الجزء الأول
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين.
والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
أما بعد: فحينما عهد إلىّ بهذا الكتاب «كتاب الروض الأنف» لتحقيقه توجهت إلى الله بالضراعة أن يهدى فكرى إلى الحق الجليل، والصدق النبيل، والصواب الجميل، وأن يلهمنى البيان الذى يرف بوضاءة الحق، وإشراق الجمال، وأن يجعل من عملى فى الكتاب صالحة أبلغ بها من رضوانه رزقا كريما به تنعم الروح، وتهنأ النفس، وتجمل الحياة فى الأولى والآخرة.
ليس تحقيق هذا الكتاب بالعمل الهين، فهو عن النبى العظيم الذى به ختمت النبوات، والإنسان الذى أشرقت الإنسانية فيه بكمالها الأعظم، والذى يعتبر تاريخه بعد الوحى هو تاريخ التطبيق الحق لما جاء به القرآن، كما قالت أم المؤمنين عائشة- رضى الله عنها- حين سئلت عن خلق النبى، فقالت:
«كان خلقه القرآن»
ثم هو من تأليف إمام أندلسى كبير ذهبت آراؤه- فى دين كثير من الناس- مذهب الحجة الناصعة التى لا يجوز أن تتلقى إلا بالإذعان، ومذهب البرهان الذى يشع منه فلق الصبح الوضئ.(1/5)
إمام بسط سلطانه القوى على الكثير من أئمة الدين فى عصره وبعد عصره- لما ذهب إليه فى كتابه «الروض الأنف» - الهيمنة على من قاموا بشرح السيرة، أو الحديث عنها بعده؛ لأنه احتشد لهذا الكتاب بكل ما كان عليه من علم وذكاء ومعرفة وريفة، فأودعه كل هذا، فكان أشبه «بدائرة معارف» فى السيرة والتاريخ والحديث والفقه والنحو واللغة.
والكتاب شرح لسيرة «ابن هشام» وحسبنا أن نذكر هذا؛ فسيرة ابن هشام أجلّ من أن تعرّف، فلمؤلقها- أو لمهذيها- المكانة الممتازة التى تتألق على ذرا التاريخ بآياتها الباهرة.
وأنت فى هذا الكتاب تجد نفسك بين عاطفة تتوهج بالأشواق، وعقل يرصد أفق الحقيقة، عاطفة قد لا يندى ظمأها إلا تهويلات الخرافات، وتهويمات الأساطير، وعقل يستشرف الحق علوىّ السلطان، وقد جعله الإيمان ذا رغبة فى أن يكون هذا الحق فى وضوحه جمال صبح ناضر، وألق نور زكى باهر.
ثم أنت أيضا قبل هذا تحت سلطان عقيدة هى المثل الأعلى للحق فى صفائه وجماله وجلاله. عقيدة لا يلمح أحد فى حقائقها الإلهية أثارة ما من خيال يفتنه بسحره وشعره، وإنما يرى نورا وحياة بهما يكون النور، وتكون الحياة لكل مسلم، لأن هذه العقيدة حق من حكيم حميد.
ثم أنت- أيضا- أمام نصوص انتقلت إلينا عبر قرون. والأمانة تفرض علينا أن نبقيها كما هى، لنعرف الحقيقة غير مشوبة بشئ. فهذا هو الواجب فى تحقيق التراث، فلا ينزع بنا الهوى إلى تحريف أو تبديل، فنعيد مأساة التراث حين استخفت به اللعنة اليهودية، فغيرت معالمه، وأحالته أمشاجا(1/6)
من الحق والباطل، ومن الإيمان والكفر، ومن وحى الرحمن، ووسوسة الشيطان، ثم أظهرته فى عماية التاريخ تزعم أنه مطيّب بروح السماء. وإذا كان هذا هو المفروض علينا حيال أى تراث، فما بالنا ونحن مع تراث يقص سيرة النبوة الخاتمة، سيرة الإنسانية الكاملة، وهى تسلك السبيل الأقوم على نور الوحى وهدايته، سيرة محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو يطبق القرآن أول تطبيق وأعظم تطبيق ليكون للبشرية المؤمنة شرعا ومنهاجا، يطبقه فى اعتقاده وعبادته وخلقه، وسلوكه فى الحياة. كل هذا فى أصدق إيمان، وأشرف إرادة، وأقدس غاية ونية، فكانت سنته- عليه الصلاة والسلام- الآية على السلوك الذى به تهتدى وتشرف الحياة، وتضئ بأعظم القيم.
وكانت سيرته السيرة التى تجذب إليها بالحب الصدوق، والإعجاب الودود كل مشاعر النفس ونوازع الحس، وتفرض بالحب على الفكر الحر الذى لم تزغه حمية جاهلية، أو ضلالة صليبية أن يسجد خاشعا لله الذى خلق هذا الإنسان، واصطفاه خاتما للنبيين.
فإذا وجدنا نصوص التراث آيات حقّ أحببنا التراث وأكبرناه، وإذا لم نجده كذلك فماذا نفعل؟ هذا بعض ما يعرض من قضايا أمام العقل والقلب، ولقد استهديت- للفصل فيها فصلا قويما- بهدى القرآن، فإننا نراه يقص علينا مفتريات عبدة الهوى والإثم. ثم يكر عليها بالحجة التى تزهق الباطل؛ لهذا تركت النص كما هو فى شعور جعلنى أو من أننى لو نلت منه- حين يصدم ما أدين به- فإنى أنال من قدسية الحقيقة. هذا والإنسان الذى يكتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يخشى على نفسه أن تجمح به عاطفة مشبوبة أو مجنونة تسحرها خلابة التصورات التى يفتن بها الهوى عبيده، أو يخشى عليها من شطط الفكر المغرور بنفسه، فإن استبدّت تلك العاطفة بزمامه استهواه(1/7)
الشيطان واستغواه، واستزله إلى عبادة وهم أسطورى سحرىّ الأصباغ والألوان يسميه له محمدا!! واصفا إيّاه له بما لله وحده من صفات كما صنع الصوفيون الإشراقيون أمثال السهروردى المقتول، والحلاج وابن عربى والجيلى وابن سبعين والصدر القونوى، وغيرهم ممن حكموا على محمد أنه هو الله ذاتا وصفة وربوبية وألوهية، أنه هو الحق والخلق، والرب والعبد، أنه هو الوجه الإنسانى للحقيقة الإلهية، أو أنه المظهر البشرى لماهية الربوبية، أو أنه حقيقة الوجود المطلق فى إطلاقه وعمائه وتجلّياته وتعيّناته وسرمديته وديموميته. وقد لا يستزله الشيطان إلى أعماق هذه الهاوية، وهو يكتب عن النبى- صلى الله عليه وسلم- فيحمله على أن يؤكد بألفاظه أنه يدين بالفصل بين الوجودات، فيدين بوجود حق، ويدين بوجود خلق. بوجود رب، ووجود عبد، ولكنه يضيف إلى هذا الذى تسميه عبدا أسماء وأفعالا تجعلك ترى ربا لا عبدا، وخالقا لا خلقا. إنه يزعم أن الله صرّف محمدا، أو غيره فى شئون خلقه، ووهب له تدبير شئون الملك والملكوت، والجبر والجبروت!! هذا الإنسان الذى يكتب هذا أو يتصوره إما خادع بنفاق، وإما مخدوع بنفاق!! لقد فصل لغويا بين لفظين هما: رب وعبد، وبين اسمين هما: الله ومحمد، وظن أنه بهذا الفصل اللغوى قد نجا مع الإيمان من الكفر، ومع التوحيد من الشرك. غير أنك حين تبتلى ما يعتقده فى محمد، وما يكتبه عن محمد عبدا ورسولا، تجده يسوى فى اعتقاده تسوية تامة بين محمد وبين الله. لقد خدعه الشيطان عن قتلته، فظن أنه أحياه، ورشف من يديه كأس السعادة والخلود!! إن مصيره مع نفس تلك المصائر التى تردّى فيها كهنته من قبل كابن عربى وتلاميذه.
إنك حين تقرأ لابن عربى فصوص الحكم، ولعبد الكريم الجيلى كتابه الموسوم بالإنسان الكامل ولابن الفارض تائيته الكبرى التى تدنو من(1/8)
سبعمائة بيت، ستجد نعيق الحقد، ونعيب الوثنية، مصوّرين نغمات محبة، وتسبيحات توحيد، وحفيف أجنحة الملائكة فى فجر المحاريب.
ستجد الزعم بأن فرعون هو الله حكمة وحكما، وقهرا وملكا، وبأن الشيطان هو أصل من أصول الحقيقة المحمدية، وبأن أولئك الغوانى اللاتى سرن فى التاريخ غزل فتنة، ونسيب صبوات لم يكنّ سوى الله فى أجمل مظاهره!! كان قيس هو الله فى مظهر ذكورة، وكانت ليلى هى الله فى مظهر أنوثة. كان كل شئ هو حقيقة الله التى تتجلى فى صور شتى، شيخ عابد، وعربيد جاحد، وملك كريم، وشيطان رجيم. فالحقيقة الإلهية تجمع فى كنهها بين النقيضين وبين الضدين، وبهذا تنعدم التفرقة بين الحقائق المتباينة، أو تلتقى المتناقضات كلها فى حقيقة سموها: الحقيقة الإلهية، أو الحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الوجود، وحقيقة العدم، الوجود المطلق، والوجود المتعين، الخير والشر، الإيمان والكفر، الحق والباطل، الصدق والكذب، وفى التعين البشرى هى: نوح ويغوث، وهى موسى وفرعون، وهى أبو بكر وأبو جهل!!
بين هذه الفهوم تناوحت صور الحقيقة المحمدية، أو صورة الوهم الذى افتروا له اسم محمد، وبهذا النباح تجاوبت الكلاب الشاردة، لعلها تطغى به على النغمة العلوية التى تمجد محمدا، وهو على قمة البشرية، يشع بأنوار النبوة الخاتمة.
إن هؤلاء وأولئك عبد شياطين تنزّت بهم أحقادهم، فإذا هى تدق بهم كل باب من أبوب جهنم.
وإن استبدّت بالكاتب عبادته لعقله فى قصوره وتقصيره تردّت به فى(1/9)
هوة سحيقة، وهو يحسب أنه يرقى معارج السماء!.
إنه نزّاع إلى إخضاع كل شئ فى وضح الشهود، أو فى سرائر الغيب لمقاييسه العقلية، أو- بتعبير أدق- لهواه يعبق بالفتنة الخلوب، فالخير هو ما يرى، أو ما يشعر أنه خير، وكذلك الشر، وكذلك الحق والباطل، وإن يك كلّ ذلك فى مقياس الحقيقة مناقضا لرؤيته ووجدانه.
مثل هذا المترف بعبادة العقل، أو المسرف فى الجحود ينظر إلى محمد، وكأنما هو بشر بلا نبوة، أو آدمى هواه يقود نوازع حسّه، ويبطش بعواطف نفسه، وبهذه النظرة يرى فى محمد ما يرى الكفر فى الإيمان، وما يرى الخبث فى الطيب، وما يرى الحقد فى النعم المتلألئة الوسامة، الناضرة الجمال.
ويقول عنه عين ما تقول العداوة فى جهالتها وحماقتها وضلالتها المركومة، ويسخر فى أعماقه التى تفح فيها أفاعية من قولنا: صلى الله عليه وسلم.
ونحن المسلمين نعوذ بالله من هؤلاء الذين أسرفوا فى التجريد والجحود والحقود، ومن أولئك الذين أسرفوا فى العشق، وعاشوا أنضاءه، فرأوا الوجود كله أنوثة تلفح بالحرمان والصدود، حين استبد بهم غرام جسدى لم يبرد لهم أواما، ولم يند منهم غليلا. ولم يقرّ بهم فى سكن.
فكان هذا التصور لمحمد، وكان هذا التصوير منهم للحقيقة.
إن الكتابة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- تفرض علينا أن نكون على بينة من الكتاب والسنة، وأن نجعل ما نقول حليفا للحق، ووليا للصدق، وكذلك يفرض على كلّ من يتصدى لتحقيق كتاب عن خاتم النبيين.
ومن هنا تتجلى لنا خطورة الأمر وجلالته! فقد خلف لنا أسلافنا تراثا(1/10)
مكتوبا عن النبى، لا يوجد مثيله فى أمة من الأمم كتبت تاريخ زعيم، أو قائد أو بطل، أو نبى هو منها فى مكانة الشمس من الكون، وفى الكثير مما خلف لنا الأسلاف من تراث مكتوب عن النبى لا نلمح فيه شعاعة حقّ إلا كما نلمح ومضة البرق فى الليلة الداجية زكمت آفاقها الظلمات، فلقد خيل إلى أصحاب هذا التراث أن الكذب آية حب، وأن محمدا لا يكون عظيما إلا بما افترت الصليبية ليسوع، فصوروا رسول الله فى صورة بشر تستكنّ فى أعماقه ربوبية قهارة خلاقة، تهيمن على مصائر الوجود، وأقدار كائناته، وتجمع بين أزل الوجود، وأبده فى معرفة لا يخفى عليها شئ!! وافتروا قصصا، وأحاديث هى نفثات يهودية، ومفتريات وثنية، وضلالات صليبية، ورددت أفواه وألسن فى عديد من قرون التاريخ هذه القصص والأحاديث، وتلقفت الأجيال- خلفها عن سلفها- كلّ ذلك، وقد صنع التاريخ الكذوب لمن افتروا هذه الأكاذيب، أو لمن رددوها عن بلاهة عروشا تسجد تحتها أفكار أجيال وأجيال، وتهطع فى قنوت يأخذ منها كل العمر، فتسخّر لتمجيد تلك الأكاذيب كلّ فكر ولسان وقلم، فصار قرينا للمستحيل أن يفكر امرؤ فى نقد شئ من تراث أولئك الأسلاف بشروح هؤلاء الأخلاف، وصارت هذه الترهات التى يمجها حتى الباطل لعوارها- تختال وكأنها درر حقائق تتلألأ بنور الوحى، بل صارت، وهى أحب ما يعشق الناس مما كتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصارت مكانة أربابها كالزجر القاصف، والردع العاصف لمن يهم بالهمس بكلمة حق ينقدبها تلك الضلالات. والمسلم الذى يحاول أن يجلو للناس سيرة النبى- صلى الله عليه وسلم- على نور من القرآن وهدى من الأحاديث الصحيحة. تجده وقد تفجرت فى وجهه حمم، ودوّت فى سمعه رعود، وألوف الألسنة تبهتة بالسوء، وهى التى لم تطب لحظة بذكر الحق: إن الباطل الذى سخّر هذه الألسنة، وزكم بطون أربابها بسحته لا يحب أن يعرف الناس أنه باطل،(1/11)
لأنه- بما هو عليه- فى عقول عبيدى الخرافة يعيش مسجودا له، معبودا تساق إليه حمر النّعم، وتحتشد الدنيا فى باحاته وساحاته بكل ترفها وزينتها وفسوقها وشهواتها!!.
إنهم يريدون منه أن يقول ما قال الإشراقيون من الصوفية عن محمدهم الموهوم: إن محمدا هو الأول والآخر، والظاهر والباطن. أن يقول عنه ما يقول نعقة «الموالد» ونبحة المناوى!! «لولاه ما كان ملك الله منتظما» !!.
أو ما قاله الوضاع الأقاك الذى افترى أن الله قال لمحمد: «لولاك ما خلقت الأفلاك» .
أو ما قاله البوصيرى:
فإن من جودك الدنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
وإذا كانت الدنيا والآخرة بعض كرم الرسول، فماذا بقى لله؟ وإذا كان علم اللوح والقلم بعض علم محمد، فماذا بقى لله؟.
يريدون منه أن يؤمن، وأن يحمل الناس على الإيمان بأن محمدا حى فى قبره لم يمت، وأن أعمالنا عليه تعرض، يريدون منه أن يعتقد بلا وهم ريبة فى أن قبر محمد خير وأفضل من عرش الله. والذين يريدون حمله على هذا لا يعرفون عما جاء به محمد شيئا. مدى معرفتهم أنه خلق من نور، وأن المصحف لا يجوز أن يمس على غير طهارة!! أما عن نبوة محمد، أما ماذا فى المصحف من هدى؟ أما هذا النور والحق والحياة فهم عنه عمون!!(1/12)
بل إنهم فى كثير مما تعرفة الحياة عنهم لا يذكرون محمدا إلا حين يرون عرائس «المولد» ، وثمت ترى على الشفاه غمغمة وهمهمة!!
وقد يخيّل إليك أن هذه صلوات وسجدات، وما هى إلا نفثات من حمم شهوات!!. فماذا نفعل، لنكتب الحق؟.
أنجبن عن الهتاف الروحى الجميل بالحقيقة خشية هؤلاء المنذرين بالوعيد الكنود، والفتنة الحقود؟.
أندهن كما يدهنون مخافة أن يعر بد علينا الباطل ببهتانه وعدوانه، أو يقترف ضدّنا المكر السئ؟!.
إن إيماننا بالله، وبرسوله- صلى الله عليه وسلم- لأكرم وأعز من أن نذلّه لدعاة إلافك، وكهنة الزور، أو أن نرغمه على الاستخذاء فى سبيل الوصول إلى غرض دون هو: النجاء من سلاطة جاهلية جاحدة، أو سفاهة وثنية حاقدة، وإن الحق الذى يجعل من الحياة شيئا جميلا وعظيما، لأسمى من أن نأذن لهذا الركام الأسود من الأساطير أن يزحف على أفق ضياء الحق، لا لشئ سوى أن نكون مع ردغة الأكثرية فى تلطّخ نتن!!
والله يهدينا بقوله: (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف: 103 (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . الأنعام: 116
ثم إنى أتساءل: هل تحتاج مكانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى أن ندعمها بالأكاذيب، حتى نؤيد أو نردد كل أكذوبة اختلقت؟
إن الذى يزعم هذا كالذى يزعم أن الحق فى حاجة إلى الباطل، وأن الصدق(1/13)
محتاج- فى تأييد الناس له- إلى الكذب، وأن الإيمان يريد سندا من الكفر، وأن الخير فقير إلى الشر؛ ليهب له فى الحياة مكانته.
إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- كالشمس لا تحتاج إلى دليل يثبت أنها بزغت سوى أن تراها وهى بازغة فحسب، ومكانته أجل من أن نقترف الكذب لنثبت به أنه صدوق. إن نوره يدل عليه، ويثبت بلا برهان- سوى تألقه وتوهجه- أنه حقا يضئ، فلنقل عنه ما قاله ربه الذى خلقه فى أحسن تقويم لنقل: إنه ما كان بدعا من الرسول، وإنه كان بشرا يوحى إليه.
ألا وإن حق القرآن هو الحق الأول، فهو المهيمن على كل كتاب جاء به البشر، أو جاء به رسول الله من عند الله، فلنعتصم به، ونحن نكتب، أو ننقد ما كتب، ليهب الله لنا الفرقان المبين. ولنحذر أن نتهيب اسما يسحرنا تهيّبه عن الصواب، أو نذعن لسلطان ما يخادعنا، ليلوينا عن الحق.
وبهذه الروح أقبلت على تحقيق كتاب «الروض الأنف» «1» وفى فكرى، وعلى قلمى حفاظ قوى على النص، وإن وجدت فيه ما يخالف بعض ما أرى أنه مجانف للحق، وقد احتشدت لهذا الكتاب بكل ما أملك من جهد، لا أزعم أنه عظيم، وإنما أزعم أنه كل ما أملك. وقد لقيت فى سبيل تحقيقه ما لقيت من مشاق لا آمن بها، وإنما أضرع إلى الله أن يكون لها عند الله حسن المثوبة؛ فما يكون الثواب إلا على ما يرضيه سبحانه.
__________
(1) فى اللسان «روضة أنف: لم يرعها أحد، أو لم توطأ. وكأس أنف: لم يشرب بها قبل ذلك كأنه استؤنف شربها مثل- روضة أنف» ويريد السهيلى بهذه التسمية أن يؤكد أن كتابه هذا لم يؤلف أحد مثله من قبل.(1/14)
الروض الأنف: وكتاب الروض الأنف- كما ذكر مؤلفه فى مقدمته- هو: «إيضَاحِ مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي سَبَقَ إلَى تأليفها أبو مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، وَلَخَصّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الْمَعَافِرِيّ الْمِصْرِيّ النّسّابَةُ النّحْوِيّ مِمّا بَلَغَنِي عِلْمُهُ، وَيُسّرَ لِي فَهْمُهُ مِنْ لَفْظٍ غَرِيبٍ، أَوْ إعْرَابٍ غَامِضٍ، أَوْ كَلَامٍ مُسْتَغْلِقٍ، أو نسب عويص، أو موضع فاته التّنْبِيهُ عَلَيْهِ، أَوْ خَبَرٍ نَاقِصٍ يُوجَدُ السّبِيلُ إلى تتمته» إلى أن يقول: «تَحَصّلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ فَوَائِدِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ وَأَسْمَاءِ الرّجَالِ وَالْأَنْسَابِ وَمِنْ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ اللّبَابِ، وَتَعْلِيلِ النّحْوِ، وَصَنْعَةِ الْإِعْرَابِ مَا هُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ نَيّفٍ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِيوَانًا سوى ما أنتجه صدرى» .
وهو جهد بارع صادع بأن الرجل كان إماما فى فنون عصره. فهو المحدّث الفقيه النسابة اللغوى النحوى «1» المفسر المؤرخ الآخذ من كل فنون عصره بنصيب وفير. وقد لاءم بين فنون معرفته، حتى جعل منها وحدة يصدر عنها فى كل ما يكتب، ومما يزيدنا إعجابا بالرجل أنه فقد بصره، وأن الكتب كانت فى زمانه مخطوطة، فمتى طالع كل هذا؟ وكيف طالعه؟ وتراثه يشهد له بأنه استوعب كل ما قرأ، وبدت سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته وقوة تفكيره فى أكثر ما كتب.
ومما يجعلنا أيضا شديدى الاحترام للرجل- رغم ما وجدت عنده من خرف- هذه الحقيقة التى تطالعك فى كتابه: إنها الأمانة الصادقة فى النقل، وفى نسبة كل شئ
__________
(1) انتفع بمادته كثير ممن جاءوا بعده، ولا سيما ابن القيم فى كتابه بدائع الفوائد. ولكنه كان كما يقول ابن مضاء القرطبى «كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم السهيلى- رحمه الله- يولع بعلل النحو الثوانى ويخترعها ويعتقد ذلك كمالا فى الصنعة وبصرابها» ص 160 كتاب الرد على النحاة.(1/15)
إلى قائله، فلم يأت بزيادة مفتراة، أو يقترف فى نقله نقصا قد يغير من مفهوم القول، وقد راجعت أعظم ما نقل، وقايسته على مصادره، فلم أجد إلا طهر الأمانة، ونبل الصدق فى كل نقوله، غير أنه كان لا يميل إلى نقد ما ينقل إلا حين كان يجد النص معارضا لما يدين به، لهذا نراه ينقل ما يتفق مع الحق، وما لا يتفق فى بعض أحيانه.
ينقل ما يلمع بنور الحقيقة، وينقل ما يمكن فيه خبث الباطل من رأى فطير أو حديث سنده أو هى من بيت العنكبوت، ومعناه كيد دنئ من طاغوت.
عملى فى الكتاب:
طبع هذا الكتاب من أكثر من نصف قرن، وقد بذل المشرف على طبعه كثيرا مما كان يبذل. غير أنه أغفل كثيرا من الأخطاء المطبعية وغيرها، ولم يكتب رقم آية، ولم يخرج حديثا، ولم يضبط كلمة، ولم يعلق بشئ سوى بضع كلمات، فقمت بما يأتى:
أولها: ضبط مئات الأعلام التى وردت فيه، وقد رجعت فى هذا إلى أهم، كتب الأنساب، وإلى اللسان والقاموس كما ضبطت ألوف الكلمات، وقد لقيت فى هذا عنتا كبيرا ومشقة مضنية.
ثانيها: مراجعة نقوله التاريخية واللغوية فى المصادر التى أشار إليها كتاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى، وأشرت إلى مكانها من الكتب. أما اللغويات فراجعتها فى اللسان والقاموس ومعجم ابن فارس والاشتقاق لابن دريد ومفردات الراغب والنهاية لابن الأثير وغيرها.
ثالثها: راجعت ما نقله عنه المؤرخون وأصحاب السير للمقارنة بين ما هو فى كتابه، وبين ما نقلوه هم عنه، مثل ابن كثير فى البداية، وابن خلدون(1/16)
فى تاريخه، والقسطلانى فى المواهب، والحلبى فى سيرته، والحافظ ابن حجر فى الفتح.
رابعها: راجعت وصوّبت الأنساب التى ذكرها فى أهم كتب النسب، وقد أشرت إليها فى تعليقاتى.
خامسها: راجعت الترجمات التى ذكرها للصحابة فى الإصابة لابن حجر وغيرها.
سادسها: أشرت إلى مراجع عشرات الأحاديث التى ذكرها، وإلى ما قيل عنها فى كتب الأحاديث.
سابعها: ترقيم الآيات القرآنية، وإتمام ما ذكره منها مبتورا.
ثامنها: التعليق على بعض ما ذكره من مسائل النحو العويصة، ومراجعة هذه المسائل فى مصادرها الأصلية، والمقارنة بينها وبين ما نقله الإمام ابن القيم فى كتابه «بدائع الفوائد» من هذه المسائل. والرجل- أعنى السهيلى- كان شديد الولع بمسائل النحو.
تاسعها: قمت بالتعليق على ما ذكره، أو رآه فى أمر الدين مما رأيته مجافيا للحق، فكانت هذه التعليقات التى أضرع إلى الله أن تكون حقا وصوابا.
ولقد كان الرجل أشعرى العقيدة- والأشعرية كانت دين الدولة فى أيامه- فأشرت فى تعليقاتى إلى ما يجانب الحق القرآنى مما ذهب إليه، وذكرت ما آمن به سلفنا الصالح، وما قالوه عن صفات الله سبحانه.
عاشرها: راجعت ما ذكره من شواهد شعرية وأمثال وغيرها فى مصادره الأصلية أو فى اللسان، وضبطت كل هذا ضبطا دقيقا.(1/17)
حادى عشرها: قمت باستعمال علامات الترقيم، وهناك غير ذلك مما قمت به، وأسأل الله أن يكون لوجهه- جل شأنه- وأن يجزينا عنه. كان من الممكن أن يكون الجهد المبذول أقل مما كان، غير أنه كتاب عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن القرآن الكريم، ونبيه العظيم، وقد توعدنا بالنار نتبوّأ منها مقعدنا إن تعمدنا عليه كذبا.
وأعتقد أن الكتاب- وما ذكرته معه- أصبح شيئا يمكن الاعتداد به فيما يقال ممن خاتم النبيين- صلى الله عليه وسلم- غير أنى لا أزعم أنى بلغت كل ما كان بجب أن يبلع، وإنما أزعم أننى بذلت كل ما كنت أملك من جهد أسأل الله أن يكون جهدا يكافئ هذه المهمة الجليلة.
وأرجو ممن يعثر على أخطاء أن يذكر أننا بشر، والسهو والنسيان والخطأ من خصائص البشرية، وكما نحب أن يعفو الله عن أخطائنا ويغفرها لنا، فإننا نحب أن يعفو عنا القراء، حين يعثرون على خطأ أحب أن يثقوا فى أنى لم أتعمده.
السيرة:
وقد رأيت- كما رأى الناشر- أن يكون مع الكتاب نفس سيرة ابن هشام التى ألف السّهيلىّ كتابه الروض شرحا لها، ليكون النفع قيما.
والسيرة من عمل ابن إسحاق وروايته عن شيوخه وغيرهم، ولكن ابن هشام عكف على هذه السيرة بالتهذيب حتى، صارت إلى ما هى عليه الآن. وقد لخص عمله فيها بقوله:
«وَأَنَا- إنْ شَاءَ اللهُ- مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ،(1/18)
وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شئ، وليس سببا لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ «1» بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به»
ولهذا الجهد الذى بذله ابن هشام اشتهرت السيرة بالانتساب إليه، حتى كاد ينسى صاحبها الأول، وهو: محمد بن إسحاق، والله أسأل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يعين كل امرئ على القيام بما فرض الله عليه، وأن يجمعنا نحن أبناء هذه الأمة على كلمة سواء، ولها ما كان من مجد وسؤدد، ودولة تجيش
__________
(1) هو زياد بن عبد الله بن الطفيل العامرى أبو محمد البكائى الكوفى، والبكائى نسبة إلى البكاء بن عمرو بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية تركه ابن المدينى، وضعفه النسائى وابن سعد، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، ولكنه من أثبت الناس فى سيرة ابن إسحاق، وقال أحمد: ليس به بأس مات سنة 183 هـ(1/19)
فيها من «كشغر على حدود الصين إلى جبال البرانس على مشارف فرنسا» تكبيرات النصر، وتسبيحات الشكر، وصلوات الحمد لله رب العالمين «1»
القاهرة- مدينة الزهراء
حلوان
عبد الرحمن الوكيل
الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية
__________
(1) سننشر سيرة ابن هشام فى أعلى الصفحة، وتحتها «الروض الأنف» ثم تعليقاتى(1/20)
ترجمة ابن إسحاق
محمد ابن إسحاق بن يسار المطّلبى مولى قيس بن مخرمة أبو عبد الله المدنى أحد الأئمة الأعلام، ولا سيما فى المغازى والسير رأى أنس بن مالك. وجدّه يسار كان من سبى عين التمر التى افتتحها المسلمون فى السنة الثانية عشرة من الهجرة.
وقد ولد ابن إسحاق فى المدينة، والراجح أنه ولد سنة خمس وثمانين من الهجرة، وتوفى- كما يقول صفى الدين الخزرجى- سنة إحدى وخمسين ومائة.
وقيل: (150 أو 153) وهو الذى ألف السيرة المشهورة النسبة إلى ابن هشام وقد ألفها بأمر أبى جعفر المنصور؛ ليعلمها لابنه المهدى، وفى هذا يقول ابن عدى:
«ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شئ للاشتغال بمغازى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجدها تهيئ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ واتهم فى الشئ بعد الشئ كما يخطئ غيره.
ولم يتخلف فى الرواية عنه الثقات والأئمة، أخرج له مسلم فى المبايعات واستشهد به البخارى فى مواضع، وروى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة» ، وقد روى هو عن أبيه وعن الزهرى وخلق غيرهم، وممن روى عنه شيخه يحيى الأنصارى، وعبد الله بن عون وشعبة وسفيان الثورى وسفيان بن عيينة.
الرأى فى ابن إسحاق: أثار ابن إسحاق خلافا كبيرا حوله بين رجال(1/21)
الجرح والتعديل، وقد اختلف فيه هؤلاء بين قادح ومادح، أو بين مجرح ومعدل، فبينا يقول ابن شهاب: «لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيها ابن إسحاق» إذا بغيره يقول: إنه كان يرى التشيع والقدر وكان يلعب بالديوك.
المجرّحون: ممن جرّحه مالك، وقال فيه: «ابن إسحاق كذاب ودجال من الدجاجلة» ، وروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «ابن إسحاق ليس بحجة» وحكم عليه ابن معين فى رواية عنه بأنه سقيم، وليس بحجة، وممن جرحه: هشام بن عروة، ويعقوب بن شيبة، وسليمان التيمى والدارقطنى، وقد اتهم بأنه كان يسمع بعض اليهود والنصارى، ويسميهم أهل العلم الأول وقد اتهم ابن إسحاق بأنه كان يضع فى السيرة شعرا مصنوعا.
المتوسطون فى الرأى فيه: وكما نسب إلى أحمد اتهامه لابن إسحاق فإنه نسب إليه قوله عنه: «حسن الحديث. أو: هو صالح ألحديث، ماله ذنب عندى إلا ما روى فى السيرة من الأخبار المنكرة» وقد نسب إلى محمد بن عبد الله بن نمير قوله عنه: كان ابن إسحاق يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه. وقوله:
«إذا حدث عن المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة»
المعدّلون له: ينسب إلى ابن معين أيضا قوله: «ابن إسحاق ثبت فى الحديث» ونسب إلى ابن عينة قوله: «ما رأيت أحدا يتهم ابن إسحاق» وقال أبو زرعة: «قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه» وقد استشهد به مسلم، وصحح له الترمذى، وروى له أبو داود والنسائى وابن ماجة.
وأرى- قياسا على السيرة- أن أصدق قول قيل فيه هو قول ابن(1/22)
عبد الله بن نمير؛ فقد روى فى السيرة عن المجهولين مالا يحترمه الصدق، وروى أيضا ما ينفح بطيب الحق، وقد بقى فيها ما لا يصح، رغم قيام ابن هشام بتهذيبها، وهو الذى يقول عن ابن إسحاق فى مقدمة كتابه من أنه سيترك مما ذكر ابن إسحاق «أشعارا ذَكَرَهَا، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ الله تعالى-، سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرّوَايَةِ لَهُ وَالْعِلْمِ به» .(1/23)
ترجمة ابن هشام
جاء عنه فى وفيات الأعيان: «قال أبو القاسم السهيلى عنه فى كتاب الروض الأنف شرح سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: إنه مشهور بِحَمْلِ الْعِلْمِ، مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وهو من مصر، وأصله من البصرة، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ من الغريب فيما ذكر لى.
وتوفى بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين رحمه الله تعالى» . قلت- أى ابن خلكان- وهذا ابن هشام هو الذى جمع سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من المغازى والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها وشرحها السهيلى المذكور، وهى الموجودة بأيدى الناس المعروفة بسيرة ابن هشام، وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس صاحب تاريخ مصر المقدم ذكره فى تاريخه الذى جعله للغرباء القادمين على مصر: إن عبد الملك المذكور توفى لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثمانى عشرة ومائتين بمصر والله أعلم بالصواب. وقال: إنه ذهلىّ والحميرى «1» قد تقدم الكلام عنه والمعافرىّ هذه النسبة إلى المعافر بن «2» يعفر قبيل كبير ينسب إليه بشر كثير»
__________
(1) نسبة إلى حمير بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قحطان، وفى حمير بطون وأفخاذ كثيرة (ص 120 الإنباه لابن عبد البر)
(2) هو معافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن الهميسع بن عمرو ابن يشجب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ، وفى معافر بطون كثيره (الإنباه لابن عبد البر ص 118)(1/24)
ترجمة الإمام السهيلى
وردت ترجمته فى عدة كتب: «الضبى فى البغية، وابن خلكان فى وفيات الأعيان، وابن دحية فى المطرب الورقة 74، والسيوطى فى البغية، والمقرى فى نفح الطيب، وابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة، وابن عماد الحنبلى فى شذرات الذهب، وكتاب المطرب فى حلى المغرب، ونكت الهميان للصفدى، والديباج المذهب لابن فرحون» ، وأنقل هنا ترجمته عن الديباج بلفظه معقبا عليها بما له فائدة من المصادر الأخرى
«عبد الرحمن السهيلى أبو القاسم، وأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب، أبى محمد ابن عبد الله بن الخطيب، أبى عمر أحمد بن أبى الحسن أصبغ بن حسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح السهيلى، الإمام المشهور، صاحب كتاب «الروض الأنف» فى شرح سيرة سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وله كتاب «التعريف والإعلام فيما أبهم فى القرآن من الأسماء الأعلام» . وله كتاب «نتائج الفكر» وكتاب «شرح آية الوصية فى الفرائض» كتاب بديع «ومسئلة رؤية النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنَامِ «1» » ، «ومسئلة السر فى عور الدجال» إلى غير ذلك من تآليفه المفيدة «2» وأوضاعه الغريبة، وكان له حظ وافر من العلم والأدب أخذ الناس عنه، وانتفعوا به «3» ومن شعره- قال ابن دحية: أنشدنى، وقال:
ما سأل الله بها حاجة إلا أعطاه إياها، وكذلك من استعمل إنشادها وهى:
__________
(1) فى الوفيات. أن الكتاب فى رؤية الله وفى رؤية النبى
(2) زاد الصفدى فى نكت الهميان كتاب. شرح الجمل وقال. لم يتم
(3) فى نكت الهميان «ناظر على بن الحسين بن الطراوة فى كتاب سيبويه، وسمع منه كثيرا من اللغة والآداب، وكان عالما بالعربية واللغة والقراءات بارعا فى ذلك، تصدر للافتاء والتدريس والحديث، وبعد صيته، وجل قدره جمع بين الرواية والدراية» .(1/25)
يا من يرى ما فى الضمير ويسمع ... أنت المعدّ لكل ما يتوقّع
يا من يرجّى للشدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه فى قول: كن ... امنن فإنّ الخير عندك أجمع
مالى سوى فقرى إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك فقرى أدفع
مالى سوى قرعى لبابك حيلة ... فلئن رددت، فأى باب أقرع؟!
ومن الذى أدعو، وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع؟!
حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا ... والفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبى وآله ... خير الأنام، ومن به يستشفع «1»
وله أشعار كثيرة، وكان ببلده يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف، حتى نمى خبره إلى صاحب مراكش، فطلبه إليها، وأحسن إليه وأقبل بوجهه كل الإقبال عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام «2» ، وذكره الذهبى: فقال: أبو زيد، وأبو القاسم وأبو الحسن: عبد الرحمن، العلامة الأندلسى المالقى النحوى الحافظ العلم، صاحب التصانيف، أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى وجماعة، وروى عن ابن العربى القاضى أبى بكر وغيره من الكبار، وبرع فى العربية واللغة والأخبار والأثر، وتصدر للافادة، وذكر الآثار، وحكى عنه أنه قال: أخبرنا أبو بكر بن العربى فى
__________
(1) فى مصادر أخرى مغايرة طفيفة لما هنا مثل: يا من خزائن رزقه، فبالافتقار إليك ربى أضرع، إن كان فضلك عن فقير يمنع. ولا يستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الشفاعة لله جميعا.
(2) وولاه بها قضاء الجماعة، وصاحب مراكش هو: أبو يعقوب يوسف ابن عبد المؤمن الذى تولى إمرة الموحدين فى المغرب سنه 558. وأظن أنه استدعى السهيلى سنه 578 هـ.(1/26)
مشيخته عن أبى المعالى، أنه سأله فى مجلسه رجل من العوام فقال: أيها الفقيه الإمام: أريد أن تذكر لى دليلا شرعيا على أن الله تعالى لا يوصف بالجهة، ولا يحدد بها. فقال: نعم قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تفضلونى على يونس بن متّى» فقال الرجل: إنى لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل، وقال كل من حضر المجلس مثل قول الرجل، فقال أبو المعالى: أضافنى الليلة ضيف له علىّ ألف دينار، وقد شغلت بالى، فلو قضيت عنى قلتها، فقام رجلان من التجار، فقالا: هى فى ذمتنا، فقال أبو المعالى: لو كان رجلا واحدا يضمنها كان أحب إلىّ فقال أحد الرجلين أو غيرهما: هى فى ذمتى، فقال أبو المعالى: نعم إن الله تعالى أسرى بعبده إلى فوق سبع سموات، حتى سمع صرير الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوى به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- فى علو مكانه بأقرب إلى الله تعالى من يونس فى بعد مكانه «1» ، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال، ومن شعره:
إذا قلت يوما: سلام عليكم ... ففيها شفاء، وفيها السقام
شفاء إذا قلتها مقبلا ... وإن أنت أدبرت فيها الحمام
قال صاحب الوفيات: «والسّهيلىّ يضم السين المهملة وفتح الهاء وسكون
__________
(1) هذا دليل مصنوع، ومدفوع، فالله يقول «أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ» وقد سأل الرسول- صلى الله عليه وسلم: أين الله يا جارية؟ فقالت: فى السماء. فقال لصاحبها: أعتقها فإنها مؤمنة. إنه معنا حيث كنا وهو مستو على العرش.(1/27)
الياء المثناة من تحت، وبعدها لام، ثم ياء هذه النسبة إلى سهيل، وهى قرية بالقرب من مالقة سميت باسم الكوكب «1» لأنه لا يرى فى جميع الأندلس إلا من جبل مطلّ عليها، ومالقة بفتح اللام والقاف، وهى مدينة بالأندلس. وقال السمعانى بكسر اللام وهو غلط، وتوفى بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكان- رحمه الله- مكفوفا، وعاش اثنتين وسبعين سنة» . هذا ما فى الديباج المذهب لابن فرحون، ويقول الصفدى فى كتابه نكت الهميان: «ومن شعره يرثى بلده، وكان الفرنج قد ضربته، وقتلت رجاله ونساءه [وقتلوا أهله وأقاربه وكان غائبا عنهم، فاستأجر من أركبه دابة، وأتى به إليه، فوقف إزاءه وقال: «2»
يا دار أين البيض والآرام! ... أم أين جيران علىّ كرام
راب المحبّ من المنازل أنه ... حيّا، فلم يرجع إليه سلام!
أخرسن أم بعد المدى، فنسينه ... أم غال من كان المجيب حمام!
دمعى شهيدى أننى لم أنسهم ... إن السلوّ على المحبّ حرام
لما أجابنى الصدى عنهم، ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام
طارحت ورق حمامها مترنّما ... بمقال صبّ، والدموع سجام
يا دار ما صنعت بك الأيام ... ضامتك، والأيام ليس تضام
__________
(1) وهو سهيل. وهو كوكب يمان لا يرى بخراسان، ويرى بالعراق، وقال ابن كناسة: سهيل يرى بالحجاز، وفى جميع أرض العرب، ولا يرى بأرمينية «عن اللسان» . وعند الصفدى: «وأصله من قرية بوادى سهيل من كورة مالقة، وهى- كما وصفها ياقوت فى معجمه- سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية.
(2) ما بين قوسين من المغرب فى حلى المغرب.(1/28)
ويقول ابن خلكان عنه: «ومولده سنة ثمان وخمسمائة بمدينة مالقة، وتوفى بحضرة مراكش يوم الخميس، ودفن وقت الظهر، وهو السادس والعشرون من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة» ، وقال عنه إنه خثعمى نسبة إلى خثعم بن أنمار، وهى قبيلة كبيرة. وذكر صاحب النجوم الزاهرة أيضا أنه مات فى شعبان.(1/29)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مُقَدّمَةُ الرّوْضِ الْأُنُفِ
حَمْدًا لِلّهِ الْمُقَدّمِ عَلَى كُلّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، وَذِكْرُهُ- سُبْحَانَهُ- حَرِيّ أَلّا يُفَارِقَ الْخَلَدَ وَالْبَالَ، كَمَا بَدَأَنَا- جَلّ وَعَلَا- بِجَمِيلِ عَوَارِفِهِ قَبْلَ الضّرَاعَةِ إلَيْهِ وَالِابْتِهَالِ، فَلَهُ الْحَمْدُ- تَعَالَى- حَمْدًا لَا يَزَالُ دَائِمَ الِاقْتِبَالِ.
ضَافِيَ السّرْبَالِ «1» ، جَدِيدًا عَلَى مَرّ الْجَدِيدَيْنِ «2» غَيْرَ بَالٍ. عَلَى أَنّ حَمْدَهُ- سُبْحَانَهُ- وَشُكْرَهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَجَمِيلِ بَلَائِهِ مِنّةٌ مِنْ مِنَنِهِ. وَآلَاءٌ مِنْ آلَائِهِ. فَسُبْحَانَ مَنْ لَا غَايَةَ لِجُودِهِ وَنَعْمَائِهِ! وَلَا حَدّ لِجَلَالِهِ، وَلَا حَصْرَ لِأَسْمَائِهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَلْحَقَنَا بِعِصَابَةِ الْمُوَحّدِينَ، وَوَفّقَنَا لِلِاعْتِصَامِ بِعُرْوَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَتِينِ، وَخَلَقَنَا فِي إبّانِ الْإِمَامَةِ الْمَوْعُودِ بِبَرَكَتِهَا عَلَى لِسَانِ الصّادِقِ الْأَمِينِ، إمَامَةِ سَيّدِنَا الْخَلِيفَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين «3» ،
__________
(1) القميص والدرع، أو كل ما يلبس
(2) الليل والنهار
(3) يعنى دولة الموحدين التى بدأ أمرها بمحمد بن تومرت، والتى حكمت المغرب العربى والأندلس، ويعنى بالخليفة: أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذى تولى إمرة الموحدين سنة 558 هـ بالمغرب، وفى عهده تم للموحدين إخضاع الأندلس، وعنه يقول ابن خلكان: «كان يوسف فقيها حافظا متقنا نشأ فى ظهور الخيل بين أبطال الفرسان» وعنه أيضا يقول المراكشى فى المعجب: «لم يكن فى بنى عبد المؤمن فيمن تقدم منهم، وتأخر ملك بالحقيقة غير أبى يعقوب» هذا وقد توفى أبو يعقوب سنة 580 هـ. وقد بدأ السهيلى فى إملاء كتابه هذا فى المحرم سنة 569 هـ وانتهى منه فى جمادى الأولى من نفس العام.(1/31)
السّاطِعَةِ أَنْوَارُهَا فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ. الْمُطْفِئَةِ بِصَوْبِ سَحَائِبِهَا، وَجَوْبِ «1» كَتَائِبِهَا جَمَرَاتِ الْكُفْرِ وَالنّفَاقِ:
فِي دولة لحظ الزمان شعاعها ... فَارْتَدّ مُنْتَكِصًا بِعَيْنَيْ أَرْمَدِ
مَنْ كَانَ مَوْلِدُهُ تَقَدّمَ قَبْلَهَا ... أَوْ بَعْدَهَا، فَكَأَنّهُ لَمْ يُولَدْ
فَلَهُ الْحَمْدُ- تَعَالَى- عَلَى ذَلِكَ كُلّهِ، حَمْدًا لَا يَزَالُ يَتَجَدّدُ وَيَتَوَالَى، وَهُوَ الْمَسْئُولُ- سُبْحَانَهُ- أَنْ يَخُصّ بِأَشْرَفِ صَلَوَاتِهِ، وَأَكْثَفِ بَرَكَاتِهِ، الْمُجْتَبَى مِنْ خَلِيقَتِهِ، وَالْمَهْدِيّ بِطَرِيقَتِهِ، الْمُؤَدّيَ إلَى اللّقَمِ الْأَفْيَحِ «2» وَالْهَادِيَ إلَى مَعَالِمِ دِينِ اللهِ مَنْ أَفْلَحَ، نَبِيّهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- كَمَا قَدْ أَقَامَ بِهِ الْمِلّةَ الْعَوْجَاءَ، وَأَوْضَحَ بِهَدْيِهِ الطّرِيقَةَ الْبَلْجَاءَ «3» ، وَفَتَحَ بِهِ آذَانًا صُمّا، وَعُيُونًا عُمْيًا، وَقُلُوبًا غُلْفًا «4» . فَصَلّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ صَلَاةً تُحِلّهُ أَعْلَى مَنَازِلِ الزّلْفَى.
الْغَايَةُ مِنْ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ
(وَبَعْدُ) فَإِنّي قَدْ انْتَحَيْت فِي هَذَا الْإِمْلَاءِ بَعْدَ اسْتِخَارَةِ ذِي الطّوْلِ «5» ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْحَوْلُ «6» . إلَى إيضَاحِ مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ الله
__________
(1) الصوب: المطر بقدر ما ينفع، ولا يؤذى، والجوب: القميص تلبسه المرأة، والترس والكانون والدلو الضخمة. والأخيرة هى المناسبة
(2) اللقم: الطريق الواضح
(3) الواضحة.
(4) جمع أغلف. يقال: غلف قلبه- بكسر اللام- لم يع قلبه الرشد
(5) الغنى والفضل واليسر
(6) من معانيها الحركة والتحول، والحيلة والقوة، وهذه هى المقصودة.(1/32)
- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي سَبَقَ إلَى تَأْلِيفِهَا أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، وَلَخَصّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الْمَعَافِرِيّ «1» الْمِصْرِيّ النّسّابَةُ «2» النّحْوِيّ مِمّا بَلَغَنِي عِلْمُهُ، وَيُسّرَ لِي فَهْمُهُ: مِنْ لَفْظٍ غَرِيبٍ، أَوْ إعْرَابٍ غَامِضٍ، أَوْ كَلَامٍ مُسْتَغْلِقٍ «3» ، أَوْ نَسَبٍ عَوِيصٍ، أَوْ مَوْضِعِ فِقْهٍ يَنْبَغِي التّنْبِيهُ عَلَيْهِ، أَوْ خَبَرٍ نَاقِصٍ يُوجَدُ السّبِيلُ إلَى تَتِمّتِهِ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِكُلُولِ الْحَدّ، عَنْ مَبْلَغِ ذَلِكَ الْحَدّ «4» ، فَلَيْسَ الْغَرَضُ الْمُعْتَمَدُ أَنْ أَسْتَوْلِيَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمَدِ «5» ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَعّ الْجَحْشُ مَنْ بَذّهُ الْأَعْيَارُ «6» ، وَمَنْ سَافَرَتْ فِي الْعِلْمِ هِمّتُهُ، فَلَا يُلْقِ عَصَا التّسْيَارِ، وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ:
افْعَلْ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْت، وَإِنْ كَا ... نَ قَلِيلًا فَلَنْ تُحِيطَ بِكُلّهْ
وَمَتَى تَبْلُغُ الْكَثِيرَ مِنْ الْفَضْلِ ... إذَا كُنْت تَارِكًا لِأَقَلّهْ؟!
نَسْأَلُ الله التّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ، وَشُكْرًا يَسْتَجْلِبُ الْمَزِيدَ مِنْ فضله ويقتضيه.
__________
(1) نسبة إلى معافر بن يعفر، وهم قبيل كبير نزح بعضهم إلى مصر، ومن الرواة من يجعله حميريا، ومنهم من يرد نسبه إلى ذهل، وآخرون يردونه إلى سدوس.
(2) العليم بالأنساب، والتاء للمبالغة.
(3) استغلقت المسألة: عسر فهمها.
(4) كلّ كلولة وكلالة: ضعف. وكلّ حد السيف: لم يقطع. وحدّ الرجل: بأسه. ونفاذه فى نجدته، وحد الشئ: نهايته.
(5) الغاية والنهاية.
(6) الجحش: ولد الحمار. وبذّه: غلبه وفاقه وسبقه، والأعيار: جمع عير: الحمار الوحشى والأهلى. ويدع: يدفع.(1/33)
لِمَاذَا أَتْقَنَ التّأْلِيفَ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ أَبُو الْقَاسِمِ: قُلْت هَذَا؛ لِأَنّي كُنْت حِينَ شَرَعْت فِي إمْلَاءِ هَذَا الْكِتَابِ خُيّلَ إلَيّ أَنّ الْمَرَامَ عَسِيرٌ، فَجَعَلْت أَخْطُو خَطْوَ الْحَسِيرِ «1» ، وَأَنْهَضُ نَهْضَ الْبَرْقِ الْكَسِيرِ «2» ، وَقُلْت: كَيْفَ أَرِدُ مَشْرَعًا لَمْ يسبقنى إليه فارط «3» ، وأسلك سَبِيلًا لَمْ تُوطَأْ قَبْلِي بِخُفّ وَلَا حَافِرٍ، فبينا أنا أتردد تردد الحائر، إذ سنح لى هنا لك خَاطِرٌ: أَنّ هَذَا الْكِتَابَ سَيَرِدُ الْحَضْرَةَ الْعَلِيّةَ الْمُقَدّسَةَ الْإِمَامِيّةَ «4» ، وَأَنّ الْإِمَامَةَ سَتَلْحَظُهُ بِعَيْنِ الْقَبُولِ، وَأَنّهُ سَيُكْتَتَبُ لِلْخِزَانَةِ الْمُبَارَكَةِ- عَمّرَهَا اللهُ- بِحِفْظِهِ وَكِلَاءَتِهِ، وَأَمَدّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَأْيِيدِهِ وَرِعَايَتِهِ، فَيَنْتَظِمُ الْكِتَابُ بِسَلْكِ أَعْلَاقِهَا «5» ، وَيَتّسِقُ مَعَ تِلْكَ الْأَنْوَارِ فى مطالع إشراقها، فَعِنْدَ ذَلِكَ امْتَطَيْت صَهْوَةَ الْجِدّ، وَهَزَزْت نَبْعَةَ العزم «6» . ومريت أخلاف الحفظ «7» ،
__________
(1) حسر بصره حسارة: كل وانقطع من طول مدى، وما أشبه ذلك،
(2) البرق: الحمل وجمعه: أبراق، وبرقان «بضم الباء أو كسرها» وهو معرب: بره.
(3) المشرع: مورد الماء، والفارط: من يسبق القوم إلى الماء، ليهيئه ويعده.
(4) كناية عن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وقد سبق الكلام عنه.
(5) جمع علق: وهو النفيس من الشئ
(6) أصل النّبعة؛ شجرة تتخذ منها القسى. ومن أغصانها السهام وهى تنبت فى قلة الجبل.
(7) مرى الشئ: استخرجه، ومريت الفرس بفتح الميم والراء: حملته على إبراز مقدرته على الجرى، ومرى الناقه: مسّ ضرعها، والأخلاف: جمع: خلف بكسر الخاء: حلمة الضّرع، وضرع الناقة.(1/34)
وَاجْتَهَرْتُ يَنَابِيعَ الْفِكْرِ «1» ، وَعَصَرْت بَلَالَةَ الطّبْعِ «2» ، فَأَلْفَيْت- بِحَمْدِ اللهِ- الْبَابَ فُتُحًا «3» وَسَلَكْت سُبُلَ رَبّي ذُلُلًا «4» ، فَتَبَجّسَتْ «5» لِي- بِمَنّ اللهِ تَعَالَى- مِنْ الْمَعَانِي الْغَرِيبَةِ عُيُونُهَا، وَانْثَالَتْ عَلَيّ مِنْ الْفَوَائِدِ اللّطِيفَةِ أَبْكَارُهَا وَعُونُهَا «6» ، وَطَفِقَتْ عَقَائِلُ الْكَلِمِ يَزْدَلِفْنَ «7» إلَيّ بِأَيّتِهِنّ أَبْدَأُ، فَأَعْرَضْت عَنْ بَعْضِهَا إيثَارًا لِلْإِيجَازِ، وَدَفَعْت فِي صُدُورِ أَكْثَرِهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ وَالْإِمْلَالِ، لَكِنْ تَحَصّلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ فَوَائِدِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ، وَأَسْمَاءِ الرّجَالِ وَالْأَنْسَابِ، وَمِنْ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ اللّبَابِ، وَتَعْلِيلِ النّحْوِ، وَصَنْعَةِ الْإِعْرَابِ، مَا هُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ نَيّفٍ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِيوَانًا «8» ، سِوَى مَا أَنْتَجَهُ صَدْرِي، وَنَفَحَهُ فِكْرِي.
وَنَتَجَهُ نَظَرِي، وَلَقِنْته «9» عَنْ مَشْيَخَتِي، مِنْ نُكَتٍ عِلْمِيّةٍ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهَا، وَلَمْ أُزْحَمْ عَلَيْهَا، كُلّ ذَلِكَ بِيُمْنِ اللهِ، وَبَرَكَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْيِي لِخَوَاطِرِ الطّالِبِينَ وَالْمُوقِظِ لِهِمَمِ الْمُسْتَرْشِدِينَ، وَالْمُحَرّكِ لِلْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ إلَى الِاطّلَاعِ عَلَى مَعَالِمِ الدّينِ، مَعَ أَنّي قَلّلْت الْفُضُولَ «10» ، وَشَذّبْت أَطْرَافَ الْفُصُولِ، وَلَمْ أَتَتَبّعْ شُجُونَ الْأَحَادِيثِ، وَلِلْحَدِيثِ شُجُونٌ «11» ، وَلَا جَمَحَتْ بِي خَيْلُ الْكَلَامِ إلَى غَايَةٍ لم
__________
(1) اجتهر البئر: نقاها من الحمأة ونزحها.
(2) البلالة: النّدوة
(3) مفتوح واسع لا يكاد يغلق.
(4) جمع ذلول: الطريق الممهّد.
(5) تفجرت.
(6) انثال عليه القول: تتابع. العون: جمع عوان، وهى المتوسطة فى العمر بين الكبر والصغر من النساء والبهائم.
(7) العقائل جمع عقيلة السيدة المخدرة، والزوجة الكريمة، وسيد القوم. ويعنى: الكلمات العظيمة. ازدلف: زلف: دنا وتقدم.
(8) نيّف من 1 إلى 3 أو هو كل مازاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثانى.
(9) لقنته: فهمته.
(10) ما لا فائدة فيه.
(11) فنون وأغراض.(1/35)
أُرِدْهَا، وَقَدْ عَنَتْ لِي مِنْهُ فُنُونٌ، فَجَاءَ الْكِتَابُ مِنْ أَصْغَرِ الدّوَاوِينِ حَجْمًا.
وَلَكِنّهُ كُنَيْفٌ ملئ عِلْمًا «1» ، وَلَوْ أَلّفَهُ غَيْرِي لَقُلْت فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِي هَذَا.
وَكَانَ بَدْءُ إمْلَائِي «2» هَذَا الْكِتَابِ فِي شَهْرِ الْمُحَرّمِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ.
سَنَدُهُ:
فَالْكِتَابُ الّذِي تَصَدّيْنَا لَهُ مِنْ السّيَرِ هُوَ مَا حَدّثَنَا بِهِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَرَبِيّ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ: ثِنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرَافِيّ الشّافِعِيّ، قَالَ: ثِنَا أَبُو مُحَمّدِ بْنُ النّحّاسِ، قَالَ: ثِنَا أَبُو مُحَمّدِ عَبْدُ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ الزّهْرِيّ «3» الْبَرْقِيّ، عَنْ أَبِي مُحَمّدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ، وَحَدّثَنَا بِهِ أَيْضًا- سَمَاعًا عَلَيْهِ- أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بُونُهْ الْقُرَشِيّ الْعَبْدَرِيّ عَنْ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِ الْأَسَدِيّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ الْكِنَانِيّ.
وَحَدّثَنِي بِهِ أَيْضًا أَبُو مروان، عن أبى بكر بن بر آل، عَنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمّدٍ الْمُقْرِي الطّلَمَنْكِيّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَوْنِ اللهِ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمّدِ بْنِ الورد عن البرقى عن ابن هشام.
__________
(1) تصغير كنف، وهو وعاء الراعى الذى يجعل فيه آلته. وهو يشير إلى ما قاله عمر بن الخطاب عن ابن مسعود: كنيف ملئ علما.
(2) قال هذا لأنه كان كفيف البصر. كفّ فى السابعة عشرة.
(3) فى السند اضطراب.(1/36)
وَحَدّثَنِي بِهِ أَيْضًا- سَمَاعًا وَإِجَازَةً- أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ، عَنْ أَبِي عُمَرَ النّمَرِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ الطّلَمَنْكِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ.
تَرْجَمَةُ ابْنِ إسْحَاقَ:
(فَصْلٌ) وَنَبْدَأُ بِالتّعْرِيفِ بِمُؤَلّفِ الْكِتَابِ، وَهُوَ: أبو بكر محمد بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمُطّلِبِيّ بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنّ وَلَاءَهُ لِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ جَدّهُ يَسَارٌ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التّمْرِ «1» ، سَبَاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
وَمُحَمّدُ بْنُ إسْحَاق «2» هَذَا- رَحِمَهُ اللهُ- ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمّا فِي الْمَغَازِي وَالسّيَرِ، فَلَا تُجْهَلُ إمَامَتُهُ فِيهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ «3» : مَنْ أَرَادَ الْمَغَازِيَ، فَعَلَيْهِ بِابْنِ إسحق. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ، وَذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ بن
__________
(1) عين التّمر فتحها المسلمون سنة 12 هـ.
(2) قال عنه ابن شهاب: لا يزال بالمدينة علم جمّ ما كان فيها ابن إسحاق، وقال أحمد: حسن الحديث، وقال البخارى: رأيت على بن عبد الله يحتج به وقال ابن نمير: كان يرمى بالقدر. إذا حدث عن المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وقال يعقوب بن شبه: لم أر لابن إسحاق إلا حديثين منكرين، ووثقه العجلى وابن سعد: تهذيب الكمال.
(3) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله كان إماما حجة فى الفقه والحديث بصيرا بالقرآن. مات سنة 125 وقال أبو بكر بن أبى شيبة: أصح الأسانيد: الزهرى عن عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ على. وقال البخارى: أصحها الزهرى عن سالم عن أبيه.(1/37)
عينيه «1» أَنّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتّهِمُ ابْنَ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجّاجِ أَنّهُ قَالَ: ابْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي: فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ أَبُو يَحْيَى السّاجِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- بِإِسْنَادِ لَهُ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: خَرَجَ إلَى قَرْيَتِهِ بَاذَامَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ طُلّابُ الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ الْغُلَامِ الْأَحْوَلِ:
أوَ: قَدْ خَلّفْت فِيكُمْ الْغُلَامَ الْأَحْوَلَ يَعْنِي: ابْنَ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ السّاجِيّ أَيْضًا قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الزّهْرِيّ يَلْجَئُونَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ فِيمَا شَكّوا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ، ثِقَةً مِنْهُمْ بِحِفْظِهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ السّاجِيّ نَقَلْته مِنْ حِفْظِي، لَا مِنْ كِتَابٍ.
وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطّانِ أَنّهُمْ وَثّقُوا ابْنَ إسْحَاقَ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِهِ، وَذَكَرَ عَلِيّ بن عمر الدار قطنى فِي السّنَنِ حَدِيثَ الْقُلّتَيْنِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ «2» ، وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ، ثُمّ قَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى: وَهَذَا يَدُلّ عَلَى حِفْظِ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَشِدّةِ إتْقَانِهِ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيّ عَنْهُ، وَقَدْ وَثّقَهُ، وَكَذَلِكَ وثّقه مسلم
__________
(1) كان إماما فى علوم القرآن والسنة وحديث الحجازيين، ثقة حجة، ولكنه تغير فى آخر عمره، انتقل من الكوفة إلى مكة ومات بها سنة 198 هـ ودفن بالحجون.
(2) يشير إلى الحديث: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة والشافعى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقى، وفى الحديث اضطراب فى الإسناد وفى المتن. قال ابن عبد البر فى التمهيد عن مذهب الشافعى فى الحديث: إنه ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما فى أثر ثابت ولا إجماع.(1/38)
ابن الْحَجّاجِ، وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ أَيْضًا إلّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الرّجْمِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِيهِ، مِنْ أَجْلِ طَعْنِ مَالِكٍ فِيهِ، وَإِنّمَا طَعَنَ فِيهِ مَالِكٌ- فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدْرِيسَ الْأَوْدِيّ- لِأَنّهُ بَلَغَهُ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ: هَاتُوا حَدِيثَ مَالِكٍ، فَأَنَا طَبِيبٌ بِعِلَلِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: وَمَا ابْنُ إسْحَاقَ؟! إنّمَا هُوَ دَجّالٌ مِنْ الدّجَاجِلَةِ، نَحْنُ أَخْرَجْنَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، يُشِيرُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- إلَى أَنّ الدّجّالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ «1» . قَالَ ابْنُ إدْرِيسَ: وَمَا عَرَفْت أَنّ دّجال! يجمع على دجاجلة، حتى سمعتها من مَالِكٍ، وَذَكَرَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقَدْ أَدْرَكَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ مَالِكٌ، رَوَى حَدِيثًا كَثِيرًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ «2» ، وَمَالِكٌ إنّمَا يُرْوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ ثَابِتٍ فِي تَارِيخِهِ- فِيمَا ذَكَرَ لِي عَنْهُ- أَنّهُ- يَعْنِي ابْنَ إسْحَاقَ- رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَالصّبْيَانُ خَلْفَهُ يَشْتَدّونَ «3» ، وَيَقُولُونَ: هَذَا صَاحِبُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يَمُوتُ حَتّى يَلْقَى الدّجّالَ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَيْضًا أَنّهُ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ.
__________
(1) يشير إلى حديث ورد فى مسلم، وقد جاء فيه على لسان الدجال أن طيبة- أى المدينة- ومكة محرمتان عليه.
(2) أبو عبد الله المدنى أحد العلماء المشاهير. يروى عن أنس عن جابر عن عائشة فى الترمذى والنسائى فى سننه. قال ابن سعد: كان ففيها محدثا، وقال أحمد: يروى أحاديث منكرة، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن خراش توفى سنة 120 هـ.
(3) يسرعون.(1/39)
وَذَكَرَ أَنّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ شَيْخَ مَالِكٍ رَوَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، وَالْحَمّادَانِ: حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ بن دينار، وحماد ابن زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَشُعْبَةُ. وَذَكَرَ عَنْ الشّافِعِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ:
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحّرَ فِي الْمَغَازِي، فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ، فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ- رَحِمَهُ اللهُ.
رُوَاةُ الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ:
وَأَمّا الرّوَاةُ الّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْكِتَابَ عَنْهُ فَكَثِيرٌ. مِنْهُمْ: يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ الشّيْبَانِيّ، وَمُحَمّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، وَالْبَكّائِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسَدِيّ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَذْكُرُ الْبَكّائِيّ «1» لِأَنّهُ شَيْخُ ابْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ: أَبُو مُحَمّدٍ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَامِرٍ الْقَيْسِيّ الْعَامِرِيّ، مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْبَكّاءِ، وَاسْمُ الْبَكّاءِ: رَبِيعَةُ، وَسُمّيَ الْبُكَاءَ لِخَبَرِ يَسْمُجُ ذِكْرُهُ، كَذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ النّسّابِينَ. وَالْبَكّائِيّ هَذَا ثِقَةٌ، خَرّجَ عَنْهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَخَرّجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَحَسْبُك بِهَذَا تَزْكِيَةً.
وَقَدْ رَوَى زِيَادٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: زِيَادٌ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي الْحَدِيثِ، وَوَهِمَ التّرمذىّ
__________
(1) تركه ابن المدينى، وضعفه النسائى وابن سعد. وقال: ولكنه أثبت الناس فى سيرة ابن إسحاق، وقال أحمد: ليس به بأس. قال ابن عدى: ما أرى بروايته بأسا، وقال أبو زرعة: صدوق. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. مات سنة 183 هـ كما ذكر ابن سعد.(1/40)
فَقَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْبُخَارِيّ: قَالَ: قَالَ وَكِيعٌ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- عَلَى شَرَفِهِ- يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا وَهْمٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ فِيهِ إلّا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ وَكِيعٌ بِالْكَذِبِ مَا خَرّجَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ حَدِيثًا، وَلَا مُسْلِمٌ، كَمَا لَمْ يُخَرّجَا عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ «1» لَمّا رَمَاهُ الشّعْبِيّ بِالْكَذِبِ، وَلَا عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ «2» لَمّا رَمَاهُ شُعْبَةُ بِالْكَذِبِ، وَهُوَ كُوفِيّ تُوُفّيَ سنة ثلاث وثمانين ومائة.
__________
(1) هو الحارث بن عبد الله الهمدانى الحوتى أبو زهير الكوفى الأعور أحد كبار الشيعة. قال الشعبى وابن المدينى: كذاب، وقال ابن معين فى رواية والنسائى: ليس به بأس، وقال أبو حاتم والنسائى فى رواية: ليس بالقوى. وقال ابن معين فى رواية: ضعيف توفى سنة 165 هـ.
(2) هو فيروز أو دينار العبدى ولاء أبو إسماعيل البصرى. قال أحمد وابن معين: متروك. مات سنة 140 هـ.(1/41)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين
الحمد لله رَبّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمّدٍ وَآلِهِ أجمعين
[ «ذِكْرُ سَرْدِ النّسَبِ الزّكِيّ» ]
«مِنْ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ»
قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هشام:
هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صّلى اللهُ عليه وآله وسلم- محمد بن عبد الله ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: شَيْبَةُ بْنُ هاشم، واسم هاشم: عمرو بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَرْجَمَةُ ابْنِ هِشَامٍ:
وَأَمّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، فَمَشْهُورٌ بِحَمْلِ الْعِلْمِ، مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وَهُوَ حِمْيَرِيّ مَعَافِرِيّ مِنْ مِصْرَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَتُوُفّيَ بِمِصْرِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ مِنْ الْغَرِيبِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى نَبِيّهِ مُحَمّدٍ وسلامه.(1/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَفْسِيرُ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ «1» مَعَانِيَ بَدِيعَةً، وَحِكْمَةً مِنْ اللهِ بَالِغَةً فِي تَخْصِيصِ نَبِيّهِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ: مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ، فَلْتَنْظُرْ هُنَاكَ، وَلَعَلّنَا أَنْ نَعُودَ إلَيْهِ فِي بَابِ مَوْلِدِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
عَبْدُ الْمُطّلِبِ:
وَأَمّا جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَاسْمُهُ عَامِرٌ فِي قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ «2» ، وَشَيْبَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ «3» وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصّحِيحُ. وَقِيلَ: سُمّيَ شَيْبَةُ لِأَنّهُ وُلِدَ، وَفِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ «4» ، وَأَمّا غَيْرُهُ مِنْ الْعَرَبِ مِمّنْ اسْمُهُ شَيْبَةُ، فَإِنّمَا قصد فى تسميتهم
__________
(1) فى نكت الهميان للصفدى: والأعلام.
(2) ذكر رأيه هذا فى كتابه المعارف، وتابعه عليه صاحب القاموس المجد الشيرازى.
(3) وكذلك ذكر ابن دريد فى الاشتقاق، والطبرى فى تاريخه. وذكر ابن دريد: أنه مشتق من قولهم: شاب شيبة حسنة، وشيبا حسنا. ثم قال: وأحسب أن اشتقاق الشيب من اختلاط البياض بالسواد من قولهم: شبت الشئ بالشئ أشوبه شوبا إذا خلطته.
(4) وهو رأى القسطلانى فى المواهب اللدنية، وقد جزم به فى شرحه للبخارى. ويذكر شارح المواهب أن أباه أوصى أمه بذلك. ثم ذكر تعليلا لإضافة شيبة إلى الحمد: إنه رجاء أن يكبر ويشيخ، ويكثر حمد الناس له. ويقول الطبرى عن سبب تسميته بشيبة: كان فى رأسه شيبة. ويقول ابن دريد أن المطلب أصله مطتلب على وزن مفتعل بكسر العين، وأن اشتقاقه من الطلب، ويقول القسطلانى فى المواهب: وإنما قيل له عبد المطلب؛ لأن أباه هاشما قال لأخيه-(1/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِهَذَا الِاسْمِ التّفَاؤُلُ لَهُمْ، بِبُلُوغِ سِنّ الْحُنْكَةِ «1» وَالرّأْيِ، كَمَا سُمّوا بِهَرِمِ وَكَبِيرٍ، وَعَاشَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً «2» وَكَانَ لِدَةَ «3» عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ الشّاعِرِ، غَيْرَ أَنّ عُبَيْدًا مَاتَ قبله بعشرين سنة، قتله المنذر أبو النّعان بْنُ الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ: إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَوّلُ مَنْ خَضّبَ بِالسّوَادِ مِنْ الْعَرَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ سَبَبَ تَلْقِيبِهِ بِعَبْدِ المطلب. والمطلب مفتعل مز الطّلَبِ.
هَاشِمٌ:
وَأَمّا هَاشِمٌ فَعَمْرٌ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ. من
__________
المطلب- وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك، ويذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب: إنه قال ذلك استعطافا، أو على عادة العرب فى قولهم لليتيم المربى فى حجر شخص: عبده، فسماه عبدا باعتبار الأول، لأنه رأى نفسه محتضرا، وأنه لا يقوم على ابنه غيره، وذكر القسطلانى وشارح المواهب رأيا آخر فى سبب تسميته بهذا وهو: أن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه، وهو بهيئة رثة، فكان يسئل عنه، فيقول: هو عبدى. حياء من أن يقول: ابن أخى. فلما أدخله مكة وأحسن من حاله. أظهر أنه ابن أخيه. وذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب: إنه سمى بهذا، لأن أباه لما مات بغزة، وكان خرج إليها تاجرا وترك أمه بالمدينة، فأقامت عند أهلها من الخزرج، فكبر عبد المطلب، فجاء عمه المطلب، فأخذه، ودخل به مكة، فرآه الناس مردفه، فقالوا: هذا عبد المطلب، فغلبت عليه، وإلى الرأى الثانى ذهب الطبرى فى قصة طويلة.
(1) التجربة والبصر بالأمور.
(2) كذلك ذكر عالم النسب الزبير بن بكار، وحكاه ابن سيد الناس عن أبى الربيع عنه، وحكاه مغلطاى، وتبعه القسطلانى فى شرحه للبخارى. وقيل إنه عاش 120 سنة.
(3) اللّدة «بكسر اللام وفتح الدال» من ولد معك فى وقت واحد.(1/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْعُمْرُ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ مِنْ عُمُورِ الْأَسْنَانِ، وَقَالَهُ الْقُتَبِيّ:
أَوْ الْعَمَرِ الّذِي هُوَ طَرَفُ الْكُمّ، يُقَالُ: سَجَدَ عَلَى عَمَرَيْهِ أَيْ: عَلَى كُمّيْهِ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْقُرْطُ، كَمَا قَالَ التّنّوخِيّ:
وَعَمْرُو هِنْدٍ كَأَنّ اللهَ صَوّرَهُ ... عَمْرَو «1» بْنَ هِنْدٍ يَسُومُ النّاسَ تَعْنِيتَا
وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهًا خَامِسًا، فَقَالَ فِي الْعُمْرِ الّذِي هُوَ اسْمٌ لِنَخْلِ السّكّرِ، وَيُقَالُ فِيهِ عَمْرٌ أَيْضًا، قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْوُجُوهِ الّتِي بِهَا سُمّيَ الرّجُلُ:
عَمْرًا وَقَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَسْتَاكُ بِعَسِيبِ «2» الْعُمْرِ.
عَبْدُ مَنَافٍ:
وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ: الْمُغِيرَةُ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ الْوَصْفِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: إنّهُ مُغِيرٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ أَوْ مُغِيرٌ مِنْ أَغَارَ الْحَبْلَ، إذَا أَحْكَمَهُ، وَدَخَلَتْهُ الْهَاءُ، كَمَا دَخَلَتْ فِي عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ؛ لِأَنّهُمْ قَصَدُوا قَصْدَ الْغَايَةِ، وَأَجْرَوْهُ مَجْرَى الطّامّةِ وَالدّاهِيَةِ، وَكَانَتْ الْهَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنّ مَخْرَجَهَا غَايَةُ الصّوْتِ، وَمُنْتَهَاهُ، وَمِنْ ثَمّ لَمْ يُكَسّرْ مَا كَانَتْ فِيهِ هذه الهاء، فيقال فى
__________
(1) يقول إن قرط هند مثل عمرو بن هند أحد الملوك فى الجاهلية.
(2) العسيب: جريدة النخل المستقيمة يكشط خوصها. وما لم ينبت عليه الخوص. وقد ذكر ابن دريد فى الاشتقاق كثيرا مما قيل هنا. كما ذكر أن هاشما سمى بهذا لهشمه الخبز للثريد. وقال الطبرى: «وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه» ، وفيه قال الشاعر:
عمرو الذى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وإليه ذهب القسطلانى فى المواهب وغيره.(1/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلّامَةٍ: عَلَالِيمُ، وَفِي نَسّابَةٍ: نَسَاسِيبُ؛ كَيْ لَا يَذْهَبَ اللّفْظُ الدّالّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا لَمْ يُكَسّرْ الِاسْمُ الْمُصَغّرُ؛ كَيْ لَا تَذْهَبَ بِنْيَةُ التّصْغِيرِ وَعَلَامَتُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي مُغِيرَةَ لِلتّأْنِيثِ، وَيَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ كَتِيبَةٍ، أَوْ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ، كَمَا سُمّوا بِعَسْكَرِ. وَعَبْدُ مَنَافٍ هَذَا كَانَ يُلَقّبُ قَمَرَ الْبَطْحَاءِ- فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «1» - وَكَانَتْ أُمّهُ حُبّى قَدْ أَخْدَمَتْهُ مَنَاةَ «2» ، وَكَانَ صَنَمًا عَظِيمًا لَهُمْ، وَكَانَ سُمّيَ بِهِ عَبْدُ مَنَاةَ، ثُمّ نَظَرَ قُصَيّ فَرَآهُ يُوَافِقُ عَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، فَحَوّلَهُ: عَبْدَ مَنَافٍ. ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ وَالزّبَيْرُ أَيْضًا، وَفِي الْمُعَيْطِيّ عن أبى نعيم قال: قت لِمَالِكِ: مَا كَانَ اسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: شَيْبَةُ. قُلْت:
فَهَاشِمٌ؟ قَالَ: عَمْرٌو، قُلْت: فَعَبْدُ مَنَافٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي «3» .
َقُصَيّ:
وَقُصَيّ اسْمُهُ: زَيْدٌ، وَهُوَ تَصْغِيرُ قَصِيّ أَيْ: بَعِيدٌ لِأَنّهُ بَعُدَ عَنْ عَشِيرَتِهِ فِي بِلَادِ قُضَاعَةَ حِينَ احْتَمَلَتْهُ أُمّهُ فَاطِمَةُ مَعَ رَابّهِ «4» رَبِيعَةَ بْنِ حرام، على
__________
(1) انظر ص 181 ج 2 المطبعة الحسينية تاريخ الطبرى.
(2) جعلته خادما له.
(3) ويقول ابن دريد فى الاشتقاق: «ومناف: صنم. واشتقاقه من ناف ينوف، وأناف ينيف إذا ارتفع وعلا. والنوف: السنام، وبه سمى الرجل: نوفا ... واسم عبد مناف: المغيرة، والمغيرة: الخيل تغير على القوم، وفى التنزيل: (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) العاديات: 3. والمغيرة: مفعلة من الغارة.. يقال: أغار الرجل على القوم يغير إغارة، والاسم الغارة، وموضع الغارة: مغار. ويقال: أغرت الحبل أغيره إغارة إذا شددت فتله. ويقال: غرت أهلى أغيرهم غيرة إذا مرتهم من الميرة «الميرة: الطعام يجمع للسفر» انظر ص 16 وما بعدها: الاشتقاق لابن دريد مطبعة السنة المحمدية.
(4) الرابّ: زوج الأم يربى ابنها من غيره.(1/47)
عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قصىّ، بن كلاب، بن مرّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَصُغّرَ عَلَى فُعَيْلٍ وَهُوَ تَصْغِيرُ فَعِيلٍ «1» ، لِأَنّهُمْ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثِ يَاءَاتٍ، فَحَذَفُوا إحْدَاهُنّ وَهِيَ الْيَاءُ الزّائِدَةُ الثّانِيَةُ الّتِي تَكُونُ فِي فَعِيلٍ نَحْوَ قَضِيبٍ، فَبَقِيَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ لَامَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ فُعَيّا، وَتَكُونُ يَاءُ التّصْغِيرِ هِيَ الْبَاقِيَةَ مَعَ الزّائِدَةِ، فَقَدْ جَاءَ مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْحَذْفِ مِنْ هَذَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: يَا بُنَيْ بِبَقَاءِ يَاءِ التّصْغِيرِ وَحْدَهَا، وَأَمّا قِرَاءَةُ حَفْصٍ يَا بُنَيّ فَإِنّمَا هِيَ يَاءُ التّصْغِيرِ مَعَ يَاءِ الْمُتَكَلّمِ، وَلَامُ الْفِعْلِ مَحْذُوفَةٌ، فَكَانَ وَزْنُهُ فُعَيّ وَمَنْ كَسَرَ الْيَاءَ: قَالَ يَا بُنَيّ فَوَزْنُهُ: يَا فُعَيْل، وَيَاءُ المتكلم هى المحذوفة فى هذه القراءة «2» .
__________
(1) قال ابن دريد: «وقصى تصغير قاص، وإنما سمى قصيا، لأنه قصا عن قومه، فكان فى بنى عذرة مع أخيه لأمه: يقال قصا الرجل يقصو قصوا.. واسم قصى: زيد.. وزيد مصدر من زاد الشئ يزيد زيدا» . ويذكر الطبرى أن كلابا والد قصى هلك بعد أن أنجب زهرة وزيدا- أى قصيا-، فتزوجت بربيعة بن حرام- وزهرة رجل- وزيد فطيم، فاحتملها إلى بلاده من أرض بنى عذرة من أشراف الشام، فاحتملت معها زيدا لصغره، وتخلف زهرة فى قوم.. وشب زيد فى حجر ربيعة، فنسمى زيد. قصيا لبعد داره عن دار قومه «الطبرى ص 81 ج 2.
(2) ويقول العكبرى فى إعراب يا بنى- ابن نوح- من سورة هود «يا بنى يقرأ بكسر الياء، وأصله. بنيى بياء التصغير وياء هى لام الكلمة، وأصلها واو عند قوم، وياء عند آخرين، والياء الثالثة: ياء المتكلم، ولكنها حذفت لدلالة الكسرة عليها فرارا من توالى الياءات، ولأن النداء موضع تخفيف، وقيل حذفت من اللفظ لالتقائها مع الراء فى اركب، ويقرأ بالفتح- أى فتح الياء- وفيه-(1/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِلَابٌ:
وَأَمّا كِلَابٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ: إمّا مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ مَعْنَى الْمُكَالَبَةِ نَحْوَ:
كَالَبْت الْعَدُوّ مُكَالَبَةً وَكِلَابًا، وَإِمّا مِنْ الْكِلَابِ جَمْعُ كَلْبٍ، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ الْكَثْرَةَ، كَمَا سَمّوْا بِسِبَاعِ وأنمار «1» . وقيل لأبى الرّقيش [الكلابى] «2»
__________
وجهان أحدهما: أنه أبدل الكسرة فتحة، فانقلبت ياء الإضافة ألفا، ثم حذفت الألف، كما حذفت الياء مع الكسرة لأنها أصلها، والثانى أن الألف حذفت من اللفظ لالتقاء الساكنين. ويقول البيضاوى فى تفسير قوله سبحانه: (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) : «الجمهور كسروا الياء، لتدل على ياء الإضافة المحذوفة فى جميع القرآن غير ابن كثير؛ فإنه وقف عليها فى لقمان فى الموضع الأول باتفاق الرواة، وفى الثالث فى رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ههنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة» وأقول: إذا أضيف المختوم بياء مشددة إلى ياء المتكلم تجمعت فيه ثلاث ياءات متوالية. وهذا ممنوع فى الغالب. ولهذا يكون لمثل هذا الاسم ثلاث أحوال: حذف ياء المتكلم مع بقاء ما قبلها مكسورا فى كل حال؛ لتكون الكسرة دليلا على الياء المحذوفة. والحال الثانية: قلب ياء المتكلم ألفا، ثم تحذف الألف مع فتح ما قبلها ليكون الفتح دليلا عليها. والحال الأخيرة: حذف إحدى الياءين الأوليين وإدغام الثانية فى ياء المتكلم، فتنشأ ياء مشددة مكونة من ياءين، أولاهما: ساكنة، والأخرى وهى ياء المتكلم مفتوحة، وصورة هذه كتلك السابقة. ويفضل النحاة الاقنصار على الحال الأولى. وإسكان الياء من بنى قراءة شاذة «شواذ القرآن لابن خالويه، ص 60.
(1) فى القاموس: المكالبة: المشارة والمضايقة. يقول ابن دريد: «وأهل الحجاز يسمون الجرئ الذى يخاصم الناس: مكالبا» .
(2) الزيادة من القلائد للقلقشندى وهو الدقيش. فى اللسان: الدقشة «بفتح-(1/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَعْرَابِيّ: لِمَ تُسَمّونَ أَبْنَاءَكُمْ بِشَرّ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: كَلْبٍ وَذِئْبٍ، وَعَبِيدَكُمْ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: مَرْزُوقٍ وَرَبَاحٍ؟ فَقَالَ: إنّمَا نُسَمّي أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا، وَعَبِيدَنَا لِأَنْفُسِنَا، يُرِيدُ أَنّ الْأَبْنَاءَ عُدّةُ الْأَعْدَاءِ «1» ، وَسِهَامٌ فِي نُحُورِهِمْ، فَاخْتَارُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ.
مُرّة:
وَمُرّةُ مَنْقُولٌ مِنْ وَصْفِ الْحَنْظَلَةِ وَالْعَلْقَمَةِ، وَكَثِيرًا مَا يُسَمّونَ بِحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، فَيَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ الرّجُلِ بِالْمَرَارَةِ، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُمْ: تَمِيمُ بْنُ مُرّ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالنّبَاتِ، لِأَنّ أَبَا حَنِيفَةَ ذَكَرَ أَنّ الْمُرّةَ بَقْلَةٌ تُقْلَعُ، فَتُؤْكَلُ بِالْخَلّ والزيت يشبه ورقها ورق الهندباء «2» .
__________
الدال وسكون القاف وفتح الشين: دويبة رقشاء، وقيل: رقطاء أصغر من العظاءة. وأبو الدقيش كنية. قال الأزهرى: أبو الدقيش كنية. واسمه: الدّقش. قال يونس: سألت أبا الدقيش: ما الدقش؟ فقال: لا أدرى. قلت: ما الدقيش؟ فقال: ولا هذا. قلت: فاكتنيت بما لا تعرف ما هو؟!، قال: إنما الكنى والأسماء علامات» وفى القاموس: الدّقشة بالفتح: دويبة رقطاء «أى سوداء يشوبها نقط بياض» أصغر من القطاة، أو طائر أرقش. «أى فيه نقط بياض وسواد» . والدّقش كالنقش وفى حياة الحيوان للدميرى: «الّدقيش بضم الدال وفتح القاف. طائر صغير أصغر من الصّرد. وتسميه العامة الدقناش» أقول: والصرد طائر أكبر من العصفور ضخم الرأس والمنقار يصيد صغار الحشرات، ولم أجد الرقيش.
(1) فى القلائد للقلقشندى «معدة للأعداء» : ص 22
(2) فى القاموس: والمرة بالضم شجرة أو بقلة. والهندباء أو الهندبا-(1/50)
بن كعب بن لؤىّ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كنانة بن خزيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَعْبٌ:
وَأَمّا كَعْبٌ فَمَنْقُولٌ إمّا مِنْ الْكَعْبِ الّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ السّمْنِ «1» ، أَوْ مِنْ كَعْبِ الْقَدَمِ وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، لِقَوْلِهِمْ: ثَبَتَ ثُبُوتَ الْكَعْبِ، وَجَاءَ فِي خَبَرِ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ قُتِلَ، وَحِجَارَةُ الْمَنْجَنِيقِ «2» تَمُرّ بِأُذُنَيْهِ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ كأنه كعب راتب «3» .
وكعب ابن لُؤَيّ هَذَا أَوّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ ولم تسمّ العروبة «4» .
__________
بكسر الهاء وفتح الدال أو كسرها: بقل زراعى معروف حولىّ من الفصيلة المركبة، يطبخ ورقه أو تخلط به «السّلطة» وهو عند باعة الخضروات.
(1) فى القاموس «كتلة من السمن، وقدر صبّة من اللبن وفى الاشتقاق لابن دريد: بقية السمن فى النحى.
(2) آلة قديمة من آلات الحصار كانت ترمى بها حجارة ثقيلة على الأسوار؛ فتهدمها وهى مؤنثة معرّبة.
(3) أى ثابت.
(4) كان يوم الجمعة يسمى فى الجاهلية يوم العروبة، وقد ذكر فى تسميته بيوم الجمعة عدة أقوال، منها: ما ذكر هنا، ومنها ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه فى قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، فصلى بهم، وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، وقيل: سمى بهذا لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، وقال: إنه اسم إسلامى لم يكن فى الجاهلية، ورد الحافظ بأن أهل اللغة قالوا: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا فى الجمعة: هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا الأسماء لسبعة الأيام- وكانت تسمى: (أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شيار) وذكر الجوهرى أن العرب كانت تسمى يوم الاثنين أهون، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء وهى هذه المتعارفة كالسبت والأحد ودبار بضم الدال وكسرها.(1/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجُمُعَةَ إلّا مُنْذُ جَاءَ الْإِسْلَامُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقِيلَ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّاهَا الْجُمُعَةَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَيَخْطُبُهُمْ «1» وَيُذَكّرُهُمْ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» - وَيُعْلِمُهُمْ أَنّهُ مِنْ وَلَدِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِاتّبَاعِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَيَنْشُدُ فِي هَذَا أَبْيَاتًا مِنْهَا قوله:
باليتنى شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحق خذلانا «3»
__________
(1) وذكر مثل هذا الزبير فى كتاب النسب، وبه جزم الفراء، وغيره. وقيل إن قصيا هو الذى كان يجمعهم، ذكره ثعلب فى أماليه.
(2) التعبير الدقيق الذى ذكره الزبير فى كتاب النسب «ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنه سيبعث نبى» وهذا يمكن تصديقه. ففى كتب أهل الكتاب بشارات بنبى يبعث اسمه أحمد. أما من أبوه ومن أيّة قبيلة يكون؟ فهذا ما لم يكن معروفا لأحد بدليل أن محمدا نفسه لم يكن يعرف شيئا عن هذا قبل بعثه فالله يقول له- (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) القصص: 86. ويقول ابن كثير فى تفسيرها (أى ما كنت تظن قبل إنزال الوحى إليك أن الوحى ينزل عليك (إلا رحمة من ربك) أى إنما أنزل الوحى عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك) فكيف ننسب إلى كعب بن لؤى أنه كان يعلم ما لم يكن يعلمه الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن نفسه؟! الحق أن مكانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فوق هذا، ولا تحتاج إلى أساطير كهذه لدعمها، فهو بالوحى فوق كل إنسان فى الوجود وإن كان مثلهم فى بشريته. وقد ذكر الزرقانى فى شرحه على المواهب أن ما أورده القسطلانى عن كعب- وهو نفس ما ذكره السهيلى- «قد رواه أبو نعيم فى الدلائل عن كعب الأحبار مطولا. وفى آخره: وكان بين موت كعب ومبعث النبى- صلى الله عليه وسلم- 560 سنة»
(3) الفحوى: معنى الكلام ولحنه وفيها لغات ويروى نجواء بدل فحواء، و (حين العشيرة تبغى) بدلا من (إذا-(1/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ كَعْبٍ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ لَهُ.
لُؤَيّ:
وَأَمّا لُؤَيّ، فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ هُوَ تَصْغِيرُ اللّأْيِ، وَهُوَ الثّوْرُ الْوَحْشِيّ وَأَنْشَدَ:
يَعْتَادُ أَدِحْيَةً بَقَيْنَ بِقَفْرَةِ ... مَيْثَاءَ يَسْكُنُهَا اللّأْيُ وَالْفَرْقَدُ «1»
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللّأْيُ هِيَ الْبَقَرَةُ. قَالَ: وَسَمِعْت أَعْرَابِيّا يَقُولُ: بِكَمْ لَاءَكَ هَذِهِ، وَأَنْشَدَ فِي وَصْفِ فَلَاةٍ:
كَظَهْرِ اللّأْيِ لَوْ يَبْتَغِي رِيّةً بِهَا ... نَهَارًا لأعيت فى بطون الشّواجن «2»
__________
- قريس تبغّى) والمعنى- كما ذكر الزرقانى- (يتمنى إدراك زمن دعوته- صلى الله عليه وسلم- للناس، وقريش يعارضونه، ويطلبون خذلان دينه؛ لينصره ويظهر دينه»
(1) يعتاد: ينتاب. الأدحية- وفيها لغات-: أمكنة بيض النعام. ميثاء: لينة سهلة. الفرقد: ولد البقر
(2) البيت للطرماح وهو فى اللسان: تبتغى على البناء للمجهول، وعيت بدلا من أعيت. وقد فسره بقوله: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة. وفى مكان آخر من اللسان فى مادة لأى:
كظهر اللأى لو يبتغى رية بها ... لعنت وشقّت فى بطون الشواجن
يبتغى بالبناء للمجهول، وفتح زاء ريّة. ورواه فى مادة ورى. وشجن بروايات مختلفة.(1/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّوَاجِنُ: شُعَبُ الْجِبَالِ، وَالرّيّةُ: مَقْلُوبٌ مِنْ وَرَى الزّنْدُ «1» ، وَأَصْلُهُ:
وِرْيَةٌ، وَهُوَ الْحُرَاقُ الّذِي يُشْعَلُ بِهِ الشّرَرَةُ مِنْ الزّنْدِ، وَهُوَ عِنْدِي تَصْغِيرُ لَأْيٍ، وَاللّأْيُ: الْبُطْءُ، كَأَنّهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى الْأَنَاةِ، وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ، وَذَلِكَ أَنّي أَلْفَيْته فِي أَشْعَارِ بَدْرٍ مُكَبّرًا عَلَى هَذَا اللّفْظِ فِي شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ، حَيْثُ يَقُولُ:
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو «2»
مَعَ مَا جَاءَ فِي بَيْتِ الْحُطَيْئَةِ فِي غَيْرِهِ:
أَتَتْ آلَ شَمّاسِ بْنِ لَأْيٍ، وَإِنّمَا ... أَتَاهُمْ بِهَا الْأَحْلَامُ وَالْحَسَبُ الْعِدّ «3»
وَقَوْلُهُ أَيْضًا:
فَمَاتَتْ أُمّ جَارَةِ آلِ لَأْيٍ ... وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ لَهَا قراها
__________
(1) ورى الزّند: خرجت ناره، وورى الزّند كذلك وأورى الزّند خرجت ناره وأخرجها.
(2) ستأتى القصيدة كاملة فى الشعر الذى قيل فى قتلى بدر من المشركين. والشاهد فيه قوله: بنى لأى يريد: بنى لؤى.
(3) البيت فى اللسان والقصيدة فى الأغانى، والحطيئة هو أبو مليكة جرول الشاعر المشهور. كان من أكبر الهجائين والمداحين فى عصره، وصم بدناءة الخلق ورقة الدين، إلا أن شعره طار بذكره. جاء عنه فى مهذب الأغانى: «وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم، ومن فصحائهم، متصرف فى جميع فنون الشعر من المدح والهجاء والفخر والنسيب، مجيد فى ذلك أجمع» وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، فأسلم ثم ارتد» والبيت من عيون قصائده فى المدح. والأحلام: جمع حلم: العقل والأناة وضبط النفس. والحسب: ما يعدّه الإنسان من مناقبه أو شرف آبائه، والعدّ: القديم(1/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ
[وَالرّاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ يُسْتَقَى عَلَيْهَا] أَحَبّ إلَيّ مِنْ شَاءٍ وَلَاءٍ، فَاللّاءُ هَهُنَا جَمْعُ اللّائِي، وَهُوَ الثّوْرُ، مِثْلُ الْبَاقِرِ وَالْجَامِلِ، وَتَوَهّمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنّ قَوْلَهُ:
لَاءٍ مِثْلُ مَاءٍ فَخَطّأَ الرّوَايَةَ، وَقَالَ: إنّمَا هُوَ أَلْآءُ مِثْلُ: أَلْعَاعٍ جَمْعُ لَأْيٍ، وَلَيْسَ الصّوَابُ إلّا مَا تَقَدّمَ، وَأَنّهُ لَاءٍ مِثْلُ جَاءٍ «1» .
فِهْرٌ وَغَيْرُهُ:
وَأَمّا فِهْرٌ «2» فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ لَقَبٌ، وَالْفِهْرُ مِنْ الْحِجَارَةِ: الطّوِيلُ، واسمه
__________
(1) ما بين قوسين من اللسان. قال ابن الأثير فى النهاية تعليقا على هذا الحديث: «قال القتيبى- يعنى ابن قتيبة- هكذا رواه نقلة الحديث: لاء بوزن جاء، وإنما هو ألأء بوزن العاع، وهى الثيران، واحدها. لأى بوزن قفا، وجمعه أقفاء يريد: «بعير يستقى عليه يومئذ خير من اقتناء البقر والغنم، كأنه أراد الزراعة لأن أكثر من يقتنى الثيران والغنم الزراعون» . ويقول ابن دريد: (واشتقاق لؤى من أشياء، إما تصغير لواء الجيش وهو ممدود، أو تصغير لوى الرمل (أى ما التوى من الرمل أو منقطعه) وهو مقصور، أو تصغير لأى تقديره: لعى، وهو الثور الوحشى، والّلوى اعوجاج فى ظهر القوس. واللوى: الوجع يعترى البطن، وتقول لويت الرجل دينه ألويه ليّا إذا مطلته.
(2) لم يذكر هنا غالبا وهو- كما يقول ابن دريد- فاعل من قولهم: غلب يغلب غلبا. ويقول ابن دريد: الفهر: الحجر الأملس يملأ الكف أو نحوه، وهو مؤنث يدلك على ذلك أنهم صغروا فهرا: فهيرة، وقال الخشى ص 3: يذكر ويؤنث، وخطأ الأصمعى من يؤنثه(1/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُرَيْشٌ، وَقِيلَ: بَلْ اسْمُهُ فِهْرٌ، وَقُرَيْشٌ لَقَبٌ لَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَمَالِكٌ وَالنّضْرُ وَكِنَانَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا «1» .
خُزَيْمَةُ:
وَخُزَيْمَةُ وَالِدُ كِنَانَةَ تَصْغِيرُ خَزَمَةَ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الْخَزَمِ «2» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ خَزْمَةَ، وَكِلَاهُمَا مَوْجُودٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ الْمَرّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْخَزْمِ، وَهُوَ: شد الشئ وَإِصْلَاحُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَزَمُ مِثْلُ الدّوْمِ تُتّخَذُ مِنْ سَعَفِهِ الْحِبَالُ، وَيُصْنَعُ مِنْ أَسَافِلِهِ خَلَايَا لِلنّحْلِ، وَلَهُ ثَمَرٌ لَا يَأْكُلُهُ النّاسُ، ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.
__________
(1) مالك فاعل من (ملك) والنضر هو أبو جميع قريش، والنضر: الذهب بعينه، والنضار: الخالص من كل شئ، وربما سمى الذهب: نضارا، وكل شئ استحسن فهو نضير. وابن كنانه: الكنانة: كنانة النّبل إذا كانت من أدم «جلد» فهى كنانة فإن كانت من خشب، فهى جفير، وإن كانت من قطعتين مقرونتين فهى قرن، والكنانة تجمع هذا كله.. وكن كل شئ: ما اكتننت فى ظله.
(2) الخزم: شجر تتخذ من لحائه الحبال، وهو خوص الدّوم. وكانت أسفاط النساء تعمل منه. والدّوم: شجر عظام من الفصيلة النخلية يكثر فى صعيد مصر، وفى بلاد العرب وله ثمار فى غلظ التفاحة ذات قشر صلب أحمر، ونواة ضخمة ذات لبّ، وضخام الشجر من كل نوع، ومفرد خزم: خزمة.(1/56)
ابن مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ بن أدّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُدْرِكَةُ وَإِلْيَاسُ:
وَأَمّا مُدْرِكَةُ «1» فَمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَإِلْيَاسُ أَبُوهُ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: إلْيَاسُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا لِاسْمِ إلْيَاسَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ فِي اشْتِقَاقِهِ أَقْوَالًا مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ فِعْيَالًا مِنْ الْأَلْسِ «2» ، وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَأَنْشَدَ: مِنْ فَهّةِ الْجَهْلِ وَالْأَلْسَةِ «3» .
وَمِنْهَا أَنّ الْأَلْسَ: اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، وَأَنْشَدُوا:
إنّي إذًا لَضَعِيفُ الْعَقْلِ مَأْلُوسُ.
وَمِنْهَا: أَنّهُ إفْعَالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَلْيَسُ، وَهُوَ الشّجَاعُ الّذِي لَا يَفِرّ. قَالَ الْعَجّاجُ:
أَلْيَسُ عَنْ حَوْبَائِهِ سخى «4» .
__________
(1) لقب مدركة؛ لأنه أدرك الإبل التى كانت قد ضلت، وهو من أدرك يدرك إدراكا أى: لحق.
(2) يقال فيه: ألس- بفتح فكسر- غش وخدع. وألس بضم فكسر: اختلط عقله. وابن الأنبارى هو: أبو محمد بن القاسم كان من الحفاظ وعلامة فى النحو واللغة، توفى سنة 328 هـ. والأنبار بلدة قديمة على الفرات.
(3) الفهة والفهاهة والفهفهة: العى والزلة والجهلة.
(4) ليس- بفتح فكسر- ليسا بفتح فسكون شجع، والحوباء: النفس أو روع القلب.(1/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ آخَرُ:
أَلْيَسُ كَالنّشْوَانِ وَهُوَ صَاحٍ.
وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ «1» أَنّ فُلَانًا: أَلْيَسُ أَهْيَسُ ألدّملحس.
إنْ سُئِلَ أَزَزَ، وَإِنْ دُعِيَ انْتَهَزَ. وَقَدْ فسره، وزعم أن أهيس مقلوب
__________
(1) يعنى: ابن قتيبة، وقد نقله اللسان، وفيه فى مادة ليس: الأهوس الذى يدق كل شئ ويأكله.. وربما ذموه بقولهم: أهيس أليس، فإذا أرادوا الذم عنى بالأهيس: الأهوس، وهو الكثير الأكل، وبالأليس: الذى لا يبرح بيته، وهذا ذم. والألد الخصم الجدل، والملحس: الحريص، أو الذى يأخذ كل ما قدر عليه، أو الشجاع. جمعها: ملاحس. الأزز: فى القاموس: امتلاء المجلس، والضيق والممتلئ. وحلب الناقة. وفى النهاية لابن الأثير- المسجد أزز ممتلئ بالناس، وأتيت الوالى، والمجلس أزز: كثير الزحام ليس فيه متسع، والناس أزز إذا انضم بعضهم إلى بعض. وانتهز: قبل وأسرع. وقد جاء فى النهاية لابن الأثير: «وفى حديث أبى الأسود: عليكم فلانا فإنه أهيس أليس ألدّ ملحس» وعقب بقوله عن ملحس: «هو الذى لا يظهر له شئ إلا أخذه، وهو مفعل من اللحس ويقال: التحست منه حقى أى: أخذته» وفى فتح البارى: إلياس بهمزة قطع وهو اسم عبرانى، وفى اللسان فى مادة ليس: «وإلياس اسم أعجمى، وقد سمت به العرب، وهو إلياس بن مضر» وفى مكان آخر فى مادة سلل: «قال المفضل بن سلمة- وقد ذكر إلياس النبى عليه السلام- فأما الياس بن مضر فألفه ألف وصل، واشتقاقه من اليأس وهو السّل، وقال الزبير بن بكار: الياس بن مضر هو أول من مات من السل، فسمى السل يأسا، ومن قال إنه إلياس بقطع الألف على لفظ النبى عليه الصلاة والسلام، أنشد بيت قصى: أمهتى خندف والياس أبى» وفى رأى ابن الأنبارى ستكون همزة إلياس مكسورة، وفى رأى قاسم بن ثابت: ستكون الهمزة مفتوحة لأنها همزة أداة التعريف ال.(1/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْوَاوِ، وَأَنّهُ مَرّةً مِنْ الْهَوَسِ، وَجُعِلَتْ وَاوُهُ يَاءً لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، فَالْأَلْيَسُ:
الثّابِتُ الّذِي لَا يَبْرَحُ، وَاَلّذِي قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ أَصَحّ، وَهُوَ أَنّهُ الْيَاسُ سُمّيَ بِضَدّ الرّجَاءِ، وَاللّامُ فِيهِ لِلتّعْرِيفِ، وَالْهَمْزَةُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَقَالَهُ قَاسِمُ ابن ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ «1» ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا شَوَاهِدَ مِنْهَا قَوْلُ قُصَيّ:
إنّي لَدَى الْحَرْبِ رَخِيّ اللّبَبِ ... أمّهتى خندف والياس أبى «2»
__________
(1) هو ابن حزم العوفى المالكى الأندلسى الفقيه المحدث توفى سنة 302 هـ.
(2) اللبب، المنحر، وموضع القلادة من الصدر، وما يشد فى صدر الدّابة، ليمنع استئخار الرّحل. وإنه لرخىّ اللبب: واسع البال لا يضيق بها، وفى سعة حال. ويقال: فلان فى لبب رخى: فى سعة وخصب وأمن. والمراد هنا بيان كثرة مبارزته للأقران مما سبب ارتخاء اللبب من كثرة الجرى. وخندف زوجة الياس بن مضر هى: ليلى بنت حلوان بن عمران، وكان الياس بن مضر خرج فى نجعة، فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها، وطبخها، وانقمع عمير فى الخباء، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها الياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف فى إثركم، فلقبوا- أى أولاد الياس- مدركة، وهو عامر- كما فى نسب قريش- وطابخة، وهو عمرو كما ذكر المصدر السابق وقمعة «الطبرى والقاموس» وخندف والخندوف: المتبختر فى مشيه كبرا وبطرا. أقول ذكر الزرقانى فى شرح المواهب عن الياس: «وفى سيرة مغلطاى اسمه حبيب، وفى الخميس إنما سمى الياس، لأن أباه كبر، ولم يولد له، فولد على الكبر واليأس، فسمى: الياس، وكنيته: أبو عمر. وفى الطبرى أن الياس قال لعمرو ابنه: إنك قد أدركت ما طلبتا. وقال لعامر: وأنت قد أنضجت ما طبختا، وقال لعمير: وأنت قد أسأت، وانقمعتا. وأمهتى: والدتى، وقيل إن جمع الأم فى البهائم. أمات، وفى الناس: أمهات. وقال آخرون. أمهات واحدها أمهة. وقيل: الهاء زائدة، وقيل أصلية. وقد ورد فى اللسان:(1/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيُقَالُ: إنّمَا سُمّيَ السّلّ دَاءَ يَاسٍ؛ وَدَاءَ الياس، لأن الياس بن مضرمات مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ.
يَقُولُ الْعَاذِلُونَ إذَا رَأَوْنِي ... أُصِبْت بِدَاءِ يَاسٍ، فَهُوَ مُودِي
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ:
فَلَوْ كَانَ دَاءُ إلْيَاسَ بى، وأعاننى ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا
__________
-
إنى لدى الحرب رخىّ لببى ... عند تناديهم بهال وهب
معتزم الصولة عال نسبى ... أمهتى خندف والياس أبى
وهال: زجر للخيل، وهب: دعاء لها. وفى باب الهاء ورد فى اللسان هكذا
عند تناديهم بهال وهب ... أمهتى خندف، والياس أبى
حيدرة خالى لقيط وعلى ... وحاتم الطائىّ وهاب الئمئ
وفيه: وقد جاءت الأمهة فيما لا يعقل وفى إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: «ولقيط وعدى» وفى خزانة الأدب للبغدادى أن قوله: «وحاتم الطائى وهاب المئى» هو من رجز أورده أبو زيد فى نوادره فى موضعين فى أحدهما: نسبه إلى إمرأة من بنى عقيل تفخر بأخوالها من اليمن وهو:
حيدة خالى ولقيط وعلى ... وحاتم الطائى وهاب المئى
ولم يكن كخالك العبد الدعى ... يأكل أزمان الهزال والسّنى
هنات غير ميت غير ذكى
وأقول: لا يعقل أن يكون البيت الأول من كلام قصى لأنه كان قبل أن يولد حاتم «انظر اللسان وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه والأمالى والسمط وشرح شواهد الشافية»(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ «1» :
بِي إلْيَاسُ أَوْ دَاءُ الْهُيَامِ أَصَابَنِي ... فَإِيّاكَ عَنّي لَا يَكُنْ بك مابيا
ويذكر عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا تَسُبّوا إلْيَاسَ، فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا «2» وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النبى- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجّ «3» . يَنْظُرُ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ لِلْوَاقِدِيّ.
وَإِلْيَاسُ أَوّلُ مَنْ أَهْدَى الْبُدْنَ «4» لِلْبَيْتِ. قَالَهُ الزّبَيْرُ. وَأُمّ إلْيَاسَ:
الرّبَابُ بِنْتُ حُمَيْرَةَ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَهُ الطّبَرِيّ «5» ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَأَمّا مُضَرُ، فَقَدْ قَالَ الْقُتَبِيّ هُوَ مِنْ الْمَضِيرَةِ، أو من اللبن الماضر، والمضيرة
__________
(1) فى الأغانى وتزيين الأسواق أنه للمجنون.
(2) قال البرهان الزركشى: لا أدرى أنا حال هذا الحديث. والذى فى الجامع الصغير: «لا تسبوا مضر، فإنه كان قد أسلم» رواه ابن سعد عن عبد الله بن خالد مرسلا، وهو ضعيف.
(3) أسطورة لا يشرف النبى «ص» أن نخترعها له.
(4) مفردها بدنة جمعها: بدن وبدن. قيل: هى البعير ذكرا كان، أو أنثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، ونقل عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى. ويقول الأزهرى فى التهذيب: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما الهدى فمن الإبل والبقر والغنم، وفى الصحاح للجوهرى أن البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها.
(5) الذى فى الطبرى: الرباب بنت حيدة، فلا يكون مخالفا لابن هشام.(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شئ يُصْنَعُ مِنْ اللّبَنِ «1» ، فَسُمّيَ: مُضَرَ لِبَيَاضِهِ «2» ، وَالْعَرَبُ تُسَمّي الْأَبْيَضَ أَحْمَرَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: مُضَرُ الْحَمْرَاءُ، وَقِيلَ بَلْ أَوْصَى لَهُ أَبُوهُ بِقُبّةِ حَمْرَاءَ، وَأَوْصَى لِأَخِيهِ رَبِيعَةَ بِفَرَسِ، فَقِيلَ: مُضَرُ الْحَمْرَاءُ، وَرَبِيعَةُ الْفَرَسِ.
وَمُضَرُ أَوّلُ مَنْ سَنّ لِلْعَرَبِ حداء الإبل «3» ، وكان أحسن النّاس صوتا فِيمَا زَعَمُوا- وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى-، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ: «لَا تَسُبّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ، فَإِنّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ «4» » ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ.
نِزَارٌ وَمَعَدّ:
وَأَمّا نِزَارُ، فَمِنْ النّزْرِ وَهُوَ الْقَلِيلُ، وَكَانَ أَبُوهُ حِينَ وُلِدَ لَهُ، وَنَظَرَ إلَى
__________
(1) مضر اللبن بفتح الميم والضاد مضرا ومضرا بسكون الضاد وفتحها ومضورا حمض، وابيض، فهو ماضر.
(2) وقيل لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله لأنه كان يأخذ بقلب من يراه: وقيل اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الياس.
(3) وفى القاموس: «ومضر الحمراء، لأنه أعطى الذهب من ميراث أبيه وربيعة أعطى الخيل، أو لأن شعارهم كان فى الحرب: الرايات الحمر» وفى نهاية الأرب أن أولاد نزار اقتسموا ميراثه: فخرج الفرس من نصيب ربيعة، فسمى ربيعة الفرس، وكان لمضر الناقة الحمراء، فسمى مضر الحمراء.» وأما حداؤه للابل ففى الكامل لابن الأثير 2: 11 لأنه سقط عن بعيره، فجعل يقول: يا يداه، فأتته الإبل
(4) رواه الديلمى فى مسند الفردوس.(1/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب «1» إلى محمد
__________
(1) يغلو بعض الناس فى تقديس الرسول- صلى الله عليه وسلم- تقديسا ينزع بهم إلى تأليهه، أو يسبغ عليه ما أسبغ الأسطوريون على يسوع، فيرددون ماردده المؤلف هنا، وحقائق التاريخ تكذب هذه المفتريات، والقرآن يدمغها بأنها ضلالة، والأحاديث الصحيحة تنفيها. فإن هذه المفتريات تزعم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان نورا يتنقل فى الأصلاب من آدم إلى عبد الله، وأن هذا النور كان يشرق فى جباه هؤلاء الذين كان ينتقل فى أصلابهم. ويستشهدون على هذا بقوله سبحانه- (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وأيضا بما رواه البزار وابن أبى حاتم من طريقين- عن ابن عباس- أنه قال فى هذه الآية: «يعنى تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نورا» والآية القرآنية لا تعطى هذا المفهوم، وإليك ما يقوله ابن كثير فى تفسير قوله تعالى (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 218، 219. «قال ابن عباس: (الذى يراك حين تقوم) . يعنى إلى الصلاة، وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده. وقال الحسن: (الذى يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك، وقال الضحاك: (الذى يراك حين تقوم) أى من فراشك، أو مجلسك، وقال قتادة: (الذى يراك) قائما وجالسا، وعلى حالاتك وقوله تعالى: (وتقلبك فى الساجدين) قال قتادة: (الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين) قال: فى الصلاة يراك وحدك، ويراك فى الجمع، وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراسانى، والحسن البصرى ويقول البغوى: «وقيل معناه: يرى تصرفك وذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين، وقيل تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك» . أماما نقله البزار وابن أبى حاتم عن ابن عباس فهو كلام مفترى على حبر هذه الأمة ابن عباس؛ ولهذا لم يخرجه أحد من رواة الحديث فى صحيحه أو مسنده أو سننه، وقول ابن عباس الذى نقله ابن كثير يدمغ ما نقله البزار بأنه موضوع. ثم إنا-(1/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا بِهِ، وَنَحَرَ وَأَطْعَمَ، وَقَالَ: إنّ هَذَا كُلّهُ نَزْرٌ لِحَقّ هَذَا الْمَوْلُودِ، فَسُمّيَ: نِزَارًا لِذَلِكَ «1» .
وَأَمّا مَعَدّ أَبُوهُ فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَفْعَلًا مِنْ الْعَدّ، وَالثّانِي أَنْ يَكُونَ فَعَلّا مِنْ مَعَدَ فِي الْأَرْضِ أَيْ: أَفْسَدَ كَمَا قَالَ.
وَخَارِبَيْنِ خَرَبَا فَمَعَدَا ... مَا يَحْسِبَانِ اللهَ إلّا رَقَدَا «2»
__________
- نسأل: أكان آزر والد إبراهيم من الساجدين؟ وحسبنا هذا، ولن نتعرض لغيره ممن تنقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى أصلابهم كما يزعمون. والله تعالى يأمر فى القرآن نبيه أن يصدع بهذه الآيات: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ذكرت مرة فى سورة الكهف، وأخرى فى فصّلت، (قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ) الأحقاف (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ، وَلَا الْإِيمانُ) (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أفمن خصائص البشرية ما يزعم المفترون؟ وهل تقلّب الرسل جميعا تقلب محمد، فهو ليس بدعا من الرسل؟ وإذا ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببرهان القرآن- لم يكن يعرف إيمانا ولا كتابا قبل بعثته، فمن أين هذه النبوة التى كان يشرق نورها على جباه أصلابه؟ إن حقائق القرآن تشهد لمحمد- صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم الرسل، وعلى خلق عظيم، وبأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وبأنه ما افترى على الله كذبا. فلنشهد له بما شهد له به القرآن، لا بما يزينه الشيطان.
(1) وقال صاحب الأغانى: سمى بذلك لأنه كان فريد عصره، وقيل: لقب به لنحافته؛ وعن الماوردى أنه كان مهزول البدن، فقال له ملك الفرس: ما لك يا نزار: ومعناها فى الفارسية، مهزول.
(2) فى اللسان: معد فى الأرض: إذا أبعد فى الذهاب، والخارب: اللص أو سارق الإبل. والرجز هو: -(1/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ مَا هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ إلّا مَعَ التّضْعِيفِ، فَإِنّ التّضْعِيفَ يُدْخِلُ فِي الْأَوْزَانِ مَا لَيْسَ فِيهَا كَمَا قَالُوا. شَمّرَ وَقُشَعْرِيرَةَ، وَلَوْلَا التّضْعِيفُ مَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ الثّالِثِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَعَدّيْنِ، وَهُمَا مَوْضِعُ عَقِبَيْ الْفَارِسِ مِنْ الْفَرَسِ «1» وَأَصْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الْمَعْدِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْقُوّةُ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْمَعِدَةِ.
عَدْنَانُ:
وَأَمّا عَدْنَان فَفَعْلَانُ مِنْ عَدَنَ إذَا أَقَامَ، وَلِعَدْنَانَ أَخَوَانِ: نَبْتٌ وَعَمْرٌو فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «2» .
النّسَبُ قَبْلَ عَدْنَانَ:
وَأُدَدٌ مَصْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ السّرَاجِ. هُوَ مِنْ الْوُدّ وَانْصَرَفَ، لِأَنّهُ مِثْلُ ثُقَبٍ، وَلَيْسَ مَعْدُولًا كعمر، وهو معنى قول سيبويه.
__________
- أخشى عليها طيئا وأسدا: وخاربين خربا فمعدا: لا يحسبان الله إلا رقدا أى: اختلساها واختطفاها. قال ابن برى عن معد: الميم أصلية، قال: وكذا ذكر سيبويه: قولهم معدّ فقال: الميم أصلية لقولهم تمعدد قال ولا يحمل على تمفعل مثل تمسكن لقلته ونزارته. وفى مادة معد نقل اللسان عن اللحيانى: معد الشئ معدا وامتعد: اختطفه، فذهب به، وقيل اختسله. ثم استشهد بهذا الرجز، ومعد فى الأرض يمعد «بضم العين» معدا ومعودا: إذا ذهب.
(1) فى اللسان أيضا: المعدان: الجنبان من الإنسان وغيره.. والمعدان من الفرس ما بين رءوس كتفيه إلى مؤخر متنه.
(2) هما أخواه لأبيه كما فى الطبرى.(1/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قِيلَ فِي عَدْنَانَ: هُوَ ابْنُ مَيْدَعَةَ وقيل ابن يحثم «1» قاله القتيبىّ وَمَا بَعْدَ عَدْنَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مُضْطَرَبٌ فِيهِ، فَاَلّذِي صَحّ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ انْتَسَبَ إلَى عَدْنَانَ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا بَلَغَ عَدْنَانَ. قَالَ «كَذَبَ النّسّابُونَ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» «2» ، وَالْأَصَحّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «3» ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: إنّمَا نَنْتَسِبُ إلَى عَدْنَانَ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لا ندرى ما هو وأصحّ شئ رُوِيَ فِيمَا بَعْدَ عَدْنَانَ مَا ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ «4» أَبُو بِشْرٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الزّمَعِيّ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدِ بْنِ زَنْدٍ- بِالنّونِ- بْنِ الْيَرَى بْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى «5» » قَالَتْ أمّ سلمة. فزند هو
__________
(1) الذى فى المعارف لابن قتيبة: يجثوم.
(2) أخرجه ابن عساكر، وابن سعد والديلمى فى مسند الفردوس وقال ابن عبد البر فى الإنباه: ليس بالإسناد القوى.
(3) كان ابن مسعود إذا قرأ قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) يقول: كذب النسابون. يعنى أنهم يدعون علم الأنساب، ونفى الله علمها عن العباد بقوله سبحانه: لا يعلمهم (إلا الله) الزرقانى فى المواهب.
(4) هو: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد الأنصارى الرازى الدولابى روى عنه ابن أبى حاتم وابن عدى وابن حبان والطبرانى وغيرهم. قال الدارقطنى تكلموا فيه. وقال ابن يونس: ضعيف ولد سنه 224 ومات 310 هـ.
(5) هو فى الطبرى بدون ال، وفى غيره: برى- بالباء- وهو الصواب، فالبرى: التراب وهو يناسب معنى ما بعده. والحديث مكذوب، فالرسول-(1/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْهَمَيْسَعُ، وَالْيَرَى هُوَ: نَبْتٌ، وَأَعْرَاقُ الثّرَى هُوَ: إسْمَاعِيلُ؛ لِأَنّهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ تَأْكُلْهُ النّارُ، كَمَا أَنّ النّارَ لَا تَأْكُلُ الثّرَى.
وقد قال الدّار قطنىّ: لَا نَعْرِفُ زَنْدًا إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَزَنْدُ بْنُ الْجَوْنِ وَهُوَ أَبُو دُلَامَةَ الشّاعِرُ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي لَيْسَ بِمُعَارِضِ لِمَا تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَبَ النّسّابُون، وَلَا لِقَوْلِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَنّهُ حَدِيثٌ مُتَأَوّلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «ابْنِ الْيَرَى، ابْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى» كَمَا قَالَ: «كُلّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» «1» لَا يُرِيدُ أَنّ الهميسع ومن دونه ابن لإسمعيل لِصُلْبِهِ، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا التّأْوِيلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنّ أَصْحَابَ الْأَخْبَارِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي بُعْدِ الْمُدّةِ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِبْرَاهِيمَ، وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ آبَاءٍ أَوْ سَبْعَةٌ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، أَوْ عَشْرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ؛ فَإِنّ الْمُدّةَ أَطْوَلُ مِنْ ذلك كلّه،
__________
- الذى نزل الله عليه القرآن لا يمكن أن يفترى ما يكذب القرآن: فالله تعالى يقول: «لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ» وقد سبق ذكر ما قاله عمر وابن مسعود وقد قال عروة بن الزبير: «ما وجدنا أحدا يعرف بعد معد بن عدنان» ويروى ابن عبد البر فى الإنباه قول عكرمة: «أضلت نزار نسبها» وسئل مالك عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ، فَكَرِهَ ذلك وقال: من أخبره بذلك؟ وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن على بن محمد المشهور بأنه: ابن دحية: «أجمع العلماء- والإجماع حجة- عَلَى أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه» وأكثر هذه الأنساب التى بعد عدنان منقول عن أسفار اليهود.
(1) رواه البزار عن حذيفة وروى قريبا منه أبو داود والترمذى، والبيهقى وتأويل السهيلى لا يناسب مكانة عالم مثله.(1/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ. أَنّ مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ فِي مُدّةِ بُخْتَنَصّرَ «1» ابْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ الطّبَرِيّ: وَذُكِرَ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ الزّمَانِ إلَى إرْمِيَاءَ بْنِ حَلْقِيَا «2» أَنْ اذْهَبْ إلَى بُخْتَنَصّرَ، فَأَعْلِمْهُ أَنّي قَدْ سَلّطْته على العرب،
__________
(1) يذكر المسعودى عن كثير ممن عنى بأخبار الفرس أنه كان مرزبان العراق والمغرب، وأنه هو الذى وطئ الشام، وفتح بيت المقدس، وسبى بنى إسرائيل «المرزبان يراد به صاحب ربع المملكة وقائد عسكر ووزير وصاحب ناحية من النواحى، وواليها» وأسفار اليهود تلقبه: «نبوخذ نصّر» ويقول الدكتور بوست فى قاموسه: «إنه لقب لملك بابل، وهو مذكور فى أسفار الملوك والأيام وعزرا ونحميا وأستير وأرميا ولا سيما فى دانيال» ويقول: إنه مات سنة 561 قبل الميلاد وأن مدة ملكه أربع وأربعون سنة وأقول: إنه يلقب فى أسفار اليهود بأنه ملك بابل، وقد خرب أورشليم (القدس) هدم معابدها وقصور ملكها، وأحرق كل بيوتها ما عدا بيوت الكرامين والفلاحين وقضى على كهانهم، واستولى على كل كنوز المعابد «انظر الجزء الثانى من قاموس الدكتور بوست، والإصحاح الأخير من سفر أرميا» وانظر ص 280 ج 1 الطبرى طبع الحسينية، وص 292 أيضا ففيه قصة معد الخرافية مع بختنصر وكان سن معد 12 سنة
(2) يقول عنه بوست فى قاموسه: «أحد أنبياء العبرانيين العظام، وهو ابن حلقيا من نسل الكهنة» ثم يزعم أنه كان حديث السن حينما أقامه الله نبيا فلذلك رفض الدعوة أولا، غير أن الله وعده بالمعونة والنعمة فيما دعاه إليه، وذكر بوست نفس ما يقوله السهيلى، وفى الطبرى مثله مما يقطع بأن المرجع واحد، وهو أسفار اليهود. وقد ذكر بوست أن نبوته تشمل مدة ست وأربعين سنة بين سنة 628 وسنة 586 قبل الميلاد ... وكان من نبواته فى شأن ما سينزل ببنى إسرائيل، لأنهم عبدوا الأصنام، وحادوا عن طريق الرب، واتبعو الملذات- هو لفظ بوست- والفساد. وله سفر هو الرابع والعشرون من أسفار العهد القديم.(1/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاحْمِلْ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ كَيْلَا تُصِيبُهُ النّقْمَةُ فِيهِمْ «1» ، فَإِنّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ الرّسُلَ، فَاحْتَمَلَ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ إلَى أَرْضِ الشّامِ، فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَزَوّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً اسْمُهَا: مُعَانَةُ بِنْتُ جَوْشَنَ مِنْ بَنِي دُبّ بْنِ جُرْهُمٍ، وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا: نَاعِمَةٌ. قَالَهُ الزّبَيْرُ، وَمِنْ ثَمّ وَقَعَ فِي كِتَابِ الإسرائيليين نَسَبُ مَعَدّ، ثَبّتَهُ فِي كُتُبِهِ رَخِيَا، وَهُوَ يُورَخ «2» كَاتِبُ إرْمِيَاءَ. كَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ «3» حُدّثْت بِذَلِكَ عَنْ الْغَسّانِيّ عَنْهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ إبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ النّسَبِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جَدّا، وَقَدْ ذَكَرَهُمْ كُلّهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْمَسْعُودِيّ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي الأسماء، ولذلك
__________
(1) الذى فى الطبرى أن الله أوحى إلى إرميا وبرخيا أن الله سلط بختنصر على أهل عربة، كما سلطه على قومهما بنى إسرائيل، وأنه قال لهما: فعليكما بمعد ابن عدنان، فخرجا حتى سبقا بختنصر، فلقيهما عدنان، فطوياه إلى معد، فحمله برخيا إلى البراق وردف خلفه، فانتهيا إلى حزان، وطويت الأرض لإرميا!! ص 292 ج 1 الطبرى، وهو كلام يحتاج إلى كلام يثبته!!
(2) واسم بروخ فى سفر أرميا: باروخ يقال إنه حمل رسالة إرميا إلى بابل تخبر بما سيحل بالمدينة من قصاص الله، وكان باروخ فى جملة من عاد إلى مصر والذى ورد فى سفر عزرا: معداى، وقد ذكره بين بنى الكهنة الذين اتخذوا نساء غريبة، وذكر أنه من بنى بالى. أما معديا المذكور فى نحميا، فكان كاهنا، ويقول الطبرى وكان رجل من مسلمة بنى إسرائيل قد قرأ من كتبهم، فذكر أن بروخ بن ناريا كاتب إرميا أثبت نسب معد ووضعه فى كتبه.
(3) أبو عمر بن عبد البر: واسمه، يوسف بن عبد الله بن محمد شيخ علماء الأندلس وكبير محدثيها فى عصره توفى سنه 463، وفتحوا الميم فى النسبة إلى ثمر استيحاشا لتوالى الكسرات لأن فيه حرفا واحدا غير مكسور.(1/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَعْرَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَفْعِ نَسَبِ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التّخْلِيطِ، وَتَغْيِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، وَعَوَاصَةِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَعَ قِلّةِ الْفَائِدَةِ فِي تحصيلها. وقد ذكرى الطّبَرِيّ نَسَبَ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ فِي أَكْثَرِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَبًا، وَلَكِنْ بِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفَاظِ «1» ، لِأَنّهَا نُقِلَتْ مِنْ كُتُبٍ عِبْرَانِيّةٍ، وَذُكِرَ مِنْ وَجْهٍ قَوِيّ فِي الرّوَايَةِ عَنْ نُسّابِ الْعَرَبِ، أَنّ نَسَبَ عَدْنَانَ يرجع إلى قيذر «2» بن إسمعيل، وَأَنّ قَيْذَرَ كَانَ الْمَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَأَنّ مَعْنَى قَيْذَرَ: الْمَلِكُ إذَا فُسّرَ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فى عمود هذا النسب بور ابن شُوحَا، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ عَتَرَ الْعَتِيرَةَ، وَأَنّ شُوحَا هُوَ:
سَعْدُ رَجَبٍ، وَأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سنّ رجبا للعرب. والعتيرة هى الرّجبيّة «3» .
__________
(1) ولكى تعرف مدى اضطرابهم فى هذا أنهم ذكروا- وحملوها لابن عباس ظلما- أن بين عدنان وإسماعيل ثلاثين أبا لا يعرفون، وقيل هم أربعة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة أو خمسة عشر أو عشرون أو ثمانية وثلاثون أو تسعة وثلاثون، أو أربعون، أو فوق هذا
(2) فى القاموس: قيذار وكذلك فى بعض نسخ مروج الذهب للمسعودى، وفى المطبوعة: قيدار، وفى كتاب نسب قريش: قيذار وفى الطبرى: قيدر وقيذر وقيذار، وقد ذكر نقلا عن ابن إسحاق هذه الحقيقه عن علم الأنساب: «وذلك أنه أخذ من أهل الكتاب الأول» صفحة 192 ج 2 الطبرى وفى ص 194 «وتأويل قيدر: صاحب ملك»
(3) انظر ص 193 ج 2 من الطبرى، وقد كان الرجل- كما فى اللسان وغيره- يقول فى الجاهلية: إن بلغت إبلى مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضنّ بالغنم، فصاد ظبيا فذبحه، وعن الأزهرى، أن العرب فى الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمرا نذر: لئن ظفر به ليذبحن من غنمه فى رجب كذا، وكذا، وهى العتائر أيضا، فإذا ظفر به فربما ضاقت نفسه عن ذلك، وضنّ بغنمه، وهى الربيض، فيأخذ عددها ظباء-(1/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ فِي هَذَا النّسَبِ عُبَيْدَ بْنَ ذِي يَزَنَ بْنِ هَمَاذَا، وَهُوَ الطّعّانُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الرّمَاحُ الْيَزَنِيّةُ «1» ، وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا دَوْسَ الْعُتُقَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ وَجْهًا، وَكَانَ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَعْتَقُ مِنْ دَوْسٍ «2» ، وَهُوَ الّذِي هزم جيش قطورا بن جرهم.
__________
- فيذبحها فى رجب مكان تلك الغنم، وقد عتر بفتح التاء يعتر بكسرها عترا بسكونها إذا ذبح العتيرة. وهكذا كان الأمر فى صدر الإسلام، وأوله، ثم قضى عليه ولعل للرجبية المعروفة الآن نسبا إلى ذلك. ورجبية السيد البدوى أيضا. ويقول الخطابى: العتيرة: تفسيرها فى الحديث: أنها شاة تذبح فى رجب. وأما العتيرة التى كانت تعتبرها الجاهلية، فهى الذبيحة التى كانت تذبح للأصنام، فيصب دمها على رأسها «النهاية لابن الأثير» والرّجبيّة: ما كان يذبح للأصنام فى الجاهلية فى رجب، ويقول المسعودى فى أسباب تسمية العرب لشهورها: «ورجب لخوفهم إياه، يقال: رجبت الشئ إذا خفته» وابن الأثير يقول: «أضاف رجبا إلى مضر؛ لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم» والرأيان غير متضادين.
(1) الذى فى الطبرى عن ابن إبداعى: «وهو عبيد، وهو يزن الطعان، وهو أول من قاتل بالرماح، فنسبت إليه- ابن همادى.
(2) من العتق، وهو الكرم والجمال والنجابة والشرف والحربة، فى الطبرى «يقول العرب: أعتق من دوس لأمرين: أما أحدهما، فلحسنه وعتقه، والآخر لقدمه. جاء الطفيل بن عمرو الدوسى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: إن دوسا قد هلكت. عصت وأبت فادع الله عليهم، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم اهد دوسآ وأت بهم «متفق عليه» . وعن أبى هريرة قال: قال لى النبى: ممن أنت؟ قلت: من دوس. قال: ما كنت أرى أن فى دوس أحدا فيه خير «الترمذى» وقال: حديث حسن صحيح. وأقول: إن الأول أشبه بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم.(1/71)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر فيهم إسمعيل ذَا الْأَعْوَجِ، وَهُوَ فَرَسُهُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْخَيْلُ الْأَعْوَجِيّةُ «1» ، وَهَذَا هُوَ الّذِي يُشْبِهُ، فَإِنْ بُخْتَنَصّرَ كَانَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بِمِئَتَيْنِ مِنْ السّنِينَ، لِأَنّهُ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْعِرَاقِ «لَكَيْ لهراسب» ثُمّ لِابْنِهِ «كَيْ بستاسب «2» » إلَى مُدّةِ بهمن قَبْلَ غلبة الإسكندر على دارا بن دارا بن بهمن، وذلك قريب من مدة عيسى بن مريم فأين هذه المدة من مدة إسمعيل؟
وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَ مَعَدّ وَبَنِيهِ مَعَ هَذَا سَبْعَةُ آبَاءٍ، فَكَيْفَ أَرْبَعَةٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ؟.
وَكَانَ رُجُوعُ مَعَدّ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ بَعْدَ مَا رَفَعَ اللهُ بَأْسَهُ عَنْ الْعَرَبِ وَرَجَعَتْ بَقَايَاهُمْ الّتِي كَانَتْ فِي الشّوَاهِقِ إلَى مَحَالّهِمْ وَمِيَاهِهِمْ بَعْدَ أَنْ دَوّخَ بِلَادَهُمْ بُخْتَنَصّرُ، وَخَرّبَ الْمَعْمُورَ، واستأصل أهل حضور «3» ، وهم
__________
(1) الأعوج: فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه. وأعوج أيضا فرس عدى بن أيوب، وفرس كان لكندة فأخذته بنو سليم، فصار إلى بنى هلال وليس فى العرب فحل أشهر منه، ولا أكثر نسلا، وقيل كان لبنى آكل المرار ثم صار لبنى هلال بن عامر «عن اللسان» .
(2) اسمهما هكذا فى الطبرى «كى لهراسب وبشتاسب» ، ويذكر الطبرى والمسعودى أن مدة ملك الأول 120 سنة والآخر 112 سنة ويذكر أن بختنصر عاش أكثر من 300 سنه. ص 282 ج 1 الطبرى وص 228 ج 1 المسعودى مطبعة السعادة، ويذكر بوست أن مدة ملك بختنصر كان 44 سنه، ويقول عن سليمان إنه ملك أربعين سنة من 1021، 981 قبل الميلاد، فيكون بينه وبين بختنصر أكثر من 400 سنة. والله أعلم بالصواب.
(3) بلدة باليمن من أعمال زبيد؛ وتروى بالألف الممدودة «مراصد الاطلاع» .(1/72)
وَيُقَالُ أُدَدُ بْنُ مُقَوّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَح بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بن إسماعيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) الأنبياء الآية؛ وَذَلِكَ لِقَتْلِهِمْ شُعَيْبَ بْنَ ذِي مَهْدَمٍ «1» نَبِيّا أَرْسَلَهُ اللهُ إلَيْهِمْ؛ وَقَبْرُهُ بِصِنّينَ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبِ الْأَوّلِ صَاحِبِ مَدْيَنَ «2» . ذَلِكَ شُعَيْبُ بْنُ عَيْفِي، وَيُقَالُ فِيهِ ابْنَ صَيْفُونٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَدَنٍ، قَتَلُوا نَبِيّا أُرْسِلَ إلَيْهِمْ اسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَكَانَتْ سَطْوَةُ اللهِ بِالْعَرَبِ لِذَلِكَ، نَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ غَضَبِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ.
عَوْدٌ إلَى النّسَبِ:
ثُمّ نَعُودُ إلَى النّسَبِ. فَأَمّا مُقَوّمٌ «3» بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَأَبُو أُدَدٍ فَمَفْهُومُ المعنى،
__________
(1) فى القاموس «وذو مهدم كمنبر ومقعد: قيل لحمير وملك الحبش» ولا نقطع بنبوة شعيب هذا إذ لم يرد به نص صريح.
(2) فى مروج الذهب ص 49 ج 1 «شعيب بن نويت- وفى نسخة نويل بن راعويل بن مر بن عنقاء، بن مدين، بن إبراهيم. وفى تفسير الطبرى- لقصة شعيب فى الأعراف- أنه شعيب بن ميكيل بن يشجر واسمه بالسريانية: بثرون، ونسب البغوى فى تفسيره إلى عطاء أنه شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم، وإلى ابن إسحاق أنه شعيب بن ميكائيل بن يسحر بن إبراهيم. وهكذا كلما بعدنا عن الحق اضطرب القول والفكر. ومدين تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل ويقول بوست: إنها كانت تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، أو من شبه جزيرة سيناء إلى الفرات. وقال الشيخ النجار فى قصص الأنبياء: «عن قوم شعيب كانوا نزولا فى بلاد الحجاز- مما يلى الشام على خط عرض يوافق خط عرض قفط فى البر الإفريقى إلى الجنوب من القصير فى الجهة المقابلة» وقفط مدينة بالصعيد الأعلى كما جاء فى مراصد الاطلاع.
(3) فى الطبرى مقوّم وفى المعارف بتشديد الواو مع كسر.(1/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَيْرَحُ فَيْعَلٌ مِنْ التّرِحَةِ إنْ كَانَ عَرَبِيّا. وَكَذَلِكَ نَاحُورُ مِنْ النّحْرِ، وَيَشْجُبُ مِنْ الشّجْبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَنْ يُقَالَ: شَجِبَ بِكَسْرِ الْجِيمِ يَشْجَبُ بِفَتْحِهَا «1» ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي الْمُغَالَبَةِ: شَاجَبْتُهُ، فَشَجَبْته أَشْجُبُهُ بِضَمّ الْجِيمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي؛ كَمَا يُقَالُ مِنْ الْعِلْمِ: عَالَمْته فَعَلَمْته بِفَتْحِ اللّامِ أُعْلِمُهُ بِضَمّهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُمْ أَبُو الْعَبّاسِ النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَنْظُومَةِ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى آدَمَ كَمَا ذَكَرَهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ.
وَإِبْرَاهِيمُ مَعْنَاهُ: أَبٌ رَاحِمٌ، وَآزَرُ قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَا أَعْوَجُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ صَنَمٍ، وَانْتُصِبَ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ فِي التّلَاوَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِأَبِيهِ؛ كَانَ يُسَمّى تارِح وَآزَرُ «2» ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ لِمَجِيئِهِ فِي الْحَدِيثِ مَنْسُوبًا إلَى آزر
__________
(1) فى القاموس شجب كنصر، وفرح شجوبا، وشجبا مثل جلوس، ومثل فرح: هلك والشّجب: الحاجة والهم، وعمود من عمد البيت، وسقاء يابس يحرّك فيه حصى تذعر بذلك الإبل، وأبو قبيلة، والطويل، وبالتحريك- شجب- الحزن والعنت يصيب من مرض أو قتال.. وشجبه: أهلكه وحزنه وشغله، والظبى: رماه.
(2) قرأ عامة قراء الأمصار آزر بالفتح؛ لأنه بدل من أبيه. ولكنه- أى آزر- ممنوع من التنوين، فيجر بالفتحة. ونسب إلى أبى يزيد والحسن البصرى أنهما كانا يقرآنها بالرفع على أنها منادى: يا آزر. وقد نقل عن السدى أن آزر اسم صنم، وإنما ورد منصوبا بمعنى: أتتخذ آزر أصناما آلهة. فجعله مفعولا به لفعل مضمر. وقد خطأ الطبرى فى تفسيره رأى السدى، وقال: إن العرب لا تنصب اسما لفعل بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك. أكلمت، وهى تريد: أكلمت أخاك. ثم صوب قراءة من قرأ بفتح الراء من آزر باعتبار-(1/74)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأُمّهِ: نُونًا، وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا. لُيُوثِي، «1» أَوْ نَحْوِ هَذَا وَمَا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ أَسْمَاءٌ سُرْيَانِيّةٌ فَسّرَ أَكْثَرَهَا بِالْعَرَبِيّةِ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَكَرَ أَنّ فَالَع «2» مَعْنَاهَا: الْقَسّامُ، وَشَالَخ مَعْنَاهَا: الرّسُولُ، أَوْ الْوَكِيلُ، وَذَكَرَ أَنّ
__________
- آزر بدلا من أبيه، أو باعتباره نعتاله، وذكر أن المختار عنده هو جعل آزر اسما لوالد إبراهيم؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم. ورد على من يزعم أن تارح هو اسم لوالد إبراهيم بأنه ليس من المحال أن يكون له اسمان: تارح وآزر، وجائز أن يكون لقبا. أقول: والذى سبب هذا الخلاف حول شئ صريح واضح فى القرآن هو أن أسفار اليهود تسمى والد إبراهيم تارح!! بينما يقطع القرآن بأنه آزر!! فكيف نعبث بالقرآن؛ ليوافق ما جاء فى أسفار اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه؟؟ وفى الطبرى ورد اسم تارح: تارخ، وكذلك فى المعارف لابن قتيبة. أما مروج الذهب ففى نسخة منه: تارح، وفى أخرى: تارخ. أما فى سفر التكوين فهو: تارح، وقد تكرر ذكره مرارا. انظر الطبرى ص 119 ج 1، ص 11 المعارف لابن قتيبة المطبعة العامرية، ومروج الذهب ص 44 ج 1 وسفر التكوين. أما إبراهيم، فقد ورد فى الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين عنه ما يأتى: «ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام، وقال له: أنا الله القدير. سر أمامى، وكن كاملا، فأجعل عهدى بينى وبينك، وأكثرك كثيرا جدا، فسقط أبرام على وجهه، وتكلم الله معه قائلا: أما أنا فهو ذا عهدى معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد: أبرام، بل يكون اسمك: إبراهيم» ويقول «بوست» إن معنى أبرام العبرانى: أبرام السائح أو المهاجر. أما أبرام فمعناها: أب مرتفع، أما إبراهيم فمعناها: أب جمهور عظيم.
(1) فى الطبرى ص 159 ج 1: نوثا بنت كريتا، وفى رواية أنموتا.
(2) وهو أيضا كذلك فى المعارف والطبرى ومروج الذهب ونسب قريش أما فى سفر التكوين إصحاح 9 ففالج، ويذكر المسعودى أنه عاش 230 سنة وفى نسخة 239 سنة.(1/75)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسْمَاعِيلَ تَفْسِيرُهُ: مُطِيعُ اللهِ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ بين فالغ وَعَابِرِ أَبًا اسْمُهُ: قَيّنَن «1» أُسْقِطَ اسْمُهُ فِي التّوْرَاةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ سَاحِرًا، وأرفخشذ «2» تَفْسِيرُهُ: مِصْبَاحٌ مضئ، وَشَاذّ مُخَفّفٌ بالسريانية «الضّيَاءُ وَمِنْهُ: حم شَاذّ» بالسريانية وَهُوَ رَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ «جيومرث» ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ الضّحّاكُ، وَاسْمُهُ «بيوراسب بْنِ إندراسب» وَالضّحّاكُ مُغَيّرٌ مِنْ ازدهاق. قَالَ حَبِيبٌ:
وَكَأَنّهُ الضّحّاك فى فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون «3»
__________
(1) ورد فى سفر التكوين ما يأتى «وعاش أنوش بن شيث بن آدم تسعين سنة وولد قينان، وعاش أنوش بعد ما ولد قينان 815 سنة.. وعاش قينان سبعين سنة، وولد مهللّئيل؛ وعاش قينان بعد ما ولد مهللئيل 840 سنة ويذكر الطبرى أن قينان هو: ابن يانش بن شيث بن آدم، وفى مكان آخر أن قينان هو ابن أنوش بن شيث، وفى مكان آخر ص 107 ج 1 أن قينان بن أرفخشد ويقول بوست: «قينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح، ولا يذكر فى سلسلة نسب أرفكشاد فى الأصل العبرانى، ويظن أنه أدخل إدخالا فى الترجمة السبعينية، ومن هذه الترجمة نقل لوقا الإنجيلى اسمه، فذكره فى جدول أنسابه» أما الطبرى فنص تعبيره عن قينان فى ص 104 ج 1: «ولا ذكر له فى التوراة، وهو الذى قيل إنه لم يستحق أن يذكر فى الكتب المنزلة، لأنه كان ساحرا، وسمى نفسه إلها.
(2) كذا فى المروج، وفى القصد والأمم لابن عبد البر وفى الطبرى والمعارف: أرفخشد.
(3) حم شاذ: هو حمشيد أو جمشيد أو جم وهو أحد ملوك الفرس القدامى. ويقول المسعودى: وقيل: كان فى زمنه الطوفان، وأن النيروز حدث فى أيامه، وأنه حكم 600 سنة أو 900 أما جيو مرت، فهو- كما يزعم الفرس- أول ملوكهم، وأنه هو آدم، أو ابن آدم، أما الضحاك، فاسمه: بيوراسب، وهو-(1/76)
ابن إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرّحْمَنِ- بْنِ تَارِحٍ وَهُوَ آزَرُ بن ناحور بن ساروغ بن راعو ابن فَالَخ بْنِ عَيْبَرَ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بن متّوشلخ ابن أخنوخ، وهو إدريس النبىّ- فيما يزعمون- والله أعلم، وكان أول بنى آدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنّ أفريدون هُوَ الّذِي قَتَلَ الضّحّاكَ، بَعْدَ أَنْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي جَوْرٍ وَعُتُوّ وَطُغْيَانٍ عَظِيمٍ؛ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَلَى التّفْصِيلِ فِي تَارِيخِ الطّبَرِيّ وَغَيْرِهِ.
نُوحٌ وَمَنْ قَبْلَهُ:
وَذَكَرَ نُوحًا- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْغَفّارِ؛ وَسُمّيَ نُوحًا لِنَوْحِهِ عَلَى ذَنْبِهِ، وَأَخُوهُ: صَابِئُ بْنُ لَامَك؛ إلَيْهِ يُنْسَبُ دِينُ الصّابِئِينَ «1» فِيمَا ذَكَرُوا وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذُكِرَ أَنّ لَامَك وَالِدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السّلَامُ. وَلَامَك أَوّلُ مَنْ اتّخَذَ الْعُودَ لِلْغِنَاءِ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَاِتّخَذَ مَصَانِعَ الْمَاءِ. وأبوه: متّوشلخ. وذكره
__________
- الازدهاق- والعرب تسميه: الضحاك، - كما يقول الطبرى، فتجعل الحرف الذى بين السين والزاى فى الفارسية ضادا، والهاء حاء، والقاف كافا، وينقل الطبرى عن رواته أنه هو النمرود الذى عمل على إحراق إبراهيم، وهو الذى قتل جمشيد. وقد ذكرته شعراء العرب كثيرا، وافتخر به أبو نواس، وزعم أنه من اليمن. وأفريدون أو أفريذون هو الذى حكم بعد الضحاك ونكل به، وكان ملك أفريدون كما فى المروج 500 سنة «انظر ص 97 وما بعدها ج 1 الطبرى» ، ص 220 ج 1 مروج الذهب. وبيت الشعر لحبيب بن أوس الطائى المشهور بأبى تمام.
(1) هم عبدة الملائكة أو الكواكب وتطلق أيضا على من يخرج من دين إلى دين، وقد جاء ذكرهم فى القرآن.(1/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ «1» فَقَالَ: مَتّوشَلَخ، وَتَفْسِيرُهُ: مَاتَ الرّسُولُ؛ لِأَنّ أَبَاهُ كَانَ رَسُولًا وَهُوَ «2» خنوخ؛ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: هُوَ إدْرِيسُ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ إدْرِيسُ «3» » وَعَنْهُ- عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ- أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيّةِ إسْمَاعِيلُ «4» » وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وهذه الرواية أصح من رواية من
__________
(1) هو أبو العباس عبد الله بن محمد الناشئ. وهى قصيدة طويلة وردت فى ابن كثير والقصد والأمم لابن عبد البر. وموضوعها: مدح الرسول- صلى الله عليه وسلم- وذكر نسبه إلى آدم، وهى تبلغ ثمانين بيتا تقريبا. وهاك ما قاله عن متوشلخ
ومن قبل لمك لم يزل متوشلخ ... يذود العدا بالذائدات الشوارب
ص 54 الإنباه على قبائل الرواه لابن عبد البرط 1350 هـ و 157 ج 2 البداية
(2) فى السيرة المطبوعة على هامش «الروض» أخنوح، وفى طبعة الحلبى أما فى الطبرى فخنوخ.
(3) رواه أحمد عن أبى ذر فى حديث طويل وعند ابن حبان أن إدريس كان أول من خط بالقلم.
(4) ذكر ابن عبد البر فى كتابه: «القصد والأمم» روايات مختلفة. فعن كعب الأحبار: أن أول من تكلم بالعربية: جبريل، وأن أول من وضع الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها: آدم، وعن ابن بريدة أن اللسان العربى المبين هو لسان جرهم، وعن الكلبى أن أول من تكلم بها عمليق، وعنه أيضا أنه يعرب بن قحطان، وأن عادا تكلمت بها ولم تفصح، وأن الذين تكلموا بها قديما هم قحطان وعاد وثمود وعملاق وطسم وجديس، وروى عن غيره أن الله-(1/78)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَوَى: أَنّ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ إسْمَاعِيلُ «1» ؛ وَالْخِلَافُ كَثِيرٌ فِي أَوّلِ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ. وَفِي أَوّلِ مَنْ أَدْخَلَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيّ أَرْضَ الْحِجَازِ.
فَقِيلَ: حَرْبُ بْنُ أُمَيّةَ. قَالَهُ الشّعْبِيّ. وقيل: هو شعبان بين أُمَيّةَ. وَقِيلَ:
عَبْدُ بْنُ قُصَيّ تَعَلّمَهُ بِالْحِيرَةِ أَهْلُ الْحِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ «2» .
إدْرِيسُ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ: ثُمّ نَرْجِعُ الْآنَ إلَى مَا كُنّا بصدده. فنقول: إن إدريس
__________
- أنطق باللسان العربى يوم تبلبلت الألسن ببابل فى زمن نمرود بن كوش بن كنعان وعن وهب بن منبه أن أول من تكلم بها هود، وعن غيره أنه إسماعيل مما يدل على كثرة الاضطراب والخلاف!!
(1) نص كلام ابن عبد البر: «وأظن رواية من روى «كتب» أصح من رواية من روى «تكلم» . وأولى بالصواب! لأن العرب كانت قبل إسماعيل وقبل أبيه وجده، وقد يحتمل أن يكون المعنى: أول من تكلم باللغة العربية المبينة الفصيحة، ويحتمل أن يكون أراد «أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم» ثم يقول: «وأولى ما قيل بالصواب فى ذلك- والله أعلم قول من قال: إن آدم عليه السلام أول من تكلم بالعربية وبالسريانية وغيرهما، وأول من وضع الكتاب بذلك لأنه علم اللغات» ص 17 وما بعدها القصد والأمم لابن عبد البر.
(2) الحيرة: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على النجف. كانت مسكن ملوك العرب فى الجاهلية وهم النعمان وآباؤه، والأنبار مدينة قرب بلخ بخراسان. ومدينة على الفرات غربى بغداد كانت الفرس تسميها: فيروز سابور. وهى المقصودة.(1/79)
أُعْطَى النّبُوّةَ، وَخَطّ بِالْقَلَمِ- ابْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلَيِل بْنِ قَيْنَن بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ بِهَذَا الّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نسب محمّد رسول الله صلى الله وَآلِهِ وَسَلّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَمَا فيه من حديث إدريس وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَدْ قِيلَ: إنّهُ إلْيَاسُ، وَإِنّهُ لَيْسَ بِجَدّ لِنُوحِ. وَلَا هُوَ فِي عَمُودِ هَذَا النّسَبِ. وَكَذَلِكَ سَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ «1» - رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ- وَيَسْتَشْهِدُ بِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ- فَإِنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلّمَا لَقِيَ نَبِيّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الّذِينَ لَقِيَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ وَالْأَخِ الصّالِحِ. وَقَالَ لَهُ آدَمُ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ، وَالِابْنِ الصالح.
وكذلك قَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ. وَقَالَ لَهُ إدْرِيسُ: وَالْأَخُ الصّالِحُ. فَلَوْ كَانَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ، لَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ إبْرَاهِيمُ، وَأَبُوهُ آدَمُ، وَلِخَاطِبِهِ بِالْبُنُوّةِ.
وَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِالْأُخُوّةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَنْبَلُ، وَالنّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ لَمّا عضّده من هذا الدليل.
__________
(1) يعنى القاضى أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربى المعافرى ولد فى إشبيلية سنة 468 هـ، وله مؤلفات كثيرة، ومن كبار الآخذين بمذهب مالك. شهد سقوط دولة آل عباد على يد يوسف بن تاشفين فى بدء شبابه وسقوط دولة بنى تاشفين أو المرابطين أو الملثمين على يد عبد المؤمن بن على الذى أرسى قواعد دولة الموحدين. وذهب ابن العربى على رأس وفد من إشبيلية يطلب من عبد المؤمن فى مراكش الاستيلاء على ما بقى من مدائن الأندلس فى أيدى المرابطين، ولكن حبسه عبد المؤمن، ثم أطلق سراحه، وتوفى سنه 543 هـ.(1/80)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بن خالد السّدوسىّ، عن شيبان ابن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بن دعامة، أنه قال:
إسماعيل بن إبراهيم- خليل الرحمن- ابن تارح- وهو آزَرُ- بْنُ نَاحُورَ بْنِ أسرغ بْنِ أَرْغُو بْنِ فَالَخ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بْنِ مَتّوشَلَخ بْنِ أخنوخ بْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلائِيل بْن قاين بْن أَنُوش بْنِ شِيثِ بن آدم صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ: إدْرِيسُ بْنُ يُرِدْ «1» ، وَتَفْسِيرُهُ: الضّابِطُ. ابْنُ مهْلائِيل، وَتَفْسِيرُهُ:
الْمُمَدّحُ، وَفِي زَمَنِهِ كَانَ بَدْءُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ «2» .
«ابْنِ قَيْنَانَ» وَتَفْسِيرُهُ: الْمُسْتَوَى. «ابْنِ أَنُوشِ» وَتَفْسِيرُهُ: الصّادِقُ، وَهُوَ بِالْعَرَبِيّةِ: أَنَشّ؛ وَهُوَ أَوّلُ مَنْ غَرَسَ النّخْلَةَ، وَبَوّبَ الْكَعْبَةَ «3» وَبَذَرَ الْحَبّةَ فِيمَا ذَكَرُوا، «ابْنِ شيث» وَهُوَ بالسريانية: شاث. وبالعبرانية:
شيث. وَتَفْسِيرُهُ: عَطِيّةُ اللهِ «ابْنُ آدم» .
__________
(1) يذكر فى الطبرى أيضا بيارد، وكذلك فى سفر التكوين، ويقرر الطبرى أن إدريس هو خنوخ أو أخنوخ، وأن الله رفعه بعد 365 سنة ص 85 ج 1 الطبرى، ويذكر المسعودى أن الصابئة تزعم أنه هو هرمس ص 39 ج 1 مروج.
(2) ينسب الطبرى إلى ابن عباس أنه قال: «فى زمان يرد عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام» ولطالما حمل القوم ابن عباس أوزارهم، ونسبوا إليه ما لم يقله!! أقول: وليس لإدريس ذكر فى أسفار اليهود. ويرى مؤرخو العرب أنه أخنوخ، وفى سنة 1773 عثر على ثلاث نسخ من كتاب منسوب إلى أخنوخ، وقد طبع سنة 1853. والغاية من الكتاب تبرير العناية الإلهية، وقد رفض اليهود وآباء الكنيسة هذا الكتاب.
(3) أول من أقام الكعبة إبراهيم وإسماعيل، فكيف يقال إن هذا بوبها؟!(1/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
آدَمُ:
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيّ وَقِيلَ: هُوَ أَفْعَلُ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَقِيلَ: أُخِذَ مِنْ لَفْظِ الْأَدِيمِ «1» . لِأَنّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ. وَهُوَ: قُطْرُبٌ أَنّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ لَكَانَ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، وَكَانَتْ الْهَمْزَةُ أَصْلِيّةً فَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُ مِنْ الصّرْفِ مَانِعٌ، وَإِنّمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَلِذَلِكَ جَاءَ غَيْرَ مجرى «2» .
قال المؤلف: وهذا القول ليس بشئ؛ لِأَنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَدِيمِ وَيَكُونَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ. تَدْخُلُ الْهَمْزَةُ الزّائِدَةُ عَلَى الْهَمْزَةِ الْأَصْلِيّةِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى هَمْزَةِ الْأُدْمَةِ. فَأَوّلُ الْأُدْمَةِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ. فَكَذَلِكَ أَوّلُ الْأَدِيمِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ. فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُبْنَى مِنْهَا أَفْعَلُ. فَيَكُونُ غَيْرَ مُجْرًى. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ أَعْيَنُ وَأَرْأَسُ مِنْ الْعَيْنِ وَالرّأْسِ. وَأَسْوَقُ وَأَعْنَقُ مِنْ السّاقِ وَالْعُنُقِ.
مَعَ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِ السّلَفِ الّذِينَ هم أعلم منه لسانا، وأذكى جنانا.
__________
(1) الأديم: ظاهر الشئ والجلد.
(2) أى ممنوع من التنوين.(1/82)
[ «عمل ابن هشام فى سيرة ابن إسحاق» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نزل فيه من القرآن شئ، وليس سببا لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حُكْمُ التّكَلّمِ فِي الْأَنْسَابِ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا تَكَلّمْنَا فِي رَفْعِ هَذَا النّسَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ كَابْنِ إسْحَاقَ وَالطّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ والزبيريين.
وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَمّا مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ فَكَرِهَ ذلك. قيل له: فإلى إسمعبل، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ: وَمَنْ يُخْبِرْهُ بِهِ؟! وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَ فِي نَسَبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. قَالَ: وَمَنْ يُخْبِرْهُ بِهِ؟ وَقَعَ هَذَا الكلام لمالك فى الكتاب(1/83)
[سِيَاقَةُ النّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ]
[ «أبناء إسماعيل عليه السلام» ] :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي قَالَ:
وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- اثنى عشر رجلا: نابتا- وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكَبِيرِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُعَيْطِيّ وَإِنّمَا أَصْلُهُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حُنَيْنٍ «1» . وَتَمّمَهُ الْمُعَيْطِيّ، فَنَسَبَ إلَيْهِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا نَحْوُ مِمّا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبًا لَا يُعْرَفُونَ.
(ذِكْرُ إسْمَاعِيلَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَبَنِيهِ) وَقَدْ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- بَنُونَ سِوَى إسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ سِتّةٌ مِنْ قَطُورَا بِنْتِ يَقْطُرَ «2» وَهُمْ: مَدْيَانُ وَزَمِرَانِ وَسُرُج بِالْجِيمِ وَنَقْشَانِ
__________
(1) فى شرح المواهب للزرقانى «بن جبير» .
(2) فى سفر التكوين «قالت سارة لإبرام: هو ذا الرب قد أمسكنى عن الولادة. ادخل على جاريتى، لعلى أرزق منها بنين، فسمع إبرام لقول ساراى فأخذت ساراى امرأة إبرام هاجر المصرية جاريتها.. وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له، فدخل على هاجر، فحملت» وفيه أيضا: «وعاد إبراهيم فأخذ زوجة اسمها: قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان وبشتاق وشوحا.. وهذه أيام سنى حياة إبراهيم التى عاشها 175 سنة» الإصحاح 16، 25 وفى الطبرى: أن اسم زوجة إبراهيم التى تزوجها بعد وفاة سارة وهاجر هى: قطورا-(1/84)
أكبرهم- وقيدر، وأذبل، ومنشا، ومسمعا، وماشى، ودمّا، وأذر، وطيما، ويطورا، ونبش، وقيذما. وأمهم: بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ. وَجُرْهُمُ بْنُ قَحْطَانَ- وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كُلّهَا، وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُ نَسَبُهَا- ابْنُ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- وَمِنْ وَلَدِ نَقْشَانِ الْبَرْبَرُ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ- وَأُمّهُمْ رِغْوَةُ. وَمِنْهُمْ نُشِقّ وَلَهُ بَنُونَ آخَرُونَ مِنْ حَجّونِ «1» بِنْتِ أَهَيّن، وَهُمْ: كَيْسَانُ وسورج وَأُمَيْمُ وَلَوّطَانِ وَنَافِسُ. هَؤُلَاءِ بَنُو إبْرَاهِيمَ.
وَقَدْ ذكر ابن إسحاق أسماء بنى إسمعيل، ولم يذكر بنته، وهى نسمة «2»
__________
- بنت يقطن الكنعانية، وأنها ولدت له ستة هم: يقسان، وزمران، ومديان، ويسبق، وسوح، وبسر. وفى رواية: مدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوح، وأمهم قنطورا بنت مقطور، ويقال فى يسبق: يسهاق وفى سوح: ساح. ويذكر ابن خلدون فى تاريخه «وقال السهيلى: قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء» ثم يقول: «فولدت له- كما هو مذكور فى التوراة- ستة من الولد» ثم ذكر ستة الأولاد غير أنه ذكر أسبق وشوخ بدلا من بشتاق وشوخ المذكورين فى سفر التكوين ص 99 طبع لبنان، ويذكر الطبرى أن بعضهم ذكر أن إبراهيم تزوج بعد سارة امرأتين من العرب إحداهما قنطورا بنت يقطان فولدت له ستة، والأخرى: حجّور بنت أرهير، فولدت له خمسة بنين هم: كيسان وشورح وأميم ولوطان ويافس. أما فى المعارف فيذكر أنه جاء من قطورا بأربعة، ومن حجورا بسبعة وروايته عن وهب بن منبه، ولا أدرى من أين؟!.
(1) انظر ص 309 وما بعدها ج 1 الطبرى، ص 12 المعارف.
(2) فى الطبرى: بسمة، وفى التكوين أن عيصو أو عيسو تزوج هوديت ابنة بيرى الحثى، وبسمة ابن إيلون الحثى.(1/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بنت إسمعيل، وهى امرأة عيصو بن إسحق «1» ، وَوَلَدَتْ لَهُ الرّومَ وَفَارِسَ- فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «2» - وَقَالَ: أَشُكّ فِي الْأَشْبَانِ هَلْ: هِيَ أُمّهُمْ، أَمْ لَا؟ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ عيصو، وَيُقَالُ فيه أيضا: عيصا، وذكر فى ولد إسمعيل طيما «3» ، وَقَيّدَهُ الدّارَقُطْنِيّ: ظُمْيًا بِظَاءِ مَنْقُوطَةٍ بَعْدَهَا مِيمٌ كَأَنّهَا تَأْنِيثُ أَظْمَى، وَالظّمَى مَقْصُورٌ:
سُمْرَةٌ فِي الشّفَتَيْنِ «4» .
وَذَكَرَ دَمًا «5» ، وَرَأَيْت لِلْبَكْرِيّ أَنّ دومة الجندل عرفت بدوما ابن إسْمَاعِيلَ وَكَانَ نَزَلَهَا، فَلَعَلّ دَمًا مُغَيّرٌ مِنْهُ، وذكر أن الطور سمّى بيطور
__________
(1) فى الطبرى: عيص، وفى التكوين: عيسو. وفيه أيضا أن عيسو ويعقوب توأمان، وأن عيسو سمى بهذا لأنه ولد أحمر كفروة الشعر، وسمى يعقوب باسمه هذا لأنه ولد ويده قابضة على عقب عيسو.
(2) ذكره فى ص 162 ج 1.
(3) طيما بفتح الطاء وكسرها وسكون الياء، وفى أصول الأنساب. تيما. أما فى الطبرى، فطما، وفى التكوين: تيما.
(4) يقال. ظلّ أظمى أى: أسود، ورمح أظمى: أسود، وشفة ظمياء: فيها سمرة وذبول.
(5) هو دمّا أو دمار، وفى القاموس دومة، ودوماء، وفى مراصد الاطلاع أنها بالضم والفتح، وأنكر ابن دريد الفتح وعده من أغلاط المحدثين، وعند الواقدى: دوما، وفى ياقوت: دوماء، وفى معجم البكرى. بضم الدال، وقال إنها بين الحجاز والشام وأنها سميت بدومان بن إسماعيل إذ كان بها، وذكر صاحب المراصد أنها سميت كذلك، لأنها مبنية بها أى بالجنادل، وهى الصخور العظيمة.(1/86)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن إسْمَاعِيلَ، فَلَعَلّهُ مَحْذُوفُ الْيَاءِ أَيْضًا- إنْ كَانَ صَحّ مَا قَالَهُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَأَمّا الّذِي قَالَهُ أَهْلُ التّفْسِيرِ فِي الطّورِ، فَهُوَ كُلّ جَبَلٍ يُنْبِتُ الشّجَرَ، فَإِنْ لَمْ يُنْبِتْ شَيْئًا فليس بطور «1» ، وأما قيذر فَتَفْسِيرُهُ عِنْدَهُمْ: صَاحِبُ الْإِبِلِ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ صَاحِبَ إبِلِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ: وَأُمّهُ «2» : هَاجَرُ. وَيُقَالُ فِيهَا:
آجَرُ، وَكَانَتْ سُرّيّةً «3» لِإِبْرَاهِيمَ، وَهَبَتْهَا لَهُ سَارّةُ بِنْتُ عَمّهِ، وَهِيَ سَارّةُ بِنْتُ توبيل بْنِ نَاحُورٍ، وَقِيلَ: بِنْتُ هَارَانِ «4» بْن نَاحُورٍ، وقيل: هاران بنت تارح.
__________
(1) فى مفردات الراغب: أن كل جبل يقال عليه طور، وفى المعجم الوسيط جبل ينبت الشجر.
(2) أى أم إسماعيل.
(3) جارية مملوكة.
(4) فى الطبرى: سارة هى بنت هاران الأكبر عم إبراهيم، وقيل: إنها كانت ابنة ملك حران، وفى المعارف أنها بنت هرون ملكى، أما هاران فأخ له، وفى التكوين أن هاران أخ لإبراهيم، وأن ناحور، الذى هو أخو إبراهيم تزوج ملكة بنت هاران «أى بنت أخيه» ويذكر سفر التكوين أن إبراهيم قال لأبيمالك ملك حران عن سارة إنها أخته، ولكن الملك رأى فى منامه أنها زوجة إبراهيم فسأل إبراهيم فى هذا، فقال إبراهيم «بالحقيقة أيضا هى أختى ابنة أبى، غير أنها ليست أمى» انظر ص 125 ج 1 الطبرى، ص 11 المعارف لابن قتيبة، والإصحاح المتمم للعشرين من سفر التكوين هذا والآية التى استند إليها لا تدل على وحدة الشريعة، وإنما تدل على وحدة الدين فى عمومه، وقد ورد فى نفس الآية ما وصى الله به كل الرسل فى قوله سبحانه: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) والله تعالى يقول فى سورة المائدة آية رقم 48: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وعن قتادة: «الدين واحد، والشريعة مختلفة» . وأنا لا أجزم بأمر، وإنما أريد أن أنبه- فحسب- إلى أن الآية ليست حجة له فيما ذهب إليه.(1/87)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ عيبر بن شالخ، ويقطن هو قحطان ابن عيبر بن شالخ.
[ «وفاة إسماعيل، وموطن أمه» ] :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ- فِيمَا يذكرون- مائة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمّ مَاتَ- رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ- وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ مَعَ أُمّهِ هاجر، رحمهم الله تعالى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ، فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ، كَمَا قَالُوا: هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ: وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهِيَ بِنْتُ أَخِيهِ عَلَى هَذَا، وَأُخْتُ لُوطٍ. قَالَهُ الْقُتَبِيّ فِي الْمَعَارِفِ، وَقَالَهُ النّقّاشُ فِي التّفْسِيرِ، وَذَلِكَ أَنّ نِكَاحَ بِنْتِ الْأَخِ كَانَ حَلّالَا إذْ ذَاكَ فِيمَا ذُكِرَ، ثُمّ نَقَضَ النّقّاشُ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً) الشّورَى: 13. إنّ هَذَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيمِ بِنْتِ الْأَخِ عَلَى لِسَانِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَهَذَا هُوَ الْحَقّ، وَإِنّمَا تَوَهّمُوا أَنّهَا بِنْتُ أَخِيهِ، لِأَنّ هَارَانِ أَخُوهُ، وَهُوَ هَارَانِ الْأَصْغَرُ، وَكَانَتْ هِيَ بِنْتُ هَارَانِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ عَمّهُ، وَبَهَارَانِ سُمّيَتْ مَدِينَةُ حَرّانَ، لِأَنّ الْحَاءَ هَاءٌ بِلِسَانِهِمْ، وَهُوَ سُرْيَانِيّ «1» وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ إبْرَاهِيمَ إنّمَا نَطَقَ بالعبرانية حِينَ عَبَرَ النّهْرَ فَارّا مِنْ النمروذ، وَكَانَ النمروذ قَدْ قَالَ لِلطّلَبِ «2» الذين أرسلهم فى طلبه: إذا
__________
(1) ص 159 ج 1.
(2) طلب بفتح الطاء واللام، أو ضمها وتشديد اللام مع فتحها جمع طالب.(1/88)
[ (حديث فى الوصاة بأهل مصر) :]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- قَالَ:
اللهَ اللهَ فِي أَهْلِ الذّمّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السّوْدَاءِ، السّحْمِ الجعاد، فإن لهم نسبا وصهرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَدْتُمْ فَتًى يَتَكَلّمُ بالسريانية، فَرُدّوهُ، فَلَمّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ، فَحَوّلَ اللهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيّا، وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النّهْرَ، فَسُمّيَتْ الْعِبْرَانِيّةُ بِذَلِكَ، وَأَمّا السّرْيَانِيّةُ «1»
__________
(1) ويقول بعض الباحثين أن إبراهيم وصف بالعبرانى لأنه منسوب إلى إحد آبائه الأقدمين المعروف باسم: عبر غير أن الدكتور «ولفنسون» الذى كان أستاذا للغات السامية فى جامعة مصرية هى جامعة القاهرة الآن. يرفض الرأيين، ويزعم أن كلمة عبرى لا ترجع إلى شخص بعينه أو حادثة معينة، وإنما هى ترجع إلى الموطن الأصلى لبنى إسرائيل، وكان هؤلاء أمة بدوية صحراوية لا يستقرون فى مكان بل يرحلون من بقعة إلى أخرى بالإبل والماشية بحثا عن الماء والمرعى، ثم يقول: وكلمة عبرى مشتقة من الفعل الثلاثى عبر بمعنى قطع مرحلة من الطريق أو عبر الوادى، أو النهر من عبره إلى عبره «شطه وجانبه» أو عبر السبيل شقها، وكل هذه المعانى نجدها فى هذا الفعل سواء فى العربية والعبرية، وهى فى مجملها تدل على التحول والتنقل الذى هو من أخص ما يتصف به سكان الصحراء وأهل البادية، فكلمة عبرى مثل كلمة بدوى، أى: ساكن الصحراء والبادية، وقد كان الكنعانيون والمصريون والفلسطينيون يسمون بنى إسرائيل: بالعبريين، ثم نفر بنو إسرائيل من هذه الكلمة بعد أن سكنوا المدن. ثم قال: وليس يوجد فى صحف العهد القديم ما يدل على تسمية لغة بنى إسرائيل بالعبرية، بل كانت تعرف تارة باسم اللغة اليهودية، وتارة باسم لغة كنعان ولم تعرف باسم العبرية إلا بعد السبى البابلى فى كتاب حكم ابن سيرا، وفى مصنفات المؤرخ اليهودى: يوصف، وفى المشنا والتلمود. -(1/89)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَلَامٍ- فَسُمّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- لَمّا عَلّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلّهَا، عَلّمَهُ سِرّا مِنْ الْمَلَائِكَةِ! وَأَنْطَقَهُ بِهَا حِينَئِذٍ، وَكَانَتْ هَاجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَلِكِ الْأُرْدُنّ، وَاسْمُهُ صَادُوقٌ- فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ- دَفَعَهَا إلَى سَارّةَ حِينَ أَخَذَهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ عَجَبًا مِنْهُ بِجَمَالِهَا، فَصُرِعَ مَكَانَهُ، فَقَالَ: اُدْعِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَنِي. الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ، فَأَرْسَلَهَا، وَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ «1» ، وَكَانَتْ هَاجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَلِكِ بِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكٍ الْقِبْطِ «2» بِمِصْرِ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ من حديث سيف ابن عمر أو غيزه أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ حَاصَرَ مِصْرَ، قَالَ لِأَهْلِهَا: إنّ نَبِيّنَا عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ وَعَدَنَا بِفَتْحِهَا، وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَسْتَوْصِيَ بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا نَسَبٌ لَا يَحْفَظُ حَقّهُ إلّا نَبِيّ، لأنه نسب بعيد.
__________
- ويذكر ولفنسون عن السريانية أنها لهجة المنطقة الثالثة للهجات الكتلة الآرامية الشرقية، وكان مركز المدينة التى عرفت عند العرب باسم: الرّهاء «بالمد والقصر مدينة بالجزيرة فوق حران بينهما ست فراسخ» ؛ ثم حرف اسمها فى القرن الخامس عشر إلى أورفا. ويقول إن كلمة سريانى التى اصطلح عليها عوضا عن لفظة آرامى إنما غلبت لأن الآراميين الذين اعتنقوا ديانة المسيح لم يرضوا بهذه التسمية إذا كان هذا اللفظ يمثل فى التوراة جماهير الآراميين الوثنيين، وعلى هذا ادعوا أنهم سريان أى آراميون اعتنقوا المسيحية ص 77 وما بعدها، ثم ص 145 وما بعدها كتاب تاريخ اللغات السامية ط 1 سنه 1929 م.
(1) فعل الملك معها هذا ثلاث مرات كما ورد فى البخارى، وفى الثالثة أطلقها، وأخدمها هاجر، وفى الطبرى أيضا أنه فرعون، وأن هذا كان بمصر، وأن فرعون هذا هو الذى أخدمها هاجر ص 245 ج 1 الطبرى.
(2) فى الطبرى بعد هذا: «وكانت من أهل منف، والملك فيهم» ص 229 ج 4.(1/90)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَصَدَقَ، كَانَتْ أُمّكُمْ امْرَأَةً لِمَلِكِ مِنْ مُلُوكِنَا، فَحَارَبْنَا أَهْلَ عَيْنِ شَمْسٍ، فَكَانَتْ لَهُمْ عَلَيْنَا دَوْلَةٌ، فَقَتَلُوا الْمَلِكَ وَاحْتَمَلُوهَا، فَمِنْ هُنَاكَ تَصَيّرَتْ إلَى أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالُوا- وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ الْمَلِكَ الّذِي أَرَادَ سَارّةَ هُوَ سِنَانُ بْنُ عِلْوَانَ، وَأَنّهُ أَخُو الضّحّاكِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَفِي كِتَابِ التّيجَانِ لِابْنِ هِشَامٍ أَنّهُ عَمْرُو بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بَابِلْيُونَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ عَلَى مِصْرَ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَهَاجَرُ أَوّلُ امْرَأَةٍ ثَقَبَتْ أُذُنَاهَا، وَأَوّلُ مَنْ خُفِضَ مِنْ النّسَاءِ «1» ، وَأَوّلُ مَنْ جَرّتْ ذَيْلَهَا، وَذَلِكَ أَنّ سَارّةَ غَضِبَتْ عَلَيْهَا، فَحَلَفَتْ أَنْ تَقْطَعَ ثَلَاثَةَ أَعْضَاءٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَأَمَرَهَا إبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَنْ تَبَرّ قَسَمَهَا بِثَقْبِ أُذُنَيْهَا وَخِفَاضِهَا، فَصَارَتْ سُنّةً فِي النّسَاءِ، وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ.
وإسمعيل عَلَيْهِ السّلَامُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ وَإِلَى الْعَمَالِيقِ الّذِينَ كَانُوا بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَآمَنَ بَعْضٌ وَكَفَرَ بَعْضٌ.
وَقَوْلُهُ: وَأُمّهُمْ بِنْتُ مُضَاضٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا. وَاسْمُهَا: السّيّدَةُ ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وَقَدْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَاهَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَهِيَ الّتِي أَمَرَهُ أَبُوهُ بِتَطْلِيقِهَا حِينَ قَالَ لَهَا إبْرَاهِيمُ: قُولِي لِزَوْجِك: فَلْيُغَيّرْ عَتَبَتَهُ «2» يُقَالُ اسْمُهَا: جِدَاءُ بِنْتُ
__________
(1) خفض الصبية خفاضا: ختنها والشريعة لا توجب هذا.
(2) لأنه- كما ورد فى صحيح البخارى- سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن فى ضيق، وشدة، فلما جاء إسماعيل، وأخبرته زوجته-(1/91)
قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: نَسَبُهُمْ: أَنّ أُمّ إسْمَاعِيلَ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ. وَصِهْرُهُمْ، أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- تَسَرّرَ فِيهِمْ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أُمّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ «أُمّ الْعَرَبِ» قَرْيَةٍ كانت أمام الفرما من مِصْرَ.
وَأُمّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ سُرّيّةُ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- الّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ، مِنْ كُورَةِ أنْصِنا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابِ الزّهْرِيّ:
أَنّ عَبْدَ الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ، ثُمّ السّلَمِيّ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:
«إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإِنّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِمًا» فَقُلْت لِمُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ: «مَا الرّحِمُ الّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- لَهُمْ؟ فَقَالَ: كَانَتْ هَاجَرُ أُمّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ» .
[ «أَصْلُ الْعَرَبِ وأولاد عدنان ومعد وقضاعة» :]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَعْدٍ، ثُمّ تَزَوّجَ أُخْرَى، وَهِيَ الّتِي قَالَ لها إبراهيم فى الزّورة الثانية قولى
__________
- بما حدث بينها وبين أبيه، وأنه يطلب منه أن يغير عتبة الباب قال إسماعيل: ذاك أبى وقد أمرنى أن أفارقك.. والحديث كما قال السهيلى.(1/92)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِزَوْجِك: فَلْيُثَبّتْ عَتَبَةَ بَيْتِهِ: الْحَدِيثَ «1» ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ أَيْضًا يُقَالُ اسْمُ هَذِهِ الْآخِرَةِ: سَامَةُ بِنْتُ مُهَلْهِلٍ، ذَكَرَهُمَا، وَذَكَرَ الّتِي قَبْلَهَا الْوَاقِدِيّ فِي كِتَابِ «انْتِقَالِ النّورِ» وَذَكَرَهَا الْمَسْعُودِيّ أَيْضًا «2» وَقَدْ قِيلَ فِي الثّانِيَةِ: عَاتِكَةُ.
هَدَايَا الْمُقَوْقِسِ وَقَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ عُمَرَ: مَوْلَى غُفْرَةَ، وَغُفْرَةُ هَذِهِ هِيَ أُخْتُ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ.
وَقَوْلُ مَوْلَى غُفْرَةَ هَذَا: إنّ صِهْرَهُمْ لِكَوْنِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسَرّرَ «3» مِنْهُمْ، يَعْنِي: مَارِيَةَ بِنْتَ شمعون الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ، وَاسْمُهُ: جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءٍ، وَكَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أَرْسَلَ إلَيْهِ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ وَجَبْرًا مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، فَقَارَبَ الْإِسْلَامَ وَأَهْدَى مَعَهُمَا إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَتَهُ الّتِي يُقَالُ لَهَا دُلْدُلُ، وَالدّلْدُلُ: الْقُنْفُذُ الْعَظِيمُ، وَأَهْدَى إلَيْهِ مَارِيَةَ بِنْتَ شمعون، وَالْمَارِيَةُ:
بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ: الْبَقَرَةُ الْفَتِيّةُ بِخَطّ ابْنِ سِرَاجٍ يذكره عن أبى عمرو المطرز.
__________
(1) لأنها قالت لإبراهيم- عليه السلام- حين سألها عن عيشهم وهيئتهم- كما ورد فى صحيح البخارى- «نحن بخير وسعة، وأثنت على الله»
(2) انظر ص 47 وما بعدها ج 2 مروج الذهب الطبعة الثانية، وذكر عن جداء أنها من العماليق من بنى كركر.
(3) تسرر الرجل: اتخذ أمة لفراشه.(1/93)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا الْمَارِيّةُ بِالتّشْدِيدِ، فَيُقَالُ قَطَاةٌ مَارِيّةٌ أَيْ: مَلْسَاءُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ.
وَأَهْدَى إلَيْهِ أَيْضًا قَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْرَبُ فِيهِ. رَوَاهُ ابْنُ عَبّاسٍ، فَيُقَالُ: أَنّ هِرْقِلَ عَزَلَهُ لَمّا رَأَى مِنْ مَيْلِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. وَمَعْنَى الْمُقَوْقِسِ: الْمُطَوّلُ لِلْبِنَاءِ، وَالْقُوسُ: الصّوْمَعَةُ الْعَالِيَةُ، يُقَالُ فِي مَثَلٍ: أَنَا فِي الْقُوسِ وَأَنْتَ فِي الْقَرَقوُسِ مَتَى نَجْتَمِعُ؟ وَقَوْلُ ابْنِ لَهِيعَةَ بِالْفَرَمَا مِنْ مِصْرَ. الفَرَما: مَدِينَةٌ كَانَتْ تُنْسَبُ إلى صاحبها الذى بناها، وهو الفرما ابن قيلقوس، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ قَلِيس، وَمَعْنَاهُ: مُحِبّ الْغَرْسِ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ بِلِيسِ. ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ. وَالْأَوّلُ قَوْلُ الطّبَرِيّ، وَهُوَ أَخُو الْإِسْكَنْدَرِ بْنِ قَلِيس الْيُونَانِيّ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ الْإِسْكَنْدَرَ حِينَ بَنَى مَدِينَةَ الإسكندرية قَالَ: أَبْنِي مَدِينَةً فَقِيرَةً إلَى اللهِ، غَنِيّةً عَنْ النّاسِ، وَقَالَ الْفَرْمَا: أُبْنَى مَدِينَةٌ فَقِيرَةٌ إلَى النّاسِ، غَنِيّةٌ عَنْ اللهِ، فَسَلّطَ اللهُ عَلَى مَدِينَةِ الْفَرْمَا الْخَرَابَ سَرِيعًا، فَذَهَبَ رَسْمُهَا، وَعَفَا أَثَرُهَا، وَبَقِيَتْ مَدِينَةُ الْإِسْكَنْدَرِ إلَى الْآنَ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ «1» ، وَقَفَ عَلَى آثَارِ مَدِينَةِ الْفَرْمَا، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَحَدّثَ بِهَذَا الحديث، والله أعلم.
__________
(1) أكثر المؤرخين على أن النبى- صلى الله عليه وسلم- أرسل كتبه إلى الملوك والأمراء- ومنهم المقوقس- فى العام السادس من الهجرة التى أولها 23 ما يو سنة 627 للميلاد. وقيل إن المقوقس أرسل جاريتين: مارية وشيرين. وأهدى حمارا اسمه: يعفور أو عفير، وقالوا. أهدى إليه سمنا وعسلا. ويقول ابن عبد الحكم فى كتابه ص 48 عن المقوقس بعد أن جاءه كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - «ثم-(1/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
دعا رجلا عاقلا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها، وهما من أهل حفن من كورة أنصنا، فبعث بهما إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له بغلة شهباء وحمارا أشهب، وثيابا من قباطى مصر وعسلا من عسل بنها» ثم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم، اختار مارية لأنها بادرت إلى الإسلام حين عرضه عليها قبل أختها، ووهب أختها لمحمد بن مسلمة الأنصارى أو لدحية الكلبى. هذا ويقول بتلر فى كتابه «فتح العرب لمصر» أن مارية ماتت سنه 636 م. فلم تشهد فتح مصر وخضوعها للعرب، وقد اختلفت الآراء حول كلمة «المقوقس أو المقوقس» بفتح القاف الثانية أو كسرها فمن المؤرخين الأجانب من ذكر أنه لقب كان يطلق على العامل على مصر من قبل امبراطور الروم أى على الحاكم العام لمصر وأنه هو «قيرس» البطريق من قبل الرومان وفى ابن عبد الحكم ما يؤيد الرأى الأول، والواضح أن مؤرخى العرب يطلقون على حاكم مصر فى أيام النبى- صلى الله عليه وسلم- المقوقس، وعلى الحاكم فى زمن فتحها مما يشعر أنهم حسبوه لقبا أصله غير عربى يطلق على حاكم مصر، وقد عرض الدكتور بتلر» آراء المؤرخين العرب فى هذا «الطبرى والبلاذرى واليعقوبى وابن الأثير، وياقوت والمكين وابن دقماق، والمقريزى وأبى المحاسن، والسيوطى» ثم بين أن قولهم إنما يدل على أن المقوقس كان الوالى على مصر من قبل هرقل. ويؤيد بهذا رأيه الذى يقرر به أن المقوقس هو عين البطريق «قيرس» الذى كان يحكم مصر من قبل الرومان. ويميل الأستاذ فريد أبو حديد إلى أن اسم حاكم مصر فى زمن النبى هو جيرج بن مينا أو جورج، وأنه كان الحاكم الأعلى، والبطريق الملكانى فى مصر قبل قيرس الذى كان يحكم مصر زمن الفتح «انظر كتاب فتح العرب لمصر» تأليف بتلر ترجمة محمد فريد أبو حديد ط 2 سنه 1946» . ولكن فى تاريخ الحضارة المصرية: «وقد حاول ألفريد بطلر فى كتابه المعروف أن يحل بعض هذه المشكلات فلم يخرج إلا بنتيجة واحدة قبلها الناس زمانا، ولكنها الآن موضع شك كبير، ونعنى بذلك قوله أن المقوقس هو: قيرس» . وانتهى الكتاب إلى نتيجة هى أنه كان(1/95)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَادُ بْنُ عَوْص بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَثَمُودُ وجديس ابْنَا عَابِرِ بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وطَسْم وَعِمْلَاقُ وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. عَرَبٌ كُلّهُمْ. فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ، فَوَلَدَ يَشْجُبُ يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ، فَوَلَدَ يَعْرُبُ: تَيْرَح بْنَ يعرب، فولد تيرح:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِصْرُ وَحَفّنِ وَأَمّا مِصْرُ فَسُمّيَتْ بِمِصْرِ بْنِ النّبَيْطِ، وَيُقَالُ: ابْنُ قِبْطِ بْنُ النّبَيْطِ مِنْ ولد
__________
= فى مصر قبيل الفتح قوتان متعاديتان: القبط فى ناحية، والبيزنطيون فى ناحية، ويمثل القبط المقوقس، وفرق من جنود القبط كانت مشتركة فى الجيش البيزنطى وعدد من الرهبان ورجال الكنيسة ثم بقية أهل البلاد وكلهم على المذهب المرنوفيزى القريب من توحيد الإسلام، وفى ناحية أخرى نجد البيزنطيين تمثلهم حاميات من الجند فى المعاقل والحصون والمسالح وخاصة فى الإسكندرية، ويمثل السلطان البيزنطى «الرومانى» كله قيرس الذى أقامه هرقل بطركا لمصر وأطلق يده فى شئونها» ويقول فى مكان آخر أن قيرس كان قد أساء إلى الأقباط، فصار المقوقس مستعدا للتفاهم مع أى قوة تخلص القبط من اضطهاد البيزنطيين، فلما أقبل العرب وتوالت هزائم البيزنطيين، استطاع المقوقس أن يحصل من العرب على عهد يؤمن القبط على عقيدتهم وأموالهم، فكانت نتيجة هذا دخول مصر فى طاعة العرب بعد أن انضمت فرق الجيش من القبط والرهبان ومن إليهم من أهل البلاد إلى المقوقس وائتمرت بأمره ص 325 وما بعدها المجلد الثانى. وفى النهاية لابن الأثير: المرىّ بوزن صبى، والمرية: الناقة الغزيرة الدّر من المرى، وهو الحلب، وفى القاموس: المرية، والمرية بضم الميم وكسرها وإسكان المراء وفتح الياء الناقة التى درّ لبنها، وناقة مرىّ بفتح الميم وكسر الراء: غزيرة اللبن. والماريّة بكسر الراء وتشديد الياء مع فتح القطاة الملساء والمرأة البيضاء البراقة، والمارية: البقرة ذات الولد المارى، والقوارير، وقوارير: زجاج.(1/96)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
والقوس كما قال السهيلى، ولكن ابن فارس يقول فى معجمه: وما أراها عربية، والقرقوس. القاع الأملس والسين زائدة. وابن لهيعة هو عبد الله ابن لهيعة الحضرمى الغافقى المصرى. ولاه أبو جعفر المنصور القضاء بمصر فى مستهل سنة 155، ثم صرف عنه. ولد سنة 97 وتوفى سنة 170. والفرما. مدينة على الساحل من ناحية مصر أو حصن لطيف فاسد الهواء، ومدينة قديمة بين العريش والفسطاط خراب، قد سفت الرمال عليها. والذى فى المروج عن ابن قليس أنه ابن فليبس- وهو الصواب- ومعناه: محب الغرس، وقيل اسمه. يلبس- أو ملبص، وقيل: فيلفوس، وفى الطبرى أنه ابن فيلسوف، أو فليفوس، أو بيلبوس. وفى ابن خلدون: فليقوس والصحيح فى هذا كله: فيلبس. وقد ولد الإسكندر سنة 356 ق م، وتوفى سنه 323 ق م وقد ادعى فى مصر أنه ابن الشمس، وطلب من المصريين أن يعبدوه وفى سنة 324 ق م، أرسل إلى كل الدول اليونانية- ما عدا مقدونية- يبلغها أنه يرغب فى أن يعترف به من ذلك الوقت ابنا لزيوس- أمون، وصدعت معظم الدول بما أمر. وفى سنة 331 ق م، بنيت مدينة الإسكندرية، ويقول المؤرخون إن اليونانيين المقيمين فى نقراطس هم الذين أشاروا عليه بإنشائها؛ لأنها بموقعها هذا على ساحل البحر الأبيض المتوسط غربى الفرع الكانرپى- اسم لأحد فروع النيل القديمة الذى كان يشق مديرية البحيرة ويصب قرب «أبو قير» وسمى هكذا باسم مدينة كانت واقعة عليه عند مصبه- لتكون مستودعا عاما للتجارة اليونانية الكبيرة، والإسكندر هو الذى خطط أسوارها، وحدد شوارعها الرئيسية ومواضع الهيا كل التى اعتزم أن يقيمها لآلهة المصريين واليونان، ثم ترك الباقى لمهندس دنقراطيسى. انظر قصة الحضارة الجزء الثانى من المجلد الثانى، وتاريخ اليونان. وعن فتح مصر يقال إنه اجتمع عمرو بن العاص بعمر بن الخطاب فى الجابية بقرب دمشق، وراح يزين له فتح مصر، وذلك فى خريف 630 م. ومما أبداه من أسباب أن-(1/97)
نَاحُورَ بْنَ تَيْرَح، فَوَلَدَ نَاحُورُ: مُقَوّمَ بْنَ نَاحُورٍ: فَوَلَدَ مُقَوّمُ أُدَدَ بْنَ مُقَوّمٍ:
فَوَلَدَ أُدَدُ: عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: عدنان بن أدّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- فَوَلَدَ عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ، وَعَكّ بن عدنان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كُوشِ بْنِ كَنْعَانَ «1» . وَأَمّا حَفّنِ الّتِي ذَكَرَ أَنّهَا قَرْيَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرْيَةٌ بِالصّعِيدِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ الّتِي كَلّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- مُعَاوِيَةَ أَنْ يَضَعَ الْخَرَاجَ عَنْ أَهْلِهَا، فَفَعَلَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ حِفْظًا لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ، وَرِعَايَةً لِحُرْمَةِ الصّهْرِ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: وذكر أنصنا «2» وهى قرية بالصعيد
__________
= مصر ستكون قوة للمسلمين إذا هم ملكوها، وأن حاكم الروم على بيت المقدس هرب إلى مصر، وراح يجمع فيها جنود الدولة، فيجب المبادرة إلى القضاء عليه وقد أقام عمرو عيد الأضحى بالعريش من عام 18 هـ- 12 من ديسبر سنه 639 م، وقد تم تسليم الإسكندرية بعد هذا بعامين «من المؤرخين من يذكر أن فتح مصر حدث سنه 20 أو 25 أو 16» .
(1) فى الطبرى ص 102 ج 1 أن القبط هم أولاد قوط بن حام بن نوح، وفى رواية أن مصرايم بن حام بن نوح هو والد المصريين، وفى المسعودى ص 357 ج 1 أن الأقباط هم أولاد قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح وأنه قيل لكل قبط: مصر. أما فى القصد والأمم لابن عبد البر فهم «أبناء قبط بن حام» ص 24.
(2) يقول عنها صاحب مراصد الاطلاع أنها مدينة أزلية بصعيد مصر فيها برابى وآبار كثيرة. والبرابى جمع بربا بفتح فسكون كلمة قبطية: قصور مبنية فى عدة مواضع من صعيد مصر بها صور ثابتة فى الحجارة من كل حيوان مختلف وقد ركب رءوس بعضها على أبدان غيرها، وخولفت أشكالها يقال إنها كانت من عمل السحرة «المراصد» ويقول ابن عبد الحكم أن العجوز دلوكة ابنة زباء وهى صاحبة حائط العجوز وضعت بها مقياسا للنيل.(1/98)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُقَالُ: إنّهَا كَانَتْ مَدِينَةَ السّحَرَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا يَنْبُتُ اللّبْخُ إلّا بأنصنا، وَهُوَ عُودٌ تُنْشَرُ مِنْهُ أَلْوَاحٌ لِلسّفُنِ، وَرُبّمَا، رَعَفَ نَاشِرُهَا، وَيُبَاعُ اللّوْحُ مِنْهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ نَحْوِهَا، وَإِذَا شُدّ لَوْحٌ مِنْهَا بِلَوْحِ، وَطُرِحَ فِي الْمَاءِ سَنَةً الْتَأَمَا، وَصَارَا لَوْحًا وَاحِدًا «1» .
عِكْ فَصْلٌ: وَذَكَرَ عِكْ بْنَ عَدْنَانَ، وَأَنّ بعض أهل اليمن يقول فيه: عكّ ابن عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، بْنِ الْأَزْدِ، وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَنْ ابْنِ الْحُبَابِ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: عَكّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عُدْثَانَ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوّلِ أَنّهُ بِنُونَيْنِ، كَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ، أَنّهُ بِالثّاءِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ الْأَزْدِ أَيْضًا، وَاسْمُ عَكّ: عَامِرٌ. وَالدّيْثُ الّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِالثّاءِ «2» ، وَقَالَهُ الزّبَيْرُ: الذّيْبُ بالذال والياء، ولعدنان أيضا
__________
(1) وكذلك فى القاموس، وزاد أن للّبخة ثمرا كالتمر حلوا لكنه كريه ثم ينقل أسطورة منها أن اللّبخ كان سما بفارس، فنقل إلى مصر، فزالت سمّيته وفى المعجم الوسيط: أنه ينبت فى البلاد الحارة. ورعف: مثل نصر، ومنع، وكرم وعنى، وسمع: خرج من أنفه الرّعاف. وهو الدم.
(2) أكثر النسابين الذين تكلموا عن نسب الأزد لم يذكروا الديث. وفى القلائد للقلقشندى: وعك واسمه: الديث، وفى كتاب نسب قريش: أن عكّا اسمه: الحارث، وفى جمهرة ابن حزم أن عكاهو ابن الديث بن عدنان، والنساب يختلفون فى نسب معد بن عدنان، فبعضهم يقول: هو من ولد قيدار، وبعضهم-(1/99)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابْنٌ اسْمُهُ: الْحَارِثُ، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ الْمُذَهّبُ «1» ، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الْمَثَلِ:
أَجْمَل من الْمُذَهّبِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَيْضًا فِي بَنِيهِ الضّحّاكَ وَقِيلَ فِي الضّحّاكِ إنّهُ ابْنُ مَعَدّ، لَا ابْنَ عَدْنَانَ، وَقِيلَ إنّ عَدَنَ الّذِي تُعْرَفُ بِهِ مَدِينَةُ عَدَنٍ، وَكَذَلِكَ أَبْيَنُ هُمَا «2» : ابْنَا عَدْنَانَ، قَالَهُ الطّبَرِيّ. وَلِعَدْنَانَ بْنِ أُدَدٍ أَخَوَانِ:
نَبْتُ بْنُ أُدَدٍ، وَعَمْرُو بْنُ أُدَدٍ. قَالَهُ الطّبَرِيّ أَيْضًا.
(ذِكْرُ قَحْطَانَ وَالْعَرَبِ الْعَارِبَةِ) أَمّا قَحْطَانُ فَاسْمُهُ مِهْزَمٌ- فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ مَاكُولَا- وَكَانُوا أَرْبَعَةَ إخْوَةٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مُنَبّهٍ: قَحْطَانُ وَقَاحِطٌ وَمِقْحَطٌ وَفَالِغٌ. وَقَحْطَانُ أَوّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ: أَبَيْت اللّعْنَ، وَأَوّلُ مَنْ قِيلَ له: عم صباحا «3» ، واختلف فيه، فقيل:
__________
- يقول: هو من ولد نبت، وكان نبت بكر إسماعيل، ويقول ابن حجر فى الفتح إنه وقع اضطراب شديد فى النسب بين عدنان وإسماعيل وأنه قد وقع له مما جمعه أكثر من عشرة أقوال، وذكر هذه الأقوال ص 469 ج 1 فتح البارى ط 1 1348 هذا والبيت الذى رواه ابن هشام «وعك بن عدنان» يروى: بمذحج.
(1) وبه أيضا كان يلقب قثم بن العباس.. وأصل المذهب: الذهيب: المموه بالذهب.
(2) أى عدن وأبين.
(3) جملة دعائية، كان- كما روى- ملوك لخم وجذام يخاطبون بها، ومعناها: أبيت أن تفعل شيئا تلعن به، وعم صباحا: تحية تقال فى الصباح ولعل عم اختصار نعم ينعم انعم، فحذف منها الألف والنون.(1/100)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنّ عَكّا تَزَوّجَ فِي الْأَشْعَرِيّينَ، فَأَقَامَ فِيهِمْ، فَصَارَتْ الدّارُ وَاللّغَةُ وَاحِدَةً، والأشعريون: بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْتِ بْنِ أُدَدَ بْنِ زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان ابن سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: نَبْتُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: بن مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: مَذْحجُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بن هميسع. ويقال أشعر: بن سبأ بن يشجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هُوَ ابْنُ عَابِرِ بْنِ شالَخ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ أَخُو هُودٍ، وَقِيلَ: هُوَ هُودٌ نَفْسُهُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ إرَمِ بْنِ سَامٍ، وَمَنْ جَعَلَ الْعَرَبَ كُلّهَا من إسمعيل قَالُوا فِيهِ: هُوَ ابْنُ تَيْمَنَ بْنِ قَيْذَرَ بن إسمعيل. ويقال. هو ابن الهميسع ابن يَمَنِ «1» وَبِيَمَنِ سُمّيَتْ الْيَمَنُ فِي قَوْلٍ، وَقِيلَ: بَلْ سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ. وَتَفْسِيرُ الْهَمَيْسَعِ: الصّرّاعُ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَمَنُ هُوَ.
يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، سُمّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنّ هُودًا عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَيْمَنُ وَلَدَيْ نَقِيبَةَ «2» فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ. قَالَ: وَهُوَ أَوّلُ مَنْ قَالَ الْقَرِيضَ وَالرّجَزَ، وَهُوَ الّذِي أَجْلَى بَنِي حَام إلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنْ وَلَدِ قُوطَةَ بْنِ يَافِثٍ. قَالَ: وَهِيَ أَوّلُ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ أُخِذَتْ فِي بَنِي آدَمَ. وَقَدْ احْتَجّوا «3» لِهَذَا القول أعنى: أن قحطان من ولد إسمعيل
__________
(1) اختلف النسابون فى نسب قحطان، فمنهم من نسبه إلى آدم وآخرون إلى عابر بن شالح بن سام بن نوح، وآخرون إلى إسماعيل بن إبراهيم. وكل قول تشعب إلى ثلاثة أقوال. وقد ذكر ابن عبد البر كل هذا فى الإنباه ص 55.
(2) نفسا.
(3) انظر ص 57 الإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر.(1/101)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ السّلَامُ بقول النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- «ارموا يا بنى إسمعيل فَإِنّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا «1» » قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِقَوْمِ مِنْ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى، وَأَسْلَمُ أَخُو خُزَاعَةَ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهُمْ مِنْ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَلَا حُجّةَ عِنْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لأنّ اليمن لو كانت من إسمعيل- مع أن عدنان كلها من إسمعيل بِلَا شَكّ- لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِالنّسَبِ إلَى إسْمَاعِيلَ مَعْنًى؛ لِأَنّ غَيْرَهُمْ مِنْ العرب أيضا أبوهم إسمعيل، وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- عَلَى أَنّ خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي قَمَعَةَ «2» أَخِي مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هريرة- رضى الله عنه-
__________
(1) نص الحديث كما رواه البخارى فى صحيحه: عن سلمة بن الأكوع قال: «خرج عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: ارموا بنى إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بنى فلان- لأحد الفريقين- فأمسكوا بأيديهم فقال: ما لكم؟ قالوا: كيف نرمى، وأنت مع بنى فلان؟ قال: ارموا، وأنا معكم كلكم» انفرد به البخارى. ويتناضلون: يترامون على سبيل المسابقة، وعند ابن حبان والبزار نحو هذه القصة وفيها: وأنا مع ابن الأدرع، واسمه: محجل، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى فى هذا الحديث عند الطبرانى، قال فيه: وأنا مع محجل بن الأدرع، ومثله فى مرسل عروة وقيل اسم ابن الأدرع: سلمة. وورد أن القائل: كيف نرمى هو: فضلة الأسلمى ج 4106 فتح البارى.
(2) لقب عمير بن الياس بن مضر.(1/102)
وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ معد بن عدنان، يفخر بعكّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«هِيَ أُمّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السّمَاءِ» «1» يَعْنِي: هَاجَرَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأَوّلَ فِي قَحْطَانَ مَا تَأَوّلَهُ غَيْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَسَبُهُمْ إلَى «مَاءِ السّمَاءِ عَلَى زَعْمِهِمْ» فَإِنّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ، كَمَا يَنْتَسِبُ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إلَى حَاضِنَتِهِمْ وَإِلَى رَابّهِمْ، أَيْ: زَوْجِ أُمّهِمْ- كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ قُضَاعَةَ إنْ شَاءَ اللهُ.
سَبَأُ وَأُمَيْمٌ وَوِبَارٌ:
وَسَبَأٌ اسْمُهُ: عَبْدُ شَمْسٍ- كَمَا ذُكِرَ- وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ، وَأَوّلَ مَنْ سَبَى فَسُمّيَ سَبَأً، وَلَسْت مِنْ هَذَا الِاشْتِقَاقِ عَلَى يَقِينٍ؛ لِأَنّ سَبَأَ مَهْمُوزٌ وَالسّبْيُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ «2» .
__________
(1) جزء من حديث أخرجه البخارى فى باب قوله سبحانه: «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبى هريرة، وقد تفرد به من هذا الوجه موقوفا، وقد رواه البزار، وأخرجاه من حديث هشام. ويقول ابن عبد البر، وهو يتحدث عن نسب خزاعة: «ولحى اسمه: ربيعة بن حارثه بن عمرو، أو هو مزيقياء بن عامر، وهو ماء السماء بن حارثه بن امرئ القيس، وفى مكان آخر يقول: «وحوط بن أبى حوط أخو المنذر بن ماء السماء لأمه. أمهما جميعا: ماء السماء بنت عوف بن جشم بن هلال» وفى مكان آخر عن مزيقياء: «وأبوه عامر وهو المعروف بماء السماء» ص 93، 99، 107 الإنباه. وفى القاموس: «ماء السماء أم بنى السماء» .
(2) ذكره القاموس فى مادة سبأ وسبى. وفى نهاية الأرب: لأنه أول من أدخل بلاد اليمن السبى، وفى المسعودى السبية والسبايا، وكذلك فى البداية لابن-(1/103)
وَعَكّ بْنُ عَدْنَانَ الّذِينَ تَلَقّبُوا ... بِغَسّانِ حَتّى طُرّدُوا كُلّ مَطْرِدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَغَسّانُ: مَاءٌ بِسَدّ مارِب بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، فَسُمّوا بِهِ، وَيُقَالُ: غَسّانُ: مَاءٌ بِالْمُشَلّلِ قَرِيبٌ من الجحفة، والذين شربوا منه تحزبوا، فَسُمّوا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الأسد ابن الغوث بن نبت، بن مالك، بن زيذ بْنِ كَهْلَانَ، بْنِ سَبَأِ، بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يغرب، بن قحطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أُمَيْمًا، وَيُقَالُ فِيهِ: أَمِيمٌ: وَوَجَدْت بِخَطّ أَشْيَاخٍ مَشَاهِيرَ: أَمّيمٌ، وَأَمّيمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَكْسُورَةً، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَالْعَرَبُ تَضْطَرِبُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْقَدِيمَةِ قَالَ الْمَعْرِيّ: «1»
يَرَاهُ بَنُو الدّهْرِ الْأَخِيرِ بِحَالِهِ ... كَمَا قد رأته جرهم وأميم
__________
- كثير، وفى الأغانى كذلك، وقال: اسم سبأ عامر، وكان يقال له عب الشمس أى: عديل الشمس، سمى بذلك لحسنه. ويقول صاحب نهاية الأرب- وهو يتحدث عن الملك فى العرب-: «لم يكن للعرب ملك حقيقى، وإنما كان من ملك حمير فى بلاد اليمن سمى ملكا ... وأول ملوك قحطان: عبد شمس وهو: سبأ» ويذكر نقلا عن كمامة الزهر أنه ملك 484 سنة، وأن يعرب بن قحطان هو أول من نطق بالعربية، ومن حيى بتحية الملك: أبيت اللعن، وأنعم صباحا، ثم قال: والأشهر أن عبد شمس هو أول ملوكهم ج 15 ص 291. ويقول ابن دريد: «وسبأ: اسم يجمع القبيلة كلهم، وهو فى التنزيل مهموز فمن صرف سبأ «أى نوّنها» جعله اسم الرجل بعينه، ومن لم يصرفه جعله اسم القبيلة، واشتقاق سبأ من قولهم: سبأت الخمر أسبؤها سبئا إذا اشتريتها، أو من قولهم: سبأت النار جلده إذا أثرت فيه» ص 361 ولا تنون كلمة سبأ إذا قصد بها القبيلة للعلمية والتأنيث.
(1) أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى التنوخى الشاعر الفيلسوف عاش يضر به الشك، وتأخذ به الحيرة، فكثرت المتناقضات فى شعره فهو يتناوح بين إيمان(1/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَأُمَيْمٌ- فِيمَا ذَكَرُوا- أَوّلُ مَنْ سَقّفَ الْبُيُوتَ بِالْخَشْبِ الْمَنْشُورِ، وَكَانَ مَلِكًا، وَكَانَ يُسَمّى: آدَمَ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُرْسِ: آدَمُ الصّغِيرُ، وَوَلَدُهُ: وَبَارٌ، وَهُمْ أُمّةٌ هَلَكَتْ فِي الرّمْلِ، هَالَتْ الرّيَاحُ الرّمْلَ عَلَى فِجَاجِهِمْ وَمَنَاهِلِهِمْ «1» فَهَلَكُوا. قَالَ الشّاعِرُ:
__________
- وجنوح عنه. آية شعره فى الكهولة جزالة اللفظ، وبداوة الأسلوب والغموض فى التراكيب، ووجود الغريب من الألفاظ، وهو فوق المتنبى فى دقة الخيال وتصريف القول فى الفلسفة وطبائع البشر ولد بمعرة النعمان سنه 363 وعاش عزبا حتى مات سنة 449 هـ.
(1) فى القاموس: وبار كقطام قد يصرف: أرض بين اليمن، ورمال بيرين سميت بوبار ابن إرم لما أهلك الله تعالى أهلها عادا. وفى المراصد أنها أرض واسعة بين الشّحر إلى صنعاء زهاء ثلثمائة فرسخ فى مثلها. قيل كانت من محال عاد بين رمال بيرين واليمن.. وقيل ما بين نجران وحضرموت، وما بين بلاد مهرة والشحر والمهرة بفتح الميم والهاء- وهو الأصح- بخلاف ينسب إليه مهرة، وهم قبيلة من قضاعة بينه وبين عمان نحو شهر، وكذلك بينه وبين حضرموت والشّحر بتشديد الشين وكسرها وسكون الحاء بلدة صغيرة بين عدن وظفار، أو هى صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وهو عدة مدن يتناولها هذا الاسم انظر مراصد الاطلاع، وتقويم البلدان لأبى الفداء. والبيت الذى استشهد به السهيلى أنشده سيبوبه للأعشى، وهو فى اللسان:
«فهلكت جهرة وبار»
بضم الراء، فمن العرب من يجرى وبار مجرى نزال بكسر اللام، ومنهم من يجريها مجرى سعاد. وقد أعرب فى الشعر، ودليله هذا البيت فالقوافى مرفوعة فى القصيد. والفجاج جمع فجّ. وهو الطريق الواسع بين جبلين، والمناهل: جمع منهل: المورد، وهو عين ماء ترده الإبل فى المراعى، وتسمى المنازل التى فى المفاوز على طريق السّفّار مناهل لأن فيها ماء.(1/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَرّ دَهْرٌ عَلَى وَبَارٍ ... فَأُهْلِكَتْ عَنْوَةً وَبَارُ
وَالنّسَبُ إلَيْهِ أَبَارِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِنْ الْعَمَالِيقِ «1» مُلُوكُ مِصْرَ الْفَرَاعِنَةُ، مِنْهُمْ: الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبٍ صَاحِبُ مُوسَى «2» وَقَابُوسُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ إرَاشَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بن عمليق أخو الأول، ومنهم: الرّيّان ابن الْوَلِيدِ صَاحِبُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابن دومع فيما
__________
(1) العمالقة قوم تفرقوا فى البلاد من ولد عمليق بكسر العين، أو عملاق ابن لاوذ بن إرم بن سام، وعمليق هو أخو طسم وجديس. وقد تفرق العماليق فى البلاد، فنزل بعضهم الحرم والبعض الشام، والبعض فارس والعملقة: البول والسّلح أو الرمى بهما، وفرعون لقب كل من ملك مصر قديما. أو كل عات متمرد كفرعون، أو فرعون؛ بضم الفاء فيهما وضم العين فى الأولى وفتحها فى الثانية: وتفرعن تخلق بخلق الفراعنة، والفرعنة: الدهاء والنّكر
(2) لم يجزم التاريخ برأى حول اسم فرعون صاحب موسى، فمنهم من يقول إنه: رمسيس الثانى الذى توفى عام 1225 قبل الميلاد، ويزعم الأستاذ جارستاخ عضو بعثة جامعة هزبول إنه كشف فى مقابر أريحا الملكية أدلة تثبت أن موسى قد أنجته فى عام 1527 قبل الميلاد بالتحقيق الأميرة حتشبسوت الملكة فيما بعد، وأنه تربى فى بلاطها بين حاشيتها، وأنه فر من مصر حين جلس على العرش عدوها تحتمس الثالث. وكانت زوجة لأخيها تحتمس الثانى، ولما ارتقى تحتمس الثالث العرش استطاعت حتشبسوت تنحيته. لكن الذى ورد فى القرآن أن المرأة التى أنجته كانت امرأة لفرعون وقت إنجائه يقول سبحانه: (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص. وفى الإصحاح الأول من سفر الخروج ورد أن التى أنجته هى ابنة فرعون لا امرأته، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه.(1/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ «1» .
وَأَمّا طَسْمٌ وَجَدِيسٌ فَأَفْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَتَلَتْ طَسْمٌ جَدِيسًا لِسُوءِ مَلَكَتِهِمْ إيّاهُمْ، وجورهم فيهم، فأفلت منهم رَجُلٌ اسْمُهُ: رَبَاحُ بْنُ مُرّةَ، فَاسْتَصْرَخَ بِتُبّعِ «2» ، وَهُوَ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ «3» ، وَكَانَتْ أُخْتُهُ الْيَمَامَةُ، وَاسْمُهَا عَنَزُ نَاكِحًا فِي طَسْمٍ، وَكَانَ هَوَاهَا مَعَهُمْ، فَأَنْذَرَتْهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، فَصَبّحَتْهُمْ جُنُودُ تُبّعٍ فَأَفَنُوهُمْ قَتْلًا، وَصَلَبُوا الْيَمَامَةَ الزّرْقَاءَ بِبَابِ جَوّ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، فَسُمّيَتْ جَوّ بِالْيَمَامَةِ مِنْ هُنَالِكَ إلَى الْيَوْمِ «4» وَذَلِكَ فِي أَيّامِ مُلُوكِ الطوائف،
__________
(1) والمسعودى يذكر اختلاف الناس فى شأن فرعون، فمنهم من رأى أنه من العماليق، ومنهم من رأى أنه من لخم من بلاد الشام، ومنهم من رأى أنه من الأقباط من ولد مصر بن بيصر وكان يعرف بظلما ونص ما ذكره السهيلى هو فى ص 358 ج 1 المروج.
(2) فى نهاية الأرب: رياح بكسر الراء وجمع تبع تبابعة وقد كانت حمير- وهم سبأ- كلما ملك فيهم رجل سموه: تبعا.
(3) كنيته: أبو كرب وتبان فى وزن غراب أو رمان.
(4) ذكر بعض المؤرخين أن طسما وجد يسا أخوان لثمود بن كاثر وكانت اليمامة ديار جديس وكانت البحرين ديارا لطسم. وعند الطبرى أنهما للاوذ بن سأم بن نوح، وكانت ديارهم اليمامة، وكان عليهم ملك من طسم، وكان غشوما سادرا فى غيه. ويقال له: عملوق، وكان مستذلا لجديس. حتى كان يأبى أن تزف البكر إلى زوجها إلا بعد أن يفترعها، فدبر أحد أبناء جديس كيدا استطاع به القضاء على عملوق أو على عمليق وعلى الرؤساء الذين معه، ولكن أفلت منهم رباح بن مرة ابن طسم، واستغاث بحسان بن تبع، فسمع له، فقال له رباح فى الطريق إن لى أختا متزوجة فى جديس، وإنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل، وأخاف أن تنذر-(1/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَقِيَتْ بَعْدَ طَسْمٍ يَبَابًا لَا يَأْكُلُ ثَمَرَهَا إلّا عَوَافِي الطّيْرِ وَالسّبَاعِ «1» ، حَتّى وَقَعَ عَلَيْهَا عُبَيْدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْحَنَفِيّ، وَكَانَ رَائِدًا لِقَوْمِهِ فِي الْبِلَادِ، فَلَمّا أَكَلَ الثّمَرَ قَالَ: إنّ هَذَا لَطَعَامٌ، وَحَجّرَ بِعَصَاهُ عَلَى مَوْضِعِ قَصَبَةِ الْيَمَامَةِ، فَسُمّيَتْ:
حِجْرًا «2» ، وَهِيَ مَنَازِلُ حَنِيفَةَ إلَى اليوم، وخبر طسم وجديس مشهور اقتصرنا منه على هذه النّبذة لشهرته عند الإخباريين.
__________
- القوم بك، فقطع كل رجل من قوم حسان شجرة، وجعلها أمامه وهو يسير بمشورة رباح، فأبصرتهم اليمامة، فأنذرت جديسا، ولكنهم لم يصدقوا، فدهمهم حسان، فأبادهم، وأخرب بلادهم، - وكانت تسمى اليمامة جوّا والقرية، وأتى حسان باليمامة ابنة مرة، فأمر بها، ففقئت عيناها، وسميت جو باليمامة. هذا ما رواه الطبرى ص 38 وما بعدها ج 2 ونقله عنه أبضا ابن خلدون فى تاريخه ص 43 وما بعدها ج 6 طبع لبنان وانظر أيضا ص 339 ج 15 نهاية الأرب ط 2 وبين ما ذكرت وبين ما رواه السهيلى خلاف. فهو يذكر طسما مكان جديس، وهو فى هذا يتابع بعض ما رواه المؤرخون حول هذه القصة كما بين ابن خلدون فى تاريخه ص 46 ج 6 وعنز هى زرقاء اليمامة التى يضرب بها المثل فى حدة البصر.
(1) اليباب: الخراب، العوافى: طلاب الرزق من الناس والدواب والطير.
(2) حجّر: يقال حجّر الأرض، وعليها، وحولها: وضع على حدودها أعلاما بالحجارة ونحوها لحيازتها، وقصبة البلاد: مدينتها. وحجر اسم ديار ثمود بوادى القرى مدنية بين الشام والحجاز.(1/108)
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ- وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ابْنَيْ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو، بْنِ عَامِرٍ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بن الغوث:
إمّا سَأَلْتِ فَإِنّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسّانُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
فَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَعْضُ عَكّ، وَهُمْ الّذِينَ بِخُرَاسَانَ منهم: عكّ بن عدنان ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: عدثان بن الدّيث بن عبد الله ابن الأسد بن الغوث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ذِكْرُ نَسَبِ الْأَنْصَارِ) وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَالْأَوْسُ: الذّئْبُ وَالْعَطِيّةُ أَيْضًا، وَالْخَزْرَجُ:
الرّيحُ الْبَارِدَةُ، وَلَا أَحْسَبُ الْأَوْسَ فِي اللّغَةِ إلّا الْعَطِيّةَ خَاصّةً، وَهِيَ مَصْدَرُ أُسْته «1» وَأَمّا أَوْسٌ الّذِي هُوَ الذّئْبُ فَعَلَمٌ كَاسْمِ الرّجُلِ، وَهُوَ كَقَوْلِك:
أُسَامَةَ فِي اسْمِ الْأَسَدِ. وَلَيْسَ أَوْسٌ إذَا أَرَدْت الذّئْبَ، كَقَوْلِك: ذِئْبٌ وَأَسَدٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجُمِعَ وَعُرّفَ- قَالَ- كَمَا يُفْعَلُ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ،
__________
(1) فى القاموس: الأوس: الإعطاء والتعويض من الشئ والذئب والنهزة بضم النون وسكون الهاء، وفى المعجم الوسيط: آسه أوسا وإياسا: أعطاه، وعوّضه مما فقده، وأعانه، وفى معجم ابن فارس: الهمزة والواو والسين كلمة واحدة، وهى العطية. وقالوا: أسست الرجل. أءوسه أوسا: أعطيته، ويقال الأوس: العوض. وأوس: الذئب، ويكون اشتقاقه مما ذكرنا.(1/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَقِيلَ فِي الْأُنْثَى: أَوْسَةٌ كَمَا يُقَالُ: ذِئْبَةٌ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُقَوّي هَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: «هذا أويس يسئلكم مِنْ أَمْوَالِكُمْ» فَقَالُوا: «لَا تَطِيبُ لَهُ أَنْفُسُنَا بشئ» وَلَمْ يَقُلْ: هَذَا الْأَوْسُ فَتَأَمّلْهُ، وَلَيْسَ أَوْسٌ عَلَى هَذَا مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالسّبَاعِ، وَلَا مَنْقُولًا مِنْ الْأَجْنَاسِ إلّا مِنْ الْعَطِيّةِ خَاصّةً.
وَفِيهِ عَمْرٌو، وَهُوَ مُزَيْقِيَاءُ، لِأَنّهُ- فِيمَا ذَكَرُوا- كَانَ يُمَزّقُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً. ابْنُ عَامِرٍ، وَهُوَ: مَاءُ السّمَاءِ. ابْنُ حَارِثَةَ الْغِطْرِيفُ «1» بْنِ امْرِئِ القيس، وهو: البهلول بن ثعلبة الصّنم ابن مَازِنِ السّرَاجِ ابْنِ الْأَسَدِ، وَيُقَالُ لِثَعْلَبَةَ أَبِيهِ: الصّنم، وكان يقال لثعلبة ابن عمر وجد الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ: ثَعْلَبَةُ الْعَنْقَاءُ، وَكَأَنّهُمْ مُلُوكٌ مُتَوَجّونَ، وَمَاتَ حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْعَنْقَاءُ «2» وَالِدُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ ظُهُورِهِمْ عَلَى الرّومِ بِالشّامِ، وَمُصَالَحَةِ غَسّانَ لِمَلِكِ الرّومِ، وَكَانَ مَوْتُ حَارِثَةَ وَجِذْعِ بْنِ سِنَانٍ مِنْ صَيْحَةٍ كَانَتْ بَيْنَ السماء والأرض سمع فيها صَهِيلَ الْخَيْلِ، وَبَعْدَ مَوْتِ حَارِثَةَ كَانَ مَا كَانَ مِنْ نَكْثِ يَهُودِ الْعُهُودِ، حَتّى ظَهَرَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ اسْتَنْصَرُوا بِهِ مِنْ مُلُوكِ جَفْنَةَ «3» وَيُقَالُ فِي الْأَسْدِ: الْأَزْدُ بِالسّينِ والزاى «4» واسمه:
__________
(1) فى الاشتقاق لابن دريد ص 435: البطريق.
(2) لقب بهذا- كما فى القاموس والاشتقاق لابن دريد- لطول عنقه.
(3) واشتقاقها إمّا من الجفنة المعروفة- وهى القصعة والبئر الصغيرة أو من الجفن بفتح الجيم والفاء وهو الكرم بسكون الرء وجفن السيف غمده وجفن الإنسان معروف «عن الاشتقاق» .
(4) وهو بالسين أفصح،(1/110)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ مَعَدّ، وَقُضَاعَةَ بْنَ مَعَدّ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَ مَعَدّ الّذِي بِهِ يُكَنّى- فِيمَا يَزْعُمُونَ- وقُنُص بْنَ مَعَدّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدّ
فَأَمّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ- وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ: عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنّمَا سُمّيَ سَبَأً؛ لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ- ابْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قحطان.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بن مالك بن حمير. وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الازدراء «1» ابن الْغَوْثِ. قَالَهُ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ:
سُمّيَ أَسْدًا لِكَثْرَةِ مَا أَسْدَى إلَى النّاسِ مِنْ الْأَيَادِي «2» . وَرُفِعَ فِي النّسَبِ إلَى كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَهْلَانُ كَانَ مَلِكًا بَعْدَ حِمْيَرَ، وَعَاشَ- فِيمَا ذَكَرُوا- ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ ثُمّ تَحَوّلَ الْمُلْكُ إلَى أَخِيهِ «3» حِمْيَرَ، ثُمّ فِي بَنِيهِمْ، وَهُمْ: وَائِلٌ «4» وَمَالِكٌ وَعَمْرٌو وَعَامِرٌ وَسَعْدٌ وَعَوْفٌ.
وَذَكَرَ لَطْمَةَ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ لِأَبِيهِ، وَأَنّهُ كَانَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ. قَالَ
__________
(1) فى نهاية الأرب. دراء أو درء ص 311 ج 2
(2) أما ابن دريد، فيقول فى الاشتقاق إنه من قولهم: أسد الرجل يأسد أسدا إذا تشبه بالأسد.
(3) هما: ابنا سبأ وفى المسعودى أن الذى تولى الملك بعد كهلان هو أبو مالك عمرو بن سبأ وكان ملكه 300 سنة، وقيل: إن الذى ملك بعد كهلان: الحارث بن شداد الملقب بالرائش المعروف بذى المنار ص 74 ج 2.
(4) فى نهاية الأرب وائلة.(1/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَسْعُودِيّ: وَاسْمُهُ: مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ثَعْلَبَةُ. وَقَالَ: وَيُقَالُ إنّهُ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ.
وَقَوْلُ حسان «1» :
إمّا سَأَلْتِ فَإِنّا مَعْشَرٌ أُنُفٌ «2» ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا، وَالْمَاءُ غَسّانُ
يَا أُخْتَ آلِ فِرَاسٍ إنّنِي رَجُلٌ ... مِنْ مَعْشَرٍ لَهُمْ فِي الْمَجْدِ بُنْيَانُ
وَاشْتِقَاقُ غَسّانَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ مِنْ الْغَسّ، وَهُوَ الضّعِيفُ كَمَا قَالَ:
غُسّ الْأَمَانَةِ صُنْبُورٌ فَصُنْبُورُ «3» .
__________
(1) هو صاحب الرسول وشاعره الذائد عنه بشعره. واسمه: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، ولد بالمدينة، عاش قبل إسلامه على مدح المناذرة والغساسنة، ولكنه بالغ فى مدح آل جفنة من ملوك غسان ثم أسلم، وعاش إبان البعثة وشعره لمحمد- صلى الله عليه وسلم- توفى سنة 54 هـ عاش- كما جاء فى الأغانى- 120 سنة.
(2) فى السيرة: نجب بدلا من أنف، وكذلك فى اللسان وفى القاموس الغسن المضغ، وبالضم الضعيف. والغسنة والغسناه: خصلة الشعر وعند ابن دريد هى من الغسنة أو من قولهم غيسان الشباب وهو أوله وطراءته.
(3) البيت فى ديوان أوس بن حجر وفى معجم مقاييس اللغة لابن فارس
مخلّفون ويقضى الناس أمرهم ... غسّو الأمانة صنبور فصنبور
ويقول الأستاذ عبد السلام هرون فى تعليقه على المادة فى معجم مقاييس اللغة إنّ اللسان ذكرها فى (صنبر وغشش، برواية غش الأمانة بالشين وفى غسس: غس بالسين وضم الغين، ونبه فى هذا الموضع الأخير على روايته بجمع المكسر «غشّ» وغشّ، بالنصب على الذم، وبجمع التصحيح غسّو الأمانة بالرفع والإضافة وغسّى بالنصب والإضافة لما بعده» وابن فارس يقول عن غس: «ليس فيه إلا قولهم: رجل غس إذا كان ضعيفا» وأصل الصنبور: النخلة تبقى منفردة وينتشر ويدق أسفلها.(1/112)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيُرْوَى غَسّي، وَيُقَالُ لِلْهِرّ إذَا زُجِرَ: غِسْ بِتَخْفِيفِ السّينِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَالْغَسِيسَةُ «1» مِنْ الرطب: التى يبدأها الإرطاب من قبل معلاقها، وَلَا تَكُونُ إلّا ضَعِيفَةً سَاقِطَةً.
سَبَأٌ وَسَيْلُ الْعَرِمِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَفَرّقَ سَبَأٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَفَرّقُوا أَيْدِي سَبَأً وَأَيَادِي سَبَأً نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَةً فِي الظّاهِرِ لِأَنّ مَعْنَاهُ: مِثْلَ أَيْدِي سَبَأٍ وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ فِيهِ فِي مَوْضِعِ النّصْبِ، لِأَنّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْمَيْنِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا «2» مِثْلَ: مَعْدِي كَرِبَ، وَلَمْ يُسَكّنُوهَا فِي ثَمَانِي عَشْرَةَ، لِأَنّهَا مُتَحَرّكَةٌ فِي ثمانية عشر.
__________
(1) فى القاموس «غس- بفتح الغين- زجر القط فقال: غس «بكسر الغين» والمغسوسة: نحل ترطب ولا حلاوة لها. والغس: الضعيف واللئيم والغسيس الرطب الفاسد.
(2) فى اللسان: «وقالوا: تفرقوا أيدى سبا، وأيادى سبا، فبنوه وليس بتخفيف عن سبأ لأن صورة تحقيقه ليست على ذلك، وإنما هو بدل لكثرته فى كلامهم. قال من صادر أو وارد أيدى سبا. وقال كثير:
أيادى سبايا عزّ ما كنت بعدكم ... فلم يحل للعينين بعدك منزل
وضربت العرب بهم المثل فى الفرقة، لأنه لما أذهب الله عنهم جنتهم، وغرق مكانهم تبدد وافى البلاد. وقولهم: ذهبوا أيدى سبا أى متفرقين شبّهوا بأهل سبأ لما مزقهم الله فى الأرض كل ممزق. فأخذت كل طائفة منهم طريقا على حدة، واليد: الطريق.(1/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: وَذَكَرَ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَفِي الْعَرِمِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: هُوَ الْمُسَنّاةُ «1» أَيْ: السّدّ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْوَادِي، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْجُرَذُ الّذِي خَرّبَ السّدّ، وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِلسّيْلِ مِنْ الْعَرَامَةِ، وَهُوَ معنى رواية علىّ ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: الْعَرِمُ «2» : مَاءٌ أَحْمَرُ حُفِرَ فِي الْأَرْضِ حَتّى ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْجَنّتَانِ، فَلَمْ يَسْقِهِمَا، حَتّى يَبِسَتْ، وَلَيْسَ الْمَاءُ الْأَحْمَرُ مِنْ السّدّ، وَلَكِنّهُ كَانَ عَذَابًا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيّ. وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الِاسْمَ إلَى وَصْفِهِ، لِأَنّهُمَا اسْمَانِ، فَتُعَرّفُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ. وَحَقِيقَةُ إضَافَةِ الْمُسَمّى إلَى الِاسْمِ الثّانِي، أَيْ: صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ كَمَا تَقُولُ: ذُو زَيْدٍ أَيْ، الْمُسَمّى بِزَيْدِ، وَمِنْهُ سَعْدُ ناشرة وعمرو بطّة «3» .
__________
(1) فى المطبوعة: المنسأة ولكنها: المسنّاة التى تحبس الماء.
(2) واحد العرم: العرمة بفتح العين والراء أو كسرها، وفى الطبرى أنها هكذا بلسان حمير أو بلحن اليمن، وهى صفة للمسناة وليست اسمالها، وفى القاموس: عرم بفتح فكسر: جمع بلا واحد، أو هو الأحباس تبنى فى الأودية، والجرذ. ضرب من الفيران والعرم أيضا المطر الشديد، وواد، والعرامة: الشده. وفى نهاية الأرب أيضا أن بانى السد هو لقمان الأكبر بن عاد أحد ملوك حمير «ص 337 ج 5 نهاية الأرب» .
(3) فى اللسان: «وزيد بطة لقب. قال سيبويه: إذا لقبت مفردا بمفرد أضفته إلى اللقب وذلك قولك: هذا قيس بطة. جعلت بطة معرفة لأنك أردت المعرفة التى أردتها إذا قلت: هذا سعيد، فلو نونت بطة صار سعيد نكرة، ومعرفة بالمضاف إليه، فيصير بطة ههنا كأنه كان معرفة قبل ذلك، ثم أضيف إليه، وقالوا: هذا عبد الله بطة «بضم الآخر» فجعلوا بطة تابعا للمضاف الأول قال سيبويه. فإذا لقبت مضافا بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف، وذلك-(1/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ الْأَعْشَى «1» :
وَمَأْرِبٌ عَفّى عَلَيْهَا الْعَرِمْ.
يَقْوَى أَنّهُ السّيْلُ. وَمَأْرِبٌ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ: اسْمٌ لِقَصْرِ كَانَ لَهُمْ، وَقِيلَ:
هُوَ اسْمٌ لِكُلّ مَلِكٍ كَانَ يَلِي سَبَأَ، كَمَا أَنّ تُبّعًا اسْمٌ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ الْيَمَنَ، وَحَضْرَمَوْتَ والشحر. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ. وَكَانَ هَذَا السّدّ مِنْ بِنَاءِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ «2» ، وَكَانَ سَاقَ إلَيْهِ سَبْعِينَ وَادِيًا، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمّهُ، فَأَتَمّتْهُ مُلُوكُ حِمْيَرَ بَعْدَهُ. وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: بَنَاهُ لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ، وَجَعَلَهُ فَرْسَخًا، وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ مثقبا.
__________
- قولك: هذا عبد الله بطة يا فتى «اللسان مادة بط» أما سعد ناشرة فكوكبان بينهما فى المنظر نحو ذراع، هذا وفى العرب سعود كثيرة: سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل وسعد بكر.
(1) هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل، نشأ فى اليمامة. وسمع بأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- فصنع قصيدة فى مدحه، ولكن قريشا أعطته مائة من الإبل، فرجع ولكنه سقط عن ناقته، فدقت عنقه قرب اليمامة، وهو راجع. لقب بصناجة العرب. والشطرة التى ذكرها السهيلى من بيت أوله:
ففى ذاك للمؤتسى أسوة ... ومأرب عفّى عليه العرم
رجام بنته لهم حمير ... إذا جاء ماؤهم لم يرم
والقصيدة فى ديوانه ص 43 من طبع القاهرة من قصيدة فى مدح قيس بن معد يكرب. وفيه «قفّى. رخام ومواره» مكان عفى ورجام، وماؤهم. والرجام: الصخور.
(2) ويقال: إنها بلقيس.(1/115)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ الْأَعْشَى:
إذَا جَاءَ مَوّارُهُ لَمْ يَرِمْ.
مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) .
فَهُوَ مَفْتُوحُ الْمِيمِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مَضْمُومَ الْمِيمِ، وَالْفَتْحُ: أَصَحّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَمٌ مَائِرٌ أَيْ: سَائِلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمِرّ الدّمَ بِمَا شِئْت» «1» أَيْ أَرْسِلْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَمْرِ بِسُكُونِ الْمِيمِ، جَعَلَهُ مِنْ مَرَيْت الضّرْعَ.
وَالنّفْسُ إلَى الرّوَايَةِ الْأُولَى أَمْيَلُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النّقّاشُ، وَفَسّرَهُ.
وَقَوْلُهُ: لَمْ يَرِمْ أَيْ: لَمْ يُمْسِكْهُ السّدّ حَتّى يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: فَأَرْوِي الزّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا أَيْ: أَعْنَابَ تِلْكَ الْبِلَادِ، لِأَنّ الزّرُوعَ لَا عِنَبَ لَهَا.
وَأَنْشَدَ لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ:
مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِب إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ سَيْلِهِ الْعَرِمَا «2»
وَهَذَا أَبْيَنُ شَاهِدٍ عَلَى أَنّ الْعَرِمَ هو السد، واسم أبى الصلت: ربيعة ابن وَهْبِ بْنِ عِلَاجٍ الثّقَفِيّ وَأُمّهُ: رُقَيّةُ بِنْتُ عبد شمس بن عبد مناف.
__________
(1) الحديث رواه أحمد فى مسنده، وأبو داود. وابن ماجة والحاكم عن عدى بن حاتم.
(2) البيت فى اللسان هكذا: شرد من دون سيله العرما. ويقال إن مأرب اسم لقصر الملك وفيه يقول أبو الطّمحان.
ألم تروا مأربا ما كان أحصنه ... وما حواليه من سور وبنيان(1/116)
عَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ، وَجُهَيْنَةُ بْنُ زَيْدِ، بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ، بْنِ أسلم، بن الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ:
نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ ... قُضَاعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ
النّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ... فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ المنبر
[ «قنص بن معد ونسب النعمان» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا قُنُصُ بْنُ مَعَدّ فَهَلَكَتْ بَقِيّتُهُمْ- فِيمَا يَزْعُمُ نُسّابُ مَعَدّ- وَكَانَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ:
أَنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ معدّ. قال ابن هشام: ويقال: قنص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ذَكَرَ مَعَدّ وَوَلَدِهِ) قَوْلُهُ: وَوَلَدَ مَعَدّ أَرْبَعَةَ نفر، أما نزار فَمُتّفَقٌ عَلَى أَنّهُ ابْنُ مَعَدّ، وَسَائِرُ وَلَدِ مَعَدّ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنْهُمْ جُشَمُ بْنُ مَعَدّ وَسِلْهِمُ بْنُ مَعَدّ وَجُنَادَةُ بْنُ مَعَدّ، وَقُنَاصَةُ بْنُ مَعَدّ، وَقُنُصُ «1» بْنُ مَعَدّ وَسَنَامُ بْنُ مَعَدّ، وَعَوْفٌ- وَقَدْ انْقَرَضَ عَقِبُهُ- وَحَيْدَانُ، وَهُمْ الْآنَ فِي قُضَاعَةَ، وَأَوْدٌ، وَهُمْ فِي مُذْحِجٍ يَنْسُبُونَ بَنِي أَوْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْهُمْ عُبَيْدٌ الرّمّاحُ وَحَيْدَةُ وَحَيَادَةُ وَجُنَيْدٌ وَقَحْمٌ، فَأَمّا قُضَاعَةَ فَأَكْثَرُ النّسّابِينَ يَذْهَبُونَ إلَى أَنّ قُضَاعَةَ هُوَ: ابْنُ مَعَدّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزّبَيْرِيّينَ، وَابْنِ هِشَامٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عن
__________
(1) وقنص أيضا بضم القاف والنون.(1/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ سُئِلَ عَنْ قُضَاعَةَ، فَقَالَ: هُوَ ابْنُ مَعَدّ، وَكَانَ بِكْرَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَيْسَ دُونَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَنْ يُحْتَجّ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «1» ، وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ.
وَجُهَيْنَةُ: هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم- بضم اللام- ابن الحاف ابن قُضَاعَةَ أَنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: لِمَنْ نَحْنُ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ بَنُو مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ «2» .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرّةَ- وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُكَنّى أَبَا مَرْيَمَ:
يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تَنَزّرْ
نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ ... قُضَاعَةَ بْنَ مالك بن حمير «3»
__________
(1) فى الإنباه ص 59 لابن عبد البر.
(2) ذكره ابن عبد البر فى الإنباه وقال: رواه جرير بن حازم عن ابن لهيعة عن معروف بن سويد عشانة المعافرى عن عقبة بن عامر الجهنى.
(3) يقول ابن عبد البر فى الإنباه ص 61 «وكان أول من انتسب من قضاعة إلى مالك بن حمير الأفلح بن يعقوب حيث يقول:
يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تَنَزّرْ
نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ ... قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ
النّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ
وفى الأغانى ج 8 ص 90 طبع لبنان: «وقال راجز من قضاعة ينسبهم إلى حمير.
قضاعة الأثرون خير معشر ... قضاعة بن مالك بن حمير
ثم:
يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تنزر-(1/118)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ ذُو الْحَسَبَيْنِ: قَالَ الزّبَيْرُ: الشّعْرُ لِأَفْلَحَ بْنِ الْيَعْبُوبِ. وَعَمْرُو بْنُ مُرّةَ هَذَا لَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا: فِي أَعْلَامِ النّبُوّةِ، وَالْآخَرُ: «مَنْ وَلِيَ أَمْرَ النّاسِ، فَسَدّ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَالْخَلّةِ وَالْمَسْكَنَةِ سَدّ اللهُ بَابَهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «1» » وَمِمّا احْتَجّ بِهِ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ أَيْضًا قَوْلُ زُهَيْرٍ «2» :
__________
- قضاعة الأثرون الخ ثم يقول: قال مؤرج بن عمرو: «وهذا شئ قيل فى آخر أيام بنى أمية» . وفى نسب قريش ص 5 وردت هذه الأبيات أيضا مع تقديم وتأخير. ومعنى تنزر انتمى إلى قبيلة نزار، أو تشبه بهم، والهجان الكريم الحسب النقية. والأزهر كل لون أبيض صاف مشرق مضئ.
(1) رواه الترمذى. ورواه أبو داود ولفظه بسنده عن عمرو بن مرة الجهنى أنه قال لمعاوية: «سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة» فجعل معاوية رجلا على حوائج المسلمين، ورواه الحاكم بنحو لفظ أبى داود وقال: صحيح الإسناد. وعقبة بن عامر أشهر كنية له. أبو حماد ولى البصره سنة 44 فى عهد معاوية. وظل فيها ثلاث سنوات وتوفى سنة 58 وله خمسة وخمسون حديثا. والخلة. الحاجة والفقر.
(2) زهير بن أبى سلمى ربيعة بن رباح المزنى، وقد نشأ فى بيت عريق فى الشاعرية فأبوه وخاله وأختاه سلمى والخنساء، وولداه كعب وبجير من الشعراء النايهين. ويدور التفاضل بينه وبين النابغة وامرئ القيس؛ أما لبيد، فهو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى يقال. إنه عاش حتى أدرك الإسلام، فأقبل على الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى وفد من قومه، فأسلم وحفظ القرآن وينسب إليه أنه لم يقل بعد إسلامه سوى:
الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى لبست من الإسلام سربالا-(1/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُضَاعِيّةٌ أَوْ أُخْتُهَا مُضَرِيّةٌ ... يُحَرّقُ فِي حَافّاتِهَا الْحَطَبُ الْجَزْلُ
فَجَعَلَ قُضَاعَةَ وَمُضَرَ أَخَوَيْنِ: وَأَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ لِلَبِيدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ الْكُمَيْتُ يُعَاتِبُ قضاعة فى انتسابهم إلى اليمن:
علا م نَزَلْتُمْ مِنْ غَيْرِ فَقْرٍ ... وَلَا ضَرّاءَ مَنْزِلَةَ الْحَمِيلِ
وَالْحَمِيلُ: الْمَسْبِيّ لِأَنّهُ يَحْمِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ أَبِي حَمِيلًا فَوَرّثَهُ مَسْرُوقٌ. أَرَادَ أَنّ مَسْرُوقًا كَانَ يَرَى التّوَارُثَ بِوِلَادَةِ الْأَعَاجِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: كَانَ أَبِي وَمَالِكٌ وَابْنُ دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةُ يَقُولُونَ فِي الحميل- وهو المسبىّ- بقول ابْنُ هُرْمُزَ «1» ثُمّ رَجَعَ مَالِكٌ قَبْلَ مَوْتِهِ بيسير إلى قول ابن شهاب،
__________
- وكانت وفاته بالكوفة سنة 41 هـ. والكميت هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدى الكوفى هو أشعر شعراء المتشيعين لبنى هاشم، وأهل بيت على رضى الله عنه ولد سنة 60 هـ ومات سنة 126 هـ. الحميل. الدّعىّ- أى المطعون فى نسبه، والمنسوب إلى غير أبيه. والحميل أيضا: الطفل المنبوذ يحمله قومه فيربونه، والبيت فى الإنباه أيضا.
(1) الأعمش هو: أبو محمد سليمان بن مهران الكوفى، كان حافظا متثبتا، ولكن كان فيه تشيع ولد سنة 61، وتوفى سنة 148 هـ وابن الماجشون من أهل المدينة وأصحاب مالك. اسمه: عبد الملك بن عبد العزير بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون- وهى المورد بالفارسية- سمى بهذا الحمرة فى وجهه، وكان فى زمانه مفتى المدينة توفى سنة 212، أو 214. ومسروق هو: مسروق بن الأجدع بن مالك أبو عائشة الكوفى كان فقيها من أصحاب ابن مسعود. روى عن الخلفاء الراشدين الأربعة قال عنه ابن المدينى. ما أقدم على مسروق من أصحاب عبد الله أحدا توفى سنة 62 هـ. ومالك هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر صاحب-(1/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَلَمّا تَعَارَضَ الْقَوْلَانِ فِي قُضَاعَةَ، وَتَكَافَأَتْ الْحِجَاجُ نَظَرْنَا فَإِذَا بَعْضُ النّسّابِينَ- وَهُوَ الزّبَيْرُ- قَدْ ذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى صِدْقِ الْفَرِيقَيْنِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ أَوْ غَيْرِهِ أَنّ امْرَأَةَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ، واسْمُهَا: عُكْبُرَةُ آمَتْ مِنْهُ «1» وَهِيَ تُرْضِعُ قُضَاعَةَ، فَتَزَوّجَهَا مَعَدّ، فَهُوَ رَابّهُ، فَتَبَنّاهُ، وَتُكَنّى بِهِ، وَيُقَالُ: بَلْ وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزّبَيْرِ، كَمَا نُسِبَ بَنُو عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ الذّئْبِ الْأَسَدِيّ، لِأَنّهُ كَانَ حَاضِنَ أَبِيهِمْ، وَزَوْجَ أُمّهِمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَلِيّ إلَى الْآنِ، وَكَذَلِكَ عُكْلٌ «2» ، وَهُوَ حَاضِنُ بَنِي عَوْفِ بْنِ وُدّ بْنِ طَابِخَةَ، وَلَكِنْ لا يعرفون إلا
__________
- الموطأ. قال عنه الذهبى: اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لغيره. طول العمر وعلو الرواية، والذهن الثابت، والفهم، وسعة الاطلاع، واتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية تجمعهم على دينه وعدالته، واتباع السنن، تقدمه فى الفقه والتقوى ولد سنة 93 وتوفى سنة 179 والمغيرة هو: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عبد الله. قال عنه الزبير بن بكار. كان المغيرة فقيه أهل المدينة بعد مالك. توفى المغيرة سنة 186 هـ وابن دينار: هو محمد بن إبراهيم بن دينار الجهنى أبو عبد الله كان مفتى أهل المدينة مع مالك وعبد العزير بن أبى سلمة وبعدهما. ودرس مع مالك على ابن هرمز توفى سنة 182 هـ
(1) أصل العكبرة. المرأة الجافية فى خلقها، وآمت المرأة، أيما، وأيوما وأيمة. أقامت بلا زوج بكرا أو ثيبا، وفقدت زوجها.
(2) عكل بضم العين أو كسرها. اللئيم- وفى القاموس: وعكل أبو قبيلة فيهم غباوة اسمه: عوف بن عبد مناة حضنته أمة تدعى: عكل فلقب به، وعند ابن دريد أن اشتقاق عكل من عكلت الشئ عكلا إذا جمعته وفى الإنباه: عكل: امرأة حضنت ابن عوف بن قيس بن وائل بن عوف بن عبد مناة بن أد، فنسبوا إليها، وسودان وثعلبة بنو عمرو بن الغوث من طئ نسبوا إلى حواضنهم أيضا.(1/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِعُكْلِ، وَكَذَلِكَ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ «1» إنّمَا هُمْ بنو سعد بن زيد من قُضَاعَةَ، وَهُذَيْمٌ كَانَ حَاضِنَ سَعْدٍ، فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَسَيَأْتِي مِنْهُ فِي الْكِتَابِ زِيَادَةٌ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَتَفْسِيرُ قُضَاعَةَ فِيمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: كَلْبُ الْمَاءِ، فَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْهُ، وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ، وَاسْمُهُ: عَمْرٌو، وَيُكَنّى أَبَا حَسَنٍ وَكُنْيَتُهُ: أَبَا حكم فيما ذكروا «2» .
وقول ابن إسحق: كَانَ بِكْرَ مَعَدّ، فَالْبِكْرُ أَوّلُ وَلَدِ الرّجُلِ، وَأَبُوهُ بِكْرٌ وَالثّنْيُ وَلَدُهُ الثّانِي، وَأَبُوهُ ثَنْيٌ، وَالثّلْثُ وَلَدُهُ الثّالِثُ، وَلَا يُقَالُ لِلْأَبِ ثِلْثٌ، ولا يقال فيما بعد الثالث شئ من هذا، قاله الخطابى. وَمِمّا عُوتِبَتْ بِهِ قُضَاعَةُ فِي انْتِسَابِهِمْ إلَى الْيَمَنِ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي تَغْلِبَ، وَقِيلَ هِيَ لِرَجُلِ مِنْ كَلْبٍ، وَكَلْبٌ مِنْ قُضَاعَةَ.
أَزَنّيْتُمْ عَجُوزَكُمْ، وَكَانَتْ ... قَدِيمًا لَا يُشَمّ لَهَا خِمَارُ
عجوز لودنا منها يمان ... للاقى مثل مالاقى يسار «3»
__________
(1) فى القاموس «سعد بن هذيم كزبير أبو قبيلة، وهو ابن زيد لكن حضنه عبد أسود اسمه هذيم: فغلب عليه.
(2) وعند ابن دريد أن قضاعة مشتقة من شيئين. إما من قولهم. انقضع الرجل عن أهله إذا بعد عنهم! أو من قولهم. تقضع بطنه إذا أوجعه، ووجد فى جوفه وجعا، وفى القاموس: قضاعة إنها كلبة الماء، وغبار الدقيق، وما يتحتت من أصل الحائط، وبقضاعة لقب عمرو بن مالك بن حمير، ثم ذكر أنها قد تكون فوق هذا من قضعه بفتح أى قهره وانظر أيضا ص 283 ج 2 نهاية الأرب وانظر ص 61 من الإنباه لابن حزم، وص 90 ج 8.
(3) فى الإنباه: وقيل: إنها لبعض بنى تَيْمِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كلب يخاطب قضاعة ص 62 12 زناه نسبه إلى الزنا، واتهمه به، وفى الإنباه عن-(1/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُرِيدُ: يَسَارَ الْكَوَاعِبِ الّذِي هَمّ بِهِنّ فَخَصَيْنَهُ، وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ حِمْيَرَ فِي قُضَاعَةَ:
مَرَرْنَا عَلَى حَيّيْ قُضَاعَةَ غَدْوَةً ... وَقَدْ أَخَذُوا فِي الزّفْنِ وَالزّفَنَانِ
فَقُلْت لَهُمْ: مَا بَالُ زَفْنِكُمْ كَذَا ... لِعُرْسِ نَرَى ذَا الزّفْنَ أَوْ لِخِتَانِ
فَقَالُوا: أَلَا إنّا وَجَدْنَا لَنَا أَبًا ... فَقُلْت: لِيَهْنِئْكُمْ! بِأَيّ مَكَانِ؟!
فَقَالُوا: وَجَدْنَاهُ بِجَرْعَاءِ مَالِكٍ ... فقلت: إذا ما أمّكم بحصان
فمامسّ خُصْيَا مَالِكٍ فَرْجَ أُمّكُمْ ... وَلَا بَاتَ مِنْهُ الْفَرْجُ بِالْمُتَدَانِي
فَقَالُوا: بَلَى وَاَللهِ حَتّى كَأَنّمَا ... خُصْيَاهُ فِي بَابِ اسْتِهَا جُعَلَانِ «1»
ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ الْإِنْبَاهِ لَهُ، وَقَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي حُنّ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ قُضَاعَةَ يَصِفُ بُثَيْنَةَ، وهى من حنّ أيضا:
__________
- يسار «وكان زنى فى غير قومه فأخذ فخصى، وذكر من القصيدة. كما روى لأعشى تغلب ثمانية أبيات فى هجو قضاعة.
(1) ص 63 الإنباه وفيه «من تحت» بدلا من «فى باب» وجرعاء الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، أو موضع فيه سهولة، ورمل لا تنبت، وجرعاء مالك بالدهناء قرب حزوى «بضم الحاء وإسكان الزاى وفتح الواو» موضع بنجد. والدهناء هى من ديار بنى تميم فى نجد، وقيل غير هذا، والحصان: العفيفة أو المتزوجة، الخصيان بضم الخاء وكسرها معروفان، وهما عضوان من أعضاء التناسل، والجعلان مثنى: جعل، وهو حيوان كالخنفساء يكثر فى المواضع الندية وليت الكميت تبرأ من مثل هذه الأبيات القذرة، ولولا الحفاظ على النص لحذفتها.(1/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَبَتْ فِي الرّوَابِي مِنْ مَعَدّ، وَفُضّلَتْ ... عَلَى الْمُحْصَنَاتِ الْبِيضِ وَهْيَ وَلِيدُ «1»
وَقَالَ جَمِيلٌ أَيْضًا وَهُوَ يَحْدُو بِالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ:
أَنَا جَمِيلٌ فِي السّنَامِ مِنْ مَعَدّ ... الضّارِبِينَ النّاسَ فى الرّكن الأشد «2»
__________
(1) جميل بن عبد الله بن معمر المعروف بجميل بثينة. يقول عنه الأصفهانى فى الأغانى: «وجميل وبثينة كلاهما من بنى عذرة. والجمال والعشق فى بنى عذرة كثير» ، وقد اشتهر عشقهم بالعفة، فقيل: حب عذرى مات سنة 82 هجرية فى عهد عبد العزيز بن مروان. وبيت «ربت الروابى» فى الأصل بدون «فى» والتصويب من البيان والتبيين ص 223 ح 1 وقد ورد البيت هكذا.
نمت فى الروابى من معد وأفلجت ... على الخفرات الغرّ وهى وليد
أناة على نيرين أضحى لداتها ... بلين بلاء الرّيط، وهى جديد
نمت: شبّت. الروابى من معد. البيوت الشريفة. أفلجت. أظهرت والخفرات. الحييات. الأناة. المرأة التى فيها فتور عند القيام. وقوله. على نيرين. وصفها بالقوة كالثوب ينسج على نيرين، وهو الثوب الذى له سديان كالديباج وما أشبهه. اللدة. القرينة فى المولد والمنشأ، فيقول. إن أقرانها قد بلين وهى جديد لحسن غذاثها. والرّيط. جمع ريطة، وهى الملاءة كلها نسيج واحد أو قطعة واحدة. والمحصنات العفيفات.
(2) فى الأغانى ح 8 ص 90 وردت الشطرة الثانية هكذا «فى الأسرة الحصداء والعيص الأشد» وفى ص 134 منه وفى نسب قريش ص 6 «فى الذروة العلياء والركن الأشد» وفى نسب قريش «كان الوليد فى سفر، فرجز ابن العذرى والوليد على نجيب، فقال:
يا بكر هل تعلم من علاكا ... خليفة الله على ذراكا
فقال الوليد لجميل. انزل فارجز، فنزل، فقال: -(1/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ذِكْرُ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ) وَكَانَ قُنُصُ بْنُ مَعَدّ قَدْ انْتَشَرَ وَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِيهِمْ حَرْبٌ، وَتَضَايَقُوا فِي الْبِلَادِ، وَأَجْدَبَتْ لَهُمْ الْأَرْضُ، فَسَارُوا نَحْوَ سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَذَلِكَ أَيّامَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ فَقَاتَلَهُمْ الْأَرْدَانِيّونَ «1» وَبَعْضُ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَأَجْلَوْهُمْ عَنْ السّوَادِ، وَقَتَلُوهُمْ إلّا أَشْلَاءَ لَحِقَتْ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَدَخَلُوا فِيهِمْ، وَانْتَسَبُوا إلَيْهِمْ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مطعم حين أتى عمر بسيف
__________
-
أنا جميل فى السنام من معد ... فى الذروة العلياء والركن الأشد
فقال له: اركب لا حملك الله ولم يمدح جميل أحدا قط، ص 6 نسب قريش وانظر القصة أيضا ص 134 ح 8 أغانى.
(1) الطوائف هم الذين ملكوا بابل بعد الاسكندر ولقبهم الأشغانون، وكان ملكهم- كما يقول الطبرى- 266 سنة والأردانيون- أو الأردنيّون هم أنباط السواد، والأنباط قوم من الساميين يرجعون إلى أصلين أحدهما: آرامى والآخر عربى، ودولتهم كانت فى القرن السابع قبل الميلاد، وسقطت فى أوائل القرن الثانى بعد الميلاد، وامتدت أملاكهم من الجزء الجنوبى الشرقى من فلسطين إلى رأس خليج العقبة. والسواد موضعان، أحدهما: قرب البلقاء «من أعمال دمشق بين الشام، ووادى القرى قصبتها عمان، والموضع الثانى: رستاق من رساتيق العراق وضياعها التى افتتحها المسلمون على عهد عمر. وهو ما بين البصرة والكوفة. وأنظر مع الطبرى تاريخ ابن خلدون ح 7 ص 341، وفى ح 8 ص 458 نقل ابن خلدون نص السهيلى وفيه «الأردوانيون» وفى البكرى كذلك.(1/125)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الأنصار من بنى زريق أنه حدّثه: أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النّعْمَانِ، بْنِ الْمُنْذِرِ، دَعَا جبير بن مطعم بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيّ- وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ، وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنّمَا أَخَذْتُ النّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ- فَسَلّحَهُ إيّاهُ، ثُمّ قَالَ: مِمّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان:
[ «لَخْمِ بْنِ عَدِيّ» :]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هميسع بن عمرو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ؛ وَيُقَالُ:
لَخْمُ: ابْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَال: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ تَخَلّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بن عامر من اليمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ «1» ، وَكَانَ جُبَيْرٌ أَنْسَبَ النّاسِ- الحديث. وذكر الطبرى
__________
(1) جبير أحد أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وروى عنه، وكان يؤخذ عنه النسب، وهو أحد الذين دفنوا عثمان بن عفان، وصلى عليه، وأمه: أم جميل بنت شعبة. «فى الإصابة والاستيعاب» سعيد. انظر ص 201 نسب قريش لأبى عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيرى دار المعارف أما عمر فهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو غنى عن التعريف-(1/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّ سَيْفَ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ إنّمَا أُتِيَ بِهِ عُمَرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ الْمَدَائِنُ-، وَكَانَتْ بِهَا خَرَائِبُ كِسْرَى وَذَخَائِرُهُ، فَلَمّا غُلِبَ عَلَيْهَا فَرّ إلَى إصْطَخْرَ «1» ، فَأَخَذَتْ أَمْوَالَهُ وَنَفَائِسَ عُدَدِهِ، وَأَخَذَ لَهُ خَمْسَةَ أَسْيَافٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا. أَحَدُهَا: سَيْفُ كِسْرَى أبرويز، وَسَيْفُ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ وَسَيْفُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ الّذِي كَانَ اسْتَلَبَهُ مِنْهُ، حِينَ قَتَلَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ، وَأَلْقَاهُ إلَى الْفِيَلَةِ فَخَبَطَتْهُ بِأَيْدِيهَا، حَتّى مَاتَ. وَقَالَ الطّبَرِيّ: إنّمَا مَاتَ فِي سِجْنِهِ فِي الطّاعُونِ الّذِي كَانَ فِي الْفُرْسِ، وَسَيْفُ خَاقَانَ مَلِكِ التّرْكِ، وَسَيْفِ هِرَقْلَ، وَكَانَ تَصَيّرَ إلَى كِسْرَى أَيّامَ غَلَبَتِهِ عَلَى الرّومِ فِي الْمُدّةِ الّتِي ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) الْآيَةَ. فَهَذَا كَانَ سَبَبُ تَصَيّرِ سَيْفِ النّعْمَانِ إلَى كِسْرَى أبرويز، ثُمّ إلَى كِسْرَى يَزْدَجْرِدْ، ثُمّ إلَى عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ الّذِي قَتَلَ النّعْمَانَ مِنْهُمْ أبرويز بْنُ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوَانَ «2» وَكَانَ لأبرويز فِيمَا ذُكِرَ أَلْفُ
__________
- أما النعمان بن المنذر، فهو أحد ملوك الحيرة الواقعة على نحو عشرة أميال جنوبى بابل، وقد استولى المنذر على الحيرة سنة 575 م، ودمرها، وكان هؤلاء وثنيين على حين كان أتباعهم يعتنقون المذهب النسطورى المسيحى،. ثم اعتنق النعمان الثالث النصرانية، وقد ضاق به الفرس ذرعا فاستدرجه كسرى الثانى إلى عاصمته المدائن وخلعه عن العرش. ص 24 ح 1 تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان.
(1) اصطخر بلد بفارس.
(2) خاقان: علم واسم لكل ملك خقّنه الترك بفتح وقاف مفتوحة مشددة الترك على أنفسهم. أى: ملّكوه. ورأسوه، وهرقل بكسر ففتح فسكون اسم لملك الروم. وكسرى، بفتح الكاف وكسرها: ملك-(1/127)
[أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ اليمن وقصة سد مأرب]
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ- فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنّهُ رأى جرذا يحفر فى سَدّ مَأْرِب الّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ فَيُصَرّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنّهُ لَا بَقَاءَ لِلسّدّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى الثّقلة مِنْ الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ لَهُ، وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ، فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ. وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتْ الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ. فَحَارَبَتْهُمْ عَكّ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا. فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الّذِي كَتَبْنَا، ثُمّ ارْتَحَلُوا عنهم، فتفرّقوا فى البلدان، فنزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
- الفرس. معرب خسروا أى: واسع الملك، وأبرويز بن هرمز بن أنوشروان- ملك من ملوك فارس فى عهده حدثت حروب ذى قار لتمام أربعين سنة من مولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة بعد أن بعث، وقيل بعد أن هاجر. وقيل: إنها كانت بعد بدر بأربعة أشهر، أما يزدجرد فهو ابن شهريار ابن كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن بهرام، كان ملكه إلى أن قتل بمرو من بلاد خراسان عشرين سنة، وذلك لسبع سنين ونصف خلت من خلافة عثمان وهى سنة 31 من الهجرة وانظر ح 1 من تاريخ المسعودى فى باب «ذكر ملوك الساسانية من ص 269.(1/128)
آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشّامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرّا، ونزلت أزد السّراة السّرَاةَ. وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمّانَ عُمَانَ. ثُمّ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى السّدّ السّيْلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ. بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ] ) . [سبأ: 15، 16]
وَالْعَرِمُ: السّدّ، وَاحِدَتُهُ: عَرِمَةٌ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ.
قَالَ الْأَعْشَى: أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ علي بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى:
مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحيل بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بن قيس بن ثعلبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِيلٍ، وَخَمْسُونَ أَلْفَ فَرَسٍ، وَثَلَاثَةُ آلَافِ امْرَأَةٍ- فيما ذكر الطبرى «1» - وتفسير أنو شروان بِالْعَرَبِيّةِ: مُجَدّدُ الْمُلْكِ- فِيمَا ذَكَرُوا وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ أبرويز: الْمُظَفّرُ. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ وَالطّبَرِيّ أَيْضًا، وَزَادَ الطّبَرِيّ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ «2» حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ نَسَبِ النّعْمَانِ قَالَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ إنّهُ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ، وَهُوَ وَلَدُ عَجْمِ بْنِ قُنُصٍ إلّا أنّ الناس لم يدروا
__________
(1) وانظر ص 279 ح 1 المسعودى.
(2) هو فى الإنباه لابن عبد البر ص 105.(1/129)
وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ... ومارِبُ عَفّى عَلَيْهَا العَرِمْ
رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ مَوّارُهُ لَمْ يَرِمْ
فَأَرْوَى الزّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ
فَصَارُوا أَيَادَى مَا يَقْدِرُو ... نَ مِنْهُ عَلَى شُرْبِ طِفْلٍ فُطِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ- وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ.
مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِب إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتُرْوَى لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ، وَاسْمُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بن صعصعة بن معاوية ابن بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ.
وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي من استقصائه ما ذكرت من الاختصار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا عَجْمٌ فَجَعَلُوا مَكَانَهُ لَخْمًا: فَقَالُوا: هُوَ مِنْ لَخْمٍ، وَنَسَبُوا إلَيْهِ. وأبرويز هُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمزّق كتابه، فدعا عليهم النبى- صلى الله عليه وسلم- أن يمزّقو كُلّ مُمَزّقٍ.
(حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ وَرُؤْيَاهُ) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: نَصْرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ فى قول نسّاب اليمن: ربيعة ابن نَصْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ. وَقَالَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا النّسَبِ:(1/130)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَصْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ شَعْوَذِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَجْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ «1» وَلَخْمٌ أَخُو جُذَامٍ، وَسُمّيَ لَخْمًا لِأَنّهُ لَخَمَ أَخَاهُ، أَيْ: لَطَمَهُ، فَعَضّهُ الْآخَرُ فِي يَدِهِ فَجَذَمَهَا، فَسُمّيَ جُذَامًا، وَقَالَ قُطْرُبٌ: اللّخْمُ سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ بِهَا سُمّيَ الرّجُلُ لَخْمًا «2» وَأَكْثَرُ الْمُؤَرّخِينَ يَقُولُونَ فِيهِ: نَصْرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَدْ تَقَدّمَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «3» فِي نَسَبِ النّعْمَانِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ، وَأَنّ لَخْمًا فِي نَسَبِهِ تَصْحِيفٌ مِنْ عَجْمِ بْنِ قُنُصٍ.
وَذَكَرَ رُؤْيَاهُ وَسَطِيحًا الْكَاهِنَ «4» وَنَسَبَهُ، وقد خالفه محمد بن حبيب
__________
(1) ونسبه فى الاشتقاق هكذا «نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سعود بن مالك بن عمم «بفتح وفتح» بن نمارة بن لخم» ومن نسله النعمان ابن المنذر بن المنذر. وقال عن زمن ملوك الحيرة إنه كان خمسمائة سنة
(2) فى الاشتقاق: واشتقاق لخم من الغلظ والجفاء، وانظر ص 104 الإنباه ففيها ذكر ابن عبد البر ما ذكر السهيلى، وفى القاموس: اللخم القطع واللطم، وبالضم. سمك بحرى، ولخمة ولخمة. الثقيل الجبس، ولخم بفتح وضم كثر لحم وجهه وغلظ: وقطرب: لقب محمد بن المستنير النحوى، وكان يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه، فيجده هناك، فيقول: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب قطربا. والقطرب دويبة كانت فى الجاهلية يزغمون أنها ليس لها قرار البتة.
(3) سعيد بن جبير كان كاتبا لعبد الله بن عتبة بن مسعود خرج مع ابن الأشعث على بنى أمية، فلما هزم هرب سعيد إلى مكة، فظفر به الحجاج فقتله سنة 95، وسنة 49.
(4) وقد قال ابن الأثير فى مفرداته. «الكاهن الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار، وقد كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهم، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيّا: أى جنيا يعرض =(1/131)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
للانسان ويطلعه على ما يزعم من الغيب، ويلقى إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف، كالذى يدعى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما..، وجمع كاهن. كهنة وكهّان، ومنه حديث الجنين: إنما هذا من إخوان الكهان. إنما قال له ذلك من أجل سجعه الذى سجع، ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل.. وإنما ضرب المثل بالكهان لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين، فيستميلون بها القلوب، ويستصغون إليها الأسماع» أما الراغب فجعل الكاهن هو الذى يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن، والعراف الذى يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك. وفى القاموس من تعريفات الكاهن: من يقوم بأمر الرجل، ويسعى فى حاجته، وقد فصّل المسعودى القول فى الكهانة وأنواعها وتنازع الناس فيها، وينسب إلى حكماء اليونان أن صنفا منهم ادعى أن نفوسهم قد صفت، فهى مطلعة على أسرار الطبيعة، وعلى ما تريد أن يكون منها؛ لأن صور الأشياء عندهم فى النفس الكلية، وصنف منهم ادّعى أن الأرواح المنفردة- وهى الجن- تخبرهم بالأشياء قبل كونها، أما النصارى فنسبوا إلى المسيح أنه كان يعلم الغائبات من الأمور، ويخبر عن الأشياء قبل كونها. لأنه كانت فيه نفس عالمة بالغيب، ولو كانت تلك النفس فى غيره من أشخاص الناطقين لكان يعلم الغيب. ثم يقول المسعودى: «ولا أمة خلت إلا وقد كان فيها كهانة، ولم يكن الأوائل من الفلاسفة اليونانية يدفعون الكهانات» .. ثم يقول: «وطائفة ذهبت إلى أن التكهن سبب نفسانى لطيف. يتولد من صفاء مزاج الطباع، وقوة النفس، ولطافة الحس. وذكر كثير من الناس أن الكهانة تكون من قبل شيطان يكون مع الكاهن يخبره بماغاب عنه، وأن الشياطين كانت تسترق السمع، وتلقيه على ألسنة الكهان، فيؤدون إلى الناس الأخبار بحسب ما يرد إليهم» ص 172 ج 2 مروج الذهب. فما موقف الإسلام من هذا؟ يقول ربنا(1/132)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النسّابة فى شئ مِنْ هَذَا النّسَبِ فِي كِتَابِ الْمُحَبّرِ، وَكَانَ سَطِيحٌ جَسَدًا مُلْقًى لَا جَوَارِحَ لَهُ «1» - فِيمَا يَذْكُرُونَ- وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْجُلُوسِ إلّا إذَا غضب انتفخ
__________
- سبحانه: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ، وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) الشعراء 221- 223. ويقول سبحانه قاصّا قول الملائكة نافية به عنها علم الغيب: «قالُوا: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» البقرة: 32 وعن الجن وسليمان: «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ» سبأ: 14 ويقول سبحانه: «عالِمُ الْغَيْبِ، فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» الجن 26، 27، 28. فلا الملائكة يعلمون الغيب، ولا الجن ولا الرسل، فما بالك بغيرهم؟ ثم إن القرآن يؤكد أن الشياطين لا تنزل إلا على كل أفاك أثيم. وقد وردت أحاديث مثل: «من أتى عرافا، فسأله عن شئ، لم تقبل له صلاة أربعين يوما» رواه مسلم وأحمد فى مسنده، وقال عنه السيوطى: صحيح: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد فى مسنده والحاكم: «من أتى عرافا أو ساحرا، أو كاهنا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه الطبرانى فى الكبير ورواته ثقات. ولا تسود هذه الأساطير إلا حيث يسود الجهل وضعف الإيمان بالله.
(1) بل يقول المسعودى عن سطيح أنه كان يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب، لا عظم فيه إلا جمجمة الرأس، وكانت إذا لمست باليد يلين عظمها» ص 179 ثم يذكر فى ص 192 أن أول كهانة له. «والضياء والشفق، والظلام والغسق، ليطرقنكم ما طرق» ص 179، 192 ج 2 المروج وكل هذه أساطير يهودية ملعونة، وتدبر دائما قول الله: «قُلْ: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ» .(1/133)
[حديث ربيعة بن نصر ورؤياه]
[رؤيا ربيعة:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا، وَلَا مُنَجّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ:
اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْك بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقّ، فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فهما يخبر انه بما سأل عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَجَلَسَ، وَكَانَ شِقّ شِقّ إنْسَانٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- إنّمَا لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَرِجْلٌ وَاحِدَةٌ، وَعَيْنٌ وَاحِدَةٌ، وَيُذْكَرُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ «1» أَنّهُ قَالَ: قِيلَ لِسَطِيحِ: أَنّى لَك هَذَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: لِي صَاحِبٌ مِنْ الْجِنّ اسْتَمَعَ أَخْبَارَ السّمَاءِ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ حِينَ كَلّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فَهُوَ يُؤَدّي إلىّ من ذلك ما يؤدّيه.
__________
(1) كان ممن يروجون قصص الماضين. يقول عنه ابن خلكان «كانت له معرفة بأخبار الأوائل، وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء» توفى سنة 110 أو 114 أو 116. لكنى أسأل. من أين كان يأتى بهذه الأخبار التى لا توجد فى كتاب الله؟ لقد كان وهب فى أول أمره يهوديا، وبهؤلاء وجدت الخرافة الكافرة لها طريقا إلى القلوب. وكل ما يقال عن شق من قدرة على معرفة الغيب، وهذه الأوصاف الجسدية التى لا تعقل، ولا تستقيم مع سنن الفطرة البشرية. كل هذا هراء من الإفك وخبث من الكيد الدنئ يراد به القضاء على الفكر والدين.(1/134)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَوُلِدَ سَطِيحٌ وَشِقّ فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَتْ فِيهِ طَرِيفَةُ الْكَاهِنَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهِيَ بِنْتُ الْخَيْرِ الْحِمْيَرِيّةُ، وَدَعَتْ بِسَطِيحِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَأَتَيْت بِهِ، فَتَفَلَتْ فِي فِيهِ، وَأَخْبَرَتْ أَنّهُ سَيَخْلُفُهَا فِي عِلْمِهَا، وَكَهَانَتِهَا، وَكَانَ وَجْهُهُ فِي صَدْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ وَلَا عُنُقٌ وَدَعَتْ بِشِقّ، فَفَعَلَتْ بِهِ مِثْلَ ما فعلت بسطيح، ثم ماتت، وقبرها «بالجحفة» «1» ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ كَانَ مِنْ وَلَدِ شِقّ هَذَا، فَهُوَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسَدِ ابن يَزِيدَ بْنِ كُرْزٍ، وَذَكَرَ أَنّ كُرْزًا كَانَ دَعِيّا، وَأَنّهُ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ، فَجَنَى جِنَايَةً فَهَرَبَ إلَى بَجِيلَةَ «2» ، فَانْتَسَبَ فِيهِمْ، وَيُقَالُ: كَانَ عَبْدًا لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ ذِي الرّقْعَةِ، وَسُمّيَ بِذِي الرّقْعَةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَعْوَرَ يُغَطّي عَيْنَهُ بِرُقْعَةِ. ابْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ جُوَيْنِ بْنِ شِقّ الْكَاهِنِ بْنِ صَعْبٍ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الرّؤْيَا: أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَكُلّ، ذَاتِ نَسَمَهْ.
نَصْبُ كُلّ أَصَحّ فِي الرّوَايَةِ، وَفِي الْمَعْنَى؛ لِأَنّ الْحُمَمَةَ نَارٌ، فَهِيَ تَأْكُلُ، وَلَا تُؤْكَلُ، عَلَى أَنّ فِي رِوَايَةِ الشّيْخِ بِرَفْعِ كُلّ، وَلَهَا وَجْهٌ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ أَنّ فِي نُسْخَةِ الْبَرْقِيّ الّتِي قَرَأَهَا عَلَى ابْنِ هِشَامٍ: كُلّ ذَاتِ، بنصب اللام.
__________
(1) فى مراصد الاطلاع. «كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة، وهى ميقات أهل مصر والشام- إن لم يمروا على المدينة» وفى تقويم البلدان لأبى الفداء. وهى رسم خال لا ساكن به واسمها مشهور، وهى بالقرب من رابغ.
(2) هم إخوة خثعم، وبجيلة: أمهم ص 515 الاشتقاق، 526 ج 8 تاريخ ابن خلدون ط. لبنان.(1/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: «خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَهْ» أَيْ مِنْ ظُلْمَةٍ، وَذَلِكَ أَنّ الْحُمَمَةَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، وَخُرُوجُهَا مِنْ ظُلْمَةٍ يُشْبِهُ خُرُوجَ عَسْكَرِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَرْضِ السّودَانِ، وَالْحُمَمَةُ: الْفَحْمَةُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْرَةً مُحْرِقَةً، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحَمِيمِ، وَمِنْ الْحُمّى أَيْضًا لِحَرَارَتِهَا، وَقَدْ تَكُونُ مُنْطَفِئَةً، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحُمّةِ، وَهِيَ السّوَادُ، يُقَالُ حَمّمْت وَجْهَهُ إذَا سَوّدْته، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ فِي لَفْظِ الْحُمَمَةِ هَهُنَا.
وَقَوْلُهُ: بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَةٍ؛ لِأَنّهَا وَقَعَتْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَحْوَازِهَا «1» .
وَقَوْلُهُ: فِي أَرْضِ تَهَمَهْ أَيْ: مُنْخَفِضَةً، وَمِنْهُ سُمّيَتْ تِهَامَةٌ.
وَقَوْلُهُ أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَلَمْ يَقُلْ كُلّ ذِي جُمْجُمَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) فَاطِرِ: 18
لِأَنّ الْقَصْدَ إلَى النّفْسِ وَالنّسَمَةِ، فَهُوَ أَعَمّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَلَوْ جَاءَ بِالتّذْكِيرِ، لَكَانَ إمّا خَاصّا بِالْإِنْسَانِ، أَوْ عَامّا فى كل شئ حَيّ أَوْ جَمَادٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[تَنَحّ عَنّي، فَإِنّ] كُلّ بَائِلَةٍ «2» تَفْيُخُ، أَيْ: يَكُونُ مِنْهَا إفَاخَةٌ، وَهِيَ الْحَدَثُ، وقال النحاس.
هو تأنيث الصّفة والخلقة.
__________
(1) جمع حوزة. الناحية.
(2) فى المطبوعة. قائلة، وهو خطأ، ويقول ابن الأثير فى النهاية «فيه أنه خرج يريد حاجة، فأتبعه بعض أصحابه، فقال: تنحّ عنى، فإن كل بائلة تفيخ» الإفاخه: الحدث بخروج الريح خاصة، والسهيلى يخلط فى الشرح بين كلام شق وسطيح.(1/136)
[نسب سطيح وشق]
وَاسْمُ سَطِيحٍ: رَبِيعُ بْنُ ربيعة بن مسعود؛ بن مازن، بن ذئب، بن عدىّ، بن مازن غسّان.
وشقّ: بن صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ، بْنِ رُهْم، بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ.
[نَسَبُ بَجِيلَةَ:]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ الْيَمَنُ: وبجيلة: بنو أنمار، بن إراش ابن لِحْيَانَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْغَوْثِ، بْنِ نَبْت، بْنِ مَالِكِ بن زيد بن كهلان بن سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيّةٌ.
[رَبِيعَةُ بن نصر وسطيح]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقّ، فَقَالَ لَهُ:
إنّي رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنّك إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا. قَالَ: أَفْعَلُ. رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمه، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ منها شيئا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ هُمْ: بَنُو حَبَشِ بن كوش بن حام «1» ابن نُوحٍ، وَبِهِ سُمّيَتْ الْحَبَشَةُ.
وَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مِثْلِ إصْبَعٍ، وَجَوّزَ فِيهِ الْفَتْحَ، وَكَذَلِكَ تقيد فى هذا الكتاب، وقال ابن
__________
(1) فى قاموس الدكتور بوست عن حام أنه أحد أولاد نوح، وأنه كان له أربعة بنين كوش ومصرايم وفوط وكنعان، فكان كوش أبا للقبائل التى قطنت بابل وجنوبى بلاد العرب والسودان وفى سفر التكوين 10: 8 وبنو كوش سبأ وحويلة وسبتة ورعمة وسبنكا ونقل الطبرى عن ابن إسحاق أن الهند والسند والحبشة من بنى السودان من ولد كوش.(1/137)
يَا سَطِيحٌ؛ فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جرش، فقال له الملك:
وَأَبِيك يَا سَطِيحُ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السّنِينَ، ثُمّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ؛ قال: ومن يلى ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟.
قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ: أَفَيَدُوم ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟
قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ.
قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ، قَالَ:
وَمِمّنْ هَذَا النّبِيّ؟.
قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ، يَكُونُ الملك فى قومه إلى آخر الدهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَاكُولَا: هُوَ أَبْيَنُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الْهَمَيْسَعِ مِنْ حِمْيَرَ، أَوْ مِنْ ابْنِ حِمْيَرَ سُمّيَتْ بِهِ الْبَلْدَةُ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ الطّبَرِيّ أَنّ أَبْيَنَ وَعَدَنَ ابْنَا عَدَنٍ، سُمّيَتْ بِهِمَا الْبَلْدَتَانِ.
وَقَوْلُهُ: بِغُلَامِ لَا دَنِيّ وَلَا مُدَنّ. الدّنِيّ مَعْرُوفٌ، وَالْمُدَنّ الّذِي جَمَعَ الضّعْفَ مع الدناءة. قاله صاحب العين(1/138)
قَالَ: وَهَلْ لِلدّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَالشّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا اتّسَقَ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ.
[رَبِيعَةُ بن نصر وشق]
ثُمّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نسمة.
قال: فلما قال له ذلك، عرف أَنّهُمَا قَدْ اتّفَقَا، وَأَنّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلّا أَنّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» .
وَقَالَ شِقّ: «وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نَسَمَهْ» .
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْت يَا شِقّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟.
قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيك يَا شِقّ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟
أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شأن، ويذيقهم أشدّ الهوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضٌ: أَيْ: مَا فِيهِ شَكّ وَلَا مُسْتَرَابٌ، وَقَدْ عَمّرَ سَطِيحٌ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَتّى أَدْرَكَ مولد النبى- صلى الله عليه وسلم-(1/139)
قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ؛ قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فيه لمن اتقى الفوز والخيرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فرأى كسرى أنو شروان بْنَ قَبَاذِ بْنِ فَيْرُوزَ مَا رَأَى مِنْ ارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ «1» وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَلَمْ تَكُنْ خَمَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَسَقَطَتْ مِنْ قَصْرِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةٌ، وَأَخْبَرَهُ الْمُوبَذَانُ، وَمَعْنَاهُ: الْقَاضِي، أو المفتى بلغتهم
__________
(1) كسرى هذا هو من ملوك الساسانية أو الفرس الثانية حكم- كما يقول المسعودى- ثمانيا وأربعين سنة أو سبعا وأربعين، وهو الذى قتل مزدك، وأتبعه بثمانين ألفا من أصحابه، ومزدك صاحب الشيوعية المطلقة الداعى إلى المشاركة العامة فى الأموال والأزواج والأهلين ص 263 ح 1 مروج. والارتجاس: ارتجس الإيوان اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت. والارتجاس: الصوت الشديد من الرعد، والإيوان بوزن الديوان: بناء أزج غير مسدود الوجه. والأزج بيت يبنى طولا. ويقال إوان بوزن كتاب. وكان بالمدائن من العراق ويقال إن سمكه كان مائة ذراع فى طولها. وروى حديث الارتجاس البيهقى وأبو نعيم والخرائطى وابن عساكر وابن جبير. وهى رواية لأسطورة لا حقيقة انظر ص 121 المواهب ح 1 والنيران هى التى كان يعبدها المجوس فى فارس.(1/140)
قَالَ: أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إي وَرَبّ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ. يَعْنِي: شَكّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو.
أَمْضِ أى: باطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّهُ رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا «1» ، فَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِمْ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ «2» ، فَأَرْسَلَ كِسْرَى عَبْدَ الْمَسِيحِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ بْنِ نُفَيْلَةَ الْغَسّانِيّ إلَى سَطِيحٍ، وَكَانَ سَطِيحٌ مِنْ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمَسِيحِ، وَلِذَلِكَ أَرْسَلَهُ كِسْرَى فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «3» إلَى سَطِيحٍ يَسْتَخْبِرُهُ عِلْمَ ذَلِكَ، وَيَسْتَعْبِرُهُ رُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحُرْ إلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:
أَصَمّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ
يَا فَاصِلَ الْخُطّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاك شَيْخُ الْحَيّ مِنْ آلِ سَنَنْ
وَأُمّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حجن ... أبيض فضفاض الرّداء والبدن
__________
(1) الإبل الصعاب الشداد: والخيل العراب، أى عربية منسوبة إلى العرب قالوا فى الناس عرب وأعراب، وقالوا فى الخيل عراب بكسر العين.
(2) وساوة من قرى بلاد فارس كانت بحيرتها بحيرة كبيرة بين همذان وقم، ويقال إنها كانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض. وفى رواية الكثيرين أنها بحيرة طبرية التى ما زالت باقية.
(3) ص 167 ح 2 ط المعارف، وفيه: بقيله بدلا من نفيلة.(1/141)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي لِلْوَسَنْ ... لَا يَرْهَبْ الرّعْدَ، وَلَا رَيْبَ الزّمَنْ
تَجُوبُ بِي الْأَرْضُ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ ... تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ
حَتّى أَتَى عَارِيَ الجآجي وَالْقَطَنْ ... تَلُفّهُ فِي الرّيحِ بَوْغَاءُ الدّمَنْ
كَأَنّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثكن! «1»
__________
(1) القصيدة فى الطبرى ح 2 ص 167 مع اختلاف عما هنا فترتيب الشطرات مختلف مع وجود نقص وزيادة، وهى فى اللسان فى مادة سطح، وفيها اختلاف أيضا عما هنا، وقد ضبطتها كما وردت فى اللسان. والغطريف: السيد الكريم. ومثلها غطارف بضم الغين جمعها: غطاريف، وازلم: ذهب مسرعا، وشأو العنن: اعتراض الموت على الخلق. وقيل: ازلم: قبض بضم القاف، والعنن: أى عرض له الموت، فقبضه. وقد فسر ابن كثير عننا بقوله: يريد اعتراض الموت وسبقه. والخطة: الحال والأمر والخطب، وفاصل الخطة: إذا نزل به أمر مشكل فصله برأيه. وأعيا عليه الأمر: أعجزه فلم يهتد لوجهه. والقيل هو الملك النافذ القول والأمر، وجمعه الأقوال أو الأقيال، والقيل أيضا: لقب لمن يكون من ملوك حمير دون الملك الأعظم. والعجم خلاف العرب. والعلنداة: القوية من النوق. شزن- وفى الطبرى طبع المعارف- شذن، وفسرها المحقق فى هامشه على أنها شزن، وفى مفردات ابن كثير: شجن وفى الأصل: شرن وهو خطأ. والشجن: الناقة المتداخلة الخلق كأنها شجرة متشجنة أى متصلة الأغصان بعضها ببعض. وشزن: تمشى من نشاطها على جانب. والوجن بسكون الجيم، وفتحها، والواجن والوجين: أرض صلبة ذات حجارة، وتروى بضم الواو جمع: وجين بنفس المعنى: والجآجى جمع: جؤجؤ وهو الصدر. القطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان. وقيل صوابها: بكسر الطاء جمع قطنة بكسر القاف وإسكان الطاء: وهى ما بين الفخذين. البوغاء: التراب الناعم، والدّمن: ما تدمّن منه أى: تجمع وتلبد. وهذا اللفظ كأنه من المقلوب تقديره: تلفه الريح فى بوغاء الدمن. وحثحث: يقال حثه على الشئ، وحثحثه يعنى: أسرع. وثكن اسم جبل حجازى. والحضن الجنب.(1/142)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثَكَنٌ: اسْمُ جَبَلٍ، فَلَمّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى جَمَلٍ مُشِيحٍ «1» جَاءَ إلَى سَطِيحٍ، حِينَ أَوْفَى عَلَى الضّرِيحِ، بَعَثَك مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ. رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ: إذَا كَثُرَتْ التّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَفَاضَ وَادِي السّمَاوَةِ «2» فَلَيْسَتْ الشّامُ لِسَطِيحِ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشّرُفَاتِ، وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ آت، ثم قضى سطيح مكانه.
وقوله: فاز لمّ بِهِ مَعْنَاهُ: قُبِضَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ، وَقَوْلُهُ: شَأْوُ الْعَنَنْ. يُرِيدُ:
الْمَوْتَ، وَمَا عَنّ مِنْهُ قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَفَادَ: مَاتَ. يُقَالُ مِنْهُ: فَادَ يَفُودُ، وَأَمّا يَفِيدُ فَمَعْنَاهُ: يَتَبَخْتَرُ.
وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَجَهّزَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ إلَى الْحِيرَةِ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ.
مِنْ تَارِيخِ مُلُوكِ الْفُرْسِ قَالَ الْمُؤَلّفُ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو القاسم- عفا الله عنه- ولا يعرف
__________
(1) جادّ مسرع، وفى الطبرى: يسيح.
(2) بادية بين الكوفة والشام، وأرض مستوية لا حجر فيها، وماءة بالبادية وقيل ماءة لكلب.(1/143)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خُرّزاذ فِي مُلُوكِ بَنِي سَاسَانَ مِنْ الْفُرْسِ، وهم من عهد أزد شير بْنِ بَابِك إلَى يَزْدَجْرِدْ الّذِي قُتِلَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعْرُوفُونَ مُسَمّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ «1» ، وَبِمَقَادِيرِ مُدَدِهِمْ. مَشْهُورٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِخْبَارِيّينَ وَالْمُؤَرّخِينَ وَلَكِنّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ خُرّزاذ هَذَا مَلِكًا دُونَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ مِنْهُمْ، أَوْ يَكُونُ أَحَدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي مُدّةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ لِأَنّهُ جَدّ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ وَابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ «2» ، وَكَانَ مُلْكُ جَذِيمَةَ أَوّلَهُ فِيمَا أَحْسَبُ فِي مُدّةِ مُلُوكِ الطّوَائِفِ «3» ، وَآخِرُهُ فِي مُدّةِ السّاسَانِيّينَ، وأول من
__________
(1) فى نقله عن ابن إسحاق اختصار، وهناك ملك فارسى اسمه: خرزاذ خسروا من ولد أبرويز أو فرخزذاد «انظر ح 2 ص 233 الطبرى طبع المعارف» وفى ابن خلدون خرداد بن سابور عميد ملوك الطوائف ص 101 م 2 أما سابور فليس إلا سابور ذو الأكتاف بن هرمز، وسابور بن سابور بن هرمز.
(2) ويلقب أيضا بالوضاح، وقد ملك جذيمه من مشارق الشام إلى الفرات من قبل الروم، وأقام ملكا فى زمن ملوك الطوائف خمسا وتسعين سنة، ثم فى ملك أردشير ثلاثا وعشرين سنة. قتلته الزباء بنت عمرو بن ظرب بن حسان وملك بعده ابن أخته عمرو بن عدى بن نصر بن ربيعة.
(3) حين خرب الإسكندر ملك دارا بن دارا الفارسى صمم على ألا يلتئم لهم شمل، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس فى إقليم من أقاليم الأرض ما بين عربها وأعاجمها. وظل الأمر كذلك حتى كان أزدشير بن بابك من بنى ساسان، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، وأزال ملوك الطوائف. وبقى صاحب الحضر واسمه: الساطرون أو الضيزن إذ كان أعظمهم وأشدهم. فقضى عليه سابور بن أزدشير «البداية ج 2 ص 84» والحضر: اسم مدينة فى البرية بإزاء تكريت بينها وبين الموصل والفرات. يقال: لم يبق منها إلا رسم السور وآثار تدل على عظمتها. وقيل: إن ملوك الطوائف هم الذين فرق الإسكندر بلاد فارس بينهم وهؤلاء هم الأشغانون الذين حكموا 266 سنة أولهم: أشك بن أشغان، وكل ملك منهم كان ينتهى نسبه بكلمة الأشغانى.(1/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَلَكَ الْحِيرَةَ مِنْ السّاسَانِيّةِ: سَابُورُ بْنُ أَزْدَشِيرِ، وَهُوَ الّذِي خَرّبَ الْحَضَرَ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الطّوَائِفِ مُتَعَادّينَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَدْ تَحَصّنَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصْنٍ، وَتَحَوّزَ إلَى حَيّزٍ مِنْهُمْ عَرَبٌ. وَمِنْهُمْ أشغانيون عَلَى دِينِ الْفُرْسِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْفُرْسِ مِنْ ذُرّيّةِ دَارَا بْنِ دَارَا، وَكَانَ الّذِي فَرّقَهُمْ وَشَتّتْ شَمْلَهُمْ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهُمْ بَيْنَ بَعْضٍ؛ لِئَلّا يَسْتَوْثِقَ لَهُمْ مُلْكٌ، وَلَا يَقُومُ لَهُمْ سُلْطَانٌ: الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فيلبش «1» الْيُونَانِيّ، حِينَ ظَهَرَ عَلَى دَارَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ مَمْلَكَتِهِ، وَتَزَوّجَ بِنْتَه رَوْشَنك. بِوَصِيّةِ أَبِيهَا دَارَا لَهُ بِذَلِكَ حِينَ وَجَدَهُ مُثْخَنًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ الْإِسْكَنْدَرُ أَرَادَ قَتْلَهُ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ فِيمَا زَعَمُوا، فَوَضَعَ الْإِسْكَنْدَرُ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِهِ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَقَالَ: يَا سَيّدَ النّاسِ لَمْ أُرِدْ قَتْلَك، وَلَا رَضِيته، فَهَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. تَزَوّجْ ابْنَتِي رَوْشَنك، وَتَقْتُلُ مَنْ قَتَلَنِي، ثُمّ قَضَى دَارَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْإِسْكَنْدَرُ، وَفَرّقَ الْفُرْسَ، وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمْ الْعَرَبَ. فَتَحَاجَزُوا، وَسُمّوا: مُلُوكَ الطّوَائِفِ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ دَامَ أَمْرُهُمْ كَذَلِكَ أَرْبَعمِائَةِ وَثَمَانِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ، وَقَدْ قِيلَ أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: خَمْسمِائَةِ وعشرين سنة، وفى أيامهم بعث عيسى بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْإِسْكَنْدَرِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. فَابْنُ خُرّزاذ «2» هَذَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ أُولَئِكَ. وَبَنُو سَاسَانَ الْقَائِمُونَ بَعْدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَبَعْدَ مُلُوكِ الأشغانيين: هُمْ بَنُو سَاسَانَ بن بهمن.
__________
(1) الذى رسم له مبدأ «فرق تسد» هو وزيره أرسطو الفيلسوف اليونانى وقصة هؤلاء الملوك فى الطبرى ص 580 ج 1 ط المعارف
(2) فى صفحة 146(1/145)
[هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق]
فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا، فَجَهّزَ بَنِيهِ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ فَأَسْكَنَهُمْ الحيرة.
[نَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:]
فَمِنْ بَقِيّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ:
النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ المنذر، فيما أخبرنى خلف الأحمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ مِنْ الْكِينِيّةِ، وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ الْكِينِيّةُ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُضَافُ إلَى كَيْ، وَهُوَ الْبَهَاءُ. وَيُقَالُ مَعْنَاهُ: إدْرَاكُ الثّأْرِ. وَأَوّلُ من تسمّى بكى: أفريذون ابن أَثَفَيَانِ قَاتِلُ الضّحّاكِ بِثَأْرِ جَدّهِ جَمّ، ثُمّ صَارَ الْمُلْكُ فِي عَقِبِهِ إلَى منوشهر الّذِي بُعِثَ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي زَمَانِهِ إلَى كَيْ قاووس. وَكَانَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ إلَى كَيْ يستاسب الّذِي وَلِيَ بُخْتَنَصّرَ وَمَلّكَهُ. وبخت نصّر هُوَ الّذِي حَيّرَ الْحِيرَةَ «1» حِينَ جَعَلَ فِيهَا سَبَايَا الْعَرَبِ، فَتَحَيّرُوا هُنَاكَ، فَسُمّيَتْ الْحِيرَةُ، وَأَخَذَ اسْمَهُ مِنْ بوخت وَهِيَ النّخْلَةُ؛ لِأَنّهُ وُلِدَ فِي أَصْلِ نَخْلَةٍ. ثُمّ كَانَ بَعْدَ كَيْ يستاسب بهمن بن اسبندياذ ابن يستاسب.
وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ: دَارَا وَسَاسَانَ، وَكَانَ سَاسَانُ هُوَ الْأَكْبَرُ، فَكَانَ قَدْ طَمِعَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَصَرَفَ بهمن الْأَمْرَ عَنْهُ إلى دارا لخبر يطول ذكره
__________
(1) فى المراصد أنها سميت بهذا لأن تبعا لما قصد خراسان خلف ضعفة جنده بهذا الموضع، وقال لهم: حيروا به أى أقيموا.(1/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ «خُمّانَا أُمّ دَارَا» ، فَخَرَجَ «سَاسَانُ» سَائِحًا فِي الْجِبَالِ، وَرَفَضَ الدّنْيَا، وَهَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَهِدَ إلَى بَنِيهِ مَتَى كَانَ لَهُمْ الْأَمْرُ: أَنْ يَقْتُلُوا كُلّ أَشْغَانِي وَهُمْ نَسْلُ «دارا» ، فَلَمّا قَامَ «أَزْدَشِيرُ بْنُ بَابِك» وَقَيّدَهُ الدّارَقُطْنِيّ «أردشير» بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَدَعَا مُلُوكَ الطّوَائِفِ إلَى الْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، حَتّى يَنْتَظِمَ لَهُ مُلْكُ فَارِسَ، وَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانُوا يَدًا عَلَى الْأَقَلّ، حَتّى أَزَالُوهُ، وَجَعَلَ «أَزْدَشِيرُ» يَقْتُلُ كُلّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ أُولَئِكَ الأشغانيين، فَقَتَلَ مَلِكًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الأردوان «1» ، واستولى على قصره، فألفى فِيهِ امْرَأَةً جَمِيلَةً رَائِعَةَ الْحَسَنِ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَمَةٌ مِنْ إمَاءِ الْمَلِكِ «2» ، وَكَانَتْ بِنْتُ الْمَلِكِ الْأَرْدَوَانِ لَاذَتْ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ مِنْ الْقَتْلِ، لِأَنّهُ كَانَ لَا يُبْقِي مِنْهُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى «3» ، فَصَدّقَ قَوْلَهَا، وَاسْتَسَرّهَا «4» فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَلَمّا أَثْقَلَتْ اسْتَبْشَرَتْ بِالْأَمَانِ مِنْهُ، فَأَقَرّتْ أَنّهَا بِنْتُ الأشغاني الّذِي قُتِلَ، وَاسْمُهُ أردوان- فِيمَا ذَكَرُوا- فَدَعَا وَزِيرًا لَهُ نَاصِحًا- وَقَدْ سَمّاهُ الطّبَرِيّ فِي التّارِيخِ «5» - فَقَالَ: اسْتَوْدِعْ هَذِهِ بَطْنَ الْأَرْضِ، فَكَرِهَ الْوَزِيرُ أَنْ يَقْتُلَهَا، وَفِي بَطْنِهَا ابْنٌ لِلْمَلِكِ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ أَمْرَهُ، فاتخذ لها قصرا تحت الأرض، ثم
__________
(1) يلقب بالأصغر ومدة ملكه على ما فى الطبرى 13 سنة.
(2) فى الطبرى أنها قالت له: إنها كانت خادما لبعض نساء الملك ص 44 ج 2 الطبرى ط المعارف.
(3) فى الطبرى أنه قتلهم جميعا نساءهم ورجالهم، فلم يستبق منهم أحدا.
(4) أى اتخذها سرية له أى أمة.
(5) سماه الطبرى «هر جبذا أبرسام» ، وقال عنه إنه كان شيخا مسنا ص 44 المصدر السابق.(1/147)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَصَى نَفْسَهُ، وَصَبّرَ مَذَاكِيرَهُ، وَجَعَلَهَا فِي حَرِيرَةٍ، وَوَضَعَ الْحَرِيرَةَ فِي حُقّ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمّ جَاءَ بِهِ الْمَلِكُ فَاسْتَوْدَعَهُ إيّاهُ، وَجَعَلَ لَا يَدْخُلُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سِوَاهُ، وَلَا تَرَاهَا إلّا عَيْنُهُ، حَتّى وَضَعَتْ الْمَوْلُودَ ذَكَرًا، فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّيَهُ قَبْلَ أَبِيهِ، فَسَمّاهُ: شاهَبُور، وَمَعْنَاهُ: ابْنُ الْمَلِكِ، فَكَانَ الصّبِيّ يُدْعَى بِهَذَا، وَلَا يَعْرِفُ لِنَفْسِهِ اسْمًا غَيْرَهُ، فَلَمّا قَبِلَ التّعْلِيمَ نَظَرَ فِي تَعْلِيمِهِ، وَتَقْوِيمِ أَوَدِهِ.
وَاجْتَهَدَ فِي كُلّ مَا يُصْلِحُهُ إلَى أَنْ ترعرع الغلام. فدخل الوزير يوما على أردشير، وَهُوَ وَاجِمٌ، فَقَالَ: لَا يَسُوءُك اللهُ أَيّهَا الْمَلِكُ! فَقَدْ سَاءَنِي إطْرَاقُك وَوُجُومُك، فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنّي، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ أُقَلّدُهُ الْأَمْرَ بَعْدِي، وَأَخَافُ انْتِثَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ انْتِظَامِهِ، وَافْتِرَاقَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا، فَقَالَ لَهُ: إنّ لِي عِنْدَك وَدِيعَةً أَيّهَا الْمَلِكُ، وَقَدْ احْتَجْت إلَيْهَا، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ الْحُقّةَ «1» بِخَاتَمِهَا، فَفَضّ الْخَاتَمَ، وَأَخْرَجَ الْمَذَاكِيرَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: كَرِهْت أَنْ أَعْصِيَ الْمَلِكَ حِينَ أَمَرَنِي فِي الْجَارِيَةِ بِمَا أَمَرَ، فَاسْتَوْدَعْتهَا بَطْنَ الْأَرْضِ حَيّةً، حَتّى أَخْرَجَ اللهُ مِنْهَا سَلِيلَ الْمَلِكِ حَيّا، وَأَرْضَعَتْهُ وَحَضَنَتْهُ، وَهَا هُوَ ذَا عِنْدِي، فَإِنْ أَمَرَ الْمَلِكُ جِئْته بِهِ، فَأَمَرَهُ أَزْدَشِيرُ بِإِحْضَارِهِ فِي مِائَةِ غُلَامٍ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، بِأَيْدِيهِمْ الصوالج «2»
__________
(1) هى الحق، وجمعها حقق وحقوق وحقاق، وحق، وأحقاق، وفى الطبرى أنه طلب من الملك أن يختم الحق بخاتمه.
(2) مفردها: الصولج، والصولجة، وهى عصا معقوف طرفها يضرب بها الفارس الكرة، وأيضا صولجانه وجمعها: صوالج وصوالجة وهى معربة، وفى الطبرى أنه طلب مائة غلام من أترابه وأشباهه فى الهيئة والقامة، ثم أمر الشيخ أن يدخلهم عليه جميعا، لا يفرق بينهم فى زى ولا قامة ولا أدب، ففعل الشيخ ذلك، فلما نظر إليهم أردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم واستحلاه من غير أن يكون أشير له إليه، أو لحن به. ثم حدثت قصة الصوالج.(1/148)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَلْعَبُونَ الْكُرَةَ، فَلَعِبُوا فِي الْقَصْرِ، فَكَانَتْ الْكُرَةُ تَقَعُ فِي إيوَانِ الْمَلِكِ، فَيَتَهَيّبُونَ أَخْذَهَا حَتّى طَارَتْ لِلْغُلَامِ، فَوَقَعَتْ فِي سَرِيرِ الْمَلِكِ، فَتَقَدّمَ حَتّى أَخَذَهَا، وَلَمْ يَهَبْ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ابْنِي وَالشّمْسِ!! مُتَعَجّبًا مِنْ عِزّةِ نَفْسِهِ وَصَرَامَتِهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا اسْمُك يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لَهُ: شاهَبُور، فَقَالَ لَهُ:
صَدَقْت! أَنْتَ ابْنِي، وَقَدْ سَمّيْتُك بِهَذَا الِاسْمِ، وَبُورُ: هُوَ الِابْنُ، وَشَاهَ: هُوَ الْمَلِكُ بِلِسَانِهِمْ، وَإِضَافَتُهُمْ مَقْلُوبَةٌ، يُقَدّمُونَ الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، كَمَا تَقَدّمَ فِي «الْكَيّ» الْكَلِمَةُ الّتِي كَانَتْ فِي أَوَائِلِ أَسْمَاءِ الْمُلُوكِ الْكِينِيّةِ، فَكَانُوا يُضَافُونَ إلَى الْكَيّ، ثُمّ إنّ أَزْدَشِيرَ عَهِدَ إلَى ابْنِهِ شاهَبُور، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
أَقَامَ بِهِ شاهَبُور الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ يَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُم
ثُمّ غَيّرَتْ الْعَرَبُ هَذَا الِاسْمَ، فَقَالُوا: سَابُورُ، وَتَسَمّى بِهِ مُلُوكُ بَنِي سَاسَانَ مِنْهُمْ: سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ الّذِي وَطِئَ أَرْضَ الْعَرَبِ، وَكَانَ يَخْلَعُ أَكْتَافَهُمْ، حَتّى مَرّ بِأَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ، فَفَرّوا مِنْهُ «1» ، وَتَرَكُوا عَمْرَو بْنَ تَمِيمٍ.
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفِرَارِ، وَكَانَ فِي قُفّةٍ «2» مُعَلّقًا مِنْ عَمُودِ الْخَيْمَةِ من الكبر، فأخذ، وجيئ به الملك، فاستنطقه سابور، فوجد عنده
__________
(1) يقول الطبرى: إن سابور ضرى بقتل العرب، ونزع أكتاف رؤسائهم إلى أن هلك، وكان سبب تسميتهم إياه ذا الأكتاف ص 60 ج 2 الطبرى ويذكر أن ملكه كان 72 سنة.
(2) كلمة مولدة وهى معروفة.(1/149)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَأْيًا وَدَهَاءً، فَقَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا بِالْعَرَبِ؟ فَقَالَ: يَزْعُمُونَ أَنّ مُلْكَنَا يَصِلُ إلَيْهِمْ عَلَى يَدِ نَبِيّ يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزّمَانِ، فَقَالَ عَمْرٌو: فَأَيْنَ حِلْمُ الْمُلُوكِ وَعَقْلُهُمْ؟! إنْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ بَاطِلًا فَلَا يَضُرّك، وَإِنْ يَكُنْ حَقّا أَلْفَاك، وَقَدْ اتّخَذْت عِنْدَهُمْ يَدًا، يُكَافِئُونَك عَلَيْهَا، وَيَحْفَظُونَك بِهَا فِي ذَوِيك، فَيُقَالُ: إنّ سَابُورَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَاسْتَبْقَى بَقِيّتَهُمْ، وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ:
وَأَمّا أبرويز بْنُ هُرْمُزَ- وَتَفْسِيرُهُ بِالْعَرَبِيّةِ: مُظَفّرٌ- فَهُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الّذِي عُرِضَ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ «1» ، فَقِيلَ لَهُ: سَلّمْ مَا فِي يَدَيْك إلَى صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مَذْعُورًا مِنْ ذَلِكَ، حَتّى كَتَبَ إلَيْهِ النّعْمَانُ بِظُهُورِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِهَامَةَ، فَعَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ، حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي سُئِلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا حُجّةُ اللهِ عَلَى كِسْرَى؟ فَقَالَ: إنّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إلَيْهِ مَلَكًا، فَسَلَكَ يَدَهُ فِي جِدَارِ مَجْلِسِهِ، حَتّى أُخْرِجهَا إلَيْهِ، وَهِيَ تَتَلَأْلَأُ نُورًا «2» ، فَارْتَاعَ كِسْرَى، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: لِمَ تَرْعَ يَا كِسْرَى. إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولَهُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ [دُنْيَاك وَآخِرَتَك] «3» ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ. ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، فى أعلام كثيرة من النبوة،
__________
(1) يردد مالا يصح!!
(2) انظر ص 190 ج 2 طبرى ط المعارف، وما هنا بينه وبين ما فى الطبرى اختلاف يسير وهى أسطورة!!
(3) الزيادة من الطبرى.(1/150)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُرِضَتْ عَلَى أبرويز أَضْرَبْنَا عَنْ الْإِطَالَةِ بِهَا، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَسَمّى أَيْضًا سَابُورُ بَعْدَ هَذَا سَابُورُ بْنِ أبرويز أَخُو شِيرَوَيْه، وَقَدْ مَلَكَ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ فِي مُدّةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَلَكَ أَخُوهُ شِيرَوَيْه نَحْوًا مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ، ثُمّ مَلَكَتْ بُورَانُ أُخْتُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ مَلَكَتْهُمْ امْرَأَةٌ» «1» فَمَلَكَتْ سَنَةً، وَهَلَكَتْ وَتَشَتّتَ أَمْرُهُمْ كُلّ الشّتَاتِ. ثُمّ اجْتَمَعُوا عَلَى يَزْدَجْرِدْ بْنِ شَهْرَيَارَ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ غَلَبُوا عَلَى أَطْرَافِ أَرْضِهِمْ، ثُمّ كَانَتْ حُرُوبُ الْقَادِسِيّةِ مَعَهُمْ إلَى أَنْ قَهَرَهُمْ الْإِسْلَامُ، وَفُتِحَتْ بِلَادُهُمْ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَاسْتُؤْصِلَ أَمْرُهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ «2» .
وَسَابُورُ تُنْسَبُ إلَيْهِ الثّيَابُ السّابِرِيّةُ «3» قَالَهُ الْخَطّابِيّ، وَزَعَمَ أَنّهُ مِنْ النّسَبِ الّذِي غُيّرَ، فَإِذَا نَسَبُوا إلَى نَيْسَابُورَ الْمَدِينَةِ، قَالُوا: نَيْسَابُورِيّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ: نِيّ هِيَ: الْقَصَبُ، وَكَانَتْ مَقْصَبَةً، فَبَنَاهَا سَابُورُ مَدِينَة، فَنُسِبَتْ إلَيْهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
رُجُوعُهُ إلَى حَدِيثِ سَطِيحٍ وَذِي يَزَنَ فَصْلٌ: وَقَوْلُ سَطِيحٍ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ: إرَمَ ذِي يَزَنَ، الْمَعْرُوفُ: سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ إرَمًا، إمّا لِأَنّ الْإِرَمَ هو العلم فمدحه بذلك،
__________
(1) أحمد فى مسنده والبخارى والترمذى والنسائى عن أبى بكرة، وقال عنه السيوطى: صحيح، وفى روايته: لن بدلا من: لا.
(2) فى المراصد عن القادسية أنها فتحت فى عهد عثمان، وقيل: فى عهد عمر، ثم انتقضت، ففتحت ثانيا فى عهد عثمان على يد ابن عامر.
(3) والثياب السابرية نوع من أجود الثياب وأرقها يرغب فيه بأدنى عرض. ومنه عرض «بفتح العين وسكون الراء» سابرى يقوله: من يعرض عليه الشئ عرضا لا يبالغ فيه.(1/151)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِمّا شَبّهَهُ بِعَادِ إرَمَ فِي عِظَمِ الْخَلْقِ وَالْقُوّةِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ] بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ.
وَرَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ هَذَا هُوَ: أَحَدُ مُلُوكِ الْحِيرَةِ، وَهُمْ آلُ الْمُنْذِرِ، وَالْمُنْذِرُ هُوَ: ابْنُ مَاءِ السّمَاءِ، وَهِيَ: أُمّهُ عُرِفَ بِهَا، وَهِيَ من النّمر بن قاسطوابنه عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عُرِفَ بِأُمّهِ أَيْضًا، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ «1» آكِلِ الْمِرَارِ جَدّ امْرِئِ الْقَيْسِ الشّاعِرِ، وَيُعْرَفُ عَمْرٌو بِمُحَرّقِ لِأَنّهُ حَرّقَ مَدِينَة، يُقَالُ لَهَا:
مَلْهَمٌ، وَهِيَ عِنْدَ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ الْمُبَرّدُ وَالْقُتَبِيّ سُمّيَ: مُحَرّقًا، لِأَنّهُ حَرّقَ مِائَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَذَكَرَ خَبَرَهُمْ «2» .
وَوَلَدُ نَصْرِ بْنِ رَبِيعَةَ هُوَ: عَدِيّ، وَكَانَ كَاتِبًا لِجَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ، وَابْنُهُ:
عَمْرٌو، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ، وَيُكَنّى جَذِيمَةُ: أَبَا مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمَسْعُودِيّ، وَهُوَ مُنَادِمُ الْفَرْقَدَيْنِ، وَاسْمُ أُخْتِ جَذِيمَةَ: رَقَاشُ بنت مالك بن فهم بن غنم ابن دَوْسٍ، وَهُوَ الّذِي اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، وَفِيهِ جَرَى المثل: شبّ عمرو
__________
(1) هى كما قيل أيضا بنت عمرو بن حجر الكندى آكل المرار أو مارية بنت ثعلبة.
(2) وفى جمهرة ابن حزم كذلك ص 22 أما فى الاشتقاق ص 435 فالمحرق هو: الحارث بن عمرو بن عامر، وقد عرف عمرو بأنه المحرق الثانى، لأنه ألقى بقتلى تميم فى النار أخذا بثأر أخيه، وقد لقب امرؤ القيس الأول ابن عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ بالمحرق الأول، ومحرق العرب، ومحرق الحرب، وفى التاريخ الخاص بالحيرة تصادفنا كلمة المحرق، ومحرق وآل محرق، وقد أطلقت-(1/152)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ الطّوْقِ. وَهُوَ قَاتِلُ الزّبّاءِ بِنْتِ عَمْرٍو «1» واسمها: نائلة فى قول
__________
- على الغساسنة أيضا، ويرى بعض مؤرخى الغرب أنها علم لأشخاص، وكان بين أصنام الجاهلية صنم يدعى: محرق. ومن الجاهليين من كان اسمه: عبد محرق، فلعله سمى بهذا تيمنا- فى ظنه- باسم الصنم، ويظهر أن محرقا كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة فى الأساطير «انظر ص 32 ج 4 تاريخ العرب قبل الإسلام» وفى اللسان عن آكل المرار: المرار شجر مر، ومنه: بنو آكل المرار قوم من العرب.. وآكل المرار معروف. قال أبو عبيد: أخبرنى ابن الكلبى: إن حجرا «بضم الحاء وإسكان الجيم» إنما سمى آكل المرار أن ابنة كانت له سباها ملك من ملوك سليح يقال له: ابن هبولة، فقالت له ابنة حجر: كأنك بأبى قد جاء كأنه جمل آكل المرار، يعنى: كاشرا عن أنيابه، فسمى بذلك، وقيل: إنه كان فى نفر من أصحابه فى سفر، فأصابهم الجوع، فأما هو فأكل من المرار حتى شبع ونجا، وأما أصحابه، فلم يطيقوا ذلك، حتى هلك أكثرهم، ففضل عليهم بصبره على أكله المرار.
(1) بمثل أسطورة خطف الجن للناس سيطر الدجاجلة على الذين لا دين لهم ولا عقل. والطوق: حلى للعنق وكل ما استدار بشئ والوسع والطوق. والمثل يضرب لمن يلابس ما هو دون قدره. والمثل مفصل فى مادة طوق من القاموس وفى باب الكاف من مجمع الأمثال للميدانى، وفى ص 614 ج 1 الطبرى. وغير هذه، وخلاصته أن عديا كان يخدم جذيمة مع غلمان من أبناء الملوك فأحبته رقاش أخت جذيمة، وطلبت منه أن يخطبها من أخيها، وهو فى سكره، ففعل، فلما أفاق جذيمة. وعلم بما حدث أنكره، وأقبل على رقاش قائلا:
حدثينى وأنت غير كذوب ... أبحرّ زنيت أم بهجين؟!
أم لعبد، وأنت أهل العبد ... أم بدون وأنت أهل لدون
قالت بل زوجتنى كفئا كريما من أبناء الملوك. - أو كما ورد فى الطبرى- بل أنت زوجتنى امرءا عربيا معروفا حسيبا، ولم تستأمرنى فى نفسى، ولم أكن مالكة لأمرى. وفى مروج الذهب أنها أجابته بقولها: -(1/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الطّبَرِيّ وَيَعْقُوبَ بْنِ السّكّيتِ، وَمَيْسُونُ فِي قَوْلِ دُرَيْدٍ، وَاسْتَشْهَدَ الطّبَرِيّ بِقَوْلِ الشّاعِرِ «1» :
أَتَعْرِفُ مَنْزِلًا بَيْنَ الْمُنَقّى ... وَبَيْنَ مَجَرّ نَائِلَةَ الْقَدِيم
وَقَدْ أملينا فى غير هذا الموضع ذكر نسبها وطرفا من أخبارها.
__________
-
أنت زوجتنى وما كنت أدرى ... وأتانى النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك فى الصبا والمجون
وهرب عدى ومات فى مهربه، وجاءت منه رقاش بغلام سماه جذيمة: عمرا وتبناه، وخرج الصبى ذات يوم، فضل عن العودة، ولبث زمانا مفقودا، ولهذا يزعمون أن الجن اختطفته، وهو حديث خرافة، ثم وجده رجلان فأتيا به إلى خاله، فاستطار به فرحا، وأرسل به إلى أمه، فأدخلته الحمام، وألبسته وطوقته طوقا كان له من ذهب، فلما رآه جذيمة قال: كبر عمرو عن الطوق والشطرة الأولى فى الطبرى: حدثينى وأنت لا تكذبينى. وكان بجذيمة برص، فتهيب العرب أن تسميه به، أو تنسبه إليه، فكنت عنه بالأبرش أو الوضاح. وقد قتل عمرو الزباء. لأنها قتلت خاله جذيمة غدرا. فاحتال بواسطة قصير حتى وصل إليها فى مكمنها ببلادها، فلما رأته شربت السم، وقالت «بيدى لا بيدك يا عمرو» فذهبت مثلا، ثم تلقاها عمرو، فجللها بالسيف فقتلها، والزباء هى نائلة بنت عمرو بن ظرب التى تولت الملك بعد مقتل أبيها بيد جذيمة الأبرش. وكان ملكها أرض الجزيرة، ومشارف بلاد الشام «انظر ص 617 وما بعدها ج 1 الطبرى» طبع المعارف، وقد اختلف المؤرخون المحدثون حولها فمنهم من ذهب إلى أنها عربية، وقيل هى عربية الأب مصرية الأم. والأكثرون على أنها عربية.
(1) هو القعقاع بن الدرماء الكلبى.(1/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَخُو عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ ابْنُ مَامَةَ، وَكَانَ مُلْكُهُ بَعْدَ عَمْرٍو، وَفِي مُلْكُ عَمْرٍو وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- «1» وفى زمن كسرى أنو شروان بْنِ قَبَاذٍ.
وَأَسْقَطَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَذَا النّسَبِ رَجُلَيْنِ، وَهُمَا: النّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ وَأَبُوهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ «2» بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ. وَقَدْ قِيلَ، إنّ النّعْمَانَ هَذَا هُوَ أَخُو امْرِئِ الْقَيْسِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ النّعْمَانِ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ صَاحِبِ الْحَضْرِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَأَنّهُ الّذِي بَنَى الْخَوَرْنَقَ وَالسّدِيرَ.
قَوْمُ تُبّعٍ فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ «3» فِي نَسَبِ حَسّانِ: بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ: هُوَ تُبّانُ أَسْعَدَ. اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، وَإِنْ شِئْت أَضَفْت كما تضيف معدى كرب، وإن شئت
__________
(1) المشهور أن النبى صلى الله عليه وسلم ولد سنة 571 ميلادية، وكان قابوس أخو عمرو فى الغارة على الشام سنة 567، م وقد قتل عمرو بن هند- كما هو مشهور- بيد الشاعر عمرو بن كلثوم، ومن الألقاب التى اشتهر بها عمرو بن هند: مضرط الحجارة، وشقيقاه لأمه: قابوس والمنذر واسم أم النعمان فى المطبوعة: «ابن مامة» ويقال: أمامه. والذى تولى الملك بعد عمرو- كما فى بعض الروايات- هو أخوه الشقيق قابوس «ص 82 ح 4 تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على مطبعة المجمع العلمى العراقى 1374- 1955
(2) ينسب ملك الحيرة إلى عمرو بن عدى، ثم إلى ابنه امرئ القيس الأول الذى نكل سابور بالعرب فى أيامه، ثم إلى ابنه عمرو، ثم إلى النعمان الأول بن امرئ القيس الذى ينسب إليه أكثر المؤرخين قصر الخورنق
(3) فى صفحة 156(1/155)
[اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ مُلْكُ الْيَمَنِ كُلّهُ إلَى حَسّانِ بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ- وَتُبّانُ أَسْعَدُ هُوَ: تُبّعٌ الْآخِرُ- ابن كلكى كَرِبِ بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبّعٌ الْأَوّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي الأذْعار بْنِ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الرّيشِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الرّائِشُ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ابْنَ عَدِيّ بْنِ صيفى ابن سَبَأٍ الْأَصْغَرِ، بْنِ كَعْبِ، كَهْفِ الظّلْمِ بْنِ زيد ابن سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بن وائل ابن الْغَوْثِ، بْنِ قُطْنِ، بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ، بْنِ أَيْمَنَ بْنِ، الهَمَيْسع بْنِ العَرَنجَج، والعَرَنْجَج: حمير بن سبأ الأكبر ابن يعرب، بن يشجب ابن قحطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَعَلْت الْإِعْرَابَ فِي الِاسْمِ الْآخِرِ، وَتُبّانُ مِنْ التّبَانَةِ، وَهِيَ: الذّكَاءُ وَالْفِطْنَةُ.
يُقَالُ: رَجُلٌ تَبِنٌ وَطَبِنٌ.
وَكُلْكِي كَرِبَ اسْمٌ مُرَكّبٌ أَيْضًا وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْكَرِبِ فِي لُغَةِ حِمْيَرَ عِنْدَ ذِكْرِ مَعْدِي كَرِبَ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَكَانَ مُلْكُ كُلْكِي كَرِبَ «1» خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُضْعِفًا سَاقِطَ الْهِمّةِ لَمْ يَغْزُ قَطّ.
وَقَوْلُهُ: فِي نَسَبِ حَسّانِ: ابْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ وَتُبّانُ الْأَسْعَدُ [هُوَ] تُبّعٌ. [الْآخِرُ] نَقّصَ مِنْ النّسَبِ أَسْمَاءَ كَثِيرَةً وَمُلُوكًا؛ فَإِنّ عَمْرًا ذَا الْأَذْعَارِ «2» كان بعده ناشر
__________
(1) فى الاشتقاق: ملكى كرب وفى غيره كلى بضم الكاف وفتحها.
(2) يزعم ابن الكلبى أنه سمى بهذا لأنه جلب النسناس إلى اليمن فذعر الناس «الاشتقاق» ص 542 وسيأتى. كهف الظلم: لقب بهذا لأنه ينصر الظلم.(1/156)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ لَهُ: نَاشِرُ النّعَمِ، [بْنُ عَمْرِو بْنِ يَعْفُرَ] «1» وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ نَاشِرٌ؛ لِأَنّهُ نَشَرَ الْمُلْكَ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ. مَلَكَ بَعْدَ قَتْلِ رجعيم «2» بْنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالشّامِ، وَهُوَ الّذِي انْتَهَى إلَى وَادِي الرّمْلِ، وَمَاتَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ جُنْدِهِ جَرَتْ عَلَيْهِمْ الرّمَالُ، وَبَعْدَهُ: تُبّعٌ الْأَقْرَنُ وأفريقيس بْنُ قَيْسٍ الّذِي بَنَى إفْرِيقِيّةَ: وَبِهِ سُمّيَتْ، وَسَاقَ إلَيْهَا الْبَرْبَرَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَتُبّعُ بْنُ الْأَقْرَنِ وَهُوَ التّبّعُ الْأَوْسَطُ، وَشِمْرُ بْنُ مَالِكٍ الّذِي سُمّيَتْ بِهِ مَدِينَة سَمَرْقَنْدَ «3» ، وَمَالِكٌ هُوَ: الْأُمْلُوكُ، وَفِي بنى الأملوك يقول الشاعر:
__________
(1) فى الطبرى اسمه: ياسر بن عمرو بن يعفر الذى كان يقال له: ياسر أنعم وإنما سموه: ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم، وجمع من أمرهم والزيادة من المروج والطبرى
(2) اسمه عند الكتابيين «رحبعام»
(3) فى المروج ترتيب ملوكهم هكذا: أبرهة بن الرائش وبعده أفريقس بن أبرهة ثم العبد بن أبرهة، ثم الهدهاد بن شرحبيل، ثم تبع الأول، ثم بلقيس، ثم ناشر النعم، ثم شمر بن أفريقس، ثم كليكرب، ثم حسان بن تبع؛ ثم عمرو بن تبع- وهو الذى قتل أخاه حسان- ثم تبع بن حسان إلخ ص 75 ج 2 وترتيبهم فى الطبرى ص 566 ج 1 مختلف عما هنا اختلافا يسيرا. وفى تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على: «وأول ملك نعرفه حمل اللقب الجديد لقب «ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات» هو الملك شمر يهرعش المعروف: بشمر يرعش عند الإسلاميين، أما والده فهو ياسر يهنعم، وكان ملكا من ملوك سبأ وذى ريدان، ويدعى ناشر النعم فى كتب الأخباريين» ص 139 ج 3. وفى القاموس عن شمر «وشمر بن أفريقش ككتف غزا مدينة السغد فقلعها، فقيل: سمر كندا، أو بناها، فقيل. سمر كنت. وهى بالتركية: القرية، فعربت سمرقند» بفتح ففتح فسكون ففتح. وكنداى: خرب، وخطأ ابن خلدون السهيلى فى رأيه عن الأملوك انظر ص 98 م 2 ط. لبنان(1/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَنَقّبْ عَنْ الْأُمْلُوكِ وَاهْتِفْ بِيَعْفُرٍ ... وَعِشْ جَارَ عِزّ لَا يُغَالِبُهُ الدّهْرُ
وَقَدْ قِيلَ: إنّ الأملوك كان على عهد منو شهر، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- كُلّ هَؤُلَاءِ مَذْكُورُونَ بِأَخْبَارِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَعَمْرُو ذُو الْأَذْعَارِ كَانَ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ، أو قبله بقليل، وكان أو غل فى ديار المغرب، وسبا أُمّةً وُجُوهُهَا فِي صُدُورِهَا، فَذُعِرَ النّاسُ «1» ، مِنْهُمْ فَسُمّيَ: ذَا الْأَذْعَارِ، وَبَعْدَهُ مَلَكَتْ بِنْتُ بِلْقِيسَ هَدَاهِدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ صَاحِبَةُ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَاسْمُ أُمّهَا يَلْمُقهُ «2» بِنْتُ جِنّي، وَقِيلَ: رَوَاحَةُ بِنْتُ سُكَين. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَزَعَمَ أَيْضًا أَنّهَا قَتَلَتْ عَمْرًا ذَا الْأَذْعَارِ بِحِيلَةِ ذَكَرَهَا، وَأَنّهُ سُمّيَ ذَا الْأَذْعَارِ لِكَثْرَةِ مَا ذُعِرَ النّاسُ مِنْهُ لِجَوْرِهِ، وَأَنّهُ ابْنُ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الصّعْبِ، وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بْنُ ذِي مَرَاثِلَ الْحِمْيَرِيّ، وَأَبُوهُ: أَبْرَهَةُ ذُو الْمَنَارِ سُمّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنّهُ رَفَعَ نِيرَانًا فِي جِبَالٍ؛ لِيَهْتَدِيَ بِهَا «3» .
وَأَمّا حَسّانُ الّذِي ذُكِرَ فَهُوَ الّذِي اسْتَبَاحَ طَسْمًا، وَصَلَبَ الْيَمَامَةَ الزّرْقَاءَ، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَصْرَخَهُ عَلَيْهِمْ رَبَاحُ بْنُ مُرّةَ أَخُو الزّرْقَاءِ، وَهُوَ مِنْ فَلّ جَدِيسٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ الإيماء إلى خبرهم.
__________
(1) فى القاموس جاء بتعبير دقيق «وذو الأذعار تبع لأنه سبى قوما وحشة الأشكال. فذعر منهم الناس، أو لأنه حمل النسناس إلى اليمن»
(2) فى المروج وفى نسخة أخرى: الهدهاد، وفى المحكم أن هدد بن هماد زوج يلمقه وهى بلقيس بنت يليشرح وأصلها: يلب شرخ. وفى المحبر والطبرى: أليشرح، وفى التيجان أنها بلقيس بنت الهدهاد، وفى الطبرى أيضا ابنة إيلى شرح ويقول بعضهم ابنة ذى شرح بن ذى جدن بن إيلى شرح «الاشتقاق ص 532 والحاشية بقلم الأستاذ عبد السلام هارون. وفى جمهرة ابن حزم أن شدد- بفتح ابن زرعة «بضم فسكون» هو زوج بلقيس، وأن إيلى هو والدها.
(3) فى القاموس لأنه أول من ضرب المنار على طريقه فى مغازيه، ليهتدى بها إذا رجع، وفى الاشتقاق؛ لأنه أول من بنى الأميال على الطرق. وليس بين قوم تبع من اسمه مراثل، إنما هو مرث أو مراثد وسيأتى بعد.(1/158)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُبُ: ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ قحطان.
[شىء من سيرة تبان]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتُبّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ إلَى الْيَمَنِ، وَعَمّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ قَبْلَ ملك ربيعة بن نصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمَعْنَى تُبّعٍ فِي لُغَةِ الْيَمَنِ: الْمَلِكُ الْمَتْبُوعُ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: لَا يُقَالُ لِلْمَلَكِ: تُبّعٌ حَتّى يَغْلِبَ الْيَمَنَ وَالشّحْرَ وَحَضْرَمَوْتَ. وَأَوّلُ التّبَابِعَةِ: الْحَارِثُ الرّائِشُ، وَهُوَ ابْنُ هَمّالِ بْنِ ذِي شَدَدٍ «1» وسمّى: الرائش، لأنّه راش الناس
__________
(1) النسب فى جمهرة ابن حزم هكذا «شمر بن الأفريقس بن أبرهة ذى المنار بن الحارث الرائش بن شدد بن الملطاط بن عمرو» ص 410. وأحسن بما يقول ابن حزم عن أنساب قوم تبع «وفى أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة، ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلا طرف يسير لاضطراب أحوالهم وبعد العهد» ص 411 وإليك ما ذكر فى خزانة الأدب للبغدادى عن أذواء اليمن باختصار وتصرف: ذو جدن: اسم مرتجل، وهو من أذواء اليمن، والأذواء بعضهم ملوك، وبعضهم أقيال، والقيل دون الملك. قال فى الصحاح: والقيل: ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم. والمرأة قيلة، وأصله قيّل بالتشديد، كأنه الذى له قول. أى: ينفذ قوله. والجمع: أقوال وأقيال أيضا ومن جمعه على أقيال لم يجعل الواحد منه مشددا والمقول- بالكسر- القيل أيضا بلغة أهل اليمن والجمع المقاول. ومن الأذواء الأوائل: أبرهة ذو المنار، وابنه: عمرو ذو الأذعار، أو الأدعار كما ذهب إليه ابن الشجرى فى أماليه جمع دعر- بفتح فكسر- العود الكثير الدخان، وذو معاهر- واسمه حسان- من العهر وهو الفجور، وذو رعين الأكبر، واسمه: يريم- وزن يميل- ورعين اسم حصن كان له وذو رعين الأصغر، واسمه: عبد كلال، وذو شناتر، واسمه: ينوف، -(1/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِمَا أَوْسَعَهُمْ مِنْ الْعَطَاءِ، وَقَسَمَ فِيهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ غَنِمَ، فِيمَا ذَكَرُوا.
وَأَمّا الْعَرَنْجَجُ الّذِي ذَكَرَ أَنّهُ حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ، فَمَعْنَاهُ بِالْحِمْيَرِيّةِ: الْعَتِيقُ.
قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَفِي عَهْدِ زَمَنِ تُبّعِ الْأَوْسَطِ- وَهُوَ حَسّانُ بْنُ تُبّان أَسَعْدُ- كَانَ خُرُوجُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ أَجْلِ سَيْلِ الْعَرِمِ، فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ.
وَأَمّا عَمْرٌو أَخُو حَسّانَ الّذِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قِصّتَهُ، وَقَتَلَهُ لِأَخِيهِ.
فهو المعروف: بمو ثبان. سمّى بذلك للزومه الوثاب وهو [السريرو] الفراش وقلة غزوه. قاله القتبىّ.
__________
- والشناتر: الأصابع فى لغة اليمن. وذو القرنين، واسمه: الصعب، وذو غيمان من الغيم الذى هو العطش وحرارة الجوف. وذو أصبح، وذو سحر وذو شعبان، وذو فائش، واسمه: سلامة- من الفياش وهو المفاخرة. وذو حمام- بضم الحاء- والحمام حمى الإبل- وذو ترخم، وذو يحصب، وذو عسيم- من العسم، وهو يبس فى المرفق، أو من العسم، وهو الطمع، وذو قثاث، وذو حوال، واسمه: عامر، وذو مهدم، واسمه: شمر، وذو أنس، وذو سحيم، وذو الكباس، وذو حفار، وذو نواس، واسمه: ذرعة، ومنهم ذو الكلاع الأكبر، وذو الكلاع الأصغر، وهذا أدركه الإسلام وأسلم وأعتق أربعة آلاف عبد، وهاجر بقومه فى أيام أبى بكر- كما فى خزانة البغدادى- وذو عثكلان، وذو ثعلبان وذو زهران، وذو مكارب، وذو مناخ، وذو ظليم، واسمه: حو شب، وهو العظيم البطن، ومنهم ذو يزن ملك اليمن، ويزن اسم مرتجل، وهو غير منصرف لأن أصله يزأن على وزن يسأل، فخففوا همزته فصار وزنه يفل، ومنهم من رد عينه فى النسب، فقال: رمح يزأنى، وقيل: أصله من وزن يزن. فحذفت الواو ثم أبدلت الكسرة فتحة، واسم ذى يزن: عامر بن أسلم بن زيد بن غوث. انتهى باختصار. ص 100 ح 2 ط دار العصور(1/160)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ:
لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِب ... أَنْ يَسُدّ خيره خبله
[ «سبب غضب تبان على أهل المدينة» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ- حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ، فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ، فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ لِإِخْرَابِهَا، وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ أَخُو بَنِي النّجّارِ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَاسْمُ مَبْذُولٍ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَاسْمُ النّجّارِ: تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْخَزْرَجِ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ عامر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ غَزْوِ تُبّعٍ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّهُ لَمْ يَقْصِدْ غَزَوْهَا، وَإِنّمَا قَصَدَ قَتْلَ الْيَهُودِ الّذِينَ كَانُوا فِيهَا، وَذَلِكَ أَنّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانُوا نَزَلُوهَا مَعَهُمْ، حِينَ خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ عَلَى شُرُوطٍ وَعُهُودٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِذَلِكَ يَهُودُ، وَاسْتَضَامُوهُمْ، فَاسْتَغَاثُوا بِتُبّعِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَدِمَهَا وَقَدْ قِيلَ: بَلْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ لِأَبِي جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ، وَهُوَ الّذِي اسْتَصْرَخَتْهُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ عَلَى يَهُودَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَالرّجُلُ الّذِي عَدَا عَلَى عَذْقِ الْمَلِكِ، وَجَدّهُ مِنْ بَنِي النّجّارِ هُوَ: مالك ابن الْعَجْلَانِ فِيمَا قَالَ الْقُتَبِيّ، وَلَا يَصِحّ هَذَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ لِبُعْدِ عَهْدِ تُبّعٍ مِنْ مدة ملك ابن العجلان.(1/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخبر ملك ابن الْعَجْلَانِ إنّمَا هُوَ مَعَ أَبِي جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ حِينَ اسْتَصْرَخَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ عَلَى الْيَهُودِ، فَجَاءَ حَتّى قَتَلَ وُجُوهًا مِنْ يَهُودَ. وَأَمّا تُبّعٌ فَحَدِيثُهُ أَقْدَمُ مِنْ ذَلِكَ. يُقَالُ: كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَالصّحِيحُ فِي اسْمِ أَبِي جُبَيْلَة: جُبَيْلَة غَيْرُ مُكَنّى، ابْنُ عَمْرِو بْنِ جبلة بن جفنة، وجفنة هو: غلبة ابن عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ «1» . وَجُبَيْلَةُ هُوَ: جَدّ جَبَلة بْنِ الْأَيْهَمِ «2» آخِرُ مُلُوكِ بَنِي جَفْنَةَ، وَمَاتَ جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ مِنْ عَلَقَةٍ شَرِبَهَا فِي مَاءٍ، وَهُوَ مُنْصَرَفٍ عَنْ الْمَدِينَةِ.
وَذَكَرَ أَنّ تُبّعًا أَرَادَ تَخْرِيبَ الْمَدِينَةِ، وَاسْتِئْصَالَ الْيَهُودِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً: الْمَلِكُ أَجَلّ مِنْ أَنْ يَطِيرَ بِهِ نَزَقٌ. أَوْ يَسْتَخْفِهِ غَضَبٌ، وَأَمْرُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَضِيقَ عَنّا حِلْمُهُ، أَوْ نُحْرَمُ صَفْحَهُ، مَعَ أَنّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مُهَاجَرُ نَبِيّ يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ. وَهَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ أَحَدُ الْحَبْرَيْنِ
__________
(1) انظر ص 435 الاشتقاق. وعند بعض المورخين أن جفنة بْنِ عَمْرِو مُزَيْقِيَاءَ بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأسد ابن الغوث هو أول ملك ملك من غسان فى أيام القيصر أنسطاس (491- 518 م) . وعند غير هؤلاء أن أول ملك هو الحارث بن عمرو ابن عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثعلبة بن مازن بن غسان بن الأزد بن الغوث، وبعده الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة، وهو ابن مارية ذات القرطين. أما الأول فيذكرون أن عمرو بن جفنة هو الذى تولى بعد أبيه. ثم ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم الحارث بن ثعلبة، ثم جبلة بن الحارث. ص 125 ج 4 تاريخ العرب قبل الإسلام. جواد عل.
(2) وهو الذى ارتد ولحق بالروم، ونسبه فى الإنباه «جبلة بن الايهم بن جبلة الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة» ص 111(1/162)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللّذَيْنِ ذَكَرَ ابْن إسْحَاقَ، قَالَ: وَاسْمُ الْحَبْرَيْنِ: سُحَيْتٌ، وَالْآخَرُ: مُنَبّهٌ «1» .
ذَكَرَ ذَلِكَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: وَاسْمُ الْحَبْرِ الّذِي كَلّمَ الْمَلِكَ: بليامين، وَذَكَرَ أَنّ امْرَأَةً اسْمُهَا: فُكَيْهَةُ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ كَانَتْ تَحْمِلُ لَهُ الْمَاءَ من بئر رومة «2» بعد ما قَالَ لَهُ الْحَبْرَانِ مَا قَالَا، وَكَفّ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلُوا عَسْكَرَهُ، فَأَعْطَى فُكَيْهَةَ، حَتّى أَغْنَاهَا، فَلَمْ تَزَلْ هِيَ وَعَشِيرَتُهَا مِنْ أَغْنَى الْأَنْصَارِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَلَمّا آمَنَ الْمَلِكُ بِمُحَمّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُعْلِمَ بِخَبَرِهِ، قَالَ:
شَهِدْت عَلَى أَحْمَدَ أَنّهُ ... نَبِيّ مِنْ اللهِ بَارِي النّسَمْ
فَلَوْ مُدّ عُمْرِي إلَى عُمْرِهِ ... لَكُنْت وَزِيرًا لَهُ، وَابْنُ عَمْ
وَجَاهَدْت بِالسّيْفِ أَعْدَاءَهُ ... وَفَرّجْت عَنْ صَدْرِهِ كُلّ هَمْ
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي كِتَابِ الْقُبُورِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو إسْحَاقَ الزّجّاجُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي لَهُ، أَنّ قَبْرًا حُفِرَ بِصَنْعَاءَ، فَوُجِدَ فِيهِ امْرَأَتَانِ، مَعَهُمَا لَوْحٌ مِنْ فِضّةٍ مَكْتُوبٌ بِالذّهَبِ، وَفِيهِ: هَذَا قَبْرُ لَمِيسَ وَحُبّى ابْنَتَيْ تُبّعٍ مَاتَا، وَهُمَا تَشْهَدَانِ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيك لَهُ، وَعَلَى ذلك مات الصالحون
__________
(1) فى التوراة والإنجيل بشارات ببعث نبى اسمه: أحمد، واسم الحبرين فى الطبرى: كعب وأسد من بنى قريظة ص 105 ج 2. والحديث عن الحبرين ص 165
(2) بئر بالمدينة، ويقال إنها التى اشتراها عثمان وسبلها.(1/163)
[عمرو بن طلّة ونسبه:]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلّةَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَطَلّةُ: أُمّهُ، وَهِيَ: بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ، بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ ابن عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جشم بن الخزرج.
[قصة مقاتلة تُبّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَرُ عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبّعٍ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ أنه وجده فى عذق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَبْلَهُمَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا أَدْرِي أَتُبّعٌ لَعِينٌ أَمْ لَا» وَرُوِيَ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «لَا تَسُبّوا تُبّعًا؛ فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا «1» » ، فَإِنْ صَحّ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ، فَإِنّمَا هُوَ بعد ما أُعْلِمَ بِحَالِهِ، وَلَا نَدْرِي: أَيّ التّبَايِعَةِ أَرَادَ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَسُبّوا أَسْعَدَ الْحِمْيَرِيّ، فَإِنّهُ أَوّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ» «2» فَهَذَا أَصَحّ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوّلِ، وَأَبْيَنُ،
__________
(1) رواه أحمد فى مسنده عن سهل بن سعد، وله ثمانية وثمانون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وعشرين منها، وانفرد البخارى بأحد عشر والحديث فيه معارضة لما قبله، وفيه سمة الضعف. وما يحب مسلم أن يكذّب أحد رسول الله صلى الله وسلم فى قوله.
(2) لم يرو إلا فى كتب السيرة كسيرة أبى ذر والأزرقى وأبى الفرج فى مثير الغرام، وليس عليه نفحة النبوة.(1/164)
لَهُ يَجُدّهُ، فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إنّمَا التّمْرُ لِمَنْ أَبّرَهُ، فَزَادَ ذَلِكَ تُبّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا، فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ بِاللّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: والله إن قومنا لكرام.
فَبَيْنَا تُبّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ، إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قريظة- وقريظة والنّضير وَالنّجّامُ وَعَمْرٌو- وَهُوَ هَدَلُ- بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصريح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِ أَسَعْدَ. وَتُبّانُ أَسْعَدُ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ كَانَ تُبّعٌ الْأَوّلُ مُؤْمِنًا أَيْضًا بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الرّائِشُ، وَقَدْ قَالَ شِعْرًا يُنْبِئُ فِيهِ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِيهِ:
ويأتى بعدهم رجل عظيم ... نبئ لَا يُرَخّصُ فِي الْحَرَامِ
وَقَدْ قِيلَ أَنّهُ الْقَائِلُ:
مَنَعَ الْبَقَاءَ تَصَرّفُ الشّمْسِ ... وَطُلُوعُهَا مِنْ حيث لا تمسى
اليوم أعلم ما يجئ بِهِ ... وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ
وَطُلُوعُهَا بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ ... وَغُرُوبُهَا صَفْرَاءُ كَالْوَرْسِ
تَجْرِي عَلَى كَبِدِ السّمَاءِ، كَمَا ... يَجْرِي حِمَامُ الْمَوْتِ فِي النّفْسِ
وَقَدْ قِيلَ: إنّ هَذَا الشّعْرَ لِتُبّعِ الْآخَرُ [وَقِيلَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ] ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَمِنْ هَذَا أَخَذَ أَبُو تَمَامٍ قَوْلَهُ:
أَلْقَى إلَى كَعْبَةِ الرّحْمَنِ أَرْحُلَهُ ... وَالشّمْسُ قَدْ نَفَضَتْ وَرْسًا عَلَى الأصل(1/165)
ابن التّومان، بْنِ السّبْطِ بْنِ الْيَسَعَ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ لَاوِيّ، بْنِ خَيْرِ، بْنِ النّجّامِ، بْنِ تَنْحوم، بْنِ عازَر، بْنِ عزْرَى، بْنِ هَارُونَ، بْنِ عمران، بن يصهر، ابن قاهث، بن لَاوَى، بْنِ يَعْقُوبَ- وَهُوَ إسْرَائِيلُ- بْنُ إسْحَاقَ بن إبراهيم خليل الرحمن- صلى الله عليهم- عالمان راسخان فى العلم، حين سمعا بما يريد من إهلاك الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنّك إنْ أَبَيْتَ إلّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْك عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: وَلِمَ ذَلِكَ؟
فَقَالَا: هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ العزّى بن غزيّة ابن عمرو بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلّةَ:
أَصَحّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ ... أَمْ قَضَى مِنْ لَذّةٍ وَطَرَهْ
أَمْ تَذَكّرْتَ الشّبَابَ، وَمَا ... ذكرت الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ
إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ ... مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ
فَاسْأَلَا عِمْرَانَ، أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ
فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبّغ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ
ثُمّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْفٍ، أَمْ النّجَرَهْ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(غَرِيبُ حَدِيثِ تُبّعٍ) ذَكَرَ فِيهِ: فَجَدّ عَذْق الْمَلِكِ. الْعَذْقُ: النّخْلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالْعِذْق بِالْكَسْرَةِ: الْكِبَاسَةُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ التّمْرِ، وَذَكَرَ فِي نَسَبِ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرِ عَمْرًا، وَهُوَ هَدَلٌ بِفَتْحِ الدّالّ، وَالْهَاءُ، كَأَنّهُ مَصْدَرُ هَدَلَ هَدْلًا إذَا استرخت(1/166)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شَفَتُهُ، وَذَكَرَهُ الْأَمِيرُ ابْنُ مَاكُولَا عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ فَقَالَ فِيهِ: هَدْلٌ بِسُكُونِ الدّالِ.
وذكر فيه بن التّوْمَانِ عَلَى وَزْنِ فَعَلَانِ، كَأَنّهُ مِنْ لَفْظِ التّوَمِ «1» ، وَهُوَ الدّرّ أَوْ نَحْوُهُ.
وَفِيهِ ابْنُ السّبْطِ بِكَسْرِ السّينِ، وَفِيهِ ابْنُ تَنْحوم بِفَتْحِ التّاءِ وَسُكُونِ النّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ عِبْرَانِيّ، وَكَذَلِكَ عازَر وَعِزْرَى بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عِزْري.
وقاهث، وَبِالتّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِاثْنَتَيْنِ. وَهَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ.
وَفِي غَيْرِهَا بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَكُلّهَا عِبْرَانِيّةٌ. وَكَذَلِكَ إسْرَائِيلُ، وَتَفْصِيلُهُ بِالْعَرَبِيّةِ:
سَرِيّ اللهِ.
وَقَوْلُهُ فِي شِعْرِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَصَحَا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَه «2» . الذّكر:
__________
(1) مفردة: تومة بضم التاء وفتح الميم، والجمع توم، بضم التاء وسكون الواو أو فتحها.
(2) الذكر بكسر الذال، والذكرى والذكر بضم الذال ضد النسيان، وفى الشافية عن جمع ما آخره ألف التأنيث: «وتكسيره على ضربين. الأول: أن يجمع الجمع الأقصى وذلك إذا اعتد بالألف، فيقال فى المقصورة فعال: وفعالى- بفتح الفاء- فى الاسم كدعاو ودعاوى، وفى الصفة: فعالى- بفتح الفاء واللام- بالألف لا غير كحبالى وخناثى: والثانى أن يجمع على فعال- بكسر الفاء- كإناث وعطاش وبطاح وعشار فى أنثى وعطشى وبطحاء وعشراء- بضم العين وفتح الشين-، وإنما يجئ هذا الجمع فيما لا يجئ فيه الجمع الأقصى، فلما قالوا: إناث لم يقولوا: أناثى. ولما قالوا: خناثى لم يقولوا: خناث «ورد فى اللسان والقاموس: أناثى وخناث» وكان الأصل فى هذا الباب الجمع الأقصى اعتدادا بألف التأنيث للزومها، فتجعل كلام الكلمة، -(1/167)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَمْعُ ذِكْرَةٍ. كَمَا تَقُولُ: بُكْرَةٌ وَبُكَر، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ذِكْرَى بِالْأَلْفِ، وَقَلّمَا يُجْمَعُ فِعْلى عَلَى فُعَل، وَإِنّمَا يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي هَذَا الْبَيْتِ جَمْعَ: ذِكْرَى، وَشَبّهَ أَلِفَ التّأْنِيثِ بِهَاءِ التّأْنِيثِ، فَلَهُ وجه:
قد يحملون الشئ على الشئ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: ذِكْرُك الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ، أَرَادَ: أَوْ عُصُرَهْ. وَالْعَصْرُ وَالْعُصُر لُغَتَانِ. وَحُرّكَ الصّادَ بِالضّمّ «1» قَالَ ابْنُ جِنّي: ليس شئ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، يَمْتَنِعُ فِيهِ فُعُل.
وَقَوْلُهُ: إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ. مَثَلٌ. أَيْ: ليست بصغيرة ولا جذعة «2» .
__________
- وأما حذفها فى الجمع على فعال، فنظرا إلى كون الألف علامة للتأنيث، فيكون كالتاء، فيجمع الكلمة بعد إسقاطه، كما فى التاء، فيجعل نحو: عطشى وبطحاء وأنثى كقصعة وبرمة، فيكون عطاش وبطاح وإناث كقصاع وبرام» ص 158 وما بعدها ج 2 شرح الشافية.
(1) العصر مثلثة العين وبضمتين: الدهر، وجمعها: أعصار وعصور وأعصر وعصر بضمتين. ويقول ابن مالك فى كتابه «الإعلام بمثلث الكلام»
والقزّ ذو تقزّزّ والدهر ... يقال فيه عصر أو عصر
والعصر مروىّ كذاك العصر ... ثم الصّوان محفظ الثياب
(2) الجذعة قبل الثنىّ، والثنى التى ألقت ثنيّتها فى السنة الثالثة إذا كانت من ذات الظلف والحافر، وفى السنة السادسة إذا كانت من ذات الخف. والعوان: النصف فى سنها من كل شئ، والعوان من الحرب: التى قوتل فيها مرة بعد مرة كأنهم جعلوا الأولى بكرا.(1/168)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَلْ: هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ، وَضُرِبَ سِنّ الرّبَاعِيَةِ مَثَلًا، كَمَا يُقَالُ: حَرْبٌ عَوَانٌ لِأَنّ الْعَوَانَ أَقْوَى مِنْ الْفِتْيَةِ وَأَدْرَبُ.
وَقَوْلُهُ: عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ. يُرِيدُ: صَبّحَهُمْ بِغَلَسِ قَبْلَ مَغِيبِ الزّهَرَةِ «1» وَقَوْلُهُ: أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ، يَعْنِي: الدّرُوعَ. وَذَفِرَةٌ مِنْ الذّفَرِ. وَهِيَ. سُطُوعُ الرّائِحَةِ طَيّبَةً كَانَتْ، أَوْ كَرِيهَةً «2» وَأَمّا الدّفْرُ، بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَإِنّمَا هُوَ فيما كره من الروائخ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدّنْيَا: أُمّ دَفْرٍ، وَذَكَرَهُ الْقَالِيّ فِي الْأَمَالِي بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، وَالدّفْرُ بِالسّكُونِ أَيْضًا: الدّفْعُ «3» .
وَقَوْلُهُ: أَمّ النّجِرَةِ. جَمْعُ نَاجِرٍ، وَالنّاجِرُ وَالنّجّارُ: بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ:
الْمَنَاذِرَة فِي بَنِي الْمُنْذِرِ وَالنّجّارُ، وَهُمْ: تَيْمُ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسُمّيَ النّجّارَ؛ لِأَنّهُ نَجَرَ وَجْهَ رَجُلٌ بِقَدّومِ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ النّسَبِ «4» .
__________
(1) الغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل، والزهرة بضم الزاى وفتح الهاء كوكب شديد اللمعان.
(2) ومن معانى الذفر أيضا بالذال مع فتح الفاء: الصّنان، رجل ذفر بكسر الفاء أى: له صنان- بضم الصاد وفتح النون- وخبث ريح.
(3) وبالتحريك: وقوع الدود فى الطعام والدّلّ والنّتن. ويقال للدنيا: أم دفار أيضا.
(4) فى الاشتقاق لابن دريد «من قبائل الخزرج: تيم الله بن ثعلبة وهو النجار سمى النجار؛ لأنه ضرب رجلا فنجره أى: قطعه. فمن بنى النجار المنذر بن حرام ابن عمرو الذى تحاكمت إليه الأوس والخزرج فى حربهم، وهو جد حسان بن ثابت بن المنذر» ص 448 وما بعدها، وفى الإنباه لابن عبد البر: «وأما الخزرج فمن بطونهم: النجار، واسمه: تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الخزرج، وفى النجار بطون كثيرة» ص 110 وما بعدها.(1/169)
بَلْ بَنِي النّجّارِ إنّ لَنَا ... فِيهِمْ قَتْلَى، وَإِنّ تِرَه
فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ ... مُدّهَا كالغَبْية النّثِره
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ ... مَلّى الْإِلَهُ قَوْمَهُ عُمُرَهْ
سَيْدٌ سَامِي الْمُلُوكِ وَمَنْ ... رَامَ عَمْرًا لا يكن قدره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنّ تِرَه. أَظَهَرَ إنّ بَعْدَ الْوَاوِ. أَرَادَ: إنّ لَنَا قَتْلَى وَتِرَةٌ، وَالتّرَةُ: الْوِتْرُ، فَأَظْهَرَ الْمُضْمَرَ، وَهَذَا الْبَيْتُ شَاهِدٌ عَلَى أَنّ حُرُوفَ الْعَطْفَ يُضْمَرُ بَعْدَهَا الْعَامِلُ الْمُتَقَدّمُ نَحْوُ قَوْلِك: إنّ زَيْدًا وَعَمْرًا فِي الدّارِ، فَالتّقْدِيرُ:
إنّ زَيْدًا، وَإِنّ عَمْرًا فِي الدّارِ، وَدَلّتْ الْوَاوُ عَلَى مَا أَرَدْت، وَإِنْ احْتَجْت إلَى الْإِظْهَارِ أُظْهِرَتْ؛ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ إلّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ الْجَامِعَةُ فِي نَحْوِ اخْتَصَمَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَلَيْسَ ثَمّ إضْمَارٌ لِقِيَامِ الْوَاوِ مَقَامَ صِيغَةِ التّثْنِيَةِ، كَأَنّك قُلْت: اخْتَصَمَ هَذَانِ، وَعَلَى هَذَا تَقُولُ: طَلَعَ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَتُغَلّبُ الْمُذَكّرَ، كَأَنّك قُلْت: طَلَعَ هَذَانِ النّيرَانِ، فَإِنْ جَعَلْت الْوَاوَ، هِيَ الّتِي تُضْمَرُ بَعْدَهَا الْفِعْلُ، قُلْت: طَلَعَتْ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَتَقُولُ فى نفى المسئلة الأولى: ما طلع الشمس والقمر، ونفى المسئلة الثّانِيَةِ: مَا طَلَعَتْ الشّمْسُ، وَلَا الْقَمَرُ تُعِيدُ حَرْفَ النّفْيِ. لِيَنْتَفِيَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ. وَيَتَفَرّعُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ فِي النّحْوِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، لَا نُطَوّلُ بِذِكْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ أَيْ كَتِيبَةٌ مُسَايِفَةٌ. وَلَوْ فَتَحْت الْيَاءَ، فَقُلْت: مُسَايَفَةٌ لَكَانَ حَالًا مِنْ الْمَصْدَرِ الّتِي تَكُونُ أَحْوَالًا مِثْلَ: كَلّمْته مُشَافَهَةً، وَلَعَلّ هَذِهِ الْحَالُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ، فَنَكْشِفُ عَنْ سِرّهَا، وَنُبَيّنُ مَا خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِنْ أَمْرِهَا، وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ الشّيْخُ: فتلقّتهم(1/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُسَابَقَةً بِالْبَاءِ وَالْقَافِ. وَالْغَبْيَةُ: الدّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ «1» .
وَقَوْلُهُ: النّثِرَةِ أَيْ: الْمُنْتَثِرَةِ، وَهِيَ الّتِي لَا تُمْسِكُ مَاءً. وَقَوْلُهُ: [مَلّى] الْإِلَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَلّيْت حَيْنًا أَيْ: عِشْت مَعَهُ حَيْنًا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَاوَةِ وَالْمَلَوَيْنِ «2» قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ بِالسّبُعَانِ ... أَمَلّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ
أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ لَا هَجْرَ بَيْنَنَا ... وَلَا كُنّ رَوْعَاتٍ مِنْ الْحَدَثَانِ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا ... عَلَى كُلّ حَالِ الناس يختلفان «3»
__________
(1) وأيضا: الصب، الكثير من الماء والسياط، ومن التراب ما سطح من غباره كالغباء ومسايفة بكسر الياء قوم يتقاتلون بالسيوف، ومسايفة بفتحها فمعناه: مقاتلة يعنى المصدر «الخشنى» .
(2) ملاه الله العيش وأملاه، وملّاك الله حبيبك: أمتعك به وأعاشك معه طويلا، وتملى عمره: استمتع فيه، وتملى إخوانه: متع بهم، وتملى العيش أمهل له وطول. والملاوة مثلثة الميم: مدة العيش. والملوان: الليل والنهار أو طرفاهما الواحد: ملا. وتنسب الأبيات إلى ابن مقبل.
(3) السبعان لم يأت على فعلان سواها، وهى موضع فى ديار بكر أو ديار قيس، وأمل: دأب ولازم. الحدثان: الليل والنهار ونوائب الدهر وحوادثه. هذا والقصيدة التى شرحها السهيلى توجد فى ص 106 ج 2 من الطبرى طبع المعارف، وبينها وبين ما فى سيرة ابن هشام اختلاف. ففى البيت الأول مثلا: انتهى فى الطبرى بدلا من قد نهى. والبيت الرابع هكذا فى الطبرى.
فسلا عمران أو فسلا ... أسدا إذ يغدو مع الزهرة
والبيت التاسع فى السيرة غير موجود فى الطبرى. إلخ(1/171)
وَهَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ حَنَقُ تُبّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ:
حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِد
قَالَ ابن هشام: الشعر الذى فيه هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ الّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثباته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَعْنَى قَوْلِ الشّاعِرِ: دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا. وَالْمَلَوَانِ: اللّيْلُ والنهار. وهو مشكل؛ لأن الشئ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ. لَكِنّهُ جَازَ هَهُنَا لِأَنّ الْمَلَا هُوَ:
الْمُتّسَعُ مِنْ الزّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَسُمّيَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ: مَلَوَيْنِ، لِانْفِسَاحِهِمَا، فَكَأَنّهُ وَصْفٌ لَهُمَا، لَا عِبَارَةَ عَنْ ذَاتَيْهِمَا؛ وَلِذَلِكَ جَازَتْ إضَافَتُهُ إلَيْهَا، فَقَالَ:
دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا أَيْ: مُدّاهُمَا وَانْفِسَاحُهُمَا. وَقَدْ رَأَيْت مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِعَيْنِهِ لِأَبِي عَلِيّ الفسوري فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الشّيرَازِيّةِ.
وَقَوْلُهُ: لَا يَكُنْ قَدَرُهُ. دُعَاءُ عَلَيْهِ: وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى عَمْرٍو. أَرَادَ لَا يَكُنْ قَدَرٌ عَلَيْهِ. وَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرّ، فَتَعَدّى الْفِعْلُ، فَنَصَبَ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرّ فِي كُلّ فِعْلٍ، وَإِنّمَا جَازَ فِي هَذَا، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: اسْتَطَاعَهُ، أَوْ أَطَاعَهُ، فَحَمَلَ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْبَيْتُ الّذِي أَنْشَدَهُ:
لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ «1» ... أَنْ يَسُدّ خيره خبله
__________
(1) هو ابن ملك كرب يهأ من الذى كان على اليمن سنة 378 للميلاد، وقد تولى أبو كرب الملك من سنة 400 بعد الميلاد حتى حوالى سنة 415 أو 420-(1/172)
[تبان يعتنق النصرانية ويدعوا قومه إليها:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجّهَ إلَى مَكّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى الْيَمَنِ، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفان، وأمج، أتاه نفر من هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ، فَقَالُوا لَهُ: أَيّهَا الملك، ألاندلك على بيت مال دائر، أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَك، فِيهِ اللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذّهَبُ وَالْفِضّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلّونَ عِنْدَهُ.
وَإِنّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا، أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذلك، فقالا له:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ الْبَرْقِيّ: نُسِبَ هَذَا الْبَيْتُ إلَى الْأَعْشَى، وَلَمْ يَصِحّ قَالَ: وَإِنّمَا هُوَ لِعَجُوزِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ. أَحَبّهُ قَالَ فِي اسْمِهَا: جَمِيلَةُ، قَالَتْهُ حِينَ جَاءَ مَالِكُ بْنُ الْعَجْلَانِ بِخَبَرِ تبّع، فدخل سرا، فقال لقومه: قذ جَاءَ تُبّعٌ، فَقَالَتْ الْعَجُوزُ الْبَيْتَ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ تُبّعٍ: وَقَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنّ حَنَقَهُ إنّمَا كَانَ عَلَى هَذَيْنِ السّبْطَيْنِ مِنْ يَهُودَ يُقَوّي مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْهُ.
وَالشّعْرُ الّذِي زَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّهُ مَصْنُوعٌ قَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ التّيجَانِ، وَهُوَ قَصِيدٌ مُطَوّلٌ أَوّلُهُ:
مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ، كَأَنّمَا ... كُحِلَتْ مآقيها بسّم الأسود
__________
- ويظهر أن عقيدة التوحيد كانت معروفة فى عهده، وفى عهد من جاءوا بعده، فقد ورد فى بعض النصوص أن أباه ملك كرب وابنيه «أبو كرب أسعد و «ورا أمر أيمن» قد أقاموا معبدا للاله «ذو سموى» أى إله السماء فى سنة 378 م انظر ج 3 ص 152 تاريخ العرب قبل الإسلام.(1/173)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ
وَذَكَرَ فِي الْقَصِيدَةِ ذَا الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ الصّعْبُ بْنُ ذِي مَرَاثِدَ، فَقَالَ فِيهِ:
وَلَقَدْ أَذَلّ الصّعْبُ صَعْبَ زَمَانِهِ ... وَأَنَاطَ عُرْوَةَ عِزّهُ بِالْفَرْقَدِ
لَمْ يَدْفَعْ الْمَقْدُورَ عَنْهُ قُوّةً ... عِنْدَ الْمَنُونِ، وَلَا سُمُوّ الْمَحْتِدِ
وَالصّنْعَةُ بَادِيَةٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَفِي أَكْثَرِ شِعْرِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ:
فَأَتَى مَغَارَ الشّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ وَثَأْطَ حَرْمَدِ «1»
وَالْخُلُبُ: الطّينُ، وَالثّأَطُ الْحَرْمَدُ: وَهُوَ الْحَمَأُ الْأَسْوَدُ، وَرَوَى نَقَلَةُ الْأَخْبَارِ أَنّ تُبّعًا لَمّا عَمِدَ إلَى الْبَيْتِ يُرِيدُ إخْرَابَهُ رُمِيَ بِدَاءِ تَمَخّضَ مِنْهُ رَأْسُهُ قَيْحًا وَصَدِيدًا يَثُجّ ثَجّا، وَأَنْتَنَ، حَتّى لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ قَيْدَ الرّمْحِ، وَقِيلَ:
بَلْ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِ رِيحٌ كَتّعَتْ مِنْهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَأَصَابَتْهُمْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ حَتّى دَفّتْ خَيْلُهُمْ «2» ، فَسُمّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ: الدّفّ، فَدَعَا بِالْحُزَاةِ «3» وَالْأَطِبّاءِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ دَائِهِ، فَهَالَهُمْ مَا رَأَوْا مِنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ فَرَجًا. فَعِنْدَ ذلك قال له الحبران: لعلك هممت بشئ فِي أَمْرِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: نَعَمْ أَرَدْت هدمه.
__________
(1) القصيدة بطولها فى الطبرى ص 109 ج 2 المعارف وليس فيها «ولقد أذل الصعب» وما بعده. وهى ثلاثة وعشرون بيتا
(2) دف الشئ نسفه واستأصله.
(3) جمع حازى وهو الكاهن أو الذى ينظر فى النجوم ويقضى بها.(1/174)
مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلّا هَلَاكَك وَهَلَاكَ جُنْدِك. مَا نَعْلَمُ بَيْتًا لِلّهِ اتّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْت مَا دَعَوْك إلَيْهِ، لَتَهْلَكَن، وَلَيَهْلَكَن مَنْ مَعَك جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْت عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَك عِنْدَهُ وَتَذِلّ لَهُ، حَتّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: فَمَا يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أَمَا وَاَللهِ إنّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَإِنّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاك، وَلَكِنّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بالأوثان التى نصبوها حوله، وبالدماء التى يهريقون عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرّبَ النّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمّ مَضَى حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَقَامَ بِمَكّةَ سِتّةَ أَيّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنّاسِ، وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا، وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ البيت، فكساه الخصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَالَا لَهُ: تُبْ إلَى اللهِ مِمّا نَوَيْت فَإِنّهُ بَيْتُ اللهِ وَحَرَمُهُ، وَأَمَرَاهُ بِتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ فَفَعَلَ فَبَرِئَ مِنْ دَائِهِ، وَصَحّ مِنْ وَجَعِهِ. وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» الْحَجّ: 25. أَيْ: وَمَنْ يُسْهِمُ فِيهِ بِظُلْمِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِظُلْمِ تَدُلّ عَلَى صِحّةِ الْمَعْنَى، وَأَنّ مَنْ هَمّ فِيهِ بِالظّلْمِ- وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ- عُذّبَ تَشْدِيدًا فِي حَقّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَكَمَا فَعَلَ اللهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَهْلَكَهُمْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: فَكَسَا الْبَيْتَ الْخَصَفَ. جَمَعَ: خَصَفَةً، وَهِيَ شئ يُنْسَجُ مِنْ الْخَوْصِ وَاللّيفِ، وَالْخَصَفُ أَيْضًا: ثِيَابٌ غُلَاظٌ. وَالْخَصَفُ لُغَةٌ فِي الْخَزَفِ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ. وَالْخُصْفُ بِضَمّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصّاد هُوَ: الْجَوْزُ.
وَيُرْوَى أَنّ تُبّعًا لَمّا كَسَا الْبَيْتَ الْمُسُوحَ وَالْأَنْطَاعَ. انْتَفَضَ الْبَيْتَ فَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ حِينَ كَسَاهُ الْخَصَفَ، فَلَمّا كَسَاهُ الملاء والوصائل قبلها.(1/175)
ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ، ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ، فَكَانَ تُبّعٌ- فيما يزعمون- أَوّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلّا يُقَرّبُوهُ دَمًا، ولا ميتة، ولا مئلات، وَهِيَ الْمَحَايِضُ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا، وَقَالَتْ سُبَيعة بِنْتُ الْأَحَبّ، بْنِ زَبِينة، بْنِ جَذِيمَةَ، بن عوف، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكْرِمَةَ، بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ تَيْمِ، بْنِ مُرّةَ، بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ: تُعَظّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا، وَتَذْكُرُ تُبّعًا وَتَذَلّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ: قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ. وَأَمّا الْوَصَائِلُ فَثِيَابٌ مُوَصّلَةٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ. واحدتها: وصيلة «1» .
__________
(1) لا ريب فى أن ما تقدم حديث خرافة. وقد تحدث عن هذا الخزف الأزرقى وصاحب مثير الغرام، وقد روى أحاديث كسوة الكعبة غير من تقدم الواقدى وسعيد بن منصور، وهى أحاديث واهية، ولكن أخرج مالك عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يجلل بدنه القباطىّ والأنماط والحلل، ثم يبعث بها إلى الكعبة، القباطى جمع قبطيةّ «وهو ثوب رقيق أبيض من ثياب مصر كأنه منسوب إلى قبط بكسر القاف، والضم من تغيير التسب» والأنماط مفردها: نمط: ضرب من البسط، والوصائل: ثياب حمر مخططة يمانية يوصل بعضها إلى بعض والمسوح: جمع مسح بكسر الميم: الكساء من شعر والأنطاع: جمع نطع بكسر النون وفتحها وبتسكين الطاء وفتحها: بساط من الجلد. والمعافر بفتح الميم اسم بلد، «واسم أبى حى من همدان وإلى أحدهما تنسب الثياب المعافرية، والملاء: -(1/176)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُ بِمِئْلَاتٍ، وَهِيَ: الْمَحَائِضُ. لَمْ يُرِدْ النّسَاءَ الْحُيّضَ؛ لِأَنّ حَائِضًا لَا يُجْمَعُ عَلَى مَحَائِضٍ «1» ، وَإِنّمَا هِيَ جَمْعُ مَحِيضَة، وَهِيَ خِرْقَةُ الْمَحِيضِ، وَيُقَالُ لِلْخِرْقَةِ أَيْضًا: مِئْلَاةٌ، وَجَمْعُهَا: الْمَآلِي قَالَ الشّاعِرُ:
كَأَنّ مُصَفّحَاتٍ فِي ذُرَاهُ ... وَأَنْوَاحًا عَلَيْهِنّ الْمَآلِي «2»
وَهِيَ هُنَا خِرَقٌ تُمْسِكُهُنّ النّوّاحَاتُ بِأَيْدِيهِنّ، فَكَانَ الْمِئْلَاتُ كُلّ خِرْقَةٍ دَنِسَةٍ لِحَيْضِ كَانَتْ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَزْنُهَا مِفْعَلَة مِنْ أَلَوْت: إذَا قَصّرْت وَضَيّعْت، وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي بَابِ الْإِلْيَةِ وَالْأَلِيّةِ، فَلَامُ الْفِعْلِ عِنْدَهُ يَاءٌ عَلَى هَذَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُرْوَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مِئْلَاثًا بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ حين كسا البيت:
__________
- الرّيطة ذات لفقين، أو الملحفة على أنه ورد أن الكعبة كانت تكسى فى الجاهلية كسى شتى من البرود المخططة، ومن عصب اليمن، وهى برود يمنية، وقيل إن نتيلة بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ كستها الحرير والديباج، وكان المأمون يكسوها ثلاث مراث، فيكسوها الديباج يوم التروية، والقباطى يوم إهلال رجب، والديباج الأبيض فى اليوم السابع والعشرين من رمضان وذلك سنة 206، وليت من يقيمون كسوتها يقيمون مناسك الله سبحانه.
(1) فى القاموس المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضة وجمها: حوائض، وحيض بضم الحاء وتشديد الياء مع فتح والحيضة الخرقة، وكذلك المحيضة.
(2) البيت للبيد يصف سحابا. والمصفحات: السيوف، ومن رواها بكسر الفاء، فهى النساء. شبه لمع البرق بتصفيح النساء إذا صفقن بأيديهن.(1/177)
أَبُنَيّ: لَا تَظْلِمْ بِمَكّةَ لَا الصّغِيرَ وَلَا الكبير ... واحفظ محارمها بنىّ وَلَا يَغُرّنك الغَرورْ
أَبُنَيّ: مَنْ يَظْلِمْ بِمَكّةَ يَلْقَ أَطْرَاف الشّرورْ ... أَبُنَيّ: يُضْرَبْ وَجْهُهُ وَيَلُحْ بِخَدّيْهِ السّعيرْ
أَبُنَيّ: قَدْ جَرّبْتهَا فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ ... اللهُ أَمّنَهَا، وَمَا بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبّعٌ فَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِير ... وَأَذَلّ رَبّي مُلْكَهُ فِيهَا فَأَوْفَى بالنّذُورْ
يَمْشِي إلَيْهَا- حافيا بفنائها- ألفا بعير ... يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفّى وَالرّحِيضَ مِنْ الشعيرْ
وَالْفِيل أُهْلِكَ جَيْشُهُ يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصّخُورْ ... وَالْمُلْك فِي أقصى البلاد وفى الأعاجم والخزير
فَاسْمَعْ إذَا حُدّثْتَ، وَافْهَمْ كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَسَوْنَا الْبَيْتَ الّذِي حَرّمَ اللهُ ... مُلَاءً مُعَضّدًا وَبُرُودَا
فَأَقَمْنَا بِهِ مِنْ الشّهْرِ عَشْرًا ... وَجَعَلْنَا لُبَابَهُ إقْلِيدًا
وَنَحَرْنَا بِالشّعْبِ سِتّةَ أَلْفٍ ... فَتَرَى النّاسَ نَحْوَهُنّ وُرُودَا
ثُمّ سِرْنَا عَنْهُ نَؤُمّ سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا «1»
__________
(1) هو من الشعر المنحول، ولهذا أضرب عن ذكره ابن هشام. والملاء المعضّد: الذى له علامة فى موضع العضد. وقد تقرأ منضد، أى: بعضه. فوق بعض منسقا. والبرود: نوع من الثياب المخططة. والإقليد: المفتاح. والشعب بكسر-(1/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ الْقُتَبِيّ، كَانَتْ قِصّةُ تُبّعٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَبْعِمِائَةِ عَامٍ «1» .
وَقَوْلُهُ بِنْت الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ابْنُ زَبِينَةَ: بِالزّايِ وَالْبَاءِ وَالنّونِ: فَعِيلَة مِنْ الزّبْنِ «2» ، وَالنّسَبُ إلَيْهِ زَبَانِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَلَوْ سُمّيَ بِهِ رَجُلٌ لَقِيلَ فِي النّسَبِ إلَيْهِ. زَبْنِيّ عَلَى الْقِيَاسِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. يَقُولُهُ أَهْلُ النّسَبِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُهُ بِالْجِيمِ، وَإِنّمَا قَالَتْ بِنْتُ الْأَحَبّ هَذَا الشّعْرَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَبَيْنَ بَنِي عَلِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ حَتّى تَفَانَوْا.
وَلَحِقَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي السّبّاقِ بِعَكّ. فَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ: وَهُوَ أَوّلُ بَغْيٍ كَانَ فِي قُرَيْشٍ. وَقَدْ قِيلَ: أَوّلُ بَغْيٍ كَانَ فِي قُرَيْشٍ «3» بَغْيُ الْأَقَايِشِ، وَهُمْ بَنُو أُقَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمّا كَثُرَ بَغْيُهُمْ على الناس أرسل الله
__________
- الشين: الطريق فى الجبل، أو ما انفرج بين جبلين، وهو اسم لماء بين العقبة والقاع فى طريق مكة على ثلاثة أميال.
(1) كان قبله بأقل من ذلك بكثير كما سبق بيانه ملحوظة: نذكر هنا معانى بعض كلمات قصيدة سبيعة: يبور: يهلك. عرصة: ساحة الدار، والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها. العصم جمع أعصم، وهو فى الأصل كل حيوان فى ذراعيه، أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر. ويعنى الظباء والوعول. ثبير: جبل بمكة. بنية: تعنى الكعبة. المهارى: نوع جيد من الإبل نسبة إلى مهرة بن حيدان. والجزور ما يصلح لأن يذبح من الإبل. الرحيض: المنقى المصفى: الخزير هى أمة من العجم يقال لهم: الخزر. وكلمة ذمرهم التى فى حديث تبع: حضهم وشجعهم
(2) الدفع.
(3) فى الاشتقاق: وكان بنو السباق أول من بغى بمكة فأهلكوا.(1/179)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تعرب
«أصل اليهودية باليمن» :
ثُمّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ حَتّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النّارِ الّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ القُرَظيّ، قَالَ:
سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ طلحه بن عبيد الله يُحَدّثُ: أَنّ تُبّعًا لَمّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليهم فأرة تحمل فتيلة، فأحرقت الدّارَ الّتِي كَانَتْ فِيهَا مَسَاكِنُهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَقِبٌ.
كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ:
وَقَوْلُهَا: وَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِيرُ. تُرِيدُ: الْحَبِرَاتِ «1» وَالرّحِيضُ مِنْ الشّعِيرِ أَيْ الْمُنَقّى وَالْمُصَفّى مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَوّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ الديباح: الْحَجّاجُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً سِوَاهُ مِنْهُمْ الدّارَقُطْنِيّ. فُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. كَانَتْ قَدْ أَضَلّتْ الْعَبّاسَ صَغِيرًا، فَنَزَرَتْ: إنْ وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُو الْكَعْبَةَ الدّيبَاجَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حِينَ وَجَدَتْهُ. وَكَانَتْ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهَا فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ.
__________
(1) جمع حبرة بكسر ففتح ما كان من البرود مخططا.(1/180)
دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ: إنّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا: فَحَاكِمْنَا إلَى النّارِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظّالِمَ وَلَا تَضُرّ الْمَظْلُومَ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلّدَيْهَا، حَتّى قَعَدُوا لِلنّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ النّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتّى غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تعرق جباههما لم تضرّهما، فأصفقت عند ذاك حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ، وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيّةِ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَدّثٌ أَنّ الْحَبْرَيْنِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنّمَا اتّبَعُوا النّارَ، لِيَرُدّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقّ، فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ، لِيَرُدّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدّهَا، وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتّى رَدّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دينهما.
والله أعلم أىّ ذلك كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ الزّبَيْرُ النّسّابَةُ: بَلْ أَوّلُ مَنْ كَسَاهَا الدّيباج عبد الله بن الزّبير «1» .
__________
(1) وذكر الواقدى أن أول من كساها الديباج هو يزيد بن معاوية، واتبع ابن الزبير أثره، وكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة، فكان يكسو يوم عاشوراء.(1/181)
[ «مصير رئام» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يعظّمونه، وينحرون عنده، ويكلّمون منه، إذ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبّعِ: إنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ تُهْرَاق عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رِئَامٌ:
وَذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي كَانَ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ، وَهُوَ فِعَالٌ مِنْ رَئِمَتْ الْأُنْثَى وَلَدَهَا تَرْأَمهُ رِئْمًا وَرِئَامًا: إذَا عَطَفَتْ عَلَيْهِ وَرَحِمَتْهُ. فَاشْتَقّوا لِهَذَا الْبَيْتِ اسْمًا لِمَوْضِعِ الرّحْمَةِ الّتِي كَانُوا يَلْتَمِسُونَ فِي عِبَادَتِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رِئَامًا كَانَ فِيهِ شَيْطَانٌ، وَكَانُوا يَمْلَئُونَ لَهُ حِيَاضًا مِنْ دِمَاءِ الْقُرْبَانِ، فَيَخْرَجُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيُكَلّمُهُمْ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُ، فَلَمّا جَاءَ الْحَبْرَانِ مَعَ تُبّعٍ نَشَرَا التّوْرَاةَ عِنْدَهُ، وَجَعَلَا يَقْرَآنِهَا؛ فَطَارَ ذلك الشيطان حتى وقع فى البحر «1» .
__________
(1) فى اللسان والقاموس: مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان، ورئمان بكسر فسكون، ومرة أخرى: يردد حديث خرافة ولا أدرى كيف كانت تجوز على السهيلى وأمثاله. على أن هذا البيت كان مخصصا لإله قبيلة همدان المعروف بتالب حتى عرف «تألب ريام» ويقول البكرى فى معجمه أنه سمى برئام بن نهقان بن تبع بن زيد بن عمرو بن همدان وأحب أن أشير هنا إلى الخطأ الفاحش الذى يتردى فيه الكاتبون عن الأديان؛ فاليهودية ليست دينا إلهيا، إنما هى دين-(1/182)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لُغَةً وَنَحْوُ: وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَخِي حَسّانَ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ:
مَوْثَبَانُ «1» وَقَدْ تَقَدّمَ: لِمَ لُقّبَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُ ذِي رُعَيْن لَهُ فِي الْبَيْتَيْنِ:
أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مِنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنٍ «2»
مَعْنَاهُ: أَمَنْ يَشْتَرِي، وَحَسُنَ حَذْفُ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ ههنا لِتَقَدّمِ هَمْزَةِ أَلَا.
كَمَا حَسُنَ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَحَارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيك وَمِيضَهُ. أَرَادَ: أَتَرَى وَفِي الْبَيْتِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: بَلْ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنٍ هُوَ السّعِيدُ. فَحَذَفَ الْخَبَرَ لِدَلَالَةِ أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ دُرَيْدٍ: سَعِيدٌ أَمْ يَبِيتُ بِحَذْفِ مَنْ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ، وَإِقَامَةِ الصّفّةِ مقامه؛ لأن من ههنا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
لَوْ قُلْت مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تَأْثَمْ ... يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمِيسَمِ
أَيْ: مَنْ يَفْضُلُهَا، وَهَذَا، إنّمَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا لا ماضيا، قاله ابن السراج وغيره.
__________
- وضعى افترى أكثره أحبار اليهود، ومزجوه ببعض شرع الله المنزل فى التوراة، أما دين موسى فهو الإسلام، ومن تاريخ اليهود فى اليمن يبدو أنهم كانوا ذوى مال وفير سيطروا به على الحياة الاقتصادية فى اليمن على المواضع الحساسة فى جسم الدولة، وعلى الملوك ص 143 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام.
(1) فى الطبرى: لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم. فقتله- قال: وفرضة نعم: رحبة طوق بن مالك، وكانت نعم سرية تبع حسان بن أسعد. ص 117 ج 2 الطبرى.
(2) البيتان فى الاشتقاق ص 525 وفى الطبرى أيضا ح 2 ص 116.(1/183)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذُو رُعَيْن تَصْغِيرُ رَعْنٍ، وَالرّعْنُ: أَنْفُ الْجَبَلِ، وَرُعَيْن جَبَلٌ بِالْيَمَنِ «1» قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ ذُو رُعَيْن.
وَقَوْلُهُ فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا: لَاهِ مَنْ رَأَى مِثْلَ حَسّانَ «2» أَرَادَ لِلّهِ وَحَذَفَ لَامَ الْجَرّ وَاللّامّ الْأُخْرَى مَعَ أَلِفِ الْوَصْلِ، وَهَذَا حَذْفٌ كَثِيرٌ. وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الِاسْمِ خَاصّةً لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ. مِثْلُ قَوْلِ الْفَرّاءِ: لِهَنّكَ مِنْ بَرَقٍ عَلَيّ كَرِيمٌ «3» . أَرَادَ: وَاَللهِ إنّك. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أراد لأنّك وأبدل الهمزة
__________
(1) فى الاشتقاق: والرّعن: أنف الجيل النادر حتى يستطيل فى الأرض، وفى المراصد، أنها تصغير لرعن بضم الراء، وهى مخلاف من مخاليف اليمن، واسم قصر عظيم باليمن، وجبل بها فيه حصن سمى ذور عين.
(2) فى الطبرى: إن لله من رأى مثل حسان الخ. وقتلته الأقيال من خشية الجيش وقالوا له: لباب لباب، وبقية الخبر فى الطبرى أن عمرو بن تبان سعد قتل أكثر الذين أمروه بقتل أخيه حسان ونسب إليه قصيدة مطولة ص 116 ج 2. وفى جمهرة أنساب العرب ص 406 أن اسم ذى رعين: يريم بن زيد بن سهل بن عمل بن فتس.
(3) ومنه قول ذى الإصبع العدوانى وهو حرثان بن الحارث بن محرث:
لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب ... عنى، ولا أنت ديانى فتخزونى
معناه: لله ابن عمك. فإنه مثلك فى الحسب ورفعة الأصل ومالك من فضل تفخر به عليه ولست وليا لأمره مدبرا لشئونه، حتى تقوم بإذلاله. وأصل لاه: لله جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وابن مبتدأ مؤخر. وفى الخصائص لابن جنى أنه روى بيت عن محمد بن سلمة عن أبى العباس المبرد:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق علىّ كريم-(1/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَاءً. وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنّ اللّامّ لَا تُجْمَعُ مَعَ إنّ، إلّا أَنْ تُؤَخّرَ اللّامّ إلَى الْخَبَرِ، لِأَنّهُمَا حَرْفَانِ مُؤَكّدَانِ، وَلَيْسَ انْقِلَابُ الْهَمْزَةِ هَاءً بِمُزِيلِ الْعِلّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا.
الْمَقَاوِلُ:
وَقَوْلُهُ: قَتَلَتْهُ الْمَقَاوِلُ: يُرِيدُ الْأَقْيَالَ، وَهُمْ الّذِينَ دُونَ التّبَابِعَةِ «1» وَاحِدُهُمْ: قَيّلٌ مِثْلُ سَيّدٍ، ثُمّ خُفّفَ وَاسْتُعْمِلَ بِالْيَاءِ فِي إفْرَادِهِ وَجَمْعِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ، لِأَنّ مَعْنَاهُ: الّذِي يَقُولُ وَيَسْمَعُ قَوْلَهُ، وَلَكِنّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا: أَقْوَالُ، فَيَلْتَبِسُ بِجَمْعِ قَوْلٍ، كَمَا قَالُوا: عِيدٌ وَأَعْيَادٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَ يَعُودُ لَكِنْ أَمَاتُوا الْوَاوَ فِيهِ إمَاتَةً، كَيْ لَا يُشْبِهُ جَمْعَ الْعَوْدِ، وَإِذَا أَرَادُوا إحْيَاءَ الْوَاوِ فِي جَمْعِ قَيّلٌ، قَالُوا: مَقَاوِلُ كَأَنّهُ جَمْعُ مِقْوَلٍ، أَوْ جَمْعُ: مَقَالٍ وَمَقَالَةٍ، فَلَمْ يَبْعُدُوا مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَأَمِنُوا اللّبْسَ، وَقَدْ قَالُوا: مُحَاسِنُ وَمُذَاكِرُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَكَأَنّهُمْ ذَهَبُوا أَيْضًا فِي مُقَاوِلٍ مَذْهَبَ الْمَرَازِبِ، وَهُمْ مُلُوكُ العجم، والله أعلم.
__________
- ومثله قول عروة الرحال:
ثمانين حولا لا أرى منك راحة ... لهنّك فى الدنيا لباقية العمر
وقد تكلمت عن لهنك فى موضع آخر «انظر ص 315 ج 1 الخصائص لابن جنى ط 2. وضبط لهنك بكسر اللام وفتح الهاء
(1) يروى الطبرى عن ابن عباس أن أهل اليمن يسمون القائد قيلا ص 491 ج 1 طبع المعارف، وفى القاموس: المقول كمنبر اللسان والملك أو من ملوك حمير يقول ما يشاء، فينفذ، كالقيل أو هو دون الملك الأعلى، وأصله قيل كفيعل سمى؛ لأنه يقول ما يشاء فينفذ، جمعه: أقوال وأقيال ومقاول ومقاولة، وفى ابن دريد ص 480 القيل: ما كان دون الملك نفسه كأنه بعد الملك وقد سبق.(1/185)
[ملك حَسّانَ بْنِ تُبّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ لَهُ]
فَلَمّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ، سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ، يُرِيدُ أَنْ يطأ به أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ، وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَكَلّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اُقْتُلْ أَخَاك حَسّانَ، وَنُمَلّكُك عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلّا ذَا رُعَيْنٍ الْحِمْيَرِيّ، فَإِنّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ. فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ:
أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مِنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ
فَأَمّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ، وَخَانَتْ ... فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ
ثُمّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمّ أَتَى بِهَا عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَك، ففعل، ثم قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسّانَ، وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلى اليمن.
فقال رجل من حمير:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى أَنّهُمْ قَالُوا: أَقْيَالٌ وَأَقْوَالٌ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي جَمْعِ عِيدٍ إلّا أَعْيَاد، وَمِثْلُ عِيدٍ وَأَعْيَادٍ: رِيحٌ وَأَرْيَاحٌ فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ، وَقَدْ صَرّفُوا مِنْ الْقَيّلِ فِعْلًا، وَقَالُوا:
قَالَ عَلَيْنَا فُلَانٌ، أَيْ: مَلَكَ وَالْقِيَالَةُ: الْإِمَارَةُ، وَمِنْهُ قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في تَسْبِيحِهِ الّذِي رَوَاهُ التّرْمِذِيّ: «سُبْحَانَ الّذِي لَبِسَ الْعَزّ، وَقَالَ بِهِ» . أَيْ مَلَكَ بِهِ وَقَهَرَ. كذا فسره الهروىّ فى الغريبين.(1/186)
لاه عينا الذى رأى مثل حسّان ... قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ
قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ خَشْيَةَ الْحَبْسِ ... غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ لَبَابِ
مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيّكُمْ رَبّ ... عَلَيْنَا، وَكُلّكُمْ أَرْبَابِي
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ: لَبَابِ لَبَابِ: لا بَأْسَ لَا بَأْسَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لباب لباب.
[هلاك عمرو:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ مِنْهُ النّوْمُ، وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ، فَلَمّا جَهَدَهُ ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبّاءَ والحُزاة مِنْ الْكُهّانِ وَالْعَرّافِينَ عَمّا بِهِ، فَقَالَ لَهُ قائل منهم: إنه مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطّ أَخَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاك عَلَيْهِ، إلّا ذَهَبَ نَوْمُهُ، وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ، فَلَمّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ، حَتّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ: إنّ لِي عِنْدَك بَرَاءَةً، فَقَالَ، وَمَا هِيَ؟ قَالَ:
الْكِتَابُ الّذِي دَفَعْتُ إليك، فأخرجه فإذا الْبَيْتَانِ، فَتَرَكَهُ، وَرَأَى أَنّهُ قَدْ نَصَحَهُ.
وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَفَرّقُوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(خَبَرُ لخنيعة وَذِي نُوَاسٍ) وَقَالَ فِيهِ ابْنُ دُرَيْدٍ: لخنيعة وَقَالَ: هُوَ مِنْ اللّخَعِ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ فِي الْجِسْمِ، وَذُو شَنَاتِرَ. الشّنَاتِرُ: الْأَصَابِعُ بلغة حمير، واحدها: شنترة، وذو نواس «1»
__________
(1) هو من أذواء اليمن، وقيل إنه- كما يذكر الطبرى وابن خلدون- تسمى بيوسف بعد توليه ملك آبائه، وقد حكم- كما يقول بعض المؤرخين- من سنة 515 م حتى سنة 525 م، وبه ختمت سلسلة ملوك حمير. أما لخنيعة ويسمى-(1/187)
[ (خبر لخنيعة وذى نواس) ]
فوئب عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بيوت المملكة، يقال له: لخنيعة ينوف ذو شَناتر، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ منهم، فقال قائل من حمير للخنيعة.
تقتّل أبناءها وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذّلّ حِمْيَرُ
تُدَمّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ... وَمَا ضَيّعْت مِنْ دينها فهو أكثر
كذلك القرون قبل ذاك بظلمها ... وإسرافها تأتى الشرور فتخسر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اسْمُهُ: زُرْعَةُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْغُلَامِ: زَرَعَكَ اللهُ، أَيْ أَنْبَتَكَ، وَسَمّوْا بِزَارِعِ كَمَا سَمّوْا بِنَابِتِ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الْوَاقِعَةُ: 64] أَيْ: تُنْبِتُونَهُ، وَفِي مُسْنَدِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجَبَلِيّ أَنّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ: زَرَعْت فِي أَرْضِي كَذَا وَكَذَا، لِأَنّ اللهَ هُوَ الزّارِعُ: وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ- مَرْفُوعًا- إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى وَجْهِ هَذَا الْحَدِيثِ، فِي غَيْرِ هَذَا الْإِمْلَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي الصّحِيحِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا» الْحَدِيثَ «1» وَفِي كِتَابِ اللهِ أَيْضًا قَالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً [يُوسُفُ: 47] ، وسمّى
__________
- أيضا «لحيعثت ينف» فحكم من 480 حتى 500 م ويقال إنه كان بين لخنيعة وذى نواس معد يكرب ينعم وهو أخو لخنيعة وبعده ملك آخر هو مرثد ألن الذى وقع فى عهده هرج شديد ص 164 وما بعدها ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام.
(1) بقية الحديث: «فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» رواه البخارى ومسلم وأحمد فى مسنده والترمذى عن أنس.(1/188)
[فسوق لخنيعة:]
وكان لخنيعة امرأ فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِك، لِئَلّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ، قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا، فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، أَيْ: لِيُعْلَمَهُمْ أَنّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ، حَتّى بَعَثَ إلى زرعة ذى نواس ابن تُبّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسّانَ، وَكَانَ صَبِيّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسّانُ، ثُمّ شَبّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُهُ، عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، فَأَخَذَ سِكّينًا حَدِيدًا لطيفا، فحبّأه بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمّ أَتَاهُ، فَلَمّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ، فَوَجَأَهُ حَتّى قَتَلَهُ. ثُمّ حَزّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكُوّةِ الّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ، فَقَالُوا له: ذانواس أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ فَقَالَ: سَلْ نَخْماس اسْترطُبان ذو نواس. استرطبان لا باس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَا نُوَاسٍ بِغَدِيرَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ تَنُوسَانِ، أَيْ ضَفِيرَتَانِ مِنْ شَعْرٍ، وَالنّوْسُ:
الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ فِيمَا كَانَ مُتَعَلّقًا، قَالَ الرّاجِزُ:
لَوْ رَأَتْنِي وَالنّعَاسُ غَالِبِي ... عَلَى الْبَعِيرِ نَائِسًا ذَبَاذِبِي
يُرِيدُ: ذَبَاذِبَ الْقَمِيصِ «1» ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَرَادَ بِالذّبَاذِبِ مَذَاكِيرَهُ، والأوّل أشبه بالمعنى.
__________
(1) فى اللسان: ذباذب: أشياء تعلق بالهودج، أو رأس البعير للزينة، والواحد ذبذب «بضم فسكون فضم» ... والذباذب: المذاكير، والذباذب: ذكر الرجل، وقيل: الذباذب: الخصى واحدتها: ذبذبة» بفتح فسكون، ففتح.(1/189)
قال ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ. ونخماس: الرّأْسُ. فَنَظَرُوا إلَى الْكُوّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخْنيعة مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتّى أَدْرَكُوهُ: فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُك، إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ.
[مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ]
مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ فَمَلّكُوهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ.
وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ، وَتَسَمّى: يُوسُفَ، فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زمانا.
«بقايا من أهل دين عيسى بِنَجْرَانَ» :
وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْإِنْجِيلِ.
أَهْلِ فَضْلٍ وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ له: عبد الله بن الثامر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ قَوْلَ ذِي نُوَاسٍ لِلْحَرَسِ حِينَ قَالُوا لَهُ: أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، وَالْيَبَاسُ وَالْيَبِيسُ «1» : مِثْلُ الكبار والكبير فقال لهم: سل نحماس، والنّحماس فِي لُغَتِهِمْ هُوَ الرّأْسُ كَمَا ذَكَرَ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي بَحْرٍ الّتِي قَيّدَهَا عَلِيّ أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقْشِي:
نَخْمَاس بِنُونِ وَخَاءٍ مَنْقُوطَةٍ، وَلَعَلّ هَذَا هُوَ الصّحِيحُ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النّخْمَاس فِي لُغَتِهِمْ هُوَ: الرّأْسُ ثُمّ صُحّفَ وَقَيّدَهُ كُرَاعٌ بِالتّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- فِيمَا ذَكَرَ لِي- وَقَوْلُهُ: اسْتُرْطُبَان إلَى آخِرِ الْكَلَامِ مُشْكِلٌ يُفَسّرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الْأَغَانِي قَالَ: كَانَ الغلام إذا خرج من
__________
(1) هى اليابس عكس الرطب، وهى السوءة والعورة، وعسفان بضم العين فى المراصد: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل بين المسجدين، وهى من مكة على مرحلتين، وقيل قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وهى حد تهامة. وأمج بلد من أعراض المدينة. ومشربة: غرفة مرتفعة.(1/190)
وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدّينِ يُقَالُ لَهُ: فَيْمِيُون، وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ.
فَدَانُوا بِهِ.
[ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ]
[ «حديث فيميون» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لبيد مولى الأخنس عن وهب ابن منبّه اليمانى أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بِنَجْرَانَ كَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دين عيسى بن مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدّنْيَا، مُجَابَ الدّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عِنْدَ لخنيعة، وَقَدْ لَاطَ بِهِ قَطَعُوا مَشَافِرَ ناقته وذنبها: وصاحو بِهِ: أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، فَلَمّا خَرَجَ ذُو نُوَاسٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَرَكِبَ نَاقَةً لَهُ يُقَالُ لها: السّراب؛ قالوا: ذانواس أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، فَقَالَ: «سَتَعْلَمُ الْأَحْرَاسُ اسْت ذِي نُوَاسٍ اسْتَ رَطْبَانِ أَمْ يَبَاسٍ» فَهَذَا اللّفْظُ مَفْهُومٌ. وَاَلّذِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، وَلَعَلّهُ تَغْيِيرٌ فِي اللّفْظِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَكَانَ مُلْك لخنيعة سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمُلْكُ ذُو نُوَاسٍ بَعْدَهُ ثمانيا وستين سنة. قاله ابن قتيبة «1» .
__________
(1) حكم لخنيعة كما قدر المحققون قرابة عشرين أو خمس وعشرين سنة، وحكم ذو نواس عشر سنوات تقريبا.(1/191)
إلّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ.
وَكَانَ بَنّاءً يَعْمَلُ الطّينَ، وَكَانَ يُعَظّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلّي بِهَا حَتّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ:
صَالِحٌ، فَأَحَبّهُ صَالِحٌ حُبّا لَمْ يُحِبّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ. فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ.
وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُون، حَتّى خَرَجَ مَرّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ.
كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيون لَا يَدْرِي- فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ. لَا يُحِبّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ، وَقَامَ فَيْمِيُون يُصَلّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التّنّينُ- الْحَيّةُ ذَاتُ الرّءُوسِ السّبْعَةِ- فَلَمّا رَآهَا فَيْمِيُون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ. فعيل عوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(حَدِيثُ فَيُمْؤُنّ) وَيُذْكَرُ عَنْ الطّبَرِيّ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: قيمؤن بِالْقَافِ، وَشَكّ فِيهِ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ فِيهِ: رَجُلٌ مِنْ آلِ جَفْنَةَ مِنْ غَسّانَ جَاءَهُمْ مِنْ الشّامِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَلَمْ يُسَمّهِ، وَقَالَ فِيهِ النّقّاشُ: اسْمُهُ: يَحْيَى، وَكَانَ أَبُوهُ مَلِكًا فَتُوُفّيَ، وَأَرَادَ قَوْمَهُ أَنْ يُمَلّكُوهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَفَرّ مِنْ الْمُلْكِ، وَلَزِمَ السّيَاحَةَ «1» ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ قِصّةَ الرّجُلِ الّذِي دَعَا لِابْنِهِ، فَشُفِيَ بِأَتَمّ مِمّا ذَكَرَهَا ابن إسحق، قَالَ: فَيُمْؤُنّ حِينَ دَخَلَ مَعَ الرّجُلِ، وَكَشَفَ لَهُ عَنْ ابْنِهِ: «اللهُمّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِك دَخَلَ عَلَيْهِ عَدُوّك فِي نِعْمَتِك، لِيُفْسِدَهَا عَلَيْهِ، فاشفه وعافه وامنعه منه» ، فقام
__________
(1) فيمؤن فى الطبرى أيضا: فيميون، وقد وصف بالزهد، والأولى أن يوصف بالتقوى، فالزهد ليس من شعائر الإسلام، وإنما هو مانوية الفرس.(1/192)
فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُون! التّنّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَك، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا وَأَمْسَى، فَانْصَرَفَ، وَعَرَفَ أَنّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ. فَقَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُون! تَعْلَمُ وَاَللهِ أَنّي مَا أَحْبَبْت شَيْئًا قَطّ حُبّكَ، وَقَدْ أَرَدْت صُحْبَتَك، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَك حَيْثُ كُنْت، فَقَالَ: مَا شِئْتَ.
أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنّك تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ، وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ بِهِ الضّرّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُون، فَقِيلَ لَهُ: إنّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ فَعَمَدَ الرّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ، فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا، ثم جاءه فقال له:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصّبِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ «1» ، فَتَبَيّنَ مِنْ هَذَا أَنّ الصّبِيّ كَانَ مَجْنُونًا لِقَوْلِهِ: دَخَلَ عَلَيْهِ عَدُوّك، يَعْنِي: الشّيْطَانَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابن إسحق.
وذكر ابن إسحق فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظِيّ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ خَبَرِ فَيُمْؤُنّ، قَالَ: وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِالِاسْمِ الّذِي سَمّاهُ ابْنُ مُنَبّهٍ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: يَحْتَمِلُ أَنّهُمْ سَمّوْهُ: يَحْيَى، وَهُوَ الِاسْمُ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَمَا قَالَهُ النّقّاشُ وَالْقُتَبِيّ.
وَفِيهِ ذِكْرُ قَرْيَةِ نَجْرَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَجْرَانُ اسْمُ رَجُلٍ كَانَ أَوّلَ مَنْ نَزَلَهَا، فَسُمّيَتْ بِهِ، وَهُوَ نَجْرَانُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. قَالَهُ البكرى «2» .
__________
(1) فى ص 120 ج 2 الطبرى كما ذكر السهيلى تماما.
(2) فى القاموس مثله وفيه زيدان بدلا من زيد، وكذلك فى جمهرة ابن حزم: زيدان(1/193)
يا فَيْمِيُون، إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتّى تَنْظُرَ إلَيْهِ، فأُشارِطك عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِك هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمّ انْتَشَطَ الرّجُلُ الثّوْبَ عَنْ الصّبِيّ ثُمّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُون، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَدَعَا لَهُ فَيْمِيُون، فَقَامَ الصّبِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَعَرَفَ فَيْمِيُون أَنّهُ قَدْ عُرِفَ، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَاتّبَعَهُ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشّامِ، إذْ مَرّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ، فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيُون. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُك، وَأَقُولُ: مَتَى هُوَ جَاءٍ؟ حَتّى سَمِعْتُ صَوْتَك، فَعَرَفْت أَنّك هُوَ.
لَا تَبْرَحْ حَتّى تَقُومَ عَلَيّ، فَإِنّي مَيّتٌ الْآنَ. قَالَ: فَمَاتَ، وَقَامَ عَلَيْهِ حَتّى وَارَاهُ ثُمّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ صَالِحٌ، حَتّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا، فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا، حَتّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ، وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا، فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا.
فَابْتَاعَ فَيْمِيُون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ، فَكَانَ فَيْمِيُون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ- يَتَهَجّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ- يُصَلّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ نُورًا، حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ، فَرَأَى ذَلِكَ سَيّدُهُ، فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُون: إنّمَا أَنْتُمْ فِي باطل. إن هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَنْجَرٍ عَنْ جُبَيْرِ نن نُفَيْرٍ، قَالَ: الّذِينَ خَدّدُوا الْأُخْدُودَ ثَلَاثَةٌ: تُبّعٌ صاحب اليمن، وقسطنطين بن هِلَانِي- وَهِيَ أُمّهُ حِينَ صَرَفَ النّصَارَى عَنْ التوحيد، ودين(1/194)
النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ، لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ: فَافْعَلْ، فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ فَيْمِيُون، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ دَعَا اللهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، ثُمّ دَخَلَتْ عليهم الأحداث التى دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كَانَتْ النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ عن أهل نجران.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَسِيحِ إلَى عِبَادَةِ الصّلِيبِ «1» ، وَبُخْتُنَصّرَ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ حِينَ أَمَرَ النّاسَ أَنْ يَسْجُدُوا إلَيْهِ، فَامْتَنَعَ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَلْقَاهُمْ فِي النّارِ، فَكَانَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِمْ، وَحَرَقَ الّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ.
__________
(1) دانت له كل أنحاء الدولة الرومانية سنة 323 م. يقول عنه ول ديورانت فى ص 387 ج 3 من المجلد الثالث: «كانت المسيحية عنده وسيلة لا غاية» وقد سأل «هل كان قسطنطين حين اعتنق المسيحية مخلصا فى عمله هذا؟ وهل أقدم عليه عن عقيدة دينية؟ أو هل كان ذلك العمل حركة بارعة أملتها عليه حكمته السياسية؟» وأجاب نفس المؤرخ: «أكبر الظن أن الرأى الأخير هو الصواب» وأمه هلينا هى التى اعتنقت المسيحية قبله، وفى عهده كان مجمع نيقية الذى عقد فى سنة 325 م، وتدخل قسطنطين فيه، حتى حمل المجمع على القول بألوهية عيسى، ثم أمر بتحريق كل كتاب يخالف هذا، وأمه هيلانة هى التى أظهرت صليبا زعمت أنه هو الذى صلب عليه عيسى فى زعمهم بعد الحادثة بمائتى سنة، وفى حديث فيميون ما يخرج به عن حدود العقل والدين ولا سيما قوله: فإنى ميت الآن، فالله يقول: «وما تدرى نفس بأى أرض تموت» .(1/195)
[أَمْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، وَقِصّةُ أَصْحَابِ الأخدود]
[ «فيميون والساحر» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَحَدّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ أَهْلِهَا: أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ: الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السّحْرَ، فَلَمّا نَزَلَهَا فَيْمِيُون- وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِاسْمِهِ الّذِي سَمّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ، وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الّتِي بِهَا السّاحِرُ، فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى ذَلِكَ السّاحِرِ، يُعَلّمُهُمْ السّحْرَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ الثّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الثّامِرِ مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ، فَكَانَ إذَا مَرّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(خَبَرُ ابْنِ الثّامِرِ) التّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيّةِ:
وَذَكَرَ فِيهِ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَقَوْلُ الرّاهِبِ لَهُ: إنّك لَنْ تُطِيقَهُ. أَيْ: لَنْ تُطِيقَ شُرُوطَهُ، وَالِانْتِهَاضَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقّهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) [النّمْلُ 40] إنّهُ أُوتِيَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الّذِي إذَا دُعِيَ اللهُ بِهِ أَجَابَ، وَهُوَ آصَفُ بْنُ برخيا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وقيل غير ذلك «1» .
__________
(1) ورأى آخر أحق بالتقديم يقرر أنه نفس سليمان، فهو الذى كان عنده علم من الكتاب.(1/196)
وَيَسْمَعُ مِنْهُ حَتّى أَسْلَمَ، فَوَحّدَ اللهَ وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ حَتّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ- وكان يعلمه- فكتمه إياه وقال له: يابن أَخِي إنّك لَنْ تَحْمِلَهُ، أَخْشَى عَلَيْك ضَعْفَك عَنْهُ- وَالثّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللهِ لَا يَظُنّ إلّا أَنّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ، فَلَمّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنّ بِهِ عَنْهُ، وَتَخَوّفَ ضَعْفَهُ فيه، عمد إلى قداح فَجَمَعَهَا، ثُمّ لَمْ يُبْقِ لِلّهِ اسْمًا يَعْلَمُهُ إلّا كتبه فى قدح، لكلّ اسم قدح، حتى إذا أحصاها أو قد لَهَا نَارًا، ثُمّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا، حَتّى إذَا مَرّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ، فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا. فَأَخَذَهُ ثُمّ أَتَى صَاحِبَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الّذِي كَتَمَهُ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا، قال: وكيف علمته؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ، قَالَ:
أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِك، وَمَا أَظُنّ أن تفعل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَعْجَبُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنّهُ ضَبّةُ بْنُ أدّ بن طابخة قاله النقاش، ولا يصح، وهى مسئلة اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى تَرْكِ التّفْضِيلِ بَيْنَ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ أَعْظَمَ مِنْ الِاسْمِ الْآخَرِ، وَقَالُوا: إذَا أَمَرَ فِي خَبَرٍ، أَوْ أَثَرَ ذِكْرَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، فَمَعْنَاهُ: الْعَظِيمُ؛ كَمَا قَالُوا: إنّي لَأُوجِلَ أَيْ: وَجِلًا، وَكَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي أَكْبَرِ مِنْ قَوْلِك: اللهُ أَكْبَرُ: إنّ أَكْبَرَ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وَذَكَرُوا أَنّ أَهْوَنَ بِمَعْنَى: هَيّنٍ مِنْ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّومُ: 27] وَأَكْثَرُوا الِاسْتِشْهَادَ عَلَى هَذَا وَنَسَبَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ هَذَا الْقَوْلَ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَالْقَابِسِيّ وَغَيْرُهُمَا، وَمِمّا احْتَجّوا بِهِ أَيْضًا: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لِيُحَرّمَ الْعِلْمَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ عَلِمَهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيّ؛(1/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَمْ يَكُنْ لِيَدْعُوَ حِينَ اجْتَهَدَ فِي الدّعَاءِ لِأُمّتِهِ أَلّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ رَءُوفٌ بِهِمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ إلّا بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ، لِيُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ، فَلَمّا مُنِعَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنّهُ لَيْسَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ إلّا وَهُوَ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ فِي الْحُكْمِ وَالْفَضِيلَةِ، يَسْتَجِيبُ اللهُ إذَا دُعِيَ بِبَعْضِهَا إنْ شَاءَ، وَيَمْنَعُ إذَا شَاءَ، وَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا، فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءُ: 110] ، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ: التّسْوِيَةُ بَيْنَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَكَذَلِكَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ وغيرهم من العلماء إلى أنه ليس شئ من كلام الله تعالى أفضل من شئ، لِأَنّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ، فَيَسْتَحِيلُ التّفَاضُلُ فِيهِ.
قَالَ الشّيْخُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو القاسم- عفا الله عنه: وجه استفتلح الْكَلَامِ مَعَهُمْ أَنْ يُقَالَ: هَلْ يَسْتَحِيلُ هَذَا عَقْلًا، أَمْ يَسْتَحِيلُ شَرْعًا؟ وَلَا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا أَنْ يُفَضّلَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَمَلًا مِنْ الْبِرّ عَلَى عَمَلٍ، وَكَلِمَةً مِنْ الذّكْرِ عَلَى كَلِمَةٍ، فَإِنّ التّفْضِيلَ رَاجِعٌ إلَى زِيَادَةِ الثّوَابِ وَنُقْصَانِهِ، وَقَدْ فُضّلَتْ الْفَرَائِضُ عَلَى النّوَافِلِ، بِإِجْمَاعِ، وَفُضّلَتْ الصّلَاةُ وَالْجِهَادُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالدّعَاءِ، وَالذّكْرُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَجْزَلَ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَالْأَسْمَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَمّى، وَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ الْقَدِيمِ «1» ، وَلَا نَقُولُ فِي كَلَامِ اللهِ: هو هو، ولا هو
__________
(1) لا يجوز الإخبار عن الله بأنه قديم؛ إذ لم يرد هذا فى قرآن أو حديث، وإنما يقال عنه: إنه الأول بدلا من القديم، فقد وصف الضلال بأنه قديم، والعرجون كذلك والبيت القديم. ثم القدم لا يمنع من أن يكون له أول أو بداية.(1/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غَيْرُهُ، كَذَلِكَ لَا نَقُولُ فِي أَسْمَائِهِ الّتِي تَضَمّنَهَا كَلَامُهُ: إنّهَا هُوَ، وَلَا هِيَ غَيْرُهُ «1» فَإِنْ تَكَلّمْنَا نَحْنُ بِهَا بِأَلْسِنَتِنَا الْمَخْلُوقَةِ وَأَلْفَاظِنَا الْمُحْدَثَةِ، فَكَلَامُنَا عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِنَا، وَاَللهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَقُولُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ «2» [الصّافّاتُ: 3] ، وَقُبْحًا لِلْمُعْتَزِلَةِ «3» ؛ فَإِنّهُمْ زَعَمُوا أَنّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ
__________
(1) الرجل أشعرى العقيدة، ورأيهم فى الصفات منبوذ من سلف الأمة، وقد رجع الأشعرى عن هذا المذهب فى كتابيه الإبانة ومقالات الإسلاميين.
(2) كنا نود أن يبرأ الكتاب من سفسطة علم الكلام، والسهيلى ينزع عن عقيدته الأشعرية التى تقرر امورا تستلزم القول ببطلان الثواب والعقاب، والقول بالجبرية. والآية لا تؤيد الأشعرية فيما ذهبوا إليه، فالله يقص عن إبراهيم قوله لقومه: «أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون» فما موصولة. والمعنى: خلقكم وخلق الأحجار التى تنحتون منها أصنامكم، ولكن الأشعرية يجعلون «ما» مصدرية، فيصير المعنى: والله خلقكم وخلق أعمالكم، والقرآن يقرر فى عديد من آياته أن العمل هو سبيل الإنسان إلى مصيره (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 93 «ومن جاء بالسيئة، فكبّت وجوههم فى النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون» النمل: 90.
(3) يقول الشهرستانى: «الذى يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد: القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلا، فقالوا: هو عالم لذاته، قادر لذاته، حى لذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هى صفات قديمة ومعانى قائمة، لأنه لو شاركته الصفات فى القدم الذى هو أخص الوصف لشاركته فى الإلهية، واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق فى محل، وهو حرف وصوت، كتب أمثاله فى المصاحف.. واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معانى قائمة بذاته، لكن اختلفوا فى وجوه وجودها ومحامل معانيها كما سيأتى.. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها» وسبب تسميتهم بالمعتزلة أن واصل بن عطاء خالف الحسن البصرى فى-(1/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
مسألة مرتكب الكبيرة، فقد قرر واصل أن مرتكبها ليس بمؤمن ولا كافر، وإنما هو فى منزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن من مجلسه، فسمى وأتباعه بالمعتزلة. وهم فرق عديدة أطلقت على نفسها: أصحاب العدل والتوحيد، وفى أيامنا هذه طبع كثير من كتبهم فى مصر. هكذا كلما بعد المرء عن هدى القرآن ضل. ولعلك تلحظ أنهم بنوا معتقداتهم على إيمانهم بأن الله قديم!! وتبعا لهذا دانو بما دانوا فى مسألة الصفات وما تفرع عنها، فبنوا دينهم على وهم، أو على صفة لا يوصف الله بها، ولا يسمى: فلو أنهم والأشعرية دانوا بما وصف الله به نفسه ما تردوا فى هذه المهلكات أو المتناقضات. لقد نفى المعتزلة الصفات، لأنهم لو أثبتوها فى ظنهم لأثبتوا مع الله عدة قدماء، وجاء الأشعرية هنا بمضحكات فقالوا عن الصفات: لا هى هو، ولا هى غيره!! قضيتان كلتاهما تبطل الأخرى. لو قالوا: هى هو لتفوا الصفات، وللزمهم القول بأن الصفة عين الموصوف ولو قالوا هى غيره للزمهم القول بتعدد القدماء!! هكذا يضرب الله من يضل عن سبيله، فلا يرى نورا ولا صباحا لليله المظلم الطويل. والفيلسوف ابن رشد- على ما فيه- يقول: «ومن البدع التى حدثث فى هذا الباب: السؤال عن هذه الصفات: هل هى الذات أم زائدة على الذات؟» ثم يقول فى مكان آخر من كتابه مناهج الأدلة: «الذى ينبغى أن يعلم الجمهور من أمر هذه الصفات هو ما صرح به الشرع فقط وهو الاعتراف بوجودها دون تفصيل الأمر فيها هذا التفصيل» ثم يقول عن دواء القرآن فى الصفات: «وأول من غير هذا الدواء الأعظم، هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد- يعنى الغزالى- فطم الوادى على القرى» . لقد أثبت المعتزلة ذاتا مجردة عن الصفات فعطلوا، وجاء الأشاعرة، فوقفوا بين مثبتة الصفات ونفاتها، وما كان لهؤلاء السير وراء السؤال القلق: هل الصفات زائده على الذات أو لا، لأن كل ذات لها وجود تستلزم فى نفس الأمر وجود الصفات، إذ لا يمكن تصور ذات مجردة عن الصفات، بل إن نفس اللفظ «ذات» - وهو مولدّ- يستلزم ذلك إذ-(1/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أصله أن يقال: ذات علم، ذات قدرة، ذات سمع، فهى مؤنث لفظ يستلزم الإضافة وهو ذو، والذات المجردة عن الصفة لا توجد إلا فى الذهن فقط. أما الموجودات فى أنفسها فلا يمكن فيها وجود ذات مجردة عن الصفات. يقول الإمام ابن تيمية «وأصل النفاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة أنهم يصفون الله بما لم يقم به، بل بما قام بغيره، أو بما لم يوجد. ويقولون: هذه إضافات لا صفات، فيقولون: هو رحيم ويرحم، والرحمة لا تقوم به، بل هى مخلوقة، وهى نعمته، ويقولون: هو يرضى ويغضب، والرضا والغضب لا يقوم به، بل هو مخلوق، وهو ثوابه وعقابه ويقولون: هو متكلم ويتكلم، والكلام لا يقوم به، بل هو مخلوق قائم بغيره» جواب أهل العلم والإيمان ص 88. وأقول: ترى لو وقف هؤلاء عند قولهم: هو يرضى ويغضب، هو متكلم ويتكلم، هو رحيم ويرحم أكان الله سائلهم يوم القيامة: أهذه صفات أم إضافات؟ إنها لعنة علم الكلام الذى استمد من ضلالات السابقين. ثم يقول الإمام ابن تيمية: «مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات ونفى مماثلتها بصفات المخلوقات، فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذى لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقا، ومنزه عن أن يماثله غيره فى صفات كماله، فهذان المعنيان جمعا: التنزيه، وقد دل عليهما قوله تعالى: «قُلْ: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ» فالاسم الصمد يتضمن صفات الكمال. والاسم الأحد يتضمن نقى المثل ... فالقول فى صفاته كالقول فى ذاته، والله تعالى ليس كمثله شئ، لا فى ذاته، ولا فى صفاته، ولا فى أفعاله، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها، كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها، فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته، ويليق بها كما أن صفة العبد هى كما يناسب ذاته، ويليق بها، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائل: كيف ينزل، أو كيف يستوى أو كيف يعلم، أو كيف يتكلم، ويقدر ويخلق؟ فقل له: كيف هو فى نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته. فقل له: وأنا لا أعلم كيفية صفاته؛ فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف» شرح حديث النزول ص 10 طبع 1366 هـ-(1/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَأَسْمَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ الْمُسَمّى بِهَا، وَسَوّوْا بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ، وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ فِي الْغَيْرِيّةِ وَالْحُدُوثِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَصَحّ جَوَازُ التّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ إذَا دَعَوْنَا بِهَا، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَفْضِيلِ السّوَرِ، وَالْآيِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِنّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى التّلَاوَةِ، الّتِي هِيَ عَمَلُنَا، لَا إلَى الْمَتْلُوّ الّذِي هو كلام رينا، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَدِيمَةِ، وَقَدْ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُبَيّ: «أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: «اللهُ لَا إلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ» فَقَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ «1» » ، وَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: أَعْظَمُ مَعْنًى عَظِيمٌ؛ لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ عَظِيمٌ، فَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ: أَيّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ عَظِيمَةٌ، وَكُلّ آيَةٍ فِيهِ عَظِيمَةٌ كَذَلِكَ؟ وَكُلّ مَا اسْتَشْهَدُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَأَهْوَنُ بِمَعْنَى هَيّنٍ بَاطِلٍ عِنْدَ حُذّاقِ النّحَاةِ، وَلَوْلَا أَنْ نَخْرُجَ عَمّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، لَأَوْضَحْنَا بُطْلَانَهُ، بِمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا فِي الْعَرَبِيّةِ، مَا جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ، لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ عَظِيمٌ، وَإِنّمَا سَأَلَهُ عَنْ الْأَعْظَمِ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلِ فِي ثَوَابِ التّلَاوَةِ، وَقُرْبِ الْإِجَابَةِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى ثُبُوتِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَأَنّ لِلّهِ اسْمًا هُوَ أَعْظَمُ أَسْمَائِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَخْلُو الْقُرْآنُ عَنْ ذَلِكَ الِاسْمِ، وَاَللهُ تعالى
__________
- والحق فيما ذهب إليه الإمام الجليل. فليسكن قلب كل مسلم إلى صفات الله وأسمائه وليدن بها وهو ثابت اليقين، دون أن يسأل نفسه: كيف يتكلم، كيف استوى، ما حقيقة اليدين؟ ودون أن ينفى شيئا أثبته الله، وإلا بهت الله بأنه لم يحسن وصف نفسه، أو أصابه العى فلم يستطع البيان عن صفات وأسماء نفسه.
(1) المسئول هو أبى بن كعب، والحديث فى مسلم ومسند أحمد.(1/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَقُولُ: مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «1» [الْأَنْعَامُ: 38] ، فَهُوَ فِي الْقُرْآنِ لَا مُحَالَةَ. وَمَا كَانَ اللهُ لِيُحَرّمَهُ مُحَمّدًا، وَأُمّتَهُ، وَقَدْ فَضّلَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَفَضّلَهُمْ عَلَى الْأُمَمِ، فَإِنْ قُلْت: فَأَيْنَ هُوَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ أُخْفِيَ فِيهِ، كَمَا أُخْفِيَتْ السّاعَةُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِيَجْتَهِدَ النّاسُ وَلَا يَتّكِلُوا قَالَ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُبَيّ: أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ، وَلَمْ يَقُلْ: أَفَضْلُ إشَارَةً إلَى الِاسْمِ الْأَعْظَمِ أَنّهُ فِيهَا، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَعْظَمُ آيَةً، وَيَكُونُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أُخْرَى دُونَهَا. بَلْ: إنّمَا صَارَتْ أَعْظَمَ الْآيَاتِ؛ لِأَنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فِيهَا. أَلَا تَرَى كَيْفَ هَنّأَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُبَيّا، بِمَا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ الْعِلْمِ، وَمَا هَنّأَهُ إلّا بِعَظِيمِ بِأَنْ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَالْآيَةُ الْعُظْمَى الّتِي كَانَتْ الْأُمَمُ قَبْلَنَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ إلّا الْأَفْرَادُ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ، وآصف صَاحِبُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَبُلْعُوم قَبْلَ أَنْ يتبعه الشيطان «2»
__________
(1) هو الكتاب الذى كتب الله فيه كل شئ قبل الخلق، لا القرآن.
(2) لست أدرى من أين جاء بهذا؟! ولقد دار حول الاسم الأعظم مادار، من أقاويل وأساطير مفتراة تزعم أن فلانا كان يسخر به الجن والإنس، وأن غيره كان، وكان،!! وغير هذا مما يأفكه المبطلون المشعبذون الذين يفترون أنهم يعرفون اسم الله الأعظم، والله لا يحرم أمة من معرفة اسمه الأعظم الذى هو «الله» . وفى مسألة تفضيل بعض كلام الله على بعض يقول الإمام ابن تيمية «الناس متنازعون فيها- أى فى مسألة التفضيل- نزاعا منتشرا فطوائف يقولون: بعض كلام الله أفضل من بعض، كما نطقت به النصوص النبوية، حيث أخبر عن-(1/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ، وَقَدْ جَاءَ مَنْصُوصًا فِي حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- الّذِي خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ- وَكُنْيَتُهَا:
أُمّ سَلَمَةَ- فَلَعَلّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ أَنّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو فى هَاتِينَ الْآيَتَيْنِ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْآيَةَ أَيْ:
فَادْعُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ، ثُمّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تنبيها لنا على حمده
__________
- الفاتحة أنه لم ينزل فى الكتب الثلاثة مثلها، وأخبر عن سورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن. وجعل آية الكرسى أعظم آية فى القرآن.. وروى أنها سيدة القرآن» ثم يقول: «والقول بأن كلام الله بعضه أفضل من بعض هو القول المأثور عن السلف، وهو الذى عليه أئمة الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم، وكلام القائلين بذلك كثير منتشر فى كتب كثيرة» ثم يقول: «والنصوص والآثار فى تفضيل كلام الله- بل وتفضيل بعض صفاته- على بعض متعددة. وقول القائل: صفات الله كلها فاضلة فى غاية التمام والكمال ليس فيها نقص، كلام صحيح، لكن توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض كان المفضول معيبا منقوصا خطأ منه، فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض، ولهذا يقال: دعا الله باسمه الأعظم، وتدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض، وبعض أفعاله أفضل من بعض» ثم ساق الكثير من النصوص التى تثبت ما ذهب إليه وهو حق (جواب أهل العلم والإيمان ج 1 ط السلفية 1375 ص 7، 9، 54. وانظر ص 438 ج 1 البرهان للزركشى) . دين ابن الثامر: فى قصته عن الذين كانوا يلبون دعوته «فيوحد الله ويسلم» أى: يصير مسلما. ولهذا لا يجوز بعد ذلك أن نقول: دين نصرانى، فالنصرانية ليست دينا من الله سبحانه، فدين الرسل جميعا هو الإسلام.(1/204)
[ «ابن الثامر يدعو إلى الإسلام» :]
فَجَعَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرّ إلّا قال:
يَا عَبْدَ اللهِ، أَتُوَحّدُ اللهَ، وَتَدْخُلُ فِي دِينِي، وَأَدْعُو اللهَ، فَيُعَافِيك مِمّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُوَحّدُ اللهَ وَيُسْلِمُ، وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى، حَتّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرّ إلّا أَتَاهُ فَاتّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ، حَتّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَفْسَدْت عَلَيّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْت دِينِي وَدِينَ آبَائِي، لَأُمَثّلَنّ بِك، قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطّوِيلِ، فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى مِيَاهٍ بنجران، بحور لا يقع فيها شئ إلّا هَلَكَ، فَيُلْقَى فِيهَا، فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، فَلَمّا غَلَبَهُ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ: إنّك وَاَللهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قتلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَشُكْرِهِ، إذْ عَلِمْنَا مِنْ هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ أَيْضًا أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا- وَهُوَ زَيْدٌ أَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ- ذَكَرَ اسْمَهُ الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ- يَقُولُ: «اللهُمّ إنّي أَسْأَلُك، بِأَنّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْمَنّانُ بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَقَالَ: لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ «1» » وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: غَفَرَ اللهُ لَهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ. وَرَوَى التّرْمِذِيّ نَحْوَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ: «اللهُمّ إنّي أَسْأَلُك؛ فَإِنّك اللهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصّمَدُ الّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ «2» » وَهَذَا مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ، قلنا: لا معارضة بين هذا،
__________
(1) الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجة.
(2) الترمذى وأبو داود.(1/205)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَيْنَ مَا تَقَدّمَ، فَإِنّا لَمْ نَقُلْ: إنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ، بَلْ: الْحَيّ الْقَيّومُ: صِفَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ. وَتَتْمِيمٌ لِذِكْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنّانُ.
وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ أَيْضًا فِي الدّعَوَاتِ، وَكَذَلِكَ الْأَحَدُ الصّمَدُ فِي حَدِيثِ التّرْمِذِيّ. وَقَوْلُك: اللهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ: هُوَ الِاسْمُ، لِأَنّهُ لَا سَمِيّ لَهُ، وَلَمْ يَتّسِمْ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي التّسْعَةِ وَالتّسْعِينَ اسْمًا: إنّهَا كُلّهَا تَابِعَةٌ لِلِاسْمِ الّذِي هُوَ اللهُ، وَهُوَ تَمَامُ الْمِائَةِ، فَهِيَ مِائَةٌ عَلَى عَدَدِ دَرَجِ الْجَنّةِ، إذْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ «1» بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ، وَقَالَ فِي الْأَسْمَاءِ: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ «2» » فَهِيَ عَلَى عَدَد دَرَجِ الْجَنّةِ، وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى، وإنما هذه
__________
(1) ورد عدد درجات الجنة فى حديث رواه البخارى والترمذى، ورواية البخارى: «ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» ورواية الترمذى: «ما بين كل درجتين مائة عام» وفى الطبرانى: ما بين كل درجتين خمسائة عام.
(2) يشير إلى الحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر» متفق عليه. وفى رواية أخرى: «من أحصاها دخل الجنة» متفق عليها، ورواها الترمذى وابن ماجة ومعنى الإحصاء والحفظ: التدبر والعمل بما يوجبه رب هذه الأسماء، لا مجرد الإحصاء والحفظ كما يفعل نعقة المقابر. والحديث الذى أحصيت فيه الأسماء قال عنه الترمذى. حديث غريب أى: ضعيف، ويقول عنه ابن كثير فى تفسير الأعراف: «وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة، ولا نعلم فى كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا فى هذا الحديث، ورواه ابن حبان فى صحيحه من طريق صفوان به، وقد رواه ابن ماجة فى سننه من طريق آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج عن أبى هريرة مرفوعا، فسرد الأسماء بزيادة ونقصان، والذى عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء فى هذا الحديث مدرج فيه»(1/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَسْمَاءُ هِيَ الْمُفَضّلَةُ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ. يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصّحِيحِ: «أَسْأَلُك بِأَسْمَائِك الْحُسْنَى مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ» وَوَقَعَ فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ: «سُبْحَانَك لَا أُحْصِي أَسَمَاءَك» وَمِمّا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَنّك تُضِيفُ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ إلَيْهِ، وَلَا تُضِيفُهُ إلَيْهَا. تَقُولُ: الْعَزِيزُ اسْمٌ من أسماء الله، ولا تقول: اللهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَزِيزِ، وَفُخّمَتْ اللّامّ مِنْ اسْمِهِ- وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفَخّمُ لَامٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلّا مَعَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ نحو الطلاق، ولا تفخّم لام فى شئ من أسمائه، ولا شئ مِنْ الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي أَسْمَائِهِ الّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَعْلِيَةِ إلّا فِي هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ «1» الْمُنْتَظَمِ من ألف ولامين وهاء.
__________
(1) يقول ابن كثير: «ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة فى تسعة وتسعين» ثم روى الحديث الذى رواه أحمد، وأبو حاتم بن حبان البستى، وفيه «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب» وحروف الإطباق هى: الصاد والضاد والطاء والظاء، والمستعلى من الحروف: الخاء والغين والقاف والضاد والصاد والطاء والظاء، وأربعة منها مع استعلائها إطباق، وهى ما عدا الخاء والغين والقاف ومعنى استعلائها أن تتصعد فى الحنك الأعلى. والإطباق: أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقا له. هذا، وقد تكلم ابن القيم فى بدائع الفوائد كلاما قيما فى هذا الشأن اخترت منه: «الثانى عشر: فى بيان مراتب إحصاء أسمائه التى من أحصاها دخل الجنة، وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها. المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها. المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، فَادْعُوهُ بِها) وهو مرتبتان: إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثانية: دعاء طلب ومسئلة، فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وكذلك لا يسئل إلا بها، فلا يقال: يا موجود، أو يا شئ، أو يا ذات: اغفرلى وارحمنى، بل يسئل فى كل مطلوب باسم-(1/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَالْأَلِفُ مِنْ مَبْدَأِ الصّوْتِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى مَخْرَجِ الْأَلِفِ، فَشَاكَلَ اللّفْظ الْمَعْنَى، وَطَابَقَهُ، لِأَنّ الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ الْمَبْدَأُ، وَإِلَيْهِ الْمَعَادُ. وَالْإِعَادَةُ.
أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَكَذَلِكَ الْهَاءُ أَخَفّ وَأَلْيَنُ فِي اللّفْظِ مِنْ الْهَمْزَةِ الّتِي هِيَ مَبْدَأُ الِاسْمِ. أُخْبِرْت بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ نَحْوِهِ فِي الِاسْمِ وَحُرُوفِهِ عَنْ ابْنِ فَوْرَكٍ رَحِمَهُ اللهُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ شَيْخُنَا فِي كِتَابِ شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَأَنّهُ لَا يُدْعَى اللهُ بِهِ إلّا أَجَابَ، ولا يسئل بِهِ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ.
قُلْنَا: عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنّ هَذَا الِاسْمَ كَانَ عِنْدَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا- إذَا عَلِمَهُ- مَصُونًا غَيْر مُبْتَذَلٍ، مُعَظّمًا لَا يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ، وَلَا يَلْفِظُ بِهِ إلّا طَاهِرٌ، وَيَكُونُ الّذِي يَعْرِفُهُ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهُ مُتَأَلّهًا مُخْبِتًا، قَدْ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِعَظَمَةِ الْمُسَمّى بِهِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَخَافُ سِوَاهُ، فَلَمّا اُبْتُذِلَ وَتُكُلّمَ بِهِ فِي مَعْرِضِ الْبَطَالَاتِ وَالْهَزْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ ذَهَبَتْ مِنْ الْقُلُوبِ هَيْبَتُهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ، وَتَعْجِيلِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِلدّاعِي ما كان قبل. ألا ترى قول
__________
- يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم، ومن تأمل أدعية الرسل، ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا» ص 164 ويقول: «إحصاء الأسماء الحسنى، والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغى للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم» ص 163 ويقول فى شأن «من أحصاها دخل الجنة» إنها صفة لا خبر مستقل. والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة وهنا لا ينبغى أن يكون له أسماء غيرها ص 167. وقد أبدع ابن القيم فى هذا فانظر كتابه بدائع الفوائد ج 1(1/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيّوبَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي بَلَائِهِ: «قَدْ كُنْت أَمُرّ بِالرّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذْكُرَانِ اللهَ- يَعْنِي فِي تَنَازُعِهِمَا، أَيْ تَخَاصُمِهِمَا- فَأَرْجِعُ إلَى بَيْتِي، فَأُكَفّرُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إلّا فِي حَقّ» وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إلّا عَلَى طُهْرٍ» فَقَدْ لَاحَ لَك تَعْظِيمُ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ.
وَالْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ الدّعَاءَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْقَلْبِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمُجَرّدِ اللّسَانِ اُسْتُجِيبَ لِلْعَبْدِ، غَيْرَ أَنّ الِاسْتِجَابَةَ تَنْقَسِمُ كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- إمّا أَنْ يُعَجّلَ لَهُ مَا سَأَلَ وَإِمّا أَنْ يَدّخِرَ لَهُ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِمّا طَلَبَ، وَإِمّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ الْبَلَاءِ بِقَدْرِ مَا سَأَلَ مِنْ الْخَيْرِ «1» ، وَأَمّا دُعَاءُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُمّتِهِ أَلّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ «2» ، فَمَنَعَهَا، فَقَدْ أُعْطِيَ عِوَضًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ: الشّفَاعَةِ لَهُمْ فى الآخرة،
__________
(1) يشير إلى الحديث: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر. قال: الله أكثر» أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
(2) يشير إلى حديث «سألت ربى ثلاثا. سألته ألا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتى بالسنة «أى الجدب» فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها» مسلم وأحمد. والأحاديث فى هذا تكاد تجمع على أن التى منعها هى ألا يجعل بأسهم بينهم. أما اللتان استجيبتا ففيهما خلاف. ففى بعض الأحاديث ألا يظهر عليهم عدوا، ولا يهلكهم بالسنين، وفى بعضها ألا يهلكهم بغرق، وألا يسلط عليهم عدوا، وفى بعضها ألا يهلك أمته بما أهلك به الأمم قبلنا. وهكذا.(1/209)
حَتّى تُوَحّدَ اللهَ، فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ، فَإِنّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ، سُلّطْت عَلَيّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ: فَوَحّدَ اللهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، ثُمّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ، فَشَجّهُ شَجّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ، وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ- وكان على ماء جاء به عيسى بن مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ- ثُمّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قَالَ: «أُمّتِي هَذِهِ أُمّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ، عَذَابُهَا فِي الدّنْيَا: الزّلَازِلُ وَالْفِتَنُ» . خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ «1» ، فَإِذَا كَانَتْ الْفِتَنُ سَبَبًا لِصَرْفِ عَذَابِ الْآخِرَةِ عَنْ الْأُمّةِ، فَمَا خَابَ دُعَاؤُهُ لَهُمْ. عَلَى أَنّنِي تَأَمّلْت هَذَا الْحَدِيثَ، وَتَأَمّلْت حَدِيثَهُ الْآخَرَ حِينَ نَزَلَتْ: قُلْ: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الْأَنْعَامُ: 65] . فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك. فلما سمع: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك، فَلَمّا سَمِعَ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً، وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. قال: هذه أهون «2» .
__________
(1) ورواه أيضا الطبرانى فى الكبير، والحاكم فى مستدركه، والبيهقى فى الشعب. ولكن لن تكون شفاعة إلا بعد إذن الله، فالرسول- صلى الله عليه وسلم لا بملكها- وآيات القرآن كلها تظاهر هذا المعنى، وحديث أبى داود الذى ينفى عذاب الآخرة عن هذه الأمة حديث يخالف الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المتفق عليها، ولا سيما حديث الحوض الذى يقول فيه عن الذين منعوا الدنو من الحوض: فأقول: ألا سحقا، ألا سحقا أو ما فى معنى هذا
(2) البخارى والنسائى والحميدى وابن حبان وابن جرير وابن مردويه وسعيد بن منصور.(1/210)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فمن ها هنا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- أُعِيذَتْ أُمّتُهُ مِنْ الْأُولَى وَالثّانِيَةِ، وَمُنِعَ الثّالِثَةُ، حِينَ سَأَلَهَا بَعْدُ. وَقَدْ عَرَضْت هَذَا الْكَلَامَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ زَمَانِنَا، فَقَالَ:
هَذَا حَسَنٌ جِدّا، غَيْرَ أَنّا لَا نَدْرِي: أَكَانَتْ مَسْأَلَتُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَمْ لَا؟
فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَأَخْلِقْ بِهَذَا النّظَرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. قُلْت لَهُ:
أَلَيْسَ فِي الْمُوَطّأِ أَنّهُ دَعَا بِهَا فِي مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا خِلَافَ أَنّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ مَكّيّةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَسَلّمَ وَأَذْعَنَ لِلْحَقّ، وَأَقَرّ بِهِ.
رَحِمَهُ اللهُ.
هَلْ الشّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ؟
فَصْلٌ: وَذَكَرَ مِنْ وَجْدَانِ عَبْدِ اللهِ فِي خَرِبَةٍ مِنْ خِرَبِ نَجْرَانَ.
يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ «1» [آلُ عِمْرَانَ: 169] الْآيَةَ وَمَا وُجِدَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الصّورَةِ لَمْ يَتَغَيّرُوا بَعْدَ الدّهُورِ الطّوِيلَةِ كَحَمْزَةِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَإِنّهُ وُجِدَ حِينَ حَفَرَ مُعَاوِيَةُ الْعَيْنَ صَحِيحًا لَمْ يَتَغَيّرْ، وَأَصَابَتْ الْفَأْسُ أُصْبُعَهُ، فَدَمِيَتْ، وَكَذَلِكَ أَبُو جَابِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَرَامٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- اسْتَخْرَجَتْهُ بِنْتُهُ عَائِشَةُ مِنْ قبره حين
__________
(1) لم يرو قصة ابن التامر غير ابن إسحاق، ولم يخرجها أحد من أصحاب الصحيح. وفى الآية رد على ما يفترى من مثل هذه الأساطير فالآية تقول: «عند ربهم» لا «فى قبورهم» كما يريد السهيلى أن يفهم هو ومن يذهب معهم مذاهبهم.(1/211)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَأَتْهُ فِي الْمَنَامِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ مَوْضِعِهِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَتَغَيّرْ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ. وَالْأَخْبَارُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ «1» .
وقد قال- عليه السلام- «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» .
خرجه سليمان بن الأشعث. وذكر أبو جعفر الداوودي في كتاب الناس هذا الحديث بزيادة: ذكر الشهداء والعلماء والمؤذنين، وهي زيادة غريبة لم تقع لي في مسند، غير أن الداوودي من أهل الثقة والعلم. وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ يُصَلّونَ فِي قُبُورِهِمْ» . انْفَرَدَ بِهِ ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ روى أن ثابتا التمس فى قبره بعد ما دُفِنَ، فَلَمْ يُوجَدْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَبِنْتِهِ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّي فَلَمْ تَرَوْهُ، لِأَنّي كُنْت أَسْمَعُهُ إذَا تَهَجّدَ بِاللّيْلِ يَقُولُ. «اللهُمّ اجْعَلْنِي مِمّنْ يصلّى
__________
(1) إنما هى أساطير تسكر العاطفة، فتذهلها عن هدى الكتاب والسنة.. فما ورد شئ من هذا، لا فى الكتاب، ولا فى السنة، وحياة الشهداء عند ربهم حياة غيبية نؤمن بها، ولا نكلف أنفسنا البحث عن حقيقتها، ولا نرجم فيها بالغيب أو نهوم مع الظنون والتخيلات المجنحة بالتهويلات الخرافية، ولا نكفر بها. وليست كرامة الشهداء فى بقاء أجسادهم، وإلا فقد بقيت أجساد كفرة عشرات السنين، بل مئاتها. والصوفية هى التى تحمل وزر ما قاله السهيلى، أما أبو جابر فقد ثبت فى الصحيح قول جابر عنه: «لما قتل أبى جعلت أبكى، وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينهونى، والنبى- صلى الله عليه وسلم- لم ينه، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تبكه، أو ما تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» وقد أسنده هو ومسلم والنسائى من طرق. وجميع الأحاديث الصحيحة التى تحدثت عن حياة الشهداء لم تذكر شيئا مما ذهب إليه السهيلى.(1/212)
[ «أصحاب الأخدود ومعناه» :]
فَسَارَ إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الْيَهُودِيّةِ، وَخَيّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ، فَخَدّ لَهُمْ الْأُخْدُودَ، فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنّارِ، وقتل من قتل بالسيف، ومثّل بهم، حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، ففى ذى نواس وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ. وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) . البروج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي قَبْرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ» «1» وَفِي الصّحِيحِ: أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (مَرَرْت بِمُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَهُوَ يُصَلّي فِي قَبْرِهِ «2» ) .
أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ:
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ إنّمَا رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَوْقُوفًا عَلَى مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ، لِيَصِلَ بِهِ حَدِيثَ فَيُمْؤُنّ، وَهُوَ حَدِيثُ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيب عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ: وَهُوَ يُخَالِفُ حَدِيثَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ. قال: كان رسول الله- صلى الله
__________
(1) هذا وما قبله لا يتفق لا مع النقل الصحيح، ولا مع العقل الصريح. إنما هو خرافات يراد بها ربط الناس بالموتى، لا بالحى القيوم، وحمم تجتاح الصحيح من الدين.
(2) كان هذا ليلة الإسراء، وهى من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا ففى نفس الحديث أنه لقيه فى السماء!!(1/213)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأُخْدُودُ: الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ، كَالْخَنْدَقِ وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ. قَالَ ذُو الرّمّةِ- وَاسْمُهُ: غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ.
مِنْ الْعِرَاقِيّةِ اللّاتِي يحيل لها ... بين الغلاة وَبَيْنَ النّخْلِ أُخْدُودُ
يَعْنِي: جَدْوَلًا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ: وَيُقَالُ لِأَثَرِ السّيْفِ وَالسّكّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ السّوْطِ وَنَحْوِهِ: أُخْدُودٌ: وجمعه أخاديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثًا تَقَدّمَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ يُحَدّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ. قَالَ: كَانَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ «1» يَكْهُنُ لَهُ، فَقَالَ الْكَاهِنُ: اُنْظُرُوا لِي غُلَامًا فَهمَا أَوْ قَالَ: فَطِنًا لَقِنًا؛ فَأَعْلَمَهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمَوْتَ؛ فَيَنْقَطِعُ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ قَالَ: فَنَظَرُوا لَهُ غُلَامًا عَلَى مَا وَصَفَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنُ وَأَنْ يَخْتَلِفَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسَبُ أَنّ أَصْحَابَ الصّوَامِعِ يَوْمئِذٍ كَانُوا مُسْلِمِينَ «2» قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ الرّاهِبَ كُلّمَا مَرّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إنّمَا أَعْبُدُ اللهَ، قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ، وَيُبْطِئُ عَلَى الْكَاهِنِ، فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إلَى أَهْلِ الْغُلَامِ أَنّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ: إذَا قَالَ لَك الْكَاهِنُ: أَيْنَ كُنْت، فَقُلْ: كُنْت عِنْدَ أَهْلِي، فَإِذَا قال
__________
(1) فى رواية ساحر.
(2) هذا تعبير دقيق؛ فكل من آمن بالله وبالرسول فهو مسلم.(1/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَك: أَهْلُك: أَيْنَ كُنْت؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّك كُنْت عِنْدَ الْكَاهِنِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إذْ مَرّ بِجَمَاعَةِ مِنْ النّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابّةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّ تِلْكَ الدّابّةَ كَانَتْ أَسَدًا، فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمّ إن كان ما يقول الراهب حقا فأسئلك أَنْ تَقْتُلَهُ، قَالَ: ثُمّ رَمَى، فَقَتَلَ الدّابّةَ، فَقَالَ النّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟
فَقَالُوا: الْغُلَامُ، فَفَزِعَ النّاسُ، وَقَالُوا: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ.
قَالَ: فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: إنْ أَنْتَ رَدَدْت بَصَرِي فَلَك كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ:
لَا أُرِيدُ مِنْك هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْت إنْ رَجَعَ إلَيْك بَصَرُك أَتُؤْمِنُ بِاَلّذِي رَدّهُ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا اللهَ، فَرَدّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الْأَعْمَى، فَبَلَغَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأَتَى بِهِمْ، فَقَالَ: لَأَقْتُلَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ، فَأَمَرَ بِالرّاهِبِ وَبِالرّجُلِ الّذِي كَانَ أَعْمَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ، ثُمّ قَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةِ أُخْرَى، ثُمّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الّذِي أَرَادُوا أَنْ يَلْقَوْهُ مِنْهُ، جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدّوْنَ مِنْهُ، حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلّا الْغُلَامُ، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكَ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلَى الْبَحْرِ، فَيَلْقَوْنَهُ فِيهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى الْبَحْرِ، فَغَرّقَ اللهُ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَأَنْجَاهُ، فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إنّك لَا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي، وَتَقُولَ إذَا رَمَيْتنِي: «بِاسْمِ اللهِ رَبّ هَذَا الْغُلَامِ» قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ ثُمّ رَمَاهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ رَبّ هَذَا الْغُلَامِ، قال: فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمّ مَاتَ، فَقَالَ النّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنّا نُؤْمِنُ بِرَبّ هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْت أَنّ خَالَفَك ثَلَاثَةً،(1/215)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَهَذَا الْعَالَمُ كُلّهمْ قَدْ خَالَفُوك، قَالَ: فَخَدّ أَخُدُودًا «1» ، ثُمّ أَلْقَى فِيهِ الْحَطَبَ وَالنّارَ، ثُمّ جَمَعَ النّاسَ، فَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ ذَنْبِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي ذَلِكَ الْأُخْدُودِ. قَالَ: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ- (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) حَتّى بَلَغَ: (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) : الْبُرُوجُ قَالَ: فَأَمّا الْغُلَامُ فَإِنّهُ دُفِنَ. قَالَ: فَيُذْكَرُ أَنّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغِهِ، كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ. رَوَاهُ التّرْمِذِيّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَدّابِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثُمّ اتّفَقَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيب غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنّ الْأَعْمَى الّذِي شُفِيَ، كَانَ جَلِيسًا لِلْمَلِكِ، وَأَنّهُ جَاءَهُ بَعْدَ مَا شُفِيَ، فَجَلَسَ مِنْ الْمَلِكِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ: مَنْ رَدّ عَلَيْك بَصَرَك، قَالَ: رَبّي، قَالَ: وَهَلْ لَك رَبّ غَيْرِي؟! فَقَالَ: اللهُ رَبّي وَرَبّك، فَأَمَرَ بِالْمِنْشَارِ، فَجُعِلَ عَلَى رَأْسِهِ حَتّى وَقَعَ شِقّاهُ، وَأَمَرَ بِالرّاهِبِ فَفُعِلَ بِهِ، مِثْلُ ذَلِكَ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِامْرَأَةِ لِتُلْقَى فِي النّارِ، وَمَعَهَا صَبِيّ يَرْضَعُ فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ:
يَا أُمّهْ لَا تَجْزَعِي، فَإِنّك عَلَى الْحَقّ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنّ الْغُلَامَ الرّضِيعَ كَانَ مِنْ سبعة أشهر «2» .
__________
(1) خد: شق، والأخدود: شق فى الأرض مستطيل غائص. جمعه: أخاديد وقد شرحه ابن هشام.
(2) ورواه أحمد أيضا. وقد قال الحافظ المزى عن سياق القصة: يحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومى، فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى، وقد ذكر السدى: كانت الأخدود ثلاثة، خد بالعراق، وخد بالشام، وخد باليمن، -(1/216)
[ «مصير عبد الله بن الثامر» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ رأسهم وإمامهم
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَوَجَدُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ الثّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا، وَاضِعًا يَدَهُ على ضربة فى رأسه، ممسكا عليها بيده، فَإِذَا أُخّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا تَنْبَعِثُ دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدّهَا عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا، وَفِي يده خاتم مكتوب فيه: «رَبّي اللهُ» فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْ أَقِرّوهُ عَلَى حَالِهِ وَرُدّوا عليه الدفن الذى كان عليه، ففعلوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(حَدِيثُ الْحَبَشَةِ «1» ) وَذَكَرَ فِيهِ دَوْسًا ذَا ثَعْلَبَانِ الّذِي أَتَى قَيْصَرَ. وَدَوْسٌ: هُوَ ابْنُ تُبّعٍ الّذِي قَتَلَهُ أَخُوهُ، قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غير رواية ابن هشام.
__________
- رواه ابن أبى حاتم، وعن مقاتل: إنها واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس حرقوا بالنار، أما التى بالشام فهو أنطنايوس الرومى، وأما التى بفارس فهو بختنصر، وأما التى بأرض العرب، فهو يوسف ذو نواس، فأما التى بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهم قرآنا، وأنزل فى التى كانت بنجران
(1) الحبش عند بعض المؤرخين الأوربيين هم سكان حبشت فى العربية الجنوبية، وهم فرع من شعب قديم كان يسكن جزيرة العرب اسمه: بوين، وهو-(1/217)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ فِيهِ قَيْصَرَ وَكِتَابَهُ لَلنّجَاشِيّ. وَقَيْصَرُ اسْمُ عَلَمٍ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ الرّومَ وَتَفْسِيرُهُ بِلِسَانِهِمْ: الْبُقَيْرُ الّذِي بُقِرَ بَطْنُ أُمّهِ عَنْهُ «1» ، وَكَانَ أَوّلُ مَنْ تَسَمّى بِهِ بُقَيْرًا، فَلَمّا مُلّكَ وَعُرِفَ بِهِ، تَسَمّى بِهِ كُلّ مَنْ مُلّكَ بَعْدَهُ. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ.
وَإِنّمَا كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ؛ لِأَنّهُ عَلَى دِينِهِ، وَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْيَمَنِ مِنْهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ ذَا نُوَاسٍ أُدْخِلَ الْحَبَشَةَ صَنْعَاءَ الْيَمَنِ، حِينَ رَأَى أَنْ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِمْ، بَعْدَ أَنْ اسْتَنْفَرَ جَمِيعَ الْمَقَاوِلِ، لِيَكُونُوا مَعَهُ يَدًا وَاحِدَةً عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إلّا أَنْ يُحْمَى كُلّ واحد منهم حورته عَلَى حِدَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِهِ وَأَمْوَالُهُ، عَلَى أَنْ يُسَالِمُوهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَا يَقْتُلُوا أَحَدًا فَكَتَبُوا إلَى النّجَاشِيّ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَدَخَلُوا صَنْعَاءَ وَدَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَفَاتِيحَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبِضُوا مَا فِي بِلَادِهِ مِنْ خَزَائِنِ أَمْوَالِهِ، ثُمّ كَتَبَ هُوَ إلَى كُلّ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضِهِ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلّ ثَوْرٍ أَسْوَدَ، فَقُتِلَ أَكْثَرُ الْحَبَشَةِ، فَلَمّا بلغ
__________
- شعب لا يعرف من أمره شئ يذكر. ويرى هؤلاء أن الحبشة فى الأصل هى أرضون فى جنوب الجزيرة على الساحل فى شرق حضرموت، منها هاجر أهل حبشة على رأيهم إلى إفريقية. حتى أطلقت كلمة حبشة على الأرض التى أطلق عليها اسم أثيوبية: «أثيوبية عند اليونان: الوجه المحترق» أى أطلقت على البلاد الواقعة جنوب مصر، وعلى سواحل إفريقية الواقعة على البحر الأحمر والمحيط الهندى، وأطلقت على العربية الجنوبية وهى تقابل كلمة كوش فى التوراة. ص 150 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على.
(1) فى المروج «بقر» بدلا من بقير. ثم يفسرها بقوله: «أى شق عنه وذلك أن أمه ماتت، وهى حامل، فشق بطنها، فكان هذا الملك يفتخر فى وقته بأن النساء لم تلده، وكذلك من حدث بعده» ج 1 309 ويطلق على هذا النوع من الولادة حتى الآن القيصرية.(1/218)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَلِكَ النّجَاشِيّ وَجّهَ جَيْشًا إلَى أَبْرَهَةَ، وَعَلَيْهِمْ أرياط وأمره أن يقتل ذانواس، وَيُخَرّبَ ثُلُثَ بِلَادِهِ، وَيَقْتُلُ ثُلُثَ الرّجَالِ، وَيَسْبِي ثُلُثَ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ. وَأَبْرَهَةُ بِالْحَبَشَةِ: هُوَ الْأَبْيَضُ الْوَجْهِ، وَفِي هَذَا قُوّةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنّ أَبْرَهَةَ هَذَا هُوَ أَبْرَهَةُ بْنُ الصّبَاحِ الْحِمْيَرِيّ! وَلَيْسَ بِأَبِي يكْسوم الْحَبَشِيّ، وَإِنّ الْحَبَشَةَ كَانُوا قَدْ أَمّرُوا أَبْرَهَةَ بْنَ الصّبَاحِ «1» عَلَى الْيَمَنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابن سلام فى تفسيره، واقتحم ذونواس الْبَحْرَ، فَهَلَكَ وَقَامَ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدَهُ ذُو جَدَن، وَاسْمُهُ: عَلَسُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو سُبَيْع «2» بْنِ الْحَارِثِ، وَالْجَدَنُ: حُسْنُ الصّوْتِ، يُقَالُ: إنّهُ أَوّلُ مَنْ أَظَهَرَ الْغِنَاءَ بِالْيَمَنِ فَسُمّيَ بِهِ، وَجَدَنُ أَيْضًا: مَفَازَةٌ بِالْيَمَنِ، زَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنّ ذَا جَدَن إلَيْهَا يُنْسَبُ، فَحَارَبَ الْحَبَشَةَ بَعْدَ ذِي نُوَاسٍ فَكَسَرُوا جُنْدَهُ، وَغَلَبُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، فَفَرّ إلَى الْبَحْرِ كَمَا فَعَلَ ذُو نُوَاسٍ، فَهَلَكَ فِيهِ، وَذَكَرُوا سَبَبَ مُنَازَعَةِ أَبْرَهَةَ لِأَرْيَاطٍ، وَأَنّ ذَلِكَ إنّمَا كَانَ، لِأَنّ أَبْرَهَةَ بَلّغَ النّجَاشِيّ أَنّهُ اسْتَبَدّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِ مِنْ جِبَايَةِ الْيَمَنِ شَيْئًا، فَوَجّهَ أَرْيَاطًا إلَى خَلْعِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَاهُ أَبْرَهَةُ إلَى الْمُبَارَزَةِ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ- وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ عتودة الغلام «3» الذى قتل
__________
(1) أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر. وكان يلقب بذى المنار ابن الصعب، والأكثرون على أنه أبو يكسوم الحبشى. واسم النجاشى الذى غزا الحبشة «الإعميدا» وكان وثنيا، ولهذا يرجح أن غزوه للحبشة كان لأسباب اقتصادية لا دينية، ويقال إن الغزو كان سنة 345 بعد الميلاد ص 149 تاريخ العرب لجواد على.
(2) فى القاموس «علس بن يشرح- بفتح الياء والراء- ابن الحارث» وفى القاموس أيضا ما ذكر عنه.
(3) ص 129 ح 2 الطبرى(1/219)
[أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَةِ وذكر أرياط المستولى على اليمن]
«دوس يستنصر بِقَيْصَرَ» :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ، يُقَالُ لَهُ دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَلَكَ الرّمْلَ فَأَعْجَزَهُمْ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ، حَتّى أَتَى قَيْصَرَ مَلِكَ الرّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ. بَعُدَتْ بِلَادُك منّا، ولكن سَأَكْتُبُ لَك إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَإِنّهُ عَلَى هَذَا الدّينِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى بِلَادِك، وَكَتَبَ إليه يأمره بنصره والطلب بثأره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَرْيَاطًا. وَالْعَتْوَدَةُ: الشّدّةُ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ أَرْيَجْدَةُ «1» . قَالَ لَهُ أَبْرَهَةُ:
احْتَكِمْ عَلَيّ، قَالَ: أَحْتَكِمُ: أَنْ لَا تَزِفّ امْرَأَةً إلَى بَعْلِهَا، حَتّى أَكُونَ أَنَا الّذِي أَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ، وَغَبَرَ الْعَبْدُ زَمَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمّا اشْتَدّ الْغَيْظُ بِأَهْلِ الْيَمَنِ، قَتَلُوا عَتْوَدة غِيلَةً، فَقَالَ لَهُمْ الْمَلِكُ: قَدْ أَنّى لَكُمْ يَأْهَلَ الْيَمَنِ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلَ الْأَحْرَارِ، وَأَنْ تَغْضَبُوا لَحَرَمَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْت أَنّ هَذَا الْعَبْدَ يَسْأَلُنِي هَذَا الّذِي سَأَلَ مَا حَكّمْته، وَلَكِنْ وَاَللهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِيهِ دِيَةٌ، ولا تطلبون بذحل «2» ، وَحَيْثُمَا وَقَعَ اسْمُ أرْياط فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، لَمْ يُسَمّهِ بِهَذَا الِاسْمِ، إنّمَا سَمّاهُ رَوْزَنَةً أو نحو هذا.
__________
(1) فى الطبرى أرنجدة، وهو فى رواية هشام بن محمد.
(2) الحقد والثأر وبسكون الحاء فيجمع على ذحول، وبفتحها فيجمع على أذحال.(1/220)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ لَمّا فَعَلَ ذُو نُوَاسٍ بِالْحَبَشَةِ مَا فَعَلَ، ثُمّ ظَفَرُوا بِهِ بَعَثَ عَظِيمُهُمْ «1» إلَى أَبِي مُرّةَ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، فَانْتَزَعَ مِنْهُ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَلْقَمَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ مَعْدِي كَرِب. فَمَلَكَهَا أَبْرَهَةُ. وَأَوْلَدَهَا مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَجّهَ سَيْفٌ إلَى كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْغَوْثَ عَلَى الْحَبَشَةِ، فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ وَأَقَامَ عِنْدَهُ سِنِينَ، ثُمّ مَاتَ وَخَلّفَهُ ابْنه مَعْدِي كَرِب فِي طَلَبِ الثّأْرِ، فَأَدْخَلَ عَلَى كِسْرَى، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَطْلُبُ إرْثَ أَبِيهِ، وَهُوَ وَعْدُ الْمَلِكِ الّذِي وَعَدَ بِهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ كِسْرَى: أَهُوَ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ أَمْ لَا؟ فَأُخْبِرَ أَنّهُ مِنْ بَيْتِ مُلْكٍ فَوَجّهَ مَعَهُ وَهْرَزَ الْفَارِسَ فِي سَبْعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِنْ الْفُرْسِ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فِي ثَمَانِمِائَةِ غَرِقَ مِنْهُمْ مِائَتَانِ، وَسَلِمَ سِتّمِائَةٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصّوَابِ، إذْ يَبْعُدُ مُقَاوَمَةُ الْحَبَشَةِ بِسِتّمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ إلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ- ما جمع. ثم إن معد يكرب ابن سَيْفٍ لَمّا قَتَلَ الْحَبَشَةَ وَمَلَكَ هُوَ وَوَهْرَزَ الْيَمَنَ أَقَامَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ.
ثُمّ قَتَلَتْهُ عَبِيدٌ لَهُ، كَانَ قَدْ اتّخَذَهُمْ مِنْ أُولَئِكَ الْحَبَشَةِ، خَرَجَ بِهِمْ إلَى الصّيْدِ فَزَرَقُوهُ «2» بِحِرَابِهِمْ، ثُمّ هَرَبُوا فَأُتْبِعُوا فَقُتِلُوا. وَتَفَرّقَ أَمْرُ الْيَمَنِ بَعْدَهُ إلَى مَخَالِف عَلَيْهَا مُقَاوِلٌ كَمُلُوكِ الطّوَائِفِ لَا يَدِينُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ إلّا مَا كَانَ مِنْ صَنْعَاءَ، وَكَوْنُ الْأَبْنَاءِ «3» فِيهَا، حتى جاء الإسلام.
__________
(1) ص 136 ح 2 الطبرى. واسم العظيم: أبرهة فهو الذى انتزع امرأة سيف بن ذى يزن الذى كان يكنى بأبى مرة.
(2) طعنوه.
(3) المخالف: جمع مخلاف وهو الكورة- بضم الكاف- المدينة أو الصقع وهو-(1/221)
[ «هزيمة ذى نواس وانتحاره» :]
فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النّجَاشِيّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَرْيَاط- وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ- فَرَكِبَ أَرْيَاط الْبَحْرَ حَتّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانَ وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَلَمّا الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمّا رَأَى ذُو نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِقَوْمِهِ، وَجّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ، ثُمّ ضَرَبَهُ، فَدَخَلَ بِهِ فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ، حَتّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَدَخَلَ أرياط اليمن، فملكها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الْأُخْدُودِ بِبَيْتِ ذِي الرّمّةِ، وَهُوَ: غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةُ بْنِ بُهَيْش بِضَمّ الْبَاءِ وَالشّينِ، وَسُمّيَ ذَا الرّمّةِ بِبَيْتِ قَالَهُ فِي الْوَتَدِ: أَشْعَثَ بَاقِي رُمّةِ التّقْلِيدِ «1» . وَقِيلَ إنّ مَيّةَ سمته بذلك، وكان
__________
- ما يشبه المحافظة فى مصر، وهى مضافة إلى أسماء القبائل التى يسكنونها، وغير ذلك، وقد ورد فى المراصد أسماء أكثر من ثلاثين منها. هذا ويقول محمد بن حبيب فى كتاب أسماء من قتل من الشعراء: «وكل بنى صعصعة إلا عامر بن صعصعة من الأبناء، وهم: واثلة ومازن وسلوى» ص 336 ج 4 خزانة الأدب للبغدادى والأبناء قوم من العجم سكنوا اليمن.
(1) الرمة بضم الراء وتشديد الميم وفتحها وقد تكسر الراء: قطعة من الحبل بالية. وقد ورد قوله فى اللسان، وفى القاموس: «بهيش كزبير جد ذى الرمة، وفى سمط اللآلى «نهيس، وفى الأغانى نهيس انظر ص 82 سمط اللآلى وفى السمط تبدأ الأبيات بقوله:
لم يبق غير مثل ركود ... وغير مرضوح القفا موتود
وقوله فى اللسان هكذا: -(1/222)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَدْ قَالَ لَهَا: اُصْلُحِي لِي هَذَا الدّلْوَ، فَقَالَتْ لَهُ: إنّي خَرْقَاءُ، فَوَلّى وَهِيَ عَلَى عُنُقِهِ بِرُمّتِهَا، فَنَادَتْهُ: يَا ذَا الرّمّةِ إنْ كُنْت خَرْقَاءَ فَإِنّ لِي أُمّةٌ صُنّاعًا؛ فَلِذَلِكَ سَمّاهَا بِخَرْقَاءَ «1» ، كَمَا سَمّتْهُ بِذِي الرّمّةِ.
فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: فَخَاضَ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ إلَى غِمْرِهِ. الضّحْضَاحُ من الماء: الذى يظهر منه الْقَعْرُ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ الضّحّ وَهُوَ حَرّ الشّمْسِ، كَأَنّ الشّمْسَ تُدَاخِلُهُ لِقِلّتِهِ، فَقُلِبَتْ فِيهِ إحْدَى الْحَاءَيْنِ ضَادًا، كَمَا قَالُوا فِي ثَرّةٍ ثر ثارة، وفى تملّل تململ «2»
__________
-
لم يبق منها أبد الأبيد ... غير ثلاث ما ثلاث سود
وغير مشجوج القفا مولود ... فيه بقايا رمة التقليد
يعنى ما بقى فى رأس الوتد من رمة الطنب المعقود فيه. والشطرة الأولى تروى هكذا «وغير موضوح القفا موتود» ومية حبيبته هى بنت مقاتل بن طلبة ابن قيس، أو بنت عاصم بن طلبة بن قيس «الوفيات السمط» .
(1) فى القاموس: «خرقاء: امرأة سوداء كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى عنها، وامرأة من بنى البكاء شبب بها ذو الرمة» والخرقاء. الحمقاء، ومن لا تحسن الصنعة والعمل والتصرف فى الأمور. والصناع: الحاذقة الماهرة، ويقول ابن قتيبة عن الخرقاء إنها التى لا تعمل شيئا بيدها لكرامتها على أهلها، وقيل فى سبب تلقيبه بذى الرمة أنه كان يتفزع، وهو غلام، فجاءته أمه بمن كتب له كتابا، وعلقته عليه برمة من حبل، ويزعم المرتضى فى أماليه أنه كان من أهل العدل، أى: المعتزلة انظر ص 74 ج 1 خزانة الأدب للبغدادى ص 14 ج 1 أمالى المرتضى طبع السعادة.
(2) ثر السائل ثرا وثرورا: غزر وكثر، وثر الرجل: كثر كلامه وتشدق، فهو ثار وثر. والثرثار: الذى يكثر الكلام فى تكلف وخروج عن الجد. مللت منه مللا من باب تعب وملالة: سئمت وضجرت وتململ: تقلب من الضجر.(1/223)
[ «ما قيل من شعر فى دوس» :]
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ إلَيْهِمْ دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ
«لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ رَحْلِهِ»
فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَالَ ذُو جَدَن الْحِمْيَرِيّ:
هَوْنكِ لَيْسَ يَرُدّ الدّمْعُ مَا فَاتَا ... لَا تَهْلِكِي أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا
أَبَعْدَ بَيْنَونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سلحين يبنى النّاس أبياتا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيّينَ مِنْ النّحْوِيّينَ، وَلَسْت أَعْرِفُ أَصْلًا يَدْفَعُهُ، وَلَا دَلِيلًا يَرُدّهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الرّقْرَاقُ وَالضّهْلُ «1» ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، كَقَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النّارِ، وَلَوْلَا مَكَانِي لَكَانَ فِي الطّمْطَامِ» وَفِي الْبُخَارِيّ: وَجَدْته فِي غَمْرَةٍ مِنْ النّارِ، فَأَخْرَجْته إلَى الضّحْضَاحِ، وَالْغَمْرُ هُوَ الطّمْطَامُ، وَأَمّا قَوْلُ ذِي جَدَنٍ:
هونك لن يَرُدّ الدّمْعَ مَا فَاتَا
وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْقَسِيمُ نَاقِصًا قَالَهُ الْبَرْقِيّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ: هو نكما لن يَرُدّ. قَالَ. وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلْوَاحِدِ:
افْعَلَا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ.
__________
(1) الضهل أو الضحل: الماء القليل واللبن المجتمع، والضحضاح: الماء اليسير، والطمطام: وسط البحر. أقول: ولن يستطيع الإنس والجن والملائكة إخراج واحد من النار إلا بأمر الله فيجب علينا أن يكون إيماننا بهذه الحقيقة منارا لنا ونحن نقرأ حديث البخارى(1/224)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ:
أَبَعْدَ بَيْنَونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سَلْحِينَ يَبْنِي النّاسُ أَبْيَاتًا «1»
فَبَيْنُونُ وَسَلْحِينُ مَدِينَتَانِ خَرّبَهُمَا أَرْيَاطٌ كَمَا ذَكَرَ. قَالَ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ «مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ» : سُمّيَتْ بَيْنُونَ لِأَنّهَا كَانَتْ بَيْنَ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ، فَهِيَ إذًا عَلَى قَوْلِهِ: فَعْلُونَ مِنْ الْبَيْنِ، وَالْيَاءُ أَصْلِيّةٌ، وَقِيَاسُ النّحْوِيّينَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنّ الْإِعْرَابَ إذَا كَانَ فِي النّونِ لَزِمَتْ الِاسْمَ الْيَاءُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، كَقِنّسْرِينَ «2» وَفِلَسْطِينَ أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ: وَبَعْدَ سَلْحِينَ، فَكَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ، أَنْ يَقُولَ عَلَى هَذَا: أَبَعْدَ بَيْنِينَ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْعَرَبِ بِالْوَاوِ فِي الرّفْعِ، وَبِالْيَاءِ فِي الْخَفْضِ، وَالنّصْبِ.
يَقُولُ أَيْضًا: أَبَعْدَ بَيْنِينَ، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فيه مذهب ثالث «3» فثبت أنه ليس
__________
(1) ينسب هذا البيت والذى قبله إلى علقمة بن شراحيل مع اختلاف يسير فى أول شطرة. ففى اللسان «هو نكما، لا تهلكا» وفى غيره «يا خلتى ما يرد الخ» وفى البلدان للهمدانى «وبعد سلحين يبنى الناس بنيانا» وفى معجم البكرى تحت مادتها أن بينون سميت باسم بينون بن ميناف بن شرحبيل ابن نيكف بن عبد شمس، وذكر أنها على وزن فعلول.
(2) قنسرين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة، وحين غلب الروم سنة 351 خاف أهل قنسرين، وجلوا عنها، فلم يبق منها سوى خان تنزله القوافل «مراصد» .
(3) فى اللسان عن سيلحون: منهم من يجعل الإعراب فى النون ومنهم من يجريها مجرى مسلمين، والعامة تقول: سالحون. الليث: سيلحين: موضع: يقال: هذه سيلحون، وهذه سيلحين «بضم النون» .. وأكثر ما يقال هذه سيلحون مفتوحة النون» كجمع المذكر السالم فى الإعراب» ورأيت-(1/225)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ الْبَيْنِ، إنّمَا هُوَ فَيْعُولٌ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مِنْ أَبَنّ بِالْمَكَانِ، وَبَنّ إذَا أَقَامَ فِيهِ، لَكِنّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلتّعْرِيفِ وَالتّأْنِيثِ، غَيْرَ أَنّ أَبَا سَعِيدٍ السّيْرَافِيّ ذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا لِلْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ الِاسْمِ بِالْجَمْعِ الْمُسْلِمِ، فَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَابُ فِي النّونِ، وَتَثْبُتُ الْوَاوُ، وَقَالَ فِي زَيْتُونٍ: إنّهُ فَعْلُونٌ مِنْ الزّيْتِ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنّيّ أَنْ يَكُونَ الزّيْتُونُ فَيْعُولًا مِنْ الزّيْتِ، وَلَكِنْ مِنْ قَوْلِهِمْ زَتَنَ الْمَكَانُ إذَا أَنْبَتَ الزّيْتُونُ، فَإِنْ صَحّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الْعَرَبِ، وَإِلّا فَالظّاهِرُ أَنّهُ مِنْ الزّيْتِ، وَأَنّهُ فَعْلُونٌ، وَقَدْ كَثُرَ هَذَا فِي كَلَامِ النّاسِ غَيْرَ أَنّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقُدَمَاءِ، فَفِي الْمَعْرُوفِينَ مِنْ أَسْمَاءِ النّاسِ: سُحْنُونٌ وَعَبْدُونٌ قَالَ الشّاعِرُ- وَهُوَ ابْنُ الْمُعْتَزّ:
سَقَى الْجَزِيرَةَ ذَاتَ الظّلّ وَالشّجَرِ ... وَدَيْرَ عَبْدُونَ هَطّالٌ مِنْ الْمَطَرِ
وَدَيْرُ عَبْدُونَ مَعْرُوفٌ بِالشّامِ، وَكَذَلِك دَيْرُ فَيْنُونَ غَيْرَ أَنّ فَيْنُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَيْعُولًا، فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَمَا قُلْنَا فِي بَيْنُونَ «1» ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
__________
- سيلحين، وكذلك: هذه قنسرون، ورأيت قنسرين» ويزعم الهمدانى أن الذى بنى سلحين هم جن سليمان، وورد فى النصوص القديمة أنه حصن ومقام لملوك مأرب، ويقال إن موضعه هو حرم بلقيس انظر ص 148 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام.
(1) فى اللسان فى مادة زتن عن الزيتون «وهو مثل: قيعون من القاع، كذلك الزيتون: شجر الزيت وهو الدهن، وأرض كثيرة الزيتون على هذا فيعول مادة على حيالها، والأكثر فعلون من الزيت. ودير عبدون كما فى معجم البكرى- بالعراق بظاهر المطيرة فى ثمر وبساتين، وفى المراصد أنه ينسب إلى عبدون أخى صاعد بن مخلد؛ لأنه كان كثير الإلمام به، ودير عبدون أيضا قرب جزيرة ابن عمر-(1/226)
بَيْنُون وَسِلْحِين وَغُمْدَان: مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الّتِي هَدَمَهَا أَرْيَاط، وَلَمْ يَكُنْ فِي النّاسِ مِثْلُهَا. وقال ذو جدن أيضا:
دعينى- لا أبالك- لن تطيقى ... لِحَاكِ اللهُ! قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي
لَدَيّ عَزْفُ الْقِيَانِ إذْ انْتَشَيْنَا ... وَإِذْ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ الرّحِيق
وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيّ عَارًا ... إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا رَفِيقِي
فَإِنّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ... وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ
وَلَا مُتَرَهّبٍ فِي أُسطوان ... يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ
وغُمْدان الّذِي حُدّثْتِ عَنْهُ ... بَنَوْهُ مُسَمّكا فِي رَأْسِ نِيق
بِمَنْهَمَةِ، وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ ... وَحُرّ الْمَوْحَلِ اللّثَق الزّلِيق
مَصَابِيحُ السّلِيطِ تَلُوحُ فِيهِ ... إذَا يُمْسِي كَتَوْماض الْبُرُوقِ
وَنَخْلَتُهُ الّتِي غُرِسَتْ إليه ... يكاد البسر يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ
فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدّتِهِ رَمَادًا ... وَغَيّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ الْحَرِيقِ
وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا ... وحذّر قومه ضنك المضيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا حَلَزُونٌ- وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ بِالْعُشْبِ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الرّمَثِ- فَلَيْسَ مِنْ بَابِ فلسطين وقنّسر بن، وَلَكِنّ النّونَ فِيهِ أَصْلِيّةٌ، كَزَرَجُونَ «1» ، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي بَابِ فَعْلُونٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ صاحب كتاب
__________
- وبينهما دجلة، ودير فنيون هو: فشيون فى معجم البكرى والمراصد ومعجم ياقوت. وفى المسالك للعمرى: فاثيون، وهو بسر من رأى. وكم كان لهذه الأديار من خطر على خلق المسلمين ودينهم.
(1) الرمث: مرعى للابل من الحمض «فتح فسكون» والزّرجون: الخمر.(1/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَيْنِ أَدْخَلَهُ فِي بَابِ الرّبَاعِيّ، فَدَلّ عَلَى أَنّ النّونَ عِنْدَهُ فِيهِ أَصْلِيّةٌ وَأَنّهُ فَعَلُولٌ بِلَامَيْنِ.
وَقَوْلُ ذِي جَدَنٍ: وَبَعْدَ سَلْحِينَ يُقْطَعُ عَلَى أَنّ بَيْنُونَ: فَيْعُولٌ عَلَى كُلّ حَالٍ؛ لِأَنّ الّذِي ذَكَرَهُ السّيْرَافِيّ مِنْ الْمَذْهَبِ الثّالِثِ إنْ صَحّ، فَإِنّمَا هِيَ لُغَةٌ أُخْرَى غَيْرُ لُغَةِ ذِي جَدَنٍ «1» الْحِمْيَرِيّ، إذْ لَوْ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ، لَقَالَ: سَلْحُونٌ، وَأَعْرَبَ النّونَ مَعَ بَقَاءِ الْوَاوِ، فَلَمّا لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنّ الْمُعْتَقَدَ عِنْدَهُمْ فِي بَيْنُونَ: زِيَادَةُ الْيَاءِ، وَأَنّ النّونَيْنِ أَصْلِيّتَانِ كَمَا تَقَدّمَ. وَقَوْلُهُ:
دَعِينِي- لَا أبالك- لَنْ تُطِيقِي
أَيْ: لَنْ تُطِيقِي صَرْفِي بِالْعَذْلِ عَنْ شَأْنِي، وَحَذَفَ النّونَ مِنْ تُطِيقِينَ لِلنّصْبِ أَوْ لِلْجَزْمِ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَزَمَ بِلَنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ لُغَتِهِ، وَالْيَاءُ الّتِي بَعْدَ الْقَافِ: اسْمٌ مُضْمَرٌ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَحَرْفُ عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ فِي قَوْلِ الْأَخْفَشِ، وَلِلْحُجّةِ لَهُمَا، وَعَلَيْهِمَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَقَوْلُهُ:
قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي
أَيْ: أَكْثَرْت عَلَيّ مِنْ الْعَذْلِ حَتّى أَيْبَسْتِ رِيقِي فِي فَمِي، وَقِلّةُ الرّيقِ مِنْ الْحَصَرِ، وَكَثْرَتُهُ مِنْ قُوّةِ النّفْسِ، وَثَبَاتِ الْجَأْشِ قَالَ الرّاجِزُ:
إنّي إذَا زَبّبَتْ الْأَشْدَاقُ ... وكثر اللّجاج واللّقلاق
__________
(1) لقب بهذا لحسن صوته، والجدن: الصوت بلغتهم، ويقال: إنه أول من تغنى باليمن، واسم سيفه: ذو الكف.(1/228)
وَقَالَ ابْنُ الذّئْبَةِ الثّقَفِيّ فِي ذَلِكَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الذّئْبَةُ أُمّهُ، وَاسْمُهُ:
رَبِيعَةُ بْنُ عبد يا ليل بْنِ سَالِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جشم بن قسىّ.
لَعَمْرك مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرّ ... مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ والكِبَرْ
لَعُمْرك مَا لِلْفَتَى صُحْرَة ... لَعُمْرك مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ
أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ... أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ الْعَبَرْ
بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرّابة ... كَمِثْلِ السّمَاءِ قُبَيْلَ الْمَطَرْ
يُصِمّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ ... وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِالذّفَرْ
سَعَالِيَ مِثْلُ عَدِيدِ التّرَا ... بِ تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثَبْتُ الْجَنَانِ مِرْجَمٌ وَدّاقُ»
زَبّبَتْ الْأَشْدَاقُ: مِنْ الزّبِيبَتَيْنِ «2» ، وَهُوَ مَا يَنْعَقِدُ مِنْ الرّيقِ فِي جَانِبَيْ الْفَمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَدّاقُ: أى يسيل كالودق «3» . يريد: سيلان
__________
(1) فى اللسان: إنى إذا ما زبب الأشداق، وكثر الضّجاج واللقلاق الخ ثم يشرحه اللسان «أى دان من العدو. ودق «بفتح الدال» أى دنا والتزبب: التزيد فى الكلام» ومرجم: كمنبر: شديد كأنه يرجم عدوه. واللقلاق: شدة الصوت واضطرابه، واللجاجة: الخصومة.
(2) فى اللسان: «الزبيب: اجتماع الريق فى الصماغين، والزبيبتان: زبدتان فى شدقى الإنسان إذا أكثر الكلام، وقد زبب شدقاه: اجتمع الريق فى صامغيهما، واسم ذلك الريق: الزبيبتان، وزبب فم الرجل: إذا رأيت له زبيبتين فى جنبى فيه عند ملتقى شفتيه مما يلى اللسان يعنى ريقا يابسا»
(3) المطر.(1/229)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرّيقِ، وَكَثْرَةَ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ أَبُو الْمُخَشّ فِي ابْنِهِ: كَانَ أَشْدَقَ خُرْطُمَانِيّا «1» إذَا تَكَلّمَ سَالَ لُعَابُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ.
أَيْ: لَوْ شَرِبَ كُلّ دَوَاءٍ يُسْتَشْفَى بِهِ، وَتَنَشّقَ كُلّ نَشُوقٍ يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ لِلتّدَاوِي بِهِ، مَا نَهَى ذَلِكَ الْمَوْتُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا مُتَرَهّبٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ عَطْفًا عَلَى نَاهٍ، أَيْ: لَا يَرُدّ الْمَوْتَ نَاهٍ، وَلَا مُتَرَهّبٌ. أَيْ: دُعَاءُ مُتَرَهّبٍ يَدْعُو لَك، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَهّبٌ رَفْعًا عَلَى مَعْنَى: وَلَا يَنْجُو مِنْهُ مُتَرَهّبٌ. كَمَا قَالَ: تَاللهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيّامِ ذُو حِيَدٍ «2» . الْبَيْتُ. وَالْأُسْطُوَانُ: أُفْعُوَالٌ. النّونُ أَصْلِيّةٌ، لِأَنّ جَمْعَهُ أَسَاطِينُ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَفَاعِينُ. وَقَوْلُهُ:
يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ
جُدْرُهُ: جَمْعُ جِدَارٍ، وَهُوَ مُخَفّفٌ مِنْ جُدُورٍ، وَفِي التّنْزِيلِ (أَوْ مِنْ وَرَاءِ جدر) تُقَيّدُ بِضَمّ الْجِيمِ، وَالْجَدْرُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْحَائِطُ، وَلَكِنّ الرّوَايَةَ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَنُوقُ: الْأُنْثَى مِنْ الرّخَمِ «3» ! يُقَالُ فِي المثل: أعزّ من بيض
__________
(1) أشدق: بليغ، والخرطمانى: الكبير الأنف. ملحوظة: لا كدوس ولا كأعلاق رحله. الأعلاق: جمع علق «بكسر العين» : النفيس من الشئ والجراب، ويفتح أيضا. يعنى: أنه لا يوجد كدوس ولا مثل ما حمله من الخير الوفير إلى الحبشة.
(2) بقيته: بمشمخرّ به الظّيّان والآس. وهو لمالك بن خالد الخناعى
(3) الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، له منقار طويل قليل التقوس، رمادى اللون إلى الحمرة، وأكثر من نصفه مغطى بجلد رقيق.(1/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَنُوقِ، إذَا أَرَادَ مَا لَا يُوجَدُ؛ لِأَنّهَا تَبْيَضّ حَيْثُ لَا يُدْرَكُ بِيضُهَا مِنْ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ. هَذَا قَوْلُ الْمُبَرّدِ فِي الْكَامِلِ، وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ:
الْأَنُوقُ: الذّكَرُ مِنْ الرّخَمِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنّ الذّكَرَ لَا يَبْيَضّ، فَمَنْ أَرَادَ بَيْضَ الْأَنُوقِ، فَقَدْ أَرَادَ الْمُحَالَ، كَمَنْ أَرَادَ: الْأَبْلَقَ الْعَقُوقَ «1» وَقَدْ قَالَ الْقَالِي فِي الْأَمَالِي: الْأَنُوقُ يَقَعُ عَلَى الذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الرّخَمِ.
وَقَوْلُهُ: وَغُمْدَانُ الّذِي حُدّثْت عَنْهُ: هُوَ الْحِصْنُ الّذِي كَانَ لِهَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ مَلِكِ الْيَمَامَةَ، وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ. وَمُسَمّكًا: مُرَفّعًا مِنْ قَوْلِهِ: سَمَكَ السّمَاءَ، وَالنّيقُ: أَعْلَى الْجَبَلِ. وَقَوْلُهُ: بِمَنْهَمَةِ هُوَ مَوْضِعُ الرّهْبَانِ. وَالرّاهِبُ يُقَالُ لَهُ: النّهَامِيّ وَيُقَالُ لِلنّجّارِ أَيْضًا: نِهَامِيّ، فَتَكُونُ الْمَنْهَمَةُ أَيْضًا عَلَى هَذَا مَوْضِعَ نَجْرٍ «2» .
وَقَوْلُهُ: وَأَسْفَلَهُ جُرُونٌ. جَمْعُ جُرْنٍ، وهو النّقير «3» من جرن الثوب: إذا
__________
(1) هو مثل لما لا يمكن أن يكون، لأن الأبلق من ذكور الخيل، أو الفحل الذى جاءت أولاده بلقا. العقوق من البهائم: الحامل. والأبلق طبعا لا يحمل: لأن أبلق من صفات الذكور، ولهذا تقول كلفتنى بيض الأنوق، والأبلق العقوق. انظر اللسان. مادة: أنق وبلق وعق، والأمالى للقالى ج 1 ص 128 ط 2 والسمط ص 370
(2) فى القاموس: «النهام والنهامى منسوبا مثلثين: الحداد والنجار، والمنهمة: موضع النجر، والنهامى بالكسر: صاحب الدير وتضم، وفى اللسان: النهامى بكسر النون وفتحها: الحداد والنجار والراهب
(3) فى القاموس «الجرن بالضم: حجر منقور يتوضأ منه»(1/231)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَانَ [وَانْسَحَقَ] . وَرِوَايَةُ أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ: جُرُوبٌ بِالْبَاءِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ بِالْبَاءِ أَيْضًا. وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الْوَقْشِيّ: الْجُرُوبُ: حِجَارَةٌ سُودٌ. كَذَا نَقَلَ أَبُو بَحْرٍ عَنْهُ فِي نُسْخَةِ كِتَابِهِ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فِي اللّغَةِ وَإِلّا فَالْجُرُوبُ: جَمْعُ جَرِيبٍ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ جَرِيبٍ، فَقَدْ يُجْمَعُ الِاسْمُ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، كَمَا جَمَعُوا صَاحِبًا عَلَى أَصْحَابٍ. وَقَالُوا: طَوِيّ وَأَطْوَاءٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْجَرِيبُ وَالْجِرْبَةُ: الْمَزْرَعَةُ «1» .
وَقَوْلُهُ: وَحُرّ الْمَوْحَلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنّهُ مِنْ وَحِلَ يَوْحَلُ.
وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ مِنْهُ وَحَلَ عَلَى مِثْلِ وَعَدَ «2» ، لَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْمَوْحِلِ الْكَسْرُ لَا غَيْرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ فِيهِ اللّغَتَيْنِ: الْكَسْرَ وَالْفَتْحَ، وَالْأَصْلُ مَا قَدّمْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: وحر بضم الحاء، وهو خالص كل شئ، وَفِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ عَنْ الْوَقْشِيّ: وَحَرّ الموجل بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْجِيمُ مِنْ الْمَوْجَلِ مَفْتُوحَةٌ، وَفَسّرَ الْمَوْجَلَ، فَقَالَ: حِجَارَةٌ مُلْسٌ لَيّنَةٌ، وَاَلّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنّ الْمَوْجَلَ هَهُنَا وَاحِدُ الْمَوَاجِلِ، وَهِيَ مَنَاهِلُ الْمَاءِ، وَفُتِحَتْ الْجِيمُ، لِأَنّ الْأَصْلَ: مَأْجَلٌ «3» كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ الْمَآجِلُ، وَوَاحِدُهَا: مأجل. وفى آثار المدوّنة سئل مالك
__________
(1) الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، جمعه: أجربة وجربان ومعناه أيضا: والوادى، والطوى: البئر.
(2) يعنى مكسور العين محذوف الفاء فى المضارع وفى وجل لغات: يوجل وياجل وييجل وكلها بفتح الجيم، وفى الأخيرة بكسر الياء معها
(3) فى القاموس: موجل على مثال موعد: حفرة يستنقع فيها الماء وفى مادة أجل: «وكمقعد ومعظّم مستنقع الماء» وفى اللسان «والموحل بالفتح المصدر-(1/232)
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبٍ الزّبَيْدِيّ فِي شئ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُح الْمُرَادِيّ، فَبَلَغَهُ أَنّهُ يَتَوَعّدُهُ، فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزّهَا، وَمَا زَالَ مِنْ مُلْكِهَا عَنْهَا:
أَتُوعِدُنِي كَأَنّكَ ذو رعين ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ، أَوْ ذُو نُوَاسِ
وكائنْ كَانَ قَبْلَك مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النّاسِ رَاسِي
قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِي
فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا، وَأَمْسَى ... يحوّل من أناس فى أناس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ مَوَاجِلِ بُرْقَةَ، يَعْنِي: الْمَنَاهِلَ، فَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ فِي الْكَلِمَةِ أَصْلًا لَقِيلَ فِي الْوَاحِدِ: مَوْجِلٌ مِثْلُ مَوْضِعٍ، إلّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَجَلِ، فَيَكُونُ الْمَاضِي مِنْ الْفِعْلِ مَكْسُورَ الْجِيمِ وَالْمُسْتَقْبَلُ مَفْتُوحًا، فَيُفْتَحُ الْمَوْجَلُ حِينَئِذٍ، وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ «1»
__________
- وبالكسر: المكان، وفى باب أجل «والمأجل- بفتح الجيم- مستنقع الماء والجمع: المآجل» والمأجل- بفتح الجيم أيضا- شبه حوض واسع يؤجل، أى يجمع فيه الماء إذا كان قليلا، ثم يفجر إلى المشارات. والمزرعة والآبار وهو بالفارسية طرحه»
(1) يعنى وجل بمعنى: خاف، فهو مكسور الجيم فى الماضى مفتوحها فى المضارع. وفى باب وجل يقول اللسان: «والموجل- بكسر الجيم: حفرة يستنقع فيها الماء» وقال إنها يمانية وفى شرح الشافعية يذكر رواية سيبويه عن يونس «إن ناسا من العرب يقولون من يوجل- بفتح الجيم- ونحوه: موجل وموحل بالفتح مصدرا كان أو غيره. قال سيبويه: إنما قال الأكثرون موجل بالكسر؛ لأنهم ربما غيروه فى يوجل ويوحل بفتح الجيم والحاء، فقالوا: ييجل وياجل، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يوعد بكسر العين المعل بالحذف، فكما قالوا هناك: موعد قالوا ههنا: موجل- بكسر الجيم- ومن قال: الموجل بالفتح، فكأنهم الذين يقولون يوجل فيسلونه. والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها فى الإعلال، وإنما قالوا: مودة بالفتح اتفاقا لسلامة الواو فى الفعل اتفاقا» ص 170 ح 1(1/233)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: اللّثِقُ الزّلِيقُ. اللّثِقُ: مِنْ اللّثَقِ، وَهُوَ أَنْ يُخْلَطَ الْمَاءُ بِالتّرَابِ فَيَكْثُرُ مِنْهُ الزّلَقُ، قَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: غَابَ الشّفَقُ، وَطَالَ الْأَرَقُ، وَكَثُرَ اللّثَقُ، فَلِيَنْطِقْ مَنْ نَطَقَ. وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ: اللّبِقُ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ، وَذَكَرَ أَنّهُ هَكَذَا وُجِدَ فِي أَصْلِ ابْنِ هِشَامٍ، وَلَا مَعْنَى لِلّبِقِ هَهُنَا، وَأَظُنّهُ تَصْحِيفًا من الرواى- وَاَللهُ أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ فِي الشّعْرِ:
يَكَادُ الْبُسْرُ يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ.
أَيْ: تَمِيلُ بِهَا، وَهُوَ جَمْعُ عِذْقٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهِيَ الْكِبَاسَةُ أَوْ جَمْعُ عَذْقٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهِيَ النّخْلَةُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي وَصْفِهَا بِالْإِيقَارِ «1» أَنْ يَكُونَ جَمْعُ عَذْقٍ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا. أَيْ: خَاضِعًا ذَلِيلًا، وَفِي التّنْزِيلِ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: 76] ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ السّكُونِ، وَيَكُونُ الْأَصْلُ: اسْتَكَنّ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ، وَمَكّنُوا الْفَتْحَةَ، فَصَارَتْ أَلِفًا كَمَا قَالَ الشّاعِرُ:
وَإِنّنِي حَيْثُمَا يَثْنِي الْهَوَى بَصَرِي ... مِنْ حَيْثُ مَا سَلَكُوا أَدْنَوْ فَأَنْظُورُ «2»
__________
(1) لأن العذق بفتح العين هى النخلة بحملها
(2) هو من بيتين أنشدهما الفراء، وهما:
الله يعلم أنا فى تلفتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور
وأننى حوثما يثنى الهوى بصرى ... من حوثما سلكوا أدنو، فأنظور
الصور: جمع أصور: المائل من الشوق. والشاهد هنا: تولد الواو من إشباع ضمة الظاء وحوثما: حيثما.(1/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ آخَرُ: يَا لَيْتَهَا جَرَتْ عَلَى الْكَلْكَالِ. أَرَادَ الْكَلْكَلَ «1» . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ اسْتَفْعَلَ مِنْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ: اسْتَقَامَ مِنْ قَامَ يَقُومُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ جَيّدٌ فِي التّصْرِيفِ، مُسْتَقِيمٌ فِي الْقِيَاسِ، لَكِنّهُ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى عَنْ بَابِ الْخُضُوعِ وَالذّلّةِ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى، لَكِنّهُ بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ التّصْرِيفِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلٌ عَلَى وَزْنِ افْتِعَالٍ بِأَلِفِ، وَلَكِنْ وَجَدْت لِغَيْرِ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ قَوْلًا ثَالِثًا: إنّهُ اسْتَفْعَلَ مِنْ الْكَيْنِ وَكَيْنُ الْإِنْسَانِ:
عَجُزُهُ وَمُؤَخّرُهُ، وَكَأَنّ الْمُسْتَكِينَ قَدْ حَنَا ذَلِكَ مِنْهُ، كَمَا يقال: صلّى، أى.
حناصلاه، وَالصّلَا: أَسْفَلُ الظّهْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ جَيّدٌ فِي التّصْرِيفِ، قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ الْخُضُوعِ «2» .
وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الذّئْبَةِ، وَاسْمُهُ، وَهُوَ: رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل، وَقَالَ فِيهِ:
لَعَمْرُك مَا لِلْفَتَى صُحُرَةٌ، وَهُوَ الْمُتّسَعُ، أُخِذَ مِنْ لَفْظِ الصّحْرَاءِ، وَالْوِزْرُ: الْمَلْجَأُ، وَمِنْهُ اُشْتُقّ: الْوَزِيرُ؛ لِأَنّ الْمَلِكَ يَلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ، وَقَدْ قِيلَ مِنْ الْوِزْرِ لِأَنّهُ يَحْمِلُ عَنْ الْمَلِكِ أَثْقَالًا، وَالْوِزْرُ: الثّقْلُ، وَلَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ مِنْ أَزَرَهُ إذَا أَعَانَهُ، لِأَنّ فَاءَ الْفِعْلِ فِي الْوَزِيرِ وَاوٌ، وَفِي الْأُزُرِ الّذِي هُوَ الْعَوْنُ هَمْزَةٌ.
__________
(1) الكلكل والكلكال هما: الصدر، أو ما بين الترقوتين أو باطن الزور، ومن الفرس ما بين محزمه إلى مامس الأرض منه إذا ربض
(2) فى القاموس: كان يكين: خضع، واكتان: حزن. والكينة- بكسر الكاف- الشدة المذلة. والكين: بفتح الكاف وسكون الياء: لحم باطن الفرج أو غدد فيه كأطراف النوى. وأكانه الله إكانة: خضعه وأدخل عليه الذل، فلم لا نحملها على هذا؟ والصلا أيضا: ما عن يمين الذنب وشماله، والفرجة بين الجاعرة (الدبر) والذنب، وهما صلوان، والجمع أصلاء.(1/235)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَاتُ الْعَبَرِ أَيْ: ذَاتُ الْحُزْنِ، يُقَالُ: عَبَرَ الرّجُلُ إذَا حَزِنَ، وَيُقَالُ. لِأُمّهِ الْعُبْرُ «1» ، كَمَا يُقَالُ: لِأُمّهِ الثّكْلُ. وَالْمُقَرّبَاتُ: الْخَيْلُ الْعِتَاقُ الّتِي لَا تَسْرَحُ فِي الْمَرْعَى، وَلَكِنْ تُحْبَسُ قُرْبَ الْبُيُوتِ مُعَدّةً لِلْعَدُوّ. وَقَوْلُهُ: وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بالذّفر. أى: بريحهم وأنفاسهم ينفون من فاتلوا، وَهَذَا إفْرَاطٌ فِي وَصْفِهِمْ بِالْكَثْرَةِ، قَالَ الْبَرْقِيّ: أَرَادَ يَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِذَفَرِ آبَاطِهِمْ، أَيْ بِنَتْنِهَا وَالذّفَرُ بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي قُوّةِ الرّيحِ الطّيّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ- رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَإِنّمَا قَصَدَهُ، لِأَنّ السّودَانَ أَنْتَنُ النّاسِ آبَاطًا وَأَعْرَاقًا.
وَقَوْلُهُ: سَعَالِيَ: شبهم بِالسّعَالِيِ مِنْ الْجِنّ جَمْعُ سِعْلَاةٍ [أَوْ سِعْلَاءٍ] .
وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ السّاحِرَةُ مِنْ الْجِنّ، وَقَوْلُهُ: كمثل السماء أى: كمثل السحاب لا سوداد السّحَابِ، وَظُلْمَتِهِ قُبَيْلَ الْمَطَرِ.
فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَمَعْدِي كَرِبَ بِالْحِمْيَرِيّةِ: وَجْهُ الْفَلّاحِ. الْمَعْدِي هُوَ: الْوَجْهُ بِلُغَتِهِمْ، وَالْكَرِبُ هُوَ: الْفَلّاحُ، وَقَدْ تَقَدّمَ أَبُو كَرِبَ، فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: أَبُو الْفَلّاحِ. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَكَذَلِكَ تَقَدّمَ كَلْكِي كَرِبَ، وَلَا أَدْرِي مَا كَلْكِي.
وَقَوْلُهُ: قَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ، إنّمَا هُوَ حَلِيفٌ لِمُرَادِ، وَاسْمُ مُرَادٍ:
يُحَابِرُ بْنُ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ «2» بْنِ مَذْحِجَ، وَنَسَبُهُ فِي بَجِيلَةَ، ثُمّ فِي بَنِي أَحْمَسَ
__________
(1) بضم العين وسكون الباء أو بفتحهما.
(2) فى الاشتقاق لابن دريد: يحابر جمع: يحبورة- بفتح أوله وهو ضرب من الطير، وسمى مرادا لأنه أول من تمرد باليمن، وضبطت يحابر بالضم من القاموس وجمهرة ابن حزم.(1/236)
[ «نسب زبيد» :]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِج، وَيُقَالُ: زُبَيْدُ بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة، وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنِ صَعْبٍ. وَمُرَادُ: يُحَابِر بْنُ مذحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَبُوهُ مَكْشُوحٌ اسْمُهُ: هُبَيْرَةُ بْنُ هِلَالٍ، وَيُقَالُ: عَبْدُ يَغُوثَ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ، وَأَنْمَارٌ: هُوَ وَالِدُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ، وَسُمّيَ أَبُوهُ مَكْشُوحًا، لِأَنّهُ ضُرِبَ بِسَيْفِ عَلَى كَشْحِهِ «1» ، وَيُكَنّى قَيْسَ: أَبَا شَدّادٍ، وَهُوَ قَاتِلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ الْكَذّابِ «2»
__________
(1) الكشح: بفتح الكاف وسكون الشين ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وفى فتوح البلدان للبلاذرى ص 112 أنه سمى المكشوح، لأنه كوى على كشحه من داء كان به.
(2) رجل ادعى النبوة على عهد رسول الله، وغلب على ما بين صيهد مفازة حضرموت إلى عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن، وطابقت عليه اليمن، وجعل أمره يستطير استطارة الحريق، وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن الإسلام وكان خليفته فى مذحج عمرو بن معدى يكرب، وكان من عمال الرسول على اليمن: شهر بن باذام، وعامر بن شهر الهمدانى. فقتله الأسود، وتزوج امر أنه، وهى بنت عم فيروز، وبقى عامر يناضله، وكان أمر قوات الأسود إلى رجلين يسميان: فيروز وداذويه، فلما اشتد أمره وأثخن فى الأرض استخف بآمر جنده: قيس بن عبد يغوث وفيروز وداذويه. ويقال إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أذن لعماله الباقين فى اليمن بالخلاص من الأسود بكتاب بعث به مع وبر بن يحنّس. واستطاع هؤلاء استمالة آمر جند الأسود: قيس بن عبد يغوث، ثم فيروز وداذويه واستطاع جشيش أو جشنس الديلمى استمالة زوج الأسود إليه. قال لها: يا بنة عم، قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك، قتل زوجك، وطأطأ فى قومك القتل «أى أسرع فيهم بالقتل» وسفل بمن بقى منهم، وفضح النساء، فهل عندك من ممالأة-(1/237)
[ «عود إلى شعر عمرو بن معدى كرب» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى سلمان بن ربيعة الباهلى، وباهلة ابن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. وهو إرمينية يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ، فَمَرّ بِهِ فَرَسُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ، فَرَسك هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ عَمْرٌو، وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ فَتَوَعّدَهُ، فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هُوَ وَذَادَوَيْهِ وَفَيْرُوزُ، وَكَانَ قَيْسٌ بَطَلًا بَئِيسًا قُتِلَ مَعَ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ صَفّينَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَوَاقِفُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا عَنْ بُهْمَةٍ «1» مِنْ الْبُهْمِ، وَكَذَلِكَ لَهُ فِي حُرُوبِ الشّامِ مَعَ الرّومِ وَقَائِعُ وَمَوَاقِفُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ خالد بن الوليد.
__________
- عليه، فقالت: على أى أمره؟ فقال: إخراجه. قالت: أو قتله، فقال: أو قتله قالت: نعم، والله ما خلق الله شخصا أبغض إلى منه. ما يقوم لله على حق، ولا ينتهى له عن حرمة. وقد استطاعت أن تدلهم على مكان فى القصر أحدثوا فيه نقبا فى المساء، وانضم إلى هؤلاء قيس بن مكشوح المرادى- فى بعض الروايات، واستطاع هؤلاء قتله تعينهم زوجته. ويقال إن أول أمره إلى آخره كان ثلاثة أشهر، وقيل: أربعة أشهر. وقيل إن أبا بكر أمضى جيش أسامة فى أول عهده بالخلافة فى آخر ربيع الأول، وكان مقتل العنسى فى آخر ربيع الأول بعد مخرج أسامة، وفى هذا خلاف؛ فقد قيل مثلا إنه قتل قبل وفاة النبى بخمسة أيام.
(1) البهمة: الشجاع الذى لا يهتدى من أين يؤتى والبئيس: الشجاع(1/238)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَنّى: أَبَا ثَوْرٍ تُضْرَبُ الْأَمْثَالُ بِفُرُوسِيّتِهِ وَبَسَالَتِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشّاعِرُ حِينَ مَاتَ:
فَقُلْ لِزُبَيْدِ بَلْ لِمَذْحِجَ كُلّهَا ... رُزِيتُمْ أَبَا ثَوْرٍ قَرِيعَكُمْ عَمْرًا
وَصَمْصَامَتُهُ «1» الْمَشْهُورَةُ كَانَتْ مِنْ حَدِيدَةٍ، وُجِدَتْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ مَدْفُونَةً فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو الْفَقَارِ «2» وَالصّمْصَامَةُ، ثُمّ تَصَيّرَتْ إلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي. يُقَالُ إنّ عَمْرًا وَهَبَهَا لَهُ لِيَدِ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنّ رَيْحَانَةَ أُخْت عَمْرٍو الّتِي يَقُولُ فِيهَا عَمْرٌو:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدّاعِي السّمِيعُ ... يُؤَرّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعٌ
كَانَ أَصَابَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِي سَبْيٍ سَبَاهُ، فَمَنّ عَلَيْهَا، وَخَلّى سَبِيلَهَا، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَمْرٌو أَخُوهَا، وَفِي آخِرِ الْكِتَابِ من خبر قيس بن مكشوح وعمرو ابن مَعْدِي كَرِبَ أَكْثَرُ مِمّا وَقَعَ هَهُنَا، وَالشّعْرُ السّينِيّ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَوّلُهُ: أَتُوعِدُنِي كَأَنّك ذُو رُعَيْنٍ. ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ أَنّ عَمْرًا قَالَهُ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أَرَادَ ضَرْبَهُ بِالدّرّةِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ «3» ، وَفِي الشّعْرِ زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي السّيرَةِ وهو قوله:
__________
(1) أصل الصمصام: السيف لا ينثنى، ثم اشتهر سيف عمرو باسم الصمصامة
(2) فى القاموس: سيف العاص بن منبّه قتل يوم بدر كافرا، فصار إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- ثم صار إلى على. وريحانة التى سيتكلم عنها، والتى هى أخت عمرو هى: أم دريد بن الصمة بن الحارث القشيرى الشاعر الفارس المشهور الذى أتاه الشعر من قبل خاله عمرو انظر ص 39، 40، 63 سمط اللآلى.
(3) شئ يضرب به، ودرة عمر مشهورة طالما شفت من الشك. وقد ذكر المسعودى قصة عمرو مع عمر فى ص 333 ج 2 طبعة سنة 1367 هـ(1/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَا يَغْرُرْك مُلْكُك، كُلّ مُلْكٍ ... يَصِيرُ لِذِلّةِ بَعْدَ الشّمَاسِ «1»
وَذَكَرَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ هَجَنَ فَرَسَ عَمْرٍو، وَنَسَبَهُ إلَى بَاهِلَةَ بْنِ أَعْصُرَ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ: بَاهِلِيّ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي قُتَيْبَةَ بْنِ مَعْنٍ، وَبَاهِلَةُ: أُمّهُمْ «2» وَهِيَ بِنْتُ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ، وَأَبُوهُمْ يَعْصُرُ، وَهُوَ مُنَبّهُ بْنُ سعد بن قيس بن عيلان، وسمى: يعصرا لِقَوْلِهِ:
أَعُمَيْرٌ إنّ أَبَاك غَيّرَ لَوْنَهُ ... مَرّ اللّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَعْصُرِ «3»
فَيُقَالُ لَهُ: أَعْصُرُ وَيَعْصُرُ، وَكَانَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ قَاضِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: سَلْمَانُ الْخَيْلِ، لِأَنّهُ كَانَ يَتَوَلّى النّظَرَ فِيهَا، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: اخْتَلَفْت إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَهُوَ قَاضٍ، فَمَا وَجَدْت عِنْدَهُ أَحَدًا يَخْتَصِمُ إلَيْهِ. وَاسْتُشْهِدَ سَلْمَانُ بِأَرْمِينِيّةَ سنة تسع وعشرين.
__________
(1) شمس الفرس شموسا وشماسا: منع ظهره، وبين الأبيات التى فى المسعودى وبين التى فى السيرة اختلاف كبير. والهجين: اللئيم، وعربى ولد من أمة، أو هو الذى أبوه خير من أمه، وفرس هجين: أى غبر كريم، والخيول المقارف بفتح الميم: جمع مقرف كمحسن مايدانى الهجنة، أى أمه عربية لا أبوه؛ لأن الإقراف يكون من قبل الفحل، والهجنة تكون من قبل الأم.
(2) فى الاشتقاق لابن دريد أن باهلة هى حاضنتهم، وهى امرأة من مذحج أو من همدان ص 71.
(3) هى فى اللسان: «أبنى، وكر الليالى» بدلا من: أعمير، ومرّ.(1/240)
[ «عود إلى شق وسطيح» .]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ «لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ» وَاَلّذِي عَنَى شِقّ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ «لَيَنْزِلَن أَرْضَكُمْ السّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنّ عَلَى كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلَى نَجْرَانَ»
[غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ اليمن، وقتل أرياط]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ أَرْيَاط بِأَرْضِ الْيَمَنِ سنين فى سلطانه ذلك، ثم نازعه فى أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشىّ، حَتّى تَفَرّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا، فَانْحَازَ إلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، ثُمّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمّا تَقَارَبَ النّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاط: إنّك لَا تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ، حَتّى تَفِنِيهَا شَيْئًا، فَابْرُزْ إلَيّ، وَأَبْرُزُ إلَيْك، فَأَيّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَرْيَاط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إليه أبرهة- وكان رجلا قصيرا لحيما، وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النّصْرَانِيّةِ- وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاط وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ، وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: عَتَوْدَة، يَمْنَعُ ظَهْرَهُ، فَرَفَعَ أَرْيَاط الْحَرْبَةَ، فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ يُرِيدُ يَافُوخَهُ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ على جبهة أبرهة، فشرمت حاجبه وأنفه وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ، فَبِذَلِكَ سُمّيَ: أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ عَتَوْدَة عَلَى أَرْيَاط مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ، وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاط إلَى أَبْرَهَةَ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الحبشة باليمن، وودى أبرهة أرياط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ خَبَرَ عَتْوَدَةَ غُلَامَ أَبْرَهَةَ، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ حَدِيثِهِ فِيمَا مَضَى، وَمَا زَادَ فِيهِ الطّبَرِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَنّ الْعَتْوَدَةَ: الشّدّةُ فِي الْحَرْبِ.(1/241)
[ «موقف النجاشى من أبرهة» :]
فلما بلغ النّجَاشِيّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: عَدَا عَلَى أميرى، فقتله بغير أمرى، ثم حَلَفَ: لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزّ نَاصِيَتَهُ، فَحَلَقَ أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ، وَمَلَأَ جِرَابًا من تراب اليمن، ثم بعث إلَى النّجَاشِيّ، ثُمّ كَتَبَ إلَيْهِ:
«أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّمَا كَانَ أَرْيَاط عَبْدَك، وَأَنَا عَبْدُك، فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِك، وَكُلّ طَاعَتُهُ لَك، إلّا أَنّي كُنْت أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ، وَأَضْبَطَ لَهَا، وَأَسْوَسَ مِنْهُ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ، وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي؛ لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَيَبَرّ قَسَمُهُ فِيّ» .
فَلَمّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حتى يأتيك أمرى، فأقام أبرهة باليمن.
[أمر الفيل، وقصة النسأة]
[ «كنيسة أبرهة» :]
ثُمّ إنّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلّيْس بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى كنيسة لم ير مثلها فى زمانها بشئ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ كَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ: إنّي قَدْ بَنَيْتُ لَك أَيّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَنّ أَرْيَاطًا عَلَا بِالْحَرْبَةِ أَبْرَهَةَ، فأخطأ يَافُوخَهُ. وَالْيَافُوخُ: وَسَطُ الرّأْسِ «1» . وَيُقَالُ لَهُ مِنْ الطّفْلِ: غَاذِيَةٌ بِالذّالِ، فَإِذَا اشْتَدّ وَصَلُبَ سُمّيَ:
يَأْفُوخًا بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ يَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ: يَآفِيخٌ قال العجّاج:
__________
(1) وتقال دون إظهار الهمزة.(1/242)
يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَك، وَلَسْت بِمُنْتَهٍ حَتّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ، فَلَمّا تَحَدّثَتْ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ، غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ النّسَأَةِ، أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن مالك بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر.
[ «النّسيئ» :]
وَالنّسَأَةُ: الّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَيُحِلّونَ الشّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيُحَرّمُونَ مَكَانَهُ الشّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلّ، وَيُؤَخّرُونَ ذَلِكَ الشّهْرَ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً؛ لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ [التوبة: 37] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا، وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
وَاطَأْتُك عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُك عَلَيْهِ، وَالْإِيطَاءُ فِي الشّعْرِ: الْمُوَافَقَةُ، وَهُوَ اتّفَاقُ الْقَافِيَتَيْنِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَجّاجِ- وَاسْمُ الْعَجّاجِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ رُؤْبَةَ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ بْنِ أُدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار.
فى أثعبان المنجنون المرسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«ضَرِبٌ إذَا صَابَ الْيَآفِيخَ حَفَرَ»
وَقَوْلُهُ: شَرَمَ أنفه وشفته أى: شقهما.(1/243)
ثُمّ قَالَ:
مُدّ الْخَلِيجِ فِي الْخَلِيجِ الْمُرْسَلِ
«وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ» :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ مَنْ نَسَأَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، فَأَحَلّتْ مِنْهَا مَا أُحِلّ، وَحَرّمَتْ مِنْهَا مَا حُرّمَ: القَلَمّس، وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبّادُ بْنُ حُذَيْفَةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَبّادٍ: قَلَعُ بْنُ عَبّادٍ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ قَلَعٍ أُمَيّةُ بْنُ قَلَعٍ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ أُمَيّةَ: عَوْفُ بْنُ أُمَيّةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَوْفٍ أَبُو ثُمَامَةَ: جُنادة بْنُ عَوْفٍ. وَكَانَ آخِرَهُمْ، وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ، فَحَرّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ: رَجَبًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجّةِ، والمحرّم. فإذا أراد أن يحلّ شَيْئًا أَحَلّ الْمُحَرّمَ فَأَحَلّوهُ وَحَرّمَ مَكَانَهُ صَفَرَ فَحَرّمُوهُ؛ لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَإِذَا أَرَادُوا الصّدَرَ، قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «اللهُمّ إنّي قَدْ أَحْلَلْت لَك أَحَدَ الصّفَرَيْنِ، الصّفَرَ الْأَوّلَ، ونسأت الآخر للعام المقبل» . فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ «جِذْلُ الظّعان» أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غُنْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يَفْخَرُ بِالنّسَأَةِ عَلَى العرب:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(خَبَرُ الْقُلّيْسِ مَعَ الْفِيلِ، وَذِكْرُ بُنْيَانِ أَبْرَهَةَ لِلْقُلّيْسِ) وَهِيَ الْكَنِيسَةُ الّتِي أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ، وَسُمّيَتْ هَذِهِ الْكَنِيسَةُ: الْقُلّيْسَ لِارْتِفَاعِ بِنَائِهَا وَعُلْوِهَا «1» ، وَمِنْهُ الْقَلَانِسُ لِأَنّهَا فِي أعلى
__________
(1) وكذلك القليسية إذا فتحت القاف ضممت السين، وإذا ضممت كسرتها(1/244)
لقد علمت معدّ أنّ قومى ... كِرَامُ النّاسِ أَنّ لَهُمْ كِرَامَا
فَأَيّ النّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ ... وَأَيّ النّاسِ لَمْ نُعْلِك لِجَامَا
أَلَسْنَا النّاسِئِينَ عَلَى مَعَدّ ... شُهُورَ الْحِلّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: المحرّم.
«سبب حملة أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ» :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ الْكِنَانِيّ حَتّى أَتَى الْقُلّيْس فَقَعَدَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي تَحُجّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكّةَ لَمّا سَمِعَ قَوْلَك: «أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ» غَضِبَ فَجَاءَ، فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ: لَيَسِيرَن إلَى الْبَيْتِ حَتّى يَهْدِمَهُ، ثُمّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيّأَتْ وَتَجَهّزَتْ، ثُمّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ، وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنّهُ يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرّءُوسِ، وَيُقَالُ: تَقَلْنَسَ الرّجُلُ وَتَقَلّسَ إذَا لَبِسَ الْقَلَنْسُوَةَ، وَقَلَسَ طَعَامًا أَيْ:
ارْتَفَعَ مِنْ مَعِدَتِهِ إلَى فِيهِ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ قَدْ اسْتَذَلّ أَهْلَ الْيَمَنِ فِي بُنْيَانِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ، وَجَشّمَهُمْ فِيهَا أَنْوَاعًا مِنْ السّخْرِ، وَكَانَ يَنْقُلُ إلَيْهَا الْعَدَدَ مِنْ الرّخَامِ الْمُجَزّعِ، وَالْحِجَارَةُ الْمَنْقُوشَةُ بِالذّهَبِ مِنْ قَصْرِ بِلْقِيسَ صَاحِبَةِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَكَانَ من مَوْضِعِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ عَلَى فَرَاسِخَ، وَكَانَ فِيهِ بَقَايَا مِنْ آثَارِ مُلْكِهَا،(1/245)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَاسْتَعَانَ بِذَلِكَ عَلَى مَا أَرَادَهُ فِي هَذِهِ الْكَنِيسَةِ مِنْ بَهْجَتِهَا وَبِهَائِهَا، وَنَصَبَ فِيهَا صُلْبَانًا مِنْ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ، وَمَنَابِرَ مِنْ الْعَاجِ وَالْآبُنُسِ «1» ، وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ فِي بِنَائِهَا حَتّى يُشْرِفَ مِنْهَا عَلَى عَدَنَ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْعَامِلِ إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، حَتّى طَلَعَتْ الشّمْسُ، فَجَاءَتْ مَعَهُ أُمّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ، فَتَضَرّعَتْ إلَيْهِ تَسْتَشْفِعُ لِابْنِهَا، فَأَبَى إلّا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَقَالَتْ: اضْرِبْ بِمِعْوَلِك الْيَوْمَ، فَالْيَوْمُ لَك، وَغَدًا لِغَيْرِك، فَقَالَ: وَيْحَك مَا قُلْت!؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ كَمَا صَارَ هَذَا الْمُلْكُ مِنْ غَيْرِك إلَيْك، فَكَذَلِكَ يَصِيرُ مِنْك إلَى غَيْرِك، فَأَخَذَتْهُ مَوْعِظَتُهَا، وَأَعْفَى النّاسَ مِنْ الْعَمَلِ فِيهَا بَعْدُ. فَلَمّا هَلَكَ وَمُزّقَتْ الْحَبَشَةُ كُلّ مُمَزّقٍ، وَأُقْفِرَ مَا حَوْلَ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ، فَلَمْ يَعْمُرْهَا أَحَدٌ، وَكَثُرَتْ حَوْلَهَا السّبَاعُ وَالْحَيّاتُ، وَكَانَ كُلّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا أَصَابَتْهُ الْجِنّ «2» ، فَبَقِيَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْعُدَدِ وَالْخَشَبِ الْمُرَصّعِ بِالذّهَبِ وَالْآلَاتِ الْمُفَضّضَةِ الّتِي تُسَاوِي قَنَاطِيرَ مِنْ الْمَالِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إلَى زَمَنِ أَبِي الْعَبّاسِ، فَذُكِرَ لَهُ أَمْرُهَا، وَمَا يُتَهَيّبُ مِنْ جِنّهَا وَحَيّاتِهَا، فَلَمْ يَرُعْهُ ذَلِكَ. وَبَعَثَ إلَيْهَا بِابْنِ الرّبِيعِ عَامِلِهِ عَلَى الْيَمَنِ مَعَهُ أَهْلُ الْحَزْمِ وَالْجَلَادَةِ «3» ، فَخَرّبَهَا، وَحَصَلُوا مِنْهَا مَالًا كَثِيرًا بِبَيْعِ مَا أَمْكَنَ بَيْعُهُ مِنْ رُخَامِهَا وَآلَاتِهَا، فعفا بعد ذلك رسمها، وانقطع خبرها،
__________
(1) يريد خشب الآبنوس الذى ينبت فى الحبشة والهند، وخشبه أسود صلب واقرأ وصف بنائها فى الطبرى ص 137 ج 2 طبعة دار المعارف.
(2) خرافة ولا شك.
(3) القوة مع الصبر على المكروه.(1/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَدُرِسَتْ آثَارُهَا، وَكَانَ الّذِي يُصِيبُهُمْ مِنْ الْجِنّ يَنْسُبُونَهُ إلَى كُعَيْبٍ وَامْرَأَتِهِ صَنَمَيْنِ كَانَتْ الْكَنِيسَةُ عَلَيْهِمَا، فَلَمّا كُسِرَ كُعَيْبٌ وَامْرَأَتُهُ أُصِيبَ الّذِي كَسَرَهُ بِجُذَامِ «1» فَافْتُتِنَ بِذَلِكَ رَعَاعُ الْيَمَنِ وَطَغَامُهُمْ «2» ، وَقَالُوا: أَصَابَهُ كُعَيْبٌ، وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ أَنّ كُعَيْبًا كَانَ مِنْ خَشَبٍ طُولُهُ:
سِتّونَ ذراعا «3» .
النسئ والنسأة:
وذكر النّسأة والنّسئ مِنْ الْأَشْهُرِ. فَأَمّا النّسَأَةُ فَأَوّلُهُمْ: الْقَلَمّسُ، وَاسْمُهُ:
حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ، وَقِيلَ لَهُ: القلمّس لجوده، إذ القلمّس «4» من أسماء البحر، وَأَنْشَدَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ:
إلَى نَضَدٍ مِنْ عبد شمس، كأنهم ... هضاب أحا أركانه لم تقصّف «5»
__________
(1) عجيب من السهيلى ترديد مالا يصدقه شرع ولا عقل.
(2) الطغام: الأوغاد من الناس الواحد: طغامة مثل سحابة، والرعاع بضم الراء وفتحها مفردها: رعاعة وهو من لا قلب له ولا عقل.
(3) كيف إذن يصيب هذا لخشب الناس بسوء؟
(4) الكثير الماء من الركايا والبحر والرجل الخير المعطاء، والسيد العظيم والرجل الداهية المنكر البعيد الغور، وفى تفسير ابن كثير أن اسمه كان حفادة بن عوف.
(5) أجأ: أحد جبلى طيئ، وفيه قرى كثيرة، والنضّد: الشرف والشريف ومن القوم: جماعتهم وعددهم، ومن الجبال: جنادل بعضها فوق بعض، وفى القاموس أن القلس كان يقف عند جمرة العقبة- أحد مشاعر الحج فى منى- ويقول: -(1/247)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَلَامِسَةٌ سَاسُوا الْأُمُورَ فَأُحْكِمَتْ ... سِيَاسَتُهَا حَتّى أَقَرّتْ لِمُرْدِفِ
وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي الْأَمَالِي أَنّ الّذِي نَسَأَ الشّهُورَ مِنْهُمْ: نُعَيْمُ بْنُ تعلبة، وَلَيْسَ هَذَا بِمَعْرُوفِ «1» ، وَأَمّا نَسَؤُهُمْ لِلشّهْرِ، فَكَانَ على ضربين. أحدهما:
__________
- «اللهم إنى ناسئ الشهور، وواضعها مواضعها، ولا أعاب، ولا أجاب. اللهم إنى قد أحللت أحد الصّفرين- يعنى المحرم وصفرا- وحرمت صفر المؤخّر وكذلك فى الرجبين- يعنى رجبا وشعبان- انفروا على اسم الله تعالى» وقريب من هذا ما رواه ابن كثير فى تفسيره.
(1) هو فى الأمالى ص 4 ج 1 طبع دار الكتب الطبعة الثانية، وإليك ما ذكره أبو على القالى فى الأمالى: حدثنى أبو بكر الأنبارى أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بنى كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال. أنا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهرا. أى: أخر عنا حرمة المحرم، فاجعلها فى صفر؛ وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحل لهم المحرم، ويحرم عليهم صفرا، فإذا كان فى السنة المقبلة حرم عليهم المحرم، وأحل لهم صفرا. ص 4 ح 1 الأمالى ط 2. ورأى القالى- كما يقول الميمنى فى تعليقه على السمط هو قول الكلبى كما فى البحر المحيط 5/ 40. فقول السهيلى فى الروض: إن ما نقله القالى ليس بمعروف منكر. ص 10 ج 1 السمط، وللكميت بن زيد بن الأخنس الأسدى يكنى أبا المستهل وهو شاعر إسلامى شعر يفخر فيه بقوله:
لنا حوض الحجيج وساقياه ... وموضع أرجل الركب النّزول
ومطّرد الدماء، وحيث يلقى ... من الشّعر المضفّر والفليل
وكنا الناسئين على معد ... شهورهم الحرام إلى الحليل
نحرم تارة: ونحل أخرى ... وكان لنا الممرّ من السحيل-(1/248)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ تَأْخِيرِ شَهْرِ الْمُحَرّمِ إلَى صَفَرٍ لِحَاجَتِهِمْ إلَى شَنّ الْغَارَاتِ، وَطَلَبِ الثّارّاتِ، وَالثّانِي: تَأْخِيرُهُمْ الْحَجّ عَنْ وَقْتِهِ تَحَرّيًا مِنْهُمْ لِلسّنَةِ الشّمْسِيّةِ، فَكَانُوا يُؤَخّرُونَهُ فِي كُلّ عَامٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا، حَتّى يَدُورَ الدّوْرُ إلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَيَعُودُ إلَى وَقْتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ: «إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» «1» وَكَانَتْ حَجّةُ الْوَدَاعِ فِي السّنَةِ الّتِي عَادَ فِيهَا الْحَجّ إلَى وَقْتِهِ، وَلَمْ يَحُجّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ غَيْرَ تِلْكَ الْحَجّةِ، وَذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْكُفّارِ الْحَجّ عَنْ وَقْتِهِ، وَلِطَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً- والله أعلم- إذ كانت مكة
__________
- وأسد هنا: أسد كنانة فلذلك فخر الكميت بالنسئ. وأسد عم النضر بن كنانة الذى هو أبو قريش، فلذلك فحر بالسقى والإطعام ومشاعر الحج. والفليلة: الشعر المجتمع، والسحيل: الخيط الذى يفتل فتلا رخوا، والممرّ. المبرم الشديد الفتل سمط اللآلى. ص 11 ج 1. وفى نسب قريش ص 13: أن أول من نسأ الشهور هو سرير بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقد انقرض سرير، ونسأ الشهور من بعده ابن أخيه القلمّس- واسمه عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن كنانة- ثم صار النسئ فى ولده، وكان آخرهم جنادة كما فى السيرة.
(1) البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم وبعدها: «السنة اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ. ثَلَاثَةٌ متواليات ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان» الخ ومعنى: «ألا إن الزمان قد استدار» تقرير منه- صلى الله عليه وسلم- وتثبيتا للأمر على ما جعله الله فى أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص ولا نسى ولا تبديل. وهناك للنسئ تفسيرات أخرى.(1/249)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِحُكْمِهِمْ، حَتّى فَتَحَهَا اللهُ عَلَى نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ: نرى أن قول الله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [الْبَقَرَةُ: 389] ؟! وَخَصّ الْحَجّ بِالذّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقّتَةِ بِالْأَوْقَاتِ، تَأْكِيدًا لِاعْتِبَارِهِ بِالْأَهِلّةِ دُونَ حِسَابِ الْأَعَاجِمِ مِنْ أَجْلِ مَا كَانُوا أَحْدَثُوا فِي الْحَجّ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالشّهُورِ الْعَجَمِيّةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ قَوْلَ الْعَجّاجِ:
فِي أُثْعُبَانِ الْمَنْجَنُونِ الْمُرْسَلِ «1» . الْأُثْعُبَانُ: مَا يَنْدَفِعُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ شُعَبِهِ.
وَالْمَنْجَنُونُ: أَدَاةُ السّانِيَةِ، وَالْمِيمُ فِي الْمَنْجَنُونِ أَصْلِيّةٌ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَكَذَلِكَ النون، لأنه يقال فيه: منجنين مثل عر طليل «2» وَقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ أَنّ النّونَ زَائِدَةٌ إلّا أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْكِتَابِ قَالَ فِيهِ:
مُنْحَنُونَ بِالْحَاءِ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَنَاقَضْ كَلَامُهُ- رَحِمَهُ اللهُ- وَفِي أَدَاةِ السّانِيَةِ:
الدّولَابُ بِضَمّ الدّالِ وَفَتْحِهَا، وَالشّهْرَقُ، وَهُوَ الّذِي يُلْقَى عَلَيْهِ حَبْلُ الْأَقْدَاسِ، وَاحِدُهَا: قُدْسٌ، وَالْعَامّةُ تَقُولُ: قَادُوسٌ، وَالْعَصَامِيرُ: عِيدَانُ السّانِيَةِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الْعُصْمُورُ: عُودُ السّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: مَدّ الْخَلِيجُ.
الْخَلِيجُ: الْجَبَلُ، وَالْخَلِيجُ أَيْضًا: خَلِيجُ الْمَاءِ. وَذَكَرَ اسْمَ العجّاج ولم يكنه،
__________
(1) المنجنون: الدولاب يستقى عليه، أو البكرة العظيمة. والسانية: الدلو العظيمة وأداتها.
(2) العرطليل: الضخم والفاحش، والعر طويل: الحسن الشباب والقد.(1/250)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكُنْيَتُهُ: أَبُو الشّعْثَاءِ، وَسُمّيَ الْعَجّاجُ بِقَوْلِهِ:
حَتّى يَعِجّ عِنْدَهَا مَنْ عَجّجَا «1» .
وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ: كِرَامُ النّاسِ أَنّ لَهُمْ كِرَامًا. أَيْ آبَاءً كِرَامًا، وَأَخْلَاقًا كِرَامًا. وَقَوْلُهُ: وَأَيّ النّاسِ لَمْ نُعْلِك لِجَامًا. أَيْ: لَمْ نَقْدَعْهُمْ، وَنَكْفِهِمْ كَمَا يُقْدَعُ الْفَرَسُ بِاللّجَامِ. تَقُولُ: أَعْلَكْت الْفَرَسَ لِجَامَهُ: إذَا رَدَدْته عَنْ تَنَزّعِهِ، فَمَضَغَ اللّجَامَ كَالْعِلْكِ مِنْ نَشَاطِهِ، فَهُوَ مَقْدُوعٌ قَالَ الشّاعِرُ.
وَإِذَا احْتَبَى قَرَبُوسَهُ بِعِنَانِهِ ... عَلَكَ اللّجَامُ إلَى انْصِرَافِ الزّائِرِ «2»
وَكَانَ عُمَيْرٌ هَذَا مِنْ أَطْوَلِ النّاسِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مُقْبِلِي الظّعُنِ، وَسُمّيَ جِذْلَ الطّعّانِ «3» لِثَبَاتِهِ فِي الْحَرْبِ، كَأَنّهُ جِذْلُ شَجَرَةٍ وَاقِفٍ، وَقِيلَ: لِأَنّهُ كَانَ يُسْتَشْفَى بِرَأْيِهِ، وَيُسْتَرَاحُ إلَيْهِ، كَمَا تَسْتَرِيحُ الْبَهِيمَةُ الْجَرْبَاءُ إلَى الْجَذِلِ تَحْتَكّ «4» بِهِ وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْحُبَابِ [ابن المنذر] : أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها
__________
(1) فى اللسان:
حتى يعجّ ثخنا من عجعجا ... ويودى المودى، وينجو من نجا
(2) احتبى بالثوب: اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة، والقربوس: حنو السرج، ويمكن ضمه مع تسكين الراء، والعلك بكسر العين وسكون اللام: ما يمضغ
(3) وفى القاموس أنه لقب علقمة بن فراس من مشاهير العرب وكذا فى معجم المرزبانى، وفى الخشنى عن أبى عبيدة: جذل الطعان هو: ابن علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة، والجذل: أصل الشجرة وغيرها.
(4) الجذل هنا: عود ينصب للجربى لتحتك به(1/251)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُرْجِبُ «1» وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيّ يَصِفُ ابْنَهُ: إنّهُ لِجَذْلُ حِكَاكٍ وَمِدْرَهُ «2» لِكَاكٍ.
وَاللّكَاكُ: الزّحَامُ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ النّسَأَةِ، وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ أَسْلَمَ أَمْ لَا، وَقَدْ وَجَدْت لَهُ خَبَرًا يَدُلّ عَلَى إسْلَامِهِ حَضَرَ الْحَجّ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَرَأَى النّاسَ يَزْدَحِمُونَ عَلَى الْحَجّ، فَنَادَى: أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْته مِنْكُمْ، فَخَفَقَهُ عُمَرُ بِالدّرّةِ، وَقَالَ: وَيْحَك: إنّ اللهَ قَدْ أَبْطَلَ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ. وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ، قَالَ: فَنَسَأَ قَلَعُ بْنُ عَبّادٍ سَبْعَ سِنِينَ، وَنَسَأَ بَعْدَهُ أُمَيّةُ بْنُ قَلَعٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمّ نَسَأَ مِنْ بَعْدِهِ جُنَادَةُ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ وَهُوَ الْقَلَمّسُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ:
وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: أَوّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: الْمُحَرّمُ قَوْلٌ، وَقَدْ قِيلَ: أَوّلُهَا ذُو الْقَعْدَةِ، لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بدأبه حِينَ ذَكَرَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ «3» ، وَمَنْ قَالَ: الْمُحَرّمُ أَوّلُهَا، احْتَجّ بِأَنّهُ أَوّلُ السّنَةِ، وَفِقْهُ هَذَا الخلاف
__________
(1) الجذيل: تصغير جذل بكسر الجيم للتعظيم والعذيق: تصغير عذق للتعظيم، وهى النخلة بحملها، وترجيبها: ضم أعذاقها- كباساتها- ما يسمى بالسباطة- إلى سعفاتها، وشدها بالخوص، لئلا تنفضها الريح، أو وضع الشوك حولها لئلا يصل إليها آكل
(2) المدره بكسر الميم وفتح الراء: السيد الشريف وزعيم القوم وخطيبهم المتكلم عنهم.
(3) راجع حديث «إن الزمان استدار» وقد سبق ذكره(1/252)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْأَوّلِ: ابْدَأْ بِالْمُحَرّمِ، ثُمّ بِرَجَبِ ثُمّ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَذِي الْحَجّةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ لَهُ: ابْدَأْ بِذِي الْقَعْدَةِ حَتّى يَكُونَ آخِرُ صِيَامِك فِي رَجَبٍ مِنْ الْعَامِ الثّانِي.
الْقُعُودُ عَلَى الْمَقَابِرِ:
وَقَوْلُهُ: خَرَجَ الْكِنَانِيّ حَتّى قَعَدَ فِي الْقُلّيْسِ أَيْ: أَحْدَثَ فِيهَا، وَفِيهِ شَاهِدٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْقُعُودِ عَلَى الْمَقَابِرِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ، وَأَنّ ذَلِكَ لِلْمَذَاهِبِ «1» ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
أَنْسَابٌ:
وَذَكَرَ قَوْلَ نُفَيْلٍ الْخَثْعَمِيّ: وَهَاتَانِ يداى لك على شهران وناهس، وهما
__________
(1) جمع مذهب يفتح الميم: المتوضأ. هذا وفى الطبرى أن الرجل فعل هذا فى الهيكل، وفيه أيضا أن أبرهة أخبر النجاشى بأمر الكنيسة، وأنه غير منته حتى يصرف إليها العرب، وأن العرب تحدثوا بكتاب أبرهه إلى النجاشى، فغضب رجل من النسأة، فصنع بالكنيسة ما صنع، ثم عاد إلى أرضه، وأن أبرهة كان عنده من العرب من يلتمس فضله منهم: محمد بن خزاعى، الذى رفض أكل طعام أبرهه قائلا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تعيبنا به العرب ما بقينا، ثم إن أبرهه أمر محمد بن خزاعى على مضر، وأمره أن يسير فى الناس يدعوهم إلى حح القليس، فنزل بعض أرض بنى كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، فبعثوا إليه بعروة بن حياض الملاصى الهذلى فرماه بسهم فقتله. فغضب أبرهة فحلف ليغزون بنى كنانة وليهد من البيت ص 130 وما بعدها ح 2 وهو قريب مما فى السيرة(1/253)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَبِيلَا خَثْعَمَ، أَمَا خَثْعَمُ: فَاسْمُ جَبَلٍ سُمّيَ بِهِ بَنُو عِفْرِسِ «1» بْنِ خُلْفِ بْنِ أَفْتَلَ بْنِ أَنْمَارٍ؛ لِأَنّهُمْ نَزَلُوا عِنْدَهُ، وَقِيلَ: إنّهُمْ تَخَثْعَمُوا بِالدّمِ عِنْدَ حِلْفٍ عَقَدُوهُ بَيْنَهُمْ، أَيْ: تَلَطّخُوا، وَقِيلَ: بَلْ خَثْعَمُ ثَلَاثٌ: شَهْرَانُ وَنَاهِسُ وَأَكْلُبُ «2» غَيْرَ أَنّ أَكْلُبَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ هُوَ: ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَلَكِنّهُمْ دَخَلُوا فِي خَثْعَمَ، وَانْتَسَبُوا إلَيْهِمْ فَاَللهُ أَعْلَمُ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ:
مَا أَكْلُبُ مِنّا، وَلَا نَحْنُ مِنْهُمْ ... وَمَا خَثْعَمُ يَوْمَ الْفَخَارِ وَأَكْلُبُ
قَبِيلَةُ سُوءٍ مِنْ رَبِيعَةَ أَصْلُهَا ... فَلَيْسَ لَهَا عَمّ لَدَيْنَا، وَلَا أَبٌ
فَأَجَابَهُ الْأَكْلَبِيّ فَقَالَ:
إنّي مِنْ الْقَوْمِ الّذِينَ نَسَبْتنِي ... إلَيْهِمْ كَرِيمُ الْجَدّ وَالْعَمّ وَالْأَبِ
فَلَوْ كُنْت ذَا عِلْمٍ بِهِمْ مَا نَفَيْتنِي ... إلَيْهِمْ تَرَى أَنّي بِذَلِكَ أُثْلَبُ
فَإِنْ لَا يَكُنْ عَمّايَ خُلْفًا وَنَاهِسًا «3» ... فإنى امرؤ عَمّايَ: بَكْرٌ وَتَغْلِبُ
أَبُونَا الّذِي لَمْ تُرْكَبُ الْخَيْلُ قَبْلَهُ ... وَلَمْ يَدْرِ مَرْءٌ قَبْلَهُ كَيْفَ يركب
__________
(1) فى الاشتقاق لابن دريد «عفرس بكسر أوله وثالثه وإسكان ثانيه وهو من العفرسة، وهو الأخذ بالقهر والغلبة.. أما أفتل فمن قولهم بعير أفتل: وهو الذى يتباعد منكباه عن زوره. وشهران إما من الشهرة وإما من الأشهر وهو البياض الذى حول صفرة النرجس وناهس من النهس وهو النهش.
(2) فى الاشتقاق: وأكلب بطن من خثعم، وفى الجمهرة لابن حزم ولد خثعم حلفا، وولد هذا عفرسا، وولد هذا ناهسا وشهران وأكلب بن ربيعه بن نزار دخلوا فى بنى خثعم فقالوا: أكلب بن ربيعة بن عفرس.
(3) فى جمهرة ابن حزم: حلف بضم الحاء وإسكان ثانيه، وفى رواية. حلف بالحاء المفتوحة وكسر اللام.(1/254)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُرِيدُ أَنّهُ مِنْ رَبِيعَةَ، وَرَبِيعَةُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: رَبِيعَةُ الْفَرَسِ.
وَأَمّا ثَقِيفٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اخْتِلَافِ النّسّابِينَ فِيهِمْ، فَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُمْ إلَى إيَادٍ، وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُمْ إلَى قَيْسٍ، وَقَدْ نُسِبُوا إلَى ثَمُودَ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي جَامِعِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا رُوِيَ فِي الْجَامِعِ أَنّ أَبَا رِغَالٍ مِنْ ثَمُودَ، وَأَنّهُ كَانَ بِالْحَرَمِ حِينَ أَصَابَ قَوْمَهُ الصّيْحَةُ، فَلَمّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مِنْ الْهَلَاكِ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ، فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وَذُكِرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ بِالْقَبْرِ، وَأَمَرَ بِاسْتِخْرَاجِ الْغُصْنَيْنِ مِنْهُ، فَاسْتَخْرَجَا «1» . وَقَالَ جَرِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ.
إذَا مَاتَ الْفَرَزْدَقُ فَارْجُمُوهُ ... كَرَجْمِكُمْ لِقَبْرِ أَبِي رِغَالِ
وَوَقَعَ فِي هَذِهِ النّسْخَةِ فِي نَسَبِ ثقيف الأول: ابن إباد بْنِ مَعَدّ. وَفِي الْحَاشِيَةِ أَنّ الْقَاضِيَ أَبَا الْوَلِيدِ غَيّرَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ ابْنِ مَعَدّ: مِنْ مَعَدّ، وَذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- لِأَنّ إيَادَ هَذَا هُوَ: ابْنُ نِزَارٍ، وَلَيْسَ بِابْنِ مَعَدّ لِصُلْبِهِ، وَلِمَعَدّ ابْنٌ اسْمُهُ: إيَادٌ، وَهُوَ: ابْنُهُ لِصُلْبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَهُ مَعَ بَنِي مَعَدّ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ عَمّ إيَادٍ، وَالْإِيَادُ فِي اللّغَةِ: التّرَابُ الّذِي يُضَمّ إلَى الْخِبَاءِ لِيَقِيَهُ مِنْ السّيْلِ وَنَحْوِهِ، وهو مأخود مِنْ الْأَيْدِ، وَهِيَ الْقُوّةُ، لِأَنّ فِيهِ قُوّةً لِلْخِبَاءِ، وَهُوَ بَيْنَ النّؤْيِ وَالْخِبَاءِ، وَالنّؤْيُ يُشْتَقّ مِنْ النّائِي، لِأَنّهُ حَفِيرٌ يَنْأَى بِهِ الْمَطَرُ، أى: يبعد عن الخباء.
__________
(1) خرف لا كلام نبى.(1/255)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنْشَدَ لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ، وَاسْمُ أَبِي الصّلْتِ: رَبِيعَةُ بْنُ وَهْبٍ فِي قَوْلِ الزّبَيْرِ.
قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنّهُمْ أُمَمٌ ... أَوَلَوْ أَقَامُوا، فَتُهْزَلَ النّعَمُ
يُرِيدُ: أَيْ: لَوْ أَقَامُوا بِالْحِجَازِ، وَإِنْ هَزَلَتْ نَعَمُهُمْ؛ لِأَنّهُمْ انْتَقَلُوا عَنْهَا، لِأَنّهَا ضَاقَتْ عَنْ مَسَارِحِهِمْ، فَصَارُوا إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْقِطّ وَالْقَلَمُ، وَالْقِطّ: مَا قُطّ مِنْ الْكَاغَدِ وَالرّقّ «1» وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ أَنّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الّتِي سَارُوا إلَيْهَا، وَقَدْ قِيلَ لِقُرَيْشِ: مِمّنْ تَعَلّمْتُمْ الْقِطّ؟
فَقَالُوا: تَعَلّمْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، وَتَعَلّمَهُ أَهْلُ الْحِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ، وَنَصَبَ قَوْلَهُ: فَتُهْزَلَ النّعَمُ بِالْفَاءِ عَلَى جَوَابِ التّمَنّي الْمُضَمّنِ فِي لَوْ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشّعَرَاءُ: 102] وَأَمّا تَسْمِيَةُ قَسِيّ بِثَقِيفِ، فَسَيَأْتِي سَبَبُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الطّائِفِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى
الْمُغَمّسُ:
وَقَوْلُهُ: فَلَمّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمّسَ هَكَذَا أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ الْمُقَيّدَةِ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْقَاضِي بِفَتْحِ الْمِيمِ الْآخِرَةِ مِنْ الْمُغَمّسِ. وَذَكَرَ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمّةِ اللّغَةِ أَنّهُ الْمُغَمّسُ. بِكَسْرِ الْمِيم الْآخِرَةِ، وَأَنّهُ أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنّهُ يُرْوَى بِالْفَتْحِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ هُوَ: مُغَمّسٌ مُفَعّلٌ مِنْ غَمّسْت، كأنه اشتق من الغميس وهو الغمير،
__________
(1) الكاغد: القرطاس، معرب، والرق بكسر الراء وفتحها: جلد رقيق يكتب فيه. ما قط: أى ما قطع.(1/256)
[ «ذو نفر ونفيل يحاولان حماية البيت» :]
فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ: ذُو نَفْرٍ، فَدَعَا قَوْمَهُ، وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ، ثُمّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ، فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ، فَأُتِيَ بِهِ أَسِيرًا، فَلَمّا أَرَادَ قَتْلَهُ، قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَك خَيْرًا لَك مِنْ قَتْلِي، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حليما.
ثُمّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ فَلَمّا هَمّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنّي دَلِيلُك بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَك عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسّمْعِ والطاعة، فخلّى سبيله.
[ «بين ثقيف وأبرهة» :]
وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ يَدُلّهُ، حَتّى إذَا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبِ ابن مالك بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عوف بن ثقيف فى رجال ثقيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ النّبَاتُ الْأَخْضَرُ الّذِي يَنْبُتُ فِي الْخَرِيفِ تَحْتَ الْيَابِسِ، يُقَالُ: غَمّسَ الْمَكَانُ وَغَمّرَ إذَا نَبَتَ فِيهِ ذَلِكَ، كَمَا يُقَالُ: صَوّحَ، وَشَجّرَ «1» ، وأما على رواية الفتح،
__________
(1) صوح النبت: يبس حتى تشقق، وشجر النبات: صار شجرا.(1/257)
وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيّ بْنُ النّبِيت بْنِ مُنَبّهِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بن عدنان.
قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ:
قَوْمِي إياد لو أنهم أمم ... أَوْ: لَوْ أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النّعَمُ
قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا ... سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطّ وَالْقَلَمُ
وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ أَيْضًا:
فَإِمّا تسألى عنّى- لبينى ... وَعَنْ نَسَبِي- أُخَبّرْك اليَقينَا
فَإِنّا للنّبيت أَبِي قَسِيّ ... لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ الْأَقْدَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثَقِيفٌ: قَسِىّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ، وَالْبَيْتَانِ الْأَوّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ لِأُمَيّةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّمَا نَحْنُ عَبِيدُك سَامِعُونَ لَك مُطِيعُونَ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَك خِلَافٌ، وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الذى تريد- يعنون اللات- إنّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الّذِي بِمَكّةَ، وَنَحْنُ نَبْعَثُ معك من يدلّك عليه، فتجاوز عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فكأنه من غمست الشئ، إذَا غَطّيْته، وَذَلِكَ أَنّهُ مَكَانٌ مَسْتُورٌ إمّا بِهِضَابِ وَإِمّا بِعَضَاهٍ «1» ، وَإِنّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-
__________
(1) العضاه كل شجر له شوك صغر أو كبر.(1/258)
واللات: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطّائِفِ كَانُوا يُعَظّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ:
وَفَرّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فى أبيات له.
[ «قصة أبى رغال وقبره المرجوم» .]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ يَدُلّهُ عَلَى الطّرِيقِ إلَى مَكّةَ، فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ ومعه أَبُو رِغَالٍ حَتّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمّسَ، فَلَمّا أَنْزَلَهُ به مات أبو رغال هنا لك، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الّذِي يَرْجُمُ الناس بالمغمّس.
[ «عدوان الأسود على مكة» .]
فَلَمّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمّسَ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ عَلَى خَيْلٍ لَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى مكة، فساق إليه أموال تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِئَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، فَهَمّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ، ومن كان بذلك الحرم بِقِتَالِهِ، ثُمّ عَرَفُوا أَنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ به، فتركوا ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذْ كَانَ بِمَكّةَ، كَانَ إذَا أَرَادَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ خَرَجَ إلَى الْمُغَمّسِ، وَهُوَ عَلَى ثُلُثِ فَرْسَخٍ مِنْهَا، كَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيّ بْنُ السّكَنِ فِي كِتَابِ السّنَنِ لَهُ، وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ أَبْعَد، وَلَمْ يُبَيّنْ مِقْدَارَ الْبُعْدِ، وَهُوَ مُبَيّنٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ السّكَنِ- كَمَا قَدّمْنَا- وَلَمْ يَكُنْ(1/259)
[ «رسول أبرهة إلى عبد الْمُطّلِبِ» :]
وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ حُنَاطَة الْحِمْيَرِيّ إلَى مَكّةَ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا، ثُمّ قُلْ لَهُ: إنّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَك: إنّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنّمَا جِئْت لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي، فَأْتِنِي بِهِ، فَلَمّا دَخَلَ حُنَاطَة مَكّةَ، سَأَلَ عَنْ سَيّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا، فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: وَاَللهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ، هَذَا بَيْتُ اللهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ، فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ، وَإِنْ يُخَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فوالله ما عندنا دفع عنه؛ فَقَالَ لَهُ حُنَاطَة: فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ، فَإِنّهُ قد أمرنى أن آتيه بك.
[ «الشافعون عند أبرهة لعبد المطلب» .]
فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ، حَتّى أَتَى الْعَسْكَرَ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَك مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوّا أو عشيا؟! ما عندنا غناء فى شئ مِمّا نَزَلَ بِك إلّا أَنّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِك، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقّك، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَك عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلّمُهُ بِمَا بَدَا لَك. وَيَشْفَعُ لَك عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: حَسْبِي. فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَأْتِيَ مَكَانًا لِلْمَذْهَبِ إلّا وَهُوَ مَسْتُورٌ مُنْخَفِضٌ، فَاسْتَقَامَ المعنى فيه على الروايتين جميعا.(1/260)
فَقَالَ لَهُ: إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ سَيّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ، يُطْعِمُ النّاسَ بِالسّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِئَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْت، فَقَالَ: أَفْعَلُ.
فَكَلّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ. أَيّهَا الْمَلِكُ، هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِك يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ، وَهُوَ يُطْعِمُ النّاسَ فِي السّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْك، فَيُكَلّمْك فِي حاجته، قال: فأذن له أبرهة.
[ «عبد المطلب وأبرهة» ]
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ أَوْسَمَ النّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ، ثُمّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُك؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيّ الْمَلِكُ مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قال أبرهة لترجمانه:
قل له: قد كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُك، ثُمّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلّمْتنِي، أَتُكَلّمُنِي فِي مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَك، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُك وَدِينُ آبائك قد جئت لهدمه، لَا تُكَلّمْنِي فِيهِ؟! قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: إنّي أَنَا رَبّ الْإِبِلِ، وَإِنّ لِلْبَيْتِ رَبّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنّي، قَالَ: أنت وذاك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَسَامَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
وَقَوْلُهُ فِي صِفّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَوْسَمُ النّاسِ وَأَجْمَلُهُ «1» . ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ هَذَا
__________
(1) فى السيرة: وأجملهم.(1/261)
وَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَة، يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الدّئل بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ- وَخُوَيْلِد بْنُ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيّ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ هُذَيْلٍ- فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ، وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ. وَاَللهُ أَعْلَمُ، أَكَانَ ذَلِكَ، أَمْ لَا، فَرَدّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْإِبِلَ التى أصاب له.
[ «عبد المطلب يستغيث بالله» ]
فَلَمّا انْصَرَفُوا عَنْهُ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالتّحَرّزِ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ وَالشّعَابِ: تَخَوّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ، ثُمّ قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللهَ، ويستنصرونه عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ باب الكعبة:
لاهمّ إنّ العبد يمنع ... رحله فامنع خلالك
لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك
قال ابن هشام: هذا ما صح له منها.
[ «شاعر يدعو على الأسود» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بن عبد الدّار بن قصىّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكَلَامَ مَحْكِيّا عَنْ الْعَرَبِ، وَوَجْهُهُ عِنْدَهُمْ أَنّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، فَكَأَنّك قُلْت: أَحْسَنُ رَجُلٍ وَأَجْمَلُهُ، فَأَفْرَدَ الِاسْمَ الْمُضْمَرَ الْتِفَاتًا إلَى هَذَا المعنى، وهو(1/262)
لاهمّ أخز الأسود بن مقصود ... الْآخِذَ الْهَجْمَةَ فِيهَا التّقليدْ
بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ فَالْبِيدْ ... يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التّطْرِيدْ
فَضَمّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ ... أَخْفِرْهُ يَا رَبّ وَأَنْتَ مَحْمُودْ
قال ابن هشام: هذا ما صح له مِنْهَا، وَالطّمَاطِمُ: الْأَعْلَاجُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ، فَتَحَرّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بمكة إذا دخلها.
[ «أبرهة والفيل والكعبة» ]
فَلَمّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيّأَ لِدُخُولِ مَكّةَ، وَهَيّأَ فِيلَهُ، وَعَبّى جَيْشَهُ- وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا- وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ. فَلَمّا وَجّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكّةَ، أَقْبَلَ نفيل بن حبيب حَتّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْت، فَإِنّك فِي بَلَدِ اللهِ الْحَرَامِ، ثُمّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ. فَبَرَكَ الْفِيلُ، وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدّ حَتّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا فِي رَأْسِهِ بالطّبَرْزين؛ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ لَهُمْ فِي مَرَاقّهِ فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجّهُوهُ إلَى مَكّةَ فَبَرَكَ، فأرسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ، كَأَنّهُ حِينَ ذَكَرَ النّاسَ قَالَ: هُوَ أَجْمَلُ هَذَا الْجَنْسِ مِنْ الْخَلْقِ، وَإِنّمَا عَدَلْنَا عَنْ ذَلِكَ التّقْدِيرِ الْأَوّلِ، لِأَنّ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ:
«خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَوَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ: أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدِهِ فى صغره،(1/263)
الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كلّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، أَمْثَالُ الْحِمّصِ وَالْعَدَسِ، لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلّهُمْ أَصَابَتْ، وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطّرِيقَ الّذِي مِنْهُ جَاءُوا، وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ، لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ:
أَيْنَ الْمَفَرّ وَالْإِلَهُ الطّالِبُ ... وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْغَالِبُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا:
أَلَا حُيّيت عَنّا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت- ولا تريه ... لذى جَنْبِ الْمُحَصّبِ مَا رَأَيْنَا
إذًا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أمرى ... ولم تأسى علئ مَا فَاتَ بَيْنَا
حَمِدْتُ اللهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا ... وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا
وَكُلّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ ... كَأَنّ عَلَيّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ يسقط أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً: كُلّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ، أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدّةٌ تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا، حَتّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ «1» » ، وَلَا يستقيم ههنا حمله على الإفراد، لأن
__________
(1) متفق عليه، وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة.(1/264)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أنه حدّث: أن أول ما رؤيت الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَنّهُ أول ما رؤى بِهَا مَرَائِرُ الشّجَرِ: الْحَرْمَلِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ ذَلِكَ العام.
[ «قصة الفيل فى القرآن» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَانَ مِمّا يَعُدّ اللهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ، مَا رَدّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدّتِهِمْ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. وقال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. أَيْ لِئَلّا يُغَيّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، لِمَا أَرَادَ اللهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلُ: الْجَمَاعَاتُ، وَلَمْ تَتَكَلّمْ لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ عَلِمْنَاهُ، وَأَمّا السّجّيلُ، فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الشّدِيدُ الصّلْبُ، قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
وَمَسّهُمْ مَا مسّ أصحاب الفيل ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجّيلْ
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أبابيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُفْرَدَ هَهُنَا امْرَأَةٌ، فَلَوْ نَظَرَ إلَى وَاحِدِ النّسَاءِ لَقَالَ: أَحْنَاهَا عَلَى وَلَدِهِ، فَإِذًا التّقْدِيرُ: أَحْنَى هَذَا الْجَنْسِ الّذِي هُوَ النّسَاءُ، وَهَذَا الصنف، ونحو هذا.(1/265)
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ أَنّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيّةِ، جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنّمَا هُوَ سَنْج وَجَلّ يَعْنِي بِالسّنْجِ:
الحجر، وبالجلّ: الطّينَ، يَعْنِي: الْحِجَارَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ: الْحَجَرِ والطين.
والعصف: ورق الزرع الذى لم يعصف، وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ أَنّهُ يُقَالُ لَهُ: الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ. وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ:
تَسْقَى مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عصيفتها ... حَدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الرّاجِزُ:
فَصُيّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُول
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تفسير فى النحو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر قول عبد المطلب:
لاهمّ إنّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَك
الْعَرَبُ تَحْذِفُ الْأَلِفَ وَاللّامَ مِنْ اللهُمّ، وَتَكْتَفِي بِمَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ:
لَاهٍ أَبُوك تُرِيدُ: لِلّهِ أَبُوك، وَقَدْ تَقَدّمَ. قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي لِهَنّكَ [أَوْ: لَهِنّك] ، وَأَنّ الْمَعْنَى: وَاَللهِ إنّك، وَهَذَا لِكَثْرَةِ دَوْرِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَا هُوَ دُونَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ: أَجِنّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. أي مِنْ أجل أَنّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَالْحَلَالُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: الْقَوْمُ الْحُلُولُ فِي الْمَكَانِ، وَالْحَلَالُ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النّسَاءِ. قَالَ الشّاعِرُ:
بِغَيْرِ حلال غادرته مجحفل «1»
__________
(1) جحفله: صرعه ورماه وبكته. والبيت لطفيل وهو:
وراكضة ما تستجنّ بجنّة ... بعير حِلَالٍ غَادَرَتْهُ مُجَحْفَلِ(1/266)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْحِلَالُ أَيْضًا: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ هَهُنَا، وَفِي الرّجَزِ بَيْتٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَانَصْر عَلَى آلِ الصّلِيبِ ... وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَك «1»
وَفِيهِ حُجّةٌ عَلَى النّحّاسِ وَالزّبَيْدِيّ حَيْثُ زَعَمَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا أَنّهُ لَا يُقَالُ اللهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلَهُ، لِأَنّ الْمُضْمَرَ يَرُدّ الْمُعْتَلّ إلَى أَصْلِهِ، وَأَصْلُهُ: أَهْلٌ فَلَا يُقَالُ إلّا: وَعَلَى أهله، وبهذه المسئلة خَتَمَ النّحّاسُ كِتَابَهُ الْكَافِي. وَقَوْلُهُمَا خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي قِيَاسٍ وَلَا سَمَاعٍ، وَمَا وَجَدْنَا قَطّ مُضْمَرًا يَرُدّ مُعْتَلّا إلَى أَصْلِهِ إلّا قَوْلُهُمْ: أَعْطَيْتُكُمُوهُ بِرَدّ الْوَاوِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدَرٍ، وَلَا نَقُولُ أَيْضًا: إنّ آلًا أَصْلُهُ: أَهْلٌ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَا نَقُولُ: إنّ أُهَيْلًا تَصْغِيرُ آلٍ، كَمَا ظَنّ بَعْضُهُمْ، وَلِتَوْجِيهِ الْحِجَاجِ عَلَيْهِمْ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَفِي الْكَامِلِ مِنْ قَوْلِ الْكِتَابِيّ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ ذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ آلِك، وَلَيْسَ مِنْك «2» .
وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرٍ: الْآخِذُ الْهَجْمَةَ فِيهَا التّقْلِيدُ «3» : الْهَجْمَةُ:
هِيَ مَا بَيْنَ التّسْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَالْمِائَةُ مِنْهَا: هُنَيْدَةٌ، وَالْمِائَتَانِ: هِنْدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: والثلاثمائة أمامة، وأنشدوا:
__________
(1) لما قاله عبد المطلب روايات مختلفة وهى فى الطبرى ستة أبيات ص 135 ج 2
(2) فى اللسان كلام طويل عن آل وأهل فى مادة أهل فانظره.
(3) التقليد: أى فى أعناقها القلائد.(1/267)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَبَيّنْ رُوَيْدًا مَا أُمَامَةُ مِنْ هِنْد» .
وَكَأَنّ اشتقاق الهحمة مِنْ الْهَجِيمَةِ، وَهُوَ: الثّخِينُ مِنْ اللّبَنِ، لِأَنّهُ لَمّا كَثُرَ لَبَنُهَا لِكَثْرَتِهَا، لَمْ يُمْزَجْ بِمَاءِ، وَشُرِبَ صِرْفًا ثَخِينًا، وَيُقَالُ لِلْقَدَحِ الّذِي يُحْلَبُ فِيهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا: هَجْمٌ «2» .
فِي حَدِيثِ الْفِيلِ:
وَقَوْلِهِ: أَخْفِرْهُ يَا رَبّ. أَيْ اُنْقُضْ عَزْمَهُ وَعَهْدَهُ فَلَا تُؤَمّنْهُ، يُقَالُ: أَخَفَرْت الرّجُلَ، إذَا نَقَضْت عَهْدَهُ، وَخَفَرْته أَخْفِرُهُ: إذَا أَجَرْته، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْبَطَ هَذَا إلّا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، لِئَلّا يَصِيرَ الدّعَاءُ عَلَيْهِ دُعَاءً لَهُ.
وَقَوْلُهُ: إلَى طَمَاطِمِ سُودٍ. يَعْنِي: الْعُلُوجَ. وَيُقَالُ لِكُلّ أَعْجَمِيّ: طُمْطُمَانِيّ وَطُمْطُمٌ وَيُذْكَرُ عَنْ الْأَخْفَشِ: طَمْطَمُ بِفَتْحِ الطّاءِ «3» .
وَقَوْلُهُ: عَبّى جَيْشَهُ. يُقَالُ: عَبّيْت الْجَيْشَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، وَعَبّأَتْ الْمَتَاعَ
__________
(1) فى اللسان ورد هكذا فى مادة أمم.
أأبثره مالى ويحتر رفده ... تبيّن رويدا ما أمامة من هند
وفى الحماسة وردت شطرته الأولى: أيو عدنى والرمل بينى وبينه.
(2) ويحرك أيضا.
(3) وطمطمى أيضا بكسر الطاءين، والطماطم: بفتح الطاء الأولى وكسر الثانية. وفى صفة قريش: ليس فيها طمطمانية حمير. شبه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم.(1/268)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِالْهَمْزِ، وَقَدْ حُكِيَ عَبَأْت الْجَيْشَ بِالْهَمْزِ وَهُوَ قَلِيلٌ «1» .
وَقَوْلُهُ: فَبَرَكَ الْفِيلُ. فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنّ الْفِيلَ لَا يَبْرُكُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بُرُوكُهُ: سُقُوطَهُ إلَى الْأَرْضِ، لِمَا جَاءَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلَ الْبَارِكِ الّذِي يَلْزَمُ مَوْضِعَهُ، وَلَا يَبْرَحُ، فَعَبَرَ بِالْبُرُوكِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَقُولُ: إنّ فِي الْفِيَلَةِ صِنْفًا مِنْهَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ، فَإِنْ صَحّ وَإِلّا فَتَأْوِيلُهُ مَا قَدّمْنَاهُ.
وَالْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ صَاحِبُ الْفِيلِ: هُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلّةَ وَيُقَالُ فِيهِ: عُلَهْ عَلَى وَزْنِ عُمَرَ، ابْنُ خَالِدِ «2» بْنِ مَذْجِجَ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ قَدْ بَعَثَهُ النّجَاشِيّ مَعَ الْفِيَلَةِ وَالْجَيْشِ، وَكَانَتْ الْفِيَلَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِيلًا، فَهَلَكَتْ كُلّهَا إلّا مَحْمُودًا، وَهُوَ فِيلُ النّجَاشِيّ؛ مِنْ أَجْلِ أَنّهُ أَبَى مِنْ التّوَجّهِ إلَى الْحَرَمِ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَنُفَيْلٌ الّذِي ذَكَرَهُ هُوَ: نُفَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُزْءِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ جَلِيحَةَ بْنِ أَكْلُبَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عِفْرِسِ بْنِ جلف «3» بن أفتل،
__________
(1) فى اللسان: عبأ المتاع- بفتح الباء بدون تضعيف عبأ وعبّاه هيأمو عبّأ الجيش أصلحه وهيأه تعبية. وتعبئة وتعبيا، وقال أبو زيد: عبأته بالهمز.
(2) فى الاشتقاق وجمهرة ابن حزم: جلد بفتح الجيم وسكون اللام.
(3) فى جمهرة ابن حزم حلف بالحاء المضمومة واللام الساكنة أو حلف بفتح الحاء وكسر اللام. وبنو عفرس فى جمهرة ابن حزم هما: ناهس وشهران فحسب، فولد ناهس حام وأجرم وأوس مناة، وولد شهران وهب ومر ومحمية والقريح ص 368 وفى الاشتقاق ليس لعفرس سوى شهران وناهس.(1/269)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ: خَثْعَمُ. كَذَلِكَ نَسَبَهُ الْبَرْقِيّ. وَفِي الْكِتَابِ: نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنُفَيْلٌ مِنْ الْمُسَمّينَ بِالنّبَاتِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ: هُوَ تَصْغِيرُ نَفَلٍ، وهو نيت مُسْلَنْطِحٌ «1» عَلَى الْأَرْضِ.
وَذَكَرَ النّقّاشُ أَنّ الطّيْرَ كَانَتْ أَنْيَابُهَا كَأَنْيَابِ السّبُعِ، وَأَكُفّهَا كَأَكُفّ الْكِلَابِ، وذكر البرفى أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ قَالَ: أَصْغَرُ الْحِجَارَةِ كَرَأْسِ الْإِنْسَانِ، وَكِبَارُهَا كَالْإِبِلِ. وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ. وَفِي تَفْسِيرِ النّقّاشِ أَنّ السّيْلَ احْتَمَلَ جُثَثَهُمْ، فَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ، وَكَانَتْ قِصّةُ الْفِيلِ أَوّلَ الْمُحَرّمِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنْ تَارِيخِ ذِي الْقَرْنَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: فَضَرَبُوا رَأْسَهُ بِالطّبْرَزِينِ هَكَذَا تُقَيّدُ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي الْمُعْجَمِ، وَأَنّ الْأَصْلَ فِيهِ طَبَرْزِينُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ: طَبَرٌ هُوَ الْفَأْسُ وَذَكَرَ طَبَرَسْتَانَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ:
شَجَرٌ قُطِعَ بِفَأْسِ؛ لِأَنّهَا قَبْلَ أَنْ تُبْنَى كَانَتْ شَجْرَاءَ فَقُطِعَتْ، وَلَمْ يَقُلْ فِي طَبَرِيّةَ مِثْلُ هَذَا. قَالَ: وَلَكِنّهَا نُسِبَتْ إلَى طَبَارَاءَ، وَهُوَ اسْمُ الْمَلِكِ الّذِي بَنَاهَا، وَقَدْ أَلْفَيْته فِي شِعْرٍ قَدِيمٍ: طَبَرْزِينُ- بِفَتْحِ الْبَاءِ- كَمَا قَالَ الْبَكْرِيّ، وَجَائِزٌ فِي طَبَرْزِينَ- وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ أَنْ تُسَكّنَ الْبَاءُ- لِأَنّ الْعَرَبَ تَتَلَاعَبُ بِالْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيّةِ تَلَاعُبًا لَا يُقِرّهَا عَلَى حَالٍ. قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ.
وَقَوْلُهُ: فَبَزَغُوهُ، أَيْ: أَدْمَوْهُ، وَمِنْهُ سُمّيَ الْمِبْزَغُ، وَفِي رِوَايَةِ يونس
__________
(1) يعنى أنه منبسط على الأرض.(1/270)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ الْفِيلَ رَبَضَ، فَجَعَلُوا يَقْسِمُونَ بِاَللهِ أَنّهُمْ رَادّوهُ إلَى الْيَمَنِ، فَحَرّكَ لَهُمْ أُذُنَيْهِ، كَأَنّهُ يَأْخُذُ عَلَيْهِمْ عَهْدًا بِذَلِكَ، فَإِذَا أَقْسَمُوا لَهُ، قَامَ يُهَرْوِلُ، فَيَرُدّونَهُ إلَى مَكّةَ، فَيَرْبِضُ، فَيَحْلِفُونَ لَهُ، فَيُحَرّكُ لَهُمْ أُذُنَيْهِ كَالْمُؤَكّدِ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ مِرَارًا.
وَقَوْلُهُ: أَمْثَالُ الْحِمّصِ وَالْعَدَسِ يُقَالُ: حِمّصٌ، وَحِمّصٌ، كَمَا يُقَالُ: جِلّقٌ وَجِلّقٍ قَالَهُ الزّبَيْدِيّ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحِمّصِ إلّا الْفَتْحَ وَلَيْسَ لَهُمَا نَظِيرٌ فِي الْأَبْنِيَةِ إلّا الْحِلّزَةُ وَهُوَ الْقَصِيرُ «1» ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: الْحِلّزُ: الْبَخِيلُ بِتَشْدِيدِ الزّاي، وَصَوّبَ الْقَالِي هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، لأن فعّلا بالتشديد ليس فى الصّفَاتِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَيَعْنِي بِمُمَاثَلَةِ الْحِجَارَةِ لِلْحِمّصِ أَنّهَا عَلَى شَكْلِهَا «2» - وَاَللهُ أَعْلَمُ- لِأَنّهُ قَدْ رُوِيَ أَنّهَا كَانَتْ ضِخَامًا تَكْسِرُ الرّءُوسَ، وَرُوِيَ أَنّ مَخَالِبَ الطّيْرِ كَانَتْ كَأَكُفّ الْكِلَابِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: جَاءَتْهُمْ طَيْرٌ مِنْ الْبَحْرِ كَرِجَالِ الْهِنْدِ، وفى رواية
__________
(1) والسئ الخلق، والبخيل، ونبات، والبوم ودويّبة.
(2) فى اللسان: «ولم يعرف ابن الأعرابى كسر الميم فى الحمّص، ولا حكى سيبويه فيه إلا الكسر، فهما مختلفان، وقال أبو حنيفة. الحمّص: عربى، وما أقل ما فى الكلام على بنائه من الأسماء. الفراء: لم يأت على فعّل بفتح العين وكسر الفا، إلا قنّف وقلّف، وهو الطين المتشقق إذا نضب عنه الماء، وحمّص وقنّب، ورجل خنّب وخنّاب: طويل، وقال المبرد: جاء على فقّل: جلّق وحمّص، وحلّز وهو القصير، قال: وأهل البصرة اختاروا حمّصا، وأهل الكوفة اختاروا حمّصا، وقال الجوهرى: الاختيار فتح الميم، وقال المبرد بكسرها» مادة حمص.(1/271)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أُخْرَى عَنْهُ أَنّهُمْ اسْتَشْعَرُوا الْعَذَابَ فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنّهُمْ نَظَرُوا إلَى النّجُومِ كَالِحَةً إلَيْهِمْ، تَكَادُ تُكَلّمُهُمْ مِنْ اقْتِرَابِهَا مِنْهُمْ، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ «1» .
وَقَوْلُ نُفَيْلٍ:
وَلَمْ تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ بَيْنَا
نَصَبَ بَيْنًا نَصْبَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكّدِ لِمَا قَبْلَهُ، إذْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَمْ يكن على لفطه، لِأَنّ فَاتَ: مَعْنَى: فَارَقَ وَبَانَ، كَأَنّهُ قَالَ: عَلَى مَا فَاتَ فَوْتًا، أَوْ بَانَ بَيْنًا، وَلَا يَصِحّ لِأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ يَعْمَلُ فِيهِ تَأَسّى، لِأَنّ الْأَسَى بَاطِنٌ فِي الْقَلْبِ، وَالْبَيْنُ ظَاهِرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ إلّا بِعَكْسِ هَذَا.
تَقُولُ: بَكَى أَسَفًا، وَخَرَجَ خَوْفًا، وَانْطَلَقَ حِرْصًا عَلَى كَذَا، وَلَوْ عَكَسْت الْكَلَامَ كَانَ خَلَفًا مِنْ الْقَوْلِ وَهَذَا أَحَدُ شُرُوطِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَعَلّ لَهُ مَوْضِعًا مِنْ الْكِتَابِ فَنَذْكُرُهُ فِيهِ.
__________
(1) كل هذه روايات تحتاج إلى سند، وحسبنا هدى الله عنهم. وأصعد: أى يصعد فى الجبل، والمحاجن: عصا معوجة فى طرفها حديدة، ومراقه: أسفل بطنه، والخطاطيف: جمع خطاف على وزن رمان هو السنونو، وهو ضرب من الطيور القواطع عريض المنقار، دقيق الجناح طويله منتفش الذيل. والبلسان: شجر له زهر أبيض صغير بهيئة العناقيد!! وفى النهاية لابن الأثير، وهو يفسر حديث ابن عباس المنسوب إليه «بعث الله الطير على أصحاب الفيل كالبلسان» بفتح الباء واللام والسين نقلا عن عباد بن موسى: «أظنها الزرازير» وهى جمع زرزور: طائر أكبر قليلا من العصفور، وله منقار طويل ذو قاعدة عريضة وجناحاه طويلان مدببان والمحصّب: مكان بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب وحدّه من الحجون ذاهبا إلى منى.(1/272)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: نعمنا كم مَعَ الْإِصْبَاحِ عَيْنًا: دُعَاءٌ، أَيْ: نَعِمْنَا بِكُمْ، فَعَدّى الْفِعْلَ لَمّا حَذَفَ حَرْفَ الْجَرّ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: أَنْعَمَ اللهُ بِك عَيْنًا. وَقَوْلُهُ فِي أَوّلِ الْبَيْتِ: أَلَا حُيّيت عَنّا يَا رُدَيْنَا. هُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ، كَأَنّهَا سُمّيَتْ بِتَصْغِيرِ رُدْنَةَ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الرّدَنِ وَهُوَ الْحَرِيرُ. وَيُقَالُ لِمُقَدّمِ الْكُمّ: رُدْنٌ، وَلَكِنّهُ مُذَكّرٌ، وَأَمّا دُرَيْنَةُ بِتَقْدِيمِ الدّالِ عَلَى الرّاءِ، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَحْمَقِ «1» قَالَهُ الْخَلِيلُ.
وَقَوْلُهُ: فِي خَبَرِ أَبْرَهَةَ: تَبِعَتْهَا مِدّةٌ تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا. أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ: تَمُثّ، وَتَمِثّ بِالضّمّ وَالْكَسْرِ. فَعَلَى رِوَايَةِ الضّمّ يَكُونُ الْفِعْلُ مُتَعَدّيًا، وَنَصَبَ قَيْحًا عَلَى الْمَفْعُولِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَدّ، وَنَصَبَ قَيْحًا عَلَى التّمْيِيزِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ مِنْ باب:
تصبّب عرفا، وَتَفَقّأَ شَحْمًا «2» ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا أَبُو الْحُسَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ أَفْصَحَ سِيبَوَيْهِ فى لفظ الحال فى: ذهبن كلا كلا وَصُدُورًا «3» .
وَأَشْرَقَ كَاهِلًا، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَلِكَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ حَقِيقَةِ هَذَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَإِنّمَا قُلْنَا: إنّ مَنْ رَوَاهُ تَمُثّ بِضَمّ الْمِيمِ، فَهُوَ مُتَعَدّ، كَأَنّهُ مُضَاعَفٌ، وَالْمُضَاعَفُ إذَا كَانَ مُتَعَدّيًا، كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَضْمُومًا نَحْوَ: رَدّهُ يردّه إلّا ماشذ مِنْهُ، نَحْوَ عَلّ يَعُلّ وَيَعِلّ «4» ، وَهَرّ الْكَأْسُ يَهُرّ وَيَهِرّ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَدّ كَانَ
__________
(1) فى القاموس كذلك.
(2) مطاوع فقّأ. شق الشئ وأخرج ما فيه.
(3) شطرته الأولى: «مشق الهواجر لحمهنّ مع السّرى» .
(4) علّه: سقاه السقية الثانية، وعل هو بنفسه. فهو متعد ولازم تقول فيهما علّ يعل بضم العين وكسرها، وهرّ يهرّ كذلك، وجاء فى أدب الكاتب لابن-(1/273)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَكْسُورًا فِي الْمُسْتَقْبِلِ نَحْوَ: خَفّ يَخِفّ، وَفَرّ يَفِرّ إلّا سِتّةَ أَفْعَالٍ جَاءَتْ فِيهَا اللّغَتَانِ جَمِيعًا، وَهِيَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ وَغَيْرِهِ «1» ، فَغُنِينَا بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهَا. عَلَى أَنّهُمْ قَدْ أَغْفَلُوا: هَبّ يَهُبّ وَخَبّ يَخُبّ وَأَجّ يَؤُجّ إذَا أَسْرَعَ، وَشَكّ فِي الْأَمْرِ يَشُكّ، وَمَعْنَى تَمُثّ قَيْحًا: أَيْ: تَسِيلُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَمُثّ كَمَا يَمُثّ الزّقّ «2» .
وَقَوْلُهُ: يَسْقُطُ أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً «3» أَيْ: يَنْتَثِرُ جِسْمُهُ، وَالْأُنْمُلَةُ: طَرَفُ الْأُصْبُعِ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَبّرُ بِهَا عَنْ طَرَفٍ غَيْرِ الْأُصْبُعِ، وَالْجُزْءُ الصّغِيرُ. فَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّ فِي الشّجَرَةِ شَجَرَةً هِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ، لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ. ثُمّ قَالَ: هِيَ النّخْلَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْقُطُ لَهُ دَعْوَة.
وَقَوْلُهُ: مَرَائِرُ الشّجَرِ يُقَالُ: شَجَرَةٌ مُرّةٌ، ثُمّ تُجْمَعُ عَلَى مَرَائِرَ، كَمَا تُجْمَعُ:
حُرّةٌ عَلَى حَرَائِرَ، وَلَا تُعْرَفُ فِعْلَةٌ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ إلا فى هذين الحرفين «4» ،
__________
- قتيبة عن الفراء غير هذين: شذّ ونمّ الحديث، وزاد غيره: بت الشئ. كلها متعدية وبكسر العين فى المضارع وضمها.
(1) الأفعال هى جدّ وشب، وجم، وصد، وشح، وفح كما جاء فى أدب الكاتب لابن قتيبة ص 471 ج 1 مصطفى محمد.
(2) الزق: وعاء من جلد- يجز شعره، ولا ينتف- للشراب وغيره جمعها أزقاق وزقاق. ومث الرجل مثا: عرق، ورئى على جلده مثل الدهن. ومث السقاء رشح.
(3) أنملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات. وهى التى فيها الظفر.
(4) يرى أبو ذر الخشنى أن مرائر جمع: أمرار، وأمرار جمع: مر. ص 18 شرح السيرة.(1/274)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقِيَاسُ جَمْعِهِمَا فُعَلٌ نَحْوَ: دُرّةٌ وَدُرَرٌ، وَلَكِنّ الْحُرّةَ مِنْ النّسَاءِ فِي مَعْنَى:
الْكَرِيمَةِ وَالْعَقِيلَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَجْرَوْهَا مَجْرَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْفَعِيلَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُرّ قِيَاسُهُ: أَنْ يقال فيه: مرير؛ لأن المرارة فى الشئ طَبِيعَةٌ، فَقِيَاسُ فِعْلِهِ: أَنْ يَكُونَ فَعَلَ كَمَا تقول: عذب الشئ وَقَبُحَ. وَعَسِرُ إذَا صَارَ عَسِيرًا، وَإِذَا كَانَ قِيَاسُهُ فَعُلَ فَقِيَاسُ الصّفَةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ على فعيل، والأنثى: فعيلة، والشئ الْمُرّ عَسِيرٌ أَكْلُهُ شَدِيدٌ، فَأَجْرَوْا الْجَمْعَ مَجْرَى هَذِهِ الصّفَاتِ الّتِي هِيَ عَلَى فَعِيلٍ؛ لِأَنّهَا طِبَاعٌ وَخِصَالٌ، وَأَفْعَالُ الطّبَاعِ وَالْخِصَالِ كُلّهَا تَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى.
وَذَكَرَ الْعُشَرَ. وَهُوَ شَجَرٌ مُرّ يَحْمِلُ ثَمَرًا كَالْأُتْرُجّ، وَلَيْسَ فِيهِ مُنْتَفَعٌ، وَلَبَنُ الْعُشَرِ تُعَالَجُ بِهِ الْجُلُودُ قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ فِي الْمَنِيئَةِ، وَهِيَ: الْمَدْبَغَةُ كَمَا تُعَالَجُ بِالْغَلْقَةِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ، وَفِي الْعُشَرِ: الْخُرْفُعُ وَالْخِرْفِعُ، وَهُوَ شَبَهُ الْقُطْنِ وَيُجْنَى مِنْ الْعُشَرِ: الْمَغَافِيرُ، وَاحِدُهَا: مُغْفُورٌ، وَمَغَافِرُ، وَوَاحِدُهَا: مِغْفَرٌ، وَيُقَالُ لَهَا: سُكّرُ الْعُشَرِ، وَلَا تَكُونُ الْمَغَافِيرُ إلّا فِيهِ، وَفِي الرّمْثِ، وَفِي الثّمَامِ، وَالثّمَامُ:
أَكْثَرُهَا لَثًى، وَفِي الْمِثْلِ: هَذَا الْجَنَى لَا أَنْ يُكَدّ الْمِغْفَرُ «1» من كتاب أبى حنيفة.
__________
(1) نفسر هنا بعض ما ورد فى السيرة والروض من أسماء الشجر والنبات فالحرمل: نبت له حب أسود كالخردل، والحنظل: نبت يمتد كالبطيخ على الأرض يضرب المئل بشدة مرارته، والمغافر، أو المغافير. صمغ حلو يسيل من شجر العرفج أو العرفط، يؤكل أو يوضع فى ثوب، ثم ينقع بالماء، فيشرب. وفى القاموس «والمغافر والمغافير: المغاثير الواحد مغفر كمنبر، ومغفور ومغفر بضمهما، ومغفار ومغفير بكسرهما» والرمث: مرعى للابل من الحمض وشجر-(1/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلَ، وَقَالَ: لَمْ يُسْمَعْ لَهَا بِوَاحِدِ، وَقَالَ غَيْرُهُ:
وَاحِدُهَا: إبّالُهُ، وَإِبّوْلٌ، وَزَادَ ابْنُ عَزِيزٍ: وَإِبّيلٌ، وَأَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِرُؤْبَةَ:
وَصُيّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُولٍ
وَقَالَ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النّحْوِ، وَتَفْسِيرُهُ: أَنّ الْكَافَ تَكُونُ حَرْفَ جَرّ، وَتَكُونُ اسْمًا بِمَعْنَى: مِثْلُ، وَيَدُلّك أَنّهَا حَرْفٌ: وُقُوعُهَا صِلَةً لِلّذِي؛ لِأَنّك تَقُولُ: رَأَيْت الّذِي كَزَيْدِ، وَلَوْ قُلْت: الّذِي مِثْلُ زَيْدٍ لَمْ يُحْسِنْ، وَيَدُلّك أَنّهَا تَكُونُ اسْمًا دُخُولُ حَرْفِ الْجَرّ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: وَرُحْنَا بِكَابْنِ الْمَاءِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ. وَدُخُولُ الْكَافِ عَلَيْهَا، وَأَنْشَدُوا: وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنِ «1» [أَوْ يُؤْثَفَيْنِ] . وَإِذَا دخلت
__________
- يشبه الغضا، والغلقة: شجيرة مرة بالحجاز وتهامة غاية للدباغ، والحبشة تسم بها السلاح فيقتل من أصابه، والخرفع: القطن الفاسد فى براعيمه، والثمام: عشب من الفصيلة النجيلية يسمو إلى خمسين ومائة سنتيمتر. والأترج والأترجة: نوع من الثمر حمضى، واللثى: ما يسيل من بعض الشجر كالصمغ. وفى المطبوعة بدلا من يكد: يكن، وهو خطأ، ويروى، تكد قيل: لأنه لا يجتمع منه فى سنة سوى القليل ويضرب فى تفضيل الشئ على جنسه، ولمن يصيب الخير الكثير. انظر مجمع الأمثال وفى اللسان أن المغافير نوع من الصمع يوضع فى ثوب، ثم ينضح بالماء، فيشرب. واحدها: مغفر، ومغفر، ومغفر، ومغفور، ومغفار، ومغفير.. وقد يكون المغفور أيضا للعشر والسّلم والثمّام والطّلح وغير ذلك.. ويقال لصمغ الرمث والعرفط: مغافير ومغاثير الواحد: مغثور، ومغفور ومغفر، ومغثر ... والمغافير الذى ورد فى حديث نساء النبى يراد به صمغ العرفط وله ريح كريهة منكرة، وعن الليث: المغافير: الصمغ يكون فى الرمث، وهو حلو يؤكل واحدها. مغفور.
(1) من قصيدة لخطام بن نصر بن عياض بن يربوع هو: المجاشعى. وأولها.
حىّ دار الحىّ بين الشهبين ... وطلحة الدوم، وقد تعفّين-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لم يبق من أى بها يحلّين ... غير حطام ورماد كنفين
وغير ود جاذل أو ودين ... وصاليات ككما يؤتفين
وفى خزانة الأدب: الشهبين وفى شرح شواهد الشافية للبغدادى أيضا: السهبين والشهبان وطلحه الدوم: موضعان، والنون فى تعفين ضمير ديار الحى، وصاليات بالجر: عطفا على ما قبلها، وهى الأثافى أى: الأحجار التى يوضع القدر عليها، وصفها بذلك، لأنها صليت بالنار أى أحرقت حتى اسودت. وما فى قوله «ككما» قد تكون مصدرية، فيكون التقدير: مثل الإثفاء وقد تكون موصولة بمعنى الذى، والكاف الأولى جارة، والثانية مؤكدة لها، وإذا كان من باب التوكيد جاز أن يكون الكافان اسمين أو حرفين، فلا يكون دليل على اسمية الثانية فقط. وفى شرح أدب الكاتب: أجرى الكاف الجارة مجرى: مثل، فأدخل عليها كافا ثانية فكأنه قال: كمثل ما يؤثفين، وما مع الفعل بتقدير المصدر. كأنه قال: كمثل إثفائها، أى أنها على حالها حين أثفيت، والكافان لا يتعلقان بشئ، فإن الأولى زائدة، والثانية قد أجريت مجرى الأسماء لدخول الجار عليها. ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدر محمول على معنى الصاليات؛ لأنها نابت مناب مثفيات. فكأنه قال: ومثفيات إثفاء مثل إثفائها حين نسبت للقدر. وأما يؤثفين فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون مثل: يؤكرم، ويكون على لغة من قال: ثفيت القدر «ثفيت بفتح الثاء وتشديد الفاء وإسكان الياء» ومن قال هذا كانت أثفية «بضم الهمزة وإسكان الثاء وكسر الفاء وتشديد الياء» عنده أفعولة، واللام واو، ويحتمل أن تكون ياء، والهمزة زائدة فأصلها؛ أثفوية، فقلبت الواو ياء، وأدغمت وكسرت لتبقى الياء على حالها، والوجه الآخر: أن يكون يؤثفين: يفعلين- بضم الياء وفتح الفاء وإسكان العين وفتح اللام وإسكان الياء وفتح النون- فتكون الهمزة أصلية، فتكون أثفية على هذا فعلية بضم الفاء إسكان العين وكسر اللام وتشديد الياء مع فتح، وتكون على لغه من قال: آثفت-(1/276)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى مِثْلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشّورَى: 11] فَهِيَ إذًا حَرْفٌ؛ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ: مِثْلُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ هِيَ حَرْفُ فِي بَيْتُ رُؤْبَةَ: «مِثْلَ كَعَصْفِ» لَكِنّهَا مُقْحَمَةٌ لِتَأْكِيدِ التّشْبِيهِ، كَمَا أَقْحَمُوا اللّامَ مِنْ قَوْلِهِ: يَا بُؤْسَ لِلْحَرْبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْجَرّ سِوَى اللّامِ، وَالْكَافِ، أَمّا اللّامُ؛ فَلِأَنّهَا تُعْطِي بِنَفْسِهَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ، فَلَمْ تُغَيّرْ مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الْكَافُ تُعْطِي مَعْنَى التّشْبِيهِ، فَأُقْحِمَتْ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ، غَيْرَ أَنّ دُخُولَ مِثْلٍ عَلَيْهَا كَمَا فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ قَبِيحٌ، وَدُخُولُهَا عَلَى مِثْلٍ كَمَا فِي الْقُرْآنِ أحسن شئ؛ لِأَنّهَا حَرْفُ جَرّ تَعْمَلُ فِي الِاسْمِ، وَالِاسْمُ لَا يَعْمَلُ فِيهَا، فَلَا يَتَقَدّمُ عَلَيْهَا إلّا أَنْ يُقْحِمَهَا كَمَا أُقْحِمَتْ اللّامُ.
وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى الْعَصِيفَةِ قَوْلَ عَلْقَمَةَ، وَآخِرَهُ:
حَدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومِ.
وَهَذَا الْبَيْتُ أَنْشَدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ جُدُورُهَا: هُوَ جَمْعُ جَدْرٍ بِالْجِيمِ، وَهِيَ الْحَوَاجِزُ الّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ، وَيُقَالُ للجدر
__________
- القدر انظر ص 115- ح 2 خزانة الأدب للبغدادى، ص 192 ح 1 المنصف شرح التصريف لابن جنى. والرأى الثانى أولى على ما ذهب إليه البغدادى، ويرى ابن جنى أن يفعلين أولى من يؤفعلن، لأنه لا ضرورة فيه، وفى اللسان: تقول: آثف القدر، وأثفها وأثفاها، وتقول: أثفيت القدر إذا جعلت لها الأثافى. ويقول ابن جنى: أثفيت القدر، وأثّفتها، وثفّيتها: إذا أصلحت تحتها الأثافى، وقال صاحب الصحاح: ثفّيت القدر تثفية: وضعتها على الأثافى، وأثفيتها: جعلت لها أثافى. وينسب الشعر للفارسى أيضا، أما الجوهرى فى الصحاح، فنسبه إلى هميان بن قحافة انظر ص 460 الشافية، 194 ح 1 منها، ص 94 ح 2 منها والكتاب لسيبوته فى مواضع منها 203، 241 ح 1(1/278)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حُبّاسٌ «1» أَيْضًا: وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمْسِكْ الْمَاءَ حَتّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، ثُمّ أَرْسِلْهُ «2» » وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَةَ الْجِيمِ، وَقَالَ: إنّمَا قَالَ: جُدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومُ.
وَأَفْرَدَ الْخَبَرَ، لِأَنّهُ رَدّهُ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَدْرِ كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
تَرَى جَوَانِبَهَا بِالشّحْمِ مَفْتُوقَا.
أَيْ: تَرَى كُلّ جَانِبٍ فِيهَا.
فَصْلٌ: وَيُقَالُ لِلْعَصِيفَةِ أَيْضًا: أَذَنَةٌ «3» ، وَلَمّا تُحِيطُ بِهِ الْجُدُورُ الّتِي تُمْسِكُ الماء
__________
(1) فى القاموس: حبس بكسر الحاء: خشبة أو حجارة تبنى فى مجرى الماء لتحبسه. وحدورها: ما انحدر منها.
(2) هو جزء من حديث رواه البخارى ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار فى شراج الحرة، فقال النبى «ص» : اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصارى: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعب للزبير حقه، وكان، أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. وشراج جمع شرجة: مسيل الماء من الحرة إلى السهل. والحرة أرض بظاهر المدينة ذات حجارة سود، ومعنى: أن كان ابن عمتك: أى أقضيت له بسبب أن كان ابن عمتك. وقد أفرد كلمة «مطموم» فى رواية: جدور، لأنه أراد ما حول الجدور، ولولا هذا لقال: مطمومة. وفى النهاية لابن الأثير عن الجدر قيل: هو لغة فى الجدار، وقيل هو أصل الجدار، وروى: الجدر بالضم جمع جدار، ويروى بالذال فيكون المعنى «احبس الماء حتى يبلغ تمام الشرب. من جذر الحساب، وهو بالفتح، وبالكسر. أصل كل شئ. وقيل: أراد أصل الحائط.
(3) الأذنة أيضا: هى ورقة الحنة أول ما تنبت وخوصة الثمام والتبنة.(1/279)
وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ: إيلَافُهُمْ الْخُرُوجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ خَرْجَتَانِ: خَرْجَةٌ فِي الشّتَاءِ، وَخَرْجَةٌ فِي الصّيْفِ. أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ:
أن العرب تقول: ألفت الشئ إلْفًا، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرّمّةِ:
مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرّمْلَ أَدْمَاءُ حُرّةٌ ... شعاع الضحى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضّحُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ:
الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. يُقَالُ: آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ، أَحَدُ بنى أسد ابن خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بن نزار معدّ:
بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دَبْرَةَ «1» وَحِبْسَ وَمَشَارَةَ، وَلِمَفْتَحِ الْمَاءِ مِنْهَا: آغِيَةٌ بالتخفيف والتثقيل [أو أتىّ] «2»
__________
(1) فى المعجم الوسيط: الدبرة: قطعة أرض تستصلح للزراعة، والساقية بين المزارع، وجمع مشارة: مشاور، ومشائر.
(2) فى اللسان «الأتى «بفتح الهمزة وكسر التاء وتشديد آخره» النهر يسوقه الرجل إلى أرضه وقيل: هو المفتح «بفتح الميم أو كسرها وسكون الفاء وفتح التاء» وكل مسيل سهلته لماء: أتى، وهو الأتى «بضم الهمزة وتضعيف الياء وكسر التاء» حكاه سيبويه. وقيل: الأتى «بالضبط السابق» : جمع» وفى القاموس أن الأتى جدول تؤتيه إلى الأرض، وأن الهمزه والتاء يثلثان. والأتى ما يقع فى النهر من خشب وغيره.(1/280)
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَصِيرَ الْقَوْمُ أَلْفًا، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
وَآلُ مُزَيقياء غداة لا قوا ... بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبّةَ مُؤْلِفِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تُؤَلّفَ الشئ إلى الشئ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ، يُقَالُ: آلَفْتُهُ إيّاهُ إيلَافًا. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تَصِيرَ مَا دُونَ الْأَلْفِ أَلْفًا، يقال: آلفته إيلافا.
[ «مصير الفيل وسائسه» .]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الله بن أبى بكر، عن عمرة بنة عبد الرحمن ابن سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النّاسَ» .
[مَا قِيلَ فى صفة الفيل من الشعر]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَدّ اللهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكّةَ، وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النّقْمَةِ، أَعْظَمَتْ الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: هُمْ أَهْلُ اللهِ، قَاتَلَ اللهُ عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوّهِمْ، فَقَالُوا فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللهُ بِالْحَبَشَةِ، وَمَا رَدّ عَنْ قُرَيْشٍ من كيدهم.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى بْنِ عَدِيّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سهم ابن عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بن غالب بن فهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ إيلَافَ قُرَيْشٍ لِلرّحْلَتَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ مَصْدَرُ ألفت الشئ وآلفته فجعله من الالف للشّئ، وَفِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ أَلْيَقُ، لِأَنّ السّفَرَ قِطْعَةٌ من العذاب،(1/281)
تَنّكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، إنّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا
لَمْ تَخْلُقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا
سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا
سِتّونَ أَلْفًا لَمْ يَئُوبُوا أَرْضَهُمْ ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
كَانَتْ بِهَا عَادٌ، وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي ابْنُ الزّبَعْرَى بِقَوْلِهِ:
بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
أَبْرَهَةَ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، حَتّى مات بصنعاء.
وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيّ ثُمّ الْخَطْمِيّ، وَاسْمُهُ: صَيْفِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو قَيْسٍ: صَيْفِيّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وائل بن زيد بن قيس بن عامرة بن مُرّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ:
وَمِنْ صُنْعِهِ يوم فيل الحبو ... ش إذ كلّما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرا به ... وَقَدْ شَرّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ
وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ... إذَا يَمّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ
فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ
فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ... فَلَفّهُمْ مِثْلَ لَفّ القزم
تجض عَلَى الصّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا تألفه النفس، إنما تَأْلَفُ الدّعَةَ وَالْكَيْنُونَةَ مَعَ الْأَهْلِ. قَالَ الْهَرَوِيّ:
هِيَ حِبَالٌ، أَيْ: عُهُودٌ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ملوك العجم، فكان هاشم يؤالف إلى(1/282)
وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:
فَقُومُوا فَصَلّوا رَبّكُمْ، وَتَمَسّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدّقٌ ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
كتيبته بالسهل تُمْسِي، وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
فَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ
فَوَلّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ:
عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللهُ.
وَقَوْلُهُ: «غَدَاةَ أَبِي يكْسوم» : يَعْنِي: أَبْرَهَةَ، كَانَ يُكَنّى أَبَا يَكْسوم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وجيش أبي يكسوم إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللهِ لَا شئ غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْر، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ فى شأن الفيل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَلِكِ الشّامِ، وَكَانَ الْمُطّلِبُ يُؤَالِفُ إلَى كِسْرَى، والآخران يؤالفان أحدهما(1/283)
وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ:
إنّ آيَاتِ رَبّنَا ثَاقِبَاتُ ... لَا يُمَارِي فِيهِنّ إلّا الْكَفُورُ
خُلِقَ اللّيل والنّهار فكلّ ... مسستبين حِسَابُهُ مَقْدُورُ
ثُمّ يَجْلُو النّهَارَ رَبّ رَحِيمٌ ... بمهاة شعاعها منشور
حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمّسِ، حَتّى ... ظَلّ يَحْبُو كَأَنّهُ مَعْقُورُ
لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا قُطّرَ ... مِنْ صخر كبكب محدور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى مَلِكِ مِصْرَ، وَالْآخَرُ إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وهما: عبد شمس ونوفل «1» . قال
__________
(1) نقل اللسان عن ابن الأعرابى «أصحاب الإيلاف أربعة إخوة: هاشم وعبد شمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف، وكانوا يؤلفون الجوار يتبعون بعضه بعضا يجيرون قريشا بميرهم «بكسر الميم وفتح الياء وكسر الراء جمع: ميرة: الطعام يمتاره الإنسان» ، وكانوا يسمون: المجيرين» ثم يقول إن المطلب أخذ حبلا من ملوك حمير. ونوفل: هو الذى أخذ من كسرى. وعبد شمس أخذ من النجاشى، وهاشم من ملك الروم، فكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بحبال- أى عهود- هؤلاء الإخوة. فلا يتعرض لهم. وقال ابن الأنبارى: من قرأ لإلافهم وإلفهم فهما من: ألف- كعلم- يألف، ومن قرأ: لإيلافهم فهو من آلف يؤلف. وفى اللسان أيضا حديث ابن عباس: «وقد علمت قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف لهاشم الإيلاف: العهد والذمام» . وقد تكون الهاء فى إيلافهم مفعولا، ورحلة مفعولا ثانيا. ويجوز أن يكون المفعول هنا واحدا على قولك آلفت الشئ كألفته، وتكون الهاء والميم فى موضع الفاعل مثل عجبت من ضرب زيد عمرا. وفى اللسان «أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكة، ولتؤلف قريش رحله الشتاء والصيف أى تجمع بينها إذا فرغوا من ذه أخذوا فى ذه، وهو كما تقول: ضربته لكذا لكذا بحذف الواو»(1/284)
حوله من ملوك كندة أبطا ... ل مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ
خَلّفُوهُ ثُمّ ابذعَرّوا جَمِيعًا ... كُلّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ
كُلّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ ... اللهِ إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ بور
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ- وَاسْمُهُ هَمّامُ بْنُ غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زيد مناة بن تميم- يمدح سليمان ابن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيَهْجُو الْحَجّاجَ بْنَ يوسف، ويذكر الفيل وجيشه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمَعْنَى يُؤَالِفُ: يُعَاهِدُ وَيُصَالِحُ، وَنَحْوُ هَذَا، فَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ، وَالْمَصْدَرُ إلَافًا بِغَيْرِ يَاءٍ مِثْلُ: قِتَالًا، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِثْلُ: آمَنَ، وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ: إيلَافًا بِالْيَاءِ مِثْلُ: إيمَانًا، وَقَدْ قُرِئَ لِإِلَافِ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ يَاءٍ، ولو كان من آلفت الشئ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلْت إذَا أَلِفْته لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ صَحِيحَةً، وَقَدْ قَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ، فَدَلّ هَذَا عَلَى صِحّةِ مَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ، وَقَدْ حَكَاهُ عَمّنْ تَقَدّمَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ اللّامَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ مُتَعَلّقَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَمَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: أَنّهَا متعلقة بقوله: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
أَيْ: فَلْيَعْبُدُوهُ مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَ بِهِمْ «1» . وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ لَامُ التّعَجّبِ، وَهِيَ مُتَعَلّقَةٌ بِمُضْمَرِ، كَأَنّهُ قَالَ: اعْجَبْ لإيلاف قريش، كما قال
__________
(1) ابن جرير الطبرى. وهذا بناء على أنها سورة منفصلة عما قبلها. أما محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فقد صرحا بأنها متعلقة بما قبلها، فالمعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل، وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أى لائتلافهم واجتماعهم فى بلدهم آمنين. أقول: وعلى هذا يصح المعنى الذى نفاه السهيلى.(1/285)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «1» - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ!! - حِينَ دُفِنَ:
«سُبْحَانَ الله لهذا العبد الصالح ضم في قبره، حَتّى فَرّجَ اللهُ عَنْهُ!!» وَقَالَ فِي عَبْدٍ حَبَشِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ: «لَهَذَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيّ جَاءَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي خُلِقَ مِنْهَا» أَيْ: اعْجَبُوا لِهَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ.
وَأُنْشِدَ لِلْكُمَيْتِ:
بِعَامِ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُو ... نَ: أَهَذَا الْمُعِيمُ لَنَا الْمُرْجِلُ
الْمُؤْلِفُ: صَاحِبُ الْأَلْفِ مِنْ الْإِبِلِ، كَمَا ذُكِرَ، وَالْمُعِيمُ بِالْمِيمِ: مِنْ الْعَيْمَةِ «2» أَيْ: تَجْعَلُ تِلْكَ السّنَةُ صَاحِبَ الْأَلْفِ مِنْ الْإِبِلِ يَعَامُ إلَى اللّبَنِ، وَتُرْجِلُهُ، فَيَمْشِي رَاجِلًا، لِعَجِفِ الدّوَابّ وَهُزَالِهَا.
وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الزّبَعْرَى: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ. الْبَيْتُ، وَنَسَبَهُ إلَى عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَكَرّرَ هَذَا النّسَبَ فِي كِتَابِهِ مِرَارًا وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصّوَابُ: سَعْدُ بْنُ سَهْمٍ، وَإِنّمَا سَعِيدٌ: أَخُو سَعْدٍ، وَهُوَ فِي نَسَبِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ «3» .. وَقَدْ أَنْشَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلّ على خلاف قوله: وهو
__________
(1) شهد بدرا باتفاق، ورمى بسهم يوم الخندق، وعاش بعد ذلك شهرا حتى حكم فى بنى قريظة، وأجيبت دعوته فى ذلك، ثم انتقض جرحه، فمات سنة خمس من الهجرة.
(2) العيمة: شهوة اللبن والعطش تقول: عام، يعيم، ويعام، وعام معيم: طويل.
(3) فى السيرة هو ابن عدى بن قيس بن عدى، وفى الاشتقاق لابن دريد: هو ابن قيس بن عدى، وفى جمهرة أنساب العرب أن سهم بن عمرو كان له سعد-(1/286)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُ الْمُبْرِقِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ «1» :
فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِ
فَقَالَ: عَدِيّ بْنُ سَعْدٍ، وَلَمْ يَقُلْ: سُعَيْدٌ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ وَالزّبَيْرِيّون وَغَيْرُهُمْ.
حول الشعر الذى قبل فِي الْفِيلِ:
وَقَوْلُهُ: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ إنّهَا. وَهَذَا خَرْمٌ فِي الْكَامِلِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ فِي أَشْعَارِ هَذَا الْكِتَابِ الْخَرْمُ فِي الْكَامِلِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَرْمُ فِي مُتَفَاعَلٍ، فَيُحْذَفُ مِنْ السّبَبِ حَرْفٌ، كَمَا حُذِفَ مِنْ الْوَتِدِ فِي الطّوِيلِ حَرْفٌ، وَإِذَا وُجِدَ حَذْفُ السّبَبِ الثّقِيلِ كُلّهِ، فَأَحْرَى أَنْ يَجُوزَ حَذْفُ حَرْفٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ فى قول ابن مفرّغ:
__________
- وسعيد بضم السين وفتح العين، فأنجب سعد: سعيدا- بالضبط السابق- وعديا وغيرهما ثم أنجب عدى بن سعد بن سهم قيسا سيد قريش فى زمانه وغيره، ثم جاء قيس بالزبعرى، وجاء الزبعرى بعبد الله، وقد ضبط ابن حجر فى الإصابه الزبعرى بكسر الزاى والباء وقد جاء فى نسب قريش ص 401 كما قال السهيلى وأسقط كابن حزم من نسب عبد الله عديا، فقال: عبد الله بن الزبعرى بن قيس الخ.. والزبعرى معناها: السئ الخلق والغليظ، وكان ابن الزبعرى يؤذى رسول الله «ص» بشعره ثم أسلم فى الفتح وحسن إسلامه ص 156 جمهرة ابن حزم.
(1) استشهد عبد الله يوم الطائف وستأتى قصيدته فى الحديث عن المهاجرين.(1/287)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَامَةٌ تَدْعُو صَدَى ... بَيْنَ الْمُشَقّرِ وَالْيَمَامَةِ «1»
وَهُوَ مِنْ الْمُرَفّلِ، وَالْمُرَفّلُ مِنْ الْكَامِلِ. أَلَا تَرَى أَنّ قَبْلَهُ:
وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْت هَامَة
فَالْمَحْذُوفُ مِنْ الطّوِيلِ إذَا خَرُمَ حَرْفٌ مِنْ وَتَدٍ مَجْمُوعٍ، وَالْمَحْذُوفُ مِنْ الْكَامِلِ إذَا خَرُمَ: حَرْفٌ مِنْ سَبَبٍ ثَقِيلٍ، بَعْدَهُ سَبَبٌ خَفِيفٌ، وَلَمّا كَانَ الْإِضْمَارُ فِيهِ كَثِيرًا، وَهُوَ إسْكَانُ التّاءِ مِنْ مُتَفَاعِلُنْ، فَمِنْ ثَمّ قَالَ أَبُو عَلِيّ:
لَا يَجُوزُ فِيهِ الخرم، لأن ذلك يؤول إلَى الِابْتِدَاءِ بِسَاكِنِ، وَهَذَا الْكَلَامُ لِمَنْ تَدَبّرَهُ بَارِدٌ غَثّ؛ لِأَنّ الْكَلِمَةَ الّتِي يَدْخُلُهَا الْخَرْمُ لَمْ يَكُنْ قَطّ فِيهَا إضْمَارٌ نَحْوَ: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، وَاَلّتِي يَدْخُلُهَا الْإِضْمَارُ، لَا يتصوّر فيها الخرم
__________
(1) الهامة: من طير الليل وهو الصدى، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذى لا يدرك بثأره تصير هامة، فترقو عند قبره قائلة: اسقونى، فإذا أدرك بثأره طارت. وهى أيضا: طائر صغير من طير الليل يألف المقابر. ولعله يريد أنها تنادى ذكرها. والمشقر حصن بين البحرين ونجران. واليمامة بلد كبير فى نجد وابن مفرّغ هو: يزيد بن ربيعة رجل من يحصب، وكان هجّاء، فهجا عبادا والى سجستان من قبل عبد الله بن زياد، وكان على ابن مفرغ دين فاستعدى عليه عباد، فباع رحله ومتاعه، وقضى الغرماء، وكان فيما بيع له عبد يقال له برد، وجارية يقال لها أراكة فقال:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيام برامه
ومنها:
العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامة
ص 29 أمالى الزجاج ط 1324(1/288)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَحْوَ: لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي «1» وَنَحْوَ قَوْلِهِ: «لَمْ تخلق الشّعرى ليالى حرّمت» فتعليله
__________
(1) لا يبعدن قومى من قول خرنق بنت هفان من بنى قيس بن ثعلبة، وقولها:
لا يبعدن قومى الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوى الغنى منهم بذى الفقر
وكل ما فات مصطلحات من العروض، وهو علم وزن الشعر. والسبب والوتد من المقاطع العروضية، فالسبب الخفيف: حركة فسكون مثل: قد، والثقيل: حركتان مثل بك ولك. والوتد المجموع: حركتان فساكن، مثل: على والمفروق: حركة فساكن فحركة: مثل: جاء. وفى العروض ما يسمى بالزحافات، وهو تغيير فى حشو البيت خاص بثوانى الأسباب، وما يسمى بالعلل، وهى: تغيير فى تفعيلة العروض أو الضرب، ومتى وردت عليه فى أول بيت لزمت كبعض أنواع الزحاف. والخرم هو: إسقاط أول الوتد المجموع فى صدر المصراع الأول، وهو نوع غريب، ومثاله فى البحر الطويل.
«قد كنت أعلو الحب حينا فلم يزل»
فحذف اللام من قد، فوقع فى الخرم. ولو أنه قال: لقد، ما كان الخرم، وقد اصطلح على أنه لا يدخل إلا فعولن ومفاعلتن ومفاعيلن، وقد أوغل العروضيون فى مصطلحات الخرم، حتى جاء وامنه بأقسام كثيرة، والخرم لا يدخل البحر الكامل بخلاف ما ذهب إليه السهيلى، ويسمى علماء العروض هذا الذى حدث فى الشطرة الأولى من قصيدة الزبعرى: وقصا، وهو حذف الثانى المتحرك، وهذا يكون فى متفاعلن، فتصير مفاعلن فى البحر الكامل، والترفيل: زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع، ويدخل المتدارك والكامل فتصير متفاعلن: متفاعلاتن. والكامل التام له ست تفعيلات: بتكرار متفاعلن ثلاث مرات فى كل شطرة. وقد يحذف ثلثه فيسمى مجزوءا، أما الطويل فيكون بالإتيان بفعولن مفاعيلن مرتين فى كل شطرة. هذا وقد سمى المؤلف حذف حرف من سبب ثقيل بعده سبب خفيف فى البحر الكامل: خرما وهو مخالف- كما قلنا- لمصطلحات العروضيين.(1/289)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي هَذَا الشّعْرِ إذًا لَا يَفِيدُ شَيْئًا، وَمَا أَبْعَدَ الْعَرَبَ مِنْ الِالْتِفَاتِ إلَى هَذِهِ الأغراض التى يستعملها بعض النحاة، وهى أو هى مِنْ نَسْجِ الْخَزَرْنَقِ «1» .
وَقَوْلُهُ:
لَمْ تُخْلَقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ
إنْ كَانَ ابْنُ الزّبَعْرَى قَالَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُنْتَزِعٌ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إنّ اللهَ حَرّمَ مَكّةَ، وَلَمْ يُحَرّمْهَا النّاسُ» وَمِنْ قَوْلِهِ: فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إنّ اللهَ حَرّمَهَا يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ «2» ، وَالتّرْبَةُ خُلِقَتْ قَبْلَ خَلْقِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ الزّبَعْرَى قَالَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَإِنّمَا أَخَذَهُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ الْكِتَابِ الّذِي وَجَدُوهُ فِي الْحَجَرِ بِالْخَطّ الْمُسْنَدِ «3» حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، وَفِيهِ: أَنَا اللهُ رَبّ مَكّةَ خَلَقْتهَا يَوْمَ خَلَقْت السّمَوَاتِ وَالْأَرْض. الْحَدِيثُ.
وَقَوْلُهُ:
«وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا»
هَكَذَا فِي النّسْخَةِ الْمُقَيّدَةِ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَصْلَيْنِ اللّذَيْنِ كَانَا عِنْدَهُ، وَقَابَلَهَا أَبُو بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- بِهِمَا مَرّتَيْنِ، وَحَسِبَ بَعْضُهُمْ أَنّهُ كَسْرٌ فِي الْبَيْتِ، فَزَادَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَقَالَ:
بَلْ لَمْ يَعِشْ. فَأَفْسَدَ الْمَعْنَى، وَإِنّمَا هُوَ خَرْمٌ «4» فِي أَوّلِ الْقَسَمِ مِنْ عَجُزِ الْبَيْتِ كَمَا كَانَ فِي الصّدْرِ مِنْ أَوّلِ بيت منها.
__________
(1) الخزرنق كسفرجل: العنكبوت.
(2) أخرجهما البخارى ومسلم. والشعرى فى شعر ابن الزبعرى: اسم نجم وهما اثنتان إحداهما: الغميصاء، والأخرى تتبع الجوزاء.
(3) خط حمير.
(4) هو وقص فى اصطلاح العروضيين.(1/290)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ: مِثْلُ لَفّ الْقُزُمْ. الْقُزُمُ: صِغَارُ الْغَنَمِ. وَيُقَالُ:
رُذَالُ الْمَالِ، وَرَزَمٌ: ثَبَتَ وَلَزِمَ مَوْضِعُهُ، وَأَرْزَمَ مِنْ الرّزِيمِ، وَهُوَ صَوْتٌ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَكَذَلِكَ صَوْتُ الْفِيلِ ضَئِيلٌ عَلَى عِظَمِ خِلْقَتِهِ، وَيَفْرَقُ مِنْ الْهِرّ وَيَنْفِرُ مِنْهُ، وَقَدْ اُحْتِيلَ عَلَى الْفِيَلَةِ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ مَعَ الْهِنْدِ.
أُحْضِرَتْ لَهَا الْهِرّةُ، فَذَعَرَتْ وَوَلّتْ، وَكَانَ سَبَبًا لِهَزِيمَةِ الْقَوْمِ. ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ، ونسب هذه الحيلة إلى هرون بْنِ مُوسَى حِينَ غَزَا بِلَادَ الْهِنْدِ، وَأَوّلُ مَنْ ذَلّلَ الْفِيَلَةَ- فِيمَا قَالَ الطّبَرِيّ- أَفْرِيدُونُ بن أثفيان، ومعنى أثفيان:
صاحب البقر، وهول أَوّلُ مَنْ نَتَجَ الْبِغَالَ، وَاِتّخَذَ لِلْخَيْلِ السّرُوجَ وَالْوُكُفَ «1» - فِيمَا ذَكَرُوا- وَأَمّا أَوّلُ مَنْ سَخّرَ الْخَيْلَ وَرَكِبَهَا «فطمهورث» وَهُوَ الثّالِثُ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ- فِيمَا زَعَمُوا- وَثُؤَاجُ الْغَنَمِ: صَوْتُهَا، وَوَقَعَ فِي النّسْخَةِ: ثَجّوا، وَعَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: الصّوَابُ: ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الْغَنَمِ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْأَسْلَتِ: فَقُومُوا، فَصَلّوْا رَبّكُمْ وَتَمَسّخُوا. سَيَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فِي الْقَصِيدَةِ حَيْثُ يَذْكُرُهَا ابْنُ إسْحَاقَ بِكَمَالِهَا- إنْ شَاءَ اللهُ.
وَذَكَرَ قَوْلَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «فَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سَرْبًا» وَيُرْوَى سِرْبًا بِالْكَسْرِ، وَالسّرْبُ بِالْفَتْحِ: الْمَالُ الرّاعِي «2» ، وَالسّرْبُ بِالْكَسْرِ: الْقَطِيعُ مِنْ الْبَقَرِ وَالظّبَاءِ، وَمِنْ النّسَاءِ أيضا. قال الشاعر:
فلم ترعينى مِثْلَ سِرْبٍ رَأَيْته ... خَرَجْنَ عَلَيْنَا مِنْ زُقَاقِ ابْنِ وَاقِفٍ
وَطَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَسَنّ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ، وَكَانَ عَقِيلٌ
__________
(1) جمع وكاف: بردعة الحمار.
(2) يعنى الماشية كلها.(1/291)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَسَنّ من جَعْفَرٍ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ، وَجَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا أَنّ طَالِبًا اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، فَذَهَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنّهُ أَسْلَمَ «1» .
وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي الصّلْتِ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عِلَاجٍ. وَفِيهِ: حَبْسُ الْفِيلِ بِالْمُغَمّسِ، وَأَنّ كَسْرَ الْمِيمِ الْآخِرَةِ أَشْهَرُ فِيهِ. وَفِيهِ: بِمَهَاةِ شُعَاعُهَا مَنْشُورُ. وَالْمَهَاةُ: الشّمْسُ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِصَفَائِهَا، وَالْمَهَامِنُ الْأَجْسَامُ: الصّافِي الّذِي يَرَى بَاطِنَهُ مِنْ ظَاهِرِهِ. وَالْمَهَاةُ: الْبِلّوْرَةُ، وَالْمَهَاةُ: الظّبْيَةُ. وَمِنْ أَسْمَاءِ الشّمْسِ: الْغَزَالَةُ إذَا ارْتَفَعَتْ، فَهَذَا فِي مَعْنَى الْمَهَاةِ. وَمِنْ أَسْمَائِهَا:
الْبُتَيْرَاءُ. سُئِلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الضّحَى، فَقَالَ: حَتّى تَرْتَفِعَ الْبُتَيْرَاءُ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ وَالْخَطّابِيّ، وَمِنْ أَسْمَائِهَا: حَنَاذٍ، وَبَرَاحٍ، وَالضّحّ، وَذُكَاءٍ وَالْجَارِيَةُ وَالْبَيْضَاءُ، وَبُوحٌ، وَيُقَالُ: يُوحٌ بِالْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَارِسِيّ، وَبِالْبَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ، وَالشّرْقُ وَالسّرَاجُ
وَقَوْلُهُ: «حَلْقَهُ الْجِرَانُ» الْجِرَانُ: الْعُنُقُ «2» يُرِيدُ: أَلْقَى بِجِرَانِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا يُقَوّي أَنّهُ بَرَكَ كَمَا تَقَدّمَ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: كَمَا قُطّرَ «3» مِنْ صَخْرِ كَبْكَبٍ، وَهُوَ: جَبَلٌ. مَحْدُورٌ أَيْ: حَجَرٌ حُدِرَ حَتّى بَلَغَ الْأَرْضَ.
وَقَوْلُهُ: ابْذَعَرّوا: تَفَرّقُوا مِنْ ذُعْرٍ «4» ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَنْحُوتَةٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مِنْ الْبَذْرِ وَالذّعْرِ. وَقَوْلُهُ: إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ. يريد بالحنيفة: الأمة الحنيفة، أى:
__________
(1) خرافة لا أدرى كيف يؤمن بها الناس؟!
(2) باطن العنق من البعير وغيره ومقدم عنقه.
(3) رمى به على جانبه.
(4) وابذعرّت الخيل: ركضت تبادر شيئا تطلبه.(1/292)
فَلَمّا طَغَى الْحَجّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ ... غِنَى قَالَ: إنّي مُرْتَقٍ فِي السّلَالِمِ
فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ: سَأَرْتَقِي ... إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ
رَمَى اللهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ... عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ
جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتّى أَعَادَهُمْ ... هَبَاءً، وكانوا مطر خمّى الطّرَاخِمِ
نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ... إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قصيدة له.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ الرّقَيّاتُ. أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ- وَهُوَ الْأَشْرَمُ- وَالْفِيلَ:
كَادَهُ الْأَشْرَمُ الّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ... فَوَلّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ
وَاسْتَهَلّتْ عَلَيْهِمْ الطّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ... حَتّى كَأَنّهُ مرجوم
ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النّاسِ يَرْجِعْ ... وَهُوَ فَلّ مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قصيدة له.
«ولدا أبرهة»
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ، مَلّكَ الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة، وبه كَانَ يُكَنّى، فَلَمّا هَلَكَ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ، ملك اليمن فى الحبشة أخوه مسروق ابن أبرهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُسْلِمَةَ الّتِي عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ: أَنّهُ حَنَفَ عَنْ الْيَهُودِيّةِ والنصرانية، أَيْ عَدَلَ عَنْهَا، فَسُمّيَ حَنِيفًا، أَوْ حَنَفَ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُ وَقَوْمُهُ.(1/293)
[خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وهرز على اليمن]
[ «سيف وشكواه لقيصر» ]
فَلَمّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي مُرّةَ، حَتّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ، وَيَلِيَهُمْ هُوَ، وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرّومِ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ اليمن، فلم يشكه.
[ «شفاعة النعمان لَدَى كِسْرَى» .]
فَخَرَجَ حَتّى أَتَى النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ- وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى عَلَى الْحِيرَةِ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ- فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ: إنّ لِي عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلّ عَامٍ، فَأَقِمْ حَتّى يَكُونَ ذَلِكَ، فَفَعَلَ، ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى، وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الّذِي فِيهِ تَاجُهُ، وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقل الْعَظِيمِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ، مُعَلّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ، إنّمَا يُسْتَرُ بِالثّيَابِ حَتّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، ثُمّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثّيَابُ، فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لم يره قبل ذلك، إلا برك هيبة له، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ فِي شِعْرِ الْفَرَزْدَقِ: كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ. اسْمُهُ: يَام، وَقِيلَ: كَنْعَانُ.
وَقَوْله: «مُطْرَخِمّي الطّراخم» المطرخمّ: الممتلئ كبرا أو غضبا.(1/294)
[ «كسرى يعاون ابن ذى يزن» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ سَيْفًا لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: إنّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطّوِيلِ، ثُمّ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ؟! فَقِيلَ ذَلِكَ لِسَيْفِ، فَقَالَ: إنّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمّي، لأنه يضيق عنه كلّ شئ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيّ الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السّنْدُ؟ فَقَالَ: بَلْ الْحَبَشَةُ، فَجِئْتُك لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَك، قَالَ: بَعُدَتْ بِلَادُك مَعَ قِلّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرّطَ جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، ثُمّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَافٍ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً، فَلَمّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: إنّ لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: عَمَدْت إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنّاسِ، فَقَالَ:
وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا؟ مَا جِبَالُ أَرْضِي التى جثت مِنْهَا إلّا ذَهَبٌ وَفِضّةٌ- يُرَغّبُهُ فِيهَا- فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ، وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ قَائِلٌ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّ فِي سُجُونِك رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ، فَلَوْ أَنّك بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ، فَبَعَثَ مَعَهُ كسرى من كان فى سجونه، وكانوا ثمانمائة رجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالطّرَاخِمُ جَمْعُ: مُطَرَخِمّ عَلَى قِيَاسِ الْجَمْعِ، فَإِنّ الْمُطَرَخِمّ اسْمٌ مِنْ سِتّةِ أَحْرُفٍ، فَيُحْذَفُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ وَالتّصْغِيرِ مَا فِيهِ مِنْ الزّوَائِدِ، وَفِيهِ زَائِدَتَانِ: الْمِيمُ الْأُولَى، وَالْمِيمُ الْمُدْغَمَةُ فِي الْمِيمِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنّ الْحَرْفَ الْمُضَاعَفَ حَرْفَانِ، يُقَالُ فى تصغير(1/295)
[ «انتصار سيف وقول الشعراء فيه» .]
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِز، وَكَانَ ذَا سِنّ فِيهِمْ، وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا، فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ، وَوَصَلَ إلَى ساحل عدن ستّ سفائن، فجعع سيف إلى وَهْرِز مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ: رِجْلِي مَعَ رِجْلِك حَتّى نَمُوتَ جَمِيعًا، أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ لَهُ وَهْرِز: أَنْصَفْتَ، وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِز ابْنًا لَهُ؛ لِيُقَاتِلَهُمْ، فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ، فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِز، فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ عَلَى مَصَافّهِمْ، قَالَ وَهْرِز: أَرُونِي مَلِكَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قالوا: ذاك ملكهم، فقال: اتركوه، قال: فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟
قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ. قَالَ وَهْرِز: بِنْتُ الْحِمَارِ ذَلّ وَذَلّ مُلْكُهُ، إنّي سَأَرْمِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرّكُوا، فَاثْبُتُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ، فَإِنّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرّجُلَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا بِهِ، فَقَدْ أَصَبْتُ الرّجُلَ، فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ. ثُمّ وَتَرَ قَوْسَهُ، وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ مِنْ شِدّتِهَا، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ، فَعُصّبَا لَهُ، ثُمّ رَمَاهُ، فَصَكّ الْيَاقُوتَةَ الّتِي بين عينيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُطَرَخِمّ: طُرَيْخِمٌ، وَفِي جَمْعِهِ: طَرَاخِمٌ، وَفِي مُسْبَطِرّ: سَبَاطِرٌ «1» ، وَذَكَرَهُ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ بِالْغَيْنِ، فَقَالَ: اطرغمّ الرجل، ولم يذكر الخاء.
__________
(1) اسبطرّ: اضطجع وامتد، واسبطر فى السير: أسرع فيه، واسبطرت البلاد: استقامت.(1/296)
فتغلغت النّشّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ، وَنُكِسْ عَنْ دَابّتِهِ، وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ، وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ، وَانْهَزَمُوا، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ، وَأَقْبَلَ وَهْرِز، لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ، حَتّى إذَا أَتَى بَابَهَا، قَالَ:
لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكّسَةً أَبَدًا، اهْدِمُوا الْبَابَ، فَهُدِمَ، ثُمّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الحميرىّ:
يَظُنّ النّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ... أَنّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا
وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا
قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ... وَرَوّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا
وَإِنّ الْقَيْلَ قيل النّا ... س وهرز مقسم قسما
يذوق مشعشعا حتى ... يفئ السّبْيَ وَالنّعما
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ السّدُوسِيّ آخِرَهَا بَيْتًا لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَتُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلت.
لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ... رَيّمَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا
يَمّمَ قَيْصَرَ لَمّا حَانَ رِحْلَتُهُ ... فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الّذِي سَالَا
ثُمّ انْثَنَى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ ... من السنين يهين النّفس والمالا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسِ الرّقَيّاتِ. وَاخْتُلِفَ فى تلقيبه: قيس الرّقيّات،(1/297)
حَتّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ... إنّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا
لِلّهِ دَرّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خرجوا ... ما إن أرى لهم فى الناس أمثالا
بيضا مرازبة، غُلْبًا أَسَاوِرَةً ... أُسْدًا تُرَبّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا
يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ ... بزَمْخرٍ يُعَجّلُ الْمَرْمِيّ إعْجَالَا
أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلّالَا
فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التّاجُ مُرْتَفِقًا ... فِي رَأْسِ غُمْدان دَارًا مِنْك مِحْلَالَا
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْك إسْبَالَا
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
قال ابن هشام: هذا ما صح له مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا، إلّا آخِرَهَا بيتا قوله:
تلك المكارم لا قعبان من لبن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقِيلَ: كَانَ لَهُ ثَلَاثُ جَدّاتٍ كُلّهُنّ: رُقَيّةُ، فَمَنْ قَالَ فِيهِ: ابْنَ الرّقَيّاتِ، فَإِنّهُ نَسَبَهُ إلَى جَدّاتِهِ، وَمَنْ قَالَ: قَيْسَ الرّقَيّاتِ دُونَ ذِكْرِ ابْنٍ، فَإِنّهُ نِسْبَةٌ، وَقِيلَ:
بَلْ شَبّبَ بِثَلَاثِ نِسْوَةٍ كُلّهُنّ تُسَمّى: رُقَيّةَ، وَقِيلَ: بَلْ بِبَيْتِ قَالَهُ وَهُوَ:
«رُقَيّةُ مَا رُقَيّةُ مَا رُقَيّةُ أَيّهَا الرّجُلُ «1» »
وَقَالَ الزّبَيْرُ: كَانَ يُشَبّبُ برقيّة بنت عبد الواحد
__________
(1) فى الأغانى للأصفهانى أنه شبب بثلاث نسوة، منهن هاتان الرقيتان اللتان سيذكرهما عن الزبير والأخرى: أموية، وكان يعتبر شاعر قريش، خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فلما قتل مصعب، وقتل عبد الله ابن الزبير هرب فلجأ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فسأل عبد الملك فى أمره فأمنه، وفى القاموس: أنه لقب بهذا لعدة زوجات أوجدات، أو حبات بكسر الحاء له، أسماؤهن: رقية وفى اللسان مثله.(1/298)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بْنِ أَبِي السّرْحِ مِنْ بَنِي ضِبَابِ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ، وَبِابْنَةِ عَمّ لَهَا اسْمُهَا رُقَيّةُ، وَهُوَ ابْنُ قَيْسِ بْنِ شُرَيْحٍ مِنْ بَنِي حُجَيْرٍ أَيْضًا، وَحُجَيْرٌ أَخُو حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ رَهْطِ عَمْرِو بْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى «1» .
وَقَوْلُهُ: «حَتّى كَأَنّهُ مَرْجُومٌ» وَهُوَ قَدْ رُجِمَ، فَكَيْفَ شَبَهُهُ بِالْمَرْجُومِ وَهُوَ مَرْجُومٌ بِالْحِجَارَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي مَقْتُولٍ: كَأَنّهُ مَقْتُولٌ؟ فَنَقُولُ:
لَمّا ذَكَرَ اسْتِهْلَالَ الطّيْرِ، وَجَعَلَهَا كَالسّحَابِ يَسْتَهِلّ بِالْمَطَرِ، وَالْمَطَرُ لَيْسَ بِرَجْمِ، وَإِنّمَا الرّجْمُ بِالْأَكُفّ وَنَحْوِهَا، شَبَهُهُ بِالْمَرْجُومِ الّذِي يَرْجُمُهُ الْآدَمِيّونَ، أَوْ مَنْ يَعْقِلُ وَيَتَعَمّدُ الرّجْمَ مِنْ عَدُوّ وَنَحْوِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْمَقْتُولُ بِالْحِجَارَةِ مَرْجُومًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَمّا لَمْ يَكُنْ جَيْشُ الْحَبَشَةِ كَذَلِكَ، وَإِنّمَا أُمْطِرُوا حِجَارَةً فَمِنْ ثَمّ قَالَ: كَأَنّهُ مَرْجُومٌ.
سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَكِسْرَى:
وَذِكْرُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَخَبَرِهِ مَعَ النّعْمَانِ وَكِسْرَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصّتَهُ فِي أَوّلِ حَدِيثِ الْحَبَشَةِ، وَأَنّهُ مَاتَ عِنْدَ كِسْرَى، وَقَامَ ابْنُهُ مقامه فى الطلب،
__________
(1) هكذا ورد نسب هؤلاء فى كتاب «نسب قريش» أما ابن أم مكتوم فنسبه إلى أمه، وهى: مكتوم بنت عبد الله بن عنكثة «بفتح فسكون ثم فتح بعد ذلك» بن عامر بن مخزوم، وابن أم مكتوم هو: عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن هدم بن رواحة بن حجر، وهو ابن خال أم المؤمنين خديجة، وضباب بفتح الضاد كما ضبطه الذهبى وفى الأغانى سعد بدلا من السرح.(1/299)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بْنِ ذِي أَصْبَحَ «1» بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بن عمرو ابن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قُطْنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ الْعَرَنْجَحِ وَهُوَ: حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ، وكسرى هذا هو: أنو شروان بْنُ قُبَاذٍ، وَمَعْنَاهُ مُجَدّدُ الْمُلْكِ، لِأَنّهُ جَمَعَ مُلْكَ فَارِسَ بَعْدَ شَتَاتٍ. وَالنّعْمَانُ: اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ النّعْمَانِ الّذِي هُوَ الدّمُ. قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَالْقَنْقَلُ الّذِي شَبّهَ بِهِ التّاجَ هُوَ مكيال عظيم. قال الراجز يصف الكمأة.
مالك لَا تَجْرُفُهَا بِاْلَقَنْقَلِ ... لَا خَيْرَ فِي الْكَمْأَةِ إنْ لَمْ تَفْعَلْ
وَفِي الْغَرْبِيّينَ لِلْهَرَوِيّ: الْقَنْقَلُ: مِكْيَالٌ يَسَعُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ مَنًا «2» ، وَلَمْ يَذْكُرْ: كَمْ الْمَنَا، وَأَحْسَبُهُ وَزْنَ رِطْلَيْنِ، وَهَذَا التّاجُ قد أتى به عمر بن الخطاب
__________
(1) فى الاشتقاق: يزن موضع. يقال: ذو أزن، وذو يزن، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنسبت إليه، يقال للأسنة: يزنىّ، وأزنى، ويزأنىّ، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر، وإلى ذى أصبح نسب السوط فقيل: الأصبحى
(2) المنا: الكيل أو الميزان الذى يوزن به بفتح الميم مقصور يكتب بالألف والمكيال الذى يكيلون به السمن وغيره، وقد يكون من الحديد أوزانا وتثنية منا: منوان ومنيان، والأول أعلى، قال ابن سيدة: وأرى الياء معاقبة لطلب الخفة، وهو أفصح من المنّ، والجمع: أمناء. وبيت الراجز «مالك لا تجرفها» نسبه اللسان إلى رؤبة، وهو فى ديوان رؤبة، والكمأة: واحدها: كمء على غير قياس وهو من النوادر، أما سيبويه، فقال: إن فعلة ليست جمع تكسير لفعل، إنما هو اسم للجمع، وقال غيره: كمأة للواحد. وكمء للجميع، وهناك أقوال أخرى. والكمأة نبات ينقّض الأرض، فيخرج كما يخرج الفطر «بضم الفاء وسكون الطاء» .(1/300)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ اسْتَلَبَ مَنْ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرَيَارَ، تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ جَدّهِ أنو شروان الْمَذْكُورِ، فَلَمّا أَتَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، دَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيّ، فَحَلّاهُ بِأَسْوِرَةِ كِسْرَى، وَجَعَلَ التّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ لَهُ:
«قُلْ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي نَزَعَ تَاجَ كِسْرَى، مَلِكَ الْأَمْلَاكِ مِنْ رَأْسِهِ، وَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ أَعْرَابِيّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَذَلِكَ بِعِزّ الْإِسْلَامِ وَبَرَكَتِهِ لَا بِقُوّتِنَا» وَإِنّمَا خَصّ عُمَرُ سُرَاقَةَ بِهَذَا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَالَ لَهُ.
«يَا سُرَاقُ كَيْفَ بِك إذَا وُضِعَ تَاجُ كِسْرَى عَلَى رَأْسِك وَإِسْوَارُهُ «1» فِي يَدَيْك» أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ قُدُومَ سَيْفٍ مَعَ وَهْرِزَ عَلَى صَنْعَاءَ فِي سِتّمِائَةِ، وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنّهُمْ كَانُوا سَبْعَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، وَانْضَافَتْ إلَيْهِمْ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ.
صَنْعَاءُ:
وَذَكَرَ دُخُولَ وَهْرِزَ صَنْعَاءَ وَهَدْمَهُ بَابَهَا، وإنما كانت تسمى قبل ذلك أوال «2» .
__________
(1) مات سراقة فى خلافة عثمان سنة أربع وعشرين. وهو سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة المدلجى. كنيته: أبو سفيان، وقد روى البخارى قصته فى باب الهجرة، وهو الذى حاول ملاحقة الرسول «ص» وأبى بكر وهما فى طريقهما إلى المدينة، ثم انتهى به الأمر إلى الاستسلام، فطلب منه الرسول «ص» أن يخفى أمره عن الناس، ففعل ولكن لم يرد فى البخارى ما ذكره السهيلى لكنه فى الإصابة لابن حجر، وفيها أن عمر أتى بسوارى كسرى، ومنطقته وتاجه.
(2) بفتح الهمزه وكسرها، وفى المراصد: أزال، وفيها: أوال بضم الهمزة، وفى اللسان بفتحها.(1/301)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: وَسُمّيَتْ: صَنْعَاءَ لِقَوْلِ وَهْرِزَ حِينَ دَخَلَهَا. صَنْعَةً صَنْعَةً، يُرِيدُ أَنّ الْحَبَشَةَ أَحْكَمَتْ صَنْعَهَا، قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ أَوَالٍ:
عَمَدَ الْحُدَاةُ بِهَا لِعَارِضِ قَرْيَةٍ ... وَكَأَنّهَا سُفُنٌ بِسَيْفِ أَوَاَلْ «1»
وَقَالَ جَرِيرٌ:
وَشَبّهَتْ الْحُدُوجَ غَدَاةَ قَوّ ... سَفِينَ الْهِنْدِ رَوّحَ مَنْ أَوَالَا «2»
وَقَالَ الْأَخْطَلُ «3» :
خَوْصٍ كَأَنّ شَكِيمَهُنّ مُعَلّقٌ ... بِقَنَا رُدَيْنَةَ، أو جذوع أوال «4»
__________
(1) العارض ما اعترض فى الأفق من سحاب أو جراد أو نخل.
(2) الحدوج، جمع حدج بكسر الحاء مركب للنساء كالمحفة وقو، يقال إنها، منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة بعد النباح، ويقال إنها واديين اليمامة وهجر، وقيل: بين فيد والنباح. وجرير بن عطية الخطفى، شاعر فحل، والخطفى (بفتح الخاء والطاء والفاء) لقب جد جرير واسمه: حذيفة بن بدر بن سلمة، وقد اتفق نقاد الشعر على أنه أحد ثلاثة هم الفرزدق والأخطل وجرير لا يوجد من هو أبلغ منهم من الشعراء الذين نشئوا فى ملك الإسلام. مات باليمامة سنه 110 هـ.
(3) الأخطل: هو أبو مالك غياث الأخطل بن غوث التغلبى النصرانى شاعر الأمويين، مات فى أول خلافة الوليد وقد نيف على السبعين.
(4) البيت فى وصف خيل. الخوص: الخيول الغائرة العيون من طول السفر، والشكيم: جمع شكيمة: حديدة اللجام المعترضة فى فم الفرس. قنا: رماح وردينة: جزيرة ترفأ إليها السفن، أو قرية تكون بها الرماح، أو كورة تعمل بها الرماح. يشبه الخيل فى ضمورها بالرماح، أو بجذوع النخل وفى المطبوعة «تنكيمهين» وهو خطأ.(1/302)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قِيلَ إنّ صَنْعَاءَ اسْمُ الّذِي بَنَاهَا، وَهُوَ: صَنْعَاءُ بْنُ أَوَاَلْ بْنِ عَبِيرِ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ، فَكَانَتْ تُعْرَفُ تَارَةً بِأَوَالِ، وَتَارَةً بِصَنْعَاءَ.
شَرْحٌ لَامِيّةِ ابْنِ أَبِي الصّلْتِ:
وقوله فى شعر أمية ابن أَبِي الصّلْتِ: رَيّمَ فِي الْبَحْرِ. أَيْ: أَقَامَ فِيهِ، وَمِنْهُ الرّوَايِمُ، وَهِيَ الْأَثَافِي، كَذَلِكَ وَجَدْته فِي حَاشِيَة الشّيْخِ الّتِي عَارَضَهَا بِكِتَابَيْ «أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ» ، وَهُوَ عِنْدِي غَلَطٍ، لِأَنّ الرّوَايِمَ مِنْ رَأَمَتْ «1» إذَا عَطَفَتْ، وَرَيّمَ لَيْسَ مِنْ رَأَمَ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ الرّيْمِ، وَهُوَ الدّرَجُ، أَوْ مِنْ الرّيْمِ الّذِي هُوَ الزّيَادَةُ وَالْفَضْلُ، أَوْ مِنْ رَامَ يَرِيمُ إذَا بَرِحَ، كَأَنّهُ يُرِيدُ: غَابَ زَمَانًا، وَأَحْوَالًا، ثُمّ رَجَعَ لِلْأَعْدَاءِ، وَارْتَقَى فِي دَرَجَاتِ الْمَجْدِ أَحْوَالًا إنْ كَانَ مِنْ الرّيْمِ الّذِي هُوَ الدّرْجُ، وَوَجَدْته فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ: خَيّمَ مَكَانَ رَيّمَ، فَهَذَا مَعْنَاهُ: أَقَامَ.
وَقَوْلُهُ: عَمْرِي. أَرَادَ: لَعَمْرِي وَقَدْ قَالَ الطّائِيّ:
عَمْرِي لَقَدْ نَصَحَ الزّمَانُ، وَإِنّهُ ... لَمِنْ الْعَجَائِبِ نَاصِحٌ لَا يُشْفَقُ
وَقَوْلُهُ: أَسْرَعَتْ قِلْقَالًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ. «وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزّ كُلّ مُقَلْقَلٍ» وَهِيَ شِدّةُ الْحَرَكَةِ.
وَقَوْلُهُ: «يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ «2» » الشّدَفُ: الشخص، ويجمع
__________
(1) رئم الشئ كسمع، ألفه وأحبه، ورأم القدح، كمنع: أصلحه. القاموس.
(2) جمع غبيط وهى عيدان الهودج وأدواته.(1/303)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى شُدُفٍ، وَلَمْ يُرِدْ هَهُنَا إلّا الْقِسِيّ، وَلَيْسَ شُدُفٌ جَمْعًا لِشَدَفٍ، وَإِنّمَا هُوَ جَمْعُ شَدُوفٌ، وَهُوَ النّشِيطُ الْمَرِحُ يُقَالُ: شَدِفَ، فَهُوَ شَدِفٌ، ثُمّ تَقُولُ:
شَدُوفٌ، كَمَا تَقُولُ مَرُوحٌ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ الْمَرَحُ وَالنّشَاطُ لِلْقِسِيّ لِحُسْنِ تَأَتّيهَا وَجَوْدَةِ رَمْيِهَا وَإِصَابَتِهَا، وَإِنّمَا احْتَجْنَا إلَى هَذَا التّأْوِيلِ، لِأَنّ فَعَلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ إلّا وَثَنٌ وَوُثُنٌ، فَإِنْ قُلْت: فَيُجْمَعُ عَلَى فُعُولٍ مِثْلُ: أُسُودٍ، فَتَقُولُ: شَدُوفٌ، ثُمّ تَجْمَعُ الْجَمْعَ، فَتَقُولُ: شُدُفٌ، قُلْنَا: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ لَا يُجْمَعُ، وَإِنّمَا يُجْمَعُ مِنْهُ أَبْنِيَةُ الْقَلِيلِ. نَحْوَ: أَفْعَالٍ وَأَفْعُلٍ وَأَفْعِلَةٍ، وَأَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: إنّهُ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، هَذَا إنْ كَانَ الشّدُفُ: الْقِسِيّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ شَدَفًا عَلَى شُدْفٍ مِثْلُ: أَسَدٍ وَأُسْدٍ، ثُمّ حَرّكَ الدّالَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: الْمَرِحَ مِنْ الْخَيْلِ كَمَا تَقَدّمَ «1» . وَجَعَلَهَا كَالْغُبُطِ لِإِشْرَافِ ظُهُورِهَا وَعُلُوّهَا.
وَقَوْلُهُ: يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ أَيْ: يَدْفَعُونَ عَنْهَا بِالرّمْيِ، وَيَكُونُ الزّمْخَرُ:
الْقَسِيّ «2» ، أَوْ النّبْلُ. وَالْغُبُطُ: الْهَوَادِجُ، وَالزّمْخَرُ: الْقَصَبُ الفارسى
__________
(1) فى اللسان: الشدف بالتحريك، شخص كل شئ والجمع شدوف «بضم الشين والدال» ويقال للقسى الفارسية: شدف «بضم الشين والدال» واحدها: شدفاء، وفى حديث ابن ذى يزن: يرمون عن شدف هى جمع شدفاء وهى. العوجاء يعنى: القوس الفارسية.
(2) الزّمخر أيضا: المزمار والنشاب والكثير الملتف من الشجر والأجوف الناعم الرّيّان ومن معانى مفردات قصيدة أبى الصلت، المرازبة: جمع مرزبان من المرزبة كمرحلة: رياسة الفرس. الغلب: الشداد، والأغلب الأسد، الأساورة جمع أسوار قائد الفرس، والجيد الرمى بالسهام. تربب: مأخوذه من التربية. غيضات: جمع عنيضة وهى الشجر الملتف الكثير. الفلال: المنهزمون، مرتفعا-(1/304)
فإنه لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ. وَاسْمُهُ: [حِبّانُ بْنُ] عَبْدِ اللهِ بن قيس، أحد بنى جعدة ابن كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريّ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: عدىّ من العباد من أهل الحيرة:
مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ... وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا
رَفّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَع الْمُزْنِ ... وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا
مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ... الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا
يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النّهَامِ إذَا ... جَاوَبَهَا بِالْعَشِيّ قَاصِبُهَا
سَاقَتْ إليه الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي الْأَحْرَارِ ... فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا
وفُوّزت بِالْبِغَالِ تُوسَقُ ... بِالْحَتْفِ وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا
حَتّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ الْمَنْقَلِ ... مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا
يوم ينادون آل بربر والبيكسوم ... لَا يُفْلِحُنّ هَارِبُهَا
وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ وزا ... لت إمّة ثابت مراتبها
وبدّل الفيج بالزرافة والأيّا ... م جُونٌ جَمّ عَجَائِبُهَا
بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ نَخَاوِرَةٌ ... قد اطمأنّت بها مرازبها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
__________
- متكئا متمكنا، أسبل: أرخ ثوبك كناية عن الإعجاب والخيلاء. وقعبان مفردها قعب: قدح يحلب فيه، شيبا: خلطا.(1/305)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ وَرَوَاهُ لِي عن المفضّل الضّبّىّ، قوله:
يوم ينادن آل بربر واليكسوم
وَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ» . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ: «غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ» .
[ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]
[ «مدة ملك الحبشة باليمن» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ وَهْرِز وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ، فَمِنْ بَقِيّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ: الْأَبْنَاءُ الّذِينَ بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ. وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ، فِيمَا بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاط إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ، اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة: أَرْيَاط، ثُمّ أَبْرَهَةُ، ثُمّ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ، ثم مسروق بن أبرهة.
[ «أمراء الفرس على اليمن» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ مَاتَ وَهْرِز، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ الْمَرْزُبَانَ بْنِ وهرز على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: فِي رَأْسِ غُمْدَانَ. ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ غُمْدَانَ أَسّسَهُ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَأَكْمَلَهُ بعده، واحتله: واثل بْنُ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ مَلِكًا مُتَوّجًا كأبيه وجده «1» .
__________
(1) فى المراصد: غمدان: قصر بصنعاء باليمن كان نزل الملوك، ولم يزل قائما حتى هدمه عثمان، وفى معجم البكرى أنه كان قصبة صنعاء، وفى التقويم لأبى الفداء أن غمدان: تل عظيم كان قصر ملوك اليمن.(1/306)
الْيَمَنِ، ثُمّ مَاتَ الْمَرْزُبَان، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التّيْنُجان بْنَ الْمَرْزُبَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ مَاتَ التّيْنُجان، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَ التّيْنُجان عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ عَزَلَهُ وَأَمّرَ بَاذَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتّى بَعَثَ اللهُ مُحَمّدًا النّبِيّ- صَلّى الله عليه وسلم.
[ «حديث يتنبأ بقتل كسرى» ]
فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ:
كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: أَنّهُ بَلَغَنِي أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش خَرَجَ بِمَكّةَ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، فَسِرْ إلَيْهِ فَاسْتَتِبْهُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلّا فَابْعَثْ إلَيّ بِرَأْسِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن اللهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا» فَلَمّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقّفَ لِيَنْظُرَ، وَقَالَ: إنْ كَانَ نَبِيّا، فَسَيَكُونُ مَا قَالَ، فَقَتَلَ اللهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْه، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقّ الشّيْبَانِيّ.
وَكِسْرَى إذْ تَقَسّمْهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللّحّامُ
تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمِ ... أَنَى، وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تمام
[ «باذان يسلم» ]
قَالَ الزّهْرِيّ: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت الرسل من الفرس لرسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ، أَيْ: هَلَكُوا، وَالنّعَامَةُ: بَاطِنُ القدم، وشالت(1/307)
- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ مِنّا وَإِلَيْنَا أهل البيت» .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: فَمِنْ ثَمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ» .
[ «عود إلى شق وسطيح» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهُوَ الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ» . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ: «بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يوم الفصل»
[ «كتاب الحجر» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- كِتَابٌ بِالزّبُورِ كُتِبَ فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ: «لِمِنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارِ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟
لِقُرَيْشِ التّجّارِ» .
وَذِمَارٌ: الْيَمَنُ أَوْ صَنْعَاءُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذمار: بالفتح، فيما أخبرنى يونس
[ «الأعشى ونبوءة شق وسطيح» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَعْشَى- أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ:
مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ... حقّا كما صدق الذّئبىّ إذ سجعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ارْتَفَعَتْ، وَمَنْ هَلَكَ ارْتَفَعَتْ رِجْلَاهُ، وَانْتَكَسَ رَأْسُهُ، فظهرت نعامة قدمه،(1/308)
وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ: الذّئْبِيّ؛ لِأَنّهُ سَطِيحُ بن ربيعة بن مسعود ابن مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا البيت فى قصيدة له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَقُولُ الْعَرَبُ: تَنَعّمْت إذَا مَشَيْت حَافِيًا، قَالَ الشّاعِرُ:
تَنَعّمْت لَمّا جَاءَنِي سُوءُ فِعْلِهِمْ ... أَلَا إنّمَا الْبَأْسَاءُ لِلْمُتَنَعّمِ
وَالنّعَامَةُ أَيْضًا: الظّلْمَةُ، وَالنّعَامَةُ: الدّعَامَةُ الّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ، وَالنّعَامَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ النّاسِ، وَابْنُ النّعَامَةِ: عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ «1» .
النّابِغَةُ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:
وَذَكَرَ النّابِغَةَ الْجَعْدِيّ وَاسْمُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَقِيلَ إنّ اسْمَهُ: حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَحْوَحَ، وَالْوَحْوَحُ فِي اللّغَةِ: وَسَطُ الْوَادِي، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ النّوَابِغُ، وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ ذَكَرَهُمْ الْبَكْرِيّ، وَذَكَرَ الْأَعَاشِي وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَالنّابِغَةُ «2» شَاعِرٌ مُعَمّرٌ عاش مائتين
__________
(1) ولها أيضا معان أخر. وقصيدة أبى الصلت اللامية فى ص 147 ج 2 الطبرى وفيها عما هنا اختلاف.
(2) النابغة: الرجل العظيم الشأن، والنوابغ من الشعراء كما فى القاموس والمزهر هم: زياد بن معاوية الذبيانى، وقيس بن عبد الله الجعدى، وعبد الله بن المخارق الشيبانى، أو جمل بن سعدانة، ويزيد بن أبان الحارثى، وهو نابغة بنى الديان، والنابغة ابن لاى الغنوى، والحارث بن بكر اليربوعى، والحارث ابن عدوان التغلبى، والنابغة العدوانى ولم يسمّ. والأعشى من العشا: سوء البصر بالليل، ومن الأعاشى الشعراء: أعشى باهلة عامر، وأعشى بنى نهشل: -(1/309)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَرْبَعِينَ «1» سَنَةً أَكْثَرُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقُدُومُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْشَادُهُ إيّاهُ، وَدُعَاءُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلّا يَفُضّ اللهُ فَاهُ مَشْهُورٌ، وَفِي كُتُبِ الْأَدَبِ وَالْخَبَرِ مَسْطُورٌ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِطَالَةِ بِهِ «2» .
__________
- أسود بن يعفر، وو همدان: عبد الرحمن بن مالك، وبنى أبى ربيعة: صالح بن خارجة وطرود وبنى الحرماز، وبنى أسد وعكل: كهمس، وابن معروف: خيثمة، وبنى عقيل، وبنى مالك، وبنى عوف: ضابئ وبنى ضوزة: عبد الله، وبنى جلان: سلمة، وبنى قيس: أبو بصير، والأعشى التغلبى: النعمان، هم فى المزهر ثمانيه عشر ص 457
(1) واسمه ونسبه فى الأغانى كما ذكر السهيلى، وفى الإصابة اختلف فى اسمه فقيل: هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة، وقيل بدل عدس وربيعة وحوح، وفى سنه خلاف كبير فهو بين 130 سنة وبين 240 سنة.
(2) من القصيدة التى زعموا أنه أنشدها بين يدى الرسول- صلى الله عليه وسلم-
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
وجاهدت حتى ما أحس ومن معى ... سهيلا إذا مالاح ثم تحورا
ولا خير فى حلم إذا لم يكن له ... بوادر تخمى صفوه أن يكدرا
ولا خير فى جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
والقصة المزعومة عن الإنشاد، وأنه قيل له «لا يفضض الله فاك مرتين» - بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الضاد- مروية عن طريق يعلى بن الأشدق، وهو ساقط الحديث. والقصيدة- كما ذكر ابن عبد البر- مطولة تبلغ نحو مائتى بيت أولها
خليلى غضا ساعة وتهجرا ... ولو ما على ما أحدث الدهر أوذرا
وفى سبب تلقيبه بالنابغة خلاف، ولعل أحسنها قول الفخذمى: كان النابغة قديما شاعرا مفلقا طويل العمر فى الجاهلية وفى الإسلام. وعن حياته فى الجاهلية يقول أبو عبيدة معمر بن المثنى «كان النابغة ممن فكر فى الجاهلية وأنكر الخمر، والسكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دبن إبراهيم» انظر الإصابة ص 218 ج 6 ط الشرقية، سنة 1325 هـ، وانظر ص 6 المجلد الخامس-(1/310)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ شِعْرَ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ الْعِبَادِيّ، نُسِبَ إلى العباد، وهم من عبد القيس ابن أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ، قِيلَ: إنّهُمْ انْتَسَلُوا مِنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ الْمَسِيحِ، وَعَبْدِ كُلَالٍ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ يالَيْل، وَكَذَلِكَ سَائِرُهُمْ فِي اسْمِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: عَبْدٌ، وَكَانُوا قَدِمُوا عَلَى مَلِكٍ فَتَسَمّوْا لَهُ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الْعِبَادُ فَسُمّوا بِذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا «1» . وَفِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ: أَبْعَدُ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ الرّومُ وَالْعِبَادُ «2» ، وَأَحْسَبُهُمْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنّهُمْ تَنَصّرُوا، وَهُمْ مِنْ رَبِيعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَاَلّذِي ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ فِي نَسَبِ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ حَمّادِ بْنِ أَيّوبَ بْنِ مَجْرُوفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. وَقَدْ دَخَلَ بَنُو امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ فِي الْعِبَادِ.
فَلِذَلِكَ يُنْسَبُ عَدِيّ إلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: صَوْتُ النّهَامِ، يُرِيدُ ذِكْرَ الْيَوْمِ، وَقَاصِبُهَا: الّذِي يزمر فى القصب.
__________
- من الأغانى طبع لبنان. ويزعمون- كما جاء فى الإصابة- أنه بقى أحسن الناس ثغرا كلما سقطت سن عادت أخرى؛ بسبب الدعاء له بأن لا يفض الله فاه.
(1) فى الاشتقاق لابن دريد: والعباد: قبائل شتىّ من بطون العرب اجتمعوا بالحيرة على النصرانية، فأنفوا أن يقال لهم عبيد، فينسب الرجل: عبادى «بكسر العين وفتح الباء بدون تضعيف» ص 11، وفى اللسان مادة «عبد» كذلك، وزاد: ومنه: عدى بن زيد العبادى بكسر العين، وكذا وجد بخط الأزهرى وخطأ ابن برى الجوهرى فى قوله عن العباد أنها بفتح العين.
(2) لا ادرى من أين يأتى بما لا يتفق مع هدى النبوة وحكمتها، وفى الاشتقاق أن عدى بن زيد شاعر قديم مات فى سجن النعمان وله حديث، والعبادى منسوب إلى دينه، لأنه تنصر.(1/311)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ فِيهَا: دُونَ عُرَى الْكَائِدِ يُرِيدُ: عُرَى السّمَاءِ وَأَسْبَابُهَا، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ: عَرَى بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهِيَ النّاحِيَةُ، وَأَضَافَهَا إلَى الْكَائِدِ، وَهُوَ الّذِي كَادَهُمْ، وَالْبَارِي- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَيْدُهُ مَتِينٌ «1» .
وَقَوْلُهُ: فَوّزَتْ بِالْبِغَالِ أَيْ: رَكِبَتْ الْمَفَاوِزَ «2» .
وَقَوْلُهُ: تُوسَقُ بِالْحَتْفِ، أَيْ: أَوْسَقَ الْبِغَالَ الْحُتُوف، وتوالبها: جمع ثولب، وَهُوَ وَلَدُ الْحِمَارِ، وَالتّاءُ فِي تَوْلَبٍ بَدَلٌ من واو، كما هى فى توءم وَتَوْلَجٌ «3» وَفِي تَوْرَاةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنّ اشْتِقَاقَ التّوْلَبِ مِنْ الْوَالِبَةِ، وَهِيَ مَا يُوَلّدُهُ الزّرْعُ، وَجَمْعُهَا: أَوَالِبُ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ طَرَفِ الْمَنْقَلِ أَيْ: مِنْ أَعَالِي حُصُونِهَا، وَالْمِنْقَالُ: الْخَرْجُ يُنْقَلُ إلَى الْمُلُوكِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ، فَكَأَنّ المنقل من هذا، والله أعلم.
__________
(1) الغوارب فى السيرة: الأعالى، والعرى: ما يستر الشئ عنك.
(2) المهالك أو الصحارى.
(3) التوءم: المولود مع غيره فى بطن، والتولج: كناس الوحش أى: مولجه فى الغابة، ويقول أبو عثمان المازنى فى التصريف: «وزعم الخليل أن قوله: «متخذا من عضوات تولجا» إنما هو فوعل من ولجت وليس بتفعل، لأن تفعلا فى الأسماء قليل، وفوعل كثير، ولكنه علم أنه لو جاء بالواو على أصلها لزمه أن يبد لها همزة، لئلا تجتمع واوان فى أول كلمة، فأبدل التاء لكثرة دخولها على الواو فى باب ولج حين قالوا: أتلج ومتلج، وهذا أتلج من هذا، ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات» ومن شرح ابن جنى لهذا قوله: «لأنه لو لم يبدلها تاء للزمه أن يقول: أولج لاجتماع واوين ص 226 ج 1 المنصف. وانظر ص 3 من نوادر أبى زيد. هذا وقدوهم الجوهرى فوضع التوءم فى فصل التاء. ومن معنى والبة: أولاد القوم ونسلهم، ونسل الإبل والغنم.(1/312)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا. يَعْنِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ الْخَضْرَاءُ «1» .
وَقَوْلُهُ: يُنَادَوْنَ آلَ بَرْبَرَ؛ لِأَنّ الْبَرْبَرَ وَالْحَبَشَةَ مِنْ وَلَدِ حَامٍ «2» . وَقَدْ قِيلَ إنّهُمْ مِنْ وَلَدِ جَالُوتَ مِنْ الْعَمَالِيقِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي جَالُوتَ إنّهُ مِنْ الْخَزَرِ، وَإِنّ أفريقس لَمّا خَرَجَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ سَمِعَ لَهُمْ بَرْبَرَةً، وَهِيَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ، فَقَالَ. مَا أكنر بَرْبَرَتَهُمْ!.
فَسُمّوا بِذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا.
وَقَوْلُهُ: وَالْغُرُبُ أَرَادَ: الْغُرُبَ بِضَمّ الرّاءِ جَمْعُ «3» : غُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ: أَغْرِبَةً وَغِرْبَانٌ، وَلَكِنّ الْقِيَاسَ لَا يَدْفَعُهُ، وَعَنَى بِهِمْ السّودَانَ.
وَقَوْلُهُ: وَبُدّلَ الْفَيْجُ بِالزّرَافَةِ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ فِي مِشْيَتِهِ، وَالزّرَافَةُ: الْجَمَاعَةُ «4» وَقِيلَ فِي الزّرَافَةِ الّتِي هِيَ حَيَوَانٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ: إنّهُ اخْتَلَطَ فِيهَا النّسْلُ بَيْنَ الْإِبِلِ الْوَحْشِيّةِ، وَالْبَقَرِ الْوَحْشِيّةِ وَالنّعَامِ، وَإِنّهَا مُتَوَلّدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثّلَاثَةِ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الزّبَيْدِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَنْكَرَ الْجَاحِظُ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ له،
__________
(1) أقوال فى البيت «ص 305» جمع قيل: لقب من كان دون الملك الأعظم قديما فى اليمن، وفى حديث الفتح: مر رسول الله «ص» فى كتيبته الخضراء، وهى التى غلب عليها لبس الحديد. وفى اللسان: المنقل: طريق مختصر، والنواقل من الخراج ما ينقل من قرية إلى أخرى.
(2) يرد ابن حزم على من نسب البربر إلى حمير أو إلى ابن قيس عيلان بقوله: «ما علم النسابون لقيس عيلان ابنا اسمه: بر- بفتح فتضعيف- أصلا، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا فى تكاذيب مؤرخى اليمن» ص 461 الجمهرة.
(3) لا يوجد فى القصيدة، ويوجد فى كلام سيف: الأغربة: والإمّة: النعة.
(4) فى القاموس: ومعرب بيك. والفيج: الذى يسير للسلطان بالكتب على رجليه «الخشنى» .(1/313)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ: إنّمَا دَخَلَ هَذَا الْغَلَطُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفُرْسِ لَهَا «اشْتَرِ- كَاوِ- مَاهَ «1» » وَالْفُرْسُ إنّمَا سَمّتْهُ بِذَلِكَ، لِأَنّ فِي خِلْقَتِهَا شَبَهًا مِنْ جَمَلٍ وَنَعَامَةٍ وَبَقَرَةٍ، فَاشْتَرِ هُوَ: الْجَمَلُ، وَكَاوِ: النّعَامَةُ، وَمَاهُ: الْبَقَرَةُ، وَالْفُرْسُ تُرَكّبُ الْأَسْمَاءَ وَتُمْزَجُ الْأَلْفَاظُ إذَا كَانَ فِي الْمُسَمّى شَبَهٌ مِنْ شَيْئَيْنِ، أَوْ أَشْيَاءَ، وَيُقَالُ: زَرَافّةٌ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْقَنَانِيّ «2» .
وَقَوْلُهُ: بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ بَجَاوِرَةٌ. هَكَذَا فِي نُسْخَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْأَسَدِيّ مُصَحّحًا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَتَبَ فِي الْحَاشِيَةِ: نَخَاوَرَةٌ فِي الْأَمِينِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ النّخَاوِرَةُ: الْكِرَامُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْمُوعَةِ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ يَعْنِي نُسْخَتَيْ أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ اللّتَيْنِ قَابَلَ بِهِمَا مَرّتَيْنِ، وَيَعْنِي بِالْحَاشِيَةِ حَاشِيَة «تِينك الْأَمِين» ! وَأَنّ فِيهِمَا: نَخَاوَرَةً بِالنّونِ والخاء المنقوطة «3» ، وهم الكرام كما ذكر.
__________
(1) انظر ص 76 ج 7 طبع 1324 هـ من كتاب الحيوان للجاحظ.
(2) فى الحيوان للدميرى مادة «الزاى» عن الزرافة: «كنيتها أم عيسى، وهى بفتح الزاى المخففة وضمها» .. ثم ذكر أنها متولدة من الناقة الوحشية والبقرة الوحشية، والضبعان: ذكر الضباع، ولذلك قيل لها: الزرافة وهى فى الأصل: الجماعة، وذكر أن العجم تسميها «اشتركاو يلنك» كما ورد فى الجيوان للجاحظ واشتر: الجمل، وكاو البقرة، ويلنك الضبع، والأيام جون: سود. وأشرح هنا بعض ما تركه دون شرح: جزل: كثير. القزع: السحاب المتفرق. والمحارب: الغرف المرتفعة أو أبهاؤها.
(3) جمع النخاورة: نخوار «بكسر النون» ونخورى بفتحها.(1/314)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاذَانُ وَكِسْرَى:
وَذَكَرَ قِصّةَ بَاذَانَ، وَمَا كَتَبَ بِهِ إلَى كِسْرَى، وَكِسْرَى هَذَا هُوَ أَبَرْوَيْزُ بن هرمز بن أنو شروان، وَمَعْنَى أَبْرَوَيْزَ بِالْعَرَبِيّةِ: الْمُظَفّرُ، وَهُوَ الّذِي غَلَبَ الرّومَ حِينَ أَنَزَلَ اللهُ. الم «1» غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [أول الروم] وَهُوَ الّذِي عُرِضَ عَلَى اللهِ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ: سَلّمْ مَا فِي يَدَيْك إلَى صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مَذْعُورًا مِنْ ذَلِكَ، حَتّى كَتَبَ إلَيْهِ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بِظُهُورِ- النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِهَامَةَ «2» ؛ فَعَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ، حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَفِيدُهُ: يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوَيْزَ، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَكَانَ سُلِبَ مُلْكُهُ، وَهُدِمَ سُلْطَانُهُ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، ثُمّ قُتِلَ هُوَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وُجِدَ مُسْتَخْفِيًا فِي رَحًى «3» فَقُتِلَ وَطُرِحَ فِي قَنَاةِ الرّحَى، وَذَلِكَ بِمَرْوَ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ بَاذَانَ وَمَقْتَلَ كِسْرَى، وَكَانَ مَقْتَلُ كِسْرَى حِينَ قَتَلَهُ بَنُوهُ لَيْلَةَ الثّلَاثَاءِ لِعَشْرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَأَسْلَمَ بَاذَانُ بِالْيَمَنِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَفِيهَا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْأَبْنَاءِ «4» يدعوهم
__________
(1) تقرأ: ألف لام ميم.
(2) قد يكون المقصود بها مكة نفسها.
(3) الرحا من الأرض: مكان مستدير غليظ يكون بين رمال. أو القارة الضخمة الغليظة.
(4) الأبناء: هم أبناء الفرس الذين استوطنوا اليمن.(1/315)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى الْإِسْلَامِ، فَمِنْ الْأَبْنَاءِ: وَهْبُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ سَيْجِ «1» بْنِ ذُكْبَارٍ، وَطَاوُوسٌ «2» وَذَادَوَيْهِ وَفَيْرُوزُ اللّذَانِ قَتَلَا الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيّ الْكَذّابَ، وَقَدْ قِيلَ فِي طَاوُوسٍ: إنّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَبْنَاءِ، وَإِنّهُ مِنْ حِمْيَرَ، وَقَدْ قِيلَ: مِنْ فَارِسَ، وَاسْمُهُ: ذَكْوَانُ بْنُ كَيْسَانَ وَهُوَ مَوْلَى بُجَيْرِ بْنِ رَيْسَانَ؛ وَقَدْ قِيلَ: مَوْلَى الْجَعْدِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: طَاوُوسٌ الْقَرّاءُ لِجَمَالِهِ.
وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ حِقّ.
تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمِ ... أَنَى؛ وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تِمَامُ «3»
الْمَنُونُ: الْمَنِيّةُ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْمَاءِ الدّهْرِ، وَهُوَ مِنْ مَنَنْت الْحَبْلَ إذَا قَطَعْته، وَفَعُولٌ إذَا كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، لَمْ تدخل التاء فى مؤنثه لسرّ بديع
__________
(1) سيج بالفتح وبالكسر وبالتحريك.
(2) روى عنه الزهرى وخلق سواه. قال عنه عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاووس. مات بمكة سنة 106 هـ. أو 104 هـ. ويقول أبو الفرج الجوزى فى كتاب الألقاب: إن اسمه: ذكوان، وطاووس لقب له، وإنما لقب به؛ لأنه كان طاووس القراء، والمشهور أنه اسمه، وكلمة طاوس تطلق على الجميل من الرجال، وقال عنه ابن خلكان: الخولانى- بفتح فسكون- نسبة إلى خولان، والهمدانى بفتح فسكون ففتح- نسبة إلى همدان- اليمانى من أبناء الفرس،
(3) معنى البيت كما فى اللسان: أن المنية تهيأت لأن تلد له الموت. والشعر منسوب فى مادة- مخض- إلى عمرو بن حسان أحد بنى الحارث بن همام ابن مرة، يخاطب امرأته:
ألا يا أم عمرو لا تلومى ... وأبقى إنما ذا الناس هام
ويقول ابن برى: المشهور: يا أم قيس، وهى زوجته، وكان قد نزل به ضيف فذبح ناقته، فلامته، فقال هذا الشعر.(1/316)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ صَبُورٌ وَشَكُورٌ، فَمَعْنَى الْمَنُونِ:
الْمَقْطُوعُ، وَتَمَخّضَتْ أَيْ: حَمَلَتْ، وَالْمَخَاضُ: الْحَمْلُ، وَوَزْنُهُ: فَعَالٌ، وَمَخَاضَةُ الْمَاءِ، وَمَخَاضَةُ [النّهْرِ] وَزْنُهُ: مَفْعَلٌ مِنْ الْخَوْضِ.
وَقَوْلُهُ: أَنَى أَيْ: حَانَ، وَقَدْ قَلَبُوهُ، فقالوا: آنَ يَئِينُ، وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّ آنَ يَئِينُ مَقْلُوبٌ مِنْ: أَنّى يَأْنَى، قَوْلُهُ: آنَاءَ اللّيْلِ، وَوَاحِدُهَا: إنًى وَأَنًى وَإِنْيٌ «1» ، فَالنّونُ مُقَدّمَةٌ عَلَى الْيَاءِ فِي كُلّ هَذَا، وَفِي كُلّ مَا صُرِفَ مِنْهُ نَحْوَ: الْإِنَاءِ، وَالْآنِي:
الّذِي بَلَغَ أَنَاهٍ أَيْ: مُنْتَهَى وَقْتِهِ فِي التّسْخِينِ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: الدّهْرُ حُبْلَى لَا يَدْرِي مَا تَضَعُ، إنْ كَانَ أَرَادَ بِالْمَنُونِ فِي الْبَيْتِ: الدّهْرَ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْمَنُونِ: الْمَنِيّةَ، فَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ: تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِهَذَا الْيَوْمِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، فَإِنّ مَوْتَهُ: مُنْيَتُهُ، فَكَيْفَ تَتَمَخّضُ الْمُنْيَةُ بِالْمُنْيَةِ إلّا أَنْ يُرِيدَ أَسِبَابَهَا، وَمَا مُنِيَ لَهُ، أَيْ: قُدّرَ مِنْ وَقْتِهَا، فَتَصِحّ الِاسْتِعَارَةُ حِينَئِذٍ، وَيَسْتَقِيمُ التّشْبِيهُ.
وَقَوْلُ ابْنِ حِقّ: وَكِسْرَى إذْ تَقْسِمُهُ بَنُوهُ. وَإِنّمَا كَانَ قَتْلُهُ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْهِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَنِيهِ لِأَنّ بَدْءَ الشّرّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنّ فَرْخَانَ رَأَى فِي النّوْمِ: أَنّهُ قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ فِي مَوْضِعِ أَبِيهِ، فَبَلَغَ أَبَاهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَى ابْنِهِ شَهْرَيَارَ- وَكَانَ وَالِيًا لَهُ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ: أَنْ اُقْتُلْ أخاك فرخان، فأخفى
__________
(1) فى اللسان: أنى الشئ «بفتح الهمزة والنون» يأنى أنيا «بفتح وسكون، وإنى وأنى بفتح النون فى الكلمتين.. حان وأدرك. وفى القاموس: أنى الشئ أنيا «بفتح وسكون» وأناء بفتح النون، وإنى بفتح النون، وأنى الحمم: انتهى حره فهو آن، وبلغ هذا أناه- ويكسر- غايته، أو نضجه، وفى اللسان: أنى الحميم: انتهى حره، وأنى الماء: سخن وبلغ فى الحرارة.(1/317)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شَهْرَيَارُ الْكِتَابَ مِنْ أَخِيهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مَرّةً أُخْرَى، فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ، فَعَزَلَهُ وَوَلّى فَرْخَانَ، وَأَمَرَهُ بِقَتْلِ شَهْرَيَارَ، فَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَرَاهُ شَهْرَيَارُ الْكِتَابَ الّذِي كَتَبَ لَهُ أَبُوهُ فِيهِ، فتواطئا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى أَبِيهِمَا، وَأَرْسَلَا إلَى مَلِكِ الرّومِ يَسْتَعِينَانِ بِهِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، فَكَانَ هَذَا بَدْءَ الشّرّ، ثُمّ إنّ الْفُرْسَ خَلَعَتْ كِسْرَى لِأَحْدَاثِ أَحْدَثَهَا، وَوَلّتْ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ «1» ، فَكَانَ كِسْرَى أَبْرَوَيْزَ رُبّمَا أَشَارَ بِرَأْيِ مِنْ مَحْبِسِهِ، فَقَالَتْ الْمَرَازِبَةُ لِشِيرَوَيْهِ: لَا يَسْتَقِيمُ لَك الْمُلْكُ إلّا أَنْ تَقْتُلَ أَبَاك «2» ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ، فَيُقَالُ: إنّهُ كَانَ يَضْرِبُ بِالسّيْفِ، فَمَا يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، فَفَتّشَ فَوَجَدَ عَلَى عَضُدِهِ حَجَرٌ مُعَلّقٌ كَالْخَرَزَةِ، فَنُزِعَ فَعَمِلَتْ فِيهِ السّلَاحُ «3» ، وَكَانَ قَبْلُ يَقُولُ لَابْنِهِ: يَا قصير
__________
(1) قال ابن درستويه فى شرح الفصيح عن كسرى: ليس فى كلام العرب اسم آخره واو أوله مضموم، فلذلك لما عربوا خسروا بنوه على فعلى «بالفتح فى لغة، وفعلى بالكسر فى لغة أخرى» ، وأبدلوا الكاف فيه من الخاء علامة لتعريبه، فقالوا: كسرى ص 101 ج 2 المزهر للسيوطى، وفى الطبرى ص 219 ح 2 ط المعارف أن أولاد كسرى أرسلوا إليه رئيس كتيبة بما كان من إساءته فى تدبيره، منها سحله لعين أبيه، وقتله إياه شر قتلة، ومنها جمعه الأموال من الناس فى عنف شديد، وغير ذلك من فظائعه واسم شرويه: قباذ بن أبريز بن هرمز بن كسرى أنو شروان
(2) فى الطبرى أنهم قالوا له: «إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تأمر بقتل كسرى، ونحن خولك «خدمك» المانحوك الطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة» .
(3) هذه خرافة ولا شك، ولا أدرى كيف يرويها مصدقا لها رجل كبير كالسهيلى، ومن قبله الطبرى وغيرهما، واسم قاتل كسرى هو: «مهر هرمز ابن مردانشاه» عاش يضطهده كسرى، ويحاول قتله، فكان أن قتله مهر.(1/318)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعُمْرِ «1» ، فَلَمْ يَدُمْ أَمْرُهُ بَعْدَهُ إلّا أَقَلّ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَاَللهُ أَعْلَمُ
«ذِمَارُ وَحِمْيَرُ وَفَارِسُ وَالْحَبَشَةُ» :
وَقَوْلُهُ: وُجِدَ بِحَجَرِ بِالْيَمَنِ: لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارَ.
وَحَكَى ابْنُ هِشَامٍ عَنْ يُونُسَ ذَمَارَ بِفَتْحِ الذّالِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ بِالْكَسْرِ، فَإِذَا كَانَ بِكَسْرِ الذّالِ فَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ؛ لِأَنّهُ اسْمٌ لِمَدِينَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التّأْنِيثُ، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا؛ لِأَنّهُ اسْمُ بَلَدٍ، وَإِذَا فُتِحَتْ الذّالُ، فَهُوَ مَبْنِيّ «2» مِثْلُ: رَقَاشِ وَحَذَامِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يُعْرِبُونَ مِثْلَ هَذَا الْبِنَاءِ فَيَقُولُونَ: رَقَاشُ [وَحَذَامُ] فِي الرّفْعِ، وَرَقَاشَ وَحَذَامَ فِي النّصْبِ وَالْخَفْضِ يُعْرِبُونَهُ، ولا يصرفونه، فإذا
__________
(1) انظر ص 222 ح 2 الطبرى وحديث: «سلمان منا أهل البيت» الذى السيرة رواه الطبرانى والحاكم عن عمرو بن عوف وسنده ضعيف.
(2) فى المراصد: ذمار بكسر أوله، ويفتح مبنى على الكسر: قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء، وقيل: ذمار اسم لصنعاء. وقد ألف الصغانى تأليفا مستقلا أورد فيه مائة وثلاثين لفظا على فعال المبنى على الكسر. وخلاصة رأى النحويين فى هذا أنه إذا كان علم المؤنث على وزن فعال «بفتح الفاء وكسر اللام» مثل حذام ورقاش، فإن مذهب بنى تميم إعرابه إعراب الاسم الذى لا ينصرف، لأنه فى رأى سيبويه- علم عدل به عن فاعله، فأصل حذام ورقاش: حاذمة وراقشة، فعدل بهما إلى حذام ورقاش، ويرجح رأيه أن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة، أما المبرد فقال: إن العلة فى منع هذه الأسماء من الصرف- أى التنوين: هى أنها علم مؤنث تأنيثا معنويا مثل زينب، ويرجحه أنهم لا يدعون العدل فى نحو، طوى، فإن كان فعال مختوما بالراء علما للمؤنث كسفار، اسما لماء أو بئر، ووبار اسما لقبيلة فبنو تميم إلا قليلا منهم يبنونه على الكسر، أما أهل الحجاز فيبنون فعال على الكسر فى الحالين، إذ يشبهونه بنزال فى التعريف والعدل والوزن والتأنيث.(1/319)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَانَ لَامُ الْفِعْلِ رَاءً اتّفَقُوا مَعَ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْكَسْرِ. وَذَمَارِ: مِنْ ذَمَرْتُ الرّجُلَ إذَا حَرّضْته عَلَى الْحَرْبِ.
وَقَوْلُهُ: لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارُ؛ لِأَنّهُمْ كَانُوا أَهْلَ دِينٍ، كَمَا تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ فَيْمُونَ وَابْنِ الثّامِرِ.
وَقَوْلُهُ: لِفَارِسَ الْأَحْرَارُ؛ فَلِأَنّ الْمُلْكَ فِيهِمْ مُتَوَارِثٌ مِنْ أَوّلِ الدّنْيَا مِنْ عَهْدِ جيومرت «1» فِي زَعْمِهِمْ إلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، لَمْ «2» يَدِينُوا لِمَلِكِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا أَدّوْا الْأَتَاوَةَ «3» لِذِي سُلْطَانٍ مِنْ سِوَاهُمْ فَكَانُوا أَحْرَارًا لِذَلِكَ.
وَأَمّا قَوْلُهُ: لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارُ فَلَمّا أَحْدَثُوا فِي الْيَمَنِ مِنْ الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ وَإِخْرَابِ الْبِلَادِ، حَتّى هَمّوا بِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَسَيَهْدِمُونَهُ فِي آخِرِ الزّمَانِ «4» إذَا رَفَعَ الْقُرْآنَ، وَذَهَبَ مِنْ الصّدُورِ الْإِيمَانُ، وَهَذَا الكلام المسجّع ذكره المسعودى منظوما.
__________
(1) أو كيومرث والفرس يجمعون على أنه أول ملوكهم، ولكنهم اختلفوا فى شأنه، فمنهم من زعم أنه ابن آدم، ومنهم من زعم أنه أصل النسل، ومنهم من قال: إنه أميم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، ولهم حوله خرافات، فهو مبدأ النسل، وهو نبت من نبات الأرض، وهو الريباس هو وزوجته، وجعلوا له أخبارا مع إبليس وقتله انظر ص 220 ح 1 مروج الذهب.
(2) فى الأصل: لن.
(3) الخراج أو الجزية.
(4) لعله يشير إلى حديث «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» وقد رواه أبو داود بسند ضعيف.(1/320)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حِينَ شِيدَتْ ذِمَارِ قِيلَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ فَقَالَتْ: لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ «1»
ثُمّ سِيلَتْ: مِنْ بَعْدِ ذَاكَ؟ فَقَالَتْ: ... أَنَا لِلْحَبْشِ أَخْبَثِ الْأَشْرَارِ «2»
ثُمّ قَالُوا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ؟ فَقَالَتْ: لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ»
ثُمّ قَالُوا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ، فَقَالَتْ: إلَى قُرَيْشٍ التّجَارِ
وَهَذَا الْكَلَامُ الّذِي ذَكَرَ أَنّهُ وُجِدَ مَكْتُوبًا بِالْحَجَرِ هُوَ- فِيمَا زَعَمُوا- مِنْ كَلَامِ هُودٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وُجِدَ مَكْتُوبًا فِي مِنْبَرِهِ، وَعِنْدَ قَبْرِهِ حِينَ كَشَفَتْ الرّيحُ الْعَاصِفَةَ عَنْ منبره الرمل، حتى ظهر، وَذَلِكَ قَبْلَ مُلْكِ بِلْقِيسَ بِيَسِيرِ، وَكَانَ خَطّهُ بِالْمُسْنَدِ، وَيُقَالُ: إنّ الّذِي بَنَى ذِمَارِ هُوَ شمر بن الأملوك، والأملوك هو: مالك ابن ذِي الْمَنَارِ، وَيُقَالُ: ذِمَارِ وَظَفَارِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: مَنْ دَخَلَ ظَفَارِ حَمّرَ «4» أَيْ تَكَلّمَ بِالْحِمْيَرِيّةِ.
__________
(1) فى مروج المسعودى: يوم شيدت ظفار.
(2) عند المسعودى: إن ملكى للأحبش الأشرار
(3) عند المسعودى «ثم سيلت من بعد ذاك فقالت، إن ملكى» وفى المسعودى ثلاثة أبيات لم يذكرها السهيلى ص 88 ح 2 المروج الطبعة الثانية
(4) قالوا إن أصل المثل أن أعرابيا دخل على أحد ملوك حمير فقال له: ثب- وهى بالحميرية: اجلس، ولكن الأعرابى وثب، فتكسر، فلما عرف الملك أنه أعرابى قال: ليس عندنا عربّيت بفتح العين والراء والباء مع تضعيف الأخيرة. من دخل ظفار حمّر، وقيل إن ظفار اسم لمدينتين باليمن ينسب إلى إحداهما الجزع الظفارى، وهو نوع من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان. وقيل: هى صنعاء نفسها.(1/321)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«زَرْقَاءُ الْيَمَامَةِ» وَذَكَرَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
مَا نَظَرْت ذَاتَ أَشْفَارٍ «1» كَنَظْرَتِهَا.
الْبَيْتَ. يُرِيدُ: زَرْقَاءَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ تُبْصَرُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ جَدِيسٍ وَطَسْمٍ، وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
قَالَتْ: أَرَى رَجُلًا فِي كَفّهِ كَتِفٌ ... أَوْ يَخْصِفُ النّعْلَ لَهْفِي أَيّةً صَنَعَا
فَكَذّبُوهَا بِمَا قَالَتْ، فَصَبّحَهُمْ ... ذُو آلِ حَسّانَ يُزْجِي الْمَوْتَ وَالسّلَعَا «2»
وَكَانَ جَيْشُ حَسّانَ هَذَا قَدْ أُمِرُوا أَنْ يُخَيّلُوا عَلَيْهَا بِأَنْ يُمْسِكَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَعْلًا كَأَنّهُ يَخْصِفُهَا، وَكَتِفًا كَأَنّهُ يَأْكُلُهَا، وَأَنْ يَجْعَلُوا عَلَى أَكْتَافِهِمْ أَغْصَانَ الشّجَرِ، فَلَمّا أَبْصَرَتْهُمْ، قَالَتْ لِقَوْمِهَا: قَدْ جَاءَتْكُمْ الشّجَرُ، أَوْ قَدْ غَزَتْكُمْ حِمْيَرُ، فَقَالُوا: قَدْ كَبِرْت وَخَرِفْت، فَكَذّبُوهَا، فَاسْتُبِيحَتْ بَيْضَتُهُمْ «3» ، وَهُوَ الذى ذكر الأعشى.
__________
(1) جمع شفر بفتح الشين: حرف كل شئ. وشفر الجفن: حرفه الذى ينبت عليه الهدب.
(2) السّلع: شجر مر ينبت فى اليمن، وهو من الفصيلة الكرمية وفى الطبرى: والشرعا ويخصف النعل: يخرزها ويصلحها. وقصيدتها: ست أبيات «طبرى ج 1 ص 631» .
(3) حوزتهم وحماهم.(1/322)
[قصة ملك الحضر]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ عَنْ جَنّاد، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالنّسَبِ: أَنّهُ يُقَالُ: إنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ. وَالْحَضْرُ: حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ، كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ يُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ
شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلّلَهُ ... كِلْسًا فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ
لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ الْمُلْكُ ... عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَاَلّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دُوَادٍ الْإِيَادِيّ فِي قَوْلِهِ:
وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الْحَضْ ... رِ عَلَى رَبّ أَهْلِهِ السّاطِرُونَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: إنّهَا لِخَلَفِ الْأَحْمَرِ، وَيُقَالُ: لحماد الراوية.
[ «كيف استولى سابور على الحضر» ]
وَكَانَ كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَحَصَرَهُ سَنَتَيْنِ، فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ سَاطِرُونَ يوما، فنظرت إلى سابور، وعليه ئياب ديباج، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلّل بالزّبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(خَبَرُ الْحَضْرِ وَالسّاطِروُنِ) ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّ النّعْمَانَ مِنْ وَلَدِ السّاطِرُونِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَضْرِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: فَنَذْكُرُ شَرْحَ قِصّةِ الحضر وصاحبه، وما قيل فى ذلك(1/323)
فَدَسّتْ إلَيْهِ: أَتَتَزَوّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَك بَابَ الْحَضْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتّى سَكِرَ، وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلّا سَكْرَانَ، فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ سَابُورُ، فَقَتَلَ سَاطِرُونَ، وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ وَخَرّبَهُ، وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوّجَهَا، فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ، فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ، فَفُتّشَ فِرَاشُهَا، فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ، فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا الّذِي أَسْهَرَك؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:
فَمَا كَانَ أَبُوك يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ، وَيُطْعِمُنِي الْمُخّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ، قَالَ: أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيك مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ أَنْتَ إلَيّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا، فَرُبِطَتْ قُرُونُ رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، ثُمّ رَكَضَ الْفَرَسُ، حَتّى قَتَلَهَا، فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أَلَمْ تَرَ لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ... بِنُعْمَى، وَهَلْ خَالِدٌ مِنْ نِعَمْ
أَقَامَ بِهِ شَاهَبُورُ الجنو ... د حَوْلَيْنِ تُضْرَبُ فِيهِ الْقُدُمْ
فَلَمّا دَعَا رَبّهُ دَعْوَةً ... أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فى قصيدة له.
وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ:
وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ... مِنْ فَوْقِهِ أَيّدٌ مَنَاكِبُهَا
رَبِيّةَ لَمْ تُوَقّ وَالِدَهَا ... لِحَيْنِهَا إذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا
إذْ غَبَقَتْهُ صَهْبَاءَ صَافِيَةً ... وَالْخَمْرُ وَهَلْ يهيم شاربها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُلَخّصًا بِعَوْنِ اللهِ. السّاطِرُونُ بالسريانية: هُوَ الْمَلِكُ، واسم الساطرون:(1/324)
فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ... تَظُنّ أَنّ الرّئِيسَ خَاطِبُهَا
فَكَانَ حَظّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ الصّبْحُ ... دِمَاءً تجرى سبائبها
وخرّب الخضر، وَاسْتُبِيحَ، وَقَدْ ... أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا
وَهَذِهِ الأبيات فى قصيدة له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضّيزن بن معاوية. قال الطبرى: هو جرمفانىّ «1» ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ:
هُوَ قُضَاعِيّ مِنْ الْعَرَبِ الّذِينَ تَنَخُوا بِالسّوَادِ، فَسُمّوا: تَنُوخَ، أَيْ: أَقَامُوا بِهَا، وَهُمْ قَبَائِلُ شَتّى، وَنَسَبَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ، فَقَالَ: هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَوَجَدْته بِخَطّ أَبِي بَحْرٍ: عُبَيْدٌ بِضَمّ الْعَيْنِ بْنُ أَجْرَمَ مِنْ بَنِي سَلِيحِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ «2» ، وَأُمّهُ: جَيْهَلَةُ، وَبِهَا كَانَ يُعْرَفُ، وَهِيَ أَيْضًا قُضَاعِيّةٌ مِنْ بَنِي تَزِيدَ الّذِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثّيَابُ التّزِيدِيّةُ.
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي دُوَاد:
وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الحض ... ر على ربّ أهله السّاطرون «3»
__________
(1) الجرامقة: قوم من العجم صاروا بالموصل فى أوائل الإسلام. وجرمق بلدة بفارس على جادة المفازه التى بين خراسان وكرمان وأصبهان والرى، وقيل هو من أهل باجرمى بفتح الجيم وسكون الراء. وفتح الميم وهى- كما ذكر الطبرى- قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة.
(2) فى الطبرى ص 47 ح 2 ابن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع «بفتح النون والخاء» بن سليح «بفتح فكسر» بن حلوان الخ وفى المروج: الضيزن بن معاوية بن العبيد بن حرام بن سعد بن سليح الخ، وفى الأغانى: ابن الأجرام ابن عمر بن النخع بن سليح من بنى تزيد بن حلوان الخ. وأمه فى الأغانى: جبهلة بالباء
(3) الحضر كما فى المراصد: مدينة مبنية بالحجارة المهندمة بيوتها وسقوفها وأبوابها. ويقولون: كان فيها ستون برجا كبارا بين كل برجين تسعة أبراج صغار-(1/325)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاسْمُ أَبِي دُوَاد: جَارِيَةُ بْنُ حَجّاجٍ، وَقِيلَ: حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقِيّ وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
صَرَعَتْهُ الْأَيّامُ مِنْ بَعْدِ مُلْكٍ ... وَنَعِيمٍ وَجَوْهَرٍ مَكْنُونٍ «1»
وَكَانَ الضّيْزَنُ مِنْ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَكَانَ يُقَدّمُهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا لِحَرْبِ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَتْ الْحَضْرُ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، وَكَانَ مُلْكُهُ يَبْلُغُ أَطْرَارَ الشّامِ، وَكَانَ سَابُورُ قَدْ تَغَيّبَ عَنْ الْعِرَاقِ إلَى خُرَاسَانَ، فَأَغَارَ الضّيْزَنُ عَلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَرَبِ، فَلَمّا قَفَلَ سَابُورُ، وَأُخْبِرَ بِصُنْعِ الضّيْزَنِ نَهَدَ إلَيْهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ سِنِينَ.
وَذَكَرَ الْأَعْشَى فِي شِعْرِهِ حَوْلَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ، وَكَانَ لِلضّيْزَنِ بِنْتٌ اسْمُهَا: النّضِيرَةُ، وَفِيهَا قِيلَ:
أَقْفَرَ الْحَضْرُ مِنْ نَضِيرَةَ فَالْمِ ... رْبَاعُ مِنْهَا فَجَانِبُ الثّرْثَارِ «2»
وَكَانَتْ سُنّتُهُمْ فِي الْجَارِيَةِ إذَا عَرَكَتْ أَيْ: حاضت، أخرجوها إلى
__________
- بإزاء كل قصر. وقال: إنها بإزاء تكريت فى البرية بينها وبين الموصل. وفى الطبرى أنها مدينة حيال تكريت بين دجلة والفرات.
(1) البيت فى المروج ح 2 ص 256 كما يأتى:
ولقد كان آمنا للدواهى ... ذا ثراء وجوهر مكنون
(2) المرباع: المكان ينبت نباته فى أول الربيع. والثرثار واد عظيم بالجزيرة يمد إذا كثرت الأمطار، وهو فى البرية بنجد من قرب سنجار إلى أسفل من تكريت ويمر بالحضر، ونهر بعينه(1/326)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَبَضِ الْمَدِينَةِ، فَعَرَكَتْ النّضِيرَةُ، فَأُخْرِجَتْ إلَى رَبَضِ الْحَضْرِ «1» ؛ فَأَشْرَفَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَبْصَرَتْ سَابُورَ- وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النّاسِ- فَهَوِيَتْهُ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ أَنْ يَتَزَوّجَهَا، وَتَفْتَحَ لَهُ الْحَضْرَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ، وَالْتَزَمَ لَهَا مَا أَرَادَتْ، ثُمّ اُخْتُلِفَ فِي السّبَبِ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: دَلّتْهُ عَلَى نَهَرٍ وَاسِعٍ [اسْمُهُ الثّرْثَارُ] كَانَ يَدْخُلُ مِنْهُ الْمَاءُ إلَى الْحَضْرِ، فَقَطَعَ لَهُمْ الْمَاءَ، وَدَخَلُوا مِنْهُ «2» .
وَقَالَ الطّبَرِيّ: دَلّتْهُ عَلَى طِلَسْمٍ [أَوْ طِلّسْمٍ] كَانَ فِي الْحَضْرِ، وَكَانَ فِي عِلْمِهِمْ أَنّهُ لَا يُفْتَحُ حَتّى تُؤْخَذَ حَمَامَةٌ وَرْقَاءُ، وَتُخْضَبُ رِجْلَاهَا بِحَيْضِ جَارِيَةٍ بِكْرٍ زَرْقَاءَ، ثُمّ تُرْسَلُ الْحَمَامَةُ، فَتَنْزِلُ عَلَى سُورِ الْحَضْرِ، فَيَقَعُ الطّلّسْمُ، فَيُفْتَحُ الْحَضْرُ، فَفَعَلَ سَابُورُ ذَلِكَ، فَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ، وَأَبَادَ قَبَائِلَ مِنْ قُضَاعَةَ كَانُوا فِيهِ، مِنْهُمْ: بَنُو عُبَيْدٍ رَهْطُ الضّيْزَنِ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَقِبٌ، وَحَرَقَ خَزَائِنَ الضّيْزَنِ، وَاكْتَسَحَ مَا فِيهَا، ثُمّ قَفَلَ بِنَضِيرَةَ مَعَهُ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي قَتْلِهِ إيّاهَا حِين تَمَلْمَلَتْ عَلَى الْفِرَاشِ الْوَثِيرِ، وَلِينِ الْحَرِيرِ: أَنّهُ قَالَ لَهَا: مَا كَانَ يَصْنَعُ بِك أَبُوك؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُطْعِمُنِي الْمُخّ وَالزّبْدَ وَشَهْدُ أَبْكَارَ النّحْلِ وَصَفْوَ الْخَمْرِ. وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَرَى مُخّهَا مِنْ صَفَاءِ بَشَرَتِهَا، وَأَنّ وَرَقَةَ الْآسَ أَدْمَتْهَا فِي عُكْنَةٍ مِنْ عُكَنِهَا، وَأَنّ الْفِرَاشَ الّذِي نَامَتْ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ حَرِيرٍ حَشْوُهُ الْقَزّ «3» . وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: كَانَ حشوه
__________
(1) ربض المدينة: ما حولها.
(2) انظر ص 256 ح 2 المروج
(3) ص 48 ح 2 طبرى. والطلسم بكسر الطاء وفتح اللام بتضعيف ودون تضعيف» خطوط وأعداد يزعم صاحبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب-(1/327)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زَغَبِ «1» الطّيْرِ، ثُمّ اتّفَقُوا فِي صُورَةِ قَتْلِهَا «2» كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ غَيْرَ أَنّ ابْنَ إسحاق قال: كان المستبيح للحضر سابورذ والأكاف، وجعله غبر سَابُورَ بْنِ أَزْدَشِيرَ بْنِ بَابِك، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ أَزْدَشِيرَ هُوَ أَوّلُ مَنْ جَمَعَ مُلْكَ فَارِسَ، وَأَذَلّ مُلُوكَ الطّوَائِفِ، حَتّى دَانَ الْمُلْكُ لَهُ، وَالضّيْزَنُ: كَانَ مِنْ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، فَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِصّةُ لِسَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ، وَهُوَ سَابُورُ بْنُ هُرْمُزَ، وَهُوَ ذُو الْأَكْتَافِ؛ لِأَنّهُ كَانَ بَعْدَ سَابُورَ الْأَكْبَرِ بِدَهْرِ طَوِيلٍ، وَبَيْنَهُمْ مُلُوكٌ مُسَمّوْنَ فِي كُتُبِ التّارِيخِ، وَهُمْ: هُرْمُزُ بْنُ سَابُورَ، وَبَهْرَامُ بْنُ هُرْمُزَ، وَبَهْرَامُ بْنُ بَهْرَامَ، وَبَهْرَامُ الثّالِثُ، وَنُرْسِي بْنُ بَهْرَامَ، وَبَعْدَهُ «3» كَانَ ابْنُهُ سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْأَعْشَى: شَاهَبُورُ «4» الْجُنُودِ بِخَفْضِ الدّالِ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ بِشَاهَبُورَ ذِي الْأَكْتَافِ، وأما إنشاده لأبيات عدى بن زيد:
وأخوا لحضر إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ يُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ
__________
- العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى، وهو لفظ يونانى. والمرأة الزرقاء: البينة الزرقة، وهى الشديده البياض، والعكنة: طى فى البطن من السمن، وذكروا أن ورقة الآس هى التى أرقتها.
(1) الشعيرات الصفر على ريش الفرخ. والذى فى المسعودى زغب النعام.
(2) ربط غدائرها إلى فرسين جموحين؛ ثم استركضهما، فقطعاها
(3) فى الطبرى أن الذى بعده: هرمز بن نرسى، ثم سابور ذو الاكتاف ص 54 ح 2 الطبرى.
(4) سيأتى معنى: شاهبور، وقد ضبطت الجنود فى الطبرى دار المعارف، وفى السيرة. دار الحلبى بالفتح على أنها مفعول وتضبط بالكسر على أنها مضاف إليه.(1/328)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلِلشّعْرِ خَبَرٌ عَجِيبٌ. حَدّثَنَا إجَازَةً الْقَاضِي الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ ابْنِ أَيّوبَ عَنْ الْبُرْقَانِيّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيّ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، قَالَ: حَدّثَنِي جَدّي، قَالَ:
حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ زِيَادٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ لُؤَيّ، عَنْ شُبَيْبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ الْأَهْتَمِ، قَالَ: أَوْفَدَنِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي وَفْدِ [أَهْلِ] الْعِرَاق قَالَ: فَقَدِمْت عَلَيْهِ، وَقَدْ خَرَجَ مُتَبَدّيًا بِقَرَابَتِهِ وَأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَغَاشِيَتِهِ مِنْ جُلَسَائِهِ، فَنَزَلَ فِي أَرْضِ قَاعٍ صَحْصَحٍ مُتَنَايِفٍ «1» أَفْيَحَ فِي عَامٍ [قَدْ] بَكّرَ وَسْمِيّهُ، وَتَتَابَعَ وَلِيّهُ «2» ، وَأَخَذَتْ الْأَرْضُ [فِيهِ] زِينَتِهَا مِنْ اخْتِلَافِ أَنْوَارِ نَبْتِهَا مِنْ نُورِ رَبِيعٍ مُونِقٍ، فَهُوَ أَحْسَنُ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُ مُسْتَنْظَرًا، وَأَحْسَنُ مُخْتَبَرًا بِصَعِيدِ كَأَنّ تُرَابَهُ قِطَعُ الْكَافُورِ، حَتّى لَوْ أَنّ قِطْعَةً أُلْقِيَتْ فِيهِ لَمْ تَتْرَبْ «3» قَالَ: وَقَدْ ضُرِبَ لَهُ سُرَادِقٌ مِنْ حِبَرَةٍ «4» كَانَ صَنَعَهُ لَهُ يُوسُفُ ابن عُمَرَ بِالْيَمَنِ، فِيهِ فُسْطَاطٌ، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَفْرِشَةٍ من خزّ أحمر، مثلها مرافقها «5»
__________
(1) حشمه: خاصته الذين يغضبون له. والغاشية الزوار والأصدقاء ينتابونك. القاع: المستوى من الأرض: صحصح: الأرض الواسعة المستوية الحرداء ذات الحصى الصغار. متنايف: مرتفع مشرف على غيره. وفى الأغانى: منيف.
(2) أفيح: واسع. بكر: بادر. الوسمى: مطر الربيع الأول، والولى: المطر الذى يليه.
(3) لم يصيبها التراب.
(4) بوزن عنبه: برد يمانى.
(5) الفسطاط: بيت من الشعر، والمرافق: جمع مرفق: ما يتكأ عليه.(1/329)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعليه درّاعة «1» من خز أحمر، مئلها عِمَامَتُهَا، قَالَ: وَقَدْ أَخَذَ النّاسُ مَجَالِسَهُمْ، فَأَخْرَجْت رَأْسِي مِنْ نَاحِيَةِ الطّاقِ «2» ، فَنَظَرَ إلَيّ شِبْهَ الْمُسْتَنْطَقِ [لِي] ؛ فَقُلْت: أَتَمّ اللهُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةً سَوّغَكَهَا بِشُكْرِ، وَجَعَلَ مَا قَلّدَك مِنْ هَذَا الْأَمْرِ رُشْدًا، وَعَاقِبَةً مَا تَئُول إلَيْهِ حَمْدًا، وَأَخْلَصَهُ لَك بِالتّقَى، وَكَثّرَهُ لَك بِالنّمَاءِ، وَلَا كَدَرَ عَلَيْك مِنْهُ مَا صَفَا، وَلَا خَالَطَ سُرُورَهُ الرّدَى؛ فَقَدْ أَصْبَحَتْ لِلْمُسْلِمِينَ ثِقَةٌ وَمُسْتَرَاحًا. إلَيْك يَقْصِدُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْك يَفْزَعُونَ فِي مَظَالِمِهِمْ، وَمَا أَجِدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا- جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَك- هُوَ أَبْلَغُ فِي قَضَاءِ حَقّك وَتَوْقِيرِ مَجْلِسِك مِمّا مَنّ اللهِ [جَلّ وَعَزّ] بِهِ عَلَيّ مِنْ مُجَالَسَتِك، وَالنّظَرِ إلَى وَجْهِك مِنْ أَنْ أُذَكّرَك نِعَمَ اللهِ عَلَيْك، وَأُنَبّهَك لِشُكْرِهَا، وَمَا أَجِدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ سَلَفَ قَبْلَك مِنْ الْمُلُوكِ، فَإِنْ أَذِنَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرْته عَنْهُ. قَالَ: فَاسْتَوَى جَالِسًا- وَكَانَ مُتّكِئًا- ثُمّ قَالَ: هَاتِ يابن الْأَهْتَمِ، [قَالَ] :
فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنّ مَلِكًا مِنْ الْمُلُوكِ قَبْلَك خَرَجَ فِي عَامٍ مِثْلِ عَامِنَا هَذَا إلَى الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ «3» فِي عام قد بكّر وسميّه، وتتابع وليه،
__________
(1) الضمير فى عليه لهشام بن عبد الملك. والدراعة: جبة مشقوقة المقدم، وثوب من صوف.
(2) فى الأغانى: السماط، وهو الصفوف من الناس.
(3) الخورنق: قصر كبير بناه النعان بن امرئ القيس البدئ بن عمرو بن امرى القيس لملك الفرس يزدجرد الأثيم، وقيل: النعمان بن المنذر: وخورنق: معرب خورنكاه أى موضع الأكل. والسدير: موضع معروف بالحيرة، وقيل: نهر، وقيل: قصر قريب من الخورنق اتخذه النعمان أيضا لبعض ملوك العجم وسيأتى شئ آخر عنه.(1/330)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَخَذَتْ الْأَرْضُ فِيهِ زِينَتَهَا مِنْ نُورِ رَبِيعٍ مُونِقٍ، فَهُوَ فِي أَحْسَنِ مَنْظَرٍ وَأَحْسَنِ مُسْتَنْظَرٍ، وَأَحْسَنِ مُخْتَبَرٍ بِصَعِيدِ كَأَنّ تُرَابَهُ قِطَعُ الْكَافُورِ «1» حَتّى لَوْ أَنّ قِطْعَةً أُلْقِيَتْ فِيهِ لَمْ تَتْرَبْ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أُعْطِيَ فَتَاءَ السّنّ مَعَ الْكَثْرَةِ وَالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، قَالَ: فَنَظَرَ فَأَبْعَدَ النّظَرَ، فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: لِمَنْ [مِثْلُ] هَذَا؟ هَلْ رَأَيْتُمْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيهِ؟ [و] هَلْ أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيت؟ قَالَ: وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَقَايَا حَمَلَةِ الْحَجّةِ، وَالْمُضِيّ عَلَى أدب الحقّ ومنها جه. قال: ولن تخلو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلّهِ بِحُجّتِهِ فِي عِبَادِهِ، فَقَالَ: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّك قَدْ سَأَلْت عَنْ أَمْرٍ:
أَفَتَأْذَنُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قال: أرأيت ما أنت فيه: أشئ لم تزل فيه، أم شئ صَارَ إلَيْك مِيرَاثًا مِنْ غَيْرِك، وَهُوَ زَائِلٌ عَنْك، وَصَائِرٌ إلَى غَيْرِك، كَمَا صَارَ إلَيْك مِيرَاثًا مِنْ لَدُنْ غَيْرِك؟ قَالَ: فَكَذَلِكَ هُوَ. قال: فلا أراك [إلا] أعجبت بشئ يَسِيرٍ تَكُونُ فِيهِ قَلِيلًا، وَتَغِيبُ عَنْهُ طَوِيلًا، وَتَكُونُ غَدًا بِحِسَابِهِ مُرْتَهِنًا. قَالَ: وَيْحَك فَأَيْنَ الْمَهْرَبُ؟ وَأَيْنَ الْمَطْلَبُ؟ قَالَ: إمّا أَنْ تُقِيمَ فِي مُلْكِك، تَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ [اللهِ] رَبّك عَلَى مَا سَاءَك وَسَرّك، وَمَضّكَ وَأَرْمَضَكَ، وَإِمّا أَنْ تَضَعَ تَاجَك، وَتَضَعَ أَطْمَارَك، وَتَلْبَسَ أَمسَاحَك «2» ، وَتَعْبُدَ رَبّك فِي هَذَا الْجَبَلِ حَتّى يَأْتِيَك أَجَلُك. قَالَ: فَإِذَا كَانَ فِي السّحَرِ فَاقْرَعْ عَلَيّ بَابِي، فَإِنّي مُخْتَارٌ أَحَدَ الرّأْيَيْنِ، فَإِنْ اخْتَرْت مَا أَنَا فِيهِ كُنْت وَزِيرًا، لَا تعصى، وإن
__________
(1) شجر يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل يميل لونها إلى البياض.
(2) مضه: أى آلمه، وأرمضه: أوجعه. والأطمار: جمع طمر بكسر الطاء: الثوب الخلق، أو الكساء البالى من غير الصوف. والأمساح جمع مسح: الكساء من الشعر. وفى الأغانى: وتخلع أطمارك.(1/331)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اخْتَرْت خَلَوَاتِ الْأَرْضِ وَقَفْرَ الْبِلَادِ كُنْت رَفِيقًا، لَا تُخَالِفُ. قَالَ: فَقَرَعَ عَلَيْهِ بَابَهُ عِنْدَ السّحَرِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ وَضَعَ تَاجَهُ، [وَخَلَعَ أَطْمَارَهُ] وَلَبِسَ أَمْسَاحَهُ، وَتَهَيّأَ لِلسّيَاحَةِ، قَالَ. فَلَزِمَا- وَاَللهِ- الْجَبَلَ حَتّى أَتَتْهُمَا آجَالُهُمَا، وَهُوَ حَيْثُ يَقُولُ أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ: عَدِيّ بْنُ [زَيْدُ] بْنُ سَالِمٍ الْمُرّيّ الْعَدَوِيّ:
أَيّهَا الشّامِتُ الْمُعِيرُ بالد ... هر أأنت المبرّء الْمَوْفُورُ؟!
أَمْ لَدَيْك الْعَهْدُ الْوَثِيقُ مِنْ الْأَيّا ... مِ؟! بَلْ أَنْتَ جَاهِلٌ مَغْرُورُ
مَنْ رَأَيْت الْمَنُونَ خَلّدْنَ، أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ!
أَيْنَ كِسْرَى كِسْرَى الْمُلُوكِ أَنُو ... شِرْوَانَ أَمْ أَيْنَ قَبْلَهُ سَابُورُ؟!
وَبَنُو الْأَصْفَرِ الْكِرَامِ مُلُوكُ الرّ ... ومِ؟! لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَذْكُورٌ
وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دجلةتجبى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ
شَادَهُ مَرْمَرَا، وَجَلّلَهُ ... كِلْسًا فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ
لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَا ... نَ الْمُلْكُ عَنْهُ، فَبَابُهُ مَهْجُورُ
وَتَذَكّرْ رَبّ الْخَوَرْنَقِ إذْ ... أَشْرَفَ يَوْمًا، وَلِلْهُدَى تَفْكِيرُ
سَرّهُ مَالُهُ وَكَثْرَةُ مَا يَمْلِكُ ... وَالْبَحْرُ مُعْرِضًا وَالسّدِيرُ
فَارْعَوَى قَلْبُهُ، وَقَالَ: وَمَا ... غِبْطَةُ حَيّ إلَى الْمَمَاتِ يَصِيرُ؟!
ثُمّ أَضْحَوْا كَأَنّهُمْ وَرَقٌ جَفّ ... فَأَلَوْت بِهِ الصّبَا وَالدّبُورُ
ثُمّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ ... وَالْإِمّةِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ «1»
__________
(1) دجلة: نهر معروف بالعراق، وهو بكسر الدال وفتحها، والخابور: نهر كبير مخرجه من رأس عين يصب إلى الفرات من أرض الجزيرة عليه ولاية-(1/332)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ فَبَكَى [وَاَللهِ] هِشَامٌ حَتّى أَخْضَلَ «1» لِحْيَتَهُ، وَبَلّ عِمَامَتَهُ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ أَبْنِيَتِهِ، وَبِنُقْلَانِ قَرَابَتِهِ وَأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَغَاشِيَتِهِ مِنْ جُلَسَائِهِ، وَلَزِمَ قَصْرَهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَتْ الْمَوَالِي وَالْحَشَمُ عَلَى خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ الْأَهْتَمِ، وَقَالُوا:
مَا أَرَدْت إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟! أَفْسَدْت عَلَيْهِ لَذّتَهُ، وَنَغّصْت عَلَيْهِ مَأْدُبَتَهُ. قَالَ:
إلَيْكُمْ عَنّي فَإِنّي عَاهَدْت اللهَ [عَزّ وَجَلّ] عَهْدًا أَلّا أَخْلُوَ بِمَلِكِ إلّا ذَكّرْته اللهَ عَزّ وَجَلّ «2» .
وَاَلّذِي ذَكَرَهُ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي هَذَا الشّعْرِ هُوَ: النّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ جَدّ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَوّلُ هَذَا الشّعْرِ:
أَرْوَاحٌ مُوَدّعٌ أَمْ بُكُورُ ... [لَك] فَانْظُرْ لِأَيّ ذَاكَ تَصِيرُ «3»
قَالَهُ عَدِيّ، وَهُوَ فِي سِجْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَفِيهِ قتل وهو: عدىّ
__________
- واسعة وبلدان جمة. والخابور أيضا: خابور الحسنية من أعمال الموصل فى شرقى دجلة، وهو نهر من جبال بأرض الزوزان «المراصد» والمرمر: الرخام، والكلس: الجير أو مادة كانت تطلى بها القصور، ومعرض: أعرض الشئ ظهر وبرز، ارعوى: كف وارتدع يعنى: اتعظ. وألوى به: ذهب به، والصّبا ريح مهبها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار. والدبور: ريح تهب من المغرب عكس ريح الصبا والإمة: النعمة.
(1) ندّاها وبللها.
(2) فى الطبرى جزء من قصيدة عدى بن سالم. ويقول ابن كثير بعد أن روى القصة بإيجاز «وقد ذكر قصته مبسوطة: موفق بن قدامة المقدسى فى كتاب التوابين وكذلك أوردها بإسناد متين: الحافظ أبو القاسم السهيلى» ص 183 ج 1 البداية والقصة والقصيدة أيضا فى الأغانى ص 112 ج 2 ط لبنان والزيادات والتصويب منه.
(3) فى المطبوعة: حذفت: لك. وفى شعراء النصرانية «لك فاعمد لأى حال تصير»(1/333)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بْنُ زَيْدِ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَيّوبَ بْنِ مَحْرُوبِ «1» بْنِ عَامِرِ بْنِ عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ «2» . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ آلَةَ بْنِ الْخَنْسَاءِ:
أَلَمْ يُنَبّئْك وَالْأَنْبَاءُ تَنْمَى «3» ... بِمَا لَاقَتْ سَرَاةَ بَنِي الْعَبِيدِ
وَمَصْرَعُ ضَيْزَنٍ وَبَنِيّ أَبِيهِ ... وَأَحْلَاسُ الْكَتَائِبِ مِنْ تَزِيدَ «4»
أَتَاهُمْ بِالْفُيُولِ مُجَلّلَاتٍ ... وبالأبطال سابور الجنود
__________
(1) وهذه سلسلة نسبه فى جمهرة ابن حزم: عدى بن زيد بن أيوب بن مجروف ابن عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ، وابنه: زيد بن عدى صاحب النعمان بن المنذر بالحيرة ص 203 أما فى الأغانى فكما فى الروض بزيادة ابن قبل مناة فى الروض، وقد كان عدى من تراجمة أبرويز وكان- كما فى الطبرى- جميلا شاعرا خطيبا قرأ كتب العرب والفرس، قال عنه الاصمعى وأبو عبيد: عدى بن زيد فى الشعراء بمنزله سهيل فى النجوم. هذا ويروى ابن قتيبة فى المعارف وهو يتحدث عن الخورنق «ويقال: أنو شروان بن قباذ هو الذى ملكه وأشرف يوما على الخورنق، فنظر إلى ما حوله فقال: أكل ما أرى إلى فناء وزوال؟! قالوا: نعم، قال: فأى خير فيما يفنى؟ لأطلبنّ عيشا لا يزول، فانخلع من ملكه، ولبس المسوح وساح فى الأرض» ص 218 وفى الأغانى. والطبرى: ابن محروف، وفى جمهرة ابن حزم: مجروف.
(2) فى الاشتقاق والطبرى وجمهرة ابن حزم والأغانى: زيد مناة بإسقاط ابن بينهما.
(3) فى الطبرى والمسعودى والأغانى. «ألم يحزنك» وتنمى: تنتشر.
(4) فى المسعودى: وأحلاف. وأحلاس الكتائب: الشجعان الملازمون لها. وتزيد هو: ابن حلوان كما فى القاموس والأغانى ص 116 ج 2 ط لبنان وابن عمران بن الحاف. أما حلوان فأخ له كما فى الاشتقاق، وهم من قضاعة.(1/334)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَهَدّمَ مِنْ أَوَاسِي الْحَضْرِ صَخْرًا ... كَأَنّ ثِقَالَهُ زُبَرُ الْحَدِيدِ «1»
وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَقَامَ بِهِ شَاهَبُورُ الجنو ... د حَوْلَيْنِ تُضْرَبُ فِيهِ الْقُدُمُ
وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّ شَاهَبُورَ مَعْنَاهُ: ابْنُ الْمَلِكِ، وَأَنّ بُورَ هُوَ: الِابْنُ بِلِسَانِهِمْ، وَفِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنّ سَابُورَ مُغَيّرٌ عَنْ شَاهَبُورَ. وَالْقُدُمُ:
جَمْعُ قَدُومٍ، وَهُوَ الْفَأْسُ وَنَحْوُهُ، وَالْقَدُومُ: اسْمُ مَوْضِعٍ أَيْضًا اُخْتُتِنَ فِيهِ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَام الّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ إبْرَاهِيمَ اخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ مُخَفّفٌ «2» أَيْضًا، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ التّشْدِيدُ. وَبَعْدَهُ:
فَهَلْ زَادَهُ رَبّهُ قُوّةً ... وَمِثْلُ مُجَاوِرِهِ لَمْ يَقُمْ
وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً ... هَلُمّوا إلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمَ
فَمُوتُوا كِرَامًا بِأَسْيَافِكُمْ ... أَرَى الْمَوْتَ يَجْشَمُهُ من جشم «3»
__________
(1) الأواسى: جمع آسية، وهو ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية أو غيرها، وزبر: جمع زبرة: القطعة الضخمة.
(2) هما روايتان فى البخارى، أما الرواة فى مسلم فلم يختلفوا فى التخفيف وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا. والراجح- كما يقول الحافظ فى الفتح- أن المراد فى الحديث: الآلة. وعند البخارى: أنه اختتن وسنه ثمانين سنة. وفى الموطأ موقوفا عن أبى هريرة، وعند ابن حبان مرفوعا أنه كان وسنه مائة وعشرون، وتقال قدوم على عدة مواضع كما فى المراصد.
(3) بعض القصيدة فى الطبرى، وقد أصلحنا خللها من الديوان مثل البيت الثانى فهو فى المطبوعة «وكان قد دعا قومه» .(1/335)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الشّعْرِ: وَهَلْ خَالِدٌ مَنْ نَعِمْ. يُقَالُ نَعِمَ يَنْعِمُ وَيَنْعَمُ مِثْلُ حَسِبَ يَحْسِبُ وَيَحْسَبُ. وَفِي أَدَبِ الْكَاتِبِ أَنّهُ يُقَالُ: نَعِمَ يَنْعُمُ مثل فضل يفضل.
حكى ذلك عن سيبوبه، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْقُتَبِيّ، وَمَنْ تَأَمّلَهُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ تَبَيّنَ لَهُ غَلَطُ الْقُتَبِيّ، وَأَنّ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَذْكُرْ الضّمّ إلّا فِي فَضَلَ يَفْضُلُ «1» .
وَقَوْلُ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ: رَبِيّةٌ لَمْ توقّ والدها. يحمتل أَنْ تَكُونَ فَعِيلَةً مِنْ رَبِيت إلّا أَنّ الْقِيَاسَ فِي فَعَيْلَةٍ بِمَعْنَى: مَفْعُولَةٍ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنّهُ أَرَادَ مَعْنَى الرّبْوِ وَالنّمَاءِ، لِأَنّهَا رَبَتْ فِي نِعْمَةٍ فَتَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَأَصَحّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: رَبِيئَةً بِالْهَمْزِ، وَسَهّلَ الْهَمْزَةَ فَصَارَتْ يَاءً، وَجَعَلَهَا رَبِيئَةً؛ لِأَنّهَا كَانَتْ طَلِيعَةً حَيْثُ اطّلَعَتْ، حَتّى رَأَتْ سَابُورَ وَجُنُودَهُ، وَيُقَالُ لِلطّلِيعَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى: رَبِيئَةٌ «2» ، وَيُقَالُ لَهُ:
رَبَاءُ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ وَأَنْشَدُوا: رَبَاءُ شَمّاءُ لَا يَأْوِي نَقْلَتُهَا، الْبَيْت.
وَقَوْلُهُ أَضَاعَ رَاقِبُهَا، أَيْ أَضَاعَ الْمَرْبَأَةُ الّذِي يرقبها ويحرسها، ويحتمل أن
__________
(1) فى المختار: نعم وبابه سهل، وكذا. نعم من باب علم، وفيه لغة ثالثة مركبة: نعم ينعم مثل فضل يفضل ولغة رابعة: نعم ينعم بالكسر فيهما، وهو شاذ. وقول ابن قتيبة المنقول من أدب الكاتب هو فى ص 477 ط الرحمانية.
(2) الطليعة الذى يرقب العدو من مكان عال لئلايدهم قومه؛ وفى اللسان: والربيئة: الطليعة، وإنما أنثوه؛ لأن الطليعة يقال له: العين؛ إذ بعينه ينظر، والعين مؤنثة، وإنما قيل له: عين، لأنه يرعى أمورهم ويحرسهم، وحكى سيبويه فى العين الذى هو الطليعة. أنه ينكر ويؤنث، فيقال: ربئ، وربيئة، فمن أنث فعلى الأصل، ومن ذكر فعلى أنه قد نقل من الجزء إلى الكل.(1/336)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْجَارِيَةِ أَيْ: أَضَاعَهَا حَافِظُهَا.
وَقَوْلُهُ: وَالْخَمْرُ وَهْلٌ. يُقَالُ: وَهِلَ الرّجُلُ وَهْلًا وَوَهَلًا إذَا أَرَادَ شَيْئًا، فَذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَيُقَالُ فِيهِ: وَهَمَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَأَمّا وَهِمَ بِالْكَسْرِ، فَمَعْنَاهُ: غَلَطٌ، وَأَوْهَمَ بِالْأَلِفِ مَعْنَاهُ: أَسْقَطَ.
وَقَوْلُهُ: سَبَائِبُهَا. السّبَائِبُ جَمْعُ: سَبِيبَةٍ، وَهِيَ كَالْعِمَامَةِ أَوْ نَحْوِهَا، وَمِنْهُ السّبّ وَهُوَ: الْخِمَارُ.
وَقَوْلُهُ: فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا. الْمَشَاجِبُ: جَمْعُ مِشْجَبٍ، وَهُوَ مَا تَعَلّقَ مِنْهُ الثّيَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَابِرٍ: وَإِنّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ «1» وَكَانُوا يُسَمّونَ الْقِرْبَةَ: شَجْبًا؛ لِأَنّهَا جِلْدُ مَاءٍ قَدْ شَجِبَ أَيْ: عَطِبَ، وَكَانُوا لَا يُمْسِكُونَ الْقِرْبَةَ وَهِيَ الشّجْبُ إلّا مُعَلّقَةً، فَالْعَوْدُ الّذِي تَعَلّقَ بِهِ هُوَ الْمِشْجَبُ حَقِيقَةً، ثُمّ اتْسَعُوا، فَسَمّوا مَا تَعَلّقَ بِهِ الثّيَابُ مِشْجَبًا تَشْبِيهًا بِهِ.
وَفِي شِعْرِ عَدِيّ الْمُتَقَدّمِ ذُكِرَ الْخَابُورُ، وَهُوَ وَادٍ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ فَاعُولٌ مِنْ خَبَرْت الْأَرْضَ إذَا حَرَثْتهَا، وَهُوَ وَادٍ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَزَارِعُ. قَالَتْ لَيْلَى أُخْتُ الْوَلِيدِ بْنِ طَرِيفٍ الْخَارِجِيّ الشّيْبَانِيّ، حِينَ قُتِلَ أَخُوهَا الْوَلِيدُ. قَتَلَهُ يَزِيدُ بْنُ مَزِيدٍ الشّيْبَانِيّ أَيّامَ الرّشِيدِ، فَلَمّا قتل قالت أخته:
أيا شجر الخابور مالك مُورِقًا ... كَأَنّك لَمْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ «2»
فَقَدْنَاهُ فُقْدَانَ الرّبِيعِ وَلَيْتَنَا ... فَدَيْنَاهُ مِنْ سَادَاتِنَا بألوف
__________
(1) هو فى البخارى فى باب الصلاة.
(2) الخابور: يستعمل فى الطب، وفى الزينة، وله زهر زاهى المنظر أصغر جيد الرائحة. والخافور- كما فى اللسان- نبات تجمعه النمل فى بيوتها، والحبق-(1/337)
[ذكر ولد نزار بن معد]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ نِزَارُ بْنُ مَعَدّ ثلاثة نفر: مضر بن نزار، وربيعة ابن نِزَارٍ، وأَنْمَارَ بْنَ نِزَارٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وإياد بن نزار. قال الحارث بْنُ دَوْسٍ الْإِيَادِيّ، وَيُرْوَى لِأَبِي دُوَادَ الْإِيَادِيّ، واسمه: جَارِيَةُ بْنُ الْحَجّاجِ:
وَفُتُوّ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ ... مِنْ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ:
فَأُمّ مُضَرَ وَإِيَادٍ: سَوْدَةُ بنت عكّ بن عدنان. وأمّ ربيعة وأنمار:
شقيقة بِنْتُ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ، وَيُقَالُ: جُمُعَةُ بِنْتُ عكّ بن عدنان.
[ «أَوْلَادُ أَنْمَارٍ» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْمَارُ: أَبُو خَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيّ وَكَانَ سَيّدَ بَجِيلَةَ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ:
لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَةُ ... نِعْمَ الْفَتَى، وَبَئِسَتْ الْقِبِيلَه
وَهُوَ يُنَافِرُ الْفُرَافِصَةَ الْكَلْبِيّ إلى الأقرع بن حابس التّميمى.
يَا أَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إنّك إن تصرع أخاك تصرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا الْخَافُورُ بِالْفَاءِ فَنَبَاتٌ تَخْفِرُ رِيحُهُ أَيْ: تقطع شهوة النساء، كما يفعل
__________
- حبق الماء أو البحر: نبات طيب الرائحة يسمى: نعنع الماء، وفى المعجم الوسيط عن المرو: نبات عطر طبى من الفصيلة الشعرية من أسمائه: الحر نباش وحبق الشيوخ، والزعتر فى القاموس: المرو الدقيق الورق.(1/338)
قال:
ابْنَيْ نِزَارٍ اُنْصُرَا أَخَاكُمَا ... إنّ أَبِي وَجَدْتَهُ أباكما
لن يغلب اليوم أخ والا كما
وَقَدْ تَيَامَنَتْ، فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَجِيلَةُ: أَنْمَار بْنُ إرَاشِ بْنِ لحيان بن عمرو ابن الْغَوْثِ بْنِ نَبْت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وخثعم: يمانية.
[ «أَوْلَادُ مُضَرَ» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُضَرُ بْنُ نِزَارٍ رَجُلَيْنِ: إلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ، وَعَيْلَانَ ابن مضر. قال ابن هشام: وأمهما: جر هميّة.
[ «أَوْلَادُ إلْيَاسَ» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ إلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: مُدْرِكَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَطَابِخَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَقَمْعَةَ بْنَ إلْيَاسَ وَأُمّهُمْ: خندف: امرأة من اليمن.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خِنْدِفُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا، وَاسْمُ طَابِخَةَ عَمْرًا، وَزَعَمُوا أَنّهُمَا كَانَا فِي إبِلٍ لَهُمَا يَرْعَيَانِهَا، فَاقْتَنَصَا صَيْدًا، فَقَعَدَا عَلَيْهِ يَطْبُخَانِهِ، وَعَدَتْ عَادِيَةٌ عَلَى إبِلِهِمَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِعَمْرٍو: أَتُدْرِكُ الْإِبِلَ، أَمْ تطبخ هذا الصيد؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَبَقُ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَرْوُ، وَبِهَذَا الِاسْمِ يَعْرِفُهُ الناس وهو الزّغبر أيضا.(1/339)
فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ أَطْبُخُ، فَلَحِقَ عَامِرٌ بِالْإِبِلِ فَجَاءَ بِهَا، فَلَمّا رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا حَدّثَاهُ بشأنهما، فَقَالَ لِعَامِرِ: أَنْتَ مُدْرِكَةٌ، وَقَالَ لِعَمْرِو: وَأَنْتَ طابخة.
وَأَمّا قَمَعَةُ فَيَزْعُمُ نُسّابُ مُضَرَ: أَنّ خُزَاعَةَ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ إلْيَاس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ذَكَرَ نِزَارُ بْنُ مَعَدّ وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ) قَدْ ذَكَرْنَا أَوْلَادَ مَعَدّ الْعَشَرَةَ فِيمَا تَقَدّمَ، فَأَمّا مُضَرُ فَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي عَمُودٍ نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرْنَا أَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَنّ حُدَاءَ الْإِبِلِ، وَسَبَبُهُ- فِيمَا ذَكَرُوا- أَنّهُ سَقَطَ عَنْ بَعِيرٍ، فَوَثَبَتْ يَدُهُ، وَكَانَ أَحْسَنَ النّاسِ صَوْتًا، فَكَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْإِبِلِ، وَيَقُولُ: وَايَدَيّاهُ وَايَدَيّاهُ، يَتَرَنّمُ بِذَلِكَ فَأَعْنَقَتْ الْإِبِلُ، وَذَهَبَ كَلَالُهَا؛ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلُ الْحُدَاءِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنّهَا تَنْشَطُ بِحُدَائِهَا الْإِبِلُ، فَتُسْرِعُ.
وَأَمّا أَنْمَارُ بْنُ نِزَارٍ، وَهُوَ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ فَسُمّيَ: بِالْأَنْمَارِ جَمْعُ نَمِرٍ «1» ، كَمَا سُمّوا بِسِبَاعِ وَكِلَابٍ، وَأُمّ بَنِيهِ: بَجِيلَةُ بِنْتُ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ وُلِدَ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا أَفْتَلُ «2» وَهُوَ: خَثْعَمُ «3» ، وَوَلَدَتْ لَهُ عَبْقَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، سَمّاهُمْ أَبُو الْفَرَجِ، عَنْهُمْ تَنَاسَلَتْ قَبَائِلُ بَجِيلَةَ وَهُمْ: وَدَاعَةُ وَخُزَيْمَةُ وصهيبة [فى الأصل: صحيم]
__________
(1) روى ابن هشام عن ابن إسحاق من ولد نزار: أنمار. وفى جمهرة ابن حزم «ذكروا أن خثعم وبجيلة من ولد أنمار إلا أن الصحيح المحض. الذى لا شك فيه أن قبائل مضر وقبائل ربيعة ابنى نزار» ص 9، وفى ص 6 من نسب قريش وكان يقال ربيعة ومضر الصريحان من ولد إسماعيل» .
(2) وقيل: أقيل وأقيل.
(3) أمه هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عك «الجمهرة ص 365» .(1/340)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْحَارِثُ وَمَالِكُ وَشَيْبَةُ وَطُرَيْفَةُ وَفَهْمٌ وَالْغَوْثُ وَسَهْلٌ وَعَبْقَرٌ وَأَشْهَلُ «1» كُلّهُمْ بَنُو أَنْمَارٍ، وَيُقَالُ: إنّ بَجِيلَةَ حَبَشِيّةٌ حَضَنَتْ أَوْلَادَ أَنْمَارٍ الّذِينَ سَمّيْنَا، وَلَمْ تَحْضُنْ أَفْتَلَ، وَهُوَ: خَثْعَمُ، فَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهَا. رَوَى التّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ أَنّهُ لَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِي سَبَأٍ مَا أَنَزَلَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَبَأٌ: امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِامْرَأَةِ وَلَا أَرْضٍ، وَلَكِنّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً من العرب، فتيا من مِنْهُمْ سِتّةً، وَتَشَاءَمَ «2» أَرْبَعَةٌ، فَأَمّا الّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسّانُ، وَأَمّا الّذِينَ تَيَامَنُوا: فَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرُونَ وَحِمْيَرُ وَمُذْحِجُ وَكِنْدَةُ وَأَنْمَارٌ، قَالَ الرّجُلُ: وَمَنْ أَنْمَارٌ؟ قَالَ: الّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ «3» وَبَجِيلَةُ. وَقَوْلُهُ:
لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَةُ ... نِعْمَ الْفَتَى، وَبِئْسَتْ القبيله
__________
(1) هم فى جمهرة أنساب العرب: خزيمة، وادعة، عبقر، الغوث، صهيبة، أشهل، شهل، طريف، سنية، الحارث وخذعة، أما فى نهاية الأرب: العقب من أنمار بن إراش بن عمرو بن لحيان بن عمرو بن مالك بن زيد: خمس قبائل، الغوث وعبقر وصهيبة، ووداعة وأفتل، وهو خثعم بنو أنمار بن إراش ويقول عن أنمار بن نزار: «فإنها انقلبت فى اليمن.. ومن قال إنها انقلبت فى اليمن يقول فيه: إن خثعم وبجيلة ابنا أنمار بن نزار لحقا باليمن، وانتسبا عن جهل منهما إلى أَنْمَارٍ بْنِ إرَاشَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بن النبيت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ بن يشجب به يعرب بن قحطان» انظر ص 310، 328 ج 2 نهاية الأرب.
(2) تيامن: أى ذهب إلى اليمن وعاش فيها وتشاءم: قصد الشام وعاش فيها
(3) قال الترمذى: حسن غريب ورواه أحمد من طريق ابن عباس وراوه عبد عن الحسن موسى عن ابن لهيعة به وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه وفى إسناده من وجه آخر فروة أبو حباب، وقد تكلموا فيه وفى روايات الحديث اضطراب(1/341)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ لَمّا سَمِعَ هَذَا: مَا مُدِحَ رَجُلٌ هُجِيَ قَوْمُهُ، وَجَرِيرٌ هَذَا هُوَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَابِرٍ، وَهُوَ: الشّلَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عُوَيْفِ بْنِ جَذِيمَةَ «1» بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ قَسْرٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ عَبْقَرِ بْنِ أَنْمَارٍ بْنِ إرَاشَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ، يُكَنّى: أَبَا عَمْرٍو، وقيل: أبا عَبْدُ اللهِ، وَفِيهِ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ خَيْرُ ذِي يَمَنٍ، عَلَيْهِ مَسْحَةُ مُلْكٍ «2» » وَكَانَ عُمَرُ يُسَمّيهِ: يُوسُفَ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَكَانَ مِنْ مُقْبِلِي الظّعُنِ، وَكَانَتْ نَعْلُهُ:
طُولُهَا: ذِرَاعٌ فِيمَا ذَكَرُوا. وَمِنْ النّذِيرِ بْنِ قَسْرٍ: الْعُرَنِيّونَ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاجْتَوَوْا «3» الْمَدِينَةَ، وَحَدِيثُهُمْ مَشْهُورٌ، وَهُمْ بَنُو عُرَيْنَةَ بْنِ النّذِيرِ، أَوْ بَنُو عُرَيْنَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَذِيرٍ، لِأَنّهُمَا عُرَيْنَتَانِ، وَأَحَدُهُمَا: عَمّ الْآخَرِ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ: مِنْ بَنِي قَيْسٍ: كُبّةٌ مِنْ بَجِيلَةَ.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ يُنَافِرُ الْفُرَافِصَةَ [بْنَ الأحوص] الكلبى إلى الأقرع بن حابس
__________
(1) فى الاشتقاق: ابن حزيمة وفى نسب قريش: خزيمة، وفى الإصابة: عوف بن خزيمة.
(2) رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه محمد بن السائب الكلبى، وهو كذاب. وفى القاموس: أنه كان يلقب بذى المسحة.
(3) أى أصابهم الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواها. واجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه، وإن كنت فى نعمه وفى اللسان أنهم ارتدوا، فقتلهم الرسول «ص» هذا وفى السيرة أن أم مضر وإياد هى سودة بنت عك، ولكنها فى نسب قريش: خبية بوزن عليه بنت عك. وفى السيرة أن أم ربيعة وأنمار هى: شقيقة بنت عك، ولكنها فى نسب قريش: حدالة (بضم الحاء) بنت وعلان بن جوشم ص 6.(1/342)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التّمِيمِيّ. يُنَافِرُ: أَيْ يُحَاكِمُ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: لَفْظُ الْمُنَافَرَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النّفَرِ، وَكَانُوا إذَا تَنَازَعَ الرّجُلَانِ، وَادّعَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنّهُ أَعَزّ نَفَرًا مِنْ صَاحِبِهِ، تَحَاكَمُوا إلَى الْعَلّامَةِ، فَمَنْ فَضَلَ مِنْهُمَا قِيلَ: نَفّرَهُ عَلَيْهِ أَيْ: فَضّلَ نَفَرَهُ عَلَى نَفَرِ الْآخَرِ: فَمِنْ هَذَا أُخِذَتْ الْمُنَافَرَةُ، وَقَالَ زُهَيْرٌ:
فَإِنّ الْحَقّ مَقْطَعُهُ ثَلَاثٌ ... يَمِينٌ، أَوْ نِفَارٌ أَوْ جَلَاءٌ «1»
وَالْفُرَافِصَةُ بِالضّمّ: اسْمُ الْأَسَدِ، وَبِالْفَتْحِ اسْمُ الرّجُلِ، وَقَدْ قِيلَ: كُلّ فُرَافِصَةٌ فِي الْعَرَبِ بِالضّمّ إلّا الْفُرَافِصَةَ أَبَا نَائِلَةَ صِهْرَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَإِنّهُ بِالْفَتْحِ.
وَقَوْلُهُ: إنّك إنْ تَصْرَعْ أَخَاك تُصْرَعْ. وُجِدَتْ فِي حَاشِيَة أَبِي بَحْرٍ، قَالَ:
الْأَشْهُرُ فِي الرّوَايَةِ: إنْ يُصْرَعْ أَخُوك «2» ، وَإِنّمَا لَمْ يَنْجَزِمْ الْفِعْلُ الْآخَرُ عَلَى جَوَابِ الشرط؛ لأنه فى نية التقديم عند سيبوبه، وَهُوَ عَلَى إضْمَارِ الْفَاءِ عِنْدَ الْمُبَرّدِ «3» ، وَمَا ذُكِرَ فِي أَنْمَارٍ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ التّرْمِذِيّ الْمُتَقَدّمُ.
وَذَكَرَ أُمّ إلْيَاسَ، وَقَالَ فِيهَا: امْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، وَلَمْ يسمها، وليست من
__________
(1) جلاء بفتح الجيم: البينة فى المحاكمة والأمر البين الواضح، وقيل: أراد: البينة والشهود، وقيل: أراد الإقرار والجلاء بكسر الجيم: ما يعظم به الإنسان من الكنى والألقاب والبيت فى اللسان فى مادة: جلو.
(2) يستشهد النحاة بهذا البيت على جواز رفع جزاء الشرط المضارع حين يكون الشرط مضارعا أيضا. وهو ضعيف، وهو فى نسب قريش «إن يصرع أخوك» وفى المزهر ص 493 ج 2: كل شئ فى العرب فرافصة بضم الفاء إلا فرافصة بن الأحوص.
(3) قالا بهذا، لأن القاعدة وجوب جزم جواب الشرط إن كانا مضارعين واقرأ قصة هذه المنافرة فى ص 301 ج 1 بلوغ الأرب.(1/343)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جُرْهُمٍ، وَإِنّمَا هِيَ الرّبَابُ بِنْتُ حَيْدَةَ «1» بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذَلِكَ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمّا عَيْلَانُ أَخُو إلْيَاسَ، فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَيْسٌ نَفْسُهُ لَا أَبُوهُ، وَسُمّيَ بِفَرَسِ لَهُ اسْمُهُ: عَيْلَانُ «2» ، وَكَانَ يُجَاوِرُهُ قَيْسُ كُبّةَ مِنْ بَجِيلَةَ عُرِفَ بِكُبّةَ اسْمِ فَرَسِهِ فُرّقَ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَقِيلَ: عَيْلَانُ اسْمُ كَلْبٍ لَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
النّاسُ، وَلِأَخِيهِ: إلْيَاسُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ الْقَوْلُ فِي عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وما فيه غنية من شرخ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ.
وَذَكَرَ مُدْرِكَةَ وَطَابِخَةَ وَقَمْعَةَ وَسَبَبَ تَسْمِيَتِهِمْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَفِي الْخَبَرِ زِيَادَةٌ، وَهُوَ أَنّ إلْيَاسَ قَالَ لِأُمّهِمْ- وَاسْمُهَا لَيْلَى «3» ، وَأُمّهَا: ضَرِيّةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ الّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا: حِمَى ضَرِيّةَ، وَقَدْ أَقْبَلَتْ تُخَنْدِفُ فِي مشيتها: مالك تُخَنْدِفِينَ؟ فَسُمّيَتْ: خِنْدِفَ، وَالْخَنْدِفَةُ: سُرْعَةٌ فِي مَشْيٍ وقال لمدركة.
__________
(1) فى نهاية الأرب وغيره: حيد. وفى نسب قريش ص 7 أن أم الياس هى الحنفاء ابنة إياد بن معد، وفى جمهرة ابن حزم ص 9 أن اسمها: أسمى بنت سود بن أسلم بن الحارث بن قضاعة.
(2) فى الطبرى: أنه سمى عيلان لأنه كان يعاتب على جوده. فيقال له لتغلبن عليك العيلة يا عيلان وليس فى الأسماء عيلان بالعين غيره.
(3) وفى نسب قريش ص 6. فولد مضر بن نزار: الياس، وهو عيلان انظر ص 322 شرح أدب الكاتب للجواليقى وفى الجمهرة: «وقيس عيلان بن مضر» وخطأ من جعل قيسا بن عيلان وليلى بنت حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. ويقال لهم: خندف وفى اللسان الشرف كبد نجد وكانت منازل لهلوك من بنى آكل المرار وفيها اليوم حمى ضرية وفى حديث عثمان. كان الحمى حمى ضرية على عهده ستة أميال. وضرية امرأة سمى الموضع بها وهو بأرض نجد.(1/344)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنْتَ قَدْ أَدْرَكْت مَا طَلَبْتَا
وَقَالَ لِطَابِخَةَ:
وَأَنْتَ قَدْ أَنْضَجْت مَا طَبَخْتَا.
وَقَالَ لِقَمْعَةَ وَهُوَ عُمَيْرٌ:
وَأَنْتَ قَدْ قَعَدْت «1» فَانْقَمَعْتَا.
وَخِنْدِفُ الّتِي عُرِفَ بِهَا بَنُو إلْيَاسَ، وَهِيَ الّتِي ضَرَبَتْ الْأَمْثَالَ بِحُزْنِهَا عَلَى إلْيَاسَ، وَذَلِكَ أَنّهَا تَرَكَتْ بَنِيهَا، وَسَاحَتْ فِي الْأَرْضِ تَبْكِيهِ، حَتّى مَاتَتْ كَمَدًا، وَكَانَ مَاتَ يَوْمَ خَمِيسٍ، وَكَانَتْ إذَا جَاءَ الْخَمِيسُ بَكَتْ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ إلَى آخِرِهِ فَمِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي ذَلِكَ:
إذَا مُؤْنِسٌ لَاحَتْ خَرَاطِيمُ شَمْسِهِ ... بَكَتْهُ بِهِ حَتّى تَرَى الشّمْسَ تَغْرُبُ
فَمَا رَدّ بَأْسًا حُزْنُهَا وَعَوِيلُهَا ... وَلَمْ يُغْنِهَا حُزْنٌ وَنَفْسٌ تُعَذّبُ
وَكَانُوا يُسَمّونَ الْخَمِيسَ: مُؤْنِسًا «2» قَالَ الزّبَيْرُ: وإنما نسب بنو الياس
__________
(1) فى الطبرى «أسأت» .
(2) جمع النابغة أسماء الأيام فى الجاهلية فى هذين البيتين:
أؤمل أن أعيش وأن يومى ... بأوّل أو بأهون أو جبار
أو التالى دبار فإن يفتنى ... فمؤنس او عروبة أو شيار
وفى صبح الأعشى أنها تسمية العرب العاربه من بنى قحطان وجرهم الأولى. وأول: هو الأحد. وسموا الخميس مؤنسا لأنه يؤنس به لبركته فى زعمهم. ج 364 ج 2 صبح الأعشى، أو لأنهم كانوا يميلون فيه إلى الملاذ. وفى المطبوعة فى البيتين: بكتابه وهو خطأ صوبته من مراجعى.(1/345)
[قِصّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ]
[ «حديث جرّ عمرو قصبه فى النار» ]
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حُدّثْت أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ: «رَأَيْت عمرو بن لحىّ يجرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، فَسَأَلْته عَمّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النّاسِ، فَقَالَ: هَلَكُوا»
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ أَنّ أَبَا صَالِحٍ السّمّانَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، وَيُقَالُ اسْمُهُ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ- يَقُولُ:
سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيّ:
«يَا أَكْثَمُ، رَأَيْت عَمْرَو لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ، وَلَا بِك مِنْهُ. فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا، إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، إنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وحمى الحامى» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأُمّهِمْ؛ لِأَنّهَا حِينَ تَرَكَتْهُمْ شُغْلًا لِحُزْنِهَا عَلَى أَبِيهِمْ، رَحِمَهُمْ النّاسُ فَقَالُوا:
هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ خِنْدِفَ الّذِينَ تَرَكَتْهُمْ، وَهُمْ صِغَارُ أَيْتَامٍ، حَتّى عُرِفُوا بِبَنِي خِنْدِفَ. وَأَمّا عَوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَسُمّيَتْ: الْعَوَانَةُ وَهِيَ النّاقَةُ الطّوِيلَةُ.(1/346)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ «1» بْنِ قَمْعَةَ بْنِ إلْيَاس، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي نَسَبِ خُزَاعَةَ وَأَسْلَمَ أَنّهُمَا ابْنَا حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَأَنّ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ هُوَ أَبُو خُزَاعَةَ مِنْ بنى أبى حارثة بن عامر، لامن حَارِثَةَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَسْلَمَ: «ارْمُوا يَا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فَإِنّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا «2» » وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ فِي الظّاهِرِ، إلّا أَنّ بَعْضَ أَهْلِ النّسَبِ ذَكَرَ أَنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ كَانَ حَارِثَةُ قَدْ خَلّفَ عَلَى أُمّهِ بَعْدَ أَنْ آمَتْ مِنْ قَمْعَةَ، وَلُحَيّ صَغِيرٌ. وَلُحَيّ هُوَ: رَبِيعَةُ، فَتَبَنّاهُ حَارِثَةُ، وَانْتَسَبَ إلَيْهِ فَيَكُونُ النّسَبُ صَحِيحًا بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: إلَى حَارِثَةَ بِالتّبَنّي، وَإِلَى قَمْعَةَ بِالْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ، فَإِنّهُ أَخُو خُزَاعَةَ، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خُزَاعَةَ، وَقِيلَ فِي أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى: إنّهُمْ مِنْ بَنِي أَبِي حَارِثَةَ بن عامر، لامن بَنِي حَارِثَةَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ حُجّةٌ لِمَنْ نَسَبَ قَحْطَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ حُجّةِ مَنْ نَسَبَ خُزَاعَةَ إلَى قَمْعَةَ مَعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُعَطّلِ [الْهُذَلِيّ] يُخَاطِبُ قَوْمًا مِنْ خُزَاعَةَ.
لَعَلّكُمْ مِنْ أُسْرَةٍ قَمْعِيّةٍ ... إذَا حَضَرُوا لَا يشهدون المعرّفا «3»
__________
(1) نسبه فى البخارى: عمرو بن عامر بن لحى، وفى نسب قريش: عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ. وخزاعة تقول: عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو ابن عامر بن غسان. وحديث عمرو أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأحمد والحاكم وابن جرير والطبرانى بطرق مختلفة وألفاظ مختلفة. وما فى السيرة رواية ابن جرير بطريقه.
(2) البخارى وغيره.
(3) الموقف بعرفة.(1/347)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَكْثَمَ الّذِي يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ. اسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيّ: اسمه: عبد شمس بن عبدنهم، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ غَنْمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَبَدّلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا بَدّلَ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ عِشْرِقَةَ، وَقِيلَ: كُرْدُوسٌ، وَقِيلَ: سُكَيْنٌ. قَالَهُ النّفْسُوِيّ، [لَعَلّهُ الْبَغَوِيّ أَوْ النّفُوسِيّ] وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَكَنّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهِرّةِ رَآهَا مَعَه، وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ الْهِرّة كَانَتْ وَحْشِيّةً «1» .
وَأَمّا أَكْثَمُ الّذِي ذَكَرَهُ، فَقَدْ صَرّحَ فِي حَدِيثِهِ بِنَسَبِ عَمْرٍو وَالِدِ خُزَاعَةَ، وَذَكَرَهُ لَقُوّةِ الشّبَهِ بَيْنَ أَكْثَمَ وَبَيْنَهُ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ نَسَبُ وِلَادَةٍ- كَمَا تَقَدّمَ وَلَا سِيّمَا عَلَى رِوَايَةِ الزّبَيْرِ؛ فَإِنّ فِيهَا أَنّهُ قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ وَالِدَ خُزَاعَةَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، وَقَوْلُهُ لِأَكْثَمَ: «إنّك مُؤْمِنٌ، وَهُوَ كَافِرٌ»
» قَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ أن رسول الله- صلى الله
__________
(1) وروى الترمذى أن أهله هم الذين كنوه بهذا وقد استرفى ما قيل فى نسبه ابن حجر فى الإصابة وفى اسمه أربعة وأربعون قولا، وفى القاموس: واختلف فى اسم على نيف وثلاثين قولا.
(2) وقيل عن أكثم إنه ابن أبى الجون، واسمه: عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أحرم. وقد أخرج الحاكم حديث أكثم، وهو مخرج عند مسلم دون قصة أكثم ورواه أحمد من وجه آخر عن جابر، فقال أشبه من رأيت به معبد بن أكثم، فذكره.(1/348)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي حَدِيثِ الدّجال لعبد العزّى بن قطن، وَأَنّ عَبْدَ الْعُزّى قَالَ: أَيَضُرّنِي شَبَهِي بِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ يَعْنِي: الدّجّالَ، فَقَالَ كَمَا قَالَ لِأَكْثَمَ: إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، وَأَحْسَبُ هَذَا وَهْمًا فِي الْحَدِيثِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ الزّهْرِيّ. قَالَ: ابْنُ قَطَن رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَلِأَكْثَمَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَانِ. أَحَدُهُمَا:
«خَيْرُ الرّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ» وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى مَعْنَاهُ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ.
وَالْآخَرُ: «اُغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِك، تَحْسُنْ خُلُقُك» ، قَالَ الْإِسْكَافُ فِي كِتَابِ فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ مَعْنَى هَذَا لِأَنّ الرّجُلَ إذَا غَزَا مَعَ غَيْرِ قَوْمِهِ تَحَفّظَ، وَلَمْ يَسْتَرْسِلْ وَتَكَلّفَ مِنْ رِيَاضَةِ نَفْسِهِ مالا يَتَكَلّفُهُ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَثِقُ بِاحْتِمَالِهِ لِنَظَرِهِمْ إلَيْهِ بِعَيْنِ الرّضَى، وَلِصِحّةِ إدْلَالِهِ، فَلِذَلِكَ تَحْسُنُ خُلُقُهُ لِرِيَاضَةِ نَفْسِهِ عَلَى الصّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، فَهَذَا حَسَنٌ مِنْ التّأْوِيلِ غَيْرَ أَنّ الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِي لَفْظِهِ، فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ: سَافِرْ مَعَ قَوْمِك، وَذَكَرَ الرّوَايَتَيْنِ أَبُو عُمَرَ «1» رَحِمَهُ الله.
وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ، وَأَنّهُ أَوّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنّ أَوّلَ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُمَا، وَحَرّمَ أَلْبَانَهُمَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْته فِي النّارِ يَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا، وَيَعَضّانِهِ «2» بِأَفْوَاهِهِمَا وَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَدْ عَرَفْت أول من
__________
(1) وفى حديثه أبو سلمة المعاملى قال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول عنه: متروك الحديث باطل وفى الإصابة فى حديث أكثم: أعز.
(2) رواه عبد الرازق، وهو مخالف لما ورد فى البخارى وغيره. وقد ضبط «أحمد زكى باشا» بحر بتضعيف الحاء فى تحقيقه لكتاب الأصنام للكلبى. وقال-(1/349)
[ «أول ما كانت عبادة الحجارة» :]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَلَمّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ- وهم ولد عملاق. ويقال: عمليق ابن لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ- رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ:
هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فَتَنْصُرُنَا، فَقَالَ لَهُمْ:
أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، فَيَعْبُدُوهُ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ، فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ، فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاق: وَيَزْعُمُونَ أَنّ أَوّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ، أَنّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ، حَيْن ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ، وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ، إلّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ، فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ، حَتّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إلَى أن كانوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَيّبَ السّائِبَةَ، وَنَصَبَ النّصُبَ. عَمْرُو بْنُ لُحَيّ رَأَيْته يُؤْذِي أَهْلَ النّارِ بِرِيحِ قُصْبِهِ. رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا، وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عنه.
__________
- فى تعليقة له: وهذا الضبط وارد فى النسخة الزكية هنا وفى موضع آخر ص 58 من هذه الطبعة، وهو كذلك فى كتاب الروض الأنف. أما بحر مخففا فمعناه: شق الأذن، ولكن المقام هنا يدل على ابتداع هذه السنة، فلذلك كان استعمال بحر مشددا وجيها.(1/350)
يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ، وَأَعْجَبَهُمْ، حَتّى خَلَفَ الْخُلُوفُ، وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ الضّلَالَاتِ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسّكُونَ بِهَا: مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطّوَافِ به، والحجّ والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهدى البدن، والإهلال بالحجّ والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلّوا قَالُوا: «لَبّيْكَ اللهُمّ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلّا شَرِيكٌ هُوَ لَك، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» .
فَيُوَحّدُونَهُ بِالتّلْبِيَةِ، ثُمّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ. يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمّدِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] أَيْ مَا يُوَحّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقّي إلّا جَعَلُوا معى شريكا من خلقى.
[ «أصنام قَوْمِ نُوحٍ» .]
وَقَدْ كَانَتْ لِقَوْمِ نُوحٍ أَصْنَامٌ قَدْ عَكَفُوا عَلَيْهَا، قَصّ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَبَرَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَقالُوا: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً، وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً [نوح: 22، 23]
[ «أصنام القبائل العربية» .]
فَكَانَ الّذِينَ اتّخَذُوا تَلِك الْأَصْنَامَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمْ، وَسَمّوْا بِأَسْمَائِهِمْ حَيْن فَارَقُوا دِينَ إسْمَاعِيلَ: هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، اتخذوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/351)
سُوَاعًا، فَكَانَ لَهُمْ بُرْهَاطُ. وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ، اتّخَذُوا وَدّا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ:
وَنَنْسَى اللّاتَ وَالْعُزّى وَوَدّا ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشّنُوفَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له سأذكرها في موضعها إن شاء الله.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَلْبُ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بن قضاعة.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْعُمُ مِنْ طَيّئٍ، وَأَهْلُ جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش.
قال ابن هشام. ويقال: أنعم. وطيّئ بن أُدَدَ بْنِ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ:
مَذْحِجُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَال: طَيّئُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كهلان بن سبأ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَيْوَانُ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، اتّخَذُوا يَعُوقَ بِأَرْضِ هَمْدَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الهمدانى
يَرِيشُ اللهُ فِي الدّنْيَا وَيَبْرِي ... وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ له.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ هَمْدَانَ: أَوْسَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: أَوْسَلَةُ بْنُ زَيْدِ بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/352)
أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ. وَيُقَالُ: هَمْدَانُ بْنُ أَوْسَلَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الْكُلَاعِ مِنْ حِمْيَرَ، اتخذوا نسرا بأرض حمير.
وَكَانَ لِخَوْلَانَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: عُمْيَانِسُ بِأَرْضِ خَوْلَانَ، يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ قَسْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ بِزَعَمِهِمْ، فَمَا دَخَلَ فِي حَقّ عُمْيَانِسَ مِنْ حَقّ اللهِ تَعَالَى الّذِي سَمّوْهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ، وَمَا دَخَلَ فِي حَقّ اللهِ تَعَالَى مِنْ حَقّ عُمْيَانِسَ رَدّوهُ عَلَيْهِ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ خَوْلَانَ، يُقَالُ لَهُمْ: الْأَدِيمُ، وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيمَا يَذْكُرُونَ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام: 136] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الحاف بن قضاعة، ويقال: خولان ابن عَمْرِو بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مهسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَال: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِبَنِي مِلْكَانَ بْنِ كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بْنِ مُضَرَ صَنَمٌ، يُقَالُ لَهُ: سَعْدٌ: صَخْرَةٌ بِفَلَاةِ مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٌ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مِلْكَانَ بِإِبِلِ لَهُ مُؤَبّلَةٌ؛ لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ، الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ- فِيمَا يَزْعُمُ- فَلَمّا رَأَتْهُ الْإِبِلُ وَكَانَتْ مَرْعِيّةً لَا تُرْكَبُ، وَكَانَ يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدّمَاءُ نَفَرَتْ مِنْهُ، فَذَهَبَتْ فِي كُلّ وَجْهٍ، وَغَضِبَ رَبّهَا الْمِلْكَانِيّ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/353)
ثُمّ قَالَ. لَا بَارَكَ اللهُ فِيك، نَفّرْت عَلَيّ إبِلِي، ثُمّ خَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتّى جَمَعَهَا، فَلَمّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ:
أَتَيْنَا إلَى سَعْدٍ، لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... فَشَتّتَنَا سَعْدٌ، فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
وَهَلْ سَعْدُ إلّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ ... مِنْ الْأَرْضِ لَا تَدْعُو لِغَيّ وَلَا رُشْدٍ
وَكَانَ فِي دَوْسٍ صَنَمٌ لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوسىّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إن شاء الله.
وَدَوْسُ بْنُ عُدْثَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَيُقَالُ: دَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الغوث.
[ «هبل وإساف ونائلة» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ إن شاء الله فى موضعه.
قال ابن إسحاق: واتخذوا. إسَافًا وَنَائِلَةً، عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا، وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ- هُوَ: إسَافُ بْنُ بَغْيٍ وَنَائِلَةُ بِنْتُ دِيكٍ- فَوَقَعَ إسَافٌ عَلَى نَائِلَةٍ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللهُ حَجَرَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنّهَا قَالَتْ: سمعت عائشة
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/354)
- رضى الله عنها- تقول: مازلنا نَسْمَعُ أَنّ إسَافًا وَنَائِلَةً كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، أَحْدَثَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا فى موضعها إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاِتّخَذَ أَهْلُ كُلّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ، فَإِذَا أَرَادَ الرّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا تَمَسّحَ بِهِ حِينَ يَرْكَبُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ يَتَوَجّهُ إلَى سَفَرِهِ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسّحَ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمّا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِالتّوْحِيدِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ:
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: 5] وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ اتّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ، وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ، وَتَطُوفُ بها كَطَوَافِهَا بِهَا وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَهَى تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا بيت إبراهيم الخليل ومسجده.
[ «العزى واللاة ومناة» ]
فكانت لقريش وبنى كنانة: العزّى بنخلة، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ مِنْ سُلَيْمٍ، حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُلَفَاءُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ خَاصّةً، وَسُلَيْمٌ: سُلَيْمُ بْنُ منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/355)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:
لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ بُقَيْرَةٍ ... مِنْ الْأُدْمِ أَهْدَاهَا امْرُؤٌ مِنْ بَنِي غَنْمِ
رَأَى قَدَعَا فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا ... إلَى غَبْغَبِ الْعُزّى فَوَسّعَ فِي الْقَسْمِ
وَكَذَلِك كَانُوا يَصْنَعُونَ إذَا نَحَرُوا هَدْيًا قَسّمُوهُ فِي مَنْ حَضَرَهُمْ. وَالْغَبْغَبُ:
المنحر، ومهراق الدماء.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ فِي أَبْيَاتٍ له.
وَالسّدَنَةُ: الّذِينَ يَقُومُونَ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ. قَالَ رُؤْبَةُ بن العجاج.
فلا وربّ الآمنات القطّن ... [يعمرن أمنا بالحرام المأمن]
بِمَحْبَسِ الْهَدْى وَبَيْتِ الْمَسْدَنِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللهُ تعالى فى موضعه قال ابن إسحاق: وكانت اللات لِثَقِيفِ بِالطّائِفِ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو مُعَتّبٍ مِنْ ثَقِيفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إن شاء الله تعالى فى موضعه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلّلِ بِقُدَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ بنى أسد بْنِ مُدْرِكَةَ.
وَقَدْ آلَتْ قَبَائِلُ لَا تُوَلّى ... مَنَاةَ ظُهُورَهَا مُتَحَرّفِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/356)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَيْهَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَهَدَمَهَا، وَيُقَالُ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ) يُقَالُ لِكُلّ صَنَمٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ: صَنَمٌ، وَلَا يُقَالُ: وَثَنٌ إلّا لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَخْرَةٍ كَالنّحَاسِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ حِينَ غَلَبَتْ خُزَاعَةُ عَلَى الْبَيْتِ، وَنَفَتْ جُرْهُمُ عَنْ مَكّةَ، قَدْ جَعَلَتْهُ الْعَرَبُ رَبّا لَا يَبْتَدِعُ لَهُمْ بِدْعَةً إلّا اتّخَذُوهَا شِرْعَةً؛ لِأَنّهُ كَانَ يُطْعِمُ النّاسَ، وَيَكْسُو فِي الْمَوْسِمِ، فَرُبّمَا نَحَرَ فِي الْمَوْسِمِ عَشَرَةَ آلَافِ بَدَنَةٍ، وَكَسَا عَشَرَةَ آلَافِ حلّة حتى [قيل] إنه اللّاتّ الذى، يلتّ السّوبق «1» للحجيج على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللات، وَيُقَالُ إنّ الّذِي يَلُتّ كَانَ مِنْ ثَقِيفٍ، فَلَمّا مَاتَ قَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إنّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ دَخَلَ فِي الصّخْرَةِ، ثُمّ أَمَرَهُمْ بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى: اللّات، وَيُقَالُ: دَامَ أَمْرُهُ وَأَمَرَ وَلَدَهُ عَلَى هَذَا بمكة ثلثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة: اللات مُخَفّفَةَ التّاءِ، وَاُتّخِذَ صَنَمًا يُعْبَدُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، أَنّهُ أَوّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْأَصْنَامَ الْحَرَمَ، وَحَمَلَ النّاسَ عَلَى عِبَادَتِهَا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ إسَافٍ وَنَائِلَةَ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرِهِمَا. وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ فِي أَخْبَارِ مَكّةَ أن عمر بْنَ لُحَيّ فَقَأَ أَعْيُنِ عِشْرِينَ بَعِيرًا، وَكَانُوا يَفْقَئُونَ عَيْنَ الْفَحْلِ إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ أَلْفًا، فَإِذَا بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ فَقَئُوا الْعَيْنَ الْأُخْرَى قَالَ الرّاجِزُ:
وَكَانَ شُكْرُ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمِنَنِ ... كَيّ الصّحِيحَاتِ، وَفَقْأُ الْأَعْيُنِ
وَكَانَتْ التّلْبِيَةُ مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ: لَبّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبّيْكَ، حَتّى كان
__________
(1) طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.(1/357)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَمْرُو بْنُ لُحَيّ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُلَبّي تَمَثّلَ لَهُ الشّيْطَانُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ يُلَبّي مَعَهُ «1» ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَبّيْكَ لَا شَرِيك لَك، فَقَالَ الشّيْخُ: إلّا شَرِيكًا هُوَ لَك، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عمرو، وقال: وما هَذَا؟ فَقَالَ الشّيْخُ قُلْ: تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، فَإِنّهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا، فَقَالَهَا عَمْرٌو، فَدَانَتْ بِهَا الْعَرَبُ «2» .
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا كَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ:
وَتِلْكَ هِيَ الْجَاهِلِيّةُ الْأُولَى الّتِي ذَكَرَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى «3» [الْأَحْزَاب: 33] وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي عَهْدِ مهلايل بْنِ قَيْنَانَ فِيمَا ذَكَرُوا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: «صارت الأوثان
__________
(1) هو شيطان من الإنس مثل عمرو بن لحى.
(2) فى الصحيحين: أن هذه كانت تلبية المشركين، وفى صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قد أى حسب حسب.
(3) بل روى ابن جرير فى تفسير هذه الآية أن الجاهلية الأولى كانت بين نوح وإدريس، وأنها كانت ألف سنة، وأن بطنا من ولد آدم كان يسكن الجبل، وكان الآخر يسكن السهل، وكان فى نساء الجبل دمامة، وفى رجاله صباحة «جمال» على عكس أهل السهل، وجاء إبليس فى صورة غلام، وعمل فتى فى بيت أحد رجال السهل، فاتخذ شيئا مثل الذى يزمر فيه الرعاء، واستطاع بنفخه فيه أن يسحر أهل السهل، وأن يجمعهم حوله، وأن يحملهم على اتخاذ عيد فى العام يجتمعون فيه، وقد تزين فيه الرجال للنساء، أو تزين النساء للرجال، ورآهم أهل الجبل، فاختلطوا بهم، وظهرت الفاحشة بين الرجال والنساء. وهذه قصة تليق بمعنى الآية، فالآية فى نهى النساء عن التبرج. على أنه بين عبادة الأوثان وبين فاحشة التبرج صلة وثقى، لعلها صلة العلة بالمعلول!!.(1/358)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، وَهِيَ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمّا هَلَكُوا أَوْحَى الشّيْطَانُ إلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا فِي مَجَالِسِهِمْ الّتِي كَانُوا يُجْلِسُونَهَا أَنْصَابًا، وَسَمّوْهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتُنُوسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ» . وَذَكَرَ الطّبَرِيّ هَذَا الْمَعْنَى وَزَادَ أَنّ سُوَاعًا كَانَ: ابْنَ شِيثَ، وَأَنّ يَغُوثَ كَانَ: ابْنَ سُوَاعٍ، وَكَذَلِكَ يَعُوقُ وَنَسْرُ كُلّمَا هَلَكَ الْأَوّلُ صُوّرَتْ «1» صُورَتُهُ، وَعُظّمَتْ لِمَوْضِعِهِ مِنْ الدّينِ، وَلَمّا عَهِدُوا فى دعائه من الإجابة، فلم يزالو هَكَذَا حَتّى خَلَفَتْ الْخُلُوفُ، وَقَالُوا: مَا عَظّمَ هَؤُلَاءِ آبَاؤُنَا إلّا لِأَنّهَا تَرْزُقُ وَتَنْفَعُ وَتَضُرّ، وَاِتّخَذُوهَا آلِهَةً، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ سُرْيَانِيّةٌ وَقَعَتْ إلَى الْهِنْدِ، فَسَمّوْا بِهَا أَصْنَامَهُمْ الّتِي زَعَمُوا أَنّهَا صُوَرُ الدّرَارِيّ السّبْعَةِ، وَرُبّمَا كَلّمَتْهُمْ الْجِنّ مِنْ جَوْفِهَا فَفَتَنَتْهُمْ، ثُمّ أَدْخَلَهَا إلَى الْعَرَبِ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ كَمَا ذُكِرَ أَوْ غَيْرُهُ «2» ، وَعَلّمَهُمْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ، وَأَلْقَاهَا الشّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مُوَافَقَةً لما كانوا فى عهد نوح.
__________
(1) إذ قالوا- كما روى الطبرى- «لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم» .
(2) فى البخارى عن ابن عباس: «صَارَتْ الْأَوْثَانُ الّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فى العرب بعد. أماود: فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ. أما يعوق، فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع، وهى أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام» هذا ولم يعتقد مشركو العرب فى هؤلاء أنهم يخلقون أو يرزقون، إذ كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الذى بيده ملكوت السموات والأرض وتدبر الآيات التى فى آخر «المؤمنون» نجد إيمانا من المشركين يروعك، ورغم هذا دمغهم الله بالشرك؛ لأنهم كانوا يظنون أن أولياءهم أو أصنامهم- والتعبير فى واقعهم ومشاعرهم واحد- تقربهم إلى الله زلفى.(1/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ كَلْبَ بْنَ وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ. وَبْرَةُ بِسُكُونِ الْبَاءِ تُقَيّدُ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوَبَرِ «1» اتّخَذُوا وَدّا فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَدُومَةُ هَذِهِ- بِضَمّ الدال- ذكروا أنها سمّيت بدومى بن إسْمَاعِيلَ كَانَ نَزَلَهَا، وَدُومَةُ أُخْرَى بِضَمّ الدّالِ عِنْدَ الْكُوفَةِ، وَدَوْمَةُ- بِفَتْحِ الدّالِ- أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ، كَذَا وَجَدْته لِلْبَكْرِيّ [فِي مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ] مُقَيّدًا فِي أَسْمَاءِ هَذِهِ المواضع.
وذكر طئ بْنَ أُدَدٍ، أَوْ ابْنَ مَالِكِ بْنِ أُدَدٍ عَلَى الْخِلَافِ، وَمَالِكٌ هُوَ:
مَذْحِجُ، وَسُمّوا مَذْحِجًا بِأَكَمَةِ نَزَلُوا إلَيْهَا. [وَطَيّ] مِنْ الطّاءَةِ «2» ، وَهِيَ بَعْدَ الذّهَابِ فِي الْأَرْضِ. قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ، وَلَمْ يَرْضَ قَوْلَ الْقُتَبِيّ إنّهُ أَوّلُ مَنْ طَوَى الْمَنَاهِلَ، لِأَنّ طَيّئًا مَهْمُوزٌ «3» ، وَطَوَيْت غَيْرُ مَهْمُوزٍ.
وَذَكَرَ جُرَشَ فِي مَذْحِجَ. وَالْمَعْرُوفُ أَنّهُمْ فِي حِمْيَرَ «4» ، وَأَنّ مَذْحِجَ مِنْ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إنّ الْمُلْكَ كَانَ لِكَهْلَانَ بَعْدَ حمير، وأن ملكه
__________
(1) دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين، قيل إنها تدجن البيوت، وقد ضبطت بفتح الباء فى الاشتقاق والأغانى وجمهرة ابن حزم وفرق بعضهم. فقال: وبرة بسكون الباء اسم القبيلة وبفتحها فى مزينة، وستأتى.
(2) فى الاشتقاق أنهم سموا بهذا باسم أكمة ولدت عليها أمم، ومذحج من الذحج وهو: الدلك، والطاءة- كالطاعة- الإبعاد فى المرعى.
(3) كذلك قال ابن دريد فى الاشتقاق فى روايته عن الكلبى ص 380
(4) هو كذلك فى الاشتقاق فقد جعلهم من حمير، وكذلك فى ص 409 من جمهرة ابن حزم فمذحج هو: مالك بن أد بن زيد بن يشحب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ فليس هو من نسل حمير.(1/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دام ثلثمائة سَنَةٍ، ثُمّ عَادَ فِي بَنِي حِمْيَرَ، قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ «1» . وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ أَنّ جُرَشَ وَحُرَشَ بِالْحَاءِ أَخَوَانِ، وَأَنّهُمَا ابْنَا عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ، فَهُمَا قَبِيلَانَ مِنْ كَلْبٍ- وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ [الْخَارِفِيّ] ، وَهُوَ. أَبُو ثَوْرٍ يُلَقّبُ ذَا الْمِشْعَارِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي خَارِفٍ، وَقَدْ قِيلَ. إنّهُ مِنْ يَام بْنِ أَصِي، وَكِلَاهُمَا مِنْ هَمْدَانَ «2» وَقَوْلُهُ:
يَرِيشُ اللهُ فِي الدّنْيَا وَيَبْرِي.
هُوَ مِنْ رِشْت السّهْمَ وَبَرَيْته، اُسْتُعِيرَ فِي النّفْعِ وَالضّرّ. قَالَ سُوَيْدٌ.
فَرِشْنِي بخير طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي ... وَخَيْرُ الْمَوَالِي من يريش ولا يبرى «3»
__________
(1) انظر ص 74 ج 2 مروج الذهب.
(2) فى المطبوعة: ذا المعشار وهو خطأ نقله أيضا ناشر وسيرة ابن هشام كما هو عن الروض. وقد صوبته من القاموس، ومن الإصابة والاشتقاق. ذكر عنه القاموس أنه هاجر زمن عمر إلى الشام، ومعه: أربعة آلاف عبد، فأعتقهم، فانتسبوا فى همدان. وفى الإصابة: قال أبو عمر: يقال فيه اليامى، ويقال الخارفى وهو: الوافد ذو المشعار. والوافد: أى الذى وفد على النبى «ص» مع وفد همدان مرجع الرسول «ص» من تبوك، وذكر ابن دريد فى الاشتقاق عن همدان: «ومن رجالهم: حمرة ذو المشعار بن أيفع، كان شريفا فى الجاهلية ص 421، وفى المطبوعة: يام بن أصى، وفى جمهرة ابن حزم ص 370 «يام بن أصفى بن ذافع بن مالك بن جشم» وفى الاشتقاق لابن دريد «ومنهم- أى من همدان- بنو أصبى» ص 423 وفى نسب همدان اختلاف، ففى الاشتقاق غير ما فى الجمهرة لابن حزم، وما فى الجمهرة غير ما هنا. انظر ص 469 الاشتقاق، 369 الجمهرة، وانظر نهاية الأرب ج 2: 320
(3) نسبه اللسان إلى حمير بن حباب «بتضعيف الباء» ورشت فلانا إذا قويته وأعنته على معاشه وأصلحت حاله. والبرى خلافه.(1/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِلْكَانِيّ وَقَوْلَهُ:
فَشَتّتَنَا سَعْدٌ، فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
وَيَمْتَنِعُ فِي الْعَرَبِيّةِ دُخُولُ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ الْمُعْرِفَةِ وَالْخَبَرِ إلّا مَعَ تَكْرَارٍ:
لَا، مِثْلَ: أَنْ تَقُولَ: لَا زَيْدٌ فِي الدّارِ وَلَا عَمْرٌو، وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَهُمْ:
لَا نَوْلُك أَنْ تَفْعَلَ «1» ، وَقَالَ: إنّمَا جَازَ هَذَا؛ لِأَنّ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْفِعْلِ، أَيْ:
لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَفْعَلَ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي بَيْتِ الْمِلْكَانِيّ: أَيْ:
لَمْ يَقُلْهَا عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ، وَلَكِنْ عَلَى قَصْدِ التّبَرّي مِنْهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ:
فَلَا نَتَوَلّى سَعْدًا، وَلَا نَدِينُ بِهِ، فَهَذَا الْمَعْنَى حَسّنَ دُخُولَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ كَمَا حَسُنَ: لَا نَوْلُك.
وَقَوْلُهُ: إلّا صَخْرَةً بِتَنُوفَةِ. التّنُوفَةُ: الْقَفْرُ «2» ، وَجَمْعُهَا: تَنَائِفُ بِالْهَمْزِ، وَوَزْنُهَا: فَعُولَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ تَفْعِلَةً مِنْ النّوْفِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ لَجُمِعَتْ تَنَاوُفَ، وَلَكِنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْعِلَةً إلّا أَنْ تُحَرّكَ الْوَاوُ بِالضّمّ؛ لِئَلّا يُشْبِهَ بِنَاءُ الْفِعْلِ،
__________
(1) ومثلها: نوالك ومنوالك، وقد قال سيبويه: أما نول: فتقول: نولك أن تفعل كذا، أى ينبغى لك فعل كذا. وفى الصحاح: أى حقك أن تفعل كذا. وإذا قال: لا نولك، فكأنه يقول: أقصر، ولكنه صار فيه معنى: ينبغى لك، وقال فى موضع: لا نولك أن تفعل، جعلوه بدلا من: ينبغى معا قباله. قال أبو الحسن: ولذلك وقعت المعرفة هنا غير مكررة. وقالوا: ما نولك أن تفعل كذا أى: ما ينبغى لك أن تناله. روى الأزهرى عن أبى العباس أنه قال فى قولهم: للرجل: ما كان نولك أن تفعل كذا قال: النول من النوال يقول: ما كان فعلك هذا حظا لك «اللسان» .
(2) ولها معان أخر. وقد جعلها اللسان فى مادة تنف.(1/362)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَوْ قِيلَ فِيهَا: تُنُوفَةٌ بِضَمّ التّاءِ لَاحْتَمَلَ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ فَعُولَةً أَوْ تَفْعِلَةً عَلَى مِثَالِ تَنْفِلَةٍ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْأَفْعَالِ تُفْعَلُ بِالضّمّ، وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِ التّصْرِيفِ.
وَأَمّا مِلْكَانُ بْنُ كِنَانَةَ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ أَبُو جعفر بن حبيب النّسّابة:
كل شئ فِي الْعَرَبِ فَهُوَ مِلْكَانُ بِكَسْرِ الْمِيمِ سَاكِنِ اللّامِ، غَيْرُ مَلَكَانَ فِي قُضَاعَةَ، وَمَلَكَانُ فِي السّكُونِ، فَإِنّهُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللّامِ فَمَلَكَانُ قُضَاعَةَ هُوَ:
ابْنُ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَمَلَكَانُ السّكُونِ هُوَ: ابْنُ عَبّادِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ مِنْ كِنْدَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْهَمْدَانِيّ فِي مَلَكَانَ بْنِ جَرْمٍ، وَقَالَ: مِثْلُ غَطَفَانَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَشَايِخُ خُزَاعَةَ يَقُولُونَ: مَلَكَانُ بِفَتْحِ اللّامِ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ: مَلَكَانُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي أَمَالِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنّ كُلّ مَلَكَانَ فِي الْعَرَبِ فَهُوَ مِلْكَانُ بِكَسْرِ الْمِيمِ إلّا مَلَكَانَ فِي جَرْمِ بْنِ زَبّانَ «1» .
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَابْنُ حَبِيبٍ النسّابة مصروف اسم أبيه، ورأيت لابن
__________
(1) فى اللسان عن ابن الأنبارى عن شيوخه: «كل ما فى العرب ملكان «بكسر الميم وسكون اللام» إلا ملكان «بفتح فسكون» بن حزم بن زبّان، فإنه بفتحها» ، وكذلك فى أمالى القالى ص 90 ج 4 «حزم بن زبان، وفى ص 209 ج 3 جرم بن ربّان، وفى القاموس: «وملكان بالكسر أو بالتحريك جبل بالطائف، وملكان محركة ابن جرم، وابن عباد فى قضاعة، ومن سواهما فى العرب فبالكسر» وجرم بن ربان بفتح الجيم وسكون الراء وربان بفتح الراء وتضعيف الباء فى جمهرة بن حزم ص 441 وكذلك هو فى الاشتقاق فى كل موضع ورد فيه، وكذلك فى الأغانى فى ترجمة ابن الجهم.(1/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَغْرِبِيّ قَالَ: إنّمَا هُوَ ابْنُ حَبِيبَ بِفَتْحِ الْبَاءِ غَيْرُ مُجْرًى، لِأَنّهَا أُمّهُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَالُوا: هُوَ حَبِيبُ بْنُ الْمُحَبّرِ معروف غير منكر، وإنما ذكرناه ها هنا لَمّا حَكَيْنَا قَوْلَهُ فِي مِلْكَانَ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسَافًا وَنَائِلَةَ، وَأَنّهُمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمَ، وَأَنّ إسَافًا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْكَعْبَةِ فَمُسِخَا «1» ، وَأَخْرَجَهُ رَزِينٌ فِي فَضَائِلِ مَكّةَ عَنْ بَعْضِ السّلَفِ:
مَا أَمْهَلُهُمَا اللهُ إلَى أَنْ يَفْجُرَا فِيهَا، وَلَكِنّهُ قَبّلَهَا، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ، فَأُخْرِجَا إلَى الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَنُصِبَا عَلَيْهِمَا، لِيَكُونَا عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً، فلما كان عمر بْنَ لُحَيّ نَقَلَهُمَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَنَصَبَهُمَا عَلَى زَمْزَمَ، فَطَافَ النّاسُ بِالْكَعْبَةِ وَبِهِمَا، حَتّى عُبِدَا مِنْ دُونِ اللهِ.
وَأَمّا هُبَلُ فَإِنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ جَاءَ بِهِ مِنْ هِيتَ «2» ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ حَتّى وَضَعَهُ فِي الْكَعْبَةِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ نَائِلَةَ حِينَ كَسَرَهَا النّبِيّ- صلى الله
__________
(1) ذكر المسعودى رأيا يطمئن إليه القلب الذى لم يجد نصا صريحا منقولا عن معصوم. والرأى هو أن إسافا ونائلة حجران نحتا ومثلا بالفاجرين إساف ونائلة ص 50 ج 2 مروج الذهب. هذا وقد ورد فى حديث رواه الخمسة أن الأنصار كانوا يهلون لأساف ونائلة، وأنهما كانا على شاطئ البحر، فلما جاء الإسلام كره الأنصار الطواف بين الصفا والمروة، فنزل قوله تعالى: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» لكن ورد فى حديث بلفظ البخارى أنهم كانوا يهلون لمناة الطاغية التى كانوا يعبدونها عند المشلل
(2) سميت باسم بانيها هيت بن البندى، وهى بلدة على الفرات فوق الأنبار على جهة البرية غربى الفرات.(1/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ خَرَجَتْ مِنْهَا سَوْدَاءَ شَمْطَاءَ تَخْمُشُ «1» وَجْهَهَا، وَتُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثّبُورِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
وَقَوْلُ عَائِشَةَ: أَحْدَثَا فِي الْكَعْبَةِ، أَرَادَتْ الْحَدَثَ الّذِي هُوَ الْفُجُورُ كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ-: مَنْ أَحْدَثَ [فِيهَا] حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ «2» [وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ] . وَقَالَ عُمَرُ حِينَ كَانَتْ الزّلْزَلَةُ بِالْمَدِينَةِ: أَحْدَثْتُمْ.
وَاَللهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَن مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ.
وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ، هو تَرْخِيمٌ فِي غَيْرِ النّدَاءِ لِلضّرُورَةِ، كَمَا قَالَ: أَمَالُ بْنُ حَنْظَلٍ «3» .
وَذَكَرَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
رَأَى قَدَعًا فِي عَيْنِهَا. وَالْقَدَعُ: ... ضَعْفُ الْبَصَرِ مِنْ إدمان النظر
__________
(1) هى من باب ضرب ونصر.
(2) متفق عليه، والحديث عن المدينة، والزيادة من كتب الحديث.
(3) هو جزء من شواهد بيت من سيبويه فى كتابه تحت باب «هذا باب يكون فيه الاسم بعد ما يحذف منه الهاء بمنزلة اسم يتصرف فى الكلام لم تكن فيه هاء قط» . ثم قال: وقال الأسود بن يعفر تصديقا لهذه اللغة.
ألا هل لهذا الدهر من متعلل ... عن الناس مهما شاء بالناس يفعل
ثم قال:
وهذا ردائى عنده يستعيره ... ليسلبنى نفسى أمال بن حنظل
ذلك، لآن الترخم يجوز فى الشعر فى غير النداء، فلما رخم جعل الاسم بمنزلة اسم ليست فيه هاء «ص 332 ط 1 الكتاب لسيبويه»(1/365)
[ «ذو الخلصة وفلس ورضاء وذو الكعبات» .]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ لِدَوْسٍ وَخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ذُو الْخُلُصَةِ. قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ:
لَوْ كُنْتَ يَا ذا الخلص الموتوررا ... مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُك الْمَقْبُورَا
لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا
قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ، فَأَرَادَ الطّلَبَ بِثَأْرِهِ، فَأَتَى ذَا الْخَلَصَةِ، فَاسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ السّهْمُ بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ. وَمِنْ النّاسِ مَنْ يُنْحِلُهَا امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَرِيرَ بن عبد الله البجلىّ، فهدمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ فِي الْغَبْغَبِ: وَهُوَ الْمَنْحَرُ «1» وَمَرَاقّ الدّمِ، كأنه سمّى بحكاية
__________
(1) قيل: كان لمعتب بن قيس بيت كانوا يحجون إليه، يقال له: الغبغب، أو هو الموضع الذى كان ينحر فيه اللّات والعزى بالطائف، وخزانة ما يهدى إليهما به، وهو بيت كان لمناف، وهو صنم كان مستقبل الركن الأسود. وكان له غبغبان، والغبغب: حجر ينصب بين يدى الصنم يذبح بينهما الذبائح «مراصد» وبيتا أبى خراش فى الأصنام لابن الكلبى ص 20 ط 1 وفيه: لحى وقذع، و: فوضّع بدلا من: رأس، وقدع: فوسع. والذى من بنى غنم هو: غنم بن فراس من كنانة، وفى الفائق للزمخشرى أن القدع هوا نسلاق العين من كثرة البكاء. وفى الفائق: فنصّف بدلا من: فوسع. انظر ص 20 ط 1 الأصنام لابن الكلبى.(1/366)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ فِلْسُ لِطَيّئٍ وَمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ طَيّئٍ، يَعْنِي سَلْمَى وَأَجَأَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- بعث إلَيْهَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا سَيْفَيْنِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا:
الرّسُوبُ، وَلِلْآخِرِ: الْمِخْذَمُ. فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَوَهَبَهُمَا لَهُ، فَهُمَا سَيْفَا عَلِيّ رَضِيَ الله عنه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَان لِحِمْيَر وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَدْ ذَكَرْت حَدِيثَهُ فِيمَا مَضَى.
[ «رُضَاءٌ والمستوغر» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رُضَاءٌ بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا يَقُولُ المُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا فى الإسلام.
وَلَقَدْ شَدَدْت عَلَى رُضَاءٍ شِدّةً ... فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ:
فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي سعد.
ويقال: إن المستوغر عمّر ثلثمائة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ كُلّهَا عُمْرًا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ:
وَلَقَدْ سَئِمْت مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْت مِنْ عَدَدِ السّنِينَ مِئِينَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَوْتِ الدّمِ عِنْدَ انْبِعَاثُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مقلوبا من قولهم: بئر بغبغ وبغيبغ(1/367)
مائة حَدَتْهَا بَعْدَهَا مِئَتَانِ لِي ... وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ الشّهُورِ سِنِينَا
هَلْ مَا بَقِيَ إلّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَوْمٌ يَمُرّ، وَلَيْلَةٌ تَحْدُونَا
وَبَعْضُ النّاسِ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الكلبى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْكَعَبَاتِ لِبَكْرِ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادٍ، وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْن ثَعْلَبَةَ:
بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سَنْدَادِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ النّهْشَلِيّ: نَهْشَلُ بْنُ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بْنِ تَمِيمٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنْشَدَنِيهِ أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ.
أَهْلُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الشّرُفَات مِنْ سِنْدَادِ
[أَمْرُ الْبَحِيرَةِ وَالسّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا الْبَحِيرَةُ فَهِيَ بِنْتُ السّائِبَةِ، وَالسّائِبَةُ: النّاقَةُ إذَا تَابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إنَاثٍ لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، سُيّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ، فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقّتْ أُذُنُهَا، ثُمّ خُلّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمّهَا، فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ، كَمَا فُعِلَ بِأُمّهَا، فَهِيَ البحيرة بنت السائبة. والوصيلة:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَاءِ. قَالَ الرّاجِزُ: بُغَيْبِغٌ قَصِيرَةُ الرّشَاءِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِعَيْنِ أَبِي نَيْزَرٍ: الْبُغَيْبِغَةُ. وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: الذّمّ وَتَشْبِيهُ هَذَا الْمَهْجُوّ بِرَأْسِ بَقَرَةٍ قَدْ قَرُبَتْ أَنْ يَذْهَبَ بصرها، فلا تصلح إلا للذبح والقسم.(1/368)
الشّاةُ إذَا أَتْأَمَتْ عَشْرَ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ، لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، جُعِلَتْ وَصِيلَةً. قَالُوا: قَدْ وَصَلَتْ، فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ إنَاثِهِمْ، إلّا أَنْ يموت منها شئ، فَيَشْتَرِكُوا فِي أَكْلِهِ، ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي: فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِذُكُورِ بَنِيهِمْ دُونَ بَنَاتِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَامِي: الْفَحْلُ إذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يُرْكَبْ، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهُ، وَخُلّيَ فِي إبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا، لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
قال ابن هشام: وهذا عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ هَذَا إلّا الْحَامِي، فَإِنّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. فَالْبَحِيرَةُ عِنْدَهُمْ: النّاقَةُ تُشَقّ أُذُنُهَا فَلَا يُرْكَبُ ظَهْرُهَا، وَلَا يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلا ضيف، أو يتصدّق به، وتهمل لِآلِهَتِهِمْ، وَالسّائِبَةُ: الّتِي يَنْذِرُ الرّجُلُ أَنْ يُسَيّبَهَا إنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ إنْ أَصَابَ أَمْرًا يَطْلُبُهُ. فَإِذَا كَانَ أَسَابَ نَاقَةً مِنْ إبِلِهِ، أَوْ جَمَلًا لِبَعْضِ آلِهَتهمْ، فَسَابَتْ فَرَعَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْوَصِيلَةُ: الّتِي تَلِدُ أُمّهَا اثْنَيْنِ فِي كُلّ بَطْنٍ، فَيَجْعَلُ صَاحِبُهَا لِآلِهَتِهِ الْإِنَاثَ مِنْهَا، وَلِنَفْسِهِ الذّكُورُ مِنْهَا: فَتَلِدُهَا أُمّهَا وَمَعَهَا ذَكَرٌ فِي بَطْنٍ، فَيَقُولُونَ: وَصَلَتْ أَخَاهَا؛ فَيُسَيّبُ أَخُوهَا مَعَهَا، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَغَيْرُهُ. رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بعض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/369)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَنَزَلَ عَلَيْهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَلا سائِبَةٍ، وَلا وَصِيلَةٍ، وَلا حامٍ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة: 103] . وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام: 139] .
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: قُلْ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. [يونس. 59]
وأنزل عليه: [وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] ، ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ. قُلْ: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ، أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام. 142- 144] .
قال ابن هشام: قال الشاعر:
حَوْلُ الْوَصَائِلِ فِي شُرَيْفٍ حِقّةٌ ... وَالْحَامِيَاتُ ظُهُورَهَا والسّيّب
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/370)
وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدِ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ:
فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْبَاعِ قَرْقَرَةٌ ... هَدْرَ الدّيَافِيّ وسط الهجمة البخر
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُ بَحِيرَةٍ: بَحَائِرُ وَبُحُرٌ. وَجَمْعُ وَصِيلَةٍ:
وَصَائِلُ وَوُصَلٌ. وَجَمْعُ سَائِبَةٍ الْأَكْثَرُ: سَوَائِبُ وَسُيّبُ، وَجَمْعُ حَامٍ الْأَكْثَرُ: حوام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر قلسا «1» فِي بِلَادِ طَيّئٍ بَيْنَ أَجَأٍ وَسَلْمَى. وَيُذْكَرُ عن ابن الكلبى
__________
(1) هى فى الأصول: فلس بالفاء مع كسرها. وفى المراصد بضم الفاء واللام وبعضهم ضبطها بفتح الفاء وسكون اللام، وبعضهم ضبطها بضم الفاء وسكون اللام، وقصة أجأ وسلمى فى معجم البكرى نقلا عن القالى، وفيه أن أجأ هرب بصديقته سلمى ومعهما امرأه أخرى كانت هى الوسيلة بينهما اسمها: العوجاء. فلحق بهم زوج سلمى، وصلب كلا منهم على جبل، فسمى به ص 110، وفى الأصل: العرجاء، وهو خطأ صوبته من معجم البكرى والمراصد، أما العرجاء، فهى «ذو العرجاء أكمة كأنها مائلة بأرض مزينة» وعن اشتقاق طئ الذى تكلم عنه السهيلى نذكر ما ورد فى شرح أدب الكاتب لأبى منصور موهوب بن أحمد الجواليقى «وهو يشرح قول ابن قتيبة: «وروى نقلة الأخبار أن طيئا أول من طوى المناهل، فسمى بذلك، واسمه: جلهمة» وقد ورد قول ابن قتيبة فى ص 82 من كتابه أدب الكاتب ط مصطفى محمد. قال الجواليقى: «هذا قول ابن الكلبى؛ ونسبوا إلى طئ بيتا قد روى لغيره، وهو:
فإن الماء ماء أبى وجدى ... وبئرى ذو حفرت وذو طويت
وطويت لا همز فيه، وقد يجوز أن يقال: لما اجتمعت الياءات فروا إلى الهمز، وذلك أنهم إذا بنوا فيعلا من طوى اجتمعت ثلاث ياءات، إحداها: الواو المنقلبة عن الياء، فليس همزهم فى هذا الموضع أبعد من سيد إذا قالوا: سيايد» ثم نقل أن بعض أهل اللغة قال: إنها مأخوذه من طاء فى الأرض إذا ذهب أو من طاءه وهو الماء-(1/371)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ غَيْرِهِ أَنّ أَجَأً اسْمُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَجَأُ بْنُ عَبْدِ الْحَيّ، وَكَانَ فَجَرَ بِسَلْمَى بِنْتِ حَامٍ، أَوْ اُتّهِمَ بِذَلِكَ، فَصُلِبَا فِي ذَيْنِك الْجَبَلَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ:
الْعَوْجَاءُ، وَكَانَتْ الْعَوْجَاءُ حَاضِنَةَ سَلْمَى- فِيمَا ذُكِرَ- وكانت السفير بينها وبين أجأ، فصلببت فِي الْجَبَلِ الثّالِثِ، فَسُمّيَ بِهَا.
وَذَكَرَ ذَا الْخَلَصَةِ، وَهُوَ بَيْتُ دَوْسٍ. وَالْخَلَصُ فِي اللّغَةِ: نَبَاتٌ طَيّبُ الرّيحِ يَتَعَلّقُ بِالشّجَرِ، لَهُ حَبّ كَعِنَبِ الثّعْلَبِ. وَجَمْعُ الْخَلَصَةِ «1» : خَلَصٌ.
وَأَنّ الّذِي اسْتَقْسَمَ بِالْأَزْلَامِ هُوَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ. ووقع فى كتاب أبى الفرج أن امرئ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ حِينَ وَتَرَتْهُ بَنُو أَسَدٍ بِقَتْلِ أَبِيهِ اسْتَقْسَمَ عِنْدَ ذِي الْخَلَصَةِ بِثَلَاثَةِ أَزْلَامٍ «2» ، وَهِيَ: الزّاجِرُ وَالْآمِرُ وَالْمُتَرَبّصُ، فَخَرَجَ لَهُ الزّاجِرُ، فَسَبّ الصّنَمَ، وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ لَهُ: اعضض ببظر أمّك،
__________
- والطين المختلط، لأن أرض طئ أرض مياه وطيئة، ويرى المبرد أنها من طاء يطاء إذا ذهب فى الأرض، فهو فيعل من هذا، لأنهم استقلوا عن منازلهم التى كانوا بها وأرضهم إلى أرضين أخر» ص 173.
(1) هى بفتح الخاء واللام وبضمهما.
(2) الاستقسام: طلب ما هو مقسوم للانسان. والأزلام: جمع زلم بضم وفتح، أو زلم بفتحهما معا، وهو القدح بكسر القاف، أو السهم من سهام الاستقسام وسميت أزلاما لأنها سويت، فهى عيدان تسوى، وفى عددها خلاف كبير، وكذلك فيما كانوا يكتبونة عليها. والذى يهمنا أن نعرفه هو أنهم كانوا يحاولون بها التوصل إلى معرفه الغيوب فى زعمهم. وفى الأصل: المريض بدلا من المتربص وهو خطأ.(1/372)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ الرّجَزَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ: لَوْ كُنْت يَا ذَا الْخَلَصِ الْمَوْتُورَا. إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَسْتَقْسِمْ أَحَدٌ عِنْدَ ذِي الْخَلَصَةِ بَعْدُ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمَوْضِعُهُ الْيَوْمَ مَسْجِدٌ جَامِعٌ لِبَلْدَةِ يُقَالُ لَهَا: الْعَبَلَاتِ «1» مِنْ أَرْضِ خَثْعَمَ. ذَكَرَهُ الْمُبَرّدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَاسْمُ امْرِئِ الْقَيْسِ: حُنْدُجٌ، وَالْحُنْدُجُ: بَقْلَةٌ تَنْبُتُ فِي الرّمْلِ. وَالْقَيْسُ: الشّدّةُ وَالنّجْدَةُ. قَالَ الشّاعِرُ:
وَأَنْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ قَيْسٌ وَنَجْدَةٌ ... وَأَنْتَ عَلَى الْأَدْنَى هِشَامٌ وَنَوْفَلُ «2»
وَالنّسَبُ إلَيْهِ: مَرْقَسِيّ، وَإِلَى كُلّ امْرِئِ القيس سواه: امرئىّ «3»
__________
(1) فى الأصنام لابن الكلبى «وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة بفتح التاء والباء. وكان ذو الخلصة مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج وتبالة بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة. هذا ويستحيى من ذكر معنى: اعضض الخ!
(2) حندج أيضا: الكثيب من الرمل الصغير، فإن كانت النون زائده فهو من الحدج «بفتح الحاء وسكون الدال» من حدجته بعينى إذا لحظته، وحدجت البعير أحدجه بكسر الدال- إذا طرحت عليه الحدج- بكسر الحاء وسكون الدال وهو مركب من مراكب النساء «انظر الاشتقاق» وهشام: الجود، والنوفل: البحر والعطية. وفى سمط اللآلى وردت الشطرة الثانية بروايتين. الأولى: وللطارق العافى ربيع وجدول. أو: وللطارق العافى هشام ونوفل، وقال البكرى بعدهما: قيس ونجدة على هذه الرواية: رجلان مذمومان، وهشام ونوفل: رجلان محمودان. ص 38 ج 1.
(3) النسب إلى المركب- كما قال أبو حيان فى الارتشاف- يكون إلى صدره، ولكن أجاز الجرمى النسب إلى الجزء الثانى مقتصرا عليه، فنقول: بكى «بفتح الباء وتضعيف الكاف مع كسرها» فى بعلبك، أما على رأى أبى حيان(1/373)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قِيلَ: إنّ حُنْدُجًا اسْمُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ كِنْدِيّ مِثْلُ الْأَوّلِ، فَوَقَعَ الْغَلَطُ مِنْ هَهُنَا.
وَقَوْلُهُ: لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا. نصب: زورا عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ النّهْيُ. أَرَادَ: نَهْيًا زُورَا. وَانْتِصَابُ الْمَصْدَرِ عَلَى هَذِهِ الصّورَةِ إنّمَا هُوَ حَالٌ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، فَإِذَا حَذَفْت الْمَصْدَرَ، وَأَقَمْت الصّفَةَ مَقَامَهُ، لَمْ تَكُنْ إلّا حَالًا، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّك تَقُولُ: سَارُوا شَدِيدًا، وَسَارُوا رُوَيْدًا، فَإِنْ رَدَدْته إلَى مَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ لَمْ يَجُزْ رَفْعُهُ؛ لِأَنّهُ حَالٌ، وَلَوْ لَفَظْت بِالْمَصْدَرِ، فَقُلْت: سَارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا لَجَازَ أَنْ تَقُولَ فِيمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ: سِيرَ عَلَيْهِ سَيْرٌ رُوَيْدٌ هَذَا كُلّهُ مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ حُكْمَهُ إذَا لُفِظَ بِهِ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا حُذِفَ، وَالسّرّ فِي ذَلِكَ أَنّ الصّفَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْمَفْعُولِ إذَا حُذِفَ. لَا تَقُولُ:
كَلّمْت شَدِيدًا، وَلَا ضَرَبْت طَوِيلًا، يَقْبُحُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الصّفَةُ عَامّةً، وَالْحَالُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنّهَا تَجْرِي مَجْرَى الظّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ صِفّةً فَمَوْصُوفُهَا مَعَهَا، وَهُوَ الِاسْمُ الّذِي هِيَ حَالٌ لَهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [الْمُؤْمِنُونَ: 115] .
وَذَكَرَ بَعْثَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيّ إلَى هَدْمِ ذِي الْخَلَصَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَفَاةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، قَالَ جَرِيرٌ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله
__________
- فتقول: بعلى. أما غير الجرمى، فلا يجيز هذا إلا منسوبا إليهما قياسا على رامية هرمزية» نسبة إلى رامهرمز مدينة مشهورة بنواحى خوزستان. أو يقتصر على الأول، وقد جعل العرب النسب هكذا إلى امرئ القيس تمييزا له عن غيره ممن سموا بامرئ القيس.(1/374)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ راكبا من أحمس إلى ذى الْخَلَصَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَدَعَا لِي، وَقَالَ: «اللهُمّ ثَبّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيّا» وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ وَالشّآمِيّةُ «1» » ، وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَالُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ وَالشّآمِيّةُ يَعْنُونَ بِالشّآمِيّةِ: الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَزِيَادَةٌ لَهُ سَهْوٌ، وَبِإِسْقَاطِهِ يَصِحّ الْمَعْنَى. قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ «2» وَالْحَدِيثُ فِي جَامِعِ الْبُخَارِيّ بِزِيَادَةِ: لَهُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِسَهْوِ، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَيْ يُقَالُ مِنْ أَجْلِهِ الْكَعْبَةُ الشّآمِيّةُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ، وَلَهُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِهِ لَا تُنْكَرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:
وقمير من آخر الليل قدلا ... حَ، لَهُ قَالَتْ الْفَتَاتَانِ قُومَا
وَذُو الْخُلُصَةِ بِضَمّ الْخَاءِ وَاللّامِ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وبفتحهما فى قول ابن هشام، وهو صَنَمٌ سَيُعْبَدُ فِي آخِرِ الزّمَانِ، ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ: «لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَصْطَفِقُ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ وَخَثْعَمَ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ» «3» .
__________
(1) هى فى البخارى: أو الشآمية. وفى مسلم رواية أخرى: «كان يدعى كعبة اليمانية» فقط، والحديث رواه الشيخان والترمذى.
(2) وقال الكرمانى: الضمير فى له: راجع إلى البيت، والمراد: بيت الصنم يعنى: كان يقال لبيت الصنم الكعبة اليمانية والكعبة الشامية، فلا غلط، ولا حاجة إلى التأويل بالعدول عن الظاهر.
(3) يشير إلى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذى الخلصة» وذو الخلصة طاغية دوس التى كانوا يعبدون فى الجاهلية: أى حتى يرتدوا عن دينهم، ويطوفوا حول الصنم وتضطرب أعجاز نسائهم فى الطواف.(1/375)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ. وَذَكَرَ المُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَاسْمُهُ: كَعْبٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُمّيَ مُسْتَوْغِرًا بِقَوْلِهِ:
يَنِشّ الْمَاءُ فِي الرّبَلَاتِ مِنْهُ ... نَشِيشَ الرّضْفِ فِي اللّبَنِ الْوَغِيرِ «1»
وَالْوَغِيرُ: فَعِيلٌ مِنْ وَغْرَةِ الْحَرّ وَهِيَ شِدّتُهُ، وَذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّ الْمُسْتَوْغِرَ حَضَرَ سُوقَ عُكَاظٍ، وَمَعَهُ ابْنُ ابْنِهِ، وَقَدْ هَرِمَ، وَالْجَدّ يَقُودُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
اُرْفُقْ بِهَذَا الشيخ، فقد طال مارفق بِك، فَقَالَ: وَمَنْ تَرَاهُ؟ فَقَالَ: هُوَ أَبُوك أَوْ جَدّك، فَقَالَ: مَا هُوَ إلّا ابْنَ ابْنَيْ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ! وَلَا المُسْتَوْغِرُ ابن رَبِيعَةَ! فَقَالَ: أَنَا المُسْتَوْغِرُ. وَالْأَبْيَاتُ الّتِي أَنْشَدَهَا لَهُ:
وَلَقَدْ سَئِمْت مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْت مِنْ عَدَدِ السّنِينَ مِئِينَا
إلَى آخِرِهِ. ذَكَرَ أَنّهَا تُرْوَى لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ، وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ جَنَابِ بْنِ هُبَلَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ. وَزُهَيْرٌ هذا من المعمّرين «2» ، وهو الذى يقول:
__________
(1) البيت فى الأصنام لابن الكلبى ص 30 وفى القاموس واللسان وأمالى المرتضى وفيها جميعا: منها بدل: منه، والربلات واحدها: ربلة بفتح الراء وسكون الباء، أو فتحهما: كل لحمة غليظة، والنشيش: صوت الماء وغيره إذا غلى، والرضف: الحجارة المحماة، والوغير: لبن يلقى فيه حجارة محماة، ثم يشرب، أخذ من وغرة الظهيرة، ومنه الوغرة أشد ما يكون من الحر. ومنه: وغر صدر فلان إذا التهب من غيظ أو حقد.
(2) قيل إنه عاش عشرين ومائتى سنة. وفى هذا يقول:
لقد عمرت حتى ما أبالى ... أحتفى فى صباح أم مساء-(1/376)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَبُنَيّ إنْ أَهْلِكْ فَإِنّي ... قَدْ بَنَيْت لَكُمْ بَنِيّهْ
وَتَرَكْتُكُمْ أَوْلَادَ سَادَا ... تِ زِنَادُهُمْ وَرِيّهْ
مِنْ كُلّ مَا نَالَ الْفَتَى ... قَدْ نِلْته إلّا التّحِيّهْ «1»
يُرِيدُ بِالتّحِيّةِ: الْبَقَاءَ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ، وأعقب هو وإخوته قبائل فى كلب
__________
-
وحق لمن أتت مائتان عاما ... عليه أن يمل من الثّواء
ومن قوله:
ليت شعرى والدهر ذو حدثان ... أى حين منيتى تلقانى
أسبات على الفراش خفات ... أم يكفّى مفجّجع حرّان
وكان زهير على عهد كليب، ولم يكن فى العرب أنطق منه ولا أوجه منه عند الملوك. وفى اللسان أنه سيد كلب فى زمانه.
(1) رواها المرتضى فى أماليه هكذا:
وتركتكم أرباب سادات ... زنادكم وريّه
ثم:
فلقد رحلت البازل ... الكوماء ليس لها وليّه
وخطبت خطبة حازم ... غير الضعيف ولا العييّة
فالموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقية
من أن يرى الشيخ البجا ... ل إذا يهادى فى العشيه
ومنها فى اللسان ثلاثة أبيات أخرى فى مادة: بجل: الزناد: جمع زند وزندة وهما عودان يقدح بهما النار، ففى أحدهما فروض «جمع فرضة: حز فى الزند» وهى الأنثى، والذى يقدح بطرفه هو الذكر، ويسمى: الزند الأب، والأخرى: الأم. وكنى بزنادكم ورية عن بلوغهم مأربهم، والبازل: الناقة بلغت تسع سنين، ولفظ البازل فى الناقة والجمل سواء، والكوماء. العظيمة السنام. والولية: البرذعة تطرح على ظهر البعير تلى جلده. والبجال: الذى يبجله قومه. ويهادى بالعشية: أى بماشيه الرجال، فيسندونه لضعفه. انظر أمالى المرتضى ج 1 ص 170 وما بعدها.(1/377)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُمْ: زُهَيْرٌ وَعَدِيّ وَحَارِثَةُ وَمَالِكٌ، وَيُعْرَفُ مَالِكٌ هَذَا بِالْأَصَمّ لِقَوْلِهِ:
أَصَمّ عَنْ الْخَنَا إنْ قِيلَ يَوْمًا ... وَفِي غَيْرِ الْخَنَا أُلْفَى سَمِيعَا «1»
وَأَخُوهُ: حَارِثَةُ بْنُ جَنَابٍ، وَعُلَيْمُ بْنُ جَنَابٍ، وَمِنْ بَنِي عُلَيْمٍ: بَنُو زَيْدَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ. عُرِفُوا بِأُمّهِمْ: زَيْدُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَهُمْ: بَنُو كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ مِنْهُمْ: الرّبَابُ بِنْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ «2» امْرَأَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ، وَفِيهَا يَقُولُ:
أُحِبّ لِحُبّهَا زَيْدًا جَمِيعًا ... وَنَثْلَةٌ كُلّهَا، وَبَنِيّ الرّبَابِ
وَأُخْرَى لِأَنّهَا مِنْ آلِ لَأْمٍ ... أُحِبّهُمْ وَطُرّ بَنِي جَنَابِ
فَمِنْ الْمُعَمّرِينَ مِنْ الْعَرَبِ سِوَى الْمُسْتَوْغِرِ مِمّا زَادُوا عَلَى الْمِائَتَيْنِ والثلاثمائة:
زُهَيْرٌ هَذَا، وَعُبَيْدُ بْنُ شَرْيَةَ، وَدَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ النّسّابَةُ، وَالرّبِيعُ بْنُ ضَبُعٍ الْفَزَارِيّ، وَذُو الْإِصْبَعِ [حُرْثَانُ بْنُ مُحَرّثٍ] الْعَدْوَانِيّ، وَنَصْرُ بْنُ دُهْمَانَ بْنُ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، وكان قد اسودّ رأسه بعدا بيضاضه، وَتَقَوّمَ ظَهْرُهُ بَعْدَ انْحِنَائِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ:
__________
(1) الخنا: الفاحشة
(2) هى أم ولديه: عبد الله الذى قتل صغيرا مع أبيه، وسكينة. والرباب: أمهما: هى بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب ص 59 نسب قريش. وفيه البيت الآنى منسوبا إلى الحسين:
لعمرك إننى لأحب دارا ... تضيفها سكينة والرّباب(1/378)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِنَصْرِ بْنِ دُهْمَانَ الْهُنَيْدَةُ عَاشَهَا ... وَتِسْعِينَ حَوْلًا ثُمّ قُوّمَ فَانْصَاتَا «1»
وَعَادَ سَوَادُ الرّأْسِ بَعْدَ ابيضاضه ... ولكنه من بعد ذلك قدماتا
وَأَمَرَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ، وَمِنْ أَطْوَلِ الْمُعَمّرِينَ عُمْرًا: ذُوَيْدٌ، وَاسْمُهُ: زَيْدُ بْنُ نَهْدٍ مِنْ قُضَاعَةَ، وَأَبُوهُ: نَهْدٌ إلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَيّ الْمَعْرُوفُونَ مِنْ قُضَاعَةَ: بَنُو نَهْدِ بْنِ زيد «2» عاش دويد أَرْبَعَمِائَةِ عَامٍ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَكَانَ لَهُ آثَارٌ فِي الْعَرَبِ، وَوَقَائِعُ وَغَارَاتٌ، فَلَمّا جَاءَ الْمَوْتُ قال:
اليوم يبنى لدويد بيته ... ومغسم، يَوْمَ الْوَغَى حَوَيْته
وَمِعْصَمٌ مُوَشّمٌ لَوَيْته ... لَوْ كَانَ لِلدّهْرِ بِلًى أَبْلَيْته
أَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْته
وَقَوْلُ الْمُسْتَوْغِرِ:
وَلَقَدْ شَدَدْت عَلَى رُضَاءٍ شِدّةً ... فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
يُرِيدُ: تَرَكْتهَا سَحْمَاءَ مِنْ آثَارِ النّارِ، وَبَعْدَهُ:
وَأَعَانَ عَبْدُ اللهِ فِي مَكْرُوهِهَا ... وَبِمِثْلِ عَبْدِ اللهِ أغشى المحرما «3»
__________
(1) البيت فى اللسان لسلمة بن الخرشب الأنمارى. وشطرته الأولى: ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها: والهنيدة: اسم لكل مائه من الإبل. وقيل: هى المائتان. وانصات المنحنى: استوت قامته.
(2) نهد بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة.
(3) يسمّيها ابن الكلبى: رضى بضم الراء، ويذكر عنه ما رواه ابن هشام وقد جاءت الشطرة الثانية من بيته الأول فى الأصنام «فتركتها تلّا تنازع أسحما» ولا حاجة بهذا إلى تأويل السهيلى ووردت الشطرة الأولى من البيت الثانى-(1/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرَ ذَا الْكَعَبَاتِ بَيْتَ وَائِلٍ، وَأَنْشَدَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
أَرْضُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَدَارِمَ ... وَالْبَيْتُ ذِي الشّرُفَات مِنْ سِنْدَادِ «1»
وَالْخَوَرْنَقُ: قَصْرٌ بَنَاهُ النّعْمَانُ الْأَكْبَرُ مَلِكُ الْحِيرَةِ لِسَابُورَ، لِيَكُونَ وَلَدُهُ فِيهِ عِنْدَهُ، وَبَنَاهُ بُنْيَانًا عَجَمِيّا لَمْ تَرَ الْعَرَبُ مِثْلَهُ، وَاسْمُ الّذِي بَنَاهُ لَهُ: سِنِمّارُ، وَهُوَ الّذِي رُدّيَ مِنْ أَعْلَاهُ، حَتّى قَالَتْ الْعَرَبُ: جَزَانِي جَزَاءَ سِنِمّارِ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمَا تَمّ الْخَوَرْنَقُ: وَعَجِبَ النّاسُ مِنْ حُسْنِهِ، قَالَ سِنِمّارُ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ شِئْت حِينَ بَنَيْته جَعَلْته يَدُورُ مَعَ الشّمْسِ، حَيْثُ دَارَتْ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَإِنّك لَتُحْسِنُ أَنْ تَبْنِيَ أَجْمَلَ مِنْ هَذَا؟ وَغَارَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُبْتَنَى لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَأَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ مِنْ أَعْلَاهُ، وَكَانَ بَنَاهُ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ الشّاعِرُ [عَبْدُ الْعُزّى بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ] .
جَزَانِي جَزَاهُ اللهُ شَرّ جَزَائِهِ ... جَزَاءَ سِنِمّارِ، وَمَا كَانَ ذاذنب
سِوَى رَصّهِ الْبُنْيَانَ عِشْرِينَ حِجّةً ... يُعَلّى عَلَيْهِ بِالْقَرَامِدِ وَالسّكْبِ
فَلَمّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ ... وَآضَ كَمِثْلِ الطّوْدِ وَالْبَاذِخِ الصّعْبِ
[وَظَنّ سِنِمّارُ بِهِ كُلّ حَبْوَةٍ ... وَفَازَ لَدَيْهِ بِالْمَوَدّةِ وَالْقُرْبِ]
رَمَى بِسِنِمّارِ عَلَى حَاقِ رَأْسِهِ ... وَذَاكَ لَعَمْرُ والله من أقبح الخطب «2»
__________
- ودعوت عبد الله الخ» والشطرة الأخرى «ولمثل عبد الله يغشى المحرما» وهناك صنم أسود يسمّى: أسحم. ويعفر بفتح الياء أو ضمها مع ضم الفاء «24 نوادر أبه زيد» .
(1) البيت مخالف بعض المخالفة لما فى السيرة.
(2) القصيدة لعبد العزى بن امرئ القيس الكلبى، ومنها فى الطبرى عشرة أبيات، ليس منها البيت الأخير. القراميد: مفرده: قرمد، وهو الآجر. والسكب: النحاس أو الرصاص، وآض الشئ: تحول. واقرأ قصته فى ص 65 ج 2 الطبرى طبع المعارف وص 12 ح 1 الحيوان للجاحظ والزيادة منه.(1/380)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرَ هَذَا الشّعْرَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ، وَالسّنِمّارُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ، وَأَوّلُ شِعْرِ الْأَسْوَدِ: ذَهَبَ الرّقَادُ فَمَا أُحِسّ رُقَادِي.
وَفِيهَا يَقُولُ:
وَلَقَدْ عَمِرْتُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فِي الْمَدَى ... إنّ السّبِيلَ سَبِيلُ ذِي الْأَعْوَادِ
قِيلَ: يُرِيدُ بِالْأَعْوَادِ النّعْشَ، وَقِيلَ: أَرَادَ عَامِرَ بْنَ الظّرِبِ الّذِي قُرِعَتْ لَهُ الْعَصَا بِالْعُودِ مِنْ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، وَفِيهَا يَقُولُ:
مَاذَا أُؤَمّلُ بَعْدَ آلِ مُحَرّقٍ ... تَرَكُوا مَنَازِلَهُمْ وَبَعْدَ إيَادِ
نَزَلُوا بِأَنْقِرَةِ يَسِيلُ عليهم ... ماء الفرات يجئ مِنْ أَطْوَادِ
أَرْضُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سِنْدَادِ
جَرَتْ الرّيَاحُ عَلَى مَحَلّ دِيَارِهِمْ ... فَكَأَنّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ
وَأَرَى النّعِيمَ، وَكُلّ مَا يُلْهَى بِهِ ... يَوْمًا يَصِيرُ إلَى بِلًى وَنَفَادِ
وَمَعْنَى السّدِيرِ بِالْفَارِسِيّةِ: بَيْتُ الْمُلْكِ. يَقُولُونَ لَهُ: «سِهْدِلِيّ» أَيْ: لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ، وَقَالَ الْبَكْرِيّ: سُمّيَ السّدِيرَ؛ لِأَنّ الْأَعْرَابَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ، فَتَسْدَرُ مِنْ عُلْوِهِ، يُقَالُ: سَدِرَ بَصَرُهُ إذَا تَحَيّرَ.
الْبَحِيرَةُ وَالسّائِبَةُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْبَحِيرَةَ وَالسّائِبَةَ، وَفَسّرَ ذَلِكَ، وَفَسّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِتَفْسِيرِ آخَرَ. وَلِلْمُفَسّرِينَ فِي تَفْسِيرِهِمَا أَقْوَالٌ مِنْهَا: مَا يَقْرُبُ، وَمِنْهَا مَا يَبْعُدُ مِنْ قَوْلِهِمَا، وَحَسْبُك مِنْهَا مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنّهَا أُمُورٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ أَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ، فَلَا تَمَسّ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِهَا.(1/381)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ مَا أَنَزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا قوله تعالى: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا [الأنعام: 139] وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: الزّجْرُ عَنْ التّشَبّهِ بِهِمْ فِي تَخْصِيصِهِمْ الذّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ بِالْهِبَاتِ. رَوَتْ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَالِ، فَيَجْعَلُهُ عِنْدَ ذُكُورِ وَلَدِهِ.
إنْ هَذَا إلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَجّاجٍ.
وَأَنْشَدَ فِي الْبَحِيرَةِ:
فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْبَاعِ قَرْقَرَةٌ ... هَدْرَ الدّيَافِيّ وَسَطَ الْهَجْمَةِ الْبُحُرِ «1»
هَكَذَا الرّوَايَةُ: الْمِرْبَاعُ بِالْبَاءِ مِنْ الرّبِيعِ، وَالْمِرْبَاعُ هُوَ: الْفَحْلُ الّذِي يُبَكّرُ بِالْإِلْقَاحِ، وَيُقَالُ لِلنّاقَةِ أَيْضًا: مِرْبَاعٌ إذَا بَكّرَتْ بِالنّتَاجِ، وَلِلرّوْضَةِ إذَا بَكّرَتْ بِالنّبَاتِ.
يَصِفُ فِي هَذَا الْبَيْتِ حِمَارَ وَحْشٍ يَقُولُ: فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ، وَهُوَ: الظّلِيمُ الّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، أَيْ: فِيهِ مِنْهُ قَرْقَرَةٌ أَيْ صَوْتٌ وَهَدْرٌ مِثْلَ هَدْرِ الدّبافى أَيْ: الْفَحْلُ الْمَنْسُوبُ إلَى دِيَافَ بَلَدٌ بِالشّامِ، وَالْهَجْمَةُ مِنْ الْإِبِلِ: دُونَ الْمِائَةِ، وَجَعَلَهَا بَحْرًا لِأَنّهَا تَأْمَنُ مِنْ الْغَارَاتِ، يَصِفُهَا بِالْمَنَعَةِ وَالْحِمَايَةِ، كما تأمن الْبَحِيرَةِ مِنْ أَنْ تُذْبَحَ أَوْ تُنْحَرَ، وَرَأَيْت فِي شِعْرِ ابْنِ مُقْبِلٍ: مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْيَاعِ بالياء أخت
__________
(1) البيت- كما ورد فى السيرة- لتميم بن مقبل، وصحة نسبه- كما جاء فى جمهرة بن حزم- تميم بن أبىّ- وزن قصى- بن مقبل بن عوف بن حنيف ابن العجلان بن عبد الله بن كعب ص 271.(1/382)
[عدنا إلى سياقة النسب]
[ «نَسَبُ خُزَاعَةَ» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخُزَاعَةُ تَقُولُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَخِنْدِفُ أُمّهَا، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ:
خُزَاعَةُ: بَنُو حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَإِنّمَا سُمّيَتْ خزاعة، لأنهم تخزّعوا من ولد عمرو بن عامر، حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ الْيَمَنِ يُرِيدُونَ الشّامَ، فَنَزَلُوا بِمَرّ الظّهْرَانِ، فَأَقَامُوا بِهَا. قَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ فِي الْإِسْلَامِ:
فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرّ تَخَزّعَتْ ... خُزَاعَةُ مِنّا فِي خُيُولٍ كَرَاكِرِ
حَمَتْ كلّ واد من تهامة واحتمت ... بصمّ الفنا وَالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَاتِرِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْوَاوِ، وَفَسّرَهُ فِي الشّرْحِ مِنْ رَاعَ يَرِيعُ إذَا أَسْرَعَ الْإِجَابَةَ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ:
«تَرِيعُ إلى صوت المهيب وتتّقى «1» .
__________
(1) بقيته: «بذى خصل روعات أكلف ملبد» وخصل بضم الخاء وفتح الصاد. وروعات بفتح الراء وسكون الواو، وملبد بوزن: مقبل. والمهيب: داعى الإبل. أراد: تتقى بذنب ذى خصل. وروعات: فزعات. والأكلف: الفحل الذى يشوب حمرته سواد، والملبد الذى يخطر بذنبه، فيتلبد البول على وركيه، وأصل مهيب من أهاب، وهاب: زجر للابل عند السوق.(1/383)
وَقَالَ أَبُو الْمُطَهّرِ إسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ:
فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَكّةَ أَحْمَدَتْ ... خُزَاعَةُ دَارَ الْآكِلِ الْمُتَحَامِلِ
فَحَلّتْ أَكَارِيسَا، وَشَتّتْ قَنَابِلًا ... عَلَى كُلّ حىّ بين نجد وساحل
نفواجر هما عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، وَاحْتَبَوْا ... بِعِزّ خُزَاعِيّ شَدِيدِ الْكَوَاهِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ أَذْكُرُ نَفْيَهَا جُرْهُمًا فِي مَوْضِعِهِ
[ «أَوْلَادُ مُدْرِكَةَ وَخُزَيْمَةَ وكنانة والنضر» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ بْنُ إلْيَاسَ رَجُلَيْنِ: خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَهُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وأمهما: امرأة من قضاعه [قيل: سلمى بنت أسد ابن ربيعة بن نزار- كما فى نسب قريش] . فولد خزيمة بنى مُدْرِكَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ:
كِنَانَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَ بن خزيمة، وأسدة بن خزيمة، وَالْهُونَ بْنَ خُزَيْمَةَ، فَأُمّ كِنَانَةَ: عُوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَوْنُ بْنُ خُزَيْمَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِنَانَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: النّضَرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ، وَعَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمِلْكَانَ بْنَ كِنَانَةَ فَأُمّ النّضْرِ: بَرّةُ بِنْتُ مُرّ بْنِ أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةِ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ النّضْرِ وَمَالِكٍ وَمِلْكَانَ. بَرّةُ بِنْتُ مُرّ، وأم عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالنّفْسُ إلَى الرّوَايَةِ الْأُولَى أَسْكَنُ، وَحُكِيَ عَنْ ابن قتيبة أنه قال: فى(1/384)
مَنَاةَ: هَالَةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَشَنُوءَةُ: عَبْدُ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَإِنّمَا سُمّوا شَنُوءَةَ؛ لشنآن كان بينهم. والشنآن: الْبُغْضُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّضْرُ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيّةَ أَحَدُ بَنِي كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ:
فَمَا الْأُمّ الّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا ... بِمُقْرِفَةِ النّجّارِ وَلَا عَقِيمِ
وَمَا قَرْمٌ بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ ... وَمَا خَالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ
يَعْنِي: بَرّةَ بِنْتَ مُرّ أُخْتَ تَمِيمِ بْنِ مُرّ، أُمّ النّضْرِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَيُقَالُ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا مِنْ التّقَرّشِ، وَالتّقَرّشُ: التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشّغُوشِ ... وَالْخَشْلِ مِنْ تَسَاقُطِ الْقُرُوشِ
شَحْمٌ وَمَحْضٌ لَيْسَ بالمغشوش
قال ابن هشام: وَالشّغُوشُ: قَمْحٌ يُسَمّى: الشّغُوشَ. وَالْخَشْلُ: رُءُوسُ الْخَلَاخِيلِ وَالْأَسْوِرَةِ وَنَحْوِهِ. وَالْقُرُوشُ: التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ، يَقُولُ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ هَذَا شَحْمٌ وَمَحْضٌ، وَالْمَحْضُ: اللّبَنُ الْحَلِيبُ الْخَالِصُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/385)
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو جِلْدَةَ الْيَشْكُرِيّ، وَيَشْكُرُ: بْنُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ:
إخْوَةٌ قَرَشُوا الذّنُوبَ عَلَيْنَا ... فِي حَدِيثٍ مِنْ عُمْرِنَا وَقَدِيمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: إنّمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ: قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهَا مِنْ بَعْدِ تَفَرّقِهَا وَيُقَالُ لِلتّجَمّعِ: التّقرّش.
فَوَلَدَ النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ رَجُلَيْنِ: مَالِكَ بْنَ النّضْرِ، وَيَخْلُدَ بْنَ النّضْرِ، فَأُمّ مَالِكٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَلَا أَدْرِي أَهِيَ أُمّ يَخْلُدَ أَمْ لَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصّلْتُ بْنُ النّضْرِ- فِيمَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ- وَأُمّهُمْ جَمِيعًا: بِنْتُ سَعْدِ بْنِ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيّ. وَعَدْوَانُ: بْنُ عمر بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.
قَالَ كُثَيّرُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ- وَهُوَ كُثَيّرُ عَزّةَ أَحَدُ بَنِي مليح بن عمرو، من خزاعة
أَلَيْسَ أَبِي بِالصّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي ... لِكُلّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النّضْرِ أَزْهَرَا
رَأَيْت ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السّدَى ... بِنَا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيّ الْمُخَصّرَا
[إذا ما قطعنا من قريش قرابة ... بأى نجاد يحمل السيف ميسرا]
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النّضْرِ، فَاتْرُكُوا ... أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ أَخْضَرَا
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَاَلّذِينَ يُعْزَوْنَ إلَى الصّلْتِ بْنِ النّضْرِ مِنْ خُزَاعَةَ: بَنُو مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، رهط كثيّر عزّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/386)
[ «أولاد مالك وابنه فهر» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النّضْرِ: فهر بن مالك، وأمّه: جندلة بنت الحارت بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ بابن مضاض الأكبر.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أربعة نفر: غالب بن فهر، وَمُحَارِبَ بْنَ فِهْرٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ فِهْرٍ، وَأَسَدَ بن فهر، وأمّهم: ليلى بنت سعد ابن هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَجَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ، وَهِيَ أُمّ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وَأُمّهَا: لَيْلَى بِنْتُ سَعْدٍ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ الْخَطَفِيّ وَاسْمُ الْخَطَفِيّ: حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كُلَيْبِ بن يربوع ابن حَنْظَلَةَ.
وَإِذَا غَضِبْتُ رَمَى وَرَائِي بِالْحَصَى ... أَبْنَاءُ جَنْدَلَةٍ كَخَيْرِ الْجَنْدَلِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له.
[ «غالب وزوجاته وأولاده» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ رجلين: لؤىّ بن غالب، وتيم ابن غَالِبٍ، وَأُمّهُمَا: سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ- وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ الّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ:
بَنُو الْأَدْرَمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ، وَأُمّهُ: سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ، وَهِيَ أمّ لؤىّ وتيم ابنى غالب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/387)
[ «نسل لؤى» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: كَعْبَ بْنَ لُؤَيّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ، وَسَامَةَ بْنَ لُؤَيّ، وَعَوْفَ بْنَ لُؤَيّ، فَأُمّ كَعْبٍ وَعَامِرٍ وَسَامَةَ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، مِنْ قُضَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَالْحَارِثُ بْنُ لُؤَيّ، وَهُمْ: جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ، فِي هِزّانَ مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ جَرِيرٌ:
بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهَزّانَ، فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ
وَلَا تُنْكِحُوا فِي آلِ ضَوْرٍ نِسَاءَكُمْ ... وَلَا فِي شُكَيْس بِئْسَ مَثْوَى الْغَرَائِبِ
وَسَعْدُ بْنُ لُؤَيّ، وَهُمْ بُنَانَةُ: فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْن عكابة بن صعب ابن عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، مِنْ رَبِيعَةَ.
وَبُنَانَةُ: حَاضِنَةٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللهِ، وَيُقَالُ: سَيْعُ اللهِ، بن الْأَسْدِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. وَيُقَالُ:
بِنْتُ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ رَبِيعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ.
وَخُزَيْمَةُ بْنُ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَائِذَةُ امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَهِيَ أم بنى عبيدة بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ لُؤَيّ.
وَأُمّ بَنِي لُؤَيّ كُلّهُمْ- إلّا عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ. وَأُمّ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: مَخْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَيُقَالُ: لَيْلَى بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ محارب بن فهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/388)
[أمر سامة]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا سَامَةُ بْنُ لُؤَيّ فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ، وَكَانَ بِهَا.
وَيَزْعُمُونَ أَنّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ أَخْرَجَهُ وَذَلِك أَنّهُ كَانَ بينهما شئ، فَفَقَأَ سَامَةُ عَيْنَ عَامِرٍ، فَأَخَافَهُ عَامِرٌ، فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ سَامَةَ بْنَ لُؤَيّ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ، إذْ وَضَعَتْ رَأْسَهَا تَرْتَعُ، فَأَخَذَتْ حَيّةٌ بِمِشْفَرِهَا، فَهَصَرَتْهَا حَتّى وَقَعَتْ النّاقَةُ لِشِقّهَا، ثُمّ نَهَشَتْ سَامَةَ فَقَتَلَتْهُ. فَقَالَ سَامَةُ حِينَ أَحَسّ بِالْمَوْتِ فِيمَا يَزْعُمُونَ:
عين فابكى لسامة بن لؤىّ ... علقت ما بسامة الْعَلّاقَه
لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ ... يَوْمَ حَلّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَه
بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ... أَنّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَهُ
إنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي، فَإِنّي ... غَالِبِيّ، خَرَجْتُ من غير ناقه
ربّ كأس هرقت يابن لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه
رُمْتَ دفع الحتوف يابن لُؤَيّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهُ
وخروس السّرى تركت رذيا ... بَعْدَ جَدّ وَجَدّةٍ وَرَشَاقَه
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ بَعْضَ وَلَدِهِ أُتِيَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آلشّاعِرُ؟
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنّك يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْت قَوْلَهُ:
رُبّ كأس هرقت يابن لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه
قَالَ: أجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/389)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبَحْرِ: هِيَ الْغَزِيرَاتُ اللّبَنِ لَا جَمْعُ بَحِيرَةٍ، كَأَنّهَا: جَمْعُ بُحُورٍ عِنْدَهُ، فَظَنّ هَذَا يُذْهِبُ الْمَعْنَى الّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْنِهَا وَمَنَعَتِهَا؛ إذْ لَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْغَزِيرَاتِ اللّبَنِ، لَكِنّهُ أَظْهَرُ فِي الْعَرَبِيّةِ؛ لِأَنّ بَحِيرَةً: فَعَيْلَةٌ، وَفَعِيلَةٌ لَا تُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ إلّا أَنْ تُشَبّهَ بسفينة وسفن، وخريدة وخرد، وهو قليل.
وقبل الْبَيْتُ فِي وَصْفِ رَوْضٍ:
بِعَازِبِ النّبْتِ يَرْتَاحُ الْفُؤَادُ لَهُ ... رَأْدَ النّهَارِ لِأَصْوَاتِ مِنْ النّغَرِ
وَبَعْدَ الْبَيْتِ الْوَاقِعِ فِي السّيرَةِ:
وَالْأَزْرَقُ الْأَخْضَرُ السّرْبَالُ مُنْتَصِبٌ ... قَيْدُ الْعَصَا فَوْقَ ذَيّالٍ مِنْ الزّهَرِ
يَعْنِي بِالْأَزْرَقِ: ذُبَابُ الرّوْضِ، وَكَذَلِكَ النّغَرُ «1» . وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ: حَوْلُ الْوَصَائِلِ: جَمْعُ حَائِلٍ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا أَيْضًا: حُولَلٌ، وَمِثْلُهُ:
عائط وعوطط على غير قياس. والثّريف «2» اسْمُ مَوْضِعٍ.
نَسَبُ خُزَاعَةَ:
وَقَوْلُهُ فِي نَسَبِ خُزَاعَةَ: تَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عامر إلى
__________
(1) نبت عازب: لم يرع قط، ولا وطئ، والرأد: رونق الضحى. أو بعد انبساط الشمس، وارتفاع النهار، والنغر: فراخ العصافير، وجمعها: نغران وهو البلبل عند أهل المدينة، وقال الجوهرى: هى طير كالعصافير حمر المناقير ونغرة مفرد للنّغر، والسهيلى يقصد النّعرة لا النّغر، والذباب: النحل
(2) العائط: الناقة أو المرأة لم تحمل من غير عقر، والشريف: ماء لبنى نمير، وقيل: واد بنجد وحصن من حصون زبيد باليمن.(1/390)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
آخِرِ النّسَبِ، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ عَمْرًا يُقَالُ لَهُ: مُزَيْقِيَاءُ. وَأَمّا عَامِرٌ فَهُوَ: مَاءُ السّمَاءِ، سُمّيَ بِذَلِكَ لِجُودِهِ وَقِيَامِهِ عِنْدَهُمْ مَقَامَ الْغَيْثِ. وحارثة: بن امرئ القيس ابن ثَعْلَبَةَ وَهُوَ الْغِطْرِيفُ «1» .
بَطْنُ مَرّ:
وَقَوْلُ عَوْنٍ: فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَرّ. يُرِيدُ: مَرّ الظّهْرَانِ، وَسُمّيَ: مَرّا لِأَنّ فِي عِرْقٍ مِنْ الْوَادِي مِنْ غَيْرِ لَوْنِ الْأَرْضِ شِبْهُ الْمِيمِ الْمَمْدُودَةِ، وَبَعْدَهَا را خُلِقَتْ كَذَلِكَ، وَيُذْكَرُ عَنْ كَثِيرٍ أَنّهُ قَالَ: سُمّيَتْ: مَرّا لِمَرَارَتِهَا، وَلَا أَدْرِي مَا صِحّةُ هَذَا.
فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَرّ الْبَيْتَيْنِ وَبَعْدَهُمَا:
خُزَاعَتُنَا أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَهِجْرَةٍ ... وَأَنْصَارُنَا جُنْدُ النّبِيّ الْمُهَاجِرِ
وَسِرْنَا إلَى أَنْ قَدْ نَزَلْنَا بِيَثْرِبَ ... بِلَا وَهَنٍ مِنّا وَغَيْرَ تَشَاجُرٍ
وَسَارَتْ لَنَا سَيّارَةٌ ذَاتُ مَنْظَرٍ ... بِكَوْمِ الْمَطَايَا وَالْخُيُولِ الْجُمَاهِرِ «2»
يَؤُمّونَ أَهْلَ الشّامِ حِينَ تَمَكّنُوا ... مُلُوكًا بِأَرْضِ الشّامِ فَوْقَ الْبَرَابِرِ
أَوْلَاك بَنُو مَاءِ السّمَاءِ تَوَارَثُوا ... دِمَشْقًا بِمُلْكِ كَابِرًا بَعْدَ كابر
__________
(1) نسبه فى نسب قريش ص 10، أما الغطريف الأكبر: فعامر من بنى مبشر. والغطريف: السيد، ونسب حارثة هو: ابن امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الأزد بن الغوث بن النبت.
(2) كوم: جمع كوماء: الناقة العظيمة السنام، والجماهر: الضخم، وقيل جمع جمهور: الفرس الكريمة، والسهيلى يروى: الحلول والكراديس بدلا من الخيول والأكاريس.(1/391)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحُلُولُ، جَمْعُ: حَالّ، وَالْكَرَادِيسُ جَمْعُ: كُرْدُوسٍ: الْخَيْلُ.
دِمَشْقُ:
وَقَوْلُهُ: دِمَشْقًا، سُمّيَتْ مَدِينَةَ الشّامِ بِاسْمِ الرّجُلِ الّذِي هَاجَرَ إلَيْهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ: دَامِشْقُ بْنُ النّمْرُوذِ بْنِ كَنْعَانَ «1» ، أَبُوهُ: الْمَلِكُ الْكَافِرُ عَدُوّ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَ ابْنُهُ دَامِشْقُ قَدْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ، وَهَاجَرَ مَعَهُ إلَى الشّامِ. كَذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ النّسّابِ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ. وَالدّمَشْقُ فِي اللّغَةِ:
النّاقَةُ الْمُسِنّةُ- فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ- وَكَانَ يُقَالُ لِدِمَشْقَ أَيْضًا: جَيْرُونُ سُمّيَتْ بِاسْمِ الّذِي بَنَاهَا، وَهُوَ: جَيْرُونُ بْنُ سَعْدِ [بْنِ عَادٍ] ، وَفِيهَا يَقُولُ أَبُو دَهْبَلَ [الْجُمَحِيّ] .
صَاحِ: حَيّا الْإِلَهُ حَيّا وَدَارَا ... عِنْدَ شرق القناة من جيرون «2»
__________
(1) فى المراصد: دمشق بن كنعان. وفى القاموس: دمشاق بن كنعان أو دامشقيوش. وفى معجم البكرى: دماشق، وفى المراصد أنها سميت بهذا لأنهم دمشقوا فى بنائها، أى: أسرعوا، وهى بكسر الدال وفتح الميم أو كسرها.
(2) جيرون فى المراصد هى سقيفة مستطيلة على عمد وسقائف، حولها مدينة تطيف بها، وهى بدمشق. وقيل: هى قرية الجبابرة فى أرض كنعان، وقيل: هى إرم ذات العماد. وقيل إن إرم هى دمشق، وقيل: هى الإسكندرية، وقيل: إرم هى أمة من الأمم، وجيرون: فعلون من جير، أو فيعول، فتكون من جرن، وهذا أصوب، إذ لو كانت فعلون لتغير ما قبل النون فى الإعراب. والبيت من قصيدة طويلة فى اللسان لأبى دهبل، ومعها قصة أبى دهبل، وكان قد تزوج بالشام دون علم أولاده، فلما عاد إليهم وجدهم قد تقاسموا ميراثه، فأراد العودة إلى زوجته الشامية فى جيرون، فبلغه موتها، فأقام، وقال هذه القصيدة، ومنها فى وصفها: -(1/392)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَنُو كِنَانَةَ:
وَذَكَرَ بَنِي كِنَانَةَ الْأَرْبَعَةَ: مَالِكًا وَمِلْكَانَ وَالنّضْرَ وَعَبْدَ مَنَاةَ. وَزَادَ الطّبَرِيّ فِي وَلَدِ كِنَانَةَ: عَامِرًا وَالْحَارِثَ وَالنّضِيرَ وَغَنْمًا وَسَعْدًا وَعَوْفًا وَجَرْوَلَ وَالْحُدَالَ وَغَزْوَانَ. كُلّهُمْ بَنُو كِنَانَةَ «1» .
__________
-
وهى زهراء مثل لؤلؤة الغوا ... ص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... فى سناء من المكارم دون
والبيت فى اللسان:
صاح حيا الإله حيا ودورا ... عند أصل القناه من جيرون
وأول القصيدة:
طال ليلى، وبت كالمحزون ... ومللت الثّواء فى جيرون
ويروى صاحب الأغانى أن أبا دهبل أحب عاتكة بنت معاوية، وكانت هى تتعهده بالبر واللطف، ثم انقطعت عن لقائه، فمرض، وقال هذه القصيدة ص 120 مجلد 7 طبع لبنان، وانظر معجم البكرى مادة جيرون. وزدت الجمحى من اللسان.
(1) أولاد كنانة فى كتاب نسب قريش هم: النضر وملك «بفتح الميم وسكون اللام» وملكان «بالضبط أيضا» ومليك «بضم الميم وفتح اللام» وغزوان «بفتح الغين وسكون الزاى» وعمرو وعامر وأمهم: برة بنت مر. وإخوتهم لأمهم: أسد وأسدة والهون بنو خزيمة. وقد خلف عليها كنانة بعد أبيه، وذلك نكاح كانت تنكحه الجاهلية، إذا مات الرجل نكح أكبر بنيه زوجته، إذا لم تكن أمه، وورث خيار ماله، ومن أبناء كنانة: حدال وسعد وعوف ومجرّبة وأمهم: هالة بنت سويد بن الغطريف، وفى الجمهره: هم النضر وملك وملكان وعبد مناة، وليس فى العرب ملك «بإسكان اللام» غير ملك بن كنانة وسائرهم: مالك» وفى نسب قريش أن أم خزيمة هى: سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار، وفيه أيضا أن أم كنانة: هى عوانة بنت قيس بن عيلان، أما أم الهون وإخوته فبرة بنت مر بن أد بن طابخة. فأرجو مقايسة هذا بما ورد فى السيرة.(1/393)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قريسه:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ إنّهُ: قُرَيْشٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي أَنّ فِهْرًا هُوَ: قُرَيْشٌ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ فِهْرًا لقب، واسمه الذى سمى به: قريش «1» .
__________
(1) وإليك معظم ما قيل حول قريش واشتقاقها من فتح البارى. قريش: هم ولد النضر، وبهذا جزم أبو عبيدة كما روى ابن سعد فى الطبقات. وقيل: إن قريشا هم ولد فهر بن مالك بن النضر. وهو قول الأكثر وبه جزم مصعب، وقيل: أول من نسب إلى قريش: قصى بن كلاب؛ فقد روى ابن سعد أن عبد الملك بن مروان سأل محمد بن جبيرة، متى سميت قريش قريشا؟ قال: حين اجتمعت إلى الحرم بعد تفرقها، فقال: ما سمعت بهذا، ولكن سمعت أن قصيا كان يقال له: القرشى، ولم يسم أحد قريشا قبله. وقيل: سميت قريش لتجمعها إلى قصى بعد نفى خزاعة من الحرم، والتقرش: التجمع، وقيل: لتلبسهم بالتجارة، وقيل: لأن الجد الأعلى جاء فى ثوب واحد متجمعا فيه، وقيل من التقرش، وهو أخذ الشئ أولا فأولا. وقيل إن أول من تسمى قريشا: قريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة، وقال المطرزى: سميت قريش بدابة فى البحر هى سيدة الدواب البحرية، وكذلك قريش، سادة الناس. وقد أخرج البيهقى من طريق ابن عباس أنه قال: قريش تصغير قرش، وهى دابة فى البحر لا تمر بشئ من غث ولا سمين إلا أكلته. وقيل: سمى قريشا؛ لأنه كان يقرش عن خلة الناس، وحاجتهم، ويسدها والتقريش: التفتيش، وقيل: لمعرفتهم بالطعان، والتقريش: وقع الأسنة. وقيل التقرش: التنزه عن رذائل الأمور. وقيل: هو من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم، ولم تهشمه: وقيل: أقرش بكذا إذا سعى فيه، فوقع له: وقيل غير ذلك فتح البارى 415 ح 6. وقد ورد بعض هذا الكلام السابق فى كتاب «نسب قريش» لأبى عبد الله المصعب بن عبد الله الزبيرى عم الزبير بن بكار فى ص 13 وفيه اختلاف يسير، ففى نسب قريش «فأما بنو يخلد، فهم فى بنى عمرو بن الحارث بن مالك-(1/394)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا يَخْلُدُ بْنُ النّضْرِ، فَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ، قَالَ: قَالَ عَمّي: وَأَمّا بَنُو يَخْلُدَ بْنِ النّضْرِ، فَذُكِرُ [وَا] فِي بَنِي عَمْرِو ابن الْحَارِثِ بْنِ مَلِكِ بْنِ كِنَانَةَ، وَمِنْهُمْ: قُرَيْشُ بْنُ بَدْرِ بْنِ يَخْلُدَ بْنِ النّضْرِ، وَكَانَ دَلِيلُ بَنِي كِنَانَةَ فِي تِجَارَاتِهِمْ، فَكَانَ يُقَالُ: قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ، فَسُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ، وَأَبُوهُ: بَدْرُ بْنُ يَخْلُدَ صَاحِبُ بَدْرٍ الْمَوْضِعِ الّذِي لَقِيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْشًا «1» .
وَقَالَ عَنْ غَيْرِ عَمّهِ: قُرَيْشُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ يَخْلُدَ، وَابْنُهُ: بَدْرٌ الّذِي سُمّيَتْ بِهِ بَدْرٌ، وَهُوَ احْتَفَرَهَا. قَالَ: وَقَدْ قَالُوا: اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ، فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَذُكِرَ عَنْ عَمّهِ أَنّ فِهْرًا هُوَ: قُرَيْشٌ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمّلِيّ عَنْ جَدّي عَبْدِ اللهِ بْنِ مُصْعَبٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا فِهْرٌ لَقَبٌ «2» ، وَكَذَلِكَ حَدّثَهُ الْمُؤَمّلِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سليمان فى اسم فهر ابن مَالِكٍ: أَنّهُ قُرَيْشٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ المؤّملىّ عن أبى عبيدة بن
__________
- بن كنانة» والنسب لم يذكر مالكا من بين أبناء كنانة، ولكن وذكره وهو يتكلم عن بنى يخلد، وغيره ذكره. ثم الفعل «فذكر» فى الروض لا يناسب السياق بعكس ما فى النسب. وفى النسب فسميت قريش بذلك، بدلا من «فسميت قريش به» .
(1) فى ص 12 من كتاب نسب قريش، ومؤلفه هو عم الزبير بن بكار
(2) نص ما فى كتاب مصعب: «اسم فهر بن مالك: قريش» وفى مكان آخر: «فولد مالك بن النضر فهرا، وهو قريش، وأمه: جندلة بنت الحارث» ص 12 نسب قريش.(1/395)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدِ اللهِ فِي اسْمِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّهُ قُرَيْشٌ. قَالَ: وَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ: حَدّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيّ: وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْن شِهَابٌ عَنْ عَمّهِ أَنّ اسْمَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ الّذِي أَسْمَتْهُ أُمّهُ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا نَبَزْته فِهْرًا، كَمَا يسمى الصبى: غرارة وَشَمْلَةَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، قَالَ: قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ النّسّابُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّ قُرَيْشًا إنّمَا تَفَرّقَتْ عَنْ فِهْرٍ، وَاَلّذِي عَلَيْهِ مَنْ أَدْرَكْته مِنْ نُسّابِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّ وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَأَنّ مَنْ جَاوَزَ فِهْرَ ابن مَالِكٍ بِنَسَبِهِ، فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ «1» .
وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ السّائِبِ الْكَلْبِيّ فِيمَا حَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمُ عَنْهُ أَنّ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ هُوَ: قُرَيْشٌ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَدَ مَالِكُ بْنُ النّضْرِ فِهْرًا، وَهُوَ جِمَاعُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ الشّعْبِيّ، قَالَ: النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ «2» هُوَ قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا سُمّيَ قُرَيْشًا؛ لِأَنّهُ كَانَ يُقَرّشُ عَنْ خَلّةِ النّاسِ وحاجتهم، فيسدها بماله، والتّفريش: هُوَ التّفْتِيشُ، وَكَانَ بَنُوهُ يُقْرِشُونَ أَهْلَ الْمَوْسِمِ عَنْ الْحَاجَةِ، فَيَرْفِدُونَهُمْ بِمَا يَبْلُغُهُمْ، فَسُمّوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَقَرْشِهِمْ: قُرَيْشًا. وَقَدْ قَالَ الْحَارِثُ بن جلّزة فِي بَيَانِ الْقَرْشِ:
أَيّهَا النّاطِقُ الْمُقَرّشُ عَنّا ... عند عمرو، فهل له انفاء «3»
__________
(1) ويؤكد ابن حزم هذا فى الجمهرة بقوله عن فهر: «لا قريش غيرهم، ولا يكون قرشى إلا منهم، ولا من ولد فهر أحد إلا قرشى» أما ابن دريد فى الاشتقاق، فيؤكد أنه النضر.
(2) فى الأصل: النضر وكنانة.
(3) روايته فى اللسان «عند عمرو، وهل لذاك بقاء» وكذلك فى المعلقات بشرح الزوزنى، وأيضا فى روايتها: المرقش بدلا من المقرش، وبشرح التبريزى: -(1/396)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَحَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنّى [التّيْمِيّ] ، قَالَ:
مُنْتَهَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرَيْشٍ: النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ، فَوَلَدُهُ: قُرَيْشٌ دُونَ سَائِرِ بَنِي كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، فَأَمّا مَنْ وَلَدُ كِنَانَةَ سِوَى النّضْرِ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا سُمّيَ بَنُو النّضْرِ قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهِمْ، لِأَنّ التّقَرّشَ هُوَ التّجَمّعُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التّجّارُ يَتَقَارَشُونَ: يَتّجِرُونَ، وَالدّلِيلُ عَلَى اضْطِرَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ قُرَيْشًا لَمْ يَجْتَمِعُوا حَتّى جَمَعَهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ، فَلَمْ يَجْمَعْ إلّا وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ لامرية عِنْدَ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ، وَبَعْدَ هَذَا فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِأُمُورِنَا، وَأَرْعَى لِمَآثِرِنَا، وَأَحْفَظُ لِأَسْمَائِنَا، لَمْ نَعْلَمْ وَلَمْ نَدَعْ قُرَيْشًا، وَلَمْ نُهْمِمْ إلّا وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي جَمِيعِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِ الزّبَيْرِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ النّسّابِينَ نَقَلْته مِنْ كِتَابِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- ثُمّ أَلْفَيْته فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَرَأَيْت لِغَيْرِهِ أَنّ قُرَيْشًا تَصْغِيرُ الْقِرْشِ، وَهُوَ حُوتٌ فِي الْبَحْرِ يَأْكُلُ حِيتَانَ الْبَحْرِ، سُمّيَتْ بِهِ الْقَبِيلَةُ، أَوْ سُمّيَ بِهِ أَبُو الْقَبِيلَةِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَرَدّ الزّبَيْرُ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ فِي أَنّهَا سُمّيَتْ قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهَا، وَأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُرَيْشٌ إلّا فِي بَنِي فِهْرٍ رَدّا لَا يُلْزِمُ؛ لِأَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَقُلْ: إنّهُمْ بَنُو قُصَيّ خَاصّةً، وَإِنّمَا أَرَادَ أَنّهُمْ سُمّوا بِهَذَا الِاسْمِ مذجمعهم قصى، وكذا قال المبرد فى المقتصب:
إنّ هَذِهِ التّسْمِيَةَ إنّمَا وَقَعَتْ لِقُصَيّ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- غَيْرَ أَنّا قَدّمْنَا فِي قَوْلِ كَعْبِ
__________
- «أيها الشامت المبلغ عنا» وفى الطبرى ص 264 ح 2: وردت الشطرة الثانية هكذا: «عند عمرو فهل لهن انتهاء» .(1/397)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بْنِ لُؤَيّ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى قُرَيْشًا قَبْلَ مَوْلِدِ قُصَيّ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا قُرَيْشٌ تَبْغِي الْحَقّ خِذْلَانًا.
وَذَكَرَ قَوْلَ رُؤْبَةَ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشّغُوشِ. وَفَسّرَهُ: ضَرْبٌ مِنْ الْقَمْحِ، وَفَسّرَ الْخَشْلَ: رُءُوسَ الْخَلَاخِيلِ. وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: إنّمَا الْخَشْلُ: الْمُقْلُ «1» ، وَالْقُرُوشُ: مَا تَسَاقَطَ مِنْ حُتَاتِهِ، وَتَقَشّرَ مِنْهُ، وَأَنْشَدَ لُكَثَيّرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ: أَلَيْسَ أَبِي بِالصّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي.
الْبَيْتُ وَبَعْده:
رَأَيْت ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السّدَى ... بناوبهم وَالْحَضْرَمِيّ الْمُخَصّرَا
وَالْعَصْبُ: بُرُودُ الْيَمَنِ، لِأَنّهَا تُصْبَغُ بِالْعَصْبِ، وَلَا يَنْبُت الْعَصْبُ، وَلَا الْوَرْسُ إلّا بِالْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ اللّبَانُ. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. يُرِيدُ: إنّ قُدُودَنَا مِنْ قُدُودِهِمْ، فَسَدْيُ أَثْوَابِنَا، مُخْتَلِطٌ بِسَدْيِ أَثْوَابِهِمْ. وَالْحَضْرَمِيّ: النّعَالُ الْمُخَصّرَةُ الّتِي تَضِيقُ مِنْ جَانِبَيْهَا كَأَنّهَا نَاقِصَةٌ الْخَصْرَيْنِ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مُبَطّنٌ، أَيْ: ضَامِرُ الْبَطْنِ، وَجَاءَ فِي صِفَةِ نَعْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهَا كَانَتْ مُعَقّبَةً مُخَصّرَةً مُلَسّنَةً مُخَثْرَمَةً. وَالْمُخَثْرَمَةُ الّتِي لَهَا خَثْرَمَةٌ، وَهُوَ كَالتّحْدِيرِ فِي مُقَدّمِهَا وَكَانَتْ نَعْلُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- مِنْ سِبْتٍ، وَلَا يَكُونُ السّبْتُ إلّا مِنْ جِلْدِ بَقَرٍ مَدْبُوغٍ. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ وَأَبِي زَيْدٍ «2» .
__________
(1) حمل الدوم، وهو يشبه النخل، وصمغ شجرة يسمى الكور، وهو من الأدوية.
(2) معقبة لها عقب، وملسّنة: دقيقة على شكل اللسان، ومخصّرة: قطع خصراها، حتى صارا مستدقين «خصر النعل ما استدق من قدام الأذنين» ، أما-(1/398)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرِ بْنِ الْخَطَفَى:
يَرْفَعْنَ بِاللّيْلِ إذَا مَا أَسْدَفَا. ... أَعْنَاقَ جِنّانٍ وَهَامًا رُجّفَا.
وَعَنَقًا بَاقِي الرّسِيمِ خَيْطَفَا.
وَالْخَيْطَفَةُ: سُرْعَةٌ فِي الْعَدْوِ، فَإِذَا وَصَفْت بِهِ الْعُنُقَ وَالْجَرْيَ قُلْت:
عُنُقٌ خَيْطَفٌ، وَإِذَا سَمّيْت بِهِ الرّجُلَ قُلْت: خطفى، وكذلك إن جعلته
__________
- مخثرمة ففى اللسان: خرثمة النعل بفتح الخاء وكسرها وإسكان الراء وفتح الثاء: رأسها. ولم أر غير ذلك. أما الخثرمة فليس فيها إلا خثارم: الرجل المتطير. وفيه أيضا: مخثّمه معرّضة بلا رأس. وقيل: عريضة. وهذه الأوصاف وردت فى حديث رواه أبو الشيخ عن يزيد بن أبى زياد، وفى البخارى وأبى داود والترمذى وابن ماجة فى اللباس، والنسائى فى الزينة أن نعل النبى كان لها قبالان «بكسر القاف» . والقبال: هو زمام النعل، أى السير الذى يعقد فيه الشّسع الذى يكون بين الإصبعين الوسطى، والتى تليها، والمراد أنه كان لكل فردة: قبالان، وروى البخارى والترمذى فى الشمائل عن عيسى بن طهمان «بفتح الطاء وسكون الهاء» قال: «أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين جرداوين لهما قبالان» وذكر ثابت البنانى أنهما كانتا نعلى رسول الله. وفى البخارى ومسلم أن ابن عمر سئل عن لبسه النعال السّبتيّة بكسر السين وسكون التاء وكسر التاء وتشديد الياء مع فتح، أى: المدبوغة، فقال: إنى رأيت رسول الله يلبس النعال التى ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها. والسبت كما قال السهيلى: وسميت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أى: حلق وأزيل، أو لأنها سبتت بالدباغ، وقد زدت فى قصيدة كثير بيتا وضعته بين قوسين، وهو عن نسب قريش ص 11، والقدود: جمع قد: وهو القدر.(1/399)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اسْمًا لِلْمِشْيَةِ: فَهُوَ مِثْلُ: الْجَمَزَى وَالْبَشَكَى «1» .
بَنُو الْأَدْرَمِ:
وَقَوْلُهُ: وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ وَهُمْ: بَنُو الْأَدْرَمِ «2» . وَالْأَدْرَمُ: الْمَدْفُونُ الْكَعْبَيْنِ مِنْ اللّحْمِ، يُقَالُ: امرأة درماء وكعب أدرم. قال الراجز:
__________
(1) ناقة جمزى أو بشكى: سريعة خفيفة، والجنّان: جمع جان: نوع من الحيات إذا مشت رفعت رءوسها. وفى اللسان أيضا: «وعنقا بعد الكلال خيطفا» وأن اسم جد جرير عوف ويروى أبو عبيدة فى كتابه النقائض بين جرير والفرزدق ما يأتى: «وَاسْمُ الْخَطَفِيّ: حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ، وحذيفة: جد جرير» وإنما سمى الخطفى لقوله:
كلفنى قلبى، وماذا كلفا ... هواز نيّات حللن غريفا
أقمن شهرا بعد ما تصيّفا ... حتى إذا ما طرد الهيف السّفا
قرب شولا ودليلا مخشفا ... يرفعن بالليل إذا ما أسدفا
أعناق جنّان، وهاما رجّفا ... وأعينا بعد الكلال ذرّفا
وعنقا باقى الرسيم خيطفا
ج 1 ص 3 النقائض لأبى عبيدة معمر بن المثنى ط 1935 م وحكى اللسان عن ابن برى عن أبى عبيدة قوله: الخطفى جد جرير، واسمه: حذيقة بن بدر.
(2) يقول صاحب نسب قريش عن أم مالك بن النضر أنها عكرشة، وأنها أم مالك ويخلد والصلت، وعن الصلت بن النضر يقول أيضا: «من بنى مليح بن خزاعة من يزعم أنه من ولده» وأستشهد بأبيات كثير السابقة. والفوائج: فسرها صاحب نسب قريش بأنها عيون بأستار، وقيل هى رءوس الأودية.(1/400)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَامَتْ تُرِيهِ خَشْيَةَ أَنْ تُصْرَمَا ... سَاقًا بَخَنْدَاةَ وَكَعْبًا أَدْرَمًا
وَكَفَلًا مِثْلُ النّقَا أَوْ أَعْظَمَا «1»
وَالْأَدْرَمُ أَيْضًا: الْمَنْقُوضُ الذّقَنِ، وَكَانَ تَيْمُ بْنُ غَالِبٍ كَذَلِكَ، فَسُمّيَ:
الْأَدْرَمَ، قَالَهُ الزّبَيْرُ. وَبَنُو الْأَدْرَمِ هَؤُلَاءِ هُمْ: أَعْرَابُ مَكّةَ، وَهُمْ مِنْ قريش الظواهر، لامن قُرَيْشٍ الْبِطَاحِ «2» ، وَكَذَلِكَ بَنُو مُحَارِبٍ مِنْ فِهْرٍ، وبنو معيص «3» بن عامر.
__________
(1) فى اللسان. قامت تريك، وبنى تصرم للمعلوم، وساق بخنداة: عظيمة تامة، والكفل: معروف، والنقا: كثيب من الرمل. والشعر أنشده العجاج لأبى هريرة كما ورد فى بعض الأحاديث. اللسان وديوان العجاج.
(2) قريش البطاح هم: قبائل عبد مناف. بنو عبد الدار، وبنو عبد العزى وبنو عبد بن قصى، وبنو زهرة، وبنو مخزوم، وبنو تيم بن مرة، وبنو جمح وسهم، وبنو عدى، وهم لعقة الدم، وبنو عتيك بن عامر بن لؤى، وقريش الظواهر: النازلون بظهر مكة، وهم بنو محارب والحارث بن فهر، وبنو الأدرم بن غالب بن فهر، وبنو هصيص بن عامر بن لؤى. والبطاح: «هم الذين ينزلون بين أخشبى مكة وهما جبلا مكة أبو قبيس والأحمر، وجبلا منى» أكرمهما، والأحلاف من قريش بنو عبد الدار من قصى وسهم وجمح وعدى ومخزوم، والمطيبون بنو عبد مناف. وبنو أسير بن عبد العزى، وبنو زهرة، وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر. انظر ص 13 نسب قريش والمحبر ص 17 عن الأدرم والظواهر والبطاح.
(3) من المعص بفتح الميم والعين، وهو داء يصيب الرجل فى عصبه من كثرة المشى. وانظر ص 106 الاشتقاق عن الأدرم.(1/401)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَاوِيّةُ امْرَأَةُ لُؤَيّ:
وَذَكَرَ بَنِي لُؤَيّ «1» ، فَقَالَ: أُمّ عَامِرٍ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ. سُمّيَتْ بِالْمَاوِيّةِ، وَهِيَ: الْمِرْآةُ، كَأَنّهَا نُسِبَتْ إلَى الْمَاءِ لِصَفَائِهَا، وَقُلِبَتْ هَمْزَةُ الْمَاءِ وَاوًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُقْلَبَ هَاءً «2» فَيُقَال: مَاهِيّةٌ، وَلَكِنْ شَبّهُوهُ بِمَا الْهَمْزَةُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ، لَمّا كَانَ حُكْمُ الْهَاءِ أَنْ لَا تُهْمَزَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَلَمّا شُبّهَتْ بِحُرُوفِ الْمَدّ وَاللّينِ، فَهَمَزُوهَا لِذَلِكَ، اُطّرِدَ فِيهَا ذَلِكَ الشّبَهُ، وَيَحْتَمِلُ اسْمُ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَيْته، إذَا ضَمَمْته إلَيْك، يُقَالُ: أَوَيْت مِثْلُ: ضَمَمْت، وَآوَيْته مِثْلُ: آذَيْته، ثُمّ يُقَالُ فِي الْمَفْعُولِ مِنْ أَوَيْته عَلَى وَزْنِ فَعَلْت: مَأْوِيّ وَالْمَرْأَةُ مَأْوِيّةٌ، ثُمّ تُسَهّلُ الْهَمْزَةُ، فَتَكُونُ أَلِفًا سَاكِنَةً.
وَخَالَفَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي أُمّ عَامِرٍ فَقَالَ: مَخْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَمَاوِيّةُ: أُمّ سَائِرِ بَنِيهِ غَيْرَ عَامِرٍ.
بُنَانَةُ وَعَائِذَةُ وَبَنُو نَاجِيَةَ وَذُبْيَانُ وَسَامَةُ:
وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ لُؤَيّ وَأَنّهُمْ: بُنَانَةُ فِي شَيْبَانَ، عُرِفُوا بِحَاضِنَةِ لَهُمْ اسْمُهَا: بُنَانَةُ، وَكَانَ بَنُو ضُبَيْعَةَ قَدْ ادّعَوْهُمْ، وَهُوَ ضُبَيْعَةُ أَضْجَمُ «3» بن ربيعة، لا ضبيعة «4»
__________
(1) فى الجمهرة عن كعب وعامر: وهذان الصريحان من ولد لؤى. وفى كعب: البيت والعدد. وماوية وجسر فى نسب قريش: مارية وجسر بن شيع الله.
(2) لأن الهاء هى أصل الهمزة فى ماء.
(3) فى الأصل: أضجح
(4) فى الاشتقاق: ضبيعة بن أسد بن ربيعة، وفى إحدى نسخه ضبيعة هو ابن ربيعة، وأسد: أخو ضبيعة، وضبيعة هو: أضجم ص 313. وفى المحبرّ ص 235-(1/402)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن أُقَيْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، قَدِمُوا عَلَيْهِ، وَفِيهِمْ سَيّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ:
أَبُو الدّهْمَاءِ، فَكَلّمَ أَبُو الدّهْمَاءِ عُمَرَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ بِقُرَيْشِ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ عُثْمَانُ عَنْ أَبِيهِ عَفّانَ: أَنّهُ حَدّثَهُ بِصِحّةِ نَسَبِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ، وَسَبَبِ خُرُوجِهِمْ عَنْهُمْ، فَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتُوهُ الْعَامَ الْقَابِلَ، فَيَلْحَقَهُمْ، فَقُتِلَ أَبُو الدّهْمَاءِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ، وَشُغِلُوا بِأَمْرِهِ، حَتّى مَاتَ عُمَرُ، فَأَلْحَقَهُمْ عُثْمَانُ بِقُرَيْشِ، فَلَمّا كَانَ عَلِيّ نَفَاهُمْ عن قريش، وردّهم إلى شيبان فقال شاعر:
ضَرَبَ التّجِيبِيّ الْمُضَلّلَ ضَرْبَةً ... رَدّتْ بُنَانَةُ فِي بنى شيبانا «1»
__________
- لابن حبيب عن الضبيعات: كلهما من ربيعة ضبيعة بن قيس بن ثعلبة أشرفهن ضبيعة أضجم بن ربيعة بن نزار ضبيعة بن عجل بن لجيم.
(1) التجيبى نسبة إلى تجيب- بضم تائه وكسر جيمه- وقد تفتح التاء: بطن من كندة: منهم: كنانة بن بشير التجيبى قاتل عثمان، وهو المقصود بكلمة التجيبى فى بيتى الروض. والقصيدة المنسوبة فى السيرة إلى سامة بن لؤى نسبها صاحب الأغانى إلى أخى سامة يرثيه بها، وهى فى ترجمة على بن الجهم، وفيه عن ولد سامة: أن سامة حين مات تزوجت امرأته رجلا من أهل البحرين، فولدت الحارث وسعت لتلحقه بقريش، فصدق كعب أخو سامة أمر الحارث، ثم عرف بعد ذلك أمره، فنفاه عنه فرجع الحارث إلى البحرين، وهناك تزوج الحارث، وأعقب هذا العقب، أما ابن الكلبى فيزعم أن سامة ولد غالبا، وأن أمه ناجية، فلما هلك سامة خلف ابنه الحارث عليها، ثم هلك ابنا سامة، ولم يعقبا، وأن قوما من بنى ناجية بنت جرم بن ربان علاف ادعوا أنهم بنو سامة، وهم الذين باعهم على بن أبى طالب إلى مصقلة، أما الزبير بن بكار فإنه أدخل بنى ناجية فى قريش، وسماهم: قريشا العازبة؛ لأنهم عزبوا عن قومهم، فنسبوا إلى أمهم ناجية بنت جرم بن ربّان، وهو علاف. ويزعم الأصفهانى أن الزبير إنما أدخلهم فى نسب قريش حبا فى مخالفة على بن أبى طالب هذا، وبنو ناجية كانوا قدار تدوا عن الإسلام، -(1/403)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْعَائِذِيّ لِمِثْلِهَا مُتَوَقّعٌ ... لِمَا يَكُنْ، وَكَأَنّهُ قَدْ كَانَا
لَخّصْت هَذَا الْخَبَرَ مِنْ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ، وَالْبُنَانَةُ فِي اللّغَةِ: الرّائِحَةُ الطّيّبَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبُنَانَةُ: الرّوْضَةُ المعشبة الحالية، أى:
__________
- فلما تولى على دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم، وبقى الآخرون على الردة، فسباهم واسترقهم، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة، ويروى ابن أبى الحديد أن مصقلة بعد أن ابتاع سبى بنى ناجية أعتقه، فلما طالبه بالمال خاس به- أى غدر- وهرب إلى الشام، كذلك يقول ابن أبى الحديد أنه وجد فى جمهرة النسب لابن الكلبى كلاما قد صرح فيه بأن سامة بن لؤى أعقب، فقال ولد سامة بن لؤى: الحارث، وأمه هند بنت تيم وغالب بن سامة، وأمه ناجية بنت جرم بن زبان من قضاعة، فهلك غالب بعد أبيه، وهو ابن ثنتى عشرة سنة، فولد الحارث ابن سامة لؤيا وعبيدة وربيعة وسعدا، وأمهم: سلمى بنت تيم بن شيبان وأمه: ناجية بنت جرم خلف عليها الحارث بعد أبيه بنكاح مقت، فهم الذين قتلهم على ص 327 ح 1 شرح نهج البلاغة ط 3 لبنان لعز الدين أبى حامد الشهير بابن أبى الحديد، واسمه: عبد الحميد بن هبة الله بن محمد. ويروى أبو القاسم الزجاجى عن قصيدة «علقت ساق الخ» شيئا آخر هو أن سامة نزل على رجل من الأزد، فهويته امرأته، وعرف زوجها، فوضع السم لسامة فى حلاب ناقة، فغمزته المرأة، فهراق اللبن، وخرج يسير، فبينما هو يسير، هوت ناقته إلى عرفجة، فانتشلتها، وفيها أفعى، فنفحتها، فرمت بها على ساق سامة، فنهشتها، فمات، فقالت المرأة الأزدية هذه القصيدة تبكيه بها ص 34 أمالى الزجاج لأبى القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجى ط 1324، وفى أمالى الزجاج تختلف القصيدة عما فى السيرة اختلافا يسيرا. مثل: «ما جد ما خرجت من غير ناقة» بدلا من «غالبى خرجت من غير ناقة» .(1/404)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فد حُلّيَتْ بِالزّهْرِ «1» .
وَذَكَرَ خُزَيْمَةَ بْنَ لُؤَيّ، وَأَنّهُمْ انْتَسَبُوا فِي شَيْبَانَ، وَيُعْرَفُونَ بِأُمّهِمْ عَائِذَةَ، قَالَ:
وَعَائِذَةُ مِنْ الْيَمَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ بِنْتُ الْخِمْسِ «2» بْنِ قُحَافَةَ مِنْ خَثْعَمَ وُلِدَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مَالِكًا وَحَارِثًا، فَهُمْ بَنُو خُزَيْمَةَ عَائِذَةَ [قُرَيْشٌ] ، وَمِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ أَيْضًا: بَنُو حَرْبِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَتَلَتْهُمْ الْمُسَوّدَةُ فِي قَرْيَتِهِمْ بِالشّامِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَهُمْ بَنِي حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ «3» .
وَذَكَرَ بِنْتَ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ «4» . وَبِنْتُ جَرْمَ هى: ناجية، واسمها: ليلى، وجرم أبو
__________
(1) فى الاشتقاق عن بنانة ص 107 أنها مشتقة من البنة بفتح الباء وتضعيف النون المفتوحة، وهى الرائحة الطيبة، أو موضع مرابض الغنم، وأن سعدا هو الذى كان يطلق عليه بنانة، وهو لقب لأمة سوداء حضنت أولاد سعد، وفى نسب قريش ص 13 عن أم بنى لؤى أنها مارية بنت كعب بن القين بن جسر، وكلامه عن سعد عين ما هنا.
(2) الخمس فى اللغة بكسر الخاء: ظمء من أظماء الإبل، وهو أن ترد يوما ثم ترعى ثلاثا، ثم تطلب الماء يوما، وترد فى اليوم الخامس، وكذلك السّدس إلى العشر، وهو آخر الأظماء، والواحد: ظمء بكسر الظاء.
(3) المسودة هم الذين قاموا مع أبى مسلم الخراسانى ضد بنى أمية لإقامة دولة بنى العباس- أو دولة فارسية- كما كان يريد أبو مسلم، وكان شعارهم اللون الأسود، فكانت راياتهم سودا، وكذلك ثيابهم، ويعبر بروكلمان عما فعل هؤلاء بأهل الشام، فيقول: «فى بلاد الشام كان رجالهم يتصيدون أفراد هذا البيت، ويبيدونهم كالوحوش الضارية، ولم تسلم من انتقامهم قبور الخلفاء نفسها، فانتهكوا حرمتها جميعا» ص 206 ج 1 تاريخ الشعوب الإسلامية ط لبنان.
(4) فى القاموس عن ربان أنها على وزن كتّان ثم قال: «وليس فى العرب ربان غيره، ومن سواه بالزاى، وفى جمهره ابن حزم: أنه حزم «بالحاء المفتوحة-(1/405)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جُدّةَ الّذِي نَزَلَ جُدّةَ مِنْ سَاحِلِ الْحِجَازِ، فَعُرِفَتْ بِهِ، كَمَا عُرِفَتْ كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ بِمَنْ نَزَلَهَا مِنْ الرّجَالِ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ كَثِيرٌ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَرَبّانُ هُوَ: عِلَافٌ الّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ الرّحَالُ الْعِلَافِيّةُ.
وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ ذُبْيَانَ، وَقِصّتُهُ مَعَ عَوْفِ بْنِ لُؤَيّ وَذُبْيَانَ بْنِ بِغِيضِ:
بِكَسْرِ الذّالِ وَضَمّهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ: ذُبْيَانُ بْنُ بِغِيضِ فِي قَيْسٍ، وَذُبْيَانُ بْنُ ثَعْلَبَةَ فِي بَجِيلَةَ، وَذُبْيَانُ فِي قُضَاعَةَ، وَذُبْيَانُ فِي الْأَزْدِ.
وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِ اشْتِقَاقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ: أَنّ ذُبْيَانَ فُعْلَانُ [أَوْ فِعْلَانُ] مِنْ ذَبَى الْعُودُ يَذْبِي [ذَبْيًا إذَا لَانَ وَاسْتَرْخَى «1» ] . يُقَالُ: ذَبَى الْعُودُ، وَذَوَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدُ بَنِيهِ، فَانْتَسَبَ لَهُ إلَى سَامَةَ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: آلشّاعِرِ بِخَفْضِ الرّاءِ مِنْ الشّاعِرِ، كَذَا قَيّدَهُ أَبُو بَحْرٍ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ بِالْخَفْضِ، وَهُوَ الصّحِيحُ؛ لِأَنّهُ مَرْدُودٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَأَنّهُ مُقْتَضَبٌ مِنْ كَلَامِ الْمُخَاطَبِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ لَا يَعْمَلُ مَا قَبْلَهُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَلَكِنّ الْعَامِلَ مُقَدّرٌ بَعْدَ الْأَلِفِ، فَإِذَا قَالَ لَك الْقَائِلُ:
قَرَأْت عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا، فَقُلْت: آلْعَالِمِ بِالِاسْتِفْهَامِ، كَأَنّك قُلْت لَهُ: أَعَلَى العالم،
__________
- والزاى الساكنة» بن زبان بالزاى المفتوحة والباء المضعفة، وسأكتبها بالأمرين.
(1) فى الاشتقاق أنه على فعلان بضم أو كسر الفاء وسكون الباء، وذبى يذبى: إذا لان واسترخى وذبى العود مثل ذوى والزيادة من الاشتقاق ص 275.(1/406)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَنَظِيرُ هَذَا أَلِفُ الْإِنْكَارِ إذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَرَرْت بِزَيْدِ، فَأَنْكَرْت عَلَيْهِ، فَقُلْت أَزَيْدَنِيهِ بِخَفْضِ الدّالِ، وَبِالنّصْبِ إذَا قَالَ: رَأَيْت زَيْدًا، قُلْت: أَزَيْدَنِيهِ، وَكَذَلِكَ الرّفْعُ. وَمِنْ بَنِي سَامَةَ هَذَا: مُحَمّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ الْيَزِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيّ، وبنو سامة ابن لؤى: زعم بعض النساب أنهم أَدْعِيَاءٌ، وَأَنّ سَامَةَ لَمْ يُعَقّبْ، وَقَالَ الزّبَيْرُ:
وَلَدَ سَامَةُ: غَالِبًا وَالنّبِيتَ وَالْحَارِثَ. وَأُمّ غَالِبٍ: نَاجِيَةُ بِنْتُ جَرْمِ بْنِ زَبّانَ، وَاسْمُهَا: لَيْلَى «1» سُمّيَتْ: نَاجِيَةً؛ لِأَنّهَا عَطِشَتْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَجَعَلَ زَوْجُهَا يَقُولُ لَهَا:
اُنْظُرِي إلَى الْمَاءِ، وَهُوَ يُرِيهَا السّرَابَ حَتّى نَجَتْ، فَسُمّيَتْ: نَاجِيَةً، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ [بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ] أَبُو الصّدّيقِ النّاجِي الّذِي يَرْوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَأَبُو الْمُتَوَكّلِ النّاجِي، وَكَثِيرًا مَا يُخَرّجُ عَنْهُ التّرْمِذِيّ، وَكَانَ بَنُو سَامَةَ بِالْعِرَاقِ أَعْدَاءً لِعَلِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- وَاَلّذِينَ خَالَفُوا عَلِيّا مِنْهُمْ: بَنُو عَبْدُ الْبَيْتِ، وَمِنْهُمْ:
عَلِيّ بْنُ الْجَهْمِ الشّاعِرُ قِيلَ: إنّهُ كَانَ يَلْعَنُ أَبَاهُ لَمّا سَمّاهُ عَلِيّا بُغْضًا مِنْهُ فِي عَلِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- ذَكَرَهُ المسعودى «2» .
__________
(1) فى الجمهرة لابن حزم أن سامة قد ولد الحارث، وأمه: هند بنت تيم الأدرم، وغالبا أيضا، وأمه ناجية بنت حزم بن زبان إليها نسب ولد زوجها، فهم بنو ناجية، ولا عقب لغالب، وإنما العقب لأخيه الحارث خلف على ناجية فنسب ولده إليها، وفى ترجمة على بن الجهم فى الأغانى قصة ناجية.
(2) فى جمهرة ابن حزم: «وبنو ناجية الذين قتلهم على- رضى الله عنه على الردة، وسباهم- من بنى أسامة، ومنهم على بن الجهم» ص 12.. وانظر ص 418 ج 2 مروج، ففيها ما قاله السهيلى عن ابن الجهم.. وفى نفس الصفحة يقول: «ولست تكاد ترى ساميا إلا منحرفا عن على. ويذكر أن الحارث بن راشد الناجى ارتد إلى دين النصرانية ومعه ثلثمائة، كما يذكر أن كثيرا من الناس يقررون أن سامة بن لؤى أعقب، وانظر ص 440 نسب قريش عن ولد سامة. أما عبد البيت: فهو ولد الحارث بن سامة بن لؤى(1/407)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرّسُولُ وَالْمُرْسَلُ وَقَوْلُهُ: بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا. يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مَفْعُولٌ:
بِبَلّغَا إذَا جَعَلَتْ الرّسُولَ بِمَعْنَى: الرّسَالَةِ، كَمَا قَالَ الشّاعِرُ:
لَقَدْ كَذّبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ ... بِلَيْلَى، وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ
أَيْ: بِرِسَالَةِ، وَإِنّمَا سَمّوْا الرّسَالَةَ: رَسُولًا إذَا كَانَتْ كِتَابًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكِتَابِ مِنْ شِعْرٍ مَنْظُومٍ، كَأَنّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الشّعْرَ مَقَامَ الْكِتَابِ، فَتَبْلُغُهُ الرّكْبَانُ: كَمَا تَبْلُغُ الْكِتَابَ يُعْرِبُ عَنْ ضَمِيرِ الْكَاتِبِ كَمَا يُعْرِبُ الرّسُولُ، وَكَذَلِكَ الشّعْرُ الْمُبَلّغُ، فَسُمّيَ: رَسُولًا. وَبَيْنَ الرّسُولِ وَالْمُرْسَلِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي فَهْمِ قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النّسَاءُ: 79] فَإِنّهُ لَا يَحْسُنُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقَالَ: أَرْسَلْنَاك مُرْسَلًا، وَلَا نَبّأْنَاك تَنْبِيئًا، كَمَا لَا يَحْسُنُ: ضَرَبْنَاك مَضْرُوبًا، وَلِكَشْفِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيضَاحِهِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَاخْتِصَارُ الْقَوْلِ فِيهِ: أَنْ لَيْسَ كُلّ مُرْسَلٍ رَسُولًا، فَالرّيَاحُ مُرْسَلَاتٌ، وَالْحَاصِبُ مُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ كُلّ عَذَابٍ أَرْسَلَهُ اللهُ، وَإِنّمَا الرّسُولُ اسْمٌ لِلْمُبَلّغِ عَنْ الْمُرْسِلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا؛ إذْ قَدْ يُعَبّرُ بِالْوَاحِدِ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اللّفْظِ، تَقُولُ: أَنْتُمْ رَسُولِي، وَهِيَ رَسُولِي، تُسَوّي بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ وَالْمُذّكّرِ والمؤنث. وفى التنزيل: أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا
«1» ِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: 16] فيكون المفعول
__________
(1) الأمر لموسى وهرون.(1/408)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى هَذَا: أَنّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَةٌ، وَيَكُونُ أَنْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوّلِ بَدَلًا مِنْ رَسُولٍ أَيْ: رِسَالَةً.
وَقَوْلُهُ: وَخَرُوسِ السّرَى تَرَكْت رَذِيّا. إنْ خَفَضْت فَمَعْنَاهُ: رُبّ خَرُوسِ السّرَى تَرَكْت، فَتَرَكْت فِي مَوْضِعِ الصّفَةِ لِخَرُوسِ، وَإِنْ نَصَبْت جَعَلْتهَا مَفْعُولًا بِتَرَكْت، وَلَمْ يَكُنْ تَرَكْت فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ؛ لِأَنّ الصّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَوْصُوفِ، وَالسّرَى: فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لِخَرُوسِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقُولُ: نَامَ لَيْلُك. يُرِيدُ: نَاقَةً صَمُوتًا صَبُورًا عَلَى السّرَى، لَا تَضْجَرُ مِنْهُ، فَسُرَاهَا كَالْأَخْرَسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
كَتُومٌ إذَا ضَجّ الْمَطِيّ، كَأَنّمَا ... تَكَرّمَ عَنْ أَخْلَاقِهِنّ وَتَرْغَبُ
وَقَوْلُ الْأَعْشَى:
كَتُومُ الرّغَاءِ إذَا هَجّرَتْ ... وَكَانَتْ بَقِيّةُ ذَوْدٍ كُتُمْ «1»
وَإِنّمَا قَالَ: خَرُوسٌ فِي معنى الأخرس؛ لأنه أراد كتوم، فجاء به على وزنه. قال البرقىّ: وكانت مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبٍ تُحِبّ سَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إخْوَتِهِ، وَكَانَتْ تَقُولُ، وَهِيَ تُرْقِصُهُ صَغِيرًا:
وَإِنّ ظَنّي بِابْنِي إنْ كَبَنْ ... أَنْ يَشْتَرِيَ الْحَمْدَ، ويغلى بالثّمن
__________
(1) ذود: تقال عن ثلاثة أبعرة إلى العشرة أو خمس عشرة أو عشرين وثلاثين، أو ما بين الثنتين والتسع مؤنث، ولا يكون إلا من الإناث، وهو واحد، أو جمع لا واحد له، أو واحد، والجمع: أذواد. وكتم جمع كتوم: الناقة لا تشول بذنبها. وقد دخل بيتا الشعر فى قصة حدثت فى مجلس ليزيد بن المهلب، اقرأها ص 417 سمط اللآلئ(1/409)
[أمر عوف بن لؤى ونقلته]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيّ فَإِنّهُ خَرَجَ- فِيمَا يُزْعِمُونَ- فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ، فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ- ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن بغيض بن ريث بن غطفان.
وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ- فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ وَآخَاهُ، فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ. وَثَعْلَبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- الّذِي يَقُولُ لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ، فَتَرَكَهُ قَوْمُهُ:
احْبِسْ عَلَيّ ابْن لُؤَيّ جَمَلَكْ ... تركك القوم ولا مترك لك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَهْزِمُ الْجَيْشَ إذَا الْجَيْشُ أَرْجَحَن ... وَيُرَوّي الْعَيْمَانَ مِنْ مَحْضِ اللّبَنْ «1»
يُقَالُ: كَبَنَ وَأَكْبَنَ: إذَا اشْتَدّ.
وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرٍ لِبَنِي جُشَمِ «2» بْنِ لُؤَيّ:
بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهَزّانَ، فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ
يُقَالُ إنّهُمْ أَعْطَوْا جَرِيرًا عَلَى هَذَا الشّعْرِ أَلْفَ عِيرٍ رُبَيّ، وَكَانُوا يَنْتَسِبُونَ إلَى رَبِيعَةَ، فَمَا انْتَسَبُوا بعد إلا لقريش.
__________
(1) ارجحن: مال واهتز، والعيمة بفتح العين: شهوة اللبن والعطش وهو عيمان، وهى عيمى، وفى نسب مرة بن عوف، يقول ابن حزم فى الجمهرة.. مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن غطفان بن قيس عيلان، وفى الاشتقاق: ذبيان بغيض بن غطفان
(2) كان جشم- وهو الحارث بن لؤى- قد دخلوا فى نزار من عنزة، ثم من ربيعة.(1/410)
[ «مكانة مرة ونسبه وسادات مرة» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، أَوْ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ: لَوْ كُنْت مُدّعِيًا حَيّا مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادّعَيْت بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، إنّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرّجُلِ حيث وقع، يعنى: عوف بن لؤىّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ: مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ ابن بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ. وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النّسَبُ:
مَا نُنْكِرُهُ، وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنّهُ لَأَحَبّ النّسَبِ إلَيْنَا.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفِ حِينَ هَرَبَ مِنْ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فلحق بقريش:
فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشّعُرِ الرّقَابَا
وَقَوْمِي- إنْ سَأَلْت- بَنُو لُؤَيّ ... بِمَكّةَ عَلّمُوا مُضَرَ الضّرَابَا
سَفِهْنَا بِاتّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا انْتِسَابَا
سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ لِمَا تُرَوّى ... هَرَاقَ الْمَاءَ، وَاتّبَعَ السّرَابَا
فَلَوْ- طُووِعْت- عَمْرَك- كُنْت فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيت أَنْتَجِعُ السّحَابَا
وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فقال [أبو زيد] الحصين بن الحمام [بن ربيعة] الْمُرّيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرّةَ يردّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ، وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/411)
أَلَا لَسْتُمْ مِنّا، وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
أَقَمْنَا عَلَى عِزّ الْحِجَازِ، وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
يَعْنِي: قُرَيْشًا. ثُمّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ، وَعَرَفَ مَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ، وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَقَالَ:
نَدِمْت عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيّنْتُ فِيهِ أَنّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ
فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ، وَنِصْفٌ عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ
أَبُونَا كِنَانِيّ بِمَكّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
لَنَا الرّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ
أَيْ أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً: كَعْبًا، وَعَامِرًا، وَسَامَةَ، وَعَوْفًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ بَنِي مُرّةَ: إنْ شِئْتُمْ أن ترجعوا إلى نسبكم، فارجعوا إليه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، هُمْ سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ.
مِنْهُمْ: هَرِمُ بْنِ سنان بن أبى حارثة، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَالْحَارِثُ ابن عَوْفٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ بن حرمله ... يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/412)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الأبيات لعامر الخصفىّ: خصفة ابن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حرمله ... يوم الهبا آت ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
وَرُمْحُهُ للوالدات مثكله
وَحَدّثَنِي أَنّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ: قُلْ فِيّ بَيْتًا جَيّدًا أُثِبْكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوّلَ، فَلَمْ يُعْجِبْ هَاشِمًا، ثُمّ قَالَ الثّانِيَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، ثُمّ قَالَ الثّالِثَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، فلما قال الرابع:
يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
أَعْجَبَهُ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِك الذى أراد الكميت بن زيد [بن الأخنس الأسدى فِي قَوْلِهِ:
وَهَاشِمَ مُرّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ وَمُذْنِبِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. وقول عامر: يوم الهباءات. عن غير أبى عبيد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كُلّهَا، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ، وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/413)
[أمر البسل]
والبسل- فيما يزعمون- نسيئهم ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ، لَهُمْ مِنْ كُلّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ قَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهُمْ الْعَرَبُ لَا يُنْكِرُونَهُ، وَلَا يَدْفَعُونَهُ، يَسِيرُونَ بِهِ إلى أىّ بلاد العرب شاءوا، ولا يَخَافُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، يَعْنِي بَنِي مُرّةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَيُقَالُ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى مِنْ غَطَفَانَ، وَيُقَالُ: حَلِيفٌ فى غطفان.
تَأَمّلْ، فَإِنْ تُقْوِ الْمَرُورَاةَ مِنْهُمْ ... وَدَارَاتِهَا لَا تُقْوِ مِنْهُمْ إذًا نَخْل
بِلَادٌ بِهَا نَادِمَتُهُمْ وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهم بسل
أى: حرام. يَقُولُ: سَارُوا فِي حَرَمِهِمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلّ لَكُمْ وَحَلِيلُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة له.
[ «أولاد كعب ومرة وأمهاتهم» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ ثلاثة نفر: مرّة بن كعب، وعدىّ ابن كَعْبٍ، وَهُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ. وَأُمّهُمْ: وَحْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بن النضر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/414)
فَوَلَدَ مُرّةُ بْنُ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: كِلَابَ بن مرّة، وتيم بن مرّة، ويقظة ابن مُرّةَ.
فَأُمّ كِلَابٍ: هِنْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ [فِهْرِ بْنِ] مَالِكِ ابن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَأُمّ يَقَظَةَ: الْبَارِقِيّةُ، امْرَأَةٌ مِنْ بَارِقٍ، مِنْ الْأَسْدِ مِنْ الْيَمَنِ. وَيُقَالُ: هى أم تيم. ويقال: تيم هند بنت سرير أم كلاب.
[ «نَسَبُ بَارِقٍ» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَارِقٌ: بَنُو عَدِيّ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بن حارثة ابن امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَهُمْ فِي شَنُوءَةَ.
قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
وَأَزْدُ شَنُوءَةَ انْدَرَءُوا عَلَيْنَا ... بِجُمّ يَحْسِبُونَ لَهَا قُرُونَا
فَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ: قَدْ أَسَأْتُمْ ... وَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ: أَعْتِبُونَا
قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنّمَا سُمّوا بِبَارِقَ؛ لِأَنّهُمْ تَبِعُوا الْبَرْقَ.
[ «وَلَدَا كِلَابٍ وَأُمّهُمَا» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِلَابُ بْنُ مُرّةَ رَجُلَيْنِ: قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ، وزهرة ابن كِلَابٍ. وَأُمّهُمَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ أحد الْجَدَرَةِ، مِنْ جُعْثُمَةَ.
الْأَزْدِ، مِنْ الْيَمَنِ، حُلَفَاءُ فِي بَنِي الدّيْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ.
[ «نَسَبُ جُعْثُمَةَ» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ الأسد، وجعثمة الأزد، وهو جعثمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/415)
ابن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ دُهْمَانَ بن نصر بن زهران بن الحارث ابن كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ ابن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ.
وَإِنّمَا سُمّوا الْجَدَرَةَ؛ لِأَنّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جعثمة تزوّج بنت الحارث ابن مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ، وَكَانَتْ جُرْهُمُ أَصْحَابَ الْكَعْبَةِ. فَبَنَى للكعبة جدارا، فسمّى عامر بِذَلِك: الْجَادِرِ، فَقِيلَ لِوَلَدِهِ: الْجَدَرَةُ لِذَلِك.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ بْنِ سَيَلٍ يَقُولُ الشّاعِرُ:
مَا نَرَى فِي النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ
فَارِسًا أَضْبَطَ، فِيهِ عُسْرَةٌ ... وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلَ
فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا اسْتَدْرَجَ ... الْحُرّ الْقَطَامِيّ الْحَجَل
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: كَمَا اسْتَدْرَجَ الْحُرّ. عن بعض أهل العلم بالشعر.
[ «عود إلى أَوْلَادِ كِلَابٍ» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُعْمُ بِنْتُ كلاب، وهى أم سعد وَسُعَيْدٍ ابْنَيْ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَأُمّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ سعد بن سيل.
[ «أولاد قصى وعبد مناف وأمهاتهم» ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ أربعة نفر وامرأتين: عبد مناف ابن قصىّ، وَعَبْدَ الدّارِ بْنَ قُصَيّ، وَعَبْدَ الْعُزّى بْنَ قصىّ، وعبد بْنَ قُصَيّ، وَتَخْمُرَ بِنْتَ قُصَيّ، وَبَرّةَ بِنْتَ قُصَيّ. وَأُمّهُمْ: حُبَيّ بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/416)
قال ابن هشام: ويقال: حبشية بن سلول.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيّ- أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدَ شَمْسِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْمُطَلّبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمّهُمْ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بن ثعلبة ابن بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ، وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمّهُ: وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْمَازِنِيّةُ. مَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ شِعْرَ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ. وَقَوْلُهُ «1» : سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ، وَهُوَ الْمُسْتَقِي [لِلْمَاءِ] ، وَفِيهِ لَمْ يَذْكُرْ:
لَعَمْرُك إنّنِي لَأُحِبّ كَعْبًا ... وَسَامَةَ إخْوَتِي حُبّي الشّرَابَا
وَقَوْلُهُ: وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رَحْلِي بِنَاجِيَةِ. أَيْ: بِنَاقَةِ سَرِيعَةٍ يُقَالُ: خَشّ السّهْمَ بِالرّيْشِ، إذَا رَاشَهُ بِهِ، فَأَرَادَ: رَاشَنِي وَأَصْلَحَ رَحْلِي بِنَاجِيَةِ، وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابًا بِمَدْحِهِ بِذَلِكَ. وَرَوَاحَةُ هذا: هو رواحة بن منقذ ابن مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ كَانَ قَدْ رَبَعَ فِي الْجَاهِلِيّةِ أَيْ: رَأَسَ، وَأَخَذَ الْمِرْبَاعَ «2» .
وَقَوْلُهُ: لَوْ طُووِعْت عَمْرَك كُنْت فِيهِمْ، وَنَصَبَ عَمْرَك عَلَى الظرف.
__________
(1) بدأ يشرح قصيدة الحارث بن ظالم.
(2) نسب رواحة فى كتاب نسب قريش: رواحة بن منقذ- فى الروض كانت دالا- بن عمرو بن معيص الخ ص 437. والمرباع: كانوا فى الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا، وغنموا، أخذ الرئيس ربع الغنيمة يقول شاعرهم:
لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصّفَايَا ... وَحُكْمُك وَالنّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ
الصفايا: ما يصطفيه الرئيس، والنشيطة: ما أصاب من الغنيمة قبل أن يصير إلى مجتمع الحى، والفضول: ما عجز أن يقسم لقلته، وخص به.(1/417)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: وَمَا أَلْفَيْت أَنْتَجِعُ السّحَابَا. أَيْ: كَانُوا يُغْنُونَنِي بِسَيْبِهِمْ وَمَعْرُوفِهِمْ عَنْ انْتِجَاعِ السّحَابِ، وَارْتِيَادِ الْمَرَاعِي فِي الْبِلَادِ.
وَقَوْلُ الْحَصِينِ: بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ: أَيْ حَيْثُ تَعْتَلِجُ السّيُولِ، وَالِاعْتِلَاجُ عَمَلٌ بِقُوّةِ، قَالَ الشّاعِرُ:
لَوْ قُلْت لِلسّيْلِ دَعْ طَرِيقَك وَالٍ ... سّيْلُ كَمِثْلِ الْهِضَابِ يَعْتَلِجُ
وَفِي الْحَدِيثِ: إنكما علجلن، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا «1» ، وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ الدّعَاءَ لَيَلْقَى الْبَلَاءَ نَازِلًا مِنْ السّمَاءِ، فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: يَتَدَافَعَانِ بِقُوّةِ.
وَقَوْلُهُ: لَنَا الرّبُعُ بِضَمّ الرّاءِ، يُرِيدُ: أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً: أَحَدُهُمْ: أَبُوهُمْ، وَهُوَ عَوْفٌ، وَبَنُو لُؤَيّ هُمْ: أَهْلُ الْحَرَمِ، وَلَهُمْ وِرَاثَةُ الْبَيْتِ. وَالْأَخَاشِبُ:
جِبَالُ مَكّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِكُلّ جَبَلٍ: أَخْشَبُ، أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ:
كَأَنّ فَوْقَ مَنْكِبَيْهِ أَخْشَبَا
وَذَكَرَ خَارِجَةَ بْنَ سِنَانٍ الّذِي تَزْعُمُ قيس أن الجنّ اختطفته لتستفحله «2» نساؤها لِبَرَاعَتِهِ وَنَجْدَتِهِ، وَنَجَابَةِ نَسْلِهِ، وَقَدْ قَدِمَتْ بِنْتُهُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهَا:
مَا كَانَ أَبُوك أَعْطَى زُهَيْرًا حِينَ مَدَحَهُ، فَقَالَتْ: أَعْطَاهُ مَالًا وَرَقِيقًا وَأَثَاثًا أَفْنَاهُ الدّهْرُ، فَقَالَ: لَكِنْ مَا أَعْطَاكُمْ زُهَيْرٌ لَمْ يُفْنِهِ الدّهْرُ، وَكَانَ خَارِجَةُ بقيرا
__________
(1) العلج: الرجل القوى الضخم، فعالجا: أى مارسا العمل الذى ندبتكما إليه، واعملا به.
(2) أى لتجعله كل منهن فى مكان الزوج منها، والقول خرافة.(1/418)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَمَرَتْ أُمّهُ عِنْدَ مَوْتِهَا أَنْ يُبْقَرَ بَطْنُهَا عَنْهُ، فَفَعَلُوا فَخَرَجَ حَيّا، فَسُمّيَ خَارِجَةَ، وَيُقَالُ لِلْبَقِيرِ: خِشْعَةُ، قَالَ الْحَطِيئَةُ يَعْنِي خَارِجَةَ بْنِ سِنَانٍ:
لَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُ ابْنِ خِشْعَةَ أَنّهَا ... مَتَى مَا يَكُنْ يَوْمًا جِلَادٌ تُجَالِدُ
وَقَوْلُ عَامِرٍ: تَرَى الْمُلُوكَ حَوْلَهُ مُغَرْبَلَهْ. قِيلَ مَعْنَاهُ: مُنْتَفِخَةٌ، وَذَكَرُوا أَنّهُ يُقَالُ: غَرْبَلَ الْقَتِيلُ إذَا انْتَفَخَ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ «1» وَإِنْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، وَأَيْضًا: فَإِنّ الرّوَايَةَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مُغَرْبَلَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: يَتَخَيّرُ الْمُلُوكَ فَيَقْتُلُهُمْ، وَاَلّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ أَنّهُ يُرِيدُ بِالْغَرْبَلَةِ اسْتِقْصَاءَهُمْ، وَتَتْبَعُهُمْ، كَمَا قَالَ مَكْحُولٌ الدّمَشْقِيّ: وَدَخَلَتْ الشّامَ، فَغَرْبَلْتهَا غَرْبَلَةً، حَتّى لَمْ أَدَعْ عِلْمًا إلّا حَوَيْته، فِي كل ذلك أسئل عَنْ الْبَقْلِ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَمَعْنَى هَذَا: التّتَبّعُ وَالِاسْتِقْصَاءُ، وَكَأَنّهُ مِنْ غَرْبَلْت الطّعَامَ. إذَا تَتَبّعْته بِالِاسْتِخْرَاجِ، حَتّى لَا تَبْقَى إلّا الْحُثَالَةُ. وَقَوْلُهُ:
يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ «2»
إنما أعجب هاشما هذا البيت؛ لأنه
__________
(1) المغربل اسم مفعول- المقتول المنتفخ. وعند الخشنى ص 35 «مغربلة: مقتولة. يقال: غربل إذا قتل أشراف الناس وخيارهم»
(2) ورد البيتان فى الاشتقاق «لابن دريد هكذا:
أحيا أباه هاشم بن حرمله ... إذ الملوك حوله مرعبله
ورمحه للوالدات مثكلة ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
وفى نسخة من نسخ الاشتقاق «وقالوا: مغربلة؛ فمرعبلة مقطعة، ومغربلة مستأصلة» ص 290 بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون(1/419)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَصَفَهُ فِيهِ بِالْعِزّ وَالِامْتِنَاعِ، وَأَنّهُ لَا يَخَافُ حَاكِمًا يُعْدِي عَلَيْهِ، وَلَا تِرَةً مِنْ طَالِبِ ثَأْرٍ. وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ هَذَا هُوَ: جَدّ مَنْظُورُ بْنُ زَبّانَ بْنِ يَسَارٍ «1» الّذِي كَانَتْ بِنْتُهُ زُجْلَةَ عِنْدَ ابْنِ الزّبَيْرِ، فَهُوَ جَدّ مَنْظُورٍ لِأُمّهِ، وَاسْمُهَا: قِهْطِمُ بِنْتُ هَاشِمٍ. كَانَتْ قِهْطِمُ قَدْ حَمَلَتْ بِمَنْظُورِ أَرْبَعَ سِنِينَ «2» ، وَوَلَدَتْهُ بِأَضْرَاسِهِ، فَسُمّيَ مَنْظُورًا لِطُولِ انْتِظَارِهِمْ إيّاهُ، وَفِي زَبّانَ بْنِ سَيّارٍ وَالِدِ مَنْظُورٍ يَقُولُ الْحُطَيْئَةُ:
وَفِي آلِ زَبّانَ بْنِ سَيّارَ فِتْيَةٌ ... يَرَوْنَ ثَنَايَا الْمَجْدَ سَهْلًا صِعَابُهَا
وَلَمْ يَصْرِفْ سَيّارًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ.
مُزَيْنَةُ:
وَذَكَرَ زُهَيْرًا وَنَسَبَهُ إلَى مُزَيْنَةَ، وَهُمْ بَنُو عثمان بن عمرو بن الأطم ابن أَدّ بْنِ طَابِخَةَ «3» . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
فَإِنّك خَيْرُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو ... وَأَسْنَاهَا إذَا ذُكِرَ السّنَاءُ
يَمْدَحُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَمُزَيْنَةُ: أمّهم، وهى بنت كلب بن وبرة،
__________
(1) فى الاشتقاق: زبان بن سيار لا يسار وسيأتى فى الروض. وقد تزوج بنات منظور: الحسن بن على، ومحمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير، والمنذر بن الزبير.
(2) إن ربنا سبحانه يرشدنا فى القرآن إلى أن حمل الإنسان وفصاله ثلاثون شهرا فكيف نصدق هذا؟
(3) فى ترجمة زهير فى الأغانى: عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة. وفى الاشتقاق: عمرو بن أد بن طابخة ص 180 وكذلك فى الجمهرة لابن حزم: عمرو ابن أد بن طابخة، ومزينة هى أم ولد عمر.(1/420)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأُخْتُهَا: الْحَوْأَبُ بِنْتُ كَلْبٍ الّتِي يُعْرَفُ بِهَا مَاءُ الْحَوْأَبِ «1» الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَيّتُكُنّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ «2» تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ.
الْبَسْلُ:
وَذَكَرَ الْبَسْلَ وَهُوَ الْحَرَامُ، وَالْبَسْلُ أَيْضًا: الْحَلَالُ، فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَمِنْهُ: بُسْلَةُ الرّاقِي، أَيْ مَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى الرّقْيَةِ، وَبَسْلٌ فِي الدّعَاءِ بِمَعْنَى: آمِينَ، قَالَ الرّاجِزُ [المتلمّس] .
لا خاب من نقعك مَنْ رَجَاك ... بَسْلًا، وَعَادَى اللهُ مَنْ عَادَاك»
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ فِي أَثَرِ الدعاء: آمين وبسلا، أى: استجابة.
__________
(1) حوأب: يقال: واد احوأب: واسع. وعرفه الأزهرى بقوله: الحوأب: واد فى وهدة من الأرض واسع. وحوأب: ماء أو موضع قريب من البصرة وفى اللسان: أنه منزل بين البصرة ومكة، وهو الذى نزلته عائشة رضى الله عنها لما جاءت إلى البصرة فى وقعة الجمل. وفى التهذيب: الحوأب موضع بئر نبحت كلا به أم المؤمنين مقبلها من البصرة، والحوأب: بنت كلب بن وبره «بسكون الباء ويضبطها الاشتقاق بالفتح دائما» .
(2) إنما أريد: الأدبّ بإدغام الباء- ليوازن به كلمة الحوأب، وهو الجمل الكثير الوبر، أو الكثير وبر الوجه، وقد روى أحمد والبزار هذا الحديث، ورواياته مضطربة، وتبدو فيه رائحة شيعية. فلم يروه غير أحمد والبزار.
(3) فى اللسان «البسل من الأضداد وهو الحرام والحلال، والواحد والجميع والمذكر والمؤنث فى ذلك سواء.. والإبسال: التحريم. وعن ابن سيدة: قالوا فى الدعاء على الإنسان: بسلا وأسلا. وفى التهذيب يقال: بسلا له والبيت الذى فى الروض للمتلمس، وأنشده ابن جنى برفع كلمة بسل، وقال: هو بمعنى: آمين.(1/421)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:
فَإِنْ تُقْوِ الْمَرَوْرَاةُ مِنْهُمْ.
الْبَيْتُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النّسَخِ الْمَرَوْرَاتُ بِتَاءِ مَمْدُودَةٍ، كَأَنّهُ جَمْعُ مَرَوْرٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ، وَإِنّمَا هُوَ الْمَرَوْرَاةُ بِهَاءِ مِمّا ضُوعِفَتْ فِيهِ الْعَيْنُ وَاللّامُ، فَهُوَ فَعَلْعَلَةٌ مِثْلُ صَمَحْمَحَةٍ، وَالْأَلِفُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ أَصْلِيّةٍ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ جَعَلَهُ مِثْلَ:
شَجَوْجَاةٍ، وَأَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَثَوْثَلٍ، وَقَالَ ابْنُ السّرّاجِ فِي قَطَوْطَاةٍ:
وَهُوَ مِثْلُ: مَرَوْرَاةٍ، هُوَ فَعَوْعَلٌ مِثْلُ: عَثَوْثَلٍ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِيهِ: إنّهُ مِنْ بَابِ صَمَحْمَحَةٍ، فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ عَلَى قَوْلِ ابن السراج، ووزنه عنده: فعوعلة «1» .
__________
(1) فى اللسان فى مادة مرو: المروراة: الأرض أو المفازة التى لا شئ فيها، وهى فعوعلة «بفتح الفاء والعين وسكون الواو وفتح العين واللام» والجمع: المرورى «بفتح الميم والراء وإسكان الواو وفتح الراء والمروريات «بفتح الميم والراء وإسكان الواو وفتح الراء، والمرارى بكسر الراء الأخيرة» وقال سيبويه هو بمنزلة صمحمح، وليس بمنزلة عثوثل؛ لأن باب الأولى أكثر من باب عثوثل. وقال ابن برى: مروراة عند سيبويه فعلعلة، قال فى ما تقلب فيه الواو ياء: وأما المروراة فبمنزلة الشّجوجاة، وهما بمنزلة صمحمح، ولا تجعلهما على عثوثل؛ لأن فعلعلا أكثر، والصمحمح: الشديد القوى، وجمعه: صمامح، وهى من الثلاثى الملحق بالخماسى أى: بسفرجل، أما عثوثل فالكثير اللحم الرخو، وهى من الثلاثى الملحق بالخماسى، ويرى الفراء- كما ورد فى شرح الشافية ص 63 ح (أن صمحمح على وزن فعلّل «بفتح الفاء والعين وتضعيف اللام» . وقال: لو كان فعلعلا لكان صرصر وزلزل فعفع- ويرد عليه الشارح بقوله: وليس ما قال بشئ، لأنا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد إكمال ثلاثة أصول. أما قطوطى- وهو البطئ المشى، فهى عند سيبويه فعوعل كغدودن، أما المبرد فجعلها على «فعلعل، وقال: أصله قطوط «بفتح القاف والطاء وإسكان الواو» . وحجة سيبويه أنه جاء منه: اقطوطى أى: أبطأ فى مشيه-(1/422)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَعْلَامٌ وَأَنْسَابٌ:
وَذَكَرَ هُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ، وَهُوَ: فُعَيْلٌ مِنْ الْهَصّ، وَهُوَ: الْقَبْضُ بِالْأَصَابِعِ. مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ «1» .
وَذَكَرَ يَقَظَةَ بْنَ مُرّةَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقَدْ وَجَدْته بِسُكُونِ الْقَافِ فِي أَشْعَارٍ مُدِحَ بِهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمِنْهَا قَوْلُ الشاعر:
وأنت لمحزوم بْنِ يَقْظَةَ جَنّةٌ ... كِلَا اسْمَيْك فِيهَا مَاجِدٌ وَابْنُ مَاجِدِ
وَأُمّ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ جَدّ بَنِي مَخْزُومٍ: كَلْبَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَهُ الزّبَيْرُ «2» .
وَذِكْرُ بَارِقَ، وَهُمْ: بَنُو عَدِيّ من الْأَزْدِ، وَقَالَ: سُمّوا: بَارِقَ؛ لِأَنّهُمْ اتّبَعُوا الْبَرْقَ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُمْ نَزَلُوا عِنْدَ جَبَلٍ يُقَالُ له: بارق، فسمّوا به «3» .
__________
- مثل اغدودن: افعوعل، وافعلعل لم يأت فى كلام العرب، ولو كان فعلعلا كما زعم المبرد، لكان القياس حذف الواو الأولى. والشجوجى: الطويل الظهر القصير الرجل، وقيل: المفرط الطول الضخم العظام، والشجوجى: العقعق والأنثى شجوجاة.
(1) والهص «بفتح الهاء» أيضا: الصلب من كل شئ، وشدة الغمز والوطء للشئ حتى تشدخه.
(2) فى ص 299 من نسب قريش ما ذكره السهيلى عن نسب أم مخزوم
(3) فى الاشتقاق عن بارق ص 480 أنه سمى بارقا بجبل نزله بالسراة، هذا ذهب صاحب نسب قريش ص 14(1/423)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ: بِجُمّ يَحْسَبُونَ لَهَا قُرُونًا. أَيْ: يُنَاطِحُونَ بِلَا عُدّةٍ وَلَا مِنّةٍ «1» كَالْكِبَاشِ الْجُمّ الّتِي لَا قُرُونَ لَهَا، وَيَحْسَبُونَ أَنّ لَهُمْ قُوّةً.
وَالْكُمَيْتُ هَذَا هُوَ: ابْنُ زَيْدِ أَبُو الْمُسْتَهِلّ مِنْ بَنِي أَسْدٍ.
وَفِي أَسْدٍ: الْكُمَيْتُ بْنُ مَعْرُوفٍ، كَانَ قَبْلَ هَذَا، وَفِيهِمْ أَيْضًا الكميت ابن ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ أَقْدَمُ الثّلَاثَةِ، وَابْنُ مَعْرُوفٍ هُوَ الّذِي يَقُولُ:
[خُذُوا الْعَقْلَ إنْ أَعْطَاكُمْ الْقَوْمُ عَقْلَكُمْ ... وَكُونُوا كَمَنْ سِيمَ الْهَوَانَ فَأَرْبَعَا]
وَلَا تُكْثِرُوا فِيهِ الضّجَاجَ، فَإِنّهُ ... مَحَا السّيْفُ مَا قال ابن دارة أجمعا «2»
__________
(1) القوة
(2) ابن دارة هو: سالم بن مسافع بن يربوع أحد بنى عبد الله بن غطفان، ودارة: أمه، كان هجا بعض بنى فزارة هجوا شنيعا، فاغتاله زميل الفزارى وقال:
أنا زميل قاتل ابن داره ... وراحض المخزاة عن فزارة
ثم جعلت عقله البكاره
والعقل: الدية: والبكارة: جمع بكر من الإبل والشعر: «خذوا العقل» منسوب الكميت بن معروف فى البيان والتبيين، وفى حماسة البحترى، وشرح الحماسة للتبريزى ومنسوب إلى الكميت بن ثعلبة فى خزانة البغدادى والمؤتلف، وقد أخطأ البكرى فى السمط، فنسبه إلى زميل بن أبرد «انظر مجمع الأمثال للميدانى ص 279 ج 2 ط السنة المحمدية، ص 389 ج 1 البيان والتبيين بتحقيق الأستاذ؟؟ هارون، ص 689 السمط للبكرى، والزيادة فى الشعر من البيان ومجمع؟؟ وقبل البيتين بيت استحييت من ذكره.(1/424)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجَدَرَةُ:
وَذَكَرَ الْجَدَرَةَ، وَقَالَ: هُمْ بَنُو عَامِرِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُعْثُمَةَ، وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ زِيَادَةُ خُزَيْمَةَ خَطَأٌ، إنّمَا هُوَ: عَمْرُو بْنُ جُعْثُمَةَ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ السّيْلَ ذَاتَ مَرّةٍ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَصَدّعَ بُنْيَانَهَا، فَفَزِعَتْ لِذَلِكَ قُرَيْشٌ، وَخَافُوا انْهِدَادَهَا إنْ جَاءَ سَيْلٌ آخَرُ، وَأَنْ يَذْهَبَ شَرَفُهُمْ وَدِينُهُمْ، فَبَنَى عَامِرٌ لَهَا جِدَارًا، فَسُمّيَ: الْجَادِرَ. وَقَوْلُهُ فِي الْجَدَرَةِ: حُلَفَاءِ بَنِي الدّيلِ. الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ: أَنّ الدّيلَ فِي عَبْدِ الْقَيْسِ، وهو الدّيل بن عمرو بن وديعة «1» [ابن أَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ] ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي الْأَزْدِ، وَهُوَ ابْنُ هَدْهَادَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي تَغْلِبَ وَهُوَ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تَغْلِبَ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي إيَادٍ، وَهُوَ ابْنُ أُمَيّةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ إيَادٍ، وَأَمّا الّذِي فِي كِنَانَةَ، وَهُمْ الّذِينَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ أَبُو الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ، وَهُوَ: ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمْ حُلَفَاءُ الْجَدَرَةِ، فَابْنُ الْكَلْبِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ النّسَبِ يَقُولُونَ فِيهِ: الدّئِلُ بِضَمّ الدّالِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ دُؤَلِيّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اللّغَةِ، مِنْهُمْ: الْكِسَائِيّ وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْأَخْفَشُ يَقُولُونَ فِيهِ: الدّيلُ بِكَسْرِ
__________
(1) ابن وديعة بن لكيز «بضم اللام وفتح الكاف وإسكان الياء» ولكيز وأخوه شن: هما قبيلا عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار، وفى الإنباه لابن عبد البر مثل ما فى السيرة. أما فى نسب قريش ففيه عن الجدرة: وهم حلفاء لبنى نفاثة بن عدى بن الدئل بضم الدال وكسر الهمزة ابن بكر بن عبد مناة. وفى جمهرة ابن حزم «الدّئل بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ» وضبط دئل مثل ضبط النسب لها(1/425)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لدال، وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ الدّيلِيّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ محمد بن حبيب: ابن لكلبى وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النّسَبِ أَقْعَدُ بِهَذَا، وَإِلَيْهِمْ يُرْجَعُ فِيمَا أَشْكَلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَمّا الدّوَلُ، فَالدّوَلُ بْنُ حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حنيفة: أثال بن لجيم ابْنُ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُمْ رَهْطُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ، وَفِي رَبِيعَةَ أَيْضًا، ثُمّ فِي عَمْرَةَ: الدّوَلُ بْنُ صَبَاحٍ، وَفِي الرّبَابِ: الدّوَلُ بْنُ جَلّ بْنِ عَدِيّ ابن عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أُدّ، بْنِ طَابِخَةَ، وَفِي الْأَسْدِ: الدّوَلُ بْنُ سَعْدِ مَنَاةَ بْنِ غَامِدٍ.
وَاَلّذِي تَقَيّدَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الدّيلِ بْنِ بَكْرٍ بِكَسْرِ الدّالِ وَالْيَاءِ السّاكِنَةِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النّسّابِ: الْعَدَوِيّ وَابْنُ سَالِمٍ الجُمَحِيّ، وَمَنْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللّغَةِ «1» ، وَالدّأْلُ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ مِنْ: دَأَلَ يدأل إذا مشى بعجلة، وأما
__________
(1) إليك ما ورد فى اللسان وغيره عن الدئل والديل «والدّئل بالضم بطن أمهما: أم خارجة البجلية التى يضرب بها المثل فى سرعة النكاح» «جمهرة ص 170، ومجمع الأمثال، وفى الاشتقاق: وفى العرب: الديل بكسر الدال. والدول بضم الدال وإسكان الواو، والدئل بضم الدال ثم همزة مكسورة. وفى اللسان: الدئل بضم الدال وهمزة مكسورة: دويبة شبيهة بابن عرس. وفيه البيت: جاءوا بجيش لو قيس معرسه منسوبا إلى كعب بن مالك ولا يوجد اسم على وزن فعل بضم فكسر سوى الدئل ورئم قال الجوهرى نقلا عن الأخفش وهو قول ثعلب أيضا: وإلى المسمى بهذا نسب أبو الأسود الدّولى بضم الدال وفتح الهمزة إلا أنهم فتحوا الهمزة على مذهبهم فى النسبة استثقالا لتوالى الكسرتين مع ياءى النسب، كما ينسب إلى نمر: نمرى بفتح النون والميم وربما قالوا: الدولى بقلب الهمزة واوا، لأن الهمزة إذا فتحت، وكانت قبلها ضمة-(1/426)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدّيلُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَكَأَنّهُ سُمّيَ بِالْفِعْلِ مِنْ ديل عليهم من الدّولة على وزن
__________
- فإنها تخفف لقلبها واوا محضة، كما قالوا فى جؤن: جون، وفى مؤن مون. وقال ابن الكلبى: هو أبو الأسود الدّيلى، فقلبت الهمزة ياء حين انكسرت فإذا انقلبت ياء كسرت الدال لتسلم الياء، كما تقول: قيل وبيع. واسمه: ظالم بن عمرو بن سليمان بن عمرو بن حلس بكسر الحاء بن نفاثة بضم النون بن عدى بن الدّئل ابن بكر بن كنانة، قال الأصمعى: وأخبرنى عيسى بن عمر قال: الدّيل بن بكر الكنانى إنما هو: الدّئل، فترك أهل الحجاز همزه. وعند السيرافى أن أهل البصرة يقولون الدّؤلى، وهو من الدّئل بن بكر بن كنانة. ويقول ابن حبيب: الدّئل بن كنانة، ويقول أيضا: الدّئل بن محلم بن غالب بن مليح بن الهون ابن خزيمة بن مدركة. وعن يونس أنهم ثلاثة: الدّول من بنى حنيفة: بسكون الواو، والديل من قيس ساكنة الياء، والدّئل فى كنانة رهط أبى الأسود. وجماعة من النحويين منهم الكسائى يقولون: الديلى بكسر الدال وما بعدها، وعن محمد بن حبيب: الدّئل فى كنانة بضم الدال وكسر الهمزة، وكذلك فى الهون بن خزيمة والديل فى الأزد بكسر الدال وإسكان الياء. والديل بن هداد بن زيد مناة وفى عبد القيس كذلك: الديل بن عمرو بن وديعة، وفى تغلب كذلك الديل بن زيد بن غنم بن تغلب، وفى ربيعة بن نزار: الدّول بن حنيفة، وفى عنزة: الدّول بن سعد ابن مناة بن عامر مثله، وفى ثعلبة: الدول بن ثعلبة بن سعد ضبّة. وفى الرّباب: الدول بن جل بن عدى بن عبد مناة. وعن ابن سيدة: والدّئل حى من كنانة وقيل فى بنى عبد القيس، والنسب إليه دؤلىّ ودئلى وهذه نادرة فما فى الكلام فعلى بضم الفاء وكسر العين. وابن السكيت يقول: الدّؤلى مفتوج الواو مهموز منسوب إلى الدّئل من كنانة، والدّول فى حنيفة ينسب إليهم الدّولى، والديل فى عبد القيس ينسب إليهم الديلى. وما نسبه اللسان إلى ابن الكلبى عين ما نسبه السهيلى. وفى القاموس عن نسب أبى الأسود نقلا عن شرح اللمع للأصبهانى إنما هود ئلى بكسر الدال وفتح الهمزة: نسبة إلى دئل كعنب.(1/427)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنّ الدّئِلَ بْنَ بَكْرٍ سُمّيَ بِالدّئِلِ، وَهِيَ دُوَيْبّةٌ صَغِيرَةٌ، وَأَنْشَدُوا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ [الْأَنْصَارِيّ] :
جَاءُوا بِجَيْشِ لَوْ قِيسَ مُعْرَسُهُ ... مَا كَانَ إلّا كَمُعْرَسِ الدّئِلِ «1»
وَأَنْشَدَ فِي سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ، وَاسْمُ سَيَلٍ: خَيْرُ بْنُ حَمَالَةَ، قَالَهُ الطّبَرِيّ، وَالسّيَلُ «2» هُوَ: السّنْبُلُ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ حَلّى السيوف بالذهب والفضة.
__________
(1) فى الاشتقاق ورد فى البيت: معظمه، كمفحص، بدلا من: معرسه كمعرس. والمعرس هو مكان القوم ينزلون فيه بالليل وبعده:
عار من النسل والثّراء ومن ... أبطال أهل البطحاء والأسل
والشعر فى جيش أبى سفيان الذين وردوا المدينة فى غزوة السويق، وأحرقوا النخيل ثم انصرفوا، والأشهر فى معرس: معرس بتضعيف الراء المفتوحة، وهو فى البيت يصف الجيش بالقلة والحقارة. يعنى لو قدر مكانهم عند تعريسهم كان كمكان هذه الدابة عند تعريسها، وذكر صاحب الأغانى أن أبا سفيان، وهو يتجهز من مكة المكرمة خارجا إلى المدينة المنورة قال أبياتا من الشعر يحرض فيها قريشا:
كرّوا على يثرب وجمعهم ... فإن ما جمعوا لكم نفل
إن يك يوم القليب كان لهم ... فإن ما بعده لكم دول
آليت لا أقرب النساء، ولا ... يمسّ رأسى وجلدى الغسل
حتى تبيروا قبائل الأوس وال ... خزرج إن الفؤاد مشتعل
فأجابه كعب:
يا لهف أم المستمحين على ... جيش بن حرب بالحرة الفشل
ثم ذكر البيتين السابقين انظر ص 13 وما بعدها ج 4 شرح الشافية للرضى.
(2) هى فى جميع ما اطلعت عليه من كتب الأنساب: سيل. وليس من معانى السيل: السنبل، وإنما الذى بمعنى السنبل هو السبل بالباء لا بالياء(1/428)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبِهَذَا النّسَبِ خَالَفَهُمْ عُتْبَةَ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بن منصور بن عكرمة.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَبُو عَمْرٍو، وَتُمَاضِرُ، وَقِلَابَةُ، وحيّة، وريطة، وأم الأخثم [واسمها: هالة] ، وَأُمّ سُفْيَانَ: بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ.
فَأُمّ أَبِي عَمْرٍو: رَيْطَةُ، امْرَأَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ، وَأُمّ سَائِرِ النساء: عاتكة بنت مرّة ابن هِلَالِ [بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بن بهثة بن سليم بن منصور] ، أُمّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، وَأُمّهَا صَفِيّةُ بنت حوزة بن عمرو بن سلول [واسمه:
مرّة] بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هوازن، وأم صفيّة: بنت عائذ الله ابن سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ.
[أَوْلَادُ هَاشِمٍ وَأُمّهَاتُهُمْ:]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَخَمْسَ نِسْوَةٍ:
عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَسَدَ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَبَا صَيْفِيّ بْنَ هَاشِمٍ، وَنَضْلَةَ بْنَ هَاشِمٍ، وَالشّفَاءَ، وَخَالِدَةَ، وَضَعِيفَةَ، وَرُقَيّةَ، وَحَيّةَ. فَأُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَرُقَيّةَ: سَلْمَى بِنْتِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيَدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عدىّ بن النجار.
وَاسْمُ النّجّارِ: تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَارِسًا أَضْبَطَ، فِيهِ عُسْرَةٌ.
الْأَضْبَطُ: الّذِي يَعْمَلُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْأَسَدِ أَيْضًا، قَالَ الْجُمَيْحُ:
[مُنْقِذُ بْنُ الطّمّاحِ الْأَسَدِيّ] :
ضَبْطَاءَ تسكن غيلا غير مقروب(1/429)
وأمها: عميرة بنت صَخْرِ [بْنِ حَبِيبِ] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بن مازن ابن النّجّارِ. وَأُمّ عَمِيرَةَ: سَلْمَى بِنْتُ عَبْدِ الْأَشْهَلِ النّجّارِيّةُ. وَأُمّ أَسَدٍ: قَيْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ الْخُزَاعِيّ. وَأُمّ أَبِي صَيْفِيّ وَحَيّةَ: هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيّةُ. وَأُمّ نَضْلَةَ وَالشّفَاءِ: امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ. وَأُمّ خَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ: وافدة بِنْتُ أَبِي عَدِيّ الْمَازِنِيّةُ.
[أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ عَشَرَةَ نَفَرٍ، وَسِتّ نِسْوَةٍ:
الْعَبّاسَ وَحَمْزَةَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَأَبَا طَالِبٍ- وَاسْمُهُ: عبد مناف- والزّبير، والحارث، وجحلا، وَالْمُقَوّمَ، وَضِرَارًا، وَأَبَا لَهَبٍ- وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزّى- وَصَفِيّةَ، وَأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرَوَى، وبرّة.
فأمّ العبّاس وضرار: نتيلة بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عمرو ابن عَامِرِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ- وَهُوَ الضّحْيَانُ- بْنُ سَعْدِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَيْمِ اللّاتِ بْنِ النّمِرِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ.
وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بن جديلة.
وأمّ حمزة والمقوّم وجحل- وَكَانَ يُلَقّبُ بِالْغَيْدَاقِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ، وَسَعَةِ مَالِهِ- وصفية: هَالَةُ بِنْتُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤىّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: فِيهِ عُسْرَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، والاسم منه: أعسر.(1/430)
وَأُمّ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالزّبَيْرِ، وَجَمِيعِ النّسَاءِ غَيْرَ صَفِيّةَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كعب بن لؤى ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
وَأُمّهَا: صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ.
وَأُمّ صَخْرَةَ: تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ.
وَأُمّ الْحَارِثِ بْنِ عبد المطلب: سمراء [أو صفية] بنت جندب بن جحير ابن رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هوازن بن منصور بن عكرمة.
وأم أَبِي لَهَبٍ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعىّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ، وَالْحُبْشِيّةُ: نَمْلَةٌ كَبِيرَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَنّ قُصَيّا تَزَوّجَ ابْنَتَهُ حُبّى، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ مَنَافٍ وَإِخْوَتَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ أُمّ عَبْدِ مَنَافٍ:
عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ بَالِجِ [أَوْ فَالِجِ] «1» بْنِ ذَكْوَانَ، وَأُمّ هَاشِمٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ، فَالْأُولَى: عَمّةُ الثّانِيَةِ، وَأُمّ وَهْبٍ جَدّ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لِأُمّهِ: عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرّةَ بْنِ هِلَالٍ، فَهُنّ عواتك. ولدن النبىّ
__________
(1) وفى نسب قريش ص 14 حمالة 5 فى بعض الكتب بالج وفى بعضها فالج.(1/431)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ السّلَامُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ مِنْ سُلَيْم «1» ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ: إنّ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَرْضَعْنَهُ، كُلّهُنّ تُسْمَى:
عَاتِكَةَ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ. وَأُمّ عَاتِكَةَ بِنْتِ مُرّةَ: مَاوِيّةُ «2» بِنْتُ حَوْزَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ أَخِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُمْ بَنُو سَلُولَ، وَأُمّ مَاوِيّةَ:
أُمّ أَنَاس الْمَذْحِجِيّةُ.
وَقَالَ فِي أُمّهَاتِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: وَأَمّا صَفِيّةُ فَأُمّهَا: بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، لِأَنّ سَعْدَ الْعَشِيرَةِ بْنَ مَذْحِجٍ هُوَ أَبُو الْقَبَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى مَذْحِجٍ إلّا أَقَلّهَا، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَصْرِ هَاشِمٍ مَنْ هُوَ ابْنٌ لَهُ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنْ هَكَذَا رَوَاهُ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ- كَمَا قُلْنَا- وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: بِنْتُ عَبْدِ اللهِ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْغَسّانِيّ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: عَائِذُ اللهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصّوَابِ. وَلِسَعْدِ الْعَشِيرَةِ ابْنٌ لِصُلْبِهِ، وَاسْمُهُ: عيذ الله،
__________
(1) سعيد بن منصور فى سننه. والطبرانى فى الكبير عن سبابة بن عاصم. ملحوظة: فى النسب وجمهرة ابن حزم عن عبد شمس وهاشم ولدى عبد مناف أنهما توأم، وأن هاشما اسمه: عمرو، وفى حذف نسب قريش للسدوسى. وفى الجمهرة عن أم نوفل أنها وافدة من بنى مازن بن صعصعة السّلمية خلف عليها هاشم ابن عبد مناف بعد أبيه، وكانت العرب تسمى هذا النكاح نكاح المقت ص 12 جمهرة، فى ص 3 حذف نسب قريش. وأم الأخثم بنت عبد مناف المذكورة فى السيرة اسمها: هالة.
(2) فى نسب قريش «مارية بنت حوزة بن عمرو بن سلول واسمه: مرة ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.(1/432)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ جَنْبٍ مِنْ مَذْحِجٍ «1» ، وَقَدْ ذَكَرْت بُطُونَ جَنْبٍ، وَأَسْمَاءَ وَلَدِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلِمَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْقَبَائِلُ بِجَنْبِ، وَأَحْسَبُ الْوَهْمَ فِي رِوَايَةِ الْبَرْقِيّ إنّمَا جَاءَ مِنْ اشْتِرَاكِ الِاسْمِ؛ لِأَنّ أُمّ صَفِيّةَ الْمَذْكُورَةَ بِنْتُ عِيذَ اللهِ «2» ، وَلَكِنْ لَيْسَ بعيذ اللهِ الّذِي هُوَ ابْنُ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنّهُ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ.
وَذَكَرَ عَبْدَ شَمْسِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ تِلْوًا لِهَاشِمِ، وَيُقَالُ: كَانَا تَوْأَمَيْنِ، فَوُلِدَ هَاشِمٌ، وَرِجْلُهُ فِي جَبْهَةِ شَمْسٍ مُلْتَصِقَةً، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى نَزْعِهَا إلّا بِدَمِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: سَيَكُونُ بَيْنَ وَلَدِهِمَا دِمَاءٌ، فَكَأَنّ تِلْكَ الدّمَاءُ مَا وَقَعَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَيْنَ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَأَمّا سَلْمَى أُمّ عَبْدِ المطلب، فقد ذكر
__________
(1) مذحج هو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ. «من جمهرة ابن حزم» ، ومذحج: أكمة ولدت عليها أمهم، فسموا مذحجا، وليس لسعد العشيرة ولد اسمه: عيذ الله. الجمهرة ص 383.
(2) اسمه: عائذ الله. أما جنب فى الجمهرة ص 388 لابن حزم، فاسم يطلق على ستة إخوة هم: أولاد يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب الخ، وقد تحالف هؤلأ الستة على ولد أخيهم صداء «بضم الصاد» ومنهم كان معاوية بن عمر بن معاوية بن الحارث بن منبّه بن يزيد بن حرب بن علة الذى تزوج بنت مهلهل بن ربيعة التغلبى بنجران، ومهرها أدما فقال فى ذلك شعرا:
أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ وَكَانَ الْحِبَاءُ من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها ... ضرّج ما أنف خاطب بدم
والبيتان فى الأغانى ج 5 ص 50 طبع دار الكتب والشعر والشعراء لابن قتيبة ج 1 ص 258 وغيرهما. ويقول ابن حزم فى الجمهرة أن سائر جنب ويام من همدان وبنى الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك، وهو مذحج، هم أنصار الكافر الصلحى لعنه الله القائم بنواحى زبيد بدعوة بنى عبيد.(1/433)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَسَبَهَا، وَأُمّهَا: عُمَيْرَةُ بِنْتُ ضَحْرٍ «1» الْمَازِنِيّةُ، وَابْنُهَا: عَمْرُو بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ، وَأَخُوهُ: مَعْبَدٌ ولدتهما لأحيحة «2» بعد هاشم، وكان عمرو بن أَجْمَلِ النّاسِ وَأَنْطَقِهِمْ بِحِكْمَةِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لِلْمَنْصُورِ: أَرَأَيْت إنْ اتْسَعْنَا فِي الْبَنِينَ، وَضِقْنَا فِي الْبَنَاتِ فَإِلَى مَنْ تَدْفَعُنَا، يَعْنِي: فِي الْمُصَاهَرَةِ، فَأَنْشَدَ:
عَبْدُ شَمْسٍ كَانَ يَتْلُو هَاشِمًا ... وَهُمَا بَعْدُ لِأُمّ وَلِأَبْ
وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ: أَنّ الْحَارِثَ بْنَ حَبْشٍ السّلَمِيّ، كَانَ أَخَا هَاشِمٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ وَالْمُطّلِبِ لِأُمّهِمْ، وَأَنّهُ رَثَى هَاشِمًا لِهَذِهِ الْأُخُوّةِ، وَهَذَا يُقَوّي أَنّ أُمّهُمْ عَاتِكَةُ السّلَمِيّةُ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ أُمّ حَيّةِ بِنْتِ هَاشِمٍ، وَأُمّ أَبِي صيفىّ: هند بنت [عمرو ابن] «3» ثَعْلَبَةَ [بْنِ الْخَزْرَجِ] ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ أَنّ أُمّ حَيّةَ: [أُمّ عَدِيّ] :
جَحْلُ بِنْتُ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطٍ «4» الثقفية، وحيّة بنت هاشم
__________
(1) فى نسب قريش هو ضحر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن ابن النجار.
(2) كذلك ولدت معها انيسة.
(3) فى كتاب نسب قريش هكذا، وأنها أم أبى صيفى.
(4) ابن جشم بن قسى وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن «الجمهرة، لابن حزم ونسب قريش» هذا، وأم أسد كان يقال لها الجزور لعظمها، وأم نضلة هى- كما فى نسب قريش- أميمة بنت أد بن على من بنى سلامان بن سعد، وكانت أم خالدة تسمى: قبة الديباج، وكانت أم حكيم البيضاء تلقب بالحصان بفتح الحاء، وهى توأمة أَبِي رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «نسب قريش ص 17»(1/434)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَحْتَ الْأَجْحَمِ بْنِ دِنْدِنَةَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ الْقَيْنِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو] الْخُزَاعِيّ وَلَدَتْ لَهُ: أُسَيْدًا، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْأَجْحَمِ الّتِي تَقُولُ:
يَا عَيْنُ بَكّي عِنْدَ كُلّ صَبَاحٍ ... جُودِي بِأَرْبَعَةِ عَلَى الْجَرّاحِ
قَدْ كُنْت لِي جَبَلًا أَلُوذُ نظله ... فَتَرَكْتنِي أَضْحَى بِأَجْرَدَ ضَاحِ
قَدْ كُنْت ذَاتَ حَمِيّةٍ مَا عِشْت لِي ... أَمْشِي الْبَرَازَ، وَكُنْت أَنْتَ جَنَاحِي
فَالْيَوْمَ أَخْضَعُ لِلذّلِيلِ، وَأَتّقِي ... مِنْهُ، وَأَدْفَعُ ظَالِمِي بِالرّاحِ
وَأَغُضّ مِنْ بَصَرِي، وَأَعْلَمُ أَنّهُ ... قَدْ بَانَ حَدّ فَوَارِسِي وَرِمَاحِي
وَإِذَا دَعَتْ قُمْرِيّةٌ شَجَنًا لَهَا ... يَوْمًا عَلَى فَنَنٍ دَعَوْت صَبَاحِي «1»
وَقَعَ هَذَا الشّعْرُ لَهَا فِي الْحَمَاسَةِ وَغَيْرِهَا.
وَذَكَرَ أُمّ الْعَبّاسِ، وَهِيَ، نُتَيْلَةُ «2» بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبٍ، وَهِيَ مِنْ بَنِي
__________
(1) البيت الثانى فقط هو الذى فى الروض، وبقية الأبيات زدتها لروعتها من ديوان الحماسة لأبى تمام. وفى نسب قريش أن حية بنت هاشم كانت عند هاشم ابن الأجحم بن دندنة. وفى الاشتقاق لابن دريد عن الأجحم: «وأحسب أن أمه خالدة بنت هاشم بن عبد مناف» ص 475
(2) فى الأصل بتقديم التاء على النون فى كل ما سيقول عن نتيلة، وهى فى جمهرة ابن حزم ونسب قريش: نتيلة. وفى نسبها خلاف؛ ففى نسب قريش وجمهرة ابن حزم: أن عامرا هو ابن النمر ابن قاسط من بنى القرية بكسر فكسر مع تضعيف فتضعيف مع فتح. وزاد فى الجمهرة: ابن قاسط بن ربيعة بن نزار. وفى المعارف لابن قتيبة: نتيلة بنت كلب بن مالك بن جناب، وفى نسخ أخرى: نكيلة، وفى القرى للمحب الطبرى: نتيلة وفى السدوسى: نتلة.(1/435)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَامِرٍ الّذِي يُعْرَفُ بِالضّحْيَانِ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ رَبِيعَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ تُبّعٍ، أَنّهَا أَوّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ الدّيبَاجَ، وَذَكَرْنَا سَبَبَ ذلك، ونزيد ها هنا مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: أَوّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ الدّيبَاجَ: خَالِدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ أَخَذَ لَطِيمَةً مِنْ الْبَزّ، وَأَخَذَ فِيهَا أَنْمَاطًا «1» ، فَعَلّقَهَا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأُمّ نُتَيْلَةَ: أُمّ حُجْرٍ، أَوْ أُمّ كُرْزِ بِنْتُ الْأَزَبّ مِنْ بَنِي بَكِيلٍ مِنْ هَمْدَانَ، وَهِيَ نُتَيْلَةُ بِتَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ وَهِيَ تَصْغِيرُ: نَتْلَةٍ وَاحِدَةِ: النّتْلِ، وَهُمْ بَيْضُ النّعَامِ، وَبَعْضُهُمْ يُصَحّفُهَا بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ «2» .
وَذَكَرَ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِب جَحْلًا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ، هَكَذَا رِوَايَةُ الْكِتَابِ. وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: هُوَ حَجْلٌ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ «3» . وَقَالَ: جَحْلٌ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ هُوَ: الْحَكَمُ بْنُ جَحْلٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيّ، وَمِنْ حَدِيثِهِ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: مَنْ فَضّلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ جَلَدْته حَدّ الْفِرْيَةِ. والجحل: السّقاء «4»
__________
(1) ضرب من البسط وثوب صوف يطرح عليه الهودج. واللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة، والبز: الثياب أو متاع البيت من الثياب.
(2) فى اللسان: النتل بنون مفتوحة وتاء ساكنة: البيضة، وهى الدومصة. والنتل بفتح النون وإسكان التاء: بيض النعام يدفن فى المفازة بالماء. والنتل بالتحريك مثله. وهذا يثبت خطأ ما كان فى الروض، إذ جعلها تنل بتاء فنون. وليس فى اللسان مادة تنل. وفى كتاب حذف من نسب قريش للسدوسى هى نتلة «بفتح فسكون ففتح» بنت جناب، وهى فى السير التى بين أيدينا نتيلة.
(3) فى السيرة التى بين أيدينا: حجل، وهو كذلك أيضا فى نسب قريش. ولكن عند ابن دريد والسدوسى: جحل
(4) وله أيضا هذه المعانى: السيد من الرجال، وولد الضب والزق والعظيم الجبين والجعل(1/436)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضّخْمُ. وَالْجَحْلُ: الْحِرْبَاءُ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنّ اسْمَ جَحْلٍ: مُصْعَبٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ اسْمُهُ: مُغِيرَةَ «1» ، وَجَحْلٌ: لَقَبٌ لَهُ. وَالْجَحْلُ: ضَرْبٌ مِنْ الْيَعَاسِيبِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: كلّ شئ ضَخْمٍ فَهُوَ: جَحْلٌ، وَجَحْلٌ: هُوَ الْغَيْدَاقُ، وَالْغَيْدَاقُ: وَلَدُ الضّبّ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحِسْلِ «2» .
وَلَمْ يُعْقِبْ، وَكَذَا الْمُقَوّمُ لَمْ يُعْقِبْ إلّا بِنْتًا اسْمُهَا: هِنْدُ. وَأُمّ الْغَيْدَاقِ- فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ: مُمَنّعَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّةُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ.
وَذَكَرَ فِي أَعْمَامِهِ أَيْضًا: الزّبَيْرَ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَعْمَامِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الّذِي كَانَ يُرَقّصُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ طِفْلٌ، وَيَقُولُ:
مُحَمّدُ بْنُ عَبْدَمِ ... عِشْت بِعَيْشِ أَنْعَمِ
فِي دَوْلَةٍ ومغنم ... دام سجيس الأزلم «3»
__________
(1) هو رأى صاحب نسب قريش. ومن النساب من جعل جحلا هو الغيداق، ومنهم من جعله غيره، كالسدوسى وصاحب نسب قريش
(2) فى اللسان: الجحل: الحرباء.. قال الجوهرى: هو ذكر أم حبين.. وقيل: هو الضب المسن الكبير، وقيل: الضخم من الضباب.. ويعسوب النحل والجعل أو العظيم منها. وفى النوادر لأبى زيد الأنصارى: «يقال لفرخ الضب حين يخرج من بيضته: حسلا، ثم يكون غيداقا، ثم يكون مطبّخا، ثم يكون ضبّا مدركا. والغيداق أيضا: الصبى الذى لم يبلغ» ص 92 ط لبنان
(3) فى أمالى القالى أنه دخل على الزبير، وهو صبى، فأقعده فى حجره وقال ما ذكره السهيلى، وفى الأمالى ورد أيضا:
فى فرع عز أسنم ... مكرم معظم
-(1/437)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبِنْتُهُ: ضُبَاعَةُ «1» كَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ. وَعَبْدُ اللهِ ابْنُهُ: مَذْكُورٌ فِي الصّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَكَانَ الزّبَيْرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَنّى أَبَا الطّاهِرِ بِابْنِهِ: الطّاهِرِ، وَكَانَ مِنْ أَظْرَفِ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ، وَبِهِ سَمّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَهُ الطّاهِرَ. وَأُخْبِرَ الزّبَيْرُ عَنْ ظَالِمٍ كَانَ بِمَكّةَ أَنّهُ مَاتَ، فَقَالَ: بِأَيّ عُقُوبَةٍ كَانَ مَوْتُهُ؟ فَقِيلَ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَقَالَ: وَإِنْ! فَلَا بُدّ مِنْ يَوْمٍ يُنْصِفُ اللهُ فِيهِ الْمَظْلُومِينَ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْبَعْثِ.
وَذَكَرَ أَبَا طَالِبٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ مَنَافٍ، وَلَهُ يَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ:
أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي ... بِمُوتَمِ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ «2»
مات أبوه وهو حلف المهد
__________
- بعد قوله. فى دولة ومغنم انظر ص 11 ح 2 الأمالى الطبعة الثانية، وفيه أيضا ما قاله الزبير للعباس وضرار وأم الحكم، ومغيث بن جاريته. وابن عبدم قيل: أراد: ابن عبد المطلب، كما قال الآخر: قلت لها: قفى، فقالت: قاف. والصحيح أنه أراد: ابن عبد، وزاد الميم، كما تزاد فى ابن، قال الشاعر- وهو النمر بن تولب:
لقيم بن لقمان من أخته ... فكان ابن أخت له وابنما
وسجيس الأزلم: أبد الدهر.
(1) صحابية كريمة روت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس وعائشة وبنتها كريمة، وابن المسيب وعروة والأعرج وغيرهم. قتل ابنها يوم الجمل مع عائشة رضى الله عنها
(2) الموتم: المرأة صار ولدها يتيما فلعلها: ميتم بفتح الميم وسكون الياء وفتح التاء: المفرد من كل شئ. وهو لائق بالمراد هنا، ولعلها بفتح التاء هذا ولم يسلم من أولاد عبد المطلب-(1/438)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزّى، وَكُنّيَ: أَبَا لَهَبٍ لِإِشْرَاقِ وَجْهِهِ وَكَانَ تَقْدِمَةً مِنْ اللهِ- تَعَالَى- لِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ اللهَبِ، وَأُمّهُ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ بَنِي ضَاطِرَةَ بِضَادِ مَنْقُوطَةٍ. وَاللّبْنَى فِي اللّغَةِ: شئ يَتَمَيّعُ مِنْ بَعْضِ الشّجَرِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَيُقَالُ لِبَعْضِهِ: الْمَيْعَةُ، وَالدّوَدِمُ: مِثْلُ اللّبْنَى يَسِيلُ مِنْ السّمُرِ، غَيْرَ أَنّهُ أَحْمَرُ، فَيُقَالُ: حَاضَتْ السّمُرَةُ»
إذَا رَشَحَ ذَلِكَ مِنْهَا.
(أُمّهَاتُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَكَرَ فِي آخِرِهِنّ: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ «2» بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ وَهُنّ كُلّهُنّ قُرَشِيّاتٌ؛ وَلِذَلِكَ وَقَفَ فِي بَرّةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ أَهْلُ
__________
- إلا حمزة والعباس. وأما عماته: فصفية أم الزبير، واختلف فى إسلامه هو وعاتكة وأروى، وصحح بعضهم إسلام الأخيرة. وأسن أعمام النبى: الحارث، وأصغرهم سنا: العباس. وأم حكيم البيضاء كان يقال لها الحصان وهى توأمة أبى رسول الله، وقد سبق الحديث عنها.
(1) السمر «بفتح السين وضم الميم» ضرب من شجر الطلح. وعسل اللبنى: طيب ينضح من شجره ويتبخر به. والعامة تقول: حصى لبان، والميعة: عطر طيب الرائحة، أو صمغ يسيل من شجر بالروم، أو دسم المر الطرى. يدق المر بماء يسير، ويعتصر بلولب، فتستخرج الميعة، أو هى صمغ شجرة السفرجل، أو شجرة كالتفاح الخ. هذا وقد زاد صاحب نسب قريش ابنين لعبد المطلب أحدهما: قثم، وقد مات صغيرا. والغيداق واسمه: مصعب، ولكن ابن هشام يجعل الغيداق لقبا لحجل. ويقول صاحب النسب: إن أم مصعب الملقب بالغيداق من خزاعة، كما يقول: إن اسم أم العباس: صفية بنت جنب الخ، بينما يسميها ابن هشام سمراء. فاعل هذا لقب لها.
(2) فى نسب قريش ص 21: بنت عدى الخ وعند السدوسى: بنت عوف ص 6(1/439)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّسَبِ بَعْدَ هَذَا: أُمّ بَرّةَ، وَأُمّ أُمّهَا، وَأُمّ أُمّ الْأُمّ، وَلَكِنّهُنّ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ حَبِيبٍ: وَأُمّ بَرّةَ: قِلَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكُ بْنُ طَابِخَةَ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ غَادِيَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأُمّ قِلَابَةَ: أُمَيْمَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ غَادِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، وَأُمّ أُمَيْمَةَ: دَبّةُ بِنْتُ الحارث ابن لِحْيَانَ بْنِ غَادِيَةَ «1» ، وَأُمّهَا: بِنْتُ [يَرْبُوعِ بْنِ نَاضِرَةَ بْنِ غَاضِرَةَ] كَهْفِ الظّلْمِ مِنْ ثَقِيفٍ، وَذَكَرَ الزّبَيْرُ قَلَابَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَزَعَمَ أَنّ أَبَاهَا الْحَارِثَ كَانَ يُكَنّى: أَبَا قَلَابَةَ، وَأَنّهُ أَقْدَمُ شُعَرَاءِ هُذَيْلٍ، وَذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ:
لَا تَأْمَنَنّ وَإِنْ أَمْسَيْت فِي حَرَمٍ ... إنّ الْمَنَايَا بِجَنْبَيْ كُلّ إنْسَانِ
وَاسْلُكْ طَرِيقَك تَمْشِي غَيْرَ مُخْتَشِعٍ ... حَتّى تُلَاقِيَ مَا مَنّى لَك الْمَانِي «2»
__________
(1) الذى فى نسب قريش عن أمهات النبى أن أم برة هى: أميمة بنت مالك ابن غنم بن حنش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان- بكسر اللام- ابن هذيل، وأمها: قلابة بنت الحارث، فقلابة إذن هى: أم أم برة، فلعله سقط كلمة أم من الروض، وأم قلابة هى: دبة بنت الحارث بن تميم، وأمها: لبنى بنت الحارث بن النمر بن جرأة بكسر الجيم بن أسيّد بن عمرو بن تميم بن مر بن أد ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار. صفحة 20 وما بعدها، وأم حبيب التى ذكر ابن هشام أنها من أمهات النبى يقول عنها السدوسى ص 6 أنها: حبيبة، ويقول السدوسى أيضا ص 6 من كتابه حذف نسب قريش بعد أن ذكر أمهاته: «وكل العرب قد ولده- صلى الله عليه وسلم- ولكن هؤلاء أمهاته القرشيات» . وما نقله السهيلى عن الزبير يوجد فى كتاب عمه مصعب صاحب نسب قريش ص 21
(2) فى اللسان:
ولا تقولن لشئ سوف أفعله ... حتى تلاقى ما يمنى لك المانى
وفى التهذيب: حتى تبين ما يمنى لك المانى-(1/440)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالخير والشر مقرونان في قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان
__________
- وفيه أيضا:
لا تأمن الموت فى حلّ ولا حرم ... إن المنايا توافى كلّ إنسان
واسلك طريقك فيها غير محتشم ... حتى تلاقى ما يمنى لك المانى
ويمنى المانى: يقدر الله القادر وفى نسب قريش ص 21:
إن الرشاد وإن الغى فى قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان
ثم: لا تأمنن الخ وفى أمالى المرتضى: روى أن مسلما الخزاعى، ثم المصطلقى، قال: شهدت رسول الله «ص» - وقد أنشده منشد قول سويد بن عامر المصطلقى:
لا تأمنن وإن أمسيت فى حرم ... إن المنايا توافى كل إنسان
واسلك طريقك فيها غير مختشع ... حتى تبين ما يمنى لك المانى
فكل ذى صاحب يوما يفارقه ... وكل زاد- وإن أبقيتة- فانى
والخير والشر مقرونان فى قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان
فقال رسول الله «ص» : لو أدركته لأسلم، فبكى مسلم، فقال: ابنه: يا أبت ما يبكيك من مشرك مات فى الجاهلية؟ فقال: يا بنى لا تفعل، فما رأيت مشركة تلقفت من مشرك خيرا من سويد. ص 27 ح 2 أمالى المرتضى ط 1325 هـ وأخرج الحديث البغوى والطبرانى وابن السكن وابن شاهين وابن الأعرابى وابن منده من طريق يعقوب بن محمد الزهرى، وقد تفرد به. الإصابة.(1/441)
تمّ بحمد الله الجزء الأوّل ويليه الجزء الثّانى إن شاء الله وأوله: بَابُ مَوْلِدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/442)
تصويبات رغم تكرار التجارب والحرص البالغ، غلبتنا على أمرنا هذه الأخطاء التى ندّت عن العين، ولقد كنت بين أمرين أولهما: الحرص على جمال الكتاب وأناقته، فلا أصوّب، وآخرهما: البر بالحقيقة والحرص عليها، واخترت هذه، واثقا أن البر بالحقيقة فى تصويب ما غفلت عنه يعطى الكتاب أناقته وجماله.(1/443)
ص سطر خطأ صواب
34 9 بسلك بسلك
36 14 المقّرى المقّرى
37 15 شبه شيبة
38 1 عينيه عيينة
39 1 المقبرى المقبرى
39 3 الأودى الأودىّ
45 1 سمّوا سمّوا
54 3 العجلة العجلة
57 7 الألس الألس
57 7 رجل رجل
58 4 أهيس أهيس
65 10 مصروف مصروف
67 7 كلّكم كلّكم
69 1، 2 معدّا معدّا
70 5 عبرانّية عبرانيّة
71 16 الحربه الحرية
72 5 مريم مريم
73 5 عدن عدن
73 6 سطوة سطوة
79 3 شعبان بين سفيان بن
79 4 بالحيرة بالحيرة وتعلمه
81 12 عطيه عطية
ص سطر خطأ صواب
82 2 سريانى سريانى
82 12 يمتنع يمتنع
85 14 شوخ شوح
87 17 استند سيستند
88 17 فارا فارّا
90 1 سبحانه سبحانه
91 1 شمس شمس
96 20 المراء الراء
96 23 قوارير أوعية من
101 5 أدد أدد
105 9 ابن ابن
104 5 زيذ زيد
105 13 بخلاف مخلاف
106 9 السّلح السّلح
106 18 تنحيته تنجيته
107 5 عنز عنز
108 23 مدنية مدينة
110 9 بن ثعلبة العنقاء بن ثعلبة العنقاء
113 13 لكثرته وذلك لكثرته
116 12 من سيله من (دون «1» ) سيله
119 9 النقية النقيه
120 10 شعراء الشعراء
__________
(1) زيادة (دون) من اللسان فى مادة سبأ ومن السيرة، وهى ليست فى الروض.(1/445)
ص سطر خطأ صواب
121 11 تقدمه وتقدمه
122 20 ص 61 ص 59 إلى 61
122 20 حزم عبد البر
122 20 ص 90 ح 8 ص 90 ح 8 الأغانى
122 22 62 12 62
و123 20 الكميت شاعر حمير أو مضر
126 1 المغيرة المغيرة
127 11 النعمان النعمان
142 2 الأرض الأرض
151 8 بلادهم بلادهم
151 10 تنسب تنسب
158 6 بنت بلقيس بلقيس بنت
164 11 التبايعة التبايعة
170 6 والتّرة والتّرة
170 15 المضمر المضمر
173 10 أحبه أحسبه
176 13 الخزف الخرف
180 8 ديننا تحذف الكلمة
180 14 فتيلة نتيلة «1»
ص سطر خطأ صواب
185 16 بكسر.. وفتح بفتح.. وكسر
187 3 ربّ ربّ
188 5 أبناءها أبناها
188 11 الجبلى الحبلىّ
189 5 ليعلمهم ليعلمهم
195 8 وهب وهب
197 14 أمر مرّ
197 21 ليحرّم ليحرم
198 9 استفتلح استفتاح
203 10 العلم العلم
206 12 خمسائة خمسمائة
210 4 ماء ما
211 11 خرب خرب
212 4 الناس الناسى
219 3 وأبرهة وأبرهة
219 4 هو أبرهة هو أبرهة
227 17 فنيون فينون
228 10 من،.. بلن من..، بلن
229 4 صحرة صحرة.
230 11 جدور «2» جدر
__________
(1) فى الروض تنيلة وهو خطأ.
(2) هى هكذا فى الروض ولكنه خطأ سهوت عن تصويبه.(1/446)
ص سطر خطأ صواب
230 12 تقيد هكذا تقيد
230 13 هكذا كما كما
233 17 الشافعية الشافية
234 5 الرواى الراوى
236 8 بالسعالى بالسّعالى
238 4 إرمينية بإرمينية
248 3 تعلبة ثعلبة
249 10 فحر فخر
250 3 نقدعهم نقدعهم
266 14 لهنّك [أو لهنّك] لهنّك «1»
269 13 أكلب أكلب
270 2 نيت نبت
270 11 طبرستان «2» طبرستان
270 17 سمّى سمّى
ص سطر خطأ صواب
271 19 فقّل فعّل
274 يعبّرّ يعبّر
276 7 ينفض رأسه يجنب وسطنا «3»
277 2 يؤتفين يؤثفين
277 2 إسكان وإسكان
278 21 لسيبوته لسيبويه
288 9 لا يتصورّ لا يتصوّر
293 20 خشية خشية
293 9 جيشه جيشه
297 9 القيل القيل
300 3 أيمن أيمن
302 10 واديين واد بين
304 23 مرتفعا مرتفقا
310 4 ووهمدان وهمدان
__________
(1) وانظر لها نوادر أبى زيد ص 28 ط لبنان
(2) هى فى القاموس كما هى مكتوبة فى الخطأ، وفى البكرى كما هى فى التصويب. وفى المراصد بكسر الراء وسكون السين.
(3) الذى فى جدول الخطأ ليس خطأ، وإنما رواية للبيت فى الروض. والذى فى جدول التصويب رواية ابن قتيبة فى أدب الكاتب. وبقية البيت: «تصوب فيه العين طورا وترتقى» وقد رواه عند ذكره أن الكاف تدخل على الباء. وينسب البيت أيضا لعمرو بن عمار، وهو فى وصف فرس. وابن الماء: طائر سريع. يجنب: يقاد. تصوب: تنظر إلى أسفل انظر ص 501 أدب الكاتب، ص 250 شرح أدب الكاتب للجواليقى.(1/447)
ص سطر خطأ صواب
311 11 اليوم البوم
318 16 شرويه شيرويه
320 19 يستخرج يستخرج
324 6 أسهرك أسهرك
336 2 ينعم ينعم
336 19 ينكر يذكر
337 10 فالعود فالعود
338 23 الزعتر الزّغبر
340 22 أقبل وأقيل أقبل وأقيل
341 3 ينسب ينسب
344 7 شرخ شرح
344 20 لهلوك لملوك
347 5 أهل أهل
ص سطر خطأ صواب
348 7 النفوسى النّفوسى
348 14 استرفى استوفى
348 16 اسم اسمه
352 2 بدومة بدومة
360 20 أد أدد
366 13 اللّات اللّات
369 7 وخلّى وخلّى
372 4 فصلببت فصلبت
376 11 غذرة غدرة أو عذرة
380 17 أبه أبى
382 13 قرقرة قرقرة
383 12 الفنا القنا(1/448)
محتويات الكتاب
رقم موضوع
5 مقدمة المؤلف
21 ترجمة ابن إسحاق
24 ترجمة ابن هشام
25 ترجمة السهيلى
31 مقدمة الروض الأنف «1»
31 دولة الموحدين. ش
32 الغاية من تأليف الكتاب
34 لماذا أتقن التأليف
35 عمله فى الكتاب
36 سند المؤلف
37 ترجمة ابن إسحاق
39 طعن مالك فى ابن إسحاق
40 رواة السيرة عن ابن إسحاق
43 مقدمة السيرة
43 سرد النسب الزكى «س»
43 ترجمة ابن هشام
44 تفسير نسب رسول الله
44 عبد المطلب «ش»
45 هاشم
46 عبد مناف
رقم موضوع
47 قصى ن. ل
47 أصل قصى ن. ل
48 ابن فى إضافتها إلى ياء المتكلم ش
49 كلاب
50 مرة
51 كعب ويوم العروبة
51 أيام الأسبوع فى الجاهلية «ش»
51 اسم يوم الجمعة
52 كعب ومبعث النبى
53 لؤى واشتقاقه
55 فهر واشتقاقه
56 خزيمة والنضر
57 مدركة والياس
59 أم وجمعها ن. ل
61 مضر واشتقاقه
61 البدن
62 مضر الحمراء وربيعة الفرس
62 أول من سن الحداء
62 نزار ومعد
__________
(1) س: رمز عن السيرة و: ن. ل رمز عن النحو واللغة. وش: رمز عن الشرح أما الروض فبدون رمز أو: ر.
(م 29- الروض الأنف)(1/449)
أسطورة النور الذى تنقل فى
63 الأصلاب «ش»
65 النسب قبل عدنان
65 صرف أدد ن. ل
66 زند بن اليرى
68 بختنصر والعرب واليهود
68 إرمياء «ش»
69 ابن عبد البر
70 العتيرة والرجبية
71 الرماح اليزنية
71 دوس العتق
72 عود إلى بختنصر
72 أهل حضور
73 شعيب
73 مقوم
74 تيرح وناحور ويشجب
74 إبراهيم. وآزر
75 الذين قبل تارح
76 الضحاك
77 نوح ومن قبله
78 خنوع أو إدريس
78 أول من خط بالقلم وتكلم بالعربية
78 ابن محمد الناشئ «ش»
79 حديث آخر عن إدريس
80 ابن العربى «ش»
81 آباء إدريس
82 آدم واشتقاقه ووزنه
82 منعه من الصرف ن. ل
83 عمل ابن هشام فى السيرة «س»
83 حكم التكلم فى الأنساب
84 سياقة النسب من ولد إسماعيل «س»
84 ذكر إسماعيل وبنيه
87 هاجر وسارة «س»
88 وفاة إسماعيل وموطن أمه
88 متى نطق إبراهيم بالعبرانية
89 مفهوم كلمة عبرى. ش
90 نسب هاجر
90 اللغة السريانية «ر. ش»
91 من علاقة سارة بها جر
91 إلى من أرسل إسماعيل؟
91 زوجتا إسماعيل
92 موطن هاجر
92 أصل العرب
93 المقوقس وهداياه
96 مصر وحفن
97 ترجمة ابن لهيعة والاسكندر «ش»
97 فتح مصر «ش»
98 حفن وأنصنا
98 القبط
99 عك بن عدنان
99 رعف ووزنها ن. ل
100 ذكر قحطان والعرب العاربة(1/450)
103 سبأ وأميم ووبار
104 يعرب بن قحطان «ش»
104 أبو العلاء «ش»
105 وبار وبناؤها ن. ل
106 العمالقة والفراعنة
106 فرعون موسى
107 طسم وجديس واليمامة
107 جمع تبع ن. ل
109 ذكر نسب الأنصار
109 اشتقاق الأوس والخزرج
110 مزيقياء ونسبه
110 الأسد وجفينة
112 حسان الصحابى الشاعر
112 اشتقاق غسان ن. ل
113 سبأ وسيل العرم
114 إضافة الاسم إلى وصفه وتلقيب
المضاف بالمفرد ن. ل
115 مأرب والسد
115 الأعشى «ش»
117 قنص بن معد ونسب النعمان «س»
117 ذكر معد وولده
118 نسب قضاعة ولبيد
119 زهير بن أبى سلمى «ش»
120 الكميت
الأعمش، وابن الماجشون ومسروق، ومالك
120 المغيرة، وابن دينار «ش»
121 عكل «ش»
121 بعض من نسبوا إلى حواضنهم
122 البكر والثنى والثلث ن. ل
122 اشتقاق قضاعة ن. ل
124 جميل بن عبد الله
125 ذكر قنص بن معد
126 لخم بن عدى
126 جبير بن مطعم «ش»
مكانة أبى بكر وجبير بن مطعم
126 فى الأنساب
127 من تاريخ النعمان بن المنذر «ش»
127 خاقان وهرقل وكسرى
128 أبرويز بن هرمز ويزدجرد «ش»
أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ
128 اليمن وقصة سد مأرب «س»
129 السد وسيل العرم «س»
129 نسب الأعشى عند ابن هشام
130 نسب أمية والنابغة
131 لخم وجذام واشتقاقهما «ش» ن. ل
131 قطرب وسعيد بن جبير
131 حديث ربيعة بن نصر ورؤياه
131 سطيح
131 مفهوم كلمة الكاهن «ش»
موقف الإسلام من ادعاء
132 معرفة الغيب «ش»(1/451)
134 شق
134 وهب بن منبه «ش»
135 طريفة الكاهنة وشق ومطيح
135 خالد القسرى من ولد شق
135 تفسير الرؤيا
136 وضع ذات بدلا من ذى ن. ل
137 نسب سطيح وشق «س»
137 نسب بجيلة «س»
137 حام وأولاده «ش»
137 سطيح يخبر ربيعة عن رؤياه
139 شق يخبر ربيعة عن رؤياه
140 كسرى الذى ارتجس ديوانه «ش»
140 مزدك. إيوان كسرى «ش»
141 أعراب وعراب «ش» ن. ل
إرسال كسرى عبد المسيح
141 إلى سطيح
تغير قصيدة أصم أم يسمع
142 غطريف اليمن «ش»
143 بين سطيح وعبد المسيح
143 فاد يفيد ويفيد ن. ل
143 من تاريخ ملوك الفرس
144 خرّزاذ
144 جذيمة الأبرش
144 ملوك الطوائف
144 الضيزن والحضر «ش»
146 نسب النعمان بن المنذر «ش»
146 الكينية، وبخنصر والحيرة
146 دارا وساسان
147 أزدشير وبنت ملك الأردوان
149 الإضافة عند الفرس ن. ل
149 لقب سابور
149 ذو الأكتاف وعمرو بن تميم
150 أبرويز بن هرمز
حديث نبوى عن بوران ملكة
151 الفرس
151 النسب إلى نيسابور رجوع إلى حديث سطيح
151 وذى يزن
152 المحرّق
152 قصة عمرو بن عدى
153 شب عمرو عن الطوق ن. ل
153 الزّبّاء
155 الاسمان يجعلان اسما واحدا ن. ل
156 استيلاء أبى كرب على اليمن
156 من ملوك التبابعة
158 بلقيس وذو القرنين
159 معنى تبع ن. ل
رأى ابن حزم فى أنساب 159 تبع «ش»
159 أذواء اليمن
159 القيل والمقول وجمعهما «ش»
160 بزن وأصله والنسبة إليه «ش»(1/452)
رقم موضوع
غضب تبان على أهل المدينة
161 وسبب غزوه لها
162 أول ملك ملك من غسان «ش»
162 تبع الذى أسلم
164 عمرو بن طلة ونسبه «س»
164 مقاتلة تبان لأهل المدينة «س» بنو قريظة والنضير والنجام
165 وهدل س
166 شرح الروض لغريب حديث تبع
167 جمع ما آخره ألف التأنيث «ش» ن. ل
168 جمع فعلى ن. ل
168 فعل وفعل ن. ل
168 من الكلمات المثلثة الفاء «ش» ن. ل
169 النجار «ش» حروف العطف وإضمار
170 العامل المتقدم ن. ل
172 الإضافة فى «دائب ملواهما» ن. ل
173 تبان والنصرانية «س»
174 تبع الذى أراد إخراب البيت
175 أول من كسا البيت «س» جزاء إرادة الإلحاد فى البيت
175 الحرام «س» .
175 خرافة تنعلق بكسوة الكعبة
176 أحاديث كسا الكعبة «ش»
177 جمع حائض ومئلاة ن. ل
رقم موضوع
178 قصيدة سبيعة بنت الأحب «س»
179 زبينة والنسب إليها ن. ل
179 أول بغى كان فى قريش
180 أصل اليهودية باليمن «س»
180 كسوة الكعبة
182 بيت رئام ومصيره
183 نحو ولغة ن. ل
184 لهنك، ولاه ابن عمك ن. ل
185 المقاول ن. ل
185 الأقوال والمقاول ن. ل استعمال الياء فى إفراد وجمع
185 ما أصله الواو ن. ل
185 جمع لا واحد له من لفظه ن. ل
186 تصريف فعل من قيل ن. ل
186 ملك حسان بن تبان وقتل عمر
187 أخيه له
187 لباب لباب «س»
189 خبر لخنيعة وذى نواس «س»
189 فوق لخنيعة «س»
190 ذو نواس يقتل لخنيعة «س»
190 ملك ذى نواس «س» بقايا من أهل دين عيسى
190 بنجران «س»
190 عسفان «ش»
191 أمج «ش»(1/453)
رقم موضوع
ابتداء وقوع النصرانية
191 بنجران «س»
192 حديث فيمؤن «س»
193 نجران
194 فيميون يباع وصاحبه «س»
194 أصحاب الأخدود
195 قسطنطين بن هيلانة
196 أمر عبد الله بن الثامر «س»
196 التفاضل بين الأسماء الإلهية
198 لا يصح الإخبار عن الله بأنه قديم «ش»
199 الكلام فى خلق الأفعال ش
199 المعتزلة والأشعرية والصفات
200 الغزالى والصفات «ش»
200 لفظ ذات مولد «ش» ن. ل
201 عقيدة الجهمية والمعطلة فى الصفات «ش»
201 مذهب السلف فى الصفات «ش»
202 القول فى تفضيل بعض السور
202 الاسم الأعظم.
رأى ابن تيمية فى التفاضل بين
203 الكلام الإلهى «ش»
205 ابن الثامر يدعو إلى الإسلام «س»
205 ابن الثامر وملك نجران «س»
السهيلى يتابع الكلام عن الاسم
205 الأعظم
رقم موضوع
ضعف حديث إحصاء الأسماء
206 الحسنى «ش»
الدليل على أن الاسم «الله» هو
207 الأعظم
207 تفخيم اللام من الله ن. ل
207 حروف الإطباق والاستعلاء ن. ل
ابن القيم وإحصاء الأسماء
207 الحسنى «ش»
208 الاستجابة بالاسم الأعظم
209 ما دعا به الرسول (ص) لأمته
210 مقتل ابن التامر ودخول نجران فى دينه «س»
211 حياة الشهداء الغيبية
212 أساطير عن الحياة فى القبور
213 أصحاب الأخدود فى رواية أخرى
216 حديث الأعمى الذى شفى
217 الأخاديد «ش»
217 ابن الثامر بعد مقتله «س»
217 حديت الحبشة
220 أمر دوس ذى ثعلبان واستنصاره بقيصر وابتداء ملك الحبشة «س»
220 فجور عتودة قاتل أرياط
220 ذحل وجمعها «ش» ن. ل
221 سيف بن ذى يزن وأبرهة وكسرى
222 هزيمة ذى نواس وانتحاره «س»(1/454)
رقم موضوع
222 ذو الرمة وسبب تلقيبه بهذا الأبناء «ش»
223 الضحضاح ن. ل
224 ما قيل من شعر فى دوس
225 بينون وسلحين وإعراب الاسم المسمى بالجمع المسلم ن. ل
226 مذهب ثالث فى تسمية الاسم بالجمع المسلم ن. ل
226 زيتون واشتقاقها ن. ل
226 ديرا عبدون وفينون
227 نون حلزون وفلسطين ن. ل
227 قصيدة ذى جدن «س»
228 لن ناصبة وجازمة ن. ل
228 الياء فى لن تطيقى ن. ل
229 قصيدة ابن الذئبة «س»
230 فى شرح قصيدة ذى جدن
231 الهامى والمنهمة
232 الجروب ن. ل
232 جمع الاسم على حذف الزوائد ن. ل
232 موحل وفتح العين منها ن. ل
قصيدة عمرو بن معدى كرب
233 فيما كان بينه وبين قيس «س»
234 استكان واشتقاقها ن. ل
234 تولد الحروف من إشباع الحركات ن. ل
235 من شرح قصيدة ابن الذئبة
235 فاء الفعل فى الوزير وفى الأزر ن. ل
236 معدى كرب وكلكى كرب
237 قيس بن مكشوح
237 نسب زبيد «س»
237 الأسود العنسى «ش»
ضرب المثل بفرسية عمرو
239 ابن معدى كرب
239 الصمصامة وذو الفقار
239 ريحانة أخت عمرو بن معدى
239 باهلة وسلمان بن ربيعة
241 عود إلى شق وسطيح «س»
غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ
241 الْيَمَنِ وَقَتَلَ أرياط «س»
242 موقف النجاشى من أبرهة «س»
242 أمر الفيل وقصة النسأة
242 كنيسة أبرهة
242 اليافوخ أو اليأفوخ ن. ل
243 النسىء «س»
243 نسب العجاج
244 أول من نسأ الشهور «ش»
244 خير القليس مع الفيل والنسأة «س»
244 اشتقاق القليس ن. ل
245 سبب حملة أبرهة على الكعبة «س»
245 استذلال أهل اليمن فى بناء القليس
246 مصير القليس
247 كعيب الصنم وامرأته
247 النسىء والنسأة
247 أول النسأة(1/455)
248 نوعا النسىء
248 سبب اقترافهم للنسىء «ش»
248 شعر الكميت فى الفخر بالنسأة
249 معنى: إن الزمان قد استدار كهيئته
250 الميم والنون فى منجنون ن. ل
250 تفسير: أثعبان المنجنون المرسل
250 العجاج وكنيته
251 تفسير جذل الطعان
252 إسلام أحد النسأة
252 الأشهر الحرم
253 القعود على المقابر
253 أنساب
254 خثعم
255 ثقيف
255 اشتقاق إياد ن. ل
256 المغمس واشتقاقها ن. ل
257 اللذان حاولا حماية الكعبة «س»
257 بين ثقيف وأبرهة «س»
258 نسب ثقيف فى السيرة
قصة أبى رغال والأسود بن
259 مقصود «س»
260 رسول أبرهة إلى عبد المطلب «س»
260 الشافعون لعبد المطلب «س»
261 وسامة عبد المطلب
262 عبد المطلب يستغيث بالله «س»
262 إفراد الضمير العائد على جمع ن. ل
رقم موضوع
263 أبرهة والفيل والكعبة «س»
264 مصير أصحاب الفيل «س»
265 قصة الفيل فى القرآن «س»
266 حذف لام اللهم ن. ل
266 أصل لهنك وأجنك ن. ل
266 مفهوم كلمة حلال ن. ل الرد على النحاس والزبيدى فى رأيهما حول اللهم صل على
277 محمد وعلى آله ن ل
277 آل وأهل وأهيل ن. ل
267 شرح الآخذ الهجمة ن. ل
268 فى شرح حديث الفيل
268 خفر وأخفر وطماطم ن. ل
268 عبى وعبأ ن. ل
269 هل يبرك الفيل؟
269 نسب الأسود بن مقصود
269 عدد الفيلة التى جىء بها لهدم الكعبة
269 نسب نفيل الذى كلم الفيل
270 تاريخ حادث الفيل
270 الطير الأبابيل
270 تلاعب العرب بالأسماء الأعجمية ن. ل
270 الطبر زين وضبطه ن. ل
271 ضبط حمص وجلق ن. ل
271 الحجارة التى رمى بها الطير(1/456)
رقم موضوع
272 نصب ما فى معنى المصدر المؤكدن. ل
272 من شروط المفعول لأجله ن. ل
273 تعدية فعل نعمناكم ن. ل
273 ردينة ودرينة ن. ل
273 تمث بضم الميم وكسرها ن. ل
273 إعراب تصبب عرقا وشبهها. ن. ل
ضبط الثلاثى المضاعف المتعدى
273 وغير المتعدى ن. ل
274 جمع فعل على فعائل ن. ل
275 أفعال الطباع والخصال ن. ل
275 ضبط أسماء نباتات ن. ل
276 الأبابيل أهى جمع أم مفرد؟ ن. ل
276 الكاف فى صيروا مثل كعصف ن. ل «وصاليات ككما يؤثفين» رأى
276 النحاة فيها ن. ل
277 تصريف أثفية ن. ل
278 حروف الجر التى تقحم ن. ل إفراد الخبر والمبتدأ جمع
279 والصفة والموصوف جمع ن. ل إيلاف قريش «س»
280 ومعنى الإيلاف «س» مصير الفيل وما قيل فيه من
281 الشعر «س»
282 أصحاب إيلاف قريش
284 شعر أمية فى دين الحنيفيه
284 إعراب إيلاف وما بعدها ن. ل «ش»
رقم موضوع
285 نسب الفرزدق
285 رأى السهيلى فى إيلاف ن. ل
286 من شرح شعر الفيل خطأ ابن إسحاق فى نسب عدى
286 ابن سعيد
287 نسب عبد الله بن الزبعرى «ش»
287 دخول الخرم فى الكامل
288 الهامة، وابن مفرغ «ش»
289 مصطلحات عروضية «ش»
290 من أين جاء ابن الزبعرى بتحريم مكة؟
291 تفسير قصيدة ابن الأسلت
291 أول من ذلل الفيلة وسخر الخيل
291 شرح قصيدة طالب بن أبى طالب
292 شرح شعر أبى الصلت
292 المهاة وأسماء الشمس ن. ل
293 قصيدة الفرزدق فى هجو الحجاج حادث الفيل فى شعر ابن قيس
293 الرقيات «س»
293 ولدا أبرهة «س»
294 سيف بن ذى يزن وقيصر «س» شفاعة النعمان لسيف عند
294 كسرى «س»
295 كسرى يعاون بن ذى يزن
295 تصغير وجمع الاسم السداسى ن. ل
296 انتصار سيف وقول الشعراء فيه
297 وهرز واليمن(1/457)
رقم موضوع
297 تلقيب ابن قيس بالرقيات ن. ل
299 سيف بن ذى يزن وكسرى
299 ابن أم مكتوم «ش»
300 نسب سيف
300 وصف تاج كسرى
300 النسبة إلى يزن ن. ل
300 المنا والكمأة ن. ل
301 عمر وسراقة والتاج
302 اسم صنعاء قديما ن. ل
303 شرح لامية ابن أبى الصلت
303 اشتقاق رواثم ن. ل
304 شدف مفردها ومعناها ن. ل
304 جمع فعل ن. ل
304 متى يجوز جمع الجمع ن. ل من معانى قصيدة ابن أبى
304 الصلت «ش»
305 قصيدة لعدى بن زيد «ش»
306 ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن س
306 مدة ملك الحبشة باليمن «س»
306 أمراء الفرس على اليمن «س»
307 التنبؤ بقتل كسرى «س»
307 إسلام باذان «س»
308 أسطورة الحجر المكتوب بالزبور
308 الأعشى ونبوءة شق وسطيح «س»
309 عن النابغة وعدى بن زيد
309 النوابغ والأعاشى
رقم موضوع
310 النابغة بين يدى الرسول (ص)
311 نسب عدى بن زيد فى الطبرى
311 العباد
312 أصل التاء فى تولب وشبهها ن. ل
313 فى شرح قصيدة عدى بن زيد ن. ل
313 البربر ليسوا من حمير ولا عيلان
313 الزرافة
315 باذان وكسرى
316 قوم من الأبناء
316 طاووس. وهل هو من الأبناء
316 اشتقاق المنون ن. ل
317 وزن مخاص ومخاضة ن. ل
317 آن يئين مقلوب من أنى يأنى ن. ل
317 سبب قتل كسرى
318 تعريب خسروا ن. ل
319 ذمار وحمير وفارس والحبشة متى تمنع ذمار من الصرف،
319 ومتى تبنى ن. ل
319 الرأى فى فعال ن. ل
320 الحبشه والكعبة
321 مثل: من دخل ظفار حمر
322 زرقاء اليمامة وطسم وجديس
323 قصة ملك الحضر «س»
323 خبر الساطرون
324 اسم الساطرون ونسبه
325 الجرامقة(1/458)
رقم موضوع
325 وصف الحضر «ش»
326 قصة الضيزن عند السهيلى
326 النضيرة بنت الضيزن وسابور
328 من الذى استباح الحضر؟
هشام بن عبد الملك وعظة
329 ابن الأهتم
330 قصيدة لعدى بن زيد فى الاعتبار
331 عدى بن زيد الذى قتله النعمان
334 قصيدة عمرو بن آلة فى الضيزن
335 من قصيدة الأعشى عن الحضر
336 نعم ينعم ن. ل
336 من شرح قصيدة عدى بن زيد
336 تصريف ربية ن. ل
336 تأنيث ربية «ش» ن. ل
337 وهل ووهم ن. ل
337 الخابور
338 ذكر ولد نزار بن معد «س»
340 أنمار بن نزار أبو بجيلة وخثعم
342 جرير البجلى ونسبه
343 المنافرة
343 الفرافصة رفع جواب الشرط والشرط
343 مضارع ن. ل
344 عيلان
344 خندف وأولادها
345 أيام الأسبوع فى الجاهلية ن. ل
رقم موضوع
عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي
346 النّارِ «س»
346 لم سمى أولاد خندف بهذا؟
347 نسب عمرو بن لحى
348 أبو هريرة وأسماؤه
349 أول من بحر البحيرة أول ما كانت عبادة الحجارة
350 وأول من أتى بها مكة «س»
351 بقايا من دين إبراهيم فى مكة «س» أصنام قوم نوح والقبائل
351 العربية «س» اسم همدان ونسبه عند ابن
352 إسحاق «س»
354 هبل وإساف ونائله «س»
355 الأصنام فى البيوت «س»
355 العزى واللات ومناة «س»
357 أصل عبادة الأوثان
357 عمرو بن لحى وعبادة الأصنام
358 التلبية فى الجاهلية
358 رواية البخارى عن عبادة الأصنام
359 رأى الطبرى فى أصنام قوم نوح
360 ضبط وبرة ودومة الجندل ن. ل
360 اشتقاق طىء ن. ل
360 جر. ن. ل ش وغيرها
362 لا نولك أن تفعل ن. ل
362 تنوفة ووزنها وجمعها(1/459)
رقم موضوع
363 ضبط ملكان وملكان ن. ل منع حبيب من الصرف فى اسم
364 محمد بن حبيب ن. ل
364 السهيلى يروى قصة أساف ونائلة
365 الترخيم فى غير النداء ن. ل ابن إسحاق يعود إلى ذكر
366 الأصنام «س»
366 الغبغب
367 رضاء وهادمها المستوغر «س»
368 الأسود بن يعفر «س» ابن إسحاق يتكلم عن البحيرة
368 والسائبة وغيرهما «س» الحامى والبحيرة والسائبة
369 والوصيلة عند العرب «س»
370 آيات قرآنية تندد بهذه البدع س
371 جمع بحيرة ووصيلة وسائبة وحام ن. ل السهيلى يتحدث عن قصة أجأ
371 وسلمى
371 اشتقاق طىء «ش» ن. ل
372 الصنم ذو الخلص معنى قيس وهشام ونوفل
373 والنسب إلى امرىء القيس ن. ل
373 مأخذ كلمة حندج ن. ل
373 النسب إلى المركب «ش» ن. ل
374 حال من المصدر ن. ل حكم المصدر إذا حذف غير
رقم موضوع
374 حكمه إذا لفظ ن. ل
374 جرير البجلى وهدم ذى الخلصة تأويل: كان يقال له الكعبة اليمانية ن. ل
375 والشآمية
375 له بمعنى من أجله ن. ل
375 ذو الخلصة وآخر الزمان
376 المستوغر وزهير بن جناب من المعمرين
376 بنو جناب
378 الرباب امرأة الحسين
378 من معمرى العرب
379 شعر المستوغر فى رضاء
380 الخورنق وقصة سنمار
381 قصيدة الأسود بن بعفر عن آل محرق
381 معنى السدير ن. ل رأى السهيلى فيما قيل عن البحيرة
381 والسائبة
تحريم تخصيص الذكور دون
382 الإناث بالهبات
383 نسب خزاعة «س»
385 قريش «س»
386 ولد النضر «س»
387 أولاد مالك وابنه فهر «س»
387 غالب وزوجاته وأولاده «س»
388 نسل لؤى «س»
388 بنانة «س»(1/460)
رقم موضوع
389 أمر سامة بن لؤى «س»
390 حول وجمع بحيرة وحائل ن. ل
390 السهيلى يتكلم عن نسب خزاعة
391 بطن مر
392 دمشق ن. ل
392 أصل جيرون «ش» ن. ل
393 قصة أبى دهبل وقصيدته النونية
393 بنو كنانة
394 تفصيل القول فى قريش
396 لم لقب قريش بهذا؟
398 تفسير بيت رؤبة عن القروش
398 تفسير شعر كثير «أليس أبى بالصلت»
399 تفسير قول جربر بن الخطفى
400 بنو الأدرم
403 ماوية امرأة لؤى واشتقاق اسمها ن. ل بنانة وعائذة وبنو ناجية وذبيان
403 وسامة
403 قصة سامة مرة أخرى
404 تفسير بنانة
405 المسودة «ش»
405 ضبط ربان «ش» ن. ل
506 ضبط ذبيان واشتقاقها ن. ل
406 رد الكلمة على ما قبلها فى الإعراب ن. ل
407 لم سميت ناجية بهذا رأى ابن حزم فى بنى ناجية «ش»
408 الفرق بين كلمتى الرسول والمرسل ن. ل
رقم موضوع
إعراب بعض كلمات البيت
408 الأول من شعر سامة ن. ل
409 إعراب «وخروس السرى» ن. ل
410 أمر عوف بن لؤى «س»
411 مكانة مرة وسادات مرة «س»
411 قصيدة الحارث بن ظالم «س»
411 انتساب مرة إلى غطفان «س» شعر الحصين بن الحمام وعامر
412 الخصفى
414 بنو كعب «س»
414 نسب بارق «س»
415 ولدا كلاب وأمهما «س»
415 نسب جعثمة «س»
415 عود إلى أولاد كلاب
416 أولاد قصى وعبد مناف «س»
416 شرح شعر الحارث بن ظالم
417 المرباع
417 شرح شعر الحصين بن الحمام
418 خارجة بن سنان وزهير
418 شرح شعر عامر الخصفى
419 مزينة
420 الحوأب
421 حديث السهيلى عن البسل
421 آمين وبسلا ن. ل
421 المروراة وعثوثل وصمحمح وغيرهما
422 أعلام وأنساب(1/461)
رقم الموضوع
424 الكميت
424 محا السيف ما قال ابن دارة
425 الجدرة
425 الديل والدئل والدّول ن. ل
427 النسبة إلى دئل ن. ل
428 شعر كعب بن مالك الأنصارى فى غزوة السويق
429 أولاد هاشم وأمهانهم «س»
340 أولاد عبد المطب بن هاشم «س»
431 العواتك اللاتى ولدن النبى صلى الله عليه وسلم
رقم الموضوع
432 وهم ابن إسحاق فى نسب أم صفية
433 بطون جنب
433 عبد شمس وهاشم
435 فاطمة بنت الأجحم وأم العباس
436 جحل بن عبد المطلب
437 الزبير عم الرسول «ص»
438 زيادة الميم فى ابن وعبد «ش» ن. ل
439 أبو لهب
439 أمهات النبى «ص»
443 تصويب الخطأ(1/462)
الجزء الثاني
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الذين اهتدوا بهديه إلى يوم الدين.
«أما بعد» فباسم الله نقدم الجزء الثانى من «الروض الأنف» للسهيلى والسيرة النبوية لابن هشام، سائلين الله أن يعين على التمام، وأن يجعل عملنا هذا صالحة عنده. إنه سميع مجيب.
القاهرة- حلوان- مدينة الزهراء
19 من رمضان سنة 1387
20 من ديسمبر سنة 1967
عبد الرحمن الوكيل(2/5)
[ «أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم» :]
قال ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سَيّدَ وَلَدِ آدَمَ، مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَأُمّهِ: آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضر.
وَأُمّهَا: بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ.
وَأُمّ بَرّةَ: أُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ.
وَأُمّ أُمّ حَبِيبٍ: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بن عدىّ بن كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَأُمّهِ صلى الله عليه وسلم.
[ «حديث مولد رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ» .]
إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احتفار زمزم:
قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، قال:
وكان من حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مَا حَدّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكّائى، عن مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ: بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلّبِ بن هشام نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ أُتِيَ، فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ: إسَافٍ ونائلة، عند
ـــــــــــــــــــــــــــــ(2/6)
مَنْحَرِ قُرَيْشٍ. وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا حِينَ ظَعَنُوا من مكة، وهى: بئر إسماعيل ابن إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- الّتِي سَقَاهُ اللهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إلَى الصّفَا تَدْعُو اللهَ، وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ، ثُمّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ، وَسَمِعَتْ أُمّهُ أَصْوَاتَ السّبَاعِ فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ تَشْتَدّ نَحْوَهُ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ من تحت خدّه ويشرب، فجعلته حسيّا [الحسى: الحفيرة الصغيرة] .
[أمر جرهم، ودفن زمزم]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ، وَدَفْنُهَا زَمْزَمَ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكّةَ، وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكّةَ بَعْدَهَا إلَى أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ زَمْزَمَ، مَا حَدّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: لَمّا توفى إسماعيل ابن إبْرَاهِيمَ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ- مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَلِيَهُ- ثُمّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ مَوْلِدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَكَرَ نَسَبَ أُمّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأَنّ زُهْرَةَ هُوَ: ابْنُ كِلَابٍ، وَفِي الْمَعَارِفِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ: أَنّ زُهْرَةَ اسْمُ امْرَأَةٍ عُرِفَ بِهَا بَنُو زُهْرَةَ، وَهَذَا مُنْكَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَإِنّمَا هُوَ اسْمُ جَدّهِمْ- كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَالزّهْرَةُ فِي اللّغَةِ: إشْرَاقٌ فِي اللّوْنِ، أَيّ لَوْنٍ كَانَ مِنْ بَيَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ الْأَزْهَرَ هُوَ الْأَبْيَضُ خَاصّةً، وَأَنّ الزّهْرَ اسْمٌ للأبيض من النّوّار،(2/7)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو إسْمَاعِيلَ، وَبَنُو نابت مع جدّهم: مضاض بن عمرو وأخوالهم من جُرْهُمٍ، وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكّةَ، وَهُمَا ابْنَا عَمّ، وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ الْيَمَنِ، فَأَقْبَلَا سَيّارَةً، وَعَلَى جُرْهُمٍ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو، وَعَلَى قَطُورَاءَ:
السّمَيْدَعُ رَجُلٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إلّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ. فَلَمّا نَزَلَا مَكّةَ رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ، فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ. فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكّةَ بِقُعَيْقِعَانَ، فَمَا حَازَ. وَنَزَلَ السّمَيْدَعُ بِقَطُورَاءَ، أَسْفَلَ مَكّةَ بِأَجْيَادِ، فَمَا حَازَ. فَكَانَ مُضَاضٌ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ السّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكُلّ فِي قَوْمِهِ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. ثُمّ إنّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ بغى بعضهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَخَطّأَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: إنّمَا الزّهْرَةُ إشْرَاقٌ فِي الْأَلْوَانِ كُلّهَا، وَأَنْشَدَ فِي نُورِ الْحَوْذَانِ، وَهُوَ أَصْفَرُ:
تَرَى زَهْرَ الْحَوْذَانِ حَوْلَ رِيَاضِهِ ... يُضِيءُ كَلَوْنِ الْأَتْحَمِيّ الْمُوَرّسِ «1»
وَفِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ: نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَيْنَاهُ تزهران تحت المغفر.
__________
(1) الحوذان: نبات عشبى من ذوات الفلقتين. منه أنواع زرع لزهرها، وأخرى تنبت برية، ويقال: تحم الثوب: وشاه، والأتحمى والأتحمية، والمتحمة- بضم الميم وسكون التاء وفتح الحاء، أو بفتح التاء وتضعيف الحاء مع فتح- برد. وورّس الثوب: صبغه بالورس، وهو نبت من الفصيلة البقلية، وهى شجرة ثمرتها قرن مغطى عند نضجه بغدد حمراء، كما يوجد عليه زغب قليل يستعمل لتلوين الملابس الحريرية لاحتوائه على مادة حمراء.(2/8)
عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ: بَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ، وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السّمَيْدَعِ. فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فخرج مضاض ابن عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدّتُهَا مِنْ الرّمَاحِ وَالدّرَقِ وَالسّيُوفِ وَالْجِعَابِ، يُقَعْقِعُ بِذَلِك مَعَهُ، فَيُقَالُ: مَا سُمّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلّا لِذَلِك. وَخَرَجَ السّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ، وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرّجَالُ، فَيُقَال:
مَا سُمّيَ أَجْيَادٌ: أَجِيَادًا إلّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السّمَيْدَعِ مِنْهُ. فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ السّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ. فَيُقَالُ:
ما سمّى فاضح فاضحا إلا لذاك. ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح، فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ: شِعْبًا بِأَعْلَى مَكّةَ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ.
فَلَمّا جمع إليه أمر مَكّةَ، فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ نَحَرَ لِلنّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ، فَاطّبَخَ النّاسُ وَأَكَلُوا، فَيُقَالُ: مَا سُمّيَتْ الْمَطَابِخُ: الْمَطَابِخَ إلّا لِذَلِك. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنّهَا إنّمَا سُمّيَتْ الْمَطَابِخَ، لَمّا كَانَ تُبّعٌ نَحَرَ بِهَا، وَأَطْعَمَ، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ، فَكَانَ الّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسّمَيْدَعِ أَوّلَ بَغْيٍ كَانَ بمكة فيما يزعمون.
ثُمّ نَشَرَ اللهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ من جُرْهُمٍ وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكّامُ بِمَكّةَ، لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ، وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ. فَلَمّا ضَاقَتْ مَكّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلّا أَظْهَرَهُمْ الله عليهم بدينهم فوطئوهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زَمْزَمُ: وَذَكَرَ فِيهِ خَبَرَ إسْمَاعِيلَ، وَأُمّهِ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْهُ. وَذَكَرَ أَنّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- هَمَزَ بِعَقِبِهِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَنَبَعَ الماء، وكذلك زمزم(2/9)
[استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفى جرهم]
[ «بنو بكر يطردون جرهما» ]
ثُمّ إنّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكّةَ، وَاسْتَحَلّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الّذِي يُهْدَى لَهَا، فَرَقّ أَمْرَهُمْ. فَلَمّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذلك، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مَكّةَ. فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ، فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكّةَ. وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا تُقِرّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمّى: النّاسّةَ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ مَكَانَهُ، فَيُقَالُ: إنّهَا مَا سُمّيَتْ بِبَكّةِ إلّا أَنّهَا كَانَتْ تَبُكّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذا أحدثوا فيها شيئا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ بَكّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكّةَ؛ لِأَنّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ، وَأَنْشَدَنِي:
إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهْ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهُ
أَيْ: فَدَعْهُ حَتّى يَبُكّ إبِلَهُ، أَيْ يُخَلّيهَا إلَى الْمَاءِ، فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَسَمّى: هَمْزَةَ جِبْرِيلَ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الزّايِ، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا: هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، لِأَنّهَا هَزْمَةٌ «1» فِي الْأَرْضِ، وَحُكِيَ فِي اسْمِهَا: زُمَازِمُ وَزَمْزَمُ. حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمُطْرِزِ، وَتُسَمّى أَيْضًا: طَعَامُ طعم، وشفاء سقم. وقال الجربىّ: سميت:
__________
(1) فى النهاية لابن الأثير: الهزمة: النقرة فى الصدر، وفى التفاحة إذا غمزتها بيدك: وهزمت البئر إذا حفرتها.(2/10)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ بِغَزَالِيّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرّكْنِ، فدفنهما فِي زَمْزَمَ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ عمرو ابن الحارث بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ:
وَقَائِلَةٍ وَالدّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ
فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنّي كَأَنّمَا ... يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ
بَلَى نَحْنُ كُنّا أَهْلَهَا، فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللّيَالِي، وَالْجُدُودِ الْعَوَاثِرِ
وَكُنّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ، وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ
وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزّ، فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ
مَلَكْنَا فَعَزّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيّ غَيْرِنَا ثَمّ فَاخِرُ
أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْته ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنّا، وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ
فَإِنْ تَنْثَنِ الدّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنّ لَهَا حَالًا، وَفِيهَا التّشَاجُرُ
فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ- يَا لِلنّاسِ- تَجْرِي الْمَقَادِرُ
أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيّ، وَلَمْ أَنَمْ ... : أَذَا الْعَرْشِ: لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ
وَبُدّلْت مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ ويحابر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زَمْزَمَ، بِزَمْزَمَةِ الْمَاءِ، وَهِيَ صَوْتُهُ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: سُمّيَتْ زَمْزَمَ؛ لِأَنّ الْفَرَسَ كَانَتْ تَحُجّ إلَيْهَا فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ، فَزَمْزَمَتْ عَلَيْهَا. وَالزّمْزَمَةُ: صَوْتٌ يُخْرِجُهُ الْفَرَسُ مِنْ خَيَاشِيمِهَا عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلَى عماله: أن انهو الفرس عن الزّمزمة، وأنشد المسعودى:(2/11)
وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضّتْنَا السّنُونَ الْغَوَابِرُ
فَسَحّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ، وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ
وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يؤذى حَمَامُهُ ... يَظَلّ بِهِ أَمْنًا، وَفِيهِ الْعَصَافِرُ
وَفِيهِ وُحُوشٌ- لَا تُرَامُ- أَنِيسَةٌ ... إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، فليست تغادر
قال ابن هشام: «فَأَبْنَاؤُهُ منا» ، عن غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ، وَسَاكِنِي مَكّةَ الّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ:
يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
حُثّوا الْمَطِيّ، وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَقَضّوا مَا تُقَضّونَا
كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ، فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ، فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا
قَالَ ابن هشام: هذا ما صح له منها. وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم بِالشّعْرِ:
أَنّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ، وَأَنّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ، وَلَمْ يُسَمّ لى قائلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زَمْزَمَتْ الْفَرَسُ عَلَى زَمْزَمَ ... وَذَاكَ فِي سَالِفِهَا الأقدم «1»
__________
(1) الزمزمة أيضا: تراطن الفرس على أكلهم، وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشفة، لكنه صوت تديره فى خياشيمهم وحلوقهم، فيفهم بعضهم عن بعض. والبيت فى ص 242 ج 1 المسعودى. ونص قول المسعودى: «كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام، وتطوف به تعظيما له، ولجدها إبراهيم عليه السلام وتمسكا بهديه، وحفظا لأنسابها، وكان آخر من حج منهم: ساسان بن بابك.(2/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهَا سُمّيَتْ: زَمْزَمَ لِأَنّهَا زُمّتْ بِالتّرَابِ؛ لِئَلّا يَأْخُذَ الْمَاءُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَوْ تُرِكَتْ لَسَاحَتْ عَلَى الْأَرْضِ حَتّى تَمْلَأَ كُلّ شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالزّمْزَمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْكَثْرَةُ وَالِاجْتِمَاعُ قَالَ الشّاعِرُ:
وَبَاشَرَتْ مَعْطَنَهَا الْمُدَهْثَمَا ... وَيَمّمَتْ زُمْزُومَهَا الْمُزَمْزِمَا «1»
سَبَبُ نُزُولِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ مَكّةَ: الْمُدَهْثَمُ: اللّيّنُ، وَكَانَ سَبَبُ إنْزَالِ هَاجَرَ وَابْنِهَا إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ وَنَقْلِهَا إلَيْهَا مِنْ الشّامِ أَنّ سَارّةَ بِنْتَ عَمّ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- شَجَرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَاجَرَ أَمْرٌ، وَسَاءَ مَا بَيْنَهُمَا، فَأُمِرَ إبْرَاهِيمُ أَنْ يَسِيرَ بِهَا إلَى مَكّةَ، فَاحْتَمَلَهَا عَلَى الْبُرَاقِ «2» وَاحْتَمَلَ مَعَهُ قِرْبَةً بِمَاءِ ومزود تمر، وسار بها
__________
(1) فى الأصل: المدهشم، وهو خطأ. والمعطن هو للابل كالوطن للناس ولكنه غلب على مبركها. والزمزوم: الجماعة من الإبل عددها مائة. وقد ذكر اللسان عن ابن برى أن زمزم لها اثنا عشر اسما: زمزم، مكتومة، مضنونة، شباعة «بضم الشين وفتح الباء» سقيا «بضم السين وسكون القاف» الرّواء: «بفتح الراء والواو» ركضة جبريل، هزمة جبريل، شفاء سقم، طعام طعام، حفيرة عبد المطلب. أقول: وذكر لها اسم آخر هو برّة. وفى اللسان أيضا: الزمزمة بكسر الزاى: الجماعة من الناس، وفرس يزمزم فى صوته إذا كان يطرب.
(2) لم يرد له ذكر فى المرويات الصحيحة، ولم يرد فى حديث يعتد به أن إبراهيم حمل هاجر إلى هنالك ليرضى سارة، بل الذى ورد أنه حملها بأمر الله ليقضى الله أمره سبحانه. وليس إبراهيم بالرجل الذى يضع أمر امرأته فوق أمر ربه، أو يرتكب مثل هذا ترضية لامرأته.(2/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَتّى أَنْزَلَهَا بِمَكّةَ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ «1» ، ثُمّ وَلّى رَاجِعًا عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ «2» ، وَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ «3» وَهِيَ تَقُولُ: آللهُ أَمَرَك أَنْ تَدَعَنِي، وَهَذَا الصّبِيّ فِي هَذَا الْبَلَدِ الْمُوحِشِ، وَلَيْسَ مَعَنَا أَنِيسٌ؟! فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إذًا لَا يُضَيّعُنَا «4» ، فجعلعت تَأْكُلُ مِنْ التّمْرِ، وَتَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْقِرْبَةِ، حَتّى نَفِدَ الْمَاءُ، وَعَطِشَ الصّبِيّ، وَجَعَلَ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ «5» ، وَجَعَلَتْ هِيَ تَسْعَى مِنْ الصّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، وَمِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصّفَا؛ لِتَرَى أَحَدًا، حَتّى سَمِعَتْ صَوْتًا عِنْدَ الصّبِيّ، فَقَالَتْ: قَدْ أسمعت، إنْ كَانَ عِنْدَك غَوْثٌ، ثُمّ جَاءَتْ الصّبِيّ، فَإِذَا الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ خَدّهِ، فَجَعَلَتْ تَغْرِفُ بِيَدَيْهَا، وَتَجْعَلُ فِي الْقِرْبَةِ. قَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ لَكَانَتْ عَيْنًا، أَوْ قَالَ:
نَهَرًا مَعِينًا، وَكَلّمَهَا الْمَلَكُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَأَخْبَرَهَا أَنّهَا مَقَرّ ابْنِهَا وَوَلَدِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ «6» ، وَأَنّهَا مَوْضِعُ بيت الله الحرام، ثم ماتت.
__________
(1) فى رواية للبخارى: «وضعها عند البيت عند دوحة فوق الزمزم فى أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء» .
(2) كان راجعا إلى الشام.
(3) فى رواية ابن جريج: «فأدركته بكداء بفتح الكاف، أوكدى بضم الكاف والقصر.
(4) فى رواية: أنها نادته ثلاثا، وأنه أجابها فى الثالثة، وأنها قالت له: حسبى، أو: رضيت بالله،
(5) يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذى ينازع. وفى روايات: وجعلت تنظر إليه يتلوى. أو يتلبّط، أو يتلبّظ.
(6) فى رواية للبخارى: «فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإن هذا بيت الله يا بنى هذا الغلام، وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله» .(2/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَاجَرُ، وَإِسْمَاعِيلُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وقبرها فى الحجر، وثمّ قبر إسماعيل- عليه السلام- وَكَانَ الْحِجْرُ قَبْلَ بِنَاءِ الْبَيْتِ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» وَيُقَالُ: إنّ أَوّلَ بَلَدٍ مِيرَتْ مِنْهُ أُمّ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَابْنُهَا التّمْرَ: الْقَرْيَةُ الّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بِالْفُرْعِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
قَطُورَا وَجُرْهُمٌ وَالسّمَيْدَعُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نُزُولَ جُرْهُمً، وَقَطُورَا عَلَى أُمّ إسْمَاعِيلَ هَاجَرَ، وَجُرْهُمٌ: هُوَ قَحْطَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، وَيُقَالُ: جُرْهُمُ بْنُ عَابِرٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي السّفِينَةِ، وَذَلِكَ أَنّهُ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ، وَمِنْهُمْ تَعَلّمَ إسْمَاعِيلُ الْعَرَبِيّةَ.
وَقِيلَ: إنّ اللهَ تَعَالَى أَنْطَقَهُ بِهَا إنْطَاقًا، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً «2» .
__________
(1) من زيادة أبى جهم.
(2) لقحطان ولد اسمه: جرهم. أما جدهم الأكبر، أو الأولى، فمن العرب البائدة. ولما ملك يعرب اليمن ولى أخاه جرهم بن قحطان الحجاز، وتداول ملكه بنوه بعده إلى أن أنزل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل. ويقول ابن قنيبة فى المعارف ص 10: ومن ولد أرفخشد: يقطن، وهو أبو جرهم بن يقطن، وجرهم هو ابن عم يعرب، وكانت جرهم ممن سكن اليمن وتكلم بالعربية، ثم نزلوا مكة. فكانوا بها، وقطورا: بنو عم لهم، ويقول ابن عبد البر: «وسار جرهم بن قحطان بولده، فنزلوا مكة، فهؤلاء ونسلهم يدعون العرب العاربة، وبنو إسماعيل يسمون العرب المستعربة لأنهم تعلموا منهم وتكلموا بلغتهم» ص 14 القصد والأمم. وفى نهاية الأرب عن بنى قحطان: «الذى عليه جمهور النسب أنهم بنو قحطان بن عامر بن شالخ» ، وذكر عن عامر أنه أصل عرب اليمن، وإليه تنسب القحطانية، ثم يقول: قال فى العبر: «واسمه فى التوراة: يقطن، فعرب بقحطان. وشذ بعضهم، فقال: إنه ابن قحطان بن الهميسع بن أبين بن قيدار بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم عليه(2/15)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا قَطُورَا، فَهُوَ قَطُورَا بْنُ كَرْكَرَ.
وَأَمّا السّمَيْدَعُ الّذِي ذَكَرَهُ، فَهُوَ السّمَيْدَعُ بْنُ هَوْثَرَ- بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ- قَيّدَهَا الْبَكْرِيّ- بْنُ لَاي بْنِ قَطُورَا بْنِ كَرْكَرَ بْنِ عِمْلَاقٍ، وَيُقَالُ: إنّ الزّبّاءَ الْمَلِكَةَ كَانَتْ مِنْ ذُرّيّتِهِ، وَهِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ حَسّانَ، وَبَيْنَ حَسّانَ، وَبَيْنَ السّمَيْدَعِ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنّ حَسّانَ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ، لِبُعْدِ زَمَنِ الزّبّاءِ مِنْ السّمَيْدَعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ بْنِ عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بن بنت «1» جرهم.
جياد وقعيقعار: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وِلَايَةَ جُرْهُمٍ الْبَيْتَ الْحَرَامَ دُونَ بَنِي إسْمَاعِيلَ إلَى أَنْ بَغَوْا فِي الْحَرَمِ، وَكَانَ أَوّلَ بَغْيٍ فِي الْحَرَمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَرْبِ جُرْهُمٍ لِقَطُورَا.
وَأَمّا أَجْيَادٌ فَلَمْ يُسَمّ بِأَجْيَادِ مِنْ أَجْلِ جِيَادِ الْخَيْلِ، كَمَا ذَكَرَ لِأَنّ جِيَادَ الْخَيْلِ لَا يُقَالُ فِيهَا: أجياد، وإنما أجياد: جمع جيد «2» .
__________
- السلام. قال أبو عبيد: وليس كذلك. قال فى العبر: وعلى هذا يكون جميع العرب من ولد إسماعيل عليه السلام، لأن عدنان وقحطان يستدعيان بطون العرب القحطانية والعدنانية» ص 396 ط 1959.
(1) هكذا فى الأصل. وفى اللسان عن ابن برى: «ويقال فى النسب: عمرو ابن الحارث بن مضاص بن هىّ بن بىّ «بفتح الهاء والباء وتضعيف الياء فى الكلمتين ابن جرهم» . وهى بن بى: كناية عمن لا يعرف، ولا يعرف أبوه، وقيل: كان من ولد آدم، ثم انقرض نسله.
(2) العنق، وجمعه أيضا: جيود. وفى اللسان: أجياد: أرض بمكة، وجبل-(2/16)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ أَنّ مُضَاضًا ضَرَبَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَجْيَادَ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ، فَسُمّيَ الْمَوْضِعُ: بِأَجْيَادِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْ شِعْبِ أَجْيَادٍ تَخْرُجُ دَابّةُ الْأَرْضِ الّتِي تُكَلّمُ النّاسَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْأَمَةِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «1» ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي أَخْبَارِ مَكّةَ أَنّ قُعَيْقِعَانَ سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ حِينَ نَزَلَ تُبّعٌ مَكّةَ، وَنَحَرَ عِنْدَهَا وَأَطْعَمَ، وَوَضَعَ سِلَاحَهُ وَأَسْلِحَةَ جُنْدِهِ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَسُمّيَ: قُعَيْقِعَانَ بِقَعْقَعَةِ السّلَاحِ فِيهِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ.
جُرْهُمٌ تَسْرِقُ مَالَ الْكَعْبَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اسْتِحْلَالَ جُرْهُمٍ لِحُرْمَةِ الْكَعْبَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَانَ احْتَفَرَ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْقَعْرِ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، كَانَ يُلْقَى فِيهَا مَا يُهْدَى إلَيْهَا، فَلَمّا فَسَدَ أَمْرُ جُرْهُمٍ سَرَقُوا مَالَ الْكَعْبَةِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً، فَيَذْكُرُ أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ دَخَلَ الْبِئْرَ لِيَسْرِقَ مَالَ الْكَعْبَةِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ شَفِيرِ الْبِئْرِ فَحَبَسَهُ فِيهَا، ثُمّ أُرْسِلَتْ عَلَى الْبِئْرِ حَيّةٌ لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْجَدْيِ، سَوْدَاءُ الْمَتْنِ، بَيْضَاءُ الْبَطْنِ، فَكَانَتْ تُهَيّبُ مَنْ دَنَا مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَتْ فِي الْبِئْرِ- فِيمَا ذَكَرُوا- نَحْوًا مِنْ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَسَنَذْكُرُ قِصّةَ رَفْعِهَا عِنْدَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ إنْ شَاءَ اللهُ.
__________
قال ابن الأثير: وأكثر الناس يقولونه: جياد بكسر الجيم، وحذف الهمزة. قال: جياد- بكسر الجيم- موضع بأسفل مكة معروف من شعابها. وبهذا يصح قول ابن هشام، أما فرس جواد، فجمعه جياد.
(1) لم يرد هذا فى حديث صحيح. والحديث الذى فى مسلم لا يشير إلى مكان خروج هذه الدابة، ولا يذكر عنها سوى أنها دابة. والإنسان: دابة. أما ما ورد عنها من صفات أخرى، فأكثره إسرائيليات رددها وهب بن منبه. (م 2- الروض الأنف ج 2)(2/17)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَيْنَ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ: فَصْلٌ: فَلَمّا كَانَ مِنْ بَغْيِ جُرْهُمٍ مَا كَانَ، وَافَقَ تَفَرّقَ سَبَأٍ مِنْ أَجْلِ سَيْلِ الْعَرِمِ، وَنُزُولَ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَرْضَ مَكّةَ، وَذَلِكَ بِأَمْرِ طَرِيفَةَ الْكَاهِنَةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ مُزَيْقِيَاءَ «1» وَهِيَ مِنْ حِمْيَرَ، وَبِأَمْرِ عِمْرَانَ ابن عَامِرٍ أَخِي عَمْرٍو، وَكَانَ كَاهِنًا أَيْضًا، فَنَزَلَهَا هُوَ وَقَوْمُهُ، فَاسْتَأْذَنُوا جُرْهُمًا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَيّامًا، حَتّى يُرْسِلُوا الرّوّادَ، وَيَرْتَادُوا مَنْزِلًا حَيْثُ رَأَوْا مِنْ الْبِلَادِ، فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ جُرْهُمٌ، وَأَغْضَبُوهُمْ، حَتّى أَقْسَمَ حَارِثَةُ أَلّا يَبْرَحَ مَكّةَ إلّا عَنْ قِتَالٍ وَغَلَبَةٍ، فَحَارَبَتْهُمْ جُرْهُمٌ، فَكَانَتْ الدّوْلَةُ لِبَنِي حَارِثَةَ عَلَيْهِمْ، وَاعْتَزَلَتْ بَنُو إسْمَاعِيلَ، فَلَمْ تَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَتْ خُزَاعَةُ- وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ- مَكّةَ، وَصَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ لَهُمْ، وَكَانَ رَئِيسُهُمْ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ قَبْلُ، فَشَرّدَ بَقِيّةَ جُرْهُمٍ، فَسَارَ فَلّهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَسُلّطَ عَلَيْهِمْ الذّرّ وَالرّعَافُ «2» ، وَأَهْلَكَ بَقِيّتَهُمْ السّيْلُ بِإِضَمَ، حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ مَوْتًا امْرَأَةٌ رِيئَتْ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِزَمَانِ، فَعَجِبُوا مِنْ طُولِهَا وَعِظَمِ خِلْقَتِهَا، حَتّى قَالَ لَهَا قَائِلٌ: أَجِنّيّةٌ أَنْتِ أَمْ إنْسِيّةٌ؟!، فَقَالَتْ: بَلْ إنْسِيّةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَنْشَدَتْ رَجَزًا فِي مَعْنَى حَدِيثِهِمْ، وَاسْتَكْرَتْ بَعِيرًا مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَاحْتَمَلَاهَا عَلَى
__________
(1) فى جمهرة «ابن حزم» : عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء ص 453. وفى الاشتقاق «لابن دريد» : ولد حارثة عامرا وهو ماء السماء، وولد عامر عمشرا «بفتح العين وسكون الميم» وهو مزيقياء» فعمرو- إذن- هو مزيقياء لا ابن مزيقياء 435.
(2) الذر: صغار النمل، والرعاف: الدم.(2/18)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبَعِيرِ إلَى أَرْضِ خَيْبَر، فَلَمّا أَنْزَلَاهَا بِالْمَنْزِلِ الّذِي رَسَمَتْ لَهُمَا، سَأَلَاهَا عَنْ الْمَاءِ، فَأَشَارَتْ لَهُمَا إلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ، فَوَلّيَا عَنْهَا، وَإِذَا الذّرّ قَدْ تَعَلّقَ بِهَا، حَتّى بَلَغَ خَيَاشِيمَهَا وَعَيْنَيْهَا، وَهِيَ تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثّبُورِ حَتّى دَخَلَ حَلْقَهَا، وَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا، وَذَهَبَ الْجُهَنِيّانِ إلَى الْمَاءِ، فَاسْتَوْطَنَاهُ، فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَ مَوْضِعَ جُهَيْنَةَ بِالْحِجَازِ وَقُرْبَ الْمَدِينَةِ، وَإِنّمَا هُمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقُضَاعَةُ: من ريف العراق.
غربة الحارث بن مضاصه: فَصْلٌ: رَجْعُ الْحَدِيثِ. وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضِ ابن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بْنِ نَبْتِ بْنِ جُرْهُمٍ الْجُرْهُمِيّ قَدْ نَزَلَ بِقَنَوْنَا «1» مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَضَلّتْ لَهُ إبِلٌ، فَبَغَاهَا حَتّى أَتَى الْحَرَمَ، فَأَرَادَ دُخُولَهُ، لِيَأْخُذَ إبِلَهُ، فَنَادَى عَمْرُو بْنُ لُحَيّ: مَنْ وَجَدَ جُرْهُمِيّا، فَلَمْ يَقْتُلْهُ، قُطِعَتْ يَدُهُ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْحَارِثُ، وَأَشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، فَرَأَى إبِلَهُ تُنْحَرُ، وَيُتَوَزّعُ لَحْمُهَا، فَانْصَرَفَ بَائِسًا خَائِفًا ذَلِيلًا، وَأَبْعَدَ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ غُرْبَةُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الّتِي تُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ، حَتّى قَالَ الطّائِيّ:
غُرْبَةٌ «2» تَقْتَدِي بِغُرْبَةِ قَيْسِ بْ ... نِ زُهَيْرٍ وَالْحَارِثِ بْنِ مُضَاضِ
وَحِينَئِذٍ قال الحارث الشعر الذى رسمه ابن إسحق وهو قوله:
__________
(1) سبق هذا، وبيان الصواب فيه عن هى فى ص 15 من هذا الجزء. وقنونى «بوزن فعسو عل، بفتح القاف والنون وسكون الواو» من أودية السّراة، تصب إلى البحر فى أوائل أرض اليمن، من جهة مكة قرب حلشى «بفتح فسكون» وتكتب بالياء حسب القاعدة، ولكن تركتها كما هى.
(2) غربة بفتح الغين: النوى والبعد، وبضمها: النزوح عن الوطن.(2/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا. الشّعْرَ، وَفِيهِ:
وَنَبْكِي لِبَيْتِ لَيْسَ يُؤْذَى حِمَامُهُ ... تَظَلّ بِهِ أَمْنًا، وَفِيهِ الْعَصَافِرُ «1»
أَرَادَ: الْعَصَافِيرُ، وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً، وَرَفَعَ الْعَصَافِيرَ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ:
وَتَأْمَنُ فِيهِ الْعَصَافِيرُ، وَتَظَلّ بِهِ أَمْنًا، أَيْ: ذَاتَ أَمْنٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُون أَمْنًا جَمْعَ آمِنٍ مِثْلُ: رَكْبٍ جَمْعُ: رَاكِبٍ، وَفِيهِ: وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ: السّامِرُ: اسْمُ الْجَمَاعَةِ يَتَحَدّثُونَ بِاللّيْلِ، وَفِي التّنْزِيلِ: (سَامِرًا تَهْجُرُونَ) الْمُؤْمِنُونَ: 67 وَالْحَجُونُ «2» بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى فَرْسَخٍ وَثُلُثٍ مِنْ مَكّةَ، قَالَ الْحُمَيْدِيّ: كَانَ سُفْيَانُ رُبّمَا أَنْشَدَ هَذَا الشّعْرَ، فَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ:
وَلَمْ يَتَرَبّعْ وَاسِطًا وَجُنُوبَهُ ... إلَى السّرّ مِنْ وَادِي الْأَرَاكَةِ حَاضِرُ
وَأَبْدَلَنِي رَبّي بِهَا دَارَ غُرْبَةٍ ... بِهَا الْجُوعُ بَادٍ، وَالْعَدُوّ الْمُحَاصِرُ «3»
__________
(1) فى السيرة: يظل بدلا من: تظل.
(2) والحجون كما فى المراصد: بأعلى مكة عند مقبرة أهلها، وفى ياقوت عن الأصمعى: أنه الجبل المشرف الذى بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين.
(3) أماواسط: فقيل: إن للعرب سبعة مواضع، يقال لكل منها: واسط، منها: واسط نجد فى شعر خداش بن زهير، وواسط الحجاز فى شعر كثير، وواسط الجزيرة فى شعر الأخطل. وواسط اليمامة فى شعر الأعشى، وواسط العراق: وهناك غير ذلك. وواسط أيضا بمكة. قيل: قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين. فضرب حتى ذهب، وقيل: تلك الناحية بركة السرى إلى العقبة، وتسمى: واسط المقيم. وقيل إنه الْجَبَلُ الّذِي يَجْلِسُ عِنْدَهُ الْمَسَاكِينُ إذَا ذَهَبَتْ إلى منى. والسر: بطن الوادى. وواذى الأراك: قرب مكة. وفى معجم البلدان ونهاية الأرب ج 16 ص 34 وضع هذا بعد البيت: وصرنا أحاديثا، وروايته هكذا: -(2/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاسِطٌ وَعَامِرٌ وَجُرْهُمٌ: قَالَ الْحُمَيْدِيّ: وَاسِطٌ: الْجَبَلُ الّذِي يَجْلِسُ عِنْدَهُ الْمَسَاكِينُ، إذَا ذَهَبَتْ إلَى مِنَى. وَقَوْلُهُ فِيهِ:
لَا يَبْعَدْ سُهَيْلٌ وَعَامِرُ
عَامِرٌ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ بِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي عَامِرٌ وَطَفِيلُ «1» . عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ هَكَذَا، وَجُرْهُمٌ هَذَا هُوَ الّذِي تَتَحَدّثُ بِهَا الْعَرَبُ فِي أَكَاذِيبِهَا، وَكَانَ مِنْ خُرَافَاتِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ أَنّ جُرْهُمًا ابْنٌ لِمَلَكِ أُهْبِطَ مِنْ السّمَاءِ لِذَنْبِ أَصَابَهُ، فَغُضِبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، كَمَا أُهْبِطَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ، ثُمّ أُلْقِيَتْ فِيهِ الشّهْوَةُ، فَتَزَوّجَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ جُرْهُمًا، قال قائلهم:
لاهمّ إنّ جُرْهُمًا عِبَادُكَا ... النّاسُ طُرْفٌ، وَهُمْ تِلَادُكَا
[بِهِمْ قَدِيمًا عَمِرَتْ بِلَادُكَا] «2»
مِنْ كِتَابِ الْأَمْثَالِ للأصبهانى:
__________
-
وبدلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوى، والعدو المكاشر
وفى مروج الذهب ج 2 ص 50: «المحاصر» . وفيه بعد: «وكنا ولاة البيت» هذا البيت:
وكنا لإسماعيل صهرا ووصلة ... ولما تدر فيها علينا الدوائر
(1) طفيل: جبل بمكة.
(2) ما بين قوسين عن الطبرى ص 285 ج 2 وهذا الرجز ينسب إلى عامر ابن الحارث، والقصيدة منسوبة فى الطبرى لعامر بن الحارث بن مضاض يقول الطبرى: إن الله بعث على جرهم الرعاف والنمل، فأفناهم، فاجتمعت خزاعة-(2/21)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَكّةُ وَأَسْمَاؤُهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَكّةَ وَبَكّةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي بَكّةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنّهَا تَبُكّ الْجَبَابِرَةَ، أَيْ تَكْسِرُهُمْ وَتَقْدَعُهُمْ، وَقِيلَ: مِنْ التّبَاكّ، وَهُوَ:
الِازْدِحَامُ، وَمَكّةُ مَنْ تَمَكّكْت الْعَظْمَ، إذَا اجْتَذَبْت مَا فِيهِ مِنْ الْمُخّ، وَتَمَكّكَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ النّاقَةِ، فَكَأَنّهَا تَجْتَذِبُ إلَى نَفْسِهَا مَا فِي الْبِلَادِ مِنْ النّاسِ وَالْأَقْوَاتِ الّتِي تَأْتِيهَا فِي الْمَوَاسِمِ، وَقِيلَ: لَمّا كَانَتْ فِي بَطْنِ وَادٍ، فَهِيَ تُمَكّكُ الْمَاءَ مِنْ جِبَالِهَا وَأَخَاشِبِهَا عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَتَنْجَذِبُ إلَيْهَا السّيُولُ، وَأَمّا قَوْلُ الرّاجِزِ الّذِي أَنْشَدَهُ ابْنُ هِشَامٍ:
إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهْ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهْ «1»
فَالْأَكّةُ: الشّدّةُ، وَإِكَاكُ الدّهْرِ: شدائده.
__________
- ليجلوا من بقى، فاقتتلوا، فلما أحس عامر بن الحارث بالهزيمة، خرج بغزالتى الكعبة وحجر الركن يلتمس التوبة، وهو يقول: «لاهم إن جرهما» الخ. فلم تقبل- كما فى الطبرى- توبته، فألقى غزالى الكعبة، وحجر الركن فى زمزم، كما جاء فى السيرة، ثم دفنها، وخرج من بقى من جرهم إلى أرض من أرض جهينة، فجاءهم سيل أتىّ، فذهب بهم.
(1) فى اللسان: مكّ- وزن رد- الفصيل ما فى ضرع أمه يمكّه- وزن يرد- مكّا وامتك- بفتح التاء وتضعيف الكاف- وتمككه، ومكمكه: امتص جميع ما فيه. وشربه كله.. ومك العظم وامتكه وتمككه، وتمكمكه امتص ما فيه من المخ. والرجز المذكور لعامان بن كعب التميمى- كما ذكر ابن هشام، وفى الروض: الشريت بدلا من الشريب، وهو خطأ، وفيه يبك بدلا من تبك. ومعنى الشريب- كما فى اللسان- الذى يسقى إبله مع إبلك. يقول: فخله يورد إبله الحوض. فتباك عليه أى: تزدحم، فيسقى إبله سقية. وللأكة معان أخر. منها: سكون الريح وضيق الحلق وفورة شديدة فى القيظ. انظر اللسان. وتعليق الأستاذ هارون على المادة فى معجم ابن فارس.(2/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يُقَالُ لَهَا: النّاسّةُ، وَهُوَ مِنْ نُسْت «1» الشّيْءَ إذَا أَذَهَبْته، وَالرّوَايَةُ فِي الْكِتَابِ بِالنّونِ، وَذَكَرَ الْخَطّابِيّ [فِي غَرِيبِهِ] أَنّهُ يُقَالُ لَهَا: الْبَاسّةُ أَيْضًا بِالْبَاءِ، وَهُوَ مِنْ بسّت الجبال بسّا، أَيْ: فُتّتْ وَثُرّيَتْ، كَمَا يُثَرّى السّوِيقُ، قَالَ الراجز:
لا تخبزا خبزا وبسّابسّا «2»
يَقُولُ: لَا تَشْتَغِلَا بِالْخَبْزِ، وَثَرّيَا الدّقِيقَ وَالْتَقِمَاهُ «3» . يُقَالُ: إنّ هَذَا الْبَيْتَ لِلِصّ أَعْجَلَهُ الْهَرَبُ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْخَبْزَ: شِدّةُ السّوْقِ، والبسّ: ألين منه، وبعده:
__________
(1) النسّسّ- بفتح النون- المضاء فى كل شىء، وخص بعضهم به السرعة فى الورد، وهو السوق والزجر الشديد. وفى اللسان: وأنسست الدابة: أعطشتها والناسّة من أسماء مكة لقلة مائها، وكأنها تسوق وتدفع من يبغى بها.
(2) وبعده فى اللسان: «ولا تطيلا بمناخ حبسا» . والبس: اتخاذ البسيسة وهو أن يلت السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسمن أو بالزيت، ثم يؤكل ولا يطبخ. وقال يعقوب: هو أشد من اللت بللا. وذكر أبو عبيدة أن لصا من غطفان، أراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن ذلك، فأكله عجينا، ولم يجعل أبو عبيدة البس من السوق اللين. وفى تعليق للأستاذ هرون على معجم ابن فارس ذكر أن الرجز للهفوان العقيلى أحد لصوص العرب. وقد فسر السهيلى البيت بما فسره به ابن فارس.
(3) ثرى الدقيق- بفتح الثاء وتضعيف الراء- صب عليه الماء. هذا وقد قيل عن بكة إنها اسم للبقعة التى فيها الكعبة، وذهب إليه مالك وابن عباس. وقيل اسم لها ولما حول البيت، ومكة: اسم لما وراء ذلك، وقيل: إنها المسجد والبيت ومكة اسم للحرم كله ص 601 القرى للمحب الطبرى.(2/23)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا تَرَكَ السّيْرُ لَهُنّ نَسّا
وَمِنْ أَسْمَاءِ مَكّةَ أَيْضًا: الرّأْسُ، وَصَلَاحُ، وَأُمّ رُحْمٍ، وَكُوثَى، وَأَمّا الّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدّجّالُ، فَهِيَ: كُوثَى رَبّا «1» وَمِنْهَا كَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُهَا، وَأَبُوهَا هُوَ الّذِي احْتَفَرَ نَهْرَ كُوثَى، قَالَهُ الطّبَرِيّ.
أسطورة: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ:
يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا «2»
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّهَا وُجِدَتْ بِحَجَرِ بِالْيَمَنِ، وَلَا يُعْرَفُ قَائِلُهَا، وَأَلْفَيْت فِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِي خَبَرًا لهذه الأبيات، وأسنده أبو الحرث مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُعْفِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ السّلَامِ الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ التّمّارُ، قَالَ أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، قَالَ:
وُجِدَ فِي بِئْرٍ بِالْيَمَامَةِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ، وَهِيَ بئر طسم وجد يس فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا:
مُعْنِقُ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِجْرِ مِيلٌ، وَهُمْ مِنْ بَقَايَا عَادٍ، غَزَاهُمْ تُبّعٌ، فَقَتَلَهُمْ، فَوَجَدُوا فِي حَجَرٍ مِنْ الثّلَاثَةِ الأحجار مكتوبا:
__________
(1) صلاح: كقطام وقد تصرف. وكوثى تكتب بالياء لا بالألف كما كان فى الروض، وفى المراصد عن كوثى: أنها ثلاثة مواضع بسواد العراق بأرض بابل وبمكة منزل بنى عبد الدار خاصة، وكوثى بالعراق فى موضعين: كوثى الطريق، وكوثى ربّا وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وهما قريتان، وبينهما تلول من رماد، يقال: إنها رماد النار التى أو قدها نمروذ لإحراقه.
(2) هى فى الطبرى ح 8 ص 285 مع تقديم وتأخير.(2/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَا أَيّهَا الْمَلِكُ الّذِي ... بِالْمُلْكِ سَاعَدَهُ زَمَانُهْ
مَا أَنْتَ أَوّلَ مَنْ عَلَا ... وَعَلَا شئون النّاسِ شَانُهْ
أَقْصِرْ عَلَيْك مُرَاقِبًا ... فَالدّهْرُ مَخْذُولٌ أَمَانُهْ
كَمْ مِنْ أَشَمّ مُعَصّبٍ ... بِالتّاجِ مَرْهُوبٍ مَكَانُهْ
قَدْ كَانَ سَاعَدَهُ الزّمَا ... نُ، وَكَانَ ذَا خَفْضٍ جَنَانُهْ
تَجْرِي الْجَدَاوِلُ حَوْلَهُ ... لِلْجُنْدِ مُتْرَعَةً جِفَانُهْ
قَدْ فَاجَأَتْهُ مَنِيّةٌ ... لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا اكْتِنَانُهْ
وَتَفَرّقَتْ أَجْنَادُهُ ... عَنْهُ، وَنَاحَ بِهِ قِيَانُهْ
وَالدّهْرُ مَنْ يَعْلِقْ بِهِ ... يَطْحَنْهُ، مُفْتَرِشًا جِرَانُهْ
وَالنّاسُ شَتّى فِي الْهَوَى ... كَالْمَرْءِ مُخْتَلِفٌ بَنَانُهْ
وَالصّدْقُ أَفْضَلُ شِيمَةٍ ... وَالْمَرْءُ يَقْتُلُهُ لِسَانُهْ
وَالصّمْتُ أَسْعَدُ لِلْفَتَى ... وَلَقَدْ يُشَرّفُهُ بَيَانُهْ
وَوُجِدَ فِي الْحَجَرِ الثّانِي مَكْتُوبًا أَبْيَاتٌ:
كُلّ عَيْشٍ تَعِلّهْ ... لَيْسَ لِلدّهْرِ خَلّهْ
يَوْمُ بُؤْسَى وَنُعْمَى ... وَاجْتِمَاعٍ وَقِلّهْ
حُبّنَا الْعَيْشَ وَالتّكَا ... ثُرَ جَهْلٌ وَضِلّهْ
بَيْنَمَا الْمَرْءُ نَاعِمٌ ... فِي قُصُورٍ مُظِلّهْ
فِي ظِلَالٍ وَنِعْمَةٍ ... سَاحِبًا ذَيْلَ حُلّهْ
لَا يَرَى الشّمْسَ مِلْغَضَا ... رَةِ إذْ زَلّ زَلّهْ(2/25)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَمْ يُقَلْهَا، وَبَدّلَتْ ... عِزّةَ الْمَرْءِ ذِلّهْ
آفَةُ الْعَيْشِ وَالنّعِ ... يمِ كُرُورُ الْأَهِلّهْ
وَصْلُ يَوْمٍ بِلَيْلَةِ ... وَاعْتِرَاضٌ بِعِلّهْ
وَالْمَنَايَا جَوَاثِمُ ... كَالصّقُورِ الْمُدِلّهْ
بِاَلّذِي تَكْرَهُ النّفُ ... وسُ عَلَيْهَا مُطِلّهْ
وَفِي الْحَجَرِ الثّالِثِ مَكْتُوبًا:
يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
حُثّوا الْمَطِيّ، وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضّوا مَا تُقَضّونَا
كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا
وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ فِي كِتَابِهِ فِي فَضَائِلِ مَكّةَ زِيَادَةً فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَهِيَ:
قَدْ مَالَ دَهْرٌ عَلَيْنَا ثُمّ أَهْلَكَنَا ... بِالْبَغْيِ فِينَا وَبَزّ النّاسِ نَاسُونَا
إنّ التّفَكّرَ لَا يُجْدِي بِصَاحِبِهِ ... عِنْدَ الْبَدِيهَةِ فِي عِلْمٍ لَهُ دُوّنَا
قَضّوا أُمُورَكُمْ بِالْحَزْمِ إنّ لَهَا ... أُمُورَ رُشْدٍ رَشَدْتُمْ ثَمّ مَسْنُونَا
وَاسْتَخْبِرُوا فِي صَنِيعِ النّاسِ قَبْلَكُمْ ... كَمَا اسْتَبَانَ طَرِيقٌ عِنْدَهُ اُلْهُونَا
كُنّا زَمَانًا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَكُمْ ... بِمَسْكَنِ فِي حَرَامِ اللهِ مَسْكُونَا
وَوُجِدَ عَلَى حَائِطٍ قَصِيرٍ بِدِمَشْقَ لِبَنِي أُمَيّةَ مَكْتُوبًا:
يَا أَيّهَا الْقَصْرُ الذى كانت ... تحفّ به المواكب(2/26)
[اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَكَانَ الّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ: عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيّ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ، وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعي.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ حُبْشِيّةُ بْنُ سَلُولَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْنَ الْمَوَاكِبُ وَالْمَضَ ... ارِبُ وَالنّجَائِبُ وَالْجَنَائِبْ
أَيْنَ العساكر والدّس ... اكر والمقانب والكتائب
ما با لهم لَمْ يَدْفَعُوا ... لَمّا أَتَتْ عَنْك النّوَائِبْ
مَا بَالُ قَصْرِك وَاهِيًا ... قَدْ عَادَ مُنْهَدّ الْجَوَانِبْ
وَوُجِدَ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ مِنْ حِيطَانِهَا جَوَابُهَا:
يَا سَائِلِي عَمّا مَضَى ... مِنْ دَهْرِنَا وَمِنْ الْعَجَائِبْ
وَالْقَصْرِ إذْ أَوْدَى، فَأَضْحَى ... بَعْدُ مُنْهَدّ الْجَوَانِبْ
وَعَنْ الْجُنُودِ أُولِي الْعُقُو ... دِ، وَمَنْ بِهِمْ كُنّا نُحَارِبْ
وَبِهِمْ قَهَرْنَا عَنْوَةً ... مَنْ بِالْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبْ
وَتَقُولُ: لِمْ لَمْ يَدْفَعُوا ... لَمّا أَتَتْ عَنْك النّوَائِبْ
هَيْهَاتَ لَا يُنْجِي مِنْ المو ... ت الكتائب والمقانب(2/27)
[تَزَوّجُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ حُبّى بِنْتَ حُلَيْلٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كلاب خطب إلى حليل بن حبشية بنته حُبّى، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوّجَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدّارِ. وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَعَبْدَ الْعُزّى، وَعَبْدًا. فَلَمّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيّ، وَكَثُرَ مَالُهُ، وَعَظُمَ شرفه، هلك حليل.
[ «قصى يتولى أمر البيت» :]
فَرَأَى قُصَيّ أَنّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ، وَأَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ. فَكَلّمَ رِجَالًا من قريش، وبنى كنانة، وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مكة، فأجابوه. وكان ربيعة ابن حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قد قدم مكة بعد ما هُلْكِ كِلَابٍ، فَتَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سيل، وزهرة يومئذ رجل، وقصىّ فطيم، فاحتملهما إلى بلاده، فحملت قضيّا مَعَهَا، وَأَقَامَ زُهْرَةَ، فَوَلَدَتْ لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا. فَلَمّا بَلَغَ قُصَيّ، وَصَارَ رَجُلًا أَتَى مَكّةَ، فَأَقَامَ بِهَا، فَلَمّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمّهِ، رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ، فَخَرَجَ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَعَهُ إخْوَتُهُ: حُنّ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ ربيعه، وهم لغير أمه فَاطِمَةَ، فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجّ الْعَرَبِ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيّ. وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيّا وَأَمَرَهُ بِهِ حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ. وَقَالَ: أَنْتِ أَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ(2/28)
بِالْكَعْبَةِ، وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيّ مَا طَلَبَ، وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذلك كان.
[مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنّاسِ بِالْحَجّ]
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ، وولده من بعده، وكان يقال له ولولده: صُوفَةُ.
وَإِنّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ، لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَنَذَرَتْ لِلّهِ إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا: أَنْ تَصّدّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، لِمَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى انْقَرَضُوا. فَقَالَ مُرّ بْنُ أَدّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمّهِ:
إنّي جَعَلْتُ ربّ من بنيّه ... رَبِيطَةً بِمَكّةَ الْعَلِيّه
فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليّهْ ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيّه
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ- فِيمَا زَعَمُوا- إذَا دَفَعَ بِالنّاسِ قَالَ:
لاهُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ ... إنْ كَانَ إثم فعلى قضاعه
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنّاسِ، لَا يَرْمُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/29)
حَتّى يَرْمِي. فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجّلُونَ يَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: قُمْ فَارْمِ حَتّى نَرْمِيَ مَعَك، فَيَقُولُ: لَا وَاَللهِ، حَتّى تَمِيلَ الشّمْسُ، فَيَظَلّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الّذِينَ يُحِبّونَ التّعَجّلَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، ويستعجلونه بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ لَهُ:
وَيْلَكَ! قُمْ فَارْمِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، حَتّى إذَا مَالَتْ الشّمْسُ، قَامَ فرمى، ورمى الناس معه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَرَادُوا النّفْرَ مِنْ مِنًى، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ، فَحَبَسُوا النّاسَ وَقَالُوا: أَجِيزِى صُوفَةَ، فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ حَتّى يَمُرّوا، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ، خُلّيَ سَبِيلُ النّاسِ، فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتّى انْقَرَضُوا، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شجنة.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شجنة عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الّذِي يُجِيزُ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ، ثُمّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ، حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ:
لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ ... حَتّى يُقَالَ: أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/30)
[مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَدْوَانُ مِنْ إفَاضَةِ الْمُزْدَلِفَةِ]
وَأَمّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيّ، وَاسْمُهُ: حُرْثَانُ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنّمَا سُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ؛ لِأَنّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا.
عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عدوا ... ن كَانُوا حَيّةَ الْأَرْضِ
بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ عَلَى بَعْضِ
وَمِنْهُمْ كَانَتْ السّادَا ... تُ وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ النّا ... سَ بِالسّنّةِ وَالْفَرْضِ
وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ ما يقضى
وهذه الأبيات فى قصيدة له- فلأن الإضافة مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ- فِيمَا حَدّثَنِي زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بْنِ إسْحَاقَ- يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيّارَةَ، عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ، فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:
نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ
حَتّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ
قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَيّارَةَ يَدْفَعُ بِالنّاسِ عَلَى أَتَانٍ له؛ فلذلك يقول:
سالما حماره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُصَيّ وَخُزَاعَةُ وَوِلَايَةُ الْبَيْتِ:
فَصْلٌ: فِي حَدِيثِ قُصَيّ ذَكَرَ فِيهِ أَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، هَكَذَا بِالْقَافِ، وَهِيَ الرّوَايَةُ الصّحِيحَةُ، وَفِي بَعْضِ النّسَخِ: فَرْعَةُ بِالْفَاءِ، وَالْقُرْعَةُ بِالْقَافِ هِيَ: نخبة الشى، وَخِيَارُهُ، وَقَرِيعُ الْإِبِلِ: فَحْلُهَا، وَقَرِيعُ الْقَبِيلَةِ: سَيّدُهَا، وَمِنْهُ اُشْتُقّ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَغَيْرُهُ مِمّنْ سُمّيَ مِنْ الْعَرَبِ بِالْأَقْرَعِ.
وَذَكَرَ انْتِقَالَ وِلَايَةِ الْبَيْتِ مِنْ خُزَاعَةَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ سَبَبِ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَنّ قُصَيّا رَأَى نَفْسَهُ أَحَقّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّ حُلَيْلًا كَانَ يُعْطِي مَفَاتِيحَ الْبَيْتِ ابْنَتَهُ حُبّى، حِينَ كَبِرَ وَضَعُفَ، فَكَانَتْ بِيَدِهَا، وَكَانَ قُصَيّ رُبّمَا أَخَذَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَفَتَحَ الْبَيْتَ لِلنّاسِ وَأَغْلَقَهُ، وَلَمّا هَلَكَ حُلَيْلٌ أَوْصَى بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ إلَى قُصَيّ، فَأَبَتْ خُزَاعَةُ أَنْ تُمْضِيَ ذَلِكَ لِقُصَيّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ هَاجَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ، وَأَرْسَلَ إلَى رِزَاحٍ أَخِيهِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَيْهِمْ.
وَيُذْكَرُ أَيْضًا أَنّ أَبَا غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَاسْمُهُ: سُلَيْمٌ- وَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْكَعْبَةِ- بَاعَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ مِنْ قُصَيّ بِزِقّ خَمْرٍ، فَقِيلَ: أَخْسَرُ مِنْ صَفْقَةِ أَبِي غُبْشَانَ «1» ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ وَالْأَصْبَهَانِيّ فِي الْأَمْثَالِ.
وَكَانَ الْأَصْلُ فِي انْتِقَالِ وِلَايَةِ الْبَيْتِ مِنْ وَلَدِ مُضَرَ إلَى خُزَاعَةَ أَنّ الْحَرَمَ حِينَ ضَاقَ عَنْ وَلَدِ نِزَارٍ، وَبَغَتْ فِيهِ إيَادٌ أَخْرَجَتْهُمْ بَنُو مُضَرَ بن نزار، وأجلوهم
__________
(1) بضم الغين أو فتحها. وفى القاموس أيضا قصة أبى غبشان، وفيه يقول: «ضربت به الأمثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة» .(2/32)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ مَكّةَ، فَعَمَدُوا فِي اللّيْلِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَاقْتَلَعُوهُ، وَاحْتَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ فَرَزَحَ الْبَعِيرُ بِهِ، وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ، وَجَعَلُوهُ عَلَى آخَرَ، فَرَزَحَ أَيْضًا، وَعَلَى الثّالِثِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمّا رَأَوْا ذَلِكَ دَفَنُوهُ وَذَهَبُوا، فَلَمّا أَصْبَحَ أَهْلُ مَكّةَ، وَلَمْ يَرَوْهُ، وَقَعُوا فِي كَرْبٍ عَظِيمٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ قَدْ بَصُرَتْ بِهِ حِينَ دُفِنَ، فَأَعْلَمَتْ قَوْمَهَا بِذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ أَخَذَتْ خُزَاعَةُ عَلَى وُلَاةِ الْبَيْتِ أَنْ يَتَخَلّوْا لَهُمْ عَنْ وِلَايَةِ الْبَيْتِ، وَيَدُلّوهُمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ لِخُزَاعَةَ إلَى أَنْ صَيّرَهَا أَبُو غُبْشَانَ إلَى عَبْدِ مَنَافٍ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزّبَيْرِ.
نَشْأَةُ قُصَيّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا نَشَأَ فِي حَجْرِ رَبِيعَةَ بْنِ حَرَامٍ، ثُمّ ذَكَرَ رُجُوعَهُ إلَى مَكّةَ، وَزَادَ غَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْخَبَرِ، فَقَالَ: وَكَانَ قُصَيّ رَضِيعًا حِين احْتَمَلَتْهُ أُمّهُ مَعَ بَعْلِهَا رَبِيعَةَ، فَنَشَأَ وَلَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ أَبًا إلّا رَبِيعَةَ، وَلَا يُدْعَى إلّا لَهُ، فَلَمّا كَانَ غُلَامًا يَفَعَةً أَوْ حَزَوّرًا «1» سَابّهُ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ، فَعَيّرَهُ بِالدّعْوَةِ، وَقَالَ:
لَسْت مِنّا، وَإِنّمَا أَنْتَ فِينَا مُلْصَقٌ، فَدَخَلَ عَلَى أُمّهِ، وَقَدْ وَجَمَ لِذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ:
يَا بُنَيّ صَدَقَ، إنّك لَسْت مِنْهُمْ، وَلَكِنّ رَهْطَك خَيْرٌ مِنْ رَهْطِهِ، وَآبَاؤُك أَشْرَفُ مِنْ آبَائِهِ، وَإِنّمَا أَنْتَ قُرَشِيّ، وَأَخُوك وَبَنُو عَمّك بِمَكّةَ، وَهُمْ جِيرَانُ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، فَدَخَلَ فِي سَيّارَةٍ حَتّى أَتَى مَكّةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنّ اسمه: زيد، وإنما
__________
(1) الغلام القوى.(2/33)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَانَ قُصَيّا أَيْ بَعِيدًا عَنْ بَلَدِهِ فَسُمّيَ: قُصَيّا «1» .
الْغَوْثُ بْنُ مُرّ وَصُوفَةُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ الْغَوْثِ بْنِ مُرّ، وَدَفْعِهِ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ «2» ، وَقَالَ بَعْضُ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ إنّ وِلَايَةَ الْغَوْثِ بْنِ مُرّ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ مُلُوكِ كِنْدَةَ «3» .
وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ إثْمًا فَعَلَى قُضَاعَةَ. إنّمَا خَصّ قُضَاعَةَ بِهَذَا؛ لِأَنّ مِنْهُمْ مُحِلّينَ يستحلّون الأشهر الحرم، كما كانت خثعم وطىّء تَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ النّسَأَةُ تَقُولُ إذَا حَرّمَتْ صَفَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَشْهُرِ بَدَلًا مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ- يَقُولُ قَائِلُهُمْ: قَدْ حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ الدماء إلا دماء المحلّين.
__________
(1) قال الخطابى: «سمى قصيا لأنه قصىّ قومه. أى: تقصاهم بالشام، فنقلهم إلى مكة» . وقال الرّشاطى: «ثم إن زيدا وقع بينه وبين ربيعة شر، فقيل له: ألا تلحق بقومك، وعيّر بالغربة، وكان لا يعرف لنفسه أبا غير ربيعة، فرجع قصى إلى أمه، وشكالها ما قيل له، فقالت له: يا بنى أنت أكرم منه نفسا وأبا، أنت ابن كلاب بن مرة، وقومك بمكة عند البيت الحرام، فأجمع قصى على الخروج، فقالت له أمه: أقم حتى يدخل الشهر الحرام، فتخرج فى حاج العرب، فلما دخل الشهر الحرام خرج مع حاج قضاعة حتى قدم مكة، فحج وأقام بمكة» ص 20 وما بعدها ج 16 نهاية الأرب.
(2) فى السيرة: «من بعد عرفة» وفى نسخ أخرى: «من عرفة» .
(3) فى القاموس: وكندة- بالكسر- ويقال: كندىّ: لقب ثور بن عفير أبو حى من اليمن، لأنه كند أباه النعمة، ولحق بأخواله، والكند: القطع.(2/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: وَأَمّا تَسْمِيَةُ الْغَوْثِ وَوَلَدِهِ صُوفَةَ، فَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ.
فَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ صُوفَةَ: الْبَيْتَ الْوَاقِعَ فِي السّيرَةِ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ، وَهُوَ:
لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ الْبَيْتَ. وَبَعْدَهُ:
مَجْدٌ بَنَاهُ لَنَا قِدْمًا أَوَائِلُنَا ... وَأَوْرَثُوهُ طِوَالَ الدّهْرِ أَحْزَانَا «1»
وَمَغْرَاءُ: تَأْنِيثُ أَمْغَرَ، وَهُوَ الْأَحْمَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيّ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهُوَ هَذَا الرّجُلُ الْأَمْغَرُ؟ ثُمّ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَصُوفَةُ وَصُوفَانُ يُقَالُ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ مِنْ الْبَيْتِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَوْ قَامَ بِشَيْءِ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ، أَوْ بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِ الْمَنَاسِكِ يُقَالُ لهم: صوفة وصوفان. قال أبو عبيدة:
__________
(1) أوس بن مغراء أحد بنى جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم. وقيل: أوس بن تميم بن مغراء، وله ترجمة فى الإصابة قال: ويكنى أبا المغراء، وبقى إلى أيام معاوية، وله شعر فى مدح النبى «ص» وبعد البيت الذى فى السيرة:
ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا
والثّنى والثّنيان، وكهدى وإلى: دون السيد ص 176 الأمالى ج 2 ط 2 وفى السمط عن أوس ص 795 للبكرى: «وهو القائل فى بنى صفوان بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كعب الذين كان فيهم الإفاضة من عرفة، فلم يذكر الحارث كما روى ابن إسحاق، ولا جناب كما روى ابن هشام، ثم روى البيت كما فى السيرة، وفى المزهر ص 487 ج 2 أن أوسا هذا غلب على نابغة بنى جعدة.(2/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ الصّوفِ، فِيهِمْ الْقَصِيرُ وَالطّوِيلُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ، لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَنّهُ حَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ السّائِبِ الْكَلْبِيّ قَالَ: إنّمَا سُمّيَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ: صُوفَةَ، لِأَنّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لِأُمّهِ وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ: لَئِنْ عَاشَ لَتُعَلّقَنّ بِرَأْسِهِ صُوفَةَ، وَلَتَجْعَلَنّهُ رَبِيطًا لِلْكَعْبَةِ، فَفَعَلَتْ، فَقِيلَ لَهُ: صُوفَةُ، وَلِوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ: الرّبِيطُ وَحَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِقَالُ بْنُ شَبّةَ قَالَ: قَالَتْ أُمّ تَمِيمِ بْنِ مُرّ- وَوَلَدَتْ نِسْوَةً- فَقَالَتْ: لِلّهِ عَلَيّ.
لَئِنْ وَلَدْت غُلَامًا لَأُعَبّدَنّهُ لِلْبَيْتِ، فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ، وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ مُرّ، فَلَمّا رَبَطَتْهُ عِنْدَ الْبَيْتِ أَصَابَهُ الْحَرّ، فَمَرّتْ بِهِ- وَقَدْ سَقَطَ وَذَوَى وَاسْتَرْخَى فَقَالَتْ: مَا صَارَ ابنى إلا صوفة، فسمّى صوفة «1» .
__________
(1) فى القاموس عن صوفة أيضا: أو هم قوم من أفناء القبائل تجمعوا، فتشبكوا كتشبّك الصوفة. هذا وقد رواه الجوهرى: آل صوفانا. ويقول القاموس: والصواب. آل صفوانا، وهم قوم من بنى سعد بن زيد مناة. قال أبو عبيدة: حتى يجوز القائم بذلك من آل صفوان. وفيه أيضا وردت الشطرة الأولى: ولا يريمون فى التعريف موقفهم. وما ذكره السهيلى عن سبب تسمية الغوث-- نقلا عن الكلبى- يوجد فى القاموس الذى ذكر للربيط عدة معان، ثم قال: لقب الغوث ابن مر بن طابخة. ويذكر أن الولد عاش، فجعلته أمه خادما للبيت الحرام حتى بلغ، فنزعته، فلقب: الربيط. وقد سقط من هذه المادة فى القاموس كلمة «أد» من نسب الغوث على حين ذكرها فى مادة صوف. وفى القاموس أيضا: «وكان أحدهم يقوم فيقول: أجيزى صوفة، فإذا أجازت قال: أجيزى خندف. فإذا أجازت أذن للناس كلهم فى الإجازة» وعرّف القوم: وقفوا بعرفة: والبيت الأول فى السيرة موجود أيضا فى اللسان بنفس رواية القاموس «ولا يريمون إلخ» وقول أبى عبيدة عن صوفة موجود فى اللسان، وانظر ص 183 من المحبر.(2/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَنُو سَعْدٍ وَزَيْدِ مَنَاةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ وِرَاثَةَ بَنِي سَعْدٍ إجَازَةَ الْحَاجّ بِالْقُعْدُدِ مِنْ بَنِي الغوث ابن مُرّ، وَذَلِكَ أَنّ سَعْدًا هُوَ: ابْنُ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ، وَكَانَ سَعْدٌ أَقْعَدَ بِالْغَوْثِ بْنِ مُرّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَرَبِ «1» ، وَزَيْدُ مَنَاةَ بْنُ تَمِيمٍ يُقَالُ فِيهِ:
مَنَاةُ وَمَنَاءَةُ بِالْهَمْزِ «2» ، وَتَرْكِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ- إذَا هُمِزَ- مَفْعَلَةً مِنْ نَاءَ يَنُوءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: فَعَالَةً مِنْ الْمَنِيئَةِ، وَهِيَ: الْمَدْبَغَةُ، كَمَا قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ لِأُخْرَى: [تَقُولُ لَك أُمّي] : أَعْطِينِي نَفْسًا أَوْ نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِهِ مَنِيئَتِي، فَإِنّي أَفِدَةٌ.
النّفْسُ: قِطْعَةٌ مِنْ الدّبَاغِ، وَالْمَنِيئَةُ: الْجِلْدُ فِي الدّبَاغِ، وَأَفِدَةٌ: مُقَارِبَةٌ لِاسْتِتْمَامِ مَا تُرِيدُ صَلَاحَهُ وَتَمَامَهُ مِنْ ذَلِكَ الدباغ «3» وأنشد أبو حنيفة:
__________
(1) القعدد بضم القاف وسكون العين وضم الدال أو فتحها: القريب من الجد الأكبر، أو أملك القرابة فى النسب، والقربى. وأقعدهم: أقربهم إلى جده الأكبر. وانظر ص 257 من المحبر لابن حبيب، ص 40 من شرح الخشى.
(2) وفى اللسان عن مناة: ومناة: صخرة، وفى الصحاح: صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة يعبدونها من دون الله من قولك: منوت الشىء- أى: اختبرته ... وعبد مناة بن أد بن طابخة. وزيد مناة بن تميم بن مر يمد ويقصر. قال هو بر الحارثى
ألا هل أتى التّيم بن عبد مناءة ... على الشّنء فيما بيننا ابن تميم
وفيه تخطئة من قال: مناة بالهاء، وغلطوا الطائى فى قوله: إحدى بنى بكر ابن عبد مناه.
(3) فى إصلاح المنطق أن الذى قص هذا هو الأصمعى، وفيه، وفى اللسان: أمعس به، بدلا من: أمعس بها، كما فى الروض. وفسر نفسا أو نفسين بقوله:(2/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذَا أَنْتَ بَاكَرْت الْمَنِيئَةَ بَاكَرَتْ ... قَضِيبَ أَرَاكٍ بَاتَ فِي الْمِسْكِ مُنْقَعًا
وَأَنْشَدَ يَعْقُوبُ:
إذَا أَنْتَ بَاكَرْت الْمَنِيئَةَ بَاكَرَتْ ... مَدَاكًا لَهَا مِنْ زَعْفَرَانٍ وَإِثْمِدَا «1»
اشْتِقَاقُ الْمُزْدَلِفَةِ:
فَصْلٌ: وَأَمّا قَوْلُهُ: فَلِأَنّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ فَالْمُزْدَلِفَةُ: مُفْتَعِلَةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. وَفِي التنزيل: (وَأَزْلَفْنا ثَمَ
__________
- قدر دبغة أو دبغتين، وفى اللسان: أفد الشىء يأفد أفدا فهو أفد: دنا وحضر وأسرع، والأفد: المستعجل؛ والمنيئة عند الفارسى: مفعلة بكسر العين من اللحم النيىء، ومنأ تأبى ذلك، وهى عند غيره كما ذكر السهيلى. والمنيئة: الجلد أول ما يدبغ، ثم هو: أفيق، ثم: أديم. وأمعس: أدلك وأحرك، وفى اللسان: منأ الجلد يمنؤه منأ: إذا أنقعه فى الدباغ، وهى فى اللسان فعيلة، وفى تهذيب إصلاح المنطق للتبريزى: «وآفدة أى: سريعة. يقع فى بعض النسخ: الافدة: التى تشتكى فؤادها، وقيل: السريعة، وقيل. المعيبة. قال أبو العلاء: ينبغى أن يقال: فائدة للتى تشتكى فؤادها، والصواب أن يفسر: آفدة بالسريعة» انظر اللسان ومعجم ابن فارس وإصلاح المنطق لابن السكيت، ص 94 وتهذيبه للتبريزى ص 145.
(1) الشعر لحميد بن ثور وقبله:
فأقسم لولا أن حدبا تتابعت ... علىّ، ولم أبرح بدين مطردا
لزاحمت مكسالا كأن ثيابها ... تجن غزالا بالخميلة أغيدا
يخاطب زوجته فيقسم: لولا أن حدبا، وهى السنون المجدبة- واحدتها: حدباء- تتابعت عليه، واستدان وطالبه الغرماء، وطردوه لزاحمت مكسالا، وهى المرأة الثقيلة الأرداف، الناعمة الجسم، أى: تزوجت امرأة أحسن منك، كأن ثيابها تستر-(2/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْآخَرِينَ) وَقِيلَ: بَلْ الِازْدِلَافُ: هُوَ الِاقْتِرَابُ، وَالزّلْفَةُ: الْقُرْبَةُ، فَسُمّيَتْ مُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنّ النّاسَ يَزْدَلِفُونَ فِيهَا إلَى الْحَرَمِ، وَفِي الْخَبَرِ: أَنّ آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا هَبَطَ إلَى الْأَرْضِ «1» لَمْ يَزَلْ يَزْدَلِفُ إلَى حَوّاءَ، وَتَزْدَلِفُ إلَيْهِ، حَتّى تَعَارَفَا بِعَرَفَةَ، وَاجْتَمَعَا بِالْمُزْدَلِفَةِ فَسُمّيَتْ: جُمَعًا، وَسُمّيَتْ: الْمُزْدَلِفَةَ «2» .
ذُو الْإِصْبَعِ وَآلُ ظَرِبٍ:
وَأَمّا ذُو الْإِصْبَعِ «3» الّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ: حُرْثَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ فِيهِ: حرثان ابن الْحَارِثِ بْنِ مُحَرّثِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بن ثعلبة بن ظرب، وظرب هو:
والدعامر بْنِ الظّرِبِ الّذِي كَانَ حَكَمَ الْعَرَبَ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قِصّتَهُ فِي الْخُنْثَى، وَفِيهِ يَقُولُ الشاعر [المتلمّس] :
__________
غزالا. والأغيد: المنثنى. ثم قال: إذا أنت باكرت دباغ الجلود باكرت هى الطيب والمداك، وهو الحجر الذى يسحق عليه الطيب. والأثمد: الكحل. أى باكرت هى الطيب والاكتحال. انظر ص 145 تهذيب إصلاح المنطق.
(1) الرأى الراجح أن جنة آدم كانت فى الأرض.
(2) لم يرد هذا فى حديث صحيح.
(3) سبب تسميته فى الاشتقاق ص 268 واسمه: حرثان، ونسبه فى الأغانى: حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ ابن نزار، وفى الجمهرة لابن حزم هو: حرثان بن محرث، ونسبه فى أمالى المرتضى مختلف أيضا فهو: حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة وقيل: محرث بن حرثان. وقيل: حرثان بن حويرث، وقيل: حرثان بن حارثة ابن ظرب إلخ.(2/39)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِذِي الْحِلْمِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَا تُقْرَعُ الْعَصَا ... وَمَا عُلّمَ الْإِنْسَانُ إلّا لِيَعْلَمَا «1»
وَكَانَ قَدْ خَرِفَ، حَتّى تَفَلّتَ ذِهْنُهُ، فَكَانَتْ الْعَصَا تُقْرَعُ لَهُ إذَا تَكَلّمَ فِي نَادِي قَوْمِهِ تَنْبِيهًا لَهُ؛ لِئَلّا تَكُونَ لَهُ السّقْطَةُ فِي قَوْلٍ أَوْ حُكْمٍ. وَكَذَلِكَ كَانَ ذُو الْإِصْبَعِ، كَانَ حَكَمًا فِي زَمَانِهِ، وَعَمّرَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَسُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ؛ لِأَنّ حَيّةً نَهَشَتْهُ فِي أُصْبُعِهِ.
وَجَدّهُمْ ظَرِبٌ: هُوَ عَمْرُو بْنُ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَدْوَانَ، وَاسْمُ عَدْوَانَ: تَيْمٌ، وَأُمّهُ: جَدِيلَةُ بِنْتُ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ، وَكَانُوا أَهْلَ الطّائِفِ، وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ فِيهَا حَتّى بلغوازهاء سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمّ هَلَكُوا بِبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بعض، وكان ثقيف
__________
(1) بيت الشعر «لذى الحلم الخ» هو للمتلمس، وكان ابن الظرب قد كبر، فقال له ابنه الثانى: إنك ربما أخطات فى الحكم، فيحمل عنك، قال: فاجعلوا لى أمارة أعرفها، فإذا زغت، فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب، فكان يجلس قدام بيته، ويقعد ابنه فى البيت ومعه العصا، فإذا زاغ، أو هفا قرع له الجفنة، فرجع إلى الصواب. هذا وربيعة تدعيه لعبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام، واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن، وهو ذو الأعواد، وفى اللسان: أن هذا الحكم هو عمرو بن حممة الدوسى الذى قضى بين العرب ثلثمائة سنة، والأصبغ: مثلثة الهمزة، ومع كل حركة تثلث الياء، ففيه تسع لغات، والعاشر: أصبوع، وحكام العرب فى الجاهلية هم: أكثم بن صيفى، وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، وربيعة بن مخاشن وضمرة بن أبى ضمرة لتميم، وعامر بن الظرب، وغيلان بن سلمة لقيس، وعبد المطلب وأبو طالب والعاصى بن وائل والعلاء بن حارثة لقريش. وربيعة ابن حذار لأسد، ويعمر بن الشدّاخ وصفوان بن أمية، وسلمى بن نوفل لكنانة وحكيمات العرب: صحر بنت لقمان وهند بنت الحسن، وجمعة بنت حابس وابنة عامر بن الظرب، وانظر ص 181 من المحبر.(2/40)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ قَسِيّ بْنُ مُنَبّهٍ صِهْرًا لِعَامِرِ بْنِ الظّرِبِ، كَانَتْ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَامِرٍ، وَهِيَ أُمّ أَكْثَرِ ثَقِيفٍ، وَقِيلَ: هِيَ أُخْتُ عَامِرٍ، وَأُخْتُهَا لَيْلَى بِنْتُ الظّرِبِ هِيَ:
أُمّ دَوْسِ بْنِ عَدْنَانَ، وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ خَبَرِهِ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- فَلَمّا هَلَكَتْ عَدْوَانُ، وَأَخْرَجَتْ بَقِيّتَهُمْ ثَقِيفٌ مِنْ الطّائِفِ، صَارَتْ الطّائِفُ بِأَسْرِهَا لِثَقِيفِ إلَى الْيَوْمِ.
وَقَوْلُهُ: حَيّةَ الْأَرْضِ: يُقَالُ فُلَانٌ حَيّةُ الْأَرْضِ، وَحَيّةُ الْوَادِي إذَا كَانَ مَهِيبًا يُذْعَرُ مِنْهُ، كَمَا قَالَ حَسّانُ:
يا محكم بن طفيل قد أتيح لكم ... لِلّهِ دُرّ أَبِيكُمْ حَيّةِ الْوَادِي
يَعْنِي بِحَيّةِ الْوَادِي: خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عَدْوَانَ «1» . نَصَبَ عَذِيرًا عَلَى الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، كَأَنّهُ يَقُولُ: هَاتُوا عَذِيرَهُ، أَيْ: مَنْ يَعْذِرُهُ، فَيَكُونُ الْعَذِيرُ بِمَعْنَى:
الْعَاذِرِ، وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الْعُذْرِ مَصْدَرًا كَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ.
أَبُو سَيّارَةَ:
وَذَكَرَ أَبَا سَيّارَةَ، وَهُوَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ:
اسْمُهُ: الْعَاصِي. قَالَهُ الْخَطّابِيّ. واسم الأعزل: خالد، ذكره الأصبهانى، وكانت
__________
(1) عدة القصيدة التى فى السيرة هى فى الأغانى: اثنا عشر بيتا فى ترجمة ذى الإصبع، والقصيدة عن تفرق عدوان وتشتتهم فى البلاد مع كثرتهم. وفى اللسان عن حية الوادى: إذا كان شديد الشكيمة حاميا لحوزته، وقال عن بيت ذى الإصبع الأول: «أراد أنهم كانوا ذوى إرب وشدة لا يضيعون ثأرا» .(2/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَهُ أَتَانٌ عَوْرَاءُ، خِطَامُهَا لِيفٌ، يُقَالُ: إنّهُ دَفَعَ عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِيّاهَا يَعْنِي الرّاجِزُ فِي قَوْلِهِ: حَتّى يُجِيزَ سَالِمًا حِمَارَهْ.
وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَتَانُ سَوْدَاءَ؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ:
لاهمّ مالى فِي الْحِمَارِ الْأَسْوَدِ ... أَصْبَحْت بَيْنَ الْعَالَمِينَ أُحْسَدُ
فَقِ أَبَا سَيّارَةَ الْمُحَسّدَ ... مِنْ شَرّ كُلّ حَاسِدٍ إذْ يَحْسُدُ
وَأَبُو سَيّارَةَ هَذَا هُوَ الّذِي يَقُولُ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرَ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ:
لَا هُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ «1»
__________
(1) إن العرب لما سمعوا اللهم جرت فى كلام الخلق توهموا أنه إذا ألغيت الألف واللام من الله كان الباقى: لاه، فقالوا: لاهم، ويقولون: لاه أبوك. يريدون: لله أبوك. وقالوا: لهنك أصلها: لله إنك، فحذف الألف واللام، فقال: لاه إنك، تم ترك همزة إنك، فقال: لهنك، وقالوا: لهنا. أصلها: لاه إنا فحذف مدة لاه، وترك همزة نا. ويرى الفراء أن لهنك أصلها: لأنك، فأبدل الهمزة هاء مثل: هراق الماء، وأراق، وأدخل اللام فى إن لليمين. ويقول ابن جنى فى الخصائص عن اللام فى قولهم: إن زيدا لقائم: إن موضعها أول الجملة وصدرها، لا آخرها وعجزها: ثم قال: ويدل على أن موضع اللام فى خبر إن أول الجملة قبل إن: أن العرب لما جفا عليها اجتماع هذين الحرفين قلبوا الهمزة هاء ليزول لفظ إن، فيزول أيضا ما كان مستكرها من ذلك فقالوا: لهنّك قائم بفتح فكسر فتضعيف، أى: لئنك قائم. ثم استشهد ببعض أبيات على هذا.. ورأيه فى هذا رأى سيبويه فى الكتاب، وضعف رأى من قالوا: إن أصلها: لله إنك الخصائص. ص 314 ج 1 ط 1952 وقد تقدم فى الجزء الأول ذكر هذا. وثبير: جبال بظاهر مكة، والأثبرة أربعة: ثبير عينى، وثبير الأعرج، وهما: حراء وثبير. ثبير الأثبرة، وثبير منى: وماء بديار مزينة. ومعنى المثل:(2/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللهُمّ بَغّضْ بَيْنَ رِعَائِنَا، وَحَبّبْ بَيْنَ نِسَائِنَا، وَاجْعَلْ الْمَالَ فِي سَمْحَائِنَا: وَهُوَ أَوّلُ مَنْ جَعَلَ الدّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْيَقْظَانِ، حَكَاهُ عَنْهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيّ.
وَقَوْلُهُ: وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ. يَعْنِي بِمَوَالِيهِ: بَنِي عَمّهِ، لِأَنّهُ مِنْ عَدْوَانَ وَعَدْوَانُ وَفَزَارَةُ: مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَقَوْلُهُ: مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ. أَيْ:
يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، يَقُولُ: اللهُمّ كُنْ لنا جارا مما نخافه، أى: مجيرا.
__________
ادخل يا ثبير فى الشروق، كى نسرع إلى النّحر. قال عمر: إن المشركين كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس «الإفاضة هنا من المزدلفة إلى منى» والمثل يضرب فى الإسراع والعجلة، وفى شرح الكافية ج 2 ص 332 «واعلم أن من العرب من يقول: لهنّك «بفتح اللام وكسر الهاء وتضعيف النون مع فتح» لرجل صدق. قال: لهنّا لمقضىّ علينا التهاجر. وقال: لهنى لأشقى الناس إن كنت غارما. وقد يحذف اللام، وهو قليل، قال:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق علىّ كريم
وفيه ثلاثة مذاهب. أحدها لسيبويه: وهو أن الهاء بدل من همزة إن كإياك وهياك، فلما غيرت صورة إن بقلب همزتها هاء، جاز مجامعة اللام إياها بعد الامتناع، والثانى: قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك، كما روى عن أبى أدهم الكلابى: «له ربى لا أقول ذلك» بقصر اللام، ثم حذف حرف الجر، كما يقال: الله لأفعلن، وحذفت لام التعريف أيضا، كما يقال: لاه أبوك. أى: لله أبوك، ثم حذفت ألف فعال، كما يحذف من الممدود إذا قصر. كما يقال: الحصاد والحصد قال:
ألا لا بارك الله فى سهيل ... إذ ما الله بارك فى الرجال
«وحذف مد لام الله. ووقف عليها بالسكون وحذف ألف إذا» ثم حذفت همزة إنك(2/43)
[أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ: حَكَمٌ يَقْضِي يَعْنِي: عَامِرَ بْنَ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيّ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ، وَلَا عُضْلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمّ رَضُوا بِمَا قَضَى فيه، فاختصم إليه فى بعض ما كانو يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فِي رَجُلٍ خُنْثَى، لَهُ مَا للرجل، وله ما للمرأة، فقالوا: أنجعله رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ.
فَقَالَ: حَتّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ، فو الله مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ. فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يُقَلّبُ أَمْرَهُ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ، لَا يَتَوَجّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذا سرحت فيقول: صَبّحْتِ وَاَللهِ يَا سُخَيْلُ! وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: مَسّيْتِ وَاَللهِ يَا سُخَيْلُ! وَذَلِك أَنّهَا كَانَتْ تُؤَخّرُ السّرْحَ حَتّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النّاسِ، وتؤخّر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس. فلما رأت سهره وقلقه، وقلّه قراره على فراشه قالت:
مالك لا أبالك! مَا عَرَاك فِي لَيْلَتِك هَذِهِ؟ قَالَ: وَيْلَك! دَعِينِي، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِك، ثُمّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ مِمّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَك! اُخْتُصِمَ إلَيّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى، أَأَجْعَلُهُ رجلا أو امرأة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وفيما قال تكلفات كثيرة. والثالث: ما حكى المفضل بن سلمة عن بعضهم أن أصله: لله إنك. واللام للقسم، فعمل به ما عمل فى مذهب الفراء، وقول الفراء أقرب من هذا، لأنه يقال: لهنك لقائم بلا تعجب» .(2/44)
فو الله مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، وَمَا يَتَوَجّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ؟: قَالَ: فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللهِ! لَا أبالك! أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ، أَقْعِدْهُ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ امْرَأَةٌ. قَالَ: مَسّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا، أَوْ صَبّحِي، فَرّجْتِهَا وَاَللهِ!. ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ حِينَ أَصْبَحَ، فَقَضَى بِاَلّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ.
[غَلَبُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ ومعونة قضاعة له]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ، فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ، وَهُوَ دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ. فَأَتَاهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ، فَقَاتِلُوهُ، فَاقْتَتَلَ النّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ، وَغَلَبَهُمْ قُصَيّ عَلَى ما كان بأيديهم من ذلك.
وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيّ، وَعَرَفُوا أَنّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ، وأنه سيحول بيهم وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ. فَلَمّا انْحَازُوا عَنْهُ بادأهم، وأجمع لحربهم، وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا، فَاقْتَتَلُوا قتالا شديدا، حَتّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمّ إنّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ، وَإِلَى أَنْ يُحَكّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ، فَحَكّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عوف بن كعب بن عامر بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/45)
لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنّ قُصَيّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَنّ كُلّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ: مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَأَنّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ، فَفِيهِ الدّيَةُ مُؤَدّاةٌ، وَأَنْ يُخَلّى بَيْنَ قُصَيّ وَبَيْنَ الكعبة ومكة.
فَسُمّيَ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ: الشّدّاخَ، لِمَا شدخ من الدماه وَوَضَعَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: الشّدَاخُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكّةَ، وَتَمَلّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكّةَ فَمَلّكُوهُ، إلّا أَنّهُ قَدْ أَقَرّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِك أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ، فَأَقَرّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنّسْأَةَ وَمُرّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، فَهَدَمَ اللهُ بِهِ ذَلِكَ كُلّهُ. فَكَانَ قُصَيّ أَوّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قومه، فكانت إليه الحجابة، والسّقاية، وَالرّفَادَةُ، وَالنّدْوَةُ، وَاللّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ مَكّةَ كُلّهُ. وَقَطَعَ مَكّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكّةَ الّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النّاسُ أَنّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَقَطَعَهَا قُصَيّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ، فَسَمّتْهُ قُرَيْشٌ: مُجَمّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدّرِعُ جَارِيَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ(2/46)
إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا فِي دَارِهِ، يَشُقّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمّ تَدّرِعُهُ، ثُمّ يَنْطَلِق بِهَا إلَى أَهْلِهَا. فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدّينِ الْمُتّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ. وَاِتّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النّدْوَةِ، وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أمورها: قال ابن هشام:
وقال الشاعر:
قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعّى مُجَمّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ، قال: سمعت السائب ابن خَبّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدّثُ، أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حَدِيثَ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ، فَلَمْ يَرُدّ ذَلِكَ عليه ولم ينكره.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ قُصَيّ مِنْ حَرْبِهِ، انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ رِزَاحٌ فى إجابته قصيّا:
لمّا أتى من قصىّ رسول ... فَقَالَ الرّسُولُ: أَجِيبُوا الْخَلِيلَا
نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنّا الْمَلُولَ الثّقِيلَا
نَسِيرُ بِهَا اللّيْلَ حَتّى الصّبَاحِ ... وَنَكْمِي النّهَارَ؛ لِئَلّا نَزُولَا
فَهُنّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيّ رَسُولَا
جَمَعْنَا مِنْ السّرّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ ... ومن كلّ حىّ جمعنا قبيلا
فيالك حُلْبَةَ مَا لَيْلَة ... تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رسيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/47)
فلمّا مررن على عسجر ... وأسهلن من مستتاخ سَبِيلَا
وَجَاوَزْنَ بِالرّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ حيا حلولا
مررن على الحيل مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرّ لَيْلًا طَوِيلَا
نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصّهِيلَا
فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكّةَ ... أَبَحْنَا الرّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا
نُعَاوِرُهُمْ ثُمّ حَدّ السّيُوفِ ... وَفِي كُلّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا
نُخَبّزُهُمْ بِصَلَابِ النّسُو ... رِ خَبْزَ الْقَوِيّ الْعَزِيزَ الذّلِيلَا
قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا
نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ... كَمَا لَا يَحِلّونَ أَرْضًا سُهُولَا
فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلّ حىّ شفينا الغليلا
وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذُبْيَانَ بن الجارث بن سعد بن هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي ... مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافَ الْجِنَابِ
إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ، فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ
فَأَمّا صُوفَةُ الْخُنْثَى، فَخَلّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضّرَابِ
وَقَامَ بنر عَلِيّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطّرَابِ
وَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ:
أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ ... بِمَكّةَ مَنْزِلِي، وَبِهَا رَبِيتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/48)
إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيت بِهَا رَضِيت
فَلَسْت لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثّلْ ... بها أولاد قيذر، والنّبيت
رزاح ناصرى، وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ
فَلَمّا اسْتَقَرّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ، نَشَرَهُ اللهُ وَنَشَرَ حُنّا، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ الْيَوْمِ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ، وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ شَيْءٌ، فَأَخَافَهُمْ حَتّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ، وَأَجْلَوْا مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ، وَكَانَ يُحِبّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا بِبِلَادِهَا، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرّحِمِ، ولبلائهم عنده إذا أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ، وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ:
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي رِزَاحَا ... فَإِنّي قَدْ لَحَيْتُك فِي اثْنَتَيْنِ
لَحَيْتُك فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي
وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَبِرَ قُصَيّ وَرَقّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ، وَذَهَبَ كُلّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزّى وَعَبْدٌ. قَالَ قُصَيّ لِعَبْدِ الدّارِ: أَمَا وَاَللهِ يَا بُنَيّ لِأُلْحِقَنّك بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْك: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ، حَتّى تَكُونَ أَنْت تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلّا أَنْت بِيَدِك، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكّةَ إلّا مِنْ سِقَايَتِك، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلّا مِنْ طَعَامِك، وَلَا تقطع قريش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/49)
أمرا من أمورها إلا فى دَارِك، فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النّدْوَةِ، الّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلّا فِيهَا، وأعطاه الحجابة واللواء والسّقاية والرّفادة.
[من فرض الرفادة:]
وَكَانَتْ الرّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كلّ موسم من أموالها إلى قصىّ ابن كِلَابٍ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجّ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لم يكن له سعة ولازاد، وَذَلِك أَنّ قُصَيّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنّ الْحَاجّ ضَيْفُ اللهِ وَزُوّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيّامَ الْحَجّ، حَتّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِك كُلّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا، فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنّاسِ أَيّامَ مِنًى، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِك هَذَا، فَهُوَ الطّعَامُ الّذِي يَصْنَعُهُ السّلْطَانُ كُلّ عَامٍ بِمَنَى لِلنّاسِ حَتّى يَنْقَضِيَ الْحَجّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمّا كَانَ بِيَدِهِ: أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ بن محمد ابن عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَ:
سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيّ كُلّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَكَانَ قُصَيّ لَا يُخَالَفُ، وَلَا يُرَدّ عَلَيْهِ شىء صنعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحُكْمُ بِالْأَمَارَاتِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَامِرُ بْنُ الظّرِبِ وَحُكْمُهُ فِي الْخُنْثَى، وَمَا أَفْتَتْهُ بِهِ جَارِيَتُهُ سُخَيْلَةُ، وَهُوَ حُكْمٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشّرْعِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ، وَلَهُ أصل فى الشريعة، قال الله سبحانه: (وجاؤا على قميصه بدم كذب) وَجْهُ الدّلَالَةِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الدّمِ أَنّ الْقَمِيصَ الْمُدْمَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَرْقٌ وَلَا أَثَرٌ لِأَنْيَابِ الذّئْبِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلٍ [فَصَدَقَتْ، وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ] . يُوسُفَ: 26) الْآيَةَ. وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْلُودِ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيّا فَهُوَ لِلّذِي رُمِيَتْ بِهِ «1» » فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَمَارَاتِ أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْحُدُودِ وَالْمِيرَاثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِي الْخُنْثَى أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَبَالُ، وَيُعْتَبَرَ بِالْحَيْضِ، فَإِنْ أَشْكَلَ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، حُكِمَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ سَهْمُ امْرَأَةٍ وَنِصْفٌ، وَفِي الدّيَةِ كَذَلِكَ، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِهِ مَبْنِيّةٌ عَلَى الاجتهاد.
__________
(1) هذا جزء من حديث- رواه أبو داود مطولا، وفى إسناده عباد بن منصور، وقد تكلم فيه غير واحد، وهو فى قذف هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين خلفوا امرأته بشريك بن سحماء، فشكا ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فطلب منه الرسول «ص» البينة، وإلا أقام عليه الحد، فنزلت آيات اللعان من سورة النور، وقد روى قصة هلال: الجماعة وأحمد، والجعد: القصير الشعر، والأورق: الأسمر مع بياض. والجمالى: العظيم الخلق كأنه الجمل، وقد طلب النبى صلى الله عليه وسلم أن تترك المرأة حتى تلد، فجاءت بالولد فى صفات الرجل الذى رميت به، فقال صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن» .(2/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّدّاخُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ يَعْمَرَ الشّدّاخَ بْنَ عَوْفٍ حِينَ حَكّمُوهُ، وَأَنّهُ سُمّيَ بِالشّدّاخِ لَمّا شَدَخَ مِنْ دِمَاءِ خُزَاعَةَ «1» وَيَعْمَرُ الشّدّاخُ هُوَ جَدّ بَنِي دَأْبٍ الّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِ الْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ وَهُمْ: عِيسَى بْنُ يَزِيدَ بن [بكر] ابن دَأْبٍ، وَأَبُوهُ: يَزِيدُ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ دَأْبٍ، وَدَأْبٌ هُوَ: ابْنُ كُرْزِ بْنِ أَحْمَرَ مِنْ بَنِي يَعْمَرَ بْنِ عَوْفٍ الّذِي شَدَخَ دِمَاءَ خُزَاعَةَ، أَيْ: أَبْطَلَهَا، وَأَصْلُ الشّدْخِ:
الْكَسْرُ وَالْفَضْخُ، وَمِنْهُ الْغُرّةُ الشّادِخَةُ، شُبّهَتْ بِالضّرْبَةِ الْوَاسِعَةِ. وَالشّدّاخُ بِفَتْحِ الشّينِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَالشّدّاخُ بِضَمّهَا إنّمَا هُوَ جَمْعٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمّى هُوَ وَبَنُوهُ: الشّدّاخَ، كَمَا يُقَالُ: الْمَنَاذِرَةُ فِي الْمُنْذِرِ وَبَنِيهِ، وَالْأَشْعَرُونَ فِي بَنِي الْأَشْعَرِ مِنْ سَبَأٍ «2» وَهُوَ بَابٌ يَكْثُرُ وَيَطُولُ. وَأُمّ يَعْمَرَ الشّدّاخِ اسْمُهَا: السّؤْمُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ جُرّةَ بِضَمّ الْجِيمِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ جِرّةَ بِالْكَسْرِ «3» ذَكَرَهُ ابْنُ ما كولا. وَمِنْ بَنِي الشّدّاخِ: بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عبد الله بن يعمر
__________
(1) فى الاشتقاق: «إنما سمى الشداخ لأنه أصلح بين قريش وخزاعة فى الحرب التى كانت بينهم، فقال: شدخت الدماء تحت قدمىّ، والشّدخ: وطؤك الشىء حتى تفضخه، والفرس الشادخ: الذى انتشرت غرته فى وجهه، ولم تبلغ العينين، والجمع: شوادخ، والفضخ: الكسر، ويذكر السهيلى عيسى بن يزيد بن دأب، وهو فى الاشتقاق: عِيسَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ دَأْبٍ.
(2) الأشعر هو: نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ.
(3) فى القاموس: السوم بفتح السين وواو ساكنة بنت جرة بكسر الجيم: أعرابية، وفيه: يزيد بن الأخنس بن جرة بضم الجيم: صحابى.(2/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّدّاخُ الشّاعِرُ الْمَذْكُورُ فِي شِعْرِ الْحَمَاسَةِ، اسْمُهُ: حُمَيْضَةُ، وَلُقّبَ:
بَلْعَاءَ «1» لِقَوْلِهِ:
أَنَا ابْنُ قَيْسٍ سَبُعًا وَابْنَ سَبُعْ ... أَبَارَ مِنْ قَيْسٍ قَبِيلًا فَالْتَمَعْ
كَأَنّمَا كَانُوا طَعَامًا فَابْتُلِعْ
(وِلَايَةُ قُصَيّ الْبَيْتَ) ذَكَرَ فِيهِ أَمْرَ قُصَيّ وَمَا جَمَعَ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، وَأَنْشَدَ:
قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجَمّعًا
«2» . الْبَيْتَ وَبَعْدَهُ:
هُمُوا مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَسُوْدُدًا ... وَهُمْ طَرَدُوا عَنّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ
وَيَذْكُرُ أَنّ هَذَا الشّعْرَ لِحُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ.
وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا قَطّعَ مَكّةَ رِبَاعًا «3» ، وَأَنّ أَهْلَهَا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ للبنيان. وقال الْوَاقِدِيّ: الْأَصَحّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ أَرَادُوا الْبُنْيَانَ قَالُوا لِقُصَيّ: كَيْفَ نَصْنَعُ فى شجر الحرم، فحذّرهم قطعها وخوّفهم
__________
(1) فى الاشتقاق: بلعاء من قولهم: بئر بلعاء: واسعة، ورجل بلع إذا كان نهما، وقد أخرج له أبو تمام فى ديوان الحماسة ثلاثة أبيات، أولها:
وفارس فى غمار الموت منغمس ... إذا تألىّ على مكروهة صدقا
غمار الموت: شدائده، تألى: حلف، وفى اللسان: حمضة اسم حى بلعاء وقد كان بلعاء رئيسا فى الجاهلية، وشهد حرب الفجار الثانى، ومات فى تلك الأيام
(2) فى الطبرى 256 ج 2، أبوكم قصى كان يدعى مجمعا.
(3) دورا.(2/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعُقُوبَةَ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَحُوفُ بِالْبُنْيَانِ حَوْلَ الشّجَرَةِ، حَتّى تَكُونَ فِي مَنْزِلِهِ. قَالَ: فَأَوّلُ مَنْ تَرَخّصَ فِي قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ للبنيان عبد الله ابن الزّبَيْرِ حِينَ ابْتَنَى دُورًا بِقُعَيْقِعَانَ، لَكِنّهُ جَعَلَ دِيَةَ كُلّ شَجَرَةٍ: بَقَرَةً، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عمر- رضى الله- أَنّهُ قَطَعَ دَوْحَةً كَانَتْ فِي دَارِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، كَانَتْ تَنَالُ أَطْرَافُهَا ثِيَابَ الطّائِفِينَ بِالْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوَسّعَ الْمَسْجِدُ، فَقَطَعَهَا عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَوَدَاهَا بَقَرَةً، ومذهب مالك- رحمه الله- فى ذلك: ألّادية فِي شَجَرِ الْحَرَمِ. قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ.
وَقَدْ أَسَاءَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَأَمّا الشّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- فَجَعَلَ فِي الدّوْحَةِ بَقَرَةً، وَفِيمَا دُونَهَا شَاةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللهُ- إنْ كَانَتْ الشّجَرَةُ الّتِي فِي الْحَرَمِ مِمّا يَغْرِسُهَا النّاسُ، ويَسْتَنْبِتُونها، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا، فَفِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَفْتَى فِيهَا بِعِتْقِ «1» رقبة.
__________
(1) وفى الثقرى للمحب الطبرى: «عن عطاء أنه كان يقول فى المحرم: إذا قطع شجرة عظيمة من شجر الحرم فعليه بدنة، وفى الدوحة: بقرة. وعنه أنه سئل عمن قطع من شجر الحرم، فقال: يستغفر الله عز وجل ولا يعود، وعنه أنه كان يرخص فى القصب والشوك. والسّنى: نوع من النبات. وعنه لا بأس أن يجنى الكمأة من الحرم ولا بأس بالسعشرق (نبات يتفرش على وجه الأرض عريض الورق وليس له شوك) والكمأة جمع مفرده: كمء، والكمء: نبات ينفض الأرض، فيخرج كما يخرج الفطر، يأكله الناس والحيوان، على أنه ورد فى حديث أخرجه البخارى ومسلم أن الحرم لا يعضد شوكه، أى: لا يقطع.(2/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دَارُ النّدْوَةِ:
وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا اتّخَذَ دَارَ النّدْوَةِ، وَهِيَ الدّارُ الّتِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلتّشَاوُرِ، وَلَفْظُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ النّدِيّ وَالنّادِي وَالْمُنْتَدَى، وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ الّذِي يَنْدُونَ حَوْلَهُ، أَيْ: يَذْهَبُونَ قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَالتّنْدِيَةُ فِي الْخَيْلِ. أَنْ تُصْرَفَ عَنْ الْوِرْدِ إلَى الْمَرْعَى قَرِيبًا، ثُمّ تُعَادُ إلَى الشّرْبِ، وَهُوَ الْمُنَدّى «1» ، وَهَذِهِ الدّارُ تَصَيّرَتْ بَعْدَ بَنِي عبد الدار إلى حكيم بن حزام ابن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، فَبَاعَهَا فِي الْإِسْلَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَلَامَهُ مُعَاوِيَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: أَبِعْت مَكْرُمَةَ آبَائِك وَشَرَفِهِمْ، فَقَالَ حَكِيمٌ: ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ إلّا التّقْوَى. وَاَللهِ: لَقَدْ اشْتَرَيْتهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ بِزِقّ خَمْرٍ، وَقَدْ بِعْتهَا بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنّ ثَمَنَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَيّنَا الْمَغْبُونُ؟! ذَكَرَ خَبَرَ حَكِيمٍ هذا الدار قطنى فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطّأِ لَهُ.
مِنْ تَفْسِيرِ شِعْرِ رِزَاحٍ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ رِزَاحٍ، وَفِيهِ: وَنَكْمِي النّهَارَ أَيْ: نَكْمُنُ وَنَسْتَتِرُ، وَالْكَمِيّ مِنْ الْفُرْسَانِ، الّذِي تَكَمّى بِالْحَدِيدِ. وَقِيلَ: الّذِي يَكْمِي شَجَاعَتَهُ، أَيْ: يَسْتُرُهَا، حَتّى يُظْهِرَهَا عِنْدَ الْوَغَى. وَفِيهِ: مَرَرْنَا بِعَسْجَرَ، وَهُوَ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ: وَرِقَانُ اسْمُ جَبَلٍ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ سُفْيَانَ: وَرَقَانُ بِفَتْحِ الرّاءِ، وَقَيّدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ: ورقان بكسر الراء، وأنشد للأحوص:
__________
(1) والمنتدى أيضا من أسماء النادى الذى هو مجتمع مجلس القوم ومتحدثهم والمندى: مكان ورد الإبل.(2/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَيْفَ نُرَجّي الْوَصْلَ مِنْهَا وَأَصْبَحَتْ ... ذُرَى وَرِقَانٍ «1» دُونَهَا وَحَفِيرُ
وَيُخَفّفُ، فَيُقَالُ: وَرْقَانُ. قَالَ جَمِيلٌ:
يَا خَلِيلَيّ إنّ بَثْنَةَ بَانَتْ ... يَوْمَ وَرْقَانَ بِالْفُؤَادِ سَبِيّا
وَذَكَرَ أَنّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْجِبَالِ، وذكر أن فيه أو شالا «2» وَعُيُونًا عِذَابًا، وَسَكّانُهُ: بَنُو أَوْسِ بْنِ مُزَيْنَةَ.
وَذَكَرَ أَيْضًا الْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ضِرْسُ الْكَافِرِ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانٍ» «3» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ ذَكَرَ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَقَالَ: رَجُلَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يَنْزِلَانِ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعَرَبِ، يُقَالُ لَهُ: وَرِقَانُ «4» كُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَشْمَذِينَ بِكَسْرِ الذّالِ، وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِ:
الْأَشْمَذَانِ: جَبَلَانِ [بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ] ، ويقال: اسم قبيلتين، ثم قال فى
__________
(1) ورقان- بالفتح ثم الكسر- ويروى بسكون الراء: جبل أسود بين العرج والرويثة على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، وهو من جبال تهامة.
(2) مياه تسيل من أعراض الجبال، فتجتمع ثم تساق إلى المزارع.
(3) رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه عن أبى هريرة.
(4) الذى فى الحاكم: «آخر من حشر: راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بضمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنيّة الوداع خرا على وجوههما» ومثل هذه الأحاديث لا يعتد بها.(2/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَاشِيَةِ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الرّوَايَةُ بِفَتْحِ الذّالِ وَكَسْرِ النّونِ مِنْ أَشْمَذَيْنِ- قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنْ صَحّ أَنّهُمَا اسْمُ قَبِيلَتَيْنِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الرّوَايَةُ كَمَا فِي الْأَصْلِ: أَشْمَذِينَ «1» بِكَسْرِ الذّالِ، لِأَنّهُ جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى. واشتقاق الأشمذ من شمذت النّاقَةِ بِذَنَبِهَا أَيْ: رَفَعَتْهُ، وَيُقَالُ لِلنّحْلِ: شُمّذٌ، لِأَنّهَا تَرْفَعُ أَعْجَازَهَا.
وَفِيهِ: مَرَرْنَ عَلَى الْحَيْلِ «2» وَفَسّرَهُ الشّيْخُ فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ، فَقَالَ:
هُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بَطْنِ وَادٍ، وَوَجَدْت فِي غَيْرِ أَصْلِ الشّيْخِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا:
مَرَرْنَ عَلَى الْحِلّ وَالْأُخْرَى: مَرَرْنَ عَلَى الْحِلْيِ، فَأَمّا الْحِلّ: فَجَمْعُ حِلّةٍ، وَهِيَ بَقْلَةٌ شَاكّةٌ «3» . ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرَةِ. وَأَمّا الْحِلْيُ، فَيُقَالُ: إنّهُ ثمر القلقلان «4» وهو نبت.
__________
(1) فى المراصد: أشمذين- بفتح أوله والميم والذال مفتوحتان، والياء ساكنة والنون مكسورة بلفظ التثنية: جبلان بين المدينة وخيبر تنزلهما جهينة وأشجع.
(2) الحيل فى اللسان كما ذكر الشيخ، وأيضا: القطيع من الغنم، وحجارة تحدر من جوانب الجبل إلى أسفله وفى الأصل «الجبل» وهو خطأ.
(3) وفى اللسان والقاموس: شجرة شاكّة.
(4) عرق هذا الشجر المغاث، وقد خطأ أبوذر فى شرحه للسيرة هذا الرأى لأن اسم النبات: الحلى بتشديد الياء وكسر اللام. وذكر أنه اسم موضع. ورزاح بن ربيعة بكسر الراء، وغيره بالكسر وبالفتح. ومن معانى مفردات قصيدة رزاح: الورد: الواردة. الحلبة: جماعة الخيل. السيب: المشى السريع فى رفق كانسياب الحية. الرسيل: المشى الذى فيه تمهل. وعسجر: موضع قرب مكة. أسهل: حل الموضع السهل، العرج: واد من نواحى الطائف. العوذ: جمع عائذ: الناقة أو الفرس التى لها أولاد. والأفلاء: جمع فلو، المهر العظيم. نعاور:(2/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ فِيهَا: نُخَبّزُهُمْ. أَيْ: نَسُوقُهُمْ سَوْقًا شَدِيدًا، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ الرّاجِزِ. لَا تَخْبِزَا خَبْزًا وَبُسّا بَسّا.
وَذَكَرَ شِعْرَ رِزَاحٍ الْآخَرَ، وَفِيهِ: مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافِ الْجِنَابِ. بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ.
وَفِيهِ: وَقَامَ بَنُو عَلِيّ، وَهُمْ بَنُو كِنَانَةَ، وَإِنّمَا سُمّوا بِبَنِي على؛ لأنّ عبد مناة ابن كِنَانَةَ كَانَ رَبِيبًا لِعَلِيّ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مازن من الأزدجدّ سَطِيحٍ الْكَاهِنِ، فَقِيلَ لِبَنِي كِنَانَةَ: بَنُو عَلِيّ، وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ فِي هَذَا الْبَيْتِ بَنِي بَكْرِ ابن عَبْدِ مَنَاةَ؛ لِأَنّهُمْ قَامُوا مَعَ خُزَاعَةَ.
شِعْرُ قُصَيّ والعذرتان:
وَذَكَرَ شِعْرَ قُصَيّ: أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ. الْأَبْيَاتَ. وَلَيْسَ فِيهَا مَا يشكل.
__________
نداول مرة بعد أخرى. الأوب: الرجوع. وصلاب النسور: النسور: جمع نسر، وهو اللحم اليابس الذى فى باطن الحافر. وصلاب النسور كناية عن الخيل القوية، ومن مفردات قصيدة ثعلبة: التغالى من المغالاة، وهى ارتفاع الدابة فى سيرها ومجاوزتها حسن السير. والغور: أصله ما تدخل من الأرض، وانهبط، ومنه: غور تهامة، وكل ما وصف به تهامة، فهو من صفة الغور؛ لأنهما اسمان لمسمى واحد. والفيفاء: الصحراء. القاع: أرض مستوية مطمئنة عما يحيط بها من الجبال والاكام، تنصب إليها الأمطار، فتمسكها، ثم تنبت العشب، الضراب: يقال: ضرب الفحل ضرابا: أتى الناقة. والطراب: الإبل التى اشتاقت إلى موطنها.(2/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَنّ رِزَاحًا حِينَ اسْتَقَرّ فِي بِلَادِهِ نشر الله ولده وولد حنّ، ابن رَبِيعَةَ، فَهُمَا حَيّا عُذْرَةَ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي قُضَاعَةَ: عُذْرَتَانِ: عُذْرَةُ بْنُ رُفَيْدَةَ، وَهُمْ مِنْ بنى كلب ابن وَبْرَةَ. وَعُذْرَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سُودِ بْنِ أَسْلُمِ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَأَسْلُمُ هَذَا هُوَ بِضَمّ اللّامِ مِنْ وَلَدِ حُنّ بْنِ رَبِيعَةَ أَخِي رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ جَدّ جَمِيلِ بن عبد الله ابن مَعْمَرٍ صَاحِبِ بُثَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ هُوَ ابْنُ وَلَدِ الحارث بن خبير بْنِ ظَبْيَانَ، وَهُوَ الضّبِيسُ بْنُ حُنّ. وَبُثَيْنَةُ أَيْضًا مِنْ وَلَدِ حُنّ، وَهِيَ بِنْتُ حِبّانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْهَوْذِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحَبّ بْنِ حُنّ [وَفِي قُضَاعَةَ أَيْضًا عُذْرَةُ بْنُ عَدِيّ، وَفِي الْأَزْدِ: عُذْرَةُ بْنُ عَدّاد] .
حَوْتَكَةُ وَأَسْلُمٌ:
وَذَكَرَ حَوْتَكَةَ بْنَ أَسْلُمٍ وَبَنِيّ نهد بن زيد وإجلاء رزاح لهم «1»
__________
(1) نسب جميل فى جمهرة أنساب العرب: جميل بن عبد الله بن معمر ابن الحارث بن الخبير [فى الروض ابن خيبر فى] ابن طبيان، وهو خبيس بن جر بن ربيعة، ويتفق الأغانى مع الجمهزة حتى الحارث، وبعدها يقول الأغانى «ابن ظبيان بن قيس بن جزء بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير، بن عذرة بن سعد- وهو هذيم، سمى بذلك إضافة لاسمه إلى عبد لأبيه، يقال له: هذيم، وكان يحضنه، فغلب عليه، وفى الاشتقاق كذلك عن سعد وهذيم- بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. ونسب بثينة فى الجمهرة: بثينة بنت حبّا ابن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحبّ بن جرير بن ربيعة. لأبيها صحبة ص 420 جمهرة. وفى الأغانى: بنت حبأ بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن(2/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَحَوْتَكَةُ هُوَ: عَمّ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلُمٍ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَسْلُمٌ بِضَمّ اللّامِ إلّا ثَلَاثَةٌ. اثْنَانِ مِنْهَا فِي قُضَاعَةَ، وَهُمَا: أَسْلُمُ بْنُ الْحَافّ هَذَا، وَأَسْلُمُ بْنُ تَدُولَ ابن تيم الّلات «1» بن رفيدة بن ثورين كَلْبِ، وَالثّالِثُ فِي عَكّ أَسْلُمُ بْنُ الْقَيَاتَةِ بْنِ غَابِنِ «2» بْنِ الشّاهِدِ بْنِ عَكّ، وَمَا عَدَا هَؤُلَاءِ فَأَسْلَمُ بِفَتْحِ اللّامِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ حبيب فى المؤتلف والمختلف.
__________
الأحب بن حن بن ربيعة. وفى الاشتقاق عن عذرة بن رفيدة، وكذلك فى جمهرة ابن حزم: أنه عذرة بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وبرة. وفى كتاب متفق القبائل لابن حبيب، وفى قضاعة: عذرة بن سعد، وفى كلب: عذرة ابن زيد اللات، وعذرة بْنُ عَدِيّ، وَفِي الْأَزْدِ: عُذْرَةُ بْنُ عَدّاد، وفى الجمهرة لابن حزم ضبط أسلم بفتح اللام مرة، وبضمها فى مكان آخر، وفيها ما يأتى: ولد أسلم بن الحافى: سود بن أسلم. فولد سود بن أسلم ليث وحوتكة «بفتح الحاء وإسكان الواو» بطن بمصر مع بنى خميس بن جهينة، وإياس بن سود، وهم فى بنى لؤى بن عذرة. وفى أمالى ابن الشجرى عن الحاف أنه مما حذفت العرب ياءه اجتزاء بالكسر مثل: العاص فى اسم العاص بن أمية، والعاص بن وائل السهمى، ومثل اليمان فى أبى حذيقة اليمان، ومثل الداع فى قوله سبحانه: «أجيب دعوة الداع إذا دعان» انظر الاشتقاق فى قبائل قضاعة، وص 415 جمهرة. ونقلت ما ذكرت عن ابن الشجرى من تعليق للأستاذ هرون فى الاشتقاق. وفى الاشتقاق عن هوذى أنه هوذة.
(1) فى الجمهرة والاشتقاق وغيرهما: زيد اللات. ولكن ورد فى الجمهرة ص 429 وهو يتحدث عن بنى كلب بن وبرة: «وبنو أسلم بضم اللام بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة» .
(2) فى الجمهرة: أسلم بن القيانة بن غافق، ومنهم كان أمير الأندلس. وفى اللسان عن أسلم بضم اللام نقل عن كراع أنه جمع: سلم، وذكر أنه لم يفسر أى: سلم- بفتح فسكون- يعنى، ثم نقل أنه قد يكون جمع سلم- بفتح فسكون- وهى الدلو العظيمة.(2/60)
[ذكر ماجرى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيّ وَحِلْفِ الْمُطَيّبِينَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ، فَأَقَامَ أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ، وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَاخْتَطّوا مَكّةَ رِبَاعًا- بعد الذى كان قطع لقومه بها- فَكَانُوا يَقْطَعُونَهَا فِي قَوْمِهِمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَيَبِيعُونَهَا فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ، ثُمّ إنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطّلِبَ وَنَوْفَلًا أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِمّا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدّارِ، مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللّوَاءِ وَالسّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ، وَرَأَوْا أَنّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ، فَتَفَرّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ. يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ ما كان قصىّ جعل إليهم.
فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِك أَنّهُ كَانَ أَسَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ: عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَبَنُو زهرة ابن كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ، مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/61)
وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.
فَعَقَدَ كُلّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلّ بَحْرَ صُوفَةَ.
فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا، فَيَزْعُمُونَ أَنّ بَعْضَ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ، فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، ثُمّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ، ثُمّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ توكيدا على أنفسهم، فسمّوا المطيّبين.
وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ، وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكّدًا، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمّوا الْأَحْلَافَ.
ثُمّ سُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَلُزّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ، فَعُبّيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ، وَعُبّيَتْ بنو أسد لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَعُبّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ، وَعُبّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَعُبّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدّي بْنِ كَعْبٍ.
ثُمّ قَالُوا: لِتُفْنَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إليها.
فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللّوَاءُ وَالنّدْوَةُ لِبَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/62)
عَبْدِ الدّارِ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النّاسُ عَنْ الْحَرْبِ، وَثَبَتَ كُلّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ، حَتّى جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَإِنّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلّا شِدّةً» .
[حلف الفضول]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَحَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، لِشَرَفِهِ وَسِنّهِ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النّاسِ إلّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ: حِلْفَ الْفُضُولِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التّيْمِيّ أَنّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ الزّهْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا، مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإسلام لأجبت» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ حَدّثَهُ: أَنّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أبى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/63)
طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَمّرَهُ عَلَيْهَا عَمّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبى سفيان- مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ، فكان الوليد تحامل على الحسين- فِي حَقّهِ لِسُلْطَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَتُنْصِفَنّي مِنْ حَقّي، أَوْ لَآخُذَن سَيْفِي، ثُمّ لَأَقُومَن فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ لَأَدْعُوَن بِحِلْفِ الْفُضُولِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَيْرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ- رَضِيَ الله عَنْهُ- مَا قَالَ: وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَن سَيْفِي، ثُمّ لَأَقُومَن مَعَهُ، حَتّى يُنْصَفَ مِنْ حَقّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا. قَالَ: فَبَلّغْت الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزّهْرِيّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلّغْت عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التّيْمِيّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقّهِ حَتّى رَضِيَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ قَالَ: قَدِمَ مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- وَكَانَ محمد ابن جبير أعلم قريش- فدخل عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزّبَيْرِ، وَاجْتَمَعَ النّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِيّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ؟ قَالَ:
أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِتُخْبِرَنّي يَا أَبَا سَعِيدٍ بِالْحَقّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:
لَا وَاَللهِ، لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ منه، قال: صدقت.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِك أَنّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلّمَا يُقِيمُ بِمَكّةَ، وَكَانَ مُقِلّا ذَا وَلَدٍ، وَكَانَ هَاشِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/64)
موسرا فكان- فيما يزعمون- إذا حضر الحجّ، قام فى قريش فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوّارُ اللهِ وَحُجّاجُ بَيْتِهِ، وَهُمْ ضَيْفُ اللهِ، وَأَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ: ضَيْفُهُ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لهم به طعاما أيامهم هذه التى لابدّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا؛ فَإِنّهُ- وَاَللهِ- لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِك مَا كَلّفْتُكُمُوهُ» . فَيُخْرِجُونَ لذلك خرجا من أموالهم، كلّ امرىء بقدر ما عنده، فيصنع به للحجّاج طعام، حتى يصدروا منها.
وَكَانَ هَاشِمٌ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ: رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ، وَأَوّلَ مَنْ أطعم الثريد للحجاج بِمَكّةَ، وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ: عَمْرًا، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ:
عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
سُنّتْ إلَيْهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشتاء، ورحلة الإيلاف
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ
قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عجاف
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ تَاجِرًا، فَوَلِيَ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّيهِ: الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ.
وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَتَزَوّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الحريش بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/65)
ابن عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عمرو بن أحيحة، وكانت لاتنكح الرّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حَتّى يَشْتَرِطُوا لَهَا أَنّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، إذَا كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ.
فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَسَمّتْهُ: شَيْبَةَ، فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ عِنْدَهَا حَتّى كَانَ وَصِيفًا، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، ثُمّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمّهُ الْمُطّلِبُ؛ لِيَقْبِضَهُ، فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى: لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَك، فَقَالَ لَهَا الْمُطّلِبُ: إنّي غَيْرُ منصرف حتى أخرج به معى، إنّ ابن أَخِي قَدْ بَلَغَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا، نلى كثيرا من أمرهم، وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَاحْتَمَلَهُ، فَدَخَلَ بِهِ مَكّةَ مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: عَبْدُ الْمُطّلِبِ ابْتَاعَهُ، فَبِهَا سُمّيَ: شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ. فَقَالَ الْمُطّلِبُ: وَيْحَكُمْ! إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ، قَدِمْتُ بِهِ من المدينة.
ثُمّ هَلَكَ الْمُطّلِبُ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فقال رجل من العرب يبكيه:
قد ظمىء الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطّلِبِ ... بَعْدَ الْجِفَانِ وَالشّرَابِ المُنْثَعِبْ
لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ
وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ، يَبْكِي الْمُطّلِبَ وَبَنِيّ عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا:
يَا لَيْلَةً هَيّجْت لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/66)
وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ، وَمَا ... عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ الْمَنِيّاتِ
إذَا تَذَكّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ... ذَكّرَنِي بِالْأَوّلِيّاتِ
ذَكّرَنِي بِالْأُزُرِ الْحُمْرِ وَالْأَرْدِيَةِ ... الصّفْرِ الْقَشِيبَاتِ
أَرْبَعَةٌ كُلّهُمْ سَيّدُ ... أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ
مَيْتٌ بردمان وميت بسلمان ... وميت بين غَزّاتِ
وَمَيّتٌ أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى الْمَحْجُوبِ ... شَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ
أَخْلَصُهُمْ: عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ ... مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ بِمَنْجَاةِ
إنّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ حِلْفِ الْمُطَيّبِينَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَنَازُعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِيّ عَبْدِ الدّارِ فِيمَا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَيْهِمْ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ حِلْفَ الْمُطَيّبِينَ، وَسَمّاهُمْ، وَذَكَرَ أَنّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ عَبْدِ مَنَافٍ هِيَ الّتِي أَخْرَجَتْ لَهُمْ جَفْنَةً مِنْ طِيبٍ، فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، وَلَمْ يُسَمّ الْمَرْأَةَ، وَقَدْ سَمّاهَا الزّبَيْرُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ: هِيَ أُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَمّةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَوْأَمَةُ أَبِيهِ.
قَالَ: وَكَانَ الْمُطَيّبُونَ يُسَمّوْنَ: الدّافَةَ جَمْعَ دَائِفٍ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ، لِأَنّهُمْ دافو الطّيب «1» .
__________
(1) ذكر اسم أم حكيم أيضا أبو عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيرى فى كتابه نسب قريش ص 383، وذكر أنها قالت بعد وضعها الجنة فى الحجر: «من كان منا فليدخل يده فى هذا الطيب» ويذكر أن بنى سهم بن عمرو نحرت جزورا، وقالوا: «من كان منا فليدخل يده فى هذه الجزور» فأدخل من أدخل فسميت(2/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السّنَادُ وَالْإِقْوَاءُ:
وَذَكَرَ أَنّ الْقَبَائِلَ سُونِدَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، لِتَكْفِيَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَا سُونِدَ إلَيْهَا، فَسُونِدَ: مِنْ السّنَادِ، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كُلّ فَرِيقٍ، وَمَا يَلِيهِ مِنْ عَدُوّهِ، وَمِنْهُ أُخِذَ سِنَادُ الشّعْرِ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَابَلَ الْمِصْرَاعَانِ مِنْ الْبَيْتِ، فَيَكُونُ قَبْلَ حَرْفِ الرّوىّ حرف مدّولين، وَيَكُونُ فِي آخِرِ الْبَيْتِ الثّانِي قَبْلَ حَرْفِ الرّوِيّ حَرْفُ لِينٍ، وَهِيَ يَاءٌ أَوْ وَاوٌ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ.
أَلَا هُبّي بِصَحْنِك فَاصْبِحِينَا
ثُمّ قَابَلَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ: - تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا جَرَيْنَا «1» - فَكَأَنّ الْيَاءَ الْمَفْتُوحَ مَا قَبْلَهَا قَدْ سُونِدَتْ بِهَا إلَى الْيَاءِ الْمَكْسُورِ مَا قَبْلَهَا، فَتَقَابَلَتَا، وَهُمَا غَيْرُ مُتّفِقَتَيْنِ فِي الْمَدّ، كَمَا يَتَقَابَلُ القبيلتان، وهما مختلفتان متعاديتان، وأما الإقواء
__________
- الأحلاف، وذكر أن الأسود بن حارثة أدخل يده فى الدم، ثم لعقها، فلعقت بنو عدى كلها بأيديها، فسموا: لعقة الدم، وانظر أيضا ص 166 المحبر لابن حبيب. وص 45 شرح السيرة للخشنى. وداف الشىء دوفا، وأدافه: خلطه وأكثر ذلك فى الدواء والطيب. وداف يديف: لغة فيه. ومجيئه بالواو أكثر، ومسك مدوف ومدووف، وداف الطيب وغيره فى الماء يدوفه فهو دائف.
(1) أول البيت: «كأن غضونهن متون غدر» وفى رواية: متونهن بدلا من غضون، ويروى: إذا عرينا بدلا من جرينا، والغدر: جمع غدير. تصفقها الرياح: تضربها. يشبه غضون الدرع بمتون الغدران إذا ضربتها الرياح فى جريها، والطرائق التى ترى فى الدروع بالتى تراها فى الماء إذا ضربته الريح «عن الزوزنى» فى شرح المعلقات.(2/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَهُوَ أَنْ يَنْقُصَ قُوّةٌ مِنْ الْمِصْرَاعِ الْأَوّلِ، كَمَا تَنْقُصُ قُوّةٌ مِنْ قُوَى الْحَبْلِ «1» ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آخِرِ الْمِصْرَاعِ الْأَوّلِ حَرْفٌ مِنْ الْوَتَدِ كَقَوْلِهِ:
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النّسَاءَ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ
وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
لَمّا رَأَتْ مَاءَ السّلَى مَشْرُوبًا ... وَالْفَرْثُ يُعْصَرُ فى الإناء أرنّت «2»
__________
(1) فى الأصل: الجبل، والتصويب من اللسان. والقوة: الخصلة الواحدة من قوى الحبل. وحبل مقوى: هو أن ترخى قوة، وتغير قوة، فلا يلبث الحبل أن ينقطع. وقد عرف أبو عمر بن العلاء الإقواء بأنه اختلاف حركات الروى، فبعضه مرفوع، وبعضه منصوب أو مجرور. أما ما قاله السهيلى، فهو قول أبى عبيدة. واستشهد بقول الربيع بن زياد: «أفبعد مقتل مالك الخ» . وعرفه أبو عمرو الشيبانى بأنه اختلاف إعراب القوافى، وابن سيدة: المخالفة بين القوافى. والأخفش: رفع بيت وجر آخر. قال: وقد سمعت هذا من العرب كثيرا، لا أحصى، وقلّت قصيدة ينشدونها إلا وفيها إقواء، ثم لا يستنكرونه، لأنه لا يكسر الشعر. وفى اللسان أمثلة كثيرة فى مادة قوا، ثم ذكر ابن جنى أن الإقواء وإن كان عيبا لاختلاف الصوت به فإنه قد كثر.
(2) البيت لحجل بن نضلة. وهو فى اللسان.
ولما رأت ماء السّلى مشروبها
والسلى: الجلد الرقيق الذى يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه، وقيل: هو فى الماشية: السلى، وفى الناس: المشيمة. وفى المثل: وقع القوم فى سلى جمل. أى فى أمر لا مخرج منه؛ لأن الجمل لاسلى له. وإنما يكون للناقة.(2/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ الْأَصْمَعِيّ يُسَمّي هَذَا الْإِقْوَاءَ: الْمُقْعَدَ، ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ عَدِيّ بْنُ الرّقَاعِ [الْعَامِلِيّ] فِي السّنَادِ:
وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْتَهَا ... حَتّى أُثَقّفَ مَيْلَهَا وَسِنَادَهَا «1»
حِلْفُ الْفُضُولِ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ الْحِلْفَ الّذِي عَقَدَتْهُ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا عَلَى نُصْرَةِ كُلّ مَظْلُومٍ بِمَكّةَ قَالَ: وَيُسَمّى حِلْفَ الْفُضُولِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ هَذِهِ التّسْمِيَةِ، وَذَكَرَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَقَالَ: كَانَ قَدْ سَبَقَ قُرَيْشًا إلَى مِثْلِ هَذَا الْحِلْفِ جُرْهُمٌ فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ، فَتَحَالَفَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ هُمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، أَحَدُهُمْ: الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ، وَالثّانِي:
الفضل بن وداعة، والثالث: فضيل بن الحرث. هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ. وَقَالَ الزّبَيْرُ:
الْفُضَيْلُ بْنُ شُرَاعَةَ، وَالْفَضْلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَالْفَضْلُ بْنُ قُضَاعَةَ، فلما أشبه حلف
__________
(1) وكذلك سماه الخليل. ونقل عنه أيضا: إذا كان بيت من الشعر فيه زحاف قيل له: مقعد «بضم الميم وسكون القاف وفتح العين» . روى ابن جنى فى الخصائص تحت باب: «هل يجوز لنا فى الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أولا؟، وأنه سأل أبا على عن هذا، فقال: كما جازلنا أن نقيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، ثم ذكر أن جميع الشعر القديم لم يكن مرتجلا، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه والملاطفة فيه والتلوم على رياضته، وإحكام صنعه نحو مما يعرض لكثير من المولدين.. ثم روى شواهد له على هذا، وفيها هذا البيت. وفى الخصائص: أقوم بدلا من أثقف، وبعده:
نظر المثقف فى كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منادها
انظر ص 323 وما بعدها ح 1 الخصائص ط، 2 زدت العاملى من الخصائص.(2/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُرَيْشٍ الْآخَرُ فِعْلَ هَؤُلَاءِ الْجُرْهُمِيّينَ سُمّيَ: حِلْفَ الْفُضُولِ، وَالْفُضُولُ:
جَمْعُ فَضْلٍ، وَهِيَ أَسْمَاءُ أُولَئِكَ الّذِينَ تَقَدّمَ ذِكْرُهُمْ. وَهَذَا الّذِي قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ حَسَنٌ «1» ، وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَوْلَى. رَوَى الْحُمَيْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمّدٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيت بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت. تَحَالَفُوا أَنْ تُرَدّ الْفُضُولُ «2» عَلَى أَهْلِهَا، وَأَلّا يَعُزّ ظَالِمٌ مظلوما. ورواه فى مسند الحرث بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ التّمِيمِيّ، فَقَدْ بَيّنَ هَذَا الْحَدِيثَ: لِمَ سُمّيَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ بَعْدَ الْفُجّارِ، وَذَلِكَ أَنّ حَرْبَ الْفُجّارِ «3» كَانَتْ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ حلف الفضول
__________
(1) أخذ بهذا الرأى ابن الأثير فى النهاية، لكنه ذكر هو وابن كثير فى البداية: الفضل بن الحارث لا فضيل، والفضل بن شراعة لا فضيل.
(2) أى تحالفوا ألا يتركوا عند أحد فضلا يظلمه أحدا إلا أخذوه له منه. وفى حديث رواه مسلم وأحمد: «لا حلف فى الإسلام وأيما حلف كان فى الجاهلية، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة» والمعنى- كما قال ابن كثير- أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذى كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن فى التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه» .
(3) أيام الفجار كانت بين قيس وقريش وقيل: أيام الفجار: أيام وقائع كانت بين العرب تفاجروا فيها بعكاظ، فاستحلوا الحرمات. وقيل: الفجار يوم من أيام العرب، وهى أربعة أفجرة كانت بين قريش، ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان فى الجاهلية، وكانت الدّبرة على قيس، وإنما سمت قريش هذه الحرب فجارا؛ لأنها كانت فى الأشهر الحرم، فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا، فسميت فجارا.(2/71)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمِعَ بِهِ، وَأَشْرَفَهُ فِي الْعَرَبِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ وَدَعَا إلَيْهِ: الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنّ رَجُلًا مِنْ زُبَيْدٍ قَدِمَ مَكّةَ بِبِضَاعَةِ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَكَانَ ذَا قَدْرٍ بِمَكّةَ وَشَرَفٍ، فَحَبَسَ عَنْهُ حَقّهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الزّبَيْدِيّ الْأَحْلَافَ: عَبْدَ الدّارِ وَمَخْزُومًا وَجُمَحَ وَسَهْمًا وَعَدِيّ بْنَ كَعْبٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوهُ عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، وَزَبَرُوهُ، أَيْ: انْتَهَرُوهُ، فَلَمّا رَأَى الزّبَيْدِيّ الشّرّ، أَوْفَى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ «1» عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:
يَا آلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومِ بِضَاعَتُهُ ... بِبَطْنِ مَكّةَ نَائِي الدّارِ وَالنّفَرِ
وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ «2» ... يَا لَلرّجَالِ وَبَيْنَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ «3»
إنّ الْحَرَامَ لِمَنْ تَمّتْ كَرَامَتُهُ ... وَلَا حَرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغُدَرِ «4»
فَقَامَ فِي ذَلِكَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَقَالَ: مَا لِهَذَا مُتَرّكٌ، فَاجْتَمَعَتْ هَاشِمٌ وَزُهْرَةُ وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَتَحَالَفُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ قِيَامًا، فَتَعَاقَدُوا، وتعاهدوا بالله: ليكوننّ يدا واحدة
__________
(1) جبل بمكة سمى برجل من مذحج.
(2) فى تجريد الأغانى: «حرمته» .
(3) فى التجريد: «بين الركن والحجر» .
(4) فى التجريد بعد البيت السابق ورد هذا البيت:
أقائم من بني سهم بذمتهم ... أم ذاهب فى ضلال مال معتمر(2/72)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظّالِمِ، حَتّى يُؤَدّى إلَيْهِ حقّه ما بلّ بحر صوفة، ومارسا حِرَاءٌ وَثَبِيرٌ مَكَانَهُمَا، وَعَلَى التّأَسّي فِي الْمَعَاشِ، فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ: حِلْفَ الْفُضُولِ، وَقَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي فَضْلٍ مِنْ الْأَمْرِ، ثم مشوا إلى العاصى ابن وَائِلٍ، فَانْتَزَعُوا مِنْهُ سِلْعَةَ الزّبَيْدِيّ، فَدَفَعُوهَا إلَيْهِ، وقال الزبير رضى الله عنه:
حلفت لنعقدن حِلْفًا عَلَيْهِمْ ... وَإِنْ كُنّا جَمِيعًا أَهْلَ دَارِ
نسمّيه: الفضول إذا عقدنا ... يعزّبه الْغَرِيبُ لَدَى الْجِوَارِ
وَيَعْلَمُ مَنْ حَوَالِي الْبَيْتِ أَنّا ... أُبَاةُ الضّيْمِ نَمْنَعُ كُلّ عَارِ
وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
إنّ الْفُضُولَ تَحَالَفُوا، وَتَعَاقَدُوا ... أَلّا يُقِيمَ بِبَطْنِ مَكّةَ ظَالِمُ
أَمْرٌ عَلَيْهِ تَعَاهَدُوا، وَتَوَاثَقُوا ... فَالْجَارُ وَالْمُعَتّرُ فِيهِمْ سَالِمُ
وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنّ رَجُلًا مِنْ خَثْعَمَ قَدِمَ مَكّةَ مُعْتَمِرًا، أَوْ حَاجّا، وَمَعَهُ بِنْتٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْقَتُولُ مِنْ أَوْضَأِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، فَاغْتَصَبَهَا مِنْهُ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ «1» وَغَيّبَهَا عَنْهُ، فَقَالَ الْخَثْعَمِيّ: من يعدينى على
__________
(1) هو نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو ابن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ. كان هو وأخوه منبه من وجوه قريش وذوى النباهة فيهم، وكانا ممن نصب لرسول الله «ص» العداوة، وقتلا معا يوم بدر مشركين «انظر التجريد ص 1810 ونسب قريش ص 404. وقصته مع القتول فى الأغانى.(2/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الرّجُلِ، فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْك بِحِلْفِ الْفُضُولِ، فَوَقَفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَنَادَى:
يَا لَحِلْفِ الْفُضُولِ، فإذاهم يُعْنِقُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، وَقَدْ انْتَضَوْا أسيافهم يقولون: جاءك الغوث، فمالك؟ فَقَالَ: إنّ نُبَيْهًا ظَلَمَنِي فِي ابْنَتِي، وَانْتَزَعَهَا مِنّي قَسْرًا، فَسَارُوا مَعَهُ، حَتّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ الدّارِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ:
أَخْرِجْ الْجَارِيَةَ وَيْحَك، فَقَدْ عَلِمْت مَنْ نَحْنُ، وَمَا تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ!! فَقَالَ: أَفْعَلُ، وَلَكِنْ مَتّعُونِي بِهَا اللّيْلَةَ، فَقَالُوا لَهُ: لَا: وَاَللهِ، وَلَا شَخْبَ لِقْحَةٍ «1» ، فَأَخْرَجَهَا إلَيْهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ:
رَاحَ صَحْبِي وَلَمْ أُحَيّ الْقَتُولَا ... لَمْ أُوَدّعْهُمْ وَدَاعًا جَمِيلَا
إذْ أَجَدّ الْفُضُولُ أَنْ يَمْنَعُوهَا ... قَدْ أَرَانِي، وَلَا أَخَافُ الْفُضُولَا
لَا تَخَالِي أَنّي عَشِيّةَ راح الرّكب ... هُنْتُمْ عَلَيّ أَلّا أَقُوّلَا
فِي أَبْيَاتٍ غَيْرِ هَذِهِ ذَكَرَهَا الزّبَيْرُ، وَذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا أَيْضًا:
حَلّتْ تِهَامَةُ حِلّةً ... مِنْ بَيْتِهَا وَوِطَائِهَا
وَلَهَا بِمَكّةَ مَنْزِلٌ ... مِنْ سَهْلِهَا وَحِرَائِهَا
أَخَذَتْ بشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنأيها»
__________
(1) فى الأصل: ولا شجت. وهو خطأ، وأصل الشخب: ما خرج من الضرع من اللبن ويضم وبالفتح: الدم. واللقحة بكسر اللام وفتحها: الناقة القريبة العهد بالنتاج، أو الغزيرة اللبن.
(2) من القصيدة فى التجريد ص 1810.
حى الدويرة إذ نأت ... منا على عدوانها(2/74)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحِلْفُ وَابْنُ جُدْعَانَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ دُعِيت إلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت «1» » وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ هَذَا تَيْمِيّ هُوَ: ابْنُ جدعان ابن عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، يُكَنّى: أَبَا زُهَيْرِ ابْنَ عَمّ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَلِذَلِكَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ يُطْعِمُ الطّعَامَ، وَيَقْرِي الضّيْفَ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَا إنّهُ لَمْ يَقُلْ
__________
-
لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها
ومنها:
أخذت حشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنائها
لولا الفضول وأنه ... لا أمن من عدوائها
لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها
ولجئتها أمشى بلا ... هاد إلى ظلمائها
فشربت فضلة ريقها ... وليت فى أحشائها
وفى نسب قريش: روعائها بدلا من: عدوائها، ولبثت فى البيت الأخير بدلا من: بت، وفى الروض: بشاشة، وهنا حشاشة. وفيه: «ونأت وكيف بنأيها» وهنا: فكيف بنائها. وقد تكرر فى الروض جذعان بالذال بدلا من الدال. ونسبه كما فى كتاب نسب قريش. وتيم هو ابن مرة «انظر نسب قريش ص 291»
(1) حديث حضور النبى مع عمومته حرب الفجار، وأنه رمى فيه حديث يروى فى كتب السير والطبقات، كطبقات ابن سعد وهو فيها فى ج 1 ص 128، وشهوده حلف الفضول أيضا من هذا النوع، وقد ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية ج 2 ص 393، ولا يعتد بمثل هذه الروايات التى ليست من الصحيح، لإقامة حكم دينى عليها.(2/75)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يوما: ربّ اغفرلى خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُنْت أَسَتَظِلّ بِظِلّ جَفْنَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ صَكّةَ عُمَيّ، يَعْنِي: فِي الْهَاجِرَةِ، وَسُمّيَتْ الْهَاجِرَةُ: صَكّةَ عُمَيّ لِخَبَرِ ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَنْوَاءِ: أَنّ عُمَيّا رَجُلٌ مِن عَدْوَانَ، وَقِيلَ:
مِنْ إيَادٍ، وَكَانَ فَقِيهَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَقَدِمَ فِي قَوْمٍ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجّا: فَلَمّا كَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكّةَ قَالَ لِقَوْمِهِ، وَهُمْ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ: مَنْ أَتَى مَكّةَ غَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ عُمْرَتَيْنِ، فَصَكّوا الْإِبِلَ صَكّةً شَدِيدَةً حَتّى أَتَوْا مَكّةَ مِنْ الْغَدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنْشَدَ:
وَصَكّ بِهَا نَحْرَ الظّهِيرَةِ صَكّةَ ... عُمَيّ وَمَا يَبْغِينَ إلّا ظِلَالَهَا «1»
فِي أَبْيَاتٍ، وَعُمَيّ: تَصْغِيرُ أَعْمَى عَلَى التّرْخِيمِ، فَسُمّيَتْ الظّهِيرَةُ صَكّةَ عُمَيّ بِهِ. وَقَالَ الْبَكْرِيّ فِي شَرْحِ الْأَمْثَالِ: عُمَيّ: رَجُلٌ مِنْ الْعَمَالِيقِ أَوْقَعَ بِالْعَدُوّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَسُمّيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ: صَكّةَ عُمَيّ، والذى قاله أبو حنيفة
__________
(1) كل ما ذكره السهيلى هو فى اللسان: والبيت فيه هكذا.
وصك بها عين الظهيرة غائرا ... عمىّ ولم ينعلن إلا ظلالها
وقد ضبطت ياء ينعلن بالفتح فى مادة صك، وبالضم فى مادة عمى، وعمى تقال بضم العين وإسكان الميم وتخفيف الياء فى الشعر، والجفنة: القصعة، فى اللسان أن الظبى إذا اشتد عليه الحر طلب الكناس، وقد برقت عينه من بياض الشمس ولمعانها، فيسدر بصره، حتى يصك بنفسه الكناس لا يبصره، ويقال: صكة أعمى أيضا. ولقيته صكة عمى، أو أعمى، أى فى أشد الهاجرة حرا. وابن منظور ينقل عن السهيلى كثيرا فى اللسان.(2/76)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْلَى، وَقَائِلُهُ أَعْلَى. وَقَالَ يَعْقُوبُ: عَمِيَ الظّبْيُ: يَتَحَيّرُ بَصَرُهُ فِي الظّهِيرَةِ مِنْ شِدّةِ الْحَرّ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَكَانَتْ جَفْنَتُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَسَقَطَ فِيهَا صَبِيّ، فَغَرِقَ أَيْ: مَاتَ. وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ قَبْلَ أَنْ يَمْدَحَهُ قَدْ أَتَى بَنِي الدّيّانِ من بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ، فَرَأَى طَعَامَ بَنِي عَبْدِ الْمَدَانِ مِنْهُمْ لُبَابُ الْبُرّ وَالشّهْدُ وَالسّمْنُ، وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ يُطْعِمُ التّمْرَ وَالسّوِيقَ وَيَسْقِي اللّبَنَ، فَقَالَ أُمَيّةُ:
وَلَقَدْ رَأَيْت الْفَاعِلِينَ وَفِعْلَهُمْ ... فَرَأَيْت أَكْرَمَهُمْ بَنِي الدّيّانِ
الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ طَعَامُهُمْ ... لَا ما يعلّلنا بنو جدعان «1»
__________
(1) السويق: طعام يتخذ من مدقوق البر والشعير سمى بهذا لانسياقه فى الحلق ولباب البر: الخالص من الدقيق، ومعنى يلبك: يخلط، والشهاد جمع شهد، وهو العسل، وطعام الفرس هو: الفالوذج. وهو كما عرف فى اللسان: لباب القمح بلعاب النحل. يعنى: أنه مصنوع من الدقيق الخالص وعسل النحل، وفى ذيل الأمالى للقالى، ورد بعد البيت الأول قوله:
ورأيت من عبد المدان خلائقا ... فضل الأنام بهن عبد مدان
وكذلك فى سمط اللالى للبكرى، وشطرة البيت الأول فى ذيل الأمالى: «ولقد رأيت القائلين وفعلهم» وفى السمط: «الباذلين» . ويقص أمية أنه دخل على عبد المدان بن الديان فى نجران فأتى بالفالوذج، ثم يقول: فأكلت طعاما عجيبا، ثم انصرفت، وأنا أقول، وذكر الأبيات «انظر ص 362 سمط اللالى للبكرى وص 38 من الأمالى والنوادر لأبى على القالى. وأمية ابن أبى الصلت اسمه: عبد الله بن أبى ربيعة، ويكنى: أبا عثمان، وهو شاعر جاهلى أدرك الإسلام ومات كافرا. هذا ويذكر أبو الفرج فى مثير الغرام، أن ابن جدعان وفد على كسرى، فأكل عنده الفالوذج، فسأل عنه، فقالوا: لباب البر مع العسل، فقال:(2/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَبَلَغَ شِعْرُهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُدْعَانَ، فَأَرْسَلَ أَلْفَيْ بَعِيرٍ إلَى الشّامِ، تَحْمِلُ إلَيْهِ الْبُرّ وَالشّهْدَ وَالسّمْنَ، وَجَعَلَ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى الْكَعْبَةِ: أَلَا هَلُمّوا إلَى جَفْنَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَقَالَ أُمَيّةُ عِنْدَ ذَلِكَ:
لَهُ دَاعٍ بِمَكّةَ مُشْمِعَلّ ... وَآخَرُ فَوْقَ كَعْبَتِهَا يُنَادِي
إلَى رُدُحٍ مِنْ الشّيزَى عَلَيْهَا ... لُبَابُ الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ «1»
وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ صُعْلُوكًا تَرِبَ الْيَدَيْنِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شِرّيرًا فاتكا، لا يَزَالُ يَجْنِي الْجِنَايَاتِ، فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ، حَتّى أَبْغَضَتْهُ عَشِيرَتُهُ، وَنَفَاهُ أَبُوهُ وَحَلَفَ: أَلّا يُؤْوِيَهُ أَبَدًا لِمَا أَثْقَلَهُ بِهِ مِنْ الْغُرْمِ، وحمله من
__________
- ابغونى غلاما يصنعه، فأتوه بغلام فابتاعه، فقدم به مكة، وأمره فصنعه للحجاج ووضع الموائد من الأبطح إلى المسجد ص 450 القرى للمحب الطبرى. وفى ذيل الأمالى للقالى أنه أرسل إلى اليمن من جاءه بمن يعمل الفالوذج ص 38.
(1) اشمعل القوم فى الطلب: بادروا فيه، وتفراقوا، والمشمعل: الناقة النشيطة، والرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. والبيتان من قصيدة طويلة فى ديوانه ص 19 وقبله:
وأبيض من بنى تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيات الفراد
ومنها جزء فى نسب قريش ص 292، وفى ص 142 من الاشتقاق لابن دريد: وكان ابن جدعان يشرب الخمر ويقول:
شربت الخمر حتى قال قومى ... ألست عن السقاة بمستفيق
وحتى ما أوسد فى مبيت ... أبيت به سوى الترب السحيق
ثم حرمها على نفسه. والردح: جمع رداح بفتح: الجفنة العظيمة: والشيزى أو الشيز: خشب أسود تصنع منه الجفان، أو هو الأبنوس، أو خشب الجوز.(2/78)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدّيَاتِ، فَخَرَجَ فِي شِعَابِ مَكّةَ حَائِرًا بَائِرًا، يَتَمَنّى الْمَوْتَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، فَرَأَى شَقّا فِي جَبَلٍ، فَظَنّ فِيهِ حَيّةً، فَتَعَرّضَ لِلشّقّ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتُلُهُ فَيَسْتَرِيحَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَدَخَلَ فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ لَهُ عَيْنَانِ تَقِدَانِ كَالسّرَاجِينِ.
فَحَمَلَ عَلَيْهِ الثّعْبَانُ، فَأَفْرَجَ لَهُ، فَانْسَابَ عَنْهُ مُسْتَدِيرًا بِدَارَةِ عِنْدَهَا بَيْتٌ، فَخَطَا خُطْوَةٌ أُخْرَى، فَصَفَرَ بِهِ الثّعْبَانُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ كَالسّهْمِ، فَأَفْرَجَ عَنْهُ، فَانْسَابَ عَنْهُ قُدُمًا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنّهُ مَصْنُوعٌ، فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا هو مصنوع من ذهب، وعيناه يا قوتتان، فَكَسَرَهُ، وَأَخَذَ عَيْنَيْهِ، وَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَإِذَا جُثَثٌ عَلَى سُرُرٍ طِوَالٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُمْ طُولًا وعظما، وعند رؤسهم لوح من فضّة فيه تاريخهم، وإذا هُمْ رِجَالٌ مِنْ مُلُوكِ جُرْهُمٍ، وَآخِرُهُمْ مَوْتًا: الحرث بْنُ مُضَاضٍ صَاحِبُ الْغُرْبَةِ الطّوِيلَةِ، وَإِذَا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ لَا يُمَسّ مِنْهَا شَيْءٌ إلّا انْتَثَرَ كَالْهَبَاءِ مِنْ طُولِ الزّمَنِ، وَشِعْرٌ مَكْتُوبٌ فِي اللّوْحِ فِيهِ عِظَاتٌ، آخِرُ بَيْتٍ مِنْهُ:
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْت بِرَاعٍ ... رَدّ فِي الضّرْعِ مَا قَرَى فِي الْحِلَابِ
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ اللّوْحُ مِنْ رُخَامٍ، وَكَانَ فِيهِ: أنا نفيلة بن عبد المدان ابن خَشْرَمِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْل بْنِ جُرْهُمِ بْنِ قَحْطَانَ بْنِ هُودٍ نَبِيّ اللهِ، عِشْت خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَقَطَعْت غَوْرَ الْأَرْضِ بَاطِنَهَا وَظَاهِرَهَا فِي طَلَبِ الثّرْوَةِ وَالْمَجْدِ وَالْمُلْكِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُنْجِينِي مِنْ الْمَوْتِ، وَتَحْتَهُ مَكْتُوب:
قَدْ قَطَعْت الْبِلَادَ فِي طَلَبِ الثّرْ ... وَةِ وَالْمَجْدُ قَالِصُ الْأَثْوَابِ
وَسَرَيْت الْبِلَادَ قَفْرًا لِقَفْرِ ... بِقَنَاتِي وَقُوّتِي واكتسابى(2/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَأَصَابَ الرّدَى بَنَاتِ فُؤَادِي ... بِسِهَامِ مِنْ الْمَنَايَا صِيَابِ
فَانْقَضَتْ شِرّتِي، وَأَقْصَرَ جَهْلِي ... وَاسْتَرَاحَتْ عَوَاذِلِي مِنْ عِتَابِي
وَدَفَعْت السّفَاهَ بِالْحِلْمِ لَمّا ... نَزَلَ الشّيْبُ فِي مَحَلّ الشّبَابِ
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْت بِرَاعٍ ... رَدّ فِي الضّرْعِ مَا قَرَى فِي الْحِلَابِ «1»
وَإِذَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ كَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ الْيَاقُوتِ وَاللّؤْلُؤِ وَالذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالزّبَرْجَدِ، فَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ، ثُمّ عَلّمَ عَلَى الشّقّ بِعَلَامَةِ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ بِالْحِجَارَةِ وَأَرْسَلَ إلَى أَبِيهِ بِالْمَالِ الّذِي خَرَجَ بِهِ يَسْتَرْضِيهِ وَيَسْتَعْطِفُهُ، وَوَصَلَ عَشِيرَتَهُ كُلّهُمْ، فَسَادَهُمْ وَجَعَلَ يُنْفِقُ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ وَيُطْعِمُ النّاسَ، وَيَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ.
ذَكَرَ حَدِيثَ كَنْزِ ابْنِ جُدْعَانَ مَوْصُولًا بِحَدِيثِ الحرث بْنِ مُضَاضٍ: ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَوَقَعَ أَيْضًا فِي كِتَابِ رِيّ الْعَاطِشِ، وَأُنْسِ الْوَاحِشِ لِأَحْمَدَ بْنِ عَمّارٍ «2» .
وَابْنُ جُدْعَانَ مِمّنْ حَرّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيّةِ. بَعْدَ أَنْ كان مغرى بها، وذلك
__________
(1) القالص من الثياب: المشمّر القصير. وبنات الفؤاد: طوائفه، وهى فى الأصل: نبات، والمنايا: جمع منية: الموت. وصياب: جمع صائب، كصاحب وصحاب. شرّة الشباب: حرصه ونشاطه. والسفاه بفتح السين: خفة الحلم ونقيضه، أو الجهل، وبكسر السين: جمع سفيه، والحلاب: الإناء يحلب فيه. وقرا: جمع، وفى اللسان: ويروى العلاب مكان الحلاب. وريت: يعنى: رأيت، وهى فى الروض: رأيت، والتصويب من اللسان، ثم إنها تخل بنظام الوزن.
(2) لا ريب فى أنها أسطورة لا يحنو عليها قلب ولا عقل. يجوز أن يقال إنه عثر على كنز دفين. ولكن فى غير ما صورت الأسطورة.(2/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّهُ سَكِرَ، فَتَنَاوَلَ الْقَمَرَ لِيَأْخُذَهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ حِينَ صَحَا، فَحَلَفَ: لَا يَشْرَبُهَا أَبَدًا، وَلَمّا كَبِرَ وَهَرِمَ أَرَادَ بَنُو تَمِيمٍ أَنْ يَمْنَعُوهُ من تبديد ماله، ولا موه فِي الْعَطَاءِ، فَكَانَ يَدْعُو الرّجُلَ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُ، لَطَمَهُ لَطْمَةً خَفِيفَةً، ثُمّ يَقُولُ لَهُ:
قُمْ فَانْشُدْ لَطْمَتَك، وَاطْلُبْ دِيَتَهَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ بَنُو تَمِيمٍ مِنْ مَالِ ابْنِ جُدْعَانَ حَتّى يَرْضَى، وَهُوَ جَدّ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ الْفَقِيهِ. وَاَلّذِي وَقَعَ فِي هذا الحديث من ذكر نقيلة، أَحْسَبُهُ: نُفَيْلَةَ بِالنّونِ وَالْفَاءِ، لِأَنّ بَنِي نُفَيْلَةَ كَانُوا مُلُوكَ الْحِيرَةِ، وَهُمْ مِنْ غَسّانَ، لَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
مَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْحِلْفِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ الْحُسَيْنِ مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَوْلَهُ: لَآخُذَنّ سَيْفِي، ثُمّ لَأَدْعُوَنّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: تَخْصِيصُ أَهْلِ هَذَا الْحِلْفِ بِالدّعْوَةِ وَإِظْهَارِ التّعَصّبِ، إذَا خَافُوا ضَيْمًا، وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ رَفَعَ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَا لَفُلَانٍ عِنْدَ التّحَزّبِ وَالتّعَصّبِ، وَقَدْ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ «1» رَجُلًا يَقُولُ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ آخَرُ: يَا لَلْأَنْصَارِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهَا فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ ادّعَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، فَأَعْضُوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنّوا «2» ، وَنَادَى رجل بالبصرة: يا لعامر! فجاءه النابغة الجعدىّ بعصبة له،
__________
(1) مصغر مرسوع: بئر وماء لخزاعة من ناحية قديد إلى الساحل، وإليه تضاف غزوة بنى المصطلق، وتروى بالغين، وقد وقعت سنة ست من الهجرة.
(2) أى قولوا له: اعضض ... أبيك، ولا تكنوا عنه بالهن، وقد وضعت نقطا بعدا عضض، وسيلمح القارىء الاسم المقصود. والحديث: رواه أحمد والنسائى(2/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَضَرَبَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَذَلِكَ أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً، وَلَا يُقَالُ إلّا كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا لَلّهِ وَيَا لَلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنّهُمْ كُلّهُمْ حِزْبٌ وَاحِدٌ، وَإِخْوَةٌ فِي الدّينِ إلّا مَا خَصّ الشّرْعُ بِهِ أَهْلَ حِلْفِ الْفُضُولِ، وَالْأَصْلُ فِي تَخْصِيصِهِ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ دُعِيت بِهِ الْيَوْمَ لَأَجَبْت «1» يُرِيدُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمَظْلُومِينَ: يَا لَحِلْفِ الْفُضُولِ لَأَجَبْت، وَذَلِكَ أَنّ الْإِسْلَامَ إنّمَا جَاءَ بِإِقَامَةِ الْحَقّ وَنُصْرَةِ الْمَظْلُومِينَ، فَلَمْ يَزْدَدْ بِهِ هَذَا الْحِلْفُ إلّا قُوّةً، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: «وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَنْ يَزِيدَهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً» لَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَقُولَ الْحَلِيفُ: يَا لَفُلَانٍ لِحُلَفَائِهِ، فَيُجِيبُوهُ، بَلْ الشّدّةُ الّتِي عَنَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى التّوَاصُلِ وَالتّعَاطُفِ وَالتّآلُفِ، وَأَمّا دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، فَقَدْ رَفَعَهَا الْإِسْلَامُ إلّا مَا كَانَ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ كَمَا قَدّمْنَا، فَحُكْمُهُ بَاقٍ، وَالدّعْوَةُ بِهِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنّ الْحَلِيفَ يَعْقِلُ مَعَ العاقلة إذا وجبت
__________
- وابن حبان عن أبى بن كعب. ورغم هذا أوقن أنه لا يجوز أن ينسب إلى أدب الرسول ذى الخلق العظيم مثل هذا الكلام الذى فيه نتن الأوشاب.
(1) سبق الرأى فى هذا الحديث، وهو أوهن من بيت العنكبوت، فكيف يقيم السهيلى على مثله حكما دينيا يستهدف تقويم استغاثة شركية، وحمية جاهلية؟ وإن افترضنا أنه حديث صحيح، فإننا نستطيع أن نفهم فيه معنى آخر يستقيم وهدى القرآن، وهو أنه، لو دعى إلى تنفيذ ما دعا إليه من نصرة المظلوم لأجاب، ولكن لا باسم حلف، وإنما باسم الله، لأن هذا من دينه، والمسلمون أمة واحدة، وحزب واحد هو: حزب الله المفلح الغالب.(2/82)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدّيَةُ لِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً، وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا لِلّذِي حَبَسَهُ فِي الْمَسْجِدِ: إنّمَا حَبَسْتُك بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك.
عَنْ أَوْلَادِ عَبْدِ مَنَافٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ الْأَرْبَعَةَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ خَامِسٌ، وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو، وَاسْمُهُ: عُبَيْدٌ، دَرَجَ «1» ، وَلَا عَقِبَ لَهُ، ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ وَالزّبَيْرُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ قُصَيّا كَانَ سَمّى ابْنَهُ عَبْدَ قُصَيّ، وَقَالَ: سَمّيْته بِنَفْسِي وَسَمّيْت الْآخَرَ بِدَارِ الْكَعْبَةِ، يَعْنِي: عَبْدَ الدّارِ، ثُمّ إنّ النّاسَ حَوّلُوا اسْمَ عَبْدِ قُصَيّ، فَقَالُوا: عَبْدَ بْنَ قُصَيّ، وَقَالَ الزّبَيْرُ أَيْضًا: كَانَ اسْمُ عَبْدِ الدار عبد الرحمن «2» .
__________
(1) مضى ولم يخلف نسلا. وفى طبقات ابن سعد: أن أولاد عبد مناف كانوا ستة نفر وست نسوة. وفى نسب قريش ص 15. يقول عن أبى عمرو إنه انقرض إلا من بنت يقال لهما: تماضر، ولدت لأبى همهمة بن عبد العزى.
(2) فى القرآن الكريم قوله سبحانه: «وإذا قيل لهم: اسجدوا للرحمن. قالوا: وما الرحمن؟! أنسجد لما تأمرنا، وزادهم نفورا» الفرقان: 60، وفى كتاب الصلح فى غزوة الحديبية دعا- صلى الله عليه وسلم- بالكاتب، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: وما الرحمن، فو الله ما أدرى ما هى؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، وهذا جزء من حديث رواه البخارى وأبو داود عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، وهذا كله يوحى بأن اسم الرحمن كان غير معروف عندهم.(2/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ هَاشِمًا وَمَا صَنَعَ فِي أَمْرِ الرّفَادَةِ «1» وَإِطْعَامِ الْحَجِيجِ، وَأَنّهُ سُمّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي اللّغَةِ أَنْ يُقَالَ: ثَرَدْت الْخُبْزَ، فَهُوَ ثَرِيدٌ وَمَثْرُودٌ، فَلَمْ يُسَمّ: ثَارِدًا، وَسُمّيَ هَاشِمًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ- كَمَا لَا يُسَمّى الثّرِيدُ هَشِيمًا، بَلْ يُقَالُ فِيهِ: - ثَرِيدٌ وَمَثْرُودٌ- أَنْ يُقَالَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَلَكِنْ سَبَبُ هَذِهِ التّسْمِيَةِ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ. ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَخْبَارِ أَنّ هَاشِمًا كَانَ يستعين على إطعام الحاجّ بقريش، فيردفدونه بِأَمْوَالِهِمْ، وَيُعِينُونَهُ، ثُمّ جَاءَتْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَكَرِهَ أَنْ يُكَلّفَ قُرَيْشًا أَمْرَ الرّفَادَةِ، فَاحْتَمَلَ إلَى الشّامِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَاشْتَرَى بِهِ أَجْمَعَ كَعْكًا وَدَقِيقًا، ثُمّ أَتَى الْمَوْسِمَ فَهَشّمَ ذَلِكَ الْكَعْكَ كُلّهُ هَشْمًا، وَدَقّهُ دَقّا، ثُمّ صَنَعَ لِلْحُجّاجِ طَعَامًا شِبْهَ الثّرِيدِ، فَبِذَلِكَ سُمّيَ هَاشِمًا، لِأَنّ الْكَعْكَ الْيَابِسَ لَا يُثْرَدُ، وَإِنّمَا يُهْشَمُ هَشْمًا، فَبِذَلِكَ مُدِحَ، حَتّى قَالَ شَاعِرُهُمْ فِيهِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى:
كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فَتَفَقّأَتْ ... فَالْمُحّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ مَنَافِ
الْخَالِطِينَ فَقِيرَهُمْ بغنيّهم ... والظاعنين لِرِحْلَةِ الْأَضْيَافِ
وَالرّائِشِينَ وَلَيْسَ يُوجَدُ رَائِشٌ ... وَالْقَائِلِينَ: هَلُمّ لِلْأَضْيَافِ
عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ «2»
__________
(1) الرفادة: شىء كانت تترافد به قريش فى الجاهلية، تخرج فيما بينها مالا تشترى به للحجاج طعاما وزبيبا.
(2) نسبها اللسان والمرتضى فى أماليه 4/ 178 لمطرود بن كعب الخزاعى فى رثاء عبد المطلب، ونسبها العينى 4/ 140، وابن أبى الحديد 3/ 453 كما نسبها السهيلى إلى عبد الله بن الزبعرى، ولها فى أمالى القالى قصة تزعم أن رسول الله هو-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- وأبابكر كانا عند بنى شيبة، فمر بهما رجل، وهو يقول:
يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بال عبد الدار
هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقتار
وتزعم القصة أن الرسول «ص» نظر إلى أبى بكر، ثم قال: أهكذا قال الشاعر: قال: لا والذى بعثك بالحق، لكنه قال:
يا أيها الرجل المحول رحله ... ألّا نزلت بال عبد مناف
وهى قصة مصنوعة. والأبيات التى وردت فى أمالى المرتضى بعد البيت السابق:
هبلتك أمّك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن إقراف
الاخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف
والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وفى هذا البيت إقواء، لأن القافية مكسورة، ولكنها فيه مرفوعة. وقد وردت له رواية أخرى كما فى الروض، وبعد هذا فى أمالى المرتضى:
والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون: هلمّ للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافى
وفى أمالى القالى: «منعوك من عدم ومن إقراف، وهو فى اللسان كما فى أمالى المرتضى. وفى اللسان أيضا:
والمنعمين إذا النجوم تغيّرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
والمطعمون إذَا الرّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ فِي الرّجاف
وفى الصحاح رويت الشطرة الأولى من هذا البيت: «المطعمون اللحم كل عشية» وفى غيره: «ويكللون جفانهم بسديفهم» . ثم نسب المرتضى إلى ابن الزبعرى:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وهو الذى سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف
وفى الروض: «فالمخ خالصه» بالخاء، والرواية الصحيحة «فالمح» بالحاء أما-(2/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ سَبَبَ مَدْحِ ابْنِ الزّبَعْرَى بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهُوَ سَهْمِيّ «1» لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ- فِيمَا ذَكَرَهُ ابن إسحق فِي رِوَايَةِ يُونُسَ- أَنّهُ كَانَ قَدْ هَجَا قُصَيّا بِشِعْرِ كَتَبَهُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، أَوّلُهُ:
__________
- خالصة فرويت: خالصها، وخالصة بالتاء. والمح أو المحة: صفرة البيض. وقال ابن سيدة: إنما يريدون فص البيضة. وقال ابن برى: من قال: خالصة بالتاء، فهو فى الأصل مصدر كالعافية. ومسنتون: أصابتهم سنة مجدبة. وفى سمط اللالى للبكرى: «والعرب تقول هو بيضة البلد» يمدحونه بذلك، وتقول للاخر: هو بيضة البلد يذمونه به، فالممدوح يراد به: البيضة التى يحتضنها الظليم، «ذكر النعام» ويصونها ويوقيها؛ لأن فيها فرخه. والمذموم يراد به البيضة المنبوذة بالعراء، المذرة التى لا حائط لها، ولا يدرى لها أب، وهى تريكة الظليم. قال الرمانى: إذا كانت النسبة إلى مثل المدينة والبصرة، فبيضة البلد مدح، وإن نسبت إلى البلاد التى أهلها أهل ضعة فبيضة البلد ذم» ص 549، والرجاف: البحر، أو يوم القيامة، وفى أمالى القالى زيادة:
منهم على والنبى محمد ... القائلان: هلم للأضياف
وأعتقد أنها زيادة شيعية. وقد قال البكرى: «وهذا بيت محدث ذكر أبو نصر أن جده صالحا أبا غالب ألحقه به» وأبو نصر هو: هارون بن موسى بن صالح تلميذ القالى، وأحد الذين استملوا النوادر عليه، وستأتى القصيدة فى السيرة. انظر مادة رجف فى اللسان، وص 541 ج 1 وما بعدها سمط اللالى للبكرى، بتعليق المحقق الميمنى، وص 241 ح 1 الأمالى للقالى، والتنبيه للبكرى، ص 178 ج 4 أمالى المرتضى. وفى الروض: لرحلة الأضياف، ولعلها الأصياف. وفيه أيضا: عمرو الغلا» بالغين، وهو خطأ صوابه: العلا ص 75، وهناك رواية: «عمرو الذى» كما فى الطبرى.
(1) لأنه ابن الزبعرى بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم.(2/86)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ألهى قصيّا عن المحد الْأَسَاطِيرُ ... وَمِشْيَةٌ مِثْلُ مَا تَمْشِي الشّقَارِيرُ «1»
فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ بَنِي سَهْمٍ، فَأَسْلَمُوهُ إلَيْهِمْ، فَضَرَبُوهُ وَحَلَقُوا شَعْرَهُ، وَرَبَطُوهُ إلَى صَخْرَةٍ بِالْحَجُونِ «2» ، فَاسْتَغَاثَ قَوْمَهُ فَلَمْ يُغِيثُوهُ، فَجَعَلَ يَمْدَحُ قُصَيّا وَيَسْتَرْضِيهِمْ، فَأَطْلَقَهُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ، وَأَكْرَمُوهُ فَمَدَحَهُمْ بِهَذَا الشعر، وبأشعار كثيرة، ذكرها ابن إسحق فِي رِوَايَةِ يُونُسَ.
عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَابْنُ ذِي يَزَنَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ نِكَاحَ هَاشِمٍ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو النّجّارِيّةَ وَوِلَادَتَهَا لَهُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْوِلَادَةِ قَالَ سَيْفُ بن ذى يزن
__________
(1) وجدت فى اللسان: «شقر بضم الشىء وفتحها، مع فتح القاف: الديك ويقال: إن الناس أصبحوا يوما بمكة، وعلى باب الندوة مكتوب:
ألهى قصيا عن المجد الأساطير ... ورشوة مثل ما ترشى السفاسير
وأكلها اللحم بحتا لا خليط له ... وقولها: رحلت عير، أتت عير
فأنكر الناس ذلك. وقالوا: ما قالها إلا ابن الزبعرى، وأجمع على ذلك رأيهم، فمشوا إلى بنى سهم- وكان مما تنكر قريش وتعاتب عليه أن يهجو بعضها بعضا- فقالوا لبنى سهم.. ثم تمضى القصة كما رواها السهيلى، إلى قوله: فربطوه إلى صخرة بالحجون. انظر ص 179 وما بعدها ج 4 أمالى المرتضى تعليق الشنقيطى ط 1325 هـ. وللسفافير معان عدة فهى: جمع سفسير بكسر السين الأولى والاخرة وسكون الفاء. وهو التابع أو الذى يقوم على الناقة، أو الإبل ليصلح من شأنها، والعبقرى والحاذق بصناعته والقهرمان، والسمسار، وهذه هى المقصودة هنا.
(2) فى الأصل: الحجول وهو خطأ.(2/87)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ ابْنُهُ مَعْدِي كَرِبَ بْنُ سَيْفٍ مَلِكُ الْيَمَنِ «1» لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ رَكْبٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَرْحَبًا بِابْنِ أُخْتِنَا، لِأَنّ سَلْمَى مِنْ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ سَبَأٍ، وَسَيْفٌ مِنْ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُلْكًا سِبَحْلًا، يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا «2» . ثُمّ بَشّرَهُ بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنّهُ مِنْ وَلَدِهِ «3» ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: مِثْلُك أَيّهَا الْمَلِكُ سِرّ وَبِرّ، ثُمّ أَجْزَلَ الْمَلِكُ حِبَاءَهُ، وَفَضّلَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَانْصَرَفَ مَغْبُوطًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ الْمَلِكُ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَمَا بَشّرَنِي بِهِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ كُلّ مَا أَعْطَانِي. فِي خَبَرٍ فِيهِ طُولٌ.
نَسَبُ أُحَيْحَةَ:
وَذَكَرَ نَسَبَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيّ «4» ،
__________
(1) فى الطبرى عن سيفان بن معد يكرب: من الناس من يقول: إنه سيف بن ذى يزن. ص 153 ج 2.
(2) نسب القالى فى أماليه هذا إلى عبد المطلب، وهو خطأ صوبه البكرى فى التنبيه ص 114. فهو- كما ذكر السهيلى- قول سيف لعبد المطلب وسبحل: بكسر ففتح فسكون، أو سبحلل مثل: سفرجل، وسحبل بفتح السين وإسكان الحاء المتقدمة على الباء: الضخم. وروى ملكا ربحلاء بكسر الراء وفتح الباء وسكون الحاء، وهى مثل: سبحل فى المعنى. والربحلة: العظيمة الجيدة الخلق- بفتح الخاء- فى طول. ويريد هنا: ملكا عظيما. وبعد «جزلا» قول سيف: «قد سمعنا مقالتكم، وعرفنا قرابتكم، فلكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا رجعتم» انظر ج 2 ص 218 الأمالى ط 2 والتنبيه للبكرى ص 114.
(3) هذا من الغلو الذى لا يحتاج إليه مقام النبى «ص» الذى لم يكن يعرف هو «ص» ولا أحد من أهله أنه هو النبى المبشر به فى كتب أهل الكتاب.
(4) فى الروض: جمحي، والتصويب من كتب النسب.(2/88)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْحَرِيسُ يَعْنِي. بِالسّينِ المهملة- وقال الدّار قطنى عَنْ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إنّ كُلّ مَا فِي الْأَنْصَارِ فَهُوَ: حَرِيسٌ بِالسّينِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ إلّا هَذَا، وَوَجَدْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- صَوَابَ هَذَا الِاسْمِ يَعْنِي فِي نَسَبِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الحريش بالشين المعجمة على لفظ الحريش ابن كَعْبٍ الْبَطْنِ الّذِي فِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ «1»
فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِمَطْرُودِ بْنِ كَعْبٍ:
يَا لَيْلَةً هَيّجْت لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ
أَيْ: أَنْتِ إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ. فَعِيلَاتٌ مِنْ الْقَسْوَةِ، أَيْ: لالين عِنْدَهُنّ، وَلَا رَأْفَةَ فِيهِنّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ مِنْ الدّرْهَمِ الْقَسِيّ، وَهُوَ الزّائِفُ، وَقَدْ قِيلَ فِي الدّرْهَمِ الْقَسِيّ: إنّهُ أَعْجَمِيّ مُعَرّبٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْقَسَاوَةِ لِأَنّ الدّرْهَمَ الطّيّبَ أَلْيَنُ مِنْ الزّائِفِ «2» ، وَالزّائِفُ أَصْلَبُ مِنْهُ. وَنَصَبَ لَيْلَةً عَلَى التّمْيِيزِ كَذَلِكَ، قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قول الصّلتان «3» العبدىّ.
__________
(1) فى الاشتقاق: الحريش بالشين بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صعصعة.
(2) فى اللسان: عام قسى- بفتح فكسر مع تضعيف الياء- شديد ذو قحط لا مطر فيه، وعشية قسية: باردة. والقسية: الشديدة، ويوم قسىّ مثال شقى: شديد من حرب أو شر. ودرهم قسىّ: جمع قسيان مثل صبى: وقيل درهم قسى: ضرب من الزيف، أى فضة صلبة رديئة ليست بلينة، وكل هذا يؤكد أنه استعمال عربى.
(3) الصلتان: لقب، وأصل الصلتان: النشيط الحديد الفؤاد من الخيل، أو المضاء فى الأمور، وهو: قثم بن خبيئة- كما نقل ابن قتيبة- أو خبية، وقال الامدى عن أبى-(2/89)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله
__________
- عبيدة: قثم بن خثيم، وهو أحد بنى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز ابن أفصى بن عبد القيس. والبيت من قصيدة أوردها المبرد فى كتابه الاعتنان، والقالى فى أماليه، وابن قتيبة فى كتاب الشعراء، وتتمة البيت:
جرير، ولكن فى كليب تواضع
وقد نظم الصلتان هذه القصيدة- وعدتها ثلاثة وعشرون- حينما جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير، أيهما أشعر، وأولها:
أنا الصّلتانىّ الذى قد علمتم ... متى ما يحكم فهو بالحق صادع
وفى الأمالى: «فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله» ص 142 ج 2 الأمالى ومن القصيدة:
أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ... ولكن خيرا من كليب مجاشع
فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير، ولكن فى كليب تواضع
فرضى الفرزدق حين شرفه عليه، وقومه على قومه، وقال: إنما الشعر مروءة، من لا مروءة له، وهو أخس حظ الشريف، وأما جرير، فغضب من المنزلة التى أنزله إياها فهجاه. والبيت المذكور فى اللسان ص 208 ج 2، وانظر ص 29 ج 2 خزانة الأدب ط دار العصور، وإليك بعض ما قيل فيه: قال الأعلم الشاهد فيه على مذهب الخليل وسيبويه: نصب شاعرا بإضمار فعل على معنى الاختصاص والتعجب، والمنادى محذوف، والمعنى: يا هؤلاء أو يا قوم، عليكم شاعرا، أو حسبكم به شاعرا، وقال النحاس: كأنه قال: يا قائل الشعر عليك شاعرا، وإنما امتنع عنده أن يكون منادى، لأنه نكرة يدخل فيه كل شاعر بالحضرة، وهو إنما قصد شاعرا بعينه، وهو جرير، وكان ينبغى أن يبنيه على الضم على ما يجرى عليه المخصوص بالنداء. أما أحمد بن يحيى، فذكر أن شاعرا منصوب بالنداء وفيه معنى التعجب، وقال: إن العرب تنادى بالمدح والذم، وتنصب بالنداء، فيقولون: يا رجلا لم أر مثله، وكذا يا طيبتك من ليلة، وكذا شاعرا، وفى-(2/90)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ أَنّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى التّعَجّبِ.
وَقَوْلُهُ: وَمَيْتٌ بِغَزّاتِ. هِيَ: غَزّةُ، وَلَكِنّهُمْ يَجْعَلُونَ لِكُلّ نَاحِيَةٍ أَوْ لِكُلّ رَبَضٍ «1» مِنْ الْبَلْدَةِ اسْمَ الْبَلْدَةِ، فَيَقُولُونَ: غَزّاتٍ فِي غَزّةَ، وَيَقُولُونَ فِي بَغْدَانَ: بَغَادِينَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ:
شَرِبْنَا فِي بَغَادِينَ ... عَلَى تِلْكَ الْمَيَادِينِ
وَلِهَذَا نَظَائِرُ سَتَمُرّ فِي الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَمِنْ هَذَا الْبَابِ:
حُكْمُهُمْ لِلْبَعْضِ بِحُكْمِ الْكُلّ، كَمَا سمّوه باسمه، نحو قولهم: شرقت صدر
__________
- الخزانة أيضا: أن المنادى محذوف، وأن شاعرا ليس بمنادى، لأنه مقصود إلى واحد بعينه، والمحذوف يجوز أن يكون هو الشاعر، ويجوز أن يكون غيره، فكأنه قال لمن بحضرته: يا هذا حسبك به شاعرا على المدح والتعجب منه، ثم بين أنه جرير، ويشبه هذا الإضمار بقولهم: نعم رجلا زيد، ويجوز أن يكون حسبك به على شريطة التفسير، وبه فى موضع اسم مرفوع لابد منه، ويجوز أن يكون الهاء للشاعر الذى جرى ذكره، ثم وكده بقوله: جرير، أى: هو جرير. وتقدير الخليل ويونس: يا قائل الشعر، على أن قائل الشعر غير الشاعر المذكور، كأنه قال: يا شعراء عليكم شاعرا لا شاعر اليوم مثله، أى حسبكم به شاعرا، فهذا ظاهر كلام سيبويه. ويجوز أن يكون يا قائل الشعر المحذوف هو الشاعر المذكور، وينتصب شاعرا على الحال، ولا شاعر اليوم فى موضع النعت، واحتاج إلى إضمار قائل الشعر ونحوه، حتى يكون المنادى معرفة، كأنه قال: يا قائل الشعر فى حال ما هو شاعر لا شاعر مثله.
(1) ربض المدينة: ما حولها. وفى الروض «ميت بغزات» ولكن فى السيرة «ميت بين غزات» .(2/91)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْقَنَاةِ مِنْ الدّمِ، وَذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ «1» ، وَتَوَاضَعَتْ سُوَرُ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ تَرَكّبَتْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مسئلة مِنْ الْفِقْهِ: قَالَ الْفُقَهَاءُ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ: مَنْ حَلَفَ أَلّا يَأْكُلَ هَذَا الرّغِيفَ، فَأَكَلَ بَعْضَهُ، فَقَدْ حَنِثَ، فَحَكَمُوا لِلْبَعْضِ بِحُكْمِ الْكُلّ، وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِ اسْمَهُ. وَفِيهِ:
إنّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ «2»
فَالْمُغِيرَاتُ: بَنُو الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ عَبْدُ مَنَافٍ، كَمَا قَالُوا: الْمَنَاذِرَةُ فِي بَنِي الْمُنْذِرِ، وَالْأَشْعَرُونَ فِي بَنِي أَشْعَرَ بْنِ أُدَدَ، كَمَا قَالَ عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ فِي ابْنِ الزّبَيْرِ:
آثَرَ عَلَيّ الْحُمَيْدَاتِ وَالتّوَيْتَاتِ وَالْأُسَامَاتِ، يَعْنِي: بَنِي حُمَيْدٍ، وَبَنِيّ تُوَيْتٍ، وَبَنِيّ أُسَامَةَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عبد العزّى «3» .
__________
(1) يقول الأعشى:
ونشرق بالقول الذى قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم
وأصل الصدر مذكر، وأنث هنا، إما لأنه أراد القناة، أو لأن صدر القناة قناة، أو لأن صدر القناة منها كقولهم: ذهبت بعض أصابعه، لأنهم يونئون الاسم المضاف إلى المؤنث «اللسان» ونص تعبير سيبويه فى الكتاب: «وربما قالوا فى بعض الكلام: «ذهبت بعض أصابعه، وإنما أنث البعض، لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه، ولو لم يكن منه لم يؤنثه: لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن» ثم استشهد ببيت الأعشى، ثم قال: «لأن صدر القناة من مؤنث، ومثله قول جرير «فى ص 25 ج 1 من كتاب سيبويه»
إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبى اليتيم
(2) فى الروض: «وأبناؤها» والصواب ما أثبته من السيرة.
(3) هم حميد بن أسامة بن زهير بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بن قصى وتويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأسامة بن زهير بن الحارث-(2/92)
وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةَ، وَكَانَ أَوّلَ بنى عبد مناف هلكا:
هاشم، بغزّة مِنْ أَرْضِ الشّامِ، ثُمّ عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكّةَ، ثُمّ الْمُطّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، ثُمّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ.
فَقِيلَ لِمَطْرُودِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-: لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْت، وَلَوْ كَانَ أَفْحَلَ مِمّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ، فَقَالَ: أَنْظِرْنِي ليالى: فمكث أياما، ثم قال:
يا عين جودى، وَأَذْرِي الدّمْعَ وَانْهَمِرِي ... وَابْكِي عَلَى السّرّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ
يَا عَيْنُ، وَاسْحَنْفِرِي بِالدّمْعِ وَاحْتَفِلِي ... وَابْكِي خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمّاتِ
وَابْكِي عَلَى كلّ فيّاض أخى ثقة ... ضخم الدّسية وَهّابِ الْجَزِيلَاتِ
مَحْضِ الضّرِيبَةِ، عَالِي الْهَمّ، مُخْتَلِقٌ ... جَلْدِ النّحِيزَةِ، نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ، مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ
صَقْرٍ تَوَسّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا نُسِبُوا ... بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشّمّ الرّفِيعَاتِ
ثُمّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيّاضَ مطّلبا ... واستخرطى بعد فيضات بجمّات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ «شَرْقِيّ الْبَنِيّاتِ» يَعْنِي: الْبَنِيّةَ، وَهِيَ: الْكَعْبَةُ، وهو نحو مما تقدم فى غزّات.
__________
- بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ. والأشعرون فى اللسان: نسبة إلى أشعر بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وتقول العرب: جاء بك الأشعرون بحذف ياء النسب.(2/93)
أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا ... يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ
وَابْكِي- لَك الْوَيْلُ- إمّا كُنْت بَاكِيَةً ... لِعَبْدِ شَمْسٍ بِشَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ
وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ ... تَسْفَى الرّيَاحُ عَلَيْهِ بَيْنَ غَزّاتِ
وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي ... أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ
لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا ... إذَا اسْتَقَلّتْ بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيّاتِ
أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطّلَةً ... وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا فِي السّرِيّاتِ
أَفْنَاهُمْ الدّهْرُ، أَمْ كَلّتْ سُيُوفُهُمْ ... أَمْ كُلّ مَنْ عَاشٍ أَزْوَادُ الْمَنِيّاتِ
أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ ... بَسْطَ الْوُجُوهِ وَإِلْقَاءَ التّحِيّاتِ
يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ ... يَبْكِينَهُ حُسّرًا مِثْلَ الْبَلِيّاتِ
يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ ... يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ
يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ ... آبِي الْهَضِيمَةِ، فَرّاجِ الْجَلِيلَاتِ
يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ ... سَمْحَ السّجِيّةِ، بَسّامَ الْعَشِيّاتِ
يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ ... يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ وَعَوْلَاتٍ
يَبْكِينَ لَمّا جَلّاهُنّ الزّمَانُ لَهُ ... خُضْرُ الْخُدُودِ كَأَمْثَالِ الْحَمِيّاتِ
مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنّ لِمَا ... جَرّ الزّمَانُ مِنْ أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ
أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النّجْمَ مِنْ أَلَمٍ ... أَبْكِي، وَتَبْكِي مَعِي شَجْوِي بُنَيّاتِي
مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ ... وَلَا لِمَنْ تَرَكُوا شَرْوَى بَقِيّاتِ
أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ، وَأَنْفُسُهُمْ ... خَيْرُ النّفُوسِ لَدَى جَهْدِ الْأَلِيّاتِ
كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرّ سَابِحٍ أَرِنٍ ... وَمِنْ طِمِرّةٍ نَهْبٍ فِي طِمِرّاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/94)
وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيّ مُخْلَصَةٍ ... وَمِنْ رِمَاحٍ كَأَشْطَانِ الرّكِيّاتِ
وَمِنْ تَوَابِعِ مِمّا يُفْضِلُونَ بِهَا ... عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ بَذْلِ الْعَطِيّاتِ
فَلَوْ حَسَبْت وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي ... لَمْ أَقْضِ أَفَعَالَهُمْ تَلِك الْهَنِيّاتِ
هُمْ الْمُدِلّونَ إمّا مَعْشَرٌ فَخَرّوا ... عِنْدَ الْفَخّارِ بِأَنْسَابٍ نَقِيّاتٍ
زَيْنُ الْبُيُوتِ الّتِي خَلّوْا مَسَاكِنَهَا ... فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيّاتٍ
أَقُولُ وَالْعَيْنُ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا ... : لَا يُبْعِدُ اللهُ أَصْحَابَ الرّزِيّاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَجْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ:
عَجّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَبُو الشّعْثِ الشّجِيّاتِ: هَاشِمُ بْنُ عبد مناف.
قَالَ: ثُمّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ بَعْدَ عَمّهِ الْمُطّلِبِ، فَأَقَامَهَا لِلنّاسِ، وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وَأَحَبّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ.
[ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جرى من الخلف فيها]
ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أُتِيَ، فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ.
قال ابن إسحاق: وكان أوّل ما ابتدىء بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيّ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/95)
عبد الله بن زرير الْغَافِقِيّ: أَنّهُ سَمِعَ عَلَيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِحَفْرِهَا، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: إنّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ.
قَالَ: قُلْت: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمّ ذَهَبَ عَنّي. فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءنى فقال: احفر برّة. قال: فقلت: وَمَا بَرّةُ؟ قَالَ:
ثُمّ ذَهَبَ عَنّي، فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءنى فقال:
احفر المضنونة قال: ققلت: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمّ ذَهَبَ عَنّي. فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ. قَالَ:
قُلْت: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بُيّنَ لَهُ شَأْنُهَا، ودلّ على موضعها، وعرف أنه قد صُدّقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عبد المطلب، ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها. فلما بَدَا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ الطّيّ، كَبّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، إنّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ، وَإِنّ لَنَا فِيهَا حَقّا فَأَشْرِكْنَا مَعَك فِيهَا. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، إنّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيته مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا، فَإِنّا غَيْرُ تَارِكِيك حَتّى نُخَاصِمَك فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا:
كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشّامِ، فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/96)
قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ: وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ. قال: فحرجوا حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأَصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حَتّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ، فَلَمّا رَأَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَمَا يَتَخَوّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلّا تَبَعٌ لِرَأْيِك، فَمُرْنَا بِمَا شِئْت، قَالَ: فَإِنّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوّةِ- فَكُلّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ وَارَوْهُ- حَتّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ. فَقَامَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، ثُمّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللهِ إنّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا حَتّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ اعلون، تَقَدّمَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا. فَلَمّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفّهَا عَيْنُ ماء عذب، فكبر عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمّ نَزَلَ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ، وَاسْتَقَوْا حَتّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلُمّ إلَى الماء، فقد سقانا الله، فاشربوا استقوا، فجاؤا، فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا. ثُمّ قَالُوا: قَدْ- وَاَللهِ- قُضِيَ لَك عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، وَاَللهِ لَا نُخَاصِمُك فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنّ الّذِي سَقَاك هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الّذِي سَقَاك زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِك رَاشِدًا. فَرَجَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/97)
وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ:
ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ ... يَسْقِي حَجِيجَ اللهِ فِي كُلّ مَبَرّ
لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ
فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: تَعَلّمُوا أَنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ، فَقَالُوا: فَهَلْ بُيّنَ لَك أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا. قَالُوا فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِك الّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ يَكُ حَقّا مِنْ اللهِ يُبَيّنُ لَك، وَإِنْ يَكُ مِنْ الشّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْك. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ، فَنَامَ فِيهِ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، إنّك إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيك الْأَعْظَمِ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تذمّ، تسقى الحجيج الأعظم، مثل نعام جافل لَمْ يُقْسَمْ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ، تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ، وَالْكَلَامُ الّذِي قَبْلَهُ، مِنْ حديث علىّ فى حفر زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ» إلَى قَوْلِهِ: «عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ» عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/98)
عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا. والله أعلم أىّ ذلك كان.
فغدا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، اللّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدّهُ، فَقَالُوا: وَاَللهِ لَا نَتْرُكُك تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذُدْ عنى حتى أحفر، فو الله لَأَمْضِيَن لِمَا أُمِرْت بِهِ. فَلَمّا عَرَفُوا أَنّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلّا يَسِيرًا، حَتّى بَدَا له الطّىّ، فكبّر وعرف أَنّهُ قَدْ صُدِقَ فَلَمّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيّةً وَأَدْرَاعًا فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، لَنَا مَعَك فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هلمّ إلى أمر نصف ببنى وَبَيْنَكُمْ، نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ، قَالُوا: وَكَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال:
أجعل للكعبة قدحين، ولى قدحين، ولكم قدحين، فمن خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ، وَمَنْ تَخَلّفَ قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالُوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقد حين أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَقِدْحَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ، ثُمّ أعطوا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ- وَهُبَلُ: صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ الّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَالَ: أُعْلِ هُبَلُ أَيْ: أَظْهِرْ دِينَك- وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/99)
لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ، وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَتَخَلّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ. فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْأَسْيَافَ بَابًا لِلْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ أَوّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجّاجِ.
[ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بمكة]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ، فِيمَا حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق، قال:
حفر عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطّوِيّ، وهي الْبِئْرُ الّتِي بِأَعْلَى مَكّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ، دَارُ محمّد بن يوسف.
وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذّرَ، وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا: لَأَجْعَلَنّهَا بَلَاغًا لِلنّاسِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشّاعِرُ.
سَقَى اللهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مكانها ... جرابا وملكوما وبذّر والغمرا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَفَرَ سَجْلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ المطعم بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنّهُ وَهَبَهَا لَهُ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الابار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/100)
وَحَفَرَ أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ لِنَفْسِهِ، وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى:
سُقَيّةَ، وهى بئر بنى أسد. وحفرت بنو عبد الدار: أمّ أحراد. وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ: السّنْبُلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بن وهب. وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ: الْغِمْرَ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سهم، وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَكِلَابِ بْنِ مرّة، وكبراء قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَهِيَ رُمّ، وَرُمّ:
بِئْرُ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَخُمّ، وَخُمّ. بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، وَالْحَفْرُ.
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ:
وَقِدْمَا غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ الله فى موضعها.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجّ وَانْصَرَفَ النّاسُ إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ؛ وَلِأَنّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلّهَا، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، فَقَالَ مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلّوا عَلَيْهِمْ من السّقاية والرّفادة، وما أقاموا لِلنّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَإِنّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لبعض فضل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/101)
وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ... ئِنَا فَنَمَى بِنَا صُعُدَا
أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدّلّافَةَ الرّفُدَا
ونلغى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا ... شُدّدًا رُفُدَا
فَإِنْ نَهْلِكْ، فَلَمْ نُمْلَكْ ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا
وَزَمْزَمُ فى أرومتنا ... ونفقأ عين من جسد
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غانم أخو بنى عدىّ بن كعب ابن لؤىّ.
وساقى الحجيج، ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
طوى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلّ ذِي فَخْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنْشَدَ لَهُ فِي الْقَصِيدَةِ التّاوِيّةِ: مَحْضِ الضّرِيبَةِ، عَالِي الْهَمّ مُخْتَلَقٍ: أَيْ عَظِيمِ الْخَلْقِ: جَلْدِ النّحِيزَةِ نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ. لَيْسَ قَوْلُهُ: نَاءٍ مِنْ النّأْيِ، فَتَكُونَ الْهَمْزَةُ فِيهِ عَيْنَ الْفِعْلِ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ نَاءَ يَنُوءُ إذَا نَهَضَ «1» فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لَامُ الْفِعْلِ، كَمَا هُوَ فِي جَاءَ عِنْدَ الْخَلِيلِ، فَإِنّهُ عِنْدَهُ مَقْلُوبٌ، وَوَزْنُهُ: فَالِعٌ، وَالْيَاءُ الّتِي بَعْدَ الْهَمْزَةِ هِيَ: عَيْنُ الْفِعْلِ فى جاء يجىء.
__________
(1) ناء بالحمل نهض به مثقلا، وناء به الحمل إذا أثقله.(2/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ الشّعْثُ الشّجِيّاتُ. فَشَدّدَ يَاءَ الشّجِيّ، وَإِنْ كَانَ أَهْلَ اللّغَةِ قَدْ قَالُوا:
يَاءُ الشّجِي مُخَفّفَةٌ، وَيَاءُ الْخَلِيّ مُشَدّدَةٌ، وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى أَبِي تَمّامٍ الطّائِيّ فِي قَوْلِهِ:
أياويح الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ ... وَوَيْحَ الدّمْعِ مِنْ إحْدَى بَلِيّ
وَاحْتَجّ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ له الطائى: ومن أفصح عندك:
ابن الجر مقانيّة يَعْقُوبُ، أَمْ أَبُو الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ حَيْثُ يَقُولُ؟!:
وَيْلُ الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ فَإِنّهُ ... وَصِبُ الْفُؤَادِ بِشَجْوِهِ مَغْمُومُ
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَبَيْتُ مَطْرُودٍ أَقْوَى فِي الْحُجّةِ مِنْ بَيْتِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ، لِأَنّهُ جَاهِلِيّ مُحَكّكٌ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ: أَوّلُ مَنْ صَنَعَ النّحْوَ، فَشِعْرُهُ قَرِيبٌ مِنْ التّوْلِيدِ، وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: شَجِيّ وَشَجٍ، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: حَزِنٌ وَحَزِينٌ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ شَدّدَ الْيَاءَ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مفعول «1» .
__________
(1) رجل شج أى: حزين وامرأة شجية- بكسر الجيم وفتح الياء من دون تضعيف- وفى مثل للعرب: ويل للشجى من الخلى، دون تشديد ياء إحداهما، وقد تشدد ياء الشجىّ، والأول أعرف. وحكى الجوهرى عن المبرد أنه شدد ياء الخلى وخفف ياء الشجى. قال: وقد شدد فى الشعر:
نام الخليّون عن ليل الشجيينا
فإن جعلنا الشجىّ فعيلا من شجاه الحزن، فهو: مشجوّ وشجىّ بالتشديد لا غير، وحكى ابن برى أن الصواب هو التشديد فى ياء الشجى، وأما الشجى بالتخفيف فهو الذى أصابه الشجى، وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجىّ-(2/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ بُعْدٌ قَوْلُهُ: أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ. يَبْكِينَهُ حُسّرًا مِثْلَ الْبَلِيّاتِ.
الْبَلِيّةُ: النّاقَةُ الّتِي كَانَتْ تُعْقَلُ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا إذَا مَاتَ، حَتّى تموت
__________
- بتشديد الياء. قال: ولو كان المثل: ويل الشجى بتخفيف الياء، لكان ينبغى أن يقال: ويل الشجى من المسيغ؛ لأن الإساغة ضد الشجا، كما أن الفرح ضد الحزن ثم قال ابن برى: فلهذا ننظر إلى توجيهه من ناحية القياس- وقد ثبت من جهة السماع تشديد الياء- ثم قال: ووجهه أن يكون الشجى من شجوته أشجوه، فهو: مشجو وشجىّ، مثل: مجروح وجريح. وأما شج بالتخفيف فهو اسم الفاعل من شجى يشجى- بكسر الجيم فى الماضى وفتحها فى المضارع- فهو شج. وقال أبو زيد: الشجى: المشغول، والخلى: الفارغ، وقال ابن السكيت: الشجى مقصور والخلى ممدود، وفى الهذيب عن الشجى: أنه الذى شجى بعظم غصّ به حلقه، يقال: شجى يشجى شجى، فهو شج، وكذلك الذى شجى بالهم فلم يجد مخرجا منه.. قال الأزهرى: وهذا هو الكلام الفصيح.. ثم قال: فإن تجامل إنسان، ومد الشجى فله مخارج من جهة العربية تسوغ له مذهبه، وهو أن تجعل الشجى بمعنى المشجوّ. فعيلا من شجاه يشجوه، والوجه الثانى: أن العرب تمد فعلا بياء. فتقول: فلان قمن لكذا وقمين، وسمج وسميج، وفلان كر للنائم وكرى. وقيل: إن مذهب العرب توازن اللفظ كما وازنت الغدايا بالعشايا. وجمع الغداة غدوات. ومثل ما ساءه وناءه، والأصل أناء. وكذلك وازنوا: الشجى بتشديد الياء بالخلى. ومعناه: ويل للمهموم من الفارغ، وعن ثعلب فى الفصيح: ويل للشجى من الخلىّ بتشديد الياءين. وأنشد البيت الذى فى الروض. والشطرة الثانية من البيت «ويل الشجى» وردت مرة فى اللسان: «نصب الفؤاد لشجوه مغموم» ، وأخرى: «بحزنه مغموم» وانظر ص 373 أدب الكاتب وقول السهيلى: «وبيت مطرود أقوى» يعنى البيت الذى يشرحه: «يا عين فابكى أبا الشعث الشجيات» والجرمقانى- بضم الجيم وسكون الراء وضم الميم وفتح القاف وتضعيف الياء- واحد الجرامقة، وهم أنباط الشام، أو هم قوم بالموصل أصلهم من العجم «عن اللسان» .(2/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَوْعًا وَعَطَشًا، وَيَقُولُونَ: إنّهُ يُحْشَرُ رَاكِبًا عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ هَذَا حُشِرَ رَاجِلًا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقُولُ بِالْبَعْثِ، وَهُمْ الْأَقَلّ، وَمِنْهُمْ زُهَيْرٌ، فَإِنّهُ قَالَ:
يُؤَخّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ، أَوْ يُعَجّلْ فَيُنْقَمْ
وَقَالَ الشّاعِرُ فِي الْبَلِيّةِ:
والبلايا رؤسها فى الولايا ... ما نحات السّمُومِ حُرّ الْخُدُودِ «1»
وَالْوَلَايَا: هِيَ الْبَرَاذِعُ، وَكَانُوا يَثْقُبُونَ الْبَرْذَعَةَ، فَيَجْعَلُونَهَا فِي عُنُقِ الْبَلِيّةِ، وَهِيَ مَعْقُولَةٌ، حَتّى تَمُوتَ، وَأَوْصَى رَجُلٌ ابْنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِهَذَا:
لَا تَتْرُكَنّ أَبَاك يُحْشَرُ مُرّةً ... عَدْوًا يَخِرّ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَيَنْكُبُ
فِي أَبْيَاتٍ ذكرها الخطابى.
وقوله: قياما كالحميّات. أى: محترقات الْأَكْبَادِ كَالْبَقَرِ أَوْ الظّبَاءِ الّتِي حَمِيَتْ الْمَاءَ وَهِيَ عَاطِشَةٌ، فَحَمِيّةٌ بِمَعْنَى: مَحْمِيّةٍ، لَكِنّهَا جَاءَتْ بالتاء، لأنها أجريت
__________
(1) البيت فى اللسان وأوله: «كالبلايا» وقد نسبه اللسان إلى أبى زبيد، وهو حرملة بن المنذر بن معد يكرب الطائى شاعر جاهلى إسلامى، وكان نصرانيا وزعم الطبرى أنه مات مسلما، وفى اسمه خلاف، ومن قوله:
علّل المرء بالرجاء ويضحى ... غرضا للمنون نصب العود
وكانت العرب تنصب عودا تجعله غرضا، فيصيبه بعض السهام، أو يقع قريبا منه، أو تشعب منه شيئا. فضرب ذلك مثلا.(2/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَجْرَى الْأَسْمَاءِ كَالرّمِيّةِ وَالضّحِيّةِ وَالطّرِيدَةِ «1» وَفِي مَعْنَى الْحَمِيّ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
قَوَاطِنُ مَكّةَ مِنْ وُرْقِ الْحَمِيّ «2» يُرِيدُ الْحَمَامَ الْمَحْمِيّ، أَيْ: الْمَمْنُوعَ.
وَقَوْلُهُ: فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ: الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ أَصْلِيّةً، وَيَكُونُ مِمّا ضُوعِفَتْ فَاؤُهُ وَعَيْنُهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَوْلَى لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمِيمِ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، إذَا كَانَتْ أَوّلَ الْكَلِمَةِ الرّبَاعِيّةِ أَوْ الْخُمَاسِيّةِ، إلّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِقَاقٌ، وَلَا اشْتِقَاقَ هَهُنَا، أَوْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُهُ فِيمَا قَلّ مِنْ الْكَلَامِ نَحْوُ: قَلِقَ وَسَلِسَ. قَالَ أَبُو عَلِيّ فِي الْمَرْمَرِ: حَمْلُهُ عَلَى بَابِ: قَرْقَرَ وَبَرْبَرَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَابِ: قَلِقَ وَسَلِسَ، يُرِيدُ: إنّك إنْ جَعَلْت الْمِيمَ زَائِدَةً كَانَتْ فَاءَ الْفِعْلِ- وَهِيَ الراء- مضاعفة دون عين الفعل، وهى
__________
(1) قال سيبويه: لا يجىء هذا الضرب على مفعل- بفتح الميم وكسر العين- إلا وفيه الهاء، لأنه إن جاء على مفعل بغيرها اعتل، فعدلوا إلى الأخف.
(2) ومنه قبله:
ورب هذا البلد المحرم ... والقاطنات البيت غير الريم
قواطنا مكة من ورق الحمى
«اللسان مادة قطن» وقد استشهد به سيبويه فى كتابه فى باب: «اعلم أنه يجوز فى الشعر ما لا يجوز فى الكلام من صرف مالا ينصرف، يشبهونه بما ينصرف من الأسماء لأنها أسماء؛ كما أنها أسماء، وحذف مالا يحذف، يشبهونه بما قد حذف، أو استعمل محذوفا، كما قال العجاج. أقول: وقواطن منونة منصوبة فى كتاب سيبويه، وفى اللسان. وروى سيبويه هذه الشطرة مرة أخرى هكذا «أو الفا مكة من ورق الحمى» انظر ص 8، 56 من كتاب سيبويه ط بولاق.(2/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمِيمُ، وَإِذَا جَعَلْت الْمِيمَ الْأُولَى فِي مَرْمَرَ أصلية، كان «1» من باب ماضوعفت فِيهِ الْفَاءُ وَالْعَيْنُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ فِي الْمَرْمَرِ: مَرّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُسْتَتِبّ، وَالطّرِيقُ الْمَهِيعُ دُونَ مَا ضُوعِفَتْ فِيهِ الْفَاءُ وَحْدَهَا، فتأمله «2» .
__________
(1) فى الأصل وكان.
(2) يقول المازنى فى كتابه التصريف: «وأما الميم إذا كانت أولا فهى زائدة بمنزلة الهمزة والياء؛ لأن الميم أولا نظيرة الهمزة» وشرحه ابن جنى بقوله: «لا فصل بين الميم والهمزة إذا وقعتا أولا، فمتى وجب فى الهمزة أن تكون زائدة ووقعت الميم موقعها، فاقض بزيادتها» ص 129 المنصف لابن جنى. والموماة بفتح وسكون: المفازة الواسعة الملساء، وهى جماع أسماء الفلوات. وقال المبرد: يقال لها: البوباة أيضا، وليس للكلمة اشتقاق. ويقول ابن جنى فى الخصائص: «اعلم أنه متى اجتمع معك فى الأسماء والأفعال حرف أصل، ومعه حرفان مثلان لا غير، فهما أصلان، متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو: الحفف والصدد. وقلق وسلس، وكذلك إن كان هناك زائد، فالحال واحدة نحو حمام وسالس. وكذلك كوكب ودودح» ثم يقول: «فأما إذا كان معك أصلان ومعهما حرفان مثلان، فعلى أضرب منها: أن يكون هناك تكرير على تساوى حال الحرفين، فإذا كانا كذلك كانت الكلمة كلها أصولا نحو: قلقل وقرقر. فالكلمة إذا لذلك رباعية. وكذلك إن اتفق الأول والثالث، واختلف الثانى والرابع، فالمثلان أيضا. أصلان، وذلك نحو. فرفج وقرقل «نبات الرجلة، وقميص للنساء» وكذلك إن اتفق الثانى والرابع، واختلف الأول والثالث نحو: قسطاس وشعلع «الطويل» فالمثلان أيضا أصلان. وكل ذلك أصل رباعى، وكذلك إن اتفق الأول والرابع واختلف الثانى والثالث، فالمثلان أصلان، والكلمة أيضا من بنات الأربعة مثل: قريق «دكان البقال، وبلد وراء طرسوس» وكذلك إن اتفق الأول والثانى، واختلف الثالث والرابع، فالمثلان أصلان، والكلمة رباعية نحو: زيزفون. ومثاله، فيعلول. وكذلك أيضا إن حصل معك ثلاثة أحرف أصول، ومعها-(2/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ. الْفَجَرُ: الْجُودُ، شُبّهَ بِانْفِجَارِ الْمَاءِ. وَيُرْوَى ذَا فَنَعٍ، وَالْفَنَعُ: كَثْرَةُ الْمَالِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ:
وَقَدْ أَجُودُ وَمَا مَالِي بِذِي فَنَعٍ ... وَأَكْتُمُ السّرّ فِيهِ ضَرْبَةُ الْعُنُقِ «1»
وَقَوْلُهُ: بَسّامَ الْعَشِيّاتِ: يَعْنِي: أَنّهُ يَضْحَكُ لِلْأَضْيَافِ، وَيَبْسِمُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ كما قال الاخر، وهو حاتم الطائى:
__________
- مثلان غير ملتقيين، فهما أيضا أصلان. نحو: شفشليق «العجوز المسترخية» ص 56 وما بعدها، الخصائص ط 2 ج 2، وانظر شرح الشافية ج 1 ص 59، وما بعدها ويقول ابن جنى فى الخصائص أيضا وهو يتكلم عن الأصلين الثلاثى والرباعى المتداخلين، كقولهم سلس وسلسل، وقلق وقلقل: «وذهب أبو إسحاق فى نحو قلقل وصلصل وجرجر وقرقر إلى أنه فعل، وأن الكلمة لذلك ثلاثية، حتى كأن أبا إسحاق لم يسمع فى هذه اللغة الفاشية المنتشرة: بزغد وزغدب وسبط وسبطر» ثم يقول: «إن تكرير الفاء لم يأت به ثبت إلا فى مرمريس. وحكى غير صاحب الكتاب: مرمريت، وليس بالبعيد أن تكون التاء بدلا من السين، كما أبدلت منها فى ست» ص 52، 53 ج 2، الخصائص ويقول فى ص 12 من المنصف أيضا: «الفاء لم تكرر فى كلام العرب إلا فى حرف واحد، وهو: مرمريس، وهى الداهية والشدة، فتكررت الفاء والعين، ولا نظير لهذه الكلمة» .
(1) والفنع أيضا: الكرم والجود والفضل الكثير، ونشر الثناء الحسن ونفحة المسك.. وقد روى أن معاوية- رضى الله عنه- قال لابن أبى محجن الثقفى: أبوك الذى يقول:
إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة ... تروى عظامى بعد موتى عروقها
ولا تدفننى فى الفلاة، فإننى ... أخاف إذا مامت ألا أذوقها
فقال ابن أبى محجن: أبى الذى يقول: وذكر البيت. وقد روى عجزه هكذا: وقد أكر وراء المجحر الفرق.(2/108)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إنْزَالِ رَحْلِهِ ... وَيَخْصِبُ «1» عِنْدِي، وَالْمَحَلّ جَدِيبُ
وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ أَنْ يَكْثُرَ الْقِرَى ... وَلَكِنّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ
حَدِيثُ زَمْزَمَ وَكَانَتْ زَمْزَمُ- كَمَا تَقَدّمَ- سُقْيَا إسْمَاعِيلَ، عَلَيْهِ السّلَامُ، فَجّرَهَا لَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِعَقِبِهِ، وَفِي تَفْجِيرِهِ إيّاهَا بِالْعَقِبِ دُونَ أَنْ يُفَجّرَهَا بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهِ: إشَارَةٌ إلَى أَنّهَا لِعَقِبِهِ وِرَاثَةً، وَهُوَ مُحَمّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّتُهُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) الزّخْرُفَ: 43. أَيْ: فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ «2» - ثُمّ إنّ زَمْزَمَ لَمّا أَحْدَثَتْ جُرْهُمٌ فِي الْحَرَمِ، وَاسْتَخَفّوا بِالْمَنَاسِكِ وَالْحُرَمِ، وَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَاجْتَرَمَ، تَغَوّرَ مَاءُ زَمْزَمَ وَاكْتُتِمَ، فلما أخرج الله جرهم مِنْ مَكّةَ بِالْأَسْبَابِ الّتِي تَقَدّمَ ذِكْرُهَا عَمَدَ الحرث بْنُ مُضَاضٍ الْأَصْغَرُ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ غَزَالَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْيَافٌ قَلْعِيّةٌ «3» كَانَ سَاسَانُ مَلِكُ الْفُرْسِ قَدْ أَهْدَاهَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ: سَابُورُ، وَقَدْ قَدّمْنَا أن الأوائل من ملوك
__________
(1) من باب علم وضرب.
(2) قال ابن كثير فى تفسيرها: «هذه الكلمة- وهى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهى: لا إله إلا الله، أى جعلها دائمة فى ذريته، يقتدى به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- وقال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدى وغيرهم: يعنى: لا إله إلا الله لا يزال فى ذريته من يقولها، وروى نحوه عن ابن عباس» على أن هناك رواية: أو قال بجناحه.
(3) نسبة إلى قلعة بفتح فسكون بلد بالهند.(2/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفُرْسِ كَانَتْ تَحُجّهَا إلَى عَهْدِ سَاسَانَ، أَوْ سَابُورَ، فَلَمّا عَلِمَ ابْنُ مُضَاضٍ أَنّهُ مُخْرَجٌ مِنْهَا، جَاءَ تَحْتَ جُنْحِ اللّيْلِ حَتّى دَفَنَ ذَلِكَ فِي زَمْزَمَ، وَعَفّى عَلَيْهَا، وَلَمْ تَزَلْ دَارِسَةً عَافِيًا أَثَرُهَا، حَتّى آنَ مَوْلِدُ الْمُبَارَكِ الّذِي كَانَ يُسْتَسْقَى بِوَجْهِهِ غَيْثُ السّمَاءِ وَتَتَفَجّرُ مِنْ بَنَانِهِ يَنَابِيعُ الْمَاءِ، صَاحِبُ الْكَوْثَرِ وَالْحَوْضِ الرّواء، فلما آن ظهوره أذن لله تَعَالَى لِسُقْيَا «1» أَبِيهِ أَنْ تَظْهَرَ، وَلِمَا انْدَفَنَ مِنْ مَائِهَا أَنْ تَجْتَهِرَ «2» ، فَكَانَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ سَقَتْ النّاسَ بَرَكَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ وَسُقُوا بِدَعْوَتِهِ، وَهُوَ طِفْلٌ حِينَ أَجْدَبَتْ الْبَلَدُ، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ بِهِ جَدّهُ مُسْتَسْقِيًا لِقُرَيْشِ «3» ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ- فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ- وَسُقِيَتْ الْخَلِيقَةُ كُلّهَا غُيُوثَ السّمَاءِ فِي حَيَاتِهِ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، وَالْمَرّةَ بَعْدَ الْمَرّةِ، وَتَارَةً بِدُعَائِهِ، وَتَارَةً مِنْ بَنَانِهِ، وَتَارَةً بِإِلْقَاءِ سَهْمِهِ، ثُمّ بَعْدَ مَوْتِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِعَمّهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عام الرّمادة «4» ،
__________
(1) ولكن هذا الاستقساء ليس من هدى الإسلام.
(2) اجتهر البئر: نقاها، أو نزحها أو بلغ الماء.
(3) قصة موضوعة وليس الاستسقاء الدينى الحق من هذا الزعم.
(4) ليس من حب الرسول- صلّى الله عليه وسلم- أن نكذب له، أو نكذب عليه، وعظمة الرسول العظيم ليست فى حاجة إلى كذب يساندها، لأنها قامت على الصدق الجليل الجميل. وصورة الاستسقاء النبوى نهتدى إليها من هذا الحديث: «جاء أعرابى يوم الجمعة. فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، وهلكت العيال، وهلك الناس، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا «مختصر من البخارى» وحديث استقساء عمر بالعباس: «عن أنس- رضى الله عنه- أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل-(2/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ وَبِنَبِيّهِ «1» ، فَلَمْ يَبْرَحْ، حَتّى قلصوا المازر، واعتلقوا الحذاء،
__________
- إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك. فاسقنا، فيسقون) البخارى ويقال: إنه كان فى عام الرمادة العام الثامن عشر، ويقول العلامة السلفى السهسوانى الهندى تعليقا على هذا فى كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسة ابن دحلان: «المراد بالاستسقاء بالعباس والتوسل به الوارد فى حديث أنس رضى الله عنه: هو الاستسقاء بدعاء العباس على طريقة معهودة فى الشرع، وهى أن يخرج من يستسقى به إلى المصلى، فيستسقى، ويستقبل القبلة داعيا، ويحول رداءه، ويصلى ركعتين، أو نحوه من هيئات الاستقساء التى وردت فى الصحاح، والدليل عليه قول عمر رضى الله عنه اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلّى الله عليه وسلم، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، ففى هذا القول دلالة واضحة على أن التوسل بالعباس كان مثل توسلهم بالنبى صلّى الله عليه وسلم، والتوسل بالنبى لم يكن إلا بأن يخرج صلّى الله عليه وسلم، ويستقبل القبلة ويحول رداءه، ويصلّى ركعتين أو نحوه من الهيئات الثابتة للاستسقاء، ولم يرد فى حديث ضعيف فضلا عن الحسن والصحيح أن الناس طلبوا السقيا من الله فى حياته متوسلين به صلّى الله عليه وسلم من غير أن يفعل ما يفعل فى الاستسقاء المشروع من طلب السقيا، والدعاء والصلاة وغيرهما مما ثبت بالأحاديث الصحيحة» وأقول: لو كان التوسل بذات الحى أو الميت جائزا- لا بدعائه- لتوسل عمر بذات محمد- وهو ميت- بدلا من توسله بالعباس. ولم يرد فى حديث ما أن أحدا توسل بذات محمد فى استسقاء أو غيره، لأن ذات محمد «ص» ليست من كسب أحد.
(1) لم يرد شىء مما قال فى حديث صحيح. وقد وردت أحاديث الاستسقاء فى البخارى ومسلم وأبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد وغيرها، وكلها تجمع على أنه كان- صلّى الله عليه وسلم- يدعو، وليس فى شىء منها ما ذكره السهيلى، وقد وردت صيغة الدعاء فى حديث رواه أبو داود وأبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن، وقال أبو داود: هذا حديث غريب إسناده جيد وهذه هى: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل-(2/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَخَاضُوا الْغُدْرَانَ، وَسَمِعَتْ الرّفَاقُ الْمُقْبِلَةُ إلَى الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَائِحًا يَصِيحُ فِي السّحَابِ: أَتَاك الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ، أَتَاك الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ «1» ، كُلّ هَذَا بِبَرَكَةِ الْمُبْتَعَثِ بِالرّحْمَتَيْنِ، وَالدّاعِي إلَى الْحَيَاتَيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِمَا عَلَى يَدَيْهِ فِي الدّارَيْنِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً تَصْعَدُ وَلَا تَنْفَدُ، وَتَتّصِلُ وَلَا تَنْفَصِلُ، وَتُقِيمُ، وَلَا تَرِيمُ، إنّهُ مُنْعِمٌ كَرِيمٌ.
أَسْمَاءُ زَمْزَمَ:
فَصْلٌ: فَأُرِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ فِي مَنَامِهِ: أَنْ احْفِرْ طِيبَةَ، فَسُمّيَتْ طِيبَةَ، لِأَنّهَا لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبَاتِ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- وَقِيلَ لَهُ:
احْتَفِرْ بَرّةَ، وَهُوَ اسْمٌ صَادِقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا، لِأَنّهَا فَاضَتْ لِلْأَبْرَارِ، وَغَاضَتْ عَنْ الْفُجّارِ، وَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ: سُمّيَتْ زَمْزَمُ: الْمَضْنُونَةَ لِأَنّهَا ضُنّ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مَا يُقَوّي ذَلِكَ مُسْنَدًا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ فَلْيَتَضَلّعْ، فَإِنّهُ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المنافقين، لا يستطيعون أن يتضلّعو «2» منها،
__________
- الله ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنى ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين»
(1) أساطير مرددة لا تعرفها السيرة العطرة للنبى صلّى الله عليه وسلم وصاحبه عمر رضى الله عنه.
(2) تضلّع: امتلأ شبعا وريا، والتضلع أيضا: الامتلاء حتى تمتد أضلاعه على أن مثل هذه الأحاديث لم يروها أصحاب الصحيح. وقد روى هذا الحديث: الدارقطنى وابن ماجة.(2/112)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ كَمَا قَالَ. وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَضْنُونَةِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، رَوَاهَا الزّبَيْرُ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قِيلَ لَهُ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ ضَنِنْت بِهَا عَلَى النّاسِ إلّا عَلَيْك، أَوْ كَمَا قَالَ.
الْعَلَامَاتُ الّتِي رَآهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَتَأْوِيلُهَا:
وَدُلّ عَلَيْهَا بِعَلَامَاتِ ثَلَاثٍ: بِنُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، وَأَنّهَا بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَعِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ، وَيُرْوَى أَنّهُ لَمّا قَامَ لِيَحْفِرَهَا رَأَى مَا رُسِمَ مِنْ قَرْيَةِ النّمْلِ وَنُقْرَةِ الْغُرَابِ، وَلَمْ يَرَ الْفَرْثَ وَالدّمَ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ نَدّتْ بَقَرَةٌ بِجَازِرِهَا، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، حَتّى دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَنَحَرَهَا فِي الْمَوْضِعِ الّذِي رُسِمَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَسَالَ هُنَاكَ الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَحَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَيْثُ رُسِمَ لَهُ.
وَلَمْ تُخَصّ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ الثّلَاثُ «1» بِأَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهَا إلّا لِحِكْمَةِ إلَهِيّةٍ، وَفَائِدَةٍ مُشَاكِلَةٍ فِي عِلْمِ التّعْبِيرِ، وَالتّوَسّمُ الصّادِقُ لِمَعْنَى زَمْزَمَ وَمَائِهَا. أَمَا الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَإِنّ مَاءَهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ «2» ، وَهِيَ لِمَا شُرِبَتْ له «3» ، وقد تقوّت «4»
__________
(1) كل هذا من رواية محمد بن إسحاق فحسب.
(2) يقول ابن الأثير فى النهاية: «أى يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع من الطعام، وقد ورد فى صحيح مسلم فى حديث إسلام أبى ذر أن رسول الله قال فى زمزم: «إنها لطعام طعم وشفاء سقم» ونسب هذا فى بعض الأحاديث إلى وهب بن منبه وكعب الأحبار.
(3) روى الإمام احمد: «ماء زمزم لما شرب منه» ورواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه. ولفظه: «ماء زمزم لما شرب له» ورواه سويد بن سعيد ولكن سويدا ضعيف. ورواه الحاكم مرفوعا عن ابن عباس، وفيه نظر. هذا وقد وردت تسمية زمزم ببرة، والمضنونة فى حديث عن كعب الأحبار، وحسبك به!!
(4) حديث تقوّت أبى ذر بماء زمزم فى البخارى ومسلم.(2/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من مائها أبوذر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَلَاثِينَ بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَسَمِنَ حَتّى تَكَسّرَتْ عُكَنُهُ، [وَمَا وُجِدَ عَلَى كَبِدِهِ سَخْفَةُ «1» جُوعٍ] فَهِيَ إذًا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- في اللّبَنِ: إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ اللّبَنَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَسُدّ مَسَدّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي اللّبَنِ: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشّارِبِينَ) النّحْلَ: 66. فَظَهَرَتْ هَذِهِ السّقْيَا الْمُبَارَكَةُ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَكَانَتْ تِلْكَ مِنْ دَلَائِلِهَا الْمُشَاكِلَةِ لِمَعْنَاهَا.
وَأَمّا قَوْلُهُ: الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، قَالَ الْقُتَبِيّ: الْأَعْصَمُ مِنْ الْغِرْبَانِ الّذِي فِي جَنَاحَيْهِ بَيَاضٌ، وَحَمَلَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: الْأَعْصَمُ الّذِي فِي يَدَيْهِ بَيَاضٌ، وَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْغُرَابِ يَدَانِ؟. وَإِنّمَا أَرَادَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ هَذَا الْوَصْفَ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنّ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْغِرْبَانِ عَزِيزٌ، وَكَأَنّهُ ذَهَبَ إلَى الّذِي أَرَادَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ بَيَاضِ الْجَنَاحَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ:
إنّهُ فِي الْغِرْبَانِ مُحَالٌ لَا يُتَصَوّرُ. وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُغْنِي عَنْ قَوْلَيْهِمَا، وَفِيهِ الشّفَاءُ: أَنّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ الصّالِحَةُ فِي النّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؟ قَالَ: الّذِي إحدى رجليه بيضاء «2» .
__________
(1) جمع عكنة: الطى الذى فى البطن من السمن، ويجمع على أعكان أيضا والسخفة: الهزال.
(2) وعن الأزهرى فى اللسان: أنه الأحمر الرجلين لقلته فى الغربان، لأن أكثر الغربان: السود البقع. هذا والعرب تجعل البياض حمرة، فيقال للمرأة البيضاء: الحمراء(2/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَالْغُرَابُ فِي التّأْوِيلِ: فَاسِقٌ، وَهُوَ أَسْوَدُ، فَدَلّتْ نُقْرَتُهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ عَلَى نُقْرَةِ الْأَسْوَدِ الْحَبَشِيّ بِمِعْوَلِهِ فِي أَسَاسِ الْكَعْبَةِ يَهْدِمُهَا فِي آخِرِ الزّمَانِ، فَكَانَ نَقْرُ الْغُرَابِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُؤْذِنُ بِمَا يَفْعَلُهُ الْفَاسِقُ الْأَسْوَدُ فِي آخِرِ الزّمَانِ بِقِبْلَةِ الرّحْمَنِ، وَسُقْيَا أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يُرْفَعُ الْقُرْآنُ، وَتُحْيَا عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَفِي الصحيح عن رسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيُخَرّبَنّ الْكَعْبَةَ ذُو السّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ «1» » وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا مِنْ صِفَتِهِ: أَنّهُ [أَسْوَدُ] أَفْحَجُ، [يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا] وَهَذَا أَيْضًا يَنْظُرُ إلَى كَوْنِ الْغُرَابِ أَعْصَمَ؛ إذْ الْفَحَجُ: تَبَاعُدٌ فِي الرّجْلَيْنِ، كَمَا أَنّ الْعَصَمَ اخْتِلَافٌ فِيهِمَا، وَالِاخْتِلَافُ: تَبَاعُدٌ وَقَدْ عُرِفَ بِذِي السّوَيْقَتَيْنِ، كَمَا نُعِتَ الْغُرَابُ بِصِفَةِ فِي سَاقَيْهِ، فَتَأَمّلْهُ، وَهَذَا مِنْ خَفِيّ عِلْمِ التّأْوِيلِ، لِأَنّهَا كَانَتْ رُؤْيَا، وَإِنْ شِئْت: كَانَ مِنْ بَابِ الزّجْرِ وَالتّوَسّمِ الصّادِقِ «2» وَالِاعْتِبَارِ وَالتّفْكِيرِ فِي مَعَالِمِ حِكْمَةِ- اللهِ تَعَالَى- فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، وَهُوَ مَنْ هُوَ عِلْمًا وَوَرَعًا حِينَ حُدّثَ بِحَدِيثِ الْبِئْرِ فِي الْبُسْتَانِ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَعَدَ عَلَى قفّها «3» ، ودلىّ رجليه فيها، ثم جاء أبوبكر رضي الله عنه- ففعل مثل ذلك، ثم جَاءَ عُمَرُ- رَضِيَ الله عَنْهُ- فَفَعَلَ مِثْلَ
__________
(1) الحديث متفق عليه، وفى أبى داود بسند ضعيف: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» ، والسويقتان مثنى سويقة: تصغير لساق، وهى مؤنثة. وقد صغر الساق، لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة، وقد أبعد السهيلى وأغرب فى تأويلاته.
(2) الزجر: أصله هو التيمن والتشؤم بالطير، والتفؤل بطيرانها كالسانح والبارح، وهو نوع من الكهانة والعيافة. والتوسّم، أو الفطنة، أو الزكانة: الاعتبار
(3) قف البئر: هو الدكة التى تجعل حولها.(2/115)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَلِكَ، ثُمّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَانْتَبَذَ مِنْهُمْ نَاحِيَةً؛ وَقَعَدَ حَجْرَةً «1» . قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: فَأَوّلْت ذَلِكَ قُبُورَهُمْ، اجْتَمَعَتْ قُبُورُ الثّلَاثَةِ، وَانْفَرَدَ قَبْرُ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَاَللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الْحِجْرَ: 75. فَهَذَا مِنْ التّوَسّمِ وَالْفِرَاسَةِ الصّادِقَةِ، وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي دَلَائِلِ الْحِكْمَةِ، وَاسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ اللّطِيفَةِ مِنْ إشَارَاتِ الشّرِيعَةِ. وَأَمّا قَرْيَةُ النّمْلِ، فَفِيهَا مِنْ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا، وَالْمُنَاسَبَةِ: أَنّ زَمْزَمَ هِيَ عَيْنُ مَكّةَ الّتِي يَرِدُهَا الْحَجِيجُ وَالْعُمّارُ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، فَيَحْمِلُونَ إلَيْهَا الْبُرّ وَالشّعِيرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ وَهِيَ لَا تَحْرُثُ وَلَا تَزْرَعُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) . إلَى قَوْلِهِ: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] إبْرَاهِيمَ: 37) وَقَرْيَةُ النّمْلِ لَا تَحْرُثُ وَلَا تَبْذُرُ، وَتَجْلِبُ الْحُبُوبَ إلَى قَرْيَتِهَا مِنْ كُلّ جَانِبٍ، وَفِي مَكّةَ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) النّحْلَ: 112. مَعَ أَنّ لَفْظَ قَرْيَةِ النّمْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ: إذَا جَمَعْته، وَالرّؤْيَا تُعَبّرُ عَلَى اللّفْظِ تَارَةً، وَعَلَى الْمَعْنَى أُخْرَى، فَقَدْ اجْتَمَعَ اللّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي هَذَا التّأْوِيلِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ.
مِنْ صِفَاتِ زَمْزَمَ:
وَقَدْ قِيلَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ: لَا تَنْزِفُ أَبَدًا، وَلَا تذمّ «2» ،
__________
(1) قعد حجرة: أى ناحية.
(2) نزفت- بفتح النون والزاى- ماء البئر نزفا: إذا نزحته كله، ونزفت هى-(2/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا بُرْهَانٌ عَظِيمٌ، لِأَنّهَا لَمْ تَنْزِفْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ إلَى الْيَوْمِ قَطّ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا حَبَشِيّ فَنُزِحَتْ مِنْ أَجْلِهِ، فَوَجَدُوا مَاءَهَا يَثُورُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْيُنٍ، أَقْوَاهَا وَأَكْثَرُهَا مَاءً: مِنْ نَاحِيَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدّارَقُطْنِيّ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا تُذَمّ، فِيهِ نَظَرٌ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَبْدُو مِنْ ظَاهِرِ اللّفْظِ مِنْ أَنّهَا لَا يَذُمّهَا أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الذّمّ لَكَانَ مَاؤُهَا أَعْذَبَ الْمِيَاهِ، وَلَتَضَلّعَ مِنْهُ كُلّ مَنْ يَشْرَبُهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ لَا يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، فَمَاؤُهَا إذًا مَذْمُومٌ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ كَانَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ أَمِيرَ الْعِرَاقِ يَذُمّهَا، وَيُسَمّيهَا: أُمّ جِعْلَانَ «1» ، وَاحْتَفَرَ بِئْرًا خَارِجَ مَكّةَ بِاسْمِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَجَعَلَ يُفَضّلُهَا عَلَى زَمْزَمَ، وَيَحْمِلُ النّاسَ عَلَى التّبَرّكِ بِهَا دُونَ زَمْزَمَ جُرْأَةً مِنْهُ عَلَى اللهِ- عَزّ وَجَلّ- وَقِلّةَ حِيَاءٍ مِنْهُ، وَهُوَ الّذِي يُعْلِنُ وَيُفْصِحُ بِلَعْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنّمَا ذَكَرْنَا هَذَا، أَنّهَا قَدْ ذُمّتْ، فَقَوْلُهُ إذًا: لَا تُذَمّ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: بِئْرٌ ذَمّةٌ أَيْ: قَلِيلَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ مِنْ أَذْمَمْتَ الْبِئْرَ إذَا وَجَدْتهَا ذَمّةً: كَمَا تَقُولُ: أَجْبَنْت الرّجُلَ: إذَا وَجَدْته جَبَانًا، وأكذبته إذا
__________
- يتعدى ولا يتعدى، ونزفت على ما لم يسم فاعله، وعن ابن سيدة: نزف البئر ينزفها وأنزفها بمعنى واحد، كلاهما نزحها: وأنزفت هى نزحت، وذهب ماؤها.
(1) جعل الماء بفتح فكسر جعلا، أى: كثر فيه الجعلان: جمع جعل وهو دابة سوداء من دواب الأرض قيل: هو أبو جعران. ولعلها فرية، فما كان المسلمون فى مثل هذا الهوان، الذى يرغمهم على الرضا بهذا الذى نسب إلى خالد.(2/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَدْته كَاذِبًا «1» ، وَفِي التّنْزِيلِ: «فَإِنّهُمْ لَا يُكَذّبُونَكَ» «2» [وَلَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ] الْأَنْعَامَ. 33 وَقَدْ فَسّرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَوْلَهُ حَتّى مَرَرْنَا بِبِئْرِ ذَمّةٍ: وَأَنْشَدَ.
مُخَيّسَةً خُزْرًا كَأَنّ عُيُونَهَا ... ذِمَامُ الرّكَايَا أَنْكَزَتْهَا الْمَوَاتِحُ «3»
فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ. وَلَا تذمّ؛ لأنه نفى مطلق، وخبر صادق
__________
(1) يقول ابن جرير الطبرى: «أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته- بتضعيف الذال- إذا أخبرت أنه كاذب» .
(2) الذى فى المصحف هو ما أثبتناه، ولكن السهيلى يعنى القراءة الثانية، وهى مشهورة أيضا، وهى: «لا يكذبونك» بضم الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال، وهى قراءة نافع والكسائى من: أكذب، أما قراءة المصحف: فمن كذبه بتضعيف الذال.
(3) البيت لذى الرّمّة- بضم الراء أو كسرها وتشديد الميم المفتوحه- يصف إبلا غارت عيونها من الكلال. وروايته فى اللسان: «على حميريات» بدلا من «مخيّسة خزرا» والإبل المخيسة هى التى لم تسرح، ولكنها حبست للنحر أو القسم، والخزر: هو كسر العين بصرها خلقة أو ضيقها وصغرها، أو النظر كأنه فى أحد الشقين، أو أن يفتح عينيه ويغمضهما، وحول فى إحدى العينين. وركايا جمع ركية- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء المفتوحة- البئر- كما فى القاموس، ومواتح: المتح- بفتح الميم وسكون التاء- جذبك رشاء «حبل» الدلو تمد بيد، وتأخذ بيد على رأس البئر. ومواتح: جمع ماتح وهو المستقى. والمائح الذى يملأ الدلو من أسفل البئر. أنكزتها: أقلت ماءها، والذمة: البئر القليلة الماء. يقول عن الإبل. إن أعينها غارت من التعب، فكأنها آبار قليلة الماء. وفى الروض: أنكرتها، ورواها اللسان فى مادة ذمم «أنكزتها» وفسرها بما نقلته عنه، ولكنه فى مادة فتح ذكرها: أنكرتها.(2/118)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَحَدِيثُ الْبِئْرِ الذّمّةِ الّتِي ذَكَرَهَا أبو عبيد، حدثنا به أبوبكر بْنُ الْعَرَبِيّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْمُطَهّرِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الرّجَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خلّاد قال: حدثنا الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ، قَالَ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيّ ذَمّةٍ «1» يَعْنِي: قَلِيلَةَ الْمَاءِ قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتّةٌ- أَنَا سَادِسُهُمْ- مَاحَةٌ «2» ، فَأُدْلِيَتْ إلَيْنَا دَلْوٌ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرّكِيّ، فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قَرِيبَ ثُلُثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَجِئْت بِإِنَائِي. هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي، فَمَا وَجَدْت، فَرُفِعَتْ الدّلْوُ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ- قَالَ: فَأُعِيدَتْ إلَيْنَا الدّلْوُ بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْت أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبِ خَشْيَةَ الْغَرَقِ. قَالَ: ثُمّ ساحت، يعنى: جرت نهرا «3» .
__________
(1) ركىّ- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء- جنس للركية وهى البئر.
(2) الميح- بفتح الميم وسكون الياء- أن تدخل البئر فتملأ الدلو، وذلك إذا قل ماؤها، ورجل مائح، وقوم ماحة بفتح الحاء.
(3) أصل الحديث فى الصحيح باختصار كثير فى إحدى الغزوات. وهذا الذى فى الروض رواه أحمد والطبرانى. ويقول الحافظ فى الفتح: قال القرطبى: قصة نبع الماء من بين أصابعه «ص» أثر عنه فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى. قلت: أخذ كلام عياض أو تصرف فيه. قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا، وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين-(2/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اشتقاق مغازة:
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي مَسِيرِهِ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى الْكَاهِنَةِ، وَذَكَرَ الْمَفَاوِزَ الّتِي عَطِشُوا فِيهَا. الْمَفَاوِزُ: جَمْعُ مَفَازَةٍ، وَفِي اشْتِقَاقِ اسْمِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. رُوِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ أَنّهَا سُمّيَتْ مَفَازَةً عَلَى جِهَةِ التّفَاؤُلِ لِرَاكِبِهَا بِالْفَوْزِ وَالنّجَاةِ، وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْمَكَارِمِ: لِمَ سُمّيَتْ الْفَلَاةُ مَفَازَةً؟
فَقَالَ: لِأَنّ رَاكِبَهَا إذَا قَطَعَهَا وَجَاوَزَهَا فَازَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: مَهْلَكَةٌ لِأَنّهُ يُقَالُ: فَازَ الرّجُلُ، وَفَوّزَ وَفَادَ وَفَطَسَ: إذَا هَلَكَ. وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوِيّ غَيْرِ الْكَدَرِ يُقَالُ: مَاءٌ رِوَى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، وَرَوَاءٌ بالفتح والمد «1» وفيه:
__________
- وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق، وعن ابن مسعود عند البخارى والترمذى، وعن ابن عباس عند أحمد والطبرانى من طريقين.... وأما تكثير الماء بأن يلمه بيده، أو يتفل فيه، أو يأمر بوضع شىء فيه كسهم من كنانته. فجاء فى حديث عمران بن حصين فى الصحيحين، وعن البراء بن عازب عند البخارى وأحمد من طريقين، وعن أبى قتادة عند مسلم، وعن أنس عند البيهقى فى الدلائل.. وأما من رواها من أهل القرن الثانى فهم أكثر عددا، وإن كان شطر طرقه إفرادا» انتهى ما فى الفتح ص 456 ج 6 وانظر مجمع الزوائد للهيتمى. وأقول: كل ما يحدث هو بأمر الله سبحانه، ولا يستطيع مسلم أن ينكر أن الله سبحانه فجر الماء لموسى من الحجر، وقال لعيسى عن المائدة: «إنى منزلها عليكم» والله الذى من بذلك قادر على أن يمن بهذا. وموقفنا الإذعان، والإيمان بأنه من قدرة الله وإذنه، لا من قدرة نبى أو ولى، ولا بإذنه ولا بأمره.
(1) روى كغنى، وروى مثل: إلى، ورواء مثل سماء: كثير مرو.(2/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ:
يُسْقَى حَجِيجُ اللهِ فِي كُلّ مَبَرْ. الْحَجِيجُ: جَمْعُ حَاجّ. وَفِي الْجُمُوعِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْبَقِيرِ وَالْمَعِيزِ وَالْأَبِيلِ!! وَأَحْسَبُهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ؛ لِأَنّهُ لَوْ كَانَ جمعاله وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ، لَجَرَى عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْجُمُوعِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ وَاحِدُهُ فَحَجِيجٌ وَاحِدُهُ: حَاجّ، وَعَبِيدٌ وَاحِدُهُ: عَبْدٌ، وَبَقِيرٌ «1» وَاحِدُهُ: بَقَرَةٌ [وَمَعِيزٌ: وَاحِدُهُ: مَاعِزٌ] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ: إنّهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ غَيْرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكَثْرَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُصَغّرُ عَلَى لَفْظِهِ، كَمَا تُصَغّرُ أَسْمَاءُ الْجُمُوعِ، فَلَا يُقَالُ فِي العبيد: عبيّد، ولا فى النخيل:
__________
(1) فى اللسان: البقير اسم للجمع، أما الأبيل بفتح الهمزة وكسر الباء- فالحزمة من الحشيش والحطب، والإبيل بكسر الهمزة وتضعيف الباء مع كسرها: القطعة من الطير والخيل. وقيل هى مفرد أبابيل، وربما كانت إبلا، وهى تقع على الجمع، وليست بجمع والاسم جمع «قاموس» ويقول الجوهرى إن أسماء الجموع التى لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الادميين، فالتأنيث لازم لها، فإذا صغرتها دخلتها التاء، فقلت عن إبل: أبيلة، وعن غنم: غنيمة، وقد فرق شارح الكافية لابن الحاجب بين الجمع واسم الجمع بفروق تتلخص فى ثلاثة أوجه، الأول: أن الجمع على صيغة خاصة من صيغ معدودة معروفة، وهذه الصيغة تغاير صيغة المفرد، إما ظاهرا، وإما تقديرا. فالمغايرة الظاهرة إما بالحركات كأسد، وأسد ونمر ونمر، وإما بالحروف كرجال: جمع رجل وكتب جمع كتاب، والمغايرة المقدرة كهجان وفلك، ومن المغايرة الظاهرة: الجمع السالم مذكرا أو مؤنثا. والثانى: أن للجمع واحدا من لفظه، وليس لاسم الجمع واحد من لفظه، بل له واحد من معناه، فواحد الإبل: بعير أو ناقة، وواحد الغنم: شاة. والثالث: أن الجمع يرد إلى واحده فى النسب مطلقا، وفى التصغير إن كان جمع كثرة. وأما اسم الجمع، فلا يرد، لأنه إما ألا يكون له واحد حتى يرد إليه، وإما أن يكون له واحد، لكن لا يصح الرد إليه لأن اسم الجمع لم يكن على صيغة من صيغ الجمع فهو كالمفرد فى اللفظ. انظر ص 193 ج 2 شرح الشافية للرضى والتلخيص المذكور للأساتذة المحققين للشافية.(2/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نُخَيّلٌ، بَلْ يُرَدّ إلَى وَاحِدِهِ، كَمَا تُرَدّ الْجُمُوعُ فِي التّصْغِيرِ، فَيُقَالُ: نُخَيْلَاتٌ وَعُبَيْدُونَ، وَإِذَا قُلْت: نَخِيلٌ أَوْ عَبِيدٌ، فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الصّغِيرَ وَالْكَبِيرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (وزرع ونخيل) وَقَالَ: (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فُصّلَتْ: 46 وَحِينَ ذَكَرَ الْمُخَاطَبِينَ مِنْهُمْ قَالَ: الْعِبَادُ، وَكَذَلِكَ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الثّمَرَ مِنْ النّخِيلِ:
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ق: 10 وَقَالَ: (أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) الْقَمَرَ: 20 فَتَأَمّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَاخْتِيَارِ الْكَلَامِ، وَأَمّا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ اللّغَةِ، فَلَمْ يُفَرّقُوا هَذَا التّفْرِيقَ، وَلَا نَبّهُوا عَلَى هَذَا الْغَرَضِ الدّقِيقِ.
شُرُوحٌ:
وَقَوْلُهُ: فِي كُلّ مَبَرّ: هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ الْبِرّ، يُرِيدُ: فِي مَنَاسِكِ الْحَجّ وَمَوَاضِعِ الطّاعَةِ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ نَعَامٍ جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ. الْجَافِلُ: مِنْ جَفَلَتْ الْغَنَمُ: إذَا انْقَلَعَتْ بِجُمْلَتِهَا، وَلَمْ يُقْسَمْ أَيْ: لَمْ يَتَوَزّعْ، وَلَمْ يَتَفَرّقْ.
وَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ. أَيْ: مَا عَمَرَ هَذَا الْمَاءُ، فَإِنّهُ لَا يُؤْذِي، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ مَا يخاف من المياء إذَا أُفْرِطَ فِي شُرْبِهَا، بَلْ هُوَ بَرَكَةٌ عَلَى كُلّ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَا تَنْزِفُ، وَلَا تُذَمّ عَاقِبَةُ شربها، وهذا تأويل سائغ أيضا إلى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّأْوِيلِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي صِفَتِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَضَرَبَ [فِي الْبَابِ] الْغَزَالَيْنِ «1» حِلْيَةَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَوّلُ ذَهَبٍ حُلّيَتْ بِهِ الْكَعْبَةُ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَ الْغَزَالَيْنِ، وَمَنْ أَهْدَاهُمَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَمَنْ دَفَنَهُمَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَتَقَدّمَ أَنّ أَوّلَ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ: تُبّعٌ، وَأَنّهُ أَوّلُ من اتخذلها غلقا إلى أن
__________
(1) ما بين قوسين زيادة من السيرة(2/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضَرَبَ لَهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ بَابَ حَدِيدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْيَافِ، وَاِتّخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَوْضًا لِزَمْزَمَ يُسْقَى مِنْهُ، فَكَانَ يُخَرّبُ لَهُ بِاللّيْلِ حَسَدًا لَهُ، فَلَمّا غَمّهُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ فِي النّوْمِ: قُلْ: لَا أُحِلّهَا لِمُغْتَسِلِ، وَهِيَ لِشَارِبِ حلّ وبلّ «1» وقد كفيتهم، فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْدُ مَنْ أَرَادَهَا بِمَكْرُوهِ رُمِيَ بِدَاءِ فِي جَسَدِهِ، حَتّى انْتَهَوْا عَنْهُ. ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي سِيَرِهِ.
بِئَارُ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ:
وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ اتّخَذَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ. ذَكَرُوا أَنّ قُصَيّا كَانَ يَسْقِي الْحَجِيجَ فِي حِيَاضٍ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ آبَارٍ خَارِجَةٍ مِنْ مَكّةَ مِنْهَا: بِئْرُ مَيْمُونَ الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ يَنْبِذُ لَهُمْ الزّبِيبَ، ثُمّ احْتَفَرَ قُصَيّ العجول فى دار أمّ هانىء بنت أبى طالب، وهى أول سقاية
__________
(1) بل: شفاء، وقيل: بل: مباح بلغة حمير، وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق شعرا قاله عبد المطلب حينئذ وهو:
اللهم أنت الملك المحمود ... ربى أنت المبدى المعيد
وممسك الراسية الجلمود ... من عندك الطارف والتليد
إن شئت ألهمت كما تريد ... لموضع الحلية والحديد
فبين اليوم لما تريد ... إنى نذرت العاهد المعهود
اجعله رب لى فلا أعود
انظر ص 246 ج 2 البداية. هذا وفى السيرة عند قوله: «ثم أعطوا صاحب القداح» زدت كلمة «القداح» بعد جملة «أعطوا» من البداية ص 246 ج 2، وقد جعل عبد المطلب لزمزم حوضين. أحدهما: للشرب، والاخر: للوضوء، وقال: لا أحلها لمغتسل؛ لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه ج 2 ص 247 بداية.(2/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اُحْتُفِرَتْ «1» بِمَكّةَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا اسْتَقَوْا مِنْهَا ارْتَجَزُوا، فَقَالُوا:
نُرْوَى عَلَى الْعَجُولِ، ثُمّ نَنْطَلِقْ ... إنّ قُصَيّا قَدْ وَفّى وَقَدْ صَدَقْ
[بِشِبَعِ الْحَجّ وَرِيّ مُغْتَبِقْ] «2»
فَلَمْ تَزَلْ الْعَجُولُ قَائِمَةً حَيَاةَ قُصَيّ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، حَتّى كَبِرَ عَبْدُ مناف ابن قُصَيّ، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُعَيْلٍ، فَعَطّلُوا الْعَجُولَ، وَانْدَفَنَتْ، وَاحْتَفَرَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ بِئْرًا، وَاحْتَفَرَ قُصَيّ سَجْلَةَ، وَقَالَ حِينَ حَفَرَهَا:
أَنَا قُصَيّ، وَحَفَرْت سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً فَزُغْلَهْ «3»
وَقِيلَ: بَلْ حَفَرَهَا هَاشِمٌ، وَوَهَبَهَا أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ لِعَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ خَالِدَةُ بِنْتُ هَاشِمٍ:
نَحْنُ وَهَبْنَا لِعَدِيّ سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً فَزُغْلَهْ
وَأَمّا أُمّ أَحْرَادٍ الّتِي ذَكَرَهَا، فَأَحْرَادٌ: جَمْعُ: حِرْدٍ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ السّنَامِ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ بِهَذَا، لِأَنّهَا تُنْبِتُ الشّحْمَ، أَوْ تُسَمّنُ الْإِبِلَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا وَالْحِرْدُ: الْقَطَا «4» الْوَارِدَةُ لِلْمَاءِ، فَكَأَنّهَا تَرِدُهَا الْقَطَا والطير، فيكون
__________
(1) وفى المراصد: أن العجول أول بئر حفرت بمكة، وقيل: حفرها عبد شمس قبل خم، وقيل إن أصلها كانت ركية فى دار أم هانىء، ثم وسعها قصى، أو سماها كذلك
(2) الزيادة من معجم البكرى. ومغتبق: أصل الغبوق- كصبور- ما يشرب بالعشى. وغبقه: سقاه ذلك، فاغتبق هو، والمغتبق- بضم الميم وكسر الباء- من يفعل ذلك
(3) الزغلة: الجرعة.
(4) قطا حرد: سراع. وقال الأزهرى عن هذا: إنه خطأ. وذكر أن القطا-(2/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحْرَادٌ جَمْعَ: حُرْدٍ بِالضّمّ عَلَى هَذَا. وَقَالَتْ أُمَيّةُ بِنْتُ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ امْرَأَةُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ حِينَ حَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ أُمّ أَحْرَادٍ:
نَحْنُ حَفَرْنَا الْبَحْرَ أُمّ أَحْرَادِ ... لَيْسَتْ كَبَذّرَ الْبُرُورِ «1» الْجَمَادِ
فَأَجَابَتْهَا ضَرّتُهَا: صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُمّ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
نَحْنُ حَفَرْنَا بَذّرْ «2» ... نَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَكْبَرْ
مِنْ مُقْبِلٍ وَمُدْبِرْ ... وَأُمّ أَحْرَادَ شَرْ «3»
وَأَمّا جُرَابٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: جَرِيبٍ «4» نَحْوُ: كُبَارٍ وَكَبِيرٍ،
__________
- الحرد هى القصار الأرجل، وهى موصوفة بذلك. وفى المراصد عن أم أحراد أنها جمع حريد، وهو المنفرد عن محلة القوم.
(1) هكذا، وهى غير مناسبة للمعنى، فلعلها: البثور بضم الباء والثاء: جمع بثر بفتح الباء وسكون الثاء، وفى اللسان: أنها الكرار- بكسر الكاف- جمع كر المواضع الذى يجمع فيه الماء الاجن، ليصفو، ويقال للبخيل: جماد كقطام ذماله.
(2) فى غير الروض: بثر بفتح فسكون، والبثر أرض حجارتها كحجارة الحرة إلا أنها بيض، والماء البثر فى الغدير إذا ذهب، وبقى على وجه الأرض منه شىء قليل
(3) البيت: «سقى الله أمواها» لكثير عزة كما فى اللسان، وكلها آبار بمكة، وقال ابن برى: هذه كلها أسماء مياه؛ بدليل إبدالها من قوله أمواها، ودعا بالسقيا للأمواه، وهو يريد أهلها النازلين بها.
(4) الجريب من الطعام والأرض: مقدار معلوم، والجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، والجريب: قدر ما يزرع فيه من الأرض، قال ابن دريد: لا أحسبه عربيا، والجمع: أجربة وجربان. وقيل: الجريب المزرعة، والجريبة: الوادى وجمعه أجربة. ولم أجد فى اللسان جرابا لجريب. ولا فى القاموس.(2/125)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْجَرِيبُ: الْوَادِي، وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: مِكْيَالٌ كَبِيرٌ، وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: الْمَزْرَعَةُ.
وَأَمّا مَلْكُومٌ فَهُوَ عِنْدِي مَقْلُوبٌ، وَالْأَصْلُ: مَمْكُولٌ مِنْ: مَكَلْت الْبِئْرَ: إذَا اسْتَخْرَجْت مَاءَهَا، وَالْمَكْلَةُ: مَاءُ «1» الرّكِيّةِ، وَقَدْ قَالُوا: بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، وَمَعِيقَةٌ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللّفْظُ كَذَلِكَ يُقَالُ فِيهِ:
مَمْكُولٌ وَمَلْكُومٌ، وَالْمَلْكُومُ فِي اللّغَةِ: الْمَظْلُومُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْلُوبًا «2» .
وَأَمّا بَذّرُ فَمِنْ التّبْذِيرِ، وَهُوَ التّفْرِيقُ، وَلَعَلّ مَاءَهَا كَانَ يَخْرُجُ مُتَفَرّقًا مِنْ غَيْرِ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْبِنَاءُ فِي الْأَسْمَاءِ قَلِيلٌ، نَحْو: شَلّمَ وَخَضّمَ وَبَذّرَ، وَهِيَ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ، وَشَلّمُ: اسْمُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمّا فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ، فَلَا يُعْرَفُ إلّا الْبَقّمُ، وَلَعَلّ «3» أَصْلَهُ أَنْ يكون أعجميا، فعرب.
__________
(1) وضع اللسان ملكوم فى مادة لكم، وفى المراصد: أنها اسم المفعول من لكمه، وفيه أن المكلة بضم الميم وفتحها وسكون الكاف: جمة البئر. الجمة المكان الذى يجتمع فيه ماء البئر. أو أول ما يستقى منها، وفى اللسان: المكلة بضم الميم الشىء القليل من الماء يبقى فى البئر أو الإناء، فهو من الأضداد وبئر ممكولة: نزح ماؤها.
(2) لم أجد لملكوم هذا المعنى لا فى القاموس، ولا فى اللسان، ولها معنى الدفع والضرب باليد مجموعة.
(3) خضم: اسم عنبر بن تميم، وقال اللسان عن شلم: إنها عبرانية، وزاد من الأعلام: عثر بفتح العين، وتضعيف الثاء مع فتح- اسم باليمن، أو واد من أودية العقيق، أو مأسدة. وفى المراصد أن أهل اليمن ينطقون عثر بتخفيف الثاء «بإسكانها» انظر المراصد، ومعجم ما استعجم وياقوت. وفى اللسان أيضا؛ كثم بوزن عثر: اسم موضع. أما بقم فاسم شجر عظام أو خشبة. وبضم الميم مثل-(2/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا خُمّ وَهِيَ بِئْرُ مُرّةَ، فَهِيَ مِنْ خَمَمْت الْبَيْتَ إذَا كَنَسْته، وَيُقَالُ:
فُلَانٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ أَيْ: نَقِيّهُ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِنِقَائِهَا.
وأما غدير خمّ الّذِي عِنْدَ الْجُحْفَةِ، فَسُمّيَتْ بِغَيْضَةِ «1» عِنْدَهُ، يُقَالُ لَهَا: خُمّ فِيمَا ذَكَرُوا. وَأَمّا رُمّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، فَمِنْ رَمَمْت الشّيْءَ إذَا جَمَعْته وَأَصْلَحْته، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كُنّا أَهْلَ ثُمّةٍ وَرُمّةٍ «2» ، وَمِنْهُ: الرّمّانُ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنّهُ عِنْدَهُ فُعْلَانُ، وَأَمّا الْأَخْفَشُ فَيَقُولُ فِيهِ: فُعّالٌ، فَيَجْعَلُ فِيهِ النّونَ أَصْلِيّةً، وَيَقُولُ: إنْ سَمّيْت بِهِ رَجُلًا صَرَفْته. وَمِنْ قَوْلِ عَبْدِ شمس بن قصىّ:
__________
- سكر شجر جوز، وزاد ابن مالك، شمر، اسم فرس، فصارت ستة أسماء، وقد نظم ابن مالك أكثرها فيما يأتى:
وبذر وبقم وشمر ... وخضم وعثر لفعل
ص 63 ج 2 المزهر للسيوطى.
(1) الأجمة، وهى مغيض ماء يجتمع، فينبت فيه الشجر.
(2) هو فى حديث أم عبد المطلب حين أخذه عمه منها: كنا ذوى ثمة ورمة. يقال، ما له ثم ولا رم، فالثم: قماش البيت: والرم: مرمة البيت أى: متاعه كأنها أرادت: كنا القائمين بأمره منذ ولد إلى أن شب وقوى. وقيل: هو من قول أخوال أحيحة بن الجلاح. قال أبو عبيد: المحدثون يروونه بالضم، والوجه عندى الفتح، وهو إصلاح الشىء وإحكامه، وهو- أى الثم والرم- بمعنى الإصلاح. وقيل: هما بالضم مصدران. والمعنى على قول أبى عبيدة: كنا أهل تربيته والمتولين لإصلاح شأنه، وقد رواه الهروى فى حرف الراء من قول أم عبد المطلب، ورواه فى حرف التاء من قول أخوال أحيحة، ورواه مالك فى الموطأ عن أحيحة.(2/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَفَرْت رُمّا، وَحَفَرْت خُمّا ... حَتّى تَرَى الْمَجْدَ بِهَا قَدْ تَمّا
وَأَمّا شُفَيّةُ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ فِيهَا الْحُوَيْرِثُ بْنُ أَسَدٍ:
مَاءُ شُفَيّةَ «1» كَمَاءِ الْمُزْنِ ... وَلَيْسَ مَاؤُهَا بِطَرْقِ أَجْنِ «2»
وأما سنبلة: بئر بنى جمج، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ- فَقَالَ فِيهَا شَاعِرُهُمْ:
نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سُنْبُلَهْ ... صَوْبَ سَحَابٍ ذُو الْجَلَالِ أَنْزَلَهْ
ثُمّ تَرَكْنَاهَا بِرَأْسِ الْقُنْبُلَهْ ... تَصُبّ مَاءً مِثْلَ مَاءِ الْمَعْبَلَهْ
نَحْنُ سقينا الناس قبل المسئله
مِنْ شَرْحِ شِعْرِ مُسَافِرٍ وَأَمّا الْغَمْرُ: بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ، فَقَالَ فِيهَا بَعْضُهُمْ:
نَحْنُ حَفَرْنَا الْغَمْرَ لِلْحَجِيجِ ... تَثُجّ مَاءً أَيّمَا ثَجِيجِ
ذَكَرَ أَكْثَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَرْجَازِ أَوْ أَكْثَرُهُ فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ. وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو:
ذَكْوَانُ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ أبو سفيان:
__________
(1) هى سقية أو شفية، وفى النسخة المطبوعة سنة 1332 على هامش الروض: سقية.
(2) الطرق: الماء الذى خوضته الإبل، وبولت فيه، والأجن: الماء المتغير الطعم واللون.(2/128)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْ ... رٍو، وَلَيْتٌ يَقُولُهَا الْمَحْزُونُ
بُورِكَ الْمَيّتُ الْغَرِيبُ كَمَا بُو ... رِكَ نَضْحُ الرّمّانِ وَالزّيْتُونُ «1»
فِي شِعْرٍ يَرْثِيهِ بِهِ، وَكَانَ مَاتَ مِنْ حُبّ صَعْبَةَ بِنْتِ الْحَضْرَمِيّ.
وَفِي الشّعْرِ: وَنَنْحَرُ الدّلّافَةَ الرّفُدَا «2»
الرّفُدُ: جَمْعُ رَفُودٍ مِنْ الرّفْدِ، وَهِيَ الّتِي تَمْلَأُ إنَاءَيْنِ عِنْدَ الْحَلْبِ.
وَقَوْلُهُ:
وَنُلْفَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا شُدّدًا رُفُدَا
هُوَ جَمْعُ رَفُودٍ أَيْضًا مِنْ الرّفْدِ وَهُوَ: الْعَوْنُ؛ وَالْأَوّلُ مِنْ الرّفْدِ بِفَتْحِ الرّاءِ [وَبِكَسْرِهَا] وَهُوَ إنَاءٌ كَبِيرٌ قَالَ الشّاعِرُ:
رُبّ رَفْدٍ هَرَقْته ذَلِكَ الْيَوْ ... م وأسرى من معشر أقتال «3»
__________
(1) ينسب هذا فى اللسان إلى أبى طالب بن عبد المطلب فى مادة نضح. والنضح تفطر الشجر بالورق.
(2) فسر الخشنى فى شرحه للسيرة الدلافة بقوله: بالإبل التى تمشى متمهلة لكثرة سمنها. وفى اللسان، المذلاقة بدلا من: الدلافة. وفسر المذلاقة بأنها الناقة السريعة. أما الدلاقة ففى اللسان، الدلوق والدلقاء: التى تنكسر أسنانها من الكبر فتمج الماء والرفود من الإبل التى تملأ الرفد- بكسر الراء وفتحها- القدح الضخم فى حلبة واحدة، أو هى الدائمة على محلبها، أو التى تتابع الحلب.
(3) جمع قتل بكسر القاف، وهو العدو أو الصديق والنظير وابن العم والشجاع والقرن. والرفد بفتح الراء وكسرها والمرفد- بكسر الميم وفتح-(2/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أُمّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وهى: فاطمة بنت عمرو بن عائذ ابن عِمْرَانَ «1» هَكَذَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَقَالَ ابْنُ إسحاق: عائذ بن عبد بن عمران ابن مَخْزُومٍ، وَالصّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ؛ لِأَنّ الزّبَيْرِيّينَ ذَكَرُوا أَنّ عَبْدًا هُوَ أَخُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ، وَأَنّ بِنْتَ عَبْدٍ هِيَ: صَخْرَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ لَهُ عَمّةً، لَا بِنْتَ عَمّ، فَتَأَمّلْهُ، فَقَدْ تَكَرّرَ هَذَا النّسَبُ فِي السّيرَةِ مِرَارًا، وَفِي كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ إسحاق: عائذ بن عبد ابن عِمْرَانَ، وَيُخَالِفُهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَصَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدٍ أُمّ فَاطِمَةَ، أُمّهَا:
تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَأُمّ تَخْمُرَ: سُلْمَى بِنْتُ عُمَيْرَةَ «2» بْنِ وديعة ابن الحارث بن فهر. قاله الزّبير:
__________
- الفاء، أو بفتح الميم وكسر الفاء- القدح العظيم، وفى اللسان: هراقت السماء ماءها تهريق، والماء مهراق. الهاء فى ذلك كله متحركة، لأنها ليست أصلية، إنما هى بدل من همزة: أراق، وهرقت مثل أرقت. وقد نسبه إلى الأزهرى، ونسب إليه أيضا أنه قال: ومن قال: أهرقت فهو خطأ فى القياس. ومثل هرقت- والأصل أرقت قولهم هرحت الدابة وأرحتها، وهنرت النار وأنرتها. وقال أبو زيد: الهاء منها زائدة، كما قالوا: أنهأت اللحم والأصل أنأته. وقال بعض النحويين إنما هو هراق يهريق؛ لأن الأصل من أراق يريق يؤريق لأن أفعل يفعل كان فى الأصل يؤفعل. والجوهرى يقول: هراق الماء يهر يقه بفتح الهاء هراقة- بكسر الهاء- صبه
(1) هى كذلك فى جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 13 ونسب قريش ص 17 وفى حذف نسب قريش للسدوسى ص 5.
(2) فى نسب قريش: سلمى بنت عامرة بن عميرة الخ ص 17.(2/130)
[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ- فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللهُ أَعْلَمُ- قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ: لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتّى يَمْنَعُوهُ، لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ لِلّهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً، وَعَرَفَ أَنّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ، جَمَعَهُمْ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء لِلّهِ بِذَلِكَ، فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتونى، ففعلوا، ثم أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الّتِي يُجْمَعُ فيها ما يهدى للكعبة.
وكان عند هبل قداح سبعة، كل قدخ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ. قِدْحٌ فِيهِ الْعَقْلُ، إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السّبْعَةِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ. وَقِدْحٌ فِيهِ: نَعَمْ. لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ، بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ نَعَمْ، عَمِلُوا بِهِ. وَقِدْحٌ فِيهِ: لَا، إذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فإن خرج ذلك القداح لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَقِدْحٌ فِيهِ:
مِنْكُمْ، وَقِدْحٌ فِيهِ مُلْصَقٌ: وَقِدْحٌ فِيهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ: وَقِدْحٌ فِيهِ:
الْمِيَاهُ، إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ، وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ.
وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ يُنْكِحُوا مُنْكَحًا، أَوْ يَدْفِنُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/131)
ميتا، أو شكوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ، ذَهَبُوا بِهِ إلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا، ثُمّ قَرّبُوا صَاحِبَهُمْ الّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمّ قَالُوا: يَا إلَهَنَا هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ. ثُمّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ: فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ:
مِنْكُمْ، كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا، وَإِنْ خَرَج عَلَيْهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ، كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ: مُلْصَقٌ، كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، لَا نَسَبَ لَهُ، وَلَا حِلْفَ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ، مِمّا سِوَى هَذَا مِمّا يَعْمَلُونَ بِهِ: نَعَمْ عَمِلُوا به، وإن خرج: لا، أخّروه عامه ذلك، ختى يَأْتُوهُ بِهِ مَرّةً أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إلى ذلك مما خرجت به الْقِدَاحِ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ عَلَى بَنِيّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الّذِي نَذَرَ، فَأَعْطَاهُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الّذِي فِيهِ اسْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، كَانَ هُوَ وَالزّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَحَبّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَيْهِ، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَرَى أَنّ السّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى. وَهُوَ أَبُو رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فخرج القدح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/132)
عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشّفْرَةَ، ثُمّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ؟
قَالَ: أَذْبَحُهُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاَللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا، حَتّى تُعْذِرَ فِيهِ. لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ حَتّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النّاسِ عَلَى هَذَا؟! وَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ بن يقظة- وكان عبد الله ابن أخت القوم: وَاَللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا، حَتّى تُعْذِرَ فِيهِ، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وقالت له قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ. لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ، فَإِنّ بِهِ عَرّافَةً لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِك، إنْ أَمَرَتْكَ بذبحه ذبحته، وإن أَمَرَتْك بِأَمْرٍ لَك وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْته.
فَانْطَلَقُوا حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوهَا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- بخيبر. فركبوا حتى جاؤها، فَسَأَلُوهَا، وَقَصّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ، وَمَا أَرَادَ بِهِ وَنَذْرَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: ارْجِعُوا عَنّي الْيَوْمَ حَتّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ. فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَمّا خَرَجُوا عَنْهَا قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمْ الدّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَانَتْ كذلك. قالت: فارجعو إلَى بِلَادِكُمْ، ثُمّ قَرّبُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَرّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتّى يَرْضَى رَبّكُمْ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ، فَقَدْ رَضِيَ رَبّكُمْ، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ.
فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعو عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ، قَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/133)
عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ قَرّبُوا عَبْدَ اللهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ!! ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتّينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ مِئَةً، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ: قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبّك يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَزَعَمُوا أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ: لَا وَاَللهِ حَتّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى الْإِبِلِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يدعو الله، فخرج القدج عَلَى الْإِبِلِ، ثُمّ عَادُوا الثّانِيَةَ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/134)
الْإِبِلِ، ثُمّ عَادُوا الثّالِثَةَ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ: فَنُحِرَتْ: ثُمّ تُرِكَتْ لَا يُصَدّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ يَصِحّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ.
[ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللهِ، فَمَرّ بِهِ- فِيمَا يزعمون- على امرأة مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصىّ بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرِ: وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَة: فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ:
أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللهِ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي. قَالَتْ: لَك مِثْلُ الْإِبِلِ الّتِي نُحِرَتْ عَنْك: وَقَعْ عَلَيّ الْآنَ. قَالَ: أَنَا مَعَ أَبِي، ولا أستطيع خلافه. ولا فراقه.
فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَتّى أَتَى بِهِ وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا- فَزَوّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قريش نسبا وموضعا.
وَهِيَ لِبَرّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرٍ. وَبَرّةَ: لِأُمّ حَبِيبِ بِنْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/135)
أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمّ حَبِيبٍ: لِبَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عدىّ ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
فَزَعَمُوا أَنّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى المرأة التى عرضت عليه ما عرضت، فقال لها: مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيّ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ: فَارَقَك النّورُ الّذِي كَانَ مَعَك بِالْأَمْسِ، فَلَيْسَ [لِي] بِك الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ- وَكَانَ قَدْ تَنَصّرَ وَاتّبَعَ الْكُتُبَ: أنه كائن فِي هَذِهِ الْأُمّةِ نَبِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ: أَنّهُ حُدّثَ، أَنّ عَبْدَ اللهِ إنّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطّينِ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطّينِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطّينِ، ثُمّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ، فَمَرّ بِهَا، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِمُحَمّدِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ مَرّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ:
فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَك؟ قَالَتْ: لَا، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْك غُرّةٌ بَيْضَاءُ، فَدَعَوْتُك فَأَبَيْتَ عَلَيّ، وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدّثُ: أَنّهُ مَرّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرّةٌ مِثْلُ غُرّةِ الْفَرَسِ، قَالَتْ: فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/136)
بِي، فَأَبَى عَلَيّ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمّهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
[ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]
وَيَزْعُمُونَ- فِيمَا يَتَحَدّثُ النّاسُ وَاَللهُ أعلم- أنّ آمنة ابنة وَهْبٍ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- كانت تحدّث:
أنها أُتِيَتْ، حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقِيلَ لَهَا: إنّك قَدْ حَمَلْتِ بِسَيّدِ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ، فَقُولِي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ، مِنْ شَرّ كُلّ حَاسِدٍ، ثُمّ سَمّيهِ: مُحَمّدًا. وَرَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بصرى، من أرض الشام.
ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَبُو رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ هَلَكَ، وَأُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم حامل به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَذْرُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ نَذْرَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ أَنّ عَبْدَ اللهِ، يَعْنِي: وَالِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَعَلّ الرّوَايَةَ: أَصْغَرَ بَنِي أُمّهِ، وَإِلّا فَحَمْزَةُ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ، وَالْعَبّاسُ: أَصْغَرُ مِنْ حَمْزَةَ، وَرُوِيَ عَنْ الْعَبّاسِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: أَذْكُرُ مَوْلِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا(2/137)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابْنُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَجِيءَ بِي حَتّى نَظَرْت إلَيْهِ، وَجَعَلَ النّسْوَةُ يَقُلْنَ لِي: قَبّلْ أَخَاك، قَبّلْ أَخَاك، فَقَبّلْته، فَكَيْفَ يَصِحّ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللهِ هُوَ الْأَصْغَرَ مَعَ هَذَا؟! وَلَكِنْ رَوَاهُ الْبَكّائِيّ كَمَا تَقَدّمَ، وَلِرِوَايَتِهِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ وَلَدِ أَبِيهِ «1» حِينَ أَرَادَ نَحْرَهُ، ثُمّ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ.
وَسَائِرُ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْكِلُ. وَفِيهِ أَنّ الدّيَةَ كانت
__________
(1) أولاد عبد المطلب هم- كما فى نسب قريش: عبد الله، وأبو طالب- واسمه: عبد مناف- والزبير، وأم حكيم البيضاء الملقبة بالحصان- بفتح الحاء- توأمة عبد الله والد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وعاتكة، ومرة، وأميمة، وأروى أمهم: فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم، وحمزة، والمقوم، وحجل أو حجل- واسمه: المغيرة- وصفية وأمهم: هَالَةُ بِنْتُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زهرة، والعباس وضرار، وأمهما نتيلة بنت جناب ابن كليب، والحارث وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى- وقثم هلك صغيرا وأمهما: صفية بنت جندب بن حجير بن رئاب، وأبو لهب- واسمه عبد العزى- وأمه: لبنى بنت هاجر بن عبد مناف. والغيداق- واسمه: مصعب، وأمه خزاعية وفى جمهرة أنساب العرب: عبد الله، وأبو طالب، وأبو لهب، ويكنى أبا عتبة والزبير والمقوم والحارث وحمزة والعباس، وأربع بنات. فعبد الله، وأبو طالب والزبير وأم حكيم، وعاتكة، ومرة، وأميمة، وأروى. أشقاء من أم واحدة. وحمزة والمقوم وحجل وصفية أشقاء من أم واحدة. والعباس وضرار شقيقان، والحارث، وقثم شقيقان، وأبو لهب من أم، والغيداق من أم.(2/138)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِعَشْرِ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصّةِ: وَأَوّلُ مَنْ وُدِيَ بِالْمِائَةِ إذًا: عَبْدُ اللهِ. وَقَدْ قَدّمْنَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْبَهَانِيّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ أَنّ أَبَا سَيّارَةَ هُوَ أَوّلُ مَنْ جَعَلَ الدّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمّا أَوّلُ مَنْ ودى بالإبل من العرب: فزيد ابن بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ قَتَلَهُ أَخُوهُ مُعَاوِيَةُ جَدّ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ «1» .
وَأَمّا الْكَاهِنَةُ الّتِي تَحَاكَمُوا إلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ فَاسْمُهَا: قُطْبَةُ. ذَكَرَهَا عَبْدُ الْغَنِيّ فِي كِتَابِ الْغَوَامِضِ وَالْمُبْهَمَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَنّ اسْمَهَا: سَجَاحُ.
تَزْوِيجُ عَبْدِ اللهِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَزْوِيجَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ فِي سَبَبِ تَزْوِيجِ عَبْدِ اللهِ آمِنَةَ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ كَانَ يَأْتِي الْيَمَنَ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِيهَا عَلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَنَزَلَ عِنْدَهُ مَرّةً، فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ مِمّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ، فَقَالَ لَهُ: ائْذَنْ لِي أَقِسْ مَنْخِرَك «2» ، فَقَالَ: دُونَك فَانْظُرْ، فَقَالَ: أَرَى نُبُوّةً وَمُلْكًا، وَأَرَاهُمَا فِي الْمَنَافَيْنِ: عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ، وَعَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَلَمّا انْصَرَفَ عبد المطلب انطلق بابنه عبد الله،
__________
(1) اسم زيد فى جمهرة أنساب العرب: يزيد. وفيه أيضا أن يزيد هو الذى قتل معاوية، فجعل فيه عامر بن الظرب العد وانى مائة من الإبل، وهى أول دية قضى فيها بذلك، وتقول العرب إن لقمان كان جعلها قبل ذلك مائة جدى. ص 252 جمهرة ابن حزم.
(2) فى القاموس- بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما، وكمجلس وملمول «بضم الميمين» : الأنف.(2/139)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَتَزَوّجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ هَالَةَ بِنْتَ وُهَيْبٍ «1» ، وَهِيَ أُمّ حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ- عَنْهُ، وَزَوّجَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَوْلَ أُمّهَاتِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَذَكَرَ أُمّهَا وَأُمّ أُمّهَا، وَالثّالِثَةَ وَهِيَ: بَرّةُ بِنْتُ عَوْفٍ «2» ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي أَوّلِ الْمَوْلِدِ ذِكْرَ أُمّ الثّالِثَةِ وَالرّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ «3» وَنَسَبَهُنّ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ.
وَأَمّا أُمّ هَالَةَ فَهِيَ: الْعَبْلَةُ بِنْتُ الْمُطّلِبِ، وَأُمّهَا: خَدِيجَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ «4» ، وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ النّاسِ فِي هَذَا الْخَبَرِ أن عبد المطلب نذر
__________
(1) فى نسب قريش: أهيب ص 17، وفى جمهرة ابن حزم ص 13: وهيب.
(2) فى السيرة: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ. وفى كتاب حذف نسب قريش للسدوسى ص 6: ضبطت عويج بفتح العين. وكسر الواو. وأكثر المراجع ذكرته بضم العين وفتح الواو.
(3) فى نسب قريش عن أم برة: «وأمها أميمة بنت مالك بن غنم بن حنش ابن عادية بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هذيل، وأمها: قلابة بنت الحارث- وهو أبو قلابة الشاعر، وهو أقدم من قال الشعر فى هذيل. واسم أبى قلابة: الحارث بن صعصعة بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هذيل. وأمها: دبّة بنت الحارث بن تميم وأمها: لبنى بنت الحارث بن النّمر بن جرءة بن أسيّد بن عمرو بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ بْنِ أُدّ بْنِ طابخة بن الياس ص 21 وأم حبيب بنت أسد المذكورة فى السيرة سماها السدوسى: حبيبة ص 6.
(4) فى نسب قريش ص 92 ذكر أن أمها هى خديجة بنت سعيد بن بحر بن سهم بن عمرو بن هصيص ولكنه ذكر فى ص 17 أن أمها هى خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص: وليس لسهم بن عمرو ولد اسمه-(2/140)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَحْرَ أَحَدِ بَنِيهِ إذَا بَلَغُوا عَشَرَةً، ثُمّ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ تَزْوِيجَهُ هَالَةَ أُمّ ابْنَه حَمْزَةَ كَانَ بَعْدَ وَفَائِهِ بِنَذْرِهِ، فَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إنّمَا وُلِدَا بَعْدَ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ، وَإِنّمَا كَانَ جَمِيعُ أَوْلَادِهِ عَشَرَةً. وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا، فَإِنّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: كَانَ أَعْمَامُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- اثْنَيْ عَشَرَ، وَقَالَهُ أَبُو عُمَرَ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ صَحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانُوا عَشَرَةً بِلَا مَزِيدٍ، فَالْوَلَدُ يَقَعُ عَلَى الْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ قَدْ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ حِينَ وَفّى بِنَذْرِهِ.
الْمَرْأَةُ الّتِي دَعَتْ عَبْدَ اللهِ:
وَيُرْوَى أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حِينَ دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ الْأَسَدِيّةُ إلَى نَفْسِهَا لِمَا رَأَتْ فِي وَجْهِهِ مِنْ نُورِ النّبُوّةِ، وَرَجَتْ أَنْ تَحْمِلَ بِهَذَا النّبِيّ، فَتَكُونَ أُمّهُ دُونَ غَيْرِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ حِينَئِذٍ فِيمَا ذَكَرُوا:
أَمّا الْحَرَامُ فَالْحِمَامُ دُونَهْ ... وَالْحِلّ لَا حِلّ فَأَسْتَبِينَهْ
فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الّذِي تَبْغِينَهْ ... يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهْ؟!
وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ: رُقَيّةُ «1» بِنْتُ نَوْفَلِ أخت ورقة بن نوفل؛ تكنّى: أمّ
__________
- بحر. وإنما كل ولده سعد وسعيد ورئاب. ومن ولد سعد: سعيد الذى أعقب أولادا منهم: خديجة هذه التى يذكر أنها أم عبلة. انظر ص 400، 406 نسب قريش، ولم يذكر من أولاد سعيد بن سهم من اسمها خديجة، وإنما قال: إن أمها بنت سعيد بن سهم ص 408 وانظر ص 154 وما بعدها جمهرة النسب.
(1) فى البداية ج 2 ص 262 أن اسمها رقيقة. وقد روى ذلك البيهقى من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق وانظر ص 53 من شرح السيرة للخشنى.(2/141)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَتّالٍ، وَبِهَذِهِ الْكُنْيَةِ وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيّ، قَالَ: إنّمَا مَرّ عَلَى امْرَأَةٍ اسْمُهَا: فَاطِمَةُ «1» بِنْتُ مُرّ، كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ وَأَعَفّهِنّ «2» ، وَكَانَتْ قَرَأَتْ الْكُتُبَ، فَرَأَتْ نُورَ النّبُوّةِ فِي وَجْهِهِ، فَدَعَتْهُ إلَى نِكَاحِهَا، فَأَبَى، فَلَمّا أَبَى قَالَتْ:
إنّي رَأَيْت مُخِيلَةً نَشَأَتْ ... فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ الْقَطْرِ «3»
فَلَمَأْتهَا نُورًا يُضِيءُ بِهِ ... مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْفَجْرِ «4»
وَرَأَيْت سُقْيَاهَا حيا بلد ... وقعت به وعمارة القفر «5»
__________
(1) كانت- كما روى الخرائطى- كاهنة من أهل تبالة متهودة خثعمية، وأنها عرضت عليه مائة من الإبل ليقع عليها فى لحظتها، فأبى. وأقول: لم ترد مسألة النور هذه فى صحاح الأحاديث، ولا يرفع من قيمة النبى- صلى الله عليه وسلم- أن نردد هذا. وقرابة بنى زهرة بن كلاب من رسول الله «ص» من وجهين. أحدهما: أنهم أقارب أمه، والثانى: إخوة قصى بن كلاب بن مرة، وهو جد والد جد النبى. والمشهور أن زهرة اسم الرجل- وهو المغيرة- أما ابن قتيبة، فيقول: إنه اسم امرأته ص 417 ج 11 فتح البارى.
(2) فى الأصل وأعفه.
(3) الشعر ينسب أيضا إلى الخثعمية الكاهنة التى عرضت نفسها على عبد الله والمخيلة: السحابة التى تخالها ماطرة وهى بضم الميم وفتحها. وحناتم: جمع حنتمة: السحابة السوداء لامتلائها من الماء، وفى الطبرى: لمعت بدلا من: نشأت.
(4) لمأتها: أبصرتها. وفى الطبرى: له، والبدر بدلا من به، والفجر، والبيت فى اللسان.
(5) لا يوجد هذا البيت فى الطبرى.(2/142)
[وِلَادَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكائى عن محمد ابن إسحاق قال: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شهر ربيع الأوّل، عام الفيل.
قال ابن إسحاق: وحدثنى الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ:
وَلَدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفِيلِ: فنحن لدتان.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ:
حَدّثَنِي مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي عَنْ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: وَاَللهِ إنّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلّ مَا سَمِعْت، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ بِيَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودِ! حَتّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَك؟! قَالَ: طَلَعَ اللّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الّذِي ولد به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَرَأَيْته شَرَفًا أَبُوءُ بِهِ «1» ... مَا كُلّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي
لِلّهِ مَا زُهْرِيّةٌ سَلَبَتْ ... مِنْك الّذِي اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي «2»
وَفِي غَرِيبِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: أَنّ الّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ هِيَ: ليلى العدويّة.
__________
(1) فى الطبرى: فرجوتها فخرا أبوء به.
(2) فى الطبرى: ثوبيك ما استلبت وما تدرى. هذا وقد ذكر الطبرى لها قصيدة أخرى عدتهاست أبيات وجاء فى آخرها.
ولما حوت منه أمينة ما حوت ... حوت منه فخرا ما لذلك ثان(2/143)
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ: فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَقُلْت. ابْنُ كَمْ كَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَقْدَمَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ فقال: ابن ستّين، وَقَدِمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَسَمِعَ حَسّانُ ما سمع، وهو ابن سبع سنين.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا وَضَعَتْهُ أُمّهُ- صَلّى الله عليه وسلم- أرسلت إلى جدّه عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَنّهُ قَدْ وُلِدَ لَك غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ، وَحَدّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمّيَهُ.
فَيَزْعُمُونَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ، فَقَامَ يَدْعُو اللهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ، ثُمّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا، وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرّضَعَاءَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاضِعُ. وَفَى كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قِصّةِ مُوسَى عليه السلام: «وحرّمنا عليه المراضع» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاسْتَرْضَعَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهَا:
حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ.
وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ شِجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ منصور بن عكرمة ابن خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ [بْنِ مُضَرَ] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/144)
وَاسْمُ أَبِيهِ الّذِي أَرْضَعَهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- الحارث بن عبد العزّى ابن رفاعة ابن مَلّانَ بْنِ نَاصِرَةَ بْن فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بن سعد بن بكر ابن هَوَازِنَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: هِلَالُ بْنُ ناصرة.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ الرّضَاعَةِ: عَبْدُ الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وخدامة بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ الشّيْمَاءُ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى اسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إلّا بِهِ. وَهُمْ لِحَلِيمَةِ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
وَيَذْكُرُونَ أَنّ الشّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مع أمها إذا كان عندهم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَوْ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السّعْدِيّةُ، أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي أَرْضَعَتْهُ، تُحَدّثُ: أَنّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ، قَالَتْ: وَذَلِك فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ، لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ، مَعَنَا شَارِفٌ لَنَا، وَاَللهِ مَا تَبِضّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيّنَا الّذِي مَعَنَا، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ الْجَوْعِ، مَا فِي ثَدْيَيّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَدّيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: يُغَذّيهِ- وَلَكِنّا كُنّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ، فَخَرَجْت عَلَى أَتَانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/145)
تِلْكَ، فَلَقَدْ أَدَمْتُ بِالرّكْبِ، حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ نَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ، فَمَا مِنّا امْرَأَةٌ إلّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فتأباه، إذا قِيلَ لَهَا إنّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِك: أَنّا إنّمَا كُنّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصّبِيّ، فَكُنّا نَقُولُ: يَتِيمٌ! وَمَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمّهُ وَجَدّهُ! فَكُنّا نَكْرَهُهُ لِذَلِك، فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي، فَلَمّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْت لِصَاحِبِي: وَاَللهِ إنّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاَللهِ لَأَذْهَبَن إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ، فَلَآخُذَنّهُ، قَالَ: لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْته، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلّا أَنّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. قَالَتْ: فَلَمّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْت بِهِ إلَى رَحْلِي فَلَمّا وَضَعْته فِي حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتّى رَوِيَ، ثُمّ نَامَا، وَمَا كُنّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتّى انْتَهَيْنَا رِيّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا.
تَعَلّمِي وَاَللهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْت نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَالَتْ: فَقُلْت: وَاَللهِ إنّي لَأَرْجُو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أتانى، وحملته عليها معى، فو الله لقطعت بالرّكب ما يقدر عليها شىء من حمرهم، حتى إنّ صواحبى ليقلن لى:
يا بنة أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَك! ارْبَعِي عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَك الّتِي كُنْت خَرَجْت عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ لَهُنّ: بَلَى وَاَللهِ، إنّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ: وَاَللهِ إنّ لَهَا لَشَأْنًا. قَالَتْ:
ثُمّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ. وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ أَجْدَبَ مِنْهَا.
فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيّ حِينَ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبّنًا. فَنَحْلُبُ وَنَشْرَبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/146)
وَمَا يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ. حَتّى كَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبّنًا، فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرّفُ مِنْ اللهِ الزّيَادَةَ وَالْخَيْرَ حَتّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ؛ وَكَانَ يَشِبّ شَبَابًا لَا يَشِبّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا. قَالَتْ: فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا؛ لِمَا كُنّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ. فَكَلّمْنَا أُمّهُ، وَقُلْت لَهَا: لَوْ تَرَكْت بُنَيّ عِنْدِي حَتّى يغلظ، فإنى أخشى عليه وبأمكة، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتّى رَدّتْهُ مَعَنَا
قالت: فرجعنا به، فو الله إنه يعد مقدمنا بِأَشْهُرِ مَعَ أَخِيهِ لَفِي بَهْمٍ لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا، إذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يسوطانه قَالَتْ: فَخَرَجْت أَنَا وَأَبُوهُ نَحْوَهُ، فَوَجَدْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَقَعَا وَجْهُهُ. قَالَتْ: فَالْتَزَمْته وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ، فَقُلْنَا له: مالك يَا بُنَيّ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بيض، فأضجعانى وشقّا بطنى، قالتمسا شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَتْ: فَرَجَعْنَا إلى خبائنا.
قَالَتْ: وَقَالَ لِي أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أُصِيبَ، فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ بِهِ، قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت: مَا أَقْدَمَك بِهِ يَا ظِئْرُ، وَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَيْهِ، وَعَلَى مُكْثِهِ عِنْدَك؟ قَالَتْ: فَقُلْت: قَدْ بَلَغَ اللهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الّذِي عَلَيّ، وتخوّفت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/147)
الْأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَأَدّيْته إلَيْك كَمَا تُحِبّينَ. قَالَتْ: مَا هَذَا شَأْنُك، فَاصْدُقِينِي خَبَرَك. قَالَتْ: فَلَمْ تَدَعْنِي حَتّى أَخْبَرْتُهَا. قَالَتْ: أَفَتَخَوّفَتْ عَلَيْهِ الشّيْطَانَ؟
قَالَتْ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَتْ: كَلّا. وَاَللهِ مَا لِلشّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ، وَإِنّ لِبُنَيّ لَشَأْنًا، أفلا أخبرك خبره. قالت: بلى. قالت: رأيت حين حملت به، فو الله مَا رَأَيْت مِنْ حَمْلٍ قَطّ كَانَ أَخَفّ وَلَا أَيْسَرَ مِنْهُ، وَوَقَعَ حِينَ وَلَدْته، وَإِنّهُ لَوَاضِعٌ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ، رَافِعٌ رَأَسَهُ إلَى السّمَاءِ. دعيه عنك، وانطلقى راشدة.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إلّا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيّ: أَنّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمّي حِين حَمَلَتْ بِي أَنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا. إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا. ثُمّ أَخَذَانِي فَشَقّا بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا. ثُمّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثّلْجِ حَتّى أَنْقَيَاهُ، ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زِنْهُ بِمِئَةِ مِنْ أُمّتِهِ. فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زَنّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمّتِهِ، فَوَزَنَنِي بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/148)