحْ * إِذْ أَقْصَدَ الْحِدْثَانُ مَنْ كُنَّا نُرَجِّي إِذْ نُشَايِحْ (2) أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ دَهْرٌ ألم له جوارح * من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح
ياحمز لَا وَاللَّهِ لَا أَنْسَاكَ مَا صرَّ اللَّقَائِحْ * لمناخ أيتام وأضياف وَأَرْمَلَةٍ تُلَامِحْ (3) وَلَمَّا يَنُوبُ الدَّهْرُ فِي حَرْبٍ لحرب وهي لافح * يا فارساً يا مدرهاً ياحمز قد كنت المصامح (4) عنا شديدات الخطوب إذا ينوب لهن فادح * ذكرتني أسد الرسول وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ عَنَّا وَكَانَ يُعَدُّ إِذْ عُدَّ الشَّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ * يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرَّ وَاضِحْ لَا طَائِشٌ رَعِشٌ وَلَا ذو علة بالحمل آنح * بحر فليس يغب جاراً منه سَيْبُ أو منادح (5) أودى شباب إلى الحفائظ والثقليون المراجح * المطعمون إذا المشاتي مَا يُصَفِّقُهُنَّ نَاضِحْ لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ * لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ مَا رام ذوالضغن المكاشح لهفي لشبان رُزئناهم كأنهم المصابح * شم بطارقة غطارفة خضارمة مسامح (6) المشترون الحمد بالأموال إِنَّ الْحَمْدَ رَابِحْ * وَالْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ يَوْمًا إِذَا ما صاح صائح (7) من كان يرمي بالنواقر مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ * مَا إِنْ تَزَالُ ركابه يرسمن في غبرصحاصح (8) رَاحَتْ تَبارى وَهْوَ فِي رَكْبٍ صُدُورُهُمُ رَوَاشِحْ * حتى تؤوب له المعالي ليس من فوز السفائح (9)
__________
(1) مشرور: الذي وضع لحمه على خصفة ليجف.
يذعذع: يغرق.
البوارح: الرياح الشديدة.
(2) مجل: أي جرح ندي.
جلب: جمع جلبة وهي قشرة الجرح التي تكون عند البرء.
(3) اللقائح: جمع لقحة، وهي النَّاقة التي لها لبن.
تلامح: أي تنظر بعينها نظرا سريعا ثم تغضها.
(4) المدره: المدافع عن القوم بلسانه ويده.
والمصامح: الشديد الدفاع.
(5) الآنح: البعير الذي إذا حمل الثقل أخرج من صدره صوت المعتصر.
(6) الغطارفة: السادة، الخضارفة: المكثرون من العطاء.
(7) الجامزون: الواثبون.
(8) النواقر: الدواهي والمصائب، والصحاصح: جمع صحصح: الارض المستوية الملساء.
(9) السفائح: جمع سفيح وهو من قداح الميسر.
(*)(4/66)
ياحمز قد أوحدتني كالعود شذبه الكوافح * أشكو إليك وفوقك الترب المكور والصفائح (1)
من جندل يلقيه فوقك إِذْ أَجَادَ الضَّرْحَ ضَارِحْ * فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ بالتراب سوته المماسح فعزاؤنا أنا نقول وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحْ * مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهْوَ عما أوقع الحدثان جانح فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النوافح * القائلين الفاعلين ذَوِي السَّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحْ مَنْ لَا يَزَالُ نَدَى يديه لَهُ طَوَالَ الدَّهْرِ مَائِحْ (2) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهَ: طَرَقَتْ هُمُومُكَ فَالرُّقَادُ مسهَّد * وَجَزِعْتَ أَنْ سُلِخَ الشَّبَابُ الْأَغْيَدُ وَدَعَتْ فُؤَادَكَ لِلْهَوَى ضَمْرِيَّةٌ * فَهَوَاكَ غَوْرِيٌّ وَصَحْوُكَ مُنْجِدُ فَدَعِ التَّمَادِيَ فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا * قَدْ كُنْتَ فِي طَلَبِ الغواية تفند ولقد أتى لَكَ أَنْ تَنَاهَى طَائِعًا * أَوْ تَسْتَفِيقَ إِذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ وَلَقَدْ هُددتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدَّةً * ظَلَّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تُرْعِدُ وَلَوِ انَّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ * لَرَأَيْتَ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ قِرم تَمَكَّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ * حَيْثُ النُّبُوَّةُ وَالنَّدَى وَالسُّؤْدُدُ وَالْعَاقِرُ الْكَوْمَ الْجِلَادَ إِذَا غَدَتْ * رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ وَالتَّارِكُ القِرنَ الكميَّ مُجَدَّلًا * يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَقَصَّدُ وَتَرَاهُ يرفل في الحديد كأنه * ذولبدة شَثن الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ (3) عَمُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَصَفِيُّهُ * وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعْلِمًا فِي أُسْرَةٍ * نَصَرُوا النَّبِيَّ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَشْهِدُ وَلَقَدْ إِخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشِّرَتْ * لَتُمِيتَ دَاخِلَ غُصَّةٍ لَا تَبْرُدُ مِمَّا صَبَحْنَا بِالْعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا * يَوْمًا تَغَيَّبَ فِيهِ عَنْهَا الْأَسْعَدُ (4) وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ * جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ حتى رأيت لدى النبي سراتهم * قسمين: نقتل من نشاء ونطرد
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ * سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالْأَسْوَدُ وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً * فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشَاشٌ مُزْبِدُ وَأُمَيَّةُ الْجُمَحِيُّ قَوَّمَ مَيْلَه * عضب بأيدي المؤمنين مهند
__________
(1) الكوافح: الذين يتناولون بالقطع.
(2) المائح الذي ينزل في البئر فيملا الدلو إذا كان ماؤها قليلا.
(3) الششن: الغليظ.
(4) العقنقل: الكثيب من الرمل.
(*)(4/67)
فَأَتَاكَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُمْ * وَالْخَيْلُ تُثْفِنُهُمْ نَعَامٌ شُرَّدُ (1) شَتَّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنَّمَ ثَاوِيًا * أبداً ومن هو في الجنان مخلد وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحد.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ: بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا * وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا * أحمزةُ ذَاكُمُ الرَّجُلُ الْقَتِيلُ أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا * هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ أَبَا يَعْلَى لَكَ الْأَرْكَانُ هُدَّتْ * وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرُّ الْوُصُولُ (2) عَلَيْكَ سَلَامُ رَبِّكَ فِي جَنَانٍ * مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا * فَكُلُّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ * بِأَمْرِ اللَّهِ يَنْطِقُ إِذْ يَقُولُ أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي لُؤَيًّا * فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ وَقُبَلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا * وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ نَسِيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ * غَدَاةَ أَتَاكُمُ الْمَوْتُ الْعُجَيْلُ
غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا * عَلَيْهِ الطَّيْرُ حَائِمَةً تَجُولُ وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرَّا جَمِيعًا * وَشَيْبَةُ عَضَّهُ السَّيْفُ الصَّقِيلُ وَمَتْرَكُنَا أُمَيَّةَ مُجْلَعِبًّا * وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلُ (3) وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا * فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ أَلَّا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلِّي * فَأَنْتِ الْوَالِهُ الْعَبْرَى الْهَبُولُ أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شَمَاتًا * بِحَمْزَةَ إِنَّ عِزَّكُمُ ذَلِيلُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ أُمُّ الزُّبَيْرِ عَمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً * بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ فَقَالَ الْخَبِيرُ إِنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى * وَزِيرُ رَسُولِ اللَّهِ خير وزير دعاه إله الحق ذوالعرش دَعْوَةً * إِلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي * لِحَمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خير مصير
__________
(1) تثفنهمم: تطردهم.
(2) أبو يعلى: كنية حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطَّلب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(3) مجلعب: الممتد مع الارض.
الحيزوم: أسفل الصدر.
اللدن: الرمح اللين.
(*)(4/68)
فَوَاللَّهِ لَا أَنْسَاكَ مَا هبَّت الصَّبا * بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي عَلَى أَسَدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ مِدرها * يَذُودُ عَنِ الْإِسْلَامِ كُلَّ كَفُورِ فياليت شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي * لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيُّ عَشِيرَتِي * جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَتْ نُعم، امْرَأَةُ شَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ تبكي زوجها والله أعلم، ولله الحمد والمنة:
يَا عَيْنُ جُودِي بِفَيْضٍ غَيْرَ إِبْسَاسٍ * عَلَى كِرِيمٍ مِنَ الْفِتْيَانِ لَبَّاسِ (1) صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ * حَمَّالِ أَلْوِيَةٍ رَكَّابِ أَفْرَاسِ أَقُولُ لَمَّا أَتَى النَّاعِي لَهُ جَزَعًا * أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى الْمُطْعِمُ الْكَاسِي وَقُلْتُ لَمَّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ * لَا يُبْعِدُ اللَّهُ مِنَّا قُرْبَ شَمَّاسِ قَالَ فأجابها أخوها [أبو] (2) الْحَكَمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ يُعَزِّيهَا فَقَالَ: اقْنَيْ حَيَاءَكِ فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ * فَإِنَّمَا كَانَ شَمَّاسٌ مِنَ النَّاس لَا تَقْتُلِي النَّفْسَ إِذْ حَانَتْ مَنِيَّتُهُ * فِي طَاعَةِ اللَّهِ يَوْمَ الرَّوْعِ وَالِبَاسِ قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثُ اللَّهِ فَاصْطَبِرِي * فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كَأْسِ شَمَّاسِ وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ: رَجَعْتُ وَفِي نَفْسِي بَلَابِلُ جَمَّةٌ * وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الَّذِي كَانَ مَطْلَبِي مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ * بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ وَلَكِنَّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ * كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيرِي وَمَرْكَبِي وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذَا أَشْعَارًا كَثِيرَةً تَرَكْنَا كَثِيرًا مِنْهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ وَخَوْفَ الْمَلَالَةِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ مِنَ الْأَشْعَارِ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ كما جرت عادته ولا سيما ههنا فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ: طَاوَعُوا الشَّيْطَانَ إِذْ أَخْزَاهُمُ * فَاسْتَبَانَ الْخِزْيُ فِيهِمْ وَالْفَشَلْ حِينَ صَاحُوا صَيْحَةً وَاحِدَةً * مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَالُوا اعْلُ هُبَلْ فَأَجَبْنَاهُمْ جَمِيعًا كُلُّنَا * ربنا الرحمن أعلى وأجَلّ أثبتوا تستعملوها مُرَّةً * مِنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ نَهَلْ وَاعْلَمُوا أنا إذا ما نُضَحُتْ * عن خيال الْمَوْتِ قِدْر تَشْتَعِلْ وَكَأَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ قِطْعَةٌ مِنْ جَوَابِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى وَاللَّهُ أعلم.
__________
(1) إبساس؟: أن تستدر لبن الناقة بأن تمسح ضرعها وتقول لها: بس بس.
وهنا: استعارة للدمع الفائض.
(2) من ابن هشام (*)(4/69)
آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ
فَصْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا، وَمِنْ أَشْهَرِهَا وَقْعَةُ أحد كانت فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِيهَا فِي أُحُدٍ تُوفِّيَ شَهِيدًا أَبُو يَعْلَى وَيُقَالُ أَبُو عُمَارَةَ أَيْضًا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُلَقَّبُ بِأَسَدِ اللَّهِ وَأَسَدِ رَسُولِهِ وَكَانَ رَضِيعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم هُوَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ أَرْضَعَتْهُمْ ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ جَاوَزَ الْخَمْسِينَ مِنَ السِّنِينَ يوم قتل رضي الله عنهم فإنَّه كَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ وَمِنَ الصَّدِّيقَيْنِ الْكِبَارِ وَقُتِلَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ تَمَامُ السَّبْعِينَ رَضِيَ الله عنهم أجمعين.
وَفِيهَا عَقَدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى أُمِّ كثلوم بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ أُخْتِهَا رُقْيَةَ وَكَانَ عَقْدُهُ عَلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَبَنَى بِهَا فِي جمادى الآخرة منها كما تقدم فيها ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.
وَفِيهَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وُلِدَ لِفَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (1) قَالَ: وفيها علقت بالحسن رضي الله عنهم.
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر
سنة أربع من الهجرة النبوية فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا: كَانَتْ سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بن عبد الأسد أبي طليحة الأسدي فانتهى إلى ما يُقَالُ لَهُ قَطَن (2) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْيَرْبُوعِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ أُحُدًا، فَجُرِحَ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ [فرجع إلى منزله] (3) فأقام شهراً يداوى، فلما كان الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
مِنَ الْهِجْرَةِ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ فَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَيْهَا وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ: سِرْ حَتَّى تَأْتِيَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ، وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَخَرَجَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ فَانْتَهَى إِلَى أَدْنَى قَطَنٍ وَهُوَ مَاءٌ لبني أسد وكان هناك
__________
(1) في تاريخ الطبري: في النصف من شهر رمضان.
(2) قطن: جبل بناحية فيد، به ماء لبني أسد بن خزيمة (ابن سعد 2 / 50) .
(3) من الواقدي.
(*)(4/70)
طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ ابْنَا خُوَيْلِدٍ وَقَدْ جَمَعَا حُلَفَاءَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ لِيَقْصِدُوا حَرْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ (1) إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بما تمالأوا عَلَيْهِ فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا سَلَمَةَ فِي سَرِيَّتِهِ هَذِهِ.
فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى أَرْضِهِمْ تَفَرَّقُوا وَتَرَكُوا نَعَمًا كَثِيرًا لَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَأَخَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو سَلَمَةَ وَأَسَرَ مِنْهُمْ مَعَهُ ثَلَاثَةَ مَمَالِيكَ وَأَقْبَلَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَعْطَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الْأَسَدِيَّ الَّذِي دَلَّهُمْ نَصِيبًا وَافِرًا من المغنم، وَأَخْرَجَ صَفِيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا وَخَمَّسَ الْغَنِيمَةَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ ثمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ فَحَدَّثَنِي عبد الملك بن عبيد (2) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ الَّذِي جُرِحَ أَبِي أَبُو أُسَامَةَ الْجُشْمِيُّ فَمَكَثَ شهراً يداويه فبرأ فلما برأ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ يَعْنِي مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ إِلَى قَطَنٍ فَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ بِهِ جُرْحُهُ فَمَاتَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى (3) .
قَالَ عُمَرُ: وَاعْتَدَّتْ أُمِّي حتى خلت أربعة أشهر وعشر ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ فَكَانَتْ أُمِّي تَقُولُ: مَا بَأْسٌ بِالنِّكَاحِ في شوال والدخول فيه، قد تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوال وبني فِيهِ.
قَالَ: وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (4) .
قُلْتُ سَنَذْكُرُ فِي أَوَاخِرَ هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالِهَا تزويج النبي صلى الله عليه وسلَّم بأم سَلَمَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ وِلَايَةِ الِابْنِ أُمَّهُ فِي النِّكَاحِ وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ.
غَزْوَةُ الرَّجِيعِ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ فِي صَفَرٍ يَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهل مكة ليجيزوه قال والرجيع (5) على ثمانية أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بُعِثَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ جَدُّ (6) عاصم بن عمر بن الخطاب،
__________
(1) هو الوليد بن زهير بن طريف عم زينب الطائية وكانت تحت طليب بن عمير مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قاله الواقدي.
(2) في الواقدي: ابن عمير.
(3) في الواقدي: الآخرة.
(4) رواه البيهقي عن الواقدي مطولا في الدلائل ج 3 / 319 - 322 وقال في نهايته: ماتت أم سلمة بعد ذلك سنة إحدى وستين والله أعلم (5) الرَّجِيعِ: مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ مِنْ صُدُورِ الهدة والهدة على سبعة أميال من عسفان (الطبري - ابن سعد - الواقدي) .
(6) قال الحافظ عبد العظيم: غلط عبد الرزاق وابن عبد البر، فقالا هذا في عاصم: هو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، وذلك وهم، وإنما هو خال عاصم، لان أم عاصم بن عمر جميلة بنت ثابت، وعاصم هو أخو جميلة.
ذكر ذلك الزبير القاضي وعمه مصعب.
إرشاد الساري 6 / 312.
(*)(4/71)
فَانْطَلَقُوا حتَّى إِذَا كَانُوا بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إِلَى فَدْفَدٍ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَلَّا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا
إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أو نار قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي معهما هذا أو الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وزيد حتى باعوهما بمكة [بعد بدر] (1) فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ (2) الْحَارِثِ يستحدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَلِكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ ما كنت لأفعل ذلك إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قَطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يومئذٍ مِنْ ثَمَرِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقًا رَزَقَهُ اللَّهُ.
فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعَونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا.
ثُمَّ قَالَ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقتل مُسْلِمًا * عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلوممزع قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشئ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعْثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْر فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فلم يقدروا منه على شئ (3) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ قُلْتُ وَاسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُ حَدِيثٌ فِي الرَّضَاعِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا سِرْوَعَةَ وَعُقْبَةَ أَخَوَانِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَكَذَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ فِي كتاب المغازي من صحيحه قصة الرجيع ورواه أيضاً في التوحيد وفي
__________
(1) من دلائل البيهقي والواقدي، وفي الطبري يوم أحد.
(2) ذكرها الواقدي: ماوية مولاة لبني عبد مناف، قال: وقد أسلمت بعد وحسن اسلامها.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 10 باب ح 3989.
وأخرجه في كتاب الجهاد باب هل يستأسر الرجل؟
وأعاده في المغازي.
وأخرجه أبو داود في الجهاد باب: في الرجل يستأسر.
(*)(4/72)
الْجِهَادِ مِنْ طُرُقٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بن أبي سفيان وأسد بن حارثة الثَّقفيّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْمَشْهُورُ عَمْرٌو.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ وساق بنحوه.
وَقَدْ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ إِسْحَاقَ لِيُعَرَفَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ وَالِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إمام في هذا الشأن، غير مُدَافَعٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ أَرَادَ الْمَغَازِيَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فِينَا إِسْلَامًا فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا فِي الدِّينِ وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ.
فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ نَفَرًا سِتَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ (1) ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيثي حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَخَبِيبُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو بَنِي جَحْجَبى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ (2) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّةً (3) وَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَسَمَّاهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَةً وَعِنْدَهُ أَنَّ كَبِيرَهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَخَرَجُوا مَعَ الْقَوْمِ حتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى الرَّجِيعِ مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ مِنْ صُدُورِ الْهَدْأَةِ (4) غَدَرُوا بِهِمْ، فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا، فَلَمْ يَرُعِ الْقَوْمَ، وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ إِلَّا الرِّجَالُ بِأَيْدِيهِمِ السُّيُوفُ، قَدْ غَشُوهُمْ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ لِيُقَاتِلُوا الْقَوْمَ، فَقَالُوا لَهُمْ إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ قَتْلَكُمْ، وَلَكُنَّا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ.
فَأَمَّا مَرْثَدٌ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ (5) فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا عَقْدًا أَبَدًا، وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ:
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدُ نَابِلُ * وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ (6) تَزِلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا المعابل * والموت حق والحياة باطل (7)
__________
(1) في ابن سعد والسهيلي: أمر عليهم عاصم بن ثابت.
(2) في ابن هشام: عمرو.
(3) قال الواقدي: سبعة نفر، وزاد معتب بن عبيد أخا عبد الله بن طارق لامه.
وذكر ابن سعد أنهم كانوا عشرة، عليهم عاصم، ولم يذكر سوى سبعة زاد على ابن إسحاق معتب بن عبيد.
(4) الهدأة: قال ياقوت: الهدأة: وهو موضع بين عسفان ومكة، وكذا ضبطه أبو عبيد البكري الاندلسي، وقال أبو حاتم: يقال لموضع بين مكة والطائف الهدة بغير ألف، وهو غير الاول.
(5) زاد الواقدي وابن سعد: ومعتب بن عبيد.
(6) عجزه في الواقدي: النبل والقوس لها بلابل.
(بلابل جمع بلبل: أي شدة الهم) .
(7) المعابل: جمع معبلة، وهو نصل عريض طويل.
(*)(4/73)
وَكُلُّ مَا حَمَّ الْإِلَهُ نَازِلُ * بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إِلَيْهِ آيِلُ إِنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ وَقَالَ عَاصِمٌ أَيْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ وريشُ الْمُقْعَدِ * وضالةٌ مثلُ الجحيمِ الموقد إذا النواجي افترشتْ لَمْ أُرعِدِ * وَمُجْنَأٌ مِنْ جِلْدِ ثورٍ أَجْرَدِ وَمُؤْمِنٌ بِمَا عَلَى مُحَمَّدِ وَقَالَ أَيْضًا: أبو سليمان ومثلي راما * وَكَانَ قَوْمِي مَعْشراً كِرَامَا (1) قَالَ: ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلَ صَاحِبَاهُ.
فَلَمَّا قُتل عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بنت سعد بن سهيل وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا (2) يَوْمَ أُحد لَئِنْ قدرتْ عَلَى رَأْسِ
عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ في قحفه الخمر فمنعته الدَّبْر فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يمسي فيذهب عَنْهُ، فَنَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا فَذَهَبَ بِهِ.
وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا تَنَجُّسًا.
فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الدَّبْرَ مَنَعَتْهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ، فَلَانُوا ورقُّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ، وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَأَسَرُوهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا، حتَّى إِذَا كَانُوا بِالظَّهْرَانِ (3) انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنَ القِران ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ، فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَبْرُهُ بِالظَّهْرَانِ.
وَأَمَّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فقدموا بهما مكة.
فَبَاعُوهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيُّ (4) حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ أَبُو إِهَابٍ أَخَا الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِأُمِّهِ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ.
قَالَ: وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أميَّة لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، فَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ نِسْطَاسٌ إلى التنعيم (5) وأخرجه من
__________
(1) في الواقدي: أن أبو سليمان ومثلي رامى * ورثت مجدا معشرا كراما أصبت مرثدا وخالدا قياما (2) الحارث ومسافع: وفي ابن سعد: مسافع وجلاس.
(3) الظهران: واد قرب مكة.
(4) قال الواقدي وابن سعد: ابتاعه حجير بثمانين مثقال ذهب، ويقال اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل.
والاول أصح.
(5) التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة (معجم البلدان) .
(*)(4/74)
الْحَرَمِ لِيَقْتُلَهُ، وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سفيان حين قَدِمَ
ليُقتل: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمداً الآن عندنا مَكَانَكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ، وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي.
قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا قَالَ: ثُمَّ قَتَلَهُ نِسْطَاسٌ.
قَالَ: وَأَمَّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ: فحدثني عبد الله ابن أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّهُ حُدِّث عَنْ مَاوِيَّةَ مَوْلَاةِ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ، قالت: كان عندي خبيب حُبِسَ فِي بَيْتِي فَلَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقَطْفًا مِنْ عِنَبٍ، مِثْلَ رَأْسِ الرَّجل يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ فِي أَرْضِ اللَّهِ عِنَبًا يُؤْكَلُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَتْ: قَالَ لِي حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ: ابْعَثِي إليَّ بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهَّرُ بِهَا لِلْقَتْلِ.
قَالَتْ: فَأَعْطَيْتُ غُلَامًا مِنَ الْحَيِّ الْمُوسَى، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ بِهَا على هذا الرجل البيت، فقالت فَوَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ وَلَّى الْغُلَامُ بِهَا إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَاذَا صنعتُ! أَصَابَ وَاللَّهِ الرجل وثأره يقتل هَذَا الْغُلَامِ، فَيَكُونُ رَجُلًا بِرَجُلٍ، فَلَمَّا نَاوَلَهُ الْحَدِيدَةَ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: لَعَمْرُكَ، مَا خَافَتْ أُمُّكَ غَدْرِي حِينَ بَعَثَتْكَ بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ إليَّ.
ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَنَّ الْغُلَامَ ابْنُهَا (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ عَاصِمٌ: ثُمَّ خَرَجُوا بِخُبَيْبٍ حَتَّى جَاءُوا بِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُونِي حَتَّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا، قَالُوا: دُونَكَ فَارْكَعْ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا طوَّلت جَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الصَّلَاةِ.
قَالَ: فكان خبيب أو (أَوَّلَ) مَنْ سَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ للمسلمين (2)
__________
(1) قيل هو أبو حسين بن الحارث بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ (شرح المواهب اللدنية) وفي الواقدي: أبي حسين ابن ماوية.
(مغازي 1 / 358) .
(2) يوجد على الهامش في هذا المكان ما نصه: " حاشية بخط المصنف، قال السهيلي: وإنما صارت سنة لانها فعلت فِي زَمَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُحْسِنَتْ مِنْ صَنِيعِهِ، قَالَ وَقَدْ صَلَّاهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ مِنْ طَرِيِقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ اسْتَأْجَرَ مِنْ رجل بغلا من الطائف واشترط عليه الكرى أَنْ يُنْزِلَهُ حَيْثُ شَاءَ، فَمَالَ بِهِ إِلَى خَرِبَةٍ فَإِذَا
بِهَا قَتْلَى كَثِيرَةٌ، فَلَمَّا همَّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ زَيْدٌ: دَعْنِي حَتَّى أُصَلِّيَ ركعتين.
فقال: صل ركعتين فطالما صَلَّى هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ صَلَاتُهُمْ شَيْئًا، قَالَ: فَصَلَّيْتُ ثُمَّ جَاءَ لِيَقْتُلَنِي فَقُلْتُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحمين، فَإِذَا صَارِخٌ يَقُولُ لَا تَقْتُلْهُ، فَهَابَ وَذَهَبَ يَنْظُرُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَ لِيَقْتُلَنِي فَقُلْتُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحمين، فَسَمِعَ أَيْضًا الصَّوْتَ يَقُولُ: لَا تَقْتُلْهُ، فَذَهَبَ لِيَنْظُرَ ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْتُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحمين، فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ عَلَى فَرَسٍ فِي يَدِهِ حَرْبَةٌ فِي رَأْسِهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ فَطَعَنَهُ بِهَا حَتَّى أَنْفَذَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا، ثُمَّ قَالَ: لَمَّا دَعَوْتَ اللَّهَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى كُنْتُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَلَمَّا دَعَوْتَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كُنْتُ فِي السَّماء الدُّنيا وَلَمَّا دَعَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَتَيْتُكَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَدْ صَلَّاهَا حُجْرُ بْنُ عدي ابن الْأَدْبَرِ حِينَ حُمِلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ مِنَ الْعِرَاقِ ومعه كتاب زياد ابن أَبِيهِ وَفِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ خَلْعَهُ، وَفِي الْكِتَابِ شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ، السَّلام عَلَيْكَ يَا أمير المؤمنين.
قال = (*)(4/75)
قَالَ: ثُمَّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِكَ، فَبِلِّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصنع بِنَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ احْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا (1) وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ قَتَلُوهُ.
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إِلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبيب، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعي عَلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زلّت عنه.
وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ خُبَيْبًا وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ قُتِلَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمِعَ يَوْمَ قُتلا وَهُوَ يَقُولُ وَعَلَيْكُمَا أَوْ عَلَيْكَ السَّلَامُ خُبَيْبٌ قَتَلَتْهُ قُرَيْشٌ.
وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمَّا صَلَبُوا زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ لِيَفْتِنُوهُ عَنْ دِينِهِ فَمَا زَادَهُ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا.
وَذَكَرَ عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَفَعُوا خُبَيْبًا عَلَى الْخَشَبَةِ نَادَوْهُ يُنَاشِدُونَهُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكَهَا فِي قَدَمِهِ فَضَحِكُوا مِنْهُ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي قصَّة زَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: زَعَمُوا أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ دَفَنَ خُبَيْبًا (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ ما أنا قتلت خبيباً لأنا كُنْتُ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولكنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ ثُمَّ طَعَنَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ
أَصْحَابِنَا قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيَّ عَلَى بَعْضِ الشَّامِ (3) فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ، وَهُوَ بَيْنُ ظَهْرَيِ الْقَوْمِ، فذُكر ذَلِكَ لِعُمَرَ، وَقِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ مُصَابٌ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا سَعِيدُ مَا هَذَا الَّذِي يُصِيبُكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنِّي كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ حِينَ قُتِلَ وَسَمِعْتُ دَعْوَتَهُ، فَوَاللَّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ قَطُّ إِلَّا غُشي عليَّ.
فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا.
وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ سرَّه أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ نَسِيجِ وَحْدِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ خُبَيْبٌ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى انْسَلَخَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ثُمَّ قَتَلُوهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حدَّثني جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَهُ عَيْنًا وَحْدَهُ قَالَ جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ فَرَقَيْتُ فِيهَا وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ، فَأَطْلَقْتُهُ، فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ فانتبذت
__________
= أو أنا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ قتله ثم قَتْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: وَقَدْ عَاتَبَتْ عَائِشَةُ مُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِهِ فَقَالَ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: دَعِينِي وَحُجْرًا فَإِنِّي سَأَلْقَاهُ عَلَى الْجَادَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ ذَهَبَ عَنْكَ حِلْمُ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: حِينَ غاب مثلك من قومي.
اه.
من الهامش.
(1) قال ابن الأثير في النهاية: يروى بكسر الباء: جمع بدة وهي الحصة والنصيب.
أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحدة حصته ونصيبه.
ويروى بالفتح: أي متفرقين في القتل واحداً بعد واحد، من التبديد (ج 1 / 65) .
(2) الخبر نقله البيهقي عن موسى بن عقبة وعروة في الدلائل ج 3 / 326 واختصر ابن عبد البر في الدرر 159 - 161.
(3) في الواقدي: على حمص.
(*)(4/76)
قَلِيلًا، ثُمَّ التفتُّ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَكَأَنَّمَا بلعته الْأَرْضُ فَلَمْ تُذكر لِخُبَيْبٍ رِمَّةٌ حَتَّى السَّاعَةِ (1) .
ثُمَّ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَصْحَابُ الرَّجِيعِ قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا هَكَذَا لَا هُمْ أَقَامُوا في أهلهم وَلَا هُمْ أَدَّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ، فَأَنْزَلُ اللَّهُ فِيهِمْ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة: 204] وَمَا بَعْدَهَا.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رؤوف بِالْعِبَادِ) [البقرة: 207] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَ مِمَّا قيل من الشعر في هذه الغزوة خُبَيْبٍ حِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُهَا لَهُ) : لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا * قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ (2) وكلهمُ مُبْدِي العداوةِ جاهدٌ * عليَّ لِأَنِّي في وثاقٍ بمضبع (3) وَقَدْ جَمَّعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ * وقُرِّبْتُ مِنْ جِذع طَوِيلٍ مُمَنَّعِ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو غُربتي ثُمَّ كُربتي * وَمَا أرصدَ الْأَعْدَاءُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي (4) فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي * فَقَدْ بَضَعوا لَحْمِي وَقَدْ يَأِسَ مَطْمَعِي وَذَلِكَ في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ وَقَدْ خَيَّرُونِي الكفرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ * وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ وَمَا بِي حذارُ الْمَوْتِ إِنِّي لميتٌ * وَلَكِنْ حِذَارِي جحمُ نَارٍ مُلَفَّعِ (5) فَوَاللَّهِ مَا أَرْجُو إِذَا مُتُّ مُسْلِمًا * عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَضْجَعِي (6) فلستُ بمبدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا * وَلَا جَزَعًا إِنِّي إِلَى اللَّهِ مَرْجِعِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَيْتَانِ مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ وَهُمَا قَوْلُهُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقتل مُسْلِمًا * عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلوٍ مُمَزَّعِ وَقَالَ حَسَّانُ بن ثابت يرثي خبيباً فيما ذكره ابن إسحاق:
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 331 - 332.
(2) ألبوا: جمعوا.
تقول ألبت القوم على فلان إذا جمعتهم عليه وحضضتهم وحرشتهم به، فتألبوا، أي اجتمعوا.
مجمع: مكان الاجتماع.
(3) في ابن هشام: بمصيع.
(4) في ابن هشام: الاحزاب بدل الاعداء.
(5) الجحم: الملتهب المتقد، ومنه سميت النار الجحيم.
ملفع: مشتمل.
تلفع بالثوب: إذا اشتمل به.
(6) في ابن هشام: مصرعي بدل مضجعي.
أرجو: أي أخاف وهي لغة وقد حمل بعض المفسرين في قوله تعالى (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) أي لا تخافون.
(*)(4/77)
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَرْقَا مدامعُها * سَحًّا على الصدر مثل اللؤلؤ الفلق (1) عَلَى خُبَيْبٍ فَتَى الْفِتْيَانِ قَدْ عَلِمُوا * لَا فَشِلٍ حِينَ تَلْقَاهُ وَلَا نَزِقِ (2) فَاذْهَبْ خُبَيْبُ جَزَاكَ اللَّهُ طَيِّبَةً * وَجَنَّةَ الْخُلْدِ عِنْدَ الْحُورِ فِي الرُّفُقِ مَاذا تَقولونَ إنْ قَالَ النَّبيُّ لكمْ * حِينَ الْمَلَائِكَةُ الْأَبْرَارُ فِي الْأُفُقِ فِيمَ قَتَلْتُمْ شَهِيدَ اللَّهِ فِي رَجُلٍ * طَاغٍ قَدَ أوعث في البلدان والرفق وقال ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا بَعْضَهَا لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهَا، وَقَالَ حَسَّانُ يَهْجُو الَّذِينَ غَدَرُوا بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، والله أعلم ولله الحمد والمنة والتوفيق والعصمة.
إِنْ سَرَّكَ الْغَدْرُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ * فأتِ الرَّجِيعَ فَسَلْ عَنْ دَارِ لِحْيَانِ قَوْمٌ تَوَاصَوْا بِأَكْلِ الْجَارِ بَيْنَهُمُ * فَالْكَلْبُ وَالْقِرْدُ وَالْإِنْسَانُ مِثْلَانِ لَوْ يَنْطِقُ التَّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ * وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا وَبَنِي لِحْيَانَ عَلَى غَدْرِهِمْ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: لَعَمْرِي لَقَدْ شَانَتْ هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكٍ * أَحَادِيثُ كَانَتْ فِي خُبَيْبٍ وَعَاصِمِ أَحَادِيثُ لِحْيَانٍ صَلَوْا بِقَبِيحِهَا * وَلِحْيَانُ جَرَّامُونَ شَرَّ الْجَرَائِمِ (3) أناسٌ هُمُ مِنْ قَوْمِهِمْ فِي صَمِيمِهِمْ * بِمَنْزِلَةِ الزَّمْعَانِ دُبْرَ الْقَوَادِمِ (4) هَمُ غَدَرُوا يَوْمَ الرَّجِيعِ وَأَسْلَمَتْ * أَمَانَتُهُمْ ذَا عِفَّةٍ وَمَكَارِمِ رَسُولَ رسولَ اللَّهِ غَدْرًا وَلَمْ تَكُنْ * هُذَيْلٌ تَوَقَّى مُنْكِرَاتِ الْمَحَارِمِ
فَسَوْفَ يَرَوْنَ النَّصْرَ يَوْمًا عَلَيْهِمُ * بِقَتْلِ الَّذِي تَحْمِيهِ دُونَ الْحَرَائِمِ (5) أَبَابِيلُ دَبْرٍ شُمَّسٍ دون لحمه * حمت لحم شهاد عظيم الْمَلَاحِمِ لَعَلَّ هُذَيْلًا أَنْ يَرَوْا بِمُصَابِهِ * مَصَارِعَ قَتْلَى أَوْ مَقَامًا لِمَأْتَمِ وَنُوقِعُ فِيهَا وَقْعَةً ذات صولة * بوافي بِهَا الرُّكْبَانُ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ رَسُولَهُ * رَأَى رَأْيَ ذِي حَزْمٍ بِلِحْيَانَ عَالِمِ قبيلةٌ لَيْسَ الْوَفَاءُ يهمهُم * وَإِنْ ظُلِمُوا لَمْ يَدْفَعُوا كَفَّ ظَالِمِ إِذَا النَّاسُ حَلُّوا بِالْفَضَاءِ رَأَيْتَهُمْ * بِمَجْرَى مَسِيلِ الْمَاءِ بَيْنَ الْمَخَارِمِ مَحَلُّهُمُ دَارُ الْبَوَارِ وَرَأْيُهُمْ * إِذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ كرأي البهائم
__________
(1) في الديوان وابن هشام: القلق أي المتحرك الساقط.
(2) الفشل: الجبان الضعيف.
ورواية الصدر في الديوان: على خبيب وفي الرحمن مصرعه.
(3) جرامون: كاسبون.
(4) الزمعان: جمع زمع، وهو الشعر الذي يكون فوق الرسغ من الدابة وغيرها.
(5) تحميه: يعنى عاصم وقد حمته الدبر.
(*)(4/78)
وَقَالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا يَمْدَحُ أصحاب الرجيع ويسميهم بشعره كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: صَلَّى الْإِلَهُ عَلَى الَّذِينَ تَتَابَعُوا * يَوْمَ الرَّجِيعِ فَأُكْرِمُوا وَأُثِيبُوا رَأْسُ السَّرِيَّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيرُهُمْ * وَابْنُ البكير أمامهم وخبيب وابن لطارق وابن ذثنة مِنْهُمُ * وَافَاهُ ثَمَّ حِمَامُهُ الْمَكْتُوبُ (1) وَالْعَاصِمُ الْمَقْتُولُ عِنْدَ رَجِيعِهِمْ * كَسَبَ الْمَعَالِيَ إِنَّهُ لَكَسُوبُ مَنَعَ الْمَقَادَةَ أَنْ يَنَالُوا ظهرهُ * حَتَّى يُجَالِدَ إِنَّهُ لَنَجِيبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ.
سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضمري قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ [الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ] (2) عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أبي عوف (3) (وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) قَالُوا: كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَدْ قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ قريش بمكة: أما أَحَدٌ يَغْتَالُ مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ فَنُدْرِكُ ثَأْرَنَا؟ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَدَخَلَ عليه منزله، وقال له: إن أنت وفيتني (4) خَرَجْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَغْتَالَهُ، فَإِنِّي هَادٍ بِالطَّرِيقِ خِرِّيتٌ، مَعِي خِنْجَرٌ مِثْلُ خَافِيَةِ النَّسْرِ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُنَا.
وَأَعْطَاهُ بَعِيرًا وَنَفَقَةً وَقَالَ: اطوِ أَمْرَكَ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَسْمَعَ هَذَا أَحَدٌ فَيَنْمِيَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ.
قَالَ قَالَ الْعَرَبِيُّ: لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ.
فَخَرَجَ لَيْلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فسار خمساً وصبَّح ظهر الحي (5) يوم سَادِسَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم حتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: قَدْ توجَّه إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُودُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلُ يَؤُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يحدث في مسجده.
فلما دخل ورآه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ غَدْرًا وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ.
فَوَقَفَ وَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ عبد المطلب فذهب ينحني عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يُساره، فَجَبَذَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَقَالَ: تَنَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجذب بداخل إِزَارِهِ فَإِذَا الْخِنْجَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا غَادِرٌ.
فَأُسْقِطَ فِي يَدِ الْأَعْرَابِيِّ وَقَالَ: دمي دمي يا محمد.
وأخذه أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يُلَبِّبُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدقني ما
__________
(1) لم ينون طارق لضرورة الشعر، على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يرونه ضروريا.
(2) سقطت من الاصل واستدركت من الطبري: 3 / 32.
(3) في رواية البيهقيّ: عون.
(4) في رواية البيهقيّ: قويتني.
(5) في البيهقي: الحرة.
صبح سادسه (*)(4/79)
أَنْتَ وَمَا أَقْدَمَكَ؟ فَإِنْ صَدَقْتَنِي نَفَعَكَ الصِّدْقُ وَإِنْ كَذَبْتَنِي فَقَدْ اطلعتُ عَلَى مَا هَمَمْتَ به.
قال العربي فأنا أمن؟ قال وأنت آمِنٌ.
فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَا جَعَلَ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ عِنْدَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ثُمَّ دَعَا بِهِ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ قَدْ آمَّنْتُكَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَمَا هُوَ فَقَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتُ أفْرقُ مِنَ الرِّجَالِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُكَ فَذَهَبَ عَقْلِي.
وَضَعُفْتُ (1) ثُمَّ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا هَمَمْتُ به فما سَبَقْتُ بِهِ الرُّكْبَانَ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ مَمْنُوعٌ، وَأَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَأَنَّ حِزْبَ أَبِي سُفْيَانَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ.
فَجَعَلَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ وَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَلِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بن حريس (2) اخْرُجَا حَتَّى تَأْتِيَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَإِنْ أَصَبْتُمَا مِنْهُ غِرَّةً فَاقْتُلَاهُ.
قَالَ عَمْرٌو فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ يَأْجَجَ فَقَيَّدْنَا بِعِيرَنَا، وَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا عَمْرُو هَلْ لَكَ فِي أَنْ نَأْتِيَ مَكَّةَ فَنَطُوفَ بالبيت سبعاً، ونصلي ركعتين فقلت [أنا أعلم بأهل مكة منك إنهم إذا أظلموا رشُّوا أفنيتهم ثم جلسوا بها و] (3) إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق.
فَأَبَى عَلَيَّ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا مَكَّةَ فَطُفْنَا أُسْبُوعًا (4) وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَرَجْتُ لَقِيَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَعَرَفَنِي وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ واحزناه.
فَنَذِرَ (5) بِنَا أَهْلُ مَكَّةَ فَقَالُوا مَا جَاءَ عَمْرٌو فِي خَيْرٍ.
وَكَانَ عَمْرٌو فَاتِكًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَحَشَدَ أَهْلُ مَكَّةَ وَتَجَمَّعُوا، وَهَرَبَ عَمْرٌو وَسَلَمَةُ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمَا وَاشْتَدُّوا فِي الْجَبَلِ.
قال عمرو: فدخلت في غار، فَتَغَيَّبْتُ عَنْهُمْ حَتَّى أَصْبَحْتُ وَبَاتُوا يَطْلُبُونَنَا فِي الْجَبَلِ، وَعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ أَنْ يهتدوا له فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التميمي يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ حَشِيشًا فَقُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ: إِذَا أَبْصَرَنَا أَشْعَرَ بِنَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَقَدِ انْفَضُّوا عَنَّا فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو مِنْ بَابِ الْغَارِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْنَا، قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ طَعْنَةً تَحْتَ الثَّدْيِ بِخِنْجَرِي فَسَقَطَ وَصَاحَ، فاجتمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم [ورجعت إلى مكاني فدخلت فيه] (6) وَقُلْتُ لِصَاحِبِي لَا تَتَحَرَّكْ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى أَتَوْهُ وَقَالُوا مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ عَلِمْنَا إنَّه لَمْ يَأْتِ لِخَيْرٍ.
وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِنَا فَإِنَّهُ
كَانَ بِآخِرِ رَمَقٍ فَمَاتَ، وَشُغِلُوا عَنْ طَلَبِنَا بِصَاحِبِهِمْ فَحَمَلُوهُ، فَمَكَثْنَا لَيْلَتَيْنِ فِي مكاننا حتى [سكن
__________
(1) في البيهقي: وضعفت نفسي.
(2) في الاصل حريش، وهو تحريف، وما أثبتناه من شرح المواهب 2 / 178.
(3) سقط من الاصل واستدركت من تاريخ الطبري 3 / 32 وفي البيهقي: وأنا أعرف أهل مكة إنهم أمسوا انفجعوا بأفنيتهم.
(4) كذا في الاصول والطبري، وفي البيهقي: سبعا وهو مناسب أكثر.
(5) في الطبري: فتبادرنا، وفي البيهقي: فنيد بنا.
(6) من الطبري، وفي البيهقى: ودخلت الغار.
(*)(4/80)
عنا الطلب ثم] خرجنا [إلى التنعيم] (1) فَقَالَ صَاحِبِي: يَا عَمْرُو بْنَ أُمَيَّةَ هَلْ لَكَ فِي خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ نَنْزِلُهُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ هُوَ ذَاكَ مَصْلُوبٌ حَوْلَهُ الْحَرَسُ.
فَقُلْتُ: أَمْهِلْنِي وَتَنَحَّ عَنِّي فَإِنْ خشيت شيئاً فانج إِلَى بَعِيرِكَ فَاقْعُدْ عَلَيْهِ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ الْخَبَرَ، وَدَعْنِي فإني عالم بالمدينة.
ثم استدرت (2) عَلَيْهِ حَتَّى وَجَدْتُهُ فَحَمَلْتُهُ عَلَى ظَهْرِي فَمَا مَشَيْتُ بِهِ إِلَّا عِشْرِينَ ذِرَاعًا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا فَخَرَجُوا فِي أَثَرِي، فَطَرَحْتُ الْخَشَبَةَ فَمَا أَنْسَى وجيبها - يَعْنِي صَوْتَهَا ثُمَّ أَهَلْتُ عَلَيْهِ التُّرَابَ بِرِجْلِي، فَأَخَذْتُ طَرِيقَ الصَّفْرَاءِ فَأَعْيَوْا وَرَجَعُوا وَكُنْتُ لَا أدري مع بقاء نفسي فَانْطَلَقَ صَاحِبِي إِلَى الْبَعِيرِ فَرَكِبَهُ، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَأَخْبَرَهُ، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى أشرفت على الغليل: غليل ضَجَنَانَ (3) فَدَخَلْتُ فِي غَارٍ مَعِي قَوْسِي وَأَسْهُمِي وَخِنْجَرِي، فَبَيْنَمَا أَنَا فِيهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ من بني الدبل بن بكر أَعْوَرُ طَوِيلٌ يَسُوقُ غَنَمًا وَمِعْزَى، فَدَخَلَ الْغَارَ وَقَالَ: مَنِ الرَّجل؟ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَالَ: وَأَنَا مِنْ بَنِي بَكْرٍ ثُمَّ اتَّكَأَ وَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى وَيَقُولُ: فَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَلَسْتُ أَدِينُ دِينَ الْمُسْلِمِينَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أقتلك.
فلما نام قمت إليه فقتله شر قتلة قتلها أحد قَطُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى هَبَطْتُ، فَلَمَّا أَسْهَلْتُ في الطريق إذا رجلان بعثهما قُرَيْشٌ يَتَجَسَّسَانِ
الْأَخْبَارَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْسَرَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا فَرَمَيْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْآخَرُ اسْتَأْسَرَ فَشَدَدْتُهُ وَثَاقًا ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أتى صبيان الأنصار وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَسَمِعُوا أَشْيَاخَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا عَمْرٌو، فَاشْتَدَّ الصِّبْيَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهامه بِوَتَرِ قَوْسِي فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ ثُمَّ دَعَا لِي بِخَيْرٍ.
وَكَانَ قُدُومُ سَلَمَةَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (4) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَمْرًا لَمَّا أَهْبَطَ خُبَيْبًا لَمْ يَرَ لَهُ رِمَّةً وَلَا جَسَدًا فَلَعَلَّهُ دُفِنَ مَكَانَ سُقُوطِهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ إِنَّمَا اسْتَدْرَكَهَا ابْنُ هِشَامٍ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ وَسَاقَهَا بِنَحْوٍ مِنْ سِيَاقِ الْوَاقِدِيِّ لَهَا لَكِنْ عِنْدَهُ أَنَّ رَفِيقَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
سَرِيَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ (5) وَقَدْ كَانَتْ فِي صَفَرٍ مِنْهَا وَأَغْرَبَ مَكْحُولٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بُعث رَسُولُ
__________
(1) ما بين معكوفين من الطبري.
(2) في الطبري والبيهقي: اشتددت.
(3) الغليل: منابت الطلح، وضجنان: موضع بعينه.
(4) رواه الطبري في تاريخه ج 3 / 31 - 32.
والبيهقي عنه في دلائله ج 3 / 333 - 337.
(5) انظر في غزوة بئر معونة: طبقات ابن سعد 2 / 51 سيرة ابن هشام 3 / 193 مغازي الواقدي 1 / 337 تاريخ الطبري 3 / 33 ابن حزم ص 178، عيون الاثر 2 / 61، النويري 17 / 130 دلائل النبُّوة للبيهقي 3 / 338.
(*)(4/81)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُليم رِعْلٌ وَذَكْوَانَ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا وَإِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَذَاكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ بنحوه.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد إلا علي بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حتَّى إِذَا كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " (1) ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حراماً (أَخًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ) (2) فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خُيِّر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ (3) أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ (4) فَطُعِنَ (5) عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ (6) فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ (7) ، ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ (8) رَجُلٌ أَعْرَجُ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيهِمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيبًا وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ فَقَالَ: أَتُؤَمِّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يحدثهم وأومأوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ قَالَ همام *
__________
) (1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 28 باب غزوة الرجيع ح 4090 فتح الباري 7 / 385.
(2) حرام خال أنس بن مالك، وأم سليم قيل اسمها سهلة وقيل رملة وقيل مليكة (قاله ابن عبد البر) بنت ملحان كانت تحت مالك بن النضر أبو أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنسا أسلمت مع قومها وعرضت الاسلام على زوجها فغضب ورفض وخرج إلى الشام وهناك هلك، فخلف عليها أبو طلحة الأنصاري.
(3) السهل: البوادي، وأهل المدر: أي أهل البلاد.
(4) في البيهقي: بألف أشقر وألف شقراء.
(5) طعن: أصابه الطاعون.
(6) البكر: بفتح الباء الموحدة، وسكون الكاف: الفتى من الابل بمنزلة الغلام من الناس، ولانثى: بكرة وقيل في الطاعون أنواع: الطاعون من حيث اللغة: نوع من الوباء قاله في الصحاح.
وعند أهل الطب: ورم ردئ
قتال.
يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا.
(7) قيل من آل سلول، وقيل هي سلول بنت شيبان امرأة أخيه.
والرجل الذي من بني فلان: المنذر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الجلاح الخزرجي.
(8) في الاصل: وهو رجل أعرج، ورواية البيهقي: ورجلان معه: رجل أعرج، هذا الرَّجل هو كعب بن زيد من بني دينار بن النَّجار، قال الذهبي: شهد بدرا وقل مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخندق.
(*)(4/82)
أحسبه حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَلَحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الْأَعْرَجِ وَكَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ علينا.
ثم كان من المنسوخ " أنا لقد لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " فَدَعَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ (1) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثنا حِبَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أنَّه سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - وَكَانَ خَالَهُ - يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه وقال فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هذا وأشار إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فَأَتَى النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا.
، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَسُمِّيَ بِهِ مُنْذِرٌ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَسَاقَ مِنْ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ وأدرج في آخره ما ذكره البخاري ههنا فَاللَّهُ أَعْلَمُ (2) .
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثابت، عن أبي الأسود وعن عُرْوَةَ: فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَشَأْنَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ وَإِخْبَارَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ جَبَّارُ بْنُ
سُلْمَى الْكِلَابِيُّ قَالَ: وَلَمَّا طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ سَأَلَ جَبَّارٌ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ فُزْتُ قَالُوا: يَعْنِي بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ جَبَّارٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِذَلِكَ (3) .
وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ.
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بَعْدَ أُحُدٍ بَقِيَّةَ شَوَّالٍ وَذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ ثُمَّ بَعَثَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ فَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ عَنِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وعبد الرحمن بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مَلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ (4) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ وَقَالَ: يا محمد لو
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 28 باب غزوة الرجيع ح 4091.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 352 وقال رواه البخاري في الصَّحيح كما تقدَّم.
في الحاشية السابقة.
(3) مغازي الواقدي 1 / 349.
(4) سمي عامر بملاعب الاسنة في يوم سوبان، يوم حرب كانت بين قيس وتميم، وذلك أن كان يخاطب أخاه طفيل فارس قرزل الذي كان قد أسلمه في هذا اليوم وفر.
فقال: فررت وأسلمت ابن أمك عامرا * يلاعب أطراف الوشيج المزعزع (*)(4/83)
بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ فدعوهم إِلَى أَمْرِكَ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ.
فَقَالَ أَبُو بَرَاءٍ أَنَا لَهُمْ جَارٌ.
فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنذر بن عمر وأخا بَنِي سَاعِدَةَ الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمُ: الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيُّ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ فِي رِجَالٍ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ: فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِئْرَ مَعُونَةَ وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ.
فَلَمَّا نَزَلُوا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكَتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى عَدَا عَلَى
الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يجيبوا إلى ما دعاهم وقالوا: لن نحفر أَبَا بَرَاءٍ وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُليم - عُصَيَّةَ ورعلاً وذكوان والقارة - فأجابوا إِلَى ذَلِكَ فَخَرَجُوا حَتَّى غَشُوا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ، ثُمَّ قَاتَلُوا الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، إِلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ بِهِ رَمَقٌ فَارْتُثَّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ الْقَوْمِ، إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ حَوْلَ الْعَسْكَرِ فَقَالَا: وَاللَّهِ إِنَّ لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ.
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لَكِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لِأُخْبِرَ عَنْهُ الرِّجَالَ.
فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأُخِذَ عَمْرٌو أَسِيرًا فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ أُطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ فِيمَا زَعَمَ.
قَالَ وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةَ أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، حَتَّى نَزَلَا فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيَّيْنِ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ لَمْ يَعْلَمْهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا: مِمَّنْ أَنْتُمَا قَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَأَمْهَلَهُمَا، حَتَّى إِذَا نَامَا عَدَا عَلَيْهِمَا وَقَتَلَهُمَا وَهُوَ يَرَى أَنْ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثَأْرًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ بِالْخَبَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا " = فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقَّ عليه إخفار عامر إياه وما أصاب أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي إخفاء عَامِرٍ أَبَا بَرَاءٍ وَيُحَرِّضُ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ: بَنِي أَمِّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرُعْكُمْ * وأنتم من ذوائب أهل نجد (1)
__________
(1) قال أبو ذر: يريد قول لبيد: نحن بني أم البنين الاربعة * المطعمون الجفنة المدعدعة
قال السهيلي: وإنما قال الاربعة وهم خمسة: طفيل وعامر وربيعة وعبيدة الوضاح ومعاوية معوذ الحكماء.
لانه أباه = (*)(4/84)
تَهَكُّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ * لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي * فَمَا أحدثت في الحدثان بعدي أبو ك أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ * وَخَالُكُ مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ الْبَنِينَ أُمُّ أَبِي بَرَاءٍ (1) وَهِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ.
قَالَ فَحَمَلَ رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَطَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ (2) وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ وَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، إِنْ أَمُتْ فَدَمِيَ لِعَمِّي فَلَا يُتْبَعَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي (3) .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ مُوسَى وَكَانَ أَمِيرُ الْقَوْمِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو وَقِيلَ مَرْثَدُ بْنُ أبي مرثد.
وقام؟ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ - فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلِّي * بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحًّا غَيْرَ نَزْرِ عَلَى خَيْلِ الرَّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا * وَلَاقَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ بِقَدْرِ (4) أَصَابَهُمُ الْفَنَاءُ بِعَقْدِ قَوْمٍ * تخوَّن عَقْدُ حَبْلِهِمُ بِغَدْرِ فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرِ إِذْ تَوَلَّى * وَأَعْنَقَ فِي مَنِيَّتِهِ بِصَبْرِ وَكَائِنُ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ * مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ سِرِّ عَمْرِو
غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ
وفيها سُورَةَ الْحَشْرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُسَمِّيهَا سُورَةَ بَنِي النَّضِيرِ.
وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ أُحُدٍ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهري
بِهِ، وَهَكَذَا رَوَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَ غَزْوَةَ بَدْرٍ فِي سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ
__________
= ربيعة قد كان مات قبل ذلك لا كما قال بعضهم من أجل القافية.
(1) قال السهيلي: واسمها ليلى بنت عامر.
(2) أشواه: أخطأ مقتله.
وقيل انه بعدما وقع وثب قوم عامر عليه فأخذوه وقالوا لعامر: اقتص فأخرجه من الحي، ثم حفر بئرا وقال: اشهدوا أني قد جعلت ديته في هذه البئر ثم رد فيها ترابها، قال الزرقاني: وعامر بن الطفيل ابن أخي أبي براء ملاعب الاسنة.
(3) الخبر في ابن هشام ج 3 / 195 ونقله صاحب الدرر ص 162.
وقال: سياق ابن إسحاق أحسن وأبين.
(4) عجزه في الديوان: مناياهم ولاقتهم بقدر.
(*)(4/85)
ثنتين، قَالَ ثُمَّ غَزَا بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزَا أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ هِيَ قَبْلَ أُحُدٍ، قَالَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَيْضًا (5) .
قُلْتُ: هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ بِئْرَ مَعُونَةَ وَرُجُوعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَقَتْلَهُ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَلَمْ يَشْعُرْ بِعَهْدِهِمَا الَّذِي مَعْهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَقَدْ قَتَلْتَ رَجُلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ لِلْعَهْدِ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمَا، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَهْدٌ وَحِلْفٌ، فَلَّمَا أَتَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القاسم نعينك عى مَا أَحْبَبْتَ، ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مُثُلِ حَالِهِ هَذِهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً وَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ.
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ
وَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَلَمَّا اسْتَلْبَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، قَامُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَدِينَةَ.
فَأَقْبَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، بِمَا كَانَتْ يَهُودُ أَرَادَتْ مِنَ الْغَدْرِ بِهِ (2) ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم محمَّد بْنَ مَسْلَمَةَ يَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ جِوَارِهِ وَبَلَدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ النِّفَاقِ يُثَبِّتُونَهُمْ وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْمَقَامِ وَيَعِدُونَهُمُ النَّصْرَ، فَقَوِيَتْ عِنْدَ ذَلِكَ نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ وَنَابَذُوهُ بِنَقْضِ الْعُهُودِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَاصَرُوهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً (3) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَرَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتهيوء لِحَرْبِهِمْ وَالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَنَزَلَ تحريم الخمر حينئذ، وتحصنوا فِي الْحُصُونِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخِيلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: أَنْ يَا محمَّد قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الفساد، وتعيب مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَحْرِيقِهَا، قَالَ وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ ووديعة ومالك [بن أبي قوقل] وَسُوِيدٌ وَدَاعِسٌ قَدْ بَعَثُوا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ أَنِ اثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا، فَإِنَّا لَنْ نُسْلِمَكُمْ، إِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ.
فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ الله في قلوبهم الرعب، فسألوا
__________
(1) دلائل النبوة ج 3 / 354.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 201.
(3) في الواقدي 1 / 374: يوما.
(*)(4/86)
رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ مِنْ أموالهم إلا الحلقة (1) .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْطَى كُلَّ ثلاثة بعيراً يعتقبونه وسقا (2) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى: مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ محمد عن الزُّهْرِيِّ (3) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مْسَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إليه بَنِي النَّضِيرِ، وَأَمَرَهُ أَنْ
يُؤَجِّلَهُمْ فِي الْجَلَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَتْ لهم ديون مؤجلة فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا.
وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ (4) بَابِهِ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ فَخَرَجُوا إِلَى خَيْبَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَى الشَّامِ.
فَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ إِلَى خَيْبَرَ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَمَّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا.
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّهُمُ اسْتُقْبِلُوا بِالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَهُمُ الدُّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ، وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ بزهاء وفخر ما رؤي مِثْلُهُ لِحَيٍّ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ.
قَالَ: وَخَلَّوُا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي النَّخِيلَ وَالْمَزَارِعَ - فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، يضعها حيث شاء فَقَسَّمَهَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ، إِلَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ ذَكَرَا فَقْرًا فَأَعْطَاهُمَا (5) (وَأَضَافَ بَعْضُهُمْ إِلَيْهِمَا الْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا رَجُلَانِ: وَهَمَا يامين بن عمير، أبو (6) كَعْبٍ ابْنُ عَمِّ عَمْرِو بْنِ جَحَّاشٍ وَأَبُو سعد بن وهب فأحرزا أمو الهما.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ليامين: ألم تر ما لقيت مِنِ ابْنِ عَمِّكَ وَمَا همَّ بِهِ مِنْ شَأْنِي؟ فَجَعَلَ يَامِينُ لِرَجُلٍ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جَحَّاشٍ فَقَتَلَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سُورَةَ الْحَشْرِ بِكَمَالِهَا، يِذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ.
ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُفَسِّرُهَا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا بِطُولِهَا مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ اللَّهُ تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (8) مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانعتهم
__________
(1) الحلقة: السلاح كله، أو خاص بالدروع.
(2) في البيهقي: وسقاء قال والجلاء: إخراجهم من أراضيهم إلى أرض أخرى.
(3) في رواية البيهقيّ ج 3 / 360: يعقوب بن محمد الزهري.
(4) النجاف: العتبة التي بأعلى الباب.
والاسكفة: العتبة التي بأسفله.
(5) زاد الواقدي: انه أعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق.
(6) في الاصول بن وهو تحريف، والتصويب عن شرح السيرة لابي ذر الخشني.
(7) كانت أخت يامين: الرواع بنت عمير تحت عمرو بن جحاش ابن عم يامين الذي جعل لرجل من قيس عشرة دنانير على أن يقتل عمرو فاغتاله فقتله فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ (الواقدي 1 / 374) .
(8) قوله أول الحشر: عن عروة عن عائشة: كان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
(*)(4/87)
حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فأتاهم مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أن كتب عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النار وذلك بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله ولنجزى الْفَاسِقِينَ) .
سبح سبحانه وتعالى نفسه الكريمة وأخبر أنه يسبح له جميع مخلوقاته العلوية والسفلية وأنه العزيز وهو منيع الجناب فلا ترام عظمته وكبرياؤه وأنه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدر وشرع، فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم اليهود الذين شاقوا الله ورسوله وجانبوا رسوله وشرعه وما كان من السبب المفضي لقتالهم كما تقدم حتى حاصرهم المؤيد بالمرعب والرهب مسيرة شهر ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال فذهب بهم الرعب كل مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم على أنهم لا يصحبون شيئاً من السلاح إهانة لهم واحتقارا فجعلوا يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم الجلاء وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لأصابهم ما هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ من العذاب الدنيوي وهو القتل مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الأليم المقدر لهم.
ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وإن ذلك كله سائغ فقال ما قطعتم من لينة - وهو جيد الثمر - أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ.
إِنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا وَقَدَرًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَنِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ
وَلَيْسَ هُوَ بِفَسَادٍ كَمَا قَالَهُ شِرَارُ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارٌ لِلْقُوَّةِ وَإِخْزَاءٌ لِلْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أصولها فبإذن اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (1) .
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرق نخل بَنِي النَّضِيرِ [وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ] (2) وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لؤي * حريق بالبويرة مستطير (3)
__________
(1) سورة الحشر آية 5.
والحديث رواه البخاري في تفسير سورة الحشر، ومسلم في 32 كتاب الجهاد والسير 10 باب ح 29.
(2) ما بين معكوفين سقطت من الصحيح، واثبتت في رواية الليث.
والحديث أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 14 باب حديث بني النضير، فتح الباري (7 / 329) .
(3) سراة القوم: سادتهم.
بني لؤي: يريد بهم شجعان قريش.
قال الكرماني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاربه، وذلك لان قريشا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة على نقض العهد بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خرج معهم إلى الخندق.
(*)(4/88)
فأجابه أبو سفيان بن الحارث (1) أنه يَقُولُ: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ * وَحَرَّقَ في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بستر * وتعلم أي.
أرضينا نضير قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إِجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَقَدْ خَزِيَتْ بَغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ * كَذَاكَ الدَّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ (2) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِرَبٍّ * عَظِيمٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ
وَقَدْ أتوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا * وَجَاءَهُمُ مِنَ اللَّهِ النَّذِيرُ نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدَّى كِتَابًا * وَآيَاتٍ مُبَيِّنَةً تُنِيرُ فَقَالُوا مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ * وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنَّا جَدِيرُ فَقَالَ: بَلَى لَقَدْ أَدَّيْتُ حَقَّا * يُصَدِّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لكل رشد * وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يخزَ الْكَفُورُ فَلَمَّا أُشْرِبُوا غَدْرًا وَكُفْرًا * وَجَدَّ بِهِمْ عَنِ الْحَقِّ النُّفُورُ (3) أَرَى اللَّهُ النَّبِيَّ بِرَأْيِ صِدْقٍ * وَكَانَ اللَّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ فَأَيَّدَهُ وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ * وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النَّصِيرُ فَغُودِرَ منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير عَلَى الْكَفَّيْنِ ثُمَّ وَقَدْ عَلَتْهُ * بِأَيْدِينَا مُشَهَّرَةٌ ذُكُورُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ إِذْ دَسَّ لَيْلًا * إِلَى كعب أخا كعب يسير فما كره فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ * وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ فَتِلْكَ بَنُو النَّضِيرِ بَدَارِ سُوءٍ * أَبَارَهُمُ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ (4) غَدَاةَ أَتَاهُمُ فِي الزَّحْفِ رَهْوًا * رَسُولُ اللَّهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ وَغَسَّانُ الْحُمَاةُ مُؤَازِرُوهُ * على الأعداء وهم لَهُمْ وَزِيرُ فَقَالَ السِّلْمُ وَيْحَكُمُ فَصَدُّوا * وَخَالَفَ أَمْرَهُمُ كَذِبٌ وَزُورُ (5) فَذَاقُوا غِبَّ أَمْرِهِمُ وَبَالًا * لكل ثلاثة منهم بعير
__________
(1) أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وهو ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان على كفره وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) الحبور: جمع حبروهم علماء اليهود.
(3) في شرح السيرة لابي در: وحاد بهم بدل وجد بهم: أي مال بهم.
(4) أبارهم: أهلكهم.
(5) في رواية أبي ذر: وحالف: أي صاحب.
(*)(4/89)
وَأُجْلُوا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعٍ * وَغُودِرَ مِنْهُمُ نَخْلٌ وَدُورُ وقد ذكر ابن إسحاق جوابها لسمال (1) الْيَهُودِيِّ، فَتَرَكْنَاهَا قَصْدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ قَوْلُ ابْنِ لقيم العبسي، ويقال قالها قيس بن بحرين طَرِيفٍ الْأَشْجَعِيِّ: أَهْلِي فِدَاءٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ هَالِكٍ * أحل اليهود بالحسي المزنم (2) يقيلون في خمر العضاه وبدلوا * أهيضب عودا بِالْوَدِيِّ الْمُكَمَّمِ (3) فَإِنْ يَكُ ظَنِّي صَادِقًا بِمُحَمَّدٍ * تروا خيله بين الضلا وَيَرَمْرَمِ (4) يَؤُمُّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إِنَّهُمْ * عَدُوٌّ وَمَا حَيٌّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ عَلَيْهِنَّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى * يَهُزُّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُقَوَّمِ وَكُلَّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدٍ * تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً * فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرِّمِ بِأَنَّ أَخَاهُمْ فَاعْلَمُنَّ مُحَمَّدًا * تَلِيدُ النَّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ وَزَمْزَمِ فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقِّ تَجْسُمْ أُمُورُكُمْ * وَتَسْمُو من الدنيا إلى كل معظم نبي تلافته مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ * وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجَّمِ فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ * لكم يا قريش وَالْقَلِيبِ الْمُلَمَّمِ غَدَاةَ أَتَى فِي الْخَزْرَجِيَّةِ عَامِدًا * إِلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرَّمِ مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدُسِ يَنْكِي عَدُوَّهُ * رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ حَقًّا بِمَعْلَمِ (5) رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ * فَلَمَّا أَنَارَ الْحَقَّ لَمْ يَتَلَعْثَمِ أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كل موطن * علواً لامر حبه اللَّهُ مُحْكَمِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْرِفُهَا لَعَلِيٍّ:
عَرَفَتُ وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفِ * وَأَيْقَنْتُ حَقًّا ولم أصدف عن الكلم المحكم.
اللاء من * لدى الله ذي الرأفة الاراف
__________
(1) في ابن هشام: سماك اليهودي.
(2) الحسى والحساء: مياه تغور في الرمل وتمسكها صلابة الارض قاله أبو ذر.
وقال السهيلي: ما يحس من الطعام والمزنم: المقلل اليسير قال السهيلي: يريد أحلهم دار غربة في غير عشائرهم.
والمزنم هنا: الرجل يكون في القوم وليس منهم، أي المبعد الطريد.
(الروض الانف 2 / 177) .
(3) في ابن هشام: جمر بدل خمر.
والودي: صغار النخل.
(4) الصلا ويرمرم: موضعان.
(5) معلم: الموضع المرتفع المشرف.
(*)(4/90)
رَسَائِلُ تدرسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ * بِهِنَّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفِي فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فِينَا عَزِيزًا * عَزِيزَ الْمُقَامَةِ وَالْمَوْقِفِ فَيَا أَيُّهَا الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا * وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفِ أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدْنَى الْعَذَابِ * وَمَا آمِنُ اللَّهِ كَالْأَخْوَفِ وَأَنْ تُصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ * كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ رَأَى اللَّهُ طُغْيَانَهُ * وَأَعْرَضَ كَالْجَمَلِ الْأَجْنَفِ فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ * بِوَحْيٍ إِلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ فَدَسَّ الرَّسُولُ رَسُولًا لَهُ * بِأَبْيَضَ ذِي هَبَّةٍ مُرْهَفِ فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مُعْوِلَاتٌ * مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفُ وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا * فَإِنَّا من النوح لم نشتف فجلاهم ثُمَّ قَالَ: اظْعَنُوا * دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنُفِ وَأَجْلَى النَّضِيرَ إِلَى غُرْبَةٍ * وَكَانُوا بِدَارٍ ذَوِي زُخْرُفِ
إِلَى أَذَرِعَاتٍ رِدَافًا وَهُمْ * عَلَى كُلِّ ذِي دَبَرٍ أَعْجَفِ (1) وَتَرَكْنَا جَوَابَهَا أَيْضًا مِنْ سِمَاكٍ (2) الْيَهُودِيِّ قَصْدًا ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حُكْمَ الفئ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَلَّكَهَا لَهُ فَوَضَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَكَانَ يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ والسِّلاح عُدَّةً فِي سبيل الله عزوجل (3) .
ثم بين تعالى حكم الفئ وَأَنَّهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ والتَّابعين لَهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى مِنْوَالِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ وَعَفَّانُ قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حدَّثنا أَنَسُ بن
__________
(1) أدرعات: موضع بالشام.
أعجف: هزيل ضعيف.
(2) في الاصل سمال وهو تحريف.
(3) أخرجه البخاري في تفسير سورة الحشر 3 باب ح 4885 من طريق سفيان بن عيينة.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب المغازي 15 باب ح 48.
والنسائي في عشرة النساء وأبو داود في الامارة والترمذي في الجهاد وقال: حسن صحيح.
والبيهقي في الدلائل ج 3 / 185.
الكراع: الدواب الصالحة للحرب عدة للحوادث.
- وفي رواية البيهقيّ: فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنة.. (*)(4/91)
مَالِكٍ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ مِنْ مَالِهِ النَّخْلَاتِ أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ قَالَ: فَجَعَلَ يَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتي نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطُوهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ: فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِيهِنَّ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ لا أعطيكهن وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ أَوْ كَمَا قَالَتْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِ كَذَا وَكَذَا وتقول كلا والله وَيَقُولُ لَكِ كَذَا وَكَذَا وَتَقُولُ كَلَّا وَاللَّهِ قَالَ وَيَقُولُ لَكِ كَذَا وَكَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا حَسِبْتُ أنَّه قَالَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ قَالَ قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ أَخْرَجَاهُ بِنَحْوِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُعْتَمِرٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذَامًّا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ مَالُوا إلى بني النَّضِيرِ فِي الْبَاطِنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَعَدُوهُمُ النَّصْرَ فلم يكن من ذلك شئ بَلْ خَذَلُوهُمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِمْ وَغَرُّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) [الْحَشْرِ: 11 - 12] ثُمَّ ذَمَّهُمْ تَعَالَى عَلَى جُبْنِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَخِفَّةِ عَقْلِهِمُ النَّافِعِ ثُمَّ ضُرِبَ لَهُمْ مَثَلًا قَبِيحًا شَنِيعًا بِالشَّيْطَانِ حِينَ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برئ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالمين.
قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْقُرَظِيِّ حِينَ مَرَّ عَلَى دِيَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ صَارَتْ يَبَابًا لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ وَقَدْ كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، حَتَّى حَدَاهُ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْرَاةِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى فَأَطَافَ بِمَنَازِلِهِمْ فَرَأَى خَرَابَهَا وَفَكَّرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَوَجَدَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ فَنَفَخَ فِي بُوقِهِمْ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: يَا أَبَا سعيد أين كنت منذ اليوم لم تزل (1) وَكَانَ لَا يُفَارِقُ الْكَنِيسَةَ وَكَانَ يَتَأَلَّهُ فِي الْيَهُودِيَّةِ.
قَالَ رَأَيْتُ الْيَوْمَ عِبَرًا قَدْ عُبِّرْنَا بِهَا، رَأَيْتُ مَنَازِلَ إِخْوَانِنَا خَالِيَةً بَعْدَ ذَلِكَ الْعِزِّ وَالْجَلَدِ وَالشَّرَفِ الْفَاضِلِ، وَالْعَقْلِ الْبَارِعِ قَدْ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ وَمَلَكَهَا غَيْرُهُمْ، وَخَرَجُوا خُرُوجَ ذُلٍّ.
وَلَا وَالتَّوْرَاةِ مَا سُلِّطَ هَذَا عَلَى قَوْمٍ قَطُّ لِلَّهِ بِهِمْ حَاجَةٌ وَقَدْ أَوْقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِابْنِ الْأَشْرَفِ ذِي عِزِّهِمْ ثُمَّ بيَّته فِي بَيْتِهِ آمِنًا، وَأَوْقَعَ بِابْنِ سُنَيْنَةَ سَيِّدِهِمْ، وَأَوْقَعَ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَجْلَاهُمْ وَهُمْ أَهْلُ جَدِّ يَهُودَ، وَكَانُوا أَهْلَ عُدَّةٍ وَسِلَاحٍ وَنَجْدَةٍ، فَحَصَرَهُمْ فَلَمْ يُخْرِجْ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ
رَأْسَهُ حَتَّى سَبَاهُمْ وَكُلِّمَ فِيهِمْ فَتَرَكَهُمْ عَلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ يَثْرِبَ.
يَا قَوْمِ قَدْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُمْ
__________
(1) في البيهقي: لم ترك.
(*)(4/92)
فأطيعوني، وتعالوا نتبع محمداً والله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ وَبِأَمْرِهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ أَبُو عُمَيْرٍ، وَابْنُ حِرَاشٍ وَهُمَا أَعْلَمُ يَهُودَ جَاءَانَا يَتَوَكَّفَانِ قُدُومَهُ وَأَمَرَانَا بِاتِّبَاعِهِ، جَاءَانَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمَرَانَا أَنْ نُقْرِئَهُ مِنْهُمَا السَّلَامَ، ثُمَّ مَاتَا عَلَى دِينِهِمَا وَدَفَنَّاهُمَا بِحَرَّتِنَا هَذِهِ، فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ، ثُمَّ أَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ وَنَحْوَهُ وَخَوَّفَهُمْ بِالْحَرْبِ وَالسِّبَاءِ وَالْجَلَاءِ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ وَالتَّوْرَاةِ قَرَأْتُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِ بَاطَا التَّوْرَاةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى مُوسَى، لَيْسَ فِي الْمَثَانِي الَّذِي أَحْدَثْنَا، قَالَ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: مَا يَمْنَعُكَ يَا أَبَا عبد الرحمن من اتباعه؟ قال: أنت يا كعب.
قَالَ كَعْبٌ: فَلِمَ وَالتَّوْرَاةِ مَا حُلْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَطُّ، قَالَ الزُّبَيْرُ: بَلْ أَنْتَ صَاحِبُ عَهْدِنَا وَعَقْدِنَا فَإِنِ اتَّبَعْتَهُ اتَّبَعْنَاهُ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَبَيْنَا.
فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى عَلَى كَعْبٍ فَذَكَرَ مَا تُقَاوَلَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قال عمرو مَا عِنْدِي فِي أَمْرِهِ إِلَّا مَا قُلْتُ: مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ أَصِيرَ تَابِعًا.
رَوَاهُ البيهقي (1) .
غزوة بني لحيان ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا ابْنُ إسحاق فيما رأيته من طريق هِشَامٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى من سنة ثنتين من الهجرة بعد لخندق وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَهُوَ أَشْبَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو العبَّاس الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجبار وَغَيْرُهُ قَالُوا: لَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَالِبًا بِدِمَائِهِمْ لِيُصِيبَ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ غِرَّةً، فَسَلَكَ طَرِيقَ الشَّامِ لِيُرَيَ (2) أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَنِي لحيان، حتى نزل بأرضهم [من هذيل، ليصيب منهم غرة] فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الْجِبَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَتْ قُرَيْشٍ أَنَّا قَدْ جِئْنَا مَكَّةَ " فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ حَتَّى جَاءَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ ثُمَّ انْصَرَفَا، فَذَكَرَ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَّقِيُّ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بعُسفان صَلَاةَ الْخَوْفِ (3) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابن عَيَّاشٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعُسفان فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظهر فقالوا: قد كانوا على
__________
(1) رواه البيهقي عن الواقدي في الدلائل ج 3 / 361 - 363 وفي الواقدي منه وباختلاف كبير ونقله الصالحي في السيرة الشامية ج 4 / 463 - 465 وزاد في آخره، على المحاورة بين عمرو بن سعدي وكعب بن أسد.
(2) في الدلائل: وورا على النَّاس.
(3) قال بعض الْعُلَمَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة الخوف في عشرة مواضع، وقال أصحاب المغازي والسير، في أربعة مواضع: ذات الرقاع، وبطن نخل، وعسفان وذي قرد.
قال الواقدي: أول ما صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الخوف في غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعد بعسفان بينهما أربع سنوات (قال الواقدي غزوة بني لحيان سنة ست) قال الواقدي: وهذا أثبت عندنا من غيره.
الحديث رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 365، وما بين معكوفين من الدلائل.
وانظر مغازي الواقدي ج 1 / 396.
(*)(4/93)
حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غِرَّتَهُمْ (1) .
ثُمَّ قَالُوا تَأْتِي الآن عليهم صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.
قَالَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ [وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ] قَالَ فَحَضَرَتْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا السِّلَاحَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا سَجَدُوا وَقَامُوا جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ فرفعوا جميعاً، ثم سجد الصف الَّذِي يَلِيهِ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسُوا جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ انصرف.
قال فضلاها (فَصَلَّاهَا) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مرة بأرض عسفان وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ (2) .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَبُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ
مَنْصُورٍ بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ (3) مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جَابِرٍ قَالَ: غَزْونَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنَ جُهَيْنَةَ فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فَلَمَّا أَنْ صَلَّى الظَّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُمْ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَقَالُوا إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الظَّهْرَ بِنَخْلٍ فهمَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ قَالُوا: دَعُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَاةِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره فصلى بأصحابه صلاة العصر فصفهم صفين: بين أيديهم رسول الله وَالْعَدُوُّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام، فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ الْآخَرُونَ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ وَتَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رؤوسهم سَجَدَ الْآخَرُونَ (4) ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِرِوَايَةِ هِشَامٍ هَذِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهُنَائِيُّ (5) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نزل بَيْنَ ضَجَنَانَ وَعُسْفَانَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّ لِهَؤُلَاءِ صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأبكارهم
__________
(1) في سنن أبي داود: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة.
(2) أبو داود في كتاب الصلاة، صلاة الخوف ح 1236 ج 2 / 11.
(3) صحيح مسلم: 6 كتاب صلاة المسافرين 57 باب صلاة الخوف ح 307.
(4) أخرجه البخاري معلقا.
فتح الباري 7 / 436.
وأخرجه مسلم في 6 كتاب المساجد 57 باب صلاة الخوف ح 308 ص 1 / 575.
(5) الهنائي: نسبة إلى هناءة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، بطن من الازد.
اللباب 3 / 294.
(*)(4/94)
وهي العصر، فاجتمعوا أَمْرَكُمْ فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً.
وَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره أن
يقيم أصحابه شطرين فيصلي ببعضهم ويقدم الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى وَرَاءَهُمْ وَلِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ثُمَّ تَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ مَعَهُ وَيَأْخُذُ هَؤُلَاءِ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ لِيَكُونَ لَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِرَسُولِ اللَّهِ رَكْعَتَانِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قُلْتُ إِنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ شَهِدَ هَذَا فَهُوَ بعد خيبر إلا فَهُوَ مِنْ مُرْسِلَاتِ الصَّحَابِيِّ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يُذْكَرْ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ أَمْرُ عُسْفَانَ وَلَا خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ.
بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَنَّ غَزْوَةَ عُسْفَانَ قَبْلَ الْخَنْدَقِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إِنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْخَنْدَقِ فَإِنَّهُمْ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ يَوْمَئِذٍ عَنْ مِيقَاتِهَا لِعُذْرِ الْقِتَالِ وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةً إِذْ ذَاكَ لَفَعَلُوهَا وَلَمْ يُؤَخِّرُوهَا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَغَازِي: إِنَّ غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ بُعُسْفَانَ كَانَتْ بَعْدَ بَنِي قُرَيْظَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ لَقِيَتْهُ بِعُسْفَانَ فَوَقَفْتُ بِإِزَائِهِ وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الْهَمِّ بِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ.
قُلْتُ: وَعُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مَا يَقْتَضِي أنَّ آيَةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ يَوْمَ عُسْفَانَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةِ خَوْفٍ صَلَّاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
غزوة ذات الرِّقاع (1) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَبَعْضَ جُمَادَى ثُمَّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِبٍ وَبَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطْفَانَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ (2) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ نَخْلًا وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقاع.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ لِأَنَّهُمْ رَقَّعُوا فِيهَا رَايَاتِهُمْ، وَيُقَالُ لِشَجَرَةٍ هُنَاكَ اسْمُهَا ذَاتُ الرِّقَاعِ، وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ بِجَبَلٍ فِيهِ بُقَعٌ حُمْرٌ وَسُودٌ وَبِيضٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَرْبُطُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنَ الْخِرَقِ مِنْ شدَّة الحرِّ.
قال ابن إسحاق: فلقي بها جمعاً [عظيما] من
__________
(1) انظر في غزوة ذات الرقاع: ابن سعد ج 2 / 61 سيرة ابن هشام 3 / 213 أنساب الاشراف: 1 / 163 مغازي الواقدي 1 / 395 صحيح مسلم شرح النووي 12 / 17 تاريخ الطبري 3 / 39 ابن حزم ص 182 عيون الاثر 2 / 72 النويري 17 / 158 دلائل البيهقي 3 / 369 السيرة الحلبية 2 / 353.
(2) قال ابن سعد: استعمل عثمان بن عفان، وقال الزرقاني: قاله ابن إسحاق وتعقبه ابن عبد البر بأنه خلاف ما عليه الاكثر، وبأن أبا ذر لما أسلم بمكة رجع إلى بلاده فلم يجئ إلا بعد الخندق.
(*)(4/95)
غَطَفَانَ فَتَقَارَبَ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وَقَدْ خَافَ النَّاس بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ صلاة الخوف، [ثم انصرف الناس] (1) وَقَدْ أَسْنَدَ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثَ صَلَاةِ الْخَوْفِ ههنا: عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ غَزْوَةَ نَجْدٍ وَلَا ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَمْ يتعرض لزمان ولا ومكان وَفِي كَوْنِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع الَّتِي كَانَتْ بِنَجْدٍ لِقِتَالِ بَنِي مُحَارِبٍ وَبَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ غَطَفَانَ قَبْلَ الْخَنْدَقِ نَظَرٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ خَيْبَرَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ شَهِدَهَا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدُومُهُ إِنَّمَا كَانَ لَيَالِيَ خَيْبَرَ صُحْبَةَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ وَكَذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ نَجْدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وممَّا يدلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ أَوَّلَ مَا أَجَازَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نَجْدٍ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَقَوْلُ الْوَاقِدِيِّ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَيُقَالُ سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ لَا يَحْصُلُ بِهِ نَجَاةٌ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إِنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ لِأَنَّ الْخَنْدَقَ كان في شوال سنة خمس على المشهود، وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، فَتَحَصَّلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَخْلَصٌ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ فُلَا.
قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ بَنِي مُحَارِبٍ، يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثٌ (2) ، قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ: أَلَا أَقْتُلَ لَكُمْ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: بَلَى وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْظُرُ إِلَى سيفك هذا؟ قال: نعم، فأخذه ثم جعل يهزه ويهم، فكبته اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا تَخَافُنِي؟ قال: لا، ما أَخَافُ مِنْكَ؟ قَالَ: أَمَا تَخَافُنِي وَفِي يَدِي السَّيْفُ.
قَالَ: لَا، يَمْنَعُنِي اللَّهُ مِنْكَ.
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فرده عليه فأنزل الله عزوجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المائدة 5: 11] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وحدثني يزيد بن رومان: أنهم إنما أنزلت فِي عَمْرِو بْنِ جَحَّاشٍ، أَخِي بَنِي النَّضِيرِ وَمَا همَّ بِهِ (3) .
هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ غَوْرَثٍ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ القدري رأس الفرقة
__________
(1) من ابن هشام، قال ابن سعد والواقدي:: وقد غاب خمس عشرة ليلة.
(2) قال الخطابي: غويرث، وحكى الخطيب فيه: كورث (شرح المواهب) (3) سيرة ابن هشام ج 3 / 216.
(*)(4/96)
الضَّالَّةِ؟ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَّهَمُ بتعمُّد الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْهُ لِبِدْعَتِهِ وَدُعَائِهِ إِلَيْهَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحيحين مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (1) هَاهُنَا طُرُقًا لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ عِدَّةِ أَمَاكِنَ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ (2) فَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ (3) فَعَلِقَ بِهَا سَيْفُهُ.
قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدْعُونَا فَأَجَبْنَاهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رسول صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ.
فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله.
مشام (4) السَّيْفَ وَجَلَسَ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بذات الرقاع، وكنا إذا أتينا على الشجرة ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فأخذ سيف رسول الله فَاخْتَرَطَهُ وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال: فهدده أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ.
قَالَ: وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.
وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ أَبَانٍ بِهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ: إِنَّ اسْمَ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم محارب وغطفان (5) بِنَخْلٍ فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرة، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السيف.
وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقَالَ كُنْ خَيْرَ آخِذٍ.
قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا.
وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لا أقاتلك، ولا أكون
__________
(1) تناول البيهقي قصة غورث في دلائل النبوة في باب عصمة الله عزوجل رسوله صلَّى الله عليه وسلم عما هم بن غورث بن الحارث من قتله وكيفية صلاته في الخوف ج 3 / 373.
(2) العضاه: شجر عظيم الشوك، شوكه كالطلح، والعوسج.
(3) في البيهقي: سمرة.
(4) شام: كلمة من الاضداد تعني إذا سل سيفه وإذا أغمده، والمراد هنا: أغمده.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي 31 باب غزوة ذات الرِّقاع فتح الباري 7 / 426 ورواه مسلم في 43
كتاب الفضائل (4) باب ح 13 وح 14.
(5) في البيهقي: محارب خصفه بنخل.
(*)(4/97)
مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ وقال: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ.
ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ (1) .
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هُنَا طُرُقَ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خُوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي جثمة (حثمة) ، وحديث الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] عَنِ أَبِيهِ [عبد الله بن عمر] فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِنَجْدٍ (2) .
وَمَوْضِعُ ذَلِكَ كِتَابُ الأحكام.
والله أعلم.
قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَمِّي صَدَقَةُ (3) بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم في غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع مِنْ نَخْلٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا، أَتَى زَوْجُهَا، وَكَانَ غَائِبًا، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتَّى يُهَرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ دَمًا فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يكلؤنا ليلتنا [هذه] (4) فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ.
فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ مِنَ الْوَادِي، وَهُمَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَلَمَّا خَرَجَا إِلَى فَمِ الشِّعْبِ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ: أَيُّ اللَّيْلِ تُحِبُّ أَنْ أَكْفِيَكَهُ أَوَّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ قَالَ: بَلِ اكْفِنِي أَوَّلَهُ، فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ فَنَامَ وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، قَالَ: وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ (4) الْقَوْمِ فَرَمَى بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَانْتَزَعَهُ وَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا قَالَ: ثُمَّ رَمَى بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فنزعه فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا قَالَ: ثُمَّ عَادَ لَهُ بِالثَّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ أهبَّ صَاحِبَهُ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ أثبتُّ قال: فوثب الرجل فلما رآها عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ نَذِرَا بِهِ، فَهَرَبَ قَالَ: وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ: أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوَّلَ مَا رماك؟ قال كنا فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى
أُنْفِذَهَا، فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا.
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خُوَّاتٍ عن أبيه حديث صلاة الخوف
__________
(1) دلائل البيهقي ج 3 / 375.
(2) دلائل النبوة ج 3 / 379 وما بين معكوفين من الدلائل.
(3) صدقة بن يسار رجل خزري سكن مكة، وليس بعم لمحمد بن إسحاق.
وأخرج الحديث أبو داود في سننه عن ابن إسحاق ولم يذكر فيه " عمي " قاله أبو ذر، ورواه ابن جرير بإسناده دون ذكر عمي.
راجع الخبر في سيرة ابن هشام ج 3 / 218.
(4) الربيئة: الطليعة الذي يحرس القوم، يقال ربأ القوم إذا حرسهم (شرح أبي ذر ص 295) (*) .(4/98)
بِطُولِهِ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَصَابَ فِي مَحَالِّهِمْ نِسْوَةً، وَكَانَ فِي السَّبْيِ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ وَكَانَ زَوْجُهَا يُحِبُّهَا فَحَلَفَ لِيَطْلُبَنَّ مُحَمَّدًا وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُصِيبَ دَمًا أَوْ يُخَلِّصَ صَاحِبَتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنَ السِّيَاقِ نَحْوَ مَا أَوْرَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِفَرْخٍ طَائِرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتَّى طَرَحَ نَفْسَهُ فِي يَدَيِ الَّذِي أَخَذَ فَرْخَهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الطَّائِرِ أَخَذْتُمْ فَرْخَهُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ رَحْمَةً لِفَرْخِهِ فَوَاللَّهِ لَرَبُّكُمْ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ هَذَا الطَّائِرِ بِفَرْخِهِ (1) .
قصة جمل جابر قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع مِنْ نَخْلٍ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَتِ الرِّفَاقُ تَمْضِي وَجَعَلْتُ أَتَخَلَّفُ حَتَّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مالك يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا.
قَالَ: أَنِخْهُ، قَالَ فَأَنَخْتُهُ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ قَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِكَ، أَوِ اقْطَعْ عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ، فَفَعَلْتُ.
فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ فَخَرَجَ، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ يُوَاهِقُ (2) نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً.
قَالَ: وَتَحَدَّثْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلْ أَهِبُهُ لَكَ قَالَ: لَا وَلَكِنْ بِعْنِيهِ، قَالَ: قُلْتُ فسُمْنيه، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَا إِذًا تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبِدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ لَا، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْأُوقِيَّةَ، قَالَ فقلت: أفقد رضيت؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ فَهُوَ لَكَ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ هَلْ تَزَوَجْتَ بَعْدُ، قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَثِيِّبًا أَمْ بِكْرًا، قَالَ: قُلْتُ بَلْ ثِيِّبًا، قَالَ: أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتَلَاعِبُكَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا (3) ، فَنَكَحْتُ امرأة جامعة، تجمع رؤوسهن فَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ.
قَالَ: أَصَبْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أما إنا لو جِئْنَا صِرَارًا (4) أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَسَمِعَتْ بِنَا فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا، قَالَ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا نَمَارِقَ، قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ، فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْتَ فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيِّسًا، قَالَ: فَلَمَّا جِئْنَا صِرَارًا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجزور فنحرت، وأقمنا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَمَّا أَمْسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا.
قَالَ: فحدثت المرأة الحديث، وما
__________
(1) مغازي الواقدي 1 / 397 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 3 / 379.
(2) يواهق ناقته: أي يباريها في السير ويماشيها، ومواهقة الابل مد أعناقها في السير (النهاية 4 / 234) .
(3) في الواقدي: تسعا.
(4) صرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة (معجم البلدان) .
(*)(4/99)
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَدُونَكَ فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ، فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتَّى أَنَخْتُهُ عَلَى بَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى الْجَمَلَ فَقَالَ: مَا هَذَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ، قَالَ:
فَأَيْنَ جَابِرٌ؟ فَدُعِيتُ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِكَ فَهُوَ لَكَ، قَالَ: وَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: اذْهَبْ بِجَابِرٍ، فَأَعْطِهِ أُوقِيَّةً، قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَنْمِي عِنْدِي، وَيُرَى مَكَانُهُ مِنْ بَيْتِنَا حَتَّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا.
يَعْنِي يوم الحرة (1) .
وقد أخرجه صاحب الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ ينحوه (2) قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا وَالِدَهُ وَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ تَمَنَّ عَلَيَّ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِيدٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) وَزَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحسنى وزيادة) ثُمَّ جَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمُ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ فَقَالَ (وَلَا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون) والروح للإنسان بمنزلة المطية كما قال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قَالَ: فَلِذَلِكَ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرَ جَمَلَهُ وَهُوَ مَطِيَّتُهُ، فَأَعْطَاهُ ثَمَنَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَزَادَهُ مَعَ ذَلِكَ.
قَالَ فَفِيهِ تَحْقِيقٌ لِمَا كَانَ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ أَبِيهِ.
وَهَذَا الَّذِي سَلَكَهُ السُّهَيْلِيُّ هَاهُنَا إِشَارَةٌ غَرِيبَةٌ وَتَخَيُّلٌ بَدِيعٌ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) (3) عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فَقَالَ: بَابُ ما كان ظَهَرَ فِي غَزَاتِهِ هَذِهِ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَآيَاتِهِ فِي جَمَلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ عَنْ جَابِرٍ وَأَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي كِمِّيَّةِ ثَمَنِ الْجَمَلِ وَكَيْفِيَّةِ مَا اشْتُرِطَ فِي الْبَيْعِ.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ وَاسْتِقْصَاؤُهُ لَائِقٌ بِكِتَابِ الْبَيْعِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ جَاءَ تَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْغَزْوَةِ وَجَاءَ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَمُسْتَبْعَدٌ تَعْدَادُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَهِيَ بَدْرٌ الْمَوْعِدُ الَّتِي تَوَاعَدُوا إِلَيْهَا مِنْ أُحُدٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع أَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا، ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إِلَى بِدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ على المدينة عبد الله بن
__________
(1) المراد وقعة الحرَّة التي كانت بالمدينة أيَّام يزيد بن معاوية على يد مسلم بن عقبة المري، وكان سببها حركة المدينة
ضد يزيد واخراجهم مروان بن الحكم وبنى أمية من المدينة.
ورد يزيد بإرساله قائده ابن عقبة حيث ابيحت المدينة ثلاثة أيام أمام جيشه بما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام (انظر الطبري ج 7 / 6 - 7) .
(2) في 34 كتاب البيوع 34 باب شراء الدواب فتح الباري 4 / 320 (3) ج 3 / 381.
(*)(4/100)
عبد الله بن أُبي بن سَلُولَ.
قَالَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا وَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِيًا يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ.
وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ مَجَنَّةَ، مِنْ نَاحِيَةِ الظَّهْرَانِ.
وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ قَدْ بَلَغَ عسفان، ثم بدا فِي الرُّجُوعِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشَّجَرَ، وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللَّبَنَ، فَإِنَّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَإِنِّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا.
فَرَجَعَ النَّاسُ، فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ جَيْشَ السَّوِيقِ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السَّوِيقَ.
قَالَ: وَأَتَى مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ، وَقَدْ كَانَ وَادَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ وَدَّانَ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، وَإِنْ شِئْتَ رَدَدْنَا إِلَيْكَ مَا كانَ بينَنَا وَبَيْنَكَ، وَجَالَدْنَاكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ.
قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ حَاجَةٍ.
ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَعْنِي فِي انْتِظَارِهِمْ أَبَا سُفْيَانَ وَرُجُوعِهِ بِقُرَيْشٍ عَامَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَدْ أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ * لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا فأقسمُ لَوْ لَاقَيْتَنَا فلقِيتَنا * لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وابنه * وعمراً أبا جهل تركناه ثاويا غصيتم رسول الله أف لدينكم * وأمركم السئ الَّذِي كَانَ غَاوِيَا فَإِنِّي وَإِنْ عَنَّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ * فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أَهْلِي وَمَالِيَا أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ * شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ هَادِيَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا * جِلَادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ (1) بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبِّهِمْ * وَأَنْصَارِهِ حَقًّا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عَالَجٍ * فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطَّرِيقُ هُنَالِكِ (2) أَقَمْنَا عَلَى الرَّسِّ النَّزُوعِ ثَمَانِيًا * بِأَرْعَنَ جَرَّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ (3) بِكُلِّ كُمَيْتٍ جَوزُه نِصْفُ خَلْقه * وقُبٍّ طِوَالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيَّ تَذْرِي أُصُولَهُ * مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيِّ الرَّوَاتِكِ فَإِنْ تَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا * فُرَاتَ بْنَ حَيَّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ * يُزَدْ فِي سَوَادِ لَوْنِهِ لَوْنُ حَالِكِ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي رِسَالَةً * فَإِنَّكَ من غر الرجال الصعالك
__________
(1) فلجات: جمع فلج، وهو الماء الجاري: سمي فلجا لانه فدخ في الارض، وفرق بين جانبيه.
(2) عالج: مكان فيه رمل كثير.
(3) أرعن: الجيش الكثير الذي له اتباع وفضول.
(*)(4/101)
قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ أَسْلَمَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ: أَحَسَّانُ إِنَّا يَا ابْنَ آكِلَةِ الْفَغَا * وجدَّك نَغْتَالُ الْخُرُوقَ كَذَلِكِ (1) خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرَ بَيْنَنَا * وَلَوْ وَأَلَتْ مِنَّا بِشَدٍّ مُدَارِكِ إِذَا ما انبعثنا من مُناخ حسبته * مد من أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْمُتَعَارِكِ (2) أَقَمْتَ عَلَى الرَّسِّ النَّزُوعِ تُرِيدُنَا * وَتَتْرُكُنَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْمَدَارِكِ عَلَى الزَّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وَرِكَابُنَا * فَمَا وَطِئَتْ أَلْصَقْنَهُ بِالدَّكَادِكِ أَقَمْنَا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلع وَفَارِعٍ * بجُرد الْجِيَادِ وَالْمَطِيِّ الرَّوَاتِكِ (3) حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ فِنَائِكُمْ (4) * كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ آنُكِ
فَلَا تَبْعِثِ الْخَيْلَ الْجِيَادَ وَقُلْ لَهَا * عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْمَعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا * فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ فَإِنَّكَ لَا فِي هِجْرَةٍ إِنْ ذَكَرْتَهَا * وَلَا حُرُمَاتِ دِينِهَا أَنْتَ نَاسِكُ (5) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا أَبْيَاتًا لِاخْتِلَافِ قَوَافِيهَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ وَانْبَعَثَ الْمُنَافِقُونَ فِي النَّاسِ يُثَبِّطُونَهُمْ فَسَلَّمَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ بِضَائِعَ، وَقَالُوا: إِنْ وَجَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ وَإِلَّا اشْتَرَيْنَا مِنْ بَضَائِعِ مَوْسِمِ بَدْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي خُرُوجِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى مَجَنَّةَ وَرُجُوعِهِ وَفِي مُقَاوَلَةِ الضَّمْرِيِّ، وَعَرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَابَذَةَ فَأَبَى ذَلِكَ (6) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ.
وَكَانَ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْقِعْدَةِ يَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ وَوَافَقَ قَوْلَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا فِي شَعْبَانَ لَكِنْ قَالَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنَّ هَذِهِ تَوَاعَدُوا إِلَيْهَا مِنْ أحد وكانت أُحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَأَقَامُوا بِبَدْرٍ مُدَّةَ الْمَوْسِمِ الَّذِي كَانَ يُعْقَدُ فِيهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَرَجَعُوا وَقَدْ رَبِحُوا مِنَ الدِّرْهَمِ دِرْهَمَيْنِ (7) .
وَقَالَ غيره: فانقلبوا كما
__________
(1) الغفا: التمر، وقيل: هو غبرة تعلو التمر قبل أن يطيب.
نغتال: نقطع.
الخروق: القفار.
(2) المدمن: الموضع الذي ينزلون فيه فيتركون به الدمن، أي آثار الدواب والابل، وأرواثها وبعارها.
(3) سلع وقارع: جبلان.
(4) في ابن هشام: قبابهم، وفي طبقات الشعراء: حول بيوتكم.
(5) وتروى: ولا حرمات الدين أنت بناسك.
(6) نقل الخبر البيهقي في الدلائل 3 / 385 و 386.
والدرر في اختصار المغازي والسير (ص: 168) .
(7) مغازي الواقدي: 1 / 384.
(*)(4/102)
قال الله عزوجل: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ (ذُو) فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 174] .
فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بن عفان رضي الله عنه يعني مِنْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ وَالِدُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَفِيهِ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ وَأُمُّهُ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَضِيعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَضَعَا مِنْ ثُوَيْبَةَ مَوْلَاةِ أَبِي لهب.
وكان إسلام أبي سلم وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ قَدِيمًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ هَاجَرَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ وُلِدَ لَهُمَا بِالْحَبَشَةِ أَوْلَادٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَبِعَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وأُحداً وَمَاتَ مِنْ آثَارِ جُرْحٍ جُرِحَهُ بِأُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ سَيَأْتِي فِي سِيَاقِ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِأُمِّ سَلَمَةَ قَرِيبًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْهَا وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْهِلَالِيَّةَ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ أُخْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ (1) .
ثُمَّ اسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْمَسَاكِينِ لِكَثْرَةِ صَدَقَاتِهَا عَلَيْهِمْ وَبِرِّهَا لَهُمْ وَإِحْسَانِهَا إِلَيْهِمْ.
وَأَصْدَقَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا (2) وَدَخَلَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ فَطَلَّقَهَا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُرْجَانِيِّ: ثُمَّ خَلَّفَ عَلَيْهَا أَخُوهُ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
قَالَ ابْنُ الأثير في [أُسد] الْغَابَةِ: وَقِيلَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحد.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا
مَاتَتْ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً (3) حتَّى توفيت رضي الله
__________
(1) تقدم نسب زينب بنت خزيمة، أما ميمونة فهي بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هلال بن عامر بن صعصعة.
(2) النش: نصف أوقية، وهو عشرون درهما.
(3) في طبقات ابن سعد: مكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت في آخر ربيع الآخر، صلى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنها بالبقيع.
(*)(4/103)
عَنْهَا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ (1) بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ.
قُلْتُ: وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَوْجِهَا أَبِي أَوْلَادِهَا أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَقَدْ كَانَ شَهِدَ أحداً كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَاوَى جُرْحَهُ شهراً حتى برئ، ثُمَّ خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ فَغَنِمَ مِنْهَا نَعَمًا وَمَغْنَمًا جَيِّدًا، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ انْتَقَضَ عَلَيْهِ جُرْحَهُ فَمَاتَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ (2) مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمَّا حَلَّتْ فِي شَوَّالٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَفْسِهَا بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ في ذلك مرراً فتذكر أنها امرة غَيْرَى أَيْ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ وَأَنَّهَا مُصْبِيَةٌ أَيْ لَهَا صِبْيَانٌ يَشْغَلُونَهَا عَنْهُ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُؤْنَةٍ تَحْتَاجُ مَعَهَا أَنْ تَعْمَلَ لَهُمْ فِي قُوتِهِمْ، فَقَالَ: أَمَّا الصِّبْيَةُ فَإِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ أَيْ نَفَقَتُهُمْ لَيْسَ إِلَيْكِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَأَدْعُو اللَّهَ فَيُذْهِبُهَا، فَأَذِنَتْ فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ لِعُمَرَ آخِرَ مَا قَالَتْ لَهُ: قُمْ فَزَوِّجِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي قَدْ رَضِيتُ وَأَذِنْتُ.
فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تَقُولُ لِابْنِهَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ صَغِيرًا لَا يَلِي مَثَلُهُ الْعَقْدَ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا مُفْرَدًا بَيَّنْتُ فِيهِ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَأَنَّ الَّذِي وَلِيَ عَقْدَهَا عَلَيْهِ ابْنُهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهَا وَسَاغَ هَذَا لِأَنَّ أَبَاهُ ابْنُ عَمِّهَا فَلِلِابْنِ وِلَايَةُ أُمِّهِ إِذَا كَانَ سَبَبًا لَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَكَذَا إِذَا كَانَ مُعْتِقًا أَوْ حَاكِمًا، فَأَمَا مَحْضُ الْبُنُوَّةِ فَلَا يَلِي بِهَا عَقْدَ النِّكَاحِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَحْدَهُ وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ أبو حنيفة ومالك وأحمد رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ يُذْكَرُ فِيهِ وَهُوَ كِتَابُ النِّكَاحِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمَطَّلِبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا سررت بِهِ، قَالَ: " لَا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ ثمَّ يَقُولُ اللَّهم أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا منها إِلَّا فُعِلَ بِهِ ".
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا منها، ثمَّ رجعت إلى نفسي فقلت: مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي فَغَسَلْتُ يَدِي مِنَ الْقَرَظِ وَأَذِنْتُ لَهُ فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أُدُمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَقَعَدَ عَلَيْهَا فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا تَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ بي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَخَافُ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ.
فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَيُذْهِبُهَا اللَّهُ عَنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلَ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي، فَقَالَتْ: فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَتْ أم
__________
(1) واسمها: هند بنت أبي أمية (سُهَيْلٌ) بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم.
(2) في ابن سعد: لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع.
(*)(4/104)
سَلَمَةَ: فَقَدْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرًا مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عمر بن أبي سلمة عن أبيه.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ عن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مِنْ بِدْرٍ الْمَوْعِدِ - رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَضَى ذُو الْحِجَّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةُ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي
هَذِهِ السَّنَةِ يَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ.
قُلْتُ: فَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ تَعَلَّمْتُهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية
غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ (1) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، - يَعْنِي مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ - وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ سَنَتِهِ.
هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ (2) .
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُيُوخِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْنُوَ إِلَى أَدَانِي الشَّامِ، وَقِيلَ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كبيراً وأنهم يظلمون من مر بهم، وكان لها سُوقٌ عَظِيمٌ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ، وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ، هَادٍ خِرِّيتٌ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، أَخْبَرَهُ دَلِيلُهُ بِسَوَائِمِ بَنِي تَمِيمٍ، فَسَارَ حَتَّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ فَأَصَابَ مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرَّقُوا، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَاحَتِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، وَبَثَّ السَّرَايَا ثُمَّ رَجَعُوا وَأَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ خُرُوجُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى دومة
__________
(1) دومة الجندل: دومة بضم الدال وتفتح بالضم عند أهل اللغة، وبالفتح عند أصحاب الحديث قاله الجوهري.
من أعمال المدينة، تقع شمالي نجد وهي طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة.
قال البكري: سميت بدومى بن إسماعيل وكان نزلها (الروض الانف وشرح المواهب 2 / 95) .
(2) سيرة ابن هشام 3 / 224 (*)(4/105)
الجندل في ربيع الآخر (1) سَنَةَ خَمْسٍ.
قَالَ: وَفِيهِ تُوُفِّيَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَابْنُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ والنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شهر وهذا مرسل جيدا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَابَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ شَهْرًا فَمَا فَوْقَهُ عَلَى مَا ذكره الواقدي رحمه الله.
غزوة الخندق أو الْأَحْزَابِ
وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَدْرَ سُورَةِ الْأَحْزَابِ فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا، وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لم أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ
إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ
__________
(1) في تاريخ ابن جرير عن الواقدي: في ربيع الأول، وكذلك في شرح المواهب: " وكان في شهر ربيع الاول على رأس تسعة وأربعين شهراً من الهجرة وكان رجوعه إلى المدينة في العشرين من ربيع الآخر.
" وفي المغازي للواقدي: في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخمس ليال بقين من ربيع الأول، وقدم لعشر بقين من ربيع الآخر.
1 / 402.
(*)(4/106)
وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كل شئ قديرا) [الْأَحْزَابِ: 9 - 27] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِصَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ نصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وقَتَادَةُ والْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ثمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ عَنْهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَبْلَ اسْتِكْمَالِ خَمْسٍ (1) ، وَلَا شكَّ أنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَاعَدُوا الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ الْعَامَ الْقَابِلَ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَصْحَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِقُرَيْشٍ لِجَدْبِ ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمْ يَكُونُوا لِيَأْتُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ التَّارِيخِ مِنْ مُحَرَّمِ السنة الثانية لِسَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا الشُّهُورَ الْبَاقِيَةَ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى آخِرِهَا كَمَا حَكَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ.
وَبِهِ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ بَدْرًا فِي الأولى، وأحداً في سنة ثنتين، وبدر الْمَوْعِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ (2) .
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ أَوَّلَ التَّارِيخِ مِنْ مُحَرَّمِ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ الْهِجْرَةِ، فَصَارَتِ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَأَنَّ الْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (3) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي، فَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ عرض
__________
(1) انظر الدلائل ج 3 / 395 وفيها فصل البيهقي أقوال غير واحد من العلماء وأصحاب السير في تاريخ وقعة الخندق في باب التاريخ لغزوة الخندق ص 392 وما بعدها.
(2) نقل الخبر البيهقي في الدلائل ج 3 / 397.
وقال ابن سعد في الطبقات 2 / 65: وكانت غزوة الاحزاب في ذي القعدة سنة خمس.
وذكر الواقدي: أنها كانت يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة سنة خمس.
(ج 2 / 440) .
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 29 باب غزوة الخندق والترمذي في 13 كتاب الأحكام 24 باب ح 1361 وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح والعمل به عند أهل العلم..ويرون: أن الغلام إذا استكمل خمس عشرة سنة فحكمه حكم الرجال، وإن احتلم قبل خمس عشرة فحكمه حكم الرجال.
(*)(4/107)
يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي أَوَاخِرِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أنَّه أراد أنَّه لما عرض عليه في يَوْمَ الْأَحْزَابِ كَانَ قَدِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ الَّتِي يُجَازُ لِمِثْلِهَا الْغِلْمَانُ، فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا زِيَادَةٌ عَلَيْهَا.
وَلِهَذَا لَمَّا بلَّغ نَافِعٌ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا الْحَدِيثَ قال: إن هذا الفرق بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
ثُمَّ كَتَبَ بِهِ إِلَى الْآفَاقِ (1) وَاعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا سِيَاقُ الْقِصَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ.
فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، وَمَنْ لَا أتهم عن عبيد اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمْ من علمائنا وبعضهم يحدث مالا يُحَدِّثُ بَعْضٌ.
قَالُوا: أَنَّهُ كَانَ مِنَ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضَرِيُّ (3) وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضَرِيُّ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ (4) الْوَائِلِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنَ بَنِي النَّضِيرِ، وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا حتى قدموا على قريش بمكة فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) الْآيَاتِ [النِّسَاءِ: 51] .
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ، سَرَّهُمْ وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا لَهُ، ثمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ يهود حتى جاؤوا غَطَفَانَ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان
__________
(1) انظر دلائل النبوة ج 3 / 395 وفي نهايته: وكتب (عمر بن عبد العزيز) إلى عماله أن افرضوا لابن خمس عشرة وما كان سوى ذلك، فالحقوه بالعيال وهو ما اعتمده سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
(2) انظر في غزوة الخندق: ابن سعد 2 / 65 سيرة ابن هشام 3 / 224 أنساب الاشراف 1 / 165 صحيح البخاري 5 / 107 ابن حزم ص 184 السيرة الحلبية؟ 2 / 401 عيون الاثر 2 / 76 السيرة الشامية 4 / 512 دلائل البيهقي 3 / 392 مغازي الواقدي 2 / 440 مسلم شرح النووي 12 / 145.
(3) النضري نسب إلى طائفة من بني نضير، والقياس نضيري إلا أن يكون من باب قولهم: ثقفي وقرشي وهو خارج
عن القياس.
(4) في الواقدي: أبو عامر الرَّاهب (*)(4/108)
وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ (1) بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فِي بَنِي فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ فِي بَنِي مُرَّةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خُلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ (2) .
فلمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ، ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: إِنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ: أَوَّلُ مَنْ حَفَرَ الْخَنَادِقَ مِنُوشِهْرُ بْنُ إِيرَجَ بْنِ أَفْرِيدُونَ وَكَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترغيباً للمسلمين في الأجر، وعمل معه الْمُسْلِمُونَ، وَتَخَلَّفَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَعْتَذِرُونَ بِالضَّعْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسَلُّ خُفْيَةً بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا عِلْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إن الذين يستأذنوك أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شئ عليم) [النُّورِ: 62 - 64] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ، وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ جُعيل سمَّاه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا، فَقَالُوا فِيمَا يَقُولُونَ: سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيلِ عَمْرًا * وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا وَكَانُوا إِذَا قَالُوا عَمْرَا قَالَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَا، وَإِذَا قَالُوا ظَهْرَا قَالَ لَهُمْ ظَهْرَا (3) .
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ
حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ والجوع قال:
__________
(1) عيينة بن حصن، اسمه حذيفة وسمي عيينة لشتر كان بعينه، أسلم ثم ارتد أسر يوم تنبأ طليحة الاسدي وأتي به أبو بكر فمن عليه، ولم يزل مظهرا الاسلام حتى مات.
قال فيه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم: الاحمق المطاع فقد كان يتبعه عشرة آلاف قناة (انظر شرح المواهب والروض الانف) .
(2) زاد عقبة في روايته: وأقبل أبو الا عور فيمن اتبعه من بني سُليم مددا لقريش.
وقال عروة: كان الذين حزبوا الأحزاب نفراً من بني وائل ومن بني النضير، ومن بني وائل حي من الأنصار من أوس الله وحوح بن عمرو..وقريش وغطفان.
(3) الظهر: القوة والمعونة، والضمير المستتر في " سماه " و " كان " راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم للبائس الفقير أكبر عون.
وَكَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مع المسلمين آخره عندما كانوا يرتجزون الشعر كان يرد معهم أواخر الابيات.
وجعيل هذا: هو جعيل بن سراقة (شرح أبي ذر ص 300) .
(*)(4/109)
" اللهم إن العيش عيش الآخرة * فاغفر الأنصار وَالْمُهَاجِرَهْ " فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا * عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا (1) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ (2) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا * عَلَى الإسلام مَا بَقِينَا أَبَدَا قَالَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم مجيباً لهم " اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ " قَالَ يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ
جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ (3) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدَّثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ " (4) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا * وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا * إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا، أَبَيْنَا (5) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ يُحَدِّثُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشِّعْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 29 باب غزوة الخندق ح 4099.
(2) مسلم في 32 كتاب الجهاد 44 باب غزوة الاحزاب ح 130 ص 1432.
(3) فتح الباري الحديث 4100 ج 7 / 316.
- الاهالة: الزيت والشحم، والسنخة: المتغيرة الريح والطعم.
(4) فتح الباري ح 4098 ج 7 / 314 ومسلم في 32 كتاب الجهاد 44 باب ح 126،.
والاكتاد: جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
وتروى أكبادنا.
(5) فتح الباري ح 4104 كتاب المغازي باب غزوة الخندق.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد 44 باب.
ح 125.
(*)(4/110)
رَوَاحَةَ وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا * وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا * وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ثُمَّ يُمَدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بن عبد ان، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن الفضل البجلي (1) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَنْدَقِ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِهِ هُدينا * وَلَوْ عبد نا غَيْرَهُ شَقِينَا يَا حَبَّذَا رَبًّا وحبَّ دِينًا (2) وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ: " اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةِ، فَأَصْلِحِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ " وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بلغتني، من الله فيها عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ، عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ.
فَمِنْ ذَلِكَ: أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَة (3) ، فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمَّ نَضَحَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ، فَيَقُولُ مَنْ حَضَرَهَا: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحق [نبياً] (4) لَانْهَالَتْ حَتَّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ مَا تَرُدُّ فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً.
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مُنْقَطِعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا فَقَالَ: أنا يوم الخندق نحفر فعرضت كُدْيًة شديدة فجاؤا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَالُوا هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ.
ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا فَأَخَذَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ (5) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي رَأَيْتُ
__________
(1) في دلائل البيهقي: البلخي.
(2) كذا في الاصل والسيرة الشامية 4 / 517 وفي دلائل النبُّوة للبيهقي 3 / 414: فأحب ربا وأحب دينا (3) الكدية: القطعة الصلبة من الأرض لا يعمل فيها المعول، وهي كالصخرة العظيمة.
(4) من ابن هشام.
(5) في البخاري: أهثم، وأهيل: رمل يسيل لا يتماسك.
فتح الباري ج 7 / 317 كتاب المغازي.
قال ابن حجر: (*)(4/111)
بالنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم شَيْئًا مَا كان في ذلك صبر؟ فعندك شئ؟ قَالَتْ عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبَحَتِ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ.
ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ.
قَالَ كَمْ هُوَ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ، قُلْ لَهَا: لَا تَنْزِعِ الْبُرْمَةَ وَلَا الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ، فَقَالَ قُومُوا فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ.
قَالَتْ هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا، فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا.
وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ: كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ جَابِرٍ بِقِصَّةِ الْكُدْيَةِ وَرَبْطِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ الْكَرِيمِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عبد الجبار، عن يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِقِصَّةِ الْكُدْيَةِ وَالطَّعَامِ وَطُولُهُ أَتَمُّ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيُّ قَالَ فِيهِ: لَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِقْدَارِ الطَّعَامِ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا قُومُوا إِلَى جَابِرٍ فَقَامُوا، قَالَ: فَلَقِيتُ مِنَ الْحَيَاءِ ما لا يعلمه إلا الله، وقلت: جاءنا بخلق (1) عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ.
وَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي أَقُولُ: افْتَضَحْتِ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ (2) أَجْمَعِينَ، فَقَالَتْ: هَلْ كَانَ سَأَلَكَ كَمْ
طَعَامُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَتْ الله ورسوله أعلم [قد أخبرناه ما عندنا] (3) .
قَالَ فَكَشَفَتْ عَنِّي غَمًّا شَدِيدًا، قَالَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خدمي وَدَعِينِي مِنَ اللَّحْمِ.
وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثرد، ويغرف اللحم، ويخمر هَذَا، وَيُخَمِّرُ هَذَا، فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى شَبِعُوا أَجْمَعِينَ، وَيَعُودُ التَّنُّورُ وَالْقِدْرُ أَمْلَأَ مَا كَانَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِي وَأَهْدِي.
فَلَمْ تزل تأكل وتهدي يومها.
وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِهِ وَأَبْسَطَ أَيْضًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِمِائَةٍ أَوْ قَالَ ثلثمائة.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي الطَّعَامِ فَقَطْ وَقَالَ وَكَانُوا ثلثمائة (4) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سفيان، عن أبي الزبير، حدثنا ابن مِينَاءَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ مِنَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فقلت: هل عندك شئ فاني رأيت
__________
= امرأة جابر اسمها: سهيلة بنت مسعود الانصارية.
وأخرجه أحمد في مسنده.
(1) في البيهقي: بالخلق.
(2) في البيهقي: بالجند.
(3) زيادة من الدلائل ج 3 / 415 - 417.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 424 والحاكم في المستدرك 3 / 31.
(*)(4/112)
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شديداً.
فأخرجت لي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ داجن فذبحتها فطحنت فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فقلت: يا رسول الله ذبحت بهيمة لنا، وطحنت صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ.
فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جابراً قد صنع سؤراً فحيهلا بِكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حتى أجئ.
فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي،
فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ.
فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ.
فأخرجت لنا عجيناً فبسق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبسق وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ خَبَّازَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، واقدحي من برمتك ولا تنزلوها وهم ألف، فأُقسم بالله لأكلوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هي، وإن عجيننا كَمَا هُوَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِهِ نَحْوَهُ (1) .
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ غَيْرُ جِدِّ سَمِينَةٍ، قَالَ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَوْ صَنَعْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَمَرْتُ امْرَأَتِي فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ فَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا وَذَبَحْتُ تِلْكَ الشَّاةَ، فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِانْصِرَافَ عَنِ الْخَنْدَقِ قَالَ: وَكُنَّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارًا فَإِذَا أَمْسَيْنَا رجعنا إلى أهالينا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكَ شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا الشَّعِيرِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَنْصَرِفَ مَعِي إِلَى مَنْزِلِي قَالَ وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ قُلْتُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ ثُمَّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ: أَنِ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَبَرَّكَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ أَكَلَ، وَتَوَارَدَهَا النَّاسُ، كُلَّمَا فَرَغَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهَا.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إِنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ سَوَاءً.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ أنَّه قَدْ حدِّث أنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، أُخْتِ النُّعمان بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا.
قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا، وَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَنَا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 425، والبخاري في 56 كتاب الجهاد، وفي المغازي 29 باب غزوة الخندق، ومسلم في 26 كتاب الاشربة 20 باب ح 141.
والحاكم في المستدرك 3 / 31 وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
- الخمص: ضمور البطن من الجوع.
السؤر: يروى بالهمزة، وبتركها.
وهي لفظة فارسية.
وبالهمز: البقية.
وبدونه: الطعام الذي يدعى إليه.
(*)(4/113)
أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي، فَقَالَ: تَعَالَيْ يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا تَمْرٌ، بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ.
فَقَالَ: هَاتِيهِ قَالَتْ: فَصَبَبْتُهُ فِي كفَّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَمَا مَلَأَتْهُمَا ثمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ ثمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ.
فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وإنَّه لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ.
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَزِدْ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ضَرَبْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْخَنْدَقِ فَغَلُظَتْ عَلَيَّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبٌ مِنِّي، فَلَمَّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدَّةَ الْمَكَانِ عَلَيَّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَلَمَعَتْ بُرْقَةٌ أُخْرَى قَالَ: قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟ قَالَ: أَوَ قَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ علي باب الْيَمَنَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ باب الشَّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْمَشْرِقَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَدْ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ (2) ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ وَفِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ.
لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بن بشار وبندار، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطَّ الْخَنْدَقَ بَيْنَ كُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا قَالَ: وَاحْتَقَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: فَكُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَحَفَرْنَا حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا النَّدَى ظَهَرَتْ لَنَا صَخْرَةٌ
بَيْضَاءُ مَرْوَةٌ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَذَهَبَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، فَأَخْبَرَهُ عَنْهَا فَجَاءَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بُرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ حَتَّى كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ فِي جَوْفِ لَيْلٍ (3) مُظْلِمٍ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَكَذَلِكَ.
وَذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ وَالْمُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ النُّورِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَضَاءَ لِي مِنَ الْأُولَى قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا.
وَمِنَ الثَّانِيَةِ أَضَاءَتِ الْقُصُورُ الْحُمْرُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا.
وَمِنَ الثَّالِثَةِ أَضَاءَتْ قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا فأبشروا،
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 3 / 228 والبيهقي في الدلائل 3 / 427.
(2) دلائل النبوة ج 3 / 418.
(3) في الطبري: بيت مظلم.
(*)(4/114)
واستبشر المسلمون وقالوا الحمد الله مَوْعُودٌ صَادِقٌ.
قَالَ: وَلَمَّا طَلَعَتِ الْأَحْزَابُ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبَرَّزُوا فَنَزَلَ فِيهِمْ (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12] وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (1) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبرانيّ: حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَلُّولٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ فَخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا وَجَدْنَا صَفَاةً لَا نَسْتَطِيعُ حَفْرَهَا فَقَامَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا أَتَاهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَكَبَّرَ فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ فَقَالَ: فُتِحَتْ فَارِسُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ فقال: فتح الرُّومُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ،
فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ فَقَالَ: جَاءَ اللَّهُ بِحِمْيَرَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا.
وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْأَفْرِيقِيُّ فِيهِ ضَعْفٌ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حدثنا أبو نميلة، حدثنا نعيم بن سعيد الغري أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَفَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، وَأَصْحَابُهُ قَدْ شَدُّوا الْحِجَارَةَ عَلَى بُطُونِهِمْ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ دَلَلْتُمْ عَلَى رَجُلٍ يُطْعِمُنَا أَكْلَةً؟ قَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ.
قال: أما لا فتقدم فدلنا عليه.
فانطلوقا إِلَى [بَيْتِ] الرَّجُلِ فَإِذَا هُوَ فِي الْخَنْدَقِ يُعَالِجُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ جِئْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَانَا فَجَاءَ الرَّجُلُ يَسْعَى وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي وَلَهُ مَعْزَةٌ وَمَعَهَا جَدْيُهَا فَوَثَبَ إِلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَدْيُ مِنْ وَرَائِهَا فَذَبَحَ الْجَدْيَ وَعَمَدَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى طَحِينَةٍ لَهَا فَعَجَنَتْهَا وَخَبَزَتْ فَأَدْرَكَتِ الْقِدْرَ، فَثَرَدَتْ قَصْعَتَهَا فَقَرَّبَتْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصْبُعَهُ فِيهَا وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهم بَارِكْ فِيهَا اطْعَمُوا، فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى صَدَرُوا، وَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا إِلَّا ثُلُثَهَا وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا فَسَرَّحَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنِ اذْهَبُوا وَسَرِّحُوا إِلَيْنَا بِعِدَّتِكُمْ فَذَهَبُوا فَجَاءَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةُ فَأَكَلُوا مِنْهَا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَامَ وَدَعَا لِرَبَّةِ الْبَيْتِ وَسَمَّتَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهَا، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الْخَنْدَقِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى سَلْمَانَ، وَإِذَا صَخْرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ ضَعُفَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُونِي فَأَكُونَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا.
فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ.
فَضَرَبَهَا فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ ثُلُثُهَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ قُصُورُ الشام وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ قُصُورُ فَارِسَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
فقال عندها المنافقون:
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 598 وقال الذهبي سنده ضعيف.
كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف المزني قال فيه الدارقطني وغيره: متروك.
وقال ابن معين: ليس بشئ.
قال الشافعي وأبو داود: ركن من أر كان الكذب، وضرب أحمد على حديثه.
قال ابن حبان: له عن أبيه، عن جده نسخة موضوعة.
(*)(4/115)
نَحْنُ نُخَنْدِقُ عَلَى أَنْفُسِنَا وَهُوَ يَعِدُنَا قُصُورَ فَارِسَ وَالرُّومِ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بن عبد ان، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (1) بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ، حدَّثنا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونِ (2) بْنِ أُسْتَاذٍ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأبصر أبو اب صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي السَّاعَةَ (3) .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا تَفَرَّدَ بِهِ مَيْمُونُ بْنُ أُسْتَاذٍ هَذَا وَهُوَ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَالْجَرِيرِيُّ وَعَوْفٌ الا عرابي قَالَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ كَانَ ثِقَةً وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ حدَّثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حدَّثنا ضَمْرَةُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السيباني عن أبي سكينة رجل من البحرين عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَفْرِ فَقَامَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: (وتمت كلمات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فنذر ثُلُثُ الْحَجَرِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْقَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ: وَتَمَّتْ كلمات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مبدل لكمات اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العليم، فنذر الثُّلُثُ الْآخَرُ، وَبَرَقَتْ بُرْقَةٌ فَرَآهَا سَلْمَانُ ثُمَّ ضرب الثالثة وقال: وتمت كلمات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فنذر الثُّلُثُ الْبَاقِي وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ فَقَالَ سَلْمَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ لَا تضرب ضربة إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بُرْقَةٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَلْمَانُ رَأَيْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أدع أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا
وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ فَدَعَا بِذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ فُرِفَعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّالِثَةَ فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ
__________
(1) في البيهقي: أحمد.
(2) هو ميمون مولى عبد الرحمن بن سمرة.
قال فيه ابن معين: لا شئ.
وضعفه العقيلي.
الميزان 4 / 235.
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 421 والنسائي في السير في (السنن) عن محمد بن عبد الا على، عن معتمر، عن عوف عن ميمون عن البراء..تحفة الاشراف بمعرفة الاطراف (2 / 65) .
(*)(4/116)
وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَعُوُا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ " هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا وَإِنَّمَا رَوَى مِنْهُ أَبُو دَاوُدَ: دَعُوُا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ (1) بِهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَحُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَقَدْ وُصِلَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حدَّثنا لَيْثٌ، حدَّثني عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَقُولُ بُعثت بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ونُصرت بالرُّعب وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ عُفَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بِهِ وَعِنْدَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تنتثلو نها.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا يَزِيدُ، حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " نُصرت بالرُّعب وأُوتيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وجُعلت لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ
خَزَائِنِ الْأَرْضِ فتلَّت فِي يَدِي ".
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " إنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا ".
فصل قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ (2) مِنْ أَحَابِيشِهِمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقَمَى، إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ وَأَمَرَ بِالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ فَجُعِلُوا فَوْقَ الْآطَامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ واستعمل على المدينة [عبد الله] (3) بن أُمِّ مَكْتُومٍ.
قُلْتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى (إِذْ
__________
(1) السيباني: نسبة إلى سيبان، بطن من حمير، توفي أبو زرعة سنة 148 هـ.
وكان ثقة.
اللباب 1 / 585.
(2) في ابن سعد: في أربعة آلاف.
أما جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف.
(3) من ابن سعد.
(*)(4/117)
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وقد زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب: 10] قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبيد (1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة [في قَوْلِهِ تَعَالَى] : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار) قَالَتْ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا نَزَلَ الْأَحْزَابُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَغْلَقَ بَنُو قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ دُونَهُمْ (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضَرِيُّ، حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ صَاحِبَ عَقْدِهِمْ وَعَهْدِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ كَعْبٌ أَغْلَقَ بَابَ حِصْنِهِ دُونَ حُيَيٍّ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ فَنَادَاهُ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي.
قَالَ وَيْحَكَ يَا
حُيَيُّ إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا.
قَالَ: وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمْكَ.
قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ.
قَالَ وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتَ دُونِي إِلَّا خَوْفًا عَلَى جَشِيشَتِكَ (3) أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا.
فَأَحْفَظَ الرَّجُلَ فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبَحْرٍ طَامٍ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، وقد عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: جِئْتَنِي والله بذل الدهر وبجهام (4) قد هراق ماؤه، يرعد ويبرق وليس فيه شئ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا.
وَقَدْ تَكَلَّمَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ فَأَحْسَنَ فِيمَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ذَكَّرَهُمْ (5) مِيثَاقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدَهُ وَمُعَاقَدَتَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى نَصْرِهِ وَقَالَ: إِذَا لَمْ تَنْصُرُوهُ فَاتْرُكُوهُ وَعَدُوَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَلَمْ يزل حيي بكعب يفتله في الذورة والغارب حتى سمع لَهُ - يَعْنِي فِي نَقْضِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مُحَارَبَتِهِ مَعَ الْأَحْزَابِ - عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ حُيَيٌّ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ.
فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ العهد، وَبَرِئَ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَمَرَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَبَنُو قُرَيْظَةَ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ مِنْ قريش وغطفان رهائن تكون عندهم لِئَلَّا يَنَالَهُمْ ضَيْمٌ إِنْ هُمْ رَجَعُوا وَلَمْ يُنَاجِزُوا مُحَمَّدًا، قَالُوا: وَتَكُونُ الرَّهَائِنُ تِسْعِينَ (6) رَجُلًا
__________
(1) في البخاري: عبدة.
أخرجه البخاري في المغازي 29 باب غزوة الخندق.
ومسلم في كتاب التفسير ح 12 (4 / 2316) .
(2) أنظر الخبر بطوله في سياق قصة الخندق من مغازي موسى بن عقبة.
دلائل البيهقي 3 / 400.
(3) الجشيشة: طعام يصنع من الجشيش، وهو البر يطحن غليظا.
(4) الجهام: السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه.
(5) قال عمرو بن سعد القرظي: يا معشر يهود، إنكم قد حالفتم محمدا على ما قد علمتم أن لا تخونوه ولا تنصروا عليه عدوا، وأن تنصروه على من دهم يثرب، فأوفوا على ما عاهدتموه عليه، فإن لم تفعلوا فخلوا بينه وبين عدوه
واعتزلوهم.
(الدرر في اختصار المغازي ص 169 - دلائل البيهقي 3 / 401) .
(6) في رواية الدرر: سبعين.
(*)(4/118)
مِنْ أَشْرَافِهِمْ.
فَنَازَلَهُمْ حُيَيٌّ عَلَى ذَلِكَ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَمَزَّقُوا الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَانَ فيها العقد إلا بني سعنة أَسَدٌ وَأَسِيدٌ وَثَعْلَبَةُ فَإِنَّهُمْ خَرَجُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فلمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ (1) .
قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَتَنْظُرُوا أحقٌ مَا بَلَغَنَا عَنْهُمْ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ (2) وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فَاجْهُرُوا بِهِ لِلنَّاسِ.
قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَدَخَلُوا مَعَهُمْ حِصْنَهُمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَتَجْدِيدِ الْحِلْفِ فَقَالُوا: الْآنَ وَقَدْ كُسِرَ جَنَاحُنَا وَأَخْرَجَهُمْ (يُرِيدُونَ بَنِي النَّضِيرِ) وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يُشَاتِمُهُمْ، فَأَغْضَبُوهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا جِئْنَا لِهَذَا، وَلَمَا بَيْنَنَا أَكْبَرُ مِنَ الْمُشَاتَمَةِ.
ثُمَّ نَادَاهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنَا خَائِفٌ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ بَنِي النَّضِيرِ أَوْ أَمَرَّ مِنْهُ.
فَقَالُوا أَكَلْتَ أَيْرَ أَبِيكَ (3) .
فَقَالَ: غَيْرُ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ كَانَ أَجْمَلَ بِكُمْ وَأَحْسَنَ (4) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا مَنْ رَسُولُ اللَّهِ؟ لَا عَهْدَ بيننا وبين محمد.
فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ لَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ السَّعْدَانِ وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَةُ أَيْ كَغَدْرِهِمْ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ تَقَنَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ حِينَ جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاضْطَجَعَ وَمَكَثَ طَوِيلًا فَاشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ وَالْخَوْفُ حِينَ رَأَوْهُ اضْطَجَعَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ عَنْ بَنِي قُرَيْظَةَ خَيْرٌ.
ثم إنه رفع رأسه وقال أَبْشِرُوا بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ.
فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحُوا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ بَيْنَهُمْ رَمْيٌ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ.
قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ حَتَّى قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ (5) وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيِّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى دَارِنَا فَإِنَّهَا خَارِجٌ من المدينة.
قلت: هؤلاء وأمثالهم
__________
(1) قال الواقدي: الا ثبت عندنا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير 2 / 458 (2) اللحن: اللغز، وهو أنه يخالف ظاهر الكلام معناه.
(3) الدرر لابن عبد البر ص 170 دلائل البيهقي عن موسى 3 / 403.
(4) في الواقدي: العبارة قيلت لسعد بن عبادة والذي قالها: نباش بن قيس.
(5) زاد الواقدي: قال: وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
(*)(4/119)
الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الْأَحْزَابِ: 12 - 13] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم مُرَابِطًا وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ يُحَاصِرُونَهُ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إلا الرميا بالنبل، فلما اشتد على النابس الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ الْمُرِّيِّ وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ إِلَّا الْمُرَاوَضَةُ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَى السَّعْدَيْنِ فَذَكَرَ لَهُمَا ذلك واستشار هما فِيهِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرًا تُحِبُّهُ فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لابد لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، أَمْ
شَيْئًا تَصْنَعُهُ لنا؟ فقال: بل شئ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا لأني رَأَيْتُ الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إِلَى أَمْرٍ مَا.
فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كنا وهؤلاء.
عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يأكلوا منها ثمرة وَاحِدَةً إِلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ وَذَاكَ.
فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصَّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنَ الْكِتَابِ، ثم قال ليجهدوا علينا.
قال: فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَصْحَابُهُ مُحَاصَرِينَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ قِتَالٌ إِلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ - مِنْهُمْ عَمْرُو بن عبد ود أَبِي قَيْسٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَحَدُ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ، حَتَّى مَرُّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا: تَهَيَّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ، فَسَتَعْلَمُونَ مَنِ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ، ثُمَّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا.
ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِ الثُّغْرَةَ الَّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ، وَأَقْبَلَتِ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خرج معلماً ليرى مكانه، فلما خرج هُوَ وَخَيْلُهُ قَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو إِنَّكَ كُنْتَ عَاهَدْتَ اللَّهَ لَا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ، قَالَ أَجَلْ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ.
قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى النِّزَالِ.
قَالَ لَهُ: لِمَ يَا ابْنَ أَخِي فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لكني(4/120)
وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ.
فَحَمِيَ عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ، وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ * وَنَصَرْتُ رب محمد بصواب (1) فصدرت حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا * كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوَ انَّنِي * كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بزَّنى أَثْوَابِي لَا تَحْسَبُنَّ اللَّهَ خَاذِلَ دِينِهِ * وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَشُكُّ فِيهَا لَعَلِيٍّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو فَقَالَ فِي ذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: فَرَّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ * لَعَلَّكَ عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلِ وَوَلَّيْتَ تَعْدُو كَعَدْوِ الظليم * ما إن يحور عن المعدل (2) ولم تلو ظَهْرَكَ مُسْتَأْنِسًا * كَأَنَّ قَفَاكَ قَفَا فُرْعُلِ (3) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَرَاعِلُ صِغَارُ الضِّبَاعِ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (4) فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ في موضع آخر من السِّيرَةِ قَالَ: خَرَجَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَهُوَ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَنَادَى: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ.
فَقَالَ إِنَّهُ عَمْرٌو، اجْلِسْ.
ثُمَّ نَادَى عَمْرٌو: أَلَا رَجُلٌ يَبْرُزُ؟ فَجَعَلَ يُؤَنِّبُهُمْ وَيَقُولُ: أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا أَفَلَا تُبْرِزُونَ إِلَيَّ رَجُلًا؟ فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اجْلِسْ.
ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: ولقد بححت من النداء * لجمعهم هل من مبارز ووقفت إذ جبن المشجع * مَوْقِفَ الْقِرْنِ الْمُنَاجِزْ وَلِذَاكَ إِنِّي لَمْ أَزَلْ * مُتَسَرِّعًا قِبَلَ الْهَزَاهِزْ إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى * وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزِ قَالَ فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا.
فَقَالَ: إِنَّهُ عَمْرٌو، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ
عَمْرًا.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى إِلَيْهِ، حَتَّى أَتَى وَهُوَ يقول: لا تعجلن فقد أتاك * مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرَ عَاجِزْ فِي نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ * والصدق منجي كل فائز
__________
(1) الحجارة: يعني الانصاب التي كانوا يعبدونها ويذبحون لها.
(2) الظليم: ذكر النعام.
يحور وفي رواية تجور.
(3) ولم تلو: وتروى ولم تلق.
(4) دلائل النبوة ج 3 / 432 باب مَا أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين من محاصرة المشركين إياهم من البلاء.
(*)(4/121)
إني لأرجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء * يبقى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزْ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
فقال: يا ابن أخي من أَعْمَامِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَكِنِّي وَاللَّهِ لَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ، فَغَضِبَ فَنَزَلَ وَسَلَّ سَيْفَهُ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيٍّ مُغْضَبًا وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيٌّ بِدَرَقَتِهِ فضربه عمرو في درقته فَقَدَّهَا وَأَثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ وَأَصَابَ رَأْسَهُ فَشَجَّهُ، وَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَسَقَطَ وَثَارَ الْعَجَاجُ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم التكبير، فعرفنا أن عليا قد قتله.
فثم يقول علي: أَعَلَيَّ تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا * عَنِّي وَعَنْهُمْ أَخَّرُوا أصحابي اليوم يمنعني الْفِرَارَ حَفِيظَتِي * وَمُصَمِّمٌ فِي الرَّأْسِ لَيْسَ بِنَابِي إِلَى أَنْ قَالَ: عَبَدَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رأيه * وعبد ت رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِ إِلَى آخِرِهَا.
قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيٌّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هَلَّا اسْتَلَبْتَهُ دِرْعَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْعَرَبِ دِرْعٌ خَيْرٌ مِنْهَا؟ فَقَالَ: ضَرَبْتُهُ فَاتَّقَانِي بسوءته،
فَاسْتَحْيَيْتُ ابْنَ عَمِّي أَنْ أَسْلُبَهُ، قَالَ وَخَرَجَتْ خُيُولُهُ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ (1) الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا طَعَنَهُ فِي تَرْقُوَتِهِ، حَتَّى أَخْرَجَهَا مِنْ مَرَاقِّهِ، فَمَاتَ فِي الْخَنْدَقِ، وَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرُونَ جِيفَتَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ هُوَ لَكُمْ لَا نَأْكُلُ ثَمَنَ الْمَوْتَى (2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا نَصْرُ بْنُ بَابٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأُعْطُوا بِجِيفَتِهِ مَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْفَعُوا إِلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حجاج، وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُتِلَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا بجسده ونعطيهم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا خَيْرَ فِي جَسَدِهِ وَلَا فِي ثَمَنِهِ " (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ غَرِيبٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا بَعَثُوا يَطْلُبُونَ جَسَدَ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ حِينَ قُتِلَ وَعَرَضُوا عَلَيْهِ الدِّيَةَ فَقَالَ: " إِنَّهُ خَبِيثٌ خَبِيثُ الدِّيَةِ فلعنه الله
__________
(1) في الاصل عن وهو تحريف.
(2) روى البيهقي الخبر، في الدلائل 3 / 438 عن ابن إسحاق وفيه: أن عليا طعن نوفل بن عبد الله بن المغيرة في ترقونه.
(3) الحديث أخرجه الامام في مسنده ج 1 / 248 والبيهقي في الدلائل ج 3 / 440.
(*)(4/122)
وَلَعَنَ دِيَتَهُ.
فَلَا أَرَبَ لَنَا فِي دِيَتِهِ وَلَسْنَا نَمْنَعُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوهُ " (1) وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَخَرَجَ نَوْفَلُ بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فسأل الْمُبَارَزَةَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَضَرَبَهُ فَشَقَّهُ بِاثْنَتَيْنِ حَتَّى فلَّ فِي سَيْفِهِ فَلًّا وانصرف وهو يقول: إنِّي امرو أَحْمِي وَأَحْتَمِي * عَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى الْأُمِّي (2) وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ (3) : أَنَّ نَوْفَلًا لَمَّا تَوَرَّطَ فِي الْخَنْدَقِ رَمَاهُ النَّاسُ بِالْحِجَارَةِ فَجَعَلَ يَقُولُ:
قِتْلَةٌ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ.
فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ وَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ رِمَّتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّمَنِ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَمَكَّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ إِلَيْهِمْ وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بن يزيد، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جُعِلْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْأُطُمِ، وَمَعِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُطَأْطِئُ لِي فأصعد على ظهره فأنظر [إليهم كيف يقتتلون، وأطأطئ له، فيصعد فوق ظهري فينظر] (4) قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى أَبِي وَهُوَ يَحْمِلُ مَرَّةً هاهنا ومرة هاهنا، فما يرتفع له شئ إِلَّا أَتَاهُ، فَلَمَّا أَمْسَى جَاءَنَا إِلَى الْأُطُمِ قلت يا أبة رَأَيْتُكَ الْيَوْمَ، وَمَا تَصْنَعُ قَالَ " وَرَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي (5) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ.
قَالَتْ فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كلها وفي يده حربته يرفل بها ويقول: لبث قليلا يشهد الهيجا جمَل * لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ (2) فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: الْحَقْ بُنَيَّ فَقَدْ وَاللَّهِ أَخَّرْتَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ.
قَالَتْ: وَخِفْتُ عَلَيْهِ، حَيْثُ أَصَابَ السهم منه، فرمى
__________
(1) نقله البيهقي عن موسى في الدلائل 3 / 404.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 437 وزاد في آخره.
أن علياً طعنه في ترقوته فمات.
انظر الحاشية رقم 2.
وهو الارجح لما تقدم من حديثي الإمام أحمد وابن عقبة.
ولعل إقحام رواية ابن إسحاق للخبر في مقتل عمرو سهو من الناسخ.
(3) تاريخ الطبري 3 / 49.
(4) من دلائل البيهقي.
(5) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 440.
(6) جمل: قال أبو ذر: جمل اسم رجل وهذا الرجز تمثل به سعد.
وقال السهيلي: حمل: بالحاء المهملة هو بيت تمثل به، يعني به حمل بن سعدانة بن حارثة بن معقل بن كعب بن عليم بن جناب الكلبي.
(الروض الانف ج 2 / 192) (*)(4/123)
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ، فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قتادة قال رماه حيان (1) بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهم إِنْ كُنْتَ أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أجاهد من قوم آذو رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ.
اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَةً، وَلَا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا قَالَهُ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ: أَعِكْرِمُ هَلَّا لُمْتَنِي إِذْ تَقُولُ لِي * فِدَاكَ بِآطَامِ الْمَدِينَةِ خالدَ ألست الذي ألزمت سعداً مريشة * لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَرَافِقِ عَانِدُ (2) قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سُعَيْدٌ فَأَعْوَلَتْ * عَلَيْهِ مَعَ الشُّمْطِ الْعَذَارَى النَّوَاهِدُ وَأَنْتَ الَّذِي دَافَعْتَ عَنْهُ وَقَدْ دَعَا * عُبَيْدَةُ جَمْعًا مِنْهُمُ إِذْ يُكَابِدُ عَلَى حِينِ مَا هُمْ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ * وَآخَرُ مرعوبٌ عَنِ الْقَصْدِ قَاصِدُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي رَمَى سَعْدًا خَفَاجَةُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حِبَّانَ.
قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَةَ وَلِيِّهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقُدْرَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ وَجَعَلَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ كَمَا سيأتي بيانه.
فحكم بقتل مقاتلهم وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بحكم الله فوق سبع أَرْقِعَةٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَتْ
صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَتْ: وَكَانَ حَسَّانُ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النِّسَاءِ والصبيان فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بينهما وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلينا إذ أَتَانَا آتٍ.
فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ، وَقَدْ شُغِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إِلَيْهِ فاقتله.
قال: يغفر الله لك يا بنت عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا.
قَالَتْ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا، احْتَجَزْتُ ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ.
فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهُ، رَجَعْتُ إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل فاستلبه فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إِلَّا أَنَّهُ رجل.
قال: مالي بسلبه
__________
(1) قال السهيلي: حبان: هو ابن عبد مناف بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَيْصِ بْنِ عامر بن لؤي.
وقال الواقدي في رواية ويقال رماه: أبو أسامة الجشمي.
(2) مريشة وتروى: مرشة: يعني رمية أصابته فأطارت رشاش الدم منه، والعاند: العرق الذي لا ينقطع منه الدم.
(*)(4/124)
حاجة يا ابنة عبد المطلب (1) .
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَحَاطَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ حتى جعلوهم في مثل الحصن من كَتَائِبِهِمْ فَحَاصَرُوهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَخَذُوا بكل ناحية حتى لا يدرى (2) أتم أَمْ لَا قَالَ: وَوَجَّهُوا نَحْوَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِيبَةً غَلِيظَةً فَقَاتَلُوهُمْ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ دَنَتِ الْكَتِيبَةُ، فَلَمْ يَقْدِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يُصَلُّوا الصَّلَاةَ عَلَى نَحْوِ مَا أَرَادُوا فَانْكَفَأَتِ الْكَتِيبَةُ مَعَ اللَّيْلِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُطُونَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ وَقُبُورَهُمْ نَارًا.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ نَافَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، فلمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِالنَّاسِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْكَرْبِ جَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُفَرَّجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا، وَأَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ إِلَيَّ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللَّهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَلَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (3) .
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ " مَلَأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمس " (4) وَهَكَذَا رَوَاهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِهِ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ.
قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا.
فَنَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى العصر بعد ما غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ (5) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 3 / 239 ونقله عنه البيهقي في الدلائل ج 3 / 442.
وقد علق أبو ذر والسهيلي عليه، واستبعدا أن يكون حسان بن ثابت من الجبن بهذه المنزلة.
قال السهيلي: " وقد رفع هذا الحديث بعض العلماء وأنكره، وذلك انه منقطع الاسناد.
وقال: لو صحَّ هذا لهجي به حسان، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعرى وغيرهما، وكانوا يناقضونه ويردون عليه، فما عيره أحد منهم بجبن.
فدلَّ هذا على ضعف حديث ابن إسحاق.
وإن صح فلعل حسان أن يكون معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال.
وهذا أولى ما تأول عليه.
وممن أنكر أن يكون هذا صحيحا ابن عبد البر في الدرر.
وقال ابن السراج: سكوت الشعراء عن تعبيره بذلك من أعلام النبوة، لانه كان شاعره صلى الله عليه وسلم.
(2) في رواية البيهقيّ: حتى مما يدري الرجل أتم صلاته أم لا.
(3) رواه ابن عبد البر في الدرر ص 169 - 177 والبيهقي عنه في الدلائل ج 3 / 402.
(4) رواه البخاري في 56 كتاب الجهاد 98 باب ح 2931 وأعاده في 64 كتاب المغازي 19 باب ح 4111 ومسلم في 5 كتاب المساجد 35 باب ح 202 وح 206 وح 204 وأحمد في مسنده 1 / 79، 81.
(5) رواه البخاري في 9 كتاب مواقيت الصلاة 36 باب.
ومسلم في 5 كتاب المساجد 36 باب ح 209.
(*)(4/125)
طُرُقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَاتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدُوًّا فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْهُمْ حَتَّى أَخَّرَ الْعَصْرَ عَنْ وَقْتِهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ " اللَّهُمَّ مَنْ حَبَسَنَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَامْلَأْ بُيُوتَهُمْ نَارًا وَامْلَأْ قُبُورَهُمْ نَارًا " وَنَحْوَ ذَلِكَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ يُصَحِّحُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى كَوْنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَرَّرْنَا ذَلِكَ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [الْبَقَرَةِ: 238] .
وَقَدِ اسْتَدَلَّ طَائِفَةٌ بِهَذَا الصَّنِيعِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا هُوَ مذهب مكحول والأوزاعي وقد بوب البخاري ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَمَرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - كَمَا سَيَأْتِي - " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " وَكَانَ مِنَ النَّاس مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذَكَرَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي حِصَارِ تُسْتَرَ سَنَةَ عِشْرِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ حَيْثُ صَلَّوُا الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ وَاقْتِرَابِ فَتْحِ الْحِصْنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الصَّنِيعُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَنْسُوخٌ بِشَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً إِذْ ذَاكَ فلهذا أخروها يومئذ وهو مشكل قال ابْنَ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ إِمَامٌ فِي الْمَغَازِي قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَكَذَلِكَ ذَاتُ الرِّقَاعِ ذَكَرَهَا قَبْلَ الْخَنْدَقِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ تَأْخِيرَ الصَّلاة يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَعَ نِسْيَانًا كَمَا حَكَاهُ شُرَّاحُ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ هَذَا مِنْ جَمْعٍ كَبِيرٍ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ على محافظة الصَّلَاةِ، كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا يَوْمَئِذٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ حَتَّى صَلَّوُا الْجَمِيعَ فِي وقت العشاء من رواية أبي هريرة وأبي سعيد.
قَالَ الْإِمَامُ [أَحْمَدُ] : حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَحَجَّاجٌ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَويٌ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عزيزا) [الْأَحْزَابِ: 25] قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ.
قَالَ حَجَّاجٌ فِي صَلَاةِ الخوف (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أو ركبانا) [الْبَقَرَةِ: 239] وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِهِ.
قَالَ: شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ
__________
= قوله هشام هو ابن أبي عبد الله.
ويحيى بن أبي كثير.
وأبي سلمة بن عبد الرحمن.
- بطحان: واد بالمدينة.
(*)(4/126)
الظُّهْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَذَكَرَهُ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيل مَا شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فأذَّن ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فصلَّى الْعَصْرَ، ثمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثنا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَأَمَرَ بِلَالًا فأذَّن وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فصلَّى الْعَصْرَ، ثمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ قَالَ " مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ " تَفَرَّدَ بِهِ الْبَزَّارُ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله.
فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْأَحْزَابِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ - حَدَّثَنَا رُبَيْحُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ من شئ نَقُولُهُ، فَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، قَالَ " نَعَمْ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا " قَالَ فَضَرَبَ الله وجوه أعدائه بِالرِّيحِ (2) .
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ - وَهُوَ الْعَقَدِيُّ (3) - عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتي مَسْجِدَ الْأَحْزَابِ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ قَالَ ثُمَّ جَاءَ وَدَعَا عَلَيْهِمْ وَصَلَّى.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ.
اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ (4) .
وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عن سعيد المقبري، عن أبيه
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 445 والنسائي في كتاب الصلاة، باب الاذان للغائب من الصلاة 2 / 17.
(2) مسند الإمام أحمد ج 3 / 3.
(3) هو أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي القيسي، يروى عن شعبة اللباب 2 / 144 والكاشف للذهبي ج 3 / 311.
(4) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 29 باب فتح الباري 7 / 406 ومسلم في 32 كتاب الجهاد والسير (7) باب ح 21 (*)(4/127)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ يَقُولُ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وغلب الأحزاب وحده فلا شئ بَعْدَهُ " (1) وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فيما وَصَفَ اللَّهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ، لِتَظَاهُرِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِتْيَانِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ قُنْفُذِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خُلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ
عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ " (2) فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ، وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.
قَالُوا: صَدَقْتَ لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ.
فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَتَحَوَّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وغطفان قد جاؤوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَبَلَدُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِبَلَدِكُمْ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا من أشرافهم، يكونون بأيديهم ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُنَاجِزُوهُ.
قَالُوا: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ.
ثُمَّ خَرَجَ حتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقًّا أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي.
قَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُوا أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: أَنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ لَكَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيَكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى تَسْتَأْصِلَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ.
فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا.
ثُمَّ خَرَجَ حتَّى أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ إِنَّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَلَا أَرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي.
قَالُوا: صَدَقْتَ مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بمتهم،
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 29 باب غزوة الاحزاب.
ح: 4114.
(2) هي من جوامع كلمه، وهي أقوال صائبة بعيدة عن التكلف، نابعة من سلامة الطبع وصفاء الذهن.
وهي موجزة تؤدى بألفاظ قليلة دالة على معان وفيرة جليلة.
وقد أخذت بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صفات الحكمة من حيث طابعها وسمتها.
قال الجاحظ: " إنه كلام لم يسبقه إليه عربي، ولم يشاركه فيه عجمي ولم يدع لاحد ولا ادعاه أحد مما صار مستعملا ومثلا سائرا.
" وقد حدد الجاحظ أسلوب الحكمة عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم بأنه: " الكلام الذي قل حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونزه عن التكلف " ومن الامثال لكلامه صلى الله عليه وسلم:
يا خيل الله اركبي - مات حتف أنفه - الآن حمي الوطيس - لا يلسع المؤمن من جحر مرتين - الخيل معقود بنواصيها الخيل - رأس العقل بعد الايمان بالله مداراة الناس - إنما الأعمال بالنيات (*)(4/128)
قَالَ: فَاكْتُمُوا عَنِّي قَالُوا: نَفْعَلُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ.
فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سنة خمس، وكان من صنيع اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غَطَفَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ فَقَالَ لهم: إنا لسنا بدار مقام، هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ (1) فَأَعِدُّوا (2) لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، وَنَفْرُغُ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمٌ لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا، فَأَصَابَهُمْ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِينِ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رُهُنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا، حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَّسَتْكُمُ الْحَرْبُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرَّجُلَ فِي بِلَادِنَا، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ.
فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ.
فَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا.
فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حِينَ انْتَهَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِهَذَا: إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إِلَّا أَنْ تُقَاتِلُوا فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ.
فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رُهُنًا، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ فِي لَيْلَةٍ (3) شَاتِيَةٍ شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم (4) .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ قِصَّةِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
وَقَدْ أَوْرَدَهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُذِيعُ مَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْحَدِيثِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ مرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ذَاتَ يَوْمٍ عِشَاءً، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ تَعَالَ، فَجَاءَ فَقَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ (5) : إِنَّهُ قَدْ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَيْهِمْ
فيناجزوك، فقالت قُرَيْظَةَ نَعَمْ فَأَرْسِلُوا إِلَيْنَا بِالرُّهُنِ.
وَقَدْ ذَكَرَ فيما تَقَدَّمَ: أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَقَضُوا الْعَهْدَ عَلَى يَدَيْ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِرَهَائِنَ تَكُونُ عِنْدَهُمْ تَوْثِقَةً، قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مُسِرٌّ إِلَيْكَ شَيْئًا فَلَا تَذْكُرْهُ، قَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ يَدْعُونَنِي إِلَى الصُّلْحِ وَأَرُدُّ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مسعود عامداً إلى غطفان.
وقال
__________
(1) الخف: يريد الابل.
والحافر: يعني الخيل.
(2) في ابن هشام: فاغدوا.
(3) في ابن هشام: ليال.
(4) في ابن هشام: أبنيتهم.
والخبر في السيرة ج 3 / 241 - 244.
(5) العبارة في الدلائل: فقال: إنه والله مالك طاقة بالقوم وقد تحزبوا عليك، وهم معاجلوك، وقد بعثوا إلى بني قريظة إنه قد طال ثواؤنا وأجدب ما حولنا، وقد أجبنا ان نعاجل محمدا وأصحابه فنستريح منهم.
فأرسلت إليهم بنو قريظة: ان نعم ما رأيتم فإذا شئتم فابعثوا بالرهن ثم لا يحبسكم إلا أنفسكم.. (الدلائل ج 3 / 404) (*) .(4/129)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَرْبُ خَدْعَةٌ وَعَسَى أَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ لَنَا " فَأَتَى نُعَيْمٌ غَطَفَانَ وَقُرَيْشًا فَأَعْلَمَهُمْ، فَبَادَرَ الْقَوْمُ وَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ وَجَمَاعَةً مَعَهُ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْقِتَالِ مَعَهُمْ فَاعْتَلَّتِ الْيَهُودُ بِالسَّبْتِ، ثُمَّ أَيْضًا طَلَبُوا الرُّهُنَ تَوْثِقَةً فَأَوْقَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَاخْتَلَفُوا.
قُلْتُ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْظَةُ لَمَّا يَئِسُوا مِنِ انْتِظَامِ أَمْرِهِمْ مَعَ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدون مِنْهُ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَا فرق الله من جمهم، دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْتَهِدُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ،
وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ - فَشَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْعَةَ - أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الجنة، فما قام رجل مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُونَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ (1) ، ثُمَّ قَالَ [أَبُو سُفْيَانَ] : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ شِدَّةِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ، فما أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلَا عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى: لا تحدث شيئاً حتى تأتيني لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ.
قَالَ حُذَيْفَةُ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مرط لبعض نسائه مرحل (2) فَلَمَّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إِلَى رِجْلَيْهِ وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنِّي لَفِيهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ.
وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه:
__________
(1) في شرح المواهب: على جانبيه عن يمينه معاوية بن أبي سفيان، وعن شماله: عمرو بن العاص.
وفي الواقدي: معاوية عن شماله، وعمرو عن يمينه.
(انظر المغازي 2 / 489) .
(2) في السيرة: مراجل.
قال ابن هشام: مراجل: ضرب من وشي اليمن.
(*)(4/130)
مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ أدركتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَقُرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القوم، يكون معي يوم القيامة؟ [فسكتنا] (1) فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ.
ثمَّ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ قُمْ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دعاني باسمي أن أقوم، فقال [اذهب] ائْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عليَّ.
قَالَ: فَمَضَيْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ (2) حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ قَوْسِي، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَنِي الْبَرْدُ حِينَ رَجَعْتُ وَقُرِرْتُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْبَسَنِي مِنْ فَضْلِ عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نَائِمًا حَتَّى الصُّبْحِ، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ (3) ! وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ هَذَا الْحَدِيثَ مَبْسُوطًا مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله الدؤلي (4) عن عبد العزيز ابن أَخِي حُذَيْفَةَ قَالَ: ذَكَرَ حُذَيْفَةُ مَشَاهِدَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال جُلَسَاؤُهُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا شَهِدْنَا ذَلِكَ لَكُنَّا فَعَلْنَا وَفَعَلْنَا.
فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَا تَمَنَّوْا ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَنَحْنُ صَافُّونَ قعود: وأبو سفيان ومن معه فَوْقَنَا، وَقُرَيْظَةُ الْيَهُودُ أَسْفَلَ مِنَّا، نَخَافُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا، وَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةٌ قَطُّ أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا أَشَدُّ رِيحًا مِنْهَا فِي أَصْوَاتِ رِيحِهَا أَمْثَالُ الصَّوَاعِقِ وَهِيَ ظُلْمَةٌ، مَا يَرَى أَحَدُنَا أُصْبُعَهُ فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، فَمَا يَسْتَأْذِنُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَذِنَ لَهُ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ وَيَتَسَلَّلُونَ وَنَحْنُ ثلاثمائة ونحو ذلك، إذا اسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَجُلًا، رَجُلًا حَتَّى أَتَى عليَّ وَمَا عَلَيَّ جُنَّةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَا مِنَ الْبَرْدِ، إِلَّا مِرْطٌ لِامْرَأَتِي مَا يُجَاوِزُ رُكْبَتِي قَالَ: فَأَتَانِي وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فقلت: حذيفة، فقال حذيفة! فتقاصرت للأرض فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ أقوم، فَقُمْتُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَائِنٌ فِي الْقَوْمِ خَبَرٌ، فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ.
قَالَ: وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَزَعًا وَأَشَدِّهِمْ قُرًّا.
قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ " قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا
خَلَقَ اللَّهُ فَزَعًا وَلَا قُرًّا فِي جَوْفِي إِلَّا خَرَجَ مِنْ جَوْفِي، فَمَا أَجِدُ فِيهِ شَيْئًا.
قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قال:
__________
(1) من صحيح مسلم.
(2) كأنما أمشي في حمام: أي أنه لم يجد من البرد الذي يجده الناس، ولا من تلك الريح الشديدة مشيئا بل عافاه الله، ببركة إجابته للنبي صلى الله عليه وسلَّم فيما وجهه إليه.
(3) صحيح مسلم: في 32 كتاب الجهاد 36 باب غزوة الاحزاب ح 99.
(4) في البيهقي: محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي.
(*)(4/131)
يَا حُذَيْفَةُ لَا تُحْدِثَنَّ فِي الْقَوْمِ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ نَظَرْتُ [فِي] ضَوْءِ نَارٍ لَهُمْ تَوَقَّدُ وَإِذَا رَجُلٌ أَدْهَمُ ضَخْمٌ، يَقُولُ بِيَدَيْهِ عَلَى النَّارِ، وَيَمْسَحُ خَاصِرَتَهُ وَيَقُولُ: الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ ذلك، فانتزعت سهماً من كناتي أبيض الريش فأضعه في كَبِدِ قَوْسِي، لِأَرْمِيَهُ بِهِ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَذَكَرْتُ، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْدِثَنَّ فِيهِمْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَأَمْسَكْتُ وَرَدَدْتُ سَهْمِي إِلَى كِنَانَتِي، ثُمَّ إِنِّي شجعت نفسي حتى دخلت للعسكر (2) فَإِذَا أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي بَنُو عَامِرٍ، يَقُولُونَ: يَا آلَ عَامِرٍ الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، لَا مُقَامَ لَكُمْ.
وَإِذَا الرِّيحُ فِي عَسْكَرِهِمْ، مَا تُجَاوِزَ عَسْكَرُهُمْ شِبْرًا، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ الْحِجَارَةِ في رحالهم، وفرشهم (3) الريح تضرب بها، ثم إني خَرَجْتُ نَحْوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْتَصَفَتْ بِيَ الطَّرِيقُ، أَوْ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ، إِذَا أَنَا بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُعْتَمِّينَ، فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ، أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، فَوَاللَّهِ مَا عَدَا أَنْ رَجَعْتُ رَاجَعَنِي الْقُرُّ، وَجَعَلْتُ أُقَرْقِفُ، فَأَوْمَأَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَسْبَلَ عَلَيَّ شَمْلَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى.
فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، أَخْبَرْتُهُ أَنِّي تَرَكْتُهُمْ يَرْحَلُونَ قَالَ: وأنزل الله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب: 9] يَعْنِي الْآيَاتِ كُلَّهَا إِلَى قوله (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عزيزا) (4) أَيْ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَدُوَّهُمْ بِالرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمُ الَّتِي بَعَثَهَا اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ أَيْ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى مُنَازَلَتِهِمْ وَمُبَارَزَتِهِمْ بَلْ صرفهم الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ.
لِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَا شئ بَعْدَهُ (5) .
وَفِي قَوْلِهِ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ وَلَمْ تَرْجِعْ قُرَيْشٌ بَعْدَهَا إِلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنِ الْخَنْدَقِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا: لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ ولكنكم تغزونهم.
قال: فلم تغز قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ يَغْزُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَهَذَا بَلَاغٌ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (6) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدثنا
__________
(1) من البيهقي.
(2) من البيهقي، وفي الاصل: العسكر.
(3) في البيهقي: وفرستهم.
(4) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي ج 3 / 451 - 453.
(5) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 29 باب غزوة الاحزاب ح 4114.
(6) سيرة ابن هشام 3 / 115.
(*)(4/132)
يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1) مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - وَسَتَأْتِي وَفَاتُهُ مَبْسُوطَةً - وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ الْجُشَمِيَّانِ السَّلَمِيَّانِ، وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ النَّجَّارِيُّ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ (2) فَقَتَلَهُ قَالَ: وقُتل مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ثَلَاثَةٌ وَهُمْ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ بِفَرَسِهِ فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَقُتِلَ هُنَاكَ وَطَلَبُوا جَسَدَهُ بِثَمَنٍ كَبِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ قَتَلَهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَ عَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عبد ود وابنه حسل بن عمرو وقال ابن هشام: ويقال عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عبد.
فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ الشَّديد مَعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ وَنَقْضِهِمُ الْعُهُودَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُمَالَأَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ فَمَا أَجْدَى ذلك عنهم شيئاً وباؤا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لم تطأوها وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كل شئ قديرا) [الْأَحْزَابِ: 25 - 27] .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُولُ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ عَنِ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ (3) وَالْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَلَمَّا كَانَتِ الظُّهْرُ، أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حدثني
__________
(1) صحيح البخاري: 5 / 48.
(2) قال ابن هشام: سهم غرب وسهم غرب بإضافة وغير إضافة، وهو الذي لا يعرف من أين جاء ولا من رمى به.
(3) كان دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاربعاء، يوم منصرفه من الخندق، لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم
خمسة عشر يوماً، ثم انصرف يوم الخميس لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس (الواقدي - شرح المواهب) (*)(4/133)
الزُّهْرِيُّ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فقال: أو قد وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، وَمَا رَجَعْتُ الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنِّي عَامِدٌ إِلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فِي النَّاس: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ! فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَابِ دَخَلَ المغتسل ليغتسل وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أوضعتم أسلحتكم؟ فقال: وضعنا أسلحتنا فقال: إنا لم نضع أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى [بْنُ إِسْمَاعِيلَ] حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ (2) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّريق، فَقَالَ بعضهم: لا نصلي العصر حتى تأتيها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خَالِدِ بْنِ خلي (4) حدثنا بشر بن حرب (5) عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا الزُّهري، أَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَمَّهُ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ من طلب الاحزاب
__________
(1) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 30 باب مرجع النبي من الاحزاب.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد 22 باب ح (65) ص (1389) .
(2) في 64 كتاب المغازي 30 باب ح 4118 عن موسى بن إسماعيل.
(3) البخاري: المغازي 30 باب ح 4119.
ومسلم: 32 كتاب الجهاد 23 باب ح 69.
وفي رواية أبو بكر إلا سماعيلي للحديث " الظهر بدل العصر " وقال: كذا في كتابي الظهر (انظر روايته في دلائل البيهقي 4 / 7) .
(4) من الدلائل وفي الاصل علي.
(5) في الدلائل: شعيب.
(*)(4/134)
وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم، فَتَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ وَمَا وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، قَالَ فَوَثَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَزِعًا فَعَزَمَ عَلَى النَّاسِ أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ: فَلَبِسَ النَّاسُ السِّلَاحَ، فَلَمْ يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَاخْتَصَمَ النَّاسُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُصَلِّيَ حَتَّى نَأْتِيَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْمٌ، وَصَلَّى طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ احْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّوْهَا حِينَ جاؤوا بَنِي قُرَيْظَةَ احْتِسَابًا فَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ (1) .
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا وَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَمَرَنِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ: قَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ، طَلَبْنَا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى بَلَغْنَا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ،
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ فَصَلَّوْا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَيْنَا مِنْ إِثْمٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَلَمْ يُعَنِّفْ (2) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالُوا مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْجَحَفِ حتى يسمع كلامهم، فَنَادَاهُمْ يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ.
فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَمْ تَكُنْ فَحَّاشًا، فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ (3) .
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُصِيبِ مِنَ الصَّحَابَةِ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ؟ بَلِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَأْجُورٌ وَمَعْذُورٌ غَيْرُ مُعَنَّفٍ.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الَّذِينَ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ يَوْمَئِذٍ عَنْ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا حَتَّى صَلَّوْهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ هُمُ الْمُصِيبُونَ، لِأَنَّ أَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْرِ بِهَا فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظاهري في كتاب السيرة: وعلم الله أنا
__________
(1) دلائل النبوة ج 4 / 7 وأخرجه الشيخان مختصرا والامام أحمد والحاكم مطولا عن عائشة ومن طريق جابر أخرجه أبو نعيم، ورواه الطبري من طريق عبد الله بن أبي أوفى.
(2) في الدلائل: ولم يعب.
(3) دلائل النبُّوة للبيهقي: 4 / 9 وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 34 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه.
وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (437) ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5 / 9) .
(*)(4/135)
لَوْ كُنَّا هُنَاكَ لَمْ نُصَلِّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ مَاشٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْأَخْذِ بِالظَّاهِرِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلِ الَّذِينَ صَلَّوُا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا لَمَّا
أدركتهم وهم في مسيرهم الْمُصِيبُونَ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ تَعْجِيلُ السَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا مَعَ فَهْمِهِمْ عَنِ الشَّارِعِ مَا أَرَادَ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَنِّفْهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الَّتِي حُوِّلَتْ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ كَمَا يَدَّعِيهِ أُولَئِكَ، وَأَمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ أَخَّرُوا فَعُذِرُوا بِحَسَبِ مَا فَهِمُوا، وَأَكْثَرُ مَا كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْقَضَاءِ وَقَدْ فَعَلُوهُ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الصَّلاة لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذَا فَلَا إِشْكَالَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ وَلَا عَلَى مَنْ قَدَّمَ أَيْضًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَعَهُ رَايَتُهُ وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُغْتَسَلِهِ كَمَا يَزْعُمُونَ قَدْ رَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ جبريل: غفر الله لك، أو قد وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ جِبْرِيلُ: لَكِنَّا لَمْ نَضَعْهُ مُنْذُ نَزَلَ بِكَ الْعَدُوُّ، وَمَا زِلْتُ فِي طَلَبِهِمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ - وَيَقُولُونَ إِنَّ عَلَى وَجْهِ جِبْرِيلَ لَأَثَرَ الْغُبَارِ - فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ بِقِتَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنَا عَامِدٌ إِلَيْهِمْ بِمَنْ مَعِي من الملائكة نزلزل بِهِمُ الْحُصُونَ فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِ جِبْرِيلَ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَرَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ قَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ أَوْ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ، فَقَالَ: الْحَقُونِي بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلُّوا فِيهِمُ الْعَصْرَ، فَقَامُوا وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَانْطَلَقُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهُمْ بِالطَّرِيقِ، فَذَكَرُوا الصَّلَاةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكُمْ أَنْ تُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مِنْهُمْ قَوْمٌ وَأَخَّرَتْ طَائِفَةٌ الصَّلَاةَ حَتَّى صَلَّوْهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، بَعْدَ أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَذَكَرُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عَجَّلَ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَخَّرَهَا، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
قَالَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا
تَلَقَّاهُ وَقَالَ: ارْجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيكَ الْيَهُودَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ سَمِعَ مِنْهُمْ قَوْلًا سَيِّئًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ رضي الله عنهن فكره أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: لِمَ تَأْمُرُنِي بِالرُّجُوعِ، فَكَتَمَهُ مَا سمع منهم فقال: أظنك سمعت فيَّ مِنْهُمْ أَذًى، فَامْضِ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا مِمَّا سَمِعْتَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِصْنِهِمْ وَكَانُوا فِي أَعْلَاهُ، نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ نَفَرًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ فَقَالَ: أَجِيبُوا يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ، قَدْ نزل بكم خزى الله عزوجل، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتَائِبِ الْمُسْلِمِينَ بِضْعَ(4/136)
عَشْرَةَ لَيْلَةً (1) وَرَدَّ اللَّهُ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، فَصَرَخُوا بِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ (2) - وَكَانُوا حُلَفَاءَ الأنصار - فقال أبو لبابة: لاآتيهم حَتَّى يَأْذَنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَبَكَوْا إِلَيْهِ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَاذَا تَرَى، وَمَاذَا تَأْمُرُنَا فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِالْقِتَالِ، فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، وَأَمَرَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ، يُرِيهِمْ أَنَّمَا يراد بهم الْقَتْلُ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو لُبَابَةَ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحْدِثَ لله ثوبة نَصُوحًا يَعْلَمُهَا اللَّهُ مِنْ نَفْسِي، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَبَطَ يَدَيْهِ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ.
وَزَعَمُوا أَنَّهُ ارْتَبَطَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين غاب عَلَيْهِ أَبُو لُبَابَةَ: أَمَا فَرَغَ أَبُو لُبَابَةَ من حلفائه، فذكر له ما فعل؟ فقال: لَقَدْ أَصَابَتْهُ بَعْدِي فِتْنَةٌ وَلَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَإِذْ قَدْ فَعَلَ هَذَا فَلَنْ أُحَرِّكَهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ فِي مِثْلِ سِيَاقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ نَاحِيَةِ أموالهم يقال لها: بئر أنى (4) .
فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ (5) لَيْلَةً حَتَّى جَهَدَهُمُ الْحِصَارُ وَقَذَفَ [اللَّهُ] فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.
وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَهُمْ حِصْنَهُمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا فَخُذُوا بِمَا شِئْتُمْ مِنْهَا.
قَالُوا وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فتُأمنون بِهِ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ.
قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ.
قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عليَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ بِالسُّيُوفِ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ.
قَالُوا: أَنَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ؟ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ فَاللَّيْلَةُ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة.
__________
(1) في الواقدي: خمسة عشر يوماً.
(2) أبو لبابة الا نصاري المدني، اسمه رفاعة، وقيل مبشر، وقيل بشير، أحد النقباء، كان مناصحا لهم لان ماله وولده وعياله في بني قريظة عاش إلى خلافة علي (الاستيعاب - الروض) .
(3) نقله البيهقي عن موسى بن عقبة في الدلائل 4 / 13 - 14.
(4) في الواقدي: لنا والصواب بئر أنا: وهو بئر من آبار بني قريظة (الروض - معجم البلدان - شرح المواهب) .
(5) قيل خمس عشرة ليلة (الطبقات - الواقدي) .
(*)(4/137)
قَالُوا أَنُفْسِدُ سَبْتَنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا إِلَّا مَنْ قد علمت، فأصابه ما يَخْفَ عَنْكَ مِنَ الْمَسْخِ، فَقَالَ: مَا بَاتَ رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما.
ثم انها بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وكانوا حلفا الْأَوْسِ نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا.
فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ (1) ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، أَنَّهُ الذَّبْحُ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى
عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خنت الله ورسوله.
ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ الله علي مما صَنَعْتُ.
وَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الله بن أبي قتادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الْأَنْفَالِ: 27] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ مُرْتَبِطًا سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَتَحُلُّهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يَرْتَبِطُ حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التَّوْبَةِ: 102] .
وَقَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: إِنَّهُ مَكَثَ عشرين ليلة مرتبطاً به.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ تَوْبَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ آخِرِ اللَّيل وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَبْتَسِمُ، فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَهَا بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تُبَشِّرَهُ، فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَتْ فَبَشَّرَتْهُ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ يُبَشِّرُونَهُ وَأَرَادُوا أَنْ يَحِلُّوهُ مِنْ رِبَاطِهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا يحلني منه إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ حَلَّهُ مِنْ رِبَاطِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هَدْلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ أَسْلَمُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ في تلك الليلة عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقُرَظِيُّ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيلة، فلمَّا رَآهُ قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى - وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا - فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ عَرَفَهُ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي إِقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب لم يدر أين توجه من
__________
(1) قال الزرقاني: " انزل بنو قريظة شأس بن قيس، لما حوصروا وايقنوا بالهلكة، فكلمه صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من ترك الاموال والحلقة والخروج بالنساء والذراري وما حملت الابل إلا الحلقة، فَأَبَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..أَلَا أن ينزلوا على حكمه وعاد شأس إليهم بذلك (انظر شرح المواهب - الواقدي وفيه نباش بن قيس) .
(*)(4/138)
الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَذُكِرَ شَأْنُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ذَاكَ رجل نجاه الله بوفائه.
قال: وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمَّةٍ فيمن أوثق بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً وَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ ذَهَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أصبحوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَاثَبَتِ الْأَوْسُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله: إنهم كانوا مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إِخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، يَعْنُونَ عَفْوَهُ عَنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حِينَ سَأَلَهُ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ فَذَلِكَ إِلَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ (1) فِي مَسْجِدِهِ وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى فَلَمَّا حَكَّمَهُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حماره قَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.
فَرَجَعَ بَعْضُ (2) مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ الْأَنْصَارَ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَيَقُولُونَ قَدْ عَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّاكَ أَمْرَ مَوَالِيكَ، لِتَحْكُمَ فِيهِمْ فَقَالَ سَعْدٌ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الرِّجَالُ وَتُقْسَمَ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ وَتَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَذُوقَنَّ مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ أَقْتَحِمُ حِصْنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شعبة، عن سعيد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قوموا
__________
(1) ويقال: كعيبة بنت سعد بن عتبة كما ذكر الواقدي (مغازي 2 / 510) .
(2) منهم: الضحَّاك بن خليفة، ومعتب بن قشير، وحاطب بن أمية الظفري كما ذكرهم الواقدي (2 / 511) (3) الا رقعة: السموات، الواحدة رقيع (شرح أبي ذر ص 306) .
(*)(4/139)
لِسَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ نزلوا على حكمك.
قال: نقتل مقاتلتهم ونسبي ذُرِّيَّتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ.
وَرُبَّمَا قَالَ: قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ، وَفِي رِوَايَةٍ الْمَلَكِ (1) .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، وَيُونُسُ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَنَزَفَهُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهِمْ، يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ (2) وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيث بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنَ نُمَيْرٍ، عَنْ
هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ، وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَعَلَى رَأْسِهِ الْغُبَارُ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهَا، أُخرج إِلَيْهِمْ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.
قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ (3) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ أُخرج إِلَيْهِمْ.
قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.
قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهم إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إليَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فإن كان بقي من حرب قريش شئ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ.
وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا.
فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ من بني غفار
__________
(1) أخرجه البخاري في 56 كتاب الجهاد (168) باب إذا نزل العدو على حكم رجل.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد (22) باب جواز قتال في نقض العهد.
(2) مسند الإمام أحمد: 3 / 350.
(3) أخرجه أحمد في مسنده: 3 / 22 - 71، 6 / 52، 142.
(*)(4/140)
إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ.
مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فإذا سعد يغذو
جرحه دماً فمات منها (1) .
وهذا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ بِهِ.
قُلْتُ كَانَ دَعَا أَوَّلًا بِهَذَا الدُّعَاءِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فلما حكم فيهم وأقر الله عينه أيَّ قَرَارٍ دَعَا ثَانِيًا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ شَهَادَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وَفَاتِهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ مُطَوَّلًا جِدًّا وَفِيهِ فَوَائِدُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو النَّاسَ فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، قَالَتْ: فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، قَالَتْ: وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وأطواهم فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: لَبِّثْ قَلِيلًا يدركَ الهيجا جملٌ * مَا أحسنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فَإِذَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فإذا فيها عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة لَهُ - تَعْنِي الْمِغْفَرَ - فَقَالَ عُمَرُ: مَا جَاءَ بِكِ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ، فَمَا زَالَ يلومني حتى تمنيت أن الأرض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها، فرفع الرجل السبغة عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا عُمَرُ وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ أَلَا إِلَى اللَّهِ عزوجل.
قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَتْ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ، وَمَوَالِيَهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ: فَرَقَأَ كَلْمُهُ وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.
فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ: فجاء جِبْرِيلُ وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ لَا وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ.
قَالَتْ: فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ
أَنْ يَخْرُجُوا فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ، وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ فَقَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟ قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ - وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسِنُّهُ وَوَجْهُهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمُ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ قَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فأُتي بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ أكاف من
__________
(1) البخاري: في 64 كتاب المغازي (30) باب مرجع النبي من الاحزاب.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد.
باب جواز قتال من نقض العهد ح 65 وح 67 (ص 1389 و 1390) .
(*)(4/141)
لِيفٍ قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، قَالَتْ: وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي الله لومة لائم.
قالت: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ قَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللَّهُ، قَالَ: أَنْزِلُوهُ، فَأَنْزَلُوهُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُحكم فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إن كنت أبقيت على نبيك مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا، فَأَبْقِنِي لَهَا وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إني لا عرف بُكَاءَ عُمَرَ، مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَا في حجرتي وكانوا كما قال الله (رحماء بينهم) قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ يَا أُمَّهْ فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِدُعَاءِ سَعْدٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَمَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ وَفَاتِهِ وَدَفْنَهُ وَفَضْلَهُ فِي ذَلِكَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنَ الْقِصَّةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ من بني النجار قلت: هي نسيبة (1) ابنة الْحَارِثِ بْنِ كُرْزِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب ثمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، ثُمَّ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، فَخُرِجَ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا، وَفِيهِمْ عَدُوَّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ.
وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: كَانُوا مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالتِّسْعِمِائَةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبَى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُمْ يُذهب بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا ينزع، ومن ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ هُوَ وَاللَّهِ الْقَتْلُ.
فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبَ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُمْ وأُتي بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فُقَّاحِيَّةٌ (2) قَدْ شَقَّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلى عنقه بحبل.
فلما نظر إلى
__________
(1) قال السهيلي: اسمها كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس.
(الروض: 2 / 198) زينب بنت الحارث.
في رواية ابن بكير عن ابن اسحاق.
وقال الزرقاني: هي رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد (شرح المواهب اللدنية 2 / 164) .
قال الواقدي: أمر صلى الله عليه وسلم بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار رملة ابنة الحارث (2 / 512) .
(2) فقاحية: قال ابن هشام: ضرب من الوشي.
وفي الواقدي: حلة شقحية: اي حمراء (عن النهاية) .
(*)(4/142)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عدواتك وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلْ (1) .
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ (2) : لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أخطبَ نَفْسَهُ * وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلِ لجاهدَ حَتَّى أبلغَ النَّفْسَ عُذرها * وقلقل يبغي العزّ كل مقلقل (3)
وذكر ابْنُ إِسْحَاقَ قصَّة الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا، وَكَانَ شيخاً كبيراً قد عمي وَكَانَ قَدْ منَّ يَوْمَ بُعَاثٍ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وجزَّ نَاصِيَتَهُ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ أَرَادَ أَنْ يُكَافِئَهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ؟ فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: أُرِيدُ أَنْ أُكَافِئَكَ فَقَالَ: إِنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، فَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَطْلَقَهُ فَأَطْلَقَهُ لَهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ [لَهُ] (4) وَلَا وَلَدَ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ فَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَطْلَقَ لَهُ امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ فَأَطْلَقَهُمْ لَهُ ثم جاءه فَقَالَ أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَطْلَقَ مَالَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا فَأَطْلَقَهُ لَهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ يَا ثَابِتُ مَا فَعَلَ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ مِرْآةً صِينِيَّةً تَتَرَاءَى فيها عذارى حي كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ.
قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدِّمَتُنَا إِذَا شَدَدْنَا وَحَامِيَتُنَا إِذَا فَرَرْنَا: عَزَّالُ بْنُ شَمَوْأَلَ (5) ؟ قَالَ: قُتِلَ.
قَالَ فَمَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ؟ - يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ - قَالَ: ذَهَبُوا قُتِلُوا، قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَكَ إِلَّا أَلْحَقْتَنِي بِالْقَوْمِ فَوَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ فَمَا أَنَا بِصَابِرٍ لِلَّهِ فَيْلَةَ (6) دَلْوٍ نَاضِحٍ حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ.
فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَوْلُهُ " أَلْقَى الْأَحِبَّةَ " قَالَ " يَلْقَاهُمْ وَاللَّهِ فِي نَارِ جهنم فِيهَا مُخَلَّدًا " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ " فَيْلَةُ " بِالْفَاءِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ أَسْفَلَ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّاضِحُ البعير الذي يستقي عليه الماء لسقي النخل،
__________
(1) زاد الواقدي: ولقد التمست العز في مظانه، وأبى الله إلا أن يمكنك مني، ولقد قلقلت كل مقلقل.
(2) من بني ثعلبة بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ ريث بن غطفان، كان يهودا فأسلم، وكانت له صحبة (الاستيعاب والروض الانف) .
(3) مقلقل: أي اني ذهبت في كل وجه في البلاد) أساس البلاغة - قلقل) .
(4) من ابن هشام.
(5) في ابن هشام: سموال.
وفي الواقدي: غزال بن سموأل.
(6) في ابن هشام والسهيلي: فتلة: لعله يريد مقدار ما يأخذ الرجل الدلو إذا أخرجت فيصبها في الحوض، فيقتلها أو
يردها إلى موضعه، وقال الواقدي: إني لا أصبر افراغ دلو من نضح.
وقال أبو ذر: منهم من رواه: قبلة، فهو بمقدار ما يقبل الرجل الدلو، ليصبها في الحوض ثم يصرفها.
وفي هذا المعنى قال زهير بن أبي سلمة: وقابل يتغنى كلما قدرت * على العراقي يداه قائما دفقا (*)(4/143)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ إِفْرَاغَةُ دَلْوٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ.
فَحَدَّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، وَكُنْتُ غُلَامًا فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلَّوْا سَبِيلِي.
وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ إِنْبَاتَ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرَجِ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ، بَلْ هُوَ بُلُوغٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الشافعي.
ومن العلماء من يفرن بَيْنَ صِبْيَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ بُلُوغًا فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَتَأَذَّى بذلك لمقصد.
وَقَدْ رَوَى [ابْنُ] (1) إِسْحَاقَ: عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ، أُمَّ الْمُنْذِرِ اسْتَطْلَقَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفاعة بن شموال (2) ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ، فَلَاذَ بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَطْلَقَهُ لَهَا، وَكَانَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُصَلِّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ.
فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ فَأَطْلَقَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ (3) ، قَالَتْ وَاللَّهِ إِنَّهَا لِعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قتل رِجَالَهَا فِي السُّوقِ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ، قَالَتْ: قُلْتُ لها: ويلك مالك؟ قَالَتْ أُقْتَلُ! قُلْتُ وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ: فَانْطُلِقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.
هكذا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ (4) : هِيَ
الَّتِي طَرَحَتِ الرَّحَا عَلَى خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ، يَعْنِي فَقَتَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ.
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَسَمَّاهَا نُبَاتَةَ امْرَأَةَ الْحَكَمِ الْقُرَظِيِّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسَّم أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعْدَ مَا أَخْرَجَ الْخُمُسَ، وقسَّم لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ وَسَهْمًا لِرَاكِبِهِ وَسَهْمًا لِلرَّاجِلِ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ يَوْمَئِذٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ.
قَالَ: وكان أول فئ وَقَعَتْ فِيهِ السُّهْمَانُ وَخُمِّسَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعيد بْنَ زَيْدٍ بِسَبَايَا مِنَ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى نَجْدٍ فَابْتَاعَ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اصْطَفَى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ (5) وَكَانَ عليها حتَّى توفي عنها وهي
__________
(1) من سيرة ابن هشام.
(2) في ابن هشام: سموال.
(3) قال أبو ذر: هي: امرأة الحسن القرظي.
وقال الواقدي: نباتة من بني النضير، وكانت تحت رجل من بني قريظة.
وقد قتلت بخلاد بن سويد (2 / 517) .
(4) في السيرة: قال ابن هشام.
(5) في الواقدي: ريحانة بنت زيد من بني النضير متزوجة في بني قريظة.
وقال ابن سعد: هي ريحانة بنت زيد بن = (*)(4/144)
فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَامْتَنَعَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهَا وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا فَاخْتَارَتْ أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى الرِّقِّ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي تَفْسِيرِهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ: خَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ الذي ألقى عليه الرحى تِلْكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ يُقْتَلْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرثان،
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَتِهِمُ الْيَوْمَ.
وفاة سعد بن معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ حِبَّانَ بْنَ الْعَرِقَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيًّا بِالنَّارِ فَاسْتَمْسَكَ الْجُرْحُ، وَكَانَ سَعْدٌ دَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يُمِيتَهُ حَتَّى يُقِرَّ عَيْنَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالذِّمَامِ وَمَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الْأَحْزَابِ، فَلَمَّا ذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَانْقَشَعُوا عَنِ الْمَدِينَةِ وَبَاءَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ بِسَوَادِ الْوَجْهِ وَالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَاصِرَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَهُمْ من كل جانب أنابوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى رَئِيسِ الْأَوْسِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَرَضُوا بِذَلِكَ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلُوا ابْتِدَاءً عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، لِمَا يَرْجُونَ مِنْ حُنُوِّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِأَنَّهُمْ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْدَادِهِمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، لِشِدَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدِّيقِيَّتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي خَيْمَةٍ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فجئ بِهِ عَلَى حِمَارٍ تَحْتَهُ إِكَافٌ قَدْ وُطِّئَ تَحْتَهُ لِمَرَضِهِ وَلَمَّا قَارَبَ خَيْمَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ هُنَاكَ، بِالْقِيَامِ لَهُ قِيلَ: لِيَنْزِلَ مِنْ شِدَّةِ مَرَضِهِ، وَقِيلَ تَوْقِيرًا لَهُ بِحَضْرَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا حَكَمَ فِيهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ وَعَادَ إِلَى خَيْمَتِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبوي صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الله عزوجل أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ وَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَا عِنْدَهُ فَانْفَجَرَ جُرْحُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَزَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جرحه فمات منه شهيداً.
[قال ابن إسحاق] (1) حدثني معاذ بن رفاعة
__________
= عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير، وكانت متزوجة رجلاً من بني قريظة يقال له الحكم، فنسبها بعض الرواة إلى بني قريظة لذلك (طبقات 8 / 129.
المغازي 2 / 520) .
(1) من سيرة ابن هشام ج 3 / 262.
(*)(4/145)
الزُّرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الذي فتحت له أبو اب السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائل: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصالح الذي مات فتحت له أبو اب السَّمَاءِ وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " مَرَّتَيْنِ، فسبَّح الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ الله أكبر " فكبر القوم، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَجِبْتُ لِهَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُدد عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِينَ فرِّج لَهُ " (1) .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ: مِنْ طَرِيقِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ يَوْمَ مَاتَ وهو يدفن: سبحان الله لهذا الصَّالِحِ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَفُتِحَتْ له أبو اب السَّمَاءِ شُدِّد عَلَيْهِ ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبَّح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّحَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ فقالوا يا رسول الله بم سَبَّحْتَ؟ قَالَ: لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصالح قبره حتَّى فرَّج اللَّهُ عَنْهُ (2) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَمَّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا لَنَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ سَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِنْسَانٍ عَنْ عائشة به.
ورواه الْحَافِظُ الْبَزَّارُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال: حدثنا عبد إلا علي بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ هَبَطَ يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَهْبِطُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَقَدْ ضمه القبر
__________
(1) دلائل النبُّوة للبيهقي ج 4 / 29.
(2) سيرة ابن هشام: 3 / 263.
(*)(4/146)
ضمة (1) .
ثُمَّ بَكَى نَافِعٌ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلًا ثُمَّ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَيْفٍ عَنْ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ سكين بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زيد بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا، وَقَالَ حِينَ دُفِنَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَوِ انْفَلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَانْفَلَتَ مِنْهَا سَعْدٌ.
وقال البزار: حدثنا إسماعيل بن حفص، عن مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فقيل: إنما يعني السرير ورفع أبو يه على العرش قال تفتحت أَعْوَادُهُ قَالَ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَهُ فَاحْتُبِسَ فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَبَسَكَ قَالَ: ضُمَّ سَعْدٌ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً فَدَعَوْتُ اللَّهَ فَكَشَفَ عَنْهُ.
قَالَ الْبَزَّارُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ.
قُلْتُ: وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ ضَمَّةَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ أَثَرًا غَرِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو العبَّاس، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجبَّار، حدَّثنا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَأَلَ بَعْضَ أَهْلِ سَعْدٍ: مَا بَلَغَكُمْ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي هَذَا؟ فَقَالُوا: ذُكر لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الطُّهُورِ مِنَ الْبَوْلِ (2) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الفضل بن مساور، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وَعَنِ الْأَعْمَشِ حدَّثنا أَبُو صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِثْلَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ فَإِنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: اهْتَزَّ السَّرِيرُ [فَقَالَ] : إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ سَمِعْتُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةُ قَوْلِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ: وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول وَجِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَحْيَى بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ قَتَادَةُ: حدَّثنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَجِنَازَتُهُ مَوْضُوعَةٌ اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأزدي، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِهِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 4 / 30.
(2) دلائل النبوة ج 4 / 30.
(*)(4/147)
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بروحه (1) .
وقال الحافظ الْبَزَّارُ: حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا أَخَفَّ جِنَازَتَهُ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا ولكن الملائكة تحملته.
إسناد جيد.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا
أَوْ أَلْيَنُ ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ: سَمِعْنَا أَنَسًا عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ: أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةً وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ فَلَبِسَهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِمْ وَأَطْوَلِهِمْ.
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ إِنَّكَ بِسَعْدٍ لَشَبِيهٌ، ثُمَّ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ، وَقَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى سَعْدٍ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ ثُمَّ قَالَ: بُعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا إِلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ فِيهَا الذَّهَبُ فَلَبِسَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَى المنبر وجلس فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمَسُونَ الْجُبَّةَ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ ذِكْرِ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ * سَمِعْنَا بِهِ إِلَّا لِسَعْدٍ أبي عمرو قال: وقالت أمه يعني كبيشسة (2) بِنْتَ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخُدْرِيَّةَ الْخَزْرَجِيَّةَ حِينَ احْتُمِلَ سَعْدٌ عَلَى نَعْشِهِ تَنْدُبُهُ: وَيْلُ امِّ سَعْدٍ سَعْدَا * صَرَامَةً وَحَدَّا وَسُؤْدُدًا وَمَجْدَا * وَفَارِسًا مُعَدَّا سُدَّ بِهِ مسداً * يقدّها ما قَدَّا قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلَّا نَائِحَةَ سعد بن معاد " قُلْتُ: كَانَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَ انْصِرَافِ الْأَحْزَابِ بِنَحْوٍ من خمس وعشرين ليلة، إذ كان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس
__________
(1) فيه انقطاع، وله ذكر في سيرة ابن هشام.
(2) في الاستيعاب: كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الابجر.
وفي الواقدي: كبشة بنت عبيد (*) .(4/148)
كَمَا تَقَدَّمَ فَأَقَامُوا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِصَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَمَاتَ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ بِقَلِيلٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ أَوَائِلِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ فَتْحَ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ: وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ سَجَمَتْ مِنْ دَمْعِ عَيْنِيَ عَبْرَةٌ * وَحُقَّ لِعَيْنِي أَنْ تَفِيضَ عَلَى سَعْدٍ قَتِيلٌ ثَوَى فِي مَعْرَكٍ فُجِعَتْ بِهِ * عُيُونٌ ذَوَارِي الدَّمْعِ دَائِمَةُ الْوَجْدِ (1) عَلَى مِلَّةِ الرَّحْمَنِ وَارِثِ جنَّة * مَعَ الشُّهَدَاءِ وفدها أكرم الوفد فإن تك قد وعدتنا وَتَرَكْتَنَا * وَأَمْسَيْتَ فِي غَبْرَاءَ مُظْلِمَةِ اللَّحْدِ فَأَنْتَ الَّذِي يَا سَعْدُ أُبْتَ بِمَشْهَدٍ * كَرِيمٍ وَأَثْوَابِ المكارم والمجد (2) بِحُكْمِكَ فِي حَيَّيْ قُرَيْظَةَ بِالَّذِي * قَضَى اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَضَيْتَ عَلَى عَمْدِ فَوَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ حُكْمُكَ فِيهِمُ * وَلَمْ تَعْفُ إِذْ ذُكِّرْتَ مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ فَإِنْ كَانَ رَيْبُ الدَّهْرِ أَمْضَاكَ فِي الْأُلَى * شَرَوْا هَذِهِ الدُّنْيَا بِجَنَّاتِهَا الْخُلْدِ فَنِعْمَ مَصِيرُ الصَّادِقِينَ إِذَا دُعُوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد
فصل الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حجَّاج بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب قَالَ: قَالَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ (قُلْتُ: وَذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ) : وَمُشْفِقَةٍ تَظُنُّ بِنَا الظُّنُونَا * وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونًا (3) كَأَنَّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إِذَا مَا * بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنَّاظِرِينَا تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ * عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبِ الْحَصِينَا (2)
__________
(1) ذواري الدمع: تسكبه وغزيرته.
(2) في ابن هشام: والحمد بدل والمجد.
(3) عرندسة: الشديدة القوة.
والعرندس: القوي، يريد الكتيبة.
(4) اليلب: الترس أو الدروع من الجلد (*)(4/149)
وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوَّمَاتٍ * نَؤُمُّ بِهَا الغَواة الْخَاطِئِينَا كَأَنَّهُمُ إِذَا صَالُوا وصُلنا * بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا أناسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا * وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا * وَكُنَّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا (1) نُراوحهم وَنَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ * عَلَيْهِمْ فِي السِّلَاحِ مُدَجَّجِينَا بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ * نقدُّ بِهَا الْمَفَارِقَ وَالشُّئُونَا (2) كَأَنَّ وَمِيضَهُنَّ معرِّيات * إِذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا وميضُ عقيقةٍ لَمَعَتْ بليلٍ * تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ * لَدَمَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمُ وَكَانُوا * بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوِّذِينَا فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنَّا قَدْ تَرَكْنَا * لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا
إِذَا جن الظلام سمعت نوحاً * عَلَى سعدٍ يُرَجِّعْنَ الْحَنِينَا وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمَّا قريبٍ * كَمَا زُرْنَاكُمُ مُتَوَازِرِينَا بجمعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرِ عُزلٍ * كَأُسْدِ الْغَابِ إِذْ حمَت الْعَرِينَا قَالَ: فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: وسائلةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِيَنَا * وَلَوْ شهدتُ رَأَتْنَا صَابِرِينَا صَبَرْنَا لَا نَرَى لِلَّهِ عِدْلًا * عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكِّلِينَا وَكَانَ لَنَا النَّبِيُّ وَزِيرَ صدقٍ * بِهِ نَعْلُو الْبَرِيَّةَ أَجْمَعِينَا نقاتلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقُّوا * وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا نُعَالِجُهُمْ إِذَا نَهَضُوا إِلَيْنَا * بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرِّعِينَا تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سابغاتٍ * كغُدران الْمَلَا مُتَسَرْبلينا (3) وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ * بِهَا نَشْفِي مِراح الشَّاغِبِينَا بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنَّ أُسْدًا * شَوَابِكُهُنَّ يَحْمِينَ الْعَرِينَا فَوَارِسُنَا إِذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا * عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلِمِينَا (4) لِنَنْصُرَ أَحَمَدًا والله حتى * نكون عبادَ صدقٍ مخلصينا
__________
(1) شهرا كريتا: أي شهرا كاملا.
(2) الشؤون: جمع شأن: مجمع العظام في أعلى الرأس.
(3) الفضافض: الدروع المتسعة.
والملا: المتسع من الارض، وقيل الصحراء.
(4) الشوس: جمع أشوس، وهو الذي ينظر بمؤخر عينه كبرا.
والمعلم: (فتح وكسر الللام) الذي يجعل لنفسه علامة في الحرب يعرف بها.
(*)(4/150)
وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ حِينَ سَارُوا * وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزِّبِينَا بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ * وَأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا
فَإِمَّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا * فإن الله خير القادرينا سيدخله جناتاً طيباتٍ * تَكُونُ مُقَامَةً لِلصَّالِحِينَا كَمَا قَدْ ردَّكم فَلًّا شَرِيدًا * بِغَيْظِكُمُ خَزَايَا خَائِبِينَا خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمَّ خَيْرًا * وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا بريحٍ عَاصِفٍ هبتْ عَلَيْكُمْ * فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا متكمِّهينا (1) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ (قُلْتُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ) حيِّ الدِّيَارَ مَحَا معارفَ رَسْمِهَا * طولُ الْبِلَى وتراوحُ الْأَحْقَابِ فَكَأَنَّمَا كَتَبَ اليهودُ رُسُومَهَا * إِلَّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ (2) قَفْرًا كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا * فِي نعمةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ فَاتْرُكْ تذكُّر مَا مَضَى مِنْ عيشةٍ * ومحلَّة خلقِ الْمُقَامِ يَبَابِ وَاذْكُرْ بَلَاءَ معاشرٍ واشكرهمُ * سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مَنِ الْأَنْصَابِ أَنْصَابِ مكةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبَ * فِي ذِي غياطلَ جحفلٍ جبجاب (3) يدع الحرُون مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً * فِي كُلِّ نشْزٍ ظاهرٍ وشِعاب فيها الجيادُ شوازبٌ مجنوبةٌ * قُبَّ البطون واحقُ الْأَقْرَابِ (4) مِنْ كُلِّ سلهبةٍ وأجردَ سَلْهَبٍ * كالسيدِ بَادَرَ غفلةَ الرُّقَّابِ جيشُ عيينةُ قَاصِدٌ بِلِوَائِهِ * فِيهِ وصخرُ قَائِدُ الْأَحْزَابِ قَرْمَانِ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا * غَيْثُ الْفَقِيرِ ومعقلُ الْهُرَّابِ حَتَّى إِذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا * لِلْمَوْتِ كُلَّ مجرَّب قضَّاب شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمَّدًا * وصحابُهُ فِي الْحَرْبِ خيرُ صِحَابِ نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صبيحةَ قُلْتُمُ * كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الخيَّاب لَوْلَا الخنادقُ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ * قَتْلَى لطيرٍ سُغّب وَذِئَابِ
قَالَ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمُقَامِ يَبَابِ * مُتَكَلِّمٌ لمحاور بجواب
__________
(1) المتكمه: الاعمى الذي لا يبصر.
(2) الكنيف: الحظيرة، الزريبة للابل.
والاطناب: الحبال التي تشد بها الخيام والاخبية.
(3) الغياطل: الجيوش كثيرة الاصوات.
والجبجاب: الكثير.
(4) الشوازب: الضوامر.
المجنونة: المقودة، التي تقاد.
قب: ضامرة.
الاقراب: جمع قرب، وهي الخاصرة.
(*)(4/151)
قَفْرٌ عَفَا رهمُ السَّحَابِ رسومَه * وَهُبُوبُ كُلِّ مطلةٍ مِرْبَابِ (1) وَلَقَدْ رأيتُ بِهَا الْحُلُولَ يزينُهم * بيض الوجوه ثواقبُ الأحساب فدع الديارَ وَذِكْرَ كُلِّ خريدةٍ * بيضاءَ أنسةِ الْحَدِيثِ كَعاب واشكُ الْهُمُومَ إِلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى * من معشرٍ ظلموا الرسول غضاب ساروا بأجمعهم إِلَيْهِ وألَّبوا * أَهْلَ الْقُرَى وبواديَ الْأَعْرَابِ جيشٌ عيينةُ وَابْنُ حربٍ فِيهِمُ * مُتَخَمِّطُونَ بحلبةِ الْأَحْزَابِ (2) حَتَّى إِذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا * قَتْلَ الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ * رُدوا بِغَيْظِهِمُ عَلَى الْأَعْقَابِ بهبوبِ معصفةٍ تُفرِّق جَمْعَهُمْ * وجنودُ رَبِّكَ سَيِّدِ الْأَرْبَابِ فَكَفَى الْإِلَهُ المؤمنينَ قِتَالَهُمْ * وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ففرَّق جَمْعَهُمْ * تَنْزِيلُ نَصْرِ مَلِيكِنَا الْوَهَّابِ وَأَقَرَّ عَيْنَ محمدٍ وَصِحَابِهِ * وَأَذَلَّ كُلَّ مكذِّب مُرْتَابِ عَاتِي الْفُؤَادِ موقعٌ ذِي رِيبَةٍ * فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ عِلَق الشقاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ * فِي الْكُفْرِ آخِرَ هَذِهِ الْأَحْقَابِ قَالَ وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فَقَالَ:
أَبْقَى لَنَا حدثُ الْحُرُوبِ بَقِيَّةً * مِنْ خَيْرِ نحلةِ رَبِّنَا الْوَهَّابِ بيضاءَ مُشْرِفَةِ الذُرى وَمَعَاطِنًا * حُمَّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةَ الْأَحْلَابِ (3) كَاللُّوبِ يُبذل جمُّها وَحَفِيلُهَا * لِلْجَارِ وَابْنِ العمِّ والمنتاب (4) ونزائعاً مثل السراج نَمَى بِهَا * علفُ الشَّعِيرِ وجزَّة الْمِقْضَابِ (5) عرَّى الشَّوى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضَهَا * جردُ الْمُتُونِ وَسَائِرِ الأراب (6) قَوْداً تُراح إلى الصباح إذا غدت * فعلَ الضِّراء تُراحُ للكلاب (7)
__________
(1) رهم: جمع رهمة.
وهو المطر الضعيف.
مرباب: دائمة.
(2) متخمطون: مختلطون.
ويقال: المتخمط: الشديد الغضب والمتكبر.
قاله أبو ذر في شرح السيرة.
(3) المعاطن: منابت النخل عند الماء، شبهها بمعاطن الابل وهي مباركها عند الماء (الروض 2 / 204) .
حم الجذوع: السواد، وصفها بالحمة لانها تضرب إلى السواد من الخضرة والنعمة (السهيلي 2 / 204) .
(4) اللوب: جمع لوبة، وهي الحرة: أرض ذات حجارة سوداء.
واللوب أيضا: النحل، ويحتمل تشبيهه بالنحل لكثرتها.
(5) النزائع: الخيل العربية التي حملت من أرضها إلى أرض أخرى.
(6) الشوى: القوائم.
النخص: اللحم.
جرد المتون: ملس الظهور.
والاراب: جمع إربة وهي المفاصل.
(7) القود: الطوال الاعناق.
الكلاب: جمع كالب، الصائد صاحب الكلاب.
(*)(4/152)
وتحوط سائمة الديار وتارةً * تُردي العدى وتئوبُ بِالْأَسْلَابِ حوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةً عِنْدَ الْوَغَى * عبسُ اللِّقَاءِ مُبِينَةَ الْإِنْجَابِ (1) عُلفت عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدناً * دُخْسُ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ يَغْدُونَ بِالزَّغْفِ الْمُضَاعَفِ شكَّه * وبمترصاتٍ فِي الثَّقاف صِيَابِ (2) وصوارمٍ نزعَ الصياقلُ عُلبها * وَبِكُلِّ أروعَ ماجدِ الْأَنْسَابِ يصلُ الْيَمِينَ بمارنٍ مُتَقَارِبٍ * وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إِلَى خَباب (3)
وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنَّهُ * فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضوءُ شِهَابِ وكتيبةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قتيرُها * وتردُّ حَدَّ قواحِزِ النُّشَّابِ (4) جَأْوَى ململمةً كأن رماحها * في كل مجمعةٍ صريمة غَابِ (5) تَأْوِي إِلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ كَأَنَّهُ * فِي صعدة الخطي فئ عُقاب أَعْيَتْ أَبَا كربٍ وَأَعْيَتْ تُبَّعًا * وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ ومواعظٍ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى بِهَا * بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الْأَثْوَابِ عُرِضَتْ عَلَيْنَا قاشتهينا ذِكْرَهَا * مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ خكما يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ * حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ جَاءَتْ سخينةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا * فَلَيُغْلَبَنَّ مغالبُ الْغَلَّابِ (7) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْبَيْتَ: لَقَدْ شَكَرَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِكَ هَذَا.
قُلْتُ وَمُرَادُهُ بِسَخِينَةَ قُرَيْشٌ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِمُ الطَّعَامَ السُّخْنَ الَّذِي لَا يَتَهَيَّأُ لِغَيْرِهِمْ غَالِبًا مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي (8) فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا: مَنْ سرَّه ضربٌ يُمَعْمِعُ بعضه * بعضاً كمعمعة الاباء المحرق (9)
__________
(1) حوش: الوحشية.
مطارة: مستخفة.
(2) دخس: كثيرة اللحم.
(3) المترصات: الشديدات.
الزغف: الدروع اللينة الواسعة.
(4) وقيعته: صنعه وصقله.
خباب: اسم قين.
(5) القتير: مسامير حلق الدرع.
قواحز: النبال التي تصيب الافخاذ، وفي ابن هشام: قواحذ.
(6) جأوى يخالط سوادها حمرة.
والصريمة: اللهب المتوقد، وفي ابن هشام: الضريمة.
(7) سخينة: لقب قريش في الجاهلية.
(8) قال السهيلي: كان العرب إذا أسنتوا أكلوا العلهز، وهو الوبر والدم، وتأكل قريش الخزيرة، فنفست عليهم ذلك.
فلقبوهم سخينة.
(9) الاباء: من ابن هشام، وفي الاصل الاناء.
والاباء القصب واحدته: إباءة.
(*)(4/153)
فيأت مأسدة تس سيوفها * بين المذاد وبين جذع الْخَنْدَقِ (1) دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا * مُهَجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لربِّ الْمَشْرِقِ فِي عُصبةٍ نصرَ الْإِلَهُ نبيَّه * بهمُ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفَقِ فِي كُلِّ سابغةٍ تخطّ فُضُولها * كَالنَّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ (2) بيضاءَ محكمةٍ كأن قتيرها * حدق الجنادب ذا سك (نسك) مُوثَقِ جَدْلَاءَ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مهندٍ * صَافِي الْحَدِيدَةِ صارمٍ ذِي رَوْنَقِ (3) تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لباسَنا * يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلَّ سَاعَةِ مَصْدَقِ نصلُ السُّيُوفَ إِذَا قَصَرْنَ بِخَطْوِنَا * قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إِذَا لم تلحق.
فترق الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا * بُله الْأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقِ (4) نَلْقَى الْعَدُوَّ بفخمةٍ ملمومةٍ * تَنْفِي الْجُمُوعَ كَقَصْدِ رَأَسِ الْمُشْرِقِ (5) ونعدُّ لِلْأَعْدَاءِ كُلَّ مُقَلَّصٍ * وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ تَرْدِي بِفُرْسَانٍ كَأَنَّ كُمَاتَهُمْ * عِنْدَ الْهِيَاجِ أسودُ طَلٍّ مُلْثِقِ (6) صُدقٍ يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيح الْمُزْهِقِ أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوِّهِ * فِي الْحَرْبِ إِنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ وحيِّطاً * لِلدَّارِ إِنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ وَيُعِينُنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ بِقُوَّةٍ * مِنْهُ وَصِدْقِ الصَّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيِّنَا وَنُجِيبُهُ * وَإِذَا دَعَا لكريهة لم نسبق ومتى ينادى للشدائد نَأْتِهَا * وَمَتَى نَرَى الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقِ
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ * فَينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ فَبِذَاكَ يَنْصُرُنَا وَيُظْهِرُ عِزَّنَا * وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ إِنَّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا * كَفَرُوا وَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَّقِي قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا: لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلَّبُوا * عَلَيْنَا وَرَامُوا ديننا ما نوادع
__________
(1) المذاد: موضع بالمدينة حيث حفر الخندق.
(2) النهي: الغدير.
(3) جدلاء: الدرع المحكمة النسج.
نجاد: حمائل السيف.
(4) بله: اسم فعل بمعنى اترك ودع (5) المشرق: جبل بين الصريف والعصيم من أرض ضبة (معجم البلدان) .
(6) ملثق: ما يكون عن الطل من زلق وطين.
والاسد أجوع ما تكون وأجرأ في ذلك الحين.
(*)(4/154)
أضاميمُ من قيس بن غيلان أصفقت * وخندق لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ (1) يَذُودُونَنَا عَنْ ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن رادٌ وَسَامِعُ إِذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا * عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَاسِعُ وَذَلِكَ حِفْظُ اللَّهِ فِينَا وَفَضْلُهُ * عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظِ اللَّهُ ضَائِعُ هَدَانَا لِدِينِ الْحَقِّ وَاخْتَارَهُ لَنَا * ولله فوق الصانعين صانع (2) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ - يَعْنِي طَوِيلَةً - قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي مَقْتَلِ بَنِي قُرَيْظَةَ: لقد لقيت قريظة ما ساءها * وَمَا وَجَدَتْ لِذُلٍّ مِنْ نَصِيرِ أَصَابَهُمُ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ * سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ غَدَاةَ أَتَاهُمُ يَهْوِي إِلَيْهِمْ * رَسُولُ اللَّهِ كالقمر المنير
له خيل مجنبةٌ تغادي * بفرسان عليها كالصقور (3) تركناهم وما ظفروا بشئ * دِمَاؤُهُمُ عَلَيْهَا كَالْعَبِيرِ فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطَّيْرُ فِيهِمُ * كَذَاكَ يُدَانُ ذُو الْعِنْدِ الْفَجُورِ فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا * مِنَ الرَّحْمَنِ إِنْ قَبِلَتْ نَذِيرِي قَالَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا في بني قريظة: تعاقد مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا * وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم غمي مِنَ التَّوْرَاةِ بُورُ كَفَرْتُمْ بِالْقُرَانِ وَقَدْ أُتِيتُمْ * بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ * حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (4) فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ * وَحَرَّقَ فِي طَوَائِفِهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ * وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ فَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ بِهَا رِكَابًا * لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا قُلْتُ: وهذا ما قَالَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَعْضُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ جَوَابَ حَسَّانَ فِي ذَلِكَ لِجَبَلِ بْنِ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيِّ تَرَكْنَاهُ قصدا.
__________
(1) أضاميم: واحدتها أضمامة وهو كل شئ مجتمع.
وتروى أصاميم بالصاد: الخالصون في أنسابهم.
(2) في ابن هشام: صنائع.
(3) خيل مجنبة: هي التي تقاد ولا تركب.
(4) سراة القوم: إشرافهم، والبويرة: موضع بني قريظة.
(*)(4/155)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي سَعْدًا وَجَمَاعَةً مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي
قُرَيْظَةَ: أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا حُمَّ دَافِعُ * وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ تَذَكَّرْتُ عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهَافَتَتْ * بَنَاتُ الْحَشَا وَانْهَلَّ مِنِّي الْمَدَامِعُ صَبَابَةُ وَجْدٍ ذَكَّرَتْنِيَ إِخْوَةً * وَقَتْلَى مَضَى فِيهَا طُفَيْلٌ وَرَافِعُ (1) وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ وَأَوْحَشَتْ * مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرَّسُولِ وَفَوْقَهُمْ * ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسُّيُوفُ اللَّوَامِعُ دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقٍّ وَكُلُّهُمْ * مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَسَامِعُ فَمَا نَكَلُوا حَتَّى تَوَالَوْا جَمَاعَةً * وَلَا يَقْطَعُ الْآجَالَ إِلَّا الْمَصَارِعُ لِأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً * إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا النَّبِيُّونَ شَافِعُ فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ بَلَاؤُنَا * إِجَابَتُنَا لِلَّهِ وَالْمَوْتُ نَاقِعُ لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إِلَيْكَ وَخَلْفُنَا * لِأَوَّلِنَا فِي مِلَّةِ اللَّهِ تَابِعُ (2) وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ لله وحده * وأن قضاء الله لابد واقع
مقتل أبي رافع اليهودي
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ - فِيمَنْ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الْأَوْسُ، قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فَاسْتَأْذَنَ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فَأَذِنَ لَهُمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا فِيهِ غَنَاءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا وقالت الْخَزْرَجُ وَاللَّهِ لَا يَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْتَهُونَ حَتَّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا، وَإِذَا فَعَلَتِ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتِ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَمَّا أَصَابَتِ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الْخَزْرَجُ: وَاللَّهِ لَا يَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا علينا أبداً.
قال: فتذكروا مَنْ
رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أبي الحقيق وهو بخيبر، فاستأذنوا الرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، فأذن لهم فخرج مِنَ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بن ربعي، وخزاعى بن أسود
__________
(1) في الديوان: صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضوا فيها نفيع ودافع (2) في الديوان: في طاعة بدل: في ملة.
(*)(4/156)
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ.
فَخَرَجُوا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوِ امْرَأَةً، فَخَرَجُوا حَتَّى إِذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ لَيْلًا، فَلَمْ يدعوا بيتاً في الدار حتى أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ.
قَالَ: وَكَانَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ إِلَيْهَا عَجَلَةٌ (1) قَالَ: فَأَسْنَدُوا إِلَيْهَا حَتَّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ.
قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبُكُمْ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ.
فَلَمَّا دَخَلْنَا أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ الْحُجْرَةَ تَخَوُّفًا أَنْ يَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
قَالَ: فَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ فَنَوَّهَتْ بِنَا، فَابْتَدَرْنَاهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَدُلُّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ إِلَّا بَيَاضُهُ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ (2) مُلْقَاةٌ.
قَالَ: فَلَمَّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ يَذْكُرُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُفُّ يَدَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ.
قَالَ فَلَمَّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: قَطْنِي قَطْنِي أَيْ حَسْبِي حَسْبِي.
قَالَ: وَخَرَجْنَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عتيك سئ الْبَصَرِ قَالَ: فَوَقَعَ مِنَ الدَّرَجَةِ فَوُثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ، فَنَدْخُلَ فِيهِ فَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ وَاشْتَدُّوا في كل وجه يطلبونا، حتى إذا يئسوا رجعوا إليه فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي.
قَالَ فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاس قَالَ: فَوَجَدْتُهَا - يَعْنِي امْرَأَتَهُ - وَرِجَالُ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَتُحَدِّثُهُمْ وَتَقُولُ: أما والله قد سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمَّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْتُ:
أَنَّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ.
ثُمَّ أقبلت عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ، فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً كَانَتْ أَلَذَّ عَلَى نفسي منها.
قال: ثم جاءنا فأخبرنا، فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا وَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ كُلُّنَا يَدَّعِيهِ.
قَالَ: فَقَالَ: هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ، فَجِئْنَا بِهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ لِسَيْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ أَرَى، فِيهِ أَثَرَ الطَّعَامِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: لِلَّهِ دَرُّ عصابةٍ لَاقَيْتَهُمْ * يَا ابْنَ الْحَقِيقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف (3) حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذُفَّفِ مُسْتَبْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيِّهِمْ * مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلِّ أمر مجحف
__________
(1) عجلة: جدع النخلة ينقر ويجعل كالسلم فيصعد عليه إلى العلالي.
(2) قبطية: ثياب بيض تصنع في مصر.
(3) من ابن هشام، وفي الاصل: فوثبت يده وثباً.
وثئت: أي أصاب عظمها شئ ليس بالكسر، وهو وجع يصيب اللحم دون العظم.
(4) مغرف: ملتف الاغصان.
(*)(4/157)
هَكَذَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (1) رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: بُعِثَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ (2) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ (3) بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بُعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا (4) مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ.
وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمس.
وَرَاحَ النَّاسُ
بِسَرْحِهِمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ [لِأَصْحَابِهِ] : اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي منطلق متلطف لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ.
فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَدٍّ قَالَ: فَقُمْتُ إلى الأقاليد (5) وأخذتها وفتحت الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ فَقُلْتُ إِنَّ الْقَوْمَ سدروا (6) لي لم يخلصوا إلي حتى أفتله.
فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ قُلْتُ أَبَا رَافِعٍ.
قَالَ مَنْ هَذَا.
فأهويت نحو الصوت، فأضربه بالسيف ضربة وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ [ضَرَبَنِي] قَبْلُ بِالسَّيْفِ.
قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أثخنته ولم أقتله ثم وضعت صبيب (7) السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ حَتَّى انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ، قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فقال: أنعي أبا رافع ناصر أَهْلِ الْحِجَازِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: النَّجَاءَ.
فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 3 / 286.
(2) في 64 كتاب المغازي 16 باب قتل أبي رافع ح 4038.
(3) من البخاري، وفي الاصل: عبد الله وهو تحريف.
(4) قال ابن حجر في فتح الباري: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عتبة في اناس معهم.
(5) الاقاليد: جمع إقليد وهو المفتاح.
(6) في البخاري: نذروا لي.
(7) صبيب السيف لا معنى لها هنا والصبيب سيلان الدم من الفم.
وفي البخاري ضبة قال ابن حجر: وهو حرف حد
السيف ويجمع على ضبات.
قال أبو ذر صبة بالصاد: طرفه.
(*)(4/158)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فحدَّثته فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّمَا لَمْ أشتكها قط (1) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ البراء قال: بُعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْحِصْنَ، فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ فَخَرَجُوا بقيس يَطْلُبُونَهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ: فَغَطَّيْتُ رأسي وجلست كأني أقضي حاجة [ثم نادى صاحب الباب] (2) فقال: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ.
فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ، وتحدثوا حتى ذهب سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ، فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِيَ الْقَوْمُ، انطلقت على مهل، ثم عمدت إلى أبو اب بُيُوتِهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ، قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ: مَنْ هذا؟ فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شيئاً.
قال: ثم جئته كَأَنِّي أُغِيثُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رافع؟ وغيرت صوتي، قال: لا أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَيْهِ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا، حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ (3) فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ (4) .
تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ السِّيَاقَاتِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الكتب الستة ثمَّ قال: قَالَ الزهري: قال أبي بن كَعْبٍ: فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ أَفْلَحَتِ الوجوه قال أفلح وجهك يا رسول الله قال أفتكتموه قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: نَاوِلْنِي السَّيْفَ فَسَلَّهُ فَقَالَ أجل هذا طعامه في ذباب السيف (5) .
قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ لَمَّا سَقَطَ مِنْ تِلْكَ الدَّرَجَةِ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ وانكسرت
__________
(1) البخاري في 64 كتاب المغازي 16 باب ح 4039.
فتح الباري 7 / 274.
(2) ما بين معكوفين في الحديث من البخاري.
(3) قلبة: بفتح القاف واللام: أي علة انقلب بها قال الفراء: أصل القلاب بكسر القاف: داء يصيب البعير فيموت من يومه فقيل لكل من سلم من علة: ما به قلبة: أي ليست به علة تهلكه.
(4) البخاري 64 كتاب المغازي 16 باب ح 4040 (ج 7 / 276) .
(5) رواية ابن عقبة ذكرها ابن عبد البر في الدرر (186) باختصار.
والبيهقي في الدلائل 4 / 39.
(*)(4/159)
ساقه ووثبت رجله فَلَمَّا عَصَبَهَا اسْتَكَنَّ مَا بِهِ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ الْبَاهِرِ وَلَمَّا أَرَادَ الْمَشْيَ أُعِينَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الجهاد النافع، ثم لما وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقَرَّتْ نَفْسُهُ ثَاوَرَهُ الْوَجَعُ فِي رِجْلِهِ فَلَمَّا بَسَطَ رِجْلَهُ وَمَسَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ بَأْسٍ فِي الْمَاضِي وَلَمْ يَبْقَ بِهَا وَجَعٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالَّتِي تَقَدَّمَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ مِثْلَ سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَسَمَّى الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وإبراهيم وأبو عبيد.
مقتل خالد بن سفيان الْهُذَلِيِّ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ تِلْوَ مَقْتَلِ أَبِي رَافِعٍ (1) .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ ليغزوني وهو بعرنة (2) فائته فَاقْتُلْهُ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْعَتْهُ لِي، حَتَّى أَعْرِفَهُ.
قَالَ: إِذَا
رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي، حَتَّى وَقَعْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِعُرَنَةَ مَعَ ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا، وَحِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجل؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ.
قَالَ: أَجَلْ إِنَّا فِي ذَلِكَ قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ حَتَّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: ثُمَّ قَامَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فِي بَيْتِهِ فَأَعْطَانِي عَصًا فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَنِي أن أمسكها.
قالوا: أو لا تَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ (3) يَوْمَئِذٍ.
قَالَ فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ، حتَّى إِذَا مَاتَ أُمِرَ بِهَا فَضُمَّتْ فِي كَفَنِهِ ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا (4) .
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزبير عن بعض
__________
(1) دلائل النبوة ج 4 / 40 باب قتل ابن نبيح الهذلي.
(2) عرنة: موضع بقرب عرفة موقف الحجيج.
معجم ما استعجم 3 / 935.
(3) المتخصرون: المتكئون على المخاصر وهي العصي، واحدتها: مخصرة.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 3 / 496.
(*)(4/160)
وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ - أَوْ قَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أبيه فذكره.
وقد ذكر قصة عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِمَا مُرْسَلَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ: تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وحوله * نوائح تفري كل جيب معدد (1) تَنَاوَلْتُهُ وَالظُّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ * بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الحديد المهند عَجُومٍ لِهَامِ الدَّارِعِينَ كَأَنَّهُ * شِهَابُ غَضًى مِنْ مُلْهِبٍ مُتَوَقِّدِ أَقُولُ لَهُ وَالسَّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ * أنا ابن أنيس فارس غَيْرَ قُعْدُدِ (2) أَنَا ابْنُ الَّذِي لَمْ يُنْزِلِ الدَّهْرُ قَدْرَهُ * رَحِيبُ فَنَاءِ الدَّارِ غَيْرُ مُزَنَّدِ (3) وقلت له: خذها بضربة ماجد * خفيف عَلَى دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ وَكُنْتُ إِذَا هَمَّ النَّبِيُّ بِكَافِرٍ * سَبَقْتُ إِلَيْهِ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ قُلْتُ: عبد الله بن أنيس (4) بْنِ حَرَامٍ: أَبُو يَحْيَى الْجُهَنِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ، كَانَ فِيمَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَأَخَّرَ مَوْتُهُ بِالشَّامِ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ فرق علي بن الزبير وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَبِي عِيسَى الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي رَوَى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دعا أحد بأداوة فيها ماء فحل فَمَهَا وَشَرِبَ مِنْهَا.
كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ يَصِحُّ وَعَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
قصة عمرو بن العاص مع النجاشي
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِي رَافِعٍ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ راشد مولى حبيب بن أوس [أبي] (5) الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ [أَبِي] أَوْسٍ، حَدَّثَنِي عمرو بن العاص من فيه
__________
(1) في ابن هشام: مقدد، والحوار: ولد الناقة إذا كان صغيرا قبل أن يفصل عن أمه.
(2) القعدد: الجبان اللئيم.
(3) مزند: الضيق.
(4) قال ابن الأثير في أُسد الغابة: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ حرام بن خبيب بن مالك بن مالك بن غنم.
كان مهاجريا انصاريا عقبيا شهد بدراً وأُحداً وما بعدهما.
قيل من جهينة حليف للانصار وقيل هو من الانصار.
مات سنة أربع وسبعين.
قال ابن منده: فرق أبو حاتم بينه وبين ابن أنيس الجهني وأراهما واحدا.
(انظر أسد الغابة 3 / 119.
الاصابة 2 / 278) .
(5) من ابن هشام، في الموضعين.
(*)(4/161)
قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنِ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي، وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنِّي أَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا، وإني لقد رَأَيْتُ أَمْرًا فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ.
قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عند النجاشي.
فإنا إن نكن تَحْتَ يَدَيْهِ أحبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إِلَّا خير.
قَالُوا: إِنَّ هَذَا الرأي.
قلت: فاجمعوا لنا ما نهدي له، فكان أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ.
فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ (1) وَأَصْحَابِهِ.
قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فإذا فعلت رأيت قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ.
فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي هَلْ أهديت لي من بلادك شيئا؟ قال: قلت: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ أَدَمًا كَثِيرًا.
قَالَ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا.
قَالَ: فَغَضِبَ ثمَّ مدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَوِ انْشَقَّتِ الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فيها فرقاً.
ثم قلت: أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ.
قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ
الَّذِي كَانَ يأتي موسى فتقتله؟ قَالَ: قُلْتُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاكَ هُوَ؟ قَالَ وَيْحَكَ يَا عَمْرُو، أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي.
ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ فَقُلْتُ أَيْنَ أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الميسم (2) وإن الرجل لنبي، أذهب والله أسلم، فَحَتَّى مَتَى؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ.
قَالَ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخَّرَ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: يَا عَمْرُو بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا.
قَالَ: فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لا أتهم:
__________
(1) في الواقدي: بعثه إليه بكتاب إليه يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.
(2 / 742) .
(2) الميسم: المكواة التي تكوى بها الابل وتوسم.
وفي رواية أبي ذر في شرح السيرة، " المنسم " قال: " ومعناه تبين الطريق ووضح " (*)(4/162)
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ مَعَهُمَا، أَسْلَمَ حِينَ أَسْلَمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ: أَنْشُدُ عُثْمَانَ بن طلحة خلفنا * وَمُلْقَى نِعَالِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبَّلِ (1) وَمَا عَقَدَ الْآبَاءُ مِنْ كُلِّ حِلْفَةٍ * وَمَا خَالِدٌ مِنْ مِثْلِهَا بِمُحَلَّلِ أَمِفْتَاحَ بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِكَ تَبْتَغِي * وَمَا تَبْتَغِي مِنْ بَيْتِ مَجْدٍ مُؤَثَّلٍ فَلَا تَأْمَنَنَّ خَالِدًا بَعْدَ هَذِهِ * وَعُثْمَانَ جَاءَا بِالدُّهَيْمِ الْمُعَضَّلِ قُلْتُ: كَانَ إِسْلَامُهُمْ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ (2) ، وَذَلِكَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَكَانَ ذِكْرُ هَذَا الْفَصْلِ فِي إِسْلَامِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْسَبَ.
وَلَكِنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ
تَبَعًا لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ أَوَّلَ ذَهَابِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ كَانَ بَعْدَ وقعة الخندق الظاهر أنه ذهب بقية سنة خمس.
والله أعلم.
فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بأم حبيبة ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابن عباس فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) [الممتحنة: 7] قَالَ هُوَ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصَارَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَصَارَ مُعَاوِيَةُ خَالَ الْمُؤْمِنِينَ (3) .
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ [قال: حدثنا علي بن عيسى، قال] (4) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ (5) أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ (6) بْنِ جَحْشٍ وَكَانَ رَحَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَمَاتَ.
وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ النَّجَاشِيُّ ومهرها أربعة آلاف
__________
(1) قوله خلفنا، وفي نسخة لابن هشام: حلفنا ولعله الصواب.
(2) في رواية الواقدي: كان ذلك قبيل الفتح، وان عمراً وخالداً وعثمان بن طلحة قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان 2 / 745.
(3) دلائل النبوة ج 3 / 459.
وتفسير القرطبي 18 / 58.
قال البيهقي: ذهب علماؤنا إلى أن هذا حكم لا يتعدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهن يصرن أمهات المؤمنين في التحريم، ولا يتعدى هذا التحريم إلى اخوتهن، ولا إلى اخواتهن ولا إلى بناتهن والله أعلم.
(4) سقطت من الاصل واستدركت من دلائل البيهقي.
(5) أم حبيبة: واسمها رملة وقيل: هند، والمشهور رملة وهو الصحيح عند أهل العلم بالنسب والسير، والحديث.
ولدت قبل المبعث بسبعة عشر عاما، تزوجها عبيد اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمَرَ الاسدي، فولدت له حبيبة وبها كنيت.
أسلما، ثم هاجرا إلى الحبشة.
ارتد زوجها عن الاسلام وتنصر وفارقها، وثبتها الله على دينها.
وتوفيت سنة أربع وأربعين.
(6) من ابن سعد والواقدي.
وفي الاصل عبد الله تحريف.
(*)(4/163)
دِرْهَمٍ (1) وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وجهزها من عنده وما بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشئ.
قَالَ وَكَانَ مُهُورُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَمِائَةٍ.
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُهُورَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، وَالْوُقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ النِّصْفُ وَذَلِكَ يَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ مَاتَ بِالْحَبَشَةِ نَصْرَانِيًّا فَخَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ أَمَّا تَنَصُّرُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَذَلِكَ عَلَى أَثَرِ مَا هَاجَرَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ اسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَزَيَّنَ لَهُ دِينَ النَّصَارَى، فَصَارَ إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ، لَعَنَهُ الله، وكان يعير الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَبْصَرْنَا وَصَأْصَأْتُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ عُرْوَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَغَرِيبٌ.
لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَصُحْبَتُهُ زَوْجَتُهُ رُقَيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي وَلِيَ نِكَاحَهَا ابْنُ عَمِّهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
قُلْتُ وَكَانَ وَكِيلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ أَصْحَمَةُ النَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ كَمَا قَالَ يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: بُعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَسَاقَ عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ: مَا شَعَرْتُ وَأَنَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَّا بِرَسُولِ النَّجَاشِيِّ، جَارِيَةٍ يُقَالُ لَهَا أَبَرْهَةُ كَانَتْ تَقُومُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدُهْنِهِ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ فَأَذِنْتُ لَهَا فَقَالَتْ: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أن أَنْ أُزَوِّجَكِهِ، فَقُلْتُ بَشَّرَكِ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَقَالَتْ: يَقُولُ لَكِ الْمَلِكُ وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ.
قَالَتْ: فَأَرْسَلْتُ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين من فضة وخذمتين مِنْ فِضَّةٍ، كَانَتَا عَلَيَّ وَخَوَاتِيمَ مِنْ فِضَّةٍ، فِي كُلِّ أَصَابِعِ رِجْلَيَّ سُرُورًا بِمَا بَشَّرَتْنِي بِهِ.
فَلَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْعَشِيِّ، أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَنْ كَانَ هُنَاكَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْضُرُوا، وَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ وقال: الحمد لله الملك القدوس المؤمن الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّهُ الَّذِي بشَّر بِهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ أَنْ أُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أصدقها أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ سَكَبَ الدَّنَانِيرَ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ.
فَتَكَلَّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجْتُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ.
فَبَارَكَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) فِي ابن سعد وابن هشام والقرطبي: أربعمائة دينار (*)(4/164)
وَدَفَعَ النَّجَاشِيُّ الدَّنَانِيرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ فَقَبَضَهَا ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَقُومُوا، فَقَالَ: اجْلِسُوا فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا تَزَوَّجُوا أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامٌ عَلَى التَّزْوِيجِ.
فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا ثُمَّ تَفَرَّقُوا (1) .
قُلْتُ: فَلَعَلَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا رَأَى عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ خَارِجًا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ الْخَنْدَقِ إِنَّمَا كَانَ فِي قَضِيَّةِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ أَنَّ تَزْوِيجَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِأُمِّ سلمة كان في سنة ست وأربع.
قلت وكذا قال خليفة وأبو عبيد الله معمر بن المثنى وابن البرقي وأن تَزْوِيجَ أُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ سَنَةَ سَبْعٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هو أَشْبَهُ.
قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ تَزْوِيجُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُمِّ سَلَمَةَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَمَّا أُمُّ حَبِيبَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ وَكَوْنُهُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ أشبه لما تقدم من ذكر عمر بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ رَأَى عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَهُوَ فِي قَضِيَّتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ: عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمَّا هَاجَرَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا.
وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ إِسْلَامِ أَبِيهَا بَعْدَ الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: من طريق عكرمة بن عمار اليماني، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهُنَّ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: تُؤَمِّرُنِي عَلَى أَنْ أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَعِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا.
الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى مُسْلِمٍ، لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ (2) قَبْلَ الْفَتْحِ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَثَنَتْ عَنْهُ فِرَاشَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَرَغِبْتِ بِي عَنْهُ أَوْ بِهِ عَنِّي؟ قَالَتْ بَلْ هَذَا فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ.
فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي يَا بُنَيَّةُ شَرٌّ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَضَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ الْعَقْدَ لِمَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ انْفِسَاخَ نِكَاحِ ابْنَتِهِ بِإِسْلَامِهِ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابنته الاخرى عمرة لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّرَفِ لَهُ وَاسْتَعَانَ بِأُخْتِهَا أُمِّ حَبِيبَةَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وإنما وهم الراوي في تسميته أم حبيبة وقد أوردنا لذلك خبراً مُفْرَدًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ تُوُفِّيَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ معاوية لسنة وَكَانَتْ وَفَاةُ مُعَاوِيَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ.
__________
(1) الخبر في دلائل البيهقي ج 3 / 462.
(2) يريد عقد هدنة الحديبية وليس عقد النكاح، والخبر في ابن سعد عن الزهري 8 / 99.
وروى ابن سعد معارضا تزويجها بعد الفتح: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بابنته قال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه.
(*)(4/165)
تزويجه بزينب بنت جحش ابن رِئَابِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ صَبِرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْأَسَدِيَّةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ بِنْتُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَكَانَتِ قَبْلَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تزوَّجها عَلَيْهِ السَّلَامُ سَنَةَ خَمْسٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ مَنْدَهْ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُوَ الَّذِي سَلَكَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ التاريخ وقد ذكره غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ التَّارِيخِ فِي سَبَبِ تَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِيثًا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ تَرَكْنَا إيراده قصداً لئلا يضعه مَنْ لَا يَفْهَمُ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (وإذا تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لكيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرج في زواج أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا منها وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مفعولا) [الاحزاب: 37] .
(مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الْأَحْزَابِ: 38] .
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَالْمُرَادُ بِالَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعتق وزوجه بابنة عمه زينب بنت جحش.
قال مقاتل بن حبان: وَكَانَ صَدَاقُهُ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وخماراً وملحفة ودرعاً وخمسين مداً وَعَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ تَمْرٍ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَهَا، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فجاء زوجها يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.
قَالَ اللَّهُ (وَتُخْفِي نفسك ما الله مبديه) قال علي بن الحسين زيد العابدين والسدي: كان [رسول] الله قد علم أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلف هَاهُنَا بِآثَارٍ غَرِيبَةٍ وَبَعْضُهَا فِيهِ نظر تركناها.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) ، ذلك أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زوجكن أهليكن وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ (1) .
وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: أَنْكَحَنِيَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ.
وَفِيهَا أُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غير ناظرين
__________
(1) أخرجه البخاريّ عن أحمد (ابن سيار المروزي) عن محمد بن أبي بكر في كتاب التوحيد باب وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء
فتح الباري 13 / 402.
(*)(4/166)
إناه) (1) الآية.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُو زَيْنَبَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: زوجكن أهليكن وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ (2) ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَهْلَكَ فَنَزَلَتْ (وَتُخْفِي فِي نفسك ما الله مبديه) ثم قال [أخرجه] الْبُخَارِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ يعلى بن منصور عن محمد مُخْتَصَرًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حدَّثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَدِلُّ عَلَيْكَ بِثَلَاثٍ مَا مِنْ نِسَائِكَ امْرَأَةٌ تَدِلُّ بِهِنَّ: أَنَّ جَدِّي وَجَدَّكَ وَاحِدٌ تَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ أَبُو أَبِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَبُو أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَنِّي أَنْكَحَنِيكَ اللَّهُ عزوجل مِنَ السَّمَاءِ وَأَنَّ السَّفِيرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ - يَعْنِي ابْنَ القاسم - حدثنا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر (3) فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبَيَّ.
وَقُلْتُ يَا زَيْنَبُ أَبْشِرِي أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذكرك قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ ربي عزوجل، ثُمَّ قَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذَنٍ قَالَ أَنَسٌ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا عَلَيْهَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ، فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّعَامِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعْتُهُ فَجَعَلَ يَتَّبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته والقوم قَدْ خَرَجُوا أَوْ أُخْبِرَ.
قَالَ فَانْطَلَقَ
حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَنَزَلَ الْحِجَابُ وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أن يؤذن لكم) الآية، وكذا رواه مسلم والنسائي من طريق سليمان بن المغيرة.
نزول الحجاب صبيحة عرس زينب فَنَاسَبَ نُزُولُ الْحِجَابِ فِي هَذَا الْعُرْسِ صِيَانَةً لها، ولأخواتها من أمهات المؤمنين، وذلك
__________
(1) سورة الاحزاب الآية 53.
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد فتح الباري 13 / 403.
عن خلاد بن يحيى عن عيسى.
(2) دلائل النبوة ج 3 / 465.
(3) العبارة في ابن سعد عن أنس: حين عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ذكرها.
(*)(4/167)
وَفْقَ الرَّأْيِ الْعُمَرِيِّ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرقاش، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا وجلسوا يَتَحَدَّثُونَ فَإِذَا هُوَ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ، قَامَ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَجَاءَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) الْآيَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُعْتَمِرٍ.
ثمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عن أبي قلابة عن أنس نحوه.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بُني عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعيا فيجئ قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجئ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أجد أحداً أدعوه.
قال: ارفعوا طَعَامَكُمْ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ورحمة الله وبركاته كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ؟ فتقرَّى حجر نسائه كلهن ويقول لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَإِذَا رَهْطٌ ثَلَاثَةٌ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ وَكَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَمَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَمْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أسكفة الباب وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ أَيْضًا: عَنْ إسحاق هو ابن نصر، عن عبد الله بن بكير السهمي، عن حميد بن أَنَسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ " رَجُلَانِ " بَدَلَ ثَلَاثَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَعْرَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ نِسَائِهِ، فصنعت أم سليم حيساً ثم حطته في ثور فقالت: اذهب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّ هَذَا مِنَّا لَهُ قَلِيلٌ قَالَ أَنَسٌ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ فِي جَهْدٍ فَجِئْتُ بِهِ فقلت يا رسول بَعَثَتْ بِهَذَا أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَيْكَ وَهِيَ تُقْرِئُكَ السلام وتقول: أَنَّ هَذَا مِنَّا لَهُ قَلِيلٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثم قال ضعه فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا فَسَمَّى رِجَالًا كَثِيرًا قَالَ: وَمَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَعَوْتُ مَنْ قَالَ لِي وَمَنْ لَقِيتُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجِئْتُ وَالْبَيْتُ والصفة والحجرة ملاء مِنَ النَّاسِ.
فَقُلْتُ يَا أَبَا عُثْمَانَ كَمْ كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة.
قَالَ أَنَسٌ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جئ فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَدَعَا وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَيُسَمُّوا وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ فَجَعَلُوا يُسَمُّونَ وَيَأْكُلُونَ حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارفعه قال: فجئت فأخذت الثور فنظرت فيه فلا أدري(4/168)
أَهُوَ حِينَ وَضَعْتُهُ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُهُ؟ قَالَ: وَتَخَلَّفَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَعَهُمْ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ فَأَطَالُوا الْحَدِيثَ، فَشَقُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً وَلَوْ عَلِمُوا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَزِيزًا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَلَّمَ عَلَى حُجَرِهِ وَعَلَى نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقَّلُوا عَلَيْهِ ابْتَدَرُوا الْبَابَ، فَخَرَجُوا وَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ يَسِيرًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولِ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بعد أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا.
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كان بكل شئ عليما) [الْأَحْزَابِ: 53 - 54] قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأَهُنَّ عليَّ قَبْلَ النَّاسِ، وَأَنَا أُحَدَّثُ النَّاسِ بِهِنَّ عَهْدًا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبَى عُثْمَانَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي من طرق: عن أَبِي بِشْرٍ الْأَحْمَسِيِّ الْكُوفِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سعيد، ومن حديث الزهري عن أنس نحو ذَلِكَ.
قُلْتُ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَكَانَ اسْمُهَا أَوَّلًا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم زَيْنَبَ وَكَانَتْ تُكَنَّى بِأُمِّ الْحَكَمِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَعْظَمَ أَمَانَةً وَصَدَقَةً.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ نِسَاءِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، حدثنا طلحة بن يحيى عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بي أطولكن يداً
قال: فكنا نتطاول أينا أطول يدا، فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّقُ.
انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالتَّوَارِيخِ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ صُنِعَ لَهَا النعش.
(*)(4/169)
سنة ست من الهجرة
قال البيهقي (1) : كان يقال في المحرم منها، سَرِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قِبَلَ نَجْدٍ وَأَسَرُوا فِيهَا ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْيَمَامِيَّ قُلْتُ: لَكِنْ فِي سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ شَهِدَ ذَلِكَ وَهُوَ إنما هاجر بعد خيبر فيؤخر إِلَى مَا بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (2) .
وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي كَانَ فِي أَوَائِلِهَا غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ يَعْنِي فِي سَنَةِ خَمْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ذا الحجة والمحرم وصفراً وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رأس ستة أشهر من فتح بنى قُرَيْظَةَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّامَ لِيُصِيبَ مِنَ الْقَوْمِ غِرَّةً.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى مَنَازِلِهِمْ هَرَبُوا من بين يديه فتحصنوا في رؤوس الْجِبَالِ فَمَالَ إِلَى عُسْفَانَ فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَصَلَّى بِهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَهُنَالِكَ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَشْبَهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى بِعُسْفَانَ يَوْمَ بَنِي لِحْيَانَ فَلْتُكْتَبْ هَاهُنَا وَتُحَوَّلْ مِنْ هُنَاكَ اتِّبَاعًا لِإِمَامِ أَصْحَابِ الْمَغَازِي فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ أَرَادَ الْمَغَازِيَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَدْ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ: لَوَ انَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا * لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السرب روعه * أما طَحُونٍ كالمجرَّة فَيْلَقِ (3)
وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وِبَارًا تَتَبَّعَتْ * شعاب حجازٍ غَيْرِ ذِي مُتَنَفَّقِ (4)
غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ (5)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إِلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ (6) ، حَتَّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ (7) ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
(1) دلائل النبوة ج 4 / 78 باب سرية نجد: يقال أنها كانت في المحرم سنة ست.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 278.
قال البيهقي: رواية ابن إسحاق تدل على شهود أبي هريرة ذلك، وأبو هريرة إنَّما قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بخيبر فيشبه أن يكون قصة ثمامة فيما بين خيبر وفتح مكة.
(3) سرعان: أول القوم.
السرب: بفتح السين: الطريق.
وبكسرها: النفس.
(4) الوبار: جمع وبر، وهي دويبة على قدر الهرة.
يشبه بها الضعيف.
غير ذي متنفق: أي ليس له باب يخرج منه.
(5) الواقدي وابن سعد: يسميانها غزوة الغابة.
وذي قرد: بفتح القاف وضمها: ماء على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم منها.
(6) في ابن سعد: في ربيع الأول سنة ست.
وفي الواقدي: ربيع الآخر.
(7) وقيل عبد الرحمن بن عيينه.
قال الحافظ يحتمل أن تكون إغارة ابن عيينة حصلت مرتين، الاولى التي ذكرها ابن = (*)(4/170)
بِالْغَابَةِ وَفِيهَا رَجُلٌ (1) مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَاحْتَمَلُوا الْمَرْأَةَ فِي اللِّقَاحِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ - كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ بَعْضَ الْحَدِيثِ - أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ نَذِرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بن الأكوع الأسلمي، غداً يريد الغابة متوحشا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ، وَمَعَهُ غُلَامٌ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ، حَتَّى إِذَا عَلَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ خُيُولِهِمْ، فَأَشْرَفَ فِي نَاحِيَةِ سَلْعٍ ثُمَّ صَرَخَ: وَاصَبَاحَاهُ! ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ وَكَانَ مِثْلَ السَّبُعِ، حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُمْ بالنبل ويقول: خُذْهَا وَانَا ابْنُ الْأَكْوَعْ * الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ (2)
فَإِذَا وُجِّهَتِ الْخَيْلُ نَحْوَهُ انْطَلَقَ هَارِبًا ثُمَّ عَارَضَهُمْ فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ رَمَى، ثمَّ قَالَ: خُذْهَا وَانَا ابْنُ الْأَكْوَعْ * الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ قال فيقول قائلهم: أو يكعنا هُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ.
قَالَ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَاحُ ابْنِ الْأَكْوَعِ، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: الْفَزَعَ الْفَزَعَ.
فَتَرَامَتِ الْخُيُولُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ الْفُرْسَانِ: الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ثُمَّ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ - يُشَكُّ فِيهِ - وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَأَبُو عَيَّاشٍ عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ صَامِتٍ، أَخُو بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّر عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، حَتَّى أَلْحَقَكَ فِي النَّاس، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِأَبِي عَيَّاشٍ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: يَا أَبَا عَيَّاشٍ لَوْ أَعْطَيْتَ هَذَا الْفَرَسَ رَجُلًا هُوَ أَفْرَسُ مِنْكَ فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ قَالَ أَبُو عَيَّاشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ، ثُمَّ ضَرَبْتُ الْفَرَسَ فَوَاللَّهِ مَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتَّى طَرَحَنِي فَعَجِبْتُ من ذلك، فزعم رجال من زُرَيْقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيَّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ أَوْ عَائِذَ بْنَ مَاعِصٍ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَكَانَ ثَامِنًا قَالَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ ثَامِنًا وَيَطْرَحُ أُسَيْدَ بن ظهير.
__________
= اسحاق قبل الحديبية والثانية بعد الحديبية قبل خيبر كما ساقها البيهقي متتبعا أثر البخاري، وكان على رأس الثانية عبد الرحمن بن عيينة كما عند مسلم، وهو ما رواه الإمام أحمد عن ابن الاكوع قال في آخرها بعد ذكر قصة ذي قرد: فرجعنا إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر.
(1) الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام فيه أموال لاهل المدينة.
والرجل الغفاري هو ابن أبي ذر وامرأته: ليلى (طبقات ابن سعد) .
(2) الرضع: اللئيم.
والمعنى: اليوم يوم هلاك اللئام.
(3) في رواية للواقدي: ربيعة بن أكثم بدل عباد بن بشر.
ولم يذكر أسيد بن حضير.
وفي رواية له عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الانصار: ذكر فيهم عباد بن بشر وأسيد.
ولم يذكر معاذ وربيعة.
(*)(4/171)
فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
قَالَ: وَلَمْ يكن سلمة بن الأكوع يومئذ فارساً قد كَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ.
قَالَ: فَخَرَجَ الْفُرْسَانُ حَتَّى تَلَاحَقُوا فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ أَوَّلَ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْأَخْرَمُ، وَيُقَالُ لَهُ قُمَيْرٌ (1) وَكَانَتِ الْفَرَسُ الَّتِي تَحْتَهُ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ يُقَالُ لِلْفَرَسِ ذُو اللِّمَّةِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْعَدُوِّ قَالَ لَهُمْ: قِفُوا مَعْشَرَ بَنِي اللَّكِيعَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَدْبَارِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ: فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ (2) مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ، وَجَالَ الْفَرَسُ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَرِيَّةٍ (3) مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَيْ رَجَعَ إِلَى مِرْبَطِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَلَمْ يُقْتَلْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أنَّه قَدْ قُتِلَ مَعَهُ أَيْضًا وَقَّاصُ بْنُ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ مُحْرِزًا كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُقَالُ لَهَا الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ محرز واستلب جناح فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ وَلَمَّا تَلَاحَقَتِ الْخَيْلُ قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ حَبِيبَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَغَشَّاهُ بُرْدَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّاسِ.
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (4) .
فَإِذَا حَبِيبٌ مُسَجًّى بِبُرْدِ أَبِي قَتَادَةَ، فَاسْتَرْجَعَ النَّاسُ وَقَالُوا: قُتِلَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَلَكِنَّهُ قَتِيلٌ لِأَبِي قَتَادَةَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَهُ لِتَعْرِفُوا أَنَّهُ صَاحِبُهُ.
قَالَ: وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَوْبَارًا (5) وَابْنَهُ عَمْرَو بْنَ أَوْبَارٍ وَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، فَانْتَظَمَهُمَا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا جَمِيعًا، وَاسْتَنْقَذُوا بَعْضَ اللِّقَاحِ، قَالَ: وَسَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، وَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً.
وَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَرَّحْتَنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ لَاسْتَنْقَذْتُ بَقِيَّةَ السَّرْحِ، وَأَخَذْتُ بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: إِنَّهُمُ الْآنَ لَيُغْبَقُونَ فِي غَطَفَانَ.
فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي كُلِّ مِائَةِ (6) رجل جزورا، وقاموا عليها ثُمَّ رَجَعَ قَافِلًا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
قَالَ: وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فلمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ
نَذَرْتُ اللَّهَ أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا، قَالَ: فتبسَّم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال " بئسما جزيتيها أَنْ حَمَلَكِ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا، إِنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي فَارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ عَنِ أبي الزبير
__________
(1) في الاستيعاب: فهيرة.
(2) في الواقدي: قتله مسعدة بن حكمة ويقال: أوثار.
(3) الآري: الحبل الذي تسد (تشد) به الدابة، وقد يسمى موضع وقوفها أيضا آريا.
(4) وجعل سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة (ابن سعد - الواقدي) .
(5) في الواقدي: أوثار.
وفي الطبقات: أثار.
(6) قال الواقدي وابن سعد: كانوا خمسمائة.
(*)(4/172)
الْمَكِّيِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
هَكَذَا أَوْرَدَ ابْنُ إسحاق هذه القصة بما ذكر مِنَ الْإِسْنَادِ وَالسِّيَاقِ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَبْلَ خَيْبَرَ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلَاثٍ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى (1) وَكَانَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ غَطَفَانُ قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صرخات: واصباحاه قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ.
وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً.
قَالَ: وَجَاءَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم والناس فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ (2) وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ.
فَقَالَ " يَا بن الأكوع، ملكت فأسجح " ثم رجعنا وردفني رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عاصم السهلي عن يزيد بن أبي عبيدة عَنْ مَوْلَاهُ سَلَمَةَ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عمَّار، حدَّثني إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله أُرِيدُ أَنْ أُنَدِّيَهُ (4) مَعَ الْإِبِلِ فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إبل رسول الله فَقَتَلَ رَاعِيَهَا، وَخَرَجَ يَطْرُدُهَا هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ يَا رَبَاحُ اقْعُدْ عَلَى هذا الفرس فألحقه بطلحة وأخبر رسول صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ.
قَالَ: وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ! قَالَ: ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رميت فلا يقبل إلي فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَنَا أَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ * وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ قَالَ: فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ حَتَّى انْتَظَمَ كَتِفَهُ، فَقُلْتُ: خُذْهَا وَانَا ابْنُ الْأَكْوَعْ * وَالْيَوْمُ يوم الرضع
__________
(1) يعني صلاة الصبح، ويؤيده قوله في رواية مسلم: انه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس.
(2) أي منعتهم من الشرب.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 37 باب غزوة ذي قرد ح 4194 ورواه في كتاب الجهاد 166 باب فتح الباري 6 / 164.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد 45 باب (ح 131) .
(4) أنديه: أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء ثم ترد إلى المرعى.
(*)(4/173)
فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرِ أَحْرَقْتُهُمْ بِالنَّبْلِ، فَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَدَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَاكَ شَأْنِي وَشَأْنَهُمْ أَتْبَعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي (1) فَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ.
ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ
مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عليه حجارة وجمعته عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضُّحَى أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ مَدَدًا لَهُمْ، وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَأَنَا فَوْقَهُمْ.
فَقَالَ عُيَيْنَةُ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ مَا فَارَقَنَا بِسَحَرٍ حتى الآن وأخذ كل شئ بأيدينا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ.
فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ، ليقم إليه نفر منكم.
فقام إلي (2) نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ، فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ قُلْتُ أَتَعْرِفُونَنِي؟ قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي.
فَقَالَ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنْ أَظُنُّ.
قَالَ فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخللون الشَّجَرَ وَإِذَا أَوَّلُهُمِ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ، وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أثره الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، فولَّى الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ وأنزل من الجبل [فأعرض للأخرم] (3) فأخذ عنان فرسه، فقلت: يا أخرم ائذن القوم - يعني احذرهم - فإني لا آمن من أَنْ يَقْتَطِعُوكَ فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ.
قَالَ: فَخَلَّيْتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، فَيَلْحَقُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، فَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ.
ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ، حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم شَيْئًا وَيُعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فيه ماء، يقال له ذوقرد، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فعطفوا عنه وأسندوا فِي الثَّنِيِّةِ ثَنِيَّةِ ذِي بِئْرٍ (4) وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ فَقُلْتُ: خُذْهَا وَانَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ.
قَالَ: فَقَالَ: يَا ثُكْلَ أُمِّ أَكْوَعَ بُكْرَةَ (5) .
فَقُلْتُ نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ.
وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بُكْرَةَ وَأَتْبَعْتُهُ سَهْمًا آخَرَ فَعَلِقَ بِهِ سَهْمَانِ وَيَخْلُفُونَ فَرَسَيْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ ذُو قَرَدٍ، وَإِذَا بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَإِذَا بلال قد
__________
(1) يريد أنه استخلص منهم البعير الذين أخذوهم وأصبحت بحوزته وحال بينهم وبينها.
(2) من رواية الإمام أحمد في البيهقي، وفي الاصل: إليه تحريف.
(3) من دلائل البيهقي: 4 / 184.
(4) في البيهقي: ذي شر.
(5) أي أنت الاكوع الذي كنت بكرة هذا اليوم؟ (*)(4/174)
نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِي، فَأَنْتَخِبُ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةً فَآخُذُ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْعَشْوَةِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ.
فَقَالَ: أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ.
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ الْآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ.
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ: مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هِرَابًا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ فُرْسَانِنَا [الْيَوْمَ] (1) أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ جَمِيعًا، ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَرِيبٌ مِنْ ضَحْوَةٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ جَعَلَ يُنَادِي: هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ، أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْدِفِي فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلْأُسَابِقِ؟ الرَّجُلَ.
قَالَ: إِنْ شِئْتَ.
قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ فَطَفَرَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ، ثُمَّ إِنِّي رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ مِنْ نَفَسِي، ثُمَّ إِنِّي عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي قُلْتُ سَبَقْتُكَ وَاللَّهِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ فَضَحِكَ وَقَالَ: إنَّ أَظُنُّ.
حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ (2) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِنَحْوِهِ وعنده فسبقته إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ.
وَلِأَحْمَدَ هَذَا السِّيَاقُ.
ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ والْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَبْلَ خَيْبَرَ.
وَهُوَ
أَشْبَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا إِلَى أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ فِي صَفَرٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا قصَّة الْمَرْأَةِ الَّتِي نَجَتْ عَلَى نَاقَةِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَذَرَتْ نَحْرَهَا لِنَجَاتِهَا عَلَيْهَا فَقَدْ أَوْرَدَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا.
وَقَدْ جَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، [فَأُسِرَ الرَّجُلُ] (3) فَأُخِذَتِ الْعَضْبَاءُ مَعَهُ، قَالَ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ فِي وَثَاقٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ تَأْخُذُونِي وَتَأْخُذُونَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ (4) ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ، قَالَ: وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رجلين من
__________
(1) من البيهقي.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 4 / 185، ومسلم في 32 كتاب الجهاد 45 باب غزوة ذي قرد (ح 132) .
(3) سقطت من الاصل واستدركت من رواية البيهقي.
(4) سابقة الحاج: أراد بها العضباء، فإنها كانت لا تسبق.
(*)(4/175)
أَصْحَابِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ: فيما قال [إني] (1) مُسْلِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قتلتها وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ (2) أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ، قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَإِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ، ثُمَّ فُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ، وَحَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ لِرَحْلِهِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَذَهَبُوا بِهِ وَكَانَتِ الْعَضْبَاءُ فيه وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَكَانُوا إِذَا نزلوا أراحوا إبله بِأَفْنِيَتِهِمْ قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا نَوَّمُوا فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ عَلَى بَعِيرٍ رَغَا حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ فَرَكِبَتْهَا، ثُمَّ وَجَّهَتْهَا قِبَلَ الْمَدِينَةِ قَالَ: وَنَذَرَتْ إِنِ اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ عُرِفَتِ النَّاقَةُ فَقِيلَ نَاقَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَذْرِهَا أَوْ أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ بِئْسَ
ما جزيتيها أَوْ بِئْسَ مَا جَزَتْهَا أَنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْلَا الَّذِي لَاقَتْ وَمَسَّ نُسُورَهَا * بِجَنُوبِ سَايَةَ أَمْسِ فِي التقواد (3) للقبنكم يَحْمِلْنَ كُلَّ مُدَجَّجٍ * حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاجِدِ الْأَجْدَادِ وَلَسَرَّ أَوْلَادَ اللَّقِيطَةِ أَنَّنَا * سِلْمٌ غَدَاةَ فَوَارِسِ الْمِقْدَادِ كُنَّا ثَمَانِيَةً وَكَانُوا جَحْفَلًا * لَجِبًا فَشُكُّوا بِالرِّمَاحِ بَدَادِ كُنَّا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ * وَيُقَدِّمُونَ عِنَانَ كُلِّ جَوَادِ كَلَّا وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنًى * يَقْطَعْنَ عُرْضَ مَخَارِمِ الْأَطْوَادِ (4) حَتَّى نُبِيلَ الْخَيْلَ فِي عَرَصَاتِكُمْ * وَنَئُوبَ بِالْمَلَكَاتِ وَالْأَوْلَادِ رَهْوًا بِكُلِّ مُقَلَّصٍ وطمرةٍ * فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ عَطَفْنَ وَوَادِ أَفْنَى دَوَابِرَهَا وَلَاحَ مُتُونَهَا * يَوْمٌ تُقَادُ بِهِ وَيَوْمُ طِرَادِ فَكَذَاكَ إِنَّ جِيَادَنَا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد
__________
(1) من البيهقي.
(2) معناه: لو كنت قد أسلمت قبل الاسر، حيث كنت مالك أمرك، لكنت فزت بالاسلام من الاسر، لأنه لا يجوز أسر مسلم.
(3) روى الحديث البيهقي في الدلائل 4 / 188 ومسلم في 26 كتاب النذور 3 باب الحديث 8.
(4) لاقت: يريد الخيل، وأضمر ذكرها.
النسور: ما يكون في باطن حافر الدابة.
ساية: موضع.
(5) الراقصات: الابل.
المخارم: الطرق بين الجبال.
(*)(4/176)
وَسُيُوفُنَا بِيضُ الْحَدَائِدِ تَجْتَلِي * جُنَنَ الْحَدِيدِ وَهَامَةَ الْمُرْتَادِ (1) أَخَذَ الْإِلَهُ عَلَيْهِمُ لِحَرَامِهِ * وَلِعِزَّةِ الرَّحْمَنِ بِالْأَسْدَادِ كَانُوا بِدَارٍ نَاعِمِينَ فَبُدِّلُوا * أَيَّامَ ذِي قَرَدٍ وُجُوهَ عِنَادِ (2) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَغَضِبَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَمِيرُ سَرِيَّةِ الْفَوَارِسِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَسَّانَ وَحَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَبَدًا وَقَالَ: انْطَلَقَ إِلَى خَيْلِي وَفَوَارِسِي فَجَعَلَهَا لِلْمِقْدَادِ.
فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ حَسَّانُ بِأَنَّهُ وَافَقَ الرَّوِيُّ اسْمَ الْمِقْدَادِ، ثُمَّ قَالَ أَبْيَاتًا يَمْدَحُ بِهَا سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْأَشَدَّ الْجَلْدَا * أَوْ ذَا غَنَاءٍ فَعَلَيْكُمْ سَعْدَا سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ لَا يُهَدُّ هَدَّا قَالَ فَلَمْ تَقَعْ مِنْهُ بِمَوْقِعٍ.
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ: أَظَنَّ عُيَيْنَةُ إِذْ زَارَهَا * بِأَنْ سَوْفَ يَهْدِمُ فِيهَا قُصُورَا فَأُكْذِبْتَ مَا كُنْتَ صَدَّقْتَهُ * وَقُلْتُمْ سَنَغْنَمُ أَمْرًا كَبِيرَا فَعِفْتَ الْمَدِينَةَ إِذْ زُرْتَهَا * وَآنَسْتَ لِلْأُسْدِ فِيهَا زَئِيرَا وَوَلَّوْا سِرَاعًا كَشَدِّ النَّعَامِ * وَلَمْ يَكْشِفُوا عَنْ مُلِطٍّ حَصِيرَا (3) أَمِيرٌ عَلَيْنَا رَسُولُ الْمَلِيكِ * أَحْبِبْ بِذَاكَ إِلَيْنَا أميرا رسول يصدق مَا جَاءَهُ * وَيَتْلُو كِتَابًا مُضِيئًا مُنِيرَا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ يَمْدَحُ الْفُرْسَانَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَيَحْسَبُ أَوْلَادُ اللَّقِيطَةِ أَنَّنَا * عَلَى الْخَيْلِ لَسْنَا مِثْلَهُمْ فِي الْفَوَارِسِ وَإِنَّا أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً * وَلَا نَنْثَنِي عِنْدَ الرِّمَاحِ الْمَدَاعِسِ وَإِنَّا لَنَقْرِي الضيف من قمع الذرى * ونضرب رأس الأبلج المتشاوس (4) نرد كماة المعلمين إذا انتحوا * بِضَرْبٍ يُسَلِّي نَخْوَةَ الْمُتَقَاعِسِ بِكُلِّ فَتًى حَامِي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان العضاة مخالس يذودون عن أحسابهم وبلادهم * بِبِيضٍ تَقُدُّ الْهَامَ تَحْتَ الْقَوَانِسِ
فَسَائِلْ بَنِي بَدْرٍ إِذَا مَا لَقِيتَهُمْ * بِمَا فَعَلَ الْإِخْوَانُ يَوْمَ التَّمَارُسِ إِذَا مَا خَرَجْتُمْ فَاصْدُقُوا مَنْ لَقِيتُمُ * وَلَا تَكْتُمُوا أَخْبَارَكُمْ فِي الْمَجَالِسِ وَقُولُوا زَلَلْنَا عَنْ مَخَالِبِ خَادِرٍ * بِهِ وَحَرٌ فِي الصدر ما لم يمارس
__________
(1) جنن: جمع جنة وهي السلاح.
(2) في ابن هشام: عباد.
(3) الملط: الناقة، من قولهم لطت الناقة وألطت بذنبها: إذا ادخلته بين رجليها.
(4) القمع: جمع قمعة وهي أعلى سنام البعير.
والابلج: في ابن هشام الابلخ يعني: المتكبر.
(*)(4/177)
غزوة بني المصطلق من خزاعة قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بن إسحاق: وذلك سَنَةِ سِتٍّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ هَكَذَا رواه الْبُخَارِيُّ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كانت في سنة أربع.
والذي حكاه عَنْهُ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَتْ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ بَعْدَمَا أَوْرَدَ قِصَّةَ ذِي قَرَدٍ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضَ جُمَادَى الآخرة ورجب، ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَيُقَالُ نُمَيْلَةُ بن عبد الله الليثي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قتادة، وعبد الله بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَالُوا: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم إنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، الَّتِي تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا، فلمَّا سَمِعَ بِهِمْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ، مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَمَ النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، ونقل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَفَاءَهُمْ عَلَيْهِ (3) .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلَيْلَتَيْنِ مضتا مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي مُدْلِجٍ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ دَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَيُقَالُ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، ثُمَّ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تَمْنَعُوا بِهَا أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَأَبَوْا فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين فحملوا
__________
(1) المريسيع: ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، مأخوذ من قولهم: رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد.
(2) اختلف في زمن غزوة المريسيع، قال البخاري عن ابن عقبة: كانت سنة أربع، وما أخرجه عنه الحاكم والبيهقي في الدلائل وغيرهما: سنة خمس وهذا ما أيده قتادة وعروة كما روى عنهما البيهقيّ.
وقال ابن إسحاق والطبري: في شعبان سنة ست.
وعقب الزرقاني على هذا الخلاف في شرح المواهب، قال: " وقال الحاكم في الاكليل: قول عروة وغيره انها كانت سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق، قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الافك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الافك، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الافك منها، لكان ما وقع في الصحيح من سعد بن معاذ غلطا، لانه مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح، وإن كانت سنة أربع، فهو أشد غلطا.
فظهر أن غزوة المريسيع كانت في سنة خمس في شعبان قبل الخندق، لأنَّها كانت في شوال سنة خمس، فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمي بها بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته بعد تحكيمه في بني قريظة، (3) الخبر في ابن هشام: 3 / 302.
(*)(4/178)
حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رجلٌ واحدٌ (1) .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَقَالَ: قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي المصطلق، وهم غارون في أنعامهم تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى سَبْيَهُمْ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ - أَحْسَبُهُ قَالَ - جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ.
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَكَانَ بذلك الْجَيْشِ (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنَ الْعَدُوِّ فَقَتَلَهُ خَطَأً.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ أَخَاهُ مِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ، فَطَلَبَ دِيَةَ أَخِيهِ هِشَامٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قُتِلَ خَطَأً فَأَعْطَاهُ دِيَتَهُ ثُمَّ مَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ وَرَجَعَ مُرْتَدًّا إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ فِي ذَلِكَ: شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا * يضرج ثوبيه دماء الأخادع (3) وكانت هموم النفس مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ * تُلِمُّ فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي * وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ ثَأَرْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ * سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ (4) قُلْتُ: وَلِهَذَا كَانَ مِقْيَسٌ هَذَا مِنَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ دِمَاءَهُمْ وَإِنْ وُجِدُوا مُعَلَّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَيْنَا النَّاس (5) عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، وَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ، وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهُ وَسِنَانُ بْنُ وَبَرٍ (6) الْجُهَنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ جَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمْ: زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، غُلَامٌ حَدَثٌ، فَقَالَ: أو قد فَعَلُوهَا؟ قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللَّهِ مَا أَعُدُّنَا وَجَلَابِيبَ قُرَيْشٍ هَذِهِ إِلَّا كَمَا قال الأول " سمن كلبك
__________
(1) مغازي الواقدي: 1 / 407 وفيه: يقال للرجل هاشم بن ضبابة وقتله رجل يقال له أوس، لانه ظن أنه من المشركين فحمل عليه فقتله.
فعلم بعد أنه مسلم.
وفي ابن هشام وكتب السيرة: ابن صبابة.
(2) أخرجه البخاري في 49 كتاب العتق 13 باب ح 2541.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد (1) باب الحديث (1) .
وأخرجه أبو داود في الجهاد عن سعيد بن منصور.
(3) الاخادع: عروق في القفا، وإنما هما اخدعان، فجمعهما مع ما يليهما (شرح أبي ذر ص 334) (4) فارع: أطم كان في موضع دار جعفر بن يحيى بباب الرحمة (وفاء الوفا 2 / 354) .
(5) في ابن هشام: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(6) قَالَ السهيلي: " وقال غيره: سنان بن تميم، من جهينة بن سود بن أسلم، حليف الانصار " وفي دلائل البيهقي: سنان بن زيد.
(*)(4/179)
يَأْكُلْكَ " أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إِلَى غَيْرِ دَارِكِمْ.
فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَمَشَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ! لَا وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ.
وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَحِلُ فِيهَا، فَارْتَحَلَ النَّاسُ.
وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ بَلَّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ: مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهِ وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرَّجُلُ حَدَبًا عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَدَفْعًا عَنْهُ.
فَلَمَّا اسْتَقَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِي مِثْلِهَا.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ ما بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: أَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ.
قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أنَّه إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَأَنْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْرِجُهُ إِنْ شِئْتَ هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْفُقْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِكَ، وَإِنَّ قَوْمَهُ لِيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا.
ثُمَّ مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل النَّاس، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا.
وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ، مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.
ثُمَّ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النَّقِيعِ، يُقَالُ لَهُ بَقْعَاءُ.
فَلَمَّا رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَّتْ عَلَى النَّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَآذَتْهُمْ وَتَخَوَّفُوهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَوَّفُوهَا فَإِنَّمَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ.
فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانَ عَظِيمًا مِنْ عظماء اليهود وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ (1) وَهَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيُّ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَ هَذِهِ القصَّة، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الَّذِي مَاتَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: قَالَ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ والنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَنَزَلَتِ السُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ فِي ابْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُذن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَالَ هَذَا الَّذِي أَوْفَى لِلَّهِ بِأُذُنِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِهَا بِتَمَامِهَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَسَرَدْنَا طُرُقَ هَذَا
__________
(1) الخبر في السيرة 3 / 303 - 304 مغازي الواقدي 2 / 424 والدرر لابن عبد البر 189 والبيهقي عنهما في الدلائل 4 / 56، 59، 60.
وعند ابن عقبة: أن الريح هبت لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنعاء من طريق عمان.
(*)(4/180)
الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ أَوْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتُبَهُ هَاهُنَا فَلْيَطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبي بْنِ سَلُولٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِيمَا بَلَغَكَ عنه، فإن كنت فاعلا فمر لي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ بِهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يمشي في الناس فأقتله فأقتل [رجلاً] (1) مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ، فَأَدْخُلَ النَّارَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ نَتَرَفَّقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا.
وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنِّفُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ: كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ قلت لي، لَأَرْعَدَتْ
لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي.
وَقَدْ ذَكَرَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَفَ لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، عِنْدَ مَضِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: قِفْ فَوَاللَّهِ لَا تَدْخُلْهَا حَتَّى يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي ذَلِكَ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَرْسَلَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ نَاسٌ (2) وَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مَالِكًا وَابْنَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ: يَا منصور أمت أمت.
قال ابن إسحق: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا فَقَسَمَهُمْ فِي الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حبَّان، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سبي العرب فاشتهينا النساء وأشدت عَلَيْنَا الْعُزُوبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا كائنة.
وهكذا رواه (3) .
قال ابن إسحاق: وان فيمن أصيب يومئذ من السبابا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ.
فَحَدَّثَنِي محمد بن جعفر بن الزبير، عن
__________
(1) من ابن هشام.
(2) في ابن سعد والواقدي: قتل منهم عشرة.
وأسر سائرهم.
(3) أخرجه البخاري في 34 كتاب البيوع (109) باب فتح الباري 4 / 420.
ومسلم في 16 كتاب النكاح (22) باب (ح 125) .
العزل: نزع الذكر من الفرج وقت الانزال خوفا من الانجاب.
أن لا تفعلوا: ما عليكم ضرر في ترك العزل، لان كل نفس قدر الله خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا.
فلا فائدة في عزلكم.
(*)(4/181)
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي المصطلق، وقعت جوريرة بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبته عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَّاحَةً، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَسْتَعِينَهُ فِي كِتَابَتِهَا قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ.
فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي.
قَالَ: فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَكِ وأتزوجك.
قالت: نعم يا رسول الله قَدْ فَعَلْتُ.
قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَقَالَ النَّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ قَالَتْ: فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فما أعلم امرأة أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا (1) .
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ الْإِفْكِ بِتَمَامِهَا فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ حَرَّرْتُ طُرُقَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ فَلْيُلْحَقْ بِكَمَالِهِ إِلَى هَاهُنَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَرَامٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ رَأَيْتُ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَأَنَّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ حَتَّى وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سُبِينَا رَجَوْتُ الرُّؤْيَا قَالَتْ: فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَنِي وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُهُ فِي قَوْمِي حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ، وَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمِّي تُخْبِرُنِي الْخَبَرَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ تَعَالَى.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ (2) .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّ أَبَاهَا طَلَبَهَا وَافْتَدَاهَا ثُمَّ خَطَبَهَا مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا (3) .
قِصَّةُ الْإِفْكِ
وَهَذَا سِيَاقُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حديث الْإِفْكِ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الله بن عبيد الله (4) بن عتبة قال
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 308.
(2) مغازي الواقدي 2 / 411 وفيه: حزام بن هشام عن أبيه قال: (3) ذكر رواية ابن عقبة البيهقي في الدلائل من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة: 4 / 51.
وفي رواية لابن هشام وردت في السيرة 3 / 308 قال: فأقبل أبو ها الحارث بفداء ابنته ودفعت إليه ابنته، فأسلمت وحسن إسلامها، فخطبها إلى أبيها، فزوجه إياها وأصدقها أربعمائة درهم.
(4) في سيرة ابن هشام: وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.
(*)(4/182)
الزهري: وكل قد حدثني بهذا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بعض وقد جمعت كُلَّ الَّذِي حَدَّثَنِي الْقَوْمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا حِينٍ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَكُلٌّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ صَاحِبُهُ، وَكُلٌّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً، فَكُلُّهُمْ حَدَّثَ عَنْهَا بِمَا سَمِعَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ مَعَهُ فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ يأكلن العلق (1) لم يهجهن اللَّحْمُ فَيَثْقُلْنَ، وَكُنْتُ إِذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يرحلون لي فيحملونني، ويأخذون بِأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ فَيَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيَشُدُّونَهُ بِحِبَالِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ.
قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجَّهَ قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ نَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي فِيهِ جَزْعُ (2) ظفار، فلما فرغ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الرَّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدْهُ وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، فَرَجَعْتُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ،
وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي، الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونَ لِيَ الْبَعِيرَ وَقَدْ كَانُوا فَرَغُوا مَنْ رِحْلَتِهِ، فأخذو الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي فِيهِ، كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَاحْتَمَلُوهُ فَشَدُّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَشُكُّوا أَنِّي فِيهِ ثُمَّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ فَرَجَعْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، قَدِ انْطَلَقَ النَّاسُ.
قَالَتْ فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي، وَعَرَفْتُ أَنْ لو افتقدت لرجع الناس إِلَيَّ.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَمُضْطَجِعَةٌ إِذْ مَرَّ بي صفوان (3) بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النَّاسِ فَرَأَى سَوَادِي فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ظَعِينَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَأَنَا مُتَلَفِّفَةٌ فِي ثِيَابِي.
قَالَ مَا خَلَّفَكِ يَرْحَمُكِ اللَّهُ؟ قَالَتْ فَمَا كَلَّمْتُهُ.
ثُمَّ قَرَّبَ إِلَيَّ الْبَعِيرَ فَقَالَ: ارْكَبِي وَاسْتَأْخَرَ عَنِّي.
قَالَتْ فَرَكِبْتُ وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا يَطْلُبُ النَّاسَ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا افْتُقِدْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ وَنَزَلَ النَّاسُ فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُ بِي، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا وَارْتَجَّ العسكر
__________
(1) العلق: جمع علقة، وهو الطعام القليل ما يسد به الرمق.
(2) جزع: خرزيمان يصنع في ظفار، مدينة باليمن قرب صنعاء.
(3) وهو صفوان بن المعطل بن وبيصة بن المؤمل بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهنة بن سليم ذكره الكلبي.
قال السهيلي: " كان صفوان على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده إليهم، ولذلك تخلف " وقيل إنه كان ثقيل النوم، ذكره أبو داود.
(*)(4/183)
وو الله ما أعلم بشئ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنِ اشْتَكَيْتُ شَكْوَى شَدِيدَةً لَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذلك شئ.
وَقَدِ انْتَهَى الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى أبو ي، لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ لُطْفِهِ بِي، كُنْتُ إِذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي، وَلَطَفَ بِي، فَلَمْ يفعل ذلك بي في شكواي ذلك، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُمِّي تُمَرِّضُنِي قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ؟ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَتْ: حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْتُ مِنْ جَفَائِهِ لِي: لَوْ أَذِنْتَ لِي، فَانْتَقَلْتُ إِلَى أُمِّي فَمَرَّضَتْنِي؟ قَالَ:
لَا عليك.
قالت: فانقلبت إلى أمي، ولا علم لي بشئ، مِمَّا كَانَ حَتَّى نَقِهْتُ مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا قَوْمًا عَرَبًا لَا نَتَّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ (1) الَّتِي تَتَّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا، إِنَّمَا كُنَّا نَخْرُجُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتِ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنَّ، فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِيَ أُمُّ مِسْطَحٍ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بن المطلب، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَتَمْشِي مَعِي إِذْ عَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ (وَمِسْطَحٌ لَقَبٌ واسمه عوف) قالت: فقلت بئس لعمرو اللَّهِ مَا قُلْتِ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَتْ: أَوَمَا بَلَغَكِ الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْتُ وَمَا الْخَبَرُ فَأَخْبَرَتْنِي بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ.
قلت: أو قد كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي وَرَجَعْتُ، فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَبْكِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي، قَالَتْ: وَقُلْتُ لِأُمِّي: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ، تَحَدَّثَ النَّاسُ بِمَا تَحَدَّثُوا بِهِ، وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شيئاً.
قالت: أي بنية خففي عليك الشأن، فوالله لقل ما كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ وَكَثَّرَ النَّاسُ عَلَيْهَا.
قَالَتْ وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [في الناس] (2) فَخَطَبَهُمْ وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْحَقِّ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ إِلَّا خَيْرًا، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا وَهُوَ مَعِي، قَالَتْ: وَكَانَ كِبْرُ ذَلِكَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبي بْنِ سَلُولٍ فِي رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مَعَ الَّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَكُنِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ تُنَاصِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرُهَا فَأَمَّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا حَمْنَةُ فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ ما أشاعت تضارني لِأُخْتِهَا فَشَقِيَتْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك المقالة، فقال أسيد بن حضير: يا رسول أن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا من
__________
(1) الكنف: جمع كنيف، وهو مكان الغائط.
وفي الواقدي: المناصع.
(2) من ابن هشام.
(3) في رواية عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة: وهذا بعيد لان سعد بن معاذ كان قد
مات في بني قريظة وقد تقدم.
قال ابن العربي: ذكر سعد بن معاذ هنا وهم وقد اتفق فيه الرواة.
وقال القاضي عياض: الاشبه غيره.
ووافقه ابن حزم (*)(4/184)
الْخَزْرَجِ فَمُرْنَا أَمْرَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُرَى رَجُلًا صَالِحًا فَقَالَ: كذبت لعمر الله ما تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِكَ مَا قُلْتَ هَذَا.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ.
قَالَتْ: وَتَسَاوَرَ (1) النَّاسُ، حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ على فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زيد فاستشار هما.
فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى خَيْرًا وَقَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلُكَ وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إِلَّا خَيْرًا وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ لَكَثِيرٌ وَإِنَّكَ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهَا سَتَصْدُقُكَ.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بريرة يسألها قَالَتْ: فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا وَيَقُولُ: اصْدُقِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ فَتَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَعْجِنُ عَجِينِي فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامُ عَنْهُ فَتَأْتِي الشَّاةُ فَتَأْكُلُهُ.
قَالَتْ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعندي أبو اي وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أَبْكِي وَهِيَ تَبْكِي فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ إنَّه قَدْ كَانَ مَا بَلَغَكِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ فَاتَّقِي اللَّهَ، وَإِنْ كنت قد فارقت سُوءًا مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فأن الله يقبل التوبة من عِبَادِهِ.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ فَقَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أحس منه شيئاً.
وانتظرت أبو ي أَنْ يُجِيبَا عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمَا.
قَالَتْ: وَايْمُ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فِيَّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ وَيُصَلَّى بِهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يكذب الله به عني لما يعلم من براءتي ويخبر خَبَرًا وَأَمَّا قُرْآنًا يَنْزِلُ فِيَّ فَوَاللَّهِ لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ.
قَالَتْ: فَلَمَّا لم أرَ أبو ي يَتَكَلَّمَانِ قُلْتُ لَهُمَا: أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَا: وَاللَّهِ مَا ندري بما نُجِيبُهُ.
قَالَتْ: وَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ
مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ.
قَالَتْ: فَلَمَّا اسْتَعْجَمَا عَلَيَّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا ذَكَرْتَ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النَّاسُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَأَقُولَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْتُ مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدِّقُونَنِي.
قَالَتْ: ثُمَّ الْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ.
فَقُلْتُ: وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ [فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ] قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ حَتَّى تَغَشَّاهُ مِنَ اللهِ مَا كانَ يَتَغَشَّاهُ، فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَمَّا أَنَا حِينَ رَأَيْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ فَوَاللَّهِ مَا فَزِعْتُ وَمَا بَالَيْتُ قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ ظَالِمِي وَأَمَّا أَبَوَايَ فَوَالَّذِي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ مَا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَنَّ أَنْفُسُهُمَا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النَّاسُ.
قَالَتْ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ، وَإِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْ وَجْهِهِ مثل الجمان في يوم
__________
(1) تساور الناس: وفي نسخة لابن هشام تثاوروا: أي قام بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
(*)(4/185)
شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عزوجل بَرَاءَتَكِ.
قَالَتْ: قُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عزوجل مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَكَانُوا مِمَّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (1) عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ.
وَذِكْرُ حَدِّ الْقَذْفِ لِحَسَّانَ وَمَنْ مَعَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَرْبِ حَسَّانَ وَأَصْحَابِهِ: لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ * وَحَمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ * وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَأُتْرِحُوا وَآذَوْا رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا فَجُلِّلُوا * مَخَازِيَ تَبْقَى عُمِّمُوهَا وفضِّحوا وَصُبَّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنَّهَا * شَآبِيبُ قَطْرٍ في ذُرَا الْمُزْنِ تَسْفَحُ (2)
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ شِعْرًا يَهْجُو فِيهِ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ تَخَاصَمَ عَلَى الْمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ جَهْجَهَاهٍ كما تقدم أوله هي: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا * وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ (3) قَدْ ثَكِلَتْ أُمُّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ * أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي بُرْثُنِ الْأَسَدِ مَا لِقَتِيلِي الَّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ * مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلَا قَوَدِ مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبُّ الرِّيحُ شَامِيَةً * فَيَغْطَئِلُّ وَيَرْمِي الْعِبْرَ بِالزَّبَدِ (4) يَوْمًا بِأَغْلَبَ مِنِّي حِينَ تُبْصِرُنِي * مِلْغيظ أَفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ أَمَّا قُرَيْشٌ فَإِنِّي لَا أُسَالِمُهَا * حَتَّى يُنِيبُوا مِنَ الْغَيَّاتِ لِلرَّشَدِ وَيَتْرُكُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى بِمَعْزِلَةٍ * وَيَسْجُدُوا كُلُّهُمْ لِلْوَاحِدِ الصَّمَدِ وَيَشْهَدُوا أَنَّ مَا قَالَ الرَّسُولُ لَهُمْ * حُقٌّ فَيُوفُوا بِحَقِّ اللَّهِ وَالْوُكُدِ (5) قَالَ: فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَهُوَ يقول:
__________
(1) رواه البخاري عن معمر في تفسير سورة الفتح فتح الباري 8 / 451.
ومسلم في 49 كتاب التوبة 10 باب ح 56.
والبخاري في التوحيد باب 52 وأخرجه في 52 كتاب الشهادات (15) باب ح 2661.
(2) محصدات: يعني سياطا محكمة الفتل شديدات.
(3) ابن الفريعة: أم حسان بن ثابت.
بيضة البلد: يعني واحدا لا يحاربه أحد، وهو في هذا الموضع مدح، وقد يكون بيصه البلد: ذما.
وأصل ذلك أن يؤخذ بيضة واحدة من بيض النعام ليس معها غيرها، فإذا أريد به الذم شبه بها الرجل الذي لا رهط له ولا عشيرة (شرح أبي ذر ص 336) (4) يغطئك: يجول ويتحرك.
والعبر: جانب البحر.
(5) الوكد: العهود والمواثيق.
(*)(4/186)
تلقَ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي * غُلَامٌ إِذَا هوجيت لست شاعر وَذَكَرَ أنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَخَذَ صَفْوَانَ حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ فَشَدَّهُ وَثَاقًا، فَلَقِيَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: ضُرب حَسَّانَ بِالسَّيْفِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشئ من ذلك؟ قَالَ: لَا.
فَأَطْلَقَهُ ثُمَّ أَتَوْا كُلُّهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آذَانِي وَهَجَانِي فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ فَضَرَبْتُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ (1) عَلَى قَوْمِي إِذْ هَدَاهُمُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنْ يَا حَسَّانُ فِيمَا أَصَابَكَ.
فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَعَوَّضَهُ مِنْهَا بَيْرُحَاءَ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ وَجَارِيَةً قِبْطِيَّةً، يُقَالُ لَهَا: سِيرِينُ جَاءَهُ مِنْهَا ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ سُئل عَنِ ابْنِ الْمُعَطَّلِ فَوُجِدَ رَجُلًا حَصُورًا مَا يَأْتِي النِّسَاءَ.
ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا (2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَعْتَذِرُ مِنَ الَّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ * وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ (3) عَقِيلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ * كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غير زائل وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ * بِكِ الدهر بل قيل امرئ بي ماحل (4) فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمُ * فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي * لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنِ المحافل وإن لهم عزاً ترى النَّاسُ دُونَهُ * قِصَارًا وَطَالَ الْعِزُّ كُلَّ التَّطَاوُلِ (5) وَلْتُكْتَبْ هَاهُنَا الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ النُّورِ وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ - إلى - مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النُّورِ: 11 - 26] وَمَا أَوْرَدْنَاهُ هُنَالِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالطُّرُقِ والآثار عن السلف والخلف وبالله التوفيق.
__________
(1) أتشوهت: أي أقبحت ذلك من فعلهم - في قوله فيهم: الجلابيب أي الغرباء - من أجل هجرتهم إلى الله ورسوله.
(2) قتل في غزوة أرمينيا سنة تسع عشرة واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات.
وقيل توفي في أيام معاوية بن أبي سفيان سنة 58 هـ.
(3) الحصان: العفيقة.
ما تزن: أي ما تتهم.
غرني: جائعة.
(4) في ابن هشام: فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ * وَلَكِنَّهُ قول امرئ بي ماحل (5) البيت في ابن هشام: لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ * تَقَاصَرُ عنه سورة المتطاول (*)(4/187)
غزوة الحديبية (1) وَقَدْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ بِلَا خِلَافٍ.
وَمِمَّنْ نصَّ عَلَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وقَتَادَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا عَنْ عُرْوَةَ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا: عَنْ هُدْبَةَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ [كُلُّهُنَّ] فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ.
عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً من العام المقبل في ذي القعدة ومن الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (2) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ رمضان وشوال وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا لَا يُرِيدُ حَرْبًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نميلة بن عبد الله الليثي (3) .
قال ابن إِسْحَاقَ: وَاسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنَ الْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ، وَهُوَ يَخْشَى من قريش أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبٍ أَوْ يَصُدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنَ الْعَرَبِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، لِيَأْمَنَ النَّاسُ مِنْ حَرْبِهِ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظِّمًا لَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة.
رجل، وكان كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ.
وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا بَلَغَنِي، يَقُولُ: كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ (4) بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ فَخَرَجُوا مَعَهُمُ الْعُوذُ المطافيل (5) قد لبسوا جنود النُّمُورِ وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ لا تدخلها عليهم أبدا،
__________
(1) قال البراء: الحديبية بئر.
قال الحافظ: بينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل.
- الحديبية: حاء مهملة مضمومة، دال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة.
قال أكثر أهل الحديث مشددة.
وقال النووي: من قال مخففة ومن قال مشددة فهما وجهان مشهوران.
(2) أخرجه البخاري في 64 المغازي 35 باب ح 4148.
ومسلم في كتاب الحج 35 باب ح 217 وأبو داود في الحج عن أبي الوليد، وعن هدبة.
والترمذي في الحج عن حبان وقال: حسن صحيح.
(3) في الواقدي: ابن أم مكتوم.
(4) قال ابن هشام: بسر.
(5) العوذ: جمع عائذ وهي الابل الحديثة النتاج.
المطافيل: التي معها أولادها.
يريد: النساء ومعهن أطفالهن.
(*)(4/188)
وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قدموا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ (1) قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! قد أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، فَوَاللَّهِ لا أزال أجاهد على هذا الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا؟.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر: أن رجلا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ بَيْنَ شِعَابٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَفْضَوْا إِلَى أَرْضٍ
سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْوَادِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [للناس] (2) : قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا ذَلِكَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَلْحِطَّةُ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: اسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيِ الحمض، في طريق يخرجه عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ.
قَالَ: فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَكَضُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ.
وَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا سَلَكَ فِي ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: خَلَأَتْ فَقَالَ: مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ.
لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خطه يسألوني فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا.
ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا.
قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ الله ما بالوادي ماء ينزل عَلَيْهِ.
فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ فَغَرَزَهُ فِي جَوْفِهِ.
فَجَاشَ بِالرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاس عَنْهُ بِعَطَنٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ: أنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ: إنَّا الَّذِي نَزَلْتُ بِسَهْمِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ ابن إسحاق للأول أن جارية من الأنصار جاءت البئر وناجية أَسْفَلِهِ يَمِيحُ فَقَالَتْ: يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا * إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجِّدُونَكَا فَأَجَابَهَا فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ * أَنِّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيهْ وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ * طَعَنْتُهَا عِنْدَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ مَا الَّذِي جَاءَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُمْ إنَّه لَمْ يأت يريد حرباً، وإنما جاء زائرا
__________
(1) كراع الغميم: موضع بين مكة والمدينة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال.
(2) من ابن هشام (*)(4/189)
للبيت، ومعظماً لحرمته.
ثم قال لهم نحو ما قَالَ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى محمد، وإن مُحَمَّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ، إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لهذا البيت.
فاتهموهم وجبهوهم، وقالوا: وإن جَاءَ وَلَا يُرِيدُ قِتَالًا فَوَاللَّهِ لَا يَدْخُلُهَا علينا عنوة وَلَا تُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنَّا الْعَرَبُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِمَكَّةَ.
قَالَ: ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا قَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نحواً مما قال لبديل وأصحابه، فرجع إليه قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بعثوا بحليس بْنَ عَلْقَمَةَ أَوِ ابْنَ زَبَّانَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَ الْأَحَابِيشِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَرَاهُ.
فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ، قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ، رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْظَامًا لما رأى، فقال لهم ذلك.
قال: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا عَلَى هذا حالفناكم ولا على هذا عاهدناكم، أَيُصَدُّ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَهُ مُعَظِّمًا لَهُ؟ وَالَّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ، لَتُخَلُّنَّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، أَوْ لَأَنْفِرَنَّ بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
قَالُوا: مَهْ كُفَّ عنا نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إِلَى محمد إذ جَاءَكُمْ مِنَ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ وَأَنِّي وَلَدٌ وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالَّذِي نَابَكُمْ فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ثُمَّ جِئْتُكُمْ حَتَّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي.
قَالُوا: صَدَقْتَ مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ.
فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَجَمَعْتَ أَوْشَابَ
النَّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إِلَى بَيْضَتِكَ لِتَفُضَّهَا بِهِمْ، إِنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللَّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَايْمُ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِهَؤُلَاءِ قَدِ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا.
قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ.
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكَافَأْتُكَ بِهَا وَلَكِنْ هَذِهِ بهذه قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يكلمه وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيدِ، قال: فجعل يقرع يده إذ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ: اكْفُفْ يَدَكَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ أن لا تَصِلَ إِلَيْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ عُرْوَةُ وَيْحَكَ، مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكَ.
قَالَ: فتبسَّم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: أَيْ غُدَرُ، وَهَلْ غسلت سوأتك إلا بالأمس.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَأَخْبَرَهُ إنَّه لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ(4/190)
حَرْبًا، فَقَامَ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ.
لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا ابْتَدَرُوا وَضُوءَهُ، وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا إِلَّا ابْتَدَرُوهُ، وَلَا يَسْقُطُ من شعره شئ إِلَّا أَخَذُوهُ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِهِ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ قوماً لا يسلمونه لشئ أَبَدًا فَرَوْا رَأْيَكُمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ، لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ (1) ، فَمَنَعَهُ الْأَحَابِيشُ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ أمروهم أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيُصِيبُوا لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا فأخذوا فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَفَا عَنْهُمْ، وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، وَقَدْ كَانُوا رَمَوْا فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ.
ثُمَّ دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَيُبَلِّغَ عَنْهُ
أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وليس بمكة من بني عدي أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أَعَزَّ بِهَا مِنِّي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، يُخْبِرُهُمْ إنَّه لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ وَإِنَّمَا جَاءَ زائراً لهذا البيت معظماً لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ حِينَ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، إِنَّ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ.
قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ.
وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْعَةِ، وكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان النَّاس يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ ولكن بايعنا علي أن لا نَفِرَّ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ.
وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبِطِ ناقته قد ضبأ إليها، يستر مِنَ النَّاس.
ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أمر عثمان باطل.
قال ابن هشام: وذكر وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أوَّل مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ (2) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ
__________
(1) قال الواقدي: الذي ولي عقره عكرمة بن أبي جهل وأراد قتله.
(2) اختلفوا في اسم أبي سنان، قيل وهب بن عبد الله وقيل عامر، وقيل عبد الله بن وهب وقيل اسمه وهب بن (*)(4/191)
أثق بن عَمَّنْ حَدَّثَهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ لِعُثْمَانَ فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذكره ابن هشام بهذا الإسناد ضعيف لكنه
ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الزُّهري: ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: آت مُحَمَّدًا وَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُنْ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَنْوَةً أَبَدًا.
فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ.
فَلَمَّا انْتَهَى سُهَيْلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فَأَطَالَ الْكَلَامَ، وَتَرَاجَعَا ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ.
فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكِتَابُ، وَثَبَ عُمَرُ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بلى.
قال أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى قال أو ليسوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أنَّه رَسُولُ اللَّهِ: ثمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتَ بِرَسُولِ الله؟ قال: بلى قال أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى.
قال أو ليسوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لن أخالف أمره ولن يضيعني.
وكان عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأُعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا.
قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: فَقَالَ سُهَيْلٌ لَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَكَتَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو.
قَالَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ.
وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أبيك.
قال فقال رسول الله: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنِ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى مُحَمَّدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ.
فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ
قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَامَكَ هَذَا فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ خَرَجْنَا عَنْكَ فَدَخَلْتَهَا بِأَصْحَابِكَ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب السيوف في
__________
= محصن بن حرثان أخو عكاشة بن محصن، ولعل القول الاخير أصحها.
مات سنة خمس من الهجرة (الاستيعاب) وقال الواقدي: أول من بايعه سنان بن أبي سنان بن محصن.
وقال ابن سعد عن الواقدي: أبو سنان قتل في حصار بني قريظة قبل الحديبية، وعنه: الذي بايع الحديبية سنان بن سنان الأسدي.
(*)(4/192)
الْقُرُبِ لَا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِهَا.
قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ (1) الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي الْحَدِيدِ، قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ وَمَا تَحَمَّلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي نَفْسِهِ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا يَهْلِكُونَ، فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ وَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ وَقَالَ: يَا محمَّد قَدْ لَجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا.
قَالَ: صَدَقْتَ فَجَعَلَ يَنْتُرُهُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَجُرُّهُ يعني يرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأ على صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِنِي فِي دِينِي! فَزَادَ ذَلِكَ النَّاسَ إِلَى مَا بِهِمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم " يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.
إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ.
الْقَوْمِ صُلْحًا وَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَهْدَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ " قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ.
قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ.
قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ أَبَاهُ.
قَالَ فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ.
فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى الصُّلْحِ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الخطَّاب، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَبَ، وَكَانَ هُوَ كَاتِبَ الصَّحِيفَةِ (2) .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَرِبًا فِي الْحِلِّ (3) وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصُّلْحِ قَامَ إِلَى هَدْيِهِ فَنَحَرَهُ، ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَكَانَ الَّذِي حَلَقَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ وَحَلَقَ تَوَاثَبُوا يَنْحَرُونَ ويحلقون.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم " يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ " وَالْمُقَصِّرِينَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ ظَاهَرْتَ التَّرْحِيمَ لِلْمُحَلِّقِينَ دُونَ الْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: لَمْ يَشُكُّوا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عن ابن عباس أن
__________
(1) قال في مغازي الواقدي: أن أبا جندل جاء قبل أن يكتب الكتاب.
ولما أراد سهيل رده قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لم نقض الكتاب بعد.
فقال سهيل: والله لا أكاتبك على شئ حتى ترده إلي.
فرده.
(2) زاد الواقدي: أبو عبيدة بن الجراح، وحويطب بن عبد العزى ولم يذكر عبد الله بن سهيل بن عمرو.
(3) مضطرباً في الحل: أي أن أبنيته مضروبة في الحل، وكانت صلاته في الحرم، وهذا القرب الحديبية من حرم.
(*)(4/193)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِيَغِيظَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.
هَذَا سِيَاقُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَفِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ كَمَا سَيَأْتِي مُخَالَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لِهَذَا السِّيَاقِ كما ستراها إن شاء الله وبه الثقة.
ولنوردها بتمامها ونذكر في الأحاديث الصحاح والحسان ما فيه ... إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حدَّثنا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ فقلنا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي،
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي (1) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ صَحِيحِهِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهري، وَقَدْ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تعدون الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) [الْفَتْحِ: 27] : صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ، فَلَمَّا كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلم بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنَكِ السَّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الحديبية في ألف وأربع مائة رَجُلٍ فِي قَوْلِ جَابِرٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: عَطِشَ النَّاس يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ ركوة فتوضأ منها، ثم أقبل
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 35 باب ح 4147.
وأخرجه في الصلاة عن القعنبي وفي التوحيد مختصرا عن مسدد.
ومسلم في (1) كتاب الايمان 32 عن يحيى بن يحيى (ح 125) .
(*)(4/194)
النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا ما نشرب إلا ما في ركوتك.
فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ
الْعُيُونِ.
قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا.
فَقُلْنَا لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ لَوْ كنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً (1) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الصَّلت بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ: كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ (2) .
تَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ قَتَادَةَ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ " أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ " وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مكان الشجرة (3) .
وقد روى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إِنَّ عبد الحاطب جَاءَ يَشْكُوهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كذبت لا يدخلها، شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4) .
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أيضاً من طرق ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ (5) أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عِنْدَ حَفْصَةَ " لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا " فَقَالَتْ حَفْصَةُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فانتهرها، فقال حفصة (وَإِنْ مِنْكُمْ إلا واردها) [مَرْيَمَ: 71] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَدْ قَالَ تَعَالَى (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (6) قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قال: كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ (7) .
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بشار حدثنا أبو داود حدثنا
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 35 باب فتح الباري 7 / 441 ح 4152.
وفتح الباري 6 / 581 عن موسى بن إسماعيل في كتاب المناقب.
باب علامات النبوة في الإسلام.
(2) فتح الباري 7 / 443 (ح 4153) .
(3) المصدر السابق (ح 4154) .
وأخرجه مسلم عن قتيبة عن الليث في 33 كتاب الامارة ح 67 ص 1483.
(4) أخرجه مسلم في 44 كتاب الصحابة 36 باب (ح: 162) (ص 1942) .
(5) من مسلم، وفي الاصل ميسر وهو تحريف.
(6) سورة مريم: 72.
أخرجه مسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة (37) باب (ح: 163) (1942) .
(7) رواه البخاري في المغازي (ح: 4155) فتح الباري 7: 443.
ومسلم في 33 كتاب الامارة 18 باب (ح 75) ص 1485.
ونقل البيهقي في الدلائل 4 / 95 الحديث من طرق عن ابن أبي أوفى.
(*)(4/195)
شعبة.
هكذا رواه البخاري معلقاً عن عبد اللَّهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شعبة به.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي دَاوُدَ عن إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا: خَرَجَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فلمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا (1) .
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَسَيَأْتِي هَذَا السِّيَاقُ بِتَمَامِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ إسحاق من أن أصحاب الحديبية كانوا سبع مائة، وَهُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَفَقُّهًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْبُدْنَ كُنَّ سَبْعِينَ بَدَنَةً وَكُلٌّ مِنْهَا عَنْ عَشَرَةٍ على اختياره، فيكون المهلون سبع مائة، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُهْدِيَ كُلُّهُمْ، وَلَا أَنْ يُحْرِمَ كُلُّهُمْ أَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ: أَبُو قَتَادَةَ وَلَمْ يُحْرِمْ أَبُو قَتَادَةَ حَتَّى قَتَلَ ذَلِكَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ فَأَكَلَ مِنْهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَحَمَلُوا مِنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الطريق فقال: هل منكم أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ من الحمار.
وقد قال البخاري: حدثنا شعبة بن الريع، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم عام الحديبية فأحرم أصحابي وَلَمْ أُحْرِمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا.
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا طَارِقٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب عن أبيه: أنه كان فيمن بَايَعَ تَحْتَ الشَّجرة فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا.
ثم قال سعيد: إن أصحاب محمد لَمْ يَعْلَمُوهَا، وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ! فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ؟ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ وشبابة عن طارق (2) .
وقال البخاري: حدثنا سعيد، حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:: عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ قِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ: لَا أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
(1) أخرجه في المغازي في باب الحديبية فتح الباري 7 / 444.
(2) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية.
ومسلم في 33 كتاب الامارة (ح: 77) .
(*)(4/196)
وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عبيد قلت لسلمة بن الاگوع: على أي شئ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ (1) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ بَايَعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ وَوَسَطِهِمْ وَأَوَاخِرِهِمْ.
وَفِي الصَّحيح (2) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سِنَانٍ وَهُوَ وَهْبُ بْنُ مِحْصَنٍ أَخُو عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَقِيلَ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثني شُجاع بْنُ الْوَلِيدِ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بذلك، فبايعه عبد الله، فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ، حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ التي تحدث النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عمَّار حدَّثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحديبية تفرقوا في ظلال الشجرة، فَإِذَا النَّاسُ محدِّقون بالنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاس قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ (3) وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ (4) ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فقال: أشيروا أيها الناس عليَّ أترون
__________
(1) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 35 باب ح 4169 وفي 93 كتاب الاحكام 44 باب.
وأخرجه مسلم في 33 كتاب الامارة 18 باب (ح: 80) ص 1486.
(2) أخرجه مسلم في 33 كتاب الامارة 18 باب (ح: 76) .
(3) أشعره: أي وخز سنامها حتى يعرف أنها هدي، قال الزرقاني: ضرب صفحة السنام اليمنى بحديدة فلطخها بدمها إشعارا بأنه هدي (شرح المواهب اللدنية 2 / 218) .
(4) ذكره في مغازي الواقدي: بسر بن سفيان.
(*)(4/197)
أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وإلا تركنا لهم محروبين.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عامداً لهذا البيت لا نريد قتل أحد ولا حرب فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ.
قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
هَكَذَا رَوَاهُ هَاهُنَا وَوَقَفَ وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا عَلَى هَذَا.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ (1) : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا همَّ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ (2) ، فَأَلَحَّتْ.
فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ (3) خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ [النَّاسُ] (4) تَبَرُّضًا فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العش، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يجعلوه فيه، فوالله ما زال بجيش لَهُمْ بالرِّي حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ - وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ - فَقَالَ، إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاؤوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أظهر فإن شاؤوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وإلا فقد جموا، وإن هم أبو افوالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ
سَالِفَتِي (5) وَلَيَنْفُذَنَّ أَمْرِ اللَّهِ.
قَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نعرضه عليكم فعلنا.
فقال
__________
(1) كذا في الاصل، وهو تحريف، وقد أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد.
(2) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
(3) القصواء: الزرقاني: القصو: قطع طرف الاذن.
قال الداودي: أنها كانت لا تسبق.
(4) تبرض الماء: قال الخليل في العين: جمعه بالكفين.
وقال في الصحاح: برض الماء من العين إذا خرج وهو قليل.
وفي البخاري: تبرضه الناس.
(5) السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه، وكنى بانفراد هما عن الموت لانها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت (النهاية) .
(*)(4/198)
سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بشئ.
وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ.
قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَيْ قوم، ألست بالوالد؟ قالوا: بلى.
قال: أو لستم بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عكاط فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ.
أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرَى وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَشْوَابًا (1) مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ قَالَ مَنْ ذَا؟ قَالُوا أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ.
قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ لَهُ: أخِّر يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.
فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا الْإِسْلَامُ فأقبل، وأما المال فلست منه في شئ ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ.
فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ، عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا.
وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا.
فقال رجل من بني كنانة دعوني آتيه.
فَقَالُوا ائْتِهِ.
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ.
فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ.
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دعونى آتيه.
قَالُوا ائْتِهِ.
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جاء سهيل ابن عَمْرٍو.
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) في الصحيح: الاوشاب: الاخلاط.
وفي الواقدي: أوباشا.
(*)(4/199)
لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ.
قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلٌ فَقَالَ هات فاكتب بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا.
فَدَعَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فواللهِ مَا أدرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ.
فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إلا باسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله إني لرسول الله وإن كذ بتموني.
اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ، إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفُ بِهِ.
قَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا.
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ.
قَالَ فَوَاللَّهِ إذًا لم أصالحك على شئ أَبَدًا.
قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَجِزْهُ لِي.
قَالَ مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ.
قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ.
قال مكرز: بلى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ.
قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ - وَكَانَ قد عذب عذاباً شديداً في الله - فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ.
قال: أني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست أعصيه وهو ناصري.
قلت: أو لست كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ.
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا.
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ.
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ.
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ.
فَقُلْتُ: لَا.
قَالَ: فإنَّك آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا.
قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ.
فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فلمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ(4/200)
بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا.
ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ - حتى بلغ - بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) [الْمُمْتَحَنَةِ: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ.
فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أميَّة.
ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا.
فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا به حتى بلغا ذا الحليفة ونزلوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ.
فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهُ إِنِّي لِأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا.
فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ.
فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ.
فأمكنه منه فضربه حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ " لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا " فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ.
فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ.
فَقَالَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَيْلُ امِّهْ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ " فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ.
قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّام إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بالله وَالرَّحِمَ، لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ
أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ - حتى بلغ - الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) [الْفَتْحِ: 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت.
فهذا سياق فِيهِ زِيَادَاتٌ وَفَوَائِدُ حَسَنَةٌ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الزهري عن جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَمِسْوَرٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أوَّل كِتَابِ الشُّرُوطِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهري عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الْقِصَّةَ.
وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فَإنَّ مَرْوَانَ وَمِسْوَرًا كَانَا صَغِيرَيْنِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: لَمَّا قدم سهيل بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا عن عواتقنا لِأَمْرٍ يَقْطَعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ، قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي له.
(*)(4/201)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عمر بن الخطاب عن شئ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ نَزَّرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ.
قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فسلَّمت عَلَيْهِ، فَقَالَ " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ " ثُمَّ قَرَأَ
(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فتحاً مبيناً) (1) .
قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى سُورَةِ الْفَتْحِ بِكَمَالِهَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ هنا فليفعل.
فصل في السرايا (2) الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ
وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (3) عَنِ الواقدي: فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا أَوِ الْآخِرِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُكَّاشَةَ بن محصن في أربعين رجلاً إلى [الغمر، وفيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب، فأغذا السير ونذر القوم بهم] (4) فَهَرَبُوا مِنْهُ وَنَزَلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبَعَثَ فِي آثارهم وأخذ منهم مائتي بعير فاستقاها إلى المدينة.
__________
(1) أول سورة الفتح.
والحديث أخرجه البخاري في 65 كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح (ح: 4833) فتح الباري 8 / 582.
قال القرطبي في التفسير: اختلف في هذا الفتح ما هو؟ وقال الرازي في تفسيره الكبير: في الفتح وجوه: أحدها فتح مكة وهو ظاهر.
وهو مناسب لآخر ما قبلها (آخر سورة محمد: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تدعون لتنفقوا في سبيل الله) .
فإن: إن كان المراد فتح مكة، فمكة لم تكن قد فتحت، فكيف قال تعالى (فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مبينا) بلفظ الماضي؟ فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: فتحنا في حكمنا وتقديرنا.
وثانيهما: ما قدرة الله تعالى فهو كائن، فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر لا دافع له، واقع لا رافع له.
وقال العوفي ومجاهد: هو فتح خيبر.
قال القرطبي: فتح الحديبية، هو الارجح.
(2) السرايا: جمع سرية وهي الكتيبة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة نفر تبعث إلى العدو، وسميت بالسرية من الشئ السري: النفيس حيث كان يتم اختيارهم من شجعان العسكر ومقدميهم.
قال صاحب النهاية: سموا بذلك لانهم ينفذون سرا، وخفية وليس بالوجه لان لام السر راء وهذا ياء.
(3) دلائل النبُّوة: في باب السرايا الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فيما زعم الواقدي: ج 4 / 82 وما بعدها.
(4) ما بين معكوفين بياض بالاصل واستدرك من الدلائل.
وفي المواهب: إلى مرزوق.
والغمر: ماء لبني أسد على
ليلتين من فيد كما في طبقات ابن سعد.
مغازي الواقدي 2 / 550 والبيهقي 4 / 83 واختصرها عنه.
(*)(4/202)
وَفِيهَا كَانَ بَعْثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلى ذي القصة بأربعين رجلاً أيضاً فساروا إليهم مُشَاةً، حَتَّى أَتَوْهَا فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، فَهَرَبُوا منه في رؤوس الْجِبَالِ فَأَسَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَقَدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثه محمد بن مسلمة في عشرة نفر وكمن القوم لهم حتى باتوا [فما شعروا إلا بالقوم، فَقُتِلَ] (1) أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كُلُّهُمْ وَأَفْلَتَ هُوَ جَرِيحًا (2) .
وَفِيهَا كَانَ بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْحَمُومِ فَأَصَابَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ يُقَالُ لَهَا حَلِيمَةُ فَدَلَّتْهُمْ عَلَى مَحَلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بني سليم، فأصابوا منها نعماً وشاء وأسروا [جماعة من المشركين] (3) وكان فيهم زوج حليمة هذه فوهبه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجِهَا وَأَطْلَقَهُمَا.
وَفِيهَا كَانَ بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا فِي جُمَادَى الْأُولَى (4) إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَهَرَبَتْ مِنْهُ الْأَعْرَابُ فَأَصَابَ مِنْ نَعَمِهِمْ عِشْرِينَ بَعِيرًا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَرْبَعِ لَيَالٍ.
وَفِيهَا خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى الْعِيصِ (5) .
قَالَ وَفِيهَا أُخِذَتِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَاسْتَجَارَ بِزَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَارَتْهُ.
وَقَدْ ذكر ابن إسحاق قِصَّتَهُ حِينَ أُخِذَتِ الْعِيرُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ وقتل أصحابه بَيْنِهِمْ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَتْ بَعْدَ بَدْرٍ فَلَمَّا جَاءَ الْمَدِينَةَ اسْتَجَارَ بِهَا فَأَجَارَتْهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَجَارَهُ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ الناس برد ما أخذوا من غيره فردوا كل شئ كَانُوا أَخَذُوهُ مِنْهُ حَتَّى لَمْ يَفْقِدْ مِنْهُ شيئاً.
فلما رجع إِلَى مَكَّةَ وَأَدَّى إِلَى أَهْلِهَا مَا كَانَ لَهُمْ مَعَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ أَسْلَمَ وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجته بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا وَلَا عَقْدًا كَمَا تقدَّم بَيَانُ ذَلِكَ.
وَكَانَ بَيْنَ إِسْلَامِهِ وهجرتها ست سنين ويروى سنتين.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وأن إِسْلَامَهُ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ تَحْرِيمِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكَفَّارِ بِسَنَتَيْنِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ في سنة الفتح لا كما تقدم في
كلام الواقدي من أنه سنة ست.
فالله أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ أَقْبَلَ مِنْ عِنْدِ قيصر قد أَجَازَهُ بِأَمْوَالٍ وَخِلَعٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحِسْمَى لَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيقَ فَلَمْ يتركوا معه شيئاً، فبعث
__________
(1) سقطت من الاصل واستدركت من الدلائل.
(2) السريتان في الواقدي 2 / 551، إنما ذكر بعثة محمد بن مسلمة، إلى بني ثعلبة وعوال في ربيع الآخر وجاء بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة (إلى تغلمين: وهو موضع من بلاد بني فزارة قبل ريم) بعد بعث محمد بن مسلمة.
(3) من المواهب، وفي الاصل بياض.
(4) في مغازي الواقدي: في جمادى الآخرة.
بعثه إلى الطرف والطرف: ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة (طبقات ابن سعد 2 / 63) .
(5) العيص: بينها وبين المدينة أربع ليال، وبينها وبين ذي المروة ليلة (ابن سعد 2 / 63) .
(*)(4/203)
إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إِلَى أن نزل إلى حي من بني أسد (2) بْنِ بَكْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يُمِدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ وَكَمَنَ بِالنَّهَارِ وَأَصَابَ عَيْنًا لَهُمْ فَأَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى خَيْبَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي سَنَةِ سِتٍّ في شعبان كَانَتْ سَرِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هُمْ أَطَاعُوا فَتَزَوَّجْ بِنْتَ مَلِكِهِمْ، فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنت ملكهم تماضر بنت الأصبع (3) الْكَلْبِيَّةَ وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ: كَانَتْ سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ إِلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ فِي
عِشْرِينَ فارساً فردوهم (4) .
وكان مِنْ أَمْرِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ - وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُنَاسٌ أَهْلُ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ فَاسْتَوْخَمْنَا (5) الْمَدِينَةَ.
فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبو الها فانطلقوا حتَّى إذا كانوا بناحية الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمَّر (6) أعينهم، وتركهم في الحَّرة حَتَّى مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ.
قَالَ قَتَادَةُ فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَطَبَ بَعْدَ ذَلِكَ حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ (7) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا وبايعوه، وقد
__________
في مغازي الواقدي: كان ذلك في جمادى الآخرة.
(2) في البيهقي والواقدي: بني سعد بن بكر، بفدك.
وكانت سريته في شعبان سنة ست.
وانتهى علي رضي الله عنه إلى معسكرهم - فلم ير أحداً - فساق النعم والشاء: خمسمائة بعير، وألفا شاة.
(3) في الواقدي: الاصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا.
(4) مغازي الواقدي 2 / 570 والخبر فيه مطول.
ونقله عنه البيهقي في الدلائل مختصرا 4 / 85.
(5) في الواقدي: فاستوبأوا المدينة: أي وجدوها وبئة.
(6) في مغازي الواقدي: وسمل أعينهم.
(7) كان ذلك بعد نزول قَوْلَهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خلاف) .
قال أبو هريرة: فلم تسمل بعد ذلك عين.
والحديث رواه البخاري في 86 كتاب الحدود (17) باب فتح الباري 12 / 111 وأخرجه مجتزءا في عدة مواضع.
(*)(4/204)
وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُومُ - وَهُوَ الْبِرْسَامُ فَقَالُوا هذا الموم، قد وقع يا رسول الله، لو أَذِنْتَ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَى الْإِبِلِ.
قَالَ نَعَمْ فَاخْرُجُوا فَكُونُوا فِيهَا.
فَخَرَجُوا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَيْنِ وَذَهَبُوا بالإبل.
وعنده سار
من الأنصار قريب عِشْرِينَ فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمَّر أَعْيُنَهُمْ (1) .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ الْحَقُوا بِالْإِبِلِ وَاشْرَبُوا من أبو الها وألبانها.
فذهبوا وكانوا فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَجَاءَ الصَّرِيخُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَوَاهُمْ بِهَا وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى ماتوا ولم يحمهم.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمْ يَكْدُمُ الْأَرْضَ بِفِيهِ مِنَ الْعَطَشِ.
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بن أبي شيبة عن عبد الرحمن (2) بن سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ فِي آثَارِهِمْ قَالَ " اللَّهُمَّ عمِ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ، قَالَ: فعمَّى الله عليهم السبيل فأدركوا فأتي بهم فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمَّل أَعْيُنَهُمْ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّمَا سَمَلَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ (3) .
فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِيهَا نَزَلَ فَرْضُ الْحَجِّ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لله) [الْبَقَرَةِ: 196] وَلِهَذَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا فِي سَنَةِ عَشْرٍ.
وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، فَعِنْدَهُمْ: أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَطَاعَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ قَدْ أَوْرَدْنَا كَثِيرًا مِنْهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِنَا التَّفسير ولله الحمد والمنة بما فيه كفاية.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حُرِّمَتِ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ تَخْصِيصًا لِعُمُومِ مَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بإيمانهم، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فلا
__________
(1) مسلم في 28 كتاب القسامة (2) باب (ح: 9) ص 1296.
(2) في الدلائل: عبد الرحيم.
(3) الحديث أخرجه جماعة من عدة طرق عن أنس: وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود (ح: 4364) والترمذي في كتاب الطهارة باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه (ح: 72) والنسائي في كتاب التحريم، وجمع طرقه كلها.
وأخرجه ابن ماجه في كتاب الحدود (ح: 20) والامام أحمد في مسنده (3 / 163، 177) .
(*)(4/205)
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الْآيَةَ [الْمُمْتَحَنَةِ 10] .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قِصَّةُ الْإِفْكِ وَنُزُولُ بَرَاءَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِيهَا كَانَتْ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا كان من صد الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفَ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سنين، فأمن الناس فيهن بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَعَلَى أَنَّهُ لَا إِغْلَالَ وَلَا إِسْلَالَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَمَاكِنِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَوَلِيَ الْحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُشْرِكُونَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَفِيهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مُصْطَحِبِينَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وشجاع بن وهب بن أسد بن جذيمة شَهِدَ بَدْرًا إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغسَّاني يعني ملك عرب النصارى، وَدِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ النصارى بالحبشة وهو أصحمة ابن الحر.
سنة سبع من الهجرة
غَزْوَةُ خَيْبَرَ (1) فِي أَوَّلِهَا
قَالَ شُعْبَةُ: عَنِ الحاكم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قوله (وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) قَالَ
خَيْبَرَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَنْ الحديبية مكث عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ الَّتِي وَعَدَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا.
وَحَكَى مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ افْتِتَاحَ خَيْبَرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ (2) ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ كَمَا قَدَّمْنَا: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.
ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَا الْحِجَّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إِلَى خَيْبَرَ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ قَالَا: انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فأقام بها حتى سار إلى خيبر فنزل بالرجيع واد بين [خيبر و] (3) غطفان
__________
(1) خيبر: بخاء معجمة فتحتية فموحدة وهي اسم ولاية تشتمل على عدة حصون ومزارع ونخل كثير، تقع على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاج الشام.
والخيبر تعني الحصن بلسان اليهود.
وقبل سميت خيبر على اسم خيبر أخو يثرب بن قانية بن مهلاييل بن آدم.
(2) الخبر في الدرر لابن عبد البر 196 عن موسى بن عقبة، وعنه رواه البيهقي في الدلائل 4 / 195.
(3) في الاصل بياض، واستدرك النقص من رواية البيهقي 4 / 197.
(*)(4/206)
فتخوف أن تمدهم غطفان [فبات به] (1) حتى أصبح فغدا عليهم.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ في خروجه أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (2) وَقَالَ عَبْدُ الله بن إدريس، عن [ابن] (3) إسحق: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كان (4) افتتاح خيبر في عقيب الْمُحَرَّمِ وَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ صَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيَّ (5) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وهيب، حدثنا خيثم، يَعْنِي ابْنَ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ والنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم في خيبر وَقَدِ اسْتَخْلَفَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ يَعْنِي الْغَطَفَانِيَّ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ في صلاة الصبح في الركعة الأولى كهيعص وفي الثانية ويل للمطففين، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وَيْلٌ لِفُلَانٍ إِذَا اكْتَالَ [اكْتَالَ] (6) بِالْوَافِي وَإِذَا كَالَ كَالَ بِالنَّاقِصِ قَالَ: فلما صلى رددنا شَيْئًا حَتَّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ وَقَدِ افْتَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَيْبَرَ.
قَالَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ
فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عن خيثم بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَفَرٍ مِنْ بني غفار قال: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى خيبر سلك على عصر وبنى له فيها مسجداً ثُمَّ عَلَى الصَّهْبَاءِ (7) ثُمَّ أَقْبَلَ بِجَيْشِهِ حَتَّى نَزَلَ بِهِ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدُّوا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَنِي أَنَّ غَطَفَانَ لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ جَمَعُوا ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا الْيَهُودَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إِلَيْهِمْ فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَأَقَامُوا فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ خَيْبَرَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ: أنَّه خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ - صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يؤتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (8) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بن أبي
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي.
(2) دلائل البيهقي 4 / 197 ومغازي الواقدي 2 / 632.
(3) من البيهقي.
(4) في الاصل لما كان تحريف.
(5) في مغازي الواقدي وابن سعد: سباع بن عرفطة.
(6) من رواية البيهقي في الدلائل ج 4 / 198.
في باب: استخلافه على المدينة حين خرج إلى خيبر: سباع بن عرفطة.
(7) عصر: بالكسر.
جبل بين المدينة ووادي الفرع.
والصهباء موضع بينه وبين خيبر روحة (معجم البلدان) .
(8) أخرجه في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4195) وأخرجه في الطهارة عن خالد بن مخلد وفي الجهاد عن محمد بن المثنى.
(*)(4/207)
عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هنياتك - وكان عامر رجلاً شاعرا - فنزل يحدوا بالقوم يقول: لا هُم (1) لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صلينا فاغفر فداء لك ما أبقينا * وألقين سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا * إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا به.
فأتينا خيبر فناصرناهم حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هذه النيران على أي شئ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: لَحْمُ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رجل: يا رسول الله أو نهريقها وَنَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ.
فَلَمَّا تَصَافَّ النَّاسُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ فَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ.
فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ آخذ بيدي قال مالك؟ قُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ (2) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَزِيدَ بن أبي عبيد مِثْلَهُ.
وَيَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ نَكِرَةٍ وَهُوَ سَائِغٌ إِذَا دَلَّتْ عَلَى تَصْحِيحِ مَعْنًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَصَلَّى وَرَاءَهُ رَجُلٌ قِيَامًا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ عَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ حَدَّثَنِي: مُحَمَّدُ بْنُ ابْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ وَهُوَ عَمُّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ: انْزِلْ يَا بن الأكوع فخذ لنا من هناتك، فقال: فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا إِنَّا إِذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا * وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا * وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُكَ رَبُّكَ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ.
فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا.
ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ قَتْلِهِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُعَتِّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَا فيهم: قفوا، ثم قال: اللهم رب السموات
__________
(1) في البخاري: اللهم.
(2) فتح الباري 7 / 373 ومسلم في 34 كتاب الصيد (5) باب (ح: 33) .
(*)(4/208)
وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وخير ما فيها، نعوذ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنِ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا، وَأَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: قِفُوا فَوَقَفَ الناس فقال: اللهم رب السَّموات السَّبع وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ، فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا، فَبَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، وَرَكِبْتُ خَلَفَ أَبِي
طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَقْبَلَنَا عُمَّالُ خَيْبَرَ غَادِينَ، قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَيْشَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مَعَهُ! فَأَدْبَرُوا هُرَّابًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (2) ، قال ابن إسحاق حدثنا هرون عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بليل لم يغر بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بسماحيهم وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ.
مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (3) .
تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا أبو عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بالنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
قَالَ فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 343 ودلائل البيهقي 4 / 204.
(2) سيرة ابن هشام: 4 / 344.
(3) في 64 كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر (ح: 4197) فتح الباري 7 / 375.
(*)(4/209)
وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ (1) .
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عن قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا أَتَى النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ فَوَجَدَهُمْ حِينَ خرجوا إلى زرعهم ومساحيهم فَلَمَّا رَأَوْهُ وَمَعَهُ الْجَيْشُ نَكَصُوا فَرَجَعُوا إِلَى حِصْنِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: [صَلَّى النَّبِيُّ] (2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ بالسكك فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَأَنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا، فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ (3) .
تفرَّد بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ النَّهْيَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ طُرُقٍ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا حَاجِبُ (4) بْنُ أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حميد الْأَبْيَوَرْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ (5) عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتَّبِعُ الْجَنَائِزَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ عَلَى حِمَارٍ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِرَسَنِ لِيفٍ وَتَحْتَهُ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ التِّرْمِذِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَابْنُ مَاجَهْ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ، وعن عمر بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَرِيرٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ الْمُلَائِيُّ الْأَعْوَرُ الْكُوفِيُّ عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقَالَ التِّرمذي لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَهُوَ يُضَعَّفُ.
قُلْتُ: وَالَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَى في رفاق خَيْبَرَ حَتَّى انْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى فَرَسٍ (6) لَا عَلَى حمار.
ولعل
__________
(1) أخرجه في كتاب المغازي (ح: 4197) .
(2) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(3) رواه البخاري في كتاب المغازي 38 باب (ح: 4199) .
- قوله فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم المقاتلة ... قال ابن حجر: فيه اختصار كبير لانه يوهم أن ذلك وقع عقب الاغارة عليهم وليس كذلك..فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر.
(4) من البيهقي، وفي الاصل خطاب.
(5) من البيهقي: وفي الاصل الفضل.
والخبر في الدلائل ج 4 / 204.
(6) في مغازي الواقدي: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الفتح على فراس يقال له الظرب: 2 / 653.
(*)(4/210)
هَذَا الْحَدِيثَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَكِبَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهُوَ مُحَاصِرُهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ، حدَّثنا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاس يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَلَحِقَ بِهِ.
فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ خَيْبَرُ قَالَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا (أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غداً) رجل يحب اللَّهُ وَرَسُولُهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ.
فَنَحْنُ نَرْجُوهَا.
فَقِيلَ هذا علي فأعطاه ففتح عليه (1) .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ حَاتِمٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قال يَوْمَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ (2) لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فلمَّا أَصْبَحَ النَّاس غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يشتكي عينيه، قال: فأرسل إليه فأتى فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرِأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمُرُ النَّعَمِ (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ والنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ والْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ، قال عمر: فما أحببت الإمارة إِلَّا يَوْمَئِذٍ، فَدَعَا عَلِيًّا فَبَعَثَهُ ثمَّ
قَالَ: اذْهَبْ فَقَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَلَا تَلْتَفِتْ.
قَالَ عَلِيٌّ: عَلَى مَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: قَاتِلْهُمْ حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فعلوا ذلك فقد منعوا منا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (4) لفظ البخاري.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، وجحش بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ الْعِجْلِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الرَّايَةَ فَهَزَّهَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا؟ فَجَاءَ فلان فقال: أنا، قال:
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر، ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة (4) باب (ح: 34) .
(2) يدوكون: أي يخوضون ويموجون.
(3) البخاري، الموضع السابق، ومسلم في الموضع السابق.
(4) مسلم (ح: 33) كتاب 44.
ودلائل البيهقي 4 / 206.
(*)(4/211)
امض، ثمَّ جاء رجل آخر فقال امض، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَأُعْطِيَنَّهَا رَجُلًا لَا يفر، فقال هَاكَ يَا عَلِيُّ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ وفدك وجاء بعجوتها وقديدها.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ، وَيُقَالُ ابن أعصم، وهكذا يُكَنَّى بِأَبِي عَلْوَانَ الْعِجْلِيِّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْيَمَامَةِ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَقَدْ وثَّقه ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَانَ فِي الثِّقات، وَقَالَ يُخْطِئُ كَثِيرًا وَذَكَرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ يُحَدِّثُ عَنِ الْأَثْبَاتِ مِمَّا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ حَتَّى يَسْبِقَ إِلَى الْقَلْبِ أَنَّهَا مَوْهُومَةٌ أَوْ مَوْضُوعَةٌ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانِ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بُعِثَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ وَقَدْ جَهِدَ.
ثُمَّ بَعَثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يديه وليس بفرَّار.
قَالَ سَلَمَةُ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: خُذِ الرَّايَةَ وَامْضِ بِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَخَرَجَ بِهَا والله يصول (1) يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، وَإِنَّا لَخَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب.
فقال اليهودي: غلبتم وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الحاكم الْأَصَمُّ أَنْبَأَنَا الْعُطَارِدِيُّ (2) عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَجَعَ ولم يفتح له [ولما كان الغد أخذه عمر فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ] (3) وَقُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مسلمة، ورجع النَّاس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَدْفَعَنَّ لِوَائِي غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ، فَبِتْنَا طَيِّبَةً نُفُوسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، ثمَّ دَعَا بِاللِّوَاءِ وَقَامَ قَائِمًا فَمَا مِنَّا مِنْ رَجُلٍ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى تَطَاوَلْتُ أَنَا لَهَا وَرَفَعْتُ رَأْسِي لِمَنْزِلَةٍ كَانَتْ لِي مِنْهُ، فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَمَسَحَهَا ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ فَفُتِحَ لَهُ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ مَرْحَبٍ.
قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ أَوَّلُ حُصُونِ خَيْبَرَ حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته.
__________
(1) في ابن هشام: يأنح.
قال السهيلي: هو من الانيح.
وهو علو النفس من شدة العدو.
(2) وهو أحمد بن عبد الجبار.
(3) ما بين معكوفين سقط من الاصل واستدرك من دلائل البيهقي.
(*)(4/212)
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَزْدِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا أخذته الشقيقة (1) فلبث الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَخْرُجُ، فَلَمَّا
نَزَلَ خَيْبَرَ أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخَذَ رَايَةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَضَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ رَجَعَ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَأُعْطِيَنَّهَا غَدًا [رَجُلًا] (2) يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَأْخُذُهَا عَنْوَةً.
وَلَيْسَ ثَمَّ عَلِيٌّ، فَتَطَاوَلَتْ لَهَا قُرَيْشٌ وَرَجَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ ذَلِكَ، فَأَصْبَحَ وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى أَنَاخَ قَرِيبًا وَهُوَ أَرْمَدُ قَدْ عَصَبَ عَيْنَهُ بِشُقَّةِ بُرْدٍ قِطْرِيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: مالك؟ قَالَ: رَمِدْتُ بَعْدَكَ، قَالَ ادْنُ مِنِّي فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ فَمَا وَجِعَهَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَنَهَضَ بِهَا وَعَلَيْهِ جُبَّةُ أُرْجُوَانَ حَمْرَاءُ، قَدْ أُخْرِجَ خَمْلُهَا فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ وَخَرَجَ مَرْحَبٌ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ يَمَانِيٌّ، وَحَجَرٌ قَدْ ثَقَبَهُ مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شاكٍ سِلَاحِي بطلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الليوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبْ * وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلَةِ الْمُغَلَّبِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ * كَلَيْثِ غَابَاتٍ شَدِيدِ الْقَسْوَرَهْ أكيلكم بالصاع كيل السندره قال: فاختلفا ضَرْبَتَيْنِ، فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ بِضَرْبَةٍ فقدَّ الْحَجَرَ وَالْمِغْفَرَ وَرَأْسَهُ وَوَقَعَ فِي الْأَضْرَاسِ، وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ (3) .
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَزَّارُ: عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عن عبد الله بن بكر، عَنْ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قصَّة بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ بَعْثِ عَلِيٍّ فَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.
وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالتَّشَيُّعِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ والْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ: مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَذَكَرَ فِيهِ رُجُوعَهُمْ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي فَزَارَةَ قَالَ: فَلَمْ نَمْكُثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ.
قَالَ: وَخَرَجَ عَامِرٌ فَجَعَلَ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
__________
(1) الشقيقة: صداع يعرض في مقدم الرأس وإلى أحد جانبيه.
(2) من البيهقي، سقطت من الاصل (3) الحديث بتمامه في دلائل البيهقي ج 4 / 210 - 212 وأخرج الجزء الاول منه الحاكم في المستدرك (3 / 37) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي.
(4) في البيهقي: يسفل له: أي يضربه من أسفله.
(*)(4/213)
وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا * فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: مَنْ هَذَا الْقَائِلُ؟ فَقَالُوا عَامِرٌ.
فَقَالَ غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ.
قَالَ: وَمَا خصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَحَدًا بِهِ إِلَّا اسْتُشْهِدَ.
فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ: لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ.
قَالَ فَقَدِمْنَا خَيْبَرَ فَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ قَالَ: فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي ترس عامر فذهب يسعل (1) له فرجع على نفسه فقطع أكحله، فكانت فِيهَا نَفْسُهُ، قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ.
قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَنَا أبكي فقال مالك؟ فَقُلْتُ قَالُوا: إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ.
فَقَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ.
فَقَالَ: كَذَبَ أُولَئِكَ بَلْ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ وَقَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ قَالَ: فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي عَيْنِهِ فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ قَالَ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ * كَلَيْثِ غاباتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ (2) قَالَ فَضَرَبَ مَرْحَبًا فَفَلَقَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ.
وَكَانَ الْفَتْحُ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا السِّيَاقِ أنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ لَعَنَهُ اللَّهُ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الأشقر، حدثني قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا قَتَلْتُ مَرْحَبًا جِئْتُ بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا هُوَ محمد بن مسلمة.
وكذلك
__________
(1) في البيهقي: يسفل له: أي يضربه من أسفله.
(2) أوفيهم بالصاع كيل السندرة: السندرة: مكيال واسع، معناه أقتل العدو قتلا سريعا عاجلا.
(3) الحديث في دلائل البيهقي 4 / 208 و 209.
ورواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي عامر في 32 كتاب الجهاد باب غزوة ذي قرد ص 1439.
(*)(4/214)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ * إِذَا اللُّيُوثُ أقبلت تلهب إِنَّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقْرَبُ (1) قَالَ: فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كعب * مفرج الغماء جري صلب إذ شبت الحرب وثار الْحَرْبُ * مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ يَطَأْكُمُو حَتَّى يذل الصعب * بكف ماضٍ ليس فيه عيب (2) قال وجعل مرحب يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِهَذَا: فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رسول الله، أنا والله الموتور والثائر قَتَلُوا أَخِي بِالْأَمْسِ.
فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحَبِهِ، دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ (3) مِنْ شَجَرِ العشر (4) المسد فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ بها، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ.
فَاتَّقَاهُ بالدرقة فوقع سيفه فيها، فعضت فاستله وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ (5) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِنَحْوِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاس أَنَّ مُحَمَّدًا ارْتَجَزَ حِينَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِ * حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وسمُّ قَاضِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ: عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الَّذِي قتل مرحباً ثم ذكر الْوَاقِدِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا قَطَعَ رِجْلَيْ مَرْحَبٍ فَقَالَ له أجهز علي.
فقال: لاذق الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ.
فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ وَقَطَعَ رَأْسُهُ فَاخْتَصَمَا فِي سَلَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ.
قَالَ وَكَانَ مَكْتُوبًا عَلَى سَيْفِهِ: هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ * مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ (6) ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ أَخَا مَرْحَبٍ وَهُوَ يَاسِرٌ خَرَجَ بعده وهو يقول، هل من مبارز؟
__________
(1) في نسخة لابن هشام زاد شطرا رابعا: يحجم عن صولتي المجرب.
(2) قبل هذا الشطر في ابن هشام: نعطي الجزاء أو يفئ النهب.
(3) عمرية: قديمة.
(4) العشر: شجر أملس له صمغ.
(5) سيرة ابن هشام ج 4 / 348 ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج 4 / 215.
(6) مغازي الواقدي: 2 / 656.
(*)(4/215)
فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ خَرَجَ لَهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ (1) صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَالْتَقَيَا فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ.
قَالَ فَكَانَ الزُّبَيْرُ إِذَا قِيلَ لَهُ والله إن كان سيفك يومئذ صارماً يقول: والله ما كان بصارم وَلَكِنِّي أَكْرَهْتُهُ.
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحسن] (2) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خرجنا مع علي إلى خيبر، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ يَهَودَ، فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ.
فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مَعِي سَبْعَةٌ أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ.
وَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَهَالَةٌ وَانْقِطَاعٌ ظَاهِرٌ.
وَلَكِنْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُطَّلِبِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَافْتَتَحُوهَا وَأَنَّهُ جُرِّبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا.
وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا.
وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ رَجُلًا وَكَانَ جَهْدَهُمْ أَنْ أَعَادُوا الْبَابَ (3) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قال: هذه ضربة أصابتني يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثلاث نفثات فما اشتكيتها حَتَّى السَّاعَةِ (4) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي
الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاذَّة ولا فاذَّة إلا اتبعها فضربها بسيفإ، فقيل يا رسول الله ما أجزأ منا أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ.
قَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الجنَّة إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أنَّك رسول الله.
وقال وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: إنَّ الرَّجل لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّار، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجنَّة (5) .
__________
(1) من ابن هشام.
وفي الاصل أم تحريف.
(2) سقطت من الاصل.
واستدركت من سيرة ابن هشام.
(3) دلائل النبُّوة للبيهقي 4 / 212.
(4) أخرجه في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4206) .
وأخرجه أبو داود في الطب عن أحمد بن أبي سريح الرازي والبيهقي في الدلائل 4 / 251.
(5) في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4207) وح (4202) (*)(4/216)
رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أبي حازم عن سهل فذكره مثله أو نحوه.
ثم قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهري: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار.
فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ يرتاب.
فوجد الرجل ألم جراحه فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صدَّق اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ قُمْ يَا فُلَانُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ (1) .
وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قِصَّةَ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ الَّذِي رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ وَالشَّهَادَةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَا: وَجَاءَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَسْوَدُ مِنْ
أَهْلِ خَيْبَرَ كَانَ فِي غَنَمٍ لِسَيِّدِهِ فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ قَدْ أَخَذُوا السِّلَاحَ سَأَلَهُمْ، قَالَ مَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ.
فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ حَتَّى عَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِلَى مَا تَدْعُو؟ قال أدعوك إلى الإسلام إلى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ.
قَالَ: فَقَالَ الْعَبْدُ: فَمَاذَا يَكُونُ لِي أَنْ شَهِدْتُ بِذَلِكَ وَآمَنْتُ بِاللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ إِنْ مِتَّ عَلَى ذَلِكَ.
فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ عِنْدِي أَمَانَةٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ.
فَفَعَلَ فَرَجَعَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا فَعَرَفَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلَامَهُ أَسْلَمَ.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَ النَّاسَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِعْطَائِهِ الرَّايَةَ عَلِيًّا وَدُنُوِّهِ مِنْ حِصْنِ الْيَهُودِ وَقَتْلِهِ مَرْحَبًا وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ فَاحْتَمَلَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ فَأُدْخِلَ فِي الْفُسْطَاطِ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ هَذَا الْعَبْدَ وساقه إلى خير قد كان الإسلام في قلبه حَقًّا وَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْحَوَرِ الْعِينِ (2) وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَخَرَجَتْ سَرِيَّةٌ فَأَخَذُوا إِنْسَانًا مَعَهُ غَنَمٌ يَرْعَاهَا، فَذَكَرَ نَحْوَ قِصَّةِ هَذَا الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ وَقَالَ فِيهِ: قُتِلَ شَهِيدًا وَمَا سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حدَّثنا محمد بن محمد بن محمد (3) الفقيه: حدثنا أبو بكر القطان، حدثنا
__________
(1) المصدر السابق: فتح الباري 7 / 471.
(2) رواه البيهقي عن موسى بن عقبة في الدلائل ج 4 / 219.
(3) في البيهقي: محمش.
(*)(4/217)
أبو الأزهر، حدثنا موسى (1) بن اسمعيل، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أسود اللون قبيح الوجه لَا مَالَ لِي فَإِنْ قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى
أُقْتَلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ؟ قَالَ:: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ: لَقَدْ حسن الله وجهك وطيب روحك وَكَثَّرَ مَالَكَ وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الحور العين يتنازعان جبته عليه يَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبَّتِهِ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَقَالَ: أُهاجر مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهُ، وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فأخذه فجاء به النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا هَذَا يا محمد؟ قال: قسم قسمته لك] (2) فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ.
ثُمَّ نَهَضُوا إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ وَقَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ.
وَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قدمه فصلى عليه وكان مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خرج مهاجراً في سبيلك قتل شهيداً وأنا عَلَيْهِ شَهِيدٌ (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عن ابن جريج به نحوه.
فصل
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وتدَّنى (4) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، وَكَانَ أَوَّلَ حُصُونِهِمْ فُتِحَ حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى منه فقتله، ثُمَّ الْقَمُوصُ حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ.
وَأَصَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ سَبَايَا مِنْهُنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الحقيق وبنتي عَمٍّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ فَلَمَّا اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمِّهَا.
قَالَ: وَفَشَتِ السَّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَأَكَلَ النَّاسُ لُحُومَ الْحُمُرِ، فَذَكَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ عَنْ أَكْلِهَا (5) .
وَقَدِ اعْتَنَى الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْفَصْلِ فَأَوْرَدَ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ وَتَحْرِيمُهَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَهُوَ مذهب الأئمة الأربعة.
وقد ذهب بعض
__________
(1) في البيهقي: مؤمل.
(2) من البيهقي.
(3) الاخبار رواها البيهقي في الدلائل ج 4 / 220 - 222.
(4) تدنى: أي أخذ الادنى فالادنى.
(5) سيرة ابن هشام 3 / 345.
(*)(4/218)
السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى إِبَاحَتِهَا وَتَنَوَّعَتْ أَجْوِبَتُهُمْ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَقِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ ظَهْرًا يَسْتَعِينُونَ بِهَا فِي الْحَمُولَةِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُمِّسَتْ بَعْدُ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ يَعْنِي جَلَّالَةً.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْهَا لِذَاتِهَا فَإِنَّ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأَكْفَئُوهَا وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا.
وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَهَى النَّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ، أَذِنَ لَهُمْ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ورخَّص فِي الْخَيْلِ.
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ إِتْيَانِ الْحَبَالَى مِنَ النِّسَاءِ، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ.
وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ عن حسن الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَغْرِبَ، فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يقال لها جربة (1) ، فقام فيها خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أن يسقي ماء زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى مِنَ السَّبْيِ، لَا
يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دابة من فئ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يلبس يوما من فئ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ (2) .
وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
ورواه الترمذي عن حفص بن عمرو الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أيوب عن ربيعة بن سليم عن بشر بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مُخْتَصَرًا.
وَقَالَ حَسَنٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنْ أَكْلِ الثُّومِ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيٍّ وَشَرِيكِ بْنِ الْحَنْبَلِ أَنَّهُمَا ذَهَبَا إِلَى تَحْرِيمِ الْبَصَلِ والثوم النئ.
والذي نقله الترمذي عنهما الكراهة فالله فأعلم.
وَقَدْ تكلَّم النَّاس فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خيبر، وعن
__________
(1) جربة: بالكسر: جزيرة بالمغرب من ناحية قابس (معجم البلدان) .
(2) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 346.
(*)(4/219)
لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ.
هَذَا لَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ بِيَوْمِ خَيْبَرَ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نِسَاءٌ يَتَمَتَّعُونَ بِهِنَّ إِذْ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ الِاسْتِغْنَاءُ بِالسِّبَاءِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مسلم عن الربيع بن سبرة عن مَعْبَدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى نَهَى عَنْهَا وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ نَهَى عَنْهَا ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا ثُمَّ حُرِّمَتْ فَيَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَمَعَ هَذَا فَقَدَ نصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحُ ثُمَّ حُرِّمَ غَيْرَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمَا حَدَاهُ عَلَى هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَّا اعْتِمَادُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (1) ... وَقَدْ حَكَى السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهَا أُبِيحَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَحُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ آخَرُونَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفُوا أَيُّ وَقْتٍ أَوَّلُ مَا حُرِّمَتْ فَقِيلَ فِي خَيْبَرَ وَقِيلَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَقِيلَ في عام الفتح وهذا يَظْهَرُ وَقِيلَ فِي أَوْطَاسٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ فِي تَبُوكَ وَقِيلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا - وَكَانَ حَسَنٌ أَرْضَاهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا - أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِابْنِ عبَّاس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الحمر الأهلية زمن خيبر.
قالوا فاعتقدنا الرَّاوِي أَنَّ قَوْلَهُ خَيْبَرَ ظَرْفٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَأَمَّا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ظَرْفًا وَإِنَّمَا جَمَعَهُ مَعَهُ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَجَمَعَ لَهُ النَّهْيَ لِيَرْجِعَ عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِبَاحَةِ.
وَإِلَى هَذَا التَّقْرِيرِ كَانَ مَيْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الحجَّاج المزِّي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ آمِينَ.
وَمَعَ هَذَا مَا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّا كَانَ يَذْهَبُ [إِلَيْهِ] مِنْ [إِبَاحَةِ] الْحُمُرِ وَالْمُتْعَةِ، أَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْحُمُرِ فَتَأَوَّلَهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَتَهُمْ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنَّمَا كَانَ يُبِيحُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي الْأَسْفَارِ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَالْوِجْدَانِ وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَشْهُورًا عَنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ إِلَى زَمَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَبَعْدَهُ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَحَاوَلَ بَعْضُ من صنف في الحلال نقل رواية عن الإمام بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَوْضِعُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَبِاللَّهِ المستعان.
__________
(1) بياض بالاصول بمقدار سطر.
(*)(4/220)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَدَنَّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ: أَنَّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا شئ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنك قد عرفت حالهم وإن ليست لهم قوة وإن ليس بيدي شئ أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غنى، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا.
فَغَدَا النَّاسُ، فَفُتِحَ عَلَيْهِمْ حِصْنُ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا بِخَيْبَرَ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَحَازَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِمُ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عشر لَيْلَةً.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ أَمِتْ (2) .
قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثني بريدة بن سفيان الأسدي الْأَسْلَمِيُّ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أبي اليسر كعب بن عمرو قال: إني لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ إِذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو الْيَسَرِ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَافْعَلْ.
قَالَ فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ مِثْلَ الظَّلِيمِ (3) فَلَمَّا نظر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا قَالَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنَا بِهِ قَالَ: فَأَدْرَكْتُ الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أَوَّلُهَا الْحِصْنَ (4) ، فَأَخَذْتُ شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا، فَاحْتَضَنْتُهُمَا تَحْتَ يَدِي، ثُمَّ جئت بهما أشتد كأنه ليس معي شئ حَتَّى أَلْقَيْتُهُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا، فَكَانَ أَبُو الْيَسَرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتاً وكان إذا حدث الْحَدِيثَ بَكَى، ثمَّ قَالَ: أُمْتِعُوا بِي لَعَمْرِي حتى كنت من آخرهم (5) .
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدَيِّ أَوْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَيْبَرَ قَدِمَ وَالثَّمَرَةُ خَضِرَةٌ قَالَ فأسرع الناس إليها، فَحُمُّوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَرِّسُوا الماء في الشنان (6) ثم يجرونه عليهم إذا أتى الفجر، ويذكرون اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا نُشِطُوا من عقل.
قال البيهقي ورويناه عن
__________
(1) في مغازي الواقدي: حصن النطاة، وكان فيه خمسمائة مقاتل.
وفيه: الطعام والودك والماشية والمتاع (والودك: دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه) .
(2) الخبران في ابن هشام 3 / 347.
(3) الظليم: ذكر النعام.
(4) في الواقدي، كان ذلك خلال حصارهم حصن الصعب بن معاذ.
(5) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 350 ومغازي الواقدي: 2 / 660.
(6) يقرسوا: يبردوا.
الشنان: الاسقية الخلقة، وهي أشد تبريدا للماء من الجدد.
(*)(4/221)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ مَوْصُولًا وَعَنْهُ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَبَهْزٌ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حدَّثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يوم خيبر فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ: فالتفتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتسم (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغفل قال: كنا نحاصر قَصْرَ خَيْبَرَ فأُلقي إِلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ، فذهبت فأخذته فرأيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم فاستحيت وَقَدْ أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ (3) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عن عثمان بن المغيرة.
وقال ابن إسحق: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغفل المزني قال: أصبت من فئ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ، قَالَ: فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي إِلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي، قَالَ: فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ، الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ: هَلُمَّ حَتَّى نَقْسِمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكَهُ قَالَ: وَجَعَلَ يُجَاذِبُنِي الْجِرَابَ قَالَ: فَرَآنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا ثُمَّ قال لصاحب المغانم: خلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي فَأَكَلْنَاهُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي تَحْرِيمِهِ شحوم ذبائح اليهود وما كان غلبهم عليه غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وطعام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حل لكم قَالَ لَكُمْ.
قَالَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ
بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الشَّحْمُ مِمَّا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ لَا يُخَمَّسُ وَيَعْضُدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العلاء، حدثنا أبو معاوية، حدثنا إِسْحَاقَ الشَّيبانيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قلت: كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ الطَّعَامَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَبْنَا طَعَامًا يوم خيبر وكان الرجل يجئ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.
تفرد به أبو داود وهو حسن (4) .
ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية كان مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهُ لَمَّا أَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إِلَى خَيْبَرَ وَفِيهِمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَبَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانُوا ذَوِي أَمْوَالٍ وَشَرَفٍ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ إِذْ ذَاكَ طِفْلَةً دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ لَمَّا تَأَهَّلَتْ لِلتَّزْوِيجِ تَزَوَّجَهَا بَعْضُ بَنِي عمها فلما زفت إليه، وأدخلت إليه بنى بها ومضى على ذلك ليالي رَأَتْ فِي مَنَامِهَا كَأَنَّ قَمَرَ السَّمَاءِ قَدْ سَقَطَ فِي حِجْرِهَا فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى ابْنِ عَمِّهَا فَلَطَمَ وَجْهَهَا وَقَالَ أَتَتَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ أن يصير بعلك.
فما
__________
(1) الخبران في الدلائل للبيهقي 4 / 242.
(2) رواه البخاري في باب غزوة خيبر.
ومسلم في الجهاد 25 باب ح 72.
(3) المصدر السابق.
(4) أخرجه أبو داود في الجهاد باب: النهي عن النهبى (ح: 2704) (ص: 3 / 66) .
(*)(4/222)
كان إلا مجئ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِصَارُهُ إِيَّاهُمْ فَكَانَتْ صَفِيَّةُ فِي جُمْلَةِ السَّبْيِ وَكَانَ زوجها في جملة القتلى.
ولما اصطفناها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَارَتْ فِي حَوْزِهِ وَمُلْكِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَنَى بِهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا وَحِلِّهَا، وَجَدَ أَثَرَ تِلْكَ اللَّطْمَةِ فِي خَدِّهَا فَسَأَلَهَا مَا شَأْنُهَا، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا كَانَتْ رَأَتْ مِنْ تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ
فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.
قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا، فَأَعْتَقَهَا تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (1) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عبد الرحمن، ح.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حدَّثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قدمنا خيبر فلما فتح صلى الله عليه وسلم الْحِصْنَ ذُكر لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا سُدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ.
ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ (2) .
تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبنى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فيها من خبز ولحم وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجِبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ (3) .
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبراهيم قال: حدَّثنا ابن علية، عن
__________
(1) أخرجه البخاري عن مسدد في 8 كتاب الصلاة 11؟ باب ما يذكر في الفخذ.
ومسلم عن أبي الربيع عن حماد في 16 كتاب النكاح 13 باب فضيلة اعتاق أمته ثم يتزوجها.
(2) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4211) .
(3) أخرجه في المغازي 38 باب (ح: 4213) .
(*)(4/223)
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جُمِعَ السَّبْيُ - يَعْنِي بِخَيْبَرَ - فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبي قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً.
فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ قَالَ يَعْقُوبُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ.
قال: ادعوا بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبي غَيْرَهَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَقَعَ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سلمة تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا قَالَ حَمَّادٌ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمُوصَ، حِصْنَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، أُتي بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ - وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِمَا - عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ، وَصَكَّتْ وَجْهَهَا، وَحَثَتِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فلمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْزِبُوا عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ.
وَأَمَرَ بِصَفِيَّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ - - فِيمَا بَلَغَنِي حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ مَا رَأَى: أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حَتَّى تَمُرَّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ: مَا هَذَا " إِلَّا أَنَّكِ تَمَنَّيْنَ مَلِكَ الْحِجَازِ محمدا، فلطلم وَجْهَهَا لَطْمَةً خضَّر عَيْنَهَا مِنْهَا.
فأُتي بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ، فَسَأَلَهَا مَا هَذَا، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ مَكَانَهُ.
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم رَجُلٌ (1) مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم:
إِنِّي رَأَيْتُ كِنَانَةَ يَطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكِنَانَةَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضُ كَنْزِهِمْ ثُمَّ سَأَلَهُ عَمَّا بَقِيَ، فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ.
وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بزنده فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دفعه رسول الله إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ محمود بن مسلمة (2) .
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حصنيهم الوطيح والسلالم حتى إذا
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 3 / 351.
(2) ذكره الواقدي واسمه: ثعلبة بن سلام بن أبي الحقيق.
(*)(4/224)
أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، سَأَلُوهُ أَنَّ يُسَيِّرَهُمْ (1) وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إِلَّا مَا كَانَ من ذينك الحصنين، فلمَّا سمع أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَسْأَلُونَهُ] أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ.
وَكَانَ مِمَّنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ.
فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ.
وعامل أهل فدك بمثل ذلك.
فصل فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ لَمَّا تَحَوَّلَتِ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ وَحِصْنِ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى قَلْعَةِ الزُّبَيْرِ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقال لَهُ غزَّال (2) فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، تُؤمنني عَلَى أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النَّطَاةِ وَتَخْرُجُ إِلَى أَهْلِ الشِّقِّ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّقِّ قَدْ هَلَكُوا
رُعْبًا مِنْكَ؟ قَالَ: فأمَّنه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا تُحَاصِرُهُمْ مَا بَالَوْا بِكَ، إِنَّ لَهُمْ تَحْتَ الْأَرْضِ دُبُولًا (3) يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قَلْعَتِهِمْ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ دُبُولِهِمْ فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنَ الْيَهُودِ عَشَرَةٌ وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النَّطَاةِ.
وَتَحَوَّلَ إِلَى الشِّقِّ وَكَانَ بِهِ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ مِنْهَا حِصْنُ أُبَيٍّ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلْعَةٍ يُقَالُ لَهَا سُمْوَانُ (4) فقاتل عليها أَشَدَّ الْقِتَالِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَزُولٌ (5) فَدَعَا إِلَى الْبَرَازِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ نِصْفِ ذِرَاعِهِ وَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ وَفَرَّ الْيَهُودِيُّ رَاجِعًا فَاتَّبَعَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ عُرْقُوبَهُ وَبَرَزَ مِنْهُمْ آخَرُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ الْيَهُودِيُّ فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ وَأَحْجَمُوا عَنِ الْبَرَازِ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ، وَأَمَامَهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا وَهَرَبَ من كان فيه
__________
(1) يسيرهم: ينفيهم.
(2) من مغازي الواقدي: وفي الاصل: عزال.
(3) في الواقدي: ذيول.
والصواب ما أثبتناه، والدبول: جمع دبل وهو الجدول (القاموس) .
(4) في مغازي الواقدي: سمران.
(5) في الواقدي: غزال.
(*)(4/225)
من المقاتلة، وتقحموا الجزر كأنهم الضباب (1) حتى صاروا إلى حصن البزاة (2) بِالشِّقِّ وَتَمَنَّعُوا أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، فَزَحَفَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَتَرَامَوْا وَرَمَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِيَدِهِ الكريمة حتى أصاب نبلهم بنانه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَخَذَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَفًّا مِنَ الْحَصَا فَرَمَى حِصْنَهُمْ بِهَا فَرَجَفَ بِهِمْ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ وَأَخَذَهُمُ الْمُسْلِمُونَ أَخْذًا بِالْيَدِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهل الأخبية (3) والوطيح والسلالم حصني [ابن] (4) أَبِي الْحُقَيْقِ وَتَحَصَّنُوا أَشَدَّ التَّحَصُّنِ، وَجَاءَ إِلَيْهِمْ كل من كان انهزم من النطاة إلى الشق فتحصنوا معهم في القموص وفي
الْكَتِيبَةِ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَفِي الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، وَجَعَلُوا لَا يَطْلُعُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ حَتَّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَزَلَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَهُ عَلَى حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَيُسَيِّرُهُمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَمْوَالِ وَالصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ وَعَلَى الْبَزِّ، إِلَّا ما كان على ظهر إنسان - يَعْنِي لِبَاسَهُمْ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ (5) .
قُلْتُ: وَلِهَذَا لَمَّا كَتَمُوا وَكَذَبُوا وَأَخْفَوْا ذَلِكَ الْمَسْكَ (6) الَّذِي كَانَ فِيهِ أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ تَبَيَّنَ أنه لا عهد لهم فقتل ابني أَبِي الْحُقَيْقِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِهِ بِسَبَبِ نَقْضِ الْعُهُودِ مِنْهُمْ وَالْمَوَاثِيقِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنِي أبو الحسن علي بن محمد المقريّ الإسفرايني، حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَا يَحْسَبُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ فَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء [والحلقة] وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ [لِعَمِّ حُيَيٍّ] : مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الزبير
__________
(1) في الواقدي: تقحموا الجدر كأنهم الظباء.
(2) في الواقدي: النزار.
(3) في المغازي: إلى الكتيبة.
(4) من الواقدي.
(5) مغازي الواقدي 2 / 669 - 671.
(6) في الواقدي: مسك الجمل: وهو الجلد (كما في الصحاح) .
وفي حله: أسورة الذهب، ودمالج الذهب، وخلاخل الذهب وقرطة ونظم من جوهر وزمرد وخواتم وفتح (خاتم كبير) .
(*)(4/226)
فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةٍ فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وقسَّم أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ إِجْلَاءَهُمْ منهما، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِأَصْحَابِهِ [غِلْمَانٌ] (1) يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشطر من كل زرع ونخيل وشئ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ كُلَّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا (2) عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُضَمِّنُهُمُ الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدَّةَ خَرْصِهِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ تُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ.
فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السموات وَالْأَرْضُ.
قَالَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خُضْرَةً فَقَالَ: يَا صَفِيَّةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَالَ: تَتَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ.
قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ قَتَل زَوْجِي وَأَبِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكِ ألَّب عليَّ العرب، وفعل ما فعل حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ غَشُّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَلْقَوْا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَعُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ.
فَقَالَ رَئِيسُهُمْ لَا تُخْرِجْنَا دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر.
فقال عمر: أتراني سقط عليَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ بك إذا وقصت بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا.
وَقَسَمَهَا عُمَرُ
بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سلمة.
قال البيهقي: وعلقه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (3) .
قُلْتُ: وَلَمْ أَرَهُ فِي الْأَطْرَافِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، حدَّثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيثي، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ نقرهم عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى النِّصْفِ مِمَّا خَرَجَ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ التَّمْرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ، وَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) مَنْ البيهقي، وفي الاصل غلال وهو تحريف.
(2) من البيهقي: وفي الاصل فيخرجها.
(3) الحديث بتمامه في دلائل البيهقي ج 4 / 228 - 231، وما بين معكوفين في الحديث زيادة من الدلائل.
وأخرج شطره الاول أبو داود في كتاب الخراج والامارة.
باب ما جاء في حكم أرض خيبر (ح: 3006) والبخاري في 54 كتاب الشروط (14) إذا اشترط في المزارعة.
(*)(4/227)
الْخُمُسَ، وَكَانَ أَطْعَمَ كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْخُمُسِ مِائَةَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ.
فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ أَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُنَّ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُنَّ أن أقسم لها مِائَةَ وَسْقٍ فَيَكُونُ لَهَا أَصْلُهَا وَأَرْضُهَا وَمَاؤُهَا وَمِنَ الزَّرْعِ مَزْرَعَةً عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَلْنَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ نَعْزِلَ الَّذِي لَهَا فِي الْخُمُسِ كَمَا هُوَ فَعَلْنَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ: مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِذَا شَاءَ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ.
فَأَخْرَجَهُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شئ وَاحِدٌ.
قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا.
تَفَرَّدَ بِهِ
دُونَ مُسْلِمٍ.
وَفِي لَفْظٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وبني عبد المطلب شئ وَاحِدٌ، إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ (1) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ وَنَاصَرُوهُمْ فِي إِسْلَامِهِمْ وَجَاهِلِيَّتِهِمْ.
قُلْتُ وَقَدْ ذَمَّ أبو طالب بني عبد شمس ونوفلا حَيْثُ يَقُولُ: جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا * عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بن ثابت، ثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا.
قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ (2) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ أنَّه سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا (3) لَيْسَ لهم شئ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بِهِ.
وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ خَيْبَرَ بِكَمَالِهَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا ابْنُ السَّرْحِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 38 غزوة خيبر.
وأبو داود في الخراج عن القواريري، وابن ماجة في الجهاد عن يونس بن عبد الا على.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر.
وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق سليم بن أخضر ج 4 / 238، وبإسناد البيهقي أخرجه مسلم في كتاب الجهاد.
باب كيفية قسمة الغنيمة (ح.
57) وأخرجه الترمذي في السير وقال: حسن صحيح.
(3) ببانا: أي على وتيرة واحدة، وهي كلمة غير عربية.
(*)(4/228)
بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله افتتح خيبر عنوة بعد القتال وترك من ترك مِنْ أَهْلِهَا [عَلَى الْجَلَاءِ] بَعْدَ الْقِتَالِ، وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ خَمَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ ثُمَّ قسَّم سَائِرَهَا عَلَى مَنْ شَهِدَهَا.
وَفِيمَا
قَالَهُ الزُّهْرِيُّ نَظَرٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ خَيْبَرَ جَمِيعَهَا لَمْ تُقْسَمْ وَإِنَّمَا قسم نصفها بين الناس كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْنُومَةِ إِنْ شَاءَ قسَّمها وَإِنْ شَاءَ أَرْصَدَهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ شَاءَ قسَّم بَعْضَهَا وَأَرْصَدَ بَعْضَهَا لِمَا يَنُوبُهُ فِي الْحَاجَاتِ وَالْمَصَالِحِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ (1) : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لنوائبه، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قسَّمها بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا فَعَيَّنَ نِصْفَ النَّوَائِبِ الْوَطِيحَ وَالْكَتِيبَةَ وَالسُّلَالِمَ وَمَا حِيزَ مَعَهَا، وَنِصْفَ الْمُسْلِمِينَ الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَمَا حِيزَ مَعَهُمَا وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حِيزَ مَعَهُمَا (2) .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ فَقَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كَلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الثَّانِي لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاس.
تفرَّد بِهِ أَبُو دَاوُدَ (3) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حدثنا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ سَمِعْتُ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعٍ يَقُولُ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ عن عمه مجمع بن حارثة الأنصاري - وكان أحد القراء الذين قرأوا الْقُرْآنَ - قَالَ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وخمسمائة فيهم ثلثمائة فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا (4) .
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ بَعْضَ خيبر عنوة.
ورواه أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ أَخْبَرَكُمُ ابْنُ وَهْبٍ: حدَّثني مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنْ خَيْبَرَ بَعْضُهَا كَانَ عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا وَالْكَتِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً وَفِيهَا صُلْحٌ، قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا الْكَتِيبَةُ؟ قَالَ: أَرْضُ خَيْبَرَ وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ
عَذْقٍ (5) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالْعَذْقُ النَّخْلَةُ.
وَالْعِذْقُ الْعُرْجُونُ.
وَلِهَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حدثنا محمد بن
__________
(1) سنن أبي داود كتاب الخراج حديث 3010 ج 3 / 159.
(2) سنن أبي داود - كتاب الخراج ح 3013.
(3) المصدر السابق حديث 3012.
(4) سنن أبي داود - كتاب الخراج - حديث 3015.
(5) سنن أبي داود كتاب الخراج حديث 3017.
(*)(4/229)
بَشَّارٍ ثَنَا حَرَمِيٌّ، ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا شَبِعْنَا - يَعْنِي مِنَ التَّمر - حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتِ الشَّقُّ وَالنَّطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ الشَّقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَنَطَاةُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ قَسَمَ الْجَمِيعَ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ وَدَفَعَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ خَيْبَرٍ مِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ إِلَّا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ (1) ، قَالَ وَكَانَ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ فَصُرِفَ إِلَى كُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَزِيدَ الْمِائَتَا فَارِسٍ أَرْبَعَمِائَةِ سَهْمٍ لِخُيُولِهِمْ (2) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ معهما مائتا فَرَسٍ (3) .
قُلْتُ: وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ بِسَهْمٍ وَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ من سهمان الشق مع عاصم ابن عَدِيٍّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ الْكَتِيبَةُ خُمُسًا لله تعالى وسهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَطُعْمَةَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُعْمَةَ أَقْوَامٍ مَشَوْا فِي صُلْحِ أَهْلِ فَدَكَ، مِنْهُمْ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ وَكَانَ وَادِيَاهَا اللَّذَانِ قُسِّمَتْ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُمَا: وَادِي السُّرَيْرِ وَوَادِي خَاصٍ (4) .
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ
تَفَاصِيلَ الْإِقْطَاعَاتِ مِنْهَا فَأَجَادَ وَأَفَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قِسْمَتَهَا وَحِسَابَهَا جَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قُلْتُ: وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَى خَرْصِ نَخِيلِ خَيْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا سَنَتَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ وَلِي بَعْدَهُ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ (5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فجاء بتمر جنيب، فقال رسول صلَّى الله عليه وآله " أكل تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا
__________
(1) قال الواقدي: تخلف عنها: مرى بن سنان، وأيمن بن عبيد، وسباع بن عرفطة - خلفه على المدينة - وجابر بن عبد الله ومات منهم رجلان فأسهم رسول الله لمن تخلف منهم ومن مات.
واسهم لثلاثة مرضى لم يحضروا القتال: سويد بن النعمان وعبد الله بن سعد بن خيثمة ورجل من بني خطامة.
واسهم للذين قتلوا من المسلمين.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 363 ونقله البيهقي عنه في الدلائل 4 / 237.
(3) دلائل البيهقي 4 / 238.
(4) خاص: في الاصل وفي معجم البلدان.
وقال السهيلي خاص تحريف وصوابه خلص.
(5) في الواقدي: أبا الهيثم بن التيهان بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ابن رواحة يخرص عليهم.
(*)(4/230)
بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ " لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا ".
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ وأمَّره عَلَيْهَا، وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: كَانَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الَّذِي أَصَابَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا قَسَمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ بِكَمَالِهَا وَهِيَ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ نَزَلُوا مِنْ شِدَّةِ رُعْبِهِمْ مِنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَصَالَحُوهُ.
وَأَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا رِكَابٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَكَانَ يَعْزِلُ مِنْهَا نَفَقَةَ أَهْلِهِ لِسَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ يَصْرِفُهُ فِي الْكُرَاعِ والسِّلاح وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ اعْتَقَدَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - أَوْ أَكْثَرَهُنَّ - أَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُنَّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَلَمَّا طَلَبَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ نَصِيبَهُمْ مِنْ ذلك وسألوا الصديق أن يسلمه إليهم، وذكر لَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نورث ما تركنا صَدَقَةٌ " وَقَالَ: أَنَا أَعُولُ مَنْ كَانَ يَعُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ لَقَرَابَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَصَدَقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ فَإِنَّهُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ فِي ذَلِكَ التَّابِعُ لِلْحَقِّ، وَطَلَبَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَى لِسَانِ فَاطِمَةَ إِذْ قَدْ فَاتَهُمُ الْمِيرَاثُ أَنْ يَنْظُرَا فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَأَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي كَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُهَا فِيهَا، فَأَبَى عَلَيْهِمُ الصِّدِّيقُ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فِيمَا كَانَ يَقُومُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ مَسْلَكِهِ وَلَا عَنْ سُنَنِهِ.
فَتَغَضَّبَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا بَعْضَ الْمَوْجِدَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ.
وَالصِّدِّيقُ مَنْ قَدْ عَرَفَتْ هِيَ وَالْمُسْلِمُونَ مَحِلَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَامَهُ فِي نُصْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ وَعَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرًا، وَتُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَدَّدَ عَلِيٌّ الْبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فلمَّا كَانَ أَيَّامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَأَلُوهُ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إِلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَثَقَّلُوا عَلَيْهِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ فَفَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَاتِّسَاعِ مَمْلَكَتِهِ وَامْتِدَادِ رَعِيَّتِهِ، فَتَغَلَّبُ عَلَى عَلِيٍّ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ فِيهَا ثُمَّ تَسَاوَقَا يَخْتَصِمَانِ إِلَى عُمَرَ، وَقَدَّمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَأَلَا مِنْهُ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمَا فَيَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَنْظُرُ فِيهِ الْآخَرُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ وَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ، وَقَالَ: انْظُرَا فِيهَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، وَالَّذِي تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غير هذا.
فاستمرا فيها ومن بعدهما إلى وَلَدِهِمَا إِلَى أَيَّامِ بَنِي الْعَبَّاسِ تُصْرَفُ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْرِفُهَا فِيهَا، أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ وَفَدَكَ وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خيبر.
(*)(4/231)
فصل وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ فَرَضَخَ (1) لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا بشر بن الفضل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ سَيْفًا، فَإِذَا أَنَا أجره، فأخبر أني مملوك فأمر لي بشئ من طريق (2) الْمَتَاعِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عن منقذ عَنْ عُمَيْرٍ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساء فرضخ لهن [من الفئ] (3) وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ.
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بِنْتِ أَبِي الصَّلْتِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمَّاهَا لِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ إِلَى وَجْهِكَ هَذَا - وَهُوَ يَسِيرُ إِلَى خَيْبَرَ - فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا، فَقَالَ " عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ " قَالَتْ فَخَرَجْنَا مَعَهُ، قالت وكنت جارية حدثة السن، فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، [قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصُّبْحِ وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، قَالَتْ] (3) وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي، وَكَانَتْ أَوَّلَ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا، قَالَتْ: فتقبضت إلى الناقة واستحيت.
فلمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بي ورأى الدم قال " مالك؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ " قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ " فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ، ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ " قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنَ الفئ، وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الَّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا، وَعَلَّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي، فَوَاللَّهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا.
وَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتَّى مَاتَتْ، ثُمَّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا، قَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضِهَا إِلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا
حِينَ مَاتَتْ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ أم
__________
(1) رضخ: أعطى من الغنيمة دون تحديد.
قال السهيلي: الرضخ: أن تكسر من الشئ الرطب فتعطيها وأما الرضح: فهو أن تكسر اليابس.
(2) في أبي داود: خرثى المتاع: أساس البيت واسقاطه كالقدر وغيره.
وقال أبو داود: معناه انه لم يسهم له.
أبي اللحم: قال أبو داود: قال أبو عبيد: كان حرم اللحم على نفسه فسمي آبي اللحم.
(3) من ابن هشام.
(انظر الخبر في السيرة ج 3 / 357) .
(*)(4/232)
عَلِيٍّ بِنْتِ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ أُمَيَّةَ بِنْتِ [قيس بن] (1) أَبِي الصَّلْتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيُّ حَدَّثَنِي حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ خَيْبَرَ وَأَنَا سَادِسَةُ سِتِّ نِسْوَةٍ، قَالَتْ: فَبَلَغَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَعَهُ نِسَاءٌ، قَالَتْ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَدَعَانَا.
قَالَتْ: فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَ " مَا أَخْرَجَكُنَّ وَبِأَمْرِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ " قُلْنَا خَرَجْنَا نُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى، وَنَغْزِلُ الشَّعْرَ فَنُعِينُ بِهِ فِي سبيل الله.
قال فمرن فَانْصَرِفْنَ، قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَخْرَجَ لَنَا سِهَامًا كَسِهَامِ الرِّجَالِ، فَقُلْتُ لَهَا يَا جَدَّةُ وَمَا الَّذِي أَخْرَجَ لَكُنَّ؟ قَالَتْ تَمْرًا.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَعْطَاهُنَّ مِنَ الْحَاصِلِ، فَأَمَّا أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُنَّ فِي الْأَرْضِ كَسِهَامِ الرِّجَالِ فَلَا! وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي كتابي عن أبي عبد الله الحافظ بأن عبد الله الأصبهانيّ أخبره حدَّثنا الحسن (2) بْنُ الْجَهْمِ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، ثَنَا الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ وَمَعِي زَوْجَتِي وَهِيَ حُبْلَى فَنَفِسَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِيَ " انْقَعْ لَهَا تَمْرًا فَإِذَا انْغَمَرَ فأمر به لِتَشْرَبَهُ " فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فَلَمَّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَجْدَى النِّسَاءَ وَلَمْ يُسْهِمْ
لَهُنَّ، فَأَجْدَى (3) زَوْجَتِي وَوَلَدِي الَّذِي وُلِدَ، قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ: لَسْتُ أَدْرِي غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ (4) .
ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا أبو أسامة، ثنا يزيد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (5) " عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهم أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ (6) أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا - يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ - سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَنْ قَدِمَ مَعَنَا - عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إلى
__________
(1) من مغازي الواقدي.
(2) من البيهقي وفي الاصل: الحسين.
(3) في الواقدي: احذى وفي النهاية والبيهقي فكالاصل.
(4) الخبر في مغازي الواقدي 2 / 686 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 4 / 243.
(5) من البخاري وفي الاصل: يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أبي بردة وهو تحريف.
(6) قال البلاذري بإسناده عن ابن عباس: أنهم كانوا أربعين رجلا.
وقال ابن إسحاق: كانوا ستة عشر رجلاً.
وقيل أقل.
(*)(4/233)
النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وأسماء عندها فقال حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ ابنة عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ! قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ - أَوْ فِي أَرْضِ - الْبُعَدَاءِ وَالْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ، وَوَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وكذا قالت قَالَ " فَمَا قلتِ لَهُ؟ " قَالَتْ: قَلْتُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ " لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هجرتان " قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأهل السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، ما من الدنيا شئ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي.
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بالنهار، ومنهم حكيم بن حزام إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ أَوْ قَالَ الْخَيْلَ - قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ " (1) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَرَّادٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ.
ثُمَّ قال البخاري: قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غياث ثنا [بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ] (2) أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرَنَا.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حديث يزيد بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَطْلُبُ مِنْهُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالْحَبَشَةِ، فَقَدِمُوا صُحْبَةَ جَعْفَرٍ وَقَدْ فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم خيبر.
قال: وقد ذكر سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فَتْحِ خَيْبَرَ فقبَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ " مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ " (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طريق حسن بن حسين العرزمي عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَتَلَقَّاهُ وقبَّل جَبْهَتَهُ وَقَالَ " وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَفْرَحُ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ " ثم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ
__________
(1) رواه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر (ح: 23) فتح الباري 7 / 390.
وفي المناقب باب هجرة الحبشة.
وأخرجه مسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة 41 باب (ح: 169) .
(2) من البخاري، وفي الاصل: يزيد بن أبي بردة.
وهو تحريف.
كتاب المغازي - باب غزوة خيبر.
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 4 / 246.
ونقله الصالحي في السيرة الشامية 5 / 212.
وسيرة ابن هشام ج 4 / 3.
(*)(4/234)
ابن مُحَمَّدٍ الْبَيْرُوتِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَيْبَةَ، حَدَّثَنِي مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرُّعَيْنِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ جَعْفَرٌ إِلَيْهِ حَجَلَ - قَالَ مَكِّيٌّ: يَعْنِي مَشَى عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ - إِعْظَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَى الثَّوْرِيِّ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا مَعَ جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَى أَنْ قَدِمُوا مَعَهُ خَيْبَرَ: سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ نِسَائِهِمْ وَهُمْ، جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ بِالْحَبَشَةِ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ (2) بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ، وَوَلَدَاهُ سَعِيدٌ، وَأَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ وُلِدَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَخُوهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ (3) وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ وَكَانَ إِلَى آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَسَدِيُّ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلِ الْعَبْدَرِيُّ، وَقَدْ مَاتَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَابْنُهُ عَمْرٌو، وَابْنَتُهُ خُزَيْمَةُ مَاتَا بِهَا (4) رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ هُذَيْلٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ التَّيْمِيُّ، وَقَدْ هَلَكَتْ بِهَا امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ رَحِمَهَا اللَّهُ، وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ الْجُمَحِيُّ، وَمَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي سَهْمٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ الْعَدَوِيُّ، وَأَبُو حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيَّانِ، وَمَعَ مَالِكٍ هَذَا امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السَّعْدِيِّ، وَالْحَارِثُ بْنُ عبد شمس (5) بْنِ لَقِيطٍ الْفِهْرِيُّ.
قُلْتُ: وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ الْأَشْعَرِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَخَوَيْهِ أَبَا بُرْدَةَ وَأَبَا رُهْمٍ وَعَمَّهَ أَبَا عَامِرٍ، بَلْ لَمْ يَذْكُرْ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ غَيْرَ أَبِي مُوسَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ أَخَوَيْهِ وَهُمَا أَسَنُّ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
وَكَأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَتَيْنِ نساءٌ مِنْ نِسَاءِ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُنَالِكَ.
وَقَدْ حَرَّرَ هَاهُنَا شَيْئًا كَثِيرًا حَسَنًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) دلائل النبُّوة للبيهقي ج 4 / 246.
(2) في الاصابة: أميمة، وقال ابن هشام: همينة.
(3) في ابن هشام: معه امرأته فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أميَّة بْنِ مُحَرَّثِ الكناني هلكت بأرض الحبشة.
(4) في ابن هشام: أن امرأته فقط هلكت في الحبشة وجاء معه ابناه منها.
(5) في ابن هشام: ابن عبد قيس.
انظر تفاصيل الخبر في السيرة 4 / 3 - 5.
(*)(4/235)
وسأله - يَعْنِي أَنْ يَقْسِمَ لَهُ - فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لَا تُعْطِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ: وَاعْجَبًا لو بر تدلى من قدوم الضال (1) .
تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبيدي عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أنَّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أباناً عَلَى سَرِيَّةٍ مَنِ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجِدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر بعد ما افْتَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقْسِمْ لَهُمْ، فَقَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تحدر من رأس ضال.
وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَانُ اجْلِسْ " وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ، وَقَدْ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ بِهِ نَحْوَهُ (2) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي جَدِّي وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ أَبَانُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: وَاعْجَبًا لَكَ يا وَبْرٌ تَرَدَّى مِنْ قَدُومِ ضَالٍ تَنْعَى عَلَيَّ امرءا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِيَدِي، وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ؟ هكذا رواه منفرداً به ها هنا.
وقال في الجهاد بعد حديث الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ بخيبر بعد ما افْتَتَحَهَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْهِمْ لِي، فَقَالَ بَعْضُ آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَا تَقْسِمْ لَهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ الْحَدِيثَ.
قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ - يَعْنِي عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ.
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي أسهامهم وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رُوحٌ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارِ بن أبي عمار قال: مَا شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْنَمًا قَطُّ إِلَّا قَسَمَ لِي، إِلَّا خَيْبَرَ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً.
قُلْتُ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى جَاءَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ثَوْرٌ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى [عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةَ، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ بَعْضُ بَنِي الضُّبَيْبِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاس هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي
__________
(1) أخرجه البخاري في غزوة خيبر فتح الباري 7 / 393.
(2) سنن أبي داود 3 / 73.
(*)(4/236)