وقرأت من خطّ الْفَقِيه أبي سعد السكرِي أَنه حكى عَن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن بن ظفر الْحُسَيْنِي أَنه قَالَ رَأَيْت فِي النّوم السَّيِّد النَّقِيب زيد بن أبي الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر مَا شَاءَ الله فَسَأَلته فَقَالَ أتحفت بِهَذَا مِمَّا نثر على روح إِسْمَاعِيل الصَّابُونِي
وَحكى المقرىء مُحَمَّد بن عبد الحميد الأبيوردي الرجل الصَّالح عَن الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ أَنه رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ قيل لَهُ عد عقائد أهل الْحق
قَالَ فَكنت أذكرها إِذْ سَمِعت نِدَاء كَانَ مفهومي مِنْهُ أَنى أسمعهُ من الْحق تبَارك وَتَعَالَى يَقُول ألم نقل إِن ابْن الصَّابُونِي رجل مُسلم
وقرأت أَيْضا من خطّ السكرِي حِكَايَة رُؤْيا رَآهَا الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الشقاني واستدعى مِنْهُ شيخ الْإِسْلَام أَن يَكْتُبهَا فَكتب يَقُول أَحْمد بن مُحَمَّد الحسنوي لَوْلَا امْتنَاع خروجي عَن طَاعَة الْأُسْتَاذ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام لوُجُوبهَا عَليّ لم أكن لأحكي شَيْئا من هَذِه الرُّؤْيَا هَيْبَة لَهَا لما فِيهَا مِمَّا لَا أستجيز ذكرهَا فرقا مِنْهَا ثمَّ ذكر زيارته لتربة الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة يَوْمًا وَأَنه طَابَ وقته عِنْدهَا فَرجع إِلَى بَيته ونام وَقت الهاجرة فَرَأى الْحق تبَارك وَتَعَالَى فِي مَنَامه ذكر الإِمَام بِمَا قَالَ وَلم يحك ذَلِك ثمَّ عقب ذَلِك بِحَدِيث الْأُسْتَاذ الإِمَام وَذكر أَشْيَاء نسيت بَعْضهَا وَالَّذِي أذكر مِنْهَا أَنه قَالَ وَأما ابْن ذَلِك الْمَظْلُوم فَإِن لَهُ عندنَا قرى ونعمى وزلفى
إِلَى آخر مَا كَانَ مِنْهُ(4/280)
ثمَّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس كتبته وَحقّ الْحق لِحُرْمَتِهِ وَطَاعَة لأَمره
وقرأت من خطّ قديم مَعْرُوف أَنه حُكيَ عَن يَهُودِيّ أَنه قَالَ اغتممت لوفاة أبي نصر الصَّابُونِي وَقَتله فاستغفرت لَهُ ونمت فرأيته فِي الْمَنَام وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر مَا رَأَيْت مثلهَا قطّ وَهُوَ جَالس على كرْسِي بَين يَدَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة من الْمَلَائِكَة وَعَلَيْهِم ثِيَاب خضر فَقلت يَا أستاذ أَلَيْسَ قد قتلوك قَالَ فعلوا بِي مَا رَأَيْت
فَقلت مَا فعل بك رَبك
قَالَ يَا أَبَا حوايمرد كلمة بِالْفَارِسِيَّةِ لمثلي يُقَال هَذَا غفر لي وَغفر لمن صلى عَليّ كَبِيرهمْ وصغيرهم وَمن يكون على طريقي
قلت أما أَنا فَلم أصل عَلَيْك
قَالَ لِأَنَّك لم تكن على طريقي
فَقلت إيش أفعل لأَكُون على طريقك فَقَالَ قل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَقلت ذَلِك ثمَّ قلت أَنا مَوْلَاك
قَالَ لَا أَنْت مولى الله
قَالَ فانتبهت فجَاء من عِنْده إِلَى قَبره وَذكر مَا رأى فِي الْمَنَام وَقَالَ أَنا مَوْلَاهُ وَأسلم عِنْد قَبره وَلم يَأْخُذ شَيْئا من أحد وَقَالَ إِنِّي غَنِي أسلمت لوجه الله لَا لوجه المَال
وَحكى أَبُو سهل بن هَارُون قَالَ قَالَ أَبُو بكر الصيدلاني وَكَانَ من الصَّالِحين كنت حَاضرا قَبره حِين جَاءَ الْيَهُودِيّ فَأسلم(4/281)
وقرأت من مَضْمُون كتاب كتبه الإِمَام زين الْإِسْلَام من طوس فِي تَعْزِيَة شيخ الْإِسْلَام أبي عُثْمَان فصولا كتبت مِنْهَا هَذِه الْكَلِمَات اختصارا يَا لَيْلَة فَتْرَة الشَّرِيعَة ليتك ترى الإصباح وَيَا محنة أهل السّنة أنخت بكلكلك لَعَلَّه لَا براح وَيَا مِعْرَاج السَّمَاء لَيْت شعري كَيفَ حالك وَقد خلوت من صواعد دعوات مجْلِس شيخ الْإِسْلَام وَيَا ضلة الْإِسْلَام لَوْلَا أَنَّك مَحْكُوم لَك بالدوام لقلنا فنيت عَن كل النظام وَيَا أَصْحَاب المحابر حطوا رحالكُمْ فقد استتر بخلال التُّرَاب من كَانَ عَلَيْهِ إلمامكم وَيَا أَرْبَاب المنابر أعظم الله أجوركم
فَلَقَد مضى سيدكم وإمامكم
(وَقَالُوا الإِمَام قضى نحبه ... وصيحة من قد نعاه علت)
(فَقلت فَمَا وَاحِد قد مضى ... وَلكنه أمة قد خلت)
وَفِيه فِي فصل آخر أَلَيْسَ لم يَجْسُر مفتر أَن يكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وقته أليست السّنة كَانَت بمكانة منصورة والبدعة لفرط حشمته مقهورة أَلَيْسَ كَانَ دَاعيا إِلَى الله هاديا عباد الله شَابًّا لَا صبوة لَهُ ثمَّ كهلا لَا كبوة لَهُ ثمَّ شَيخا لَا هفوة لَهُ أَلَيْسَ دموع أُلُوف من الْمُسلمين كل مجْلِس بِذكرِهِ كَانَت تتبرج وَقُلُوبهمْ بتأثير وعظة كَانَت تتوهج ترى أَن الْمَلَائِكَة لم يؤمروا باستقباله والأنبياء وَالصديقين لم يستبشروا بقدومه عَلَيْهِم وإقباله
قلت وَلما انْقَلب إِلَى رَحْمَة الله كثرت فِيهِ الْمرَائِي والأشعار وَكَانَت حَاله كَمَا قيل
(لقد حسنت فِيك المراثي وَذكرهَا ... كَمَا حسنت من قبل فِيك المدائح)
وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ مَا كتبته بهراة فِي مرثيته للْإِمَام جمال الْإِسْلَام أبي الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الداوودي البوشنجي حَيْثُ يَقُول
(أودى الإِمَام الحبر إِسْمَاعِيل ... لهفي عَلَيْهِ فَلَيْسَ مِنْهُ بديل)(4/282)
(بَكت السما وَالْأَرْض يَوْم وَفَاته ... وَبكى عَلَيْهِ الْوَحْي والتنزيل)
(وَالشَّمْس وَالْقَمَر الْمُنِير تناوحا ... حزنا عَلَيْهِ وللنجوم عويل)
(وَالْأَرْض خاشعة تبْكي شجوها ... ويلي تولول أَيْن إِسْمَاعِيل)
(أَيْن الإِمَام الْفَرد فِي آدابه ... مَا إِن لَهُ فِي الْعَالمين عديل)
(لَا تخدعنك مني الْحَيَاة فَإِنَّهَا ... تلهي وتنسي والمنى تضليل)
(وتأهبن للْمَوْت قبل نُزُوله ... فالموت حتم والبقاء قَلِيل)
هَذَا كَلَام عبد الغافر وَقد اشْتَمَل من تَرْجَمَة شيخ الْإِسْلَام على مَا فِيهِ مقنع وبلاغ
ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَيْضا وَأَطْنَبَ فِي وَصفه وَقَالَ زرت قَبره مَا لَا أحصيه كَثْرَة وَرَأَيْت أثر الْإِجَابَة لكل دُعَاء دَعوته ثمَّ
وَذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي
وَقَالَ نشر الْعلم إملاء وتصنيفا وتذكيرا واستفاد مِنْهُ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم
قلت وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ مجمعا على دينه وسيادته وَعلمه لَا يخْتَلف عَلَيْهِ أحد من الْفرق
وَقد حدث عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ من أقرانه وَقَالَ فِيهِ إِنَّه إِمَام الْمُسلمين حَقًا وَشَيخ الْإِسْلَام صدقا وَأهل عصره كلهم مذعنون لعلو شَأْنه فِي الدّين والسيادة وَحسن الِاعْتِقَاد وَكَثْرَة الْعلم وَلُزُوم طَريقَة السّلف
وَقَالَ أَبُو عبد الله الْمَالِكِي أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي مِمَّن شهِدت لَهُ أَعْيَان الرِّجَال بالكمال فِي الْحِفْظ وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا حدث عَن زَاهِر بن أَحْمد(4/283)
السَّرخسِيّ وَأبي سعيد عبد الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ وَالْحسن بن أَحْمد المخلدي وَأبي بكر ابْن مهْرَان المقرىء وَأبي طَاهِر بن خُزَيْمَة وَأبي الْحُسَيْن الْخفاف وَعبد الرَّحْمَن بن أبي شريخ وَالْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله الجوزقي وَغَيرهم
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَسمع مِنْهُ عَالم لَا يُحصونَ
قلت مِنْهُم عبد الْعَزِيز الكتاني وَعلي بن الْحسن بن صصرى وَأَبُو الْقَاسِم المصِّيصِي وَنصر الله الخشنامي وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَخلق آخِرهم أَبُو عبد الله الفراوي
وَتقدم فِي كَلَام عبد الغافر أَنه توفّي لأَرْبَع لَيَال مضين من الْمحرم سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَلَو لم يكن فِي تَرْجَمَة هَذَا الرجل إِلَّا مَا حكيناه من قَول الْبَيْهَقِيّ فِيهِ إِنَّه إِمَام الْمُسلمين حَقًا وَشَيخ الْإِسْلَام صدقا لكفى فِي الدّلَالَة على علو شَأْنه فَمَا ظَنك بِمَا تقدم من كَلَام أَئِمَّة عصره
وَبِه قَالَ زين الْإِسْلَام وَكتبه من طوس
وزين الْإِسْلَام الْمشَار إِلَيْهِ لَيْسَ هُوَ فِيمَا أَظن بالغزالي فَإِن الْغَزالِيّ لم يكن ولد هَذَا الزَّمَان وَيبعد أَن يكون كتب كتابا للتعزية فِيهِ(4/284)
مَعَ وَفَاته قبل ميلاده وَلَعَلَّه أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ بنيسابور فَإِنَّهُ كَانَ وَقت وَفَاة أبي عُثْمَان كَانَ بطوس وَلَيْسَ بِبَعِيد
وَالله أعلم
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي من فضائله نظم الشّعْر على مَا يَلِيق بالعلماء وَمن غير مُبَالغَة فِي تعمق يلْحقهُ بالمنهي وَقد أنْشد لَهُ الثعالبي فِي تَتِمَّة الْيَتِيمَة
(إِذا لم أصب أَمْوَالكُم ونوالكم ... وَلم أنل الْمَعْرُوف مِنْكُم وَلَا البرا)
(وكنتم عبيدا للَّذي أَنا عَبده ... فَمن أجل مَاذَا أتعب الْبدن الحرا)
وَهَذِه وَصيته وَقد وجدت بهَا بِدِمَشْق عِنْد دُخُوله إِلَيْهَا حَاجا
هَذَا مَا أوصى بِهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي الْوَاعِظ غير المتعظ الموقظ غير المتيقظ الْآمِر غير المؤتمر الزاجر غير المنزجر المتعلم الْمُعْتَرف الْمُنْذر الْمخوف المخلط المفرط المسرف المقترف للسيئات المغترف الواثق مَعَ ذَلِك برحمة ربه الراجي لمغفرته الْمُحب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشيعته الدَّاعِي النَّاس إِلَى التَّمَسُّك بسنته وشريعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أوصى وَهُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَهًا وَاحِدًا أحدا فَردا صمدا لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يُشْرك فِي حكمه أحدا الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الْحَيّ القيوم الْبَاقِي بعد فنَاء خلقه المطلع على عباده الْعَالم بخفيات الغيوب الْخَبِير بضمائر الْقُلُوب المبدىء المعيد الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد الفعال لما يُرِيد {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} هُوَ مَوْلَانَا فَنعم(4/285)
الْمولى وَنعم النصير يشْهد بذلك كُله مَعَ الشَّاهِدين مقرا بِلِسَانِهِ عَن صِحَة اعْتِقَاد وَصدق يَقِين ويتحملها عَن المنكرين الجاحدين ويعدها ليَوْم الدّين {يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا وَلَا هم ينْصرُونَ إِلَّا من رحم الله إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم}
وَيشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ
وَيشْهد أَن الْجنَّة حق وَجُمْلَة مَا أعد الله تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا لأوليائه حق
وَيسْأل مَوْلَاهُ الْكَرِيم جلّ جَلَاله أَن يَجْعَلهَا مَأْوَاه ومثواه فضلا مِنْهُ وكرما
وَيشْهد أَن النَّار وَمَا أعد الله فِيهَا لأعدائه حق وَيسْأل الله مَوْلَاهُ أَن يجيره مِنْهَا ويزحزحه عَنْهَا ويجعله من الفائزين قَالَ الله عز وَجل {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور}
وَيشْهد أَن صلَاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أَمر وَهُوَ من الْمُسلمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَأَنه رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا على ذَلِك يحيي وَعَلِيهِ يَمُوت إِن شَاءَ الله عز وَجل
وَيشْهد أَن الْمَلَائِكَة حق وَأَن النَّبِيين حق وَأَن السَّاعَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر الْخَيْر وَأمر بِهِ ورضيه وأحبه وَأَرَادَ كَونه من فَاعله ووعد حسن الثَّوَاب على فعله وَقدر الشَّرّ وزجر عَنهُ وَلم يرضه وَلم يُحِبهُ(4/286)
وَأَرَادَ كَونه من مرتكبه غير رَاض بِهِ وَلَا محب لَهُ تَعَالَى رَبنَا عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وتقدس أَن يَأْمر بالمعصية أَو يُحِبهَا ويرضاها وَجل أَن يقدر العَبْد على فعل شَيْء لم يقدره عَلَيْهِ أَو يحدث من العَبْد مَا لَا يُريدهُ وَلَا يشاؤه
وَيشْهد أَن الْقُرْآن كتاب الله وَكَلَامه ووحيه وتنزيله غير مَخْلُوق وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِف مَكْتُوب وبالألسنة مقروء وَفِي الصُّدُور مَحْفُوظ وبالآذان مسموع
قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَقَالَ {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} وَقَالَ {إِن الَّذين يَتلون كتاب الله} وَقَالَ {إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين}
وَيشْهد أَن الْإِيمَان تَصْدِيق بِالْقَلْبِ بِمَا أَمر الله أَن يصدق بِهِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ بِمَا أَمر الله أَن يقر بِهِ وَعمل بالجوارح بِمَا أَمر الله أَن يعْمل بِهِ وانزجار عَمَّا زجر عَنهُ من كسب قلب وَقَول لِسَان وَعمل جوارح وأركان
وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستو على عَرْشه اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا بَينه فِي كِتَابه فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَقَوله {اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} فِي آيَات أخر وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا ذكره فِيمَا نقل عَنهُ من غير أَن يكيف استواءه عَلَيْهِ أَو يَجعله لفعله وفهمه أَو وهمه سَبِيلا إِلَى إِثْبَات كيفيته إِذْ الْكَيْفِيَّة عَن صِفَات رَبنَا منفية
قَالَ إِمَام الْمُسلمين فِي عصره أَبُو عبد الله مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاب من سَأَلَهُ عَن كَيْفيَّة الاسْتوَاء الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيف مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب
وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وأظنك زنديقا أَخْرجُوهُ من الْمَسْجِد(4/287)
وَيشْهد أَن الله تَعَالَى مَوْصُوف بِصِفَات العلى الَّتِي وصف بهَا نَفسه فِي كِتَابه وعَلى لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا لَا يَنْفِي شَيْئا مِنْهَا وَلَا يعْتَقد شبها لَهُ بِصِفَات خلقه بل يَقُول إِن صِفَاته لَا تشبه صِفَات المربوبين كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَوَات الْمُحدثين تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة والمشبهة علوا كَبِيرا
ويسلك فِي الْآيَات الَّتِي وَردت فِي ذكر صِفَات البارىء جلّ جَلَاله وَالْأَخْبَار الَّتِي صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَابهَا كآيات مَجِيء الرب يَوْم الْقِيَامَة وإتيان الله فِي ظلل من الْغَمَام وَخلق آدم بِيَدِهِ
واستوائه على عَرْشه وكأخبار نُزُوله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا والضحك والنجوى وَوضع الكنف على من يناجيه يَوْم الْقِيَامَة وَغَيرهَا مَسْلَك السّلف الصَّالح وأئمة الدّين من قبُولهَا وروايتها على وَجههَا بعد صِحَة سندها وإيرادها على ظَاهرهَا والتصديق بهَا وَالتَّسْلِيم لَهَا واتقاء اعْتِقَاد التكييف والتشبيه فِيهَا وَاجْتنَاب مَا يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بردهَا وَترك قبُولهَا أَو تحريفها بِتَأْوِيل يستنكر وَلم ينزل الله بِهِ سُلْطَانا وَلم يجر بِهِ للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحين لِسَان
وَينْهى فِي الْجُمْلَة عَن الْخَوْض فِي الْكَلَام والتعمق فِيهِ وَفِي الِاشْتِغَال بِمَا كره السّلف رَحِمهم الله الِاشْتِغَال بِهِ ونهوا وزجروا عَنهُ فَإِن الْجِدَال فِيهِ والتعمق فِي دقائقه والتخبط فِي ظلماته كل ذَلِك يفْسد الْقلب وَيسْقط مِنْهُ هَيْبَة الرب جلّ جَلَاله ويوقع الشّبَه الْكَبِيرَة فِيهِ ويسلب الْبركَة فِي الْحَال وَيهْدِي إِلَى الْبَاطِل والمحال وَالْخُصُومَة فِي الدّين والجدال وَكَثْرَة القيل والقال فِي الرب ذِي الْجلَال الْكَبِير المتعال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وَالْحَمْد لله على مَا هدَانَا من دينه وَسنة نبيه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ حمدا كثيرا(4/288)
وَيشْهد أَن الْقِيَامَة حق وكل مَا ورد بِهِ الْكتاب وَالْأَخْبَار الصِّحَاح من أشراطها وأهوالها وَمَا وعدنا بِهِ وأوعدنا بِهِ فِيهَا فَهُوَ حق نؤمن بِهِ ونصدق الله سُبْحَانَهُ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أخبر بِهِ عَنهُ كالحوض وَالْمِيزَان والصراط وَقِرَاءَة الْكتب والحساب وَالسُّؤَال وَالْعرض وَالْوُقُوف والصدر عَن الْمَحْشَر إِلَى جنَّة أَو إِلَى نَار مَعَ الشَّفَاعَة الموعودة لأهل التَّوْحِيد وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُبين فِي الْكتاب ومدون فِي الْكتب الجامعة لصحاح الْأَخْبَار
وَيشْهد بذلك كُله فِي الشَّاهِدين ويستعين بِاللَّه تبَارك وَتَعَالَى فِي الثَّبَات على هَذِه الشَّهَادَات إِلَى الْمَمَات حَتَّى يتوفى عَلَيْهَا فِي جملَة الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ الموقنين الْمُوَحِّدين
وَيشْهد أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يمن على أوليائه بِوُجُوه ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة ويرونه عيَانًا فِي دَار الْبَقَاء لَا يضارون فِي رُؤْيَته وَلَا يمارون وَلَا يضامون وَيسْأل الله تبَارك وَتَعَالَى أَن يَجْعَل وَجهه من تِلْكَ الْوُجُوه ويقيه كل بلَاء وَسُوء ومكروه ويبلغه كل مَا يؤمله من فَضله ويرجوه بمنه
وَيشْهد أَن خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر الْفَارُوق ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ويترحم على جَمِيع الصَّحَابَة ويتولاهم ويستغفر لَهُم وَكَذَلِكَ ذُريَّته وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَيسْأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يَجعله مَعَهم ويرجو أَن يَفْعَله بِهِ فَإِنَّهُ قد صَحَّ عِنْده من طرق شَتَّى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْمَرْء مَعَ من أحب)
ويوصي إِلَى من يخلفه من ولد وَأَخ وَأهل وَقَرِيب وصديق وَجَمِيع من يقبل وَصيته من الْمُسلمين عَامَّة أَن يشْهدُوا بِجَمِيعِ مَا شهد بِهِ وَأَن يتقوا الله حق تُقَاته وَألا يموتوا إِلَّا وهم مُسلمُونَ {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون}(4/289)
ويوصيهم بصلاح ذَات الْبَين وصلَة الْأَرْحَام وَالْإِحْسَان إِلَى الْجِيرَان والأقارب والإخوان وَمَعْرِفَة حق الأكابر وَالرَّحْمَة على الأصاغر
وينهاهم عَن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد
وَيَأْمُرهُمْ أَن يَكُونُوا إخْوَانًا على الْخيرَات أعوانا وَأَن يعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا يتفرقوا ويتبعوا الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأمة
وأئمة الْملَّة كمالك بن أنس وَالشَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن يحيى وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين وعلماء الدّين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَجمع بَيْننَا وَبينهمْ فِي ظلّ طُوبَى ومستراح العابدين
أوصى بِهَذَا كُله إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي إِلَى أَوْلَاده وَأَهله وَأَصْحَابه
ومختلفة مجالسه
وَأوصى أَنه إِذا نزلت بِهِ الْمنية الَّتِي لَا شكّ أَنَّهَا نازلة وَالله يسْأَل خير ذَلِك الْيَوْم الَّذِي تنزل الْمنية بِهِ فِيهِ وَخير تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي تنزل بِهِ فِيهِ وَخير تِلْكَ السَّاعَة وَخير مَا قبلهَا وَخير مَا بعْدهَا أَن يلبس لباسا طيبا حسنا طَاهِرا نقيا وَيُوضَع على رَأسه الْعِمَامَة الَّتِي كَانَ يشدها فِي حَال حَيَاته وضعا على الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ يَضَعهَا على رَأسه أَيَّام حَيَاته وَيُوضَع الرِّدَاء على عَاتِقيهِ ويضجع مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ موجها إِلَى الْقبْلَة وتجلس أَوْلَاده عِنْد رَأسه ويضعوا الْمَصَاحِف على حجورهم ويقرءوا الْقُرْآن جَهرا وحرج عَلَيْهِم أَلا يمكنوا امْرَأَة لَا قرَابَة بَينه وَبَينهَا وَلَا نسب وَلَا سَبَب من طَرِيق الزَّوْجِيَّة تقرب من مضجعه تِلْكَ السَّاعَة أَو تدخل بَيْتا يكون فِيهِ وَكَذَلِكَ يحرج عَلَيْهِم أَن يأذنوا لأحد من الرِّجَال فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَة بل يأمرون الْأَخ والأحباب وَغَيرهم أَن يجلسوا فِي الْمدرسَة وَلَا يدخلُوا الدَّار وليساعدوا الْأَصْحَاب فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وإمداده بِالدُّعَاءِ فَلَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يهون عَلَيْهِ سَكَرَات الْمَوْت ويسهل(4/290)
لَهُ اقتحام عقبَة الْمَوْت على الْإِسْلَام وَالسّنة فِي سَلامَة وعافية
وَأوصى إِذا قضى نحبه وَأجَاب ربه وَفَارَقت روحه جسده أَن يشد ذقنه وَتغمضُ عَيناهُ
وتمد أعضاؤه ويسجى بِثَوْب وَلَا يكْشف عَن وَجهه لينْظر إِلَيْهِ إِلَّا أَن يَأْتِيهِ غاسله فيحمله إِلَى مغتسله جعل الله ذَلِك الْحمل مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَنظر بِعَين الرَّحْمَة إِلَيْهِ وَغفر لَهُ مَا قدمه من الْأَعْمَال السَّيئَة بَين يَدَيْهِ
وَأوصى أَلا يناح عَلَيْهِ وَأَن يمْنَع أولياؤه وأقرباؤه وأحباؤه وَجَمِيع النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء أنفسهم عَن الشق وَالْحلق والتخريق للثياب والتمزيق وَألا يبكوا عَلَيْهِ إِلَّا بكاء حزن قلب ودموع عين لَا يقدرُونَ على ردهما ودفعهما وَأما دُعَاء بويل ورن شَيْطَان وخمش وُجُوه وَحلق شعر ونتفه وتخريق ثوب وتمزيقه وفتقه فَلَا وَهُوَ بَرِيء مِمَّن فعل شَيْئا من ذَلِك كَمَا برىء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم
وَأوصى أَن يعجل تَجْهِيزه وغسله وتكفينه وَحمله إِلَى حفرته وَلَا يحبس وَلَا يبطأ بِهِ وَإِن مَاتَ ضحوة النَّهَار أَو وَقت الزَّوَال أَو بكرَة فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر تَجْهِيزه إِلَى الْغَد وَلَا يتْرك مَيتا بَين أَهله بِاللَّيْلِ أصلا بل يعجل أمره فينقل إِلَى حفرته نقلا بعد أَن يغسل وترا وَيجْعَل فِي آخر غسله من غسلاته كافور ويكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة إِن وجدت فَإِن لم تُوجد سحُولِيَّة كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة ويجمر كَفنه وترا لَا شفعا قبل أَن يلف عَلَيْهِ ويسرع بالسير بجنازته كَمَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحمل للصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى ميدان الْحُسَيْن وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَده أَبُو نصر إِن كَانَ حَاضرا فَإِن عجز عَن الْقيام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَأمر الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى أَخِيه أبي يعلى ثمَّ يرد إِلَى الْمدرسَة فيدفن فِيهَا بَين يَدي وَالِده الشَّهِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ويلحد لَهُ لحد وَينصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا(4/291)
وَلَا يشق لَهُ شقّ وَلَا يتَّخذ لَهُ تَابُوت أصلا وَلَا يوضع فِي التابوت للْحَمْل إِلَى الْمصلى وليوضع على الْجِنَازَة ملفوفا فِي الْكَفَن مسجى بِثَوْب أَبيض لَيْسَ فِيهِ إبريسم بِحَال وَلَا يطين قَبره وَلَا يجصص ويرش عَلَيْهِ المَاء وَيُوضَع عَلَيْهِ الْحَصَا وَيمْكث عِنْد قَبره مِقْدَار مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحْمه حَتَّى يعلم مَا يُرَاجع بِهِ رسل ربه جلّ وَعلا وَيسْأل الله تَعَالَى على رَأس قَبره لَهُ التثبيت الْمَوْعُود لجملة الْمُؤمنِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} ويستغفر لَهُ ولوالديه وَلِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات وَلَا ينسى بل يذكر بِالدُّعَاءِ فَإِن الْمُؤمن إِذا قبر كَانَ كالغريق المغتوت ينْتَظر دَعْوَة صَالِحَة تلْحقهُ وَلَا يُمكن أحد من الْجَوَارِي والنسوان أَن يكشفن رءوسهن وَأَن يندبنه فِي ذَلِك الْوَقْت بل يشْتَغل الْكل بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار لَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يهون عَلَيْهِ الْأَمر فِي ذَلِك الْوَقْت وييسر خُرُوج مُنكر وَنَكِير من قَبره على الرِّضَا مِنْهُ وينصرفان عَنهُ وَقد قَالَا لَهُ نم نومَة الْعَرُوس فَلَا روعة عَلَيْك
ويفتحان فِي قَبره بَابا من الْجنَّة فضلا من الله ومنة فيفوز فوزا عَظِيما ويحوز ثَوابًا كَرِيمًا ويلقى روحا وريحانا وَربا كَرِيمًا رحِيما
آخر الْوَصِيَّة(4/292)
368 - إِسْمَاعِيل بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَبُو سعد الأطروش
من أهل جرجان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ وافر الْعلم والزهد
درس الْقُرْآن وَالْفِقْه
وَكَانَ مُجْتَهدا فِي الطَّاعَة ثِقَة صَدُوقًا أصيلا مَأْمُونا
سمع أَبَا الْحَارِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الأسواني وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَغَيرهمَا
قَالَ وَتُوفِّي بعد سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
369 - إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْمثنى أَبُو سعد الإستراباذي
الْوَاعِظ الصُّوفِي الْعَنْبَري
قدم نيسابور قَدِيما وَبنى بهَا مدرسة لأَصْحَاب الشَّافِعِي تنْسب إِلَيْهِ
وروى عَن أَبِيه وَعَن عَليّ بن الْحسن بن حيوية
روى عَنهُ أَحْمد بن أبي جَعْفَر القَاضِي وَأَبُو بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ وَأحمد الموسياباذي وَغَيرهم(4/293)
مَاتَ فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة
370 - إِسْمَاعِيل بن الْفضل أَبُو مُحَمَّد الفضيلي وَالِد الإِمَام أبي عَاصِم الصَّغِير الْهَرَوِيّ
ذكره أَبُو النَّصْر عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي تَارِيخه فَقَالَ هُوَ الْفَحْل المقرم وَالْإِمَام الْمُقدم فِي فنون الْفضل وأنواع الْعلم
توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
والفضيلي بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخرهَا اللَّام نِسْبَة إِلَى الفضيل اسْم جده
وَالله تَعَالَى أعلم
371 - إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة بن إِسْمَاعِيل بن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ابْن إِسْمَاعِيل الْإِسْمَاعِيلِيّ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم
من أهل جرجان من بَيت الْعلم وَالْفضل والرياسة(4/294)
كَانَ صَدرا رَئِيسا وعالما كَبِيرا يعظ ويملي على فهم ودراية وديانة جيد الْفِقْه مليح الْوَعْظ وَالنّظم والنثر
ولد سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة وَقيل سنة سِتّ بجرجان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَالْأول أشبه
سمع أَبَاهُ وَعَمه الْمفضل وَحَمْزَة السَّهْمِي وَالْقَاضِي أَبَا بكر مُحَمَّد بن يُوسُف الشالنجي وَأحمد بن إِسْمَاعِيل الرباطي وَجَمَاعَة وَالْقَاضِي أَبَا عمر البسطامي وخلقا
وروى عَنهُ زَاهِر ووجيه ابْنا الشحامي وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو مَنْصُور ابْن حمدون وَأَبُو الْبَدْر الْكَرْخِي وَآخَرُونَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فِيهِ أوحد عصره وفريد وقته فِي الْفِقْه وَالْأَدب والورع والزهد سمع جواد مراع لحقوق الْفُضَلَاء والغرباء والواردين
أَخذ الْفِقْه عَن عَمه أبي الْعَلَاء وَأبي نصر الشعيري
وَله شعر وَترسل وَحسن خطّ
وَإِلَيْهِ الْيَوْم الدَّرْس وَالْفَتْوَى والإملاء
انْتهى
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَافر الْبِلَاد ودخلها وروى الحَدِيث بهَا مثل نيسابور والري وأصبهان وَدخل بَغْدَاد حَاجا وَحدث بالكامل لِابْنِ عدي وتاريخ جرجان وَغَيرهمَا
انْتهى(4/295)
وَلما دخل أَبُو الْقَاسِم هَذَا بَغْدَاد دخل عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مُسلما فَقَامَ إِلَيْهِ واستقبله وَقَالَ لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنا أَشد فَرحا بدخولي مَدِينَة السَّلَام أَو رُؤْيَة الشَّيْخ الإِمَام
فَاسْتحْسن أهل بَغْدَاد قَوْله
توفّي بجرجان سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
372 - باي بن جَعْفَر بن باي أَبُو مَنْصُور الجيلي
وباي بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَآخِرهَا آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة
وَوهم من زَعمه بباءين أَو بباء مَفْتُوحَة بدل آخر الْحُرُوف
تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد وَكَانَ من مدرسي أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد
وَحكى أَنه لما آن أَن يجلس فِي الْحلقَة قيل للخليفة كَيفَ تُعْطى الْحلقَة من اسْمه هَذَا فَغَيره وصيره عبد الله
قَالَ الْخَطِيب سمع الحَدِيث من أبي الْحسن بن الجندي بِضَم الْجِيم وَأبي الْقَاسِم الصيدلاني وَغَيرهمَا
قَالَ وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة
مَاتَ فِي أول محرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة(4/296)
373 - بديل بن عَليّ بن بديل
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الدَّال ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ لَام
البرزندي وبرزند بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا رَاء سَاكِنة ثمَّ زَاي ثمَّ نون ثمَّ دَال
كنيته أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو الْقَاسِم وَأَبُو عبد الله
تفقه بِبَغْدَاد
وَسمع القَاضِي أَبَا الطّيب وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأَبا الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَغَيرهم
روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْعِزّ بن كادش وَجَمَاعَة
مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَالله تَعَالَى أعلم
374 - جَعْفَر بن باي
أَبُو مُسلم الجيلي
أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد
وَهُوَ وَالِد الشَّيْخ أبي مَنْصُور الْمُتَقَدّم
سمع الحَدِيث من أبي بكر المقرىء وَابْن بطة العكبري(4/297)
روى عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بقرية بزيذي بباء مُوَحدَة ثمَّ زَاي مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ ذال مُعْجمَة
375 - جَعْفَر بن الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن عبد الْوَاحِد ابْن جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن القَاضِي أبي عمر بن القَاضِي أبي الْقَاسِم
قَالَ الشَّيْخ ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة
وَمَات سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بعد موت أَبِيه بِسنة
وتفقه على أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ
وَكَانَ ظريفا عفيفا أديبا فَقِيها جَامعا للمحاسن
وَله ديوَان شعر قيل إِنَّه غسله قبل مَوته(4/298)
376 - جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان والفقيه أَبُو الْخَيْر الْمروزِي
قدم معرة النُّعْمَان فِي سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة واستوطنها ودرس بهَا وَحمل عَنهُ أَهلهَا الْفِقْه
وصنف فِي الْمَذْهَب كتابا سَمَّاهُ الذَّخِيرَة لم أَقف عَلَيْهِ
إِنَّمَا الْمَشْهُور ذخيرة الْبَنْدَنِيجِيّ
توفّي أَبُو الْخَيْر سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
377 - حسان بن سعيد بن حسان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن منيع بن خَالِد بن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي الرئيس أَبُو عَليّ المنيعي الحاجي
أما المنيعي فنسبة إِلَى جده منيع بن خَالِد وَأما الحاجي فلغة الْعَجم فِي النِّسْبَة إِلَى من حج يَقُولُونَ للْحَاج إِلَى بَيت الله الْحَرَام حاجي
وَأَبُو عَليّ هَذَا هُوَ وَاقِف الْجَامِع المنيعي بنيسابور الَّذِي كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خَطِيبه وَقَبله أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي شيخ الْإِسْلَام
وَكَانَ الرئيس أَبُو عَليّ من أهل مرو الروذ وَكَانَ فِي أول أمره تَاجِرًا إِلَى أَن نما مَاله وتزايدت النعم عَلَيْهِ وعلت مَنْزِلَته وَصَارَ مشارا إِلَيْهِ عِنْد السلاطين(4/299)
وَفقه الله تَعَالَى فحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام ثمَّ عَاد وَأنْفق أَمْوَالًا جزيلة فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والربط وتنوع فِي الْمَعْرُوف وَبنى جَامعا بمرو الروذ تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة
قَالَ عبد الغافر عَم الْآفَاق بخيره وبره
وَكَانَ يدْخل نيسابور فِي أَوَائِل أمره ويعامل أَهلهَا فَلَمَّا رأى اضْطِرَاب الْأُمُور وتزايد التعصب من الْفَرِيقَيْنِ قبل أَن يجلس السُّلْطَان ألب أرسلان على سَرِير ملكه ويزين وَجه الْآفَاق بطلعة نظام ملكه انْقَطع حَتَّى انْقَطَعت مَادَّة الْأَهْوَاء وطوي بِسَاط العصبية بذب نظام الْملك عَن حَرِيم الْملَّة الحنيفية ومساعدة السُّلْطَان الَّذِي هُوَ سُلْطَان الْوَقْت المذعن إِلَى الْخَيْر المنقاد إِلَى الْمَعْرُوف ألب أرسلان وَعند ذَلِك سَأَلَ الرئيس أَبُو عَليّ السُّلْطَان والوزير فِي بِنَاء الْجَامِع المنيعي بنيسابور فَأُجِيب إِلَى مَسْأَلته فَعمد إِلَى خَالص مَاله وَأنْفق فِي بنائِهِ الْأَمْوَال الجزيلة وَكَانَ لَا يفتر آونة من ليل وَلَا سَاعَة من نَهَار مَخَافَة تغير الْأُمُور واضطراب الآراء إِلَى أَن تمّ وأقيمت الْجُمُعَة فِيهِ وَصَارَ جَامع الْبَلَد الْمَشْهُور وَهُوَ الَّذِي كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خَطِيبه
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ بَلغنِي أَن عجوزا جَاءَتْهُ وَهُوَ يَبْنِي جَامع نيسابور وَمَعَهَا ثوب يُسَاوِي نصف دِينَار وَقَالَت سَمِعت أَنَّك تبني الْجَامِع فَأَرَدْت أَن يكون لي فِي النَّفَقَة الْمُبَارَكَة أثر فَدَعَا خازنه واستحضر ألف دِينَار وَاشْترى بهَا مِنْهَا الثَّوْب وَسلم الْمبلغ إِلَيْهَا ثمَّ قبض مِنْهَا الخازن ثمَّ قَالَ لَهُ أنْفق هَذِه الْألف مِنْهَا فِي بِنَاء الْمَسْجِد وَقَالَ احفظ هَذَا الثَّوْب لكفني ألْقى الله فِيهِ(4/300)
وَكَانَ أَبُو عَليّ على قدم عَظِيم من الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة والتواضع وَالْبر وَكَثْرَة الصَّدقَات وَالصَّلَاة يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار ويلبس خشن الثِّيَاب مَعَ كَثْرَة الْأَمْوَال الجزيلة والجاه العريض فِي الدُّنْيَا ونفاذ الْكَلِمَة
وَلما وَقع الْقَحْط بِتِلْكَ الْبِلَاد فِي شهور سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أنْفق أَمْوَالًا عَظِيمَة وَكَانَ ينصب الْقدر وَيفرق أَكثر من ألف من خبْزًا كل يَوْم للْفُقَرَاء أَو ينصب الْقُدُور وَيفرق طَعَاما كثيرا كل ذَلِك غير مَا يتَصَدَّق بِهِ سرا
وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر والملوك تسْعَى إِلَيْهِ وتحترمه حَتَّى قيل إِن السُّلْطَان ألب أرسلان قَالَ فِي مملكتي من لَا يخافني وَإِنَّمَا يخَاف من الله
مُشِيرا إِلَيْهِ
وَكَانَ كلما أقبل الشتَاء يتَّخذ الْجبَاب والقمص والسراويلات ويكسو قَرِيبا من ألف فَقير
وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ كثير المحاسن
وَقد سمع من أبي طَاهِر الزيَادي وَأبي الْقَاسِم بن حبيب وَأبي الْحسن السقا وَجَمَاعَة
روى عَنهُ محيى السّنة الْبَغَوِيّ وَأَبُو المظفر عبد الْمُنعم الْقشيرِي ووجيه الشحامي وَغَيرهم(4/301)
قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي لَو تتبعنا مَا ظهر من آثاره وحسناته لعجزنا
توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى
وَهُوَ الَّذِي لقنه القَاضِي الْحُسَيْن مَسْأَلَة ليغالط بهَا فُقَهَاء مرو إِذا قدم عَلَيْهِم
وَصورتهَا رجل غصب حِنْطَة فِي زمن الغلاء وَفِي زمن الرُّخص طَالبه الْمَالِك فَهَل يُطَالب بِالْمثلِ أَو الْقيمَة فَمن قَالَ إِنَّه يُطَالب بِالْمثلِ فَقَط غلط
وَمن قَالَ يُطَالب بِالْقيمَةِ غلط لِأَن فِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيلًا إِذا تلفت الْحِنْطَة فِي يَده كَمَا هِيَ قبل الطَّحْن كَمَا إِذا احترقت وَجب الْمثل وَإِن طحن وعجن وخبز وَأكل فَعَلَيهِ الْقيمَة لِأَن الطَّحْن والعجن وَالْخبْز من ذَوَات الْقيم
وَقد نقل ذَلِك أَبُو سعد الْهَرَوِيّ فِي الإشراف والرافعي فِي الشَّرْح
378 - الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن اللَّيْث الْحَافِظ
أَبُو عَليّ الْكشِّي ثمَّ الشِّيرَازِيّ
سمع بِبَغْدَاد من إِسْمَاعِيل الصفار وَعبد الله بن درسْتوَيْه(4/302)
وبنيسابور من الْأَصَم وَابْن الأخرم الشَّيْبَانِيّ
وبفارس من الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الرامَهُرْمُزِي
سمع مِنْهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَقَالَ هُوَ مقدم فِي معرفَة الْقرَاءَات حَافظ للْحَدِيث رحال
قدم علينا أَيَّام الْأَصَم ثمَّ قدم علينا سنة ثَلَاث وَخمسين
وَسمع مِنْهُ أَيْضا أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ وَغير وَاحِد
ورحل إِلَى هراة وَمَعَهُ ابناه اللَّيْث وَأَبُو بكر
فَسَمِعُوا بهَا الحَدِيث من أبي الْفضل بن خميرويه
توفّي فِي شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة
379 - الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد(4/303)
380 - الْحسن بن الْحُسَيْن بن حمكان أَبُو عَليّ الهمذاني
صَاحب أبي حَامِد المروروذي
قَالَ الشَّيْخ سكن بَغْدَاد ودرس بهَا
قلت روى عَن أبي بكر النقاش وَغَيره من خلائق يطول تعدادهم
وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي وَكَانَ يُضعفهُ فِي الحَدِيث
وَله كتاب فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
توفّي فِي سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة
381 - الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رامين
القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الإستراباذي
نزيل بَغْدَاد
حدث عَن ابْن عدي ويوسف بن الْقَاسِم الميانجي وَخلف بن مُحَمَّد الْخيام وَأبي بكر الْقطيعِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد وَبشر بن أَحْمد الإسفرايني وَغَيرهم
روى عَنهُ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ وَعبد الْوَاحِد بن علوان بن عقيل وطاهر بن أَحْمد الْفَارِسِي نزيل دمشق(4/304)
قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا فَاضلا صَالحا
سَافر الْكثير وَلَقي شُيُوخ الصوفيه
وَكَانَ يفهم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
382 - الْحسن بن عبد الله
وَقيل عبيد الله مُصَغرًا
هُوَ القَاضِي أَبُو عَليّ الْبَنْدَنِيجِيّ صَاحب الذَّخِيرَة وَأحد العظماء من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد وَله عَنهُ تعليقة مَشْهُورَة
كَانَ فَقِيها عَظِيما غواصا على المشكلات صَالحا ورعا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَت لَهُ حَلقَة فِي جَامع الْمَنْصُور للْفَتْوَى وَكَانَ صَالحا دينا ورعا سَمِعت أَبَا عبد الْكَرِيم بن عَليّ القصري يَقُول لم أر فِيمَن صحب أَبَا حَامِد أدين من أبي عَليّ الْبَنْدَنِيجِيّ(4/305)
قَالَ الْخَطِيب وَخرج بِأخرَة إِلَى البندنيجين فَمَاتَ بهَا فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
وَالله أعلم
وَمن الْفَوَائِد والغرائب عَنهُ
حكى فِي الذَّخِيرَة وَجْهَيْن فِيمَن دخل الْمَسْجِد فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لَا لغَرَض هَل يجوز لَهُ صَلَاة التَّحِيَّة والرافعي وَالْأَكْثَر خصصوا الْوَجْهَيْنِ بِمَا إِذا دخل لغَرَض التَّحِيَّة فَقَط وَقَالُوا الأقيس الْكَرَاهَة فالصور إِذا ثَلَاثَة من دخل لغَرَض مَا من درس أَو اعْتِكَاف أَو غَيرهمَا فيصليهما إِمَّا بِلَا خلاف أَو على الصَّحِيح عِنْد من يثبت الْخلاف فِي هَذِه الصُّورَة
وَمن دخل لَا لحَاجَة بل ليُصَلِّي التَّحِيَّة وفيهَا الْوَجْهَانِ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَمن دخل لَا لحَاجَة أصلا وَهِي صُورَة الْبَنْدَنِيجِيّ إِلَّا أَن ينزل كَلَامه على مَا صور الرَّافِعِيّ
وَالْأَظْهَر عِنْدِي الْعَكْس وَهُوَ أَن ينزل كَلَام الرَّافِعِيّ على كَلَام الْبَنْدَنِيجِيّ
وَيُقَال الْوَجْهَانِ فِيمَن دخل لَا لغَرَض غير التَّحِيَّة سَوَاء دخل لغَرَض التَّحِيَّة أم لَا لغَرَض أصلا
وَيظْهر عِنْدِي تَرْجِيح الْكَرَاهَة فِيمَن دخل لأجل التَّحِيَّة وَهُوَ مَا صور الرَّافِعِيّ وَرجح
وترجيح عدم كَرَاهَة الصَّلَاة فِيمَن دخل لَا لغَرَض أصلا فليبحث عَن ذَلِك(4/306)
نقل الْبَنْدَنِيجِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب أَن الْمُسَافِر إِذا جمع بَين الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا حرم عَلَيْهِ أَن يتَنَفَّل بعد ذَلِك فِي وَقت الظّهْر
قَالَ لِأَنَّهَا نَافِلَة بعد الْعَصْر
وَلم أره فِي الذَّخِيرَة وَكَأَنَّهُ حَكَاهُ فِي التعليقة
وَقد أفتى الشَّيْخ الْعِمَاد بن يُونُس بِخِلَاف ذَلِك وَكَأَنَّهُ لم ير كَلَام الْبَنْدَنِيجِيّ مَعَ أَن الْمَسْأَلَة مُحْتَملَة
383 - الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عمر بن حَفْص بن زيد النيهي
نِسْبَة إِلَى نيه بِكَسْر النُّون وَسُكُون آخر الْحُرُوف وَفِي آخرهَا الْهَاء
بَلْدَة صَغِيرَة بَين سجستان وأسفراين
هُوَ الْفَقِيه الْجَلِيل أَبُو مُحَمَّد تلميذ القَاضِي الْحُسَيْن وَشَيخ إِبْرَاهِيم المروروذي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع عَارِف بِالْمذهبِ انْتَشَر عَنهُ الْأَصْحَاب
سمع الحَدِيث من أستاذه يَعْنِي القَاضِي الْحُسَيْن وَمن أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن الْعَلَاء الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا
وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل حد الْقَذْف من كتاب مُوجبَات الضَّمَان وَلَو قَالَ لَهُ يَا مؤاجر فَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقَذْف بِأَنَّهُ يُؤْتى
وَعَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم المروروذي أَنه حكى عَن أستاذه النيهي أَنه قَالَ هُوَ صَرِيح لاعتياد النَّاس الْقَذْف بِهِ
انْتهى(4/307)
وَقد تصحف النيهي فِي نسخ الرَّافِعِيّ بالتيمي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا آخر الْحُرُوف ثمَّ الْمِيم وَإِنَّمَا هُوَ النيهي هَذَا فاضبط ذَلِك
والفرح مسطور فِي تعليقة الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وَفِيه مقَالَة ثَالِثَة عَن عبد الله أخي الْحسن النيهي فَإِن إِبْرَاهِيم فِي تعليقته ذكر فِي بَاب حد الْقَذْف أَن الْأَصْحَاب قَالُوا إِنَّه كِنَايَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا معنى الْإِجَارَة وَالْإِنْسَان قد يُؤَاجر نَفسه لبَعض الْأَعْمَال
ثمَّ قَالَ وَقَالَ شيخى الإِمَام الْحسن النيهي هُوَ صَرِيح فِي الْقَذْف لاعتياد النَّاس الْقَذْف بِهِ
وَقَالَ أَخُوهُ الشَّيْخ الإِمَام عبد الله يحْتَمل أَن يَجْعَل هَذَا كِنَايَة من الْمُمَيز صَرِيحًا من الْعَاميّ كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام
انْتهى
وَذكره القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة وَقَالَ إِنَّه صَرِيح لجَرَيَان الْعرف بِالْقَذْفِ بِهِ
وَمِنْه فِيمَا أَحسب أَخذ الْحسن النيهي وَحَكَاهُ صَاحب الْعمد فِي بَاب حد الْقَذْف عَن الْقفال
فقد بَان أَن الْقفال قَائِل هَذِه الْمقَالة وَمِنْه أَخذهَا تِلْمِيذه القَاضِي الْحُسَيْن وَمِنْه أَخذهَا تِلْمِيذه النيهي
وَلَعَلَّ هَذَا فِي بِلَادهمْ أما بِلَادنَا فَلَا عرف لهَذِهِ اللَّفْظَة فِيهَا فالأشبه أَن لَا تجْعَل صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة
وَالله تَعَالَى أعلم(4/308)
384 - الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي
الْوَزير الْكَبِير الْعَالم الْعَادِل أَبُو عَليّ الملقب نظام الْملك
وَزِير غالى الْمُلُوك فِي سَمعتهَا وغالب الضراغم وَكَانَت لَهُ النُّصْرَة مَعَ شدَّة منعتها وضاهى الْخُلَفَاء فِي عطائها وباهى الفراقد فَكَانَ فَوق سمائها
ملك طَائِفَة الْفُقَهَاء بإحسانه وسلك فِي سَبِيل الْبر مَعَهم سَبِيلا لم يعْهَد قبل زَمَانه هُوَ أشهر من بنى لَهُم الْمدَارِس وشيد أركانهم ولولاه خيف أَن يكون كالطلال الدارس
كَانَ جوادا يخجل لَدَيْهِ كل ذِي جبين وضاح ويتنافس على أريج ثنائه مسك اللَّيْل وكافور الصَّباح طمس ذكر من كُنَّا نسْمع فِي المكارم من الْمُلُوك خَبره وغرس فِي الْقُلُوب شجرات إحسانه المثمرة
دولته كلهَا فضل وأيامه جَمِيعهَا عدل وَوَقته وابل بالسماح مغدق ومجلسه بِجَمَاعَة الْعلمَاء صباح مشرق
كل يَوْم من أَيَّامه مِقْدَاره ألف سنة وكل معدلة من أَحْكَامه أنامت الْأَنَام فأمن كل واستطاب وسنه
لَو هدد الدَّهْر بعدله لما تعدى بصروفه وَلَو عرض نداه فِي كل نَاد من الْخُلَفَاء لعرف من بَينهم بمعروفه(4/309)
إِن جلس بَين الْعلمَاء جلس وَعَلِيهِ سِيمَا الْوَقار وَله من التأدب مَعَهم مَا شهِدت بِهِ فِي التواريخ الْأَخْبَار
يتضاءل بَين الْعلمَاء ويتنازل وَإِن كَانَ منزله أعلا من نجم السَّمَاء
خلق أرق من النسيم ومحيا تعرف فِيهِ نَضرة النَّعيم
(تنبي طلاقة بشره عَن جوده ... فيكاد يلقى النجح قبل لِقَائِه)
(وضياء وَجه لَو تَأمله امْرُؤ ... صادي الجوانح لارتوى من مَائه)
وَإِن قعد للمظالم أَقَامَ بِالْكتاب وَالسّنة وأخاف فِي الله ببطشه كل ذِي يَد عَادِية تَغْدُو بعْدهَا النُّفُوس مطمئنة حَتَّى أقرَّت لَهُ بِالْعَدْلِ عُظَمَاء السلاطين واستقرت فِي أَيَّامه بالأمن النَّاس لَا يَخْشونَ نازلة المتعالين
وَإِن أَفَاضَ جوده أخجل الْغَمَام وأجزل كل عَطاء جزل لم تره النَّفس إِلَّا فِي آمال الْيَقَظَة أَو أَحْلَام الْمَنَام
(لَيْسَ التَّعَجُّب من مواهب مَاله ... بل من سلامتها إِلَى أَوْقَاتهَا)
وَإِن ركب الهيجاء لم يكن لَهُ حَاجِب إِلَّا مواضي الصفاح وَلَا طَلِيعَة إِلَّا شهب الأسنة على رُءُوس الرماح
(وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرمرم)
(وَلم يخل من نصر لَهُ من لَهُ يَد ... وَلم يخل من شكر لَهُ من لَهُ فَم)
(وَلم يخل من أَسْمَائِهِ عود مِنْبَر ... وَلم يخل دِينَار وَلم يخل دِرْهَم)
يرفع لِوَاء الْإِسْلَام وَيسمع نوح الْحمام على أُمَم أنزل بهم الْحمام وَيقوم فيقعد(4/310)
كل كمى ويرعف أنف كل مشرفي وسمهري
(على عاتق الْملك الْأَعَز نجاده ... وَفِي يَد جَبَّار السَّمَوَات قائمه)
يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا ويناضل فَلَا يدع فِي حَيّ الْأَعْدَاء حَيا ويبارز حَيْثُ تتأخر الْجِيَاد السنابك ويجاوز فَلَا تسمع إِلَّا من يَقُول وَمَا النَّاس إِلَّا هَالك وَابْن هَالك
(فِي جحفل ستر الْعُيُون غباره ... فَكَأَنَّمَا يبصرن بالآذان)
(قد سودت روس الْجبَال شُعُورهمْ ... فَكَأَن فِيهِ مسفة الْغرْبَان)
(إِن السيوف مَعَ الَّذين قُلُوبهم ... كقلوبهم إِذا التقى الْجَمْعَانِ)
(يلقى الحسام على جَرَاءَة حَده ... مثل الجبان بكف كل جبان)
أسنة مسنونة وَسنة مسنونة وَأَيَّام بعدله مَأْمُونَة وزمن بالنعماء مشحون وَفَوق الزَّمن السالف إِذا اعْتبرت السنون وَأجل وَكَيف وَفِي ذَلِك فَرد أَمِين ومأمون وكل أحد فِي زمن هَذَا أَمِين ومأمون
(فَلَا عقرب إِلَّا بخد مليحة ... وَلَا جور إِلَّا فِي ولَايَة سَاق)
وَملك هُوَ نظامه وسلك هُوَ واسطته إِذا عدت أَيَّامه وإفك هُوَ ماحيه إِذا دجى ظلامه(4/311)
بَطل شُجَاع وَرجل يخافه على صافناتها الْأَبْطَال وَفَوق سريرها الْمُلُوك وَفِي أجماتها السبَاع
مقدم العساكر ومقدامها وَأسد الممالك وضرغامها وَأسد الْأَبْطَال رَأيا وهمامها
لَا تضع الْحَرْب عِنْده أَوزَارهَا حَتَّى يضع العصاة أَوزَارهَا وَترجع إِلَى الله تَعَالَى رَجْعَة نفوس لَا تبالي ولى عَنْهَا شيطانها أَوزَارهَا
ولد نظام الْملك سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ من أَوْلَاد الدهاقين الَّذين يعْملُونَ فِي الْبَسَاتِين بنواحي طوس فحفظه أَبوهُ الْقُرْآن وشغله فِي التفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي
ثمَّ خرج من عِنْد أَبِيه إِلَى غزنة وخدم فِي الدِّيوَان السلطاني ورقت بِهِ الْأَحْوَال سفرا وحضرا
وخدم فِي الدَّوَاوِين بخراسان وغزنة واختص بِأبي عَليّ بن شَاذان وَزِير السُّلْطَان ألب رسْلَان فَلَمَّا حانت وَفَاة ابْن شَاذان أوصى ألب أرسلان بِهِ وَذكر لَهُ كفاءته وأمانته فنصبه مَكَانَهُ فِي الوزارة
وَلم يزل السعد يَخْدمه والأمور تجْرِي على وفْق مُرَاده وَاتفقَ فِي أَيَّامه من محَاسِن الْأَفْعَال وَنشر الْعدْل وَضبط الْأَحْوَال مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان وتناقلته الْأَلْسِنَة وَصَارَ بَابه محط الرّحال ومنتهى الآمال
وَأخذ فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والمدارس والرباطات وَفعل أَصْنَاف الْمَعْرُوف بتنوع أقسامه وَاخْتِلَاف أَنْوَاعه واشتدت مَعَ ذَلِك وطأته وعظمت مكانته وتزايدت هيبته
إِلَى أَن انْقَضتْ دولة ألب أرسلان فَملك بعده السُّلْطَان الْكَبِير ملكشاه بتدبير نظام الْملك وكفايته فازدادت حرمته وتصاعدت مرتبته(4/312)
وَقدم بَغْدَاد مرَارًا مَعَ السُّلْطَان وقوبل من الْخَلِيفَة بنهاية الإجلال والتعظيم وَبنى بِبَغْدَاد مدرسة ورباطا
وَتوجه مَعَ السُّلْطَان ملكشاه إِلَى الْغُزَاة بِبِلَاد الرّوم وَفتح عدَّة بِلَاد من ديار بكر وَرَبِيعَة والجزيرة وحلب ومنبج ثمَّ عَاد إِلَى خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر
وَجَرت أُمُوره على السداد نَافِذَة أُمُوره فِي أقطار الأَرْض إِلَيْهِ يرجع النَّاس بأمورهم وَهُوَ الْحَاكِم لَا كلمة لغيره ومجالسه معمورة بالعلماء
مأهولة بالأئمة والزهاد لم يتَّفق لغيره مَا اتّفق لَهُ من ازدحام الْعلمَاء عَلَيْهِ وتردادهم إِلَى بَابه وثنائهم على عدله وتصنيفهم الْكتب باسمه يحضر سماطه مثل أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم
وَذكر النقلَة أَنه لم يكن فِي زَمَانه أكفأ مِنْهُ فِي صناعَة الْحساب وصناعة الْإِنْشَاء ووصفوه بسداد الْأَلْفَاظ فيهمَا عَرَبِيَّة وفارسية
وَكَانَ من أخلاقه أَنه مَا جلس قطّ إِلَّا على وضوء وَلَا تَوَضَّأ إِلَّا وتنفل وَيقْرَأ الْقُرْآن وَلَا يتلوه مُسْتَندا إعظاما لَهُ ويستصحب الْمُصحف مَعَه أَيْنَمَا توجه وَإِذا أذن الْمُؤَذّن أمسك عَن كل شغل هُوَ فِيهِ وأجابه ويصوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس
وَلَا يمْنَع أحدا من الدُّخُول عَلَيْهِ لَا وَقت الطَّعَام وَلَا غَيره إِذا جلس
وهجمت امْرَأَة عَلَيْهِ مرّة وَقت الطَّعَام وَمَعَهَا قَضِيَّة فزبرها بعض الْحجاب فحانت مِنْهُ التفاتة إِلَيْهِ فَلَقِيَهُ بالْكلَام الصعب وَقَالَ إِنَّمَا أريدك وأمثالك لإيصال مثل هَذِه وَأما المحتشمون فهم يوصلون نُفُوسهم
وَبنى مدرسة بِبَغْدَاد ومدرسة ببلخ ومدرسة بنيسابور ومدرسة بهراة ومدرسة بأصبهان ومدرسة بِالْبَصْرَةِ ومدرسة بمرو ومدرسة بآمل طبرستان ومدرسة بالموصل(4/313)
وَيُقَال إِن لَهُ فِي كل مَدِينَة بالعراق وخراسان مدرسة وَله بيمارستان بنيسابور ورباط بِبَغْدَاد
قلت وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ زعم أَنه أول من بنى الْمدَارِس وَلَيْسَ كَذَلِك فقد كَانَت الْمدرسَة البيهقية بنيسابور قبل أَن يُولد نظام الْملك والمدرسة السعدية بنيسابور أَيْضا بناها الْأَمِير نصر بن سبكتكين أَخُو السُّلْطَان مَحْمُود لما كَانَ واليا بنيسابور ومدرسة ثَالِثَة بنيسابور بناها أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْمثنى الإستراباذي الْوَاعِظ الصُّوفِي شيخ الْخَطِيب ومدرسة رَابِعَة بنيسابور أَيْضا
بنيت للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ لم يبن بنيسابور قبلهَا يَعْنِي مدرسة الْأُسْتَاذ مثلهَا
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه بني قبلهَا غَيرهَا وَقد أدرت فكري وَغلب على ظَنِّي أَن نظام الْملك أول من قدر المعاليم للطلبة فَإِنَّهُ لم يَتَّضِح لي هَل كَانَت الْمدَارِس قبله بمعاليم للطلبة أَو لَا وَالْأَظْهَر أَنه لم يكن لَهُم مَعْلُوم
ونقلت من خطّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي خطْبَة الغياثي مَا قَالَه يصف نظام الْملك سيد الورى ومؤيد الدّين وَالدُّنْيَا ملاذ الْأُمَم مستخدم للسيف والقلم وَمن ظلّ ظلّ الْملك بيمن مساعيه ممدودا ولواء النَّصْر معقودا فكم بَاشر أوزار الْحَرْب وأدار رحى الطعْن وَالضَّرْب فَلَا يَده ارْتَدَّت وَلَا طلعته البهية أربدت وَلَا عزمه انثنى وَلَا حَده نبا قد سدت مسالك المهالك صوارمه وحصنت الممالك صرائمه وحلت شكائم العدى عَزَائِمه وتحصنت المملكة بنصله وتحسنت الدُّنْيَا بأفضاله وفضله وَعم ببره آفَاق الْبِلَاد وَنفى الغي عَنْهَا بالرشاد وجلى ظلام الظُّلم عدله وَكسر فقار الْفقر بذله وَكَانَت خطة الْإِسْلَام شاغرة وأفواه الخطوب إِلَيْهَا فاغرة(4/314)
فَجمع الله بِرَأْيهِ الثاقب شملها وَوصل بيمن نقيبته حبلها وأصبحت الرعايا فِي رعايته وَادعَة وأعين الْحَوَادِث عَنْهَا هاجعة وَالدّين يزهى بتهلل أساريره وإشراق جَبينه وَالسيف يفخر فِي يَمِينه يرجوه الآيس البائس فِي أدراج أنينه ويركع لَهُ تَاج كل شامخ بعرنينه ويهابه اللَّيْث المزمجر فِي عرينه
انْتهى
وَهَذَا من هَذَا الإِمَام الْجَلِيل وَإِن لم يخل عَن بعض الْمُبَالغَة شَاهد عدل لعلو مِقْدَار نظام الْملك عِنْد هَذَا الحبر الَّذِي يحْتَج بكلماته المتقدمون والمتأخرون وَعنهُ انتشرت شَرِيعَة الله أصولا وفروعا
وَحكى الْأَمِير أَبُو نصر بن مَاكُولَا قَالَ حضرت مجْلِس نظام الْملك وَقد رمى بعض أَرْبَاب الْحَوَائِج رقْعَة إِلَيْهِ فَوَقَعت على دواته وَكَانَ مدادها كثيرا فنال المداد عمَامَته وثيابه فاسودت فَلم يقطب وَلم يتَغَيَّر وَمد يَده إِلَى الرقعة فَأَخذهَا وَوَقع عَلَيْهَا فتعجبت من حلمه فحكيت لأستاذ دَاره فَقَالَ الَّذِي جرى فِي بارحتنا أعجب كَانَ فِي نوبتنا أَرْبَعُونَ فراشا فَهبت ريح شديده أَلْقَت التُّرَاب على بساطه الْخَاص فَالْتمست أحدهم ليكنسه فَلم أَجِدهُ فاسودت الدُّنْيَا فِي عَيْني وَقلت أقل مَا يجْرِي صرفي وعقوبتهم فأظهرت الْغَضَب فَقَالَ نظام الْملك لَعَلَّ أسبابا لَهُم اتّفقت منعتهم من الْوُقُوف بَين أَيْدِينَا وَمَا يَخْلُو الْإِنْسَان من عذر مَانع وشغل قَاطع يصده عَن تأدية الْفَرْض وَمَا هم إِلَّا بشر مثلنَا يألمون كَمَا نألم ويحتاجون إِلَى مَا نحتاج إِلَيْهِ وَقد فضلنَا الله عَلَيْهِم فَلَا نجْعَل شكر نعْمَته مؤاخذتهم على ذَنْب يسير
قَالَ فعجبت من حلمه
ويحكى عَنهُ من هَذَا الْبَاب لطائف كَثِيرَة(4/315)
قلت وَفِي هَذِه الْحِكَايَة أَيْضا دلَالَة على كَثْرَة مَا كَانَ فِيهِ من الحشمة لدلالتها على أَن نوبَة الفراشين عِنْده أَرْبَعُونَ نفسا فَإِن كَانَ يعْمل النوب ثَلَاثًا كعادة السلاطين فِي بِلَادنَا فَيدل على أَن لَهُ مائَة وَعشْرين فراشا وَإِن كَانَ يعملها نوبتين كعادة نواب السلطنة والأمراء الْكِبَار فَيدل على أَن لَهُ ثَمَانِينَ فراشا وَهَذَا أَمر عَظِيم فنائب الشَّام وَهُوَ أعظم نواب سُلْطَان الْإِسْلَام فِي هَذَا الزَّمَان لَيْسَ لَهُ غير سِتَّة عشر فراشا كل نوبَة ثَمَانِيَة هَذَا حَاله وَحَال من قبله من زمَان تنكز إِلَى الْآن لَا يزِيدُونَ على هَذَا الْقدر وَأَكْثَرهم ينقص عَنهُ وَكَانَ من قبل تنكز دونه
وَمِمَّا يدل أَيْضا على عَظمته وحشمته مَعَ ديانته مَا حُكيَ أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي دخل عَلَيْهِ مرّة فَوجدَ بَين يَدَيْهِ الجمدارية قد اصطفت ميمنة وميسرة وَكَانُوا ثَمَانِينَ جمدارا ملبسين أحسن الملابس وَكلهمْ مرد ملاح فقطب الْأُسْتَاذ ففهم نظام الْملك أَن الْأُسْتَاذ أنكر هَذِه الْحَالة فَقَالَ لَهُ يَا أستاذ مَا فِي هَؤُلَاءِ المماليك الثَّمَانِينَ إِلَّا من شِرَاؤُهُ فَوق الثَّمَانِينَ ألفا وَمَعَ ذَلِك وَالله مَا حللت سراويلي على حرَام قطّ وَلَكِن حُرْمَة الوزارة وَالْملك تَقْتَضِي هَذَا
فَهَذِهِ الْحِكَايَة تدل على أَن لَهُ إِمَّا مائَة وَسِتِّينَ جمدارا إِن كَانَ يعْمل نوبتين أَو أَكثر إِن كَانَ أَكثر من نوبتين وَإِن كَانَ هَذَا عدد الجمدارية وهم عبارَة عَن مماليك مردان يكونُونَ مَعَ الْمُلُوك فِي غَالب أَحْوَالهم فَمَا يكون عدد مماليكه الَّذين يعدهم للحرب وكل ذَلِك خَارج عَن أجناده المجندة فَإِن أُولَئِكَ مضافون إِلَى السُّلْطَان لَا إِلَيْهِ وَإِن كَانُوا فِي خدمته ومؤتمرين بأَمْره
وَقد كَانَت حَالَته تَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ مكث فِي الوزارة ثَلَاثِينَ سنة وَلم تكن(4/316)
وزارته وزارة بل فَوق السلطنة فَإِن السُّلْطَان جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان اتسعت ممالكه فَكَانَت تَحت ملكه بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وبلاد الهياطلة وَبَاب الْأَبْوَاب وخراسان وَالْعراق وَالشَّام وَالروم والجزيرة فمملكته من كاشغر وَهِي أقْصَى مَدَائِن التّرْك إِلَى بَيت الْمُقَدّس طولا وَمن قرب قسطنطينية إِلَى بَحر الْهِنْد عرضا وَلم يكن مَعَ ذَلِك لملكشاه مَعَ نظام الْملك غير الِاسْم والأبهة والتنوع فِي اللَّذَّات وَكَانَ مَشْغُولًا بالصيد واللذة ونظام الْملك هُوَ الْآمِر الْمُتَصَرف لَا يجْرِي جليل وَلَا حقير إِلَّا بأَمْره مستبدا بذلك
وَيُقَال إِن نظام الْملك أول من فرق الإقطاعات على الْجند وَلم يكن عَادَة الْخُلَفَاء والسلاطين من لدن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن الْأَمْوَال كلهَا تجبى إِلَى الدِّيوَان ثمَّ تفرق العطايا على الْأُمَرَاء والأجناد على حسب الْمُقَرّر لَهُم فَلَمَّا اتسعت مملكة نظام الْملك رأى أَن يسلم إِلَى كل مقطع قَرْيَة أَو أَكثر أَو أقل على قدر إقطاعه
قَالَ فَإِن فِيهِ أَنه إِذا تسلمها وَلَيْسَ لَهُ غَيرهَا عمرها واعتنى بهَا بِخِلَاف مَا إِذا شَمل الْكل ديوَان وَاحِد فَإِن الْخرق يَتَّسِع فَفعل ذَلِك فَكَانَ سَبَب عمَارَة الْبِلَاد وَكَثْرَة الغلات وتناقلته الْمُلُوك بعده واستمرت إِلَى الْيَوْم فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَأما بِلَاد الْعَجم وممالك نظام الْملك كلهَا الْآن فَمَا أظنها على هَذَا الْوَجْه بل تَغَيَّرت أحوالها لِكَثْرَة التغيرات
وَحكى أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق أَنه كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج(4/317)
إِلَى عَرَفَات فَأخْبرهُ رجل أَن إنْسَانا من الخراسانية مَاتَ بِبَعْض الزوايا وَأَنه انتفخ وَفَسَد وَلزِمَ الْقيام بِحقِّهِ
قَامَ فَمَكثت لذَلِك فرآني بعض من كَانَ يأتمنه نظام الْملك على أُمُور الْحَاج فَقَالَ لي مَا وقوفك هَا هُنَا وَالْقَوْم قد رحلوا فحكيت لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ اذْهَبْ وَلَا تهتم لأمر هَذَا الْمَيِّت فَإِن عِنْدِي خمسين ألف ذِرَاع من الكرباس لتكفين الْمَوْتَى من جِهَة الصاحب نظام الْملك قَالَ وَكَانَ أخي نظام الْملك يملي الحَدِيث بِالريِّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنِّي لست أَهلا لما أتولاه من الْإِمْلَاء لكني أُرِيد أَن أربط نَفسِي على قطار نقلة حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت وَقد سمع الحَدِيث بأصبهان من مُحَمَّد بن عَليّ بن مهريزد الأديب وَأبي مَنْصُور شُجَاع بن عَليّ بن شُجَاع
وبنيسابور من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
وببغداد من أبي الْخطاب بن البطر وَغَيره
وأملى بِبَغْدَاد مجلسين أَحدهمَا بِجَامِع الْمهْدي بالرصافة وَالْآخر بمدرسته وَحضر إملاءه الْأَئِمَّة
وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم نصر بن نصر العكبري وَعلي بن طراد الزَّيْنَبِي وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ وَغَيرهم
قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فِي الْفُنُون أَيَّامه الَّتِي شاهدناها تربي على كل أَيَّام سمعنَا بهَا وصدقنا بِمَا رَأَيْنَاهُ مَا سمعناه وَإِن كُنَّا قبل ذَلِك مستبعدين لَهُ ناسبين مَا ذكر فِي(4/318)
التواريخ إِلَى نوع تَحْسِين من الْكَذِب فأبهرت الْعُقُول سيرته جودا وكرما وعدلا وإحياء لمعالم الدّين بنى الْمدَارِس ووقف الْوُقُوف ونعش من الْعلم وَأَهله مَا كَانَ خاملا مهملا فِي أَيَّام من قبله وَفتح طَرِيق الْحَج وعمره وَعمر الْحَرَمَيْنِ واستقام الحجيج وابتاع الْكتب بأوفر الْأَثْمَان وأدر الجرايات للخزان
وَكَانَت سوق الْعلم فِي أَيَّامه قَائِمَة وَالنعَم على أَهله دارة وَكَانُوا مستطيلين على صُدُور أَرْبَاب الدولة أرفع النَّاس فِي مَجْلِسه لَا يحجبون عَن بَابه بتوسل بهم النَّاس فِي حوائجهم
هَذَا بعض كَلَام ابْن عقيل
وَحكى عبد الله الساوجي أَن نظام الْملك اسْتَأْذن السُّلْطَان ملكشاه فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَهُوَ إِذْ ذَاك بِبَغْدَاد فَعبر دجلة وعبروا بالآلات والأقمشة وَضربت الْخيام على شط دجلة
قَالَ فَأَرَدْت يَوْمًا أَن أَدخل عَلَيْهِ فَرَأَيْت بِبَاب الْخَيْمَة فَقِيرا يلوح عَلَيْهِ سِيمَا الْقَوْم فَقَالَ لي يَا شيخ أَمَانَة توصلها إِلَى الصاحب
قلت نعم
فَأَعْطَانِي رقْعَة مطوية فَدخلت بهَا وَلم أنظر فِيهَا حفظا للأمانة ووضعتها بَين يَدي الْوَزير فَنظر فِيهَا وَبكى بكاء شَدِيدا حَتَّى نَدِمت وَقلت فِي نَفسِي لَيْتَني نظرت فِيهَا فَإِن كَانَ مَا فِيهَا يسوءه لم أدفعها إِلَيْهِ(4/319)
ثمَّ قَالَ لي يَا شيخ أَدخل عَليّ صَاحب هَذِه الرقعة
فَخرجت فَلم أَجِدهُ وطلبته فَلم أظفر بِهِ فَأخْبرت الْوَزير بذلك فَدفع إِلَيّ الرقعة فَإِذا فِيهَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لي (اذْهَبْ إِلَى الْحسن وَقل لَهُ أَيْن تذْهب إِلَى مَكَّة حجك هَا هُنَا أما قلت لَك أقِم بَين يَدي هَذَا التركي وأعن أَصْحَاب الْحَوَائِج من أمتِي) فَرجع نظام الْملك
وَكَانَ يَقُول لَو رَأَيْت ذَلِك الْفَقِير حَتَّى أتبرك بِهِ قَالَ فرأيته على شط دجلة وَهُوَ يغسل خريقات لَهُ فَقلت لَهُ إِن الصاحب يطلبك
فَقَالَ مَا لي وللصاحب إِنَّمَا كَانَت عِنْدِي أَمَانَة فأديتها
قَالَ ابْن الصّلاح الساوجي هَذَا كَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف يعرف بشيخ الشُّيُوخ
وَحكى الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم أَخُو نظام الْملك أَنه كَانَ عِنْده لَيْلَة على أحد جانبيه والعميد خَليفَة على الْجَانِب الآخر وبجنبه فَقير مَقْطُوع الْيُمْنَى
قَالَ فشرفني الصاحب بالمواكلة وَجعل يلحظ العميد خَليفَة كَيفَ يُلَاحظ الْفَقِير
قَالَ فتنزه خَليفَة من مواكلة الْفَقِير لما رَآهُ يَأْكُل بيساره فَقَالَ لخليفة تحول إِلَى هَذَا الْجَانِب(4/320)
وَقَالَ للْفَقِير إِن خَليفَة رجل كَبِير فِي نَفسه مستنكف من مواكلتك فَتقدم إِلَيّ وَأخذ يواكله
وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ بهمذان وَقدم عَلَيْهِ ابْنه مؤيد الْملك من بَلخ فَإِنَّهُ كَانَ استقدمه لينفذه إِلَى بَغْدَاد حِين زوجه فَدخل عَلَيْهِ ووقف بَين يَدَيْهِ سَاعَة وَقضى للنَّاس حوائجهم فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الظّهْر وتفرق النَّاس نظر إِلَى ابْنه واستدناه فَجعل يقبل الأَرْض وَيَدْنُو فضمه إِلَيْهِ وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا بني توجه إِلَى بَيْتك إِلَى بَغْدَاد فِي ساعتك هَذِه
فودعه وَقبل يَده وَسَار من سَاعَته
والتفت نظام الْملك إِلَى من عِنْده وَقد تغرغرت عينه بالدموع وَقَالَ إِن عَيْش أحد البقالين أصلح من عيشي يخرج إِلَى دكانه غدْوَة وَيروح عَشِيَّة وَمَعَهُ مَا قسم لَهُ من الرزق فيجتمع هُوَ وَأَوْلَاده على طَعَامه وَيسر بقربهم مِنْهُ وحضورهم مَعَه وَهَذَا وَلَدي مَا رَأَيْته مُنْذُ ولد غير أَوْقَات يسيرَة وَقد نَشأ هَذَا المنشأ وَمَا يظْهر على مَا عِنْدِي من الحنو والشفقة فنهاري بَين أخطار وتكلف ومشاق وليلى بَين سهر وفكر تَارَة لتدبير الممالك والبلدان وَمن أرتب فِي كل صقع وَمَكَان وَمَا يخرج لكل وَاحِد من الْعَطاء وَالْإِحْسَان وَكَيف أرْضى هَذَا السُّلْطَان حَتَّى يمِيل إِلَيّ وَلَا يتَغَيَّر عَليّ وَبِأَيِّ أَمر أدفَع شَرّ من يقصدني فَمَتَى يكون لي زمَان ألتذ فِيهِ بنعمتي وأستدرك أفعالي بِمَا يَنْفَعنِي عِنْد لِقَاء رَبِّي وَبكى بكاء شَدِيدا
وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني قدم نظام الْملك إِلَى بَغْدَاد مرَّتَيْنِ وَكَانَ يباكر دَار السُّلْطَان وَيعود من الدِّيوَان إِذا أضحى النَّهَار فيخلو بِنَفسِهِ إِلَى وَقت(4/321)
الظّهْر وَيُصلي فيجلس ويحضر النَّاس وَيقْرَأ بَين يَدَيْهِ جُزْء من الحَدِيث على شيخ كَبِير عالي السَّنَد ويكرمه ويجلسه إِلَى جَانِبه وَيتَكَلَّم الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل وَيقْعد نظام الْملك مطأطأ الرَّأْس وَهُوَ يسمع جَمِيع مَا يجْرِي فِي الْمجْلس وَيسْأل الْحَوَائِج فِي أثْنَاء ذَلِك الْوَقْت ويجيب عَنْهَا وينعم بالأموال الطائلة والهبات الجزيلة
وَيُقَال كَانَ يتَصَدَّق فِي بكرَة كل يَوْم بِمِائَة دِينَار
وَلم تَبْرَح أُمُوره على مَا شرحناه وَفَوق مَا وصفناه إِلَى أَن خرج مَعَ السُّلْطَان من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَأَقَامَ بهَا شهورا فَلَمَّا انْقَضى الْحر توجها إِلَى بَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان وَقد تغير السُّلْطَان على نظام الْملك بِأُمُور مِنْهَا مَا هُوَ من محَاسِن نظام الْملك وَهُوَ تَعْظِيمه لأمر الْخَلِيفَة وَكَانَ نظام الْملك يتَقرَّب بذلك إِلَى الله تَعَالَى
وَلما دخل على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُقْتَدِي بِاللَّه أذن لَهُ فِي الْجُلُوس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا حسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْك بِرِضا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنْك
وَكَانَ نظام الْملك يستبشر بِهَذَا ويفرح وَيَقُول أَرْجُو أَن الله تَعَالَى يستجيب دعاءه
وانضم إِلَى ذَلِك أَن تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم استولى على قلب السُّلْطَان وتوصل إِلَى أَن حظي بالمنزلة الرفيعة عِنْده وَلم يكن للسُّلْطَان من الْقُدْرَة أَن يعْزل نظام الْملك لشدَّة اسْتِيلَاء نظام الْملك على السلطنة
فَلَمَّا انفصلوا عَن نهاوند وعسكروا بجانبها فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر رَمَضَان وحان وَقت الْإِفْطَار اتّفق فِي ليلته قتل نظام الْملك(4/322)
شرح حَال مقتل نظام الْملك رَحمَه الله تَعَالَى
صلى نظام الْملك الْمغرب فِي هَذِه اللَّيْلَة وَجلسَ على السماط وَعِنْده خلق كثير من الْفُقَهَاء والقراء والصوفية وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَجعل يذكر شرف الْمَكَان الَّذِي نزلوه من أَرض نهاوند وأخبار الْوَقْعَة الَّتِي كَانَت بِهِ بَين الْفرس وَالْمُسْلِمين فِي زمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن اسْتشْهد هُنَاكَ من الْأَعْيَان وَيَقُول طُوبَى لمن لحق بهم
فَلَمَّا فرغ من إفطاره خرج من مَكَانَهُ قَاصِدا مضرب حرمه فبدر إِلَيْهِ حدث ديلمي كَأَنَّهُ مستميح أَو مستغيث فعلق بِهِ وضربه وَحمل إِلَى مضرب الْحرم
فَيُقَال إِنَّه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنَا بالفداوية فانبث الْخَبَر فِي الْجَيْش وصاحت الْأَصْوَات وَجَاء السُّلْطَان ملكشاه حِين بلغه الْخَبَر مظْهرا الْحزن والنحيب والبكاء وَجلسَ عِنْد نظام الْملك سَاعَة وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ فَعَاشَ سعيدا وَمَات شَهِيدا فقيدا حميدا
وَكَانَ قَاتله قد تعثر بأطناب الْخَيْمَة فَلحقه مماليك نظام الْملك وقتلوه
وَقَالَ بعض خُدَّامه كَانَ آخر كَلَام نظام الْملك أَن قَالَ لَا تقتلُوا قاتلي فَإِنِّي قد عَفَوْت عَنهُ وَتشهد وَمَات
قَالَ فمضيت أَنا فَإِذا هُوَ قد قتل وَلَو قلت لما قبل قولي
ثمَّ اخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي الْجَيْش فَمن قَائِل إِن الباطنية جهزوا إِلَيْهِ من قَتله فَإِن ابْن صباح رَأس الباطنية فِي ذَلِك الْوَقْت دخل على الْمُسْتَنْصر صَاحب مصر فَأكْرمه وَأمره أَن يَدْعُو إِلَى إِمَامَته فَعَاد إِلَى خُرَاسَان ونواحي الشرق يضل النَّاس وَأقَام(4/323)
بقلعة ألموت بِنَاحِيَة قزوين وَأظْهر الزّهْد إغواء للنَّاس وتسلم القلعة الْمَذْكُورَة بِالْجَبَلِ فَبلغ نظام الْملك فَأرْسل لَهُ عسكرا ضايقوه فَبعث هُوَ لما علم أَنه لَا قبل لَهُ بنظام الْملك من قتل نظام الْملك وَصَارَ الْإِقْدَام على الْقَتْل سنة للباطنية واستفحل أَمرهم بعد الصاحب وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَقْرَب عِنْدِي إِلَى الصِّحَّة
وَمن قَائِل إِن السُّلْطَان هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ هَذَا الْقَاتِل وَذكروا لذَلِك أسبابا ظَهرت على السُّلْطَان حاصلها أَنه كَانَ بَينهمَا وَحْشَة من قبل أَن نظام الْملك كَانَ يعظم أَمر الْخَلِيفَة كَمَا قدمْنَاهُ وَكلما أَرَادَ السُّلْطَان نزع الْخَلِيفَة مَنعه النظام وَأرْسل فِي الْبَاطِن إِلَى الْخَلِيفَة ينبهه ويرشده إِلَى استمالة خاطر السُّلْطَان وَلم يكن النظام يفعل ذَلِك إِلَّا تدينا وذبا عَن حَرِيم الْخلَافَة وَإِلَّا فقد كَانَت حَالَته وحشمته إضعاف أَحْوَال الْخُلَفَاء
وَفِي حُدُود سنة سبعين لما فهم النظام التَّغَيُّر من السُّلْطَان على الْخَلِيفَة أرسل إِلَى الْخَلِيفَة وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يخْطب ابْنة السُّلْطَان لينسج الود بَينهمَا فَخَطَبَهَا وَكَانَ السفير بَينهمَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه فَتزَوج بهَا وَدخل بهَا فِي أول سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت مَعَه إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ أرْسلت إِلَى والدها تَشْكُو من الْخَلِيفَة كَثْرَة اطراحه لَهَا فَأرْسل يطْلب بنته مِنْهُ طلبا لَا بُد مِنْهُ فأرسلها الْخَلِيفَة وَمَعَهَا وَلَدهَا جَعْفَر فَذَهَبت فَمَاتَتْ بأصبهان فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ
فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ توجه السُّلْطَان من أَصْبَهَان إِلَى بَغْدَاد عَازِمًا على تَغْيِير الْخَلِيفَة وَعرف أَن ذَلِك لَا يتم لَهُ ونظام الْملك فِي الْحَيَاة فَعمل على قَتله قبل الْوُصُول إِلَى بَغْدَاد حَسْبَمَا شرحناه(4/324)
وَكَانَ من ذنُوب نظام الْملك عِنْده غير مَا ذَكرْنَاهُ اسْتِيلَاء أَوْلَاده على الممالك وَشدَّة وطأته وَأَنه بِالآخِرَة ولى ابْن ابْنه مرو فَتوجه إِلَيْهَا وَمَعَهُ شحنة السُّلْطَان فَجرى بَين شحنة السُّلْطَان بمرو وَبَين ولد نظام الْملك مَا أغضبهُ عَلَيْهِ فَعمل ابْن نظام الْملك وَقبض على الشّحْنَة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان الْخَبَر غضب وَبعث جمَاعَة إِلَى نظام الْملك يعتبه ويوبخه وَيَقُول إِن كنت شَرِيكي فِي الْملك فَلذَلِك حكم وَهَؤُلَاء أولادك قد استولى كل وَاحِد مِنْهُم على إقليم كَبِير وَلم يَكفهمْ حَتَّى تجاوزا أَمر السياسة
فأدوا الرسَالَة إِلَى نظام الْملك
فَيُقَال إِنَّه قوى نَفسه وَأخذ يُجيب بِأُمُور وَأَنه قَالَ فِي آخر كَلَامه إِن كَانَ لم يعلم أَنِّي شَرِيكه فِي الْملك فَليعلم
فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَعمل عَلَيْهِ الْحِيلَة سِنِين حَتَّى تمت لَهُ فِي هَذِه السّنة
وَيُقَال إِن أول تَغْيِير خاطره عَلَيْهِ من سنة سِتّ وَسبعين وَمِمَّنْ كَانَ غير خاطره عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة سيد الرؤساء أَبُو المحاسن ابْن كَمَال الدّين ابْن ابي الرِّضَا وَهُوَ رجل تقرب إِلَى خاطر السُّلْطَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أَبوهُ كَمَال الْملك يكْتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان وَكَانَ أَبُو المحاسن هَذَا عِنْده جَرَاءَة فَقَالَ للسُّلْطَان أَيهَا الْملك سلم إِلَيّ نظام الْملك وَأَنا أُعْطِيك ألف ألف دِينَار فَإِنَّهُم قد أكلُوا الْبِلَاد
فَبلغ ذَلِك نظام الْملك فَمد سماطا وَأقَام عَلَيْهِ مماليكه وهم أُلُوف من الأتراك وَأقَام سِلَاحهمْ وخيلهم ودعا السُّلْطَان فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ إِنِّي خدمتك وخدمت(4/325)
أَبَاك وَجدك ولي حق خدمَة وَقد بلغك أخذي لأموالك وَصدق الْقَائِل أَنا آخذ المَال وأعطيه لهَؤُلَاء الغلمان الَّذين جعلتهم لَك وأصرفه أَيْضا فِي الصَّدقَات وَالْوُقُوف والصلات الَّتِي مُعظم ذكرهَا لَك وأجرها لَك وأموالي وَجَمِيع مَا أملكهُ بَين يَديك وَأَنا أقنع بمرقعة وزاوية
فصفا لَهُ السُّلْطَان وَأمر أَن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إِلَى قلعة ساوة فَسمع أَبوهُ كَمَال الْملك الْخَبَر فَاسْتَجَارَ بنظام الْملك وَحمل مِائَتي ألف دِينَار وعزل عَن الطغراء يَعْنِي كِتَابَة السِّرّ ووليها مؤيد الْملك بن نظام الْملك
وَمن قَائِل لم يصف لَهُ السُّلْطَان بَاطِنا وَلَكِن عرف عَجزه عَنهُ
وَهَذِه الْحِكَايَة حَكَاهَا ابْن الْأَثِير وأظن نظام الْملك كَانَ أعظم من أَن يطْلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار وَلَعَلَّ هَذَا الْمبلغ يسير مِمَّا يصل إِلَيْهِ كل عَام
ثمَّ لم يمتع السُّلْطَان بعد قتل نظام الْملك وَلم يلذ لَهُ عَيْش بل تنكدت أَحْوَاله وتعكست أُمُوره
وَأما نظام الْملك فَحمل مَيتا إِلَى أَصْبَهَان وَدفن هُنَاكَ بمحلة لَهُ
فَأَما السُّلْطَان فاستمر ذَاهِبًا إِلَى بَغْدَاد واستوزر تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم وَقدم بَغْدَاد متمرضا وَهِي الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ لم يعبرها غير ثَلَاث مَرَّات وَوجد المقتدى قد جعل وَلَده المستظهر بِاللَّه ولي الْعَهْد فألزمه أَن يعزله وَيجْعَل ابْن بنته جعفرا ولي الْعَهْد وَكَانَ طفْلا وَأَن يسلم بَغْدَاد لَهُ وَيخرج إِلَى الْبَصْرَة تكون دَار خِلَافَته فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبَالغ فِي استعطاف ملكشاه واستنزله عَن هَذَا الرَّأْي فَلم يفعل فاستمهله عشرَة أَيَّام ليتجهز فَقيل إِن الْخَلِيفَة جعل يَصُوم ويطوي وَإِذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مَرضه وَمَات(4/326)
وَالْحَاصِل أَنه بعد نظام الْملك لم يمتع بِملكه وَلم يَعش غير شهر وَاحِد وَأَن الْوَزير تَاج الْملك أَيْضا وَكَانَ رجلا خيرا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته لم يمتع
وَيُقَال من سَعَادَة ذِي المنصب أَلا يَلِيهِ بعده كفو لَهُ فصادف أَنه ولي مَكَان نظام الْملك فمقته الْخلق مَعَ جودته وَجرى لَهُ مَا سنشرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته
وَوصل الْخَبَر إِلَى بَغْدَاد بوفاة نظام الْملك فَجَلَسَ الْوَزير عميد الدولة للعزاء وَحضر النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم
وَرَأى صَاحب الْعدة الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ فِي مَنَامه حِين توفّي نظام الْملك مَكْتُوبًا على أَدِيم السَّمَاء بالنجوم رفع الْعدْل عَن أهل الأَرْض
وَرَآهُ آخر فِي الْمَنَام وَهُوَ متوج بتاج مرصع بجوهر قَالَ فَقلت لَهُ بِأَيّ شَيْء بلغت هَذِه الْمنزلَة فَقَالَ بِفضل الله وَحده
وَمَات نظام الْملك وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة
وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَن نظام الْملك
أخبرنَا عبد الْغَالِب بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الماكسيني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْق أخبرنَا عبد الْمُنعم بن يحيى بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ الْخَطِيب أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي عبد الله بن جَامع الْبناء الصُّوفِي فِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة أخبرنَا نصر بن نصر العكبري أخبرنَا نظام الْملك أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق الْوَزير أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن مَنْصُور بن خلف أخبرنَا أَبُو طَاهِر بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج حَدثنَا(4/327)
قُتَيْبَة حَدثنَا مَالك بن أنس عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن عَمْرو بن سليم الْأنْصَارِيّ عَن أبي قَتَادَة السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس)
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب سر السرُور لصديقنا القَاضِي أبي الْعَلَاء مُحَمَّد بن مَحْمُود الغزنوي أَن نظام الْملك صَادف فِي سفر رجلا فِي زِيّ الْعلمَاء قد مَسّه الكلال فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أعييت أم أعييت فَقَالَ أعييت
فَتقدم إِلَى حَاجِبه بِتَقْدِيم بعض الجنائب إِلَيْهِ والإصلاح من شَأْنه وَأخذ فِي اصطناعه
وَإِنَّمَا أَرَادَ بسؤاله اختباره فَإِن عيى فِي اللِّسَان وأعيى كل وتعب
قَالَ أَبُو الْخَيْر دلف بن عبد الله بن مُحَمَّد التبَّان الْبَغْدَادِيّ سَمِعت الإِمَام عبد الرَّحِيم ابْن الشَّافِعِي الْقزْوِينِي بقزوين يَقُول دخل أَبُو عَليّ القومساني على نظام الْملك أبي عَليّ الْوَزير فِي مرضة مَرضهَا يعودهُ فَأَنْشَأَ يَقُول
(إِذا مرضنا نوينا كل صَالِحَة ... فَإِن شفينا فمنا الزيغ والزلل)
(نرجو الْإِلَه إِذا خفنا ونسخطه ... إِذا أمنا فَمَا يزكو لنا عمل)
فَبكى نظام الْملك وَقَالَ هُوَ كَمَا يَقُول(4/328)
385 - الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد
الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الدقاق
شيخ الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
تفقه على الخضري والقفال
وَصَحب فِي التصوف أَبَا الْقَاسِم النصراباذي
وَسمع الحَدِيث من أبي عَمْرو بن حمدَان وَأبي الْهَيْثَم مُحَمَّد بن مكي الْكشميهني وَأبي عَليّ مُحَمَّد بن عمر الشبويى وَغَيرهم
روى عَنهُ الْقشيرِي وَغَيره
قَالَ عبد الغافر هُوَ لِسَان وقته وَإِمَام عصره نيسابوري الأَصْل تعلم الْعَرَبيَّة وَحصل علم الْأُصُول وَخرج إِلَى مرو وتفقه بهَا على الخضري وبرع فِي الْفِقْه وَأعَاد على الشَّيْخ أبي بكر الْقفال الْمروزِي فِي درس الخضري
وَلما اسْتمع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعُلُوم أَخذ فِي الْعَمَل وسلك طَرِيق التصوف وَصَحب الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم النصراباذي(4/329)
وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ لَا يسْتَند إِلَى شَيْء كَأَنَّهُ يعود نَفسه ترك الرَّفَاهِيَة
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كنت فِي ابْتِدَاء وصلتي بالأستاذ أبي عَليّ عقد لي الْمجْلس فِي مَسْجِد الْمُطَرز فاستأذنته وَقت الْخُرُوج إِلَى نسا فَأذن لي فَكنت أَمْشِي مَعَه يَوْمًا فِي طَرِيق مَجْلِسه فخطر ببالي ليته يَنُوب عني فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ بل ليته يقْتَصر على يَوْم وَاحِد فِي الْأُسْبُوع
فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ إِن لم يمكني فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ أنوب مرّة وَاحِدَة
فمشيت قَلِيلا فخطر لي شَيْء ثَالِث فَالْتَفت إِلَيّ وَصرح بالإخبار عَنهُ على الْقطع
توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَوهم من قَالَ سنة سِتّ
وَمن كَلَامه
أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو بكر الْقَاسِم بن الإِمَام أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار إجَازَة أخبرنَا جدي عِصَام الدّين أَبُو حَفْص عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور بن الصفار سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ سَمِعت جدي ابْن الْفَارِسِي يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي يَقُول سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق يَقُول من استهان بأدب من آدَاب الْإِسْلَام عُوقِبَ بحرمان السّنة وَمن ترك سنة عُوقِبَ بحرمان الْفَرِيضَة وَمن استهان بالفرائض قيض الله لَهُ مبتدعا يذكر عِنْده بَاطِلا فيوقع فِي قلبه شُبْهَة(4/330)
قَالَ أَبُو عَليّ فِيمَا رُوِيَ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أكْرم غَنِيا لغناه ذهب ثلثا دينه) إِنَّمَا ذَلِك لِأَن المرأ بِقَلْبِه وَلسَانه وَنَفسه فَإِذا تواضع لَغَنِيّ بِلِسَانِهِ وَنَفسه ذهب ثلثا دينه فَإِن اعْتقد فَضله بِقَلْبِه كَمَا تواضع لَهُ بِلِسَانِهِ وَنَفسه ذهب دينه كُله
وَقَالَ تكلم النَّاس فِي الْفقر والغنى أَيهمَا أفضل وَعِنْدِي الْأَفْضَل أَن يعْطى الرجل كِفَايَته ثمَّ يصان فِيهِ
386 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس القَاضِي الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عَليّ الزجاجي
أحد أَئِمَّة الْأَصْحَاب
لم أجد لَهُ تَرْجَمَة تشفي الغليل
وَقد كَانَ أجل اَوْ من أجل تلامذة أبي الْعَبَّاس ابْن الْقَاص وَمن أجل مَشَايِخ القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق لَهُ كتاب زِيَادَة الْمِفْتَاح وَعنهُ أَخذ فُقَهَاء آمل
قلت وَله أَيْضا كتاب فِي الدّور علقه عَن ابْن الْقَاص
قلت وَأرَاهُ توفّي فِي حد الأربعائة إِمَّا قبلهَا وَإِمَّا بعْدهَا وَلَعَلَّ الْأَشْبَه أَن يكون قبل الأربعائة وَلذَلِك ذَكرْنَاهُ فِي الثَّالِثَة ثمَّ أعدنا ذكره هُنَا استظهارا
وَقد وَقع لنا حَدِيثه لِأَن روى عَن شَيْخه ابْن الْقَاص جُزْءا فِي الْكَلَام على حَدِيث أبي عمر(4/331)
وَمن الْفَوَائِد والغرائب عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ فِي مسَائِل الدّور أصل هَذِه الْمسَائِل كلهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا} فَعير من نقض شَيْئا بعد إثْبَاته لَهُ فَدلَّ أَن كل مَا أدّى إثْبَاته إِلَى نقضه بَاطِل
إِذا قَاسم الْوَصِيّ الْوَرَثَة وَأخذ الثُّلُث الْمُوصى بِهِ لغير مُعينين فَتلف فِي يَده قَالَ أَبُو عَليّ الزجاجي لَيست هَذِه الْقِسْمَة إِلَى الْوَصِيّ كَمَا لَيْسَ إِلَيْهِ الْقِسْمَة فِي حق الْغَائِب ويؤتمن فِي ولَايَته فَإِذا تلف المَال فَإِن كَانَ بِغَيْر تعديه فَتَصِير الْقِسْمَة كَأَن لم تكن فَيخرج الثُّلُث ثَانِيًا
وَقَالَ أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ صحت الْقِسْمَة وَبَطلَت الْوَصِيَّة
نَقله القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف وَالْقَاضِي شُرَيْح فِي أدب الْقَضَاء
وَرجح أَبُو سعد قَول الثَّقَفِيّ وَقَالَ هُوَ كَزَكَاة وَاحِد دَفعهَا إِلَى الْعَامِل فَتلفت فِي يَده من غير تَفْرِيط
387 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عَليّ الساوي
الْفَقِيه الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
حدث بِدِمَشْق عَن أبي طَالب بن غيلَان وَأبي ذَر الْهَرَوِيّ وَغَيرهمَا
روى عَنهُ نصر الْمَقْدِسِي وَهُوَ من أقرانه وَغَيره
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن سِتّ وَسبعين سنة(4/332)
388 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو عبد الله بن الْبَقَّال
تفقه على القَاضِي أبي الطّيب
قَالَ ابْن النجار وَكَانَت لَهُ مقامات سنية فِي النّظر والجدال وَكَانَ فَقِيها فَاضلا بارعا كَامِلا مدققا حسن النّظر محققا جميل الطَّرِيقَة زاهدا متعبدا عفيفا نزها على طَريقَة السّلف
ولي الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة عَن أبي عبد الله الدَّامغَانِي
مولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
389 - الْحُسَيْن بن الْحسن بن مُحَمَّد بن حَلِيم بِاللَّامِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ
أحد أَئِمَّة الدَّهْر وَشَيخ الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر
قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الْفَقِيه القَاضِي أَبُو عبد الله بن أبي مُحَمَّد أوحد الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر الْقفال وَأبي بكر الأودني
قدم نيسابور سنة سبع وَسبعين حَاجا فَحدث وَخرجت لَهُ الْفَوَائِد ثمَّ قدمهَا سنة خمس وَثَمَانِينَ رَسُولا من السُّلْطَان فعقدنا لَهُ الْإِمْلَاء وَحدث مُدَّة مقَامه بنيسابور(4/333)
وروى عَنهُ الْحَاكِم وَعَن أَخِيه أبي الْفضل الْحسن بن أبي مُحَمَّد الْحسن الْحَلِيمِيّ وَفِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي عبد الله ثمَّ قَالَ توفّي الْحَاكِم الْعَالم أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة
قلت ومولده سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَذَلِكَ مولد أَخِيه أبي الْفضل الْحسن ولدا فِي سنة وَاحِدَة ببخارى كَذَا ذكره الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة أبي الْفضل
قَالَ وَأَبُو عبد الله من حرَّة جرجانية وَأَبُو الْفضل من جَارِيَة تركية
قَالَ وَأَبُو عبد الله حدث وَقضى فِي بِلَاد خُرَاسَان
قلت وروى عَنهُ أَبُو سعد الكنجروذي ذَلِك وَقد وَقع لنا حَدِيثه من طَرِيقه
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أجازنا أَبُو روح أخبرنَا زَاهِر بن طَاهِر أخبرنَا الإِمَام أَبُو سعد مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن بن مُحَمَّد الْحَلِيمِيّ أخبرنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن حمدَان الصَّيْرَفِي حَدثنَا أحيد بن الْحُسَيْن أخبرنَا مقَاتل بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا نوح بن أبي مَرْيَم عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لصَاحب الْقُرْآن دَعْوَة مستجابة عِنْد خَتمه)
تفرد بِهِ نوح بن أبي مَرْيَم وَهُوَ نوح بن يزِيد قَاضِي مرو الْجَامِع أَبُو عصمَة(4/334)
روى التِّرْمِذِيّ قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وضع نوح الْجَامِع حَدِيث فَضَائِل الْقُرْآن الطَّوِيل وروى عَن الزُّهْرِيّ وعدة
وَقَالَ فِيهِ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث
قلت وَقد نقل ابْن الْقطَّان أَن البُخَارِيّ قَالَ كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ
وَمن مصنفات الْحَلِيمِيّ كتاب الْمِنْهَاج فِي شعب الْإِيمَان وَهُوَ من أحسن الْكتب وَفِيه مَا نَصه وَشرب الْخمر من الْكَبَائِر فَإِن استكثر الشَّارِب مِنْهُ حَتَّى سكر أَو جاهر بِهِ فَذَاك من الْفَوَاحِش فَإِن مزج خمرًا بِمِثْلِهَا من المَاء فَذَهَبت شرتها وشربها فَذَاك من الصَّغَائِر
انْتهى
والغرابة فِي قَوْله مزج فَذَاك من الصَّغَائِر
وَلَعَلَّه أَرَادَ مزجا يصير الْمَجْمُوع بِهِ غير مُسكر أما إِذا مزج بِالْمَاءِ قدرا من الْخمر لَا يُخرجهُ المَاء بالمزج عَن كَونه مُسكرا فَلَا يظْهر إِلَّا أَنه من الْكَبَائِر جزما
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا قذف الْمُحْصنَات كَبِيرَة فَإِن كَانَت المقذوفة أما أَو أُخْتا أَو امْرَأَة قانتة كَانَ فَاحِشَة وَقذف الصَّغِيرَة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصَّغَائِر
وَقَالَ أَيْضا أما الخدشة أَو الضَّرْبَة بالعصا مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَمن الصَّغَائِر(4/335)
قَالَ الْأَصْحَاب إِذا اشْترك جمَاعَة فِي قتل وَاحِد إِن دم كل وَاحِد مِنْهُم مُسْتَحقّ للْوَلِيّ
وَقَالَ الْحَلِيمِيّ الْقصاص مفضوض عَلَيْهِم فَإِذا قتل عشرَة وَاحِدًا فالمستحق للْوَلِيّ الْعشْر من دم كل وَاحِد إِلَّا أَنه لَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا بِاسْتِيفَاء الْبَاقِي وَقد يسْتَوْفى من الْمُتَعَدِّي غير الْمُسْتَحق إِذا لم يُمكن اسْتِيفَاء الْمُسْتَحق إِلَّا بِهِ كَمَا إِذا أَدخل الْغَاصِب الْمَغْصُوب فِي بَيت ضيق واحتيج فِي رده إِلَى قلع الْبَاب وَهدم الْجِدَار وكما إِذا وَقع دِينَار فِي محبرة وَلَا يُمكن إِخْرَاجه إِلَّا بِكَسْرِهَا فَإِنَّهَا تكسر وَلذَلِك نَظَائِر كَثِيرَة(4/336)
وَتظهر فَائِدَة الْخلاف بَين الْحَلِيمِيّ وَالْجُمْهُور فِي مسَائِل
مِنْهَا لَو اشْتَركُوا فِي مُوضحَة وَاحِدَة فَهَل يقْتَصّ من كل وَاحِد بِقدر جَمِيع مَا أوضحه أَو توزع عَلَيْهِم ويوضح من كل بِقسْطِهِ وَفِيه احْتِمَالَانِ للْإِمَام وبالأول مِنْهُمَا قطع فِي التَّهْذِيب وَهُوَ يُوَافق قَول الْجُمْهُور بِخِلَاف الثَّانِي
وَمِنْهَا لَو اشْتَركُوا فِي قتل خطأ فَإِن قُلْنَا بقول الْجُمْهُور ضرب على عَاقِلَة كل وَاحِد مَا يَخُصُّهُ فِي ثَلَاث سِنِين لِأَنَّهُ بدل النَّفس فَأشبه بدل النَّفس النَّاقِصَة وَإِن قُلْنَا بقول الْحَلِيمِيّ ضرب مَا يخص كل وَاحِد فِي سنة كأرش الطّرف
وَمِنْهَا إِذا اشْتَركُوا فِي قتل خطأ فَهَل يجب على كل وَاحِد كَفَّارَة أَو على الْكل كَفَّارَة وَاحِدَة فِيهِ قَولَانِ أَولهمَا يُوَافق قَول الْجُمْهُور وَالثَّانِي قَول الْحَلِيمِيّ
وَقد عورض الْحَلِيمِيّ فِي مقَالَته بِوُجُوه ثَلَاثَة الأول قَالَ الإِمَام إِن استدلاله بِالدِّيَةِ يبطل بقتل الرجل الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يقتل بهَا وَإِذا آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة لم يجب إِلَّا نصفهَا
وَأجَاب عَنهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن نفس الْمَرْأَة جعلهَا الشَّرْع مَضْمُونَة بقصاص أَو دِيَة فِي نصف دِيَة الرجل فَمن انْفَرد بإتلافها ضمن كل الْبَدَل وَالرجل إِذا قَتلهَا ينْفَرد بِالْإِتْلَافِ بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أتلف الْعشْر فَوَجَبَ أَن لَا يضمن إِلَّا نصف الْمُقدر من الْقصاص كَمَا لَا يضمن إِلَّا عشر الْمُقدر من المَال
وَالثَّانِي قَالَ الإِمَام قَوْله إِن الزَّائِد يسْتَوْفى تبعا بَاطِل كَمَا لَو قطع شخص يدا(4/337)
من نصف الساعد فَإِنَّهُ لَا يجْرِي الْقصاص فِيهِ خوفًا من اسْتِيفَاء زِيَادَة على الْجِنَايَة بِجُزْء يسير فَكيف يريق تِسْعَة أعشار الدَّم من غير اسْتِحْقَاق لِاسْتِيفَاء عشر وَاحِد وَأجَاب عَنهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الْقيَاس الْمَنْع وَلَكِن وَجب حسم مَادَّة إهدار النُّفُوس وَذَلِكَ مَفْقُود فِي قطع نصف الساعد لِأَن الْقصاص مَشْرُوع وَالْحَالة هَذِه فِي الْكَفّ وَبِه تحصل صِيَانة الْعُضْو عَن الإهدار وعصمته
قَالَ فِي الْمطلب وَهَذَا الْجَواب لَا محيص عَنهُ
وَالثَّالِث ذكره ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة وَهُوَ أَن الْحَلِيمِيّ نَاقض أَصله إِذْ قَالَ فِيمَا إِذا قتل وَاحِد جمَاعَة وتمالأ على الْقَاتِل أَوْلِيَاء الْقَتِيل فَقَتَلُوهُ جَمِيعًا إِنَّه يكْتَفى بِهِ عَن جَمِيعهم وَلَا رُجُوع إِلَى الدِّيَة محتجا لَهُ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة الَّتِي هِيَ عكس هَذِه يَجْعَل كل وَاحِد كالمنفرد بِالْقَتْلِ فَلَمَّا جعل كالمنفرد فِي الاعتداء فَكَذَلِك فِي الِاسْتِيفَاء فَيُقَال للحليمي أَنْت لم تجْعَل كل وَاحِد فِي تِلْكَ كالمنفرد بل صَاحب عشر
قلت لَعَلَّ الْحَلِيمِيّ لم يبن هُنَا كَلَامه على مقَالَته بل على مقَالَة الْأَصْحَاب وَإِن بنى على أَصله فقد يَقُول كَمَا نزل الشَّارِع من اعْتدى على عشر دم منزلَة المعتدى على كُله فِي وجوب الْقصاص كَذَلِك ينزل من استوفى مَعَ آخر منزلَة الْمُنْفَرد بِالِاسْتِيفَاءِ
وَمن مسَائِل الْحَلِيمِيّ
أَنه يسْتَحبّ الْغسْل لكل لَيْلَة من رَمَضَان
وَأَن الْقَيْء إِذا خرج غير متغير فَهُوَ طَاهِر كالإنفحة وَكَذَلِكَ فِي التَّتِمَّة
والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَن الْقَيْء نجس من غير تَفْصِيل(4/338)
وَأَن الْإِنْسَان إِذا خرج مِنْهُ ريح فَإِن كَانَت ثِيَابه رطبَة تنجست وَإِن كَانَت يابسة فَلَا
وَكَذَا قَالَ القَاضِي لَو أصَاب دُخان النَّجَاسَة ثوبا فَإِن كَانَ رطبا نجسه وَإِن كَانَ يَابسا فَوَجْهَانِ
وَلَو دخل الإصطبل وراثت الدَّوَابّ وَخرج مِنْهَا دُخان فَإِن أصَاب ثوبا رطبا نجسه أَو يَابسا فَوَجْهَانِ
وَمن غرائب الْحَلِيمِيّ أَيْضا
قَوْله إِنَّا إِذا قُلْنَا بِإِبَاحَة الدُّف فَلَا يجوز تعاطيه إِلَّا للنِّسَاء
وَالْجُمْهُور لم يفرقُوا بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَفرق الْحَلِيمِيّ ضَعِيف(4/339)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _(4/340)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _(4/341)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _(4/342)
وَقَالَ فِي الْمِنْهَاج فِي بَاب الْحَث على ترك الْحَسَد إِن تمني الْكفْر لَا يكون كفرا إِلَّا إِذا كَانَ على وَجه الِاسْتِحْسَان لَهُ وَاسْتدلَّ بِدُعَاء مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على فِرْعَوْن وَقَومه حَيْثُ قَالَ {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم}
قَالَ فاستقباح الْإِنْسَان الْكفْر هُوَ الَّذِي يحملهُ أَن يَدْعُو بِهِ على عدوه أَو يتمناه لَهُ واستحسانه الْإِسْلَام هُوَ الَّذِي يحملهُ على أَن يكرههُ لَهُ
هَذَا ملخص كَلَامه(4/343)
390 - الْحُسَيْن بن شُعَيْب بن مُحَمَّد السنجي
من قَرْيَة سنج بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ جِيم وَهِي من أكبر قرى مرو
وَهَذَا هُوَ الإِمَام الْجَلِيل الشَّيْخ أَبُو عَليّ السنجي فَقِيه الْعَصْر وعالم خُرَاسَان وَأول من جمع بَين طريقتي الْعرَاق وخراسان وَهُوَ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن أَنْجَب تلامذة الْقفال
وَقد تفقه على شيخ الْعِرَاقِيّين الشَّيْخ أبي حَامِد بِبَغْدَاد وعَلى شيخ الخراسانيين أبي بكر الْقفال بمرو وَهُوَ أخص بِهِ
كتب بنيسابور عَن السَّيِّد أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ
وببغداد عَن أَصْحَاب الْمحَامِلِي
وصنف شرح الْمُخْتَصر وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِالْمذهبِ الْكَبِير وَشرح تَلْخِيص ابْن الْقَاص وَشرح فروع ابْن الْحداد
قَالَ بعض أَصْحَابنَا بنيسابور الْأَئِمَّة بخراسان ثَلَاثَة مكثر مُحَقّق ومقل مُحَقّق ومكثر غير مُحَقّق فَأَما المكثر الْمُحَقق فالشيخ أَبُو عَليّ السنجي وَأما الْمقل الْمُحَقق فالشيخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالْمُكثر غير الْمُحَقق فالفقيه نَاصِر الْعمريّ الْمروزِي
وَمن مستحسن الْكَلَام الشَّيْخ وَالْقَاضِي زِينَة خُرَاسَان وَالشَّيْخ وَالْقَاضِي زِينَة الْعرَاق وهم الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب(4/344)
توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وقبره بِجنب أستاذه الْقفال بمقبرة مرو
وَمن الْمسَائِل والغرائب والفوائد عَن الشَّيْخ أبي عَليّ
حكى فِي شرح الْفُرُوع وَجها فِي فرع ابْن الْحداد الشهير وَهُوَ أول فروعه أَنه إِن مس الْكَلْب نفس الْإِنَاء لم يطهر بِطَهَارَة المَاء وَإِن مس المَاء دون الْإِنَاء فَإِذا طهر المَاء طهر الْإِنَاء
وَهَذَا وَجه غَرِيب وَقد يشبه بِالْوَجْهِ الضَّعِيف فِي الصبة المفرق بَين أَن يلاقي مَحل الشّرْب فَيحرم أَو لَا فَلَا
وَلَقَد أحسن الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي شرح هَذَا الْفَرْع وَهُوَ كلب ولغَ فِي إِنَاء فِيهِ مَاء اقل من قُلَّتَيْنِ ثمَّ صب فِي ذَلِك الْإِنَاء مَاء حَتَّى بلغ بِالْمَاءِ الأول قُلَّتَيْنِ فالماء طَاهِر مَا دَامَ قُلَّتَيْنِ فَإِن نقص فسد فَإِن الْإِنَاء نجس بِحَالهِ حَتَّى يغسل تَمام سبع إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَن الْإِنَاء لَو ولغَ فِيهِ الْكَلْب فألقي فِي الْبَحْر ثمَّ أخرج لم يطهر وَلم يكن إلقاؤه فِي الْبَحْر إِلَّا كغسلة وَاحِدَة
هَذَا مَذْهَب ابْن الْحداد
وَفِي الْمَسْأَلَة وَجه ثَالِث أَن الْإِنَاء يطهر
وأجاد الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي الشَّرْح الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي من أشهر الْمسَائِل بَين الْأَصْحَاب وَمن أشهر مولدات ابْن الْحداد ثمَّ لَيست هِيَ فِي الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من كَلَامه(4/345)
قَالَ فِي الرَّوْضَة من زياداته فِي بَاب الْوضُوء وَلَو نسي لمْعَة فِي وضوئِهِ أَو فى غسله ثمَّ نسي أَنه تَوَضَّأ أَو اغْتسل فَأَعَادَ الْوضُوء أَو الْغسْل بنية الْحَدث أَجزَأَهُ وتكمل طَهَارَته بِلَا خلاف
انْتهى
وَقد حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ الْخلاف فِي شرح الْفُرُوع فَقَالَ رَأَيْت بعض أَصْحَابنَا قَالَ هَذَا على القَوْل الَّذِي يجوز تَفْرِيق الطَّهَارَة لِأَنَّهُ غسل قدر اللمْعَة فِي الْمرة الثَّانِيَة دون الأولى فَهَل تُجزئه على قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَهَذَا غلط جدا لأَنا إِن لم نجوز التَّفْرِيق فَهُوَ قد غسل جَمِيع بدنه بنية الْجَنَابَة فأجزأ الْكل كَمَا أَجْزَأَ قدر اللمْعَة
قَالَ وَمثل هَذِه الْمَسْأَلَة مَا قَالَ الْمُزنِيّ لَو أَن رجلا صلى الظّهْر وَنسي سَجْدَة مِنْهَا ثمَّ أدْرك تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا تصلى جمَاعَة فَصلاهَا وَعِنْده أَنه قد أَدَّاهَا مرّة على الْكَمَال لم يجزه مَا فعل عَن الْفَرْض وَعَلِيهِ أَن يُعِيد مرّة ثَالِثَة إِذا علم أَنه قد ترك سَجْدَة من الفعلة الأولى وَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا صلى الظّهْر وَترك مِنْهَا سَجْدَة ثمَّ أدْرك تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا وَقد نسي أَن يكون صلى وَاحِدَة فَصلاهَا على أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ تذكر أَنه كَانَ قد صلاهَا مرّة وَترك سَجْدَة مِنْهَا أَجزَأَهُ الثَّانِي وَلم يضرّهُ مَا أغفله مِنْهَا فِي الْمرة الأولى
وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا إِذا اغْتَسَلت الْمَرْأَة بعد الْحيض لتمكين الزَّوْج فَقَط هَل يرْتَفع حدثها وَالْمَسْأَلَة فِيهَا وُجُوه كَثِيرَة مَشْهُورَة إِلَّا أَن الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام أَن الْحَدث يرْتَفع فنقله الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَن شَيْخه وَهُوَ الْقفال ثمَّ قَالَ رَأَيْت للكثير من أَصْحَابنَا أَنه لَا يَصح
انْتهى
فَتكون الْجَمَاعَة قد صححوا خلاف مَا عَلَيْهِ الْكثير من الْأَصْحَاب على مَا نقل الشَّيْخ أَبُو عَليّ(4/346)
وَبَعض النَّاس سَأَلَ أما هَذِه الْمَسْأَلَة أَعنِي مَا إِذا نَوَت تَمْكِين الزَّوْج فَقَط غير الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة إِذا نوى رفع بعض الْأَحْدَاث وعينها ذَات الْأَوْجه
وَالْجَوَاب أَن الْفَارِق أَن الَّذِي لَا يصحح هُنَا علته كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَن اغتسالها وَقع لما ينْقضه وَهُوَ الْجِمَاع فَلَيْسَ فِي ضمنه رفع الْحَدث وَلَا يُوجب صِحَّته فِي حق الْوَطْء أَن يَصح فِي حق الصَّلَاة
وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْمذهبِ فِي أَن الذِّمِّيَّة إِذا اغْتَسَلت لتحل لزَوجهَا الْمُسلم يَصح فِي إِبَاحَة الْوَطْء دون الصَّلَاة لَو أسلمت
قلت وَيشْهد لَهُ أَن الْمَرْأَة الَّتِي زَالَ حَيْضهَا لَو نَوَت بِالْغسْلِ الصَّلَاة فَقَط لجَاز للزَّوْج الْوَطْء بِلَا شكّ على هَذَا فَدلَّ على أَن المأخذ لَيْسَ هُوَ اسْتِبَاحَة بعض مَا يستباح وَحده
قَالَ الإِمَام فِي الأساليب فِي تَقْوِيم الطَّعَام الْمَغْصُوب الْإِنْسَان إِذا أَشَارَ إِلَى طَعَام غَيره فَقَالَ أَلِي وَذكر لآخر ذَلِك وأباح لَهُ أكله فَإِذا غرمه رَجَعَ على من غره وَإِن لم تثبت يَد الْغَار عَلَيْهِ تعويلا على الْغرُور
وَهَذَا مَذْهَب حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وارتضاه لنَفسِهِ وَهُوَ جَار على طرق قِيَاس الْغرُور
انْتهى كَلَام الأساليب
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي شرح التَّلْخِيص بعد مَا حكى الْخلاف فِي التَّفْرِيق بَين الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَرْهُونَة بِالْبيعِ مَا نَصه وَلَو كَانَ للرَّاهِن سوى الْجَارِيَة وَوَلدهَا كلف قَضَاء الدّين مِنْهُ وَلَا تبَاع لِأَن بيعهَا دون الْوَلَد أَو مَعَ الْوَلَد وَلَيْسَ برهن كِلَاهُمَا ضَرُورَة فَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ وجود المَال
ويحكى هَذَا عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَقد(4/347)
نَقله عَنهُ صَاحب التَّعْجِيز فِي شَرحه للوجيز وَهُوَ غَرِيب حسن لَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ
قطع نَبَات الْحرم غير الْإِذْخر
حكى الإِمَام فِي النِّهَايَة عَن شرح التخليص للشَّيْخ أبي عَليّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو احْتِيجَ إِلَى قطع نَبَات غير الْإِذْخر من الْحرم للدواء هَل يجوز قطعه قِيَاسا على الْإِذْخر وَتَبعهُ الْغَزالِيّ والرافعي وَمن بعدهمَا وَلم أر فِي شرح التَّلْخِيص للشَّيْخ أبي عَليّ عَن حِكَايَة الْوَجْهَيْنِ إِلَّا فِي وجوب الْجَزَاء أما الْقطع فَجزم بِجَوَازِهِ
391 - حُسَيْن بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد(4/348)
392 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن جَعْفَر بن علكان
ابْن الْأَمِير أبي دلف الْعجلِيّ أَبُو عبد الله الجرباذقاني الْمَعْرُوف بِابْن مَاكُولَا
ولي قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد من قبل الْقَادِر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ قد ولي قبلهَا قَضَاء الْبَصْرَة
قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ نزها عفيفا لم نر قَاضِيا أعظم نزاهة مِنْهُ وَلَا أظلف نفسا
وسمعته يذكر أَنه سمع الحَدِيث بأصبهان من أبي عبد الله بن مندة الْحَافِظ
مَاتَ فِي ثامن عشر شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَقيل إِن مولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة
393 - الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ
صَاحب الْعدة الْمَوْضُوعَة شرحا على إبانة الفوراني
إِمَام كَبِير(4/349)
تفقه على نَاصِر الْعمريّ بخراسان
وعَلى القَاضِي أبي الطّيب بِبَغْدَاد صَغِيرا ولازم بعده الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وبرع وَصَارَ من عُظَمَاء أَصْحَابه
ودرس بالنظامية بعد أبي الْقَاسِم الدبوسي مُنْفَردا ثمَّ اشْترك فِيهَا مَعَ أبي مُحَمَّد الفامي فَكَانَ يدرس كل مِنْهُمَا يَوْمًا إِلَى أَن قدم الْغَزالِيّ فعزلا جَمِيعًا بِهِ إِلَى أَن ترك الْغَزالِيّ تدريسها فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فأعيد صَاحب الْعدة إِلَى التدريس
وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا أشعري العقيدة جرت بَينه وَبَين الْحَنَابِلَة الْقَائِلين بالحرف وَالصَّوْت خطوب
وَسمع الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَغَيرهمَا
وَسمع صَحِيح مُسلم من عبد الغافر الْفَارِسِي
روى عَنهُ إِسْمَاعِيل الْحَافِظ والسلفي وَآخَرُونَ
وجاور بِمَكَّة وَصَارَ لَهُ بهَا أعقاب وَأَوْلَاد
وَالْأَقْرَب أَنه توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة لَا أَدْرِي بِمَكَّة أم بأصبهان(4/350)
وَهَذَا الَّذِي ذكرته فِي تَرْجَمته ملخص من اخْتِلَاف كثير وَقع نبهت عَلَيْهِ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى واقتصرت هُنَا على مَا وَقع لي أَنه الصَّوَاب(4/351)
وَمن الْمسَائِل والغرائب عَنهُ
مَسْأَلَة تعمد الْكَذِب هَل هُوَ من الصَّغَائِر أَو الْكَبَائِر حَتَّى ترد الشَّهَادَة بالمرة الْوَاحِدَة مِنْهُ هَذِه الْمَسْأَلَة قد استبهم عَليّ وَجه النَّقْل فِيهَا فقضية مَا وجدته فِي أَكثر الْكتب أَي كتب الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا يشْهد لكَونه كَبِيرَة وَقَضِيَّة مَا وجدته فِي أَكثر كتب الْمُتَأَخِّرين يشْهد لكَونه صَغِيرَة وَالنَّفس إِلَى الأول أميل لِكَثْرَة الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي التحذير مِنْهُ
وَقد جمعت فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ مَجْلِسا جَامعا وَقد لخص الْكَلَام بكذب فِيهِ ضَرَر وَأما مَا لَا ضَرَر فِيهِ وَفِيه غَرَض صَحِيح فَلَا يخفى لِخُرُوجِهِ عَن الْمعْصِيَة مُطلقًا
وَأما مَا لَا غَرَض فِيهِ صَحِيح وَلَا ضَرَر فقد يُقَال إِنَّه صَغِيرَة وَلكنه مسْقط للمروءة فَترد بِهِ الشَّهَادَة من هَذَا الْوَجْه وَقد يُقَال بل مَا فِيهِ ضَرَر كَبِيرَة وَمَا لَا ضَرَر فِيهِ مَوضِع النّظر فِي أَنه كَبِيرَة أم صَغِيرَة
وَبِالْجُمْلَةِ الْكَلَام فِي الْكَذِب من حَيْثُ هُوَ كذب ذكر الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات أَن صَاحب الْعدة عد من الصَّغَائِر الْكَذِب الَّذِي لَا حد فِيهِ وَلَا ضَرَر وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي بَاب الرَّهْن وَفِي الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع وَلَو زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَا رهن نصِيبه وَأَن شَرِيكه رهن وَشهد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَيُقَال قَولَانِ أَحدهمَا وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه لَا تقبل شَهَادَة وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْمُدَّعِي يزْعم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَاذِب ظَالِم بالجحود وَطعن الْمَشْهُود لَهُ فِي الشَّاهِد يمْنَع قبُول شَهَادَته(4/352)
وَالثَّانِي تقبل وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُمَا رُبمَا نسيا وَإِن تعمدا فالكذبة الْوَاحِدَة لَا توجب الْفسق وَلِهَذَا لَو تخاصم رجلَانِ فِي شَيْء ثمَّ شَهدا فِي حَادِثَة تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا كَاذِبًا فِي ذَلِك التخاصم
انْتهى
وَقَالَ فِي كتاب الشَّهَادَات بعد كَلَامه الْمُتَقَدّم فِيمَن يمدح النَّاس ويطري إِذا كَانَ كذبا مَحْضا
عَامَّة الْأَصْحَاب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته كَمَا إِذا أَكثر الْكَذِب فِي غير الشّعْر
وَعَن الْقفال والصيدلاني لَا يلْتَحق بِالْكَذِبِ لِأَن الْكَاذِب يرى الْكَذِب صدقا ويروجه وَلَيْسَ غَرَض الشَّاعِر أَن يصدق فِي شعره وَإِنَّمَا هُوَ صناعَة وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهَذَا حسن بَالغ
انْتهى
وَلست على ثِقَة بِأَن قَوْله حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته إِلَى آخِره من منقوله عَن عَامَّة الْأَصْحَاب بل قد يكون زِيَادَة من عِنْده فرعها على قَول الْأَكْثَرين أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب فَلَمَّا كَانَ فِي ذهنه مَعَ ذَلِك أَن سَائِر أَنْوَاع الْكَذِب يفرق بَين قَلِيله وَكَثِيره ذكر هَذِه الزِّيَادَة
كَذَا أَحسب
وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فرع
لَو كذب عَن قصد ردَّتْ شَهَادَته وَإِن لم يكن فِيمَا يَقُوله من الْكَذِب ضَرَر على غَيره من نميمة أَو بهتان لِأَن الْكَذِب حرَام بِكُل حَال
قَالَ الْقفال إِلَّا أَن يَقُول ذَلِك على مَذْهَب الْكتاب وَالشعرَاء وَفِي الْمُبَالغَة فِي الْكَلَام مثل أَن يشبه الرجل فِي الشجَاعَة بالأسد وَلَعَلَّه من أجبن النَّاس وبالبدر حسنا
وَإِنَّمَا يعد تنزيلنا للْكَلَام وَهُوَ بِمَنْزِلَة لَغْو الْيَمين لَا حكم لَهُ
وَقد روى مُوسَى بن شيبَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطل شَهَادَة رجل من كذبة كذبهَا
وَهَذَا مُرْسل
انْتهى لفظ الْبَحْر(4/353)
وَبِه تبين أَيْضا أَن قَول الرَّافِعِيّ وعَلى هَذَا لَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير بحث مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ من كَلَام الْقفال والصيدلاني لِأَن الْقفال أطلق القَوْل وَلم يبين تعميمه وَقد يفرق مَعَ ذَلِك بَين الْقَلِيل وَالْكثير فَلْينْظر
من هَذَا مَسْأَلَة إِدْخَال المجانين وَالصغَار الْمَسْجِد
ذكر الرَّافِعِيّ عَن صَاحب الْعدة ساكتا عَلَيْهِ أَنه عد من صغَار الذُّنُوب إِدْخَال الصغار والمجانين والنجاسات الْمَسْجِد
فَأَما النَّجَاسَات فَوَاضِح كَونه مَعْصِيّة وَأما إِدْخَال الصغار والمجانين فَلَعَلَّ المُرَاد إدخالهم مَعَ الْغَفْلَة عَنْهُم بِحَيْثُ لَا يُؤمن أذاهم فِي الْمَسْجِد وَإِلَّا فمجرد إدخالهم لَا يظْهر تَحْرِيمه
عد فِي الْعدة أَيْضا التغوط فِي طَرِيق الْمُسلمين وكشف الْعَوْرَة فِي الْحمام من صغائر الذُّنُوب كَمَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ ساكتا عَلَيْهِ
فرع من بَاب صول الْفَحْل
قَالَ صَاحب الْعدة فِيهَا فِي الْبَاب الثَّانِي من أَبْوَاب ثَلَاثَة عقدهَا فِي الضمانات وَهُوَ بَاب صول الْفَحْل مَا نَصه فَإِن قطع يَد رجل عِنْد الْقَصْد فَلَمَّا تولى تبعه وَقَتله كَانَ لوَلِيِّه الْقصاص فِي النَّفس لِأَنَّهُ حِين ولى عَنهُ لم يكن لَهُ أَن يقْتله ولورثة الْمَقْصُود أَن يرجِعوا فِي تَركه القاصد بِنصْف الدِّيَة لِأَن الْقصاص سقط عَنهُ بهلاكه
اهـ(4/354)
وَهُوَ صَحِيح وَالضَّمِير فِي قَوْله قطع عَائِد على القاصد وَفِي تبعه عَائِد على الْمَقْصُود
إِلَى أَن قَالَ الصَّائِل قطع يَد رجل صيالا ثمَّ تولى فَتَبِعَهُ الْمَقْطُوع الْمَقْصُود فَقتله فورثه الْمَقْتُول وَهُوَ الصَّائِل ترجع على وَرَثَة الْمَقْطُوع وَهُوَ المصول عَلَيْهِ ابْتِدَاء بِالْقصاصِ وَترجع وَرَثَة الْمَقْطُوع إِذا قتل قصاصا على وَرَثَة الْمَقْتُول بِنصْف الدِّيَة ليد مُورثهم المقطوعة ظلما بالصيال
فَهَذَا صَحِيح وَقد نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْأُم فَقَالَ قبل مَا جَاءَ فِي الرجل يقتل ابْنه من جراح الْعمد مَا نَصه وَلَو شهدُوا أَنه أقبل إِلَيْهِ فِي صحراء بسلاح فَضَربهُ فَقطع يَدي الَّذِي ارْتَدَّ ثمَّ ولى عَنهُ فأدركه فذبحه أقدته مِنْهُ وضمنت الْمَقْتُول دِيَة يَدي الْقَاتِل اهـ
وَالْمَسْأَلَة من مشهورات المنصوصات وَقد وَقع فِيهَا شَيْء عَجِيب وَذَلِكَ أَن صَاحب الْبَيَان فهم أَن الْمَقْطُوع هُوَ الْمَقْتُول وَهُوَ الصَّائِل فَاعْترضَ باعتراض صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر على مَا فهمه وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ رحمهمَا الله
وَهَذِه عبارَة الْبَيَان وَإِن قَصده فَقطع يَده فولى عَنهُ ثمَّ تبعه فَقتله كَانَ لوَلِيِّه الْقصاص فِي النَّفس لِأَنَّهُ لما ولى عَنهُ لم يكن لَهُ قَتله
قَالَ فِي الْعدة ولورثة الْمَقْصُود أَن يرجِعوا فِي تَرِكَة القاصد بِنصْف الدِّيَة لِأَن الْقصاص سقط عَنهُ بهلاكه وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنهم لَا يرجعُونَ بِشَيْء كَمَا لَو اقْتصّ مِنْهُ فَقطع يَده ثمَّ قَتله فَلِأَن النَّفس لَا تنقص بِنُقْصَان الْيَد وَلِهَذَا لَو قتل رجل لَهُ يدان رجلا لَيْسَ لَهُ إِلَّا يَد وَاحِدَة قتل بِهِ وَلَا شَيْء لوَرَثَة الْقَاتِل
اهـ لَفظه
والاعتراض ناشىء عَن فهمه أَن الْمَقْطُوع يَده هُوَ الصَّائِل وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَاقْتصر(4/355)
على عزو الْمَسْأَلَة إِلَى الْبَيَان وَصرح بِأَن الْمَقْطُوع يَده هُوَ الصَّائِل فَقَالَ وَفِي الْبَيَان أَنه لَو قطع يَد الصَّائِل فِي الدّفع إِلَى آخر كَلَام الْبَيَان وَسكت عَلَيْهِ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وهما معذوران وَلَو نظرا النَّص لقالا وَلَو قطع يَد المصول عَلَيْهِ وتعلما أَن اعْتِرَاض العمراني فِي الْبَيَان ناشىء عَن تَصْوِير الْمَسْأَلَة على غير وَجههَا
394 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عَليّ القَاضِي المروروذي
الإِمَام الْجَلِيل أحد رفعاء الْأَصْحَاب وَمن لَهُ الصيت فِي آفَاق الْأَرْضين
وَهُوَ صَاحب التعليقة الْمَشْهُورَة وساحب ذيول الفخار المرفوعة المجرورة وجالب التَّحْقِيق إِلَى سوق الْمعَانِي حَتَّى يخرج الْوَجْه من صُورَة إِلَى صُورَة السَّامِي على آفَاق السَّمَاء والعالي على مِقْدَار النَّجْم فِي اللَّيْلَة الظلماء وَالْحَال فَوق فرق الفرقد وَكَذَا تكون عزائم الْعلمَاء قَاض مكمل الْفضل فَلَو يتعرف بِهِ النُّحَاة لما قَالَت فِي قَاض إِنَّه مَنْقُوص وبحر علم زخرت فَوَائده فعمت النَّاس وتعميم الْفُقَهَاء بهَا للخصوص وَإِمَام تصطف الْأَئِمَّة خَلفه كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص
كَانَ القَاضِي جبل فقه منيعا صاعدا وَرجل علم من يساجله يساجل ماجدا(4/356)
وَبَطل بحث يتْرك الْقرن مصفرا أنامله قَائِما وَقَاعِدا
روى الحَدِيث عَن أبي نعيم عبد الْملك الإسفرايني
روى عَنهُ عبد الرَّزَّاق المنيعي وتلميذه محيي السّنة الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا
وتفقه على الْقفال الْمروزِي وَهُوَ وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ أَنْجَب تلامذته وأوسعهم فِي الْفِقْه دَائِرَة وأشهرهم بِهِ اسْما وَأَكْثَرهم لَهُ تَحْقِيقا وللقاضي رَحمَه الله مَعَ ذَلِك الغوص على الْمعَانِي الدقيقة وَكَثْرَة التَّحْرِير وسداد النّظر
ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق وَقَالَ فِيهِ فَقِيه خُرَاسَان
قَالَ وَكَانَ عصره تَارِيخا بِهِ
قَالَ الرَّافِعِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ حبر الْأمة
قلت وَفِي كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه حبر الْمَذْهَب على الْحَقِيقَة
وَتخرج عَلَيْهِ من الْأَئِمَّة عدد كثير مِنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَصَاحب التَّتِمَّة والتهذيب الْمُتَوَلِي وَالْبَغوِيّ وَغَيرهم
قَالَ الرَّافِعِيّ سَمِعت سبطه الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن القَاضِي الْحُسَيْن يَقُول أَتَى القَاضِي رَحمَه الله رجل فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق أَنه لَيْسَ أحد فِي الْفِقْه وَالْعلم مثلك فَأَطْرَقَ رَأسه سَاعَة وَبكى ثمَّ قَالَ هَكَذَا يفعل موت الرِّجَال لَا يَقع طَلَاقك
وَقد تكلمنا على هَذِه الْحِكَايَة فِي أول ديباجة هَذَا الْكتاب(4/357)
توفّي القَاضِي رَحمَه الله فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن شعره
(إِذا مَا رماك الدَّهْر يَوْمًا بنكبة ... فأوسع لَهَا صَدرا وَأحسن لَهَا صبرا)
(فَإِن إِلَه الْعَالمين بفضله ... سيعقب بعد الْعسر من فَضله يسرا)
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ وَهِي عزيزة
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن مُحَمَّد البعلي أخبرنَا أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بحفدة العطاري
ح وَأخْبرنَا جمَاعَة من مَشَايِخنَا مِنْهُم الحافظان أَبُو الْحجَّاج الْمزي وَأَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ عَن أبي الْحسن بن البُخَارِيّ عَن فضل الله بن مُحَمَّد النوقاني قَالَا أخبرنَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ قَالَ حفدة سَمَاعا وَقَالَ فضل الله إجَازَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القَاضِي أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الشَّاة حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد حفيد الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا جدي الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا مُحَمَّد بن مهَاجر حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة وَعبد الله بن نمير وَأَبُو أُسَامَة قَالُوا حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سلك طَرِيقا يَبْتَغِي فِيهِ علما سهل الله لَهُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة)(4/358)
561 - يَعْقُوب بن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو يُوسُف الإسفرايني
خَازِن كتب الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد
562 - يُوسُف بن أَحْمد بن كج القَاضِي الإِمَام أحد أَرْكَان الْمَذْهَب أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي
صَاحب أبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان وَحضر مجْلِس الداركي وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي حفظ الْمَذْهَب وارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الْآفَاق وأطنبوا فِي وَصفه بِحَيْثُ يفضله بَعضهم على الشَّيْخ أبي حَامِد
وَقَالَ لَهُ فَقِيه يَا أستاذ الِاسْم لأبي حَامِد وَالْعلم لَك قَالَ ذَاك رفعته بَغْدَاد وحطتني الدينور(4/359)
وَجْهَيْن الْجَوَاز لِأَنَّهُ اسْتقْبل الْقبْلَة وَالْمَنْع لِأَن قبلته وَجه دَابَّته
أقرّ فِي مرض مَوته بِأَن مَا فِي هَذَا الدَّار لفُلَان وَمَات فَتَنَازَعَ الْمقر لَهُ وَالْوَرَثَة فِي بعض أَمْتعَة الدَّار فَقَالَ الْوَرَثَة لم يكن هَذَا فِي الدَّار وَقت الْإِقْرَار
أجَاب القَاضِي الْحُسَيْن بِأَن القَوْل قَول الْمقر لَهُ لِأَنَّهُ أقرّ لَهُ بِمَا فِي الدَّار وَقد وجدنَا هَذَا الشَّيْء مَوْضُوعا فِيهَا بعد الْإِقْرَار
وَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا تسمع الدَّعْوَى على أَنه كَانَ فِي الدَّار لِأَن كَونه فِي الدَّار غير مَقْصُود بل يَدعِي أَن الْأَب أقرّ لي بِهِ وَالْقَوْل قَول الْوَارِث مَعَ يَمِينه يحلف أَنه لَا يعلم إِقْرَار الْأَب بِهِ
قلت نَظِير الْمَسْأَلَة أَن يقر بِمَا فِي يَده ثمَّ يتنازع مَعَ الْمقر لَهُ فِي شَيْء هَل كَانَ فِي يَده وَقت الْإِقْرَار
والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَن القَوْل قَول الْمقر وَهُوَ يشْهد لما قَالَه الْبَغَوِيّ هُنَا
رجل ضل شمشكه فِي ضِيَافَة وَترك هُنَاكَ شمشك آخر
قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن لَيْسَ لَهُ لبسه وَإِن علم أَنه شمشك من أَخذ شمشكه وَإِن فعل عصى الله
وَقع فِي شرح الْمِنْهَاج للوالد رَحمَه الله أَن القَاضِي الْحُسَيْن منع اسْتِئْجَار الْوَالِد وَلَده للْخدمَة وَالَّذِي فِي تعليقة القَاضِي نقل ذَلِك عَن أبي حنيفَة فَقَط
وَمن الغرائب أَن مثل هَذَا وَقع للنووي فِي الرَّوْضَة فحكاه وَجها وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عزوه إِلَى أبي حنيفَة فَقَط
فِي فتاوي القَاضِي أَنه لَو دخل سَارِق دَار إِنْسَان فَلم يُمكنهُ الْخُرُوج زَمَانا وَبَقِي مختفيا لَا يجب عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ لم يستول عَلَيْهَا بِإِزَالَة يَد الْمَالِك بِخِلَاف الْغَاصِب(4/360)
قلت وَقد تنَازع فِي هَذَا القَوْل صَاحب التَّتِمَّة فِيمَن جلس مَعَ غَيره على بساطه بِغَيْر إِذْنه أَنه يلْزمه الْأُجْرَة وَإِن لم يزعج الْمَالِك وَلَكِن الْفرق أَن الْجَالِس على الْبسَاط قَاصد الِانْتِفَاع بِخِلَاف السَّارِق فَإِن الضَّرُورَة أرهقته
وَمن مَسْأَلَة التَّتِمَّة لَا مَسْأَلَة القَاضِي يُؤْخَذ فرع كثير الْوُقُوع
شخص يدْخل دَار غَيره على سَبِيل التَّنَزُّه دون الْغَصْب فَالظَّاهِر وجوب الْأُجْرَة عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَة السّرقَة وبل هُوَ أولى بِالْوُجُوب من مَسْأَلَة التَّتِمَّة
قَالَ القَاضِي فِي التعليقة عِنْد نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة إِذا عين الْخُرُوج عَن غير مَا هُوَ فِيهِ عَامِدًا بطلت سَوَاء اشترطنا نِيَّة الْخُرُوج أم لم نشترطها لِأَنَّهُ أبطل مَا هُوَ فِيهِ بنية الْخُرُوج عَن غَيره
وخرجه فِيمَا إِذا كَانَ سَاهِيا على وجوب نِيَّة الْخُرُوج
وَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ تَفْرِيعا على وجوب نِيَّة الْخُرُوج إِنَّمَا هُوَ الْبطلَان عِنْد التعمد لَا عِنْد السَّهْو وتفريعا على عدم الْوُجُوب أَنه لَا يضر الْخَطَأ فِي التَّعْيِين
فرع مُهِمّ فِي الدّين فِيهِ خلاف بَين الْقفال وَالْقَاضِي
قَالَ القَاضِي فِي التعليقة فِي بَاب صفة الصَّلَاة بعد كَلَامه على التَّشَهُّد فِي الْمَرْء يتَيَقَّن أَنه ترك فِي عمره صلوَات لَا يدْرِي كم عَددهَا مَا نَصه فرع رجل عَلَيْهِ فوائت لَا يدْرِي قدرهَا وَلَا عَددهَا
كَانَ الْقفال يَقُول يُقَال لَهُ قدم وهمك وَخذ بِمَا تتيقن فَمَا تيقنت وُجُوبه فِي ذِمَّتك فَعَلَيْك قَضَاؤُهُ وَمَا شَككت فِي وُجُوبه فَلَا(4/361)
بِخِلَاف مَا لَو شكّ فِي أَدَاء فرض الْوَقْت يلْزمه فعله لِأَن الأَصْل وُجُوبه فِي الذِّمَّة وَوَقع الشَّك فِي سُقُوطه عَن ذمَّته وَفِيمَا نَحن فِيهِ شكّ فِي أصل الْوُجُوب قبل الْيَقِين وَالطَّرِيق فِيهِ أَن يُقَال لَهُ إِذا كَانَ عدد من الصُّبْح أَو الظّهْر هَل تتيقن أَنه صبح أَو ظهر وَاحِد فَإِن قَالَ نعم قُلْنَا عَلَيْك فعلهَا
ثمَّ نقُول هَل تتيقن أَنَّهَا صبحان أَو ظهران فَإِن قَالَ نعم
قُلْنَا عَلَيْك فعلهَا
وَهَكَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى حَال يشك فِيهِ فنطرح عَنهُ الْمَشْكُوك ونكلفه أَدَاء الْيَقِين
قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن وَعِنْدِي يُقَال للْمُصَلِّي كم تيقنت من فَرَائض هَذِه السّنة قد أديتها فَالَّذِي تيقنت سقط عَنْك وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتك لِأَن الأَصْل اشْتِغَال ذِمَّتك بالفريضة
وَمَا قَالَه الْقفال يخرج على القَوْل الْقَدِيم أَنه لَو شكّ أَنه هَل ترك ركنا من أَرْكَان الصَّلَاة فعلى قَوْله الْقَدِيم الأَصْل مضيه على السَّلامَة وَفِي الْجَدِيد يلْزمه الِاسْتِئْنَاف لِأَن الأَصْل اشْتِغَال ذمَّته بِهِ وَلَو أَنه على الشَّك قضى فَائِتَة فَالَّذِي يُرْجَى فِيهِ من فضل الله تَعَالَى أَن يجْبر بهَا خللا فِي الْفَرَائِض ويحسبها لَهُ نفلا
سَمِعت بعض أَصْحَاب القَاضِي أبي عَاصِم يَقُول إِنَّه قضى صلوَات عمره كلهَا مرّة وَقد اسْتَأْنف قضاءها ثَانِيًا
وَمن مَذْهَب أبي حنيفَة لَو مرت عَلَيْهِ فوائت فَأَرَادَ أَن يَقْضِيهَا يَنْوِي أَولا أول صبح فَاتَهُ أَو أول ظهر ثمَّ بعد ذَلِك يَنْوِي مَا يَلِيهِ أَو يَنْوِي آخر ظهر أَو آخر صبح ثمَّ يَنْوِي مَا يَلِيهِ فَيُسْتَحَب أَن يَنْوِي على هَذَا الْوَجْه
وَلَو أطلق النِّيَّة فَنوى قَضَاء فَائِتَة الصُّبْح أَو الظّهْر جَازَ
انْتهى كَلَامه فِي التعليقة(4/362)
مَسْأَلَة من بَاب الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاث
إِذا مَاتَ مَجْهُول الدّين وَله ولدان مُسلم وَنَصْرَانِي قَالَ كل مِنْهُمَا لم يزل على ديني حَتَّى مَاتَ
جعلت التَّرِكَة كَمَال فِي يَد اثْنَيْنِ تنازعاه
وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله
قَالَ الْغَزالِيّ وَهَذِه زلَّة لِأَنَّهُ معترف بِأَن يَده من جِهَة الْمِيرَاث فَلَا أثر ليده مَعَ ذَلِك
وَاعْلَم أَن الْغَزالِيّ تلقى هَذَا الْكَلَام من إِمَامه غير أَن إِمَامه جعل الْحمل فِيهِ على النَّاقِل عَن القَاضِي مَعَ تصريحه بِأَن القَاضِي قَالَه وَهَذَا عَجِيب
وَهَذِه عبارَة النِّهَايَة وَقد ذكر القَاضِي أَنا نَنْظُر إِلَى الْيَد فَإِن كَانَت التَّرِكَة فِي يَد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَهَذَا وهم وزلل من النَّاقِل عَنهُ
انْتهى
فَكَأَنَّهُ وَإِن أبصره فِي كتاب القَاضِي لم يتَحَقَّق أَنه من قبله لعلو فهم القَاضِي عِنْده وَضعف هَذِه الْمقَالة
فأضاف الزلل إِلَى الْمُعَلق
وَقد خلا كَلَام الْغَزالِيّ عَن هَذِه الزِّيَادَة لَا سِيمَا وَفِي بعض نسخ الْوَسِيط وَهَذِه زلَّة من كَبِير وَهَذَا يكَاد يُصَرح بثبوتها على القَاضِي وَهُوَ شَيْء فر مِنْهُ الإِمَام لَكِن مَا عزي للْقَاضِي هُوَ قَول الشَّيْخ أبي حَامِد شيخ الْعِرَاقِيّين وَجَمَاعَة كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ وليت شعري لم جعل زللا وَمَا جعل جعلهم القَوْل قَول الثَّالِث إِذا كَانَ المَال فِي يَده زللا وَكَانَ الْقيَاس إِذا أقرّ بِهِ لأَحَدهمَا أَن يكون الحكم كَمَا لَو كَانَ فِي يدهما نظرا لما أبطل بِهِ الإِمَام كَلَام القَاضِي
وَقد أطنب ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي تأييد كَلَام القَاضِي وَذكر هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَغَيره
وَلَكِنِّي أَقُول الإِمَام فِي النِّهَايَة لم يذكر مَا إِذا كَانَ المَال فِي يَد غَيرهمَا والرافعي(4/363)
وَإِن كَانَ جزم بِأَن القَوْل قَول الثَّالِث لَكنا لَا نَدْرِي مَا حَال هَذَا الْجَزْم عِنْد الإِمَام
وَقد ذكر ابْن الرّفْعَة أَن القَاضِي عماد الدّين بن السكرِي اعْترض فِي حَوَاشِي الْوَسِيط قَائِلا يُمكن أَن يُقَال يُوقف فَإِن بَيت المَال يَقُول لَعَلَّه مَاتَ على غير دينكما فَيحْتَاج كل مُدع إِلَى إِثْبَات مَا يَدعِيهِ وَلَيْسَ المَال فِي يدهما بل قد علم أَن المَال كَانَ فِي يَد الْمَيِّت الَّذِي لم يعرف حَاله
وَنقل عَن صَاحب الشَّامِل أَنه ذكر وَجها يُوَافق هَذَا الْبَحْث لَكِن ابْن الرّفْعَة قَالَ إِن هَذِه الْأَوْجه لَهُ لِأَن مَا أبداه يحْتَمل فِيمَا إِذا توافقا أَنه مَاتَ على دينهما أَو كَانَ وَاحِد وَمَعَ ذَلِك لَا يُوَافق اتِّفَاقًا
فرع فِي بَاب صفة الصَّلَاة
قَالَ القَاضِي فِي التعليقة وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم من غير ألف وَلَام لم يتَحَلَّل بِهِ من الصَّلَاة
نَص الشَّافِعِي على أَنه إِذا نقص حرفا مِنْهُ تبطل بِهِ صلَاته
وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَزَاد التَّنْوِين وَنقص الْألف وَاللَّام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يقوم التَّنْوِين مقَامه فَيَقَع بِهِ التَّحَلُّل
وَالثَّانِي لَا
وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم من غير التَّنْوِين ترَتّب على التَّنْوِين أَن قُلْنَا لَا يخرج بِهِ عَن صَلَاة فَهُنَا أولى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يخرج من الصَّلَاة كَذَلِك لِأَن إِسْقَاط التَّنْوِين لَا يُغير مَعْنَاهُ فَهُوَ كَمَا لَو قَالَه منونا
انْتهى(4/364)
وَمَسْأَلَة سَلام عَلَيْكُم مُنْكرا منونا مَشْهُورَة وَرجح الرَّافِعِيّ فِيهَا الْإِجْزَاء وَالنَّوَوِيّ عدم الْإِجْزَاء وَقَالَ إِنَّه الْمَنْصُوص
أما مَسْأَلَة سَلام مُنْكرا غير منون فَغَرِيبَة وَمن الْعجب أَن الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الفركا نقل فِيهَا فِي تَعْلِيقه على التَّنْبِيه أَن القَاضِي قَالَ لَا يجزىء
وَكَأَنَّهُ نظر أول مَا حكيناه من كَلَامه
وَلَو تَأمل آخِره لوجده قد حكى فِيهَا وَجْهَيْن كَمَا رَأَيْت
وَفِي كتاب سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني أَن أَبَا الْحسن حكى عَنْهُم سَلام عَلَيْكُم غير منون وَوَجهه بِأَن اللَّفْظَة كثرت فِي كَلَامهم فَحذف تنوينها تَخْفِيفًا(4/365)
395 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الفوراني الإِمَام أَبُو عَليّ الْبَيْهَقِيّ
قَالَ عبد الغافر فِيهِ ركن من أَرْكَان أَصْحَاب الشَّافِعِي بِنَاحِيَة بيهق مدرسهم ومفتيهم ومذكرهم والمرجوع إِلَيْهِ فِي مهمات الْأُمُور دينا وَدُنْيا فيهم
هَذَا مَا ذكره عبد الغافر نقلته من منتخب كِتَابه
وَذكره فِي طبقَة القَاضِي الْحُسَيْن وأقرانه
396 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم الْفَارِسِي
مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
397 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن إِبْرَاهِيم
أَبُو عَليّ الدلفي الْمَقْدِسِي الْبَغْدَادِيّ
تفقه على ابْن الصّباغ
قَالَ أَبُو عَليّ بن سكرة لم ألق بِبَغْدَاد أصلح مِنْهُ وَلَا أزهد(4/366)
كَانَ فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
398 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله
الشَّيْخ الإِمَام الْكَبِير أَبُو عبد الله الحناطي الطَّبَرِيّ
والحناطي بحاء مُهْملَة بعْدهَا نون مُشَدّدَة وَهَذِه النِّسْبَة لجَماعَة من أهل طبرستان مِنْهُم هَذَا الإِمَام وَلَعَلَّ بعض آبَائِهِ كَانَ يَبِيع الْحِنْطَة
كَانَ الحناطي إِمَامًا جَلِيلًا لَهُ المصنفات وَالْأَوْجه المنظورة
قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن عبد الله بن عدي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَنَحْوهمَا
قَالَ الْخَطِيب حَدثنَا عَنهُ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن شُعَيْب الرَّوْيَانِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ
قلت وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تعليقته فِي بَاب التحفظ فِي الشَّهَادَة عِنْد الْكَلَام على الحناطي كَانَ الحناطي رجلا حَافِظًا لكتب الشَّافِعِي ولكتب أبي الْعَبَّاس
انْتهى
ذكره بعد مَا قَالَ الَّذِي شاهدت عَلَيْهِ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين أَنهم يَقُولُونَ إِن الْمَذْهَب أَن شَهَادَته لَا تسمع وَأَن ابْن سُرَيج قَالَ تسمع وَأَنه سمع الحناطي يعكس وَيَقُول الْمَذْهَب أَنَّهَا تسمع وَابْن سُرَيج يَقُول لَا تسمع(4/367)
قلت وَالْأول مَا نَقله الْحسن بن أَحْمد الْبَصْرِيّ فِي كتاب أدب الْقَضَاء فَإِنَّهُ ذكر أَن أَكثر أَصْحَابنَا قَالُوا لَا تقبل وَإِن ابْن سُرَيج قَالَ تقبل
قَالَ وَهُوَ الْقيَاس
قلت ووفاة الحناطي فِيمَا يظْهر بعد الأربعمائة بِقَلِيل أَو قبلهَا بِقَلِيل وَالْأول أظهر
وَمن الغرائب والمسائل عَن الحناطي
رَأَيْت فِي فَتَاوِيهِ أَنه لَا يجوز جعل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي كاغد كتب عَلَيْهِ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وأوقفت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد على ذَلِك فأقره
وفيهَا أَن من صلى فِي فضاء من الأَرْض بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ حلف أَنه صلى فِي جمَاعَة أَنه يبر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الْمَلَائِكَة تصلي خَلفه) وَوَافَقَهُ الشَّيْخ الإِمَام أبي رَحمَه الله
وَأَنه لَو قَالَ لغريمه أحللتك فِي الدُّنْيَا دون الْآخِرَة برىء فِي الدَّاريْنِ لِأَن الْبَرَاءَة فِي الْآخِرَة تَابِعَة للبراءة فِي الدُّنْيَا
قلت وَقد يُنَازع فِي ذَلِك وَيُقَال لَا يلْزم من الْبَرَاءَة فِي الدُّنْيَا الْبَرَاءَة فِي الْآخِرَة(4/368)
وَإِنَّمَا هُوَ كتأجيل الدّين وَلَا أَعنِي صَيْرُورَته مُؤَجّلا وَأَن الْحَال لَا يُؤَجل وَإِنَّمَا أَعنِي نَحْو الْوَصِيَّة أَو نذر تَأْخِير الْمُطَالبَة وَكَأَنَّهُ ترك حَقه من الْمُطَالبَة فِي الدُّنْيَا نعم يتَّجه أَن يُقَال لَا يبرأ مُطلقًا وَيبقى الدّين فِي ذمَّته كَمَا كَانَ غير أَن الدَّائِن لَا يسْتَحق الْمُطَالبَة بِهِ فِي الدُّنْيَا وَإِن أحب الْمَدِين الْبَرَاءَة الْكُلية الَّتِي لَا يتبعهُ مَعهَا فِي دنيا وَلَا أُخْرَى وَفِي الدَّائِن دينه ثمَّ للدائن أَخذه وَلَا يمنعهُ إبراؤه فِي الدُّنْيَا لأَنا قد قُلْنَا إِن معنى الْإِبْرَاء فِي الدُّنْيَا ترك حق الْمُطَالبَة فغايته تَأْجِيل الْحَال ثمَّ من لَهُ دين مُؤَجل قد يعجل لَهُ
فَإِن قلت أيصح رد كَلَام الحناطي بِأَن يعكس قَوْله لما أَبرَأَهُ فِي الدُّنْيَا بَرِيء فِي الْآخِرَة وَيُقَال لما لم يبرأ فِي الْآخِرَة لم يبرأ فِي الدُّنْيَا يعين مَا قَالَه فَإِنَّهُ علله بِأَن الْآخِرَة تَابِعَة وكما لَا ينْفَصل التَّابِع عَن الْمَتْبُوع كَذَلِك لَا ينْفَصل الْمَتْبُوع عَن التَّابِع وَذَلِكَ شَأْن المتلازمين
قلت لَا يَصح ذَلِك لِأَن إِعْمَال قَوْله أَبْرَأتك فِي الدُّنْيَا أولى من إِعْمَال لم أبرئك فِي الْآخِرَة فَإِن قَوْله دون الْأُخْرَى لَا يزِيد على أَنه بَقِي الْأَمر فِي الْآخِرَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ مُسْتَفَاد من قبل الْإِبْرَاء وَهُوَ إِنَّمَا أصدر الْإِبْرَاء فِي الدُّنْيَا وَجعل صدر كَلَامه مَكَانَهُ أولى بِأَن ينظر إِلَيْهِ ويحذف مَا بعده لوُقُوعه كالمعارض لَهُ فَهُوَ يشبه رفع الشَّيْء بعد ثُبُوته فَلَا يسمع كألف من ثمن خمر
وَأَنه سُئِلَ عَن مَرِيض تحقق مَوته فِي مَرضه هَل تصح وَصيته فَقَالَ لَا تصح وَلَا قصاص على قَاتله وَإِن أَثم
انْتهى
وَمرَاده من انْتهى إِلَى حَرَكَة المذبوحين وَلم يبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلَا يحمل التَّأْخِير لَحْظَة(4/369)
وَبِذَلِك صرح الْعِرَاقِيُّونَ فِي كتاب الْوَصَايَا فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِذا كَانَ فِي النزع وَقد شخص بَصَره وانتصبت عَيناهُ فَلَا قَود وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة
وَتَبعهُ جماعات مِنْهُم الْمُتَوَلِي والرافعي وَالنَّوَوِيّ لكِنهمْ جَمِيعًا صَرَّحُوا فِي كتاب الْجراح بِوُجُوب الْقود فَقَالُوا والعبارة للْإِمَام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَو انْتهى الْمَرِيض إِلَى سَكَرَات الْمَوْت وبدت مخايله وتغيرت الأنفاس فِي الشراسيف فَلَا يحكم لَهُ بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَ يظنّ أَنه فِي حَالَة المقدود لِأَن بُلُوغه إِلَى تِلْكَ الْحَالة غير مَقْطُوع وَقد يظنّ بِهِ ذَلِك ثمَّ يشفى بِخِلَاف المقدود
قَالَ الإِمَام وَكم من مذفف شقّ عَلَيْهِ الْجُيُوب وَشد حنكه ثمَّ تثور قوته وتعود فَلَا يتَصَوَّر الحكم بِالْمَوْتِ على ثِقَة مَا لم يخمد ويفض نَفسه فَإِذا ضرب ضَارب رقبته وَهُوَ يتنفس فنجعله قَاتلا على التَّحْقِيق
هَذَا كَلَام الإِمَام وَتَبعهُ الْأَصْحَاب وَسَبقه غَيره وَهُوَ مَنْصُوص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ
وَلقَائِل أَن يَقُول التَّعْبِير بِأَنَّهُ فِي سَكَرَات الْمَوْت وَأَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح مَعَ تفرقتهم بِأَن بُلُوغه إِلَى تِلْكَ الْحَالة غير مَقْطُوع لَيْسَ بصواب بل الصَّوَاب التَّعْبِير بِعِبَارَة صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُم من جنى على رجل يرى من حَضَره أَنه فِي السِّيَاق وَأَنه يقبض مَكَانَهُ فَضَربهُ بحديدة فَمَاتَ فَعَلَيهِ فِيهِ الْقود لِأَنَّهُ قد يعِيش بعد مَا يرى أَنه يَمُوت
انْتهى
وَأَنه وصل إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح قد لَا يكون فِي نفس الْأَمر كَذَلِك فَيجب الْقصاص على قَاتله وَهُوَ مَا جزم بِهِ الْأَصْحَاب فِي كتاب الْجراح
وَمن تَيَقنا أَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَأَن الْحَيَاة فِيهِ غير مُسْتَقِرَّة فَلَا قصاص(4/370)
فِيهِ وَهُوَ مَا ذكره فِي بَاب الْوَصَايَا فَلَا تنَاقض بَين الْمَوْضِعَيْنِ
وَمن شككنا أَنه وصل إِلَى هَذِه الْحَالة فَالصَّوَاب أَلا يحكم بوصوله إِلَيْهَا وَأَن نوجب الْقصاص على قَاتله جَريا على الأَصْل
هَذَا مَا يظْهر وَبِه يجْتَمع كَلَام الْأَصْحَاب فِي الْوَصَايَا والجراح وَلَا يعد تناقضا وَإِنَّمَا أُتِي من أُتِي من سوء التَّعْبِير
فَإِذا قَالَ قَائِل يجب الْقصاص على قَاتل الْمَرِيض وَإِن ظن انتهاؤه إل حَرَكَة الْمَذْبُوح بِخِلَاف من تَيَقّن أَنه انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة كَمَا صَرَّحُوا بِالْأولِ فِي الْجراح وَبِالثَّانِي فِي الْوَصَايَا كَانَ مصيبا
وَإِذا زَاد فَقَالَ لَكِن مَا ذَكرُوهُ فِي بَاب الْوَصَايَا لَا يتَحَقَّق مَحَله لِأَن تِلْكَ الْحَالة لَا يتَحَقَّق الِانْتِهَاء إِلَيْهَا فإطلاق وجوب الْقصاص صَحِيح كَانَ مصيبا أَيْضا
وَهَذَا مُخْتَصر من جملَة مُطَوَّلَة متشعبة فِي كَلَام الْأَصْحَاب قد لخصتها لَك هُنَا خرج لَك منا أَن مَا ذكره الحناطي فِي فَتَاوِيهِ وَإِن كَانَ حَقًا فِي نفس الْأَمر إِذا حمل على من تَيَقّن أَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَقع ألفاظا وفقا لما ذكره فِي بَاب الْوَصَايَا لكنه غير مَعْمُول بِهِ لعدم تَيَقّن تِلْكَ الْحَالة وَأما الظَّن بالحناطي أَنه يَقُول لَا قصاص وَإِن لم ينْتَه إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح إِذا تَيَقنا مَوته بذلك الْمَرَض فَهَذَا ظن بَاطِل إِذْ لَا يَقُول بذلك عَاقل بل لَو تَيَقنا مَوته بذلك الْمَرَض وَأَنه لَا يعِيش إِلَّا لَحْظَة وَاحِدَة فَقتله قَاتل وَجب عَلَيْهِ الْقود جزما لِأَن الْمَوْت محَال على قَتله فَإِن الْمَرَض قد كَانَ يبقيه تِلْكَ اللحظة ففوتها الْقَاتِل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْقَاتِل عندنَا معاشر أهل السّنة لَا يقطع أَََجَلًا لَكِن ذَلِك وَاد آخر من غير هَذَا الْوَادي الفقهي الَّذِي نَحن الْآن نمشي فِيهِ(4/371)
399 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الإِمَام الكشفلي
وكشفل بِفَتْح الْكَاف وَضم الْفَاء بَينهمَا شين مُعْجمَة سَاكِنة وَآخِرهَا اللَّام من قرى آمل طبرستان
تفقه على أبي الْقَاسِم الداركي وتفقه قبله على أبي عبد الله الحناطي
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها مجودا مَوْصُوفا بجودة النّظر(4/372)
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من فُقَهَاء الشافعيين
قَالَ ودرس فِي مَسْجِد عبد الله بن الْمُبَارك بعد موت أبي حَامِد الإسفرايني
قَالَ وَكَانَ فهما فَاضلا صَالحا متقللا زاهدا
وَحكي أَن بعض طلبته اشْتَكَى إِلَيْهِ فاقة وَأَنه تَأَخَّرت عَنهُ نَفَقَته الَّتِي ترد عَلَيْهِ من أَبِيه فَأخذ الكشفلي بِيَدِهِ وَذهب إِلَى بعض التُّجَّار بقطيعة الرّبيع فَاسْتقْرض لَهُ مِنْهُ خمسين دِينَارا فَقَالَ حَتَّى نَأْكُل شَيْئا
فَمد السماط فَأَكَلُوا
ثمَّ قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي المَال
فأحضرت جَارِيَته شَيْئا من المَال فوزن مِنْهُ خمسين دِينَارا وَدفعهَا إِلَى الشَّيْخ
فَلَمَّا قاما إِذا بِوَجْه الْفَقِيه قد تغير فَقَالَ لَهُ الكشفلي مَا لَك فَقَالَ يَا سَيِّدي قد سكن قلبِي حب هَذِه الْجَارِيَة
فَرجع بِهِ إِلَى التَّاجِر فَقَالَ وَقد وقعنا فِي فتْنَة أُخْرَى
قَالَ مَا هِيَ قَالَ إِن الْفَقِيه قد هوي الْجَارِيَة
فَأمر التَّاجِر بِأَن تخرج وَسلمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ رُبمَا تكون قد وَقع فِي قَلبهَا مِنْهُ مثل الَّذِي وَقع فِي قلبه مِنْهَا
فَلَمَّا كَانَ بعد لَيَال قدمت على الْفَقِيه نَفَقَة من أَبِيه سِتّمائَة دِينَار فوفى التَّاجِر مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ من ثمن الْجَارِيَة وَالْقَرْض(4/373)
مَاتَ الكشفلي فِي ربيع الآخر سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب
400 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الوني
بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد النُّون الشَّيْخ أَبُو عبد الله الفرضي
كَانَ مُتَقَدما فِي علم الْفَرَائِض لَهُ فِيهِ تصانيف جَيِّدَة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَت لَهُ يَد فِي عُلُوم أخر وَكَانَ حسن الذكاء
سمع الحَدِيث من أَصْحَاب أبي عَليّ الصفار وَأبي جَعْفَر بن البخْترِي وَغَيرهمَا
وَسمع مِنْهُ أَبُو حَكِيم الخبري وَغَيره
قَالَ ابْن مَاكُولَا سَمِعت أَبَا بكر الْخَطِيب يَقُول حَضَرنَا مجْلِس بعض الْمُحدثين وَكَانَ مَعنا أَبُو عبد الله الوني فأملى أَحَادِيث ونهضنا وَقد حفظ الوني مِنْهَا بضعَة عشر حَدِيثا
قتل الوني بِبَغْدَاد فِي فتْنَة البساسيري سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة(4/374)
401 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْقطَّان
صَاحب المطارحات
ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْغَصْب وَحكى قَوْله فِي المطارحات فِيمَا إِذا وطىء الْغَاصِب الْمَغْصُوبَة وأحبلها المُشْتَرِي ثمَّ مَاتَت فِي الْولادَة فِي يَد الْمَالِك أَنه إِن كَانَ عَالما فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ أَي لَا يلْحقهُ حَتَّى يُقَال مَاتَت لولادة وَلَده
وَنقل فِي صُورَة الْجَهْل قَوْلَيْنِ لِأَن الْوَلَد لَاحق بِهِ فَيصح أَن يُقَال مَاتَت من الْولادَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ
وَالَّذِي أطلقهُ الْمُتَوَلِي وَصَححهُ النَّوَوِيّ القَوْل بِوُجُوب الضَّمَان
وَقد وقفت على المطارحات وَرَأَيْت ذَلِك فِيهَا وَهَذِه عبارتها مَسْأَلَة رجل غصب جَارِيَة وباعها وأحبلها المُشْتَرِي ثمَّ اسْتحقَّهَا الْمَغْصُوب مِنْهُ وَردت عَلَيْهِ ثمَّ مَاتَت فِي الْولادَة
الْجَواب إِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْغَصْبِ لم يضمن الْجَارِيَة لِأَن الْوَلَد الَّذِي تلده لَا يلْحقهُ وَلَا يَصح أَن يُقَال مَاتَت من ولادَة الْوَلَد الَّذِي مِنْهُ وَإِن كَانَ غير عَالم ضمن قيمَة الْجَارِيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ إِذا لم يكن عَالما بِالْغَصْبِ فَالْوَلَد لَاحق بِهِ فَيصح أَن يُقَال مَاتَت من الْولادَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ
وَفِي ذَلِك قَول آخر أَن قيمَة الْجَارِيَة على عَاقِلَته
انْتهى
وَفِي المطارحات رجل فِي يَده قَمِيص قَالَ خاطه لي فلَان
فَقَالَ فلَان بل هَذَا قَمِيصِي إِن القَوْل قَول من فِي يَده الْقَمِيص إِلَّا أَن يَقُول أَخَذته من هَذَا الْخياط فَالْقَوْل قَول الْخياط حِينَئِذٍ وَالْفرق أَنه فِي الأول يحْتَمل أَن يكون خاطه فِي يَده(4/375)
أَو فِي دَاره فَيكون الْخياط مُدعيًا وَالْقَوْل لصَاحب الْيَد بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ أَخَذته من هَذَا الْخياط فَإِنَّهُ مقرّ للخياط بِالْيَدِ
402 - حمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مُوسَى
يتَّصل نسبه بالزبير بن الْعَوام أَبُو عبد الله الزبيرِي
لَيْسَ أَبَا عبد الله الْمَشْهُور ذَاك اسْمه الزبير
وَهَذَا رجل سمع الحَدِيث الْكثير وسافر فِي طلبه إِلَى خُرَاسَان وَلَقي الْأَئِمَّة
وتفقه على نَاصِر الْعمريّ
وَولي قَضَاء طبرستان وإستراباذ
وناظر الْأَئِمَّة
وَحدث عَن أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْحَافِظ وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وناصر الْعمريّ وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأبي عُثْمَان سعيد بن سعيد الْعيار وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم السَّمرقَنْدِي وَغَيره
قَالَ شيرويه قدم علينا همذان وَسمعت مِنْهُ بِبَغْدَاد
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد قبل الْعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بنيسابور لَيْلَة الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحمل تابوته إِلَى آمل وَدفن بهَا(4/376)
403 - حَكِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن حَكِيم الذيموني
الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد
منتسب إِلَى ذيمون بِالْمُعْجَمَةِ وَسُكُون الْيَاء المنقوطة من تحتهَا بِاثْنَتَيْنِ وَضم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا ثمَّ النُّون على فرسخين وَنصف من بُخَارى
تفقه أَبُو مُحَمَّد هَذَا على أبي عبد الله الخضري
ودرس الْكَلَام على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق
وَكَانَ بَصيرًا بِمذهب الْأَشْعَرِيّ قيمًا بِمذهب الشَّافِعِي
توفّي ببخارى فِي شهر ربيع الأول سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة
404 - رَافع بن نصر أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ
الْفَقِيه الزَّاهِد الْمَعْرُوف بالحمال
روى عَن أبي عمر بن مهْدي الْفَارِسِي وَأبي الْحسن بن رزقويه وَغَيرهمَا
حدث عَن سهل بن بشر الإسفرايني وجعفر السراج وَغَيرهمَا(4/377)
وَكَانَ فَقِيها متكلما
تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني
وَأخذ علم الْأُصُول عَن القَاضِي أبي بكر
قَالَ هياج بن عبيد كَانَ لرافع الْحمال فِي الزّهْد قدم وَإِنَّمَا تفقه أَبُو الْحسن رَافع على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَمن شعره يَقُول
(اقْطَعْ الآمال عَن فضل ... بني آدم طرا)
(أَنْت مَا اسْتَغْنَيْت عَن مثلك ... أعلا النَّاس قدرا)
توفّي بهَا سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب أَنبأَنَا الْحَافِظ مُحَمَّد بن مَحْمُود أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي المقرىء أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الْقَادِر ابْن مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ سَمِعت رَافعا الْحمال الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه وَنحن نطوف بِالْبَيْتِ يَقُول سَمِعت بكرا الْوَاعِظ يَقُول وَقد سُئِلَ أَيهمَا أفضل مُحَمَّد أَو مُوسَى فَقَالَ مُحَمَّد
فَقيل لَهُ فَمَا الدَّلِيل على ذَلِك فَقَالَ إِنَّه تَعَالَى أَدخل بَينه وَبَين مُوسَى لَام الْملك فَقَالَ {واصطنعتك لنَفْسي} وَقَالَ لمُحَمد {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} فَفرق بَين من أَقَامَ وَصفه بوصفه وَمن أَقَامَهُ مقَام نَفسه(4/378)
405 - روح بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق
القَاضِي أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ حفيد الإِمَام أبي بكر بن السّني الْحَافِظ الدينَوَرِي كتب عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ كَانَ صَدُوقًا فهما أديبا يتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ ابْن الصّلاح يُطلق هُوَ وَغَيره لَفْظَة يتفقه على من لَيْسَ بمبتدىء فِي الْفِقْه
سمع أَبُو زرْعَة من أبي زرْعَة أَحْمد بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ وجعفر الفناكي وَابْن فَارس اللّغَوِيّ وأقرانهم
روى عَنهُ الْخَطِيب وَغَيره
مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
406 - زُهَيْر بن الْحسن بن عَليّ أَبُو نصر السَّرخسِيّ
ولد بعد السّبْعين وثلاثمائة
وَسمع من زَاهِر السَّرخسِيّ
وتفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني(4/379)
وروى السّنَن عَن أبي عمر الْهَاشِمِي
وَكَانَ رَئِيس الْمُحدثين بسرخس
توفّي فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
407 - سَالم بن عبد الله
أَبُو معمر بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْعين الْهَرَوِيّ
وَيعرف بغولجه بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالجيم لُغَة هروية وَهُوَ تَصْغِير غول
كَانَ أحد أَئِمَّة الدّين وعلماء الْمُسلمين
ذكره الْعَبَّادِيّ فِي طبقَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وناصر الْمروزِي وشبههما
وَذكره أَبُو النَّصْر فِي تَارِيخ هراة فَقَالَ وَكَانَ إِمَامًا فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَهُوَ الَّذِي قيل فِيهِ مَا عبر جسر بَغْدَاد مثل سَالم
صنف كتاب اللمع فِي الرَّد على أهل الْبدع فِي مسَائِل أصُول الِاعْتِقَاد وَمَا يُخَالف فِيهِ أهل السّنة أهل الاعتزال والإلحاد
روى عَنهُ الْحَاكِم
توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة(4/380)
408 - السّري بن إِسْمَاعِيل بن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَبُو الْعَلَاء الْجِرْجَانِيّ
شيخ عصره فِي الْعلم وَالْأَدب
رَحل وَسمع بِالريِّ وهمذان والكوفة وبغداد
وروى عَن جده وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأبي أَحْمد الغطريفي وَأبي حَفْص بن شاهين وَغَيرهم
وَكَانَ مفتي جرجان بعد وَالِده الإِمَام أبي سعد
تفقه بِهِ جمَاعَة
توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
409 - سرخاب بن يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو طَاهِر البريدي
من أهل الرّيّ(4/381)
تفقه بِبَغْدَاد
وَسمع من أبي عبد الله أَحْمد بن عبد الله بن الْحُسَيْن الْمحَامِلِي وَأبي الْقَاسِم بن بَشرَان وَغَيرهمَا
روى عَنهُ الْخَطِيب
410 - سعد بن عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد الإستراباذي
الْمَذْكُور فِي الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الطَّلَاق من شرح الرَّافِعِيّ وَفِي فروع الطَّلَاق أَيْضا
تفقه بنيسابور على نَاصِر الْعمريّ
وبمروالروذ على القَاضِي الْحُسَيْن
ثمَّ لَازم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَصَارَ من أخصائه
وَكَانَ إِمَامًا بارعا
سمع أَبَا الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأَبا حَفْص بن مسرور والكنجروذي
قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْفَقِيه البارع أحد أَرْكَان الْفِقْه المختصين بِإِمَام الْحَرَمَيْنِ بعد أَن درس الْفِقْه قَدِيما على نَاصِر وَغَيره من فُقَهَاء نيسابور ثمَّ خرج إِلَى القَاضِي الْحُسَيْن بمروالروذ وَأقَام عِنْده وَتخرج بِهِ
توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة(4/382)
411 - سعد بن عَليّ بن الْحسن أَبُو مَنْصُور الْعجلِيّ الأسداباذي
نزيل همذان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ ثِقَة مفتنا حسن المناظرة كثير الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ مفتي همذان
سمع القَاضِي أَبَا الطّيب وَأَبا إِسْحَاق الْبَرْمَكِي
وَسمع بِمَكَّة كَرِيمَة المروزية
روى عَنهُ إِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ والسلفي إجَازَة
قَالَ شيرويه قَرَأت عَلَيْهِ شَيْئا من الْفِقْه وَكَانَ حسن المناظرة هيوبا
مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
412 - سعد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الشَّيْخ الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع أَبُو الْقَاسِم الزنجاني سمع بِمصْر أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف وَغَيره
وبزنجان مُحَمَّد بن أبي عبيد
وبدمشق عبد الرَّحْمَن بن يَاسر وَغَيره(4/383)
روى عَنهُ الْخَطِيب وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَأَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ وَمُحَمّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَآخَرُونَ
جاور بِمَكَّة مُدَّة وَصَارَ شيخ حرمهَا
قَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أبي طَالب الكرجي سَأَلت مُحَمَّد بن طَاهِر عَن أفضل من رأى فَقَالَ سعد الزنجاني وَعبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ
فَسَأَلته أَيهمَا أفضل فَقَالَ عبد الله كَانَ متفننا وَأما الزنجاني فَكَانَ أعرف بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنِّي كنت أَقرَأ على عبد الله فأترك شَيْئا لأجربه فَفِي بعض يرد وَفِي بعض يسكت والزنجاني كنت إِذا تركت اسْم رجل يَقُول تركت بَين فلَان وَفُلَان اسْم فلَان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ صدق كَانَ سعد أعرف بحَديثه لقلته وَكَانَ عبد الله مكثرا
قَالَ أَبُو سعد سَمِعت بعض مشايخي يَقُول كَانَ جدك أَبُو المظفر قد عزم على أَن يُقيم بِمَكَّة ويجاور بهَا صُحْبَة الإِمَام سعد بن عَليّ فَرَأى لَيْلَة من اللَّيَالِي والدته كَأَنَّهَا قد كشفت رَأسهَا وَقَالَت لَهُ يَا بني بحقي عَلَيْك إِلَّا مَا رجعت إِلَى مرو فَإِنِّي لَا أُطِيق فراقك
فانتبهت مغموما وَقلت أشاور الشَّيْخ سَعْدا وَهُوَ قَاعد فِي الْحرم وَلم أقدر من الزحام أَن ُأكَلِّمهُ فَلَمَّا تفرق النَّاس وَقَامَ تَبعته إِلَى دَاره فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ يَا أَبَا المظفر الْعَجُوز تنتظرك وَدخل الْبَيْت فَعرفت أَنه تكلم على ضميري فَرَجَعت مَعَ الْحَاج تِلْكَ السّنة
قَالَ أَبُو سعد كَانَ الزنجاني حَافِظًا متقنا ثِقَة ورعا كثير الْعِبَادَة صَاحب(4/384)
كرامات وآيات وَإِذا خرج إِلَى الْحرم يَخْلُو المطاف ويقبلون يَده أَكثر مِمَّا يقبلُونَ الْحجر الْأسود
وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر مَا رَأَيْت مثله سَمِعت أَبَا إِسْحَاق الحبال يَقُول لم يكن فِي الدُّنْيَا مثل أبي الْقَاسِم الزنجاني فِي الْفضل وَكَانَ يحضر مَعنا الْمجَالِس وَيقْرَأ الْخَطَأ بَين يَدَيْهِ فَلَا يرد على أحد إِلَّا أَن يسْأَل فيجيب
قَالَ ابْن طَاهِر وَسمعت هياج بن عبيد إِمَام الْحَرَمَيْنِ ومفتيه يَقُول يَوْم لَا أرى فِيهِ سعد بن عَليّ لَا أَعْتَد أَنِّي عملت خيرا
وَكَانَ هياج من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وفضلاء عصره
وَقَالَ ابْن طَاهِر وَكَانَ الشَّيْخ سعد لما عزم على الْمُجَاورَة عزم على نَيف وَعشْرين عَزِيمَة أَنه يلْزمهَا نَفسه من المجاهدات والعبادات وَمَات بعد ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة وَلم يخل بِوَاحِدَة مِنْهَا
قَالَ وَدخلت عَلَيْهِ وَأَنا ضيق الصَّدْر من رجل من أهل شيراز لَا أذكرهُ فَأخذت يَده فَقَبلتهَا فَقَالَ لي ابْتِدَاء من غير أَن أعلمهُ بِمَا أَنا فِيهِ يَا أَبَا الْفضل لَا تضيق صدرك عندنَا فِي بِلَاد الْعَجم مثل يضْرب يُقَال بخل أهوازي وحماقة شيرازي وَكَثْرَة كَلَام رازي
وَدخلت عَلَيْهِ لما عزمت على الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق حَتَّى أودعهُ وَلم يكن عِنْده خبر من خروجي فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ أراحلون فنبكي أم مقيمونا(4/385)
فَقلت مَا أَمر الشَّيْخ لَا نتعداه
فَقَالَ على أَي شَيْء عزمت قلت على الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق لألحق مَشَايِخ خُرَاسَان
فَقَالَ تدخل خُرَاسَان وَتبقى بهَا وتفوتك مصر وَتبقى فِي قَلْبك فَاخْرُج إِلَى مصر ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْعرَاق وخراسان فَإِنَّهُ لَا يفوتك شَيْء
فَفعلت وَكَانَ فِي ذَلِك الْبركَة
ولد سعد فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة أَو قبلهَا
وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين أَو فِي آخر سنة سبعين بِمَكَّة
413 - سعد بن أبي سعد مُحَمَّد بن مَنْصُور أَبُو المحاسن الجولكي
بِضَم الْجِيم بعْدهَا الْوَاو الساكنة ثمَّ اللَّام الْمَفْتُوحَة وَفِي آخرهَا الْكَاف نِسْبَة إِلَى جولك رجل من الْغُزَاة اسْتشْهد على بَاب رِبَاط دهستان
كَانَ وَالِده أَبُو سعد رجلا رَئِيسا من أهل جرجان ولي الرياسة بهَا إِلَى أَن توفّي فوليها بعده وَلَده هَذَا وَكَانَ وَلَده هَذَا يكنى أَبَا المحاسن
وَكَانَ فَقِيها بارعا محققا مناظرا
خلف أَبَاهُ فِي حَيَاته وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة
وتخرجت بِهِ الْفُقَهَاء(4/386)
وروى عَن جده لأمه أبي سعد وَأبي نصر الْإِسْمَاعِيلِيّ ووالده أبي سعد الجولكي وَغَيره
ولد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
وَكَانَ الْأَمِير فلك الْمَعَالِي منوجهر بن قَابُوس وشمكير أَمِير جرجان وَجهه إِلَى غزنة رَسُولا سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَخرج وَعقد لَهُ مجْلِس النّظر بنيسابور وهراة وغزنة وَرجع سالما غانما موقرا
قتل ظلما بأستراباذ فِي رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
414 - سعيد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو سهل النيلي أَخُو الشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن فَقِيه شَاعِر إِمَام فِي الطِّبّ ثِقَة فِي الحَدِيث
وروى عَن أبي عَمْرو بن حمدَان وَغَيره
مَاتَ فَجْأَة سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة عَن سبع وَسِتِّينَ سنة(4/387)
415 - سليم بن أَيُّوب بن سليم الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الرَّازِيّ
اشْتغل قبل الْفِقْه بالتفسير والْحَدِيث واللغة
ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا على الشَّيْخ أبي حَامِد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَصَارَ إِمَامًا لَا يشق غباره وفارسا لَا تلْحق آثاره ومجدا لَا يعرفهُ بِغَيْر الدأب فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ليله ونهاره
وعلق عَن الشَّيْخ أبي حَامِد التعليقة وَلما توفّي الشَّيْخ أَبُو حَامِد درس مَكَانَهُ
ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام وَأقَام بثغر صور مرابطا محتسبا ينشر الْعلم
سمع أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللّغَوِيّ وَشَيْخه أَبَا حَامِد الإسفرايني وَأحمد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد الْبَصِير الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله الْجعْفِيّ وَمُحَمّد ابْن جَعْفَر التَّمِيمِي الْكُوفِيّين وَأحمد بن مُحَمَّد الْمُجبر وَجَمَاعَة
روى عَنهُ الكتاني وَأَبُو بكر الْخَطِيب والفقيه نصر الْمَقْدِسِي وَأَبُو نصر(4/388)
الطريثيثي وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الكاملي وَسَهل بن بشر الإسفرايني وَخلق
وَقع لنا الْكثير من حَدِيثه(4/389)
قَالَ سهل الإسفرايني حَدثنِي سليم أَنه كَانَ فِي سفرة بِالريِّ وَله نَحْو عشر سِنِين فَحَضَرَ بعض الشُّيُوخ وَهُوَ يلقن فَقَالَ لي تقدم فاقرأ فجهدت أَن أَقرَأ الْفَاتِحَة فَلم أقدر على ذَلِك لانغلاق لساني
فَقَالَ أَلَك وَالِدَة
قلت نعم
قَالَ قل لَهَا تَدْعُو لَك أَن يرزقك الله الْقُرْآن وَالْعلم(4/390)
فَرَجَعت فسألتها الدُّعَاء فدعَتْ لي ثمَّ إِنِّي كَبرت وَدخلت بَغْدَاد فَقَرَأت بهَا الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه ثمَّ عدت إِلَى الرّيّ فَبينا أَنا فِي الْجَامِع أقابل مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَإِذا الشَّيْخ قد حضر وَسلم علينا وَهُوَ لَا يعرفنِي فَسمع مقالتنا وَهُوَ لَا يعلم مَا نقُول ثمَّ قَالَ مَتى نتعلم مثل هَذَا فَأَرَدْت أَن أَقُول إِن كَانَت لَك وَالِدَة قل لَهَا تَدْعُو لَك فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ
أَو كَمَا قَالَ
416 - سهل بن أَحْمد بن عَليّ الْحَاكِم أَبُو الْفَتْح الأرغياني
صَاحب الفتاوي
وأرغيان بِفَتْح الْألف وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا النُّون اسْم لناحية من نواحي نيسابور بهَا عدَّة من الْقرى
وَسَهل هَذَا هُوَ الْحَاكِم أَبُو الْفَتْح من قَرْيَة بَان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة من تَحت وَفِي آخرهَا النُّون وَهِي من جملَة أرغيان وَلَك أَن تَقول فِيهِ الْبَانِي والأرغياني
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل حسن السِّيرَة
تفقه على القَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ وَأقَام عِنْده حَتَّى حصل طَرِيقَته
ذكر أَنه مَا علق شَيْئا من الْمَذْهَب إِلَّا على طَهَارَة
وَدخل طوس وَقَرَأَ التَّفْسِير وَالْأُصُول على شهفور الإسفرايني
ثمَّ دخل نيسابور وَقَرَأَ الْكَلَام على إِمَام الْحَرَمَيْنِ(4/391)
وَعَاد إِلَى ناحيته وَولي الْقَضَاء بهَا وحمدت سيرته فِي ولَايَته ثمَّ ترك الْقَضَاء وانزوى بعد مَا حج واشتغل بِالْعبَادَة
سمع ينيسابور أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا سعد الكنجروذي وطبقتهم
وببوشنج أَبَا الْحسن الداوودي
وبهراة أَبَا عمر المليحي
روى لنا عَنهُ أَبُو طَاهِر السنجي
وَكَانَت وِلَادَته سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي أول يَوْم من محرم سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة ببان
وَأوصى أَن يدْفن فِي الصَّحرَاء
هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ
417 - سهل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَامِد بن أَسد بن إِبْرَاهِيم الطوسي ثمَّ الأبيوردي أَبُو عبيد
قَالَ عبد الغافر فَاضل فَقِيه من أفاضل فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة
سمع من المخلدي وطبقته
وَهُوَ من بَيت الْعلم والْحَدِيث وَالدّين
مَاتَ فِي حد الكهولة(4/392)
418 - سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الْعجلِيّ
الْحَنَفِيّ نسبا الْأُسْتَاذ الْكَبِير وَالْبَحْر الْوَاسِع أَبُو الطّيب الصعلوكي ولد الْأُسْتَاذ أبي سهل
هُوَ الْفَقِيه الأديب مفتي نيسابور النجيب ابْن النجيب الصعلوكي إِلَّا أَنه الْغَنِيّ الَّذِي لَا يسْأَل إِلَّا ويجيب
مَا أمه الطَّالِب إِلَّا وجده سهلا وَلَا أمله الرَّاغِب إِلَّا وتلقاه بالبشر وَقَالَ لَهُ أَهلا
جمع بَين رياستي الدّين وَالدُّنْيَا وَاتفقَ عُلَمَاء عصره على إِمَامَته وسيادته وَجمعه بَين الْعلم وَالْعَمَل والأصالة والرياسة
يضْرب الْمثل باسمه وتضرب أكباد الْإِبِل للرحلة إِلَى مَجْلِسه وَكَانَ يلقب شمس الْإِسْلَام
سمع أَبَاهُ الْأُسْتَاذ أَبَا سهل وَبِه تفقه وَعَلِيهِ تخرج ولديه رَبِّي وَمُحَمّد بن يَعْقُوب الْأَصَم وَأَبا عَمْرو بن نجيد وَأَبا عَليّ الرفاء وَغَيرهم(4/393)
روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَمُحَمّد بن سهل وَأَبُو نصر الشاذياخي وَآخَرُونَ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها أديبا جمع رياسة الدّين وَالدُّنْيَا وَأخذ عَنهُ فُقَهَاء نيسابور
وَقَالَ الْحَاكِم الْفَقِيه الأديب مفتي نيسابور وَابْن مفتيها وأكتب من رَأَيْنَاهُ من علمائها وأنظرهم
قَالَ وَقد كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول من أَرَادَ أَن يعلم النجيب ابْن النجيب يكون بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فَلْينْظر إِلَى سهل بن أبي سهل
وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْخلق الْيَوْم الْخَامِس من وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي سهل سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة
وَقد تخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء بنيسابور وَسَائِر مدن خُرَاسَان وتصدى للْفَتْوَى وَالْقَضَاء والتدريس
قَالَ وَخرجت لَهُ الْفَوَائِد من سماعاته وَحدث وأملى
قَالَ وَبَلغنِي أَنه وضع فِي مَجْلِسه أَكثر من خَمْسمِائَة محبرة عَشِيَّة الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة(4/394)
وَكَانَ أَبوهُ يَقُول سهل وَالِد
وَدخلت على الْأُسْتَاذ فِي ابْتِدَاء مَرضه وَسَهل غَائِب إِلَى بعض ضيَاعه وَكَانَ الْأُسْتَاذ يشكو مَا هُوَ فِيهِ فَقَالَ غيبَة سهل أَشد عَليّ من هَذَا الَّذِي أَنا فِيهِ
وَسمعت الرئيس أَبَا مُحَمَّد الميكالي يَقُول النَّاس يتعجبون من كِتَابَة الْأُسْتَاذ أبي سهل وَسَهل أكتب مِنْهُ
وَسمعت أَبَا الْأَصْبَغ عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك وَانْصَرف إِلَيْنَا من نيسابور وَنحن ببخارى فَسَأَلْنَاهُ مَا الَّذِي اسْتَفَدْت هَذِه الكرة بنيسابور
فَقَالَ رُؤْيَة سهل بن أبي سهل فَإِنِّي مُنْذُ فَارَقت وطني بأقصى الْمغرب وَجئْت إِلَى أقْصَى الْمشرق مَا رَأَيْت مثله
وَقَالَ أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ هُوَ الإِمَام فِي الْأَدَب وَالْفِقْه وَالْكَلَام والنحو والبارع فِي النّظر
وَقَالَ الْحَافِظ الإِمَام أثير الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غَانِم بن أبي زيد المقرىء فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الْكتاب الَّذِي أعده شَافِعِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي سهل بن مُحَمَّد الصعلوكي كَانَ فِيمَا قيل عَالما فِي شخص وَأمة فِي نفس وَإِمَام الدُّنْيَا بِالْإِطْلَاقِ وشافعي عصره بالإطباق وَمن لَو رَآهُ الشَّافِعِي لقرت عينه وَشهد أَنه صدر الْمَذْهَب وعينه وَأَنا إِن شَاءَ الله أذكر محَاسِن هَذَا الإِمَام فِي كتاب شِفَاء الصُّدُور فِي طبقَة الْأَصْحَاب ليقف على حَاله الْجَاهِل والعالم فَإِن فضائله أشهر وَأكْثر من أَن يحملهَا هَذَا الْموضع
انْتهى(4/395)
ذكره بعد أَن أنْشد الأبيات الَّتِي أَنْشَأَهَا المطوعي وسنذكرها
قلت وَقد كتبت هَذَا من خطّ شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس بن المظفر وَلم يثبت أَن الْحَافِظ أثير الدّين الْمشَار إِلَيْهِ نَقله من المطوعي فِي كتاب الْمَذْهَب وَأَن المطوعي صنف الْكتاب الْمَذْكُور للْإِمَام سهل الْمَذْكُور
وَأسْندَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين إِلَى الْحَاكِم أبي عبد الله قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد فَذكر حِكَايَة ابْن سُرَيج والأبيات الَّتِي أنشدها فِي أَنه عَالم الْمِائَة الثَّالِثَة ثمَّ كَلَام الْحَاكِم فِي سهل والأبيات الَّتِي أنشدت فِيهِ وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى فِي تَرْجَمَة سهل وَلم نذكرهُ فِي هَذَا الْكتاب فِي تَرْجَمته لأَنا قدمْنَاهُ فِي ديباجة الْكتاب والأبيات الَّتِي ذيلناها عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِعَادَة نعم نذكرها نظما فِي هَذَا الْمَعْنى الَّذِي لم يسْبق لَهُ ذكر فَنَقُول وَذكر أَبُو حَفْص عمر بن عَليّ المطوعي فِي كتاب الْمَذْهَب فِي ذكر مَشَايِخ الْمَذْهَب عَن بعض أهل عصره
(إِنَّا روينَا عَن نَبِي الْهدى ... فِي السّنة الْوَاضِحَة السامية)
(بِأَن لله امْرأ قَائِما ... بِالدّينِ فِي كل تناهي مائَة)
(فعمر الحبر حَلِيف العلى ... قَامَ بِهِ فِي الْمِائَة البادئة)
(وَالشَّافِعِيّ المرتضى بعده ... قَرَّرَهُ فِي الْمِائَة الثَّانِيَة)
(وَابْن سُرَيج فراج لَهُ ... فِي الْمِائَة الثَّالِثَة التالية)
(وَالشَّيْخ سهل عُمْدَة للورى ... فِي الْمِائَة الرَّابِعَة الحالية)
مَاتَ الْأُسْتَاذ أَبُو الطّيب فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور
وَقَالَ أَبُو سعيد الشحام رَأَيْته فِي الْمَنَام فَقلت أَيهَا الشَّيْخ(4/396)
فَقَالَ دع الشَّيْخ
فَقلت وَتلك الْأَحْوَال الَّتِي شاهدتها
فَقَالَ لم تغن عَنَّا
فَقلت مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي بمسائل كَانَت تسْأَل عَنْهَا الْعَجز
وَمن الرِّوَايَة عَن الْأُسْتَاذ سهل بن أبي سهل
أَنبأَنَا الْمسند أَبُو التقى صَالح بن مُخْتَار الْإِسْنَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ والخطيب عز الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعِزّ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر سَمَاعا عَلَيْهِ بقاسيون قَالَا أَنبأَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الدَّائِم بن نعْمَة الْمَقْدِسِي قَالَ الأول سَمَاعا وَقَالَ الثَّانِي حضورا أَنبأَنَا يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ أخبرنَا جدي الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ أخبرنَا أَبُو نصر مُحَمَّد بن سهل السراج حَدثنَا أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي حَدثنَا أَبُو سهل بشر بن يحيى المهرجاني حَدثنَا عبد الله بن نَاجِية حَدثنَا أَحْمد بن يحيى الْجلاب حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن رَجَاء بن حَيْوَة عَن أبي الدَّرْدَاء(4/397)
رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا الْحلم بالتحلم وَإِنَّمَا الْعلم بالتعلم وَمن يتحر الْخَيْر يُعْطه وَمن يتوق الشَّرّ يوقه)
وَمن شعره وَقد أنْشدهُ أَبُو عَاصِم فِي الطَّبَقَات
(سلوت عَن الدُّنْيَا عَزِيزًا قبلتها ... وجدت بهَا لما تناهت بآمالي)
(علمت مصير الدَّهْر كَيفَ سَبيله ... فزايلتها قبل الزَّوَال بأحوالي)
وَمن كَلَامه ورشيق عباراته فِي حكمه وَفِي فَتَاوِيهِ
فَمن حَكِيم كَلَامه من تصدر قبل أَوَانه فقد تصدى لهوانه
وَقد أوردهُ الْعَبَّادِيّ فِي الطَّبَقَات فِي تَرْجَمته عَنهُ وَفِي تَرْجَمَة أَبِيه الْأُسْتَاذ أبي سهل عَنهُ
وَقد قيل أَخذه من مَنْصُور الْفَقِيه حَيْثُ قَالَ الْكَلْب أغْلى قيمَة
الْبَيْتَيْنِ اللَّذين قدمناهما فِي تَرْجَمَة مَنْصُور فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة
وَمِنْه إِذا كَانَ رضَا الْخلق معسورة لَا يدْرك كَانَ ميسوره لَا يتْرك
قلت أرشق مِنْهُ قَول الْفُقَهَاء الميسور لَا يسْقط بالمعسور
وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول أفْصح من نطق بالضاد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم)
وَمِنْه إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى إخْوَان الْعشْرَة لزمان الْعسرَة(4/398)
وَمن رَشِيق فَتَاوِيهِ أجَاب وَقد سُئِلَ عَمَّن مَاتَ وَلم تُوجد الْوَدِيعَة فِي تركته هَل يضمنهَا لَا إِن مَاتَ عرضا نعم إِن مَاتَ مَرضا(4/399)
وَعَن لعب الشطرنج إِذا سلم المَال من الخسران وَالصَّلَاة عَن النسْيَان فَذَلِك أنس بَين الخلان كتبه سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان
وَقَالَ مستدلا على أَن وَطْء الثّيّب لَا يمْنَع المُشْتَرِي من الرَّد بِالْعَيْبِ إِلْمَام من غير إيلام فَلَا يمْنَع قِيَاسا على الِاسْتِخْدَام
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
قَالَ ابْن الصّلاح روينَا عَن الإِمَام سهل أَنه قَالَ فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام) أَرَادَ فضل ثريد عَمْرو العلى الَّذِي عظم نَفعه وَقدره وَعم خَيره وبره وَبَقِي لَهُ ولعقبه ذكره حَتَّى قَالَ الْقَائِل فِيهِ
(عَمْرو العلى هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف)
(سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأضياف)
قَالَ ابْن الصّلاح أبعد سهل فِي تَأْوِيل الحَدِيث وَالَّذِي أرَاهُ أَن مَعْنَاهُ تَفْضِيل ثريد كل طَعَام على بَاقِي ذَلِك الطَّعَام وَسَائِر بِمَعْنى بَاقٍ وَهُوَ كَذَلِك فَإِن خير اللَّحْم حصل فِيهِ فَهُوَ أفضل مِنْهُ(4/400)
قلت إِذا كَانَ يُرِيد عَمْرو العلى فِي ذَلِك الزَّمَان هُوَ الْمَشْهُور فَمَا أبعد سهل بل مَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب وَالْألف وَاللَّام فِي الثَّرِيد تَنْصَرِف إِلَى الْمَعْهُود والمعهود عِنْدهم الْمَشْهُور لديهم ثريد عَمْرو العلى
ثمَّ أَنْت ترى الْبَيْت كَيفَ أوردهُ ابْن الصّلاح وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف وَمن خطّ شَيخنَا الْحَافِظ الثبت أَبى الْحجَّاج الْمزي نقلته وَالْقَصِيدَة مَكْسُورَة الْفَاء فَيحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى التَّحَمُّل والتأويل فِي كسر الْفَاء من عجاف وَهِي صفة لمسنتون الَّذِي هُوَ خبر رجال مَكَّة وَالنَّاس كَذَلِك ينشدون الْبَيْت ويستشكلونه وَالَّذِي رَأَيْته فِي السِّيرَة فِي أصُول مُعْتَمدَة صَحِيحَة مَا نَصه
(عَمْرو العلى هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... قوم بِمَكَّة مُسنَّتَيْنِ عجاف)
(سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأضياف)
وعزاهما ابْن إِسْحَاق لشاعر من قُرَيْش لم يُعينهُ وعَلى هَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ
فرع من بَاب الْإِقْرَار
عَن الْأُسْتَاذ أبي الطّيب قَالَ القَاضِي أَبُو سعد الْهَرَوِيّ إِن الشَّيْخ أَبَا الطّيب يَعْنِي سهلا الصعلوكي فِيمَا أَحسب وَافق أَبَا حنيفَة على أَن من قَالَ فِي جَوَاب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ مَا غصبت من أحد قبلك وَلَا بعْدك يكون مقرا لَهُ بِالْغَصْبِ
والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَشرح الْمِنْهَاج للوالد أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار
وناقل هَذِه الْمقَالة عَن ابْن الصعلوكي فِيمَا أَحسب هُوَ القَاضِي أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فَتَبِعَهُ تِلْمِيذه القَاضِي أَبُو سعد وَقد وَافق أَبُو الطّيب أَبَا حنيفَة فِي مسَائِل من هَذَا النَّوْع ينكرها بعض أَصْحَابنَا أَو كثير مِنْهُم(4/401)
مِنْهَا لَو قَالَ أَعْطِنِي الْألف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم
وَافق أَبُو الطّيب الصعلوكي أَبَا حنيفَة أَنه إِقْرَار
وَمِنْهَا لَو قَالَ فِي الْجَواب لقد عممتني بِهَذَا أَو مَا أَكثر مَا يتقاضاني بِهِ أَو وَالله لأقضينك
وَافق أَبُو الطّيب أَبَا حنيفَة على أَنه إِقْرَار
وَفِي الرَّافِعِيّ بعد أَن نقل عَن أبي حنيفَة فِي هَذِه الصُّورَة وَمَا شابهها قَوْله بِأَنَّهَا إِقْرَار إِن أَصْحَابنَا مُخْتَلفُونَ والميل إِلَى مُوَافَقَته فِي أَكثر الصُّور أَكثر
وَلم يبين الْأَكْثَر الَّذِي ميلهم إِلَى مُوَافَقَته فِيهِ
أما لَو قَالَ عَليّ ألف إِلَّا أَن يَبْدُو لي
فَهَل هُوَ إِقْرَار هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست فِي الرَّافِعِيّ وَحكى النَّوَوِيّ فِيهَا وَجْهَيْن فِي زَوَائِد الرَّوْضَة عَن الْعدة وَالْبَيَان وَقَالَ لَعَلَّ الْأَصَح أَنه إِقْرَار
وَجزم الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج بِتَصْحِيحِهِ فَقَالَ إِقْرَار فِي الْأَصَح وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب الْمَنْصُوص خلاف مَا صححناه وَلَا نَعْرِف مَا صححناه عَن أحد من أَصْحَابنَا إِلَّا عَن أبي الطّيب الصعلوكي وَهُوَ مَعْرُوف بِهِ وَإِنَّمَا أَشَارَ صاحبا الْعدة وَالْبَيَان بِالْوَجْهَيْنِ إِلَى قَوْله مَعَ مُقَابِله
قَالَ القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف إِذا قَالَ عَليّ ألف إِلَّا أَن يَبْدُو لي فَهُوَ اسْتثِْنَاء صَحِيح نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّيْخ أَبُو الطّيب لم يصحح هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَجعله بِمَنْزِلَة عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء يدْفع الْجَمِيع وَالشَّافِعِيّ قاسه على قَوْله إِن شَاءَ الله
وَهُوَ يمْنَع الْوُجُوب
انْتهى
فَهَذَا الْمَنْقُول فِي الْمَسْأَلَة غير أَن قياسها على إِن شَاءَ الله لَا يَتَّضِح كل الوضوح(4/402)
فَإِن بَينهمَا فارقا من جِهَة أَن قَوْله إِلَّا أَن يَبْدُو لي مَعَ قَوْله على ألف مِمَّا يتهافت فَإِن ثُبُوت الشَّيْء على الْمَرْء لَا يتَوَقَّف على أَن يَبْدُو لَهُ بِخِلَاف مَشِيئَة الله
فَلَعَلَّ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَشَيخنَا أوجه غير أَن الظَّن أَنَّهُمَا لَو اطلعا على أَن الْمَنْصُوص الْمَشْهُور خِلَافه لوقفا عَن التَّصْحِيح أَو لأمعنا النّظر فِي الْمَسْأَلَة إمعانا زَائِدا فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد تصحيحهما فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا بعد إحكام النّظر
وَنَظِير الْمَسْأَلَة لَو قَالَ مَتى تقضي حَقي فَقَالَ غَدا
جعلهَا الرَّافِعِيّ مثل الصُّور الَّتِي قَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّهَا إِقْرَار وَأَن الْأَصْحَاب مُخْتَلفُونَ وميلهم إِلَى وفاقه فِي الْأَكْثَر أَكثر والمقتصر على النّظر فِي كَلَامه هَذَا يحْسب أَن الرَّاجِح عندنَا فِي هَذِه الصُّورَة أَنَّهَا إِقْرَار ومنقول الْمَذْهَب أَنَّهَا غير إِقْرَار
قَالَ القَاضِي أَبُو سعد يحْتَمل أَنه أَرَادَ غَدا فِي نَار الله تَعَالَى أَقْْضِي حَقك لِأَنَّك ظلمتني فِي هَذِه الدَّعْوَى وَيحْتَمل أُجِيب غَدا أَو غَدا يتَبَيَّن خطؤك
وَقَالَ القَاضِي يشْرَح الرَّوْيَانِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد غَدا يكون غَائِبا أَو مَيتا
قلت وهب أَنَّهَا احتمالات بعيدَة إِلَّا أَن الْإِقْرَار يبْنى على الْيَقِين
وَمِنْهَا لَو قَالَ أَسْرج دَابَّة فلَان هَذِه
قَالَ نعم
أَو أَخْبرنِي زيد أَن لي عَلَيْك ألفا فَقَالَ نعم
قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ أَنه إِقْرَار وصريح كَلَام القَاضِي أبي سعد أَنه على الْخلاف وَظَاهره أَن جادة الْمَذْهَب أَنه غير إِقْرَار وَأَنه لَا يَقُول بِكَوْنِهِ إِقْرَارا من أَصْحَابنَا غير(4/403)
أبي الطّيب الصعلوكي وَأَنه وَافق فِيهِ أَبَا حنيفَة فَلْينْظر النَّاظر هَذِه الْأَلْفَاظ وليشبعها فكرا وكشفا فَإِنِّي لم أستوعب النّظر فِيهَا وَلم أمعن فِيهَا كتب الْمَذْهَب وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يقْتَصر فِيهَا على الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة فَإِن كَلَام من ذَكرْنَاهُ يدل على أَن جادة الْمَذْهَب على خلاف مَا يفهمانه،،، انْتهى بِحَمْد الله الْجُزْء الرَّابِع(4/404)
419 - شبيب بن عُثْمَان بن صَالح الْفَقِيه أَبُو الْمَعَالِي الرَّحبِي
من أهل رحبة الشَّام
سمع بهَا أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن سعدون الْموصِلِي وَغَيره
ورحل إِلَى بَغْدَاد فِي طلب الْعلم فَسمع أَبَا الْخطاب نصر بن أَحْمد بن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي ورزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي وَغَيرهم
وَحدث بِيَسِير
حدث عَنهُ نصر بن نَاصِر الحدادي المراغي وَغَيره بِشَيْء حدث بِهِ بِالْمَدْرَسَةِ التاجية بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمِنْه حِكَايَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي فِي الرجل البقلي فِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء(5/7)
وَقد قدمناها فِي تَرْجَمَة أبي إِسْحَاق
قلت وشبيب هَذَا من تلامذة أبي مَنْصُور ابْن أخي الشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ وَهُوَ مَذْكُور فِي فتاوي ابْن الصّباغ أَنه جمع شَيْئا من تِلْكَ الفتاوي
وَرَأَيْت لشبيب فَوَائِد علقها من كَلَام ابْن الصّباغ غير مَا فِي الفتاوي مِمَّا وَقع(5/8)
لِابْنِ الصّباغ فِي مناظراته وفوائد علقها أَيْضا من كتاب الْكَافِي فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ لأبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي
وَأَنا أذكر هُنَا نبذة مِمَّا انتقيته مِنْهَا
قَالَ شبيب نقلا عَن الْكَافِي للماوردي يجوز السّلم فِي السلجم والجزر بعد قطع ورقه لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِي قطعه وَهُوَ مَعَه مَجْهُول
قَالَ شبيب قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْكَافِي إِذا ادّعى الشَّرِيك تلف المَال يَوْم الْجُمُعَة فَشهد شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأيا المَال بِعَيْنِه بعد الْجُمُعَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يلْزمه غرم المَال وَإِن حلف على كذبه لظُهُور كذبه
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابْن الْقَاص إِن شَهدا قبل إحلافه حكم عَلَيْهِ بالغرم وَإِن شَهدا بعده لم يبطل حكم يَمِينه إِلَّا بعد سُؤَاله وَإِن ذكر وَجها مُحْتملا سلم بِهِ يَمِينه وَلَا تكذبه الشَّهَادَة حكم بِالْيَمِينِ وبرأ بِهِ وَإِن لم يذكر غرم وَسقط حكم الْيَمين
قَالَ شبيب قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْكَافِي إِذا قَالَ لزيد عَليّ دِرْهَم مَعَ عَمْرو فَلهُ احْتِمَالَانِ
أَحدهمَا أَن يُرِيد الْإِقْرَار لزيد بدرهم مَعَ عَمْرو أَي فِي يَده
وَالثَّانِي أَن يُرِيد الْإِقْرَار لَهما بالدرهم(5/9)
وَالْأول أقوى فَأَيّهمَا أَرَادَهُ قبل مِنْهُ وَإِن لم يكن لَهُ إِرَادَة لم يلْزمه إِلَّا الْيَقِين
وَمثله فِي الطَّلَاق أَن يَقُول يَا هِنْد أَنْت طَالِق مَعَ زَيْنَب فَتطلق هِنْد وَلَا تطلق زَيْنَب إِلَّا أَن يريدها بِالطَّلَاق
وَهَكَذَا لَو قَالَ يَا هِنْد قد بنت مَعَ زَيْنَب كَأَنَّهُ قَالَ لهِنْد دون زَيْنَب
قلت مَسْأَلَة الْإِقْرَار ظَاهِرَة وَأما قَوْله إِن لم يكن لَهُ إِرَادَة لم يلْزمه إِلَّا الْيَقِين فقد يُقَال لَا يَقِين هُنَا وَإِن كَانَ يَعْنِي بِالْيَقِينِ لُزُوم الدِّرْهَم لزيد فَفِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِذا احْتمل نِصْفَيْنِ بَين زيد وَعَمْرو فالمتيقن نصف لزيد وَنصف آخر مُتَرَدّد بَينه وَبَين عَمْرو فَيَنْبَغِي أَن يرجع إِلَى بَيَانه
وَأما مَسْأَلَة الطَّلَاق فقد يُقَال إِنَّهَا لَيست كَمَسْأَلَة الْإِقْرَار لِأَن طَلَاق وَاحِدَة لَا يكون مَعَ الْأُخْرَى بل يتَعَيَّن أَن يَقع عَلَيْهِمَا مَعًا وَقد يُقَال جَازَ كَون طَلاقهَا مَعَ صاحبتها بِمَعْنى أَنَّهَا تُؤدِّي خَبره إِلَيْهَا وَنَحْو ذَلِك وَحِينَئِذٍ فالمتيقن الْوُقُوع على هِنْد وَأما زَيْنَب فَيحْتَاج فِيهَا إِلَى نِيَّة أخذا بالمتيقن
420 - شعْبَان بن الْحَاج الْمُؤَذّن أَبُو الْفضل
من أهل شرْوَان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا تفقه بآمل طبرستان على القَاضِي أبي ليلى بنْدَار بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ وَعَاد إِلَى بَلَده وانتفع النَّاس بِهِ فَسمع من أبي بكر الطَّبَرِيّ(5/10)
بآمل وَفَاطِمَة بنت الدقاق بنيسابور وَغَيرهمَا
مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
421 - شهفور بن طَاهِر بن مُحَمَّد الإسفرايني أَبُو المظفر
الإِمَام الأصولي الْفَقِيه الْمُفَسّر
ارتبطه نظام الْملك بطوس
قَالَ عبد الغافر وصنف التَّفْسِير الْكَبِير الْمَشْهُور وصنف فِي الْأُصُول وسافر فِي طلب الْعلم
قَالَ وَسمع من أَصْحَاب الْأَصَم
قَالَ وَكَانَ لَهُ اتِّصَال مصاهرة بالأستاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ
توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
422 - طَاهِر بن أَحْمد بن عَليّ بن مَحْمُود المحمودي القايني
من بَلْدَة قاين بِفَتْح الْقَاف وَالْيَاء آخر الْحُرُوف بعد الْألف وَفِي آخرهَا النُّون وَهِي قَرْيَة من طبسين بَين نيسابور وأصبهان
هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن
سمع الحَدِيث بخراسان وَغَيرهمَا
فَمن شُيُوخه أَبُو الْفضل مَنْصُور بن نصر بن عبد الرَّحِيم بن مت الكاغدي وَأَبُو سعد عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَلَيْك الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي والفقيه نَاصِر الْعمريّ وَيحيى بن عَليّ بن الطَّبِيب الدسكري وَأَبُو الْحسن بن رزقويه وَغَيرهم(5/11)
روى عَنهُ نصر الله الْمَقْدِسِي وَأَبُو طَاهِر الجنائي وَأَبُو الْحُسَيْن بن الموازيني وَهبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ وَآخَرُونَ
توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
423 - طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر بن عمر
الإِمَام الْجَلِيل القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ
أحد حَملَة الْمَذْهَب ورفعائه
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا بحرا غواصا متسع الدائرة عَظِيم الْعلم جليل الْقدر كَبِير الْمحل تفرد فِي زَمَانه وتوحد وَالزَّمَان مشحون بأخدانه واشتهر اسْمه فَمَلَأ الأقطار وشاع ذكره فَكَانَ أَكثر حَدِيث السمار وطاب ثَنَاؤُهُ فَكَانَ أحسن من مسك اللَّيْل وكافور النَّهَار
وَالْقَاضِي فَوق وصف الواصف ومدحه وَقدره رَبًّا على بسيط الْقَائِل وَشَرحه وَعنهُ أَخذ الْعِرَاقِيُّونَ الْعلم وحملوا الْمَذْهَب
ولد القَاضِي بآمل طبرستان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَسمع بجرجان من أبي أَحْمد الغطريفي وَقد وَقع لنا جُزْء أبي أَحْمد من طَرِيقه(5/12)
وبنيسابور من شَيْخه أبي الْحسن الماسرجسي وببغداد من الْحَافِظ أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ
وَأسْندَ عَنهُ كثيرا فِي كِتَابه الْمِنْهَاج وَمن مُوسَى بن عَرَفَة والمعافى ابْن زَكَرِيَّا وَعلي بن عمر الْحَرْبِيّ وَغَيرهم
روى عَنهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهُوَ أخص تلامذته بِهِ وَأَبُو مُحَمَّد بن الآبنوسي وَأَبُو نصر أَحْمد بن الْحسن الشِّيرَازِيّ وَأحمد ابْن عبد الْجَبَّار الطيوري وَأَبُو الْمَوَاهِب أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُلُوك وَأَبُو نصر مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد العكبري وَأَبُو الْعِزّ أَحْمد بن عبيد الله بن كادش وَأَبُو الْقَاسِم بن الْحُسَيْن وَخلق آخِرهم موتا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ
ذكره تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ فِيمَا أخبرناه أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا ابْن القواس أخبرنَا الْكِنْدِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحسن بن عبد السَّلَام أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الشِّيرَازِيّ قَالَ وَمِنْهُم شَيخنَا وأستاذنا أَبُو الطّيب توفّي عَن مائَة وسنتين لم يخْتل عقله وَلَا تغير فهمه يُفْتى مَعَ الْفُقَهَاء ويستدرك عَلَيْهِم الْخَطَأ وَيَقْضِي وَيشْهد ويحضر المواكب إِلَى أَن مَاتَ
تفقه بآمل على أبي عَليّ الزجاجي صَاحب ابْن الْقَاص وَقَرَأَ على أبي سعد الْإِسْمَاعِيلِيّ وعَلى القَاضِي أبي الْقَاسِم بن كج بجرجان ثمَّ ارتحل إِلَى نيسابور وَأدْركَ أَبَا الْحسن الماسرجسي وَتَبعهُ وَصَحبه أَربع سِنِين ثمَّ ارتحل إِلَى(5/13)
بَغْدَاد وعلق عَن أبي مُحَمَّد الْبَاقِي الْخَوَارِزْمِيّ صَاحب الداركي
وَحضر مجْلِس الشَّيْخ أبي حَامِد وَلم أر فِيمَن رَأَيْت أكمل اجْتِهَادًا وَأسد تَحْقِيقا وأجود نظرا مِنْهُ
شرح الْمُزنِيّ وصنف فِي الْخلاف وَالْمذهب وَالْأُصُول والجدل كتبا كَثِيرَة لَيْسَ لأحد مثلهَا ولازمت مَجْلِسه بضع عشرَة سنة ودرست أَصْحَابه فِي مَسْجده سِنِين بِإِذْنِهِ ورتبني فِي حلقته وسألني أَن أَجْلِس فِي مَسْجِد التدريس فَفعلت فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة أحسن الله تَعَالَى عني جزاءه وَرَضي عَنهُ
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو الطّيب ورعا عَارِفًا بالأصول وَالْفُرُوع محققا حسن الْخلق صَحِيح الْمَذْهَب
اخْتلفت إِلَيْهِ وعلقت الْفِقْه عَنهُ سِنِين
وَذكره أَبُو عَاصِم فِي آخر الطَّبَقَة السَّادِسَة وَهُوَ آخر مَذْكُور فِي كِتَابه وَقَالَ فِيهِ فَاتِحَة هَذِه الطَّبَقَة شيخ الْعرَاق أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الله الطَّبَرِيّ
وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله القَاضِي ابْتَدَأَ القَاضِي أَبُو الطّيب يدرس الْفِقْه ويتعلم الْعلم وَله أَربع عشرَة سنة فَلم يخل بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا إِلَى أَن مَاتَ
وَعَن أبي مُحَمَّد البافي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أفقه من أبي حَامِد الإسفرايني(5/14)
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي قلت للْقَاضِي أبي الطّيب شَيخنَا وَقد عمر لقد متعت بجوارحك فَقَالَ لم لَا وَمَا عصيت الله بِوَاحِدَة مِنْهَا قطّ
وَعَن القَاضِي أبي الطّيب أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه وَأَنه كَانَ يفرح بذلك وَيَقُول سماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقِيها
وَعَن القَاضِي أبي الطّيب خرجت إِلَى جرجان للقاء أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فقدمتها يَوْم الْخَمِيس فَدخلت الْحمام فَلَمَّا كَانَ من الْغَد لقِيت أَبَا سعد ابْن الشَّيْخ أبي بكر فَأَخْبرنِي أَن وَالِده قد شرب دَوَاء لمَرض كَانَ بِهِ وَقَالَ لي تَجِيء فِي صَبِيحَة غَد فَتسمع مِنْهُ
فَلَمَّا كَانَ فِي بكرَة السبت غَدَوْت للموعد فَسمِعت النَّاس يَقُولُونَ مَاتَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ
وَعَن القَاضِي أبي الطّيب رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت من روى عَنْك أَنَّك قلت (نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها) الحَدِيث أَحَق هُوَ قَالَ نعم
وَكَانَ القَاضِي أَبُو الطّيب حسن الْخلق مليح المزاح والفكاهة حُلْو الشّعْر
قيل إِنَّه دفع خفه إِلَى من يصلحه فَأَبْطَأَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَارَ القَاضِي كلما أَتَاهُ يتقاضاه فِيهِ يغمسه الصَّانِع فِي المَاء حِين يرى القَاضِي وَيَقُول السَّاعَة أصلحه فَلَمَّا طَال على القَاضِي ذَلِك قَالَ إِنَّمَا دَفعته إِلَيْهِ لتصلحه لَا لتعلمه السباحة
وَكَانَ القَاضِي أَبُو الطّيب قد ولي الْقَضَاء بِربع الكرخ بعد موت القَاضِي الصَّيْمَرِيّ
فَإِذا أطلق الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَشبهه من الْعِرَاقِيّين لفظ القَاضِي مُطلقًا فِي فن الْفِقْه فإياه يعنون كَمَا أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره من الخراسانيين يعنون بِالْقَاضِي القَاضِي الْحُسَيْن والأشعرية فِي الْأُصُول يعنون القَاضِي أَبَا بكر بن الطّيب الباقلاني والمعتزلة يعنون عبد الْجَبَّار الأسداباذي(5/15)
توفّي القَاضِي يَوْم السبت وَدفن يَوْم الْأَحَد الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى
(ألابس علم الْفِقْه وَهُوَ مرامه ... شَدِيد وَفِي إِدْرَاكه الكذ والكد)
(فَتَاوِيهِ مَا بَين المضيء طَرِيقه ... وَبَين خَفِي فِي طرائقه جهد)
(إِذا اجْتهد الْمفْتُون فِيهِ تباينوا ... فيدركه عَمْرو ويخطئه زيد)
(لقد كدني مأثوره وفروعه ... وتعليله والنقض وَالْعَكْس والطرد)
(لَهُ شعب من كل علم تحوطه ... وَمَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مستبعد رد)
(وعادته مذ لم يزل فقر أَهله ... وَمن كَانَ ذَا وجد فَمن غَيره الوجد)
(وأنى يكون الْيُسْر مِنْهُ وَإنَّهُ ... لداع إِلَى الإقلال غَايَته الزّهْد)
وَكتب إِلَيْهِ استفتاء صورته
(يأيها الْعَالم مَاذَا ترى ... فِي عاشق ذاب من الوجد)
(من حب ظَبْي أهيف أغيد ... سهل الْمحيا حسن الْقد)
(فَهَل ترى تقبيله جَائِزا ... فِي النَّحْر والعينين والخد)
(من غير مَا فحش وَلَا رِيبَة ... بل بعناق جَائِز الْحَد)(5/16)
(إِن أَنْت لم تفت فَإِنِّي إِذا ... أصيح من وجدي وأستعدي)
فَأجَاب
(يأيها السَّائِل إِنِّي أرى ... تقبيلك المعشوق فِي الخد)
(يُفْضِي إِلَى مَا بعده فاجتنب ... قبلته بالجد والجهد)
(فَإِن من يرتع حول الْحمى ... يُوشك أَن يجني من الْورْد)
(تغنيك عَنهُ كاعب ناهد ... تحضر بِالْملكِ أَو العقد)
(تنَال مِنْهَا كل مَا تشْتَهي ... من غير مَا فحش وَلَا صد)
(هَذَا جوابي لقتيل الْهوى ... فَلَا تكن فِي ذَاك تستعدي)
وَمن شعره
(لَا تحسبن سُرُورًا دَائِما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان)(5/17)
(لَا تغترر بشباب آنق خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شُبَّان)
وَيَا أَخا الشيب لَو ناصحت نَفسك لم ... يكن لمثلك فِي اللَّذَّات إمعان) هَب الشبيبة تملى عذر صَاحبهَا ... مَا عذر شيب ليستهويه شَيْطَان)
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ إجَازَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ إجَازَة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن نَاصِر إجَازَة أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار ابْن أَحْمد الصَّيْرَفِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا القَاضِي الإِمَام أَبُو الطّيب طَاهِر ابْن عبد الله بن طَاهِر الطَّبَرِيّ كَانَ ابْن بابك الشَّاعِر دخل الدينور وَكَانَ يتفقه عِنْد أبي الْحُسَيْن الْقطَّان مَعَ القَاضِي أبي الْقَاسِم بن كج فِي مجْلِس أبي الْحُسَيْن الْقطَّان فَعَاتَبَهُ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن كج على ترك الْفِقْه واشتغاله بالأدب وَقَالَ لَهُ والدك يَحُثُّك على الْفِقْه وَيُحِبهُ فَتركت مَا كَانَ أَبوك يختاره واشتغلت بِغَيْرِهِ فَعمِلت قصيدة سَأَلَني إنشادها فِي مَجْلِسه عَلَيْهِ
(أناها أَيهَا القَاضِي الْجَلِيل ... فقد كشف التَّأَمُّل مَا أَقُول)
(رَأَيْت الشَّرْع مسموعا مؤدى ... تناقله البصائر والعقول)
(تحلى الشّرْب من سوم المبادي ... عَلَيْهِ لكل مُجْتَهد دَلِيل)
(ترَاض لَهُ القرائح وَهِي شوس ... وتدركه العرائد وَهِي ميل)
(إِذا استفتيت فِيهِ وَأَنت صدر ... يقلدك الورى فِيمَا تَقول)(5/18)
(أحلّت على نُصُوص واضحات ... أَتَاك بهَا كتاب أَو رَسُول)
(ونظم الشّعْر مُمْتَنع الدَّوَاعِي ... فَلَيْسَ إِلَى مضايقه وُصُول)
(إِذا التَّنْزِيل أشكل مِنْهُ لفظ ... فشاهد ذَلِك الشّعْر الْمَقُول)
(ينَال بِهِ الْغنى طورا وطورا ... ينَال بِهِ الطوائل وَالدُّخُول)
(تسالمه الْمُلُوك وتتقيه ... وَذَاكَ لعمرك الْخطب الْجَلِيل)
(فلولا الْحَمد مَا زكتْ الأيادي ... وَلَوْلَا الذَّم مَا عرف الْبَخِيل)
(وَقد ذكر امْرأ الْقَيْس بن حجر ... فأسهب فِي مناقبه الرَّسُول)
(وَحمله لِوَاء الشّعْر حَتَّى ... تجاذب عَن عقيرته الحمول
(وَأخْبر أَن فِي التِّبْيَان سحرًا ... وَتلك شَهَادَة لَا تستحيل)
(وَقد مدح النَّبِي بِهن حَتَّى ... جرى فِي مَاء بهجته الْقبُول)
(بِشعر يسترق بِهِ الغواني ... وتعبث فِي مناسبه الشُّمُول)
(وَمَا أسرى إِلَى الْأَعْدَاء إِلَّا ... تقدمه من الشُّعَرَاء جيل)
(فلولا الشّعْر مَا عز ابْن أُنْثَى ... إِلَى مجد وَلَا وسم الذَّلِيل)
(وَلَا انتمت الرِّيَاح إِلَى قراها ... وَلَا انتسبت إِلَى الْعتْق الْخُيُول)
(وَلَا وصف الكمي إِذا تَلَوت ... عجاجته وَلَا ندب الْقَتِيل)
(إِذا كرم الْفَتى أَو عز بَأْسا ... فبالتقريظ ينعم أَو يديل)
(وَمَا يعصون عَن ذل وَلَكِن ... جبال الثَّلج تجرفها السُّيُول)
(وَيملك أنفس العظماء قهرا ... ويملكنا الرَّحِيق السلسبيل)(5/19)
(يصانع بالصواهل والغواني ... ويبرز عِنْد ذِي الصل الجزيل)
(فَزَاد الشَّاعِر النعم الصوافي ... وَزَاد الْعَالم الصَّبْر الْجَمِيل)
(وَإِن تكن الْقِيَامَة وعد قوم ... فللعثرات يَوْمئِذٍ مقيل)
(فقصرك لَا تطل عيب ابْن ود ... رماك بِطيبَة الْبَرْق الْمُحِيل)
(إِذا فتشت عَنهُ رَأَيْت شخصا ... لَهُ فِي كل سارحة مثول)
(بِخَير عناية أجْرى إِلَيْهَا ... فأدركها وَلَيْسَ لَهُ رسيل)
(يكد بهَا غَنِي أمل قصير ... وذيل من مناصبة طَوِيل)
(وجدت أبي أَخا مَال صَحِيح ... يسف وَرَاءه وَهن عليل)
(لمعمعة على تَغْيِير سم ... كَمَا يتعظم الْفَحْل الصؤول)
(ينبهني وناظره سؤوب ... ويشحذني وخاطره كليل)
تهويني إِلَى العلياء نفس ... بهَا لَا بلات لذاتي أصُول)
(ظَفرت بمرمق عبقت شذاه ... إِلَيْهِ وأعين الرائين حول)
(وَلم أحرز عَلَيْهِ بِذَاكَ عارا ... بلَى عَار الغبينة لَا يَزُول)
(حميت مرابضي ونباح كَلْبِي ... فَمَا للركب عَن أرضي قفول)
(يجوز إِذا أردْت أسود برج ... وينفر عَن شقاشقتي الفحول)(5/20)
(إِذا الْملك اشرأب إِلَى ثنائي ... فعمت فرفضت مِنْهُ الشُّمُول)
(فدونك نفثة المصدور واسلم ... فَأَنت لكل مرتزق وَكيل)
(إِذا مَا الدَّهْر أيسر كل راج ... فَأَنت بنجعة الراجي كَفِيل)
(إِذا مَا عَم أهل الأَرْض طرا ... نداك فقد بدأت بِمن تعول)
(جعلت الْبشر وَالْإِحْسَان دينا ... فَمَا يَنْفَكّ ينفس أَو يسيل)
(فَأَنت لكل ذِي قُرَّة حميم ... وَأَنت لكل ذِي ود خَلِيل)
(كَأَن الأَرْض دَارك حِين تدني ... قرانا وَأَهْلهَا ركب نزُول)
(بنيت الْأَمر حَتَّى كل وَاد ... بمهبطه مبيت أَو مقيل)
(أعرت الأَرْض زينتها فجاست ... خلال رياضها الرّيح الْقبُول)
(ودان لَك الْمُلُوك فَكل دَان ... وَقاص صادر عَمَّا تَقول)
(فَأَنت الْحَاكِم الْعدْل التقي ... الْعَالم الْبر الْوُصُول)
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن كج أجب عَنهُ ورد عَلَيْهِ فأجبت عَلَيْهِ بِهَذَا
(بإذنك أَيهَا القَاضِي الْجَلِيل ... أرد على ابْن بابك مَا يَقُول)
(وَلَوْلَا مدْخل الْمَأْثُور فِيهِ ... ورغبة شَاعِر فِيمَا تنيل)
(لما أطرقت سَمعك مِنْهُ حرفا ... رَأَيْت بِهِ إِلَيْهِ أستقيل)
(وصنتك عَن مقَالَة مستبد ... بِرَأْي لَا يساعده الْقبُول)(5/21)
(وَشعر أشعر الإنحاس مِنْهُ ... وخطب ضمه قَالَ وَقيل)
(فكم للقاك مِنْهُ كل يَوْم ... صداع من أَذَاهُ لَا يَزُول)
(وَكم فِيهِ قواف صادرات ... عَن الْفُقَهَاء أصدرها الذحول)
(وعذري فِي رِوَايَته جميل ... وَأَرْجُو أَن يكون لَهُ قبُول)
(ذممت طَرِيقه وَنَصَحْت فِيهِ ... فأحرج صَدره النصح الْجَمِيل)
(وشق عَلَيْهِ إِن الْحق مر ... على الْإِنْسَان مورده ثقيل)
(فطال لِسَانه فَأَفَاضَ فِيهِ ... لِأَن لِسَان مصدور طَوِيل)
(يعظم بَين أهل الشَّرْع شعرًا ... وَيَزْعُم أَنه علم جليل)
(ويمدحه ويغلو فِي هَوَاهُ ... وَيعلم أَنه فِيهِ محيل)
(لِأَن الله ذمهم جَمِيعًا ... وَأنزل فِيهِ مَا وضح الدَّلِيل)
(وَلَو كَانَ الْفَضِيلَة كَانَ مِنْهَا ... لأَفْضَل خلقه الْحَظ الجزيل)
(وَلما أَن نَهَاهُ الله عَنهُ ... علمت بِأَنَّهُ نزر قَلِيل)
(فَكيف تَسَاويا وَالْفِقْه أصل ... موثق من معاقده الْأُصُول)
(بِهِ عبد الْإِلَه وَكَانَ فِيهِ ... صَلَاح الْكل وَالدّين الْأَصِيل)
(إِذا عدل الْمُكَلف عَنهُ يَوْمًا ... أضلّ طَرِيقه ذَاك الْعُدُول)
(وَإِن لزم الْحفاظ عَلَيْهِ أولي ... نعيما مَا لآخره أفول)
(كفى الْفُقَهَاء أَنهم هداة ... وأعلام كَمَا كَانَ الرَّسُول)
(مدَار الدّين وَالدُّنْيَا عَلَيْهِم ... وَفرض النَّاس قَوْلهم الْمَقُول)
(وَأما الشّعْر مدح أَو هجاء ... وَأعظم مَا يُرَاد بِهِ الفضول)(5/22)
(لذَلِك مَوضِع الشُّعَرَاء أقْصَى ... مجالسنا وموقفهم ذليل)
(كَفاهُ أَنه يهجو أَبَاهُ ... وَقد رباه وَهُوَ لَهُ سليل)
(يصول بهجوه وَيَقُول فِيهِ ... مقَالا مَا لَهُ مِنْهُ مقيل)
(وجدت أَبى أَخا مَال صَحِيح ... يسف وَرَاءه وَهن عليل)
(ينبهني وناظره متور ... ويشحذني وخاطره كليل)
(وَلَو سَمِعت بِهِ أذنا أَبِيه ... نَفَاهُ وَهُوَ وَالِده الْوُصُول)
(على أَنِّي رَأَيْت الشّعْر سهلا ... مآخذه بِلَا تَعب يطول)
(يحس إِذا اجتباه الْمَرْء طبعا ... تساوى الحبر فِيهِ والجهول)
(وَعلم الْفِقْه معتاص الْمعَانِي ... يقصر دونهَا البطل الصؤول)
(وَمن هَذَا ابْن بابك فر مِنْهُ ... وَولى فهمه وَبِه فلول)
(رأى بحرا وَلم ير منتهاه ... بعيد الْغَوْر لَيْسَ لَهُ وُصُول)
(وَلَو عاناه كَانَ الله عونا ... وَعون الله فِي هَذَا كَفِيل)
(يقرب مَا تبَاعد مِنْهُ حدا ... ويسهل من بوارقه السقيل)
(فَهَذَا عينه فِيمَا حباه ... ومدحك بغيتي فِيمَا أَقُول)
(نوالك للورى غيث هطول ... وجاهك مِنْهُم ظلّ ظَلِيل)
(عممت الْكل بالنعما فأضحوا ... يؤمك مِنْهُم جيل فجيل)
(وَسَار بعلمك الركْبَان حَتَّى ... لَهُ فِي كل نَاحيَة نزُول)
(لسَانك فِي خصومك مستطيل ... ورأيك فيهم سيف صقيل)
(إِذا ناظرتهم كَانُوا جَمِيعًا ... ثعالب بَينهَا أَسد يصول)(5/23)
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرتنا سِتّ الْأَهْل بنت علوان بن سعيد وَأَبُو الْحسن النوسي قَالَا أخبرنَا أَبُو الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمَقْدِسِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّزَّاق بن نصر بن مُسلم النجار قِرَاءَة عَلَيْهِ غير مرّة أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الْحسن بن الحنيفر بن عَليّ السّلمِيّ أخبرنَا القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة بن جَعْفَر الْقُضَاعِي إجَازَة أخبرنَا أَبُو مُسلم مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن ابْن دُرَيْد حَدثنِي الْحسن بن خضر أَخْبرنِي رجل من أهل بَغْدَاد عَن أبي هَاشم الْمُذكر قَالَ أردْت الْبَصْرَة فَجئْت إِلَى سفينة أكتريها وفيهَا رجل وَمَعَهُ جَارِيَة فَقَالَ الرجل لَيْسَ هَا هُنَا مَوضِع فَسَأَلته أَن يحملني
مناظرة جرت بِبَغْدَاد فِي جَامع الْمَنْصُور نفعنا الله بِهِ
بَين شَيْخي الْفَرِيقَيْنِ القَاضِي أبي الطّيب وَأبي الْحسن الطَّالقَانِي قَاضِي بَلخ من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة
سُئِلَ القَاضِي أَبُو الْحسن عَن تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث فَأجَاب بِأَن ذَلِك لَا يجزىء وَهُوَ مَذْهَبهم فَسئلَ الدَّلِيل فاستدل بِأَنَّهُ أدّى الْكَفَّارَة قبل وُجُوبهَا وَقبل وجود سَبَب وُجُوبهَا فَوَجَبَ أَلا تُجزئه كَمَا لَو أخرج كَفَّارَة الْجِمَاع بعد الصَّوْم وَقبل الْجِمَاع وَأخرج كَفَّارَة الطّيب واللباس بعد الْإِحْرَام وَقبل ارْتِكَاب أَسبَابهَا
فَكَلمهُ القَاضِي أَبُو الطّيب ناصرا جَوَاز ذَلِك كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأورد عَلَيْهِ فصلين أَحدهمَا مانعه الْوَصْف فَقَالَ لَا أسلم أَنه لم يُوجد سَبَب وجوده الْكَفَّارَة فَإِن الْيَمين عِنْدِي سَبَب فاليمينية مثبتة فِي الْحَالين على هَذَا الأَصْل(5/24)
وَالثَّانِي أَنه يبطل بِمَا إِذا أخرج كَفَّارَة الْقَتْل بعد الْجرْح وَقبل الْمَوْت فَإِنَّهُ أخرجهَا قبل وُجُوبهَا وَقبل وجود سَبَب وُجُوبهَا ثمَّ يُجزئهُ
أجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن بِأَن قَالَ أَنا أدل على الْوَصْف وَيدل عَلَيْهِ أَن الْيَمين يمْنَع الْحِنْث وَمَا منع من السَّبَب الَّذِي تجب بِهِ الْكَفَّارَة لم يجز أَن يكون سَببا لوُجُوبهَا كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَام لما منعا السَّبَب الَّذِي تجب عِنْده الْكَفَّارَة من الْوَطْء وَغَيره لم يجز أَن يُقَال إنَّهُمَا سببان فِي إِيجَابهَا كَذَلِك هَاهُنَا مثله
فَأجَاب القَاضِي أَبُو الطّيب عَن هَذَا الْفَصْل أَيْضا وَقَالَ لَا أسلم أَن الْيَمين يمْنَع الْحِنْث فَقَالَ أَنا أدل عَلَيْهِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عز وَجل {واحفظوا أَيْمَانكُم} وَهَذَا أَمر بِحِفْظ الْيَمين وَترك الْحِنْث وعَلى أَن الْيَمين إِنَّمَا وضعت للْمَنْع لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يقْصد بِالْيَمِينِ منع نَفسه من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت من الصَّوْم وَالْإِحْرَام فِي منع الْجِمَاع وَغَيره وَيدل على ذَلِك أَن الْكَفَّارَة وضعت لتغطية المآثم وتكفير الذُّنُوب وَاسْمهَا يدل على ذَلِك وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا) وَإِنَّمَا سَمَّاهَا كَفَّارَة لِأَنَّهَا تكفر الذُّنُوب وتغطيها وَمَعْلُوم أَنه لَا يَأْثَم فِي نفس الْأَمر أَي فِي الْيَمين فَيحْتَاج إِلَى تَغْطِيَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كَانُوا يحلفُونَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَالله لأغزون قُريْشًا) وأعادها ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ (إِن شَاءَ الله تَعَالَى) وَنحن نعلم أَنه لَا يجوز فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفَة أَصْحَابه أَن يقصدوا إِلَى مَا يتَعَلَّق الْإِثْم بِهِ إِلَى الْكَفَّارَة فَثَبت أَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي الْيَمين وَإِذا لم يكن فِي الْيَمين إِثْم وَجب أَن يكون مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتكفير الْإِثْم الْمُتَعَلّق(5/25)
بِالْحِنْثِ وَهَذَا يدل على أَنه مَمْنُوع من الْحِنْث غير أَن من جملَة الْأَيْمَان مَا نقضهَا أولى من الْوَفَاء بهَا وَذَلِكَ إِذا حلف لَا يُصَلِّي فقد ابتلى ببلاءين بَين أَن يَفِي بِيَمِينِهِ فيأثم بترك الصَّلَاة وَبَين أَن ينْقض يَمِينه فَيحنث فيأثم بالمخالفة وللمخالفة بدل يرجع إِلَيْهِ وَلَيْسَ لترك الصَّلَاة بدل يرجع إِلَيْهِ وعَلى هَذَا يدل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه) فَشرط فِي الْحِنْث أَن يكون فعله خيرا من تَركه
وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ النَّقْض فَلَا يلْزَمنِي لِأَنِّي قلت لم يُوجد سَببهَا وَهُنَاكَ قد وجد سَببهَا وَذَلِكَ أَن الْجرْح سَبَب فِي إِتْلَاف النَّفس وَهَذَا سَبَب الْإِثْم وَالْكَفَّارَة وَجَبت لتكفير الذَّنب وتغطية الْإِثْم وَالْجرْح سَبَب الْإِثْم فَإِذا وجد جَازَ إِخْرَاج الْكَفَّارَة
وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول فَقَالَ أما الْيَمين فَلَا يجوز أَن تكون مَانِعَة من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَلَا يجوز أَن تكون مُغيرَة لحكمه بل إِذا كَانَ الشَّيْء مُبَاحا فَهُوَ بعد الْيَمين بَاقٍ على حكمه وَإِن كَانَ مَحْظُورًا فَهُوَ بعد الْيَمين بَاقٍ على حظره يبين صِحَة هَذَا أَنه لَو حلف أَنه لَا يشرب المَاء لم يحرم عَلَيْهِ شرب المَاء وَلم يتَغَيَّر عَن صفته فِي الْإِبَاحَة وَكَذَلِكَ لَو حلف ليقْتلن مُسلما لم يحل لَهُ قَتله وَلم يتَغَيَّر الْقَتْل عَن صفة التَّحْرِيم وَهَذَا لَا أجد فِيهِ خلافًا بَين الْمُسلمين وعَلى هَذَا يدل قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك} ثمَّ قَالَ {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} فَعَاتَبَهُ الله على كل تَحْرِيم
وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه) وَهَذَا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْيَمين(5/26)
لَا تغير الشَّيْء عَن صفته فِي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم وَيبين صِحَة هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} كفر عَن يَمِينه وَرُوِيَ أَنه آلى من نسائة شهرا وَلم يَحْنَث فَدلَّ على أَن الْإِبَاحَة كَانَت بَاقِيَة على صفتهَا
وَأما قَوْله تَعَالَى {واحفظوا أَيْمَانكُم} فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْأَمر بتقليل الْيَمين حفظا كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... وَإِن بدرت مِنْهُ الألية برت)
وَمَعْلُوم أَنه لم يرد حفظ الْيَمين من الْحِنْث والمخالفة لِأَن ذَلِك قد ذكره فِي المصراع الثَّانِي فَثَبت أَنه أَرَادَ بذلك التقليل
وَأما قَوْله إِن الْيَمين مَوْضُوعَة للْمَنْع فَلَا يجوز أَن تكون سَببا لما يتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة فَبَاطِل بِمَا لَو قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ قصد الْمَنْع بِهَذِهِ الْيَمين من الدُّخُول ثمَّ هِيَ سَبَب فِيمَا يتَعَلَّق بهَا من الطَّلَاق وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَو شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا فَأَنت طَالِق وَشهد آخرَانِ أَنَّهَا دخلت الدَّار ثمَّ رجعُوا عَن الشَّهَادَة إِن الضَّمَان يجب على شُهُود الْيَمين وَهَذَا دَلِيل وَاضح على أَن الْيَمين هُوَ السَّبَب لِأَنَّهَا لَو لم تكن سَببا فِي إِيقَاع الطَّلَاق لما تعلق الضَّمَان عَلَيْهِم فَلَمَّا أوجب الضَّمَان على شُهُود الْيَمين علم أَن الْيَمين كَانَت سَببا فِي إِتْلَاف الْبضْع وإيقاع الطَّلَاق فَانْتقضَ مَا ذكرت من الدَّلِيل
وَأما قَوْلك إِن الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتغطية المآثم وَرفع الْجنَاح فَلَا يَصح وَكَيف يُقَال إِنَّهَا تجب لهَذَا الْمَعْنى وَنحن نوجبها على قَاتل الْخَطَأ مَعَ علمنَا أَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ تجب على الْيَمين وَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَأما النَّقْض فلازم وَذَلِكَ أَن الْجرْح لَا يجوز أَن يكون سَببا لإِيجَاب الْكَفَّارَة وَإِنَّمَا السَّبَب فِي إِيجَابهَا فَوَات الرّوح وَالَّذِي يبين صِحَة(5/27)
هَذَا هُوَ أَنه لَو جرحه ألف جِرَاحَة فاندملت لم تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَثَبت أَن الْكَفَّارَة تتَعَلَّق بِالْقَتْلِ وَأَن الْجرْح لَيْسَ بِسَبَب وَلَا جُزْء من السَّبَب ثمَّ جَوَّزنَا إِخْرَاج الْكَفَّارَة فَدلَّ على مَا قُلْنَاهُ
فَأجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّالقَانِي عَن الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما قَول القَاضِي الإِمَام أدام الله تأييده إِن الْيَمين لَا يُغير الشَّيْء عَن صفته فِي الْإِبَاحَة بل يبْقى الشَّيْء بعد الْيَمين على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْيَمين فَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْيَمِين لَا تثبت تَحْرِيمًا فِيمَا لَا يحرم وَلكنهَا لَا توجب منعا وَالشَّيْء تَارَة يكون الْمَنْع مِنْهُ لتَحْرِيم عينه كَمَا نقُول فِي الْخمر وَالْخِنْزِير إِنَّه يمْتَنع بيعهمَا لتَحْرِيم أعيانهما وَتارَة يمْتَنع مِنْهُ لِمَعْنى فِي غَيره كَمَا يمْنَع من أكل مَال الْغَيْر بِحَق مَاله لِأَن الشَّيْء فِي نَفسه غير محرم فَكَذَلِك هَاهُنَا
فداخله القَاضِي أَبُو الطّيب فِي هَذَا الْفَصْل فَقَالَ فَيجب أَن نقُول إِنَّه يَأْثَم بِشرب المَاء كَمَا يَأْثَم بتناول مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه
فَقَالَ هَكَذَا أَقُول إِنَّه يَأْثَم بشربه كَمَا يَأْثَم بتناول الْغَيْر
وَأما قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} فَهُوَ الْحجَّة عَلَيْهِ لِأَن الله تَعَالَى أخبر أَنه حرمهَا على نَفسه وَهَذَا يدل على إِثْبَات التَّحْرِيم وَمَا ذَكرْنَاهُ من تَأْوِيل الْآيَة وَحملهَا على تقليل الْيَمين وَتركهَا فَهُوَ خلاف الظَّاهِر وَذَلِكَ أَن الْآيَة تَقْتَضِي حفظ يَمِين مَوْجُودَة وَإِذا حملناها على مَا ذكر من ترك الْيَمين كَانَ ذَلِك حفظا لِمَعْنى غير مَوْجُود فَلَا يكون ذَلِك حملا للفظ على غير ظَاهره وَحَقِيقَته ومراعاة الظَّاهِر والحقيقة أولى(5/28)
وَأما الشّعْر فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن الْحِفْظ هُنَاكَ أَرَادَ بِهِ الْحِفْظ من الْحِنْث والمخالفة
وَقَوله إِن الْحِفْظ من الْمُخَالفَة والحنث قد علم من آخر الْبَيْت لَا يَصح لِأَنَّهُ إِذا حمله على تقليل الْيَمين حمل أَيْضا على مَا علم من أول الْبَيْت لِأَنَّهُ قَالَ قَلِيل الألايا فقد تساوينا فِي الِاحْتِجَاج بِالْبَيْتِ واشتركنا فِي الاستشهاد بِهِ على مَا يَدعِيهِ كل وَاحِد منا من المُرَاد بِهِ
وَأما الدَّلِيل الثَّانِي الَّذِي ذكرته فَهُوَ صَحِيح وَقَوله إِن هَذَا يبطل بِمَسْأَلَة الْيَمين فِي الطَّلَاق فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن السَّبَب هُنَاكَ هُوَ الْيَمين لِأَن الطَّلَاق بِهِ يَقع أَلا ترى أَنه يفصح فِي الْيَمين بإيقاع الطَّلَاق فَيَقُول إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَإِنَّمَا دخل الشَّرْط لتأخير الْإِيقَاع لَا لتغييره وَلذَلِك قَالُوا الشَّرْط يُؤَخر وَلَا يُغير فحين كَانَ الطَّلَاق وَاقعا بِالْيَمِينِ كَانَت هِيَ السَّبَب فَكَانَ الضَّمَان على شهودها لِأَن الْإِيقَاع حصل بِشَهَادَتِهِم وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فاليمين لَيْسَ فِي لَفظهَا مَا يُوجب الْكَفَّارَة فَلم يجز أَن تكون سَببا فِي إِيجَابهَا
وَأما الدَّلِيل الثَّالِث الذى ذكرته من كَون الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتكفير الذَّنب فَصَحِيح
وَمَا ذكرته من أَن الْكَفَّارَة تجب مَعَ عدم المأثم وَهُوَ فِي قتل الْخَطَأ وَيجب فِي الْيَمين على الناسى وَالْمكْره وَعِنْدنَا لَا إِثْم على وَاحِد مِنْهُم فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَن فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَا وَجَبت إِلَّا لضرب من التَّفْرِيط وَذَلِكَ أَن الخاطىء هُوَ الَّذِي يَرْمِي إِلَى غَرَض فَيُصِيب رجلا فيقتله أَو يَرْمِي رجلا مُشْركًا ثمَّ يتَبَيَّن أَنه كَانَ مُسلما فَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة(5/29)
لِأَنَّهُ قد اجترأ عَلَيْهِ بظنه فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَترك التَّحَرُّز فِي الرَّمْي وَإِذا أصَاب مُسلما فَقتله علمنَا أَنه فرط وَترك الِاسْتِظْهَار فِي الرَّمْي فَكَانَ إِيجَاب الْكَفَّارَة لما حصل من جِهَته من التَّفْرِيط وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَة قتل الْخَطَأ {فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله} وَهَذَا يدل على أَن كَفَّارَة قتل الْخَطَأ على وَجه التَّطْهِير وَالتَّوْبَة
وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ النَّقْض فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن الْجرْح هُوَ السَّبَب فِي فَوَات الرّوح وَإِذا وجد الْجرْح وسرى إِلَى النَّفس اسْتندَ فَوَات الرّوح إِلَى ذَلِك الْجرْح فَصَارَ قَاتلا بِهِ فَيكون الْجرْح سَبَب إِيجَاب الْكَفَّارَة
وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قد ثَبت أَن الْيَمين لَا يجوز أَن يُغير صفة الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
ودللت عَلَيْهِ بِمَا ذكرت
وَلنَا قَوْلك إِنَّمَا يُوجب الْمَنْع من فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَإِذا فعل فَكَأَنَّهُ أَثم فَكَأَنِّي أدلك فِي هَذَا الْإِجْمَاع وَذَلِكَ أَنِّي لَا أعلم خلافًا للأئمة أَنه إِذا حلف لَا يشرب المَاء أَو لَا يَأْكُل الْخبز أَنه يجوز الْإِقْدَام وَأَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَهَذَا الْقدر مِنْهُ فِيهِ كِفَايَة وَالَّذِي يبين فَسَاد هَذَا وَأَنه لَا يجوز أَن يكون فِيهِ إِثْم هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلى من نِسَائِهِ وَكفر عَن يَمِينه وَلَا يجوز أَن ينْسب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فعل مَا أَثم عَلَيْهِ
وَأما الْآيَة الَّتِي اسْتدلَّ بهَا فقد ثَبت تَأْوِيلهَا وَأَن المُرَاد بهَا ترك الْيَمين
وَقَوله إِن هَذَا يَقْتَضِي حفظ يَمِين مَوْجُودَة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا لَيْسَ بموجود أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ احفظ لسَانك وَالْمرَاد بِهِ احفظ كلامك(5/30)
وَالْكَلَام لَيْسَ مَوْجُودا وَالدَّلِيل على أَنهم يُرِيدُونَ بِهِ احفظ كلامك قَول الشَّاعِر
(احفظ لسَانك لَا تَقول فتبتلى ... إِن الْبلَاء مُوكل بالْمَنْطق)
وَالَّذِي يدل على صِحَّته مَا ذكرت من الشّعْر وَهُوَ قَوْله
(قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... )
وقولك فِي ذَلِك أَرَادَ بِهِ حفظ الْيَمين من الْحِنْث والمخالفة فقد ثَبت أَن ذَلِك قد بَينه فِي آخر الْبَيْت بقوله
(وَإِن بدرت مِنْهُ الألية برت ... )
فَلَا يجوز حمل اللَّفْظ على التّكْرَار إِذا أمكن حمله على غير التّكْرَار
وقولك إِن مثل هَذَا يلزمك فِي تأويلك فَلَا يَصح لِأَن قَوْله
(قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... )
جملَة وَاحِدَة وَالْمرَاد بِهِ معنى وَاحِد وَالثَّانِي مِنْهُمَا يُفَسر الأول وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه لم يعْطف أَحدهمَا على الآخر وَلَيْسَ كَذَلِك مَا ذكرت من الدَّلِيل فِي المصراع الثَّانِي لِأَن هُنَاكَ اسْتَأْنف الْكَلَام وَعطف على مَا قبله بِالْوَاو فَدلَّ على أَن المُرَاد بِهِ معنى غير الأول وَهُوَ الْحِفْظ من الْحِنْث والمخالفة فَلَا يتساوى فِي الِاحْتِجَاج بِالْبَيْتِ
وَمَا ذكرت من الدَّلِيل الثَّانِي أَن الْيَمين قد يمْنَع الْحِنْث فقد نقضته بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاق الْمُعَلق على دُخُول الدَّار وَهُوَ نقض لَازم وَذَلِكَ أَن وُقُوع الطَّلَاق يُوجب الْحِنْث(5/31)
كالكفارة من جِهَة الْحِنْث فَإِذا كَانَ الطَّلَاق الْوَاقِع بِالْحِنْثِ يسْتَند إِلَى الْيَمين فَيجب مَا يتَعَلَّق بِهِ من الضَّمَان على شُهُود الْيَمين بِحَيْثُ دلك أَن تكون الْكَفَّارَة الْوَاجِبَة بِالْحِنْثِ تستند إِلَى الْيَمين فَيتَعَلَّق وُجُوبهَا بهَا فَيكون الْيَمين والحنث بِمَنْزِلَة الْحول والنصاب حَيْثُ كَانَا سببين فِي إِيجَاب الزَّكَاة إِذا وجد أَحدهمَا حَال إِخْرَاج الزَّكَاة قبل وجود السَّبَب الآخر
وَأما انفصالك عَنهُ بِأَن الطَّلَاق مفصح بِهِ فِي لفظ الْيَمين فَكَانَ وَاقعا وَإِنَّمَا دخل الشَّرْط لتأخير مَا أوقعه بِالْيَمِينِ فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ الطَّلَاق مفصحا بِهِ فِي لفظ الْحَالِف فالكفارة فِي مَسْأَلَتنَا مضمنة فِي الْيَمين بِالشَّرْعِ وَذَلِكَ أَن الشَّرْع علق الْكَفَّارَة على مَا علق الْحَالِف بِالطَّلَاق الطَّلَاق عَلَيْهِ فِيمَا علق بِهِ الطَّلَاق بالتزامه وعقده فَوَجَبَ أَن تتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة فِي الشَّرْع فِي الْيَمين بِاللَّه عز وَجل
فداخله القَاضِي أَبُو الْحسن بِأَن قَالَ من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن الزَّكَاة تجب بالنصاب والحول تَأْجِيل والحقوق المؤجلة يجوز تَعْجِيلهَا كالديون المؤجلة
فَقَالَ لَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب هَذَا لَا يَصح وَذَلِكَ أَن الزَّكَاة لَو كَانَت وَاجِبَة بالنصاب وَكَانَ الْحول تأجيلا لَهَا لوَجَبَ إِذا ملك أَرْبَعِينَ شَاة فَعجل مِنْهَا شَاة قبل الْحول وَبَقِي المَال نَاقِصا إِلَى آخر الْحول أَن يُجزئهُ لِأَن النّصاب كَانَ مَوْجُودا حَال الْوُجُوب وَلما قُلْتُمْ إِذا حَال الْحول وَالْمَال بَاقٍ على نقصانه عَن النّصاب أَنه لَا يُجزئهُ وجعلتم الْعلَّة فِيهِ أَنه إِذا جَاءَ وَقت الْوُجُوب وَلَيْسَ عِنْده نِصَاب دلّ على أَن الْوُجُوب عِنْد حُلُول الْحول لَا ملك النّصاب(5/32)
وَأما دليلك الثَّالِث على هَذَا الْفَصْل فقد بَينا بُطْلَانه بِمَا ذَكرْنَاهُ من أَن الخاطىء وَالنَّاسِي
وقولك إِن الخاطىء أَيْضا مَا وَجب عَلَيْهِ إِلَّا لضرب من التَّفْرِيط حصل من جِهَته فَلَا يَصح لِأَنِّي ألزمك مَا لَا تَفْرِيط فِيهِ وَهُوَ الرجل إِذا رمى وسدد الرَّمْي وَرمى وَعرضت لَهُ ريح فعدلت بِالسَّهْمِ إِلَى رجل فَقتلته أَو رمى إِلَى دَار الْحَرْب فَأصَاب مُسلما فَإِن الرَّمْي مُبَاح مُطلق وَالدَّار دَار مُبَاحَة وَلِهَذَا يجوز مباغتتهم لَيْلًا وَنصب المنجنيق عَلَيْهِم وَلَا يلْزم التحفظ مَعَ إِبَاحَة الرَّمْي على الْإِطْلَاق ثمَّ أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَدلَّ على أَنه لَيْسَ طَرِيق إيجابنا الْكَفَّارَة مَا ذَكرُوهُ من الْإِثْم
ويدلك على ذَلِك أَن النَّاسِي لَيْسَ من جِهَته تَفْرِيط وَلَا إِثْم وَكَذَلِكَ من استكره عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَفا الله لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) ثمَّ أوجب عَلَيْهِم الْكَفَّارَة
فَدلَّ هَذَا كُله على مَا ذكرت
على أَنه لَا اعْتِبَار فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة بالإثم والتفريط وَيبين صِحَة هَذَا لَو حلف لَا يُطِيع الله تَعَالَى أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْحِنْث والمخالفة وألزمناه الْكَفَّارَة وَمن الْمحَال أَن تكون الْكَفَّارَة وَاجِبَة للإثم وتغطية الذَّنب ثمَّ نوجبها فِي الْموضع الَّذِي نوجب عَلَيْهِ أَن يَحْنَث وَأما النَّقْض فَلم يجز فِيهِ أَكثر مِمَّا تقدم(5/33)
فَأجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّالقَانِي عَن الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما ادِّعَاء الْإِجْمَاع فَلَا يَصح لِأَن أَصْحَابنَا كلهم مخالفون وَلَا نَعْرِف إِجْمَاعًا دونهم
وَأما تَأْوِيل الْآيَة على ترك الْيَمين فَهُوَ مجَاز لِأَن حفظ الْيَمين يَقْتَضِي وجود الْيَمين وَقَوْلهمْ احفظ لسَانك إِنَّمَا قَالُوهُ لأَنهم أَمرُوهُ بِحِفْظ اللِّسَان وَاللِّسَان مَوْجُود وَهَاهُنَا الْيَمين الَّتِي تأولت الْآيَة عَلَيْهَا غير مَوْجُودَة
وَمَا ذَكرُوهُ من الشّعْر فقد ذكرت أَنه مُشْتَرك الِاحْتِجَاج
وَمَا ذَكرُوهُ من الْعَطف فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز الْجمع بِالْوَاو كَمَا يجوز بغَيْرهَا
وَأما الدَّلِيل الثَّانِي فَلَا يلْزم عَلَيْهِ مَا ذكرت من الْيَمين بِالطَّلَاق وَذَلِكَ أَن الْإِيقَاع هُنَاكَ بِالْيَمِينِ وَلِهَذَا أفْصح بِهِ فِي لفظ الْيَمين وأفصح بِهِ شُهُود الْيَمين وَأما الدُّخُول فَهُوَ شَرط يُوجب التَّأْخِير فَإِذا وجد الشَّرْط وَقع الطَّلَاق بِالْيَمِينِ وَيكون كالموجود حكما فِي حَال الْوُقُوع وَهُوَ عِنْد الشَّرْط وَلِهَذَا علقنا الضَّمَان عَلَيْهِ وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فَإِن لفظ الْيَمين لَا يُوجب الْكَفَّارَة أَلا ترى أَنه لَو قَالَ ألف سنة وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا
لم يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَإِذا لم يكن فِي لَفظه مَا يُوجب الْكَفَّارَة وَجب أَن نقف إيحابها على مَا تعلق الْمَنْع مِنْهُ وَهُوَ الْحِنْث والمخالفة
وَأما مَسْأَلَة الزَّكَاة فَلَا تصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون الْوُجُوب بِملك النّصاب ثمَّ يسْقط هَذَا الْوُجُوب بِنُقْصَان النّصاب فِي آخر الْحول وَمثل هَذَا لَا يمْتَنع على أصولنا أَلا ترى أَن من صلى الظّهْر فِي بَيته صحت صلَاته فَإِذا سعى إِلَى الْجُمُعَة ارْتَفَعت(5/34)
وَورد عَلَيْهِ بعد الحكم بِصِحَّتِهَا مَا نقضهَا كَذَلِك فِي مَسْأَلَة الزَّكَاة لَا يمْتَنع أَن يكون مثله
وَأما الدَّلِيل الثَّالِث فَهُوَ صَحِيح وَمَا ذَكرُوهُ من تسديد الرَّمْي والرامي إِلَى دَار الْحَرْب فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن القَاضِي أعزه الله إِن فرض الْكَلَام فِي هَذَا الْموضع فرضت الْكَلَام فِي الْغَالِب مِنْهَا وَالْعَام وَالْغَالِب أَن الْقَتْل الَّذِي يُوجب الْكَفَّارَة لَا يكون إِلَّا بِضَرْب من التَّفْرِيط فَإِن اتّفق فِي النَّادِر من يسدد الرَّمْي وَتحفظ ثمَّ يقتل من تجب الْكَفَّارَة بقتْله فَإِن ذَلِك نَادِر والنادر من الْجُمْلَة يلْحق بِالْجُمْلَةِ اعْتِبَارا بالغالب
وَأما النَّاسِي فَفِي حَقه ضرب من التَّفْرِيط وَهُوَ ترك الْحِفْظ لِأَنَّهُ كَانَ من سَبيله أَن يتحفظ فَلَا ينسى فَحَيْثُ لم يفعل ذَلِك حَتَّى نسي فَقتل أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَة تَطْهِيرا لَهُ على أَنه قد قيل إِنَّه كَانَ فِي شرع من قبلنَا حكم النَّاسِي والعامد والنائم سَوَاء فرحم الله هَذِه الْأمة ببركة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفع المأثم عَن النَّاسِي وَأوجب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ بَدَلا عَن الْإِثْم فَلَا يجوز أَن تكون الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لرفع المأثم
وَأما قَوْله إِنَّه لَو حلف أَن لَا يُطِيع الله فَإنَّا نأمره بِالْحِنْثِ فَلَا يجوز أَن نأمره ثمَّ نوجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة على وَجه تَكْفِير الذَّنب فَلَا يَصح لِأَنِّي قد قدمت فِي صدر الْمَسْأَلَة من الْكَلَام مَا فِيهِ جَوَاب عَن هَذَا وَذَلِكَ أَن الْكَفَّارَة تجب لتكفير المأثم غير أَنه قد يكون من الْأَيْمَان مَا نقضهَا أولى من الْوَفَاء بهَا وَذَلِكَ أَن يحلف على مَا لَا يجوز من الْكفْر وَقتل الْوَالِدين وَغير ذَلِك من الْمعاصِي فَيكون الْأَفْضَل ارْتِكَاب أدنى الْأَمريْنِ وَهُوَ الْحِنْث والمخالفة لِأَنَّهُ يرجع من هَذَا الْإِثْم إِلَى مَا يكفره وَلَا يرجع فِي الآخر إِلَى مَا يكفره فَيجْعَل ارْتِكَاب الْحِنْث أولى لما فِي الارتكاب من الْإِثْم(5/35)
المغلظ وَالْعَذَاب الشَّديد وعَلى هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه)
مناظرة أُخْرَى بَين أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ
اسْتدلَّ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ الْحَنَفِيّ فِي المختلعة أَنه يلْحقهَا الطَّلَاق بِأَنَّهَا مُعْتَدَّة من طَلَاق فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق كالرجعية
فَكَلمهُ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَأورد عَلَيْهِ فصلين أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا تَأْثِير لِقَوْلِك مُعْتَدَّة من طَلَاق لِأَن الزَّوْجَة لَيست بمعتدة ويلحقها الطَّلَاق فَإِذا كَانَت الْمُعْتَدَّة وَالزَّوْجَة الَّتِي لَيست بمعتدة فِي لحاق الطَّلَاق سَوَاء ثَبت أَن قَوْلك الْمُعْتَدَّة
لَا تَأْثِير لَهُ وَلَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ وَيكون تَعْلِيق الحكم على كَونهَا مُعْتَدَّة كتعليقه على كَونه متظاهرا مِنْهَا وموليا عَنْهَا وَلما لم يَصح تَعْلِيق طَلاقهَا على الْعدة كَانَ حَال الْعدة وَمَا قبلهَا سَوَاء وَمن زعم أَن الحكم يتَعَلَّق بذلك كَانَ مُحْتَاجا إِلَى دَلِيل يدل على تَعْلِيق الحكم بِهِ
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَإِن فِي الأَصْل أَنَّهَا زَوْجَة وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق
وَفِي مَسْأَلَتنَا هَذِه لَيست بِزَوْجَة بِدَلِيل أَنه لَا يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَهِيَ كالمطلقة قبل الدُّخُول
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا يَخْلُو القَاضِي أيده الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون مطالبا بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا فَأَنا ألتزم بذلك وأدل لصِحَّته وَلكنه مُحْتَاج أَلا يخرج الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا مخرج الْمُعْتَرض عَلَيْهَا بِعَدَمِ التَّأْثِير أَو(5/36)
يعْتَرض عَلَيْهَا بالإفساد من جِهَة عدم التَّأْثِير فَإِذا كَانَ الْإِلْزَام على هَذَا الْوَجْه لم يلْزم لِأَن أَكثر مَا فِي ذَلِك أَن هَذِه الْعلَّة لم تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا الطَّلَاق وَأَن الحكم يجوز أَن يثبت فِي مَوضِع مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَهَذَا لَا يجوز أَن يكون قادحا فِي الْعلَّة مُفْسِدا لَهَا يبين صِحَة هَذَا أَن عِلّة الرِّبَا الَّتِي يضْرب بهَا الْأَمْثَال فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا تعم جَمِيع المعلولات لأَنا نجْعَل الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة الْكَيْل مَعَ الْجِنْس ثمَّ نثبت الرِّبَا فِي الْأَثْمَان مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَلم يقل أحد مِمَّن ذهب إِلَى أَن عِلّة الرِّبَا معنى وَاحِد إِن علتكم لَا تعم جَمِيع المعلولات وَلَا تتَنَاوَل جَمِيع الْأَعْيَان الَّتِي يتَعَلَّق بهَا تَحْرِيم التَّفَاضُل فَيجب أَن يكون ذَلِك مُوجبا لفسادها فَإِذا جَازَ لنا بالِاتِّفَاقِ منا ومنكم أَن نعلل الْأَعْيَان السِّتَّة بعلتين يُوجد الحكم مَعَ وجود كل وَاحِد مِنْهُمَا وَمَعَ عدمهما وَلم يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ لنا إِن هَذِه الْعِلَل لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع فَوَجَبَ أَن يكون قَاعِدَة وَجب أَن يكون فِي مَسْأَلَتنَا مثله
وَمَا أجَاب بِهِ القَاضِي الْجَلِيل عَن قَول هَذَا الْقَائِل فَهُوَ الَّذِي نجيب بِهِ عَن السُّؤَال الَّذِي ذكره وَأَيْضًا فَإِنِّي أدل على صِحَة الْعلَّة
وَالَّذِي يدل على صِحَّتهَا أننا أجمعنا على أَن الْأُصُول كلهَا معللة بعلل وَقد اتفقنا على أَن هَذَا الأَصْل الَّذِي هُوَ الرَّجْعِيَّة مُعَلل أَيْضا غير أننا اخْتَلَفْنَا فِي عينهَا فقلتم أَنْتُم إِن الْعلَّة فِيهَا بَقَاء الزَّوْجِيَّة
وَقُلْنَا الْعلَّة وجود الْعدة من طَلَاق وَمَعْلُوم أننا إِذا عللناه بِمَا ذكرْتُمْ من الزَّوْجِيَّة لم يَتَعَدَّ وَإِذا عللناه بِمَا ذكرته من الْعلَّة تعدت إِلَى المختلعة فَيجب أَن تكون الْعلَّة هِيَ المتعدية دون الْأُخْرَى
وَأما معارضتك فِي الأَصْل فَهِيَ عِلّة مدعاة وَيحْتَاج أَن يدل على صِحَّتهَا كَمَا طالبتني بِالدّلَالَةِ على صِحَة علتي(5/37)
وَأما منع الْفَرْع فَلَا نسلم أَنَّهَا زَوْجَة فَإِن الطَّلَاق وضع لحل العقد وَمَا وضع للْحلّ إِذا وجد ارْتَفع العقد كَمَا قُلْنَا فِي فسخ سَائِر الْعُقُود
وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قصدي بِمَا أوردتك من الْمُطَالبَة بتصحيح الْوَصْف والمطالبة فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ من جِهَة الشَّرْع وَأَن الحكم تَابع لَهُ غير أَنِّي كشفت عَن طَرِيق الشَّرْع لَهُ وَقلت لَهُ إِذا كَانَ الحكم يثبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَيثبت مَعَ عدمهَا لم يكن ذَلِك عِلّة فِي الظَّاهِر إِلَّا أَن يدل الدَّلِيل على أَن هَذَا الْوَصْف مُؤثر فِي إِثْبَات هَذَا الحكم فِي الشَّرْع فَحِينَئِذٍ يجوز أَن يعلق الحكم عَلَيْهِ وَمَتى لم يدل الدَّلِيل على ذَلِك وَكَانَ الحكم ثَابتا مَعَ وجوده وَمَعَ علته وَلَيْسَ مَعَه مَا يدل على صِحَة اعْتِبَاره دلّ على أَنه لَيْسَ بعلة
وَأما مَا ذكره الشَّيْخ الْجَلِيل من عِلّة الرِّبَا وَقَوله إِنَّهَا أحد الْعِلَل فَلَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ وَغَيرهَا من مَعَاني الْأُصُول سَوَاء فَلَا معنى لهَذَا الْكَلَام وَهُوَ حجَّة عَلَيْك وَذَلِكَ أَن النَّاس لما اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَل وَادعت كل طَائِفَة معنى طلبُوا مَا يدل على صِحَة مَا ادعوهُ وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يعْمل فِي عِلّة الرَّجْعِيَّة مثل ذَلِك لِأَن هَذَا تَعْلِيل أصل مجمع عَلَيْهِ فَكَمَا وَجب الدّلَالَة على صِحَة عِلّة الرِّبَا وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يدل أَيْضا على صِحَة عِلّة الرَّجْعِيَّة
وَأما جَرَيَان الرِّبَا مَعَ الْأَثْمَان مَعَ عدم عِلّة الْأَرْبَعَة فعلة أُخْرَى تثبت بِالدَّلِيلِ وَهِي عِلّة الْأَثْمَان
وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فَلم يثبت كَون الْعدة عِلّة فِي فرع الطَّلَاق فَلم يَصح تَعْلِيق الحكم عَلَيْهَا(5/38)
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنَّك ادعيت أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَهِي دَعْوَى تحْتَاج أَن يدل عَلَيْهَا وَأَنا لَا أسلمه لِأَن الأَصْل الْمُعَلل عِنْدِي مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل
وَأما كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله تَعَالَى على الْفَصْل الثَّانِي فَإِن طالبتني بتصحيح الْعلَّة فَأَنا أدل على صِحَّتهَا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه إِذا طلق امْرَأَة أَجْنَبِيَّة لم يتَعَلَّق بذلك حكم فَإِن عقد عَلَيْهَا وحصلت زَوْجَة لَهُ فَطلقهَا وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق فَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول طَلْقَة ثمَّ طَلقهَا لم يلْحقهَا لِأَنَّهَا خرجت عَن الزَّوْجِيَّة فَلَو أَنه عَاد فَتَزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا لحقه طَلْقَة فَدلَّ على الْعلَّة فَفِيهَا مَا ذكرت وَلَيْسَ فِي دَعْوَى علتك مثل هَذَا الدَّلِيل
وَأما إِنْكَاره لِمَعْنى الْفَرْع فَلَا يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن عِنْده أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدة وَلَا يزِيل الْملك فَهَذَا لَا يتَعَلَّق بِهِ تَحْرِيم الْوَطْء وَمن الْمحَال أَن يكون العقد مرتفعا وَيحل لَهُ وَطْؤُهَا
وَالثَّانِي أَنِّي أبطل هَذَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيح وَطأهَا إِلَّا بِعقد جَدِيد يُوجد بشرائطه من الشَّهَادَة وَالرِّضَا وَغير ذَلِك لِأَن الْحرَّة لَا تستباح إِلَّا بِنِكَاح وَلما أجمعنا على أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد لأحد دلّ على أَن العقد بَاقٍ وَأَن الزَّوْجِيَّة ثَابِتَة
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما قَوْلك إِنِّي مطَالب بِالدّلَالَةِ على صِحَة الْعلَّة فَلَا يَصح وَالْجمع بَين الْمُطَالبَة بِصِحَّة الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير متناقض وَذَلِكَ أَن الْعلَّة إِمَّا أَن تكون مَقْطُوعًا بِكَوْنِهَا مُؤثرَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الدّلَالَة على صِحَّتهَا لِأَن مَا يدل على صِحَّتهَا يدل على كَونهَا مُؤثرَة وَلَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بتعليق حكم(5/39)
على مَا لَا تَأْثِير لَهُ من الْمعَانِي وَإِنَّمَا ورد الشَّرْع بتعليق الحكم على الْمعَانِي المؤثرة فِي الحكم وَإِذا كَانَت الصُّورَة على هَذَا يجوز أَن يُقَال هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ وَلَكِن دلّ على صِحَّته إِن كَانَت الْعلَّة مشكوكا فِي كَونهَا مُؤثرَة فِي الحكم لم يجز الْقطع على أَنَّهَا غير مُؤثرَة وَقد قطع القَاضِي أيده الله بِأَن هَذِه الْعلَّة غير مُؤثرَة فَبَان بِهَذِهِ الْجُمْلَة أَنه لَا يجوز أَن يعْتَرض عَلَيْهَا من جِهَة عدم التَّأْثِير وَيحكم بفسادها بِسَبَبِهِ ثمَّ تطالبني مَعَ هَذَا بتصحيحها لِأَن ذَلِك طلب محَال جدا
وَأما مَا ذكرت من عِلّة الرِّبَا فَهُوَ استشهاد صَحِيح
وَمَا ذكر من ذَلِك حجَّة عَليّ لِأَن كل من ادّعى عِلّة من الرِّبَا دلّ على صِحَّتهَا فَيجب أَن يكون هَاهُنَا مثله فَلَا يلْزم لِأَنِّي أمتنع من الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة بل أَقُول إِن كل عِلّة ادَّعَاهَا المسؤول فِي مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف فطولب بِالدّلَالَةِ على صِحَّتهَا لزمَه إِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهَا وَإِنَّمَا امْتنع أَن يَجْعَل الطَّرِيق المسؤول لَهَا وجود الحكم مَعَ عدمهَا وَأَنَّهَا لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا ذَلِك الحكم وَهُوَ أبقاه الله جعل الْمُفْسد لهَذِهِ الْعلَّة وجود نُفُوذ الطَّلَاق مَعَ عدم الْعلَّة وَذَلِكَ غير جَائِز كَمَا قُلْنَا فِي عِلّة الرِّبَا فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة إِنَّهَا تفقد وَيبقى الحكم
وَأما إِذا طالبتني بتصحيح الْعلَّة واقتصرت على ذَلِك فَإِنِّي أدل عَلَيْهَا كَمَا أدل على صِحَة الْعلَّة الَّتِي ادعيتها فِي مَسْأَلَة الرِّبَا
وَأما الْفضل الثَّانِي وَهُوَ الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة فَإِن القَاضِي أيده الله تعلق من كَلَامي بطرفه وَلم يتَعَرَّض لمقصوده وَذَلِكَ أَنِّي قلت إِن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن هَذَا الأَصْل مُعَلل بِالْإِجْمَاع بيني وَبَينه وَأما الِاخْتِلَاف فِي غير الْعلَّة فَيجب أَن يكون بِمَا ذَكرْنَاهُ(5/40)
هُوَ الْعلَّة لِأَنَّهَا تتعدى فَترك الْكَلَام على هَذَا كُله وَأخذ يتَكَلَّم فِي أَن من الْأُصُول مَا لَا يُعلل وَأَنه لَا خلاف فِيهِ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن كَانَ فِي هَذَا خلاف فَأَنا أدل عَلَيْهِ
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هُوَ أَن الظَّوَاهِر الْوَارِدَة فِي جَوَاز الْقيَاس مُطلقَة وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ فَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر)
وعَلى أَنِّي قد خرجت من عَهده بِأَن قلت إِن الأَصْل الَّذِي تنازعنا عَلَيْهِ مُعَلل بِالْإِجْمَاع فَلَا يضرني مُخَالفَة من خَالفه فِي سَائِر الْأُصُول
وَأما الْمُعَارضَة فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى فِي الأَصْل مَا ذكرت من ملك النِّكَاح وَوُجُود الزَّوْجِيَّة يدل على ذَلِك أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا ينفذ طلاقهما فَثَبت أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وَإِنَّمَا الْعلَّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق مَعَ وجود مَحل موقعه وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي المختلعة فَيجب أَن يلْحقهَا
وَأما معنى الْفَرْع فَلَا أسلمه
وَأما مَا ذكرت من إِبَاحَة الْوَطْء فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يَطَؤُهَا وَهِي زَوْجَة لِأَنَّهُ يجوز لَهُ مراجعتها بِالْفِعْلِ فَإِذا ابْتَدَأَ الْمُبَاشرَة حصلت الرّجْعَة فصادفها الْوَطْء وَهِي زَوْجَة وَأما أَن يُبِيح وَطأهَا وَهِي خَارِجَة عَن الزَّوْجِيَّة فَلَا
وَأما قَوْله لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيحها من غير عقد كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن بَاعَ عصيرا وَصَارَ فِي يَد البَائِع خمرًا ثمَّ تخَلّل إِن البيع يعود بَعْدَمَا ارْتَفع(5/41)
وعَلى أصلكم إِذا رهن عصيرا فَصَارَ خمرًا ارْتَفع الرَّهْن فَإِذا تخَلّل عَاد الرَّهْن وَكَذَلِكَ هَاهُنَا مثله
تكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ لَيْسَ فِي الْجمع بَين الْمُطَالبَة بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة وَبَين عدم التَّأْثِير مناقضة وَذَلِكَ أَنى إِذا رَأَيْت الحكم ثَبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَمَعَ عدمهَا على وَجه وَاحِد كَانَ الظَّاهِر أَن هَذَا لَيْسَ بعلة للْحكم إِلَّا أَن يظْهر دَلِيل على أَنه عِلّة فنصير إِلَيْهِ وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْقيَاس إِنَّه دَلِيل على الْأَحْكَام إِلَّا أَن يُعَارضهُ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فَيجب تَركه وَكَذَلِكَ خبر الْوَاحِد دَلِيل فِي الظَّاهِر يجب الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ من نَص قُرْآن أَو خبر متواتر فَيجب الْمصير إِلَيْهِ كَذَلِك هَاهُنَا الظَّاهِر بِمَا ذكرته أَنه دَلِيل على ذَلِك لَيْسَ بعلة إِلَّا أَن تقيم دَلِيلا على صِحَّته فنصير إِلَيْهِ
وَأما عِلّة الرِّبَا فقد عَاد الْكَلَام إِلَى هَذَا الْفَصْل الَّذِي ذكرت وَقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا يُغني عَن إِعَادَته
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا سَمِعت من كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله وَهُوَ أَنه قَالَ الْأُصُول كلهَا معللة
وَأما هَذِه الزِّيَادَة فَالْآن سَمعتهَا وَأَنا أَتكَلّم على الْجَمِيع
وَأما دليلك على أَن الْأُصُول كلهَا معللة فَلَا يَصح لِأَن الظَّوَاهِر الَّتِي وَردت فِي جَوَاز الْقيَاس كلهَا حجَّة عَلَيْك لِأَنَّهَا وَردت بِالْأَمر بِالِاجْتِهَادِ فَمَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل فَهُوَ عِلّة يجب الحكم بهَا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَن كل أصل مُعَلل
وَأما قَوْلك إِن هَذَا الأَصْل مجمع على تَعْلِيله وَقد اتفقنا على أَن الْعلَّة فِيهِ أحد الْمَعْنيين إِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَإِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَأَحَدهمَا يتَعَدَّى وَالْآخر لَا يتَعَدَّى فَيجب أَن تكون الْعلَّة فيهمَا مَا يتَعَدَّى فَلَا يَصح لِأَن اتفاقي مَعَك على(5/42)
أَن الْعلَّة أحد الْمَعْنيين لَا يَكْفِي فِي الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة وَأَن الحكم مُعَلّق بِهَذَا الْمَعْنى لِأَن إجماعنا لَيْسَ بِحجَّة لِأَنَّهُ يجوز الْخَطَأ علينا وَإِنَّمَا تقوم الْحجَّة بِمَا يقطع عَلَيْهِ اتِّفَاق الْأمة الَّتِي أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعصمتها
وَأما قَوْلك إِن علتي متعدية فَلَا يَصح لِأَن التَّعَدِّي إِنَّمَا يذكر لترجيح إِحْدَى العلتين على الْأُخْرَى وَفِي ذَلِك نظر عِنْدِي أَيْضا وَأما أَن يسْتَدلّ بِالتَّعَدِّي على صِحَة الْعلَّة فَلَا وَلِهَذَا لم نحتج نَحن وَإِيَّاكُم على مَالك فِي عِلّة الرِّبَا علتنا تتعدى إِلَى مَا لَا تتعدى علته وَلَا ذكر أحد فِي تَصْحِيح عِلّة الرِّبَا ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِدْلَال بِهِ
وَأما فصل الْمُعَارضَة فَإِن الْعلَّة فِي الأَصْل مَا ذكرت
وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يلزمان لِأَن التَّعْلِيل وَاقع لِكَوْنِهِمَا محلا لوُقُوع الطَّلَاق وَيجوز أَن يلحقهما الطَّلَاق وَلَيْسَ التَّعْلِيل للْوُجُوب فَيلْزم عَلَيْهِ الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَهَذَا كَمَا نقُول إِن الْقَتْل عِلّة إِيجَاب الْقصاص ثمَّ نَحن نعلم أَن الصَّبِي لَا يسْتَوْفى مِنْهُ الْقصاص حَتَّى يبلغ وَامْتِنَاع اسْتِيفَائه من الصَّبِي وَالْمَجْنُون لَا يدل على أَن الْقَتْل لَيْسَ بعلة لإِيجَاب الْقصاص
كَذَلِك هَاهُنَا يجوز أَن تكون الْعلَّة فِي الرَّجْعِيَّة كَونهَا زَوْجَة فَإِن كَانَ لَا يلْحقهَا الطَّلَاق من جِهَة الصَّبِي لِأَن هَذَا إِن لزمني على اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة لزمك على اعْتِبَار الِاعْتِدَاد لِأَنَّك جعلت الْعلَّة فِي وُقُوع الطَّلَاق كَونهَا مُعْتَدَّة وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا ينفذ طلاقهما ثمَّ لَا يدل ذَلِك على أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وكل جَوَاب لَهُ عَن الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي اعْتِبَاره الْعدة فَهُوَ جَوَابنَا فِي اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة(5/43)
وَأما عِلّة الْفَرْع فصحيحة أَيْضا وإنكارك لَهَا لَا يَصح لما ثَبت أَن من أصلك أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدَد وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ جَوَاز وَطْء الرَّجْعِيَّة وَمَا زعمت من أَن الرّجْعَة تصح مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ غلط لِأَنَّهُ يبتدىء بمباشرتها وَهِي أَجْنَبِيَّة فَكَانَ يجب أَن يكون ذَلِك محرما وَيكون تَحْرِيمه تَحْرِيم الزِّنَا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (العينان تزنيان وَالْيَدَانِ تزنيان وَيصدق ذَلِك الْفرج) وَلما قُلْتُمْ إِنَّه يجوز أَن يقدم على مباشرتها دلّ على أَنَّهَا بَاقِيَة على الزَّوْجِيَّة
وَأما مَا ذكرت من مَسْأَلَة الْعصير فَلَا يلْزم لِأَن الْعُقُود كلهَا لَا تعود معقودة إِلَّا بِعقد جَدِيد يبين صِحَة هَذَا البيع والإجارات وَالصُّلْح وَالشَّرِكَة والمضاربات وَسَائِر الْعُقُود فَإِذا كَانَت عَامَّة الْعُقُود على مَا ذَكرْنَاهُ من أَنَّهَا إِذا ارْتَفَعت لم تعد إِلَّا باستئناف أَمْثَالهَا لم يجز إبِْطَال هَذَا بِمَسْأَلَة شَاذَّة عَن الْأُصُول
وَهَذَا كَمَا قلت لأبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَفرقت بَين إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْوُضُوء بِأَن إِزَالَة النَّجَاسَة طريقها التروك والتروك مَوْضُوعَة على أَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَتَرْكِ الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَغير ذَلِك فألزمني على ذَلِك الصَّوْم فَقلت لَهُ غَالب التروك وعامتها مَوْضُوعَة على مَا ذكرت فَإِذا شَذَّ مِنْهَا وَاحِد لم ينْتَقض بِهِ غَالب الْأُصُول وَوَجَب رد الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَى مَا شهد لَهُ عَامَّة الْأُصُول وغالبها لِأَنَّهُ أقوى فِي الظَّن
وعَلى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن العقد لَا يَنْفَسِخ فِي الرَّهْن بل هُوَ مَوْقُوف مراعى فعلى هَذَا لَا أسلمه وَلِأَن أصل أبي حنيفَة أَن العقد لَا يَزُول وَالْملك لَا يرْتَفع
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قد ثَبت أَن الْجمع بَين الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير غير جَائِز
وَأما مَا ذكرت من أَن هَذَا دَلِيل مَا لم يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ كَمَا نقُول فِي الْقيَاس(5/44)
وَخبر الْوَاحِد فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنا لَا نقُول إِن كل قِيَاس دَلِيل وَحجَّة فَإِذا حصل الْقيَاس فِي بعض الْمَوَاضِع فعارضه إِجْمَاع لم نقل إِن ذَلِك قِيَاس صَحِيح بل نقُول هُوَ قِيَاس بَاطِل وَكَذَلِكَ لَا نقُول إِن ذَلِك الْخَبَر حجَّة وَدَلِيل فَأَما القَاضِي أيده الله فقد قطع فِي هَذَا الْموضع بِأَن هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ فَلَا يَصح مُطَالبَته بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة
وَأما الْفَصْل الآخر وَهُوَ الدّلَالَة على أَن الْأُصُول معللة فقد أعَاد فِيهِ مَا ذكره أَولا من وُرُود الظَّوَاهِر وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا يحْكى
وَأما قَوْلك إِن إجماعي وَإِيَّاك لَيْسَ بِحجَّة فَإِنِّي لم أذكرهُ لِأَنِّي جعلته حجَّة وَإِنَّمَا ذكرت اتفاقنا لقطع الْمُنَازعَة
وَأما فصل التَّعَدِّي فَصَحِيح وَذَلِكَ أَنِّي ذكرت فِي الأَصْل عِلّة متعدية وَلَا خلاف أَن المتعدية يجوز أَن تكون عِلّة وعارضني أيده الله بعلة غير متعدية وَعِنْدِي أَن الواقفة لَيست بعلة وَعِنْده أَن المتعدية أولى من الواقفة فَلَا يجوز أَن يعارضني وَذَلِكَ يُوجب بَقَاء علتي على صِحَّتهَا
وَأما الْمُعَارضَة فَإِن قَوْلك إِن التَّعْلِيل للْجُوَاز كَمَا قُلْنَا فِي الْقصاص فَلَا يَصح لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِلّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق ملك النِّكَاح وَقد علمنَا أَن ملك الصَّبِي ثَابت وَجب إِيقَاع طَلَاقه فَإِذا لم يَقع دلّ على أَن ذَلِك الْعقل لَيْسَ بعلة وَأما الْقصاص فَلَا يلْزم لِأَن هُنَاكَ لما ثَبت لَهُ الْقصاص وَكَانَ الْقَتْل هُوَ الْعلَّة فِي وُجُوبه جَازَ أَن يسْتَوْفى لَهُ(5/45)
لِأَن الْوَلِيّ يَسْتَوْفِي لَهُ الْقصاص وَكَانَ الْعقل هُوَ الْعلَّة
وَأما قَوْلك إِن مثل هَذَا يلْزم على علتي فَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنِّي قلت مُعْتَدَّة من طَلَاق فَلَا يتَصَوَّر أَن يُطلق الصَّبِي فَتكون امْرَأَته مُعْتَدَّة من طَلَاق فألزمه القَاضِي الْمَجْنُون إِذا طلق امْرَأَته
وَمن الغرائب والفوائد عَن القَاضِي أبي الطّيب
حكى القَاضِي أَبُو الطّيب فِي التعليقة وَجها أَن الْقَضَاء سنة وَلَيْسَ بِفَرْض كِفَايَة
قَالَ ابْن الرّفْعَة لم أره لغيره
نقل النَّوَوِيّ رَحمَه الله فِي المنثورات أَن القَاضِي أَبَا الطّيب قَالَ فِي شرح الْفُرُوع إِن من صلى فَرِيضَة ثمَّ أدْركهَا فِي جمَاعَة فَصلاهَا ثمَّ تذكر أَنه نسي سَجْدَة من الصَّلَاة الأولى لزمَه أَن يُعِيدهَا لِأَن الأولى بترك السَّجْدَة قد بطلت وَلم يحْتَسب لَهُ بِمَا بعْدهَا لِأَن التَّرْتِيب مُسْتَحقّ فِي أَفعَال الصَّلَاة وَأَن ذَلِك لَا يتَخَرَّج على الْخلاف فِي أَن الأولى الْفَرْض أَو الثَّانِيَة
قلت وَهَذَا هُوَ الْفِقْه الَّذِي يَنْبَغِي غير أَنِّي لم أجد كَلَام القَاضِي أبي الطّيب فِي شرح الْفُرُوع صَرِيحًا فِي أَنه لَا يتَخَرَّج على الْخلاف بل قَالَ وَأما الثَّانِيَة فَلَا يحْتَسب بهَا لِأَنَّهُ فعلهَا بنية التَّطَوُّع ثمَّ قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل أَلَيْسَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يحْتَسب الله بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَالْجَوَاب أَن أَبَا إِسْحَاق الْمروزِي قَالَ قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم لَا يُقَال إِن الله يحْتَسب مَا شَاءَ وَلم يقل إِن الثَّانِيَة يَفْعَلهَا بنية التَّطَوُّع وَرجع عَن هَذَا فِي الْجَدِيد وَقَالَ الأولى فَرْضه وَالثَّانيَِة سنة وَالْحَال فِيمَا يدل على أَن الثَّانِيَة سنة لَا فرض وَهَذَا(5/46)
الْكَلَام يدل على أَن من يمْنَع كَون الثَّانِيَة سنة يمْنَع لُزُوم الْإِعَادَة
وَفِي السُّؤَال الأول من فتاوي الْغَزالِيّ الْمَشْهُورَة مَا يَقْتَضِي النزاع من أَنه لَو صلى فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْجَمَاعَة فَأَعَادَهَا ثمَّ بَان أَن الصَّلَاة الأولى كَانَت فَاسِدَة أَن الصَّلَاة الْمُعَادَة تُجزئه وَسكت عَلَيْهِ الْغَزالِيّ
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تعليقته فِي كتاب الشَّهَادَات فرع السَّائِل هَل تقبل شَهَادَته أَو لَا ينظر فَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس من حَاجَة لم ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُ قُوَّة أَمر بالسؤال وَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس من غير حَاجَة لم تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يكذب فِي قَوْله إِنَّه مُحْتَاج لِأَنَّهُ لَو لم يقل ذَلِك لم يدْفع إِلَيْهِ شَيْء
وَأما إِذا كَانَ مِمَّن لَا يسْأَل وَلَكِن النَّاس يحملون إِلَيْهِ الصَّدقَات فَإِنَّهُ ينظر فَإِن كَانُوا يحملون إِلَيْهِ من الصَّدقَات النَّفْل والتطوع لم ترد شَهَادَته لِأَن ذَلِك يجْرِي مجْرى الهبات والهبات لَا تمنع من قبُول الشَّهَادَة
وَإِن كَانَت الصَّدقَات من الْفَرَائِض فَلَا يَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون غَنِيا أَو فَقِيرا فَإِن كَانَ فَقِيرا حل لَهُ ذَلِك وَقبلت شَهَادَته وَإِن كَانَ غَنِيا لم يخل من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون جَاهِلا أَو عَالما فَإِن كَانَ جَاهِلا لَا يعلم أَنه لَا يجوز لَهُ أَخذ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة مَعَ الْغنى لم ترد شَهَادَته لِأَن ذَلِك خطأ وَالْخَطَأ لَا يُوجب رد الشَّهَادَة وَإِن كَانَ عَالما فَإِنَّهُ لَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْكُل مَالا حَرَامًا وَهُوَ مستغن عَنهُ وَله مستحقون غَيره
انْتهى بنصه وَلَفظه
وَهِي مسَائِل مُتَقَارِبَة شَهَادَة القانع وَقد قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمَة الْخطابِيّ وَهُوَ السَّائِل إِلَّا أَن الْكَلَام على شَهَادَته لأهل الْبَيْت الَّذين بيناهم لَا مُطلقًا وَشَهَادَة السَّائِل مُطلقًا وَشَهَادَة الطفيلي وَمن يختطف النثار فِي الأفراح(5/47)
وَالْفرق بَين هَذِه الصُّور وَشَهَادَة القانع أَن المأخذ فِي منع شَهَادَة القانع عِنْد من منعهَا التُّهْمَة وجلب النَّفْع والمأخذ فِي هَذِه الْمسَائِل قلَّة الْمُرُوءَة أَو أكل مَا لَا يسْتَحق
وَقد جمع صَاحب الْبَحْر أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ هَذِه الْمسَائِل وَاقْتضى إِيرَاده أَنَّهَا منصوصات فَقَالَ فرع قَالَ فِي الْأُم وَمن ثَبت عَلَيْهِ أَنه يغشى الدعْوَة بِغَيْر دُعَاء من غير ضَرُورَة وَلَا يسْتَحل من صَاحب الطَّعَام وتتابع ذَلِك مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْكُل محرما إِذا كَانَت الدعْوَة دَعْوَة رجل بِعَيْنِه فَإِن كَانَ طَعَام سُلْطَان أَو رجل ينْسب للسُّلْطَان فَدَعَا النَّاس إِلَيْهِ فَهَذَا طَعَام عَام مُبَاح وَلَا بَأْس بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّمَا اعْتبر تكَرر ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون لَهُ شُبْهَة حَيْثُ لم يمنعهُ صَاحب الطَّعَام وَإِذا تكَرر صَار دناءة وسفها
فرع قَالَ وَلَو ذهب مَال الرجل بجائحة حلت لَهُ الْمَسْأَلَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي مصلحَة وَإِذا أَخذهَا لم أرد شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْخُذهَا بِحَق فَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس طول عمره أَو بعضه وَهُوَ غَنِي لَا أقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْخُذ الصَّدَقَة بِغَيْر حق ويكذب أبدا فَيَقُول إِنِّي مُحْتَاج
وَلَيْسَ بمحتاج فَإِن أعطي الصَّدَقَة من غير سُؤال ينظر فَإِن كَانَت صَدَقَة تطوع فَلَا بَأْس وَلَا ترد شَهَادَته وَإِن كَانَت صَدَقَة وَاجِبَة فَإِن لم يكن علم تَحْرِيمهَا فَلَا ترد وَإِن علم بتحريمها ردَّتْ شَهَادَته(5/48)
فرع وَإِذا نثر على النَّاس فِي الْفَرح فَأخذ من حضر لم يكن فِي هَذَا مَا يخرج عَن الشَّهَادَة لِأَن كثيرا يزْعم أَن هَذَا حَلَال مُبَاح لِأَن مَالِكه إِنَّمَا طَرحه لمن يَأْخُذهُ فَأَما أَنا فأكرهه لمن أَخذه من قبل أَنه يَأْخُذهُ من أَخذه وَلَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِغَلَبَة لمن حَضَره إِمَّا بِفضل قُوَّة وَإِمَّا بِفضل قلَّة حَيَاء وَالْمَالِك لم يقْصد بِهِ قَصده وَإِنَّمَا قصد بِهِ الْجَمَاعَة فأكرهه
انْتهى لفظ الْبَحْر
والرافعي رَحمَه الله اقْتصر على مَسْأَلَة السَّائِل فَذكر أَن شَهَادَة الطّواف على الْأَبْوَاب وَسَائِر السُّؤَال تقبل شَهَادَتهم إِلَّا أَن يكثر الْكَذِب فِي دَعْوَى الْحَاجة وَهُوَ غير مُحْتَاج أَو يَأْخُذ مَا لَا يحل لَهُ أَخذه فيفسق قَالَ وَمُقْتَضى الْوَجْه الذَّاهِب إِلَى رد شَهَادَة أهل الْحَرْف رد شَهَادَته لدلالته على خسته
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله سَمِعت القَاضِي أَبَا الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا رَحمَه الله يَقُول كنت أحضر مجْلِس أبي الْحسن بن أبي عمر يَوْم النّظر فَحَضَرت يَوْمًا أَنا وَجَمَاعَة بِالْبَابِ ننتظره ليخرج فَدخل أَعْرَابِي فَجَلَسَ بِالْقربِ منا وَإِذا بغراب سقط على نَخْلَة فِي الدَّار وَصَاح ثمَّ طَار فَقَالَ الْأَعرَابِي إِن هَذَا الْغُرَاب يَقُول إِن صَاحب هَذِه الدَّار يَمُوت بعد سَبْعَة أَيَّام قَالَ فصحنا عَلَيْهِ وزبرناه فَقَامَ وَانْصَرف ثمَّ دَخَلنَا إِلَى أبي الْحسن فَإِذا بِهِ متغير اللَّوْن فَقَالَ أحدثكُم بِأَمْر شغل بالي إِنِّي رَأَيْت البارحة فِي الْمَنَام شخصا وَهُوَ يَقُول
(منَازِل آل حَمَّاد بن زيد ... على أهليك وَالنعَم السَّلَام)(5/49)
وَقد ضَاقَ صَدْرِي لذَلِك فدعونا لَهُ وانصرفنا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَالله أعلم
424 - طَاهِر بن عبد الله الإيلاقي
بِكَسْر الْألف وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا الْقَاف إيلاق هِيَ بِلَاد الشاش الْمُتَّصِلَة بِالتّرْكِ
وَهَذَا هُوَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الرّبيع
كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه متضلعا بِهِ
تفقه على الْحَلِيمِيّ وَأبي طَاهِر الزيَادي وَقَرَأَ الْأُصُول على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وروى الحَدِيث عَن أستاذيه وَأبي نعيم عبد الْملك بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَغَيرهم
تفقه عَلَيْهِ أهل الشاش
وَتُوفِّي عَن سِتّ وَتِسْعين سنة فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة(5/50)
طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْبَغْدَادِيّ
نزيل بنيسابور
قَالَ الْحَاكِم كَانَ أظرف من رَأينَا من الْعِرَاقِيّين وأفتاهم وَأَحْسَنهمْ كِتَابَة وَأَكْثَرهم فَائِدَة
سَمِعت أَبَا عبد الله بن أبي ذهل يَقُول مَا رَأَيْت من البغداديين أَكثر فَائِدَة من أبي عبد الله
سمع أَبَا حَامِد الْحَضْرَمِيّ وَأَبا بكر أَحْمد بن الْقَاسِم الْفَرَائِضِي وأقرانهما
توفّي بنيسابور يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن من ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
وروى عَنهُ الْحَاكِم
وَهَذَا كَلَامه
قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ فِيمَا أَحسب أَبُو الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ عبد القاهر ابْن طَاهِر
قلت مَا أوردناه من نسب هَذَا هُوَ مَا أوردهُ الْحَاكِم وَقد أسقط ابْن الصّلاح اسْم أبي هَذَا فَقَالَ طَاهِر بن عبد الله
وَذكره بعد القَاضِي فَكتب شَيخنَا الْمزي يقدم
فَأَما كِتَابَته إِيَّاه بعد القَاضِي فصواب لِأَن القَاضِي طَاهِر بن عبد الله وَهَذَا طَاهِر بن مُحَمَّد وَالْعين مُقَدّمَة على الْمِيم والمزي توهمه كَمَا أوردهُ ابْن الصّلاح طَاهِر بن عبد الله(5/51)
فَكتب يقدم وَهُوَ صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر كَمَا توهم لِأَن جده إِبْرَاهِيم حِينَئِذٍ وجد القَاضِي طَاهِر وَالْألف قبل الطَّاء
وَالَّذِي أرَاهُ أَن ابْن الصّلاح لم يقْصد هَذَا بل أَرَادَ أَن يكْتب طَاهِر بن مُحَمَّد فأسقط اسْم مُحَمَّد نِسْيَانا وَيدل عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه بعد القَاضِي
وَالله تَعَالَى أعلم
425 - ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كتنه
أَبُو الْحسن الْحلَبِي الناصري
سمع عبد الرَّحْمَن بن عمر بن نصر وَعبيد الله الْوراق
روى عَنهُ السمان وَعبد الْعَزِيز الكتاني وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي الصَّقْر الْأَنْبَارِي
مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
426 - الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَاهِر
أَبُو مُحَمَّد العباسي
يعرف بِابْن الرحا
مولده سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة(5/52)
427 - عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله
الإِمَام الزَّاهِد الْجَلِيل الْبَحْر أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا يعرف بالقفال الصَّغِير الْمروزِي
شيخ الخراسانيين وَلَيْسَ هُوَ الْقفال الْكَبِير هَذَا أَكثر ذكرا فِي الْكتب أَي كتب الْفِقْه وَلَا يذكر غَالِبا إِلَّا مُطلقًا وَذَاكَ إِذا أطلق قيد بالشاشي وَرُبمَا أطلق فِي طَريقَة الْعِرَاقِيّين لقلَّة ذكرهم لهَذَا والشاشي أَكثر ذكرا فِيمَا عدا الْفِقْه من الْأُصُول وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا
كَانَ الْقفال الْمروزِي هَذَا من أعظم محَاسِن خُرَاسَان إِمَامًا كَبِيرا وبحرا عميقا غواصا على الْمعَانِي الدقيقة نقي القريحة ثاقب الْفَهم عَظِيم الْمحل كَبِير الشَّأْن دَقِيق النّظر عديم النظير فَارِسًا لَا يشق غباره وَلَا تلْحق آثاره بطلا لَا يصطلي لَهُ بِنَار أسدا مَا بَين يَدَيْهِ لواقف إِلَّا الْفِرَار
تفقه على الشَّيْخ أبي زيد الْمروزِي وَسمع مِنْهُ وَمن الْخَلِيل بن أَحْمد القَاضِي وَجَمَاعَة وَحدث وأملى
ذكره الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ فَقَالَ كَانَ وحيد زَمَانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وَله فِي فقه الشَّافِعِي وَغَيره من الْآثَار مَا لَيْسَ لغيره من أهل عصره
قَالَ وطريقته المهدية فِي مَذْهَب الشَّافِعِي الَّتِي حملهَا عَنهُ فُقَهَاء(5/53)
أَصْحَابه من أهل الْبِلَاد أمتن طَريقَة وأوضحها تهذيبا وأكثرها تَحْقِيقا رَحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد للتفقه عَلَيْهِ فظهرت بركته على مختلفيه حَتَّى تخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة صَارُوا أَئِمَّة فِي الْبِلَاد نشرُوا علمه ودرسوا قَوْله
هَذَا كَلَامه
والقفال رَضِي الله عَنهُ أَزِيد مِمَّا وصف وأبلغ مِمَّا ذكر وَقد صَار مُعْتَمد الْمَذْهَب على طَريقَة الْعرَاق وحامل لوائها أَبُو حَامِد الإسفرايني وَطَرِيقَة خُرَاسَان والقائم بأعبائها الْقفال الْمروزِي هما رحمهمَا الله شَيخا الطريقتين إِلَيْهِمَا الْمرجع وَعَلَيْهِمَا الْمعول
وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله قد ابْتَدَأَ التَّعَلُّم على كبر السن بَعْدَمَا أفنى شبيبته فِي صناعَة الأقفال وَكَانَ ماهرا فِيهَا
رُوِيَ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أَنه قَالَ كَانَ الْقفال صنع قفلا مَعَ جَمِيع آلاته من وزن أَربع حبات من حَدِيد قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أخرج الْقفال يَده فَإِذا على ظهر كَفه آثَار المجل فَقَالَ هَذَا من آثَار عَمَلي فِي ابْتِدَاء شَبَابِي
قَالَ السَّمْعَانِيّ أَبُو بكر وَسمعت جمَاعَة من مشيختنا يذكرُونَ أَنه ابْتَدَأَ التَّعَلُّم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة فَبَارك الله تَعَالَى لَهُ حَتَّى أربي على أهل عصره وَصَارَ أفقه أهل زَمَانه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَسمعت الْقفال يَقُول ابتدأت التَّعَلُّم وَأَنا لَا أفرق بَين اختصرت واختصرت
قَالَ ابْن الصّلاح أَظن أَنه أَرَادَ بِهَذَا الْكَلِمَة الأولى من مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ قَوْله اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي وَأَرَادَ أَنه لم يكن يدرى من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا يفرق بِهِ بَين ضم تَاء الضَّمِير وَفتحهَا(5/54)
وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ لم يكن فِي زمَان أبي بكر الْقفال أفقه مِنْهُ وَلَا يكون بعده مثله وَكُنَّا نقُول إِنَّه ملك فِي صُورَة إِنْسَان
وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله مصابا بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ
قَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ سَمِعت الإِمَام وَالِدي يَقُول سُئِلَ الْقفال رَحمَه الله فِي مجْلِس وعظه هَل يقْضِي الله على عَبده بِسوء الْقَضَاء فَقَالَ نعم فقد أدركني سوء الْقَضَاء وعور إِحْدَى عَيْني
وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كنت عِنْد الْقفال فَأَتَاهُ رجل قروي وشكا إِلَيْهِ أَن حِمَاره أَخذه بعض أَصْحَاب السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ الْقفال اذْهَبْ فاغتسل وادخل الْمَسْجِد وصل رَكْعَتَيْنِ واسأل الله تَعَالَى أَن يرد عَلَيْك حِمَارك
فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَرَوِي كَلَامه فَأَعَادَ الْقفال فَذهب الْقَرَوِي فَفعل مَا أمره بِهِ وَكَانَ الْقفال قد بعث من يرد حِمَاره فَلَمَّا فرغ من صلَاته رد الْحمار فَلَمَّا رَآهُ على بَاب الْمَسْجِد خرج وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي رد عَليّ حماري فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ الْقفال عَن ذَلِك فَقَالَ أردْت أَن أحفظ عَلَيْهِ دينه كي يحمد الله تَعَالَى
وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ احتسب بعض الْفُقَهَاء الْمُخْتَلِفين إِلَى الْقفال على بعض أَتبَاع الْأَمِير بمرو فَرفع الْأَمِير الْأَمر إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود وَذكر أَن الْفُقَهَاء أساءوا الْأَدَب فِي مُوَاجهَة الدِّيوَان بِمَا فعلوا فَكتب مَحْمُود هَل يَأْخُذ الْقفال شَيْئا من ديواننا فَقيل لَا فَقَالَ فَهَل يتلبس من أُمُور الْأَوْقَاف بِشَيْء فَقيل لَا قَالَ فَإِن الاحتساب لَهُم سَائِغ فَدَعْهُمْ
وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كَانَ الْقفال فِي كثير من الْأَوْقَات فِي الدَّرْس يَقع عَلَيْهِ الْبكاء ثمَّ يرفع رَأسه وَيَقُول مَا أَغْفَلنَا عَمَّا يُرَاد بِنَا رَضِي الله عَنهُ
تفقه الْقفال على جمَاعَة وَكَانَ تخرجه على يَد الشَّيْخ أبي زيد وَسمع الحَدِيث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وَحدث فِي آخر عمره وأملى(5/55)
وَمَات سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَدفن بسجستان وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحْمَة الله ورضوانه عَلَيْهِ
آمين
وَمن الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ الْقفال
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر سَمَاعا عَلَيْهِ أَنبأَنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أخبرنَا أَبُو روح إجَازَة أخبرنَا أَبُو زَاهِر بن طَاهِر أخبرنَا القَاضِي أَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن أَحْمد الْوزان إملاء قدم علينا من الرّيّ سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال الْمروزِي بهَا أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد عَن هِشَام بن الْغَار أَخْبرنِي حبَان أَبُو النَّصْر قَالَ سَمِعت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث عَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي مَا شَاءَ)
كتب إِلَيّ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي أَن أَبَا الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عمر وَأَبا الْحسن بن البُخَارِيّ أنبآه عَن فضل الله النوقاني عَن الْحُسَيْن ابْن مَسْعُود الْبَغَوِيّ
ح وأنبأني الْمشَار إِلَيْهِ فِي غير وَاحِد من مشيختنا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعد وَإِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن بن عَمْرو الْفراء وَغَيرهمَا سَمَاعا بِقِرَاءَة الْمزي قَالُوا أخبرنَا أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الْقزْوِينِي سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد(5/56)
ابْن مُحَمَّد حفدة العطاري أخبرنَا محيى السّنة أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي رَافع الْأنمَاطِي حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال أخبرنَا أَبُو نعيم هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد هُوَ ابْن مُسلم قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر يَقُول حَدثنِي بسر بن عبيد الله الْحَضْرَمِيّ أَنه سمع أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ يَقُول سَمِعت النواس بن سمْعَان الْكلابِي يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع رب الْعَالمين إِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه) قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك وَالْمِيزَان بيد الرَّحْمَن يرفع قوما وَيَضَع آخَرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)
وَهَذِه نخب وفوائد ومسائل عَن الشَّيْخ الْقفال
قَالَ الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي كتاب اللّعان قبل بَاب أَيْن يكون اللّعان لما ذكر أَن قذف الصَّبِي وَإِن لم يُوجب عَلَيْهِ حدا وَلَا تعزيرا للمقذوف يتَعَلَّق بطلبته وَلَكِن يعزره الْقَائِم عَلَيْهِ لإساءة أدبه كَمَا يفعل ذَلِك فِي سَائِر جِهَات التَّأْدِيب إِن الْقفال قَالَ إِذا هم بتأديب الْمُرَاهق فَبلغ انكف عَنهُ وَإِن كَانَ واليا لِأَن الْبلُوغ أكمل الروادع وَالْعقل الَّذِي قضى الشَّرْع بِكَمَالِهِ أبين رادع(5/57)
قَالَ يَعْنِي الْقفال وَلِهَذَا نأمر الطِّفْل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات مَا دَامَ طفْلا فَإِذا بلغ كففنا الطّلب عَنهُ
انْتهى
والمسألتان غريبتان المستشهد عَلَيْهَا والمستشهد بهَا
ذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَنه لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا وقف الإِمَام على الأَرْض فِي الدَّار وَالْمَأْمُوم على سطح الدَّار أَن صلَاته أَي الْمَأْمُوم بَاطِلَة وَلَا تصح الصَّلَاة على السَّطْح بِصَلَاة الإِمَام على الأَرْض إِلَّا فِي الْمَسْجِد
قَالَ حَتَّى كَانَ الشَّيْخ الْقفال يستزل النَّاس عَن جِدَار الْمصلى يَوْم الْعِيد لِأَن مصلى أهل مرو بقْعَة مَغْصُوبَة وكل مَسْجِد بني فِي بقْعَة مَغْصُوبَة فَلَيْسَ بِمَسْجِد
انْتهى
قلت وَلَعَلَّ مصلى أهل مرو اتخذ مَسْجِدا وَإِلَّا فمجرد كَونه مصلى وَلَو لم يكن مَغْصُوبًا لَا يعْطى حكم الْمَسْجِد كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي الفتاوي وَهُوَ وَاضح
وَقد تنبهت من هَذِه الْحِكَايَة عَن الْقفال لفائدة كَانَت تَدور فِي خلدي فإنني لما سَمِعت هَذِه الْحِكَايَة انْتقل ذهني إِلَى أَن الْقفال منع النَّاس عَن الصَّلَاة فِي الْمصلى لِأَن الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوب حرَام فَكَمَا مَنعهم عَمَّا لَا يَصح كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يمنعهُم عَمَّا يحرم ثمَّ فَكرت فِي أَن هَذِه الْبقْعَة جَازَ أَن يكون مستحقها قد مَاتَ وَمَاتَتْ ورثته وانتقلت إِلَى بَيت المَال كَمَا هُوَ الْغَالِب على كثير من المغصوبات الَّتِي يتمادى عَلَيْهَا الزَّمَان وَأَقُول فِي مثل ذَلِك إِذا انْتَقَلت إِلَى بَيت المَال خرجت عَن حكم الْغَصْب وَلم تصر مَسْجِدا لِأَنَّهَا لم تبن وَقت الِاسْتِحْقَاق مَسْجِدا فَلَمَّا وقفت مَسْجِدا كَانَ الْوَقْف بَاطِلا لِأَن حكم الْغَصْب قد كَانَ بَاقِيا وَهَذَا شَيْء كَانَ يَدُور فِي خلدي ثمَّ تأيد بِهَذِهِ الْحِكَايَة
وَكَانَ سَبَب دورانه فِي خلدي أَنه حُكيَ لي عَن الْوَالِد رَحمَه الله أَنه كَانَ فِي أول أمرة لَا يدْخل إِلَى الْمدرسَة المنصورية لِأَنَّهُ قيل إِن الْملك الْمَنْصُور قلاوون غصب ساحتها ثمَّ لما(5/58)
ولي الْوَالِد تدريسها سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة صَار يدْخل للدرس ففكرت مَعَ علمي من حَاله بِأَن الدُّنْيَا لم تكن تحمله على الوقيعة فِي شُبْهَة عَن جَوَاب عَمَّا لَعَلَّه يُقَال كَيفَ دَخلهَا عِنْد ولَايَة التدريس وَترك التورع الَّذِي كَانَ يَفْعَله فَوَقع لي أَنه لَعَلَّ الْمَغْصُوب مِنْهُ أَو ورثته كَانُوا موجودين فِي أَوَائِل أَمر الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَو كَانَ وجودهم مُحْتملا ثمَّ تحقق فقدهم وانتقال الساحة إِلَى بَيت المَال فَصَارَ يدخلهَا لكَونهَا أَرض بَيت المَال واشترك الْمُسلمُونَ فِيهَا وَهَذَا يعتضد بِمَا ذكرت عَن الْقفال وَيحْتَمل أَيْضا أَن الدُّخُول حَيْثُ لم يكن مدرسا دُخُول فِي الشُّبْهَة لَا لغَرَض ديني وَبعد التدريس دُخُول لغَرَض لَعَلَّه أهم فِي نظر الشَّارِع من الْوَرع فهذان جوابان
قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي تعليقته من بَاب صَلَاة التَّطَوُّع كَانَ الْقفال يَقُول وددت أَن أجد قَول من سلف الْقُنُوت فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة لكني تفحصت عَنهُ فَمَا وجدت أحدا قَالَ بِهِ
قَالَ الْقفال وَقد اشْتريت كتاب ابْن الْمُنْذر فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء لهَذِهِ الْمَسْأَلَة خَاصَّة ففحصت عَنْهَا فَلم أجد أحدا قَالَ بِهِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ بِالْقُنُوتِ فِي الْوتر فِي جَمِيع شهر رَمَضَان دون غَيره من الشُّهُور
قلت كَأَنَّهُ يَعْنِي بالسلف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ إِلَى زمَان مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِلَّا فقد قَالَ بالوتر فِي جَمِيع السّنة من أَصْحَابنَا أَرْبَعَة مِنْهُم اثْنَان أستبعد خَفَاء قَوْلهمَا على الْقفال وهما أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو عبد الله الزبيرِي وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان وَأَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيق الْمَذْهَب وَلَكِن توقف الْوَالِد(5/59)
رَحمَه الله فِي مُوَافَقَته على اخْتِيَاره قَالَ إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِهِ
وَلما رَأَيْت فحص الْقفال عَن أقاويل السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَكشفت أوعب الْكتب لأقاويلهم وَهُوَ مُصَنف ابْن أبي شيبَة فَوَجَدته قَالَ حَدثنَا أَزْهَر السمان عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول الْقُنُوت فِي السّنة كلهَا
قَالَ وَكَانَ ابْن سِيرِين لَا يرَاهُ إِلَّا فِي النّصْف من رَمَضَان ثمَّ روى عَن الْحسن أَن الإِمَام يقنت فِي النّصْف وَالْمُنْفَرد يقنت الشَّهْر كُله
ثمَّ روى بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم قَالَ كَانَ عبد الله لَا يقنت السّنة كلهَا فِي الْفجْر ويقنت فِي الْوتر كل لَيْلَة قبل الرُّكُوع
قَالَ أَبُو بكر هَذَا القَوْل عندنَا
قلت فَهَذَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قد نقل عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله وَهُوَ ابْن مَسْعُود أَنه يقنت فِي الْوتر فِي السّنة كلهَا وَقَالَ بِهِ إِبْرَاهِيم نَفسه وَهُوَ النَّخعِيّ وارتضاه أَبُو بكر وَهُوَ ابْن أبي شيبَة فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة من السّلف وَقد ذكر ابْن أبي شيبَة ذَلِك فِي فصل من قَالَ الْقُنُوت فِي النّصْف من رَمَضَان فِي فُصُول الْوتر وقنوته
ذكر الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن اشْترى أمة فَوَطِئَهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا أَنه لَا يحْسب لَهَا الِاسْتِبْرَاء مَا دَامَت تَحْتَهُ يفترشها بل لَا بُد من أَن يتجانب عَنْهَا حَتَّى تمر بهَا حَيْضَة قَالَ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَا يَطَؤُهَا إِلَّا أَنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَأكْثر الْكتب أَنه لَا يمْنَع الِاسْتِبْرَاء إِلَّا الْوَطْء لَا الْمُلَامسَة والمعاشرة لِأَن الْملك لم يمْنَع الاحتساب فَكَذَا المعاشرة بِخِلَاف الْعدة
وَذكر فِي الفتاوي أَيْضا أَنا إِذا رَأينَا فِي يَد رجل ضَيْعَة يَدعِي أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ لَا تصير وَقفا وَله بيعهَا بعد ذَلِك
قَالَ كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ مَال
فَقَالَ هَذَا وَدِيعَة عِنْدِي(5/60)
ثمَّ بَاعه فَلهُ ذَلِك
قَالَ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَإِنَّهُ لَا يجوز بيعهَا
قلت أما عدم تَجْوِيز بيع من قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَظَاهر وَأما تَجْوِيز بيع من قَالَ هَذِه الْعين وَدِيعَة عِنْدِي فمتجه أَيْضا لِأَن القَوْل فِي الْعُقُود قَول أَرْبَابهَا وَلَعَلَّ الْمُودع أذن لَهُ أَن يَبِيع فلسنا ننقب عَن ذَلِك
وَأما تَمْكِين من قَالَ هَذِه وقف عَليّ من البيع فموضع نظر يحْتَمل أَن يُقَال بِمَا قَالَه الْقفال وَيحْتَمل أَن يُخَالف وَيحمل كَلَامه على أَن لَهُ بيعهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ كَاذِبًا لَا أَنا نملكه أَو على أَنا نعلم أَنه يَعْنِي بِكَوْنِهَا وَقفا عَلَيْهِ أَنه هُوَ واقفها على نَفسه وبمقتضى هَذَا لَهُ البيع لِأَن الْوَقْف بَاطِل وَيدل لهَذَا أَن الْقفال قَالَ فِي تَوْجِيه قَوْله لَا تصير وَقفا إِن الْإِنْسَان لَا يقدر أَن يقف على نَفسه فَكَأَن الْيَد لما كَانَت تدل على الْملك فدعوى الوقفية بعد ذَلِك لَا يكون مَعْنَاهَا أَن غَيره وَقفهَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُعَارض دلَالَة الْيَد فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون هُوَ الَّذِي وَقفهَا وَذَلِكَ بَاطِل
وَإِن لم يحمل كَلَام الْقفال على مَا ذَكرْنَاهُ فَهُوَ مُشكل وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ تأييد لِابْنِ الصّلاح
قَالَ الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن قَالَ إِذا مت فاشتروا من ثُلثي حانوتا يبلغ غَلَّته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وَقفا على أَن عشرَة لطالبي الْعلم وَعشرَة للْفُقَرَاء وَعشرَة لِلْيَتَامَى وَعشْرين لأبناء السَّبِيل قَالَ الْقفال يَصح وَيعْتَبر يَوْم الشِّرَاء فيشترى حانوتا وَيُوقف خمسه على طالبي الْعلم وخمسه على الْفُقَرَاء وخمسه على الْيَتَامَى وخمسيه على أَبنَاء السَّبِيل ويقفه الْوَصِيّ هَكَذَا أَخْمَاسًا فَإِن زَادَت غلَّة الْحَانُوت من بعد(5/61)
فَإِنَّهُ يقسم بَينهم وَتصرف الزِّيَادَة مصرف الأَصْل وَإِن نقص خمسه نقص على هَذَا الْقيَاس انْتهى
قلت وَهَذَا صَرِيح فِي أَن من وقف مدرسة وَنَحْوهَا وَقدر لأرباب الْوَظَائِف مقادير بِحَسب ريع الْوَقْف يَوْم وَقفه فَزَاد بعد ذَلِك أَن الزِّيَادَة تبسط عَلَيْهِم على النِّسْبَة فَلَو كَانَ ارتياع الْوَقْف مائَة وَخمسين فَقدر للمدرس خمسين ولعشرة فُقَهَاء كل فَقِيه عشرَة كَانَ للمدرس الثُّلُث وللفقهاء الثُّلُثَانِ بَالغا مَا بلغ وناقصا مَا نقص على النِّسْبَة الْمَذْكُورَة
وَهَذَا فِي جَانب النُّقْصَان صَحِيح ظَاهر وَأما فِي جَانب الزِّيَادَة فَلَا يظْهر بل الذى يظْهر أَن الزِّيَادَة لَا ترد عَلَيْهِم وَإِلَّا لضاع تَقْيِيد الْوَاقِف الْمِقْدَار بالخمسين وبالعشرة بل لَهُ أَن يرصد الفائض أَو ينزل عَلَيْهِ فُقَهَاء أَو يصرف مصرف الْمُنْقَطع وَلَعَلَّ الْأَصْلَح الزِّيَادَة فِي عدد الْفُقَهَاء والأقيس إرصاده
وَقد رَأينَا فِي حكام هَذَا الْعَصْر الْأَخير من حكم بِنَحْوِ مَا أفتى بِهِ الْقفال وَمَا أَظُنهُ بلغته فتيا الْقفال وفيهَا تأييد لَهُ ولسنا عَلَيْهَا بموافقين وَلَا لفظ الْقفال أَيْضا بِالصَّرِيحِ فِيهَا كل الصراحة فَلْيتَأَمَّل فِيهِ
وَالله تَعَالَى أعلم
428 - عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَبُو حَكِيم الخبري
نِسْبَة إِلَى خبر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة فِي آخرهَا الرَّاء الْمُهْملَة وَهِي نَاحيَة بنواحي شيراز(5/62)
تفقه الشَّيْخ أَبُو حَكِيم على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وبرع فِي الْفَرَائِض والحساب وَله فيهمَا المصنفات الفائقة وَكَانَ يعرف الْعَرَبيَّة وَيكْتب الْخط الْحسن ويضبط الضَّبْط الصَّحِيح وَشرح الحماسة وعدة دواوين كالبحتري والمتنبي والرضي الموسوي وَغير ذَلِك
وَسمع الحَدِيث الْكثير وَحدث باليسير
وروى عَنهُ سبطه أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر السلَامِي الْحَافِظ
وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف ويحكى أَنه كَانَ ذَات يَوْم قَاعِدا مُسْتَندا يكْتب فِي الْمُصحف فَوضع الْقَلَم من يَده واستند وَقَالَ وَالله إِن هَذَا موت طيب هني ثمَّ مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الله أَبُو مَنْصُور الجيلي
توفّي فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
429 - عبد الله بن طَاهِر بن مُحَمَّد بن شهفور الإِمَام أَبُو الْقَاسِم التَّمِيمِي من أهل أسفراين نزل بَلخ فاستوطنها فدرس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا
وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفُرُوع وَالْخلاف وَالْأُصُول
وَله الجاه وَالْمَال الْكثير والوجاهة الزَّائِدَة والمنزلة الرفيعة والسخاء والجود حُكيَ أَنه لما قدم الْأنْصَارِيّ إِلَى بَلخ أهْدى إِلَيْهِ مَا قِيمَته ألف دِينَار(5/63)
وَقد سمع الحَدِيث من جده لأمه الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمن أبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وناصر الْعمريّ وَغَيرهم
توفّي ببلخ فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
430 - عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عمر ابْن حَفْص بن زيد النيهي الشَّيْخ الإِمَام الْجَلِيل أَخُو الإِمَام الْحسن أَبُو عبد الرَّحْمَن النيهي تقدّمت تَرْجَمَة أَخِيه وَسَتَأْتِي تَرْجَمَة وَلَده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله
وَابْن السَّمْعَانِيّ رَحمَه الله ترْجم كلا من الْحسن وَعبد الرَّحْمَن ولد أَخِيه عبد الله وَلم يذكر لعبد الله هَذَا تَرْجَمَة وَقد ذكره الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوذِيّ فِي تعليقته فِي بَاب حد الْقَذْف فِي مَسْأَلَة يَا مؤاجر وَقَول عبد الله هَذَا إِنَّهَا صَرِيح فِي الْقَذْف من الْعَاميّ كِنَايَة من الْمُمَيز وَهُوَ توَسط بَين مقَالَة أَخِيه الْحسن بالصراحة مُطلقًا الَّتِي قدمناها وَذكرنَا أَن الْقفال وَالْقَاضِي الْحُسَيْن سبقاه إِلَيْهَا ومقالة غَيرهم من الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ كِنَايَة(5/64)
431 - عبد الله بن الْعَبَّاس بن أبي يحيى بن أبي مَنْصُور بن عبد الله بن عَبدُوس مَاتَ فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بسرخس
432 - عبد الله بن عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عَبْدَانِ الشَّيْخ أَبُو الْفضل شيخ همذان ومفتيها وعالمها
قَالَ شيرويه بن شهردار روى عَن صَالح بن أَحْمد وَجِبْرِيل وعَلى بن الْحسن بن الرّبيع وَجَمَاعَة
وَسمع بِبَغْدَاد من أبي الْحُسَيْن بن أخي ميمى وَابْن حبابة وَعُثْمَان بن القَتَّات وَأبي حَفْص الكتاني والمخلص
حَدثنَا عَنهُ مُحَمَّد بن عُثْمَان وَأحمد بن عمر وَالْحُسَيْن بن عَبدُوس وَأَبوهُ وَعلي بن الْحُسَيْن
وَكَانَ ثِقَة فَقِيها ورعا جليل الْقدر مِمَّن يشار إِلَيْهِ
سَمِعت ابْن عُثْمَان يَقُول لما أغار التّرْك على همذان أَسرُّوا ابْن عَبْدَانِ ثمَّ إِنَّهُم عرفوه فَقَالَ بَعضهم لَا تعذبوه وَلَكِن حلفوه بِاللَّه ليخبرنا بِمَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يكذب فاستحلفوه فَأخْبرهُم(5/65)
بمتاعه حَتَّى قَالَ لَهُم على خرقَة فِيهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ دِينَارا رميناها فِي هَذَا الْبِئْر فَمَا قدرُوا على إخْرَاجهَا قَالَ فَمَا سلم لَهُ غَيرهَا
قَالَ وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَبْدَانِ رَأَيْت فِي الْمَنَام رب الْعِزَّة تَعَالَى وتقدست أسماؤه فَقَالَ لي كلَاما يدل على أَنه يخَاف عَليّ الافتخار بِمَا أولانيه فَقلت لَهُ أَنا فِي نَفسِي أخس وَوَقع فِي ضميري أخس من الروث ثمَّ قَالَ لي أفضل مَا يدعى بِهِ {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر}
مَاتَ ابْن عَبْدَانِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
وقفت لَهُ على كتاب فِي الْعِبَادَات مُخْتَصر سَمَّاهُ شرح الْعِبَادَات رَأَيْت بِهِ أصلا صَحِيحا قَدِيما مَوْقُوفا بخزانة وقف ابْن عُرْوَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي قَالَ فِيهِ ويقنت عِنْدِي فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة(5/66)
قلت وَهُوَ اخْتِيَار النَّوَوِيّ ذكره فِي تَحْقِيق الْمَذْهَب
وَعَلِيهِ من أَصْحَابنَا هَذَا الرجل والزبيري وَأَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان نَقله الْأَصْحَاب عَن الْأَرْبَعَة وَتوقف الْوَالِد رَحمَه الله فِي اخْتِيَاره قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيث الْقُنُوت تَصْرِيح بِأَنَّهُ فِي جَمِيع السّنة
قلت وَتقدم قَرِيبا فِي تَرْجَمَة الْقفال فِيهِ حِكَايَة سنيته بِالْإِجْمَاع وَوَقفه عَن اخْتِيَاره
وَفِي شرح الْعِبَادَات لِابْنِ عَبْدَانِ أَلْفَاظ يجب تَأْوِيلهَا واعتقاد أَنه لم يرد ظَاهرهَا
مِنْهَا قَوْله فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع إِن رَكْعَتي الْفجْر مسنونة مُؤَكدَة لَا يجوز للمنفرد وَلَا الإِمَام وَلَا الْمَأْمُوم تَركهَا بِحَال فَقَوله لَا يجوز تَركهَا يؤول للْإِجْمَاع على أَنَّهَا سنة وَبِقَوْلِهِ قبل ذَلِك إِنَّهَا سنة وَذكره إِيَّاهَا فِي التَّطَوُّع
وَوَقع لَهُ مثله فِي بَاب صَلَاة التَّرَاوِيح فَقَالَ صَلَاة التَّرَاوِيح مسنونة لَا يجوز تَركهَا فِي الْمَسَاجِد غير أَن هَذَا قد يُمكن إجراؤه على ظَاهره فلقائل أَن يَقُول يجب على الإِمَام أَو أَئِمَّة الْمَسَاجِد الْإِتْيَان بهَا لكَونهَا من مصَالح الدّين وَحِينَئِذٍ لَا يجوز تَركهَا لكَونهَا شعارا فتلحق بفرائض الكفايات أَو السّنَن الَّتِي صَارَت شعارا فقوتل عَلَيْهَا تاركها على الْخلاف فِيهَا كَصَلَاة الْعِيد إِذا اتّفق أهل بلد على تَركهَا
وَذكر فِي أَوَائِل هَذَا الْكتاب فِي شرح الْإِيمَان وَالْإِسْلَام عقيدة لَا بَأْس بهَا عقيدة رجل أشعري على السّنة(5/67)
وَمِنْهَا فِي أواخرها وَلَا يسوغ لأحد أَن يَقُول إِنِّي مُؤمن حَقًا حَتَّى يَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى لِأَن عواقب الْمُؤمنِينَ غيب عَنْهُم
انْتهى
وَفِيه فَائِدَتَانِ التَّصْرِيح بِوُجُوب الِاسْتِثْنَاء غير أَنه قيد الْمَسْأَلَة بِمن يَقُول مُؤمن حَقًا لَا بِمن يُطلق مُؤمن فَلْيتَأَمَّل
وَالتَّصْرِيح بِأَن الشَّك فِي الخاتمة وَهُوَ أحسن تَأْوِيل للقائل بِالِاسْتِثْنَاءِ وَذكر فِيهِ بَعْدَمَا ذكر أَن الشَّك فِي الْكفْر وَلَو بعد مائَة سنة كفر مَا نَصه وَكَذَلِكَ لَو تفكر وَقَالَ فِي نَفسه أكفر أَو لَا فقد كفر
انْتهى
وَهَذَا التفكر إِن كَانَ شكا أَو نِيَّة فقد سبقا فِي كَلَامه وَإِلَّا فَأَي شَيْء هُوَ غير حَدِيث النَّفس المتجاوز عَنهُ أَو هُوَ صَرِيح الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فَلْيتَأَمَّل
433 - عبد الله بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن يعرف بِأبي سعد الْقشيرِي
أكبر أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم
كَانَ إِمَامًا كَبِيرا جيد القريحة لَهُ النَّصِيب الوافر والحظ الْجَلِيل الجزيل من التصريف أصوليا نحويا
سمع أَبَا بكر الْحِيرِي وَأَبا سعيد الصَّيْرَفِي وَهَذِه الطَّبَقَة
وَقدم بَغْدَاد مَعَ وَالِده فَسمع من القَاضِي أبي الطّيب وَغَيره(5/68)
مولده سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ وَالِده يعامله مُعَاملَة الأقران ويحترمه لما يرَاهُ عَلَيْهِ من الطَّرِيقَة الصَّالِحَة
روى عَنهُ ابْن أُخْته عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَقَالَ كَانَ رَضِيع أَبِيه فِي الطَّرِيقَة وفخر ذويه وَأَهله على الْحَقِيقَة وأكبر أَوْلَاد زين الْإِسْلَام الْمَذْكُور من لَا ترى الْعُيُون مثله فِي الدهور ذُو حَظّ وافر من الْعَرَبيَّة كَانَ يذكر دروسا من الْأُصُول وَالتَّفْسِير بِعِبَارَة مهذبة لَا يتخطرف لِسَانه إِلَى لحن وَلَا يعثر لضعف فِي مَعْرفَته ووهن
وَقد حصل الْفِقْه وَكَانَت الْمسَائِل على حفظه بأصولها ونكتها وبرع فِي علم الْأُصُول بطبع سيال وخاطر إِلَى مواقع الْإِشْكَال ميال سباق إِلَى دَرك الْمعَانِي وقاف على المدارك والمباني
وَأما عُلُوم الْحَقَائِق فَهُوَ فِيهَا يشق الشّعْر
ثمَّ قَالَ يصف مجْلِس وعظه وَصَارَ مَجْلِسه رَوْضَة الْحَقَائِق والدقائق وكلماته محرقة الأكباد والقلوب ومواجيده مقطرة الدِّمَاء من الجفون مَكَان الدُّمُوع ومفطرة الصُّدُور بالتخويف وَالتَّفْزِيع
انْتهى
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَت أوقاته ظَاهرا مستغرقة فِي الطَّهَارَة وَالِاحْتِيَاط ثمَّ فِي الصَّلَوَات وَالْمُبَالغَة فِي وصل التَّكْبِير وَبَاطنا فِي مراقبة الْحق ومشاهدة أَحْكَام الْغَيْب لَا يَخْلُو وقته عَن تنفس الصعداء وتذكر البرحاء وترنم بِكَلَام منظوم أَو منثور يتَذَكَّر وقتا مضى
انْتهى
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قبل أمه السيدة فَاطِمَة بنت الدقاق بِأَرْبَع سِنِين
وَالله أعلم(5/69)
434 - عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق أَخُو الْوَزير نظام الْملك أَبُو الْقَاسِم
من أهل طوس
دخل نيسابور فِي شبابه لطلب الْعلم وَحُضُور مجَالِس الحَدِيث واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته
وَكَانَ عفيفا نزها كثير فعل الْخَيْر مواظبا على قِرَاءَة الْقُرْآن غير مدَاخِل لِأَخِيهِ فِي شَيْء من أُمُور السُّلْطَان
سمع أَبَا حسان الْمُزَكي وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وناصرا الْعمريّ وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي والأستاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم
روى عَنهُ جمَاعَة
ولد سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
435 - عبد الله بن عَليّ بن عَوْف أَبُو مُحَمَّد السّني
من أهل السن بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة
تفقه على القَاضِي أبي الطّيب وَكَانَ يحضر درس أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى حِين وَفَاته
وَقد ناهز الثَّمَانِينَ وَسمع أَبَا عَليّ بن شَاذان وَغَيره(5/70)
وَحدث بِيَسِير وَهُوَ الَّذِي يَقُول لَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب وَقد اسْتعَار مِنْهُ شَيْئا
(يَا أَيهَا الشَّيْخ الْجَلِيل السّني ... ارْدُدْ عَليّ مَا استعرت مني)
توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
436 - عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم البحاثي القَاضِي
قَالَ عبد الغافر من عُيُون الْفُقَهَاء وأرباب الْفَتْوَى حَافظ للْمَذْهَب من تلامذة أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَمن بَيت الْعلم والْحَدِيث بِنَاحِيَة زوزن
وَالله أعلم
437 - عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَسد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ أَبُو الْقَاسِم
كَانَ بِمصْر قَالَ ابْن الصّلاح وَوَقع فِي بعض الْمَوَاضِع عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسد وَفِي بَعْضهَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس قَالَ وَذَلِكَ اخْتِصَار لما ذَكرْنَاهُ
روى عَن ابْن أبي حَاتِم
روى عَنهُ الْمقري أَبُو عمر الطلمنكي
438 - عبد الله بن مُحَمَّد بن سَالم
قَالَ المطري أَخذ الْفِقْه عَن أَبِيه وَولد فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة(5/71)
وَمَات بِذِي أشرق سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
439 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي
الْمَعْرُوف بِابْن اللبان
قَالَ فِيهِ الْخَطِيب أحد أوعية الْعلم وَأهل الدّين وَالْفضل
سمع بأصبهان أَبَا بكر الْمقري وَغَيره وببغداد أَبَا طَاهِر المخلص وبمكة أَبَا الْحسن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن فراس وتفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد ودرس على القَاضِي أبي بكر الْأَصْلَيْنِ وَحدث وَسمع مِنْهُ الْخَطِيب
قَالَ وَكَانَ من أحسن النَّاس تِلَاوَة لِلْقُرْآنِ وَمن أوجز النَّاس عبارَة فِي المناظرة مَعَ تدين جميل وَعبادَة كَثِيرَة وورع بَين وتقشف ظَاهر وَحسن خلق وسمعته يَقُول حفظت الْقُرْآن ولي خمس سِنِين
وَله كتب كَثِيرَة مصنفة
وَقد أدْرك ابْن اللبان شهر رَمَضَان من سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ بِبَغْدَاد فصلى بِالنَّاسِ صَلَاة التَّرَاوِيح فِي جَمِيع الشَّهْر وَكَانَ إِذا فرغ من صلَاته بِالنَّاسِ فِي كل لَيْلَة لَا يزَال قَائِما فِي الْمَسْجِد يُصَلِّي حَتَّى يطلع الْفجْر فَإِذا صلى دارس أَصْحَابه
قَالَ وسمعته يَقُول لم أَضَع جَنْبي للنوم فِي هَذَا الشَّهْر لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَكَانَ(5/72)
ورده كل لَيْلَة فِيمَا يُصَلِّي لنَفسِهِ سبعا من الْقُرْآن يقرأه بترتيل وتمهل
مَاتَ بأصبهان فِي جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
440 - عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن حيوية الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ
وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ أوحد زَمَانه علما ودينا وزهدا وتقشفا زَائِدا وتحريا فِي الْعِبَادَات
كَانَ يلقب بِرُكْن الْإِسْلَام لَهُ الْمعرفَة التَّامَّة بالفقه وَالْأُصُول والنحو وَالتَّفْسِير وَالْأَدب وَكَانَ لفرط الدّيانَة مهيبا لَا يجْرِي بَين يَدَيْهِ إِلَّا الْجد وَالْكَلَام إِمَّا فِي علم أَو زهد وتحريض على التَّحْصِيل
سمع الحَدِيث من الْقفال وعدنان بن مُحَمَّد الضَّبِّيّ وَأبي نعيم عبد الْملك بن الْحسن وَابْن محمش وببغداد من أبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَجَمَاعَة
روى عَنهُ ابْنه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَسَهل بن إِبْرَاهِيم المسجدي وعَلى بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَغَيرهم
تفقه أَولا على أبي يَعْقُوب الأبيوردي بِنَاحِيَة جُوَيْن ثمَّ قدم نيسابور واجتهد فِي التفقه على أبي الطّيب الصعلوكي ثمَّ ارتحل إِلَى مرو قَاصِدا الْقفال الْمروزِي فلازمه حَتَّى تخرج بِهِ مذهبا وَخِلَافًا وأتقن طَرِيقَته وَعَاد إِلَى نيسابور سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة(5/73)
وَقعد للتدريس وَالْفَتْوَى ومجلس المناظرة وَتَعْلِيم الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ ماهرا فِي إِلْقَاء الدُّرُوس
وَأما زهده وورعه فإليه الْمُنْتَهى
قَالَ الإِمَام أَبُو سعيد بن الإِمَام أبي الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ أَئِمَّتنَا فِي عصره والمحققون من أَصْحَابنَا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ من الْكَمَال وَالْفضل والخصال الحميدة أَنه لَو جَازَ أَن يبْعَث الله نَبيا فِي عصره لما كَانَ إِلَّا هُوَ من حسن طَرِيقَته وزهده وَكَمَال فَضله
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي لَو كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي بني إِسْرَائِيل لنقل إِلَيْنَا شمائله ولافتخروا بِهِ
وَمن ورعه أَنه مَا كَانَ يسْتَند فِي دَاره الْمَمْلُوكَة لَهُ إِلَى الْجِدَار الْمُشْتَرك بَينه وَبَين جِيرَانه وَلَا يدق فِيهِ وتدا وَأَنه كَانَ يحْتَاط فِي أَدَاء الزَّكَاة حَتَّى كَانَ يُؤَدِّي فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ حذرا من نِسْيَان النِّيَّة أَو دَفعهَا إِلَى غير الْمُسْتَحق
وَعَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه قَالَ نَحن من الْعَرَب من قَبيلَة يُقَال لَهَا سِنْبِسٍ
وَمن ظريف مَا يحْكى مَا ذكره أَبُو عبد الله الفراوي قَالَ سَمِعت إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول كَانَ وَالِدي يَقُول فِي دُعَاء قنوت الصُّبْح اللَّهُمَّ لَا تعقنا عَن الْعلم بعائق وَلَا تَمْنَعنَا عَنهُ بمانع(5/74)
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم السياري يَوْمًا اقْتدى بوالدي فِي صَلَاة الصُّبْح وَقد سبق بِرَكْعَة فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ فِي دُعَاء الْقُنُوت هَذَا الدُّعَاء فَقلت لَهُ لَا تقل هَذَا فِي دُعَاء الْقُنُوت فَقَالَ أَنْت تخرج على كل أحد حَتَّى على أَبِيك
قلت كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يرى أَن الِاعْتِدَال ركن قصير فَلَا يُزَاد فِيهِ على الْمَأْثُور لِأَنَّهُ يطول بِهِ وَفِي بطلَان الصَّلَاة بتطويل اعْتِدَال الرُّكُوع خلاف مَعْرُوف بَين الْأَصْحَاب مَبْنِيّ على قصره أَو طوله بل بَالغ الإِمَام أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي قلبِي من الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال شَيْء وَأَشَارَ غَيره إِلَى تردد فِيهَا وَالْمَعْرُوف الصَّوَاب وُجُوبهَا. .
وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد رأى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام فَأَوْمأ لتقبيل رجلَيْهِ فَمَنعه ذَلِك تكريما لَهُ
قَالَ فَقبلت عَقِبَيْهِ وأولت ذَلِك الْبركَة والرفعة تكون فِي عَقبي
قلت فَأَي بركَة ورفعة مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَده توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور
قَالَ الْحَافِظ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن غسلته فَلَمَّا لففته فِي الأكفان رَأَيْت يَده الْيُمْنَى إِلَى الْإِبِط زهراء منيرة من غير سوء كَأَنَّهَا تتلألأ تلألؤ الْقَمَر فتحيرت وَقلت هَذِه من بَرَكَات فَتَاوِيهِ
وَمن تصانيفه الفروق والسلسلة والتبصرة والتذكرة ومختصر الْمُخْتَصر وَشرح الرسَالَة وَله مُخْتَصر فِي موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم ووقفت على شرح على كتاب عُيُون الْمسَائِل الَّتِي صنفها أَبُو بكر الْفَارِسِي ذكر كَاتبه وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد(5/75)
النوكاني الطريثيثي أَنه علقه عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَقد قدمت ذكر هَذَا الشَّرْح فِي تَرْجَمَة الْفَارِسِي لكني رَأَيْت الرَّوْيَانِيّ ينْقل فِي الْبَحْر أَشْيَاء جمة عَن شرح عُيُون الْمسَائِل للقفال أَخذهَا بألفاظها فِي هَذَا الشَّرْح وَرُبمَا أَتَت على سطور كَثِيرَة كَمَا قَالَ فِي الْبَحْر فِي انْعِقَاد النِّكَاح بالمكاتبة إِن الْقفال قَالَ فِي شرح عُيُون الْمسَائِل فَذكر أسطرا كَثِيرَة هِيَ بعبارتها مَوْجُودَة فِي هَذَا الشَّرْح
وَمثل هَذَا كثير فتحيرت لِأَن وجدان هَذَا الأَصْل بِخَط الْمُعَلق نَفسه يعين أَنه كَلَام الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَنقل الرَّوْيَانِيّ يقتضى أَنه كَلَام الْقفال وَلَعَلَّ الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد أملاه عَن شَيْخه الْقفال ليجتمع هَذَانِ الْأَمْرَانِ وَإِلَّا فَكيف السَّبِيل إِلَى الْجمع وَله تَفْسِير كَبِير يشْتَمل على عشرَة أَنْوَاع فِي كل آيَة وَكتاب الْمُحِيط وسنشرح خَبره
وَمن شعره يرثي بعض أصدقائه وَلم أسمع لَهُ غَيرهمَا رَحمَه الله تَعَالَى
(رَأَيْت الْعلم بكاء حَزينًا ... ونادى الْفضل واحزنا وبوسى)
(سألتهما بِذَاكَ فَقيل أودى ... أَبُو سهل مُحَمَّد بن مُوسَى)
ذكر الْبَحْث عَن حَال المُصَنّف
الَّذِي كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد بَدَأَ فِيهِ ثمَّ رَجَعَ عَن إِتْمَامه لكَلَام أرْسلهُ إِلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى
كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد شرع فِي كتاب سَمَّاهُ الْمُحِيط عزم فِيهِ على عدم التقيد بِالْمذهبِ(5/76)
وَأَنه يقف على مورد الْأَحَادِيث لَا يعدوها ويتجنب جَانب العصبية للمذاهب فَوَقع إِلَى الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ مِنْهُ ثَلَاثَة أَجزَاء فانتقد عَلَيْهِ أوهاما حَدِيثِيَّةٌ وَبَين أَن الْآخِذ بِالْحَدِيثِ الْوَاقِف عِنْده هُوَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَن رغبته عَن الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا هِيَ لعلل فِيهَا يعرفهَا من يتقن صناعَة الْمُحدثين
فَلَمَّا وصلت الرسَالَة إِلَى الشَّيْخ أبي مُحَمَّد قَالَ هَذِه بركَة الْعلم ودعا للبيهقي وَترك إتْمَام التصنيف فرضى الله عَنْهُمَا لم يكن قصدهما غير الْحق والنصيحة للْمُسلمين وَقد حصل عِنْد الْبَيْهَقِيّ مِمَّا فعله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَمر عَظِيم كَمَا يظْهر من كَلَامه فِي هَذِه الرسَالَة وَأَنا أرى أَن أسوقها بكمالها لتستفاد فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَة على فَوَائِد مهمة ودالة على عَظِيم قدر الْبَيْهَقِيّ وفيهَا أَيْضا مَوَاضِع من كتاب الْمُحِيط انتقدها الْبَيْهَقِيّ فتستفاد أَيْضا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
ذكر صُورَة الرسَالَة الَّتِي أرسلها إِلَيْهِ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ
كتب إِلَيّ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَخلق من مشيختنا عَن أبي الْفضل بن عَسَاكِر عَن أبي روح الْهَرَوِيّ عَن أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ عَن أَبِيه الْحَافِظ أبي سعد قَالَ أخبرنَا أَبُو نصر عَليّ بن مَسْعُود بن مُحَمَّد الشجاعي إِذْنا قَالَ حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ قَالَ سَلام الله وَرَحمته على الشَّيْخ الإِمَام وَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ وأصلي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد عصمنا الله بِطَاعَتِهِ(5/77)
وَأَكْرمنَا بالاعتصام بِسنة خيرته من بريته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعاننا على الِاقْتِدَاء بالسلف الصَّالِحين من أمته وعافانا فِي ديننَا ودنيانا وكفانا كل هول دون الْجنَّة بفضله وَرَحمته إِنَّه وَاسع الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَبِه التَّوْفِيق والعصمة
فقلبي للشَّيْخ أدام الله عصمته وأيد أَيَّامه مقتد ولساني لَهُ بِالْخَيرِ ذَاكر وَللَّه تَعَالَى على حسن توفيقه إِيَّاه شَاكر وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ يزِيدهُ تَوْفِيقًا وتأييدا وتسديدا وَقد علم الشَّيْخ أدام الله توفيقه اشتغالي بِالْحَدِيثِ واجتهادي فِي طلبه مُعظم مقصودي مِنْهُ فِي الِابْتِدَاء التَّمْيِيز بَين مَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ من الْأَخْبَار وَبَين مَا لَا يَصح حَتَّى رَأَيْت الْمُحدثين من أَصْحَابنَا يرسلونها فِي الْمسَائِل على مَا يحضرهم من ألفاظها من غير تَمْيِيز مِنْهُم بَين صحيحها وسقيمها ثمَّ إِذا احْتج عَلَيْهِم بعض مخالفيهم بِحَدِيث شقّ عَلَيْهِم تَأْوِيله أخذُوا فِي تَعْلِيله بِمَا وجدوه فِي كتب الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا تقليدا وَلَو عرفوه معرفتهم لميزوا صَحِيح مَا يُوَافق أَقْوَالهم من سقيمه ولأمسكوا عَن كثير مِمَّا يحتجون بِهِ وَإِن كَانَ يُطَابق آراءهم ولاقتدوا فِي ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة الضُّعَفَاء والمجهولين بإمامهم فشرطه فِيمَن يقبل خَبره عِنْد من يعتنى بمعرفته مَشْهُور وَهُوَ بشرحه فِي كتاب الرسَالَة مسطور وَمَا ورد من الْأَخْبَار بِضعْف رِوَايَته أَو انْقِطَاع إِسْنَاده كثير وَالْعلم بِهِ على من جَاهد فِيهِ سهل يسير وَقد أحتج فِي ترك الِاحْتِجَاج بالمجهولين بِمَا أَنبأَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا الشَّافِعِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَحَدثُوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ)
قَالَ الشَّافِعِي أحَاط الْعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْمر أحدا بِحَال أَن يكذب(5/78)
على بني إِسْرَائِيل وَلَا على غَيرهم فَإذْ أَبَاحَ الحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل فَلَيْسَ أَن يقبلُوا الحَدِيث الْكَذِب على بني إِسْرَائِيل لِأَنَّهُ يرْوى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من حدث بِحَدِيث وَهُوَ يرَاهُ كذبا فَهُوَ أحد الْكَاذِبين) وَإِنَّمَا أَبَاحَ قبُول ذَلِك عَمَّن حدث بِهِ مِمَّن يجهل صدقه وَكذبه
قَالَ وَإِذ فرق بَين الحَدِيث عَنهُ والْحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل فَقَالَ (حدثوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ) فالعلم إِن شَاءَ الله يُحِيط أَن الْكَذِب الَّذِي نَهَاهُم عَنهُ هُوَ الْكَذِب الْخَفي وَذَلِكَ الحَدِيث عَمَّن لَا يعرف صدقه
ثمَّ حكى الشَّافِعِي فِي رد حَدِيث الضُّعَفَاء عَن ابْن عمر وَعَن عُرْوَة بن الزبير وَسعد بن إِبْرَاهِيم وَحَكَاهُ فِي كتاب الْعمريّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَطَاوُس وَابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ثمَّ قَالَ وَلَا لقِيت وَلَا علمت أحدا من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يُخَالف هَذَا الْمَذْهَب
قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه أَحْمد وَإِنَّمَا يُخَالِفهُ بعض من لَا يعد من أهل الحَدِيث فَيرى قبُول رِوَايَة المجهولين مَا لم يعلم مَا يُوجب رد خبرهم
وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أول كتاب الطَّهَارَة حِين ذكر مَا تكون بِهِ الطَّهَارَة من المَاء وَاعْتمد فِيهِ على ظَاهر الْقُرْآن وَقد رُوِيَ فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث يُوَافق ظَاهر الْقُرْآن فِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ ثمَّ ذكر حَدِيثه عَن مَالك عَن صَفْوَان بن سليم عَن سعيد بن سَلمَة عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَحْر(5/79)
وَعَسَى لم يخْطر ببال فَقِيه من فُقَهَاء عصرنا ريب فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث وإمامه يَقُول فِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لاخْتِلَاف وَقع فِي اسْم الْمُغيرَة ابْن أبي بردة ثمَّ فِي وَصله بِذكر أبي هُرَيْرَة مَعَ إِيدَاع مَالك بن أنس إِيَّاه كِتَابه الْمُوَطَّأ ومشهور فِيمَا بَين الْحفاظ أَنه لم يودعه رِوَايَة من يرغب عَنهُ إِلَّا رِوَايَة عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي فقد رغب عَنْهُمَا غَيره
وَتوقف الشَّافِعِي فِي إِيجَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت وَاعْتذر بِأَن بعض الْحفاظ أَدخل بَين أبي صَالح وَبَين أبي هُرَيْرَة إِسْحَاق مولى زَائِدَة وَأَنه لَا يعرفهُ وَلَعَلَّه أَن يكون ثِقَة
وَتوقف فِي إِثْبَات الْوَقْت الثَّانِي لصَلَاة الْمغرب مَعَ أَحَادِيث صِحَاح رويت فِيهِ بعد إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين لم يثبت عِنْده من عَدَالَة رواتها مَا يُوجب قبُول خبرهم
وَكَأَنَّهُ وَقع لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَحمَه الله بعده مَا وَقع لَهُ حَتَّى لم يخرج شَيْئا من تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي كِتَابه ووقف مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله على مَا يُوجب قبُول خبرهم ووثق بِحِفْظ من رفع الْمُخْتَلف فِي رَفعه مِنْهَا فَقبله وأخرجها فِي الصَّحِيح وَهُوَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى وبريرة وَعبد الله بن عَمْرو
وَاحْتج الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب أَحْكَام الْقُرْآن بِرِوَايَة عَائِشَة فِي أَن زوج(5/80)
بَرِيرَة كَانَ عبدا وَأَن بعض من تكلم مَعَه قَالَ لَهُ هَل تروون عَن غير عَائِشَة أَنه كَانَ عبدا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُعتقَة وَهِي أعلم بِهِ من غَيرهَا وَقد رُوِيَ من وَجْهَيْن قد أثبت أَنْت مَا هُوَ أَضْعَف مِنْهُمَا وَنحن إِنَّمَا نثبت مَا هُوَ أقوى مِنْهُمَا فَذكر حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَحَدِيث الْقَاسِم الْعمريّ عَن عبد الله ابْن دِينَار عَن ابْن عَمْرو أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا
وَحَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قد أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح
إِلَّا أَن عِكْرِمَة مُخْتَلف فِي عَدَالَته كَانَ مَالك بن أنس رحمنا الله وإياه لَا يرضاه وَتكلم فِيهِ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَجَمَاعَة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَلذَلِك ترك مُسلم بن الْحجَّاج الِاحْتِجَاج بروايته فِي كِتَابه وَالقَاسِم الْعمريّ ضَعِيف عِنْدهم
قَالَ الشَّافِعِي لخصمه نَحن إِنَّمَا نثبت مَا هُوَ أقوى مِنْهُمَا
وَقَالَ فِي أثرين ذكرهمَا فِي كتاب الْحُدُود وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِن لم يخالفانا غير معروفتين وَنحن نرجو أَلا نَكُون مِمَّن تَدعُوهُ الْحجَّة على من خَالفه إِلَى قبُول خبر من لَا يثبت خَبره بمعرفته عِنْده
وَله من هَذَا أَشْيَاء كَثِيرَة يَكْتَفِي بِأَقَلّ من هَذَا من سلك سَبِيل النصفة
فَهَذَا مذْهبه فِي قبُول الْأَخْبَار وَهُوَ مَذْهَب القدماء من أهل الْآثَار
قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ وَكنت أسمع رَغْبَة الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فِي سَماع الحَدِيث وَالنَّظَر فِي كتب أَهله فأشكر إِلَيْهِ وأشكر الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَقُول فِي نَفسِي ثمَّ فِيمَا بَين النَّاس قد جَاءَ الله عز وَجل بِمن يرغب فِي الحَدِيث ويرغب فِيهِ من بَين الْفُقَهَاء ويميز فِيمَا يرويهِ ويحتج بِهِ(5/81)
الصَّحِيح من السقيم من جملَة الْعلمَاء وَأَرْجُو من الله أَن يحيي سنة إمامنا المطلبي فِي قبُول الْآثَار حَيْثُ أماتها أَكثر فُقَهَاء الْأَمْصَار بعد من مضى من الْأَئِمَّة الْكِبَار الَّذين جمعُوا بَين نَوْعي علمي الْفِقْه وَالْأَخْبَار ثمَّ لم يرض بَعضهم بِالْجَهْلِ بِهِ حَتَّى رَأَيْته حمل الْعَالم بِهِ بالوقوع فِيهِ والإزراء بِهِ والضحك مِنْهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يعظم صَاحب مذْهبه ويجله وَيَزْعُم أَنه لَا يُفَارق فِي منصوصاته قَوْله ثمَّ يدع فِي كَيْفيَّة قبُول الحَدِيث ورده طَرِيقَته وَلَا يسْلك فِيهَا سيرته لقلَّة مَعْرفَته بِمَا عرف وَكَثْرَة غفلته عَمَّا عَلَيْهِ وقف هلا نظر فِي كتبه ثمَّ اعْتبر باحتياطه فِي انتقاده لرواة خَبره واعتماده فِيمَن اشْتبهَ عَلَيْهِ حَاله على رِوَايَة غَيره فنرى سلوك مذْهبه مَعَ دلَالَة الْعقل والسمع وَاجِبا على كل من انتصب للفتيا فإمَّا أَن يجْتَهد فِي تعلمه أَو يسكت عَن الْوُقُوع فِيمَن يُعلمهُ وَلَا يجْتَمع عَلَيْهِ وزران حَيْثُ فَاتَهُ الأجران وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان
ثمَّ إِن بعض أَصْحَاب الشَّيْخ أدام الله عزه وَقع إِلَى هَذِه النَّاحِيَة فَعرض عَليّ أَجزَاء ثَلَاثَة مِمَّا أملاه من كِتَابه الْمُسَمّى بالمحيط فسررت بِهِ ورجوت أَن يكون الْأَمر فِيمَا يُورِدهُ من الْأَخْبَار على طَريقَة من مضى من الْأَئِمَّة الْكِبَار لائقا بِمَا خص بِهِ من علم الأَصْل وَالْفرع مُوَافقا لما ميز بِهِ من فضل الْعلم والورع فَإِذا أول حَدِيث وَقع عَلَيْهِ بَصرِي الحَدِيث الْمَرْفُوع فِي النَّهْي عَن الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ المشمس فَقلت فِي نَفسِي يُورِدهُ ثمَّ يُضعفهُ أَو يصحح القَوْل فِيهِ فرأيته قد أمْلى وَالْخَبَر فِيهِ مَا روى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
فَقلت هلا قَالَ رُوِيَ عَن عَائِشَة أَو رُوِيَ عَن ابْن وهب عَن مَالك أَو رُوِيَ عَن مَالك أَو رُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَمْرو الْكُوفِي عَن ابْن وهب عَن مَالك أَو روى(5/82)
خَالِد بن إِسْمَاعِيل أَو وهب بن وهب أَبُو البخْترِي عَن هِشَام بن عُرْوَة أَو روى عَمْرو بن مُحَمَّد الأعسم عَن فليح عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة ليَكُون الحَدِيث مُضَافا إِلَى مَا يَلِيق بِهِ مثل هَذِه الرِّوَايَة وَلَا يكون فِي مثل هَذَا عَن مَالك بن أنس من أَظُنهُ يبرأ إِلَى الله تَعَالَى من رِوَايَته ظنا مَقْرُونا بِعلم
ثمَّ إِنِّي رَأَيْته أدام الله عصمته أول حَدِيث التَّسْمِيَة وَضعف مَا رُوِيَ عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن فِي تَأْوِيله بِحَدِيث شهد بِهِ على الْأَعْمَش أَنه رَوَاهُ عَن شَقِيق ابْن سَلمَة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن تَوَضَّأ وسمى وفيمن تَوَضَّأ وَلم سم
وَهَذَا حَدِيث تفرد بِهِ يحيى بن هَاشم السمسار عَن الْأَعْمَش وَلَا يشك أحد فِي ضعفه
وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الله بن حَكِيم أَبُو بكر الداهري عَن عَاصِم بن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا
وَأَبُو بكر الداهري ضَعِيف لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ
وَرُوِيَ من وَجه آخر مَجْهُول عَن أبي هُرَيْرَة وَلَا يثبت
وَحَدِيث التَّسْمِيَة قد رُوِيَ من أوجه مَا وَجه من وجوهها إِلَّا وَهُوَ مثل إِسْنَاد من أَسَانِيد مَا رُوِيَ فِي مُقَابلَته وَمَعَ ذَلِك فَأَحْمَد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ يَقُول لَا أعلم فِيهِ حَدِيثا ثَابتا
فَقلت فِي نَفسِي قد ترك الشَّيْخ حرس الله مهجته الْقَوْم فِيمَا أَحْدَثُوا من المساهلة فِي رِوَايَة الْأَحَادِيث وَأَحْسبهُ سلك هَذِه الطَّرِيقَة فِيمَا حكى لي عَنهُ من مَسحه وَجهه(5/83)
بيدَيْهِ فِي قنوت صَلَاة الصُّبْح وَأحسن الظَّن بِرِوَايَة من روى مسح الْوَجْه باليدين بعد الدُّعَاء مَعَ مَا أخبرنَا
أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر الخراجي قَالَ حَدثنَا سَارِيَة حَدثنَا عبد الْكَرِيم السكرِي قَالَ حَدثنَا وهب بن زَمعَة أَخْبرنِي على الناسائي قَالَ سَأَلت عبد الله بن الْمُبَارك عَن الَّذِي إِذا دَعَا مسح وَجهه فَلم يجب
قَالَ عَليّ وَلم أره يفعل ذَلِك قَالَ عَليّ وَكَانَ عبد الله يقنت بعد الرُّكُوع فِي الْوتر وَكَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الْقُنُوت
وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي حَدثنَا أَبُو بكر بن داسة قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن مُحَمَّد بن كَعْب كلهَا واهية وَهَذَا الطَّرِيق أمثلها وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا
يُرِيد بِهِ حَدِيث عبد الله بن يَعْقُوب عَمَّن حَدثهُ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سلوا الله ببطون أكفكم وَلَا تسألوه بظهورها فَإِذا فَرَغْتُمْ فامسحوا بهَا وُجُوهكُم)
وَرُوِيَ ذَلِك من أوجه أخر كلهَا أَضْعَف من رِوَايَة من رَوَاهَا عَن ابْن عَبَّاس
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل ينكرها وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة لَا وَلَا بَأْس بِهِ فِي غير الصَّلَاة
قَالَ الْفَقِيه وَهَذَا لما فِي اسْتِعْمَاله فِي الصَّلَاة من إِدْخَال عمل عَلَيْهَا لم يثبت بِهِ أثر وَقد يَدْعُو فِي آخر تشهده ثمَّ لَا يرفع يَدَيْهِ وَلَا يمسحهما بِوَجْهِهِ إِذْ لم يرد بهما أثر(5/84)
فَكَذَا فِي دُعَاء الْقُنُوت يرفع يَدَيْهِ لوُرُود الْأَثر بِهِ وَلَا يمسح بهما وَجهه إِذْ لم يثبت فِيهِ أثر
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَعِنْدِي أَن من سلك من الْفُقَهَاء هَذِه الطَّرِيقَة فِي المساهلة أنكر عَلَيْهِ قَوْله مَعَ كَثْرَة مَا رُوِيَ من الْأَحَادِيث فِي خِلَافه وَإِذا كَانَ هَذَا اخْتِيَاره فسبيله أدام الله توفيقه يملي فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث رُوِيَ عَن فلَان وَلَا يَقُول روى فلَان لِئَلَّا يكون شَاهدا على فلَان بروايته من غير ثَبت وَهُوَ إِن فعل ذَلِك وجد نَفسه مُتبعا
فقد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْوَلِيد الْفَقِيه يَقُول لما سمع أَبُو عُثْمَان الْحِيرِي من أبي جَعْفَر بن حمدَان كِتَابه الْمخْرج على كتاب مُسلم كَانَ يديم النّظر فِيهِ فَكَانَ إِذا جلس للذّكر يَقُول فِي بعض مَا يذكر من الحَدِيث قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول فِي بعضه رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَنَظَرْنَا فَإِذا بِهِ قد حفظ مَا فِي الْكتاب حَتَّى ميز بَين صَحِيح الْأَخْبَار وسقيمها
وَأَبُو عُثْمَان الْحِيرِي يحْتَاط فِي هَذَا النَّوْع من الِاحْتِيَاط فِيمَا يُدِير من الْأَخْبَار فِي المواعظ وَفِي فَضَائِل الْأَعْمَال فَالَّذِي يديرها فِي الْفَرْض وَالنَّفْل ويحتج بهَا فِي الْحَرَام والحلال أولى بِالِاحْتِيَاطِ وأحوج إِلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ الْفَقِيه وَقد رَأَيْت بعض من أوردت عَلَيْهِ شَيْئا من هَذِه الطَّرِيقَة فزع فِي ردهَا إِلَى اخْتِلَاف الْحفاظ فِي تَصْحِيح الْأَخْبَار وتضعيفها وَلَو عرف حَقِيقَة اخْتلَافهمْ لعلم أَن لَا فرج لَهُ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ كَمَا لَا فرج لمن خَالَفنَا فِي أصُول الديانَات فِي الِاحْتِجَاج علينا باختلافنا فِي المجتهدات(5/85)
وَاخْتِلَاف الْحفاظ فِي ذَلِك لَا يُوجب رد الْجَمِيع وَلَا قبُول الْجَمِيع وَكَانَ من سَبيله أَن يعلم أَن الْأَحَادِيث المروية على ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع اتّفق أهل الْعلم بِهِ على صِحَّته وَنَوع اتَّفقُوا على ضعفه وَنَوع اخْتلفُوا فِي ثُبُوته فبعضهم يضعف بعض رُوَاته بِجرح ظهر لَهُ وخفي على غَيره أَو لم يظْهر لَهُ من عَدَالَته مَا يُوجب قبُول خَبره وَقد ظهر لغيره أَو عرف مِنْهُ معنى يُوجب عِنْده رد خَبره وَذَلِكَ الْمَعْنى لَا يُوجِبهُ عِنْد غَيره أَو عرف أَحدهمَا عِلّة حَدِيث ظهر بهَا انْقِطَاعه أَو انْقِطَاع بعض أَلْفَاظه أَو إدراج لفظ من أَلْفَاظ من رَوَاهُ فِي مَتنه أَو دُخُول إِسْنَاد حَدِيث فِي إِسْنَاد غَيره خفيت تِلْكَ الْعلَّة على غَيره فَإِذا علم هَذَا وَعرف معنى رد من رد مِنْهُم خَبرا أَو قبُول من قبله مِنْهُم هداه الْوُقُوف عَلَيْهِ والمعرفة بِهِ إِلَى اخْتِيَار أصح الْقَوْلَيْنِ إِن شَاءَ الله
قَالَ الْفَقِيه وَكنت أدام الله عز الشَّيْخ أنظر فِي كتب بعض أَصْحَابنَا وحكايات من حكى مِنْهُم عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نصا وَأنْظر اخْتلَافهمْ فِي بَعْضهَا فيضيق قلبِي بالاختلاف مَعَ كَرَاهِيَة الْحِكَايَة من غير ثَبت فَحَمَلَنِي ذَلِك على نقل مَبْسُوط مَا اخْتَصَرَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله على تَرْتِيب الْمُخْتَصر ثمَّ نظرت فِي كتاب التَّقْرِيب وَكتاب جمع الْجَوَامِع وعيون الْمسَائِل وَغَيرهَا فَلم أر أحدا مِنْهُم فِيمَا حَكَاهُ أوثق من صَاحب التَّقْرِيب وَهُوَ فِي النّصْف الأول من كِتَابه أَكثر حِكَايَة لألفاظ الشَّافِعِي مِنْهُ فِي النّصْف الْأَخير وَقد غفل فِي النصفين جَمِيعًا مَعَ اجْتِمَاع الْكتب لَهُ أَو أَكْثَرهَا وَذَهَاب بَعْضهَا فِي عصرنا عَن حِكَايَة أَلْفَاظ لَا بُد لنا من مَعْرفَتهَا لِئَلَّا نجترىء على تخطئة الْمُزنِيّ فِي بعض مَا نخطئه فِيهِ وَهُوَ عَنهُ بَرِيء ولنتخلص بهَا عَن كثير من تخريجات أَصْحَابنَا(5/86)
وَمِثَال ذَلِك من الْأَجْزَاء الَّتِي رَأَيْتهَا من كتاب الْمُحِيط من أَوله إِلَى مَسْأَلَة التَّفْرِيق أَن أَكثر أَصْحَابنَا وَالشَّيْخ أدام الله عزه مَعَهم يوردون الذَّنب فِي تَسْمِيَة الْبَحْر بالمالح إِلَى أبي إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ ويزعمون أَنَّهَا لم تُوجد للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
قد سمي الشَّافِعِي الْبَحْر مالحا فِي كتابين
قَالَ الشَّافِعِي فِي آمالي الْحَج فِي مَسْأَلَة كَون الْمحرم فِي صيد الْبَحْر كالحلال وَالْبَحْر إِمَّا العذب وَإِمَّا المالح
قَالَ الله تَعَالَى {هَذَا عذب فرات سَائِغ شرابه وَهَذَا ملح أجاج} وَقَالَ فِي كتاب الْمَنَاسِك الْكَبِير فِي الْآيَة دَلِيل أَن الْبَحْر العذب والمالح
وَذكر الشَّيْخ أبقاه الله حَدثنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر رَحمَه الله أحد قولي الشَّافِعِي فِي أكل الْجلد المدبوغ على مَا بنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر الشَّيْخ حفظه الله تَصْحِيح القَوْل بِمَنْع الْأكل من عِنْد نَفسه بإيراد حجَّته
وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة على مَا هداه إِلَيْهِ خاطره المتين قَالَ الزَّعْفَرَانِي قَالَ أَبُو عبد الله الشَّافِعِي فِي كَلَام ذكره يحل أَن يتَوَضَّأ فِي جلدهَا إِذا دبغ وَذَلِكَ الَّذِي أَبَاحَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فأبحناه كَمَا أَبَاحَهُ ونهينا عَن أكله بِحمْلِهِ أَنه من ميتَة وَلم يرخص فِي غير مَا رخص فِيهِ خَاصَّة
ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ مَا حل لنا الِاسْتِمْتَاع بِبَعْضِه بِخَبَر بِالَّذِي يُبِيح لنا مَا نهينَا عَنهُ من ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه بِخَبَر أَلا ترى أَنا لَا نعلم اخْتِلَافا فِي أَنه يحل شِرَاء الْحمر والهر والاستمتاع بهَا وَلَا يُبِيح أكلهَا وَإِنَّمَا نُبيح مَا يُبِيح ونحظر مَا حظر
وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة يحل الِاسْتِمْتَاع بِهِ بِالْحَدِيثِ وَلَا يحل أكله بِأَصْل أَنه من ميتَة(5/87)
ورأيته أدام الله عصمته اخْتَار فِي تحلية الدَّابَّة بِالْفِضَّةِ جَوَازهَا وَأَظنهُ علم كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ وَالربيع وَرِوَايَة مُوسَى بن أبي الْجَارُود حَيْثُ يَقُول وَإِن اتخذ رجل أَو أمْرَأَة آنِية من فضَّة أَو من ذهب أَو ضببا بهما آنِية أَو ركباه على مشجب أَو سرج فعلَيْهِمَا الزَّكَاة وَكَذَلِكَ اللجم والركب
هَذَا مَعَ قَوْله فِي روايتهم لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح وَحَيْثُ لم يخص بِهِ الذَّهَب بِعَيْنِه فَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ بِهِ كليهمَا جَمِيعًا وَإِن كَانَت الْكِنَايَة بالتذكير يحْتَمل أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الذَّهَب دون الْفضة كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} فَالظَّاهِر عِنْد أَكثر أهل الْعلم أَنه أَرَادَ بِهِ كليهمَا مَعًا وَإِن كَانَت الْكِنَايَة بالتأنيث يحْتَمل أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الْفضة دون الذَّهَب
وَقد علم الشَّيْخ أبقاه الله وُرُود التَّحْرِيم فِي الْأَوَانِي المتخذة من الذَّهَب وَالْفِضَّة عَامَّة ثمَّ وُرُود الْإِبَاحَة فِي تحلية النِّسَاء بهما وتختم الرِّجَال بِالْفِضَّةِ خَاصَّة ووقف على اخْتِلَاف الصَّدْر الأول رَضِي الله عَنْهُم فِي حلية السيوف واحتجاج كل فريق مِنْهُم لقَوْله بِخَبَر فَنحْن وَإِن رجحنا قَول من قَالَ بإباحتها بِنَوْع من وُجُوه الترجيحات ثمَّ حظرنا تحلية السَّيْف والسرير وَسَائِر الْآلَات وَلم نقسها على التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ وَلَا على حلية السيوف فتصحيح إِبَاحَة تحلية الدَّابَّة بِالْفِضَّةِ من غير وُرُود أثر صَحِيح مِمَّا يشق ويتعذر وَهُوَ أدام الله توفيقه أهل أَن يجْتَهد وَيتَخَيَّر
وَمَا اسْتدلَّ بِهِ من الْخَبَر بِأَن أَبَا سُفْيَان أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعِيرًا برته من فضَّة فَغير مشتهر وَهُوَ إِن كَانَ فَلَا دلَالَة لَهُ فِي فعل أبي سُفْيَان إِذْ لم يثبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَركه ثمَّ رَكبه أَو أركبه غَيره(5/88)
وَإِنَّمَا الحَدِيث الْمَشْهُور عندنَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أهْدى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَدِيَّة جملا لأبي جهل فِي أَنفه برة فضَّة ليغيظ بِهِ الْمُشْركين
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار حَدثنَا يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاق. . الحَدِيث
وَكَانَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ يَقُول كنت أرى هَذَا من صَحِيح حَدِيث ابْن إِسْحَاق فَإِذا هُوَ قد دلسه حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي من لَا أتهم عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس
فَإِذا الحَدِيث مُضْطَرب
أخبرنَا بِهَذِهِ الْحِكَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي حَدثنَا أَبُو جَعْفَر السبيعِي حَدثنَا عبد الله بن عَليّ الْمَدِينِيّ قَالَ حَدثنِي أبي فَذكرهَا
وَقد رُوِيَ الحَدِيث عَن جرير بن حَازِم عَن ابْن أبي نجيح وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ
وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْفضل أخبرنَا أَبُو عبد الله الصفار حَدثنَا أَحْمد ابْن مُحَمَّد البرتي القَاضِي حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى جملا لأبي جهل يَوْم الْحُدَيْبِيَة كَانَ استلبه يَوْم بدر وَفِي أَنفه برة من ذهب(5/89)
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي فِي كتاب السّنَن عَن مُحَمَّد بن الْمنْهَال برة من ذهب
أخبرنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي أخبرنَا أَبُو بكر بن داسة حَدثنَا أَبُو دَاوُد فَذكره وَقَالَ عَام الْحُدَيْبِيَة وَلم يذكر قصَّة بدر
وَقد أجمعنا على منع تحلية الدَّابَّة بِالذَّهَب وَلم نَدع فِيهَا ظَاهر الْكتاب بِإِيجَاب الزَّكَاة فِيهِ وعدة إِذا لم يُخرجهَا من الْكُنُوز بِهَذَا الْخَبَر وَكَذَلِكَ لَا ندعه فِي الْفضة وَلَيْسَ فِي الْخَبَر إِن ثَبت فِي الْفضة صَرِيح دلَالَة فِي الْمَسْأَلَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والعصمة
وَقد حُكيَ لي عَن الشَّيْخ أدام الله عزه أَنه اخْتَار جَوَاز الْمَكْتُوبَة على الرَّاحِلَة الواقفة إِذا تمكن من الْإِتْيَان بشرائطها مَعَ مَا فِي النُّزُول للمكتوبة فِي غير شدَّة الْخَوْف من الْأَخْبَار والْآثَار الثَّابِتَة وَعدم ثُبُوت مَا رُوِيَ فِي مقابلتها دون الشَّرَائِط الَّتِي اعتبرها وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْإِمْلَاء وَلَا يُصَلِّي الْمُسَافِر الْمَكْتُوبَة بِحَال أبدا إِلَّا حَالا وَاحِدًا إِلَّا نازلا فِي الأَرْض أَو على مَا هُوَ ثَابت على الأَرْض لَا يَزُول بِنَفسِهِ مثل الْبسَاط والسرير والسفينة فِي الْبَحْر وَلَا يُصَلِّي
وَمن الْفَوَائِد والغرائب والمسائل عَنهُ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه فِي موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم إِن الْوَاحِد من أهل الْعلم إِذا سَأَلَ النَّاس مَالا واستجداهم وَقَالَ أَنا أطلب ذَلِك لبِنَاء مدرسة لم يكن لَهُ أَن يصرفهُ فِي غير ذَلِك وَلَا أَن يَجْعَلهَا مَسْجِدا وَلَا أَن يَجْعَلهَا ملكا لَهُ قَالَ بل الْوَاجِب الصّرْف فِي تِلْكَ الْجِهَة وَإِن جعلهَا مَسْجِدا لم تصر مَسْجِدا وَصَارَت بِنَفس الشِّرَاء مدرسة لما تقدم من النيات الْمُتَقَدّمَة وَالتَّقْيِيد السَّابِق(5/90)
قَالَ وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا الْجَواب عَن أصل مَنْصُوص للشَّافِعِيّ فِي بعض كتبه إِلَى أَن قَالَ وَهَذِه طَريقَة ابْن سُرَيج
انْتهى مُلَخصا
وَالْحكم بصيرورتها مدرسة من غير أَن يتَلَفَّظ بإيقافها كَذَلِك اعْتِمَادًا على النيات السَّابِقَة غَرِيب
وَأما تعين صرف المَال فِي تِلْكَ الْجِهَة فَهُوَ مَسْأَلَة أبي زيد فِيمَن أعْطى درهما وَقيل لَهُ اغسل ثَوْبك بِهِ
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب مَا نَصه فرع قَالَ أَصْحَابنَا الْمرة نَجِسَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه الفروق فِي مسَائِل الْمِيَاه المرارة بِمَا فِيهَا من الْمرة نَجِسَة
انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ
قلت الْمرة هِيَ مَا فِي بَاطِن المرارة ونجاستها هُوَ مَا ذكره فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَأما المرارة فَفِي الحكم بنجاستها إِشْكَال ووقفت على عبارَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد فِي الفروق فَلم أَجدهَا صَرِيحَة فِي ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ بعد مَا فرق بَين المترشح وَغَيره وَأما اللَّبن فِي الْبَاطِن فَلَيْسَ يحصل على جِهَة الترشح وَلَكِن لَهُ فِي الْبَاطِن مُجْتَمع مَعْلُوم ومستقر يسْتَقرّ فِيهِ وَمَا كَانَ من هَذَا الْجِنْس فِي الْبَاطِن فَهُوَ مَحْكُوم بِنَجَاسَتِهِ كالمرارة بِمَا فِيهَا والمثانة والمعدة إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ نَص الشَّرِيعَة فخالفنا فِيهِ بواطن الْقيَاس وَهُوَ لبن مَا يُؤْكَل لَحْمه
انْتهى
وَمَا أرَاهُ أَرَادَ إِلَّا مَا فِي بَاطِن المرارة من الْمرة وَمَا فِي بَاطِن المثانة والمعدة
وَقَوله المرارة بِمَا فِيهَا حِينَئِذٍ مَحْمُول على مَا فِيهَا دونهَا وَكَذَلِكَ المثانة والمعدة لَكِن رَأَيْت فِي الْبَحْر للروياني التَّصْرِيح بِأَن الْمعدة نَفسهَا نَجِسَة ذكره أثْنَاء فرع فِي أَوَائِل بَاب الْحَدث وَهُوَ أَيْضا غَرِيب(5/91)
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب مَا نَصه وَمن خطه نقلته فرع قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فِي الفروق تَوَضَّأ فَغسل الْأَعْضَاء مرّة مرّة ثمَّ عَاد فغسلها مرّة مرّة ثمَّ عَاد فغسلها كَذَلِك ثَالِثَة لم يجز
قَالَ وَلَو فعل مثل ذَلِك فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق جَازَ
قَالَ وَالْفرق أَن الْوَجْه وَالْيَد متباعدان ينْفَصل حكم أَحدهمَا عَن الآخر فَيَنْبَغِي أَن يفرغ من أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الآخر وَأما الْفَم وَالْأنف فكعضو فَجَاز تطهيرهما مَعًا كاليدين
انْتهى
وَكَذَا رَأَيْته بِخَطِّهِ لم يجز وتطهيرهما وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا أَحسب لم يجزىء يَعْنِي عَن تأدية الغسلة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَإِلَّا فَعدم الْجَوَاز لَا وَجه لَهُ وَإِن دلّ عَلَيْهِ قَوْله فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق جَازَ إِلَّا أَن يُرَاد بِالْجَوَازِ تأدية السّنة أَي لم تتأد السّنة وَمَعَ ذَلِك فِيهِ نظر قد يُقَال بل يتَأَدَّى بِهِ السّنة
وَأما قَوْله فَجَاز تطهيرهما فَسبق قلم بِلَا شكّ وَمرَاده نظيرهما
وَقد رَأَيْت لفظ الفروق وَهُوَ يشْهد لما قلته وَعبارَته إِذا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه مرّة وَيَديه مرّة وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَغسل رجلَيْهِ مرّة ثمَّ عَاد فَغسل وَجهه ثَانِيَة وَيَديه ثَانِيَة إِلَى آخرهَا ثمَّ فعل ذَلِك مرّة ثَالِثَة لم يجز وَلَو أَنه تمضمض مرّة ثمَّ استنشق مرّة ثمَّ تمضمض ثَانِيَة ثمَّ استنشق ثَانِيَة وَكَذَلِكَ الثَّالِثَة كَانَ جَائِزا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْفرق بَينهمَا أَن الْوَجْه مَعَ الْيَدَيْنِ عضوان متباعدان ينْفَصل حكم أَحدهمَا عَن الثَّانِي وَالسّنة أَن يفرغ من سنة أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الثَّانِي وَأما الْفَم وَالْأنف فهما فِي تقاربهما وتماثلهما(5/92)
فِي حكمهمَا كالعضو الْوَاحِد فَجَاز أَن يوضئهما مَعًا إِلَى آخر مَا ذكره
وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يرى تَجْدِيد الْوضُوء حَتَّى يُؤَدِّي بِالْأولِ عبَادَة مَا فَكَأَن هَذِه الغسلة تكون تجديدا لِأَن الغسلة الرَّابِعَة الموصولة فِي حكم التَّجْدِيد(5/93)
441 - عبد الله بن يُوسُف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ الْمُحدث الْفَقِيه
مُصَنف فَضَائِل الشَّافِعِي وفضائل أَحْمد بن حَنْبَل وطبقات الشَّافِعِيَّة وَغير ذَلِك
سمع من عمر بن مسرور وَأبي الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأبي سعد الكنجروذي وَأبي عُثْمَان الْحِيرِي وَحَمْزَة السَّهْمِي وَأحمد بن مُحَمَّد الخندقي وَمُحَمّد بن عَليّ بن مُحَمَّد(5/94)
الطَّبَرِيّ وكريمة بنت مُحَمَّد المغازلي وَأبي نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد الإستراباذي الصَّغِير صَاحب الْإِسْمَاعِيلِيّ وَعبد الْملك بن مُحَمَّد بن شَاذان الْجِرْجَانِيّ وَأبي معمر الْمفضل بن إِسْمَاعِيل الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيرهم
روى عَنهُ وجيه الشحامي وَعبد الغافر الْفَارِسِي والجنيد بن مُحَمَّد القايني وَهبة الرَّحْمَن الْقشيرِي وَآخَرُونَ
ولد بجرجان سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
442 - عبد الله بن أبي نصر بن أبي عَليّ أَبُو بكر الطرازي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا مناظرا مبرزا يذب عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ يملي الحَدِيث ببخارى ويروي عَن عَمه وَغَيره
روى عَنهُ أَبُو الْوَلِيد وصاعد بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي
ثمَّ قَالَ توفّي الطرازي بعد سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة(5/95)
443 - عبد الْبَاقِي بن يُوسُف بن عَليّ بن صَالح بن عبد الْملك بن هَارُون أَبُو تُرَاب المراغي
نزيل نيسابور
كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا حسن السِّيرَة قوي النَّفس
تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي الطّيب وَبِه تخرج واشتهر
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ثمَّ ورد نيسابور وَصَارَ الْمُفْتِي بهَا
سمع أَبَا عَليّ بن شَاذان وَأَبا الْقَاسِم بن بَشرَان وَغَيرهمَا
روى عَنهُ زَاهِر الشحامي وَابْنه عبد الْخَالِق بن زَاهِر وَآخَرُونَ
وَكَانَ ورعا تَارِكًا للدنيا جَاءَهُ التَّقْلِيد بِقَضَاء همذان فَأبى أَن يقبله وَقَالَ أَنا فِي انْتِظَار المنشور من الله تَعَالَى على يَدي عَبده ملك الْمَوْت وقدومي على الْآخِرَة أَنا بِهَذَا المنشور أليق من منشور الْقَضَاء
ثمَّ قَالَ قعودي فِي هَذَا الْمَسْجِد سَاعَة أحب إِلَيّ من أَن أكون ملك العراقين وَمَسْأَلَة من الْعلم يستفيدها مني طَالب أحب الي من عمل الثقلَيْن
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة(5/96)
444 - عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن الْخَلِيل بن عبد الله القَاضِي أَبُو الْحسن الهمذاني الأسداباذي
وَهُوَ الَّذِي تلقبه الْمُعْتَزلَة قَاضِي الْقُضَاة وَلَا يطلقون هَذَا اللقب على سواهُ وَلَا يعنون بِهِ عِنْد الْإِطْلَاق غَيره
كَانَ إِمَام أهل الاعتزال فِي زَمَانه وَكَانَ ينتحل مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْفُرُوع
وَله التصانيف السائرة وَالذكر الشَّائِع بَين الْأُصُولِيِّينَ
عمر دهرا طَويلا حَتَّى ظهر لَهُ الْأَصْحَاب وَبعد صيته ورحلت إِلَيْهِ الطلاب وَولى قَضَاء الرّيّ وأعمالها
سمع الحَدِيث من أبي الْحسن بن سَلمَة الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن حمدَان الْجلاب وَعبد الله بن جَعْفَر بن فَارس وَالزُّبَيْر بن عبد الْوَاحِد الأسداباذي وَغَيرهم
روى عَنهُ القَاضِي أَبُو يُوسُف عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْقزْوِينِي الْمُفَسّر المعتزلي وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ الصَّيْمَرِيّ وَأَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن التنوخي
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بِالريِّ وَدفن فِي دَاره(5/97)
وَمن ظريف مَا يحْكى
أَن الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق نزل بِهِ ضيفا فَقَالَ سُبْحَانَ من لَا يُرِيد الْمَكْرُوه من الْفجار
فَقَالَ الْأُسْتَاذ سُبْحَانَ من لَا يَقع فِي ملكه إِلَّا مَا يخْتَار
وَهَذَا جَوَاب حَاضر وَهُوَ شَبيه بِمَا ذكر أَن بعض الروافض قَالَ لشخص من أهل السّنة يَسْتَفْهِمهُ اسْتِفْهَام إِنْكَار من أفضل من أَرْبَعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامسهم يُشِير إِلَى عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي حِين لف عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الكساء
فَقَالَ لَهُ السّني اثْنَان الله ثالثهما يُشِير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَضِيَّة الْغَار وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما)
445 - عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن يُوسُف الرَّازِيّ أَبُو الْقَاسِم الزَّاهِد
وَقد سَمَّاهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ عبد الْجَلِيل
تفقه على الخجندي بأصبهان ثمَّ استوطن بَغْدَاد مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وسلك سَبِيل الْوَرع والانقطاع إِلَى الله إِلَى أَن اسْتشْهد على يَد الفرنج خذلهم الله سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة فِي شعْبَان(5/98)
446 - عبد الْجَبَّار بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسكان الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني الإسكاف
أستاذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْكَلَام
قَالَ فِيهِ عبد الغافر شيخ جليل كَبِير من أفاضل الْعَصْر ورءوس الْفُقَهَاء والمتكلمين من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ إِمَام دويرة الْبَيْهَقِيّ لَهُ اللِّسَان فِي النّظر والتدريس والتقدم فِي الْفَتْوَى مَعَ لُزُوم طَريقَة السّلف من الزّهْد والفقر والورع
كَانَ عديم النظير فِي وقته مَا رئي مثله
قَرَأَ عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْأُصُول وَتخرج بطريقته عَاشَ عَالما عَاملا
وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ ابْن الصّلاح رَأَيْت فِي تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِخَط بعض المعلقين عَنهُ سمعته يَقُول عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق لَو أَن وَاحِدًا وطىء زَوجته واعتقد أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَعَلَيهِ الْحَد
قَالَ ابْن الصّلاح وَهَذَا يُبَادر الْفَقِيه إِلَى إِنْكَاره وَلَكِن الْحَقَائِق الْأُصُولِيَّة آخذة بضبعه فَإِن الْأَحْكَام لَيست صِفَات للأعيان
قلت وَهَذَا فِيهِ نظر وَقَوله الْأَحْكَام لَيست صِفَات للأعيان مُسلم وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَن هَذَا الْوَطْء حرَام يُعَاقب عَلَيْهِ وَلَو كَانَت صِفَات للأعيان لم نحرمه وَأما انْتِفَاء(5/99)
الْحَد فَإِنَّمَا كَانَ لأجل الشُّبْهَة فَإِن أقل أَحْوَال كَونهَا فِي نفس الْأَمر زَوجته أَن تكون شُبْهَة ينفى الْحَد بِمِثْلِهَا والأصولي لَا يُنكر أَن الشُّبُهَات تدرأ الْحُدُود
فَهَذِهِ مقَالَة ضَعِيفَة لَا يشْهد لَهَا فقه وَلَا أصُول
447 - عبد الْجَلِيل بن عبد الْجَبَّار بن عبد الله بن طَلْحَة الْمروزِي القَاضِي أَبُو المظفر
نزيل دمشق قدمهَا وَقد كَانَ تفقه على الكازروني
قَالَ الْحَافِظ ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة حِين دخل التّرْك دمشق وَكَانَ توليه الْقَضَاء فِي الشَّهْر الَّذِي توفّي فِيهِ القَاضِي أَبُو الْحسن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد النصيبي وَهُوَ ذُو الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ
وَكَانَ عفيفا نزها مهيبا قيل إِنَّه لم ير قطّ فِي سِقَايَة ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء بِابْن أبي حَصِينَة المغربي
وَحدث بِدِمَشْق عَن القَاضِي أبي المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي وَأبي عَليّ الْحسن ابْن عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بآمد
وَذكر غَيرهمَا ثمَّ قَالَ وَحدثنَا عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن طَاوس
توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة(5/100)
448 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن علك أَبُو طَاهِر الساوي
أحد الْأَئِمَّة
ولد بأصبهان بعد الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَحمل إِلَى سَمَرْقَنْد فتفقه بهَا وَصَحب عبد الْعَزِيز النخشبي وَأخذ عَنهُ علم الحَدِيث
سمع أَبَا الرّبيع طَاهِر بن عبد الله الإيلاقي وَأحمد بن مَنْصُور المغربي النَّيْسَابُورِي وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهم
روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَمُحَمّد بن عَليّ الإسفرايني نزيل مرو
توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وشيع نظام الْملك جنَازَته وَلم يتبع الْجِنَازَة رَاكب غَيره وَاعْتذر بعلو السن
449 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن زاز بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن زاز ابْن حميد بن أبي عبد الله السَّرخسِيّ النويزي الْأُسْتَاذ أَبُو الْفرج الزاز
صَاحب التعليقة إِمَام أَصْحَابنَا بمرو وَأحد الأجلاء من الْأَئِمَّة وَله الزّهْد والورع(5/101)
رحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من الأقطار وَسَار اسْمه مسير الشَّمْس فِي الْأَمْصَار
مولده سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه على القَاضِي الْحُسَيْن وَسمع أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَالْحسن بن عَليّ المطوعي وَأَبا المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي وَآخَرين
روى عَنهُ أَبُو طَاهِر السنجي وَعمر بن أبي مُطِيع وَأحمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل النَّيْسَابُورِي وَغَيرهم
قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ أحد أَئِمَّة الْإِسْلَام وَمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْآفَاق بِحِفْظ مَذْهَب الشَّافِعِي الإِمَام ومعرفته وتصنيفه الَّذِي سَمَّاهُ الْإِمْلَاء سَار فِي الأقطار مسير الشَّمْس ورحل إِلَيْهِ الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء من كل جَانب وحصلوه واعتمدوا عَلَيْهِ وَمن تَأمله عرف أَن الرجل كَانَ مِمَّن لَا يشق غباره فِي الْعلم وَلَا يثنى عنانه فِي الْفَتْوَى وَمَعَ وفور فَضله وغزارة علمه كَانَ متدينا ورعا محتاطا فِي الْمَأْكُول والملبوس
قَالَ وَسمعت زَوجته وَهِي حرَّة بنت عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ السنجاني تَقول إِنَّه كَانَ لَا يَأْكُل الْأرز لِأَنَّهُ يحْتَاج إِذا زرع إِلَى مَاء كثير وَصَاحبه قل أَلا يظلم غَيره فِي سقِِي المَاء
قَالَ وَسمعتهَا تَقول سرق كل شَيْء فِي دَاري من ملبوسي حَتَّى المرط الَّذِي كنت أُصَلِّي عَلَيْهِ وَكَانَت طاقية الإِمَام عبد الرَّحْمَن زَوجي على حَبل فِي صحن الدَّار لم تُؤْخَذ فَوجدَ السَّارِق فَقبض عَلَيْهِ بعد خَمْسَة أشهر ورد علينا أَكثر الْمَسْرُوق وَلم يضع إِلَّا(5/102)
الْقَلِيل فاتفق أَن الإِمَام عبد الرَّحْمَن سَأَلَ السَّارِق لم لم تَأْخُذ الطاقية فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ تِلْكَ الطاقية أَخَذتهَا تِلْكَ اللَّيْلَة مَرَّات فَكل مرّة إِذا قربت مِنْهَا كَانَت النَّار تشتعل مِنْهَا حَتَّى كَادَت أَن تحرقني فتركتها على الْحَبل وَخرجت
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن شَيْخه أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الخرجردي كَانَ إِذا حَدثهمْ عَن الشَّيْخ أبي الْفرج قَالَ أخبرنَا الإِمَام حبر الْأمة وفقيهها أَبُو الْفرج الزاز
قلت وَأَبُو الْفرج فِيمَا أَحسب نويزي بِضَم النُّون وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخرهَا زَاي وَهِي فِيمَا أَحسب أَيْضا من قرى سرخس وإليها ينْسب غياث بن حَمْزَة النويزي أحد الروَاة عَن يزِيد بن هَارُون وَقد فَاتَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكرهَا فِي المؤتلف والمختلف مَعَ اشتباهها بالنويري بالراء والتويزي بمثناة وزاي
وَأغْرب من ذَلِك أَن شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكر أَبَا الْفرج هَذَا فِيمَن توفّي بعد الْخَمْسمِائَةِ وَضبط النوبزي بِضَم النُّون وَإِسْكَان الْوَاو بعْدهَا نون مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة كَذَا رَأَيْت بِخَطِّهِ فَإِن صَحَّ هَذَا فَهِيَ نِسْبَة أُخْرَى شَبيهَة بِمَا ذَكرْنَاهُ
وَأما دَعْوَاهُ أَن الزاز توفّي بعد الْخَمْسمِائَةِ فَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَتِسْعين(5/103)
وَأَرْبَعمِائَة وَقد ذكر الذَّهَبِيّ وَفَاته فِي مَوضِع آخر على الصَّوَاب فِيمَا أَحسب
450 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الرئيس أَبُو مُحَمَّد الشيرنخشيري
وشيرنخشير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء ثمَّ نون مفتوحتين ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء من قرى مرو
كَانَ فَقِيها مُحدثا
قَالَ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب الحَدِيث بمرو فِي عصره وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ أبي زيد الفاشاني والْحَدِيث عَن أبي الْعَبَّاس النضري بالنُّون وبالضاد الْمُعْجَمَة وَأبي مُحَمَّد بن حَلِيم بِاللَّامِ وَسمع مِنْهُمَا وَمن مُحَمَّد ابْن المظفر الْحَافِظ وأملى بمرو وهراة
روى عَنهُ عبد الْوَاحِد المليحي وَابْنه أَبُو عَطاء وَعَطَاء القراب
وقرىء عَلَيْهِ الحَدِيث بِبَغْدَاد بِحَضْرَة ابْن المظفر وَالدَّارَقُطْنِيّ
كَانَ لَهُ مجْلِس إملاء فِي دَاره بمرو
قلت قَوْله أَصْحَاب الحَدِيث يَعْنِي الشَّافِعِيَّة وَهَذَا اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين لَا سِيمَا أهل(5/104)
خُرَاسَان إِذا أطْلقُوا أَصْحَاب الحَدِيث يعنون الشَّافِعِيَّة
توفّي هَذَا الشَّيْخ سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة
451 - عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن الغندجاني أَبُو أَحْمد
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق علقت عَنهُ بشيراز والغندجان وَكَانَ من أَصْحَاب أبي حَامِد الإسفرايني
452 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سحنويه أَبُو بكر بن أبي مُحَمَّد بن حمشاد توفّي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة أَرْبَعمِائَة
453 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن أَبُو مَنْصُور الْقشيرِي
أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم من السيدة الطاهرة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
كَانَ أَبُو مَنْصُور هَذَا جميل السِّيرَة ورعا عفيفا فَاضلا محتاطا لنَفسِهِ فِي مطعمه ومشربه وملبسه مستوعب الْعُمر بِالْعبَادَة مُسْتَغْرق الْأَوْقَات بالخلوة
سمع الْكثير من وَالِده وَمن أبي حَفْص عمر بن أَحْمد بن مسرور وَأبي سعيد زَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله النوقاني وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن باكوية الشِّيرَازِيّ وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْمُزَكي وَغَيرهم(5/105)
وَورد بَغْدَاد مَعَ وَالِده وَسمع بهَا من القَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بَشرَان
وَسمع بمرو وبسرخس والري وهمذان
ثمَّ ورد بَغْدَاد حَاجا فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث بهَا
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّمرقَنْدِي وَغَيره ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفيت والدته السيدة الْخيرَة الصَّالِحَة فَاطِمَة بنت السَّيِّد وَزَوْجَة السَّيِّد وَأم السادات رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَكَانَت وفاتها فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ فَعَاد إِلَى بَغْدَاد طَالبا لِلْحَجِّ وَمضى إِلَى مَكَّة وجاور بهَا وَبهَا مَاتَ
مولده فِي صفر سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة ووفاته فِي شعْبَان لسنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
454 - عبد الرَّحْمَن بن مَأْمُون بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الإِمَام أَبُو سعد بن أبي سعيد الْمُتَوَلِي
صَاحب التَّتِمَّة أحد الْأَئِمَّة الرفعاء من أَصْحَابنَا
مولده سنة سِتّ أَو سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
أَخذ الْفِقْه عَن ثَلَاثَة من الْأَئِمَّة بِثَلَاثَة من الْبِلَاد عَن القَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ(5/106)
وَعَن أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي ببخارى وَعَن الفوراني بمرو
وبرع فِي الْمَذْهَب وَبعد صيته
وَله كتاب التَّتِمَّة على إبانة شَيْخه الفوراني وصل فِيهَا إِلَى الْحُدُود وَمَات
وَله مُخْتَصر فِي الْفَرَائِض وَكتاب فِي الْخلاف ومصنف فِي أصُول الدّين على طَرِيق الْأَشْعَرِيّ
وَسمع الحَدِيث من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي عُثْمَان الصَّابُونِي وَأبي الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَغَيرهم
وَحدث بِشَيْء يسير
وروى عَنهُ جمَاعَة ودرس بالنظامية بعد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق ثمَّ عزل بِابْن الصّباغ ثمَّ أُعِيد وَاسْتمرّ إِلَى حِين وَفَاته
توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّامِن عشر من شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَن أبي سعد رَحمَه الله
لَو جنى على ثديها فَانْقَطع لَبنهَا فَعَلَيهِ الْحُكُومَة وَكَذَا لَو لم يكن لَهَا ولد عِنْد الْجِنَايَة وَولدت بعد ذَلِك فَلم يدر لَهَا لبن إِذا قَالَ أهل الْبَصَر إِن الِانْقِطَاع بِسَبَب الْجِنَايَة أَو جوزوا أَن يكون بِسَبَبِهَا قَالَ الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام احْتِمَال أَنه تجب الدِّيَة بِإِبْطَال مَنْفَعَة الْإِرْضَاع
يَعْنِي كَمَا تجب بِإِبْطَال الإمناء
قلت هَذَا الِاحْتِمَال هُوَ المجزوم بِهِ فِي التَّتِمَّة فِي الْكَلَام على الثديين(5/107)
وَذكر الرَّافِعِيّ فِي بَاب الْوَلِيمَة قَول الْقفال إِن الضَّيْف لَا يملك مَا يَأْكُلهُ بل هُوَ إِتْلَاف بِإِبَاحَة الْمَالِك وَقَول أَكْثَرهم إِنَّه يملك ثمَّ اخْتلَافهمْ فِي أَنه هَل يملك بِالْوَضْعِ أَو بِالْأَخْذِ أَو بالازدراد يتَبَيَّن أَنه ملك قبله ثمَّ قَالَ وزيف الْمُتَوَلِي مَا سوى الْوَجْه الْأَخير وَذَلِكَ يقتضى تَرْجِيحه
وَمن اقْتصر على كَلَام الرَّافِعِيّ هَذَا تخيل أَن الْمُتَوَلِي زيف قَول الْقفال وَكَذَلِكَ فهم الْوَالِد فِي بَاب الْقَرْض من شرح الْمُهَذّب عَن الرَّافِعِيّ
وَأَنا أَقُول إِنَّمَا أَرَادَ الرَّافِعِيّ أَن صَاحب التَّتِمَّة زيف مَا عدا الْوَجْه الْأَخير من وجود الْملك أما قَول الْقفال فَلم يُضعفهُ فَإِنِّي كشفت التَّتِمَّة فَلم أَجِدهُ ضعفه بل سِيَاق كَلَامه يقتضى تقويته ثمَّ صرح فِي كتاب الْأَيْمَان أَنه الصَّحِيح وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي كتاب الْأَيْمَان على ذَلِك فِي مَسْأَلَة الْحَالِف أَلا يهب
قَول الْأَصْحَاب إِن الْخمر إِذا انقلبت بِنَفسِهَا خلا طهرت قَيده صَاحب التَّتِمَّة بِمَا إِذا لم يَقع فِيهَا نَجَاسَة أُخْرَى فَإِن وَقعت فِي الْخمر نَجَاسَة من عظم ميتَة وَنَحْوه فأخرجت مِنْهَا ثمَّ انقلبت الْخمر خلا لم تطهر بِلَا خلاف
وَنَقله النَّوَوِيّ فِي كتاب المنثورات وعيون الْمسَائِل والفتاوي الْمُهِمَّات عَن الْمُتَوَلِي ساكتا عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّه ذكره فِي بَاب الاستطابة
وَنَظِيره إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء مُتَنَجّس بالبول فَلَا يطهر وَإِن زَالَت نَجَاسَة الْبَوْل حَتَّى يعفر لأجل الولوغ
وَكَذَلِكَ إِذا استنجى بروث فَيتَعَيَّن اسْتِعْمَال المَاء
وَلَو دبغ الْجلد بِالنَّجَاسَةِ حصل الدّباغ على الْأَصَح ثمَّ يجب غسله بعد ذَلِك لَا محَالة بِخِلَاف المدبوغ بالشَّيْء الطَّاهِر فَإِن فِي وجوب غسله خلافًا(5/108)
455 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبيب بن اللَّيْث بن شبيب أَبُو زيد القَاضِي
قَالَ فِيهِ عبد الغافر الإِمَام أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الشَّافِعِي ومدرسيهم
حدث عَن الْأَصَم وَأبي بكر الصبغي وَأبي الْوَلِيد الْقرشِي وَذكر غَيرهم ثمَّ قَالَ روى عَنهُ زين الْإِسْلَام يَعْنِي الْقشيرِي وَذكر غَيره
قَالَ وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
456 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن فوران الفوراني
بِضَم الْفَاء
الإِمَام الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم الْمروزِي
صَاحب الْإِبَانَة والعمد وَغَيرهمَا من التصانيف
من أهل مرو
كَانَ إِمَامًا حَافِظًا للْمَذْهَب من كبار تلامذة أبي بكر الْقفال وَأبي بكر المَسْعُودِيّ
سمع الحَدِيث من عَليّ بن عبد الله الطيسفوني وأستاذه أبي بكر الْقفال
روى عَنهُ الْبَغَوِيّ صَاحب التَّهْذِيب وَعبد الْمُنعم بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وزاهر(5/109)
ابْن طَاهِر وَعبد الرَّحْمَن بن عمر الْمروزِي وَأَبُو سعد بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم
وَكَانَ شيخ أهل مرو وَعنهُ أَخذ الْفِقْه صَاحب التَّتِمَّة وَغَيره
وَكَانَ كثير النَّقْل وَالنَّاس يعْجبُونَ من كَثْرَة حط إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ وَقَوله فِي مَوَاضِع من النِّهَايَة إِن الرجل غير موثوق بنقله
وَالَّذِي أقطع بِهِ أَن الإِمَام لم يرد تَضْعِيفه فِي النَّقْل من قبل كذب معَاذ الله وَإِنَّمَا الإِمَام كَانَ رجلا محققا مدققا يغلب بعقله على نَقله وَكَانَ الفوراني رجلا نقالا فَكَانَ الإِمَام يُشِير إِلَى استضعاف تفقهه فَعنده أَنه رُبمَا أُتِي من سوء الْفَهم فِي بعض الْمسَائِل هَذَا أقْصَى مَا لَعَلَّ الإِمَام يَقُوله
وَبِالْجُمْلَةِ مَا الْكَلَام فِي الفوراني بمقبول وَإِنَّمَا هُوَ علم من أَعْلَام هَذَا الْمَذْهَب وَقد حمل عَنهُ الْعلم جبال راسيات وأئمة ثِقَات وَقد كَانَ من التفقه أَيْضا بِحَيْثُ ذكر فِي خطْبَة الْإِبَانَة أَنه يبين الْأَصَح من الْأَقْوَال وَالْوُجُوه وَهُوَ من أقدم المنتدبين لهَذَا الْأَمر
توفّي بمرو فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْمسَائِل والفوائد والغرائب عَن الفوراني
قَالَ فِي الْعمد مَا نَصه إطالة الْقِرَاءَة فِي الْوَقْت تسْتَحب وَإِلَى أَن خرج(5/110)
الْوَقْت وَجْهَان أَحدهمَا لَا وَالثَّانِي مَا لم يضق عَلَيْهِ وَقت صَلَاة أُخْرَى
انْتهى
وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَاب وَهُوَ عَجِيب
وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يحْتَمل أَن يكون معنى ذَلِك إِذا خرج الْوَقْت مَا حكمه وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز وَالثَّانِي يجوز مَا لم يضق عَلَيْهِ وَقت صَلَاة أُخْرَى وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه على القَوْل بِالْجَوَازِ يسْتَمر حكم الإطالة من الِاسْتِحْبَاب لَا أَنه مُسْتَحبّ بِخُصُوصِهِ فَإِن ذَلِك بَاطِل قطعا لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ
فِي إبانة الفوراني مَا نَصه لَو كَانَ الْمَبِيع مضبوط الْأَوْصَاف بِخَبَر التَّوَاتُر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا هُوَ كالمرئي وَالثَّانِي كالغائب وَفِيه قَولَانِ
قلت الْوَجْه الأول غَرِيب جدا
لَو اقْتدى بحنفي فِي الصُّبْح فَلم يقنت هَل على الْمَأْمُوم سُجُود للسَّهْو قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة سَأَلَني الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الفوراني عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقلت لَهُ لَا يسْجد للسَّهْو وَالَّذِي يَقع لي الْآن أَنه يلْزمه السُّجُود
قلت وهما وَجْهَان مبنيان على أَن الِاعْتِبَار باعتقاد الإِمَام أَو الْمَأْمُوم(5/111)
شرح حَالَة الْإِبَانَة
قدمنَا فِي تَرْجَمَة المَسْعُودِيّ كَلَام صَاحب الْعدة فِي الِاخْتِلَاف فِي عزو الْإِبَانَة إِلَى الفوراني ثمَّ كَلَام ابْن الصّلاح وتنبيهه على أَن جَمِيع مَا يُوجد فِي كتاب الْبَيَان مَنْسُوبا إِلَى المَسْعُودِيّ فَهُوَ إِلَى الفوراني وَذكرنَا أَن ذَلِك لَا يسْتَمر على الْعُمُوم وَبينا نقضه بصور ونزيد الْآن أَن الَّذِي يَقع فِي النَّفس وَبِه يَسْتَقِيم كَلَام ابْن الصّلاح أَن بعض مَا هُوَ مَنْسُوب فِي الْبَيَان إِلَى المَسْعُودِيّ فَالْمُرَاد بِهِ الفوراني وَذَلِكَ أَن صَاحب الْبَيَان وَقع لَهُ كتاب المَسْعُودِيّ حَقِيقَة وَوَقعت لَهُ الْإِبَانَة منسوبة إِلَى المَسْعُودِيّ فَصَارَ ينْسب إِلَى المَسْعُودِيّ تَارَة من الْإِبَانَة وَتارَة من كِتَابه فَلَيْسَ كل مَا ذكر المَسْعُودِيّ يكون هُوَ الفوراني فَاعْلَم ذَلِك علم الْيَقِين(5/112)
فرع من بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
إِذا لم يعرف الْفَرْع الْمَشْهُود عَلَيْهِ تحمل على الِاسْم وَالنّسب فَإِن لم يعرفهُ بعد ذَلِك أدّى على الْعين وَإِن حضر شخص ادّعى أَنه الْمَشْهُود لَهُ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن والفوراني فَعَلَيهِ أَن يُؤَدِّي الشَّهَادَة على الِاسْم وَالنّسب ثمَّ ينظر فَإِن أقرّ الْخصم فَذَاك وَإِن تناكرا فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على اسْمه وَنسبه فَإِن قَامَت بَيِّنَة بِذَاكَ حكم لَهُ
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَفِي فتاوي القَاضِي حُسَيْن أَنه لَو أقرّ رجل فَقَالَ لفُلَان ابْن فلَان عَليّ كَذَا فجَاء رجل وَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان الَّذِي أقرّ لي بِالْحَقِّ عندكما فاشهدا لي فَلَيْسَ لَهما أَن يشهدَا حَتَّى يعرفا أَنه هُوَ الْمقر لَهُ فَلَو أَقَامَ الرجل بَيِّنَة عِنْد القَاضِي أَنه فلَان بن فلَان حِينَئِذٍ يَشْهَدَانِ لَهُ بِهِ
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهَذَا مُنَاقض لما تقدم فَلْيَكُن فِي الْمَسْأَلَة جوابان
قلت هَذَا كَلَام ابْن الرّفْعَة وَكَأَنَّهُ فهم أَن الفوراني وَالْقَاضِي أَولا يَقُولَانِ لَا تتَوَقَّف تأديتهما الشَّهَادَة على تحققهما أَن هَذَا الْمُدَّعِي فلَان بن فلَان الْمقر لَهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَشْهَدَانِ بنسبه وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِالْحَقِّ لهَذَا الِاسْم فيؤديان الشَّهَادَة هَكَذَا وَفِي هَذَا إِشْكَال لِأَن تأدية الشَّهَادَة لَا تقع فِي وَجه مُدع عرف أَنه الْمقر لَهُ فَلَا يكونَانِ قد أديا للْمُدَّعِي وَإِنَّمَا أديا لمسمى بِهَذَا الِاسْم الَّذِي يحْتَمل أَلا يكون هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي فَمن ثمَّ يَقُول القَاضِي لَا يؤديان حَتَّى يعرفا أَنه فلَان بن فلَان وَجعل من طَرِيق معرفتهما قيام الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بذلك فَحِينَئِذٍ يَشْهَدَانِ
فَمَعْنَى الجوابين هَكَذَا أَحدهمَا أَن التأدية تسبق ثُبُوت كَونه فلَان بن فلَان لِأَنَّهَا لَا تقع على شخصه وَإِنَّمَا تقع للمسمى بِهَذَا الِاسْم فَلم يضر كَونهَا سَابِقَة(5/113)
وَالثَّانِي أَن كَونهَا سَابِقَة يُوجب كَونهَا لم تقع ضمن دَعْوَى من يتحققان أَنه الْمَشْهُود لَهُ فَيضر وَلَا يؤديان حَتَّى يعرفانه وَيبقى النّظر بعد ذَلِك فِي أَنَّهُمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ فلَان بن فلَان هَل يَشْهَدَانِ أَنه الْمقر لَهُ أَو إِنَّمَا يَشْهَدَانِ أَنه أقرّ لفُلَان بن فلَان وَلَا يذكران أَنه هَذَا لِأَن قيام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ هُوَ لَا يُوجب لَهما الْعلم بِأَنَّهُ هُوَ هَذَا مَحل نظر
ظَاهر كَلَام القَاضِي يدل للْأولِ وَقد يخرج ذَلِك على طَريقَة من يَكْتَفِي بِالتَّسَامُعِ فِي ثُبُوت النّسَب من عَدْلَيْنِ كَمَا هِيَ طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد لَا سِيمَا وَقد تَأَكد ذَلِك بِقِيَام الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَن يحمل كَلَامه على الثَّانِي وَيُقَال إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ للمسمى بِهَذَا الِاسْم وَيكون الضَّمِير فِي قَول القَاضِي لَهُ عَائِدًا على فلَان بن فلَان لَا على هَذَا الشَّخْص لِأَنَّهُمَا لَا يعرفانه بِهَذَا النّسَب فَكيف يَشْهَدَانِ لشخصه وَالْمَسْأَلَة لَيست مسوقة للشَّهَادَة بِالنّسَبِ بل للشَّهَادَة بِالْمَالِ ومصورة بِمَا إِذا قَالَ فلَان بن فلَان بن فلَان فَإِنَّهُ لَا بُد من اسْم الْأَب وَالْجد وَلذَلِك تلفظ بهما القَاضِي فِي الفتاوي وَحذف ابْن الرّفْعَة اسْم الْجد اختصارا لِأَنَّهُ مَعْرُوف فِي مَكَانَهُ
وَقد رَأَيْت الْمَسْأَلَة فِي فتاوي القَاضِي وَقد قَالَ جَامعهَا الْبَغَوِيّ عَقبهَا قلت عِنْدِي لَا يجوز لَهما أَن يشهدَا بِالْمَالِ بِشَهَادَة الشُّهُود أَنه فلَان بن فلَان حَتَّى يعلماه يَقِينا وَلَا يتَيَقَّن بقول الشُّهُود فَإِن عرفا يَقِينا أَنه الْمقر لَهُ وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي النّسَب حِينَئِذٍ يثبت النّسَب بقول الشُّهُود
انْتهى
وَابْن الرّفْعَة حذف كَلَام الْبَغَوِيّ هَذَا فَلم يذكرهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ من الْبَغَوِيّ دَلِيل على أَنه فهم أَن الْمَسْأَلَة فِي أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِالْمَالِ لشخصه بعد قيام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ هُوَ فلَان ابْن فلَان فالعجب من ابْن الرّفْعَة فِي حذفه كَلَام الْبَغَوِيّ وَهُوَ ذكر الْمَسْأَلَة فِي(5/114)
الْكِفَايَة وَفِي الْمطلب وَكَأَنَّهُ فِي الْمطلب تلقاها من كَلَامه فِي الْكِفَايَة وَلم يعاود فتاوي القَاضِي
457 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن ثَابت أَبُو الْقَاسِم الثابتي الْخرقِيّ
وخرق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَفِي آخرهَا الْقَاف قَرْيَة على ثَلَاثَة فراسخ من مرو بهَا جَامع كَبِير حسن
كَانَ فَقِيها ورعا زاهدا يعرف بمفتي الْحَرَمَيْنِ من قَرْيَة خرق بمرو
تفقه على الفوراني بمرو ثمَّ على القَاضِي الْحُسَيْن بمروالروذ ثمَّ على أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي ببخارى ثمَّ بعد ذَلِك صحب أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِبَغْدَاد وَحج وَرجع إِلَى قريته مُنْقَطِعًا على الْعلم وَالْعِبَادَة
وَقد سمع الحَدِيث من أبي عُثْمَان الصَّابُونِي وناصر الْعمريّ والأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم
توفّي فِي ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
458 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو مُحَمَّد الْفَارِسِي الْمَعْرُوف بالدوغي
أحد الْفُقَهَاء المدرسين من أَصْحَاب أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ
مَاتَ سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة(5/115)
459 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ الْوَاعِظ أَبُو سعيد الْعَارِض
قَالَ عبد الغافر مَعْرُوف من أهل الْعلم ثِقَة عفيف حسن الْوَعْظ مرضِي السِّيرَة
سمع بنيسابور وَالْعراق والحجاز وكف فِي آخر عمره
وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة
وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
460 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حمدَان أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي النَّيْسَابُورِي السراج
روى عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصبغي وَأحمد ابْن مُحَمَّد بن عَبدُوس الطرائفي وَجَمَاعَة
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَفَاطِمَة بنت الدقاق وَجَمَاعَة
وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا
تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْوَلِيد
وَمَات فِي صفر سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة(5/116)
461 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سوره بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْوَاو وَبعدهَا رَاء ثمَّ هَاء ابْن سعيد النَّيْسَابُورِي من أَهلهَا أَبُو سعد
قَالَ فِيهِ عبد الغافر الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الْأَشْعَرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن أبي سوره أحد الْعلمَاء الثِّقَات الْأَثْبَات
قَالَ وَكتب فِي صباه اسْمه أَحْمد وَفِي حَال الْكبر عبد الرَّحْمَن وَكِلَاهُمَا مَوْجُود بِخَطِّهِ
انْتهى
وَذكر الْخَطِيب أَنه قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن ابْن نجيد وَأبي طَاهِر حفيد ابْن خُزَيْمَة وَتُوفِّي
462 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن المظفر بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن أَحْمد بن معَاذ ابْن سهل بن الحكم بن شيرزاذ أَبُو الْحسن الداوودي البوسنجي
الَّذِي روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت صَحِيح البُخَارِيّ
من أهل بوسنج بباء مُوَحدَة مَضْمُومَة ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة(5/117)
مَفْتُوحَة ثمَّ نون سَاكِنة ثمَّ جِيم بَلْدَة بنواحي هراة
ولد سنة أَربع وَسبعين وثلاثمائة
تفقه على أبي بكر الْقفال وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي طَاهِر الزيَادي وَأبي حَامِد الإسفرايني وَأبي الْحسن الطبسي
وَمَا أَظن شافعيا اجْتمع لَهُ مثل هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ
وَسمع عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ وَهُوَ آخر الروَاة عَنهُ وَأَبا مُحَمَّد ابْن أبي شُرَيْح وَأَبا عبد الله الْحَاكِم وَأَبا طَاهِر الزيَادي وَأَبا عمر بن مهْدي وَعلي بن عمر التمار وَغَيرهم ببوشنج وهراة ونيسابور وبغداد
روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت ومسافر بن مُحَمَّد وَعَائِشَة بنت عبد الله البوشنجية وَأَبُو المحاسن أسعد بن زِيَاد الْمَالِينِي وَغَيرهم
وَكَانَ فَقِيها إِمَامًا صَالحا زاهدا ورعا شَاعِرًا أديبا صوفيا
صحب الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا عَليّ الدقاق وَغَيرهمَا(5/118)
قيل إِنَّه كَانَ يحمل مَا يَأْكُلهُ وَقت تفقهه بِبَغْدَاد وَغَيرهَا من الْبِلَاد من بَلَده بوشنج احْتِيَاطًا
وَقد سمع مَشَايِخ عدَّة وَكَانَ يصنف ويفتي ويعظ وَيكْتب الرسائل الْحَسَنَة
ويحكى أَنه كَانَ لَا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وَجل وَأَن مزينا جَاءَ ليقص شَاربه فَقَالَ لَهُ أَيهَا الإِمَام يجب أَن تسكن شفتيك فَقَالَ قل للزمان حَتَّى يسكن
وَدخل إِلَيْهِ نظام الْملك وتواضع مَعَه غَايَة التَّوَاضُع فَلم يزده على أَن قَالَ أَيهَا الرجل إِن الله سلطك على عبيده فَانْظُر كَيفَ تجيبه إِذا سَأَلَك عَنْهُم
وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فَقَالَ شيخ عصره وأوحد دهره وَالْإِمَام الْمُقدم فِي الْفِقْه وَالْأَدب وَالتَّفْسِير وَكَانَ زاهدا ورعا حسن السمت بَقِيَّة الْمَشَايِخ بخراسان وَأَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا
أَخذ عَنهُ فُقَهَاء بوشنج
ولد فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وثلاثمائة
وَتُوفِّي ببوشنج فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة
وَكَانَ سَمَاعه للصحيح فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين
هَذَا كَلَام الْجِرْجَانِيّ
وَرُوِيَ أَن أَبَا الْحسن عبد الغافر الْفَارِسِي كَانَ قد سمع الصَّحِيح من أبي سهل الحفصي وَله إجَازَة من الدَّاودِيّ فَكَانَ يَقُول الْإِجَازَة من الدَّاودِيّ أحب إِلَيّ من السماع من الحفصي
وَمن شعره مَا أنْشدهُ للشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني رَحمَه الله تَعَالَى
(سَلام أَيهَا الشَّيْخ الإِمَام ... عَلَيْك وَقل من مثلي السَّلَام)(5/119)
(سَلام مثل رَائِحَة الخزامى ... إِذا مَا صابها سحرًا غمام)
(سَلام مثل رَائِحَة الغوالي ... إِذا مَا فض من مسك ختام)
(رحلت إِلَيْك من بوشنج أَرْجُو ... بك الْعِزّ الَّذِي لَا يستضام)
وَمِنْه
(كَانَ فِي الِاجْتِمَاع من قبل نور ... فَمضى النُّور وادلهم الظلام)
(فسد النَّاس وَالزَّمَان جَمِيعًا ... فعلى النَّاس وَالزَّمَان السَّلَام)
وَمِنْه
(إِن شِئْت عَيْشًا طيبا ... صفوا بِلَا مُنَازع)
(فاقنع بِمَا أُوتِيتهُ ... فالعيش عَيْش القانع)
463 - عبد السَّلَام بن إِسْحَاق بن الْمُهْتَدي الحامدي الآفراني
بِمد الْألف وَضم الْفَاء وَالرَّاء فِي آخرهَا نون نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بنسف يُقَال لَهَا آفران
يكنى أَبَا تَمام
كَانَ أديبا شَاعِرًا فَقِيها
سمع أَبَا الْحسن المحمودي وَالشَّيْخ أَبَا زيد الْفَقِيه الْمروزِي وَغَيرهمَا
مَاتَ فِي شَوَّال سنة أَرْبَعمِائَة(5/120)
464 - عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن بنْدَار أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي
المعتزلي الْمُفَسّر
وَقيل إِنَّه كَانَ زيدي الْمَذْهَب فِي الْفُرُوع
مولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة بقزوين
أَخذ عَن القَاضِي عبد الْجَبَّار المعتزلي وجالس القَاضِي أَبَا الْقَاسِم بن كج وَسمع مِنْهُمَا الحَدِيث وَمن غَيرهمَا
وَحدث عَنهُ جماعات
وَله تَفْسِير كَبِير قيل إِنَّه فِي سَبْعمِائة مُجَلد كبار
وَكَانَ قد اجْتمع لَهُ من الْكتب شَيْء كثير فَإِنَّهُ سكن بَغْدَاد ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام ثمَّ إِلَى مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَهُوَ يحصل فِي ذَلِك الْكتب وَقيل إِنَّه حصل غالبها من مصر فِي عَام الغلاء المفرط وَكَانَ يَقُول ملكت سِتِّينَ تَفْسِيرا مِنْهَا تَفْسِير ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي أَرْبَعِينَ مجلدا وَتَفْسِير أبي الْقَاسِم الْبَلْخِي وَأبي عَليّ الجبائي وَابْنه أبي هَاشم وَأبي مُسلم بن بَحر وَغَيرهم
وَأهْدى إِلَى نظام الْملك أَرْبَعَة أَشْيَاء لم يكن لأحد مثلهَا غَرِيب الحَدِيث لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ بِخَط أبي عمر بن حيويه فِي عشر مجلدات فَوَقفهُ نظام الْملك بدار الْكتب بِبَغْدَاد(5/121)
وَمِنْهَا شعر الْكُمَيْت بن زيد بِخَط أبي مَنْصُور فِي ثَلَاثَة عشر مجلدا
وَمِنْهَا عهد القَاضِي عبد الْجَبَّار بِخَط الصاحب بن عباد وإنشائه قيل كَانَ سَبْعمِائة سطر كل سطر فِي ورقة سمرقندي وَله غلاف آبنوس يطبق كالأسطوانة الغليظة
وَالرَّابِع مصحف بِخَط بعض الْكتاب المجودين بالخط الْوَاضِح وَقد كتب كَاتبه اخْتِلَاف الْقُرَّاء بَين سطوره بالحمرة وَتَفْسِير غَرِيبه بالخضرة وَإِعْرَابه بالزرقة وَكتب بِالذَّهَب العلامات على الْآيَات الَّتِي تصلح للانتزاعات فِي العهود والمكاتبات وآيات الْوَعْد والوعيد وَمَا يكْتب فِي التعازي والتهاني
وَبِالْجُمْلَةِ كِتَابَة مصحف على هَذَا الْوَجْه بِدعَة مَكْرُوهَة
وَقيل دخل إِلَى بَغْدَاد من مصر وَمِمَّا مَعَه عشرَة جمال عَلَيْهَا كتب بالخطوط المنسوبة فِي فنون الْعلم
وَكَانَت عِنْده قُوَّة نفس وَرُبمَا نَالَ من بعض أهل الْعلم بِلِسَانِهِ وَكَانَ يفتخر بالاعتزال ويتظاهر بِهِ حَتَّى على بَاب نظام الْملك فَيَقُول لمن يسْتَأْذن عَلَيْهِ قل أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي المعتزلي
توفّي بِبَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
465 - عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن جَعْفَر أَبُو نصر بن الصّباغ
صَاحب الشَّامِل والكامل وعدة الْعَالم وَالطَّرِيق السَّالِم(5/122)
وكفاية السَّائِل والفتاوي
كَانَ إِمَامًا مقدما وفارسا لَا يدْرك السُّوق وَرَاءه قدما وحبرا يتعالى قدره على السما وبحرا لَا ينزف بِكَثْرَة الدلا تصبب فقها فَكَأَنَّهُ لم يطعم سواهُ وَلم يكن غَيره بلغه وتشخص فَقِيها فَإِذا رَآهُ الْمُحَقق قَالَ ابْن الصّباغ صبغ من الصفر كَذَا وَمن أحسن من الله صبغة انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْأَصْحَاب
وَكَانَ ورعا نزها تقيا نقيا صَالحا زاهدا فَقِيها أصوليا محققا
سمع الحَدِيث من أبي عَليّ بن شَاذان وَمن أبي الْحُسَيْن بن الْفضل سمع مِنْهُ جُزْء ابْن عَرَفَة وَحدث بِهِ بِبَغْدَاد وأصبهان
روى عَنهُ الْخَطِيب فِي التَّارِيخ وَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا وَأَبُو بكر مُحَمَّد ابْن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَابْنه أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبد السَّيِّد وَآخَرُونَ
ولد الشَّيْخ أَبُو نصر سنة أَرْبَعمِائَة وتفقه على القَاضِي أبي الطّيب
قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل الْحَنْبَلِيّ لم أدْرك فِيمَن رَأَيْت وحاضرت من الْعلمَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم من كملت لَهُ شَرَائِط الِاجْتِهَاد الْمُطلق إِلَّا ثَلَاثَة أَبَا يعلى بن الْفراء وَأَبا الْفضل الهمذاني الفرضي وَأَبا نصر بن الصّباغ
وَقَالَ غَيره كَانَ ابْن الصّباغ يضاهي أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وإليهما كَانَت الرحلة فِي الْمُتَّفق والمختلف
قلت مضاهاته لَهُ فِي الْمُتَّفق ظَاهِرَة وَأما الْمُخْتَلف فَمَا كَانَ أحد يضاهي أَبَا إِسْحَاق فِي عصره فِيهِ وَالْمرَاد بالمتفق مسَائِل الْمَذْهَب وبالمختلف الخلافيات بَين الْإِمَامَيْنِ(5/123)
وَقَالَ بَعضهم كَانَ ابْن الصّباغ يُحَاسب نَفسه فَمن ذَلِك أَنه قَالَ اعْتبرت نَفسِي فِي مجيئها من بَاب الْمَرَاتِب إِلَى النظامية من غير كلفة ومشقة واعتبرتها فِي طواف الْكَعْبَة سبعا وكلفتها ومشقتها فَعلمت أَن الطّواف حق لسيدي على نَفسِي وَأَن سعيي من بَاب الْمَرَاتِب إِلَى الْمدرسَة لحظ نَفسِي فَمن ثمَّ زَالَت عني فِيهِ الكلفة وَالْمَشَقَّة
قلت بَاب الْمَرَاتِب مَكَان بِبَغْدَاد فِيهِ دَار ابْن الصّباغ وَكَانَ ابْن الصّباغ أول من درس بنظامية بَغْدَاد فَإِن نظام الْملك وَإِن كَانَ إِنَّمَا بناها لأجل الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَّا أَن أَبَا إِسْحَاق امْتنع أَولا أَن يدرس فِيهَا وَلما جلس للنَّاس أول يَوْم للتدريس أرسل إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَكرر سُؤَاله فَلم يحضر فَأذن للشَّيْخ أبي نصر فدرس يويمات يسيرَة ثمَّ وَقع التّكْرَار فِي سُؤال الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فَأجَاب ودرس بهَا بَقِيَّة حَيَاته فَلَمَّا توفّي أَبُو إِسْحَاق وَليهَا صَاحب التَّتِمَّة أَبُو سعد الْمُتَوَلِي ثمَّ عزل وأعيد ابْن الصّباغ ثمَّ صرف ابْن الصّباغ فِي سنة سبع وَسبعين فَحَمله أَهله على طلبَهَا فَخرج إِلَى أَصْبَهَان إِلَى نظام الْملك فَلم يجب سُؤَاله بل أَمر أَن يبْنى لَهُ غَيرهَا وَعَاد من أَصْبَهَان فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام
توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بداره ثمَّ نقل إِلَى بَاب حَرْب وَكَانَ قد كف بَصَره قبل وَفَاته بسنين
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي بِمصْر والعز أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن الشَّيْخ أبي عمر بِالشَّام سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الدَّائِم(5/124)
ابْن نعْمَة الْمَقْدِسِي قَالَ الأول سَمَاعا وَقَالَ الثَّانِي حضورا فِي الثَّالِثَة أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ سَمَاعا أخبرنَا جدي الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الصفار التَّيْمِيّ الْأَصْبَهَانِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفضل أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة حَدثنَا عمر بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَفْص الْإِيَادِي عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن عبد الله ابْن عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إيَّاكُمْ وَالظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَإِيَّاكُم وَالْفُحْش فَإِن الله تَعَالَى لَا يحب الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش وَإِيَّاكُم وَالشح فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الشُّح أَمرهم بِالْكَذِبِ فكذبوا وَأمرهمْ بالقطيعة فَقطعُوا وَأمرهمْ بالظلم فظلموا
قَالَ فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي الْإِسْلَام أفضل قَالَ أَن يسلم الْمُسلمُونَ من لسَانك ويدك
قَالَ فَأَي الْجِهَاد أفضل قَالَ يهراق دمك ويعقر جوادك
قَالَ فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ تهجر مَا كره رَبك)
وَأخْبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد ويدعى بكارا ابْن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عبيد بن مُحَمَّد وتاج الدّين عبد الْغفار بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ والقطب إِبْرَاهِيم بن الْمُجَاهِد إِسْحَاق ابْن صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ وَعبد المحسن بن أَحْمد الصَّابُونِي وَمُحَمّد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد الضبعِي وَعَمه أَحْمد ابْن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب بن مرتضى البهنسي وَأحمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسام(5/125)
الكلوتاتي والشرف يَعْقُوب بن عوض الْمُؤَذّن والمحدث بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن خَالِد الفارقي قِرَاءَة عَلَيْهِم وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ قَالُوا كلهم أخبرنَا النجيب الْحَرَّانِي سَمَاعا أخبرنَا عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب بن كُلَيْب أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مخلد الْبَزَّار أخبرنَا ابْن عَرَفَة فَذكره
وأخبرناه أَيْضا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ غير مرّة وبقراءة الشَّيْخ الإِمَام عَلَيْهِ أَيْضا وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا ابْن عبد الدَّائِم حضورا فِي الأولى قَالَ أخبرنَا ابْن كُلَيْب فَذكره
وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن أبي نصر رَحمَه الله
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس فِي حَدِيث إِذا أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَقعت بِبَغْدَاد نازلة وَهِي أَن رجلا قَالَ بِبَغْدَاد وَهُوَ صَائِم امْرَأَتي طَالِق إِن أفطرت على حَار أَو بَارِد فَرفعت الْمَسْأَلَة إِلَى أبي نصر بن الصّباغ إِمَام الشَّافِعِيَّة بالجانب الغربي فَقَالَ هُوَ حانث إِذْ لَا بُد من الْفطر على أحد هذَيْن
وَرفعت الْمَسْأَلَة إِلَى أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِالْمَدْرَسَةِ فَقَالَ لَا حنث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد أفطر على غير هذَيْن وَهُوَ دُخُول اللَّيْل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَاق الحَدِيث إِلَى (فقد أفطر الصَّائِم)(5/126)
قلت وَقد يُقَال إِن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق مَسْبُوق إِلَى ذَلِك سبقه بِهِ شَيْخه القَاضِي أَبُو الطّيب فنص فِي التعليقة على أَن الْفطر يحصل بالغروب أكل الصَّائِم أم لم يَأْكُل وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور
وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي آخر بَاب الْوِصَال وَنَقله الرَّافِعِيّ قبيل بَاب الْقَضَاء عَن فتاوي الْغَزالِيّ وَكَلَامهم أَجْمَعِينَ صَرِيح فِي حُصُول الْفطر بالغروب وَمَسْأَلَة هذَيْن الشَّيْخَيْنِ فِي قَول الْقَائِل إِن أفطرت على حَار أَو بَارِد وَلَا فرق لِأَن هَذِه الْعبارَة يقْصد بهَا فِي الْعرف التَّعْمِيم وَمُطلق الْفطر وَقد يُقَال عمومها بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يدْخل الْجوف من المفطرات سَوَاء حارها وباردها وَغير ذَلِك
قلت مَسْأَلَة القَاضِي أبي الطّيب وجماعته بالغروب وَإِن حصل بِهِ الْفطر لَكِن لَا يُقَال أفطر على حَار أَو بَارِد بل ذَلِك فطر شَرْعِي لَا يداخل الْجوف فَالَّذِي يتَّجه عِنْدِي مَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو نصر
وَمِمَّا نقلته من فتاوي ابْن الصّباغ الَّتِي جمعهَا ابْن أَخِيه القَاضِي أَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد من الغرائب إِذا كَانَ لَهُ حِصَّة فِي أَرض مشاعة وَهِي لَا تَنْقَسِم فَجَعلهَا مَسْجِدا لم يَصح
وَقَالَ إِن ابْن الصّباغ ذكرهَا فِي كِتَابه الْكَامِل
قلت فِي ذَلِك تأييد لِابْنِ الرّفْعَة فَإِنَّهُ قَالَ الَّذِي يظْهر أَنه لَا يَصح إِن قُلْنَا الْقِسْمَة(5/127)
بيع وَكَذَا إِن قُلْنَا إِقْرَار وَلم يجوز قسْمَة الْوَقْف من الْمُطلق
قَالَ وَإِن جوزناه فَيُشبه أَن يَأْتِي فِي صِحَّته إِذا أمكن الْإِجْبَار على الْقِسْمَة احْتِمَال وَلَكِن الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله ضعف هَذَا وَذكر أَنه يَصح وَقفه مَسْجِدا قَالَ وَتَكون الصَّلَاة فِيهِ أَكثر أجرا من مَوضِع كُله غير مَسْجِد
وَالْقَوْل بِالصِّحَّةِ هُوَ مَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح إِلَّا أَنه قَالَ ثمَّ تجب الْقِسْمَة وَالشَّيْخ الإِمَام خَالفه فِي وجوب الْقِسْمَة
وَمن تفاريع الصِّحَّة أَنه يحرم الْمكْث فِيهِ على الْجنب
كَذَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح وَوَافَقَهُ الشَّيْخ الإِمَام تَغْلِيبًا للْمَنْع وَذكر أَن القَاضِي شرف الدّين بن الْبَارِزِيّ أفتى بِجَوَاز الْمكْث كَمَا يجوز للْجنب حمل حمل الْمُصحف مَعَ أَمْتعَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن مَحل جَوَاز حمل الْمُصحف إِذا كَانَ الْمَقْصُود هُوَ الْأَمْتِعَة وَنَظِير مَسْأَلَتنَا أَن يكون كل مِنْهُمَا مَقْصُودا
وَفِي فتاوي ابْن الصّباغ يسْتَحبّ الْوضُوء لمن قصّ شَاربه
وفيهَا أَن ابْن الصّباغ ذكر فِي كِتَابه الْكَامِل أَنه إِذا قَالَ بِعْتُك إِذا قبلت لَا يَصح البيع لتعليق الْإِيجَاب
قلت وَقد يخرج فِيهِ الْخلاف فِي بِعْتُك إِن شِئْت وَالأَصَح ثمَّ الصِّحَّة
وفيهَا إِذا دفع ثوبا إِلَى خياط فَقَالَ إِن كَانَ يقطع قَمِيصًا فاقطعه فَلَمَّا قطعه لم يكفه قَالَ الشَّيْخ يَعْنِي ابْن الصّباغ يحْتَمل أَن يضمن وَيحْتَمل أَلا يضمن وَحكى عَن أبي ثَوْر أَنه لَا يضمن
قلت المجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة وَغَيرهمَا الضَّمَان فِي هَذِه الصُّورَة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ هَل يَكْفِينِي قَمِيصًا فَقَالَ نعم فَقَالَ اقطعه فَقَطعه فَلم يكف فَإِنَّهُ لَا ضَمَان لِأَن الْإِذْن مُطلق
وفيهَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا على سَائِر الْمذَاهب قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور(5/128)
لم أَجدهَا مسطورة فَسَأَلت شَيخنَا يَعْنِي ابْن الصّباغ فَقَالَ يَقع فِي الْحَال
قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور وَسمعت من رجل ثِقَة كَانَ يحضر عِنْد القَاضِي أبي الطّيب أَن القَاضِي قَالَ لَا يَقع لِأَنَّهُ لَا يكون أوقع ذَلِك على الْمذَاهب كلهَا
قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور وَلَا بَأْس بِهَذَا القَوْل لِأَن الطَّلَاق يَصح تَعْلِيقه على الشُّرُوط الصَّحِيحَة والفاسدة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق على مَذْهَب فلَان وَفُلَان يعْتد بِخِلَافِهِ يَنْبَغِي أَن يُقَال يَقع فِي الْحَال وَلَا أَظن ذَلِك لِأَن الرجل لم يُوقع طَلَاقه بل علقه
اسْتشْكل ابْن الصّباغ قَول الْأَصْحَاب إِن من نذر صوما لزمَه صَوْم يَوْم قَائِلا لَا يَنْبَغِي أَن يكْتَفى بِصَوْم يَوْم إِذا حملنَا النّذر على وَاجِب الشَّرْع فَإِن أقل مَا وَجب بِالشَّرْعِ ثَلَاثَة أَيَّام والاستشكال مَعْرُوف بِهِ وَقد سبقه إِلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ وَلَو قيل يلْزمه صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام كَانَ مذهبا لِأَنَّهُ أقل صَوْم ورد فِي الشَّرْع نصا وَحَكَاهُ عَنهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر ساكتا عَلَيْهِ وَاحْترز بقوله نصا عَمَّا وَجب بِسَبَب من الْمُكَلف كَصَوْم يَوْم فِي جَزَاء الصَّيْد وَعند إفاقة الْمَجْنُون وبلوغ الصَّبِي قبل طُلُوع فجر آخر يَوْم من رَمَضَان
وحاول ابْن الرّفْعَة دفع هَذَا الْإِشْكَال فَقَالَ لَا نسلم أَن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ثَلَاثَة أَيَّام ابْتِدَاء وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك يَشْمَل مَا وَجب بِإِيجَاب الشَّرْع ابْتِدَاء أَو بِسَبَب من الْمُكَلف فصوم يَوْم فَقَط يجب بِالشَّرْعِ فِي جَزَاء الصَّيْد وَعند إفاقة الْمَجْنُون وبلوغ الصَّبِي قبل طُلُوع فجر آخر يَوْم من رَمَضَان
ثمَّ حكى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ احْتَرز بقوله نصا عَمَّا ذَكرْنَاهُ
قلت وَعَجِبت من الْمُعْتَرض والمجيب فَإِن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ابْتِدَاء نصا صَوْم(5/129)
يَوْم فَإِن رَمَضَان عندنَا معاشر الشَّافِعِيَّة ثَلَاثُونَ عبَادَة وَهُوَ أصل بَيْننَا وَبَين الْمَالِكِيَّة قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ ثَلَاثُونَ عبَادَة كل مِنْهَا مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَخَالفهُم الْمَالِكِيَّة فَقَالُوا بل صَوْم رَمَضَان كُله عبَادَة وَاحِدَة وَخرج على الْخلاف وجوب النِّيَّة عندنَا لكل يَوْم والاكتفاء عِنْدهم بنية وَاحِدَة لجَمِيع الشَّهْر وَاحْتج أَصْحَابنَا بِأَنَّهُ لَا يجب التَّتَابُع فِي قَضَائِهِ وَمن يَقُول هَذَا الأَصْل فَكيف يُنكر أَن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ابْتِدَاء صَوْم يَوْم فعجبت من خَفَاء هَذَا على الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ ثمَّ عجبت من عدم اعْتِرَاض ابْن الرّفْعَة بِهِ
قَالَ الْأَصْحَاب يشْتَرط فِي الْقَاسِم إِذا كَانَ مَنْصُوبًا من جِهَة القَاضِي أَن يكون حرا بَالغا عَاقِلا عدلا عَالما بِالْقِسْمَةِ وَلَا يشْتَرط فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء الْعَدَالَة وَالْحريَّة فَإِنَّهُ وَكيل من جهتهم
قَالَ الرَّافِعِيّ كَذَا أَطْلقُوهُ وَيَنْبَغِي أَن يكون تَوْكِيل العَبْد فِي الْقِسْمَة على الْخلاف فِي تَوْكِيله فِي البيع وَالشِّرَاء وَلَو حكم الشُّرَكَاء رجلا ليقسم بَينهم قَالَ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ على الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْكِيم إِن جوزناه فَيكون الَّذِي حكموه كمنصوب القَاضِي
انْتهى
وَفِيه كلامان أَحدهمَا قَوْله يَنْبَغِي أَن يكون تَوْكِيل العَبْد فِي الْقِسْمَة على الْخلاف فِي تَوْكِيله فِي البيع وَالشِّرَاء فِيهِ نظر فَإِن البيع وَالشِّرَاء تتَعَلَّق الْعهْدَة فِيهِ بالوكيل وَلَا كَذَلِك التَّوْكِيل فَلَا يلْزم من منع التَّوْكِيل فيهمَا مَنعه فِي الْقِسْمَة وَبِتَقْدِير استوائهما فَكَانَ صَوَاب الْعبارَة أَن يَقُول على الْخلاف وَالتَّفْصِيل فَإِن الْخلاف فِي تَوْكِيل العَبْد فِي البيع وَالشِّرَاء إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر إِذن السَّيِّد أما بِإِذْنِهِ فَيجوز جزما فَإِن كَانَت الْقِسْمَة مثلهمَا فَيَنْبَغِي أَن يفصل هَكَذَا(5/130)
وَالثَّانِي قَوْله فِي الْمُحكم إِنَّه على القَوْل بِجَوَاز التَّحْكِيم كمنصوب القَاضِي وَإِن الْعِرَاقِيّين ذكرُوا ذَلِك مُرَاده بتخصيصهم بِالذكر أَن غَيرهم سَاكِت عَنهُ لَا أَن غَيرهم مُخَالف ثمَّ الْجَزْم بِأَنَّهُ كمنصوب القَاضِي قد يسْتَدرك بقول صَاحب الْبَيَان مَا نَصه يجوز أَن يكون الَّذِي ينصبه الشريكان عبدا أَو فَاسِقًا لِأَنَّهُ وَكيل لَهما هَكَذَا ذكره أَكثر أَصْحَابنَا
وَقَالَ ابْن الصّباغ إِذا نصب الشريكان قاسما فقسم بَينهمَا لم تلْزمهُ قسمته إِلَّا بتراضيهما بقسمته بعد الْقرعَة وَجَاز أَن يكون عبدا أَو فَاسِقًا وَإِن حكما رجلا ليقسم بَينهمَا فقسم فَقَوْلَانِ كالقولين فِي التَّحْكِيم فَإِذا قُلْنَا يلْزم وَجب أَن يكون على الشَّرَائِط الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قسم القَاضِي وَإِن قُلْنَا لَا تلْزم قسمته إِلَّا بتراضيهما بعد الْقرعَة جَازَ أَن يكون عبدا أَو فَاسِقًا فَفرق بَين النصب والتحكيم وَالطَّرِيق الأول أَقيس
انْتهى لفظ الْبَيَان
وَخرج فِيهِ أَنه لَا يتَعَيَّن على القَوْل بالتحكيم أَن يكون كمنصوب القَاضِي بل وَرَاءه شَيْء آخر وَهُوَ أَن حكم الْمُحكم هَل يتَوَقَّف على التَّرَاضِي فَيصير مَنْصُوب القَاضِي شَرط مِنْهُ الْعَدَالَة وَالْحريَّة جزما وَلَا كَذَلِك منصوبهما جزما أما محكمها فَيشْتَرط فِيهِ ذَلِك إِن قُلْنَا إِن حكمه يلْزم وَإِن قُلْنَا يتَوَقَّف على الرِّضَا فَهُوَ كمنصوبهما غير أَن عبارَة ابْن الصّباغ فِي الشَّامِل لَا تَقْتَضِي أَنه قَالَ ذَلِك نقلا بل إِنَّمَا قَالَه بحثا بعد أَن اعْترف بِأَن النَّقْل خِلَافه وَهَذَا لَفظه قَالَ فِي أول بَاب الْقَاسِم من الشَّامِل وَإِذا حكمُوا رجلا ليقسم بَينهم كَانَ على الْقَوْلَيْنِ إِذا حكمُوا رجلا ليحكم بَينهم فَإِن قُلْنَا يَصح وَجب أَن يكون على الشَّرَائِط الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قسم القَاضِي وَإِذا قسم وأقرع(5/131)
فَهَل يلْزمهُمَا فِيهِ وَجْهَان وَيَنْبَغِي إِذا قُلْنَا لَا يلْزمهُمَا إِلَّا بتراضيهما أَلا يشْتَرط فِي الِابْتِدَاء الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة
انْتهى
وَخرج مِنْهُ أَن مَنْقُول الرَّافِعِيّ صَحِيح وَلم يفته إِلَّا بحث لِابْنِ الصّباغ وَفِي هَذَا الْبَحْث تَطْوِيل يَنْبَغِي اشْتِرَاطه وَإِن قُلْنَا لَا يلْزم إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَإنَّا سنبين توقفنا فِي عدم اشْتِرَاطه وَإِن كَانَ مَنْصُوبًا من جهتهم غير مُحكم فَنَقُول كَلَام الرَّافِعِيّ أحسن من كَلَام صَاحب الْبَيَان من الْوَجْه الَّذِي أبديناه فَإِن صَاحب الْبَيَان نقل عَن ابْن الصّباغ مَا يُوهم أَنه قَالَه نقلا وَإِنَّمَا قَالَه بحثا وَكَلَام الْبَيَان أحسن من كَلَام الرَّافِعِيّ من جِهَة أَنه بَين أَن الْأَكْثَرين أطْلقُوا اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي الْقَاسِم من غير تعرض إِلَى التَّفْصِيل بَين مَنْصُوب القَاضِي ومنصوب الشُّرَكَاء وَالْأَمر كَذَلِك فَإِن الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَذكره الجماهير إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْقَاسِم شَرطه الْعَدَالَة وَمِمَّنْ أطلق ذَلِك الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا وَقَيده ابْن الصّباغ وَصَاحب التَّهْذِيب بِمَا إِذا كَانَ مَنْصُوب الْحَاكِم وصرحا فِيمَا إِذا كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء بِجَوَاز كَونه عبدا أَو فَاسِقًا وَأما إِذا كَانَ محكما فَلم يذكرهُ صَاحب التَّهْذِيب وَذكره ابْن الصّباغ وَقد أريناك كَلَامه وَهُوَ صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْمَنْقُول فِيهِ اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة وَأَن لَهُ بحثا أبداه فِيهِ بِنَاء على أَن حكم الْمُحكم لَا يلْزم إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَجرى الرَّافِعِيّ على(5/132)
منقوله دون بَحثه فَإِنَّهُ أعرض عَن ذكره إِمَّا لضَعْفه عِنْده أَو لكَونه مخرجا على ضَعِيف أَو لغير ذَلِك
وَاعْلَم أَن تَجْوِيز كَونه فَاسِقًا أَو عبدا إِذا كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء خلاف ظَاهر إِطْلَاقهم وَدَعوى الرَّافِعِيّ أَنهم أطْلقُوا اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي مَنْصُوب القَاضِي وأطلقوا عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء مُسْتَدْرك فَإِنَّهُم لم يطلقوا عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَإِنَّمَا أطْلقُوا اشتراطهما فِي الْقَاسِم فقيده ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ بمنصوب الْحَاكِم فأحد الشقين مُسلم للرافعي وَأما الشق الثَّانِي وَهُوَ دَعْوَاهُ إِطْلَاقهم عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء الَّذِي بنى عَلَيْهِ بَحثه الْمُتَقَدّم غير مُسلم
وَقد صرح صَاحب الْبَيَان بِخِلَافِهِ كَمَا رَأَيْت وَهُوَ أَنهم أطْلقُوا اشتراطهما فِي مُطلق الْقَاسِم من غير تَقْيِيد بمنصوب الْحَاكِم وَأَن الَّذِي فصل إِنَّمَا هُوَ ابْن الصّباغ وَأَن طَرِيق الْإِطْلَاق أَقيس فَخرج مِنْهُ أَنه يرجح تَعْمِيم الْإِطْلَاق وَاشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي كل قَاسم سَوَاء مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَغَيره وَإِذا كَانَ هَذَا فِي منصوبهم وَإِن لم يكن محكما فَمَا الظَّن بالمحكم فَإِن قلت هَل لهَذَا من وَجه فَإِن مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَكيل وَقد يُوكل العَبْد وَالْفَاسِق
قلت الْقَاسِم وَإِن كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء فَلَيْسَ هُوَ وَكيلا على الْحَقِيقَة فَإِن الْوَكِيل لَا يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ وَهَذَا يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ فَإِنَّهُ يقسم لهَذَا وَلِهَذَا فَيَأْخُذ من هَذَا لهَذَا مَا يَأْخُذ فِي مُقَابلَته من هَذَا لهَذَا أَو يعين ثمَّ يَأْخُذ الشُّرَكَاء بعد الإقراع لِأَن رضاهم لَا بُد مِنْهُ بعد الْقرعَة فِي هَذِه الصُّورَة فَكَأَن الْقِسْمَة على كل حَال فِيهَا(5/133)
نوع من الْولَايَة الَّتِي لَا يصلح لَهَا العبيد وَلذَلِك اخْتلف الْأَصْحَاب كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْوَسِيط إِلَى أَن منصبه منصب الْحَاكِم أَو الشَّاهِد وَإِن كَانَ لَك أَن تَقول إِن هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي مَنْصُوب الْحَاكِم لَكِن يظْهر أَن يُقَال إِنَّهَا لما ذَكرْنَاهُ ولَايَة وَبِالْجُمْلَةِ مَا تَجْوِيز كَونه فَاسِقًا أَو عبدا وَإِن كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء مُصَرح بِهِ فِي كَلَام غير ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ وَمن تبعهما حَتَّى يَقُول الرَّافِعِيّ إِن الْأَصْحَاب أطْلقُوا تجويزه بل إِنَّمَا أطْلقُوا عدم تجويزه عِنْد إِطْلَاقهم لفظ الْقَاسِم ثمَّ اخْتلف ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ والعمراني فَقَالَ الْأَوَّلَانِ إِن اطلاقهم مُقَيّد بِغَيْر مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَقَالَ الثَّالِث إِنَّه مُطلق وَلقَوْله اتجاه مَا على الْجُمْلَة
466 - عبد الْغفار بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن زيرك بزاي مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ كَاف وَهُوَ غير مَصْرُوف ابْن مُحَمَّد بن كثير بن عبد الله التَّمِيمِي أَبُو سعد
شيخ همذان
قَالَ شيرويه كَانَ ثِقَة صَدُوقًا فَقِيها عَالما لَهُ يَد فِي الْأَدَب وَكَانَ يعظ النَّاس وَيتَكَلَّم فِي عُلُوم الْقَوْم يَعْنِي الصُّوفِيَّة وَكَانَ ذَا شَأْن وخطر عِنْد النَّاس الْخَاص وَالْعَام وَله مصنفات عزيزة فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَلم يحمل عَنهُ إِلَّا الْقَلِيل وعاجله الْمَوْت
روى عَن أَبِيه أبي سهل وَالْإِمَام أبي بكر بن لال وَغَيرهمَا من الهمذانيين وَأبي الْفَتْح بن أبي الفوارس وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا من البغداديين(5/134)
وَالدَّارَقُطْنِيّ هَذَا غير الدَّارَقُطْنِيّ الإِمَام الْمَشْهُور
حدث عَنهُ ابْن أُخْته أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني وَغَيره وَحكى أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَكَسَاهُ ثوبا فَسَأَلَ معبرا فَقَالَ لَهُ إِن الله تَعَالَى يرزقك الْعلم وَتَكون إِمَامًا فِي عصرك
فَكَانَ كَمَا قَالَ وَذهب اسْمه فِي الْآفَاق
توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
467 - عبد الْغَنِيّ بن نَازل بن يحيى بن الْحسن بن يحيى بن شاهي الألواحي
أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ
من أهل الواح بليدَة من بِلَاد مصر
قدم بَغْدَاد وتفقه بهَا وَسمع أَبَا طَالب بن غيلَان وَأَبا إِسْحَاق الْبَرْمَكِي وَأَبا مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ وَأَبا الْحُسَيْن بن النَّرْسِي وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأَبا يعلى بن الْفراء وَغَيرهم
وَسمع بواسط وهمذان والري وسمنان وبسطام ونيسابور من جماعات(5/135)
وسادات مِنْهُم أَبُو عُثْمَان الْبُحَيْرِي وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَخلق
ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد واستوطنها وَحدث بهَا
فروى عَنهُ أَبُو الْفَتْح بن البطي وَخلق
قَالَ ابْن النجار كَانَ شَيخا صَالحا دينا حسن الطَّرِيقَة صبورا فَقِيرا
قَالَ وقرأت فِي كتاب أبي الْفضل كماد بن نَاصِر بن نصر الحدادي المراغي أَنه توفّي فِي الثَّالِث عشر من الْمحرم سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي هَذَا الْيَوْم وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي
قلت وَوَقع فِي تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَالْأَشْبَه مَا فِي تَارِيخ ابْن النجار
468 - عبد القاهر بن طَاهِر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الإِمَام الْكَبِير الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ
إِمَام عَظِيم الْقدر جليل الْمحل كثير الْعلم حبر لَا يساجل فِي الْفِقْه وأصوله والفرائض والحساب وَعلم الْكَلَام
اشْتهر اسْمه وَبعد صيته وَحمل عَنهُ الْعلم أَكثر أهل خُرَاسَان(5/136)
سمع أَبَا عَمْرو بن نجيد وَأَبا عَمْرو مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مطر وَأَبا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا أَحْمد بن عدي وَغَيرهم
روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والقشيري وَعبد الْغفار بن مُحَمَّد بن شيرويه وَغَيرهم
وَكَانَ يدرس فِي سَبْعَة عشر فَنًّا وَله حشمة وافرة
وَقَالَ جِبْرِيل قَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي كَانَ من أَئِمَّة الْأُصُول وصدور الْإِسْلَام بِإِجْمَاع أهل الْفضل والتحصيل بديع التَّرْتِيب غَرِيب التَّأْلِيف والتهذيب ترَاهُ الجلة صَدرا مقدما وَتَدْعُوهُ الْأَئِمَّة إِمَامًا مفخما وَمن خراب نيسابور اضطرار مثله إِلَى مفارقتها
قلت فَارق نيسابور بِسَبَب فتْنَة وَقعت بهَا من التركمان(5/137)
وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْأُسْتَاذ الإِمَام الْكَامِل ذُو الْفُنُون الْفَقِيه الأصولي الأديب الشَّاعِر النَّحْوِيّ الماهر فِي علم الْحساب الْعَارِف بالعروض ورد نيسابور مَعَ أَبِيه أبي عبد الله طَاهِر وَكَانَ ذَا مَال وثروة ومروءة وأنفقه على أهل الْعلم والْحَدِيث حَتَّى افْتقر صنف فِي الْعُلُوم وأربى على أقرانه فِي الْفُنُون ودرس فِي سَبْعَة عشر نوعا من الْعُلُوم وَكَانَ قد درس على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَأَقْعَدَهُ بعده للإملاء مَكَانَهُ وأملى سِنِين وَاخْتلف إِلَيْهِ الْأَئِمَّة وقرأوا عَلَيْهِ مثل نَاصِر الْمروزِي وَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهمَا
قَالَ وَخرج من نيسابور فِي أَيَّام التركمانية وفتنتهم إِلَى أسفراين فَمَاتَ بهَا
وَقَالَ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كتاب الرياض المونقة كَانَ يَعْنِي أَبَا مَنْصُور الإسفرايني يسير فِي الرَّد على الْمُخَالفين سير الْآجَال فِي الآمال وَكَانَ عَلامَة الْعَالم فِي الْحساب والمقدرات وَالْكَلَام وَالْفِقْه والفرائض وأصول الْفِقْه وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا كتاب التكملة فِي الْحساب لكفاه
وَقَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن نصر المرندي الْفَقِيه وحَدثني أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن عبد الله الْفَقِيه قَالَ لما حصل أَبُو مَنْصُور بأسفراين ابتهج النَّاس بمقدمه إِلَى الْحَد الَّذِي لَا يُوصف فَلم يبْق بهَا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ وَاتفقَ أهل الْعلم على دَفنه إِلَى جَانب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق كَأَنَّهُمَا نجمان جَمعهمَا مطلع وكوكبان ضمهما برج مُرْتَفع(5/138)
مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَوَقع فِي تَارِيخ ابْن النجار سنة سبع وَعشْرين وَهُوَ تَصْحِيف من النَّاسِخ أَو وهم من المُصَنّف
وَمن شعره
(يَا من عدى ثمَّ اعْتدى ثمَّ اقْتَرَف ... ثمَّ انْتهى ثمَّ ارعوى ثمَّ اعْترف)
(أبشر بقول الله فِي آيَاته ... إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف)
قلت فِي اسْتِعْمَال مثل الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور مثل هَذَا الاقتباس فِي شعره فَائِدَة فَإِنَّهُ قدوة فِي الْعلم وَالدّين وَبَعض أهل الْعلم ينْهَى عَن مثل ذَلِك وَرُبمَا شدد فِيهِ وجنح إِلَى تَحْرِيمه وَالصَّوَاب الْجَوَاز ثمَّ الْأَحْسَن تَركه تأدبا مَعَ الْكتاب الْعَزِيز وَنَظِيره ضرب الْأَمْثَال من الْقُرْآن وتنزيله فِي النكت الأدبية وَهَذَا فن لَا تسمح نفس الأديب بِتَرْكِهِ واللائق بالتقوى أَن يتْرك وَأكْثر النَّاس رَأَيْت تشددا فِي ذَلِك الْمَالِكِيَّة وَمَعَ هَذَا فقد فعله كثير من فقهائهم حَتَّى رَأَيْت فِي كتاب المدارك فِي أَصْحَاب مَالك للْقَاضِي عِيَاض فِي تَرْجَمَة ابْن الْعَطَّار وَهُوَ من قدماء أَصْحَابهم أَنه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة من سُجُود السَّهْو فَأفْتى بِالسُّجُود فَقَالَ السَّائِل إِن أصبغ لم ير عَليّ سجودا فَقَالَ {لَا تطعه واسجد واقترب} وعد القَاضِي عِيَاض ذَلِك من ملحه ونوادره
وَمِمَّا أنْشدهُ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعباسة
(لَا تعترض فِيمَا قضى ... واشكر لَعَلَّك ترتضى)
(اصبر على مر القضا ... إِن كنت تعبد من قضى)
وَمِنْه
(يَا فاتحا لي كل بَاب مرتج ... إِنِّي لعفو مِنْك عني مرتج)(5/139)
(فَامْنُنْ عَليّ بِمَا يُفِيد سعادتي ... فسعادتي طَوْعًا مَتى تَأمر تجي)
وَمن تصانيفه كتاب التَّفْسِير وَكتاب فضائح الْمُعْتَزلَة وَكتاب الْفرق بَين الْفرق وَكتاب التَّحْصِيل فِي أصُول الْفِقْه وَكتاب تَفْضِيل الْفَقِير الصابر على الْغنى الشاكر وَكتاب فضائح الكرامية وَكتاب تَأْوِيل متشابه الْأَخْبَار وَكتاب الْملَل والنحل مُخْتَصر لَيْسَ فِي هَذَا النَّوْع مثله وَكتاب نفي خلق الْقُرْآن وَكتاب الصِّفَات وَكتاب الْإِيمَان وأصوله وَكتاب بُلُوغ المدى عَن أصُول الْهدى وَكتاب إبِْطَال القَوْل بالتولد وَكتاب الْعِمَاد فِي مَوَارِيث الْعباد لَيْسَ فِي الْفَرَائِض والحساب لَهُ نَظِير وَكتاب التكملة فِي الْحساب وَهُوَ الَّذِي أثنى عَلَيْهِ الإِمَام فَخر الدّين فِي كتاب الرياض المونقة وَكتاب شرح مِفْتَاح ابْن الْقَاص وَهُوَ الَّذِي نقل عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي آخر بَاب الرّجْعَة وَغَيره وَكتاب نقض مَا عمله أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ فِي تَرْجِيح مَذْهَب أبي حنيفَة وَكتاب أَحْكَام الْوَطْء التَّام وَهُوَ الْمَعْرُوف بالتقاء الختانين فِي أَرْبَعَة أَجزَاء
قَالَ ابْن الصّلاح وَرَأَيْت لَهُ كتابا فِي معنى لفظتي التصوف والصوفي جمع فِيهِ من أَقْوَال الصُّوفِيَّة ألف قَول مرتبَة على حُرُوف المعجم
وَجَمِيع تصانيفه بَالِغَة فِي الْحسن أقْصَى الغايات
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَزْدَوِيّ الْمُقِيم أَبوهُ بالضيائية قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بقاسيون أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي سَمَاعا(5/140)
عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن أبي المطهر أخبرنَا الْقَاسِم بن الْفضل الصيدلاني إجَازَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن عبد الْملك النَّيْسَابُورِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الرَّجَاء خلف بن عمر بن عبد الْعَزِيز الْفَارِسِي ثمَّ النَّيْسَابُورِي أخبرنَا الشَّيْخ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو عَمْرو مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مطر أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عَليّ الذهلي حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي حَدثنَا هشيم بن بشير عَن سيار عَن يزِيد الْفَقِير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي كَانَ كل نَبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى كل أَحْمَر وأسود وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَجعلت لي الأَرْض طيبَة ومسجدا وَطهُورًا فأيما رجل أَدْرَكته الصَّلَاة صلى حَيْثُ كَانَ ونصرت بِالرُّعْبِ بَين يَدي مسيرَة شهر وَأعْطيت الشَّفَاعَة)
رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن سِنَان وَعَن سعيد بن النَّضر
وَرَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة بِتَمَامِهِ وَفِي الصَّلَاة بِبَعْضِه عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل بن سُلَيْمَان خمستهم عَن هشيم بن بشير بِهِ
أنشدنا الْوَالِد رَحمَه الله مرّة من لَفظه للأستاذ أبي مَنْصُور مَا كتب بِهِ إِلَيّ أَحْمد بن أبي(5/141)
طَالب من دمشق أَن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن الْحَافِظ كتب إِلَيْهِ من مَدِينَة السَّلَام قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن حَامِد الضَّرِير الْمقري بأصبهان أَن أَبَا نصر أَحْمد بن عمر الْغَازِي أخبرهُ قَالَ أَنْشدني أَبُو سعيد مَسْعُود بن نَاصِر والسجزي قَالَ أنشدنا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور لنَفسِهِ
(طلبت من الحبيب زَكَاة حسن ... على صغر من الْقد الْبَهِي)
(فَقَالَ وَهل على مثلى زَكَاة ... على قَول الْعِرَاقِيّ الكمي)
(فَقلت الشَّافِعِي لنا إِمَام ... وَقد فرض الزَّكَاة على الصَّبِي)
ثمَّ ذيل عَلَيْهَا الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ فَقَالَ
(فَقَالَ اذْهَبْ إِذا فاقبض زكاتي ... بقول الشَّافِعِي من الْوَلِيّ)
(فَقلت لَهُ فديتك من فَقِيه ... أيطلب بِالزَّكَاةِ سوى الملي)
(نِصَاب الْحسن عنْدك ذُو اتساع ... بلحظك والقوام السمهري)
فَإِن
(أَعطيتنَا طَوْعًا وَإِلَّا ... أخذناه بقول الشَّافِعِي)
أخبرنَا أَحْمد بن أبي طَالب قَالَ كتب إِلَيّ مُحَمَّد بن مَحْمُود قَالَ أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو الْفَتْح الوَاسِطِيّ قَالَ كتب إِلَيّ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهمذاني قَالَ(5/142)
أنشدنا أسعد بن مَسْعُود بن عَليّ الْعُتْبِي الْكَاتِب قَالَ أَنْشدني أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ لنَفسِهِ
(يَا سائلي عَن قصتي ... دَعْنِي أمت فِي غصتي)
(المَال فِي أَيدي الورى ... واليأس مِنْهُ حصتي)
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ فِي شرح الْمِفْتَاح فِي التَّسْمِيَة المسنونة فِي الْوضُوء إِنَّهَا بِسم الله وَبِاللَّهِ وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد غسل الْكَفَّيْنِ
وَحكى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ لَا تشْتَرط الطَّهَارَة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة
وَقَالَ فِي الْإِقَامَة من سنتها الإدراج وَلَا يبرح من موقفه حَتَّى يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة
قلت وَظَاهره أَن يتَحَوَّل حِينَئِذٍ وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يتَحَوَّل حَتَّى يتممها
وَقَالَ فِي كتاب الْوَطْء التَّام من لف ذكره بحريرة وأولجه فِي فرج وَلم ينزل لَا غسل عَلَيْهِ وَلَا حد على الْأَصَح إِن كَانَ فِي حرَام وَلَا يفْسد بِهِ شَيْء من الْعِبَادَات وَعَن أبي حَامِد الْمَرْوذِيّ إِيجَاب ذَلِك
انْتهى(5/143)
وَفِي مَسْأَلَة الْغسْل وُجُوه شهيرة أَصَحهَا وجوب الْغسْل وَثَالِثهَا الْفرق بَين الْخِرْقَة الخشنة والناعمة
قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة قَالَ صَاحب الْبَحْر وتجري هَذِه الْأَوْجه فِي إِفْسَاد الْحَج بِهِ وَيَنْبَغِي أَن تجْرِي فِي جَمِيع الْأَحْكَام
انْتهى
قلت وَقَوله وَيَنْبَغِي أَن تجْرِي فِي جَمِيع الْأَحْكَام هُوَ من كَلَام النَّوَوِيّ وَلَيْسَ من كَلَام صَاحب الْبَحْر وَفِيه على عُمُومه نظر إِذْ يلْزمه أَن يحل الْإِيلَاج فِي خرقَة فِي فرج أَجْنَبِيَّة وَلَا أعتقد أحدا يَقُول بِهِ وَإِن اخْتلف فِي وجوب الْحَد وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يجْرِي الْخلاف فِي جَمِيع الْعِبَادَات هَل تفْسد بِهِ وَبِه صرح الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور كَمَا رَأينَا وَلم يرد النَّوَوِيّ إِن شَاءَ الله سواهُ
إِذا قَالَ الْمَرِيض أوصيت لزيد بِمَا يخص فلَانا أحد وراثي من ثلثى لَو لم أوص
فَهَل تصح هَذِه مَسْأَلَة مليحة يحْتَمل أَن يُقَال بِالصِّحَّةِ لِأَن لَهُ أَن يُوصي بِكَمَال الثُّلُث وَبَعضه موزعا على كل الْوَرَثَة وَإِذا كَانَ لَهُ أَن يُوصي بِتَمَامِهِ فَلهُ مَعَ كل وَارِث ثلث مَا يَرِثهُ فَلهُ أَن يَضَعهُ فِي وَاحِد معِين مِنْهُم
وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يَصح بل لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَن يُوصي بِالْقدرِ الْمُطلق لَهُ من الثُّلُث فَمَا دونه مقسوما بَين ورثته على مِقْدَار مواريثهم
وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت فِي زمَان الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور وَذكرهَا القَاضِي الْحُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ
وبالاحتمال الثَّانِي أفتى أَبُو مَنْصُور(5/144)
وَذَلِكَ أَن وَاحِدًا ترك ابْنا وبنتا وَأوصى بِثلث مَاله بعد نصيب الْبِنْت بِحَيْثُ لَا ينقص عَلَيْهَا شَيْء وَأَرَادَ أَن يَجْعَل الْمُوصي بِهِ ثلث مَا يخص الابْن وَهُوَ أقل من أصل الثُّلُث وَأَن يحْسب على الابْن وَحده بِحَيْثُ لَا يدْخل نقص على الْبِنْت فَاخْتلف على الابْن فُقَهَاء ذَلِك الْوَقْت فِي الْفتيا هَل يدْخل النَّقْص عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَو يخص بِهِ الابْن كَمَا أوصى بِهِ الْمَيِّت فَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور بل يدْخل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَتَكون الْمَسْأَلَة من تِسْعَة
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ(5/145)
_ _ _ _ _ _ _ _ _(5/146)
_ _ _ _ _ _ _ _ _(5/147)
_ _ _ _ _ _ _ _(5/148)
469 - عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ أَبُو بكر الْجِرْجَانِيّ
النَّحْوِيّ الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ الْفَقِيه على مَذْهَب الشَّافِعِي
أَخذ النَّحْو بجرجان عَن أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحسن الْفَارِسِي ابْن أُخْت الشَّيْخ أبي عَليّ الْفَارِسِي وَصَارَ الإِمَام الْمَشْهُور الْمَقْصُود من جَمِيع الْجِهَات مَعَ الدّين المتين والورع والسكون
قَالَ السلَفِي كَانَ ورعا قانعا دخل عَلَيْهِ لص وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَأخذ مَا وجد وَعبد القاهر ينظر وَلم يقطع صلَاته(5/149)
قَالَ وَسمعت أَبَا مُحَمَّد الأبيوردي يَقُول مَا مقلت عَيْني لغويا وَأما فِي النَّحْو فعبد القاهر
وَمن مصنفاته كتاب الْمُغنِي فِي شرح الْإِيضَاح فِي نَحْو من ثَلَاثِينَ مجلدا وَكتاب المقتصد فِي شرح الْإِيضَاح أَيْضا ثَلَاث مجلدات وَكتاب إعجاز الْقُرْآن الْكَبِير وإعجاز الْقُرْآن الصَّغِير والعوامل الْمِائَة والمفتاح وَشرح الْفَاتِحَة والعمدة فِي التصريف وَكتاب الْجمل الْمُخْتَصر الْمَشْهُور وَكتاب التَّلْخِيص فِي شرح هَذَا الْجمل
وَمن شعره
(كبر على الْعلم لَا ترمه ... ومل إِلَى الْجَهْل ميل هائم)
(وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد فِي طالع الْبَهَائِم)
توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَقيل أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
470 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ أَبُو عبد الله الشالوسي
من قَرْيَة شالوس بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم اللَّام بعد الْألف بعْدهَا وَاو سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة وَهِي من نواحي آمل طبرستان(5/150)
كَانَ من الْأَئِمَّة فِي الْعلم وَالدّين
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أَبُو عبد الله فَقِيه عصره بآمل ومفتيها ومدرسها وَكَانَ واعظا زاهدا وبيته بَيت الزّهْد وَالْعلم
سمع الحَدِيث وَعمر حَتَّى حدث ثمَّ ورد بَغْدَاد وَخرج إِلَى الْحجاز وَسمع أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء إِمَّا بِمَكَّة أَو بِمصْر
وَقَالَ أَعنِي ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب غَالب ظَنِّي أَنه سمع مِنْهُ بِمَكَّة
قَالَ وَقد سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر أَنه سمع من ابْن نظيف بِمصْر
قلت الشالوسي شيخ دوير الْكَرْخِي وَكِلَاهُمَا مَذْكُور فِي فتاوي الحناطي فِي مَسْأَلَة وُصُول الْقِرَاءَة إِلَى الْمَيِّت توفّي الشالوسي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
471 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم القَاضِي أَبُو سعد الطَّبَرِيّ التَّيْمِيّ بميم وَاحِدَة
يعرف بالوزان
من أهل طبرستان نزل الرّيّ
من رُؤَسَاء عصره وكبرائهم فضلا وحشمة وجاها ونعمة
قَالَ عبد الغافر وَكَانَ لَهُ الْقدَم الراسخ فِي المناظرة وإفحام الْخُصُوم وَالْكَرم الباذخ الراقي إِلَى منَاط النُّجُوم
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه تفقه بمرو على الإِمَام أبي بكر الْقفال الْمروزِي وبرع فِي الْفِقْه(5/151)
وَقَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْحَافِظ إِنَّه ولي قَضَاء ساوة ثمَّ قَضَاء همذان
سمع الْقفال الْمروزِي والأستاذ أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني وَأَبا بكر أَحْمد بن الْحسن الْحِيرِي والأستاذ أَبَا مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم
روى عَنهُ زَاهِر بن طَاهِر وَغَيره
قَالَ عبد الغافر توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَقَالَ عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ
وَالله أعلم
472 - عبد الْكَرِيم بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْقطَّان الْمَعْرُوف بِأبي معشر الطَّبَرِيّ
الإِمَام فِي الْقرَاءَات مُصَنف التَّلْخِيص وسوق الْعَرُوس فِي الْقرَاءَات الْمَشْهُورَة والغريبة وَكتاب الدُّرَر فِي التَّفْسِير وعيون الْمسَائِل وطبقات الْقُرَّاء وَغير ذَلِك
وَكَانَ مقرىء أهل مَكَّة فِي عصره وَقد روى تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ عَن المُصَنّف ومسند الإِمَام أَحْمد وَتَفْسِير النقاش عَن شَيْخه الزيدي
وروى عَن أبي عبد الله بن نظيف وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَغَيرهمَا
وَحدث عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي وَغَيره(5/152)
وَكَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة
توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بِمَكَّة
473 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام
الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقى
أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا وأركان الْملَّة فعلا ومقولا
إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال المدلهمة
أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة
شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم
ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة
وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن الْخفاف وَأبي نعيم الإسفرايني وَأبي بكر بن عَبدُوس الْمُزَكي وَأبي نعيم أَحْمد بن مُحَمَّد المهرجاني وَعلي بن أَحْمد الْأَهْوَازِي وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَابْن باكوية الشِّيرَازِيّ وَالْحَاكِم وَابْن فورك وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم(5/153)
روى عَنهُ ابْنه عبد الْمُنعم وَابْن ابْنه أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْوَهَّاب بن شاه الشاذياخي ووجيه الشحامي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَخلق
وروى عَنهُ من القدماء أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره
وَوَقع لنا الْكثير من حَدِيثه
وَأخذ الْفِقْه عَن أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَعلم الْكَلَام عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك
وَاخْتلف أَيْضا يَسِيرا إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق
وَأخذ التصوف عَن أستاذه أبي عَليّ الدقاق
وَكَانَ فَقِيها بارعا أصوليا محققا متكلما سنيا مُحدثا حَافِظًا مُفَسرًا متفننا نحويا لغويا أديبا كَاتبا شَاعِرًا مليح الْخط جدا شجاعا بطلا لَهُ فِي الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح الْآثَار الجميلة
أجمع أهل عصره على أَنه سيد زَمَانه وقدوة وقته وبركة الْمُسلمين فِي ذَلِك الْعَصْر
قَالَ الْخَطِيب حدث بِبَغْدَاد وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَكَانَ يعظ وَكَانَ حسن المواعظة مليح الْإِشَارَة وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل فِيهِ الإِمَام مُطلقًا الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي الْمُفَسّر الأديب النَّحْوِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر لِسَان عصره وَسيد وقته وسر الله بَين خلقه(5/154)
شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة ومقصود سالكي الطَّرِيقَة وَبُنْدَار الْحَقِيقَة وَعين السَّعَادَة وَحَقِيقَة الملاحة لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى الراءون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع بَين علم الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة
أَصله من نَاحيَة أستوا من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان وَسَكنُوا النواحي فَهُوَ قشيري الْأَب سلمي الْأُم وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ من وُجُوه دهاقين نَاحيَة أستوا
توفّي أَبوهُ وَهُوَ طِفْل فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني فَقَرَأَ الْأَدَب والعربية عَلَيْهِ بِسَبَب اتِّصَاله بهم وَقَرَأَ على غَيره وَحضر الْبَلَد وَاتفقَ حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ الدقاق وَكَانَ لِسَان وقته فَاسْتحْسن كَلَامه وسلك طَرِيق الْإِرَادَة فَقبله الْأُسْتَاذ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم فَخرج إِلَى درس الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَشرع فِي الْفِقْه حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي بكر بن فورك وَكَانَ الْمُقدم فِي الْأُصُول حَتَّى حصلها وبرع فِيهَا وَصَارَ من أوجه تلامذته وأشدهم تَحْقِيقا وضبطا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَفرغ مِنْهُ ثمَّ بعد وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي بكر اخْتلف إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقعد يسمع جَمِيع دروسه وأتى عَلَيْهِ أَيَّام فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ
وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع فَأَعَادَ عِنْده مَا سَمعه مِنْهُ وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء فتعجب مِنْهُ وَعرف مَحَله فَأكْرمه وَقَالَ مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل فلست تحْتَاج إِلَى درسي يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي وَتنظر فِي طريقي وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ فَفعل ذَلِك وَجَمِيع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك(5/155)
ثمَّ نظر بعد ذَلِك فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ إِلَى أَن اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ
وَبعد وَفَاة الْأُسْتَاذ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ إِلَى أَن صَار أستاذ خُرَاسَان وَأخذ فِي التصنيف فصنف التَّفْسِير الْكَبِير قبل الْعشْر وَأَرْبَعمِائَة ورتب الْمجَالِس وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد والحجاز من مَشَايِخ عصره
وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من أَفْرَاد الْعَصْر وَله فِي ذَلِك الْفَنّ دقائق وعلوم انْفَرد بهَا
وَأما الْمجَالِس فِي التَّذْكِير وَالْقعُود فِيمَا بَين المريدين وأسئلتهم عَن الوقائع وخوضه فِي الْأَجْوِبَة وجريان الْأَحْوَال العجيبة فَكلهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ
أجمع أهل الْعَصْر على أَنه عديم النظير فِيهَا غير مشارك فِي أساليب الْكَلَام على الْمسَائِل وتطييب الْقُلُوب والإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ والرموز الدقيقة وتصانيفه فِيهَا الْمَشْهُورَة إِلَى غير ذَلِك من نظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان الطَّرِيقَة
وَلَقَد عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء فِي الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ يُذنب أَمَالِيهِ بأبياته وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم على الحَدِيث بإشاراته ولطائفه
وَله فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبري على النّظم
وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن فِي دمية الْقصر وَهُوَ أَن قَالَ(5/156)
الإِمَام زين الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم جَامع لأنواع المحاسن تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ خَارج فِي إحاطته بالعلوم على الْحَد البشري كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد وَله شعر يتوج بِهِ رُؤُوس معاليه إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ
قَالَ عبد الغافر وَقد أَخذ طَرِيق التصوف من الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق وَأَخذهَا أَبُو عَليّ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي والنصراباذي عَن الشبلي والشبلي عَن الْجُنَيْد والجنيد عَن السّري السَّقطِي وَالسري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي ومعروف عَن دَاوُد الطَّائِي وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين
هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته
وَمن جملَة أَحْوَاله مَا خص بِهِ من المحنة فِي الدّين والاعتقاد وَظُهُور التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي عشر سنة أَرْبَعِينَ إِلَى خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وميل بعض الْوُلَاة إِلَى الْأَهْوَاء وسعى بعض الرؤساء والقضاة إِلَيْهِ بالتخليط حَتَّى أدّى ذَلِك إِلَى رفع الْمجَالِس وتفرق شَمل الْأَصْحَاب وَكَانَ هُوَ الْمَقْصُود من بَينهم حسدا حَتَّى اضطرته الْحَال إِلَى مُفَارقَة الأوطان وامتد فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى بَغْدَاد وَورد على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ولقى فِيهَا قبولا وَعقد لَهُ الْمجْلس فِي مَنَازِله المختصة بِهِ وَكَانَ ذَلِك بِمحضر ومرأى مِنْهُ وَوَقع كَلَامه فِي مَجْلِسه الْموقع وَخرج الْأَمر بإعزازه وإكرامه وَعَاد إِلَى نيسابور وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا(5/157)
إِلَى طوس بأَهْله وَبَعض أَوْلَاده حَتَّى طلع صبح النّوبَة الْمُبَارَكَة دولة السُّلْطَان ألب أرسلان فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ عشر سِنِين فِي آخر عمره مرفها مُحْتَرما مُطَاعًا مُعظما وَأكْثر صَفوه فِي آخر أَيَّامه الَّتِي شَاهَدْنَاهُ فِيهَا أخيرا إِلَى أَن تقْرَأ عَلَيْهِ كتبه وتصانيفه وَالْأَحَادِيث المسموعة لَهُ وَمَا يؤول إِلَى نصْرَة الْمَذْهَب
بلغ المنتمون إِلَيْهِ الافا فأملوا بِذكرِهِ وتصانيفه أطرافا
انْتهى كَلَام عبد الغافر
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا بشر مُصعب بن عبد الرَّزَّاق بن مُصعب المصعبي بمرو يَقُول حضر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم مجْلِس بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار وَكَانَ قَاضِيا بمرو وَأَظنهُ قَالَ القَاضِي عَليّ الدهْقَان وَقت قدومه علينا فَلَمَّا دخل الْأُسْتَاذ قَامَ القَاضِي على رَأس السرير وَأخذ مخدة كَانَ يسْتَند عَلَيْهَا على السرير وَقَالَ لبَعض من كَانَ قَاعِدا على دَرَجَة الْمِنْبَر احملها إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام ليقعد عَلَيْهَا
ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس حججْت سنة من السنين وَكَانَ قد اتّفق أَن حج تِلْكَ السّنة هَذَا الإِمَام الْكَبِير وَأَشَارَ إِلَى الْأُسْتَاذ وَكَانَ يُقَال لتِلْك السّنة سنة الْقُضَاة وَكَانَ حج تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة نفس من قُضَاة الْمُسلمين وأئمتهم من أقطار الْبلدَانِ وأقاصي الأَرْض وَأَرَادُوا أَن يتَكَلَّم وَاحِد مِنْهُم فِي حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فاتفق الْكل على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم فَتكلم هُوَ بِاتِّفَاق مِنْهُم
قلت من سمع هَذِه الْحِكَايَة لم يستنكر مَا ذكره الْغَزالِيّ فِي بَاب الْوَلَاء فِي مَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض
وبلغنا أَنه مرض للأستاذ أبي الْقَاسِم ولد مَرضا شَدِيدا بِحَيْثُ أيس مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأُسْتَاذ فَرَأى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَام فَشكى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اجْمَعْ آيَات الشِّفَاء واقرأها عَلَيْهِ واكتبها فِي إِنَاء وَاجعَل فِيهِ مشروبا واسقه إِيَّاه فَفعل ذَلِك فَعُوفِيَ الْوَلَد
وآيات الشِّفَاء فِي الْقُرْآن سِتّ(5/158)
{ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} {وشفاء لما فِي الصُّدُور} {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} {وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء} وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يَكْتُبُونَ هَذِه الْآيَات للْمَرِيض ويسقاها فِي الْإِنَاء طلبا للعافية
وَمن تصانيف الْأُسْتَاذ التَّفْسِير الْكَبِير وَهُوَ من أَجود التفاسير وأوضحها والرسالة الْمَشْهُورَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قيل مَا تكون فِي بَيت وينكب والتحبير فِي التَّذْكِير وآداب الصُّوفِيَّة ولطائف الإشارات وَكتاب الْجَوَاهِر وعيون الْأَجْوِبَة فِي فنون الأسئلة وَكتاب الْمُنَاجَاة وَكتاب نكت أولي النهى وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الْكَبِير وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الصَّغِير وَكتاب أَحْكَام السماع وَكتاب الْأَرْبَعين فِي الحَدِيث وَقع لنا بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وَغير ذَلِك
وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذِه الطَّبَقَات عبادلة كلهم من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
قَالَ النقلَة وَلما مرض لم تفته وَلَا رَكْعَة قَائِما بل كَانَ يُصَلِّي قَائِما إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي الْمدرسَة إِلَى جَانب أستاذه أبي عَليّ الدقاق(5/159)
قَالَ أَبُو تُرَاب المراغي رَأَيْته فِي النّوم فَقَالَ أَنا فِي أطيب عَيْش وأكمل رَاحَة
وَقَالَ غَيره كَانَت للأستاذ فرس يركبهَا فَلَمَّا مَاتَ امْتنعت عَن الْعلف وَلم تطعم شَيْئا وَلم تمكن رَاكِبًا من ركُوبهَا وَمَكَثت أَيَّامًا قَلَائِل على هَذَا بعده إِلَى أَن مَاتَت
وَمن رَشِيق كَلَامه ومليح شعره وجليل الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ عبد الْمُنعم بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم سَمِعت وَالِدي يَقُول المريد لَا يفتر آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار فَهُوَ فِي الظَّاهِر بنعت المجاهدات وَفِي الْبَاطِن بِوَصْف المكابدات فَارق الْفراش ولازم الانكماش وَتحمل المصاعب وَركب المتاعب وعالج الْأَخْلَاق ومارس المشاق وَعَانَقَ الْأَهْوَال وَفَارق الأشكال كَمَا قيل
(ثمَّ قطعت اللَّيْل فِي مهمة ... لَا أسدا أخْشَى وَلَا ذيبا)
(يغلبني شوقي فأطوي السرى ... وَلم يزل ذُو الشوق مَغْلُوبًا)
وَمن شعر الْأُسْتَاذ
(يَا من تقاصر شكري عَن أياديه ... وكل كل لِسَان عَن معاليه)
(وجوده لم يزل فَردا بِلَا شبه ... علا عَن الْوَقْت ماضيه وآتيه)
(لَا دهر يخلقه لَا قهر يلْحقهُ ... لَا كشف يظهره لَا ستر يخفيه)
(لَا عد يجمعه لَا ضد يمنعهُ ... لَا حد يقطعهُ لَا قطر يحويه)
(لَا كَون يحصره لَا عون ينصره ... وَلَيْسَ فِي الْوَهم مَعْلُوم يضاهيه)
(جَلَاله أزلي لَا زَوَال لَهُ ... وَملكه دَائِم لَا شَيْء يفنيه)(5/160)
وَقَالَ أَيْضا
(لَو كنت سَاعَة بَيْننَا مَا بَيْننَا ... وَشهِدت حِين نكرر التوديعا)
(أيقنت أَن من الدُّمُوع مُحدثا ... وَعلمت أَن من الحَدِيث دموعا)
وَقَالَ أَيْضا
(وَإِذا سقيت من الْمحبَّة مصة ... ألقيت من فرط الْخمار خماري)
(كم تبت قصدا ثمَّ لَاحَ عذاره ... فخلعت من ذَاك العذار عِذَارَيْ)
وَقَالَ أَيْضا
(أَيهَا الباحث عَن دين الْهدى ... طَالبا حجَّة مَا يَعْتَقِدهُ)
(إِن مَا تطلبه مُجْتَهدا ... غير دين الشَّافِعِي لَا تَجدهُ)
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تدع خدمَة الأكابر وَاعْلَم ... أَن فِي عشرَة الصغار صغَارًا)
(وابغ من فِي يَمِينه لَك يمن ... وَترى فِي الْيَسَار مِنْهُ اليسارا)
قلت ذكرت هُنَا قولي قَدِيما
(قَبِيح بِي وَرب الْعَرْش رَبِّي ... أَخَاف الضّر أَو أخْشَى افتقارا)
(وَكَيف وَإِن أمد لَهُ يَمِينا ... لتدعو ظلّ يمنحها اليسارا)
وَقَالَ أَيْضا
(جنباني المجون يَا صاحبيا ... واتلوا سُورَة الصَّلَاة عليا)(5/161)
(قد أجبنا لزاجر الْعقل طَوْعًا ... وَتَركنَا حَدِيث سلمى وميا)
(ومنحنا لموجب الشَّرْع نشرا ... وشرعنا لموجب اللَّهْو طيا)
(وَوجدنَا إِلَى القناعة بَابا ... فَوَضَعْنَا على المطامع كيا)
(كنت فِي حر وحشتي لاختياري ... فتعوضت بالرضى مِنْهُ فيا)
(إِن من يَهْتَدِي لقطع هَوَاهُ ... فَهُوَ فِي الْعِزّ حَاز أوج الثريا)
(وَالَّذين ارتووا بكأس مُنَاهُمْ ... فعلى الصد سَوف يلقون غيا)
474 - عبد الْكَرِيم بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْصُور
أَبُو الْفضل الأزجاهي
نِسْبَة إِلَى أزجاه بِفَتْح الْألف وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْجِيم وَفِي آخرهَا الْهَاء وَهِي إِحْدَى قرى خابران من خُرَاسَان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع متقن حَافظ لمَذْهَب الشَّافِعِي متصرف فِيهِ
تفقه بنيسابور على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد ثمَّ بمرو على أبي طَاهِر السنجي وبمرو الروذ على القَاضِي الْحُسَيْن وَسمع الحَدِيث وأملى
قَالَ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
475 - عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد أَبُو الْفضل الهمذاني الفرضي الْمَعْرُوف بالمقدسي
من أهل همذان
سكن بَغْدَاد إِلَى حِين وَفَاته(5/162)
سمع أَبَا نصر بن هُبَيْرَة وَأَبا الْفضل بن عَبْدَانِ الْفَقِيه وَأَبا مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر الجناري وَغَيرهم
وَحدث باليسير
وَكَانَ من أَئِمَّة الدّين وأوعية الْعلم
وَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ مُجمل اللُّغَة لِابْنِ فَارس وغريب الحَدِيث لأبي عبيد
وَكَانَ زاهدا ناسكا عابدا ورعا
وَأما الْفَرَائِض والحساب وَقِسْمَة التركات فَكَانَ قيم عصره بهَا
وَأُرِيد على أَن يَلِي قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ وَلم يعرف أَنه اغتاب أحدا قطّ وَلَا ذكره بِمَا يستحيى مِنْهُ
وَقيل إِنَّه كَانَ على مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَقد قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل إِنَّه قَالَ لم أر فِيمَن رَأَيْت استجمع شَرَائِط الِاجْتِهَاد إِلَّا أَبَا يعلى وَابْن الصّباغ وَعبد الْملك بن إِبْرَاهِيم
وَكَانَ ظريفا لطيفا مَعَ الْوَرع ومحاسبة النَّفس والتدقيق فِي الْعَمَل
ذكره وَلَده مُحَمَّد بن عبد الْملك فِي تَارِيخه وَقَالَ كَانَ أبي إِذا أَرَادَ يؤدبني يَأْخُذ الْعَصَا بِيَدِهِ وَيَقُول نَوَيْت أَن أضْرب وَلَدي تأديبا كَمَا أَمر الله ثمَّ يضربني
قَالَ وَرُبمَا هربت قبل أَن يتم النِّيَّة
وَكَانَ عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم قد تفقه على القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ
توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وَلم يكن يخبر بمولده على مَا ذكره وَلَده أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك
وَله فتيا وقفت عَلَيْهَا وفيهَا أَنه لَا حضَانَة للعمياء وَقد ذكرنَا الْمَسْأَلَة فِي تَرْجَمَة ابْن الصّباغ(5/163)
وفيهَا أَن الْفطر فِي رَمَضَان لأجل إنقاذ الغريق إِنَّمَا يجب على من تعين عَلَيْهِ إنقاذه وَالْأَصْحَاب أطْلقُوا الْوُجُوب
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِي شرح الْمِنْهَاج وَفِي هَذَا التَّقْيِيد نظر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التواكل
476 - عبد الْملك بن عبد الله بن مَحْمُود بن صُهَيْب بن مِسْكين أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ الْفَقِيه
روى عَن أَبيض بن مُحَمَّد الفِهري صَاحب النَّسَائِيّ وَعبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي غَالب الْبَزَّار وَأبي بكر بن المهندس وَأبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن أبي هُرَيْرَة وَعلي بن الْحسن الْأَنْطَاكِي قَاضِي أذنة وَغَيرهم
روى عَنهُ الرَّازِيّ فِي مشيخته وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه كَانَ يعرف أَيْضا بالزجاج
مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة(5/164)
477 - عبد الْملك بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حيوية الْجُوَيْنِيّ
النَّيْسَابُورِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي ولد الشَّيْخ أبي مُحَمَّد
هُوَ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام الْبَحْر الحبر المدقق الْمُحَقق النظار الأصولي الْمُتَكَلّم البليغ الفصيح الأديب الْعلم الْفَرد زِينَة الْمُحَقِّقين إِمَام الْأَئِمَّة على الْإِطْلَاق عجما وعربا وَصَاحب الشُّهْرَة الَّتِي سَارَتْ السراة والحداة بهَا شرقا وغربا
هُوَ الْبَحْر وعلومه درره الفاخرة وَالسَّمَاء وفوائده الَّتِي أنارت الْوُجُود نجومها الزاهرة يمل الْحَدِيد من الْحَدِيد وذهنه لَا يمل من نصْرَة الدّين فولاذه وتكل الْأَنْفس وقلمه يسح وابل دمعه ورذاذه ويدجو اللَّيْل البهيم وَلَا ترى بَدْرًا إِلَّا وَجهه فِي محرابه وَلَا نَاظرا طرفه نَاظرا فِي كِتَابه
بَطل علم إِذا رَآهُ النظار أفحموا وَقَالُوا {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} وَفَارِس بحث يضيق على خصمائه الفضاء الْوَاسِع حَتَّى لَا يفوتهُ الهارب مِنْهُم فِي الأَرْض يحور وَلَو أَنه الطَّائِر فِي السَّمَاء يحوم
تفد المشكلات إِلَيْهِ فيصدها وَترد السؤالات عَلَيْهِ فَلَا يردهَا
(أبدا على طرف اللِّسَان جَوَابه ... فَكَأَنَّمَا هِيَ دفْعَة من صيب)
(يَغْدُو مساجله بعزة صَافح ... وَيروح معترفا بذلة مذنب)(5/165)
وَمَا برح يدأب لَا يتْرك سامية إِلَّا علاها وَلَا غَايَة إِلَّا قطع دونهَا أنفاس الْمجَاز وَقطع مُنْتَهَاهَا بذهن صَحَّ على نقد الْفِكر إبريزه ووضح فِي ميدان الْجِدَال تبريزه حَتَّى قَالَ لَهُ الدَّهْر لقد اشْتبهَ يَوْمك بأمسك وَقَالَت العلياء هَذَا حدي قف عِنْده على رسلك ارْفُقْ بِنَفْسِك وَأمْسك
هَذَا إِلَى لفظ غرَّة سحر إِلَّا أَنه حل وبل ودره يَتِيم إِلَّا أَنه لَا يذل بفصيح كلم قَالَت النُّحَاة هَذَا مَا عجز عَنهُ زيد وَعَمْرو وخَالِد وبليغ قَول قَالَت البلغاء قصر عَن مداه طريف الفصاحة والتالد
(وَمَا أرى أحدا فِي النَّاس يُشبههُ ... وَمَا أحاشي من الأقوام من أحد)
أجل وَالله إِنَّه لذُو حَظّ عَظِيم وَقدر إِذا أنصفت العداة أصبح وَإِذا الَّذِي بَينه وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم
وعظمة أمست ديار الْأَعْدَاء بهَا وَهِي محلات مآتم وجلالة قَالَ القَاضِي لَا يكتمها الشَّاهِد الْمعدل عِنْدِي وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم
ومهابة يتضاءل النَّجْم دونهَا وتود الْأسود أَن تكونها وَلَا تكون إِلَّا دونهَا
وفخار لَو رَأَتْهُ الْأُم لقالت قري عينا أيتها النَّفس بِهَذَا الْوَلَد أَو الْمُزنِيّ لعلم أَن بَنَات قرائحه انْتَهَت إِلَيْهِ أَبْكَارًا وَاتخذ مِنْهَا مَا عز كل وَاحِد(5/166)
وأبحاث لَو عارضها الْقفال شيخ الخراسانيين لقيل هَذَا يضْرب فِي حَدِيد بَارِد وَلَو عرضت على شيخ الْعِرَاقِيّين لقَالَ ابْن أبي طَاهِر أَنا شيخ الطَّائِفَة وَأَنا حَامِد وَأَبُو حَامِد
وشعار أَوَى الْأَشْعَرِيّ مِنْهُ إِلَى ركن شَدِيد وَاعْتَزل المعتزلي المناظرة علما أَنه مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد
إِذا صعد الْمِنْبَر مد يَده إِلَى الفراقد وأنشده الْفضل
(وَلما رَأَيْت النَّاس دون مَحَله ... تيقنت أَن الدَّهْر للنَّاس ناقد)
وَإِذا وعظ ألبس الْأَنْفس من الخشية ثوبا جَدِيدا ونادته الْقُلُوب إننا بشر فَأَسْجِحْ فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا
وَإِذا نَاظر قعد الْأسد فَلَا يَسْتَطِيع أَن يقوم وَقَامَ الْحق بِحَيْثُ يحضر أندية الدّين وَسُهيْل قد نبذ بالعراء كَأَنَّهُ مَذْمُوم وَإِذا قصد رباع المبتدعة هد شبهها ببراهين قَائِمَة على عمد وَأنْشد من رَآهَا
(أمست خلاء وَأمسى أَهلهَا احتملوا ... أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد)
رَبِّي فِي حجر الْعلم رشيدا حَتَّى رَبًّا وارتضع ثدي الْفضل فَكَانَ فطامه هَذَا النبا وَأحكم الْعَرَبيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا من عُلُوم الْأَدَب وأوتي من الفصاحة والبلاغة مَا عجز الفصحاء وحير البلغاء وَسكت من نطق ودأب
وَكَانَ يذكر دروسا كل درس مِنْهَا تضيق الأوراق العديدة عَن استيعابه وَيقصر(5/167)
مد الْبَحْر عَن مدى عبابه غير متلعثم فِي الْكَلَام وَلَا مُحْتَاج إِلَى اسْتِدْرَاك عَثْرَة فِي لَفْظَة جرت على غير النظام بل جَار كالسيل منحدرا والبرق إِذا سرى
يعلم المتعمقون أَنه لَا يدْرك لَهُ حد ويعترف المبرزون بِأَنَّهُ عمل صَالحا وَأحسن فِي السرد
قَالَ الثِّقَات إِن مَا يُوجد فِي مصنفاته من الْعبارَات قَطْرَة من سيل كَانَ يجريه لِسَانه على شَفَتَيْه عِنْد المذاكرة وغرفة من بَحر كَانَ يفِيض من فَمه فِي مجَالِس المناظرة
وَأَقُول من ظن أَن فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة من يداني فَصَاحَته فَلَيْسَ على بَصِيرَة من أمره وَمن حسب أَن فِي المصنفين من يحاكي بلاغته فَلَيْسَ يدْرِي مَا يَقُول
شرح حَال ابْتِدَاء الإِمَام
ولد فِي ثامن عشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة واعتنى بِهِ وَالِده من صغره لَا بل من قبل مولده
وَذَلِكَ أَن أَبَاهُ اكْتسب من عمل يَده مَالا خَالِصا من الشُّبْهَة اتَّصل بِهِ إِلَى والدته فَلَمَّا وَلدته لَهُ حرص على أَن لَا يطعمهُ مَا فِيهِ شُبْهَة فَلم يمازح بَاطِنه إِلَّا الْحَلَال الْخَالِص حَتَّى يحْكى أَنه تلجلج مرّة فِي مجْلِس مناظرة فَقيل لَهُ يَا إِمَام مَا هَذَا الَّذِي لم يعْهَد مِنْك فَقَالَ مَا أَرَاهَا إِلَّا آثَار بقايا المصة
قيل وَمَا نبأ هَذِه المصة قَالَ إِن أُمِّي اشتغلت فِي طَعَام تطبخه لأبي وَأَنا رَضِيع فَبَكَيْت وَكَانَت عندنَا جَارِيَة مُرْضِعَة لجيراننا فأرضعتني مصة أَو مصتين وَدخل وَالِدي فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْجَارِيَة لَيست ملكا لنا وَلَيْسَ لَهَا أَن تتصرف فِي لَبنهَا وأصحابها لم يأذنوا فِي ذَلِك(5/168)
وقلبني وفوعني حَتَّى لم يدع فِي باطني شَيْئا إِلَّا أخرجه وَهَذِه اللجلجة من بقايا تِلْكَ الْآثَار
فَانْظُر إِلَى هَذَا الْأَمر العجيب وَإِلَى هَذَا الرجل الْغَرِيب الَّذِي يُحَاسب نَفسه على يسير جرى فِي زمن الصِّبَا الَّذِي لَا تَكْلِيف فِيهِ وَهَذَا يدنو مِمَّا حُكيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
ثمَّ أَخذ الإِمَام فِي الْفِقْه على وَالِده وَكَانَ وَالِده يعجب بِهِ وَيسر لما يرى فِيهِ من مخايل النجابة وأمارات الْفَلاح
وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والأصولين وَغَيرهَا وشاع اسْمه واشتهر فِي صباه وَضربت باسمه الْأَمْثَال حَتَّى صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ وأوقف عُلَمَاء الْمشرق وَالْمغْرب معترفين بِالْعَجزِ بَين يَدَيْهِ وسلك طَرِيق الْبَحْث وَالنَّظَر وَالتَّحْقِيق بِحَيْثُ أربى على كثير من الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين
وَلَا يشك ذُو خبْرَة أَنه كَانَ أعلم أهل الأَرْض بالْكلَام وَالْأُصُول وَالْفِقْه وَأَكْثَرهم تَحْقِيقا بل الْكل من بحره يَغْتَرِفُونَ وَأَن الْوُجُود مَا أخرج بعده لَهُ نظيرا
وَأما التَّفْضِيل الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين من تقدمه فقد طَال الشَّرْح فِيهِ فِي عصره وَلَا نرى للبحث عَن ذَلِك معنى
ثمَّ توفّي وَالِده وسنه نَحْو الْعشْرين وَهُوَ مَعَ ذَلِك من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين فَأقْعدَ مَكَانَهُ فِي التدريس فَكَانَ يدرس ثمَّ يذهب بعد ذَلِك إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول عِنْد أستاذه أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه(5/169)
قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي وَقد سمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه كنت علقت عَلَيْهِ فِي الْأُصُول أَجزَاء مَعْدُودَة وطالعت فِي نَفسِي مائَة مجلدة
وَكَانَ يصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي التَّحْصِيل ويبكر كل يَوْم قبل الِاشْتِغَال بدرس نَفسه إِلَى مَسْجِد أبي عبد الله الْخَبَّازِي يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن ويقتبس من كل نوع من الْعُلُوم مَا يُمكنهُ مَعَ مواظبته على التدريس وَينْفق مَا وَرثهُ وَمَا كَانَ يدْخل لَهُ على المتفقهة ويجتهد فِي المناظرة ويواظب عَلَيْهَا إِلَى أَن ظهر التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ واضطربت الْأَحْوَال والأمور
قَالَ عبد الغافر فاضطر إِلَى السّفر وَالْخُرُوج عَن الْبَلَد فَخرج مَعَ الْمَشَايِخ إِلَى المعسكر وَخرج إِلَى بَغْدَاد يطوف مَعَ المعسكر ويلتقي بالأكابر من الْعلمَاء ويدارسهم ويناظرهم حَتَّى طَار ذكره فِي الأقطار وشاع ذكره واسْمه فَمَلَأ الديار ثمَّ زَمْزَم لَهُ الْحَادِي بِذكر زَمْزَم وناداه على بعد الديار الْبَيْت الْحَرَام فلبى وَأحرم وَتوجه حَاجا وجاور بِمَكَّة أَربع سِنِين يدرس ويفتي ويجتهد فِي الْعِبَادَة وَنشر الْعلم حَتَّى شرف بِهِ ذَلِك النادي وأشرقت تلاع ذَلِك الْوَادي وأسبلت عَلَيْهِ الْكَعْبَة ستورها وَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَهُوَ يطوف بهَا كلما اسود جنح اللَّيَالِي بيض بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة ديجورها وصفت نِيَّته مَعَ الله فَلَو كَانَت الصَّفَا ذَات لِسَان لشافهته جهارا وشكر لَهُ الْمَسْعَى بَين الصَّفَا والمروة إقبالا وإدبارا
ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور بعد ولَايَة السُّلْطَان ألب أرسلان وتزين وَجه الْملك بِإِشَارَة نظام الْملك واستقرت أُمُور الْفَرِيقَيْنِ وَانْقطع التعصب(5/170)
وَقد قدمنَا حِكَايَة الْفِتْنَة فِي تَرْجَمَة أبي سهل بن الْمُوفق
فبنيت لَهُ الْمدرسَة النظامية بنيسابور وأقعد للتدريس فِيهَا واستقامت أُمُور الطّلبَة وَبَقِي على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة غير مُزَاحم وَلَا مدافع مُسلما لَهُ الْمِحْرَاب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التَّذْكِير يَوْم الْجُمُعَة والمناظرة وهجرت الْمجَالِس من أَجله وانغمر غَيره من الْفُقَهَاء بِعِلْمِهِ وكسدت الْأَسْوَاق فِي جنبه ونفق سوق الْمُحَقِّقين من خواصه وتلامذته فظهرت تصانيفه وَحضر درسه الأكابر وَالْجمع الْعَظِيم من الطّلبَة وَكَانَ يقْعد بَين يَدَيْهِ كل يَوْم نَحْو من ثَلَاثمِائَة رجل من الْأَئِمَّة وَمن الطّلبَة وَاتفقَ لَهُ من الْمُوَاظبَة على التدريس والمناظرة مَا لم يعْهَد لغيره مَعَ الوجاهة الزَّائِدَة فِي الدُّنْيَا
وَسمع الحَدِيث فِي صباه من وَالِده وَمن أبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن بن حمدَان النصروي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يحيى الْمُزَكي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَلَيْك وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز النيلي وَغَيرهم
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ وَحدث
وروى عَنهُ زَاهِر الشحامي وَأَبُو عبد الله الفراوي وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم
وَمن تصانيفه النِّهَايَة فِي الْفِقْه لم يصنف فِي الْمَذْهَب مثلهَا فِيمَا أَجْزم بِهِ
والشامل فِي أصُول الدّين
والبرهان فِي أصُول الْفِقْه
والإرشاد فِي أصُول الدّين
وَالتَّلْخِيص مُخْتَصر التَّقْرِيب والإرشاد أصُول فقه أَيْضا(5/171)
والورقات فِيهِ أَيْضا
وغياث الْأُمَم
ومغيث الْخلق فِي تَرْجِيح مَذْهَب الشَّافِعِي
والرسالة النظامية
ومدارك الْعُقُول
وَله ديوَان خطب مَشْهُور
وَله مُخْتَصر النِّهَايَة اختصرها بِنَفسِهِ وَهُوَ عَزِيز الْوُقُوع من محَاسِن كتبه قَالَ هُوَ نَفسه فِيهِ إِنَّه يَقع فِي الحجم من النِّهَايَة أقل من النّصْف وَفِي الْمَعْنى أَكثر من الضعْف
ذكر شَيْء من ثَنَاء أهل عصره عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ تمَتَّعُوا بِهَذَا الإِمَام فَإِنَّهُ نزهة هَذَا الزَّمَان يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَقَالَ لَهُ مرّة يَا مُفِيد أهل الْمشرق وَالْمغْرب لقد اسْتَفَادَ من علمك الْأَولونَ وَالْآخرُونَ(5/172)
وَقَالَ لَهُ مرّة أُخْرَى أَنْت الْيَوْم إِمَام الْأَئِمَّة
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي وَقد سمع كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي بعض المحافل صرف الله المكاره عَن هَذَا الإِمَام فَهُوَ الْيَوْم قُرَّة عين الْإِسْلَام والذاب عَنهُ بِحسن الْكَلَام
ولعلي بن الْحسن الباخرزي فِيهِ وَهُوَ شَاب كَلَام سيمر بك فِي أثْنَاء كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي
ونقلت من خطّ ابْن الصّلاح أنْشد بعض من رأى إِمَام الْحَرَمَيْنِ
(لم تَرَ عَيْني أحدا ... تَحت أَدِيم الْفلك)
(مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ ... النّدب عبد الْملك)
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ هُوَ إِمَام عصره ونسيج وَحده ونادرة دهره عديم الْمثل فِي حفظه وَبَيَانه وَلسَانه
قَالَ وَإِلَيْهِ الرحلة من خُرَاسَان وَالْعراق والحجاز
وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو سعيد الطَّبَرِيّ وَقد قيل لَهُ إِنَّه لقب إِمَام الْحَرَمَيْنِ بل هُوَ إِمَام خُرَاسَان وَالْعراق لفضله وتقدمه فِي أَنْوَاع الْعُلُوم
وَكَانَ الْفَقِيه الإِمَام غَانِم الموشيلي ينشد لغيره فِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ
(دعوا لبس الْمَعَالِي فَهُوَ ثوب ... على مِقْدَار قد أَبى الْمَعَالِي)(5/173)
وروى ابْن السَّمْعَانِيّ أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نَاظر فيلسوفا فِي مَسْأَلَة خلق الْقُرْآن فقذف بِالْحَقِّ على باطله ودمغه دمغا ودحض شبهه دحضا ووضح كَلَامه فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى اعْترف الْمُوَافق والمخالف لَهُ بالغلبة
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي لَو ادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْيَوْم النُّبُوَّة لاستغنى بِكَلَامِهِ هَذَا عَن إِظْهَاره المعجزة
ذكر كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي فِيهِ وَهُوَ آتٍ بغالب التَّرْجَمَة
وَلَا علينا إِذا تكَرر بعض مَا مضى ذكره
قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي الْحَافِظ فِي سِيَاق نيسابور إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَخر الْإِسْلَام إِمَام الْأَئِمَّة على الْإِطْلَاق حبر الشَّرِيعَة الْمجمع على إِمَامَته شرقا وغربا الْمقر بفضله السراة والحداة عجما وعربا من لم تَرَ الْعُيُون مثله قبله وَلَا ترى بعده
رباه حجر الْإِمَامَة وحرك ساعد السَّعَادَة مهده وأرضعه ثدي الْعلم والورع إِلَى أَن ترعرع فِيهِ ويفع
أَخذ من الْعَرَبيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا أوفر حَظّ وَنصِيب فَزَاد فِيهَا على كل أديب ورزق من التَّوَسُّع فِي الْعبارَة وعلوها مَا لم يعْهَد من غَيره حَتَّى أنسى ذكر سحبان وفَاق فِيهَا الأقران وَحمل الْقُرْآن فأعجز الفصحاء اللد وَجَاوَزَ الْوَصْف وَالْحَد وكل من سمع خَبره وَرَأى أَثَره فَإِذا شَاهده أقرّ بِأَن خَبره يزِيد كثيرا على الْخَبَر ويبر على مَا عهد من الْأَثر
وَكَانَ يذكر دروسا يَقع كل وَاحِد مِنْهَا فِي أطباق وأوراق لَا يتلعثم فِي كلمة(5/174)
وَلَا يحْتَاج إِلَى اسْتِدْرَاك عَثْرَة مرا فِيهَا كالبرق الخاطف بِصَوْت مُطَابق كالرعد القاصف ينزف فِيهِ لَهُ المبرزون وَلَا يدْرك شأوه المتشدقون المتعمقون وَمَا يُوجد مِنْهُ فِي كتبه من الْعبارَات الْبَالِغَة كنه الفصاحة غيض من فيض مَا كَانَ على لِسَانه وغرفة من أمواج مَا كَانَ يعْهَد من بَيَانه
تفقه فِي صباه على وَالِده ركن الْإِسْلَام فَكَانَ يزهى بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وكياسة غريزته لما يرى فِيهِ من المخايل فخلفه فِيهِ من بعد وَفَاته وأتى على جَمِيع مصنفاته فقلبها ظهرا لبطن وَتصرف فِيهَا وَخرج الْمسَائِل بَعْضهَا على بعض ودرس سِنِين وَلم يرض فِي شبابه بتقليد وَالِده وَأَصْحَابه حَتَّى أَخذ فِي التَّحْقِيق وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف ومجلس النّظر حَتَّى ظَهرت نجابته ولاح على أَيَّامه همة أَبِيه وفراسته وسلك طَرِيق المباحثة وَجمع الطّرق بالمطالعة والمناظرة والمناقشة حَتَّى أربى على الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين
وَمن ابْتِدَاء أمره أَنه لما توفّي أَبوهُ كَانَ سنه دون الْعشْرين أَو قَرِيبا مِنْهُ فَأقْعدَ مَكَانَهُ للتدريس فَكَانَ يُقيم الرَّسْم فِي درسه وَيقوم مِنْهُ وَيخرج إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول وأصول الْفِقْه على الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه وَقد سمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه كنت علقت عَلَيْهِ فِي الْأُصُول أَجزَاء مَعْدُودَة وطالعت فِي نَفسِي مائَة مجلدة
وَكَانَ يصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي التَّحْصِيل حَتَّى فرغ مِنْهُ ويبكر كل يَوْم قبل الِاشْتِغَال بدرس نَفسه إِلَى مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عبد الله الْخَبَّازِي يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن ويقتبس من كل نوع من الْعُلُوم مَا يُمكنهُ مَعَ مواظبته على التدريس وَينْفق مَا وَرثهُ وَمَا كَانَ لَهُ من الدخل(5/175)
على إِجْرَاء المتفقهة ويجتهد فِي ذَلِك ويواظب على المناظرة إِلَى أَن ظهر التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ واضطربت الْأَحْوَال والأمور فاضطر إِلَى السّفر وَالْخُرُوج عَن الْبَلَد فَخرج مَعَ الْمَشَايِخ إِلَى المعسكر وَخرج إِلَى بَغْدَاد يطوف مَعَ المعسكر ويلتقي بالأكابر من الْعلمَاء ويدارسهم ويناظرهم حَتَّى تهذب فِي النّظر وشاع ذكره
ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز وجاور بِمَكَّة أَربع سِنِين يدرس ويفتي وَيجمع طرق الْمَذْهَب وَيقبل على التَّحْصِيل إِلَى أَن اتّفق رُجُوعه بعد مُضِيّ نوبَة التعصب فَعَاد إِلَى نيسابور وَقد ظَهرت نوبَة ولَايَة السُّلْطَان ألب أرسلان وتزين وَجه الْملك بِإِشَارَة نظام الْملك واستقرت أُمُور الْفَرِيقَيْنِ وَانْقطع التعصب فَعَاد إِلَى التدريس وَكَانَ بَالغا فِي الْعلم نهايته مستجمعا أَسبَابه فبنيت الْمدرسَة الميمونة النظامية وأقعد للتدريس فِيهَا واستقامت أُمُور الطّلبَة
وَبَقِي على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة غير مُزَاحم وَلَا مدافع مُسلما لَهُ الْمِحْرَاب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التَّذْكِير يَوْم الْجُمُعَة والمناظرة وهجرت لَهُ الْمجَالِس وانغمر غَيره من الْفُقَهَاء بِعِلْمِهِ وتسلطه وكسدت الْأَسْوَاق فِي جنبه ونفق سوق الْمُحَقِّقين من خواصه وتلامذته وَظَهَرت تصانيفه وَحضر درسه الأكابر والجم الْعَظِيم من الطّلبَة وَكَانَ يقْعد بَين يَدَيْهِ كل يَوْم نَحْو من ثَلَاثمِائَة رجل من الْأَئِمَّة وَمن الطّلبَة
وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة والفحول وَأَوْلَاد الصُّدُور حَتَّى بلغُوا مَحل التدريس فِي زَمَانه(5/176)
وانتظم بإقباله على الْعلم ومواظبته على التدريس والمناظرة والمباحثة أَسبَاب ومحافل ومجامع وإمعان فِي طلب الْعلم وسوق نافقة لأَهله لم تعهد قبله
واتصل بِهِ مَا يَلِيق بمنصبه من الْقبُول عِنْد السُّلْطَان والوزير والأركان ووفور الحشمة عِنْدهم بِحَيْثُ لَا يذكر غَيره فَكَانَ الْمُخَاطب والمشار إِلَيْهِ والمقبول من قبله والمهجور من هجره والمصدر فِي الْمجَالِس من ينتمي إِلَى خدمته والمنظور إِلَيْهِ من يغترف فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع من طَرِيقَته
وَاتفقَ مِنْهُ تصانيف برسم الحضرة النظامية مثل النظامي والغياثي وإنفاذها إِلَى الحضرة ووقوعها موقع الْقبُول ومقابلتها بِمَا يَلِيق بهَا من الشُّكْر وَالرِّضَا وَالْخلْع الفائقة والمراكب المثمنة والهدايا والمرسومات
وَكَذَلِكَ إِلَى أَن قلد زعامة الْأَصْحَاب ورياسة الطَّائِفَة وفوض إِلَيْهِ أُمُور الْأَوْقَاف
وَصَارَت حشمته وزر الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة والقضاة وَقَوله فِي الْفَتْوَى مرجع العظماء والأكابر والولاة
واتفقت لَهُ نهضة فِي أَعلَى مَا كَانَ من أَيَّامه إِلَى أَصْبَهَان بِسَبَب مُخَالفَة بعض من الْأَصْحَاب فلقي بهَا من الْمجْلس النظامي مَا كَانَ اللَّائِق بمنصبه من الاستبشار والإعزاز وَالْإِكْرَام بأنواع المبار وَأجِيب بِمَا كَانَ فَوق مَطْلُوبه وَعَاد مكرما إِلَى نيسابور
وَصَارَ أَكثر عنايته مصروفا إِلَى تصنيف الْمَذْهَب الْكَبِير الْمُسَمّى بنهاية الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب حَتَّى حَرَّره وأملاه وأتى فِيهِ من الْبَحْث والتقرير والسبك والتنقير والتدقيق وَالتَّحْقِيق بِمَا شفى الغليل وأوضح السَّبِيل وَنبهَ على قدره وَمحله فِي علم الشَّرِيعَة ودرس ذَلِك للخواص من التلامذة وَفرغ مِنْهُ وَمن إِتْمَامه فعقد مَجْلِسا لتتمة الْكتاب(5/177)
حَضَره الْأَئِمَّة والكبار وَختم الْكتاب على رسم الْإِمْلَاء والاستملاء وتبجح الْجَمَاعَة بذلك ودعوا لَهُ وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ من الْمُعْتَدِينَ بإتمام ذَلِك الشَّاكِرِينَ لله عَلَيْهِ فَمَا صنف فِي الْإِسْلَام قبله مثله وَلَا اتّفق لأحد مَا اتّفق لَهُ وَمن قَاس طَرِيقَته بطريقة الْمُتَقَدِّمين فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وأنصف أقرّ بعلو منصبه ووفور تَعبه ونصبه فِي الدّين وَكَثْرَة سهره فِي استنباط الغوامض وَتَحْقِيق الْمسَائِل وترتيب الدَّلَائِل
وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن بن أبي الطّيب الباخرزي فِي كتاب دمية الْقصر مُشْتَمِلًا على حَاله وَهُوَ فقد كَانَ فِي عصر الشَّبَاب غير مُسْتَكْمل مَا عهدناه عَلَيْهِ من اتساق الْأَسْبَاب وَهُوَ أَن قَالَ فَتى الفتيان وَمن أَنْجَب بِهِ الفتيان وَلم يخرج مثله المفتيان عنيت النُّعْمَان بن ثَابت وَمُحَمّد بن إِدْرِيس فالفقه فقه الشَّافِعِي وَالْأَدب أدب الْأَصْمَعِي وَحسن بَصَره بالوعظ لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وكيفما كَانَ فَهُوَ إِمَام كل إِمَام والمستعلي بهمته على كل همام والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام إِذا تصدر للفقه فالمزني من مزنته قَطْرَة وَإِذا تكلم فالأشعري من وفرته شعره وَإِذا خطب ألْجم الفصحاء بالعي شقاشقه الهادرة ولثم البلغاء بِالصَّمْتِ حقائقه البادرة وَلَوْلَا سَده مَكَان أَبِيه بسده الَّذِي أفرغ على قطره قطر تأبيه لأصبح مَذْهَب الحَدِيث حَدِيثا وَلم يجد المستغيث مِنْهُم مغيثا(5/178)
قَالَ أَبُو الْحسن هَذَا وَهُوَ وَحقّ الْحق فَوق مَا ذكره وَأَعْلَى مِمَّا وَصفه فكم من فصل مُشْتَمل على الْعبارَات الفصيحة الْعَالِيَة والنكت البديعة النادرة فِي المحافل مِنْهُ سمعناه
وَكم من مسَائِل فِي النّظر شهدناه ورأينا مِنْهُ إفحام الْخُصُوم وعهدناه
وَكم من مجْلِس فِي التَّذْكِير للعوام مسلسل الْمسَائِل مشحون بالنكت المستنبطة من مسَائِل الْفِقْه مُشْتَمِلَة على حقائق الْأُصُول مبكية فِي التحذير مفرجة فِي التبشير مختومة بالدعوات وفنون الْمُنَاجَاة حضرناه
وَكم من مجمع للتدريس حاو للكبار من الْأَئِمَّة وإلقاء الْمسَائِل عَلَيْهِم والمباحثة فِي غورها رَأَيْنَاهُ وحصلنا بعض مَا أمكننا مِنْهُ وعلقناه وَلم نقدر مَا كُنَّا فِيهِ من نَضرة أَيَّامه وزهرة شهوره وأعوامه حق قدره وَلم نشكر الله عَلَيْهِ حق شكره حَتَّى فقدناه وسلبناه
وسمعته فِي أثْنَاء كَلَام يَقُول أَنا لَا أَنَام وَلَا آكل عَادَة وَإِنَّمَا أَنَام إِذا غلبني النّوم لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وآكل إِذا اشْتهيت الطَّعَام أَي وَقت كَانَ
وَكَانَ لذته ولهوه ونزهته فِي مذاكرة الْعلم وَطلب الْفَائِدَة من أَي نوع كَانَ
وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْحسن عَليّ بن فضال بن عَليّ الْمُجَاشِعِي النَّحْوِيّ القادم علينا سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة يَقُول وَقد قبله الإِمَام فَخر الْإِسْلَام وقابله بالإكرام وَأخذ فِي قِرَاءَة النَّحْو عَلَيْهِ والتلمذة لَهُ بعد أَن كَانَ إِمَام الْأَئِمَّة فِي وقته وَكَانَ يحملهُ كل يَوْم إِلَى دَاره وَيقْرَأ عَلَيْهِ كتاب إكسير الذَّهَب فِي صناعَة الْأَدَب من تصنيفه فَكَانَ يَحْكِي(5/179)
يَوْمًا وَيَقُول مَا رَأَيْت عَاشِقًا للْعلم أَي نوع كَانَ مثل هَذَا الإِمَام فَإِنَّهُ يطْلب الْعلم للْعلم وَكَانَ كَذَلِك
وَمن حميد سيرته أَنه مَا كَانَ يستصغر أحدا حَتَّى يسمع كَلَامه شاديا كَانَ أَو متناهيا فَإِن أصَاب كياسة فِي طبع أَو جَريا على منهاج الْحَقِيقَة اسْتَفَادَ مِنْهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وَلَا يستنكف عَن أَن يعزى الْفَائِدَة المستفادة إِلَى قَائِلهَا وَيَقُول إِن هَذِه الْفَائِدَة مِمَّا استفدته من فلَان وَلَا يحابي أحدا فِي التزييف إِذا لم يرض كلَاما وَلَو كَانَ أَبَاهُ أَو أحدا من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين
وَكَانَ من التَّوَاضُع لكل أحد بِمحل يتخيل مِنْهُ الِاسْتِهْزَاء لمبالغته فِيهِ وَمن رقة الْقلب بِحَيْثُ يبكي إِذا سمع بَيْتا أَو تفكر فِي نَفسه سَاعَة
وَإِذا شرع فِي حِكَايَة الْأَحْوَال وخاض فِي عُلُوم الصُّوفِيَّة فِي فُصُول مجالسه بالغدوات أبكى الْحَاضِرين ببكائه وقطر الدِّمَاء من الجفون بزعقاته ونعراته وإشاراته لاحتراقه فِي نَفسه وتحققه بِمَا يجْرِي من دقائق الْأَسْرَار
هَذِه الْجُمْلَة نبذ مِمَّا عهدناه مِنْهُ إِلَى انْتِهَاء أَجله فأدركه قَضَاء الله الَّذِي لَا بُد مِنْهُ بعد مَا مرض قبل ذَلِك مرض اليرقان وَبَقِي بِهِ أَيَّامًا ثمَّ برأَ مِنْهُ وَعَاد إِلَى الدَّرْس والمجلس وَأظْهر النَّاس من الْخَواص والعوام السرُور بِصِحَّتِهِ وإقباله من علته فَبعد ذَلِك بِعَهْد قريب(5/180)
مرض المرضة الَّتِي توفّي فِيهَا وَبَقِي فِيهَا أَيَّامًا وغلبت عَلَيْهِ الْحَرَارَة الَّتِي كَانَت تَدور فِي طبعه إِلَى أَن ضعف وَحمل إِلَى بشتنقان لاعتدال الْهَوَاء وخفة المَاء فَزَاد الضعْف وبدت عَلَيْهِ مخايل الْمَوْت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد صَلَاة الْعَتَمَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَنقل فِي اللَّيْلَة إِلَى الْبَلَد وَقَامَ الصياح من كل جَانب وجزع الْفرق عَلَيْهِ جزعا لم يعْهَد مثله وَحمل بَين الصَّلَاتَيْنِ من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى ميدان الْحُسَيْن وَلم تفتح الْأَبْوَاب فِي الْبَلَد وَوضعت المناديل عَن الرُّءُوس عَاما بِحَيْثُ مَا اجترأ أحد على ستر رَأسه من الرُّءُوس والكبار
وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الإِمَام أَبُو الْقَاسِم بعد جهد جهيد حَتَّى حمل إِلَى دَاره من شدَّة الزحمة وَقت التطفيل وَدفن فِي دَاره وَبعد سِنِين نقل إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن
وَكسر منبره فِي الْجَامِع المنيعي وَقعد النَّاس للعزاء أَيَّامًا عزاء عَاما وَأكْثر الشُّعَرَاء المراثي فِيهِ
وَكَانَ الطّلبَة قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة نفر يطوفون فِي الْبَلَد نائحين عَلَيْهِ مكسرين المحابر والأقلام مبالغين فِي الصياح والجزع
وَكَانَ مولده ثامن عشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن تسع وَخمسين سنة
سمع الحَدِيث الْكثير فِي صباه من مَشَايِخ مثل الشَّيْخ أبي حسان وَأبي سعد ابْن عَلَيْك وَأبي سعد النصروي وَمَنْصُور بن رامش وَجمع لَهُ كتاب الْأَرْبَعين فسمعناه مِنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ(5/181)
وَقد سمع سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من أبي سعد بن عَلَيْك وَكَانَ يعْتَمد تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَيذكر الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِنْهَا فِي الروَاة
وظني أَن آثَار جده واجتهاده فِي دين الله يَدُوم إِلَى يَوْم السَّاعَة وَإِن انْقَطع نَسْله من جِهَة الذُّكُور ظَاهرا فنشر علمه يقوم مقَام كل نسب ويغنيه عَن كل نشب مكتسب وَالله تَعَالَى يسْقِي فِي كل لَحْظَة جَدِيدَة تِلْكَ الرَّوْضَة الشَّرِيفَة عزالي رَحمته وَيزِيد فِي ألطافه وكرامته بفضله ومنته إِنَّه ولي كل خير
وَمِمَّا قيل عِنْد وَفَاته
(قُلُوب الْعَالمين على المقالي ... وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي)
(أيثمر غُصْن أهل الْفضل يَوْمًا ... وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي)
انْتهى كَلَام عبد الغافر
وَقد سَاقه بِكَمَالِهِ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين
وَأما شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر الله لَهُ فَإِنَّهُ حَار كَيفَ يصنع فِي تَرْجَمَة هَذَا الإِمَام الَّذِي هُوَ من محَاسِن هَذِه الْأمة المحمدية وَكَيف يمزقها فقرطم مَا أمكنه ثمَّ قَالَ وَقد ذكره عبد الغافر فأسهب وَأَطْنَبَ
إِلَى أَن قَالَ وَكَانَ يذكر دروسا وسَاق نَحْو ثَلَاثَة أسطر من أخريات كَلَام عبد الغافر ثمَّ كَأَنَّهُ سئم ومل لِأَن مثله مثل مَحْمُول على تقريظ عَدو لَهُ فَقَالَ بعد أَن انْتهى من ذكر السطور الثَّلَاثَة الَّتِي حَكَاهَا مَا نَصه وَذكر التَّرْجَمَة بِطُولِهَا انْتهى
فَيُقَال لَهُ هلا زينت كتابك بهَا وطرزته بمحاسنها فَإِنَّهُ أولى من خرافات تحكيها لأقوام لَا يعبأ الله بهم بل ذكر أمورا سنبحث عَنْهَا بعد أَن نتكلم على أَلْفَاظ غَرِيبَة وَقعت فِي هَذِه التَّرْجَمَة
قَوْله ترعرع أَي تحرّك وَنَشَأ(5/182)
قَوْله يفع كَذَا وجدته وَصَوَابه أَيفع بِهَمْزَة يُقَال أَيفع الْغُلَام أَي ارْتَفع فَهُوَ يافع وَغُلَام يفع أَي مُرْتَفع
قَوْله يبر على مَا عهد من الْأَثر أَي يزِيد ويعلو
وَهُوَ بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَأبر فلَان على أَصْحَابه أَي علاهم
قَول الباخرزي فِي دمية الْقصر حقائقه البادرة أَي الحادة والبادرة الحدة أَو البديهة فَإِن البادرة تطلق عَلَيْهِمَا
قَوْله وَلَوْلَا سَده مَكَان أَبِيه سد بِفَتْح السِّين وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَمَكَان مَفْعُوله
قَوْله بسده بِضَم السِّين وَيجوز فتحهَا أَي بحاجزه والسد الْجَبَل والحاجز
قَوْله أفرغ على قطره الْقطر بِضَم الْقَاف هُوَ النَّاحِيَة
قَوْله قطر بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الطَّاء وَهُوَ النّحاس الْمُذَاب
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أفرغ عَلَيْهِ قطرا}
وَمذهب الحَدِيث مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَذَلِكَ اصْطِلَاح أهل خُرَاسَان إِذا أطْلقُوا أَصْحَاب الحَدِيث يعنون الشَّافِعِيَّة
وَتَمام كَلَام الباخرزي بعد ذَلِك فِي دمية الْقصر وَله يَعْنِي لإِمَام الْحَرَمَيْنِ شعر لَا يكَاد يبديه وَأَرْجُو أَن يضيفه قبل إِلَى سوالف أياديه وَأطَال فِيهِ(5/183)
وَذكر أَنه بيض صحفه عساه ينشده من شعره شَيْئا يَكْتُبهُ فِيهَا وَمَا كَانَ الإِمَام يسمح بإنشاد شعر نَفسه اقتفاء بأثر وَالِده
وبشتنقان بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة وَالنُّون الساكنة وَالْقَاف قَرْيَة على نصف فَرسَخ من مَدِينَة نيسابور
وَقد حكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ كسر الْمِنْبَر والأقلام والمحابر وَأَنَّهُمْ أَقَامُوا على ذَلِك حولا
ثمَّ قَالَ وَهَذَا من فعل الْجَاهِلِيَّة والأعاجم لَا من فعل أهل السّنة والأتباع
قلت وَقد حَار هَذَا الرجل مَا الَّذِي يُؤْذِي بِهِ هَذَا الإِمَام وَهَذَا لم يَفْعَله الإِمَام وَلَا أوصى بِهِ أَن يفعل حَتَّى يكون غضا مِنْهُ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الحاكون إِظْهَارًا لِعَظَمَة الإِمَام عِنْد أهل عصره وَأَنه حصل لأهل الْعلم على كثرتهم فقد كَانُوا نَحْو أَرْبَعمِائَة تلميذ مَا لم يتمالكوا مَعَه الصَّبْر بل أداهم إِلَى هَذَا الْفِعْل وَلَا يخفى أَنه لَو لم تكن الْمُصِيبَة عِنْدهم بَالِغَة أقْصَى الغايات لما وَقَعُوا فِي ذَلِك
وَفِي هَذَا أوضح دلَالَة لمن وَفقه الله على حَال هَذَا الإِمَام رَضِي الله عَنهُ وَكَيف كَانَ شَأْنه فِيمَا بَين أهل الْعلم فِي ذَلِك الْعَصْر المشحون بالعلماء والزهاد
ذكر زيادات أخر فِي تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ جمعناها من متفرقات الْكتب
عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد الإِمَام قَالَ رَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام فَأَهْوَيْت لأقبل رجله فَمَنَعَنِي من ذَلِك تكريما لي فاستدبرت فَقبلت عَقِبَيْهِ فأولت ذَلِك الرّفْعَة وَالْبركَة تبقى فِي عَقبي(5/184)
قلت وَأي رفْعَة وبركة أعظم من هَذَا الإِمَام الَّذِي طبق ذكره طبق الأَرْض وَعم نَفعه فِي مشارقها وَمَغَارِبهَا
وَعَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا تَكَلَّمت فِي علم الْكَلَام كلمة حَتَّى حفظت من كَلَام القَاضِي أبي بكر وَحده اثنى عشر ألف ورقة
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَحْكِي ذَلِك
قلت انْظُر هَذَا الْأَمر الْعَظِيم وَهَذِه المجلدات الْكَثِيرَة الَّتِي حفظهَا من كَلَام شخص وَاحِد فِي علم وَاحِد فبقى كَلَام غَيره والعلوم الْأُخَر الَّتِي لَهُ فِيهَا الْيَد الباسطة والتصانيف المستكثرة فقها وأصولا وَغَيرهمَا وَكَأن مُرَاده بِالْحِفْظِ فهم تِلْكَ واستحضارها لِكَثْرَة المعاودة وَأما الدَّرْس عَلَيْهَا كَمَا يدرس الْإِنْسَان المختصرات فأظن القوى تعجز عَن ذَلِك
ويحكى أَنه قَالَ يَوْمًا للغزالي يَا فَقِيه
فَرَأى فِي وَجهه التَّغَيُّر كَأَنَّهُ اسْتَقل هَذِه اللَّفْظَة على نَفسه فَقَالَ لَهُ افْتَحْ هَذَا الْبَيْت فَفتح مَكَانا وجده مملوءا بالكتب فَقَالَ لَهُ مَا قيل لي يَا فَقِيه حَتَّى أتيت على هَذِه الْكتب كلهَا
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَبُو سعد فِي الذيل أَنه قَرَأَ بِخَط أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عَليّ بن مُحَمَّد الهمذاني الْحَافِظ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ يَقُول لقد قَرَأت خمسين ألفا فِي خمسين ألفا ثمَّ خليت أهل الْإِسْلَام بِإِسْلَامِهِمْ فِيهَا وعلومهم الظَّاهِرَة وَركبت الْبَحْر الخضم وغصت فِي الَّذِي نهى أهل الْإِسْلَام عَنْهَا كل ذَلِك فِي طلب الْحق وَكنت أهرب فِي سالف الدَّهْر من التَّقْلِيد والآن قد رجعت عَن الْكل إِلَى كلمة الْحق عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز فَإِن لم يدركني الْحق بلطف بره فأموت على دين الْعَجَائِز وتختم عَاقِبَة أَمْرِي عِنْد الرحيل على نزهة أهل الْحق وَكلمَة الْإِخْلَاص لَا إِلَه إِلَّا الله فالويل لِابْنِ الْجُوَيْنِيّ يُرِيد نَفسه
قلت ظَاهر هَذِه الْحِكَايَة عِنْد من لَا تَحْقِيق عِنْده البشاعة وَأَنه خلى الْإِسْلَام وَأَهله(5/185)
وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَاهَا بل مُرَاده أَنه أنزل الْمذَاهب كلهَا فِي منزلَة النّظر وَالِاعْتِبَار غير متعصب لوَاحِد مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يكون عِنْده ميل يَقُودهُ إِلَى مَذْهَب معِين من غير برهَان ثمَّ توضح لَهُ الْحق وَأَنه الْإِسْلَام فَكَانَ على هَذِه الْملَّة عَن اجْتِهَاد وبصيرة لَا عَن تَقْلِيد وَلَا يخفى أَن هَذَا مقَام عَظِيم لَا يتهيأ إِلَّا لمثل هَذَا الإِمَام وَلَيْسَ يسمع بِهِ لكل أحد فَإِن غائلته تخشى إِلَّا على من برز فِي الْعُلُوم وَبلغ فِي صِحَة الذِّهْن مبلغ هَذَا الرجل الْعَظِيم فأرشد إِلَى أَن الَّذِي يَنْبَغِي عدم الْخَوْض فِي هَذَا وَاسْتِعْمَال دين الْعَجَائِز
ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه مَعَ بُلُوغه هَذَا الْمبلغ وَأَخذه الْحق عَن الِاجْتِهَاد والبصيرة لَا يَأْمَن مكر الله بل يعْتَقد أَن الْحق إِن لم يُدْرِكهُ بِلُطْفِهِ وَيخْتم لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص فالويل لَهُ وَلَا يَنْفَعهُ إِذْ ذَاك علومه وَإِن كَانَت مثل مدد الْبَحْر
فَانْظُر هَذِه الْحِكَايَة مَا أحْسنهَا وأدلها على عَظمَة هَذَا الإِمَام وتسليمه لرَبه تَعَالَى وتفويضه الْأَمر إِلَيْهِ وَعدم اتكاله على علومه ثمَّ تعجب بعْدهَا من جَاهِل يفهم مِنْهَا غير المُرَاد ثمَّ يخبط خبط عشواء
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَيْضا أَنه سمع أَبَا الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ بأصبهان ذكر عَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن القيرواني الأديب بنيسابور وَكَانَ مِمَّن يخْتَلف إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي يَقُول لَا تشتغلوا بالْكلَام فَلَو عرفت أَن الْكَلَام يبلغ بِي مَا بلغ مَا اشتغلت بِهِ
قلت أَنا يشبه أَن تكون هَذِه الْحِكَايَة مكذوبة وَابْن طَاهِر عِنْده تحامل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ والقيرواني الْمشَار إِلَيْهِ رجل مَجْهُول ثمَّ هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الَّذِي مَلَأت تلامذته الأَرْض لَا ينْقل هَذِه الْحِكَايَة عَنهُ غير رجل مَجْهُول وَلَا تعرف من غير طَرِيق(5/186)
ابْن طَاهِر إِن هَذَا لعجيب وأغلب ظَنِّي أَنَّهَا كذبة افتعلها من لَا يستحي وَمَا الَّذِي بلغ بِهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علم الْكَلَام أَلَيْسَ قد أعز الله بِهِ الْحق وَأظْهر بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة ثمَّ نقُول لهَذَا الَّذِي لَا يفهم إِن كَانَ علم الْكَلَام بلغ بِهِ الْحق فَلَا ينْدَم على الِاشْتِغَال بِهِ وَإِن بلغ بِهِ الْبَاطِل فَإِن لم يعرف أَنه على الْبَاطِل وَظن أَنه على الْحق فَكَذَلِك لَا ينْدَم وَإِن عرف أَنه على بَاطِل فمعرفته بِأَنَّهُ على بَاطِل مُوجبَة لرجوعه عَنهُ فَلَيْسَ ثمَّ مَا ينْتَقد
ذكر مَا وَقع من التخبيط فِي كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ والتحامل على هَذَا الإِمَام الْعَظِيم فِي أَمر هَذَا الإِمَام الَّذِي هُوَ من أساطين هَذِه الْملَّة المحمدية نضرها الله
قد قدمنَا لَك من تحامل الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي تمزيقه كَلَام عبد الغافر وإنكاره مَا فعل تلامذة الإِمَام عِنْد مَوته وَأَنت إِذا عرفت حَال الذَّهَبِيّ لم تحتج إِلَى دَلِيل يدل على أَنه قد تحامل عَلَيْهِ
(وَلَيْسَ يَصح فِي الأذهان شَيْء ... إِذا احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل)
فَمن كَلَام الذَّهَبِيّ وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ تبحره فِي الْفِقْه وأصوله لَا يدْرِي الحَدِيث ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق على صِحَّته
كَذَا قَالَ وأنى لَهُ فِي الصِّحَّة ومداره على الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول عَن رجال من أهل حمص لَا يدرى من هم عَن معَاذ
انْتهى
فَأَما قَوْله كَانَ لَا يدْرِي الحَدِيث فإساءة على مثل هَذَا الإِمَام لَا تنبغي
وَقد تقدم(5/187)
فِي كَلَام عبد الغافر اعْتِمَاده الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَذكره الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِيهَا وَعبد الغافر أعرف بشيخه من الذَّهَبِيّ وَمن يكون بِهَذِهِ المثابة كَيفَ يُقَال عَنهُ لَا يدْرِي الحَدِيث وهب أَنه زل فِي حَدِيث أَو حديثين أَو أَكثر فَلَا يُوجب ذَلِك أَن يَقُول لَا يدْرِي الْفَنّ وَمَا هَذَا الحَدِيث وَحده ادّعى الإِمَام صِحَّته وَلَيْسَ بِصَحِيح بل قد ادّعى ذَلِك فِي أَحَادِيث غَيره وَلم يُوجب ذَلِك عندنَا الغض مِنْهُ وَلَا إنزاله عَن مرتبته الصاعدة فَوق آفَاق السَّمَاء
ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وهما من دواوين الْإِسْلَام وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصِّحَاح عَلَيْهِمَا لَا سِيمَا سنَن أبي دَاوُد فَلَيْسَ هَذَا كَبِير أَمر
وَمن قَبِيح كَلَامه قَالَ وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان فِي قَوْله إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات وددت لَو محوتها بدمي
قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة قَالَ ابْن دحْيَة هِيَ كلمة مكذبة للْكتاب وَالسّنة يكفر بهَا هجره عَلَيْهَا جمَاعَة وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فجاوز وَتَابَ
انْتهى
مَا أقبحه فصلا مُشْتَمِلًا على الْكَذِب الصراح وَقلة الْحق مستحلا على قَائِله بِالْجَهْلِ بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء وَقد كَانَ الذَّهَبِيّ لَا يدْرِي شرح الْبُرْهَان وَلَا هَذِه الصِّنَاعَة وَلكنه يسمع خرافات من طلبة الْحَنَابِلَة فيعتقدها حَقًا ويودعها تصانيفه
أما قَوْله إِن الإِمَام قَالَ إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات يُقَال لَهُ مَا أجرأك على الله مَتى قَالَ الإِمَام هَذَا وَلَا خلاف بَين أَئِمَّتنَا فِي تَكْفِير من يعْتَقد هَذِه الْمقَالة وَقد نَص الإِمَام فِي كتبه الكلامية بأسرها على كفر من يُنكر الْعلم بالجزئيات وَإِنَّمَا وَقع فِي الْبُرْهَان فِي أصُول الْفِقْه شَيْء استطرده الْقَلَم إِلَيْهِ فهم مِنْهُ الْمَازرِيّ ثمَّ أَمر هَذَا وَذكر مَا سنحكيه عَنهُ وسنجيب عَن ذَلِك ونعقد لَهُ فصلا مُسْتقِلّا(5/188)
وَأما قَوْله قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة فَنَقُول لعن الله قَائِلهَا
وَأما قَوْله قَالَ ابْن دحْيَة إِلَى آخر مَا حَكَاهُ عَنهُ
فَنَقُول هَل يحتاح مثل هَذِه الْمقَالة إِلَى كَلَام ابْن دحْيَة وَلَو قَرَأَ الرجل شَيْئا من علم الْكَلَام لما احْتَاجَ إِلَى ذَلِك فَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي تَكْفِير منكري الْعلم بالجزئيات وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي كفرت بهَا الفلاسفة
وَأما قَوْله وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فَمن نقل لَهُ ذَلِك وَفِي أَي كتاب رَآهُ وَأقسم بِاللَّه يَمِينا بارة إِن هَذِه مختلقة على الْقشيرِي وَقد كَانَ الْقشيرِي من أَكثر الْخلق تَعْظِيمًا للْإِمَام وَقدمنَا عَنهُ عبارَة المدرجوركيه وَهِي قَوْله فِي حَقه لَو ادّعى النُّبُوَّة لأغناه كَلَامه عَن إِظْهَار المعجزة
وَابْن دحْيَة لَا تقبل رِوَايَته فَإِنَّهُ مُتَّهم بِالْوَضْعِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا ظَنك بِالْوَضْعِ على غَيره والذهبي نَفسه معترف بِأَنَّهُ ضَعِيف وَقد بَالغ فِي تَرْجَمته فِي الإزراء عَلَيْهِ وَتَقْرِير أَنه كَذَّاب وَنقل تَضْعِيفه عَن الْحَافِظ أَيْضا وَعَن ابْن نقطة وَغير وَاحِد
وَأخْبر النَّاس بِهِ الْحَافِظ ابْن النجار اجْتمع بِهِ وجالسه وَقَالَ فِي تَرْجَمته رَأَيْت النَّاس مُجْمِعِينَ على كذبه وَضَعفه قَالَ وَكَانَت أَمَارَات ذَلِك لائحة عَلَيْهِ
وَأطَال فِي ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ لَا أعرف مُحدثا إِلَّا وَقد ضعف ابْن دحْيَة وَكذبه لَا الذَّهَبِيّ وَلَا غَيره وَكلهمْ يصفه بالوقيعة فِي الْأَئِمَّة والاختلاق عَلَيْهِم وَكفى بذلك
وَأما قَوْله وَبَقِي بِسَبَبِهَا مُدَّة مجاورا وَتَابَ فَمن البهت لم ينف الإِمَام أحد وَإِنَّمَا هُوَ خرج وَمَعَهُ الْقشيرِي وَخلق فِي وَاقعَة الكندري الَّتِي حكيتها فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ وَفِي تَرْجَمَة أبي سهل بن الْمُوفق وَهِي وَاقعَة مَشْهُورَة خرج بِسَبَبِهَا الإِمَام والقشيري(5/189)
والحافظ الْبَيْهَقِيّ وَخلق كَانَ سَببهَا أَن الكندري أَمر بلعن الْأَشْعَرِيّ على المنابر لَيْسَ غير ذَلِك وَمن ادّعى غير ذَلِك فقد احْتمل بهتانا وإثما مُبينًا
وَمن كَلَامه أَيْضا أخبرنَا يحيى بن أبي مَنْصُور الْفَقِيه وَغَيره من كِتَابهمْ عَن الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي عَن أبي الْعَلَاء الْحَافِظ الهمذاني أخبرهُ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الهمذاني الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ كَانَ الله وَلَا عرش
وَجعل يتخبط فِي الْكَلَام
فَقلت قد علمنَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فَهَل عِنْد الضرورات من حِيلَة فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَة قلت مَا قَالَ عَارِف قطّ يَا رباه إِلَّا قبل أَن يَتَحَرَّك لِسَانه قَامَ من بَاطِنه قصد لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة يقْصد الْفَوْقِيَّة فَهَل لهَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ عنْدك من حِيلَة فبينها نتخلص من الفوق والتحت وبكيت وَبكى الْخلق
فَضرب بِيَدِهِ على السرير وَصَاح بِالْحيرَةِ وخرق مَا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَت قِيَامَة فِي الْمَسْجِد فَنزل وَلَا يجبني إِلَّا بتأفيف الدهشة والحيرة وَسمعت بعد هَذَا أَصْحَابه يَقُولُونَ سمعناه يَقُول حيرني الهمذاني
انْتهى
قلت قد تكلّف لهَذِهِ الْحِكَايَة وأسندها بِإِجَازَة على إجَازَة مَعَ مَا فِي إسنادها مِمَّن لَا يخفى محاطة على الْأَشْعَرِيّ وَعدم مَعْرفَته بِعلم الْكَلَام
ثمَّ أَقُول يَا لله وَيَا للْمُسلمين أيقال عَن الإِمَام إِنَّه يتخبط عِنْد سُؤال سَأَلَهُ إِيَّاه هَذَا الْمُحدث وَهُوَ أستاذ المناظرين وَعلم الْمُتَكَلِّمين أَو كَانَ الإِمَام عَاجِزا عَن أَن يَقُول لَهُ كذبت يَا مَلْعُون فَإِن الْعَارِف لَا يحدث نَفسه بفوقية الجسمية وَلَا يحدد ذَلِك إِلَّا جَاهِل يعْتَقد الْجِهَة بل نقُول لَا يَقُول عَارِف يَا رباه إِلَّا وَقد غَابَتْ عَنهُ الْجِهَات وَلَو كَانَت جِهَة فَوق مَطْلُوبَة لما منع الْمُصَلِّي من النّظر إِلَيْهَا وشدد عَلَيْهِ فِي الْوَعيد عَلَيْهَا(5/190)
وَأما قَوْله صَاح بِالْحيرَةِ وَكَانَ يَقُول حيرني الهمذاني فكذب مِمَّن لَا يستحيي وليت شعري أَي شُبْهَة أوردهَا وَأي دَلِيل اعْتَرَضَهُ حَتَّى يَقُول حيرني الهمذاني ثمَّ أَقُول إِن كَانَ الإِمَام متحيرا لَا يدْرِي مَا يعْتَقد فواها على أَئِمَّة الْمُسلمين من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى الْيَوْم فَإِن الأَرْض لم تخرج من لدن عَهده أعرف مِنْهُ بِاللَّه وَلَا أعرف مِنْهُ فيالله مَاذَا يكون حَال الذَّهَبِيّ وَأَمْثَاله إِذا كَانَ مثل الإِمَام متحيرا إِن هَذَا لخزي عَظِيم
ثمَّ لَيْت شعري من أَبُو جَعْفَر الهمذاني فِي أَئِمَّة النّظر وَالْكَلَام وَمن هُوَ من ذَوي التَّحْقِيق من عُلَمَاء الْمُسلمين
ثمَّ أعَاد الذَّهَبِيّ الْحِكَايَة عَن مُحَمَّد بن طَاهِر عَن أبي جَعْفَر وَكِلَاهُمَا لَا يقبل نَقله وَزَاد فِيهَا أَن الإِمَام صَار يَقُول يَا حَبِيبِي مَا ثمَّ إِلَّا الْحيرَة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لقد ابتلى الْمُسلمُونَ من هَؤُلَاءِ الجهلة بمصيبة لَا عزاء بهَا
ثمَّ ذكر أَن أَبَا عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي قَالَ حكى لنا أَبُو الْفَتْح الطَّبَرِيّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على أبي الْمَعَالِي فِي مَرضه فَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي رجعت عَن كل مقَالَة يُخَالف فِيهَا السّلف وَأَنِّي أَمُوت على مَا يَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور
انْتهى
وَهَذِه الْحِكَايَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء مستنكر إِلَّا مَا يُوهم أَنه كَانَ على خلاف السّلف
وَنقل فِي الْعبارَة زِيَادَة على عبارَة الإِمَام
ثمَّ أَقُول للأشاعرة قَولَانِ مشهوران فِي إِثْبَات الصِّفَات هَل تمر على ظَاهرهَا مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه أَو تؤول
وَالْقَوْل بالإمرار مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه هُوَ المعزو إِلَى السّلف وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام فِي الرسَالَة النظامية وَفِي مَوَاضِع من كَلَامه فرجوعه مَعْنَاهُ الرُّجُوع عَن التَّأْوِيل إِلَى التَّفْوِيض وَلَا إِنْكَار فِي هَذَا وَلَا فِي مُقَابلَة فَإِنَّهَا مَسْأَلَة اجتهادية أَعنِي مَسْأَلَة التَّأْوِيل أَو التَّفْوِيض(5/191)
مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه إِنَّمَا الْمُصِيبَة الْكُبْرَى والداهية الدهياء الإمرار على الظَّاهِر والاعتقاد أَنه المُرَاد وَأَنه لَا يَسْتَحِيل على الْبَارِي فَذَلِك قَول المجسمة عباد الوثن الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتِّبَاع الْمُتَشَابه ابْتِغَاء الْفِتْنَة عَلَيْهِم لعائن الله تترى وَاحِدَة بعد أُخْرَى مَا أجرأهم على الْكَذِب وَأَقل فهمهم للحقائق
شرح حَال مَسْأَلَة الاسترسال الَّتِي وَقعت فِي كتاب الْبُرْهَان
اعْلَم أَن هَذَا الْكتاب وَضعه الإِمَام فِي أصُول الْفِقْه على أسلوب غَرِيب لم يقتد فِيهِ بِأحد وَأَنا أُسَمِّيهِ لغز الْأمة لما فِيهِ مصاعب الْأُمُور وَأَنه لَا يخلي مَسْأَلَة عَن إِشْكَال وَلَا يخرج إِلَّا عَن اخْتِيَار يخترعه لنَفسِهِ وتحقيقات يستبد بهَا
وَهَذَا الْكتاب من مفتخرات الشَّافِعِيَّة وَأَنا أعجب لَهُم فَلَيْسَ مِنْهُم من انتدب لشرحه وَلَا للْكَلَام عَلَيْهِ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة تكلم عَلَيْهَا أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب القواطع وردهَا على الإِمَام وَإِنَّمَا انتدب لَهُ الْمَالِكِيَّة فشرحه الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ شرحا لم يتمه وَعمل عَلَيْهِ أَيْضا مشكلات ثمَّ شَرحه أَيْضا أَبُو الْحسن الْأَنْبَارِي من الْمَالِكِيَّة ثمَّ جَاءَ شخص مغربي يُقَال لَهُ الشريف أَبُو يحيى جمع بَين الشرحين وَهَؤُلَاء كلهم عِنْدهم بعض تحامل على الإِمَام من جِهَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا أَنهم يستصعبون مُخَالفَة الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ويرونها هجنة عَظِيمَة وَالْإِمَام لَا يتَقَيَّد لَا بالأشعري وَلَا بالشافعي لَا سِيمَا فِي الْبُرْهَان وَإِنَّمَا يتَكَلَّم على حسب تأيدة نظره واجتهاده وَرُبمَا خَالف الْأَشْعَرِيّ وأتى بِعِبَارَة عالية على عَادَة فَصَاحَته فَلَا تحمل المغاربة أَن يُقَال مثلهَا فِي حق الْأَشْعَرِيّ
وَقد حكينا كثيرا من ذَلِك فِي شرحنا على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب(5/192)
وَالثَّانيَِة أَنه رُبمَا نَالَ من الإِمَام مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا فعل فِي مَسْأَلَة الاستصلاح والمصالح الْمُرْسلَة وَغَيرهَا
وبهاتين الصفتين يحصل للمغاربة بعض التحامل عَلَيْهِ مَعَ اعترافهم بعلو قدره واقتصارهم لَا سِيمَا فِي علم الْكَلَام على كتبه ونهيهم عَن كتب غَيره
ثمَّ اعْلَم أَن لهَذَا الإِمَام من الْحُقُوق فِي الْإِسْلَام والمناضلة فِي علم الْكَلَام عَن الدّين الحنيفي مَا لَا يخفى على ذِي تَحْصِيل وَقد فهم عَنهُ الْمَازرِيّ إِنْكَار الْعلم بالجزئيات وَأنكر وأفرط فِي التَّغْلِيظ عَلَيْهِ وَأَشْبع القَوْل فِي تَقْرِير إحاطة الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَيْهِ فَإِن أحدا لم ينازعه فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ تصور أَن الإِمَام ينازعه فِيهِ
ومعاذ الله أَن يكون ذَلِك
وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله غير مرّة يَقُول لم يفهم الْمَازرِيّ كَلَام الإِمَام وَلم أسمع مِنْهُ زِيَادَة على هَذَا وَقلت أَنا لَهُ رَحمَه الله إِذْ ذَاك لَو كَانَ الإِمَام على هَذِه العقيدة لم يحْتَج إِلَى أَن يدأب نَفسه فِي تصنيف النِّهَايَة فِي الْفِقْه وَفِيه جزئيات لَا تَنْحَصِر وَالْعلم غير مُتَعَلق على هَذَا التَّقْدِير عِنْده بهَا
وَقلت لَهُ أَيْضا هَذَا كتاب الشَّامِل للْإِمَام فِي مجلدات عدَّة فِي علم الْكَلَام وَالْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة حَقّهَا أَن تقرر فِيهِ لَا فِي الْبُرْهَان فَلم لَا يكْشف عَن عقيدته فِيهِ فأعجبه ذَلِك
وَأَقُول الْآن قبل الْخَوْض فِي كَلَام الإِمَام والمازري لقد فحصت عَن كَلِمَات هَذَا الإِمَام فِي كتبه الكلامية فَوجدت إحاطة علم الله تَعَالَى عِنْده بالجزئيات أمرا مفروغا مِنْهُ وأصلا مقررا يكفر من خَالفه فِيهِ
وَهَذِه مَوَاضِع من كَلَامه(5/193)
قَالَ فِي الشَّامِل فِي القَوْل فِي إِقَامَة الدَّلَائِل على الْحَيَاة وَالْعلم بعد أَن قرر إِجْمَاع الْأمة على بطلَان قَول من يثبت علمين قديمين مَا نَصه فَلم يبْق إِلَّا مَا صَار إِلَيْهِ أهل الْحق من إِثْبَات علم وَاحِد قديم مُتَعَلق بِجَمِيعِ المعلومات
انْتهى
ثمَّ قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل إِذا جوزتم أَن يُخَالف علم الْقَدِيم الْعلم الْحَادِث وَلم تمنعوا أَن يتَعَلَّق الْعلم الْوَاحِد بِمَا لَا يتناهى ومنعتم ذَلِك فِي الْعلم الْحَادِث واندفع فِي سُؤال أوردهُ ثمَّ قَالَ قُلْنَا الدّلَالَة دلّت على وجوب كَون الْقَدِيم عَالما بِجَمِيعِ المعلومات
ثمَّ قَالَ فَإِن قيل مَا دليلكم على وجوب كَونه عَالما بِكُل المعلومات وَبِمَ تنكرون على من يَأْبَى ذَلِك قلت قد تدبرت كَلَام الْمَشَايِخ فِي كتبهمْ ومصنفاتهم وأحطت فِي غَالب ظَنِّي بِكُل مَا قَالُوهُ
وَذكر طَريقَة ارتضاها فِي الدّلَالَة على ذَلِك وختمها بِمَا نَصه فَهَذِهِ هِيَ الدّلَالَة القاطعة على وجوب كَون الْإِلَه سُبْحَانَهُ عَالما بِكُل مَعْلُوم
انْتهى
وَقَالَ فِي بَاب القَوْل فِي أَن الْعلم الْحَادِث هَل يتَعَلَّق بمعلومين مَا نَصه إِذا علم الْعَالم منا أَن مَعْلُومَات الْبَارِي لَا تتناهى انبهر
وَكرر فِي هَذَا الْفَصْل أَنه تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل غير مَا مرّة وَلَا معنى للتطويل فِي ذَلِك وَكتبه مشحونه بِهِ
وَقَالَ فِي الْإِرْشَاد فِي مَسْأَلَة تَقْرِير الْعلم الْقَدِيم مَا نَصه وَمِمَّا يتمسكون بِهِ أَن(5/194)
قَالُوا علم الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على زعمك يتَعَلَّق بِمَا لَا يتناهى من المعلومات على التَّفْصِيل
انْتهى
ثمَّ لما أجَاب عَن شُبْهَة الْقَوْم قرر هَذَا التَّقْرِير وَهُوَ عِنْده مفروغ مِنْهُ
وَكَذَلِكَ فِي الْبُرْهَان فِي بَاب النّسخ صرح بِأَن الله تَعَالَى يعلم على سَبِيل التَّفْصِيل كل شَيْء
إِذا عرفت ذَلِك فَأَنا على قطع بِأَنَّهُ معترف بإحاطة الْعلم بالجزئيات
فَإِن قلت وَمَا بَيَان هَذَا الْكَلَام الْوَاقِع فِي الْبُرْهَان قلت الْعَالم من يَدْعُو الْوَاضِح وَاضحا والمشكل مُشكلا
وَهُوَ كَلَام مُشكل بِحَيْثُ أبهم أمره على الْمَازرِيّ مَعَ فرط ذكائه وتضلعه بعلوم الشَّرِيعَة وَأَنا أحكيه ثمَّ أقرره وَأبين لَك أَن الْقَوْم لم يفهموا إِيرَاد الإِمَام وَأَن كَلَامه الْمشَار إِلَيْهِ مَبْنِيّ على إحاطة الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات فَكيف يُؤْخَذ مِنْهُ خِلَافه فَأَقُول قَالَ الإِمَام وَأما الْمُمَيز بَين الْجَوَاز الْمَحْكُوم بِهِ وَالْجَوَاز بِمَعْنى التَّرَدُّد وَالشَّكّ فلائح ومثاله أَن الْعقل يقْضِي بِجَوَاز تحرّك جسم وَهَذَا الْجَوَاز ثَبت بِحكم الْعقل وَهُوَ نقيض الاستحالة وَأما الْجَوَاز المتردد فكثير وَنحن نكتفي فِيهِ بمثال وَاحِد ونقول تردد المتكلمون فِي انحصار الْأَجْنَاس كالألوان فَقطع القاطعون بِأَنَّهَا غير متناهية فِي الْإِمْكَان كآحاد كل جنس وَزعم آخَرُونَ أَنَّهَا منحصرة
وَقَالَ المقتصدون لَا نَدْرِي أَنَّهَا منحصرة لم يبنوا مَذْهَبهم على بَصِيرَة وَتَحْقِيق
وَالَّذِي أرَاهُ قطعا أَنَّهَا منحصرة فَإِنَّهَا لَو كَانَت غير منحصرة لتَعلق الْعلم مِنْهَا بآحاد على التَّفْصِيل وَذَلِكَ مُسْتَحِيل(5/195)
فَإِن استنكر الجهلة ذَلِك وشمخوا بآنافهم وَقَالُوا الْبَارِي تَعَالَى عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل سفهنا عُقُولهمْ وأحلنا تَقْرِير هَذَا الْفَنّ على أَحْكَام الصِّفَات وَبِالْجُمْلَةِ علم الله تَعَالَى إِذا تعلق بجواهر لَا نِهَايَة لَهَا فَمَعْنَى تعلقه بهَا استرساله عَلَيْهَا من غير تعرض لتفصيل الْآحَاد مَعَ نفي النِّهَايَة فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقريرات غير متناهية فِي الْعلم والأجناس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْكَلَام عَلَيْهَا فَإِنَّهَا متباينة الْجَوَاهِر وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال وَإِذا لاحت الْحَقَائِق فَلْيقل الأخرق بعْدهَا مَا شَاءَ
انْتهى كَلَامه فِي الْبُرْهَان
وَالَّذِي أرَاهُ لنَفْسي وَلمن أحبه الِاقْتِصَار على اعْتِقَاد أَن علم الله تَعَالَى مُحِيط بالكليات والجزئيات جليلها وحقيرها وتكفير من يُخَالف فِي وَاحِد من الْفَصْلَيْنِ واعتقاد أَن هَذَا الإِمَام بَرِيء من الْمُخَالفَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا بِدَلِيل تصريحه فِي كتبه الكلامية بذلك وَأَن أحدا من الأشاعرة لم ينْقل هَذَا عَنهُ مَعَ تتبعهم لكَلَامه وَمَعَ أَن تلامذته وتصانيفه مَلَأت الدُّنْيَا وَلم يعرف أَن أحدا عزا ذَلِك إِلَيْهِ وَهَذَا برهَان قَاطع على كذب من تفرد بِنَقْل ذَلِك عَنهُ فَإِنَّهُ لَو كَانَ صَحِيحا لتوفرت الدَّوَاعِي على نَقله ثمَّ إِذا عرض هَذَا الْكَلَام نقُول هَذَا مُشكل نضرب عَنهُ صفحا مَعَ اعْتِقَاد أَن مَا فهم مِنْهُ من أَن الْعلم الْقَدِيم لَا يُحِيط بالجزئيات لَيْسَ بِصَحِيح وَلَكِن هُنَاكَ معنى غير ذَلِك لسنا مكلفين بالبحث عَنهُ وَإِذا دفعنَا إِلَى هَذَا الزَّمَان الَّذِي شمخت الْجُهَّال فِيهِ بأنوفها وَأَرَادُوا الضعة من قدر هَذَا الإِمَام وأشاعوا أَن هَذَا الْكَلَام مِنْهُ دَال على أَن الْعلم الْقَدِيم لَا يُحِيط بالجزئيات أحوجنا ذَلِك إِلَى الدفاع عَنهُ وَبَيَان سوء فهمهم واندفعنا فِي تَقْرِير كَلَامه وإيضاح مَعْنَاهُ
فَنَقُول مَقْصُود الإِمَام بِهَذَا الْكَلَام الْفرق بَين إِمْكَان الشَّيْء فِي نَفسه وَهُوَ كَونه لَيْسَ بمستحيل وَعبر عَنهُ بِالْجَوَازِ الْمَحْكُوم بِهِ وَمثل لَهُ بِجَوَاز تحرّك جسم سَاكن وَبَين الْإِمْكَان الذهْنِي وَهُوَ الشَّك والتوقف وَعدم الْعلم بالشَّيْء وَإِن كَانَ الشَّيْء فِي نَفسه مستحيلا وَعبر عَنهُ بِالْجَوَازِ بِمَعْنى التَّرَدُّد وَمثل لَهُ بِالشَّكِّ فِي تناهي الْأَجْنَاس وَعدم(5/196)
تناهيها عِنْد الشاكين مَعَ أَن عدم تناهيها يَسْتَحِيل عِنْده وَإِلَى استحالته أَشَارَ بقوله وَالَّذِي أرَاهُ قطعا أَنَّهَا منحصرة وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهَا لَو كَانَت غير منحصرة لتَعلق الْعلم بآحاد لَا تتناهى على التَّفْصِيل لِأَن الله تَعَالَى عَالم بِكُل شَيْء فَإِذا كَانَت الْأَجْنَاس غير متناهية وَجب أَن يعلمهَا غير متناهية لِأَنَّهُ يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهِي لَا تَفْصِيل لَهَا حَتَّى يُعلمهُ على التَّفْصِيل فالرب تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِن مجملة فمجملة وَإِن مفصلة فمفصلة والأجناس الْمُخْتَلفَة متباينة بحقائقها فَإِذا علم وَجب أَن يعلمهَا مفصلة متمايزة بَعْضهَا عَن بعض
وَأما أَن ذَلِك يَسْتَحِيل فَلِأَن كل مَعْلُوم على التَّفْصِيل فَهُوَ منحصر متناه كَمَا أَنه مَوْجُود فِي الْخَارِج فَهُوَ منحصر متناه لوُجُوب تشخصها فِي الذِّهْن كَمَا فِي الْخَارِج
وَاعْلَم أَن الإِمَام إِنَّمَا سكت عَن بَيَان الْمُلَازمَة لِأَن دليلها كالمفروغ مِنْهُ
وَقَوله فَإِن استنكر الجهلة ذَلِك وَقَالُوا الباريء عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل هُوَ إِشَارَة إِلَى اعْتِرَاض على قَوْله وَذَلِكَ مُسْتَحِيل
تَقْرِيره أَن البارىء تَعَالَى عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل وَهَذَا أصل مفروغ مِنْهُ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقولك إِن تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى مُسْتَحِيل قَول مَمْنُوع
وَقَوله سفهنا عُقُولهمْ هُوَ جَوَاب الِاعْتِرَاض
وَقَوله وأحلنا تَقْرِير هَذَا الْفَنّ على أَحْكَام الصِّفَات إِشَارَة إِلَى أَن تَقْرِير اسْتِحَالَة تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل مَذْكُور فِي بَاب أَحْكَام الصِّفَات وَكتب أصُول الدّين
وَقَوله وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ بَيَان لكيفية تعلق علم الله تَعَالَى بِمَا لَا يتناهى مَعَ صَلَاحِية كَونه جَوَابا عَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَتَقْرِيره أَن علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذا تعلق بجواهر لَا نِهَايَة لَهَا كَانَ معنى تعلقه بهَا استرساله عَلَيْهَا وَمعنى استرساله عَلَيْهَا وَالله أعلم هُوَ أَن علمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَعَلَّق بِالْعلمِ الْكُلِّي الشَّامِل لَهَا على سَبِيل التَّفْصِيل فيسترسل عَلَيْهَا من غير(5/197)
تَفْصِيل الْآحَاد لتَعَلُّقه بالشامل لَهَا من غير تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض تعلقه بهَا على هَذَا الْوَجْه وَعدم تعلقه بهَا على سَبِيل التَّفْصِيل لَيْسَ بِنَقص فِي التَّفْصِيل فِيهَا مَعَ نفي النِّهَايَة مُسْتَحِيل فَإِذا وَجب أَن تكون غير مفصلة وَوَجَب أَن يعلمهَا غير مفصلة لوُجُوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ
وَقَوله فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم أَي إِنَّمَا تعلق علمه بهَا على سَبِيل الاسترسال لَا على سَبِيل التَّفْصِيل لِأَن الْمَعْلُوم على التَّفْصِيل يَسْتَحِيل أَن يكون غير متناه كَمَا أَن الْمَوْجُود يَسْتَحِيل أَن يكون غير متناه فَمَا لَيْسَ بمتناه يَسْتَحِيل أَن يكون مفصلا متميزا بعضه عَن بعض فَإِذا تعلق الْعلم بِهِ وَجب أَن يكون معنى تعلقه استرساله عَلَيْهِ لوُجُوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ من إِجْمَال أَو تَفْصِيل
قَوْله والأجناس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْعلم عَلَيْهَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر من جِهَة الْمُعْتَرض
تَقْرِير السُّؤَال إِذا جَازَ استرسال الْعلم على الْجَوَاهِر الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا فَلم لَا تكون الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْعلم عَلَيْهَا فَإِنَّهَا متباينة بالخواص أَي بالحقائق فَلَيْسَ بَينهَا قدر مُشْتَرك بنقلها يسترسل الْعلم بِسَبَب تعلقه عَلَيْهَا
وَلقَائِل أَن يَقُول لم قلت إِنَّه لَيْسَ بَينهَا مدرك مسترسل وَقَوله وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال قد سبق فِي أول الدَّلِيل وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَعَ الْكَلَام الْمَذْكُور آنِفا يصلح أَن يكون دَلِيلا على الْمَطْلُوب أَعنِي أَن الْأَجْنَاس متناهية وَتَقْرِيره أَن الْأَجْنَاس إِذا كَانَ استرسال الْعلم عَلَيْهَا مستحيلا وَجب أَن تكون مَعْلُومَة على التَّفْصِيل وَإِلَّا لم تكن مَعْلُومَة لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال فَوَجَبَ أَن تكون محصورة متناهية
وَإِذا ظهر مَقْصُود الإِمَام أَولا وَهُوَ الْفرق بَين الإمكانين وَثَانِيا وَهُوَ أَن الْأَجْنَاس متناهية وَدَلِيله على هَذَا وَجَوَابه غير مَا اعْترض بِهِ عَلَيْهِ تبين أَنه بنى دَلِيله على قَوَاعِد(5/198)
إِحْدَاهمَا أَن الله عز وَجل عَالم بِكُل شَيْء الجزئيات والكليات لَا تخفى عَلَيْهِ خافية
وَالثَّانيَِة أَن الله تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَيعلم الْأَشْيَاء المجملة الَّتِي لَا يتَمَيَّز بَعْضهَا عَن بعض مفصلة وَهَذَا خلاف مَذْهَب ابْن سينا حَيْثُ زعم أَنه تَعَالَى لَا يعلم الجزئيات الشخصية إِلَّا على الْوَجْه الْكُلِّي وَذَلِكَ كفر صراح
وَالثَّالِثَة أَن المعلومات الْجُزْئِيَّة المتميزة المفصلة لَا يُمكن أَن تكون غير متناهية تَشْبِيها للوجود الذهْنِي بالوجود الْخَارِجِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم
وَالرَّابِعَة أَن الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام متناهية بخواصها أَي بحقائقها متميز بَعْضهَا عَن بعض
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه بنى كَلَامه على الْقَوَاعِد الْمَذْكُورَة لِأَنَّهُ لَو لم يكن الرب عز وَجل عَالما بِكُل شَيْء لم يجب أَن يعلم الْأَجْنَاس وَلِأَنَّهُ لَو لم يعلم الْأَجْنَاس أَي الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ لم يجب إِذا كَانَت غير متناهية أَن يعلمهَا غير متناهية وَلَا إِذا كَانَت متميزة بَعْضهَا عَن بعض أَن يعلمهَا مفصلة وَلِأَنَّهُ لَو لم تكن الْأَجْنَاس الَّتِي فِيهَا الْكَلَام متباينة بحقائقها لم يجب أَن يعلمهَا على التَّفْصِيل فَظهر أَن قَوْله لَو كَانَت غير منحصرة تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل وَهُوَ الْمُلَازمَة مَبْنِيّ على هَذِه الْقَوَاعِد الثَّلَاث وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض إِن معنى تعلق الْعلم بالجواهر الَّتِي لَا تتناهى هُوَ استرساله عَلَيْهَا مَبْنِيّ على أَنه يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِن مَا لَا يتناهى لَا يتَمَيَّز بعضه عَن بعض
وَأما قَوْله إِن تعلق الْعلم على التَّفْصِيل بِمَا لَا يتناهى محَال وَهُوَ انْتِفَاء التَّالِي فَهُوَ مَبْنِيّ على وجوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وعَلى أَن كل متميز بعضه عَن بعض متناه فَإِنَّهُ لَو لم يجب أَن يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ لوَجَبَ أَن يكون المتميز بعضه عَن بعض غير متناه وَلم يَصح قَوْله وَتعلق الْعلم على التَّفْصِيل بِمَا لَا يتناهى محَال وَالله أعلم(5/199)
إِن خرق الْمَسْأَلَة أَن مَا لَا يتناهى هَل هُوَ فِي نَفسه متميز بعضه عَن بعض أَولا فَإِن كَانَ وَجب اعْتِقَاد أَن الرب تَعَالَى يُعلمهُ على التَّفْصِيل وَالْإِمَام يُخَالف فِي ذَلِك وَإِن لم يكن لم يجز أَن يُعلمهُ على التَّفْصِيل كَيْلا يلْزم الْجَهْل وَهُوَ الْعلم بالشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا يُخَالف فِي ذَلِك عَاقل وَلَا يشك فِي احْتِيَاج الإِمَام إِلَى دلَالَة على أَن مَا لَا يتناهى لَا تَفْصِيل لَهُ وَلَا يتَمَيَّز حَتَّى يسلم لَهُ مُرَاده وَهُوَ مَمْنُوع
وَقد سبقه إِلَيْهِ أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فَقَالَ فِي كتاب الْمِنْهَاج الْمَعْرُوف بشعب الْإِيمَان فِي الشعبة التَّاسِعَة فَإِن قَالَ قَائِل أَلَيْسَ الله بِكُل شَيْء عليما قُلْنَا بلَى
فَإِن قَالَ أفيعلم مبلغ حركات أهل الْجنَّة وَأهل النَّار قيل إِنَّهَا لَا مبلغ لَهَا وَإِنَّمَا يعرف مَاله مبلغ فَأَما مَا لَا مبلغ لَهُ فيستحيل أَن يُوصف بِأَن يعلم مبلغه
واندفع الْحَلِيمِيّ فِي هَذَا بِعِبَارَة أبسط من عبارَة الإِمَام
وَهَذَا الْحَلِيمِيّ كَانَ إِمَامًا فِي الْعلم وَالدّين حبرًا كَبِيرا وَلَكنَّا لَا نوافقه على هَذَا ونمانعه ممانعة تتبين هُنَا فِي تضاعيف كلامنا وَإِنَّمَا أردنَا بحكاية كَلَامه التَّنْبِيه على أَن الإِمَام مَسْبُوق بِمَا ذكره سبقه إِلَيْهِ بعض عُظَمَاء أهل السّنة
وَإِذا تبين من كَلَام الإِمَام مَا قَصده وَظهر من الْقَوَاعِد مَا بنى عَلَيْهِ غَرَضه علم أَن من شنع عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بالْكفْر إِلَيْهِ غير سَالم من أَن يشنع عَلَيْهِ وَأَن ينْسب الْخَطَأ فِي فهم كَلَام الإِمَام إِلَيْهِ وَالَّذِي تحرر من كَلَام الإِمَام دَعْوَاهُ عدم تَفْصِيل مَا لَا يتناهى وَلَيْسَ فِي اعْتِقَاد هَذَا الْقدر كفر(5/200)
وَقد أفرط أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ فِي ذَلِك ظنا مِنْهُ أَن الإِمَام يَنْفِي الْعلم بالجزئيات وَأَن كَلَامه هَذَا لَا يحْتَمل غير ذَلِك وَلَا يقبل التَّأْوِيل
وَقَالَ أول مَا نقدمه تحذير الْوَاقِف على كِتَابه هَذَا أَن يصغي إِلَى هَذَا الْمَذْهَب إِلَى أَن قَالَ وددت لَو محوت هَذَا من هَذَا الْكتاب بِمَاء بَصرِي لِأَن هَذَا الرجل لَهُ سَابِقَة قديمَة وآثار كَرِيمَة فِي عقائد الْإِسْلَام والذب عَنْهَا وتشييدها وتحسين الْعبارَة عَن حقائقها وَإِظْهَار مَا أخفاه الْعلمَاء من أسراراها وَلكنه فِي آخر أمره ذكر أَنه خَاضَ فِي فنون من علم الفلسفة وذاكر أحد أئمتها فَإِن ثَبت هَذَا القَوْل عَلَيْهِ وَقطع بِإِضَافَة هَذَا الْمَذْهَب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَيْهِ فَإِنَّمَا سهل عَلَيْهِ ركُوب هَذَا الْمَذْهَب إدمانه النّظر فِي مَذْهَب أُولَئِكَ
ثمَّ قَالَ وَمن الْعَظِيمَة فِي الدّين أَن يَقُول مُسلم إِن الله سُبْحَانَهُ تخفى عَلَيْهِ خافية
إِلَى قَوْله والمسلمون لَو سمعُوا أحدا يبوح بذلك لتبرءوا مِنْهُ وأخرجوه من جُمْلَتهمْ
إِلَى قَوْله إِذا كَانَ خطابي مَعَ موحد مُسلم نقُول لَهُ إِن زعمت أَن الله سُبْحَانَهُ تخفى عَلَيْهِ خافية أَو يتَصَوَّر الْعقل معنى أَو يثبت فِي الْوُجُود صفة أَو مَوْصُوف أَو عرض أَو جَوْهَر أَو حقائق نفسية أَو معنوية وَهُوَ تَعَالَى غير عَالم بِهِ فقد فَارق الْإِسْلَام وَإِن كَانَ كلامنا مَعَ ملحد فنرد عَلَيْهِ بالأدلة الْعَقْلِيَّة
قلت هَذِه الْعبارَات من الْمَازرِيّ تدل على أَنه لم يفهم كَلَام الإِمَام أَو فهم وَقصد أَن يشنع وَهَذَا بعيد على الرجل فَإِنَّهُ من أَئِمَّة الْعلم وَالدّين فالأغلب على ظَنِّي أَنه لم يفهم وَكَيف يفهم كَلَام الإِمَام وَلم يقْصد التشنيع عَلَيْهِ من نسبته إِلَى اعْتِقَاد الفلاسفة وَأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تخفى عَلَيْهِ خافية أَو أَن الْعقل يتَصَوَّر معنى وَالله عَالم بِهِ أَو يثبت فِي الْوُجُود صفة أَو مَوْصُوف أَو جَوْهَر أَو عرض أَو حقائق نفسية أَو معنوية والرب غير عَالم بِهِ أَو أَنه لَا يعلم الْجِهَات إِلَّا على الْوَجْه الْكُلِّي الَّذِي هُوَ مَذْهَب الفلاسفة وَقد بنى دَلِيله كَمَا سبق على أَن الله عَالم بِكُل شَيْء لَا تخفى عَلَيْهِ خافية وَأَنه يعلم الْأَشْيَاء(5/201)
على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِن مجملة وَإِن مفصلة فمفصلة هَذَا مَا لَا يُمكن وَمَعَ تصريحه فِي مَوَاضِع شَتَّى بِأَن الله تَعَالَى يعلم كل شَيْء
وَقد بَالغ فِي الشَّامِل فِي الرَّد على من يعْتَقد أَنه يعلم بعض المعلومات دون بعض
ثمَّ إِن الْمَازرِيّ وَمن تبعه من شرَّاح الْبُرْهَان أخذُوا فِي تَقْرِير مَسْأَلَة الْعلم بالجزيئات وَهُوَ أَمر مفروغ مِنْهُ عِنْد الْمُسلمين وَكَانَ الأولى بهم صرف الْعِنَايَة إِلَى فهم كَلَام الإِمَام لَا أَن سَيعْلَمُ بِمَا لَا يخفى فهمه فِيهِ الإِمَام وَلَا غَيره فَالَّذِي يَنْبَغِي للمنصف الْوَاقِف على كَلَام الإِمَام أَن يتأمله ليظْهر لَهُ أَن الإِمَام إِنَّمَا منع من تعلق الْعلم التفصيلي بِمَا لَا تَفْصِيل لَهُ وَهِي الْأُمُور الَّتِي لَا تتناهى باعتقاد عدم تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض وَأَن مَا لَا يتناهى لَا يُمكن أَن يتَمَيَّز بعضه عَن بعض لَا لكَونهَا غير متناهية وَالْمَانِع عِنْده من تعلق التَّفْصِيل بهَا هُوَ عدم تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض لَا لكَونهَا غير متناهية وَإِنَّمَا تمنع من تعلق الْعلم التفصيلي بهَا وَالْحَالة هَذِه لِأَن الرب الْعَلِيم الْخَبِير إِنَّمَا يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ
وَالله أعلم
وَأما الاستنباط الَّذِي ذكره الْمَازرِيّ من الْقطع بِفساد مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام من مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي أَن الْعلم بالشَّيْء مُجملا لَا يضاد الْعلم بِهِ مفصلا ففاسد لِأَن الإِمَام لم يمْنَع من تعلق الْعلم التفصيلي بِمَا لَا يتناهى لحد تعلق الْعلم الإجمالي بِهِ حَتَّى يتَوَهَّم متوهم أَنه يعْتَقد التضاد وَقد صرح فِي الشَّامِل أَنَّهُمَا غير متضادين بل إِنَّمَا منع من ذَلِك لِأَن مَا لَا يتناهى لَا يكون فِي نَفسه إِلَّا مُجملا غير متميز بعضه عَن بعض فَإِنَّهُ إِذا امْتنع أَن يكون فِي نَفسه متميزا امْتنع تعلق الْعلم التفصيلي بِهِ لِأَن الْعلم إِنَّمَا يتَعَلَّق بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ من إِجْمَال أَو تَفْصِيل وَإِلَّا كَانَ جهلا
وَأما الْأُمُور المتناهية الْمَعْلُومَة على سَبِيل الْإِجْمَال فَإِن الإِمَام قد لَا يمْنَع الْعلم بهَا على سَبِيل التَّفْصِيل إِذا كَانَت متميزة بَعْضهَا عَن بعض كالسواد وَالْبَيَاض والحمرة وَغَيرهَا من أَجنَاس الألوان فَإِنَّهَا مَعْلُومَة لرب الْعَالمين على سَبِيل الْإِجْمَال من حَيْثُ كَونهَا أعراضا وألوانا وعَلى سَبِيل التَّفْصِيل من حَيْثُ كَونهَا سوادا وبَيَاضًا وَكَذَلِكَ شرب زيد فِي(5/202)
الْجنَّة من الكأس الْفُلَانِيّ الْمَوْصُوف بصفاته المختصة بِهِ للْإِمَام أَن يَقُول هُوَ مَعْلُوم لله تَعَالَى إِجْمَالا من حَيْثُ اندراجه تَحت مُطلق الشّرْب من كأس مَاء من فضَّة أَو ذهب المندرج تَحت مُطلق النَّعيم وَمَعْلُوم على التَّفْصِيل
وَهنا وَقْفَة فِي كَيْفيَّة ذَلِك الْعلم التفصيلي بحث عَن مَعْرفَتهَا الإِمَام الْمُتَكَلّم بهاء الدّين عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الْمصْرِيّ الإخميمي وَكَانَت لَهُ يَد باسطة فِي علم الْكَلَام وَكَانَ يَقُول يعلم الله تَعَالَى ذَلِك على التَّفْصِيل حَيْثُ تعلق الْإِرَادَة بِهِ وَحين تعلق الْقُدْرَة بِهِ فَإِنَّهُ إِذا علمه أَرَادَهُ وَإِذا أَرَادَهُ أوجده كالمعلوم على التَّفْصِيل لَا يكون إِلَّا متناهيا
وَأنْكرت أَنا عَلَيْهِ ذَلِك وَقلت إِنَّه يلْزمه تجدّد الْعلم الْقَدِيم وَلَكِن للْإِمَام أَن يَقُول يعلم على التَّفْصِيل الْخَارِج مِنْهُ إِلَى الْوُجُود لِأَنَّهُ يعلم مَا سيخرج مِنْهُ وَهنا نظر دَقِيق وَهُوَ أَنَّك تَقول إِذا كَانَ نعيم أهل الْجنَّة لَا يتناهى وَمَا لَا يتناهى عِنْده لَا تَفْصِيل لَهُ فَكيف تَقول إِنَّه يُعلمهُ مفصلا وَالْفَرْض أَن لَا يفصل
وَالْجَوَاب أَن مَا لَا يتناهى لَهُ حالتان حَالَة فِي الْعَدَم وَلَا كَون لَهُ إِذْ ذَاك وَلَا تَفْصِيل عِنْد الإِمَام وَحَالَة خُرُوجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَهُوَ مفصل يُعلمهُ الرب تَعَالَى مفصلا وَهَذَا رد على الْمَازرِيّ على قَاعِدَة مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن
ثمَّ نقُول مَذْهَب إِمَام الْحَرَمَيْنِ الَّذِي صرح بِهِ فِي الشَّامِل أَنه يَسْتَحِيل اجْتِمَاع الْعلم بِالْجُمْلَةِ وَالْعلم بالتفصيل فَإِن من أحَاط بالتفصيل اسْتَحَالَ فِي حَقه تَقْدِير الْعلم بِالْجُمْلَةِ
قَالَ فِي الشَّامِل فَإِن قيل فيلزمكم من ذَلِك أحد أَمريْن إِمَّا أَن تصفوا الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ على الْوَجْه الَّذِي يُعلمهُ وَإِمَّا أَن تَقولُوا لَا يَتَّصِف الرب بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ فَإِن وصفتموه بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ لزم عَن طرد ذَلِك وَصفه بِالْجَهْلِ(5/203)
بالتفصيل تَعَالَى وتقدس وَإِن لم تصفوه بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ فقد أثبتم للْعَبد مَعْلُوما وحكمتم بِأَنَّهُ لَا يثبت مَعْلُوما للرب تَعَالَى سُبْحَانَهُ وَهَذَا مستنكر فِي الدّين مستعظم فِي إِجْمَاع الْمُسلمين إِذْ الْأمة مجمعة على أَن الرب عَالم بِكُل مَعْلُوم لنا
فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن نقُول لَا سَبِيل إِلَى وصف الرب تَعَالَى بِكَوْنِهِ عَالما بالمعلومات على الْجُمْلَة فَإِن ذَلِك مُتَضَمّن جهلا بالتفصيل والرب تَعَالَى يتقدس عَنهُ عَالم بتفاصيل المعلومات وَهِي مُمَيزَة مُنْفَصِلَة الْبَعْض عَن الْبَعْض فِي قَضِيَّة علمه وَالْعلم بالتفصيل يُنَاقض الْعلم على الْجُمْلَة فَلم يبْق إِلَّا مَا استبعده الشَّامِل من تصور مَعْلُوم فِي حق الْمَخْلُوق وَلَا يتَصَوَّر مثله فِي قَضِيَّة علم الله تَعَالَى وَهَذَا مَا لَا استنكار فِيهِ وَلَيْسَ بيد الْخصم إِلَّا التشنيع الْمُجَرّد
انْتهى
وَفِيه تَصْرِيح بِأَن الرب يعلم مَا لَا يتناهى مفصلا ثمَّ صرح بِأَن الْعلم بِالْجُمْلَةِ يُخَالف الْعلم بالتفصيل وأنهما غير متضادين
قَالَ وَلَكِن لما افْتقر الْعلم بِالْجُمْلَةِ إِلَى ثُبُوت جهل بالتفصيل أَو شكّ أَو غَيرهمَا من أضداد الْعُلُوم فيؤول إِلَى المضادة
ثمَّ نقل آخرا عَن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ أَن الرب تَعَالَى عَالم بِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل
ثمَّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا أستخير الله فِيهِ وَصرح فِي هَذَا الْفَصْل فِي غير مَوضِع بِأَن الرب تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى مفصلا
وَاسْتدلَّ أَيْضا الْمَازرِيّ على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام من أَن الْعلم التفصيلي لَا يتَعَلَّق بِمَا لَا يتناهى بِأَن مَا استرسل إِلَيْهِ علم الله تَعَالَى إِمَّا أَن يخرج مِنْهُ إِلَى الْوُجُود أَو لَا فَإِن لم يخرج مِنْهُ شَيْء منعنَا نعيم أهل الْجنَّة الثَّابِت بِالشَّرْعِ وَإِن خرج مِنْهُ فردان أَو ثَلَاثَة فَإِن لم يعلمهَا الرب سُبْحَانَهُ على سَبِيل التَّفْصِيل يلْزم أَن يكون جَاهِلا بِكُل شَيْء وَإِن علمهَا على التَّفْصِيل بِعلم حَادث فَهَذَا مَذْهَب الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم المعلومات بعلوم محدثة وَهُوَ بَاطِل فَلم يبْق إِلَّا أَن يعلمهَا بِعِلْمِهِ الْقَدِيم الْوَاحِد على(5/204)
التَّفْصِيل ويفرض ذَلِك فِي كل مَا خرج مِنْهَا إِلَى الْوُجُود حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَات علمه بالتفصيل فِيمَا لَا يتناهى كَمَا قَالَ الْمُسلمُونَ
انْتهى
وَللْإِمَام أَن يَقُول يعلمهَا بِالْعلمِ الْقَدِيم الْوَاحِد إِلَّا أَن الْعلم الْقَدِيم يشملها مَعْدُومَة على سَبِيل الْإِجْمَال لعدم تفصيلها حَالَة الْعَدَم فِي نَفسهَا ويشملها مَوْجُودَة على سَبِيل التَّفْصِيل وَإِن لم تتناه فَلَا جهل وَلَا جهمية وَلَا علم تَفْصِيل بِمَا لَا تَفْصِيل لَهُ
هَذَا أقْصَى مَا عِنْدِي فِي تَقْرِير كَلَام الإِمَام ثمَّ أَنا لَا أوافقه على أَن مَا لَا يتناهى لَا تَفْصِيل وَلَا تَمْيِيز لَهُ بل هُوَ مفصل مُمَيّز
وَقد صرح الإِمَام بذلك فِي الشَّامِل ودعواه أَن مِمَّا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا فَمن أَيْن يلْزم من كَون الْمَوْجُود متناهي الْعدَد أَن يكون الْمَعْلُوم متناهيا وَقَوله إِن دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود مُسْتَحِيل كَلَام ممجمج فَإِنَّهُ دخل وَخرج عَن كَونه غير متناه
وَلَئِن عَنى بِغَيْر المتناهي الَّذِي لَا آخر لَهُ فنعيم أهل الْجنَّة يدْخل فِي الْوُجُود وَهُوَ لَا يتناهى
وَإِن عَنى مَا لَا يُحِيط الْعلم بجملته فَإِن أَرَادَ علم الْبشر فَصَحِيح لِأَن علمهمْ يقصر عَن إِدْرَاك مَا لَا يتناهى مفصلا وَإِن عَنى علم الْبَارِي فَمَمْنُوع بل هُوَ مُحِيط بِمَا لَا يتناهى مفصلا
وَسمعت بعض الْفُضَلَاء يَقُول إِن الإِمَام لم يتَكَلَّم فِي هَذَا الْفَصْل إِلَّا فِي الْعلم الْحَادِث دون الْعلم الْقَدِيم
وَفِي هَذَا نظر(5/205)
فَهَذَا مُنْتَهى الْكَلَام على كَلَامه وَلَا أَقُول إِنَّه مُرَاده وَإِنَّمَا أَقُول هَذَا مَا يدل عَلَيْهِ كَلَامه هُنَا وَلَيْسَ هُوَ من الْعَظِيمَة فِي الدّين فِي شَيْء وَلَا خَارِجا عَن قَول الْمُسلمين حَتَّى يجعلهم فِي جَانب وَالْإِمَام فِي جَانب وَإِنَّمَا الْعَظِيمَة فِي الدّين وَالسوء فِي الْفَهم أَن يظنّ الْعَاقِل انسلال إِمَام الْحَرَمَيْنِ من ربقة الْمُسلمين وَلَا يحل لأحد أَن ينْسب إِلَيْهِ أَنه قَالَ إِن الله لَا يُحِيط علما بالجزئيات من هَذَا الْكَلَام
وَأما اعتذار الْمَازرِيّ بِأَنَّهُ خَاضَ فِي عُلُوم من الفلسفة إِلَى آخِره فَهَذَا الْعذر أَشد من الذَّنب
ثمَّ قَالَ الْمَازرِيّ فِي آخر كَلَامه لَعَلَّ أَبَا الْمَعَالِي لَا يُخَالف فِي شَيْء من هَذِه الْحَقَائِق وَإِنَّمَا يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى معنى آخر وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يحْتَملهُ قَوْله إِلَّا على استكراه وتعنيف
وَنحن نقُول إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى معنى آخر وَقد أريناكه وَاضحا
وَقَالَ الشريف أَبُو يحيى بعد مَا نَالَ من الإِمَام وأفرط تبعا للمازري يُمكن الِاعْتِذَار عَن الإِمَام فِي قَوْله يَسْتَحِيل تعلق علم الْبَارِي تَعَالَى بِمَا لَا يتناهى آحادا على التَّفْصِيل بل يسترسل عَلَيْهَا استرسالا بتمهيد أَمر وَهُوَ أَن الْحَد الْحَقِيقِيّ فِي المثلين أَن يُقَال هما الموجودان اللَّذَان تعددا فِي الْحس واتحدا فِي الْعقل وحد الخلافين أَنَّهُمَا الموجودان المتعددان فِي الْحس وَالْعقل أَلا ترى أَن البياضين والسوادين وَغَيرهمَا من المثلين متعددان فِي الْحس بِالْمحل وَفِي الْعقل متحدان والسواد وَالْبَيَاض وَغير ذَلِك من المختلفات متعددان حسا وعقلا
وَإِذا تقرر هَذَا فَيمكن أَن يُقَال إِنَّمَا أَرَادَ بقوله يسترسل عَلَيْهَا استرسالا للأمثال المتفقة فِي الْحَقِيقَة فَإِن الْعلم يتَعَلَّق بهَا بِاعْتِبَار حَقِيقَتهَا تعلقا وَاحِدًا فَإِن حَقِيقَتهَا وَاحِدَة كالبياض مثلا فَإِن آحاده لَا تخْتَلف حَقِيقَة فَعبر عَن هَذَا بتعلق الْعلم بالأمثال جملَة يُرِيد الْعلم بالحادث وَإِن كَانَ الْعلم الْقَدِيم يفصل مَا يَقع مِنْهَا مِمَّا علم أَنه يَقع فِي زمَان دون زمَان وَمحل دون مَحل
انْتهى(5/206)
وَأَقُول هَذَا رَاجِح إِلَى مَا قُلْنَاهُ بل هُوَ زَائِد عَن كَلَام الإِمَام لِأَنَّهُ يَدعِي أَن المماثلات لَا تعرف إِلَّا بحقيقتها وَلَا شكّ أَنَّهَا ممتازة بخواصها
ثمَّ قَالَ أَبُو يحيى وَالَّذِي يعضد هَذَا التَّأْوِيل مَا ذكره فِي الْكَلَام مَعَ الْيَهُود فِي النّسخ حَيْثُ قَالَ فَإِن الرب تَعَالَى كَانَ عَالما فِي الْأَزَل بتفاصيل مَا لم يَقع فَكيف يذكر فِي أول الْكتاب أمرا وينقضه فِي آخِره هَذَا بعيد مِمَّن لَهُ أدنى فطنة فِي الْعُلُوم فَكيف بِهَذَا الرجل المتبحر فِي الْعُلُوم فَيكون هَذَا تعضيد مَا ذَكرْنَاهُ من التَّأْوِيل لَهُ وَإِن كَانَ الْكَلَام الأول قلقا جدا وَظَاهره شنيع أَو يكون مَا ذكره آخرا من التَّصْرِيح بِعَدَمِ تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى تَفْصِيلًا مِمَّا تَقول عَلَيْهِ ودس عَلَيْهِ فِي كِتَابه وَقد يعقل ذَلِك وَالله أعلم بِمَا وَقع من ذَلِك
انْتهى
قلت وَإِنِّي أستبعد أَن يكون كَمَا ذكر من أَنه افترى عَلَيْهِ ودس فِي كِتَابه
وَيشْهد لذَلِك تصريحه فِي الشَّامِل بِأَنَّهُ تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى على سَبِيل التَّفْصِيل وَأَنه متميز بعضه عَن بعض
وَقد أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَوْلَا يستعيب السُّفَهَاء على هَذَا الإِمَام بهَا لما تكلمنا عَلَيْهَا
ذكر بقايا من تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى السُّبْكِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن عمر الواني سَمَاعا أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الموبيني سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا الشريف قوام الدّين عربشاه بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْعلوِي قَاضِي نهاوند سَمَاعا(5/207)
ح وقرأت على أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف ابْن عبد الرَّحْمَن الْمزي أَخْبَرتك حريَّة بنت عَامر بن إِسْمَاعِيل بِقِرَاءَة ولد لَك عَلَيْهَا وَأَنت حَاضر فِي الثَّالِثَة قَالَت أخبرنَا عربشاه إجَازَة أخبرنَا الْحوَاري قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بنيسابور سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فِي شهر رَمَضَان أخبرنَا الإِمَام فَخر الْإِسْلَام ركن الدّين إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك ابْن عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ الْخَطِيب رَحمَه الله أخبرنَا وَالِدي الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن الْأَزْهَرِي أخبرنَا أَبُو عوانه يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَافِظ حَدثنَا عمر بن شبة النميري حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول أَخْبرنِي مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم قَالَ سَمِعت عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ
وَمن شعر إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى وَقد قدمنَا من كَلَام الباخرزي مَا يدل على أَنه كَانَ لَا يسمح بِإِخْرَاجِهِ وَلَكِن أنشدوا لَهُ
(أصخ لن تنَال الْعلم إِلَّا بِسِتَّة ... سأنبئك عَن تفصيلها بِبَيَان)
(ذكاء وحرص وافتقار وغربة ... وتلقين أستاذ وَطول زمَان)
وَوجدت بخطة رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته للغياثي وَهُوَ عِنْدِي بِخَطِّهِ مِمَّا خَاطب بِهِ نظام الْملك وَمن خطه نقلت(5/208)
(فَلَا زَالَ ركب المعتفين منيخة ... لذروتك الْعليا وَلَا زلت مقصدا)
(تدين لَك الشم الأنوف تخضعا ... وَلَو أَن زهر الْأُفق أبدت تمردا)
(لجاءتك أقطار السَّمَاء تجرها ... إِلَيْك لتعفو أَو لتوردها الردى)
(وَمَا أَنا إِلَّا دوحة قد غرستها ... وسقيتها حَتَّى تَمَادى بهَا المدى)
(فَلَمَّا اقشعر الْعود مِنْهَا وصوحت ... أتتك بأغصان لَهَا تطلب الندى)
ثمَّ رَأَيْته قد ضرب على الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ وسررت بذلك فَإِنِّي سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَحْكِي عَن شَيخنَا أبي حَيَّان أَنه كَانَ يتعاظمهما وَيَقُول كَيفَ يرضى الإِمَام أَن يُخَاطب النظام بِهَذَا الْخطاب ثمَّ يذم الدُّنْيَا الَّتِي تحوج مثل الإِمَام إِلَى مثل ذَلِك
مناظرتان اتفقتا بِمَدِينَة نيسابور بَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ عِنْد دُخُول الشَّيْخ رَسُولا إِلَى نيسابور نقلتهما من خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أبي عَمْرو بن الصّلاح فِي مَجْمُوع لَهُ
سُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ عَمَّن اجْتهد فِي الْقبْلَة وَصلى ثمَّ تَيَقّن الْخَطَأ فاستدل فِيهَا بِأَنَّهُ تعين لَهُ يَقِين الْخَطَأ فِي شَرط من شُرُوط الصَّلَاة فَلَزِمَهُ الْإِعَادَة كَمَا لَو تَيَقّن الْخَطَأ فِي الْوَقْت
اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِأَن قَالَ لَا يجوز اعْتِبَار الْقبْلَة بِالْوَقْتِ فَإِن أَمر الْقبْلَة أخف من أَمر الْوَقْت وَالدَّلِيل عَلَيْهِ شيآن أَحدهمَا أَن الْقبْلَة يجوز تَركهَا فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْوَقْت لَا يجوز تَركه فِي النَّوَافِل المؤقتة كَصَلَاة الْعِيد وَسنة الْفجْر فِي السّفر وَإِن اسْتَويَا فِي كَونهمَا شرطين(5/209)
وَالثَّانِي أَن الْقبْلَة يجوز تَركهَا فِي الْفَرْض فِي شدَّة الْحَرْب وَالْوَقْت لَا يجوز تَركه فِي شدَّة الْحَرْب فِي الْفَرْض
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا خلاف بَين أهل النّظر أَنه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يشابه الْفَرْع الأَصْل من جَمِيع الْوُجُوه وَإِنَّمَا شَرطه أَن يُسَاوِيه فِي عِلّة الحكم فَإِذا اسْتَويَا فِي عِلّة الحكم لم يضر افتراقهما فِيمَا سواهَا فَإِنَّهُ لَو اعْتبر تساويهما فِي كل شَيْء لم يَصح الْقيَاس لِأَنَّهُ مَا من شَيْء يشبه شَيْئا فِي أَمر إِلَّا وَيُخَالِفهُ فِي أَمر ثمَّ كَون أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد لَا يمْنَع الِاعْتِبَار أَلا ترى أَنا نقيس الْفَرْض على النَّفْل وَالنَّفْل على الْفَرْض وَإِن كَانَ أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد ونقيس الْعِبَادَات بَعْضهَا على بعض مَعَ افتراقها فِي الْقُوَّة والضعف ونقيس الْحُقُوق بَعْضهَا على بعض وَإِن كَانَ بَعْضهَا أخف وَبَعضهَا آكِد فَكَذَلِك هُنَا يجوز أَن أعتبر الْقبْلَة بِالْوَقْتِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا آكِد وَالْآخر أخف
وَجَوَاب آخر أَنه كَمَا يجوز ترك الْقبْلَة مَعَ الْعلم فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْحَرب فالوقت أَيْضا يجوز تَركه فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر وَلَا فَارق بَينه وَبَين الْقبْلَة بل الْقبْلَة آكِد من الْوَقْت أَلا ترى أَنه لَو دخل فِي صَلَاة الْفَرْض قبل دُخُول الْوَقْت مَعَ الْعلم انقلبت صلَاته نفلا وَلَو دخل فِي الْفَرْض إِلَى غير الْقبْلَة لم تَنْعَقِد نفلا فَدلَّ على أَن الْقبْلَة آكِد من الْوَقْت
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أما قَوْلك إِنَّه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يُسَاوِي الْفَرْع الأَصْل من كل وَجه بل يَكْفِي أَن يُسَاوِيه فِي عِلّة الحكم وَلَا يضر افتراقهما فِيمَا سواهُ يُعَارضهُ أَن من شَرط الْقيَاس أَن يرد الْفَرْع إِلَى نَظِيره وَهَذَا الأَصْل لَيْسَ بنظير للفرع بِدَلِيل مَا ذكرت فَلم يَصح الْقيَاس وَلِأَن افتراقهما فِيمَا ذكرت من جَوَاز(5/210)
ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَشدَّة الْحَرْب وَأَن ذَلِك لَا يجوز فِي الْوَقْت دَلِيل على أَنَّهُمَا لَا يستويان فِي الْعلَّة لِأَنَّهُمَا لَو اسْتَويَا فِي الْعلَّة لاستويا فِي النظير وَإِذ لم يستويا فِي الْعلَّة لم يَصح الْقيَاس
وقولك لم إِذا كَانَ أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد لم يجز قِيَاس أَحدهمَا على الآخر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أَحدهمَا آكِد وَالْآخر أخف دلّ على أَن أَحدهمَا لَيْسَ بنظير للْآخر وَلَا يجوز قِيَاس الشَّيْء على غير نَظِيره
وقولك إِنَّا نقيس النَّفْل على الْفَرْض وَأَحَدهمَا آكِد ونقيس الْعِبَادَات بَعْضهَا على بعض والحقوق بَعْضهَا على بعض مَعَ اختلافها غير صَحِيح لِأَنَّهُ إِذا اتّفق فِيهَا مثل مَا اتّفق هَاهُنَا فَأَنا أمنع من الْقيَاس وَإِنَّمَا نجيز الْقيَاس فِي الْجُمْلَة فَإِذا بلغ الْأَمر إِلَى التَّفْصِيل وَقيس الشَّيْء على غير نَظِيره لم أجوز ذَلِك وَهَذَا كَمَا نقُول إِن الْقيَاس فِي الْجُمْلَة جَائِز ثمَّ إِذا اتّفق مِنْهُ مَا خَالف النَّص لم يجز وَلَا نقُول إِن الْقيَاس فِي الْجُمْلَة جَائِز فَوَجَبَ أَن يجوز مَا اتّفق مِنْهُ مُخَالفا للنَّص
وقولك إِنَّه يَكْفِي أَن يستويا فِي عِلّة الحكم وَلَا يضر افتراقهما بعد ذَلِك لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَن يستويا فِي عِلّة الحكم غير أَنِّي لَا أسلم أَنَّهُمَا اسْتَويَا فِي عِلّة الحكم لِأَن افتراقهما فِيمَا ذكرت يدل على أَنَّهُمَا لم يستويا فِي عِلّة الحكم
وقولك إِنَّه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يَسْتَوِي الأَصْل وَالْفرع فِي جَمِيع الْأَحْكَام لِأَنَّهُ لَو شَرط ذَلِك انسد بَاب الْقيَاس يُعَارضهُ أَنه لَيْسَ من شَرط الْفرق أَن يُفَارق الْفَرْع الأَصْل فِي جَمِيع الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ لَو شَرط ذَلِك انسد بَاب الْفرق وَالْفرق مَانع كَمَا أَن الْقيَاس جَامع
وَأما قَوْلك إِنَّه كَمَا يجوز ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَشدَّة الْحَرْب فَكَذَلِك(5/211)
يجوز ترك الْوَقْت فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ لَا يَصح لِأَن ترك الْوَقْت فِي الْجمع لَيْسَ على سَبِيل التَّخْفِيف لموْضِع الْعذر وَإِنَّمَا هُوَ من سنَن النّسك فَلَا يدل ذَلِك على التَّخْفِيف كَمَا لَا يدل الِاقْتِصَار فِي الصُّبْح على الرَّكْعَتَيْنِ على أَنَّهَا أَضْعَف من الظّهْر وَالْعصر
وَلَيْسَ كَذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْفَرِيضَة فِي الْحَرْب لِأَن ذَلِك أُجِيز لتخفيف أَمر الْقبْلَة فِي الْعذر فَهُوَ كالقصر فِي الظّهْر وَالْعصر فِي السّفر
وَأما قَوْلك إِنَّه إِذا دخل فِي الْفَرْض قبل الْوَقْت انْعَقَد نفلا وَلَو دخل فِيهِ وَهُوَ غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة لم تَنْعَقِد لَهُ الصَّلَاة نفلا فَإِن مَا قبل الْوَقْت وَقت للنفل وَغير الْقبْلَة لَيْسَ بِموضع للنفل من غير عذر
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي أما قَوْلك إِنِّي لَا أسلم أَن هَذَا عِلّة الأَصْل فَهَذَا من أهم الأسولة وأجودها وَلَكِن كَانَ من سَبِيلك أَن تطالبني بِهِ وتصرح بِهِ وَلَا تكنى عَنهُ فَلَا أقبله بعد ذَلِك
وَأما قَوْلك إِنَّه إِن كَانَ مَا ذكرت يسد بَاب الْقيَاس لِأَنَّهُ مَا من فرع يشابه أصلا فِي شَيْء إِلَّا ويفارقه فِي أَشْيَاء فَمَا ذكرت أَيْضا يمْنَع الْفرق لِأَنَّهُ مَا من فرع يُفَارق أصلا فِي شَيْء إِلَّا ويساويه فِي أَشْيَاء فَصَحِيح إِلَّا أَنَّك إِذا أردْت الْفرق فَيجب أَن تبين الْفرق وتدل عَلَيْهِ وترده إِلَى أصل وَلم تفعل ذَلِك وَإِن تركت مَا ذكرت واستأنف فرقا تَكَلَّمت عَلَيْهِ
وَأما قَوْلك إِن هَذَا نَظِير لِأَنَّهُ ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَفِي الْفَرْض فِي الْحَرْب فَغير صَحِيح لِأَن فِيمَا ذكرت تتْرك الْقبْلَة لعذر من جِهَة الْعَجز فَجَاز أَن يسْقط الْفَرْض(5/212)
مَعَه وَهَا هُنَا ترك للاشتباه وَلَيْسَ التّرْك للعجز كالترك للاشتباه أَلا ترى أَن الْمُسْتَحَاضَة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل يصليان مَعَ قيام الْحَدث وَلَو ظن أَنه متطهر وَصلى لم يسْقط الْفَرْض
وَأما قَوْلك إِن ترك الْوَقْت فِي الْجمع لحق النّسك على وَجه الْعِبَادَة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَو كَانَ لهَذَا الْمَعْنى لوَجَبَ إِذا أخر الْعَصْر إِلَى وَقتهَا أَلا يَصح لِأَنَّهُ فعل الْعِبَادَة على غير وَجههَا فَدلَّ على أَنه على وَجه التَّخْفِيف لحق الْعذر
وَجَوَاب آخر من حَيْثُ الْفِقْه أَنا فرقنا بَين الْوَقْت والقبلة لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة لعذر السّفر لأَنا لَو قُلْنَا إِنَّه لَا يجوز ترك الْقبْلَة أدّى إِلَى تحمل الْمَشَقَّة إِن صلاهَا أَو تَركهَا وَلَا مشقة فِي ترك الْوَقْت لِأَن السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض تَابِعَة للفرائض فيصليها فِي أَوْقَاتهَا وَكَذَلِكَ فِي شدَّة الْحَرْب الْحَاجة دَاعِيَة إِلَى ترك الْقبْلَة فَإنَّا لَو ألزمناهم اسْتِقْبَال الْقبْلَة أدّى إِلَى هزيمتهم أَو قَتلهمْ وَلَا حَاجَة بهم إِلَى ترك الْوَقْت فَإِنَّهُ يُصليهَا فِي وَقتهَا وَهُوَ يُقَاتل
فَقلت لَهُ أما قَوْلك إِنَّه كَانَ يجب أَن تطالبني بتصحيح الْعلَّة وتصرح وَلَا تكني فَلَا يَصح لِأَنِّي بِالْخِيَارِ بَين أَن أطالبك بتصحيح الْعلَّة وَبَين أَن أذكر مَا يدل على فَسَادهَا كَمَا أَن القائس بِالْخِيَارِ بَين أَن يذكر عِلّة الْمَسْأَلَة وَبَين أَن يذكر مَا يدل على الْعلَّة والجميع جَائِز فَكَذَلِك هَا هُنَا
وَأما قَوْلك إِن الْجمع لَو كَانَ لِلْعِبَادَةِ لما جَازَ التَّأْخِير لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّأْخِير لِأَنَّهُ يَفْعَلهَا فِي وَقتهَا وتقديمها أفضل لِأَنَّهُ وَقت لَهَا على سَبِيل الْقرْبَة والفضيلة
وَأما قَوْلك إِن ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة وَالْحَرب للعجز أَو الْمَشَقَّة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ كَانَ يجب لهَذَا الْعَجز أَن يتْرك الْوَقْت فتؤخر الصَّلَاة فِي شدَّة الْخَوْف ليؤديها على حَال الْكَمَال ويتوفر على الْقِتَال وَلما لم يجز ترك الْوَقْت وَجَاز ترك الْقبْلَة دلّ على أَن فرض الْقبْلَة أخف من فرض الْوَقْت فَجَاز أَن يكون الِاشْتِبَاه عذرا فِي سُقُوط فرض الْقبْلَة وَلَا يكون عذرا فِي ترك الْوَقْت وَهَذَا آخرهَا(5/213)
قَالَ ابْن الصّلاح نقلتها من خطّ الشَّيْخ أبي عَليّ بن عمار وَقَالَ نقلتها من خطّ رجل من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَذكر فِي آخر الْخط أَنه كتبهَا من خطّ الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق
وَقَوله فِيهَا فَقلت لَهُ هَذَا حِكَايَة قَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَهُوَ دَلِيل أَنَّهَا نقلت من خطه
قلت وَقَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي جَوَابه ترك الْوَقْت فِي الْجمع لَيْسَ للتَّخْفِيف بل هُوَ من سنَن النّسك يَقْتَضِي أَنه فهم عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه إِنَّمَا اسْتدلَّ بِالْجمعِ الَّذِي هُوَ من سنَن النّسك لَا مُطلق الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر إِذْ ذَاك على سَبِيل التَّخْفِيف بِلَا إِشْكَال وَهُوَ فهم صَحِيح عَن الإِمَام فَإِنَّهُ لم يرد سواهُ كَمَا يشْهد بِهِ كَلَامه فِي أجوبته وَلم يَتَّضِح لي وَجه التَّخْصِيص بِجمع النّسك وَلم لَا وَقع الِاسْتِدْلَال بِمُطلق الْجمع لعذر السّفر وَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل هَذَا فَإِن الشَّيْخَيْنِ مَا عدلا عَن ذَلِك إِلَّا لِمَعْنى وَلم نفهمه نَحن
المناظرة الثَّانِيَة
اسْتدلَّ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله بنيسابور فِي إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة بِأَن قَالَ بَاقِيَة على بكارة الأَصْل فَجَاز للْأَب تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا
أَصله إِذا كَانَت صَغِيرَة
فَقَالَ السَّائِل جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَذَلِكَ لَا يجوز
فَقَالَ هَذَا لَا يَصح لثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنِّي مَا جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل لِأَن صُورَة الْمَسْأَلَة تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغَة من غير إِذن وعلتي أَنَّهَا بَاقِيَة على بكارة الأَصْل وَلَيْسَ هَذَا صُورَة الْمَسْأَلَة لِأَن هَذِه الْعلَّة غير مَقْصُورَة على الْبكر الْبَالِغَة بل هِيَ عَامَّة فِي كل بكر وَلِهَذَا قست على الصَّغِيرَة(5/214)
الثَّانِي قَوْلك لَا يجوز أَن تجْعَل صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَمَا الْمَانِع من ذَلِك الثَّالِث أَن الْعِلَل شَرْعِيَّة كَمَا أَن الْأَحْكَام شَرْعِيَّة وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن يعلق الشَّارِع الحكم على الصُّورَة مرّة كَمَا يعلق على سَائِر الصِّفَات فَلَا معنى للْمَنْع من ذَلِك فَإِن كَانَ عنْدك أَنه لَا دَلِيل على صِحَّتهَا فطالبني بِالدَّلِيلِ على صِحَّتهَا من جِهَة الشَّرْع
فَقَالَ السَّائِل دلّ على صِحَّتهَا من الشَّرْع
فَقَالَ الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّة الْخَبَر وَالنَّظَر
أما الْخَبَر فَمَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَالْمرَاد بِهِ الثّيّب لِأَنَّهُ قابلها بالبكر فَقَالَ (وَالْبكْر تستأمر) فَدلَّ على أَن غير الثّيّب وَهِي الْبكر لَيست أَحَق بِنَفسِهَا
وَأقوى طَرِيق تثبت بِهِ الْعلَّة نطق صَاحب الشَّرْع
وَأما النّظر فَلَا خلاف أَن الْبكر يجوز أَن يُزَوّجهَا من غير نطق لبكارتها وَلَو كَانَت ثَيِّبًا لم يجز تَزْوِيجهَا من غير نطق أَو مَا يقوم مقَام النُّطْق عِنْده وَهُوَ الْكِتَابَة وَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا إِلَى الْوَلِيّ لما جَازَ تَزْوِيجهَا من غير نطق
اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ فَقَالَ الْمعول فِي الدَّلِيل على مَا ذكرت من الْخَبَر وَالنَّظَر فَأَما الْخَبَر فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ أَن الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا لِأَنَّهُ لَا يملك تَزْوِيجهَا إِلَّا بالنطق وَالْبكْر بِخِلَافِهَا وَإِذا احْتمل التَّأْوِيل أولنا على مَا ذكرت بطرِيق يُوجب الْعلم وَهُوَ أَنه قد اجْتمع للبكر الْبَالِغَة الْأَسْبَاب الَّتِي تسْقط مَعهَا ولَايَة الْوَلِيّ وتستقل بِنَفسِهَا فِي التَّصَرُّف فِي حق نَفسهَا لِأَن الْمَرْأَة إِنَّمَا تفْتَقر إِلَى الْوَلِيّ لعدم استقلالها بِنَفسِهَا لصِغَر أَو جُنُون فَإِذا اجْتمع فِيهَا(5/215)
الْأَسْبَاب الَّتِي تَسْتَغْنِي بهَا عَن ولَايَة الْوَلِيّ لم يجز ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهَا فِي التَّزْوِيج بِغَيْر إِذْنهَا وَلِأَن فِي الْخَبَر مَا يدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه ذكر الْوَلِيّ وَأطلق وَلم يفصل بَين الْأَب وَالْجد وَغَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء وَلَو كَانَ المُرَاد ولَايَة الْإِجْبَار لم يُطلق الْولَايَة لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يملك الْإِجْبَار بِالْإِجْمَاع فَثَبت أَنه أَرَادَ بِهِ اعْتِبَار النُّطْق فِي حق الثّيّب وسقوطه فِي حق الْبكر وَلِأَنَّهُ قَالَ وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها فَدلَّ أَنه أَرَادَ فِي الثّيّب اعْتِبَار النُّطْق
أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ لَا يجوز حمله على مَا ذكرت من اعْتِبَار النُّطْق لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فِي العقد وَالتَّصَرُّف دون النُّطْق
وَقَوله إِنَّه أطلق الْوَلِيّ فَإِنَّهُ عُمُوم فأحمله على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الثّيّب فَإِنَّهُ قَالَ (وَالثَّيِّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل وَالتَّعْلِيل بِمَنْزِلَة النَّص فيخص بِهِ الْعُمُوم كَمَا يخص بِالْقِيَاسِ
وقولك إِنَّه ذكر الصمات فِي حق الْبكر فَدلَّ على إِرَادَته النُّطْق فِي حق الثّيّب لَا يَصح بل هُوَ الْحجَّة عَلَيْك لِأَنَّهُ لما ذكر الْبكر ذكر صفة إِذْنهَا وَأَنه الصمات فَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ فِي الثّيّب النُّطْق لما احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة الصمات فِي قَوْله (وَالْبكْر تستأمر)
وَأما قَوْله إِن هَاهُنَا دَلِيلا يُوجب الْقطع غير صَحِيح وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاس على سَائِر الولايات وَالْقِيَاس يتْرك بِالنَّصِّ
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تَدعِي أَنه نَص ودعواه لَا تصح لِأَن النَّص مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِذا بَطل أَنه نَص جَازَ التَّأْوِيل بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذكرت(5/216)
وَأما قَوْلك إِنِّي أحمل الْوَلِيّ على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الْخَبَر فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم إِنَّمَا يكون تعليلا إِذا كَانَ مناسبا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع والثيوبة غير مُنَاسبَة للْحكم الذِي علق عَلَيْهَا وَهِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فَلَا يجوز أَن تكون عِلّة وَلِأَن مَا ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيق آخر فَجَاز أَن يتْرك لَهُ التَّعْلِيل
أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ أما التَّأْوِيل فَلَا تصح دَعْوَاهُ لِأَن التَّأْوِيل صرف الْكَلَام عَن ظَاهره إِلَى وَجه يحْتَملهُ كَقَوْل الرجل رَأَيْت حمارا وَأَرَادَ بِهِ الرجل البليد فَإِن هَذَا مُسْتَعْمل فَجَاز صرف الْكَلَام إِلَيْهِ فَأَما مَا لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ فَلَا يَصح تَأْوِيل اللَّفْظ عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ رَأَيْت بغلا ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ رجلا بليدا لم يقبل لِأَن الْبَغْل لَا يسْتَعْمل فِي الرجل بِحَال فَكَذَلِك هَاهُنَا قَوْله (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا)
وقولك لَيْسَ بتعليل لِأَنَّهُ لَا يُنَاسب الحكم لَا يَصح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل فِي كَلَام الْعَرَب أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ اقْطَعُوا السَّارِق كَانَ مَعْنَاهُ لسرقته وَإِذا قَالَ جَالس الْعلمَاء كَانَ مَعْنَاهُ لعلمهم
وقولك إِنَّه إِنَّمَا يجوز فِيمَا يصلح أَن يكون تعليلا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع لَا يَصح لِأَن التَّعْلِيل للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ طَرِيقه الشَّرْع وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن تجْعَل الثيوبة عِلّة لإِسْقَاط الْولَايَة كَمَا لَا يُنكر أَن تجْعَل السّرقَة عِلّة لإِيجَاب الْقطع وَالزِّنَا للجلد
وقولك هَذَا الَّذِي ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس خطأ بل جعلت استقلالها بِهَذِهِ الصِّفَات مغنيا عَن الْولَايَة وَلَا تصح هَذِه الدَّعْوَى إِلَّا بِالْإِسْنَادِ إِلَى الولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع(5/217)
والولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع إِنَّمَا زَالَت بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الأَصْل فَحملت ولَايَة النِّكَاح عَلَيْهَا وَذَلِكَ يحصل بِالْقِيَاسِ وَلَو لم يكن هَذَا الأَصْل لما صَحَّ لَك دَعْوَى الِاسْتِقْلَال بِهَذِهِ الصِّفَات فَإِنَّهُ لَا يسلم أَن الْولَايَة تثبت فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير بِمُقْتَضى الْعقل وَإِنَّمَا يثبت ذَلِك بِالشَّرْعِ وَالشَّرْع مَا ورد إِلَّا فِي الْأَمْوَال فَكَانَ حمل النِّكَاح عَلَيْهِ قِيَاسا وَالْقِيَاس لَا يُعَارض النَّص وَقد ثَبت أَن الْخَبَر نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَلَا يجوز تَركه بِالْقِيَاسِ وَلِأَن هَذَا طَرِيق يُعَارضهُ مثله وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَت الْأُصُول مَوْضُوعَة على ثُبُوت الْولَايَة للْحَاجة وسقوطها بالاستقلال بِهَذِهِ الصِّفَات فالأصول مَوْضُوعَة على أَن النُّطْق لَا يعْتَبر إِلَّا فِي مَوضِع لَا يثبت فِيهِ الْولَايَة وَقد ثَبت أَن النُّطْق سقط فِي حق الْبكر فَوَجَبَ أَن تثبت الْولَايَة عَلَيْهَا
فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي النُّطْق سقط نصا
فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق هَذَا تَأْكِيد لِأَن سُقُوطه بِالنَّصِّ دَلِيل على مَا ذكرت
وَهَذَا آخر مَا جرى بَينهمَا
وَالله أعلم
وَمن الْفَوَائِد والمسائل والغرائب عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله
قَالَ فِي النِّهَايَة فِي بَاب دِيَة الْجَنِين فِيمَا إِذا أَلْقَت الْمَرْأَة لَحْمًا وَذكر القوابل أَنَّهُنَّ لَا يدرين هَل هُوَ أصل للْوَلَد أَو لَا لَا يتَعَلَّق بِهِ أُميَّة الْوَلَد وَلَا وجوب الْغرَّة وَلَا الْكَفَّارَة
وَهل يتَعَلَّق بِهِ انْقِضَاء الْعدة ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه(5/218)
لَا يتَعَلَّق بِهِ انقضاؤها وَهُوَ الْأَصَح لأَنا نفرع على اتِّبَاع قَول القوابل وَلَو قُلْنَ إِنَّه لَيْسَ لحم ولد فَلَا يتَعَلَّق بِهِ انْقِضَاء الْعدة فَإِذا قُلْنَ لَا نَدْرِي فَالْأَصْل بَقَاء الْعدة فَخرج مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْل أَن القوابل لَو قُلْنَ فِي الْعلقَة إِنَّهَا أصل الْوَلَد فَفِي انْقِضَاء الْعدة بوضعها خلاف وَلَو شككن فِي اللَّحْم فَفِي تعلق انْقِضَاء الْعدة بِهِ وَجْهَان للعراقيين
وَالْخلاف فِي الْكتاب مَكْتُوبَة الْهمزَة على سف وَالأَصَح على ألف جَمِيعًا بعيد
انْتهى
فقد صرح فِي حَالَة شكهن بحكاية وَجْهَيْن وَكرر ذكر ذَلِك وَبِه يسْتَدرك على الرَّافِعِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ دعواهما أَنه لَا خلاف فِي صُورَة الشَّك وَأَنه لَا يحصل انْقِضَاء الْعدة بِهِ
ذكر الإِمَام فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالمدارك أَن الطَّلَاق فِي الْحيض لَيْسَ حَرَامًا
قَالَ وَإِنَّمَا الْحَرَام تَطْوِيل الْعدة
وَهَذَا يُؤَيّد أحد وَجْهَيْن حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ عَن حِكَايَة شَيْخه الْكَمَال سلار فِيمَا إِذا رَاجع بعد طَلَاقه فِي الْحيض هَل يرْتَفع الْإِثْم وَالْمَشْهُور أَن طَلَاق الْحَائِض حرَام
لَو غصب العَبْد الْمُرْتَد غَاصِب فَقتله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن مَاتَ فِي يَده
قَالَ الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي أثْنَاء السّير فِي بَاب إِظْهَار دين الله إِنَّه يجب الضَّمَان
قَالَ الإِمَام فِي بَاب زَكَاة الْفطر من النِّهَايَة وَقد ذكر الْقُدْرَة على بعض الصَّاع كل أصل ذِي بدل فالقدرة على بعض الأَصْل لَا حكم لَهَا وسبيل الْقَادِر على الْبَعْض كسبيل الْعَاجِز عَن الْكل
ثمَّ ذكر مَا يسْتَثْنى من هَذَا الضَّابِط إِلَى أَن قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا انتقضت الطَّهَارَة بانتقاض بعض الْمحل فَالْوَجْه الْقطع بالإتيان بالمقدور عَلَيْهِ وَقد ذكر بعض الْأَصْحَاب فِيهِ اخْتِلَافا بَعيدا
انْتهى
وَمِنْه أَخذ شَارِح التَّعْجِيز مُصَنف ابْن يُونُس إِثْبَات خلاف فِي الْمَسْأَلَة وَقد تكلمنا(5/219)
عَلَيْهِ فِي جَوَاب أسئلة سَأَلَني عَنْهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين الْأَذْرَعِيّ فَقِيه أهل حلب نفع الله بِهِ
قَالَ الإِمَام رَحمَه الله قبيل بَاب الرّجْعَة من النِّهَايَة فرع الزَّوْج إِذا ادّعى اختلاع امْرَأَته بِأَلف دِرْهَم فأنكرته فَأَقَامَ شَاهدا وَحلف مَعَه أَو شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبت المَال فَإِن المَال يثبت بِمَا ذَكرْنَاهُ أما الْفرْقَة فقد ثبتَتْ بقوله وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة الْخلْع فَأنْكر الزَّوْج فَلَا بُد من شَاهِدين فَإِن غرضها إِثْبَات الْفرْقَة
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَو ادّعى على الْمَرْأَة الْوَطْء فِي النِّكَاح وغرضه إِثْبَات الْعدة وَالرَّجْعَة فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا شَاهِدَانِ إِن أَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة
وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة مهْرا فِي النِّكَاح وَأنكر الزَّوْج أصل النِّكَاح فأقامت شَاهدا وَحلفت يَمِينا على النِّكَاح وغرضها إِثْبَات الْمهْر
قَالَ الشَّيْخ لم يثبت شَيْء بِخِلَاف مَا قدمْنَاهُ وَذَلِكَ أَن النِّكَاح لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ إِثْبَات المَال وَإِنَّمَا المَال تَابع وَالنِّكَاح لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ
وَكَانَ شَيْخي يَقُول يثبت الْمهْر إِذا قصدته وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَليّ أفقه فَإِنَّهَا وَإِن أبدت مَقْصُود المَال فمقودها فِي النِّكَاح غير المَال وَالشَّاهِد لهَذَا أَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يقْض بانعقاد النِّكَاح بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهَذَا يشْعر بِأَن النِّكَاح من الْجَانِبَيْنِ لَا يثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يثبت شَيْء من مقاصده
وَفِي الْمَسْأَلَة احْتِمَال على حَال وسأجمع بِتَوْفِيق الله فِي الدعاوي والبينات قَوَاعِد الْمَذْهَب فِيمَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين وَمَا لَا يثبت إِلَّا بعدلين وَإِلَى الله الابتهال فِي تَصْدِيق الرَّجَاء وَتَحْقِيق الأمل وَصرف مَا سعيت فِيهِ إِلَى نفع الْمُسلمين
انْتهى
ذكره آخر الطَّلَاق وقبيل الرّجْعَة وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَنه حكى وَجْهَيْن فِي ثُبُوت الصَدَاق بِشَاهِد وَيَمِين وَأَن الأفقه عِنْده عدم ثُبُوته وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَمن تبعه(5/220)
فِي كتاب الشَّهَادَات فَإِنَّهُم جزموا بِأَنَّهُ يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَلعدم الثُّبُوت اتجاه ظَاهر فَإِن الْمَذْهَب فِي رجل وَامْرَأَتَيْنِ شهدُوا بهاشمة قبلهَا إِيضَاح عدم وجوب أرش الهاشمة لِأَن الْمُوَضّحَة الَّتِي قبلهَا واجبها الْقصاص وَهُوَ مِمَّا لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَرددْنَا شَهَادَتهم فِي أرش الهاشمة مَعَ صَلَاحِية الْبَيِّنَة لَهَا لِأَنَّهَا مُوجبَة مَال وَإِنَّمَا رددناها لكَونهَا بعض فعل لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَهَذَا دَلِيل على أَنا نردها فِي الصَدَاق الْمُسَمّى الَّذِي ثُبُوته فرع ثُبُوت النِّكَاح وَإِذا لم يثبت الْمَلْزُوم بِهَذِهِ الشَّهَادَة فَكيف يثبت اللَّازِم فليحمل جزمهم بِأَن الصَدَاق يثبت بِشَاهِد وَيَمِين على مَا إِذا وَقعت الدَّعْوَى بِهِ مُجَرّدَة مَعَ التصادق على أصل النِّكَاح أما إِذا وَقعت بِأَصْل النِّكَاح فَلَا يثبت الصَدَاق إِلَّا على مَا نَقله الإِمَام عَن شَيْخه وَالَّذِي يظْهر وَذكر الإِمَام أَنه الأفقه كَمَا رَأَيْت خِلَافه وَبِذَلِك صرح الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فَقَالَ إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الصَدَاق مَعَ اتِّفَاقهمَا على النِّكَاح سمع فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَو اخْتلفَا فِي النِّكَاح لم يسمع فِيهِ إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ لِأَن الصَدَاق مَال وَالنِّكَاح عقد وَيصِح انفرادها بِهِ وَلَو ادَّعَت الزَّوْجَة الْخلْع وَأنكر لم تسمع فِيهِ إِلَّا شَهَادَة شَاهِدين وَلَو ادَّعَاهُ الزَّوْج وأنكرته الزَّوْجَة سمع فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَالْفرق بَينهمَا أَن بَيِّنَة الزَّوْجَة لإِثْبَات الطَّلَاق وَبَيِّنَة الزَّوْج لإِثْبَات المَال
انْتهى لفظ الْحَاوِي فَيظْهر أَن ثُبُوت الصَدَاق إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة مُجَردا عَن دَعْوَى النِّكَاح
فَإِن قلت كَيفَ يحمل جزمهم على مَا إِذا وَقعت الدَّعْوَى بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَقد قَالَ الرَّافِعِيّ لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على صدَاق فِي النِّكَاح يثبت الصَدَاق لِأَنَّهُ الْمَقْصُود قلت يحمل على الدَّعْوَى بهما أَو بِالنِّكَاحِ لَا على الصَدَاق بِمُجَرَّدِهِ لقَوْله فِي نِكَاح
وَلَكِن يصدني عَن هَذَا الْحمل أَن ابْن الرّفْعَة صرح بِأَن المُرَاد بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة مَا إِذا ادَّعَت(5/221)
النِّكَاح لإِثْبَات الْمهْر وَنبهَ على مَا ذَكرْنَاهُ من كَلَام الإِمَام وَأَشَارَ بِهِ إِلَى اخْتِلَاف كَلَامه فَإِن الَّذِي جزم بِهِ فِي الشَّهَادَات أَنه يثبت وَعَلِيهِ دلّت عبارَة الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَسِيط ثمَّ ليعلم أَن النِّكَاح إِن لم يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ ثَبت فِي حق الْمهْر
478 - عبد الْملك بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو سعد بن أبي عُثْمَان الخركوشي
وخركوش بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الْكَاف ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة سكَّة بِمَدِينَة نيسابور
أَبُو سعد النيسابوري
روى عَن حَامِد بن مُحَمَّد الرفاء وَيحيى بن مَنْصُور القَاضِي وَإِسْمَاعِيل بن نجيد وَأبي عَمْرو بن مطر وَغَيرهم
روى عَنهُ الْحَاكِم وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَالْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَعبد الْعَزِيز الْأَزجيّ وَأَبُو عَليّ التنوخي وَعلي بن مُحَمَّد الحنائي وَأَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأحمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وَآخَرُونَ
وَكَانَ فَقِيها زاهدا من أَئِمَّة الدّين وأعلام الْمُؤمنِينَ ترتجى الرَّحْمَة بِذكرِهِ(5/222)
قَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِنَّه الْوَاعِظ الزَّاهِد ابْن الزَّاهِد وَإنَّهُ تفقه فِي حَدَاثَة سنة وتزهد وجالس الزهاد والمجردين إِلَى أَن جعله الله خلف الْجَمَاعَة مِمَّن تقدمه من الْعباد الْمُجْتَهدين والزهاد القانعين
قَالَ وتفقه على أبي الْحسن الماسرجسي
قَالَ وجاور بحرم الله ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه نيسابور وَقد أنْجز الله لَهُ وعده على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله إِذا أحب عبدا نَادَى جِبْرِيل بذلك فِي السَّمَاء فَيُحِبهُ أهل السَّمَاء ثمَّ يوضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض)
فَلَزِمَ منزله ومجلسه وبذل النَّفس وَالْمَال والجاه للمستورين من الغرباء والمنقطعين والفقراء حَتَّى صَار الْفُقَرَاء فِي مجالسه كَمَا حدثونا عَن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن عون قَالَ حَدثنَا يحيى بن الْيَمَان قَالَ كَانَ الْفُقَرَاء فِي مجْلِس سُفْيَان الثَّوْريّ أُمَرَاء
فقد وَفقه الله لعمارة الْمَسَاجِد والحياض والقناطر والدروب وَكِسْوَة الْفُقَرَاء العراة من الغرباء والبلدية حَتَّى بنى دَارا للمرضى بعد أَن خربَتْ الدّور الْقَدِيمَة بنيسابور ووكل جمَاعَة من أَصْحَابه لتمريضهم وَحمل مَا بهم إِلَى الْأَطِبَّاء وَشِرَاء الْأَدْوِيَة(5/223)
479 - عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن أَبُو سعد الدسكري
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه صَالح دين ورع برع فِي الْفِقْه وَكَانَت لَهُ معرفَة بالأدب وارتقت دَرَجَته وَارْتَفَعت
روى عَن أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ بن الْمَذْهَب وَغَيره
قلت وَقد حج وَأنْفق مَالا صَالحا على المجاورين الْفُقَرَاء بالحرمين وَحكي أَن الْحَاج عطشوا فِي تِلْكَ السّنة فَسَأَلُوهُ أَن يَسْتَسْقِي لَهُم فَتقدم وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَن هَذَا بدن لم يعصك قطّ فِي لَذَّة ثمَّ استسقى فسقي النَّاس
مَاتَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة(5/224)
480 - عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد البوشنجي
وَهُوَ وَالِد الإِمَام إِسْمَاعِيل البوشنجي
وَعَلِيهِ تفقه أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن
ذكره عبد الغافر وَقَالَ فِيهِ الْفَقِيه الْفَاضِل الْوَرع الدّين من وُجُوه الْفُقَهَاء والمدرسين والمناظرين والعاملين بعلمهم الجارين على منهاج السّلف الصَّالِحين فِي لُزُوم الْفضل والاشتغال بِالْعلمِ وَلُزُوم الْفقر والقناعة
تفقه على أبي إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الضَّرِير
ثمَّ قَالَ توفّي كهلا فِي سَابِع عشرى الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
481 - عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد ابْن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الملقب ركن الْإِسْلَام
وَسَعِيد فِي كنيته بِالْيَاءِ أما أَبُو سعد بِإِسْكَان الْعين فَذَاك أَخُوهُ عبد الله
كِلَاهُمَا ولد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم وشبل ذَلِك الْأسد الَّذِي تجم دونه الضراغم وقرة عين تِلْكَ الذَّات الطاهرة وَأحد وَلدين بل أحد سِتَّة نُجُوم زاهرة
ولد عبد الْوَاحِد سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة قبل إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِسنة وَنَشَأ فِي الْعلم وَالْعِبَادَة وَأخذ حظا وافرا من الْأَدَب وَكَانَ مداوما على تِلَاوَة الْقُرْآن
سمع الحَدِيث من وَالِده وَأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الطرازي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن(5/225)
ابْن حمدَان النصروي وَأبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر الْمُزَكي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن باكوية الشِّيرَازِيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز النيلي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يحيى الْمُزَكي وَأبي نصر مَنْصُور بن رامش وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْقَاضِي أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر ابْن بَشرَان وَأبي يعلى بن الْفراء وَخلق بنيسابور والري وبغداد وهمذان
روى عَنهُ وَلَده هبة الرَّحْمَن وَأَبُو طَاهِر السنجي وَغَيرهمَا
وَكَانَ سَمَاعه من الطرازي حضورا فِي الرَّابِعَة أَو نَحْوهَا
ذكره عبد الغافر فَقَالَ نَاصِر السّنة أوحد عصره فضلا ونفسا وَحَالا وَبَقِيَّة مَشَايِخ الْعَصْر فِي الْحَقِيقَة والشريعة نَشأ صَبيا فِي عبَادَة الله تَعَالَى وَفِي التَّعَلُّم خطب الْمُسلمين قَرِيبا من خمس عشرَة سنة ينشىء الْخطب كل جُمُعَة خطْبَة جَدِيدَة جَامِعَة للفوائد مَعْدُودَة من الفرائد
انْتهى
قلت أَظُنهُ ولي خطابة الْجَامِع المنيعي بنيسابور بعد موت إِمَام الْحَرَمَيْنِ فاستمر بهَا إِلَى أَن مَاتَ
وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد فِيهِ شيخ نيسابور علما وزهدا وورعا وصيانة لَا بل شيخ خُرَاسَان وَهُوَ فَاضل ملْء ثَوْبه وورع ملْء قلبه لم أر فِي مشايخي أورع مِنْهُ وَأَشد اجْتِهَادًا
انْتهى
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد كَانَ ذَا عناية بتقييد أنفاس وَالِده وفوائده وَضبط حركاته وسكناته وَمَا جرى لَهُ فِي أَحْوَاله معنيا بحكايتها فِي مجالسه ومحاوراته حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم تلاء لَهُ يتلوه رَاكِبًا وماشيا وَقَاعِدا صَار فِي آخر عمره سيد عشيرته وَحج مثنيا أَي مرّة ثَانِيَة بعد الثَّمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
انْتهى(5/226)
قلت وَعَاد إِلَى وَطنه نيسابور وَبَقِي بهَا مُنْفَردا عَن أقرانه قَائِما بوظائف الْعِبَادَة لَا يفتر إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي مدرستهم عَن أَبِيه وَإِخْوَته وجده لأمه أبي عَليّ الدقاق
وَمن الْفَوَائِد وَالشعر عَنهُ
قَالَ عبد الغافر عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء عشيات الْجمع فِي الْمدرسَة النظامية بنيسابور فَكَانَ يخرج مجَالِس الحَدِيث وَيتَكَلَّم على الْمُتُون فيستخرج المشكلات ويستنبط الْمعَانِي والإشارات ويزينها بالحكايات والأبيات وَكَانَ عقد مَجْلِسه زمَان الْأُسْتَاذ زين الْإِسْلَام يَعْنِي أَبَاهُ مَقْصُورا على جَوَاب السَّائِل وَرِوَايَات الْأَخْبَار وحكايات السّلف والمشايخ من غير خوض فِي الطَّرِيقَة ودقائقها والغوص فِي حقائقها احتراما لأيام الإِمَام
انْتهى
وَمن شعره يَقُول
(خليلي كفا عَن عتابي فإنني ... خلعت عِذَارَيْ فِي الْهوى وعناني)
(تصاممت عَن كل الملام لأنني ... شغلت بِمَا قد نابني وعناني)
وَمِنْه
(لعمري لَئِن حل المشيب بمفرقي ... ورثت قوى جسمي ورق عِظَامِي)
(فَإِن عرام الشوق بَاقٍ بِحَالهِ ... إِلَى الْحَشْر مِنْهُ لَا يكون فطامي)(5/227)
وَمِنْه
(يَا شاكيا فرقة شهر الصّيام ... تفيض عَيناهُ كفيض الْغَمَام)
(ذَلِك من أَوْصَاف من لم يزل ... حُضُوره الْبَاب بنعت الدَّوَام)
(دم حَاضرا بِالْبَابِ مستيقظا ... وكل شهر لَك شهر الصّيام)
482 - عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي عمر البَجلِيّ
يُقَال إِنَّه من نسل جرير بن عبد الله البَجلِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جمع بَين الْفِقْه وأصوله
سمع أَحْمد بن سلمَان النجاد وجعفر الْخُلْدِيِّ وَمُحَمّد بن الْحسن بن زِيَاد النقاش وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة تقلد الْقَضَاء من قبل أبي عَليّ التنوخي على دقوقا وخانيجار وَذكر أَنه تقلد أَيْضا قَضَاء جازر ثمَّ عكبرى قَالَ وسمعته أمْلى عَليّ نسبه فَقَالَ أبي مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن خَالِد بن إِسْحَاق بن الزبْرِقَان بن خَالِد بن عبد الْملك بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ(5/228)
قَالَ وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من رَجَب سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب
483 - عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن داوريد أَبُو حنيفَة الْفَارِسِي الملحمي
الْفَقِيه الفرضي
قَالَ الْخَطِيب حَدثنَا عَن الْمعَافى الْجريرِي وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات والفرائض حَافِظًا لظَاهِر فقه الشَّافِعِي
مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
484 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد أَبُو الْفرج الفامي الشِّيرَازِيّ
من أهل شيراز
ذكره ولد وَلَده القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الشِّيرَازِيّ(5/229)
فِي كِتَابه تَارِيخ الْفُقَهَاء وَقَالَ إِنَّه توفّي فِي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ وفيهَا ولدت
485 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن رامين الْبَغْدَادِيّ الشَّيْخ أَبُو أَحْمد
تلميذ الداركي وَشَيخ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
ذكره فِي الطَّبَقَات وَقَالَ قَرَأَ عَليّ الداركي وعَلى أبي الْحسن بن خيران وَسكن الْبَصْرَة ودرس بهَا وَكَانَ فَقِيها أصوليا لَهُ مصنفات حَسَنَة فِي الْأُصُول
انْتهى
وَقَالَ ابْن النجار إِنَّه سمع من الدَّارَقُطْنِيّ وَحدث بِالْبَصْرَةِ وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
486 - عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور بن أَحْمد أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن المُشْتَرِي الْأَهْوَازِي كَانَ إِلَيْهِ قَضَاء الأهواز وَكَانَ لَهُ منزلَة عِنْد السلاطين
مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
تَرْجمهُ ابْن باطيش(5/230)
487 - عبيد الله بن أَحْمد بن عبد الْأَعْلَى بن مُحَمَّد بن مَرْوَان أَبُو الْقَاسِم الرقي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَرَّانِي
قَالَ الْخَطِيب سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَسمع بالموصل من نصر بن أَحْمد بن الْخَلِيل المرجي وَأبي نصر الملاحمي وَابْن حبابة والمخلص وَأبي حَفْص الكتاني وَغَيرهم
روى عَنهُ الْخَطِيب وَوَثَّقَهُ وَعبد الْعَزِيز الكتاني وَغَيرهمَا
قَالَ الْخَطِيب مَاتَ بالرحبة وَكَانَ قد سكنها إِلَى أَن توفّي فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة(5/231)
488 - عبيد الله بن أَحْمد بن عُثْمَان بن الْفرج الْأَزْهَرِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفَتْح وَهُوَ الْأَزْهَرِي الَّذِي يكثر الْخَطِيب الرِّوَايَة عَنهُ وَيعرف أَيْضا بِابْن السوادي
ولد سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة وَحدث عَن أبي بكر الْقطيعِي وَابْن ماسي والعسكري وَابْن المظفر وَخلق كثير
قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ أحد الْمَعْنيين بِالْحَدِيثِ والجامعين لَهُ مَعَ صدق واستقامة ودوام درس الْقُرْآن سمعنَا مِنْهُ المصنفات الْكِبَار
توفّي فِي صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد بلغ ثَمَانِينَ سنة بل جاوزها بِعشْرَة أَيَّام
489 - عبيد الله بن سَلامَة بن عبيد الله بن مخلد
أَبُو مُحَمَّد الْكَرْخِي الْمَعْرُوف بِابْن الرطبي أَخُو أَحْمد الَّذِي قدمنَا ذكره
كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء(5/232)
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَولى قَضَاء شهراباد والبندنيجين
توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
490 - عبيد الله بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن الْبَقَّال
بِالْبَاء الْمُوَحدَة من أهل بَغْدَاد
كَانَ فِيهَا مقرئا
سمع أَبَا بكر النجاد وَأَبا عَليّ الصَّواف وَأَبا بكر الشَّافِعِي وَغَيرهم
روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والثقفي وَأَبُو بكر الْخَطِيب وَقَالَ سمعنَا مِنْهُ بانتقاء ابْن أبي الفوارس وَكَانَ فَقِيها ثِقَة
مَاتَ سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فِي صفر ببغدد
491 - عبيد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مهْرَان الإِمَام أَبُو أَحْمد بن أبي مُسلم الفرضي المقرىء الْبَغْدَادِيّ
أحد شُيُوخ الْعرَاق السائر ذكرهم
سمع الْمحَامِلِي ويوسف بن البهلول الْأَزْرَق وَحضر مجْلِس أبي بكر الْأَنْبَارِي(5/233)
وَقَرَأَ الْقُرْآن على أَحْمد بن عُثْمَان بن بويان وَهُوَ آخر من قَرَأَ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ
وَحدث عَنهُ أَبُو مُحَمَّد الْخلال وَعمر بن عبد الله الْبَقَّال وَأحمد بن عَليّ بن أبي عُثْمَان الدقاق وَعلي بن أَحْمد بن البسري وَعلي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَخْضَر الْأَنْبَارِي وَآخَرُونَ
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن نصر بن عبد الْعَزِيز الْفَارِسِي نزيل مصر وَأَبُو عَليّ الْحسن ابْن الْقَاسِم غُلَام الهراس وَالْحسن بن عَليّ الْعَطَّار وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة ورعا دينا
قَالَ وَحدثنَا مَنْصُور بن عمر الْفَقِيه قَالَ لم أر فِي الشُّيُوخ من يعلم لله غير أبي أَحْمد الفرضي قَالَ وَكَانَ قد اجْتمعت فِيهِ أدوات الرياسة من علم وَقُرْآن وَإسْنَاد وَحَالَة متسعة من الدُّنْيَا وَكَانَ مَعَ ذَلِك أورع الْخلق وَكَانَ يقْرَأ الحَدِيث علينا بِنَفسِهِ وَكنت أطيل الْقعُود مَعَه وَهُوَ على حَالَة وَاحِدَة لَا يَتَحَرَّك وَلَا يعبث بِشَيْء وَلم أر فِي الشُّيُوخ مثله
وَقَالَ العتيقي مَا رَأينَا فِي مَعْنَاهُ مثله
وَقَالَ عبيد الله الْأَزْهَرِي فِيهِ إِمَام الْأَئِمَّة
وَقَالَ عِيسَى بن أَحْمد الهمذاني كَانَ أَبُو أَحْمد إِذا جَاءَ إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني قَامَ من مَجْلِسه وَمَشى إِلَى بَاب مَسْجده حافيا مُسْتَقْبلا لَهُ
قلت توفّي فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة(5/234)
492 - عزيزي بن عبد الْملك بن مَنْصُور أَبُو الْمَعَالِي الْوَاعِظ ويلقب بشيذلة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون آخر الْحُرُوف وَفتح الذَّال وَاللَّام بعْدهَا
كَانَ من أهل جيلان
سمع أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَاتِم مَحْمُود بن الْحسن الْقزْوِينِي وَأَبا طَالب ابْن غيلَان وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي وَإِبْرَاهِيم ابْن عمر الْبَرْمَكِي وخلقا سواهُم
روى عَنهُ أَبُو الْحسن بن الْخلّ الْفَقِيه وشهدة بنت الإبري وَأَبُو عَليّ بن سكرة وَقَالَ كَانَ زاهدا متقللا من الدُّنْيَا وَكَانَ شيخ الوعاظ ومعلمهم الْوَعْظ بتصانيفه وتدريسه
قلت كَانَ فَقِيها فَاضلا فصيحا أصوليا متكلما صوفيا
وَمن نوادره أَنه كَانَ جيلانيا أشعري العقيدة وَله تصانيف كَثِيرَة وَولي قَضَاء بَغْدَاد نِيَابَة عَن القَاضِي أَي قَاضِي الْقُضَاة أبي بكر الشَّامي
توفّي فِي سَابِع عشر صفر سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد(5/235)
وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَنهُ
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الْعلوِي أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ أخبرنَا الإِمَام القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك شيذلة قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب بن ماسي الْبَزَّاز قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو مُسلم إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُسلم الْبَصْرِيّ حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام يَعْنِي الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يتقدمن أحدكُم رَمَضَان بِيَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون صوما كَانَ يَصُومهُ رجل فليصم ذَلِك الْيَوْم)
أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم
أخبرتنا أم عبد الله زَيْنَب بنت الْكَمَال أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْمَقْدِسِي قِرَاءَة عَلَيْهَا وَأَنا أسمع قَالَت أَنبأَنَا الشُّيُوخ الْأَرْبَعَة ابْن الْخَيْر وَابْن(5/236)
السيدي وَابْن العليق وَابْن الْمَنِيّ إجَازَة قَالُوا أنبأتنا شهدة بنت أَحْمد ابْن الْفرج الإبري سَمَاعا قَالَت سَمِعت القَاضِي الإِمَام عزيزي بن عبد الْملك من لَفظه فِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة يَقُول اللَّهُمَّ يَا وَاسع الْمَغْفِرَة وَيَا باسط الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ افْعَل بِي مَا أَنْت أَهله إلهي أذنبت فِي بعض الْأَوْقَات وَآمَنت بك فِي كل الْأَوْقَات فيكف يغلب بعض عمري مذنبا جَمِيع عمري مُؤمنا إلهي لَو سَأَلتنِي حسناتي لجعلتها لَك مَعَ شدَّة حَاجَتي إِلَيْهَا وَأَنا عبد فَكيف لَا أَرْجُو أَن تهب لي سيئاتي مَعَ غناك عَنْهَا وَأَنت رب فيامن أَعْطَانَا خير مَا فِي خزائنه وَهُوَ الْإِيمَان بِهِ قبل السُّؤَال لَا تَمْنَعنَا أوسع مَا فِي خزائنك وَهُوَ الْعَفو مَعَ السُّؤَال إلهي حجتي حَاجَتي وعدتي فَاقَتِي فارحمني إلهي كَيفَ أمتنع بالذنب من الدُّعَاء وَلَا أَرَاك تمنع مَعَ الذَّنب من الْعَطاء فَإِن غفرت فَخير رَاحِم أَنْت وَإِن عذبت فَغير ظَالِم أَنْت
إلهي أَسأَلك تذللا فَأعْطِنِي تفضلا
493 - عَليّ بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن نعيم أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ الْأَشْعَرِيّ النعيمي
بِضَم النُّون
نزيل بَغْدَاد(5/237)
حدث عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْأَسْفَاطِي وَأحمد بن عبيد الله النهرديري وَمُحَمّد بن عدي بن زحر وَعلي بن عمر الْحَرْبِيّ
قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ حَافِظًا عَارِفًا متكلما شَاعِرًا وَقد حَدثنَا عَنهُ أَبُو بكر البرقاني بِحَدِيث
وَسمعت الْأَزْهَرِي يَقُول وضع النعيمي على ابْن المظفر حَدِيثا ثمَّ بَينه أَصْحَاب الحَدِيث لَهُ فَخرج من بَغْدَاد لهَذَا السَّبَب فَغَاب حَتَّى مَاتَ ابْن المظفر وَمَات من عرف قصَّته فِي الحَدِيث وَوَضعه ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد
سَمِعت أَبَا عبد الله الصُّورِي يَقُول لم أر بِبَغْدَاد أكمل من النعيمي كَانَ قد جمع معرفَة الحَدِيث وَالْكَلَام وَالْأَدب
قَالَ وَكَانَ البرقاني يَقُول هُوَ كَامِل فِي كل شَيْء لَوْلَا بِأَو فِيهِ
قَالَ النَّوَوِيّ البأو بباء مُوَحدَة بعْدهَا همزَة هُوَ الْعجب
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ درس بالأهواز وَكَانَ فَقِيها عَالما بِالْحَدِيثِ متكلما متأدبا
مَاتَ فِي مستهل ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَكَانَ فِي عشر الثَّمَانِينَ وَكَانَ يحدث من حفظه قَالَ وَتلك الهفوة يَعْنِي الَّتِي حَكَاهَا الْخَطِيب عَن الْأَزْهَرِي كَانَت فِي شبيبته وَتَابَ
وَمن شعره السائر
(إِذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا)
(فَكُن رجلا رجله فِي الثرى ... وَهَامة همته فِي الثريا)(5/238)
(أَبَيَا لنائل ذِي ثروة ... ترَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبَيَا)
(فَإِن إِرَاقَة مَاء الْحَيَاة ... دون إِرَاقَة مَاء الْمحيا)
494 - عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ الرَّوْيَانِيّ
سكن بُخَارى
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَارِفًا بِمذهب الشَّافِعِي
تفقه على الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني وَأبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَغَيرهمَا
روى لنا عَنهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ البيكندي
وَمَات ببخارى فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
495 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَاكِم أَبُو الْحسن الإستراباذي
قَالَ الإِمَام أَبُو حَفْص عمر النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ كَانَ من كبار أَئِمَّة الحَدِيث بسمرقند قَالَ ابْن الصّلاح يَعْنِي أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة على قَاعِدَة عرف أهل تِلْكَ الْبِلَاد إِذا أطلق أهل الحَدِيث لَا يُرَاد غير الشَّافِعِيَّة
قَالَ النَّسَفِيّ وَكَانَ الإستراباذي مُجْتَهدا بمرو وَكَانَ يكْتب عَامَّة النَّهَار وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن ظَاهرا وَكَانَ لَا يمنعهُ أحد الْأَمريْنِ عَن الآخر وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ أحد فَأكْثر(5/239)
قطع كَلَامه وَجعل يقْرَأ الْقُرْآن وَكَانَ سَأَلَ الله تَعَالَى فِي الْكَعْبَة كَمَال الْقُدْرَة على قِرَاءَة الْقُرْآن وإتيان النسوان فاستجيب لَهُ الدعوتان
قَالَ النَّسَفِيّ وَحدث سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ لَهُ الدَّرْس وَالْفَتْوَى ومجلس النّظر والتوسط وَمَعَ ذَلِك كَانَ يخْتم كل يَوْم ختمة
وَقَالَ الإِمَام نَاصِر الْعمريّ مَا رَأَيْت مثل الْحَاكِم أبي الْحسن فِي فَضله وزهده
496 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الواحدي النَّيْسَابُورِي الإِمَام الْكَبِير
أَبُو الْحسن
من أَوْلَاد التُّجَّار أَصله من ساوة وَله أَخ اسْمه عبد الرَّحْمَن قد تفقه وَحدث أَيْضا
كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْحسن وَاحِد عصره فِي التَّفْسِير
لَازم أَبَا إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسّر
وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي الْحسن القهندزي الضَّرِير واللغة عَن أبي الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْعَرُوضِي صَاحب أبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي ودأب فِي الْعُلُوم وَسمع أَبَا طَاهِر بن محمش الزيَادي وَأَبا بكر أَحْمد بن الْحسن الْحِيرِي(5/240)
وَأَنا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْوَاعِظ وَعبد الرَّحْمَن بن حمدَان النصرويي وَأحمد بن إِبْرَاهِيم النجار وخلقا
روى عَنهُ أَحْمد بن عمر الأرغياني وَعبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الخواري وَطَائِفَة من الْعلمَاء
صنف التصانيف الثَّلَاثَة فِي التَّفْسِير الْبَسِيط والوسيط وَالْوَجِيز
وصنف أَيْضا أَسبَاب النُّزُول
والتحبير فِي شرح الْأَسْمَاء الْحسنى
وَشرح ديوَان المتنبي
وَكتاب الدَّعْوَات
وَكتاب الْمَغَازِي
وَكتاب الْإِعْرَاب فِي علم الْإِعْرَاب
وَكتاب تَفْسِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكتاب نفي التحريف عَن الْقُرْآن الشريف
وَله شعر مليح
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب التَّذْكِرَة كَانَ الواحدي حَقِيقا بِكُل احترام وإعظام لَكِن كَانَ فِيهِ بسط اللِّسَان فِي الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين حَتَّى سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن بشار بنيسابور مذاكرة يَقُول كَانَ عَليّ بن أَحْمد الواحدي يَقُول صنف أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ كتاب حقائق التَّفْسِير وَلَو قَالَ إِن ذَلِك تَفْسِير لِلْقُرْآنِ لكفر بِهِ
توفّي بنيسابور فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ الواحدي فِي الْوَسِيط فِي تَفْسِير سُورَة الْقِتَال عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى(5/241)
{وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} أَخْبرنِي أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْفضل بن يحيى عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْكَاتِب قَالَ قدمت مَكَّة فَلَمَّا وصلت إِلَى طيزناباذ ذكرت بَيت أبي نواس
(بطيزناباذ كرم مَا مَرَرْت بِهِ ... إِلَّا تعجبت مِمَّن يشرب المَاء)
فَهَتَفَ بِي هَاتِف أسمع صَوته وَلَا أرَاهُ
(وَفِي الْجَحِيم حميم لَا تجرعه ... حلق فأبقى لَهُ فِي الْبَطن أمعاء)
وَقَالَ فِي تَفْسِير {ألم نشرح} بِسَنَدِهِ لِابْنِ الْعُتْبِي قَالَ كنت ذَات لَيْلَة فِي الْبَادِيَة بِحَالَة من الْغم فألقي فِي روعي بَيت من الشّعْر فَقلت
(أرى الْمَوْت لمن أصبح ... مغموما لَهُ أروح)
فَلَمَّا جن اللَّيْل سَمِعت هاتفا يَهْتِف فِي الْهَوَاء
(أَلا يَا أَيهَا الْمَرْء الَّذِي ... الْهم بِهِ برح)(5/242)
(وَقد أنْشد بَيْتا لم ... يزل فِي فكره يسبح)
(إِذا اشْتَدَّ بك الْعسر ... ففكر فِي ألم نشرح)
(فعسر بَين يسرين ... إِذا أبصرته فافرح)
497 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد الدبيلي
صَاحب كتاب أدب الْقَضَاء رَأَيْت على نُسْخَة من كِتَابه تكنيته بِأبي إِسْحَاق وعَلى أُخْرَى بِأبي الْحسن وَقد انبهم عَليّ أَمر هَذَا الشَّيْخ وَالَّذِي على الْأَلْسِنَة أَنه الزبيلي بِفَتْح الزَّاي ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة وَرَأَيْت من يشك فِي ذَلِك وَيَقُول لَعَلَّه الدبيلي بِفَتْح الدَّال بعْدهَا بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف يَاء سَاكِنة
وَيدل لذَلِك أَنِّي رَأَيْت على بعض نسخ كِتَابه أَنه سبط الْمقري وَلَهُم أَبُو عبد الله الدبيلي بِالدَّال مقرىء الشَّام وَأحمد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ كِلَاهُمَا فِي حُدُود الثلاثمائة وَلَعَلَّه سبط الأول
وَأرى أَن هَذَا الشَّيْخ فِي هَذِه الْمِائَة لِأَنِّي وجدته يروي فِي أدب الْقَضَاء عَن بعض أَصْحَاب الْأَصَم فروى الْكثير من مُسْند الشَّافِعِي عَن أبي الْحسن عَن ابْن هَارُون بن بنْدَار الْجُوَيْنِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم
وروى أَيْضا عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى الوتار الدبيلي وَآخَرُونَ
وَهَذَا الْكتاب هُوَ الَّذِي حكى عَنهُ ابْن الرّفْعَة أَن الْمُوكل يقف مَعَ وَكيله فِي مجْلِس الْقَضَاء وَقد رَأَيْته فِيهِ
وَعبارَته وَإِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ وكل وَكيلا يتَكَلَّم عَنهُ وَحضر مجْلِس القَاضِي فَيجب أَن يكون الْوَكِيل وَالْمُوكل والخصم يَجْلِسُونَ بَين يَدَيْهِ(5/243)
وَلَا يجوز أَن يجلس الْمُوكل بِجنب القَاضِي وَيَقُول وَكيلِي جَالس مَعَ خصمي
ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب تحاكم وَهُوَ على خِلَافَته هُوَ وَأبي بن كَعْب فَذكر مَا لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا رامه غير أَن الحكم الَّذِي ذكره هُوَ الْوَجْه وَلَا بُد أَن يكون مَبْنِيا على وَجه التَّسْوِيَة وَهُوَ فقه حسن لَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه وَقد وَافق عَلَيْهِ الْوَالِد وترجمه بِأَن الْمُوكل هُوَ الْمَحْكُوم لَهُ أَو عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يحلف ويستوفى مِنْهُ الْحق
قلت وَقَرِيب من ذَلِك أَن يكون أحد الْخَصْمَيْنِ من سفلَة النَّاس الَّذين عَادَة مثلهم الْوُقُوف بَين يَدي القَاضِي دون الجُلُوس وَجَرت عَادَة الْحُكَّام فِي هَذَا إِذا تحاكم مَعَ رَئِيس أَن يجلسوه مَعَه وَهَذِه يحْتَمل أَن يُقَال هَذَا حسن لِأَن الشَّرْع قد سوى بَينهمَا فليستويا فِي مجْلِس التحاكم وَلَا يضر معرفَة النَّاس بِأَنَّهُ لَوْلَا المحاكمة لما جَالس بَينهمَا وَيحْتَمل أَن يُقَال بل يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن إيقاف الرئيس مَعَه لِأَن إجلاس السافل مَعَ الرئيس اعتناء بالرئيس فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَن يُقَال إِن أصل الْوُقُوف بِدعَة فيفرض فِي رَئِيس بِمَجْلِس بالبعد من الْحَاكِم وَرَئِيس بِمَجْلِس الرياسة ويصنع مثل هَذَا الصنع وَأَنا أجد نَفسِي تنفر حِين إجلاس المرءوس وتجنح إِلَى إيقاف الرئيس أَو إخلاء مجْلِس المرءوس(5/244)
فَلْينْظر هَذَا فَإِنِّي لم أجد فِيهِ شِفَاء للغليل من مَنْقُول وَلَا مَعْقُول
وَقَالَ الدبيلي إِذا حضرت امْرَأَة إِلَى القَاضِي ووليها غَائِب مَسَافَة الْقصر فَأَذنت فِي تَزْوِيجهَا من رجل بِعَيْنِه أجابها وَلم يسْأَل عَن كَونه كُفؤًا لِأَن الْحق لَهَا وَقد رضيت فَإِذا حضر وَليهَا وَلم يكن الزَّوْج دخل بهَا فَلهُ الْفَسْخ
وَجزم بِالْوَجْهِ الْمَشْهُور الذَّاهِب إِلَى أَن القَاضِي إِذا فسق ثمَّ تَابَ رَجَعَ إِلَى ولَايَته من غير تَجْدِيد ولَايَة وَأفَاد أَن ذَلِك مُقَيّد بِمَا إِذا لم يول غَيره لتضمن ولَايَة غَيره عزلة وَهَذَا حسن فَلَا يتَّجه أَن يكون مَوضِع الْخلاف إِلَّا إِذا لم يول غَيره وَهُوَ قَضِيَّة كَلَامهم وَإِن لم يصرحوا بِهِ تَصْرِيحًا
قَالَ الدبيلي وَإِن كَانَ فسقه قد يُعلمهُ النَّاس نفذت أقضيته وَصحت مَعَ مشقة غير أَنه آثم فِي نَفسه
وَحكى وَجها فِيمَن عمل من الثَّرِيد خمرًا وَأكله أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَد والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره الْوُجُوب
وَقَالَ إِن الْخلاف فِي أَن عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون عمد أَو خطأ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجِنَايَات الَّتِي تلْزم الْعَاقِلَة وَمن ثمَّ إِذا أتلفا شَيْئا كَانَ الْغرم عَلَيْهِمَا وَلَا يخرج على الْخلاف
قلت الْخلاف فِي أَن عمدهما عمد خطأ لَا يخْتَص بالجنايات الَّتِي تلْزم الْعَاقِلَة لأَنهم أجروه فِيمَا لَو تطيب الصَّبِي أَو الْمَجْنُون فِي الْإِحْرَام أَو لبس أَو جَامع وَكَذَا لَو حلق أَو قلم أَو قتل صيدا عَامِدًا وَقُلْنَا يفْتَرق حكم الْعمد والسهو فِيهَا وكل ذَلِك مِمَّا لَا مدْخل لعاقلة فِيهِ فَالْخِلَاف فِي أَن عمدهما عمد يعم كل مَا يفْتَرق الْحَال فِيهِ بَين الْعمد وَالْخَطَأ وَمن ثمَّ لَا مِمَّا ذكره الدبيلي وَجب فِي مَا لَهما ضَمَان الْمُتْلفَات
أسلم فِي رطب حَالا فِي وَقت لَا يُوجد فِيهِ بَطل وَقيل يَصح وللمسلم الْفَسْخ إِن شَاءَ أَو يصبر وَكِلَاهُمَا كالقولين فِيمَا لَو انْقَطع الْمُسلم فِيهِ
أسلم فِي ثوب طوله عشرَة أَذْرع فجَاء بِهِ أحد عشر وَجب قبُوله بِخِلَاف مَا لَو كَانَ خَشَبَة لِإِمْكَان قطع الثَّوْب بِلَا مشقة وقبوله الزَّائِد لَا يضرّهُ(5/245)
أوصى لَهُ بسالم وَله عبيد اسْم كل وَاحِد مِنْهُم سَالم وَمَات قيل تبطل الْوَصِيَّة للْجَهْل وَقيل يعين الْوَارِث
وَلَو أوصى بِعِتْق سَالم وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فالقرعة
وَحكى فِي تَقْوِيم الْمُتْلفَات وَجها أَنه لَا يقبل فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ وَلَا شَاهد وَيَمِين
وَاسْتدلَّ على أَن الْإِجْمَاع حجَّة بقوله تَعَالَى {لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا ألفت بَين قُلُوبهم}
498 - عَليّ بن أَحْمد السُّهيْلي أَبُو الْحسن الإسفرايني
أحد الْأَئِمَّة وقفت لَهُ على كتابين أَحدهمَا كتاب أدب الجدل وَفِيه غرائب من أصُول الْفِقْه وَغَيره وَالْآخر فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة وَبَيَان عجزهم وأحسب أَنه فِي حُدُود الأربعمائة إِن لم يكن قبلهَا بِيَسِير فبعدها بِيَسِير وَالله تَعَالَى أعلم
499 - عَليّ بن أَحْمد الْفَسَوِي القَاضِي
أَبُو الْحسن شَارِح الْمِفْتَاح
وَفِيمَا رَأَيْته بِخَط ابْن الصّلاح فِي الْمَجْمُوع الَّذِي انتقيت مِنْهُ مِمَّا نَقله من هَذَا الْكتاب قَالَ ابْن سُرَيج الشَّرِيعَة تَقْتَضِي أَنه لَيْسَ فِي بَاطِن الْإِنْسَان نَجَاسَة
قلت وَمَسْأَلَة الْخَيط وَقَول الْأَصْحَاب فِيهِ إِذا كَانَ مُتَّصِلا بِالنَّجَاسَةِ إِلَى آخر مَا ذَكرُوهُ يُنَازع فِي هَذَا(5/246)
قَالَ الدَّلِيل على قتل تَارِك الصَّلَاة قَوْله تَعَالَى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} الْآيَة فَلَا يجوز تخليتهم إِلَّا بِالشّرطِ وَالله تَعَالَى أعلم
500 - عَليّ بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر أَبُو الْقَاسِم بن الْمسلمَة
وَزِير الْقَائِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ لقبه الْقَائِم رَئِيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى
وَقد حكى عَنهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق حِكَايَة ولقبه بِهَذَا اللقب وَتلك منقبة
ولد فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة
سمع إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن هِشَام الصرصري وَأَبا أَحْمد الفرضي وَغَيرهمَا
وروى عَنهُ الْخَطِيب وَكَانَ خصيصا بِهِ وَقَالَ كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة قد اجْتمع فِيهِ من الْآلَات مَا لم يجْتَمع فِي أحد قبله مَعَ سداد مَذْهَب وَحسن اعْتِقَاد ووفور عقل وأصالة رَأْي
قَالَ وسمعته يَقُول رَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا حدث كَأَنِّي أَعْطَيْت شبه النبقة الْكَبِيرَة وَقد مَلَأت كفي وَأُلْقِي فِي روعي أَنَّهَا من الْجنَّة فعضضت مِنْهَا عضة ونويت بذلك حفظ الْقُرْآن وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْفِقْه وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْفَرَائِض وعضضت أُخْرَى ونويت درس النَّحْو وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْعرُوض فَمَا من علم من هَذِه الْعُلُوم إِلَّا وَقد رَزَقَنِي الله مِنْهُ نَصِيبا(5/247)
قَالَ الْخَطِيب قتل الْوَزير ابْن الْمسلمَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة قَتله أَبُو الْحَارِث البساسيري التركي وصلبه ثمَّ قتل البساسيري وطيف بِرَأْسِهِ بِبَغْدَاد فِي يَوْم الْخَامِس عشر من ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَخمسين
شرح حَال مقتل هَذَا الْوَزير
كَانَ هَذَا الْوَزير قد ارْتَفَعت دَرَجَته وَتمكن من قلب الْخَلِيفَة وَكَانَ السُّلْطَان فِي ذَلِك الْوَقْت الْملك الرَّحِيم ابْن بويه فَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَهِي ابْتِدَاء الدولة السلجوقية سقى الله عهدها ضعف أَمر الْملك الرَّحِيم لاستيلاء أبي الْحَارِث أرسلان التركي الْمَعْرُوف بالبساسيري
والبساسيري بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَألف بَين سينين مهملتين أولاهما مَفْتُوحَة وأخراهما مَكْسُورَة بعْدهَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَفِي آخرهَا الرَّاء نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِفَارِس يُقَال لَهَا بسا وبالعربية فسا وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فسوي وَلَكِن أهل فَارس يَقُولُونَ البساسيري
وَكَانَ هَذَا البساسيري يتحلم على الْقَائِم بِأَمْر الله واستفحل أمره وَلم يبْق للْملك الرَّحِيم مَعَه إِلَّا مُجَرّد الِاسْم ثمَّ عَن لَهُ الْخُرُوج على الْخَلِيفَة بِأَسْبَاب أكدها مكاتبات الْمُسْتَنْصر العبيدي لَهُ من مصر فَبلغ ذَلِك الْقَائِم فكاتب السُّلْطَان طغرلبك بن مِيكَائِيل بن سلجوق يستنجد بِهِ على البساسيري ويعده بالسلطنة ويحضه على الْقدوم وَكَانَ طغرلبك بِالريِّ وَقد استولى على الممالك الخراسانية وَغَيرهَا وَكَانَ البساسيري يَوْمئِذٍ بواسط وَمَعَهُ أَصْحَابه ففارقه طَائِفَة مِنْهُم وَرَجَعُوا إِلَى بَغْدَاد فَوَثَبُوا على دَار البساسيري فنهبوها وأحرقوها وَذَلِكَ بِرَأْي رَئِيس الرؤساء وسعيه وَكَانَ رَئِيس الرؤساء هُوَ الْقَائِم عِنْد الْقَائِم فِي إبعاد البساسيري وَهُوَ الَّذِي أعلمهُ بِأَنَّهُ يُكَاتب المصريين ويكاتبونه فَقدم(5/248)
السُّلْطَان طغرلبك فِي رَمَضَان بجيوشه فَذهب البساسيري من الْعرَاق وَقصد الشَّام وَوصل إِلَى الرحبة وَكَاتب الْمُسْتَنْصر العبيدي الشيعي الرافضي صَاحب مصر وَاسْتولى على الرحبة وخطب للمستنصر بهَا فأمده الْمُسْتَنْصر بالأموال وَأما بَغْدَاد فَخَطب بهَا للسُّلْطَان طغرلبك بعد الْقَائِم ثمَّ ذكر بعده الْملك الرَّحِيم وَذَلِكَ بشفاعة الْقَائِم فِيهِ إِلَى طغرلبك ثمَّ إِن السُّلْطَان قبض على الْملك الرَّحِيم بعد أَيَّام وَقطعت خطبَته فِي سلخ رَمَضَان وانقرضت دولة بني بويه وَكَانَت مدَّتهَا مائَة وَسبعا وَعشْرين سنة وَقَامَت دولة بني سلجوق فسبحان مبدي الْأُمَم ومبيدها
وَدخل طغرلبك بَغْدَاد فِي جمع عَظِيم وتجمل هائل وَدخل مَعَه ثَمَانِيَة عشر فيلا وَنزل بدار المملكة وَكَانَ قدومه فِي الظَّاهِر أَنه أَتَى من غَزْو الرّوم إِلَى همذان فأظهر أَنه يُرِيد الْحَج وَإِصْلَاح طَرِيق مَكَّة والمضي إِلَى الشَّام من الْحَج ليأخذها وَيَأْخُذ مصر ويزيل دولة الشِّيعَة بهَا فراج هَذَا على عَامَّة النَّاس وَكَانَ رَئِيس الرؤساء يُؤثر تملكه وَزَوَال دولة بني بويه فَقدم الْملك الرَّحِيم من وَاسِط وراسلوا طغرلبك بِالطَّاعَةِ وَاسْتمرّ أَمر طغرلبك فِي ازدياد إِلَى سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة توجه إِلَى رحبة الْموصل ونصيبين وَغَيرهمَا واشتغل بحصار طَائِفَة عَصَتْ عَلَيْهِ وَسلم مَدِينَة الْموصل إِلَى أَخِيه إِبْرَاهِيم ينَال وَتوجه ليفتح الجزيرة فراسل البساسيري إِبْرَاهِيم ينَال أَخا السُّلْطَان يعده ويمنيه ويطمعه فِي الْملك فأصغى إِلَيْهِ وَخَالف أَخَاهُ وَسَار فِي طَائِفَة من الْعَسْكَر إِلَى الرّيّ فانزعج السُّلْطَان وَسَار وَرَاءه وَترك بعض الْعَسْكَر بديار بكر مَعَ زَوجته ووزيره عميد الْملك الكندري وربيبه أنوشروان فتفرقت العساكر وعادت زَوجته الخاتون إِلَى بَغْدَاد فَأَما السُّلْطَان فَالتقى هُوَ وَأَخُوهُ فَظهر عَلَيْهِ أَخُوهُ فَدخل السُّلْطَان همذان فنازله أَخُوهُ وحاصره فعزمت الخاتون على إنجاد زَوجهَا واختبطت بَغْدَاد(5/249)
واستفحل الْبلَاء وَقَامَت الْفِتْنَة على سَاق وَتمّ للبساسيري مَا دبر من الْمَكْر وأرجف النَّاس بمجيء البساسيري إِلَى بَغْدَاد وَنَفر الْوَزير الكندري وأنو شرْوَان إِلَى الْجَانِب الغربي وقطعا الجسر ونهبت الغز دَار الخاتون وَأكل الْقوي الضَّعِيف ثمَّ دخل البساسيري بَغْدَاد فِي ثامن ذِي الْقعدَة بالرايات المستنصرية عَلَيْهَا ألقاب الْمُسْتَنْصر فَمَال إِلَيْهِ أهل بَاب الكرخ لرفضهم وفرحوا بِهِ وتشفوا بِأَهْل السّنة وشمخت أنوف الرافضة وأعلنوا بِالْأَذَانِ بحي على خير الْعَمَل
وَاجْتمعَ خلق من أهل السّنة أَيَّام إِلَى الْقَائِم بِأَمْر الله وقاتلوا مَعَه ونشبت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي السفن أَرْبَعَة أَيَّام وخطب يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة بِبَغْدَاد للمستنصر العبيدي بِجَامِع الْمَنْصُور وأذنوا بحي على خير الْعَمَل وَعقد الجسر وعبرت عَسَاكِر البساسيري وتفلل عَن الْقَائِم أَكثر النَّاس فَاسْتَجَارَ بِقُرَيْش بن بدران أَمِير الْعَرَب وَكَانَ مَعَ البساسيري فأجاره وَمن مَعَه وَأخرجه إِلَى مخيمه وَقبض البساسيري على وَزِير الْقَائِم رَئِيس الرؤساء أبي الْقَاسِم بن الْمسلمَة وَقَيده وشهره على جمل عَلَيْهِ طرطور وعباءة وَجعل فِي رقبته قلائد كالمسخرة وطيف بِهِ فِي الشوارع وَخَلفه من يصفعه ثمَّ سلخ لَهُ ثَوْر وألبس جلده وخيط عَلَيْهِ وَجعلت قُرُون الثور بجلدها فِي رَأسه ثمَّ علق على خَشَبَة وَعمل فِي فِيهِ كلابان وَلم يزل يضطرب حَتَّى مَاتَ وَنصب للقائم خيمة صَغِيرَة بالجانب الشَّرْقِي فِي المعسكر ونهبت الْعَامَّة دَار الْخلَافَة وَأخذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا جزيلة(5/250)
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذِي الْحجَّة لم تصل الْجُمُعَة بِجَامِع الْخَلِيفَة وخطب بِسَائِر الْجَوَامِع للمستنصر وَقطعت الْخطْبَة العباسية بالعراق ثمَّ حمل الْقَائِم بِأَمْر الله إِلَى حَدِيثَة عانة فاعتقل بهَا وَسلم إِلَى صَاحبهَا مهارش وَذَلِكَ لِأَن البساسيري وقريش بن بدران اخْتلفَا فِي أمره ثمَّ وَقع اتِّفَاقهمَا على أَن يكون عِنْد مهارش إِلَى أَن يتَّفقَا على مَا يفْعَلَانِ بِهِ
ثمَّ جمع البساسيري الْقُضَاة والأشراف وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للمستنصر صَاحب مصر فَبَايعُوا قهرا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانَ ذَلِك بِسوء تَدْبِير حَاشِيَة الْخَلِيفَة الْقَائِم واستعجالهم على الْحَرْب وَلَو طاولوا حَتَّى ينجدهم طغرلبك لما تمّ ذَلِك على مَا قيل
وَذكر أَن رَئِيس الرؤساء كَانَ لَا يدْرِي الْحَرْب وَكَانَ الْأَمر بِيَدِهِ فَلم يحسن التَّدْبِير ثمَّ لما انْهَزمُوا لم يشْتَغل بِنَفسِهِ بل بالخليفة فَإِنَّهُ صَاح يَا علم الدّين يَعْنِي قُريْشًا أَمِير الْمُؤمنِينَ يستدنيك فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ قد أنالك الله منزلَة لم ينلها أمثالك أَمِير الْمُؤمنِينَ يستذم مِنْك على نَفسه وَأَصْحَابه بذمام الله وذمام رَسُوله وذمام الْعَرَب فَقَالَ قد أَذمّ الله تَعَالَى لَهُ
قَالَ ولي وَلمن مَعَه قَالَ نعم وخلع قلنسوته فَأَعْطَاهَا للخليفة وَأعْطى رَئِيس الرؤساء مخصرة ذماما فَنزل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَرَئِيس الرؤساء فسارا مَعَه فَأرْسل إِلَيْهِ البساسيري أتخالف مَا اسْتَقر بَيْننَا وَاخْتلفَا ثمَّ اتفقَا على أَن يسلم إِلَيْهِ رَئِيس الرؤساء وَيتْرك الْخَلِيفَة عِنْده(5/251)
وَسَار حَاشِيَة الْخَلِيفَة على حامية إِلَى السُّلْطَان طغرلبك بِالْخَيرِ مستفزين لَهُ ثمَّ أرسل البساسيري رسله بالبشارة إِلَى صَاحب مصر وإعلامه الْخَبَر
وَكَانَ وَزِير مصر أَبَا الْفرج ابْن أخي أبي الْقَاسِم المغربي وَكَانَ سنيا وَهُوَ مِمَّن هرب من البساسيري فذم فعله وَخَوف من سوء عاقبته فَتركت أجوبته مُدَّة ثمَّ عَادَتْ بِغَيْر الَّذِي أمله وَصَارَ البساسيري إِلَى وَاسِط وَالْبَصْرَة فملكهما وخطب للمصريين
وَأما طغرلبك فَكَانَ مَشْغُولًا بأَخيه إِلَى أَن انتصر عَلَيْهِ وَقَتله وكر رَاجعا إِلَى الْعرَاق وَقد بلغه الْأَخْبَار فجَاء لَيْسَ لَهُ هم إِلَّا إِعَادَة الْخَلِيفَة إِلَى رتبته فَلَمَّا وصل إِلَى الْعرَاق وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة هرب جمَاعَة البساسيري وَانْهَزَمَ أهل الكرخ
وَكَانَت مُدَّة أَيَّام البساسيري سنة كَامِلَة
ثمَّ بعث السُّلْطَان الإِمَام أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب بن فورك إِلَى قُرَيْش ليَبْعَث مَعَه أَمِير الْمُؤمنِينَ ويشكره على مَا فعل فَكَانَ رَأْيه أَن يَأْخُذ الْخَلِيفَة وَيدخل بِهِ الْبَريَّة فَلم يُوَافقهُ مهارش بل سَار بالخليفة فَلَمَّا سمع السُّلْطَان طغرلبك بوصول الْخَلِيفَة إِلَى بِلَاد بدر بن مهلهل أرسل وزيره عميد الْملك الكندري والأمراء والحجاب بالسرادقات الْعَظِيمَة والأهبة التَّامَّة فوصلوا وخدموا الْخَلِيفَة فوصل النهروان فِي رَابِع عشرى ذِي الْقعدَة وبرز السُّلْطَان إِلَى خدمته وَقبل الأَرْض وهنأه بالسلامة وَاعْتذر عَن تَأَخره بعصيان أَخِيه وَأَن قَتله عُقُوبَة لما جرى مِنْهُ من الوهن على الدولة العباسية(5/252)
وَقَالَ أَنا أمضي خلف هَذَا الْكَلْب يَعْنِي البساسيري إِلَى الشَّام وأفعل فِي حق صَاحب مصر مَا أجازى بِهِ فقلده الْخَلِيفَة سَيْفا كَانَ فِي يَده وَقَالَ لم يبْق مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ من دَاره سواهُ فَنزل بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وكشف غشاء الخركاه حَتَّى رَآهُ الْأُمَرَاء فخدموه وَدخل بَغْدَاد وَكَانَ يَوْمًا مشهودا ثمَّ جهز السُّلْطَان عسكرا خلف البساسيري فَثَبت لَهُم البساسيري وَقَاتل إِلَى أَن جَاءَهُ سهم ضربه بِهِ قُرَيْش فَوَقع فَنزل إِلَيْهِ دوادار عميد الْملك فحز رَأسه وَحمل على رمح إِلَى بَغْدَاد وطيف بِهِ ثمَّ علق فِي السُّوق
501 - عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْحسن الخلعي
العَبْد الصَّالح موصلي الأَصْل مصري الدَّار ولد بِمصْر فِي أول سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع أَبَا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر النّحاس وَأَبا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَاج الإشبيلي وَأَبا الْحسن الْحصيب بن عبد الله بن مُحَمَّد القَاضِي وَأَبا سعد أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَالِينِي وَأَبا عبد الله بن نظيف الْفراء وَجَمَاعَة
روى عَنهُ الْحميدِي وَمَات قبله بِمدَّة وَأَبُو عَليّ بن سكرة وَأَبُو الْفضل بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبُو الْفَتْح سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه وَخلق سواهُم آخِرهم عبد الله بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ خادمه
وَكَانَ أَعنِي الخلعي مُسْند ديار مصر فِي وقته
قَالَ فِيهِ ابْن سكرة فَقِيه لَهُ تصانيف ولي الْقَضَاء وَحكم يَوْمًا وَاحِدًا واستعفى وانزوى بالقرافة وَكَانَ مُسْند مصر بعد الحبال(5/253)
قلت وقفت لَهُ قَدِيما على كتاب فِي الْفِقْه وسمه بالمغنى بَين الْبسط والاختصار
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ شيخ معتزل بالقرافة لَهُ علو فِي الرِّوَايَة وَعِنْده فَوَائِد وَقيل كَانَ يَبِيع الْخلْع لأَوْلَاد الْمُلُوك بِمصْر وَكَانَ رجلا صَالحا مكينا
قيل كَانَ يحكم بَين الْجِنّ وَأَنَّهُمْ أبطأوا عَلَيْهِ قدر جُمُعَة ثمَّ أَتَوْهُ وَقَالُوا كَانَ فِي بَيْتك شَيْء من هَذَا الأترج وَنحن لَا ندخل مَكَانا يكون فِيهِ
وَعَن أبي الْفضل الْجَوْهَرِي الْوَاعِظ كنت أتردد إِلَى الخلعي فَقُمْت فِي لَيْلَة مُقْمِرَة ظَنَنْت أَن الْفجْر قد طلع فَلَمَّا جِئْت بَاب مَسْجده وجدت فرسا حَسَنَة على بَابه فَصَعدت فَوجدت بَين يَدَيْهِ شَابًّا لم أر أحسن مِنْهُ يقْرَأ الْقُرْآن فَجَلَست أسمع إِلَى أَن قَرَأَ جُزْءا ثمَّ قَالَ للشَّيْخ آجرك الله فَقَالَ لَهُ نفعك الله
ثمَّ نزل فَنزلت خَلفه من علو الْمَسْجِد فَلَمَّا اسْتَوَى على الْفرس طارت بِهِ فَغشيَ عَليّ من الرعب وَالْقَاضِي يَصِيح بِي اصْعَدْ يَا أَبَا الْفضل فَصَعدت فَقَالَ هَذَا من مؤمني الْجِنّ الَّذين آمنُوا بنصيبين وَإنَّهُ يَأْتِي فِي الْأُسْبُوع مرّة يقْرَأ جُزْءا ويمضي
وَقَالَ ابْن الْأنمَاطِي قبر الخلعي بالقرافة يعرف بِقَبْر قَاضِي الْجِنّ وَالْإِنْس وَيعرف بإجابة الدُّعَاء عِنْده
وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد العابد سَمِعت الشَّيْخ بن نحيساه قَالَ كُنَّا ندخل على القَاضِي أبي الْحسن الخلعي فِي مَجْلِسه فنجده فِي الشتَاء والصيف وَعَلِيهِ قَمِيص وَاحِد وَوَجهه فِي غَايَة الْحسن لَا يتَغَيَّر من الْبرد وَلَا من الْحر فَسَأَلته عَن ذَلِك وَقلت يَا سيدنَا إِنَّا لنكثر من الثِّيَاب فِي هَذِه الْأَيَّام وَمَا يُغني ذَلِك عَنَّا من شدَّة الْبرد ونراك على حَالَة وَاحِدَة فِي الشتَاء والصيف لَا تزيد على قَمِيص وَاحِد فبالله يَا سَيِّدي أَخْبرنِي فَتغير وَجهه ودمعت عَيناهُ ثمَّ قَالَ أتكتم عَليّ قلت نعم قَالَ غشيتني حمى يَوْمًا فَنمت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَهَتَفَ بِي هَاتِف ناداني باسمي فَقلت لبيْك دَاعِي الله فَقَالَ لَا بل قل لبيْك رَبِّي الله(5/254)
مَا تَجِد من الْأَلَم فَقلت إلهي وسيدي ومولاي قد أخذت مني الْحمى مَا قد علمت
فَقَالَ قد أَمَرتهَا أَن تقلع عَنْك فَقلت إلهي وَالْبرد أَيْضا فَقَالَ قد أمرت الْبرد أَيْضا أَن يقْلع عَنْك فَلَا تَجِد ألم الْبرد وَلَا الْحر
قَالَ فوَاللَّه مَا أحس مَا أَنْتُم فِيهِ من الْحر وَلَا من الْبرد
قَالَ ابْن الْأَكْفَانِيِّ توفّي فِي سادس عشرى ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
502 - على بن الْحسن بن على أَبُو الْحسن الميانجي قَاضِي همذان
كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والنبل حسن الْمعرفَة بالفقه وَالْأَدب
تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي الطّيب
وَسمع من أبي الْحسن عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي وَالْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَغَيرهمَا
وَهَذَا هُوَ وَالِد الميانجي الَّذِي سَافر مَعَ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق إِلَى بِلَاد الْعَجم
وَقد وَقع الْوَهم وَظن أَن الْمُسَافِر فِي خدمَة الشَّيْخ إِنَّمَا هُوَ هَذَا نَفسه وَلَيْسَ كَذَلِك(5/255)
وَقد وَقع التَّنْبِيه على هَذَا من قبل فِي تَرْجَمَة وَلَده
وَإِلَى هَذَا كتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كتابا صفته كتابي أَطَالَ الله بَقَاء سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة الْأَجَل الْعَالم الأوحد وأدام علوه وتمكينه ورفعته وبسطته وكبت أعداءه وحساده من بَغْدَاد وَنعم الله تَعَالَى مُتَوَالِيَة وَله الْحَمد ومنذ مُدَّة لم أَقف على كتاب وَأَنا متوقع لما يرد من جِهَته لأسر بِهِ وأسكن إِلَيْهِ
وَكتب عنوانه شاكره والمفتخر بِهِ والداعي لَهُ إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزاباذي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قتل القَاضِي الميانجي فِي مَسْجده فِي صَلَاة الصُّبْح فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
503 - عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الطّيب أَبُو الْحسن الباخرزي الأديب
مُصَنف دمية الْقصر
وباخرز نَاحيَة من نواحي نيسابور الدِّيَة
ذيل عَليّ يتيمة الثعالبي
تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ ثمَّ أَخذ فِي الْأَدَب وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن قتل بباخرز فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة(5/256)
وَمن شعره
(يَا فالق الصُّبْح من لألاء غرته ... وجاعل اللَّيْل من أصداغه سكنا)
(بِصُورَة الوثن استعبدتني وَبهَا ... فتنتني وقديما هجت لي شجنا)
(لَا غرو أَن أحرقت نَار الْهوى كَبِدِي ... فَالنَّار حق على من يعبد الوثنا)
وَقَالَ أَيْضا
(عجبت من دمعتي وعيني ... من قبل بَين وَبعد بَين)
(قد كَانَ عَيْني بِغَيْر دمع ... فَصَارَ دمعي بِغَيْر عين)
وَقَالَ أَيْضا
(أَصبَحت عبدا لشمس ... وَلست من عبد شمس)
(إِنِّي لأعشق ستي ... وَحقّ من شقّ خمسي)
504 - عَليّ بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحرز بن أبي عُثْمَان الْمَعْرُوف بِأبي الْحسن الْعَبدَرِي
لَهُ مُخْتَصر الْكِفَايَة فِي خلافيات الْعلمَاء وَقد وقفت عَلَيْهَا بِخَطِّهِ
من بنى عبد الدَّار وَمن أهل ميورقة من بِلَاد الأندلس
كَانَ رجلا عَالما مفتيا عَارِفًا باخْتلَاف الْعلمَاء
أَخذ عَن أبي مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ وَأخذ عَنهُ ابْن حزم أَيْضا ثمَّ جَاءَ إِلَى الْمشرق وَحج وَدخل بَغْدَاد وَترك مَذْهَب ابْن حزم وتفقه للشَّافِعِيّ على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَبعده على أبي بكر الشَّاشِي(5/257)
وَسمع الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْقَاضِي أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهم وَحدث باليسير
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطاف وَسعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم
توفّي بِبَغْدَاد يَوْم السبت سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
505 - عَليّ بن سعيد الْإِصْطَخْرِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ القَاضِي أَبُو الْحسن الْمُتَكَلّم
حدث عَن إِسْمَاعِيل الصفار
توفّي يَوْم الْأَحَد لثلاث بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة
506 - عَليّ بن سهل بن الْعَبَّاس بن سهل أَبُو الْحسن الْمُفَسّر
من أهل نيسابور
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا حسن السِّيرَة مرضِي الطَّرِيقَة جميل الْأَثر عَارِفًا بالتفسير(5/258)
قَالَ وَجمع كتابا فِي التَّفْسِير وَجمع شَيْئا سَمَّاهُ زَاد الْحَاضِر والبادي وَكتاب مَكَارِم الْأَخْلَاق
سمع أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا عُثْمَان الْبُحَيْرِي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَعبد الغافر الْفَارِسِي وخلقا
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
507 - عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْبَرْمَكِي
أَخُو إِبْرَاهِيم وَأحمد وَكَانَ عَليّ أَصْغَرهم
سمع أَبَا الْفَتْح القواس وَأَبا الْحُسَيْن بن سمعون وَأَبا الْقَاسِم بن حبابة والمعافى بن زَكَرِيَّا وَمُحَمّد بن عبد الله بن أخي ميمي
قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة ودرس على أبي حَامِد الإسفرايني مَذْهَب الشَّافِعِي
وَتُوفِّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة(5/259)
508 - عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرْبِيّ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي
أحد أَوْلِيَاء الله المكاشفين بالأسرار الْمُتَكَلِّمين على الخواطر
تفقه على الداركي
قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين وَمن عباد الله الصَّالِحين يقْرَأ الْقُرْآن ويروي الحَدِيث وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة وَكَانَ وافر الْعقل صَحِيح الرَّأْي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ لي ولدت سنة سِتِّينَ وثلاثمائة
قلت سمع أَبَا حَفْص بن الزيات وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الجراحي وَأَبا عمر ابْن حيويه وَأَبا بكر بن شَاذان وطبقتهم
روى عَنهُ أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني وَأَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الطرسوسي وجعفر بن أَحْمد السراج وَالْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الباقرحي وَأَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي وَعلي بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَهبة الله بن أَحْمد الرَّحبِي وَغَيرهم
وَله مجَالِس مَشْهُورَة يَرْوِيهَا النجيب الْحَرَّانِي
وَقد أَطَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه لَيْسَ فِي كِتَابه تَرْجَمَة أطول مِنْهَا لِأَنَّهُ انتخب فِيهَا نبذا من كتاب جمعه أَبُو نصر هبة الله ابْن عَليّ بن المجلي فِي أَخْبَار ابْن الْقزْوِينِي وفضائله(5/260)
فَمِنْهُ أَن جَمِيع النَّاس فِي عصره أَجمعُوا مَعَ اخْتِلَاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن مُعْتَقد هَذَا الشَّيْخ وزهده وورعه
وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين وَكَانَ مِمَّن استملى على ابْن الْقزْوِينِي مَا كَانَ أَبُو الْحسن يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله وَأي جُزْء وَقع بِيَدِهِ خرج بِهِ وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس وَيَقُول حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينتقى وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ كَانَ ثِقَة يتفقه مَعنا على الداركي وَهُوَ حَدِيث السن وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة ملازما للصمت قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك فَقَالَ تفقهنا جَمِيعًا وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا أَو كَمَا قَالَ
وَعَن ابْن الْقزْوِينِي أَنه سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى سَمعهَا تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر فَقَالَ لأهل دَاره لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي فَأَصْبَحت ميتَة
وَعَن بَعضهم مضيت لزيارة قبر ابْن الْقزْوِينِي فخطر لي مَا يذكر النَّاس عِنْده من الكرامات فَقلت ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله تَعَالَى وعَلى قَبره مصاحف فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ ففتحته فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين}(5/261)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ كنت مِمَّن يقْرَأ على ابْن الْقزْوِينِي فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي أُرِيد أَن أسأله من أَي شَيْء يَأْكُل وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة فَنَهَضت فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء ثمَّ قَالَ بِسم الله فَقُمْت مَعَه فَأَدْخلنِي دَاره وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذا وَبَينهمَا عدس ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين وَقَالَ كل فَمن هَذَا نَأْكُل
وَعَن القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ صليت يَوْمًا خلف ابْن الْقزْوِينِي فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب وَهُوَ مطرز فَقلت فِي نَفسِي أَيْن الطرز من الزّهْد فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ سُبْحَانَ الله الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ كَانَ ينزل بنهر طابق رجل صَالح زاهد على طَريقَة حَسَنَة يلبس الصُّوف وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش وَكَانَ يبلغهُ أَن ابْن الْقزْوِينِي يَأْكُل طيب الطَّعَام ويلبس رَقِيق الثِّيَاب فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله رجل زاهد مجمع على زهده لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان يَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول ويلبس هَذَا الملبوس أشتهى أَن أرَاهُ فجَاء إِلَى الحربية فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج فَأذن وَدخل الْمَسْجِد وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره فَقَالَ الْقزْوِينِي سُبْحَانَ الله رجل يومأ إِلَيْهِ بالزهد والورع يُعَارض الله فِي أَفعاله أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عُبَيْدَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَمَا هَاهُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق ويبكي بكاء شَدِيدا وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافيا إِلَى أَن خرج من الحربية
فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب فَقَالَ لَهُ بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سورا(5/262)
وَمَا تمّ تمْضِي إِلَيْهِ وَتحمل هَذَا المداس مَعَك وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ لَا يكون لَك عودة أَو كَمَا قَالَ
قَالَ أَبُو طَالب وَوَاللَّه مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا غير متموم كَذَا قَالَ وَالصَّوَاب متمم وَلَا رَأَيْته قطّ فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت
وَقَالَ أَبُو نصر بن الصّباغ رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي يَوْمًا وَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها فَقَالَ لَهُ إِن كنت مرِيدا فَنعم وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا
فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله وكأنني لم أصوبه فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني وَكَأن قَائِلا يَقُول لي هَذَا بِسَبَب الْقزْوِينِي يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ أَو كَمَا قَالَ
قَالَ ابْن الصّلاح ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور بِخِلَاف المريد فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء فليخالفها كَذَلِك
وَعَن مُحَمَّد بن هبة الله خَادِم ابْن الْقزْوِينِي صليت لَيْلَة مَعَ ابْن الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا فرأيته قد عبر منزله فمشيت بَين يَدَيْهِ فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل ثمَّ أَخذ بيَدي وَقَالَ لي بِسم الله ومشيت مَعَه فَلم أَعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية فدخلناها قبل الْفجْر فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْن كُنَّا فَقَالَ لي {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس رَاوِي الْحِكَايَة يشك(5/263)
قَالَ النَّوَوِيّ أَمْسَى فِي رُكُوعه يَعْنِي صلَاته وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا
قَالَ وَلَفظ الطّواف يدل على أَنه الْبَيْت الْحَرَام فَإِن الطّواف لَا يشرع لغيره
قلت عِبَارَته أَطُوف بِهِ فَيحْتَمل أَن يُرِيد الطّواف الشَّرْعِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه يَدُور فِي جوانبه فَلَا يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الطّواف الشَّرْعِيّ حَتَّى يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الْبَيْت الْحَرَام
ثمَّ سَاق جَامع فَضَائِل الْقزْوِينِي حكايات كَثِيرَة تدل على أَن الله تَعَالَى أكْرمه بِهَذِهِ المنقبة وَهِي طَيء الأَرْض لَهُ
وَعَن أبي نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر ابْن فضلان المقرىء وَكنت إِذْ ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن بن الْقزْوِينِي فَقَالَ لي ابْن فضلان يَوْمًا وَقد جرى ذكر كرامات الْقزْوِينِي لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك فَخرجت من عِنْده إِلَى ابْن الْقزْوِينِي فَقَالَ سُبْحَانَ الله مقاومة مُعَارضَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافة تهب إِلَى قُلُوب العارفين)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب)
وَعَن بَعضهم أَصبَحت يَوْمًا لَا أملك شَيْئا فَقلت فِي نَفسِي أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ إِلَى عيالي ومشيت فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله فصاح بِي فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ لي أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي وَقَالَ خُذْهُ حَلَالا
وَعَن آخر دخلت مَسْجده وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق على ضعفاء الحربية فكأنني استكثرته وَقلت فِي نَفسِي قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء(5/264)
فَرفع الْقزْوِينِي رَأسه إِلَيّ فِي الْحَال وَقَالَ سُبْحَانَ الله يستكثر لله شَيْء لَو رَأَيْتُمْ مَا ينْفق فِي معاصي الله وَعَن بَعضهم أصابني ريح المفاصل حَتَّى رميت لأَجلهَا فَأمر الْقزْوِينِي يَده من وَرَاء كمه عَلَيْهَا فَقُمْت من سَاعَتِي معافى
وَذكر ابْن الصّلاح كرامات أخر كَثِيرَة حذفتها اختصارا لدلَالَة مَا ذَكرْنَاهُ عَلَيْهَا لكَونهَا من نَوعه
مَاتَ ابْن الْقزْوِينِي فِي لَيْلَة الْأَحَد لخمس خلون من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
عَن الشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ الْفَقِيه رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي للسلام عَلَيْهِ فَقلت فِي نَفسِي قد حُكيَ لَهُ أنني أشعري فَرُبمَا رَأَيْت مِنْهُ فِي ذَلِك شَيْئا فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ لي لَا نقُول إِلَّا خيرا لَا نقُول إِلَّا خيرا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ لي من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ فيراطان مَعَ القيراط أَو غير القيراط قَالَ قلت مَعَ القيراط
قَالَ جيد بَالغ(5/265)
ونهض فَدخل مَسْجده وطالبني أهل الْمَسْجِد بِالدَّلِيلِ فَقلت لَهُم فِي الْقُرْآن مثله قَالَ الله تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} مَعَ الْيَوْمَيْنِ
قلت وَنَظِير هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُله)
وَقد اخْتلف فِيمَن صلاهَا جمَاعَة هَل يكون كمن قَالَ لَيْلَة وَنصف لَيْلَة والأرجح لَا يكون
قَالَ أَبُو طَاهِر بن جحشويه أردْت سفرا وحنت وَكنت خَائفًا مِنْهُ فَدخلت إِلَى الْقزْوِينِي أسأله الدُّعَاء فَقَالَ ابْتِدَاء من أَرَادَ سفرا فَفَزعَ من عَدو أَو وَحش فليقرأ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} فَإِنَّهَا أَمَان من كل سوء فقرأتها فَلم يعرض لي عَارض حَتَّى الْآن
509 - عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن سعيد الْمحَامِلِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن بن أبي الْحُسَيْن
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع من الْخَطِيب وَغَيره وَأعَاد عِنْد فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي
توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة(5/266)
510 - عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْعِرَاقِيّ
تفقه على أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولي الْقَضَاء بطوس
وَسمع أَبَا حَفْص بن مسرور وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَغَيرهمَا
توفّي بطوس فِي مستهل شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة
511 - عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الإِمَام الْجَلِيل الْقدر الرفيع الشان أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ
صَاحب الْحَاوِي والإقناع فِي الْفِقْه وأدب الدّين وَالدُّنْيَا وَالتَّفْسِير وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَالْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وقانون الوزارة وسياسة الْملك وَغير ذَلِك
روى عَن الْحسن بن عَليّ الْجبلي صَاحب أبي خَليفَة وَمُحَمّد بن عدي الْمنْقري وَمُحَمّد ابْن المعلي الْأَزْدِيّ وجعفر بن مُحَمَّد بن الْفضل الْبَغْدَادِيّ
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو الْعِزّ بن كادش(5/267)
وتفقه بِالْبَصْرَةِ على الصَّيْمَرِيّ ثمَّ رَحل إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني بِبَغْدَاد
وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا رفيع الشَّأْن لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْمَذْهَب والتفنن التَّام فِي سَائِر الْعُلُوم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق درس بِالْبَصْرَةِ وبغداد سِنِين كَثِيرَة وَله مصنفات كَثِيرَة فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وأصول الْفِقْه والآداب وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب
انْتهى
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من وُجُوه الْفُقَهَاء الشافعيين وَله تصانيف عدَّة فِي أصُول الْفِقْه وفروعه وَغير ذَلِك قَالَ وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة
وَقَالَ ابْن خيرون كَانَ رجلا عَظِيم الْقدر مقدما عِنْد السُّلْطَان أحد الْأَئِمَّة لَهُ التصانيف الحسان فِي كل فن من الْعلم بَينه وَبَين القَاضِي أبي الطّيب فِي الْوَفَاة أحد عشر يَوْمًا
وَقيل إِنَّه لم يظْهر شَيْئا من تصانيفه فِي حَيَاته وَجَمعهَا فِي مَوضِع فَلَمَّا دنت وَفَاته قَالَ لمن يَثِق بِهِ الْكتب الَّتِي فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ كلهَا تصنيفي وَإِنَّمَا لم أظهرها لِأَنِّي لم أجد نِيَّة خَالِصَة فَإِذا عَايَنت الْمَوْت وَوَقعت فِي النزع فَاجْعَلْ يدك فِي يَدي فَإِن قبضت عَلَيْهَا وعصرتها فَاعْلَم أَنه لم يقبل مني شَيْء مِنْهَا فاعمد إِلَى الْكتب وألقها فِي دجلة وَإِن بسطت يَدي وَلم أَقبض على يدك فَاعْلَم أَنَّهَا قد قبلت وَأَنِّي قد ظَفرت بِمَا كنت أرجوه من النِّيَّة
قَالَ ذَلِك الشَّخْص فَلَمَّا قاربت الْمَوْت وضعت يَدي فِي يَده فبسطها وَلم يقبض على يَدي فَعلمت أَنَّهَا عَلامَة الْقبُول فأظهرت كتبه بعده(5/268)
قلت لَعَلَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاوِي وَإِلَّا فقد رَأَيْت من مصنفاته غَيره كثيرا وَعَلِيهِ خطه وَمِنْه مَا أكملت قِرَاءَته عَلَيْهِ فِي حَيَاته
وَمن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ الدَّال على دينه ومجاهدته لنَفسِهِ مَا ذكره فِي كتاب أدب الدّين وَالدُّنْيَا فَقَالَ وَمِمَّا أنذرك بِهِ من حَالي أَنِّي صنفت فِي الْبيُوع كتابا جمعته مَا اسْتَطَعْت من كتب النَّاس وأجهدت فِيهِ نَفسِي وكددت فِيهِ خاطري حَتَّى إِذا تهذب واستكمل وكدت أعجب بِهِ وتصورت أَنِّي أَشد النَّاس اطلاعا بِعِلْمِهِ حضرني وَأَنا فِي مجلسي أَعْرَابِيَّانِ فسألاني عَن بيع عقداه فِي الْبَادِيَة على شُرُوط تَضَمَّنت أَربع مسَائِل وَلم أعرف لشَيْء مِنْهَا جَوَابا فأطرقت مفكرا وبحالي وحالهما مُعْتَبرا فَقَالَا أما عنْدك فِيمَا سألناك جَوَاب وَأَنت زعيم هَذِه الْجَمَاعَة فَقلت لَا فَقَالَا إيها لَك
وانصرفا ثمَّ أَتَيَا من قد يتقدمه فِي الْعلم كثير من أَصْحَابِي فَسَأَلَاهُ فأجابهما مسرعا بِمَا أقنعهما فانصرفا عَنهُ راضيين بجوابه حامدين لعلمه
إِلَى أَن قَالَ فَكَانَ ذَلِك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل لَهما قياد النَّفس وانخفض لَهما جنَاح الْعجب
قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة مَاتَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب
قَالَ وَكَانَ قد بلغ سِتا وَثَمَانِينَ سنة(5/269)
ذكر الْبَحْث عَمَّا رمي بِهِ الْمَاوَرْدِيّ من الاعتزال
قَالَ ابْن الصّلاح هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال وَقد كنت لَا أتحقق ذَلِك عَلَيْهِ وأتأول لَهُ وأعتذر عَنهُ فِي كَونه يُورد فِي تَفْسِيره فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل التَّفْسِير تَفْسِير أهل السّنة وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة غير متعرض لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا وَأَقُول لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق أَو بَاطِل وَلِهَذَا يُورد من أَقْوَال المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة وَمن ذَلِك مصيره فِي الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} وَجْهَان فِي جعلنَا أَحدهمَا مَعْنَاهُ حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء وَالثَّانِي تركناهم على الْعَدَاوَة فَلم نمنعهم مِنْهَا
وَتَفْسِيره عَظِيم الضَّرَر لكَونه مشحونا بتأويلات أهل الْبَاطِل تلبيسا وتدسيسا على وَجه لَا يفْطن لَهُ غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة بل يجْتَهد فِي كتمان موافقتهم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق ثمَّ هُوَ لَيْسَ معتزليا مُطلقًا فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم مثل خلق الْقُرْآن كَمَا دلّ عَلَيْهِ تَفْسِيره فِي قَوْله عز وَجل {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} وَغير ذَلِك ويوافقهم فِي الْقدر وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما
انْتهى
شرح حَال الْفتيا الْوَاقِعَة فِي زمَان الْمَاوَرْدِيّ فِيمَن لقب بشاهنشاه
وَهِي من محَاسِن الْمَاوَرْدِيّ وَقد سَاقهَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْفضل عبد الْملك(5/270)
ابْن إِبْرَاهِيم الهمذاني فِي ذيله الَّذِي ذيله على تَارِيخ أبي شُجَاع مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْوَزير الْعَالم وَأَبُو شُجَاع أَيْضا مذيل على تَارِيخ مُتَقَدم
وحاصلها أَنه فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر رَمَضَان أَمر الْخَلِيفَة أَن يُزَاد فِي ألقاب جلال الدولة ابْن بويه شاهنشاه الْأَعْظَم ملك الْمُلُوك وخطب لَهُ بذلك فَأفْتى بعض الْفُقَهَاء بِالْمَنْعِ وَأَنه لَا يُقَال ملك الْمُلُوك إِلَّا لله وتبعهم الْعَوام ورموا الخطباء بالآجر
وَكتب إِلَى الْفُقَهَاء فِي ذَلِك فَكتب الصَّيْمَرِيّ الْحَنَفِيّ أَن هَذِه الْأَسْمَاء يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد وَالنِّيَّة
وَكتب القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ بِأَن إِطْلَاق ملك الْمُلُوك جَائِز وَمَعْنَاهُ ملك مُلُوك الأَرْض قَالَ وَإِذا جَازَ أَن يُقَال قَاضِي الْقُضَاة جَازَ أَن يُقَال ملك الْمُلُوك
وَوَافَقَهُ التَّمِيمِي من الْحَنَابِلَة
وَأفْتى الْمَاوَرْدِيّ بِالْمَنْعِ وشدد فِي ذَلِك وَكَانَ الْمَاوَرْدِيّ من خَواص جلال الدولة فَلَمَّا أفتى بِالْمَنْعِ انْقَطع عَنهُ فَطَلَبه جلال الدولة فَمضى إِلَيْهِ على وَجل شَدِيد فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ أَنا أتحقق أَنَّك لَو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وَبَيْنك وَمَا حملك إِلَّا الدّين فَزَاد بذلك محلك عِنْدِي
قلت وَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب هُوَ قِيَاس الْفِقْه إِلَّا أَن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ يدل لَهُ حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أخنع اسْم عِنْد الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة رجل يُسمى ملك الْأَمْلَاك)
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد
وَقَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أخنع فَقَالَ أوضع
والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ(5/271)
وَفِي حَدِيث عَوْف عَن خلاس عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اشْتَدَّ غضب الله على من قتل نَفسه وَاشْتَدَّ غضب الله على رجل تسمى بِملك الْمُلُوك لَا ملك إِلَّا الله تَعَالَى)
قلت وَلم تمكث دولة بني بويه بعد هَذَا اللقب إِلَّا قَلِيلا ثمَّ زَالَت كَأَن لم تكن وَلم يَعش جلال الدولة بعد هَذَا اللقب إِلَّا أشهرا يسيرَة ثمَّ ولي الْملك الرَّحِيم مِنْهُم وَبِه انقرضت دولتهم
وَمن الرِّوَايَة عَن الْمَاوَرْدِيّ
أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا إِسْحَاق بن أبي بكر الْأَسدي سَمَاعا أَنبأَنَا أَبُو الْبَقَاء يعِيش بن عَليّ النَّحْوِيّ حَدثنَا الْخَطِيب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن بدران الْحلْوانِي أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْمَاوَرْدِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْجبلي حَدثنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْبَراء رَضِي الله عَنهُ يَقُول كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعنا التُّرَاب يَوْم الْأَحْزَاب وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه وَهُوَ يَقُول
(اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)(5/272)
(فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(إِن الألى قد بغوا علينا ... إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا)
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان القارىء إجَازَة أخبرنَا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الإِمَام ركن الْإِسْلَام وَالِدي إملاء أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَاوَرْدِيّ بِبَغْدَاد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم جَعْفَر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو الفوارس الْعَطَّار بِمصْر أخبرنَا الْمُزنِيّ حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أروا لَيْلَة الْقدر فِي الْمَنَام فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَقَالَ إِنِّي أرى رؤياكم قد تواطأت فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ مِنْكُم متحريا فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر
وَمن الْفَوَائِد عَن الْمَاوَرْدِيّ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات من الْحَاوِي فِي الْكَلَام على قَول الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِن كَانَ يديم الْغناء كتب إِلَى أخي من الْبَصْرَة وَقد اشْتَدَّ شوقه إِلَى لقائي بِبَغْدَاد شعرًا
(طيب الْهَوَاء بِبَغْدَاد يشوقني ... قدما إِلَيْهَا وَإِن عاقت مقادير)
(فَكيف صبري عَنْهَا الْآن إِذْ جمعت ... طيب الهواءين مَمْدُود ومقصور)
قَالَ النَّوَوِيّ قَوْله طيب الهواءين لحن عِنْد النَّحْوِيين لأَنهم لَا يجيزون تَثْنِيَة الْمُخْتَلِفين فِي الصِّيغَة إِلَّا فِي أَلْفَاظ سَمِعت من الْعَرَب كالأبوين والعمرين وَشبهه من المسموع(5/273)
قلت فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب للنحاة فَمن قَائِل يمْتَنع مُطلقًا ويؤول مَا ورد من ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا أبي حَيَّان وَمن قَائِل يجوز مُطلقًا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن مَالك وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِن اتفقَا فِي الْمَعْنى الْمُوجب للتسمية كالأحمرين لِلذَّهَبِ والزعفران والأطيبين للشباب وَالنِّكَاح وَإِلَّا فَلَا
ولي على هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام مُفْرد فِي جَوَاب سُؤال سألنيه صاحبنا الإِمَام الأديب صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي على قَول الحريري صَاحب المقامات
(جاد بِالْعينِ حِين أعمى هَوَاهُ ... عينه فانثنى بِلَا عينين)
وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي لحنه المانعون فِيهِ ولعلنا نتكلم على ذَلِك فِي تَرْجَمَة الحريري إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة يجوز أَن يكون وَزِير التَّنْفِيذ ذِمِّيا بِخِلَاف وَزِير التَّفْوِيض وَفرق بِأَن وَزِير التَّفْوِيض يولي ويعزل ويباشر الحكم ويسير الْجَيْش ويتصرف فِي بَيت المَال بِخِلَاف وَزِير التَّنْفِيذ
وَقَالَ إِذا استسقى كَافِر تخير الْأَمِير بَين سقيه وَمنعه كَمَا يتَخَيَّر بَين قَتله وَتَركه
وَقَالَ إِذا غَابَ إِمَام الْمَسْجِد وَلم يستنب استؤذن الإِمَام فَإِن تعذر اسْتِئْذَانه تراضى أهل الْبَلَد يؤمهم فَإِذا حضرت صَلَاة أُخْرَى وَالْإِمَام على غيبته فقد قيل المرتضى فِي الصَّلَاة الأولى أولى فِي الثَّانِيَة وَمَا بعد إِلَى أَن يحضر الإِمَام وَقيل بل يخْتَار(5/274)
للثَّانِيَة ثَان يرتضى غير الأول لِئَلَّا يصير هَذَا الِاخْتِيَار تقليدا سلطانيا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ ورأيي أَن يُرَاعِي حَال الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَإِن حضرها من حضر فِي الأولى كَانَ المرتضى فِي الأولى أَحَق وَإِن حضرها غَيرهم كَانَ الأول كأحدهم واستأنفوا اخْتِيَار إِمَام
قلد السُّلْطَان إمامين فِي مَسْجِد وَلم يخص أَحدهمَا بِزَمن وَلَا صلوَات فَأَيّهمَا سبق كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ وَلَيْسَ للْآخر أَن يؤم فِي تِلْكَ الصَّلَاة بِقوم آخَرين لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تُقَام فِي الْمَسَاجِد السُّلْطَانِيَّة جماعتان فِي صَلَاة وَاحِدَة وَاخْتلف فِي السَّبق الَّذِي يسْتَحق بِهِ التَّقَدُّم على وَجْهَيْن أَحدهمَا سبقه بالحضور إِلَى الْمَسْجِد وَالثَّانِي بِالْإِمَامَةِ فِيهِ فَإِن حضرا مَعًا وَلم يتَّفقَا على تَقْدِيم أَحدهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقرع وَالثَّانِي يخْتَار أهل النَّاحِيَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِيمَا إِذا قَالَ قارضتك على أَن لَك سدس عشر تسع الرِّبْح وَالأَصَح فِيهِ الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَعْلُوم من الصِّيغَة يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ غير أَنا نستحب لَهما أَن يعدلا عَن هَذِه الْعبارَة الغامضة إِلَى مَا يعرف على البديهة من أول وهلة لِأَن هَذِه عبارَة قد توضح للإخفاء والإغماض قَالَ الشَّاعِر
(لَك الثُّلُثَانِ من قلبِي ... وَثلثا ثلثه الْبَاقِي)
(وَثلثا ثلث مَا يبْقى ... وَثلث الثُّلُث للساقي)
(وَتبقى أسْهم سِتّ ... تقسم بَين عشاقي)
فَانْظُر إِلَى هَذَا الشَّاعِر وبلاغته وتحسين عِبَارَته كَيفَ أغمض كَلَامه وَقسم قلبه وَجعله مجزأ على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا هِيَ مَضْرُوب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة ليَصِح مِنْهَا مخرج ثلث ثلث الثُّلُث فَجعل لمن خاطبه أَرْبَعَة وَسبعين جُزْءا من قلبه وَجعل للساقي جُزْءا وَبَقِي السِّتَّة الْأَجْزَاء ففرقها فِيمَن يحب
وَلَيْسَ للإغماض فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وَجه مرضِي وَلَا حَال يسْتَحبّ غير أَن العقد(5/275)
لَا يخرج بِهِ عَن حكم الصِّحَّة إِلَى الْفساد وَلَا عَن حَال الْجَوَاز إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يؤول بهما إِلَى الْعلم وَلَا يجهل عِنْد الحكم
انْتهى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ
وَقد أورثه حب الْأَدَب إِدْخَال هَذِه الأبيات الغزلية فِي الْفِقْه
وَقَوله جزأ قلبه على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا وَجهه ظَاهر وَقد أعطَاهُ فِي الأول أَرْبَعَة وَخمسين وَهِي ثلثا الْقدر الْمَذْكُور ثمَّ ثلثى الثُّلُث الثَّالِث وَهِي ثَمَانِيَة عشر وَبقيت تِسْعَة فَأعْطَاهُ ثلثى ثلثهَا وَهُوَ اثْنَان وَيبقى سَبْعَة وَاحِد وَهُوَ ثلث الثُّلُث الْبَاقِي للساقي وَسِتَّة مقسومة
وَقَوله لَيْسَ للإغماض فِي الْمُعَاوَضَات حَال مرضِي فَمَمْنُوع فقد يقْصد المتعاقدان إخفاء مَا يتعاقدان عَلَيْهِ عَن سامعه لغَرَض مَا وَمثله مَذْكُور فِي بِعْتُك مثل مَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي يجب فِي سلخ جلد ابْن آدم حُكُومَة لَا تبلغ دِيَة النَّفس
ذكره قبل بَاب اصطدام الفارسين بأوراق
وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه تجب الدِّيَة فِيهِ
وَفِي الْحَاوِي فِي بَاب كَيْفيَّة اللّعان لَو قَالَ لِابْنِهِ أَنْت ولد زنا كَانَ قَاذِفا لأمه
انْتهى
وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة تعم بهَا الْبلوى ذكرهَا ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ بحثا من قبل نَفسه وَكَأَنَّهُ لم يطلع فِيهَا على نقل وَزَاد ابْن الصّلاح أَنه يعزز للمشتوم
وَقَالَ عِنْد كَلَامه على إِمَامَة العَبْد إِمَامَة الْحر الضَّرِير أولى من إِمَامَة العَبْد الْبَصِير لِأَن الرّقّ نقص
انْتهى
وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ فَإِنَّهُ قطع بِأَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى كَمَا يَقُول صَاحب التَّنْبِيه فَهَذِهِ صُورَة تقع مُسْتَثْنَاة من ذَلِك
وَقيد فِي بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم الصَّبِي الَّذِي يَصح أَن يؤم الْبَالِغين(5/276)
بالمراهق وَلم أر لَفْظَة الْمُرَاهق لغيره إِنَّمَا عبارَة الْأَصْحَاب الْمُمَيز فَإِن أَرَادَ بالمراهق الْمُمَيز وَهُوَ الظَّاهِر فقد وضع الْمُقَيد مَوضِع الْمُطلق لِأَن التَّمْيِيز أَعم من سنّ الْمُرَاهق وَإِلَّا فَلَا أعرف لَهُ قدوة فَإِن كل من أجَاز إِمَامَة الصَّبِي قنع بالتمييز
قَالَ فِي الْحَاوِي قبيل بَاب قتل الْمحرم صيدا فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة منذورة لَو اُسْتُؤْجِرَ رجلَانِ ليحجا عَنهُ فِي عَام وَاحِد أَحدهمَا يحرم بِحجَّة الْإِسْلَام وَالْآخر بِحجَّة النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لِأَن حج الْأَجِير يقوم مقَام حجه وَهُوَ لَا يقدر على حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد فَكَذَا لَا يَصح أَن يحجّ عَنهُ رجلَانِ فِي عَام وَاحِد
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك جَائِز لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح مِنْهُ حجتان فِي عَام لِاسْتِحَالَة وقوعهما مِنْهُ والأجيران قد يَصح مِنْهُمَا حجتان فِي عَام فاختلفا فعلى هَذَا أَي الأجيرين سبق بِالْإِحْرَامِ كَانَ إِحْرَامه مُتَعَيّنا لحجة الْإِسْلَام وإحرام الَّذِي بعده مُتَعَيّنا لحجة النّذر فَإِن أحرما مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا الآخر احْتمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَالَّذِي بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
وَقد تضمن اسْتِحَالَة حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد من رجل وَاحِد وَأَنه مفروغ مِنْهُ وَهُوَ حق وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ومتوهم خِلَافه مخطىء كَمَا قَرَّرَهُ الْوَالِد الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله
وَمن الْعجب أَن صَاحب الْبَحْر أهمل فِيهِ مَعَ كَثْرَة تتبعه للحاوي أول هَذَا الْفَصْل وَاقْتصر على قَوْله مَا نَصه فرع لَو كَانَت عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة النّذر فاستأجر رجلَيْنِ فِي عَام وَاحِد وأحرما عَنهُ فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا(5/277)
الآخر يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَمَا بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَو أسلم إِلَيْهِ فِي جَارِيَة بِصفة فَأَتَاهُ بهَا على تِلْكَ الصّفة وَهِي زَوجته لم يلْزمه قبُولهَا لِأَنَّهُ لَو قبلهَا بَطل نِكَاحه فَيدْخل عَلَيْهِ بقبولها نقض
قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أسلمت فأحضر إِلَيْهَا زَوجهَا لم يلْزمهَا الْقبُول لما فِيهِ من فسخ النِّكَاح
وَاعْتَرضهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الزواج عيب فِي الزَّوْج وَالْأمة فَعدم إِيجَاب الْقبُول لوُجُود الْعَيْب لَا لخوف الضَّرَر بِفَسْخ النِّكَاح
قلت وَهُوَ اعْتِرَاض صَحِيح إِن لم تكن صُورَة الْمَسْأَلَة أَنه أسلم فِي أمة ذَات زوج وَالَّذِي يظْهر وَعَلِيهِ جرى الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج أَن الْمَسْأَلَة مصورة بِمن أسلم فِي أمة ذَات زوج
ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِذا كَانَ كَذَلِك أمكن أَن يُقَال إِذا قبض الْمحْضر وَلم يعرف الْمُسلم الصُّورَة فَإِن لم يرد انْفَسَخ النِّكَاح وَلَو رد وَلم يرض بِهِ يكون فِي انفساخه خلاف مَبْنِيّ على أَن الدّين النَّاقِص هَل يملك بِالْقَبْضِ ويرتد بِالرَّدِّ أَو لَا يملك إِلَّا بِالرِّضَا بعده فعلى الأول يَنْفَسِخ النِّكَاح وعَلى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخ
وَقد يُجَاب بِأَن النِّكَاح لما كَانَ يرْتَفع بِالتَّسْلِيمِ وَإِن كَانَ عَيْبا قدر عَدمه فِي الْحَال نظرا لما جعل الْمُحَقق الْوُقُوع كالواقع والمشرف على الزَّوَال كالزائد وَيشْهد لذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه إِذا اشْترى جَارِيَة وَزوجهَا وَقَالَ لَهَا الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت(5/278)
طَالِق فَإِن للْمُشْتَرِي ردهَا بِمَا اطلع عَلَيْهِ من عيبها لِأَن الزَّوْجِيَّة تَزُول بِالرَّدِّ وقدرت كالمعدومة
وَالثَّانِي أَنه لَو قتل أمة مُزَوّجَة يلْزمه قيمتهَا خلية عَن الزَّوْج
قلت والفرعان المستشهد بهما ممنوعان
أما قَول الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت طَالِق فَهُوَ شَيْء قَالَه وَالِد الرَّوْيَانِيّ وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ
وَقد قَالَ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج الْأَقْرَب خِلَافه
وَأما من قتل أمة مُزَوّجَة فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يلْزمه قيمتهَا ذَات زوج
وَحكى الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ الرَّوْيَانِيّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو أسلم إِلَيْهِ فِي عبد فَأَتَاهُ بأَخيه أَو عَمه وَجْهَيْن فِي أَنه هَل لَهُ الِامْتِنَاع من قبُوله لِأَن من الْحُكَّام من يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فَيكون قبُوله ضَرَرا أما لَو أَتَاهُ بِأَبِيهِ أَو جده فَلَا يلْزمه الْقبُول قطعا فَإِن قَبضه وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم فَفِي صِحَة الْقبُول وَجْهَان
قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَذكر فِي الْيَمين الْغمُوس أَنَّهَا أوجبت الْكَفَّارَة وَهِي محلولة غير منعقدة وَبِه جزم ابْن الصّلاح فِي شرح مُشكل الْوَسِيط وَقَالَ إِنَّمَا وَجَبت الْكَفَّارَة بِمُجَرَّد العقد وَهُوَ كَونه حلف والحنث وَهُوَ كَونه كذب
وَالَّذِي صرح بِهِ صَاحب الْبَحْر أَنَّهَا منعقدة وَهُوَ قَضِيَّة تَصْرِيح صَاحب التَّنْبِيه والرافعي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْأَشْبَه واللائق لمن يُوجب الْكَفَّارَة
وَكَلَام ابْن الصّلاح يؤول إِلَى أَنه لَا يلْزم من عقد انْعِقَاد وَفِيه نظر
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فِي كَلَامه على الْيَمين الْغمُوس فِي أثْنَاء الْحجَّاج أَن الْحلف بالمخلوق حرَام وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام أَن الْأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ غير محرم وَإِنَّمَا هُوَ(5/279)
مَكْرُوه
وَعبارَة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أخْشَى بِأَنَّهُ يكون الْحلف بِغَيْر الله مَعْصِيّة
وَقد اقْتصر الْمَاوَرْدِيّ عِنْد كَلَامه فِي هَذَا النَّص على الْكَرَاهَة
كَمَا فعله الْمُعظم
نقل الرَّافِعِيّ أَن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة إِن للْقَاضِي أَن يحكم على عدوه بِخِلَاف الشَّهَادَة عَلَيْهِ لِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الْعَدَاوَة خافية وَهُوَ كَمَا نَقله فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لكنه أطلق فِي الْمَسْأَلَة فِي الْحَاوِي عِنْد الْكَلَام فِي التَّحْكِيم ثَلَاثَة أوجه ثَالِثهَا الْفرق بَين الحكم والتحكيم فَيجوز على الْعَدو لاختياره وَالْحكم بِولَايَة الْقَضَاء فَلَا يجوز وَلم يرجح فِيهَا شَيْئا وَقيد الْمَسْأَلَة قبل ذَلِك وَهَذِه عِبَارَته قَالَ قبل بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَيجوز أَن يحكم لعَدوه على عدوه وَجها وَاحِدًا وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوَالِدين والمولودين لوُقُوع الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَسبَاب الْعَدَاوَة طارئة تَزُول بعد وجودهَا الْحَادِث بعد عدمهَا وَأَسْبَاب الْأَنْسَاب لَازمه لَا تَزُول وَلَا تحور فغلظت هَذِه وخففت تِلْكَ
الثَّانِي أَن الْأَنْسَاب محصورة متعينة والعداوة منتشرة مُبْهمَة فيفضي ترك الحكم مَعهَا إِلَى امْتنَاع كل مَطْلُوب بِمَا يَدعِيهِ من الْعَدَاوَة
انْتهى
غير أَن هذَيْن الفرقين يقتضيان جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ وَإِذا تَأَمَّلت الفرقين عرفت اندفاع قَول الشَّافِعِي مشككا عَلَيْهِ وَهَذَا يشكل بالتسوية بَينهمَا فِي حق الأبعاض وَغَيره وَعرفت أَيْضا أَنه إِن لم يكن الْأَمر كَمَا نَقله من جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا وَإِلَّا فالعلة عَامَّة وَالدَّعْوَى خَاصَّة فَإِنَّهُ قد يُقَال يقْضِي لعَدوه(5/280)
على عدوه كَمَا يقْضِي لِلْأُصُولِ على الْفُرُوع وَبِالْعَكْسِ على الْخلاف فِيهِ وَإِن لم يقْض عَلَيْهِ مُطلقًا وَاقْتصر الرَّافِعِيّ فِي الْقَضَاء لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع على وَجْهَيْن وَفِي الْحَاوِي وَجه ثَالِث أَنه يقْضى لَهُم بِالْإِقْرَارِ لبعد التُّهْمَة فِيهِ وَلَا يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض فِي أواخره وَلَو لم يذكر القَاضِي فِي كِتَابه سَبَب حكمه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق
وَسَأَلَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عَن السَّبَب الَّذِي حكم بِهِ عَلَيْهِ نظر فَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لم يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَيَمِين الطَّالِب يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِن كَانَ الحكم بِحَق فِي الذِّمَّة لم يلْزمه ذكره لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعهَا بِمِثْلِهَا وَإِن كَانَ الحكم بِعَين قَائِمَة لزمَه أَن يذكرهَا لِأَنَّهُ يقدر على مقابلتها بِمِثْلِهَا وتترجح بَيِّنَة الْيَد فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام
انْتهى
وَقد أَخذ صَاحب الْبَحْر قَوْله فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَقَالَ وَإِن لم يذكر القَاضِي مَا حكم بِهِ مِنْهَا فِي كِتَابه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق فَهَل يجوز وَجْهَان
قلت وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بعد الْجَوَاز هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ عِنْد قَوْله فِي الرُّكْن الثَّالِث فِي كَيْفيَّة إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَفِي فحوى كَلَام الْأَصْحَاب مَانع من إِبْهَام الْحجَّة لما فِيهِ من سد بَاب الطعْن والقدح على الْخصم وَبِهَذَا الْوَجْه يتسلق إِلَى منازعته فِي جزمه قبل ذَلِك قَالَ القَاضِي لَو قَالَ على سَبِيل الحكم نسَاء هَذِه الْقرْيَة طَوَالِق من أَزوَاجهنَّ يقبل وَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة
ذكره فِي آخر الثَّالِثَة من الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل ثمَّ قَالَ مَسْأَلَة عِنْد الْكَلَام فِي الْقَضَاء(5/281)
بِالْعلمِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَجَابُوا عَن معنى التُّهْمَة قَالَ القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي وَصَحَّ لدي كَذَا لزم قبُوله وَلم يبْحَث عَمَّا صَحَّ وَثَبت
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي تَسْمِيَة القَاضِي الشُّهُود الَّذين حكم بِشَهَادَتِهِم فِيهِ للنَّاس خلاف قديم بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا
كَانَ الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ الأولى التَّسْمِيَة وَذَاكَ أحوط للمحكوم عَلَيْهِ
وَكَانَ الْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ الأولى تَركه وَهُوَ أحوط للْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَالْمَاوَرْدِيّ ذكر الْمَسْأَلَة فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَحكى فِي بَاب مَا على القَاضِي فِي الْخُصُوم وَالشُّهُود أَن أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج كَانَ يخْتَار مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك
قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فَإِن لم يسمهما قَالَ شهد عِنْدِي رجلَانِ حران عرفهما بِمَا يجوز بِهِ قبُول شَهَادَتهمَا وَإِن سماهما قَالَ شهد عِنْدِي فلَان وَفُلَان وَقد ثَبت عِنْدِي عدالتهما
قلت فيجتمع من الْكَلَامَيْنِ فِي التَّسْمِيَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تَركه أولى وَهُوَ رَأْي ابْن سُرَيج
وَالثَّانِي أَن ذكره أولى وَلَكِن لَا يجب
وَالثَّالِث أَنه وَاجِب وعَلى الْوُجُوب لَا يخفى إِيجَابه إبداء الْمُسْتَند إِذا طُولِبَ بِهِ وعَلى عدم الْوُجُوب هَل يجب إبداؤه إِذا سُئِلَ فِيهِ مَا تقدم من تَفْصِيل الْمَاوَرْدِيّ غير أَن قَوْله فِي الْيَمين الْمَرْدُودَة يبْنى على أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَو كالبينة فَهِيَ لَا تخرج عَنْهُمَا وَإِن كَانَ الْإِقْرَار فِيهَا ضمنا
وَقد سبق فِي تَرْجَمَة ابْن سُرَيج مَا إِذا ضم إِلَيْهِ هَذَا صَار كلَاما فِي الْمَسْأَلَة(5/282)
مَسْأَلَة
الْمُرْتَد يعود إِلَى الْإِسْلَام هَل تقبل شَهَادَته بِمُجَرَّد عوده أَو يحْتَاج إِلَى الِاسْتِبْرَاء كالفاسق يَتُوب وَهِي مَسْأَلَة مهمة وللنظر فِيهَا وَقْفَة فَإِنَّهُ قد يستصعب عدم استبرائه مَعَ كَون مَعْصِيَته أغْلظ الْمعاصِي ويستصعب استبراؤه وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام فقهائنا قاطبة الْجَزْم بِعَدَمِ استبرائه وَأَنه يعود بِالشَّهَادَتَيْنِ إِلَى حَاله قبل ردته وَادّعى ابْن الرّفْعَة نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَحكى عَن الْأَصْحَاب أَنهم فرقوا بِأَنَّهُ إِذا أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر فَلم يبْق بعده احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا أظهر التَّوْبَة بعد الزِّنَا وَالشرب لِأَن التَّوْبَة لَيست مُقَيّدَة بالمعصية بِحَيْثُ ينفيها من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِي سَائِر الْمعاصِي صَلَاح الْعَمَل وَحكى هَذَا الْفرق عَن القَاضِي أبي الطّيب وَغَيره
قلت وَالْحَاصِل أَن الْمُرْتَد بِإِسْلَامِهِ تحققنا أَنه جَاءَ بضد الرِّدَّة وَلَا كَذَلِك التائب من الزِّنَا وَنَحْوه
وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْفرق الشَّيْخ أَبُو حَامِد فَقَالَ فِي تعليقته فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْقَاذِف وَالْمُرْتَدّ حَتَّى قُلْتُمْ الْقَاذِف يُطَالب بِأَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل وَالْمُرْتَدّ لَا يُطَالب بِأَن يَقُول الْكفْر بَاطِل أجَاب بِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْمَعْنى وَذكر نَحْو ذَلِك وَقد قدمنَا عِبَارَته عَن هَذَا فِي تَرْجَمَة الْإِصْطَخْرِي فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة
وَمَا نَقله ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب رَأَيْته فِي تعليقته كَمَا نَقله
وَلَفظه فَإِن قيل فَكيف اعتبرتم صَلَاح الْعَمَل فِي التَّوْبَة الَّتِي هِيَ فعل وَلم تعتبروه هَاهُنَا فَالْجَوَاب أَنه إِذا(5/283)
أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر وَلم يبْق بعد ذَلِك احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا كَانَ قد زنى أَو سرق ثمَّ تَابَ لِأَن تَوْبَته لَيست مضادة لمعصيته بِحَيْثُ يَتْرُكهَا من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِيهِ صَلَاح الْعَمَل
انْتهى
ذكره فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف وَهُوَ صَحِيح لَكنا نفيدك هُنَا أَن الْمَاوَرْدِيّ لم يسلم أَن الْمُرْتَد لَا يستبرأ مُطلقًا بل فصل فِيهِ فَقَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِذا أَتَى الْمُرْتَد بِمَا يكون بِهِ تَائِبًا عَاد إِلَى حَاله قبل ردته فَإِن كَانَ مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته قبل ردته لم تقبل بعد تَوْبَته حَتَّى يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة وَإِن كَانَ مِمَّن تقبل شَهَادَته قبل الرِّدَّة نظر فِي التَّوْبَة فَإِن كَانَت عِنْد اتقائه للْقَتْل لم تقبل شَهَادَته بعد التَّوْبَة إِلَّا أَن يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة باستبراء حَاله وَصَلَاح عمله وَإِن تَابَ من الرِّدَّة عفوا غير متق بهَا الْقَتْل عَاد بعد التَّوْبَة إِلَى عَدَالَته
انْتهى
وَذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَيْضا بقريب من هَذَا أَبُو بِلَفْظِهِ سَوَاء
وقولهما عِنْد اتقائه للْقَتْل هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي عِنْد إِسْلَامه تقية وَإِنَّمَا نبهت على ذَلِك لِأَنِّي وجدت من صحفه فَجعل مَوضِع التَّاء لاما وقرأه عِنْد إلقائه للْقَتْل ثمَّ فسره بالتقديم إِلَى الْقَتْل وَلَيْسَ كَذَلِك بل عِنْد الْإِسْلَام تقية من الْقَتْل سَوَاء كَانَ عِنْد التَّقْدِيم للْقَتْل أَو قبل
وَفِي أدب الْقَضَاء لشريح الرَّوْيَانِيّ مَا نَصه وَإِذا أسلم الْكَافِر هَل تقبل شَهَادَته فِي الْحَال من غير اسْتِبْرَاء قد قيل فِيهِ وَجْهَان وَقيل إِذا أسلم الْمُرْتَد لَا تقبل شَهَادَته إِلَّا بعد اسْتِبْرَاء حَاله وَغَيره إِذا أسلم تقبل شَهَادَته فِي الْحَال وَالْفرق أَن كفره مغلظ
انْتهى
فَتخرج من كَلَامه مَعَ مَا تقدم فِي الْمُرْتَد يسلم ثَلَاثَة أوجه فِي وجوب الِاسْتِبْرَاء ثَالِثهَا الْفرق بَين الْإِسْلَام تقية وَغَيره وَأما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فالوجهان فِيهِ غَرِيبَانِ(5/284)
ويوافق مَا ذكره فِيهِ قَول الدَّارمِيّ فِي استذكاره بعد الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف وَكَذَلِكَ تختبر الْكفَّار إِذا أَسْلمُوا فقد أطلق اختبار الْكفَّار
مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لسَيِّد النَّاس ولأعلمهم
قَالَ فِي الْحَاوِي قبل بَاب الْوَصِيَّة لَو قَالَ اعطوا ثُلثي مَالِي لأصلح النَّاس ولأعلمهم كَانَ مصروفا فِي الْفُقَهَاء لاضطلاعهم بعلوم الشَّرِيعَة الَّتِي هِيَ بِأَكْثَرَ الْعُلُوم مُتَعَلقَة
وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة
رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَنَام فَجَلَست مَعَه ثمَّ قُمْت أماشيه فَضَاقَ الطَّرِيق بِنَا فَوقف فَقلت لَهُ تقدم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإنَّك سيد النَّاس فَقَالَ لَا تقل هَكَذَا فَقلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا ترى أَن رجلا لَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة أَنا أفتيكم بِهَذَا فَخط خطي بِهِ وَلم أكن سَمِعت هَذِه الْمَسْأَلَة قبل الْمَنَام وَلَيْسَ الْجَواب إِلَّا كَذَلِك لِأَن سيد النَّاس هُوَ الْمُتَقَدّم عَلَيْهِم والمطاع فيهم وَهَذِه صفة الْخَلِيفَة الْمُتَقَدّم على جَمِيع الْأمة
انْتهى
مَسْأَلَة الْجَهْر فِي قنوت الصُّبْح
وَأفَاد الْمَاوَرْدِيّ أَن الْجَهْر بقنوت الصُّبْح دون جهر الْقِرَاءَة وَهِي مَسْأَلَة نافعة مليحة فِي الِاسْتِدْلَال على مَشْرُوعِيَّة الْقُنُوت
وَهَذَا لفظ الْحَاوِي فِي الْقُنُوت وَإِن كَانَ إِمَامًا فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا يسر بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاء
إِلَى أَن قَالَ مَا نَصه وَالْوَجْه الثَّانِي يجْهر بِهِ كَمَا يجْهر بقوله سمع الله لمن حَمده
لَكِن دون جهر الْقِرَاءَة
انْتهى
والرافعي اقْتصر تبعا لغير وَاحِد على حِكَايَة الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَهْر من غير تَبْيِين لكيفيته(5/285)
512 - عَليّ بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو حَيَّان التوحيدي
الْمُتَكَلّم الصُّوفِي صَاحب المصنفات شيرازي الأَصْل وَقيل نيسابوري وَقيل واسطي
كَانَ إِمَامًا فِي النَّحْو واللغة والتصوف فَقِيها مؤرخا صنف البصائر والإشارات وَغَيرهمَا
وتفقه على القَاضِي أبي حَامِد المروروذي
وَسمع الحَدِيث من أبي بكر الشَّافِعِي وَأبي سعيد السيرافي وجعفر الْخُلْدِيِّ(5/286)
وَلَعَلَّه أَخذ عَنهُ التصوف وَغَيرهم
روى عَنهُ عَليّ بن يُوسُف الفامي وَمُحَمّد بن مَنْصُور بن جيكان وَعبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الدَّاودِيّ وَنصر بن عبد الْعَزِيز الْمصْرِيّ الْفَارِسِي وَمُحَمّد ابْن إِبْرَاهِيم ابْن فَارس الشيرازيون
وَسمع مِنْهُ أَبُو سعد عبد الرَّحْمَن بن ممجة الْأَصْبَهَانِيّ بشيراز فِي سنة أَرْبَعمِائَة
قَالَ ابْن النجار لَهُ المصنفات الْحَسَنَة كالبصائر وَغَيرهَا قَالَ وَكَانَ فَقِيرا صَابِرًا متدينا قَالَ وَكَانَ صَحِيح العقيدة
وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ بل كَانَ عَدو الله خبيثا
وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا كَانَ سيء الِاعْتِقَاد ثمَّ نقل قَول ابْن فَارس فِي كتاب الفريدة والخريدة كَانَ أَبُو حَيَّان كذابا قَلِيل الدّين والورع عَن الْقَذْف والمجاهرة بالبهتان تعرض لأمور جسام من الْقدح فِي الشَّرِيعَة وَالْقَوْل بالتعطيل وَلَقَد وقف سيدنَا الصاحب كَافِي الكفاة على بعض مَا كَانَ يدغله ويخفيه من سوء الِاعْتِقَاد فَطَلَبه ليَقْتُلهُ فهرب والتجأ إِلَى أعدائه ونفق عَلَيْهِم بزخرفه وإفكه ثمَّ عثروا مِنْهُ على قَبِيح دَخلته وَسُوء عقيدته وَمَا يبطنه من الْإِلْحَاد ويرومه فِي الْإِسْلَام من الْفساد وَمَا يلصقه بأعلام الصَّحَابَة من القبائح ويضيفه إِلَى السّلف الصَّالح من الفضائح فَطَلَبه الْوَزير المهلبي فاستتر مِنْهُ وَمَات فِي الاستتار وأراح الله مِنْهُ وَلم يُؤثر عَنهُ إِلَّا مثلبة أَو مخزية(5/287)
وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه زنادقة الْإِسْلَام ثَلَاثَة ابْن الراوندي وَأَبُو حَيَّان التوحيدي وَأَبُو الْعَلَاء
قَالَ وأشدهم على الْإِسْلَام أَبُو حَيَّان لِأَنَّهُ مجمج وَلم يُصَرح
قلت الْحَامِل للذهبي على الوقيعة فِي التوحيدي مَعَ مَا يبطنه من بغض الصُّوفِيَّة هَذَانِ الكلامان وَلم يثبت عِنْدِي إِلَى الْآن من حَال أبي حَيَّان مَا يُوجب الوقيعة فِيهِ ووقفت على كثير من كَلَامه فَلم أجد فِيهِ إِلَّا مَا يدل على أَنه كَانَ قوي النَّفس مزدريا بِأَهْل عصره لَا يُوجب هَذَا الْقدر أَن ينَال مِنْهُ هَذَا النّيل
وَسُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله عَنهُ فَأجَاب بقريب مِمَّا أَقُول
وَمن غرائب الْفَوَائِد عَن أبي حَيَّان
قَالَ فِي كِتَابه الإمتاع والمؤانسة إِن الدَّاء الَّذِي يعتري كثيرا من الْكلاب وَيُقَال لَهُ الْكَلْب يعرض للجمال أَيْضا
قَالَ فَإِذا كلب الْجمل نحر وَلم يُؤْكَل لَحْمه
انْتهى
وَأَبُو حَيَّان قد نقل عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي مَسْأَلَة الرِّبَا فِي الزَّعْفَرَان وَهُوَ عِنْده فَوَائِد ومسائل كَثِيرَة عَن القَاضِي أبي حَامِد المروروذي وَمِنْهَا مَسْأَلَة الزَّعْفَرَان وَلَكِنِّي(5/288)
لَا أعرف لَهُ من قبل نَفسه كلَاما فِي الْفِقْه وَمَا ذكره من عدم الْأكل ظَاهر إِن قَالَت الْأَطِبَّاء إِنَّه مؤذ وَأما النَّحْر لغير مأكله فَفِيهِ وَقْفَة وَالَّذِي يَنْبَغِي عُمُوم الْقَتْل كَقَتل سَائِر المضرات لَا خُصُوص النَّحْر(5/289)
513 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي الْعَلَاء الْمَعْرُوف بالمصيصي أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي
فَقِيه فَرضِي من أَصْحَاب القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ(5/290)
ولد فِي رَجَب سنة أَرْبَعمِائَة بِمصْر وَسمع بهَا وبدمشق وبغداد من جمَاعَة وروى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَجَمَاعَة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
514 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن المزوج أَبُو الْحسن الشِّيرَازِيّ
سمع من الْخَطِيب وَغَيره
روى عَنهُ أَبُو البركات بن السَّقطِي
وَقَالَ مَاتَ فِي طاعون سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
515 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ الآملي
من آمل طبرستان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا وَحدث
وَسمع بِبَلَدِهِ عبد الله بن جَعْفَر الجناري الْحَافِظ وببغداد أَبَا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَابْن النقور
روى عَنهُ ابْن أَخِيه أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أميركا القَاضِي بطبرستان(5/291)
وَقد اشْترك أَبُو الْحسن هَذَا وإلكيا الإِمَام فِي الِاسْم والكنية وَاسم الْأَب وَالْجد والطبرستية وَهُوَ أسن من إِلْكيَا فَإِنَّهُ سمع إملاء الْحَافِظ الجناري سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ومولد إِلْكيَا سنة خمسين
516 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْقَاسِم الْبَيْضَاوِيّ ابْن أبي الْحسن بن أبي عبد الله سبط القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ
مَاتَ شَابًّا فِي شهر رَمَضَان سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة قبل وَالِده
517 - عَليّ بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أبوالحسن الْفَقِيه
قَالَ عبد الغافر ظريف فَاضل من أَرْكَان أَصْحَاب الشَّافِعِي توفّي فِي نَيف وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
518 - عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الطلحي الْكُوفِي
نزيل نيسابور
فَقِيه أديب شَاعِر
قَالَ الْحَاكِم(5/292)
519 - عَليّ بن مُحَمَّد وَقيل عَليّ بن أَحْمد
ثمَّ قيل اسْم جده حُسَيْن بن يُوسُف بن عبد الْعَزِيز وَقيل الْحسن
هُوَ أديب زَمَانه أَبُو الْفَتْح البستي قَالَ الْحَاكِم هُوَ وَاحِد عصره حَدثنِي أَنه سمع الْكثير من أبي حَاتِم بن حبَان
روى عَنهُ الْحَاكِم وَأَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي وَالْحُسَيْن بن عَليّ البردعي
قَالَ الْحَاكِم ورد نيسابور غير مرّة فَأفَاد حَتَّى أقرّ لَهُ الْجَمَاعَة بِالْفَضْلِ
قلت هُوَ من بست بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان السِّين وَآخِرهَا التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
كَانَ أديبا مُطلقًا نظما ونثرا وَله فِي الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ مدائح كَثِيرَة
كَانَ صديقا لبلدية أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ
قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ على ذَلِك من الشُّعَرَاء الَّذين هم فِي كل وَاد يهيمون وَلكُل برق يشيمون فَلذَلِك جَاءَ عَنهُ فِي تَحْلِيل النَّبِيذ أَبْيَات ولتزكية الكرامية أَبْيَات وَلَكِن عِنْدَمَا علت بخراسان كلمتهم وشاكت أهل السّنة شوكتهم
مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة ببخارى(5/293)
وَمن نثره من أصلح فاسده أرْغم حاسده
عادات السادات سَادَات الْعَادَات
لم يكن لنا طمع فِي دَرك دَرك فأعفنا من شرك شرك
يَا جهل من كَانَ على السُّلْطَان مدلا وللإخوان مذلا
إِذا صَحَّ مَا قاتك فَلَا تيأس على مَا فاتك
المعاسرة ترك المعاسرة
من سَعَادَة جدك وقوفك عِنْد حدك
وَمن شعره أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن بن دَاوُد الْكرْدِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر بن سلفة أخبرنَا الإِمَام أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ أخبرنَا الإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي بنيسابور أنشدنا أَبُو الْفَتْح البستي لنَفسِهِ قَالَ
(كل الذُّنُوب فَإِن الله يغفرها ... إِن شيع الْمَرْء إخلاص وإيمان)
(وكل كسر فَإِن الله يجْبرهُ ... وَمَا لكسر قناة الدّين جبران)
قلت وَهَذَانِ البيتان من كلمة طيبَة لأبي الْفَتْح تسمى عنوان الحكم مطْلعهَا
(زِيَادَة الْمَرْء فِي دُنْيَاهُ نُقْصَان ... وَربحه غير مَحْض الْخَيْر خسران)
(وكل وجدان حَظّ لَا ثبات لَهُ ... فَإِن مَعْنَاهُ فِي التَّحْقِيق فقدان)(5/294)
(يَا عَامِرًا لخراب الدَّار مُجْتَهدا ... بِاللَّه هَل لخراب الْعُمر عمرَان)
(وَيَا حَرِيصًا على الْأَمْوَال يجمعها ... أقصر فَإِن سرُور المَال أحزان)
(دع الْفُؤَاد عَن الدُّنْيَا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران)
(وأرع سَمعك أَمْثَالًا أفصلها ... كَمَا يفصل ياقوت ومرجان)
(أحسن إِلَى النَّاس تستعبد قُلُوبهم ... فطالما استعبد الْإِنْسَان إِحْسَان)
(وَإِن أَسَاءَ مسيء فَلْيَكُن لَك فِي ... عرُوض زلته صفح وغفران)
(وَاشْدُدْ يَديك بِحَبل الله معتصما ... فَإِنَّهُ الرُّكْن إِن خانتك أَرْكَان)
(من اسْتَعَانَ بِغَيْر الله فِي طلب ... فَإِن ناصره عجز وخذلان)
(من جاد بِالْمَالِ مَال النَّاس قاطبة ... إِلَيْهِ وَالْمَال للْإنْسَان فتان)
(من سَالم النَّاس يسلم من غوائلهم ... وعاش وَهُوَ قرير الْعين جذلان)
(وَالنَّاس أعوان من واتته دولته ... وهم عَلَيْهِ إِذا خانته أعوان)
(يَا ظَالِما فَرحا بالسعد ساعده ... إِن كنت فِي سنة فالدهر يقظان)
(لَا تحسبن سُرُورًا دَائِما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان)
(لَا تغترر بشباب رائق خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شُبَّان)
(وَيَا أَخا الشيب لَو ناصحت نَفسك لم ... يكن لمثلك فِي اللَّذَّات إمعان)
(هَب الشبيبة تبدي عذر صَاحبهَا ... مَا عذر أشيب يستهويه شَيْطَان)(5/295)
وَله أَيْضا
(إِذا بَرى قَلما يَوْمًا ليعمله ... تَقول هز غَدَاة الروع عَامله)
(وَإِن أقرّ على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ)
وَله أَيْضا
(إِذا قنعت بميسور من الْقُوت ... بقيت فِي النَّاس حرا غير ممقوت)
(يَا قوت يومي إِذا مَا در خَلفك لي ... فلست آسى على در وَيَاقُوت)
520 - عَليّ بن المظفر بن حَمْزَة بن زيد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد الْعلوِي الْحُسَيْنِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي يعلى الدبوسي
من أهل دبوسية بَلْدَة بَين بُخَارى وسمرقند
وَهُوَ من ذُرِّيَّة الْحُسَيْن الْأَصْغَر بن زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ(5/296)
كَانَ إِمَامًا جليل الْقدر فِي الْفِقْه وَالْأُصُول واللغة والنحو وَالنَّظَر والجدل
أمْلى مجَالِس بِبَغْدَاد
سمع أَبَا عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْقَنْطَرِي وَأَبا سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَأَبا مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد البَجلِيّ وَجَمَاعَة
روى عَنهُ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَأَبُو غَانِم مظفر البروجردي وَأَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَقَالَ فِيهِ إِمَام الشَّافِعِيَّة والقائم بِالْمَدْرَسَةِ النظامية كَانَ متوحدا متفردا قَرَأَ الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول واللغة الْعَرَبيَّة وَكَانَ قطبا فِي الِاجْتِهَاد وَله التَّوَسُّع فِي الْكَلَام والفصاحة والجدل وَالْخِصَام أقوم النَّاس بالمناظرة وَتَحْقِيق الدُّرُوس وَكَانَ موفقا فِي فتواه وَقد شاهدت لَهُ مقامات فِي النّظر أبان فِيهَا عَن كِفَايَة وَفضل وافر جمل فِيهَا آل أبي طَالب
وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء كَامِل الْمعرفَة بالفقه وَالْأُصُول وَله يَد قَوِيَّة فِي الْأَدَب وَبَاعَ ممتد فِي المناظرة وَمَعْرِفَة الْخلاف وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والعفاف وَحسن الْخلق والخلق
قدم بَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة للتدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية فدرس بهَا يَوْم الْأَحَد مستهل جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة وَلم يزل على التدريس إِلَى حِين وَفَاته
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت من أَثِق بِهِ يَقُول تكلم الدبوسي مَعَ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ بنيسابور فِي مَسْأَلَة فآذاه أَصْحَاب أبي الْمَعَالِي حَتَّى خَرجُوا إِلَى المخاشنة فَاحْتمل الدبوسي وَمَا قابلهم بِشَيْء وَخرج إِلَى أَصْبَهَان فاتفق خُرُوج أبي المعالى إِلَيْهَا فِي أَثَره فِي مُهِمّ يرفعهُ إِلَى نظام الْملك فَجرى بَينهمَا مَسْأَلَة بِحَضْرَة الْوَزير نظام الْملك فَظهر كَلَام الدبوسي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَيْن كلابك الضارية توفّي السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة(5/297)
وَكَانَ قد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الشَّافِعِيَّة مَعَ التفنن فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَحسن المعتقد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار الْحَافِظ أَنبأَنَا شهَاب الْحَاتِمِي بهراة أنشدنا عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أنشدنا عبد الرَّحْمَن بن الْحسن ابْن عَليّ الشرابي أنشدنا أَبُو الْقَاسِم الدبوسي لنَفسِهِ
(أَقُول بنصح يَا ابْن دنياك لَا تنم ... عَن الْخَيْر مَا دَامَت فَإنَّك عادم)
(وَإِن الَّذِي لم يصنع الْعرف فِي غنى ... إِذْ مَا علاهُ الْفقر لَا شكّ نادم)
(فَقدم صنيعا عِنْد يَسُرك واغتنم ... فَأَنت عَلَيْهِ عِنْد عسرك قادم)
521 - عَليّ بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَم إِمَام الْحَرَمَيْنِ
رَحل فِي طلب الْعلم وَسمع الْكثير وَعقد لَهُ مجْلِس إملاء بخراسان
قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ الْمَعْرُوف بشيخ الْحجاز صوفي لطيف ظريف فَاضل مشتغل بِالْعلمِ والْحَدِيث صنف كتابا حسنا فِي علم الصُّوفِيَّة مُرَتبا مبوبا سَمَّاهُ كتاب السلوة
قَالَ وَسمع أَبَا نعيم عبد الْملك بن الْحسن الإسفرايني وَأَبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن عمر بن النّحاس وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَأَبا عبد الله مُحَمَّد(5/298)
ابْن الْفضل بن نظيف الْفراء وَطَائِفَة بنيسابور وبغداد وَمَكَّة ومصر
روى عَنهُ الإِمَام مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وزاهر ووجيه ابْنا طَاهِر الشحامي وَغَيرهم
مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
523 - عمر بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بجاد بن مُوسَى بن سعد ابْن أبي وَقاص صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا سَاق نسبه الْخَطِيب وضبب الْمزي فَوق مُوسَى هُوَ أَبُو طَالب الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن حمامة
سمع ابْن مَالك الْقطيعِي وَأَبا مُحَمَّد بن ماسي وَأَبا الْقَاسِم الداركي وَأَبا بكر ابْن شَاذان وَأَبا حَفْص بن الزيات وَغَيرهم
قَالَ الشَّيْخ درس على الداركي وَله مصنفات فِي الْمَنَاسِك حَسَنَة
قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة قَالَ وَقَالَ لنا أهل الْمعرفَة بِالنّسَبِ يَقُولُونَ فِي نسبي نجاد بن مُوسَى بالنُّون وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بجاد الْبَاء
مولده سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة(5/299)
وَمَات فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة من سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
522 - عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبدويه بن سدوس بن عَليّ بن عبد الله ابْن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ الْحَافِظ أَبُو حَازِم العبدوي الْأَعْرَج النَّيْسَابُورِي
أحد حفاظ خُرَاسَان
سَمعه أَبوهُ من أبي الْعَبَّاس الصبغي وَأبي عَليّ الرفاء وطبقتهما فَلم يحدث عَنْهُم تورعا وَقَالَ لست أذكرهم
وَسمع هُوَ بِنَفسِهِ من إِسْمَاعِيل بن نجيد وَمُحَمّد بن عبد الله بن عَبده السليطي وَأبي عَمْرو بن مطر وَأبي الْفضل بن خميرويه الْهَرَوِيّ وَأبي الْحسن السراج وَأبي أَحْمد الغطريفي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَبشر بن أَحْمد الإسفرايني وطبقتهم
سمع مِنْهُ أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس وَأحمد بن الآبنوسي كِلَاهُمَا بِبَغْدَاد سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَأَبُو الْقَاسِم التنوخي والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو عبد الله الثَّقَفِيّ وخلائق
قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ الْكثير وَكَانَ ثِقَة عَارِفًا صَادِقا حَافِظًا يسمع النَّاس بإفادته ويكتبون بانتخابه(5/300)
وَذكر عبد الغافر فِي السِّيَاق أَن أَبَا صَالح الْمُؤَذّن قَالَ سَمِعت أَبَا حَازِم يَقُول كتبت بخطي عَن عشرَة من شيوخي عشرَة آلَاف جُزْء عَن كل شيخ ألف جُزْء
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن السَّمرقَنْدِي سَمِعت أَبَا بكر الْخَطِيب يَقُول لم أر أحدا أطلق عَلَيْهِ اسْم الْحِفْظ غير رجلَيْنِ أَبُو نعيم وَأَبُو حَازِم العبدوي
توفّي الْحَافِظ أَبُو حَازِم يَوْم عيد الْفطر سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
524 - عمر بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الفاشاني الْمروزِي الشَّيْخ الإِمَام أَبُو طَاهِر
ولد سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي جَعْفَر السمناني صَاحب القَاضِي أبي بكر وَسمع بِالْبَصْرَةِ سنَن أبي دَاوُد من القَاضِي أبي عمر الْهَاشِمِي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا فَقِيها بارعا متكلما مفلقا وَكَانَت لَهُ معرفَة بالتواريخ وَأَيَّام النَّاس وَغلب غليه علم الْأُصُول وَالْكَلَام حَتَّى عرف بِهِ
وَحدث عَنهُ الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء وَغَيره
توفّي بمرو فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وقبر بقريته فاشان بِالْفَاءِ والشين الْمُعْجَمَة وَهِي من قرى مرو(5/301)
525 - عمر بن عبد الْملك بن عمر بن خلف بن عبد الْعَزِيز الرزاز أَبُو الْقَاسِم الزَّاهِد
أحد عدُول بَغْدَاد وفقهائها
سمع من أبي الْحسن بن رزقويه وَأبي عَليّ بن شَاذان وَعبد الْكَرِيم بن بَشرَان وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيره
مولد سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
526 - عمر بن على بن أَحْمد بن أَحْمد أَبُو حَفْص الزنجانى تفقه على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد السمناني وَسمع مِنْهُمَا الحَدِيث
وَسمع بِدِمَشْق أَبَا نصر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن طلاب وَحدث بِدِمَشْق وصور وبغداد وَغَيرهمَا
واستوطن بِالآخِرَة بَغْدَاد إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن جُمَادَى الأولى سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بِجَانِب ابْن سُرَيج(5/302)
527 - عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو الْمَعَالِي
وَهُوَ الْمُؤَيد بن القَاضِي أبي عمر البسطامي وسبط الإِمَام الْجَلِيل أبي الطّيب الصعلوكي
سمع أَبَا الْحُسَيْن الْخفاف وَأَبا الْحسن الْعلوِي وأملى مجَالِس
روى عَنهُ سبطه هبة الله بن سهل السيدي وزاهر ووجيه ابْنا طَاهِر الشحامي
وَغَيرهم
مَاتَ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
528 - غَانِم بن عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحِيم أَبُو سكر الْأَصْبَهَانِيّ
إِمَام جَامع أَصْبَهَان
أحد الْعلمَاء
سمع مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْجِرْجَانِيّ
روى عَنهُ الرستمي وَجَمَاعَة
توفّي فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
529 - الْفضل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رامغان بن عَليّ ابْن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بالبصري
من أهل أهل طبرستان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ غزير الْفضل وافر الْعقل تفقه على الْفَقِيه أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن(5/303)
حَامِد الشَّاشِي بغزنة وَأقَام بهَا مُدَّة وسافر إِلَى ديار مصر وَالشَّام وَأقَام بِمَكَّة
وَسمع بِبَغْدَاد من القَاضِي أبي الطّيب وَسمع من جمَاعَة غَيره
روى عَنهُ الإِمَام أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ وَغَيره
ولد فِي شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمة
الْفضل بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بشر بن أبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ
ذكره أَبُو حَفْص المطوعي فِي الْمَذْهَب بعد ذكر أَبِيه وَقَالَ فِيهِ فَاضل ملْء ثَوْبه مفضل ملْء كَفه ضَارب فِي الإسماعيلية بعروقه
وَذكره أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فَقَالَ وَمِنْهُم القَاضِي أَبُو بشر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَهُوَ الحاكي فِي الْمَبِيع وَفِيه خِيَار الرُّؤْيَة إِذا مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين أَو جن قبل الرُّؤْيَة أَنه يَنْفَسِخ العقد
530 - الْفضل بن مُحَمَّد بن عَليّ الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عَليّ الفارمذي
من أهل طوس
وفارمذ إِحْدَى قراها وَهِي بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء بَينهمَا الْألف ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة فِيمَا ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد تسكن ثمَّ ذال مُعْجمَة
سمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن باكويه الشِّيرَازِيّ وَأبي مَنْصُور(5/304)
التَّمِيمِي وَأبي حَامِد الْغَزالِيّ الْكَبِير وَأبي عبد الرَّحْمَن النيلي وَأبي عُثْمَان الصَّابُونِي وَغَيرهم
روى عَنهُ عبد الغافر الْفَارِسِي وَعبد الله بن عَليّ الخركوشي وَعبد الله بن مُحَمَّد الْكُوفِي الْعلوِي وَأَبُو الْخَيْر جَامع الشِّفَاء وَآخَرُونَ
مولده فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه على الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ الْكَبِير صَاحب التصانيف
ذكره عبد الغافر فَقَالَ هُوَ شيخ فِي عصره الْمُنْفَرد بطريقته فِي التَّذْكِير الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا فِي عِبَارَته وتهذيبه وَحسن أدبه ومليح استعارته ودقيق إِشَارَته ورقة أَلْفَاظه وَوَقع كَلَامه فِي الْقُلُوب
دخل نيسابور وَصَحب زين الْإِسْلَام أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأخذ فِي الِاجْتِهَاد الْبَالِغ وَكَانَ ملحوظا من الْقشيرِي بِعَين الْعِنَايَة موقرا عَلَيْهِ من طَرِيق الْهِدَايَة وَقد مارس فِي الْمدرسَة أنواعا من الْخدمَة وَقعد سِنِين فِي التفكر وَعبر قناطر المجاهدة حَتَّى فتح عَلَيْهِ لوامع من أنوار الْمُشَاهدَة ثمَّ عَاد إِلَى طوس واتصل بالشيخ أبي الْقَاسِم الكركاني الزَّاهِد مصاهرة وصحبة وَجلسَ للتذكير وَعفى على من كَانَ قبله بطريقته بِحَيْثُ لم يعْهَد قبله مثله فِي التَّذْكِير وَصَارَ من مذكوري الزَّمَان ومشهوري الْمَشَايِخ ثمَّ قدم نيسابور وَعقد الْمجْلس وَوَقع كَلَامه فِي الْقُلُوب وَحصل لَهُ قبُول عِنْد نظام الْملك خَارج عَن الْحَد وَكَذَلِكَ عِنْد الْكِبَار وَسمعت مِمَّن أَثِق بِهِ أَن الصاحب(5/305)
خدمه بأنواع من الْخدمَة حَتَّى تعجب الْحَاضِرُونَ مِنْهُ وَكَانَ ينْفق على الصُّوفِيَّة أَكثر مَا يفتح لَهُ بِهِ وَكَانَ مقصدا من الأقطار للصوفية والغرباء والطارئين بالإرادة وَكَانَ لِسَان الْوَقْت
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ لِسَان خُرَاسَان وشيخها وَصَاحب الطَّرِيقَة الْحَسَنَة من تربية المريدين وَالْأَصْحَاب وَكَانَ مجْلِس وعظه على مَا ذكرت رَوْضَة فِيهَا أَنْوَاع من الأزهار
توفّي بطوس فِي ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
قلت صَحبه حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة
531 - فضل الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الميهني
وَمِنْهُم من يُسَمِّيه الْفضل وإياه أورد السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي التَّارِيخ وَالَّذِي أوردناه أشبه بِالصَّوَابِ
هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد التقي الْوَلِيّ ذُو الكرامات الباهرات والآيات الظاهرات أَبُو سعيد بن أبي الْخَيْر
روى عَن زَاهِر بن أَحْمد السَّرخسِيّ الْفَقِيه وَغَيره
روى عَنهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأَبُو الْقَاسِم سلمَان بن نَاصِر الْأنْصَارِيّ وَالْحسن بن أبي طَاهِر الجيلي وَعبد الْغفار الشيرويي وَآخَرُونَ(5/306)
وَكَانَ صَحِيح الِاعْتِقَاد حسن الطَّرِيقَة أَحْوَاله تبهر الْعُقُول اهْتَدَى بِهِ فرق من النَّاس وجالس أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ
ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ شيخ الْوَقْت أَبُو سعيد بن أبي الْخَيْر الميهني مقدم شُيُوخ الصُّوفِيَّة وَأهل الْمعرفَة فِي وقته سني الْحَال عَجِيب الشان أوحد الزَّمَان لم ير فِي طَرِيقَته مثله مجاهدة فِي الشَّبَاب وإقبالا على الْعَمَل وتجردا عَن الْأَسْبَاب وإيثارا للخلوة ثمَّ انفرادا عَن الأقران فِي الكهولة والمشيب واشتهارا بالإصابة فِي الفراسة وَظُهُور الكرامات والعجائب
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ صَاحب كرامات وآيات
توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة بقريته ميهنه
قلت وَمَعَ صِحَة اعْتِقَاده لم يسلم من كَلَام الشَّيْخ ابْن حزم بل تكلم فِيهِ بِغَيْر حق وَتَبعهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ تقليدا فَقَالَ فِي اعْتِقَاده شَيْء تكلم فِيهِ ابْن حزم
انْتهى
قلت لم يظْهر لنا وَلم يثبت عَنهُ إِلَّا صِحَة الِاعْتِقَاد وَلكنه أشعري صوفي فَمن ثمَّ نَالَ مِنْهُ الرّجلَانِ وباءا بإثمه
وَمِمَّا يُؤثر من كراماته وَمن فَوَائده وَمن الرِّوَايَة عَنهُ قَالَ أَبُو سعيد التصوف طرح النَّفس فِي الْعُبُودِيَّة وَتعلق الْقلب بالربوبية وَالنَّظَر إِلَى الله بِالْكُلِّيَّةِ(5/307)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _(5/308)
532 - الفضيل بن يحيى بن الفضيل أَبُو عَاصِم الفضيلي الْهَرَوِيّ الْفَقِيه
رَاوِي الْمِائَة وَغَيرهَا عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي شُرَيْح وأقرانه(5/309)
مولده سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
روى عَن أبي عَليّ مَنْصُور بن عبد الله الخالدي وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهمَا
روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت وَغَيره
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها مزكيا صَدُوقًا ثِقَة عمر حَتَّى حمل عَنهُ الْكثير توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
533 - الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن عبد الْوَاحِد بن جَعْفَر ابْن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب القَاضِي أَبُو عمر الْهَاشِمِي الْبَصْرِيّ
رَاوِي سنَن أبي دَاوُد
ولد فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة
سمع عبد الغافر بن سَلامَة الْحِمصِي وَأَبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَثْرَم وَعلي ابْن إِسْحَاق المادرائي وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن الزَّعْفَرَانِي الوَاسِطِيّ وَالْحُسَيْن بن يحيى بن عَيَّاش الْقطَّان وَيزِيد بن إِسْمَاعِيل الْخلال صَاحب الرَّمَادِي وَأَبا عَليّ اللؤْلُؤِي وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْفَسَوِي وَجَمَاعَة
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو عَليّ الوخشي وهناد بن إِبْرَاهِيم النَّسَفِيّ وسليم(5/310)
ابْن أَيُّوب الرَّازِيّ وَالْمُسَيب بن مُحَمَّد الأرغياني وَأَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن شغبة وجعفر بن مُحَمَّد العبداني وَآخَرُونَ
وَعنهُ أحضرني وَالِدي سَماع سنَن أبي دَاوُد وَأَنا ابْن ثَمَانِي سِنِين فَأثْبت حضوري وَلم يثبت السماع ثمَّ أحضرني وَأَنا ابْن تسع فَأثْبت حضوري وَلم يثبت السماع ثمَّ سَمِعت وَأَنا ابْن عشر سِنِين فَأثْبت حِينَئِذٍ سَمَاعي
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو عمر ثِقَة أَمينا ولي الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ وَسمعت مِنْهُ بهَا سنَن أبي دَاوُد وَغَيرهَا
مَاتَ فِي تَاسِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
534 - الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عبيد الله أَبُو الْحُسَيْن بن السوادي الوَاسِطِيّ الْفَقِيه
نزل نيسابور
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ من أَرْكَان الْفُقَهَاء المكثرين الحافظين للْمَذْهَب وَالْخلاف
تفقه بواسط وببغداد على القَاضِي أبي الطّيب ثمَّ خرج إِلَى نيسابور ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المشطبية
قَالَ وَكَانَت لَهُ يَد قَوِيَّة فِي النّظر ويحضر الْمجَالِس ويناطح الْخُصُوم وَكَانَ يحفظ طَريقَة الْعِرَاقِيّين
سمع الحَدِيث بواسط وَالْبَصْرَة وبغداد ومصر
فَمن شُيُوخه أَبُو عَليّ بن شَاذان وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء وَغَيرهمَا(5/311)
روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ وَغَيره وأضر فِي آخر عمره
توفّي فَجْأَة فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَله سبع وَثَمَانُونَ سنة
535 - المحسن بن عِيسَى بن شهفيروز أَبُو طَالب الْبَغْدَادِيّ
حدث عَن الْمعَافى بن زَكَرِيَّا الْجريرِي وَأبي طَاهِر المخلص
توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
536 - مَحْمُود بن الْحسن بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن عِكْرِمَة بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ الطَّبَرِيّ الإِمَام الْعلم أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الْوُجُوه هُوَ أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي
من مَدِينَة آمل طبرستان
تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَقَرَأَ الْفَرَائِض على ابْن اللبان وَالْأُصُول على القَاضِي أبي بكر بن الباقلاني
وَله المصنفات الْكَثِيرَة وَالْوُجُوه المسطورة
وَمن مصنفاته تَجْرِيد التَّجْرِيد الَّذِي أَلفه رَفِيقه الْمحَامِلِي
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ لم أنتفع بِأحد فِي الرحلة كَمَا انتفعت بِهِ وبالقاضي أبي الطّيب(5/312)
قَالَ وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب وَالْخلاف صنف كتبا كَثِيرَة فِي الْخلاف والمذاهب والاصول والجدل ودرس بِبَغْدَاد وآمل وَتُوفِّي بآمل
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرناأبو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الذَّهَبِيّ الْحَافِظ وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الْمُحدث بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا قَرَأنَا على على بن أَحْمد الْعِرَاقِيّ أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي بِبَغْدَاد قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ أخبرنَا الشَّيْخ الامام أَبُو الْفرج مُحَمَّد ابْن محمودبن الْحسن بن محمدبن يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة بن أنس ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ قدم علينا بَغْدَاد قَالَ أخبرنَا وَالِدي أَبُو حَاتِم مَحْمُود بن الْحسن الْقزْوِينِي الشَّافِعِي أخبرنَا ابو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الصَّلْت حَدثنَا أَبُو اسحق ابراهيم بن عبد الصَّمد الْهَاشِمِي لسبع بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة املاء حَدثنَا أَبُو مُصعب أَحْمد بن أبي بكر الزُّهْرِيّ عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن انس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا تباغضوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تدابروا وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا وَلَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث لَيَال)
وَمن الغرائب عَنهُ
قَالَ فِي تَجْرِيد التَّجْرِيد فِي فصل السُّجُود فِي الصَّلَاة ويخفف فِي الدُّعَاء إِن كَانَ إِمَامًا
انْتهى(5/313)
وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الإِمَام يَدْعُو فِي السُّجُود وَهُوَ الصَّوَاب لما فِي الصَّحِيحَيْنِ من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي)
والْحَدِيث صَرِيح فِي أَنه يَدْعُو فِي الرُّكُوع أَيْضا وَرُبمَا أفهمت عبارَة الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ أَن لَا دُعَاء فِي الرُّكُوع وَأَنه لَا يَدْعُو فِي السُّجُود إِلَّا الْمُنْفَرد وَلَيْسَ كَذَلِك وَالْمرَاد أَن لَا يتَأَكَّد إِلَّا فِي السُّجُود وَلَا يَنْبَغِي تطويله فِيهِ إِلَّا للمنفرد وَأما إخلاء السُّجُود عَن الدُّعَاء مُطلقًا وَهُوَ أقرب مَا يكون العَبْد من ربه فَلَا يكَاد يَقُول بِهِ قَائِل
وَالله تَعَالَى أعلم
ذكر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّلَاة فِي التَّشَهُّد
حكى أَبُو حَاتِم وَجْهَيْن فِي كتاب تَجْرِيد التَّجْرِيد فِي أَنه هَل يتَعَيَّن الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد وَذكر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن يَقُول كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره أَو يَكْفِي قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد قلت وَلَعَلَّ التَّعْيِين أرجح وَإِن كَانَ غَرِيبا فِي النَّقْل لأَنهم قَالُوا كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا كَذَلِك
537 - مَحْمُود بن سبكتكين السُّلْطَان الْكَبِير
أَبُو الْقَاسِم سيف الدولة بن الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي مَنْصُور أحد أَئِمَّة الْعدْل وَمن دَانَتْ لَهُ الْبِلَاد والعباد وَظَهَرت محَاسِن آثاره(5/314)
وَكَانَ يلقب قبل السلطنة سيف الدولة وَأما بعْدهَا فلقب بِيَمِين الدولة
وَبِهَذَا اللقب سمي الْكتاب اليميني الَّذِي صنفه أَبُو النَّصْر مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الْعُتْبِي فِي سيرة هَذَا السُّلْطَان وَأهل خوارزم وَمَا والاها يعتنون بِهَذَا الْكتاب ويضبطون أَلْفَاظه أَشد من اعتناء أهل بِلَادنَا بمقامات الحريري
كَانَ هَذَا السُّلْطَان إِمَامًا عادلا شجاعا مفرطا فَقِيها فهما سَمحا جوادا سعيدا مؤيدا
وَقد اعْتبرت فَوجدت أَرْبَعَة لَا خَامِس لَهُم فِي الْعدْل بعد عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن يكون بعض أنَاس لم تطل لَهُم مُدَّة وَلَا ظَهرت عَنْهُم آثَار ممتدة وهم سلطانان وَملك ووزيره فِي الْعَجم وهما هَذَا السُّلْطَان والوزير نظام الْملك وَبَينهمَا فِي الزَّمَان مُدَّة وسلطان وَملك فِي بِلَادنَا وهما السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فاتح بَيت الْمُقَدّس وَقَبله الْملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي الشَّهِيد وَلَا أَسْتَطِيع أَن أُسَمِّيهِ سُلْطَانا لِأَنَّهُ لم يسم بذلك
وَسبب هَذَا أَن مصطلح الدول أَن السُّلْطَان من ملك إقليمين فَصَاعِدا فَإِن كَانَ لَا يملك إِلَّا إقليما وَاحِدًا سمي بِالْملكِ وَإِن اقْتصر على مَدِينَة وَاحِدَة لَا يُسمى لَا بِالْملكِ وَلَا بالسلطان بل بأمير الْبَلَد وصاحبها وَمن ثمَّ يعرف خطأ كتاب زَمَاننَا حَيْثُ يسمون صَاحب حماة سُلْطَانا وَلَا يَنْبَغِي أَن يُسمى لَا سُلْطَانا وَلَا ملكا لِأَن حكمه لَا يعدوها فكأنهم خَرجُوا عَن المصطلح وَمن شَرط السُّلْطَان أَلا يكون فَوق يَده يَد وَكَذَلِكَ الْملك وَلَا كَذَلِك صَاحب الْبَلدة الْوَاحِدَة فَإِن السُّلْطَان يحكم عَلَيْهِ وَأما حكم السُّلْطَان على الْملك وَعدم حكمه فيختلف باخْتلَاف الْقُوَّة والضعف ثمَّ نور الدّين خطب لَهُ على مَنَابِر ديار مصر لما افتتحها صَلَاح الدّين وَبِهَذَا سمي بالسلطان وَلذَلِك قَالَ بعض من امتدحه إِذْ ذَاك(5/315)
وملكت إقليمين ثمت ثَالِثا فَدُعِيت بعد الْملك بالسلطان
عدنا إِلَى ذكر يَمِين الدولة فَنَقُول كَانَ أَولا حَنَفِيّ الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي لما صلى الْقفال بَين يَدَيْهِ صَلَاة لَا يجوز الشَّافِعِي دونهَا وَصَلَاة لَا يجوز أَبُو حنيفَة دونهَا
وَقد سَاق الْقفال الْحِكَايَة فِي فَتَاوِيهِ ثمَّ حَكَاهَا من بعده إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَغَيره
شرح مبدأ حَاله
كَانَ وَالِده سبكتكين قد ورد بُخَارى فِي أَيَّام الْأَمِير نوح بن نصر الساماني فَعرفهُ كبراء تِلْكَ الدولة بالشجاعة والشهامة وتوسموا فِيهِ الرّفْعَة وَكَانَ قدومه صُحْبَة ابْن ألبتكين فَخرج ابْن ألبتكين إِلَى غزنة أَمِيرا عَلَيْهَا وَخرج سبكتكين فِي خدمته فَلم يلبث ابْن ألبتكين أَن توفّي وَاحْتَاجَ النَّاس إِلَى من يتَوَلَّى أَمرهم فاتفقوا على سبكتكين وأمروه عَلَيْهِم فَتمكن وَأخذ فِي الإغارات على أَطْرَاف الْهِنْد وَجَرت بَينه وَبَين الهنود حروب وعظمت سطوته وافتتح قلاعا منيعة وَفتح نَاحيَة بست واتصل بِهِ أَبُو الْفَتْح البستي الْكَاتِب فاعتمد عَلَيْهِ وَأسر إِلَيْهِ أُمُوره ثمَّ مرض سبكتكين ببلخ فاشتاق إِلَى غزنة فسافر إِلَيْهَا فَمَاتَ فِي الطَّرِيق سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَجعل ولي عَهده وَلَده إِسْمَاعِيل وَكَانَ مَحْمُود غَائِبا ببلخ فَلَمَّا بلغه نعي أَبِيه كتب إِلَى أَخِيه ولاطفه على أَن يكون بغزنة وَأَن يكون مَحْمُود بخراسان فَلم يُوَافق إِسْمَاعِيل(5/316)
قَالَ النقلَة وَكَانَ إِسْمَاعِيل جَبَانًا فطمع فِيهِ الْجند وشغبوا عَلَيْهِ وطالبوه بالعطاء فأنفق فيهم الخزائن فَدَعَا مَحْمُود عَمه إِلَى مُوَافَقَته فَأَجَابَهُ
وَكَانَ الْأَخ الثَّالِث نصر بن سبكتكين أَمِيرا على بست فكاتبه مَحْمُود فَأَجَابَهُ فقوي بِعَمِّهِ وأخيه وَقصد غزنه فِي جَيش عَظِيم وحاصرها إِلَى أَن افتتحها وَأنزل أَخَاهُ من قلعتها بالأمان ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلخ وَحبس أَخَاهُ بِبَعْض الْحُصُون حبسا خَفِيفا ووسع عَلَيْهِ فِي النفقه والخدم
وَكَانَ فِي خُرَاسَان نواب لصَاحب مَا وَرَاء النَّهر من الْمُلُوك السامانية فحاربهم مَحْمُود وانتصر عَلَيْهِم وَاسْتولى على ممالك خُرَاسَان وانقطعت الدولة السامانية فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ فسير إِلَيْهِ الْقَادِر بِاللَّه خلعة السلطنة وَعظم ملكه وَفرض على نَفسه كل سنة غَزْو الْهِنْد فَافْتتحَ مِنْهَا بلادا وَاسِعَة وَكسر الصَّنَم الْمَعْرُوف بسومنات وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنه يحيي وَيُمِيت ويقصدونه من الْبِلَاد وافتتن بِهِ أُمَم لَا يُحصونَ وَلم يبْق ملك وَلَا ذُو ثروة إِلَّا وَقد قرب لَهُ قربانا من نَفِيس مَاله حَتَّى بلغت أوقافه عشرَة آلَاف قَرْيَة وامتلأت خزائنه من أَصْنَاف الْأَمْوَال والجواهر وَكَانَ فِي خدمَة الصَّنَم ألف رجل من البراهمة يخدمونه وثلاثمائة رجل يحلقون رُؤُوس الْحجَّاج إِلَيْهِ ولحاهم عِنْد الْقدوم وثلاثمائة رجل وَخَمْسمِائة امْرَأَة يغنون ويرقصون عِنْد بَابه وَكَانَ بَين بِلَاد الْإِسْلَام والقلعة الَّتِي فِيهَا هَذَا الوثن مسيرَة شهر فِي مفازة صعبة فِي نِهَايَة الْمَشَقَّة فَسَار إِلَيْهَا السُّلْطَان مَحْمُود فِي ثَلَاثِينَ ألف فَارس جَرِيدَة وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال الجزيلة فَأتوا القلعة فوجدوها منيعة فسهل الله عَلَيْهِ وافتتحها فِي ثَلَاثَة أَيَّام ودخلوا هيكل الصَّنَم فَإِذا حوله من أَصْنَاف(5/317)
الْأَصْنَام الذَّهَب وَالْفِضَّة المرصعة بالحواهر شَيْء كثير مُحِيط بِعَرْشِهِ يَزْعمُونَ أَنَّهَا الْمَلَائِكَة فأحرقوا الصَّنَم الْأَعْظَم ووجدوا فِي أُذُنَيْهِ نيفا وَثَلَاثِينَ حَلقَة فَسَأَلَهُمْ مَحْمُود عَن معنى ذَلِك فَقَالُوا لَهُ كل حَلقَة عبَادَة ألف سنة
وَعَاد مَحْمُود مظفرا منصورا وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه كتابا يشْرَح فِيهِ الْحَال وَيَقُول فِيهِ لقد كَانَ العَبْد يتَمَنَّى قلع هَذَا الصَّنَم ويتعرف الْأَحْوَال فتوصف لَهُ المفاوز إِلَيْهِ وَقلة المَاء وَكَثْرَة الرمال فاستخار العَبْد الله فِي الانتداب لهَذَا الْوَاجِب طلبا لِلْأجرِ ونهض فِي شعْبَان سنة سِتّ عشرَة فِي ثَلَاثِينَ ألف فَارس سوى المطوعة وَفرق فِي المطوعة خمسين ألف دِينَار مَعُونَة وَقضى الله بالوصول إِلَى بلد الصَّنَم وأعان حَتَّى ملك الْبَلَد وَقلع الوثن وَأوقدت عَلَيْهِ النَّار حَتَّى تقطع وَقتل خَمْسُونَ ألفا من أهل الْبَلَد
وَقد كَانَ مَحْمُود افْتتح قبل ذَلِك من الْهِنْد أَمَاكِن منيعة وغنم أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كتاب العَبْد صدر فِي غزنة لنصف الْمحرم سنة عشر وَالدّين مَخْصُوص بمزيد الْإِظْهَار والشرك مقهور بِجَمِيعِ الأقطار وانتدب العَبْد لتنفيذ الْأَوَامِر وتابع الوقائع على كفار السَّنَد والهند فرتب بنواحي غزنة العَبْد مُحَمَّدًا مَعَ خَمْسَة عشر ألف فَارس وَعشرَة آلَاف راجل وشحن بَلخ وطخارستان بأرسلان الْحَاجِب مَعَ اثنى عشر ألف فَارس وَعشرَة آلَاف راجل وانضم إِلَيْهِ جَمَاهِير المطوعة وَخرج العَبْد من غزنة فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب السَّعَادَة وَنَفس مشتاقة إِلَى دَرك الشَّهَادَة فَفتح قلاعا وحصونا وَأسلم زهاء عشْرين ألفا من عباد(5/318)
الوثن وسلموا قدر ألف ألف من الْوَرق وَوَقع الاحتواء على ثَلَاثِينَ فيلا وَبلغ عدد الهالكين مِنْهُم خمسين ألفا ووافى العَبْد مَدِينَة لَهُم عاين فِيهَا زهاء ألف قصر مشيد وَألف بَيت للأصنام ومبلغ مَا فِي الصَّنَم ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ ألف مِثْقَال وَقلع من الْأَصْنَام الْفضة زِيَادَة على ألف صنم وَلَهُم صنم مُعظم يؤرخون مدَّته بجهالتهم الْعَظِيمَة بثلاثمائة ألف عَام وَقد بنوا حول تِلْكَ الْأَصْنَام المنصوبة زهاء عشرَة آلَاف بَيت فعني العَبْد بتخريب تِلْكَ الْمَدِينَة اعتناء تَاما وعمها المجاهدون بالإحراق فَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الرسوم وَحين وجد الْفَرَاغ لِاسْتِيفَاء الْغَنَائِم حصل مِنْهَا عشْرين ألف ألف دِرْهَم وأفرد خمس الرَّقِيق فَبلغ ثَلَاثًا وَخمسين ألفا واستعرض ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة وَخمسين فيلا
وَمن مَنَاقِب السُّلْطَان مَحْمُود
أَن الْعِرَاقِيّين لم يخرج ركبهمْ إِلَى الْحَج فِي سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَسنة إِحْدَى عشرَة فَلَمَّا كَانَت سنة اثنتى عشرَة قصد طَائِفَة يَمِين الدولة مَحْمُودًا وَقَالُوا أَنْت سُلْطَان الْإِسْلَام وَأعظم مُلُوك الأَرْض وَفِي كل سنة تفتح من بِلَاد الْكفْر نَاحيَة وَالثَّوَاب فِي فتح طَرِيق الْحَج عَظِيم فاهتم بِهَذَا الْأَمر وَتقدم إِلَى قاضيه بالتأهب لِلْحَجِّ ونادى فِي أَعمال خُرَاسَان بذلك وَأطلق للْعَرَب فِي الْبَادِيَة من خَاص مَاله ثَلَاثِينَ ألف دِينَار
وَذكر أَبُو النَّصْر الفامي فِي تَارِيخ هراة وَلَيْسَ هُوَ أَبَا النَّصْر الْعُتْبِي ذَاك أديب مُتَقَدم صنف الْكتاب اليميني الَّذِي ذَكرْنَاهُ أول التَّرْجَمَة وَهَذَا مُحدث مُتَأَخّر من أَقْرَان ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ تَارِيخ هراة وسنذكره فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة أَنه لما قدم(5/319)
التاهرتي الدَّاعِي من مصر على السُّلْطَان مَحْمُود لِيَدْعُوهُ سرا إِلَى مَذْهَب الباطنية وَكَانَ يركب الْبَغْل الَّذِي أَتَى بِهِ مَعَه وَكَانَ الْبَغْل يَتلون كل سَاعَة من كل لون ووقف السُّلْطَان مَحْمُود على سر مَا دَعَا إِلَيْهِ وَعلم بطلَان مَا ندب إِلَيْهِ أَمر بقتْله وَأهْدى بغله إِلَى القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ شيخ هراة وَقَالَ كَانَ يركبه رَأس الْمُلْحِدِينَ فليركبه رَأس الْمُوَحِّدين
وَحكى غير وَاحِد أَن رجلا اشْتَكَى إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود أَن ابْن أُخْت السُّلْطَان يهجم على أَهلِي فِي كل وَقت ويخرجني من دَاري ويختلي بامرأتي وَقد حرت فِي أَمْرِي وشكوت إِلَى أَوْلِيَاء الْأُمُور من دولتك فَلم يتجاسر أحد مِنْهُم على إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ يهابون السُّلْطَان(5/320)
فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان وَيحك مَتى جَاءَ بَادر بإعلامي وَلَا تسمعن من أحد يمنعك الْوُصُول إِلَيّ وَلَو كَانَ فِي اللَّيْل وَتقدم إِلَى الحجبة بِأَن أحدا لَا يمنعهُ
فَذهب الرجل فَمَا كَانَ غير لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث حَتَّى هجم عَلَيْهِ ذَلِك الشَّاب فَأخْرجهُ واختلى بأَهْله فَذهب باكيا إِلَى دَار الْملك فَقيل لَهُ إِن الْملك نَائِم فَقَالَ قد تقدم إِلَيْكُم بِمَا علمْتُم فأنبهوه فَاسْتَيْقَظَ وَخرج مَعَه بِنَفسِهِ وَحده وَجَاء إِلَى منزله فَنظر إِلَى الْغُلَام وهونائم مَعَ الْمَرْأَة فِي فرَاش الرجل وَعِنْدَهُمَا شمعة تقد فَتقدم السُّلْطَان فأطفأ الضؤ ثمَّ جَاءَ فاحتز رَأس الْغُلَام ثمَّ قَالَ للرجل وَيحك أدركني بِشَربَة مَاء فَسَقَاهُ ثمَّ انْطلق ليذْهب فَقَالَ لَهُ الرجل سَأَلتك بِاللَّه لم أطفأت الشمعة فَقَالَ وَيحك إِنَّه ابْن أُخْتِي كرهت أَن أشاهده حَالَة الذّبْح
فَقَالَ وَلم طلبت المَاء سَرِيعا فَقَالَ إِنِّي آلَيْت مُنْذُ أَخْبَرتنِي أَلا أطْعم طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى أقوم بحقك وَكنت عطشان هَذِه الْأَيَّام حَتَّى كَانَ مَا رَأَيْت
قلت وَفِي هَذِه الْوَاقِعَة من هَذَا السُّلْطَان مَا يدل على حسن نِيَّته وتحريه الْعدْل غير أَنَّهَا ممزوج عدلها بِالْجَهْلِ بالشريعة فَلم يكن لَهُ لَو ثَبت عِنْده أَنه زنى بعد الْإِحْصَان أَن يتَعَدَّى الرَّجْم إِلَى حز الرَّقَبَة ثمَّ لَيْسَ فِي الْحِكَايَة مَا يَقْتَضِي ثُبُوت الزِّنَا عِنْده فَإِنَّهُ لم يُشَاهِدهُ يَزْنِي وَلَو فرضت مشاهدته إِيَّاه زَانيا وَأَنه علم زِنَاهُ وتحققه بالقرائن فَهِيَ مَسْأَلَة الْقَضَاء فِي الْحُدُود بِالْعلمِ
وَمن هَذَا وأشباهه يعرف سر الشَّرِيعَة فِي اشْتِرَاط كَون السُّلْطَان مُجْتَهدا لِأَن غير الْعَالم إِذا تحرى الْعدْل لَا يَتَأَتَّى لَهُ إِلَّا بصعوبة شَدِيدَة بِخِلَاف الْعَالم فَإِنَّهُ يعرف مَا يَأْتِي وَمَا يذر(5/321)
شرح حَال فتوحات يَمِين الدولة وغزواته بِاخْتِصَار
كَانَ مبدأ ملكه سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَ محببا إِلَى النَّاس لعدله وَدينه وشجاعته ومعرفته فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ وَكَانَ من أَمر إخْوَته مَا حكيناه فِي صدر التَّرْجَمَة قصد مَحْمُود فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ بِلَاد خُرَاسَان فاستلب ملكهَا من أَيدي السامانية وواقعهم مَرَّات مُتعَدِّدَة حَتَّى أَزَال اسمهم ورسمهم وانقرضت دولتهم بِالْكُلِّيَّةِ على يَدَيْهِ ثمَّ انتهض لقِتَال الْكفَّار فَنَهَضَ ليملك ملك التّرْك بِمَا وَرَاء النَّهر وَذَلِكَ بعد موت القان الْكَبِير الَّذِي يُقَال لَهُ فائق فجرت لَهُ مَعَهم حروب وخطوب يطول شرحها
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة غزا بِلَاد الْهِنْد وَقصد ملكهَا جيبال فِي جَيش عَظِيم فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وَفتح الله على يَدَيْهِ وَكسر الهنود وَأسر ملكهم وَأخذ من عُنُقه قلادة قيمتهَا ثَمَانُون ألف دِينَار وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة وفتحوا بلادا كَثِيرَة ثمَّ أطلق مَحْمُود ملك الْهِنْد احتقارا لَهُ واستهانة بأَمْره مَعَ شدَّة بأسه وَعظم اسْمه فوصل ذليلا مكسورا إِلَى بِلَاده وَقيل إِنَّه لما وصل ألْقى نَفسه فِي النَّار الَّتِي يعبدونها من دون الله فَهَلَك(5/322)
ثمَّ غزا الْهِنْد أَيْضا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة فَافْتتحَ مدنا كَثِيرَة كبارًا وغنم مَا لَا يُحْصى من الْأَمْوَال وَأسر بعض مُلُوكهمْ وَهُوَ ملك كراسي حِين هرب مِنْهُ لما افتتحها وَكسر أصنامها فألبسه منْطقَة شدها على وَسطه بعد تمنع شَدِيد وَقطع خِنْصره ثمَّ أطلقهُ إهانة لَهُ وإظهارا لِعَظَمَة الْإِسْلَام وَأَهله
ثمَّ غزا عَبدة الْأَصْنَام ثَالِثا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَفتح حصونا كَثِيرَة وَأخذ أَمْوَالًا جمة وجواهر نفيسة وَكَانَ فِي جملَة مَا وجد بَيت طوله ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه خَمْسَة عشر ذِرَاعا مَمْلُوءَة فضَّة وَلما رَجَعَ إِلَى غزنة بسط الحواصل فِي صحن دَاره وَأذن لرسل الْمُلُوك فَدَخَلُوا عَلَيْهِ قرأوا مَا هالهم
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة إِحْدَى غزا الْكفَّار أَيْضا وَقطع مفازة عَظِيمَة أَصَابَهُ فِيهَا عَطش مفرط كَاد يهْلك عسكره ثمَّ من الله بمطر عَظِيم رواهم ووصلوا إِلَى الْكفَّار وهم خلائق لَا يُحصونَ وَمَعَهُمْ سِتّمائَة فيل فنصر عَلَيْهِم وغنم شَيْئا عَظِيما وَعَاد
ثمَّ غزا فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة فغره أدلته وأضلوه عَن الطَّرِيق فَحصل فِي مائية فاضت من الْبَحْر وغرق كثير مِمَّن كَانَ مَعَه وخاض المَاء بِنَفسِهِ أَيَّامًا ثمَّ تخلص وَعَاد إِلَى خُرَاسَان
ثمَّ غزا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وافتتح بلادا كَثِيرَة
ثمَّ عَاد الْغَزْو فِي سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وجال فِي بِلَاد الْكفَّار مسيرَة ثَلَاثَة أشهر(5/323)
عَن غزنة
وَفِي هَذِه السّنة افْتتح المدينتين العظيمتين مهرَة وقنوج وَكَانَ فتحا عَظِيما عَزِيزًا
قَالَ أَبُو النَّصْر الفامي وقنوج هِيَ الَّتِي أعيت الْمُلُوك غير كشتاسب على مَا زعمته الْمَجُوس وَهُوَ ملك الْمُلُوك فِي زَمَانه فزحف السُّلْطَان مَحْمُود بعساكره وَعبر مياه سيحون وَتلك الأودية الَّتِي تجل أعماقها عَن الْوَصْف وَلم يطَأ مملكة من تِلْكَ الممالك إِلَّا أَتَاهُ الرَّسُول وَاضِعا خد الطَّاعَة عارضا فِي الْخدمَة كنه الِاسْتِطَاعَة إِلَى أَن جَاءَهُ جنكي بن سمهي صَاحب درب قشمير عَالما بِأَنَّهُ بعث الله الَّذِي لَا يرضيه إِلَّا الْإِسْلَام أَو الحسام(5/324)
فضمن إرشاد الطَّرِيق وَسَار أَمَامه هاديا فَمَا زَالَ يفْتَتح الصَّيَاصِي والقلاع حَتَّى مر بقلعة هردب فَلَمَّا رأى ملكهَا الأَرْض تموج بأنصار الله وَمن حولهَا الْمَلَائِكَة زلزلت قدمه وأشفق أَن يراق دَمه وَنزل فِي عشرَة آلَاف منادين بدعوة الْإِسْلَام
ثمَّ سَار بجُنُوده إِلَى قلعة كلجند وَهُوَ من رُءُوس الشَّيَاطِين فَكَانَت لَهُ مَعَه ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا من الْكفَّار خَمْسُونَ ألفا من بَين قَتِيل وغريق فَعمد كلجند إِلَى زَوجته فَقَتلهَا ثمَّ ألحق بهَا نَفسه وغنم السُّلْطَان مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ فيلا
ثمَّ عطف إِلَى الْبَلَد الَّذِي يُسمى المتعبد وَهُوَ مهرَة الْهِنْد يطالع أبنيتها الَّتِي ذكر أَهلهَا أَنَّهَا من بِنَاء الجان فَرَأى مَا يُخَالف الْعَادَات وَهِي مُشْتَمِلَة على بيُوت أصنام بنقوش مبدعة وتزاويق تخطف الْبَصَر وَكَانَ فِيمَا كتب بِهِ السُّلْطَان أَنه لَو أَرَادَ مُرِيد أَن يَبْنِي مَا يعادل تِلْكَ الْأَبْنِيَة لعجز عَنْهَا بإنفاق مائَة ألف ألف دِرْهَم فِي مِائَتي سنة على أَيدي عملة كملة ومهرة سحرة(5/325)
وَفِي جملَة الْأَصْنَام خَمْسَة من الذَّهَب معمولة طول خَمْسَة أَذْرع عينا وَاحِد مِنْهَا ياقوتتان قيمتهَا أَزِيد من خمسين ألف دِينَار وعَلى آخر ياقوتة زرقاء وَزنهَا أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مِثْقَالا وَكَانَ جملَة الذهبيات الْمَوْجُودَة على الْأَصْنَام ثَمَانِيَة وَسبعين ألف مِثْقَال
قَالَ ثمَّ أَمر السُّلْطَان بِسَائِر الْأَصْنَام فَضربت بالنفط وَحَازَ من السبايا والنهاب مَا يعجز عَنهُ أنامل الْحساب
ثمَّ سَار إِلَى قنوج وَخلف مُعظم الْعَسْكَر فوصل إِلَيْهِ فِي شعْبَان سنة تسع وَقد فَارقهَا الْملك راجيبال مُنْهَزِمًا فتتبع السُّلْطَان قلاعها وَكَانَت على سيف الْبَحْر وفيهَا قريب من عشرَة آلَاف بَيت للأصنام يزْعم الْمُشْركُونَ أَنَّهَا متوارثة مُنْذُ مِائَتي ألف سنة إِلَى ثَلَاثمِائَة ألف سنة كذبا وزورا فَفَتحهَا كلهَا فِي يَوْم وَاحِد ثمَّ أَبَاحَهَا لجيشه فانتهبوها ثمَّ ركض مِنْهَا إِلَى قلعة البراهمة فافتتحها وَقتل بهَا خلقا كثيرا
ثمَّ افْتتح قلعة جندراي وَهِي الَّتِي تضرب الْأَمْثَال بحصانتها(5/326)
وَهَذَا هُوَ الْفَتْح الْعَزِيز من فتوحاته سَاقه صَاحب اليميني بأفصح عبارَة وأحلاها فلينظره فِيهِ من أَرَادَهُ وَهُوَ الَّذِي عَاد مِنْهُ فِي سنة عشر وَأرْسل كِتَابه إِلَى الْقَادِر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد ذكرنَا بعضه
ثمَّ كَانَ لَهُ فِي سنة أَربع عشرَة فتح أعظم من هَذَا أوغل فِيهِ فِي بِلَاد الْهِنْد حَتَّى جَاءَ إِلَى قلعة فِيهَا سِتّمائَة صنم وَقَالَ أتيت قلعة لَيْسَ لَهَا فِي الدُّنْيَا نَظِير وَمَا الظَّن بقلعة تسع خَمْسمِائَة فيل وَعشْرين ألف دَابَّة وَمن يقوم بعلف هَؤُلَاءِ وَمن يحملونه وأعان الله حَتَّى طلبُوا الْأمان فأمنت ملكهم وأقررته على ولَايَته بخراج ضرب عَلَيْهِ
538 - مَحْمُود بن الْقَاسِم بن القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ المهلبي القَاضِي أَبُو عَامر الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ
أحد الْأَئِمَّة
كَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا
ولد سنة أَرْبَعمِائَة
وَحدث بِجَامِع التِّرْمِذِيّ عَن عبد الْجَبَّار الجراحي وَسمع أَيْضا جده القَاضِي أَبَا مَنْصُور القَاضِي أَبَا عمر البسطامي وَبكر بن مُحَمَّد المروروذي وَجَمَاعَة(5/327)
روى عَنهُ المؤتمن السَّاجِي وَمُحَمّد بن طَاهِر وَأَبُو نصر اليونارتي وَأَبُو الْعَلَاء صاعد بن سيار وزاهر الشحامي وَأَبُو عبد الله الفراوي وَخلق آخِرهم موتا أَبُو الْفَتْح نصر بن سيار
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ جليل الْقدر كَبِير الْمحل عَالم فَاضل
وَقَالَ أَبُو النَّصْر الفامي عديم النّظر زهدا وصلاحا وعفة وَلم يزل على ذَلِك من ابْتِدَاء عمره إِلَى انتهائه وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ من الأقطار وَالْقَصْد لأسانيده
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن أبي عَليّ الهمذاني وَهُوَ من الروَاة عَنهُ كَانَ شَيخنَا أَبُو عَامر من أَرْكَان مَذْهَب الشَّافِعِي بهراة قَالَ وَكَانَ نظام الْملك يَقُول لَوْلَا هَذَا الإِمَام فِي هَذِه الْبَلدة لَكَانَ لي وَلَهُم شَأْن يهددهم بِهِ وَكَانَ يَعْتَقِدهُ لزهده وورعه وَحسن عقيدته وَكَانَت هراة بِأبي إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ قد غلب عَلَيْهَا التجسيم فنقم عَلَيْهِم نظام الْملك وَكَانَ أَبُو إِسْمَاعِيل يزور أَبَا عَامر ويتبرك بِهِ إِمَّا اعتقادا فِيهِ وَإِمَّا إِظْهَارًا لمحبة مَا النَّاس عَلَيْهِ من تَعْظِيم هَذَا الرجل فَإِنَّهُ كَانَ مُعظما عِنْد الْمُوَافق والمخالف(5/328)
539 - الْمَرْزُبَان بن خسر فَيْرُوز أَبُو الْغَنَائِم الْوَزير الملقب تَاج الْملك(5/329)
540 - مُسَدّد بن مُحَمَّد بن علكان
541 - مظفر بن عبد الْملك بن عبد الله الْجُوَيْنِيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ(5/330)
542 - معمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أبان أَبُو مَنْصُور اللنباني الْأَصْبَهَانِيّ
543 - الْمفضل بن أبي سعد إِسْمَاعِيل بن أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ الإِمَام ابْن الإِمَام ابْن الإِمَام أَبُو معمر الْجِرْجَانِيّ
مفتي جرجان وعالمها وَابْن عالمها ورئيسها وَابْن رئيسها ومسندها
روى الْكثير عَن جده ورحل بِهِ وَالِده فَأكْثر عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي حَفْص(5/331)
ابْن شاهين بِبَغْدَاد وَعَن يُوسُف بن الدخيل وَأبي زرْعَة مُحَمَّد بن يُوسُف بِمَكَّة
وَحدث بالكثير وأملى بعد موت عَمه أبي نصر
وَكَانَ أحد من يُوصف بالذكاء
حفظ الْقُرْآن وَقطعَة من الْفِقْه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين فِي حَيَاة جده
وبيته بَيت الْعلم وَالدّين والسؤدد
توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
544 - مكي بن عبد السَّلَام بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم الرميلي الْحَافِظ
من أهل بَيت الْمُقَدّس
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ أحد الجوالين فِي الْآفَاق وَكَانَ كثير النصب والسهر والتعب طلب وتغرب وَجمع وَكَانَ ثِقَة متحريا ورعا ضابطا
شرع فِي تَارِيخ بَيت الْمُقَدّس وفضائله وَجمع فِيهِ شَيْئا
وَحدث باليسير لِأَنَّهُ قتل قبل الشيخوخة
سمع بالمقدس مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن سلوان الْمَازِني وَأَبا عُثْمَان بن وَرْقَاء وَعبد الْعَزِيز بن أَحْمد النصيبيني(5/332)
وبمصر عبد الْبَاقِي بن فَارس المقرى وَعبد الْعَزِيز بن الْحسن الضراب
وبدمشق أَبَا الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحنائي وَعلي بن الْخضر
وبعسقلان أَحْمد بن الْحُسَيْن الشماع
وبصور أَبَا بكر الْخَطِيب وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الكاملي
وبأطرابلس الْحُسَيْن بن أَحْمد
وببغداد أَبَا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَعبد الصَّمد بن الْمَأْمُون وطبقتهما
وَسمع بِالْبَصْرَةِ والكوفة وواسط وتكريت والموصل وآمد وميافارقين
سمع مِنْهُ هبة الله الشِّيرَازِيّ وَعمر الرواسِي
وَحدث عَنهُ مُحَمَّد بن عَليّ المهرجاني بمرو وَأَبُو سعيد عمار بن طَاهِر التَّاجِر بهمذان وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي بِمَدِينَة السَّلَام وَحَمْزَة بن كروس وغالب بن أَحْمد وَغَيرهمَا بِدِمَشْق
ولد يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ المؤتمن السَّاجِي كَانَت الفتاوي تجيئه من مصر والساحل ودمشق
قتلته الفرنج لعنهم الله بِبَيْت الْمُقَدّس وَذَلِكَ أَنهم قبضوا عَلَيْهِ أَسِيرًا فَلَمَّا علمُوا أَنه من عُلَمَاء الْمُسلمين نُودي عَلَيْهِ ليفتدى بِأَلف مِثْقَال فَلم يفتده أحد فَقتل فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَفِيه استولى الفرنج على بَيت الْمُقَدّس وَقتلُوا مِنْهُ عَالما لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(5/333)
545 - مَنْصُور بن عمر بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الْكَرْخِي
أحد الْأَئِمَّة
من أهل كرخ جدان
تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَله عَنهُ تعليقة
وروى عَن أبي طَاهِر المخلص وَأبي الْقَاسِم الصيدلاني
روى عَنهُ الْخَطِيب وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْفِقْه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَذكره فِي طبقاته وَقَالَ لَهُ فِي الْمَذْهَب كتاب الغنية وَغَيره ودرس بِبَغْدَاد وَبهَا مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة(5/334)
546 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد ابْن عبد الْجَبَّار بن الْفضل بن الرّبيع بن مُسلم بن عبد الله التَّمِيمِي الإِمَام الْجَلِيل الْعلم الزَّاهِد الْوَرع أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا أَبُو المظفر بن الإِمَام أبي مَنْصُور ابْن السَّمْعَانِيّ
الرفيع الْقدر الْعَظِيم الْمحل الْمَشْهُور الذّكر أحد من طبق الأَرْض ذكره وعبق الْكَوْن نشره
ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث فِي صغره وَكبره
سمع أَبَاهُ وَأَبا غَانِم أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الكراعي وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الترابي الْمَعْرُوف بِأبي الْهَيْثَم وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَأَبا حَاجِب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الإستراباذي وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر بن الْمسلمَة(5/335)
وَابْن هزارمرد الصريفيني وسعدا الزنجاني وهياجا الحطيني وخلقا بخراسان والعراقين والحجاز
روى عَنهُ أَوْلَاده وَأَبُو طَاهِر السنجي وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَعمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَمُحَمّد بن أبي بكر السنجي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الْحَافِظ وَخلق
شرح ابْتِدَاء حَاله وانتهاء حَده فِي اشْتِغَاله
كَانَ الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَالِده من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فولد لَهُ ولدان أَحدهمَا أَبُو المظفر هَذَا وَالثَّانِي أَبُو الْقَاسِم عَليّ وتفقها عَلَيْهِ وبرعا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَرَأس أَبُو الْقَاسِم وَحصل على جاه عَظِيم ونعمة زَائِدَة وَولد لَهُ أَبُو الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن الإِمَام أبي مَنْصُور مُحَمَّد وتفقه وبرع أَيْضا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة
وَدخل أَبُو المظفر بَغْدَاد فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وناظر بهَا الْفُقَهَاء وَجَرت بَينه وَبَين أبي نصر بن الصّباغ مناظرة أَجَاد فِيهَا الْكَلَام وَاجْتمعَ بالشيخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهُوَ إِذْ ذَاك حَنَفِيّ ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز على غير الطَّرِيق الْمُعْتَاد فَإِن الطَّرِيق كَانَ قد انْقَطع بِسَبَب اسْتِيلَاء الْعَرَب فَقطع عَلَيْهِ وعَلى رفقته الطَّرِيق وأسروا وَاسْتمرّ أَبُو المظفر مأسورا فِي أَيدي عرب الْبَادِيَة صَابِرًا إِلَى أَن خلصه الله تَعَالَى(5/336)
فحكي أَنه لما دخل الْبَادِيَة وأخذته الْعَرَب كَانَ يخرج مَعَ جمَالهَا إِلَى الرَّعْي قَالَ وَلم أقل لَهُم إِنِّي أعرف شَيْئا من الْعلم فاتفق أَن مقدم الْعَرَب أَرَادَ أَن يتَزَوَّج فَقَالُوا نخرج إِلَى بعض الْبِلَاد ليعقد هَذَا العقد بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ أحد الأسراء هَذَا الرجل الَّذِي يخرج مَعَ جمالكم إِلَى الصَّحرَاء فَقِيه خُرَاسَان فاستدعوني وسألوني عَن أَشْيَاء فأجبتهم وكلمتهم بِالْعَرَبِيَّةِ فخجلوا وَاعْتَذَرُوا وعقدت لَهُم العقد فَفَرِحُوا وسألوني أَن أقبل مِنْهُم شَيْئا فامتنعت وسألتهم فحملوني إِلَى مَكَّة فِي وسط السّنة وَبقيت بهَا مجاورا وصحبت فِي تِلْكَ الْمدَّة سَعْدا الزنجاني
وَقَالَ الْحُسَيْن بن الْحسن الصُّوفِي رَفِيق أبي المظفر إِلَى الْحَج اكترينا حمارا رَكبه الإِمَام أَبُو المظفر من مرو إِلَى خرق وَهِي على ثَلَاثَة فراسخ من مرو فنزلنا بهَا وَقلت مَا مَعنا إِلَّا إبريق خزف فَلَو اشترينا آخر فَأخْرج من جيبه خَمْسَة دَرَاهِم وَقَالَ يَا حُسَيْن لَيْسَ معي إِلَّا هَذِه خُذ واشتر مَا شِئْت وَلَا تطلب مني بعد هَذَا شَيْئا
قَالَ فخرجنا على التَّجْرِيد وَفتح الله لنا ثمَّ لما قضى أَبُو المظفر حجه وَأتم نُسكه عَاد إِلَى خُرَاسَان وَدخل مرو فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا ألْقى عَصا السّفر بهَا وَاسْتقر قلد الشَّافِعِي وَرجع عَن مَذْهَب أبي حنيفَة رحمهمَا الله وَترك طَرِيقَته الَّتِي نَاظر عَلَيْهَا أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة(5/337)
ذكر ابْتِدَاء ذَلِك وَمَا كَانَ من مُقَدمَات هَذِه النتيجة الَّتِي تمت هُنَالك
قَالَ أَبُو المظفر فِيمَا يحكيه عَن نَفسه لما اختلج فِي ذهني تَقْلِيد الشَّافِعِي وَزَاد التَّرَدُّد عِنْدِي رَأَيْت رب الْعِزَّة جلّ جَلَاله فِي الْمَنَام فَقَالَ عد إِلَيْنَا يَا أَبَا المظفر فانتبهت وَعلمت أَنه يُرِيد مَذْهَب الشَّافِعِي فَرَجَعت إِلَيْهِ
وَعَن أبي المظفر كنت فِي الطّواف بِمَكَّة فوصلت إِلَى الْحجر والملتزم وَالْمقَام وزمزم وَإِذا أَنا بِرَجُل قد أَخذ بِطرف رِدَائي من ورائي فَالْتَفت فَإِذا أَنا بالشيخ الإِمَام سعد الزنجاني فتبسمت إِلَيْهِ فَقَالَ أما ترى أَيْن أَنْت قلت لَا
قَالَ أعز مَكَان وأشرفه هَذَا الْمقَام مقَام الْأَنْبِيَاء والأولياء ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ كَمَا وصلته إِلَى أعز مَكَان فأعطه أشرف عز فِي كل مَكَان وَحين وزمان ثمَّ ضحك إِلَيّ وَقَالَ لَا تخالفني فِي سرك وارفع معي يَديك إِلَى رَبك وَلَا تقولن أَلْبَتَّة شَيْئا واجمع لي همتك حَتَّى أَدْعُو لَك وَأمن أَنْت فَبَكَيْت وَرفعت مَعَه يَدي وحرك شَفَتَيْه وَأمنت مَعَه ثمَّ أرسل يَدي وَقَالَ لي سر فِي حفظ الله فقد أُجِيب فِيك صَالح دُعَاء الْأمة فمضيت من عِنْده وَمَا شَيْء أبْغض إِلَيّ من مَذْهَب الْمُخَالفين
وَعَن الْحسن بن أَحْمد الْمروزِي قَالَ خرجت مَعَ الشَّيْخ أبي المظفر إِلَى الْحَج فَكلما دَخَلنَا بَلْدَة نزل على الصُّوفِيَّة وَطلب الحَدِيث من المشيخة وَلم يزل يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ بَين لي الْحق من الْبَاطِل
فَلَمَّا دَخَلنَا مَكَّة نزل على أَحْمد ابْن عَليّ بن أَسد الكوجي وَدخل فِي صُحْبَة سعد الزنجاني وَلم يزل مَعَه حَتَّى صَار ببركته من أَصْحَاب الحَدِيث(5/338)
وَعَن أبي نصر الأبيوردي كنت قد قُمْت لَيْلَة على وردي فركعت مَا كتب الله لي فغلبني النّوم فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي على سطح عَال بِمَدِينَة مرو وَإِذا أَبْوَاب السَّمَاء قد فتحت وَرَأَيْت الْمَلَائِكَة قد جَاءُوا بزينة عَظِيمَة وَرَأَيْت نورا قد سَطَعَ من ذَلِك الْبَاب وَخرج حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طَرِيق مُسْتَقِيم فوصل إِلَى السَّطْح وَرَأَيْت الْخَلَائق مُتَمَسِّكِينَ بِهِ يصعدون إِلَيْهِ إِلَى السَّمَاء والنور يسطع فَوْقهم فَقلت لرجل كَانَ معي مَا هَذِه العلامات فَقَالَ أما ترى مَا نَحن فِيهِ مُنْذُ اللَّيْلَة هَذَا سطح دَار ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ وَهَذَا الطَّرِيق الَّذِي أَخذ بِهِ إِلَى الْحق وَهَذَا الْخلق تبعوه يطْلبُونَ مَعَه الْحق
فَقلت هَل وصلوا أَو هم بعد فِي السّير فَقَالَ بل وصلوا وَأَعْطَاهُ الله عز وَجل السَّبِيل الْمُسْتَقيم
فانتبهت فَزعًا فَأَصْبَحت واكتريت دَابَّة وَجئْت إِلَى مرو فَوَجَدته قد انْتقل إِلَى مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث
وَعَن سعد بن أبي الْخَيْر الميهني كنت بميهنة بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَرَأَيْت نورا ساطعا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَقلت مَا هَذَا فَقَالَ لي قَائِل من المشهد هَذَا نور بَينه الله لِعِبَادِهِ من بَين المراوزة
فَرَأَيْت خُرَاسَان بأسرها قد أَصَابَهَا ذَلِك النُّور فَلَمَّا أَصْبَحْنَا حكيت للصوفية وَإِذا بِابْن السَّمْعَانِيّ قد انْتقل من مذْهبه(5/339)
وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الإِمَام النسوي رَأَيْت لَيْلَة فِي الْمَنَام كَأَنِّي أَمْشِي فِي الصَّحرَاء فانتهيت إِلَى مَوضِع يتشعب مِنْهُ طرق مُخْتَلفَة فَإِذا أَنا بِالْإِمَامِ أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَهُوَ وَاقِف على رَأس الطّرق كالمتحير يلْتَفت يمنة ويسرة فَسمِعت صائحا يَصِيح يَا أَبَا المظفر أقبل إِلَيّ فَإِن الجادة هَذِه فَمضى الإِمَام أَبُو المظفر على يَمِينه نَحْو الصَّوْت وتبعته وَهُوَ يترنم بِبَيْت من الشّعْر
(الطّرق شَتَّى طَرِيق الْحق مُنْفَرد ... والسالكون سَبِيل الْحق أَفْرَاد)
فانتهيت إِلَى مَوضِع نزه فَإِذا نَحن بشاب حسن الْوَجْه طيب الرَّائِحَة وَاقِف على بُسْتَان فِيهِ أَشجَار وأنهار مَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ وَإِذا حوالي الْبُسْتَان قُصُور فِي نِهَايَة الْحسن فَدخل الإِمَام أَبُو المظفر الْبُسْتَان واستقبله جوَار وغلمان وأظهروا السرُور بقدومه فَسَأَلت بعض من يليني من هَذَا الْوَاقِف على الْبَاب فَقَالَ رضوَان خَازِن الْجنَّة وَهَذِه الْقُصُور والبساتين لأبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ
فانتبهت فَبعد ذَلِك بأيام بلغنَا انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي
وَلما اسْتَقر انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وانفصاله عَن الرَّأْي النعماني قَامَت الْحَرْب على سَاق واضطربت بَين الْفَرِيقَيْنِ نيران فتْنَة كَادَت تملأ مَا بَين خُرَاسَان وَالْعراق واضطرب أهل مرو لذَلِك اضطرابا وَفتح المخالفون للمشاقة أبوابا وَتعلق أهل الرَّأْي بِأَهْل الحَدِيث وَسَارُوا إِلَى بَاب السُّلْطَان السّير الحثيث وَلم يرجِعوا إِلَى ذَوي الرَّأْي وَالنَّهْي وَلَا وقفُوا عِنْد مقَالَة من أَمر وَنهى وَعدلُوا وَمَا عدلوا وحملوا حَملَة رجل وَاحِد وَعَن الصَّوَاب عدلوا وراموا إخفاء ضوء الْبَدْر وَقد برزت ضمائره(5/340)
وقصدوا كتم الصَّباح وكركيه مجاب على مُدَّة محلق يمْلَأ الدُّنْيَا بشائره وَالشَّيْخ أَبُو المظفر ثَابت على رُجُوعه غير ملتفت إِلَى مَحْمُول الْكَلم وموضوعه مُسْتَقر على الِانْتِقَال مُسْتَمر على الارتحال هجره لذَلِك أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم فزجره وَلم يلو على لوم اللائم وَكتب إِلَيْهِ كَيفَ خَالَفت مَذْهَب الْوَالِد فِي كَلِمَات كَانَ غير نَاظر إناها وَلَا قَائِل فِي جوابها إِلَّا
(وَكنت امْرأ لَا أسمع الدَّهْر سبة ... أمس بهَا وَإِلَّا كشفت غطاها)
وتعاتبا وَلم يزدْ أَحدهمَا أَخَاهُ إِلَّا امتناعا وَكَانَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(بليت بِصَاحِب إِن أدن شبْرًا ... يزدني فِي مباعدة ذِرَاعا)
(كِلَانَا جَاهد أدنو وينأى ... فَذَلِك مَا اسْتَطَعْت وَمَا استطاعا)
ثمَّ قبل أَبُو الْقَاسِم عذر أبي المظفر وَوجه إِلَيْهِ ابْنه أَبَا الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن مُحَمَّد للتفقه عَلَيْهِ وَصَارَت السمعانية شافعية بعد أَن كَانُوا حنفيه فالحنفيه من السمعانية الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَولده أَبُو الْقَاسِم عَليّ وَولده أَبُو الْعَلَاء عالي وَالشَّافِعِيَّة الإِمَام أَبُو المظفر وَأَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وكل سمعاني جَاءَ بعده(5/341)
وَمن ثَنَاء الْأَئِمَّة على الشَّيْخ أبي المظفر
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَو كَانَ الْفِقْه ثوبا طاويا لَكَانَ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ طرازه
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ شَافِعِيّ وقته
وَقَالَ عَليّ بن أبي الْقَاسِم الصفار إِذا ناظرت أَبَا المظفر فَكَأَنِّي أناظر رجلا من التَّابِعين
وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي أَبُو المظفر وحيد عصره فِي وقته فضلا وَطَرِيقَة وزهدا وورعا
وَقَالَ ابْن ابْنه الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن الإِمَام أبي بكر بن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ هُوَ إِمَام عصره بِلَا مدافعة وعديم النّظر فِي وقته وَلَا أقدر على أَن أصف بعض مناقبه وَمن طالع تصانيفه وأنصف عرف مَحَله من الْعلم
صنف التَّفْسِير الْحسن الْمليح الَّذِي استحسنه كل من طالعه
وأملى الْمجَالِس فِي الحَدِيث وَتكلم على كل حَدِيث بِكَلَام مُفِيد وصنف التصانيف فِي الحَدِيث مثل منهاج أهل السّنة والانتصار وَالرَّدّ على الْقَدَرِيَّة وَغَيرهَا
وصنف فِي أصُول الْفِقْه القواطع وَهُوَ يُغني عَن كل مَا صنف فِي ذَلِك الْفَنّ
وَفِي الْخلاف الْبُرْهَان وَهُوَ مُشْتَمل على قريب من ألف مَسْأَلَة خلافية والأوساط والمختصر الَّذِي سَار فِي الأقطار الْمُسَمّى بالاصطلام رد فِيهِ على أبي يَد الدبوسي وَأجَاب عَن الْأَسْرَار الَّتِي جمعهَا
انْتهى
ذكره فِي الْأَنْسَاب(5/342)
قلت وَلَا أعرف فِي أصُول الْفِقْه أحسن من كتاب القواطع وَلَا اجْمَعْ كَمَا لَا أعرف فِيهِ أجل وَلَا أفحل من برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ فبينهما فِي الْحسن عُمُوم وخصوص(5/343)
وَكَانَ رُجُوع أبي المظفر عَن مَذْهَب أبي حنيفَة فِي دَار ولي الْبَلَد ملكانك بِحُضُور أَئِمَّة الْفَرِيقَيْنِ فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة واضطرب أهل مرو وَأدّى الْأَمر إِلَى تشويش الْعَوام وَالْخُصُومَة بَين أهل المذهبين وأغلق بَاب الْجَامِع الأقدم وَترك الشَّافِعِيَّة الْجُمُعَة إِلَى أَن وَردت الْكتب من جِهَة ملكانك من بَلخ فِي شَأْنه وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ فَخرج عَن مرو لَيْلَة الْجُمُعَة أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وصحبة الشَّيْخ الْأَجَل ذُو المجدين أَبُو الْقَاسِم الموسوي وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب وَسَار إِلَى طوس ثمَّ قصد نيسابور واستقبلوه اسْتِقْبَالًا عَظِيما حسنا وَكَانَ فِي نوبَة نظام الْملك وعميد الحضرة أبي سعيد مُحَمَّد بن مَنْصُور فأكرموا مورده وأنزلوه فِي عز وحشمة وَعقد لَهُ مجْلِس التَّذْكِير وَكَانَ بحرا فِيهِ حَافِظًا لكثير من الحكايات والنكت والأشعار فَظهر لَهُ الْقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام واستحكم أمره فِي مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ عَاد إِلَى مرو وَعقد لَهُ مجْلِس التدريس فِي مدرسة أَصْحَاب الشَّافِعِي والتذكير وَعلا شَأْنه وَقدمه نظام الْملك على أقرانه وَكَانَ خليقا بذلك من أَئِمَّة الْمُسلمين وأعلام الدّين يَقُول مَا حفظت شَيْئا فَنسيته وَجَمِيع تصانيفه على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يُوجد لَهُ شَيْء على مَذْهَب أبي حنيفَة(5/344)
توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرى ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بمرو
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن أبي المظفر ومستحسن كَلَامه
ونفتتح بدعائه فِي خطْبَة كِتَابه الاصطلام قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل صَدْرِي خزانَة توحيدك ولساني مِفْتَاح تمجيدك وجوارحي خدم طَاعَتك فَإِنَّهُ لَا عز إِلَّا فِي الذل لَك وَلَا غنى إِلَّا فِي الْفقر إِلَيْك وَلَا أَمن إِلَّا فِي الْخَوْف مِنْك وَلَا قَرَار إِلَّا فِي القلق نَحْوك وَلَا روح إِلَّا فِي النّظر إِلَى وَجهك وَلَا رَاحَة إِلَّا فِي الرِّضَا بقسمك وَلَا عَيْش إِلَّا فِي جوَار المقربين عنْدك
وَقَالَ فِي بَاب الرِّبَا فِي مَسْأَلَة أَن الْعلَّة الطّعْم الْفِقْه صَعب مرامه شَدِيد مراسه لَا يعْطى مقاده لكل أحد وَلَا ينساق لكل طَالب وَلَا يلين فِي كل حَدِيد بل لَا يلين إِلَّا لمن أيد بِنور الله فِي بَصَره وبصيرته ولطف مِنْهُ فِي عقيدته وسريرته وَعِنْدِي أَن الْفِقْه أولى بِهَذَا النّظر من النَّحْو حَيْثُ قَالَ قَائِلهمْ
(النَّحْو صَعب وطويل سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ)
(زل إِلَى الحضيض مِنْهُ قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه)
وَرجح القَوْل بِأَن الصَّفْقَة متحدة وَإِن تعدد المُشْتَرِي ثمَّ أبعد فَقَالَ بالاتحاد وَإِن جَوَّزنَا إِفْرَاد أَحدهمَا حِصَّته بِالرَّدِّ
وَالْمَعْرُوف أَن هَذَا القَوْل مَأْخُوذ من القَوْل بِمَنْع الْإِفْرَاد(5/345)
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الرسَالَة القوامية وَكَانَ صنفها لنظام الْملك فِي تَقْدِيم أَدِلَّة الْإِمَامَة قَالَ أهل السّنة أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أفضل الصَّحَابَة فِي جَمِيع الْأَشْيَاء
قَالَ وَجُمْلَة من وسم بالنفاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَيف وَثَمَانُونَ رجلا
547 - مَنْصُور بن القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ أَبُو أَحْمد
قَاضِي هراة
كَانَ فَقِيها شَاعِرًا مجيدا لَا يعتري شعره عجمة مَعَ كَونه من أَهلهَا
تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني بِبَغْدَاد وامتدح أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه وَكَانَ يخْتم الْقُرْآن فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
وَسمع الْعَبَّاس بن الْفضل النضروي وَأَبا الْفضل بن خميرويه
توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن شعره
(خشف من التّرْك مثل الْبَدْر طلعته ... يجوز ضدين من ليل وإصباح)
(كَأَن عَيْنَيْهِ والتفتير غنجهما ... آثَار ظفر بدا فِي صحن تفاح)
وَمِنْه أَيْضا
(طلع البنفسج زَائِرًا أَهلا بِهِ ... من وَافد سر الْقُلُوب وزائر)
(فَكَأَنَّمَا النقاش قطع لي بِهِ ... من أَزْرَق الديباج صُورَة طَائِر)(5/346)
وَله أَيْضا
(شمائل مشرقة عذبة ... تعادل رقتها والصفا)
وَمِنْه
(فهن العتاب وَهن الدُّمُوع ... وَهن المدام وَهن الْهوى)
وَمِنْه
(أدر المدامة يَا غُلَام فإننا ... فِي مجْلِس بيد الرّبيع منجد)
(والورد أصفره يلوح كَأَنَّهُ ... أقداح تبر كفتت بزبرجد)
وَمِمَّا وَقع لنا إِسْنَاده مِنْهُ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي الْأَبْهَرِيّ(5/347)
548 - مهْدي بن عَليّ الإسفرايني القَاضِي أَبُو عبد الله
رَأَيْت لَهُ مُخْتَصرا لطيفا فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الِاسْتِغْنَاء ذكر فِيهِ واضحات الْمسَائِل وَحدث فِي أَوله عَن أبي الْقَاسِم عبد الْملك بن بَشرَان بِحَدِيث إِن الْمَلَائِكَة لتَضَع أَجْنِحَتهَا لطَالب الْعلم رضَا بِمَا يصنع
ذكر أَنه سَمعه مِنْهُ بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث فِيهِ أَيْضا عَن الْمَاوَرْدِيّ والخطيب الْبَغْدَادِيّ بِشعر ذكره فِي خطْبَة كِتَابه فَذكر أَن الْمَاوَرْدِيّ أنْشدهُ لبَعض أهل الْبَصْرَة
(وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله ... فأجسادهم قبل الْقُبُور قُبُور)
(وَإِن امْرأ لم يحي بِالْعلمِ ميت ... فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النشور نشور)
وَأَن أَبَا بكر الْخَطِيب أنْشدهُ لبَعْضهِم
(بِفقه تستطيل على الرِّجَال ... وتزهو فِي المحافل بالكمال)
(إِذا وَقع الْقيَاس بِكُل علم ... فحال الْفِقْه يَعْلُو كل حَال)
(وَمن طلب التفقه وانتحاه ... أناف بِرَأْسِهِ تَاج الْجمال)(5/348)
(فَخذ بالشافعي وَقل بقول ... سديد عَنهُ مُخْتَلف الْمقَال)
(ففضل الشَّافِعِي على سواهُ ... كفضل الشَّمْس قيست بالهلال)
549 - مَيْمُون بن سهل بن عَليّ الوَاسِطِيّ أَبُو نجيب
من تلامذة أبي الْقَاسِم الداركي
كَذَا قَالَ الْعَبَّادِيّ فِي الطَّبَقَات
قَالَ ابْن الصّلاح لَهُ ذكر فِي غير مَوضِع من يتيمة الدَّهْر وَفِي مشيخة ابْن بشرى
قلت روى عَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد وَأبي الْقَاسِم بكر بن أَحْمد
روى عَنهُ ابْنه نجيب وَأَبُو عَليّ جهابدار
مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
550 - نَاصِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو نصر الطوسي(5/349)
551 - نَاصِر بن إِسْمَاعِيل
552 - نَاصِر بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْقَاسِم بن عمر بن يحيى بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب كَذَا سَاق نسبه عبد الغافر هُوَ الشريف الْعمريّ أَبُو الْفَتْح الْقرشِي الْمروزِي
أحد أَئِمَّة الدّين
تفقه على الْقفال وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي طَاهِر الزيَادي
وروى عَن أبي الْعَبَّاس السَّرخسِيّ وَأبي مُحَمَّد المخلدي وَأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن أبي شُرَيْح الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم(5/350)
روى عَنهُ مَسْعُود بن نَاصِر السجْزِي وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَعبد الغافر الْفَارِسِي وَطَائِفَة
وَكَانَ إِمَامًا ورعا زاهدا فَقِيرا قانعا باليسير مشارا إِلَيْهِ فِي الْعلم عَلَيْهِ مدَار الْفَتْوَى والمناظرة مُحدثا جلس للتحديث والإملاء فأملى الْكثير مُعظما درس فِي حَيَاة أشياخه أبي طَاهِر بن محمش وَأبي الطّيب الصعلوكي وَغَيرهمَا
وتفقه بِهِ خلق مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ
وصنف مصنفات كَثِيرَة وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير عِنْدِي بِخَطِّهِ النّصْف الأول من جمع الْجَوَامِع لِابْنِ العفريس
توفّي بنيسابور فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
553 - نصر بن إِبْرَاهِيم بن نصر بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الْمَقْدِسِي الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح الْمَعْرُوف قَدِيما بِابْن أبي حَافظ وَالْمَشْهُور الْآن بالشيخ أبي نصر
الزَّاهِد الْجَامِع بَين الْعلم وَالدّين مُصَنف كتاب الانتخاب الدِّمَشْقِي وَهُوَ فِيمَا بَلغنِي كَبِير فِي بضعَة عشر مجلدا وَكتاب الْحجَّة على تَارِك المحجة وَكتاب(5/351)
التَّهْذِيب وَكتاب الْمَقْصُود وَكتاب الْكَافِي وَكتاب شرح الْإِشَارَة الَّتِي صنفها سليم الرَّازِيّ وَغير ذَلِك
تفقه على الْفَقِيه سليم بصور ثمَّ دخل إِلَى ديار بكر وتفقه على مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني ودرس الْعلم بِبَيْت الْمُقَدّس مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى صور وَأقَام بهَا عشر سِنِين ينشر الْعلم مَعَ كَثْرَة الْمُخَالفين لَهُ من الرافضة ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا تسع سِنِين يحدث ويفتي ويدرس وَهُوَ على طَريقَة وَاحِدَة من الزّهْد والتقشف وسلوك منهاج السّلف متقشفا متجنبا وُلَاة الْأُمُور وَمَا يَأْتِي من الرزق على أَيْديهم قانعا باليسير من غلَّة أَرض كَانَت لَهُ بنابلس يَأْتِيهِ مِنْهَا مَا يقتاته وَلَا يقبل من أحد شَيْئا
وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وَحدث كثيرا
سمع بِدِمَشْق من عبد الرَّحْمَن بن الطبيز وَعلي بن السمسار وَمُحَمّد بن عَوْف الْمزي وَابْن سلوان وَأبي عَليّ الْأَهْوَازِي
وبغزة من مُحَمَّد بن جَعْفَر الميماسي
وبآمد من هبة الله بن سلمَان
وبصور من الْفَقِيه سليم
وَسمع أَيْضا من خلق كثيرين وأملى مجَالِس وَوَقع لنا بَعْضهَا
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَهُوَ من شُيُوخه وَأَبُو الْقَاسِم النسيب وَأَبُو الْفضل يحيى بن عَليّ وجمال الْإِسْلَام أَبُو الْحسن السّلمِيّ وَأَبُو الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي وهما من أخص تلامذته وأخصهما بِهِ نصر الله وَأَبُو يعلى حَمْزَة بن الحبوبي وَخلق
قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر سَمِعت من يَحْكِي أَن تَاج الدولة تتش بن ألب أرسلان(5/352)
زَارَهُ يَوْمًا فَلم يقم لَهُ وَسَأَلَهُ عَن أحل الْأَمْوَال الَّتِي يتَصَرَّف فِيهَا السُّلْطَان فَقَالَ الْفَقِيه نصر أحلهَا أَمْوَال الْجِزْيَة
فَخرج من عِنْده وَأرْسل إِلَيْهِ بمبلغ من المَال وَقَالَ هَذَا من مَال الْجِزْيَة ففرقه على الْأَصْحَاب
فَلم يقبله وَقَالَ لَا حَاجَة بِنَا إِلَيْهِ فَلَمَّا ذهب الرَّسُول لامه الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح نصر الله بن مُحَمَّد وَقَالَ لَهُ قد علمت حاجتنا إِلَيْهِ فَلَو كنت قبلته وفرقته فِينَا
فَقَالَ لَا تجزع من فَوته فَسَوف يَأْتِيك من الدُّنْيَا مَا يَكْفِيك فِيمَا بعد فَكَانَ كَمَا تفرس فِيهِ
قَالَ وَسمعت بعض من صَحبه يَقُول لَو كَانَ الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح فِي السّلف لم تقصر دَرَجَته عَن وَاحِد مِنْهُم لكِنهمْ فاتوه بِالسَّبقِ
وَكَانَت أوقاته كلهَا مستغرقة فِي عمل الْخَيْر من علم وَعمل
وَحكي عَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ صَحِبت إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ بخراسان ثمَّ قدمت الْعرَاق فصحبت أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فَكَانَت طَرِيقَته أفضل من طَريقَة أبي الْمَعَالِي ثمَّ قدمت الشَّام فَرَأَيْت الْفَقِيه أَبَا الْفَتْح فَكَانَت طَرِيقَته أحسن من طريقتهما جَمِيعًا
توفّي الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح نصر يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع الْمحرم سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق وَخَرجُوا بجنازته وَقت الظّهْر فَلم يُمكنهُم دَفنه إِلَّا قريب الْغُرُوب لِكَثْرَة النَّاس
وقبره مَعْرُوف فِي بَاب الصَّغِير تَحت قبر مُعَاوِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ النَّوَوِيّ سمعنَا الشُّيُوخ يَقُولُونَ الدُّعَاء عِنْد قَبره يَوْم السبت مستجاب(5/353)
554 - نصر بن بشر بن عَليّ الْعِرَاقِيّ
أَبُو الْقَاسِم
نزيل الْبَصْرَة
ولي الْقَضَاء بِبَعْض نَوَاحِيهَا
سمع أَبَا الْقَاسِم بن بَشرَان وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَجَمَاعَة
روى عَنهُ هبة الله بن السَّقطِي والْحميدِي وشجاع الذهلي وَآخَرُونَ
تفقه على القَاضِي أبي الطّيب
قَالَ أَبُو الْفضل بن نَاصِر مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
555 - نصر بن نَاصِر بن الْحُسَيْن الْعمريّ
أَبُو المظفر بن الإِمَام الشريف الْمُتَقَدّم ذكره
تفقه على أَبِيه
قَالَ عبد الغافر مولده سنة سبع عشرَة
قَالَ وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
556 - هبة الله بن القَاضِي أبي عمر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البسطامي(5/354)
557 - هياج بن عبيد بن الْحُسَيْن(5/355)
558 - الْهَيْثَم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسلمة أَبُو الْفرج الْقرشِي(5/356)
559 - يحيى بن عَليّ بن الطّيب الْعجلِيّ
أَبُو طَالب الدسكري الصُّوفِي
الْمُقِيم بحلوان شيخ الْبَلَد وخادم الْفُقَرَاء بهَا
560 - يحيى بن عَليّ بن مُحَمَّد الحمدوني الْكشميهني(5/357)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _(5/358)
561 - يَعْقُوب بن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو يُوسُف الإسفرايني
خَازِن كتب الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد
562 - يُوسُف بن أَحْمد بن كج
القَاضِي الإِمَام أحد أَرْكَان الْمَذْهَب أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي
صَاحب أبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان وَحضر مجْلِس الداركي وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي حفظ الْمَذْهَب وارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الْآفَاق وأطنبوا فِي وَصفه بِحَيْثُ يفضله بَعضهم على الشَّيْخ أبي حَامِد
وَقَالَ لَهُ فَقِيه يَا أستاذ الِاسْم لأبي حَامِد وَالْعلم لَك قَالَ ذَاك رفعته بَغْدَاد وحطتني الدينور(5/359)
وَذكره الْعَبَّادِيّ قبل الشَّيْخ أبي حَامِد وجعلهم ثَلَاثَة أَقْرَان ابْن كج وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد والكشفلي
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي التسامع من كتاب الشَّهَادَات أَن ابْن كج ذكر أَنه تجوز الشَّهَادَة بالاستفاضة
قَالَ الرَّافِعِيّ وَقد يُنَازع لِإِمْكَان مُشَاهدَة الْيَد
قلت بل جزم قبل ذَلِك بِنَحْوِ أَربع وَرَقَات بمنازعته فَقَالَ فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّالِث فِي مُسْتَند علم الشَّاهِد وَالثَّانِي مَا يَكْفِي فِيهِ الإبصار وَهُوَ الْأَفْعَال كَالزِّنَا وَالشرب والإتلاف والولادة وَالرّضَاع والاصطياد والإحياء وَكَون المَال فِي يَد شخص فَيشْتَرط فِيهَا الرُّؤْيَة المتعلقه بهَا وبفاعلها وَلَا يجوز منا الشَّهَادَة فِيهَا على السماع من الْغَيْر
انْتهى
وَهُوَ صَرِيح فِيمَا قَالَه ابْن كج لَكِن الَّذِي قَالَه ابْن كج هُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
نَقله أَبُو الْحسن الْجُورِي فِي كتاب المرشد وَذكر أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ وَإِن اخْتلف فِي ثُبُوت الْملك بالاستفاضة
وَتلك فَائِدَة جليلة
وَهَذِه صُورَة النَّص قَالَ الشَّافِعِي قَالَ الله عز وَجل {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ عز من قَائِل {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} وَالْعلم الَّذِي تثبت بِهِ الشَّهَادَة من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الرُّؤْيَة الْمُجَرَّدَة وَهُوَ بِأَن شهد بِأَنَّهُ سرق أَو زنى أَو فعل
وَالثَّانِي السّمع الْمُجَرّد والثبوت فِي الْقلب وَهُوَ تظاهر الْأَخْبَار أَن زيد بن عبد الله وَسَائِر الْأَنْسَاب وَأَن هَذِه الدَّار فِي يَده فَيجوز لَهُ الشَّهَادَة بذلك وَإِن لم يحضر الْولادَة وَلَا الْيَد(5/360)
وَالثَّالِث مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى السّمع وَالْبَصَر جَمِيعًا
وسَاق النَّص بِطُولِهِ
ثمَّ قَالَ الْجُورِي أما الشَّهَادَة على النّسَب وَالدّين بِظَاهِر الْأَخْبَار فمتفق عَلَيْهِ وَإِذا تظاهرت الْأَخْبَار بِالْيَدِ فَلَا تسمع الشَّهَادَة بِالْملكِ من أصل الْيَد فَإِن الْيَد قد تكون عَن يَد وَدِيعَة وَيَد عَارِية وَيَد غصب فَلَا تسمع الشَّهَادَة إِلَّا على الْيَد كَمَا سمعُوا فَإِن تظاهرت الْأَخْبَار عِنْده على الْملك وَسعه الشَّهَادَة عِنْده على الْملك أَيْضا
انْتهى
563 - يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن التفكري الزنجاني(5/361)
يُوسُف بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الزنجاني الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم
564 - يُوسُف بن مُحَمَّد الشيج أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي
أحد الْأَئِمَّة
من تلامذة الشَّيْخ أبي طَاهِر الزيَادي وَمن أَقْرَان الْقفال فكثيرا مَا وَقع ذكره فِي فتاوي الْقفال وَمن مَشَايِخ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَمن صُدُور أهل خُرَاسَان علما وتوقد ذكاء
قَالَ أَبُو المظفر الأبيوردي فِي كِتَابه على أبيورد كَانَ من مشاهير الْعلمَاء لحق بالأئمة الْأَعْلَام وجاذب الفحول أهداب الْكَلَام ودرس وَأفْتى وصنف
وَله كتاب الْمسَائِل فِي الْفِقْه تفزع إِلَيْهِ الْفُقَهَاء وتتنافس فِيهِ الْعلمَاء(5/362)
وَقَالَ المطوعي مَا زَالَت بِهِ حرارة ذهنه وسلاطة وهمه وذكاء قلبه حَتَّى احْتَرَقَ جِسْمه واهتصر غصنه
قلت أَحْسبهُ توفّي فِي حُدُود الأربعمائة إِن لم يكن بعْدهَا فقبلها بِقَلِيل
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْخلْع إِذا قَالَ الزَّوْج خالعتك بِأَلف دِرْهَم فَقَالَت قبلت الْألف فَفِي فتاوي الْقفال أَنه يَصح وَيلْزم المَال وَإِن لم تقل اخْتلعت
وَكَذَا لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ خالعت زَوْجَتي على كَذَا فَقبل مِنْهُ
وَإِن أَبَا يَعْقُوب غلط فَقَالَ فِي حق الْمَرْأَة لَا بُد أَن تَقول اخْتلعت وَالْأَجْنَبِيّ لَا يحْتَاج إِلَيْهِ
انْتهى
وَأَبُو يَعْقُوب هُوَ الأبيوردي
وَقَول الرَّافِعِيّ فِي الْحِكَايَة عَنهُ لابد أَن تَقول اخْتلعت يفهم أَنه يُوجب ذكر هَذِه اللَّفْظَة وَلَا يَكْتَفِي بقبلت بل لابد من توَافق اللَّفْظَيْنِ غير أَن قَوْله فِي صدر الْمَسْأَلَة قبلت الْألف مَعَ تَفْرِقَة أبي يَعْقُوب بَين الْمَرْأَة وَالْأَجْنَبِيّ مِمَّا يفهم أَن مُرَاده لَيْسَ توَافق اللَّفْظَيْنِ فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ توَافق اللَّفْظَيْنِ لم يحْتَج إِلَى إِعَادَة ذكر الْألف فِي قَوْلهَا قبلت الْألف وَلَا كَانَ يفرق بَين الْأَمريْنِ(5/363)
أَبُو بكر الصيدلاني
إِمَام جليل الْقدر عَظِيم الشَّأْن من أَئِمَّة أَصْحَاب الْوُجُوه الخراسانيين وَمن عُظَمَاء تلامذة الْقفال الْمروزِي
واسْمه مُحَمَّد بن دَاوُد لِأَن أَبَا سعد بن السَّمْعَانِيّ ذكر فِي كتاب الْأَنْسَاب فِي بَاب الدَّال فِي تَرْجَمَة الدَّاودِيّ مَا نَصه وَأَبُو المظفر سُلَيْمَان بن دَاوُد بن مُحَمَّد ابْن دَاوُد الصيدلاني الْمَعْرُوف بالداودي نِسْبَة إل جده الْأَعْلَى وَهُوَ نَافِلَة الإِمَام أبي بكر الصيدلاني صَاحب أبي بكر الْقفال
انْتهى
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه يتَأَخَّر عَن الْقفال وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْبَسِيط فِي تصرف الْحَاكِم فِي مَال الأجنة إِن الصيدلاني حكى عَن الْقفال أَنه كَانَ يقف جَمِيع التَّرِكَة إِلَى انْفِصَال الْجَنِين وَوَقع فِي كَلَام ابْن الرّفْعَة أَن ابْن دَاوُد مُتَقَدم على الْقفال
565 - أَبُو الْحسن الْعَبَّادِيّ
صَاحب الرقم(5/364)
566 - أَبُو سعد بن أَحْمد بن أبي يُوسُف الْهَرَوِيّ
تلميذ القَاضِي أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وقاضي همذان
وَله شرح أدب الْقَضَاء للعبادي وَهُوَ الْمُسَمّى بالإشراف على غوامض الحكومات
كَانَ أحد الْأَئِمَّة وَهُوَ فِي حُدُود الْخَمْسمِائَةِ إِمَّا قبلهَا بِيَسِير وَهُوَ الْأَقْرَب وَلذَلِك ذَكرْنَاهُ فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَإِمَّا بعْدهَا بِيَسِير
وَهُوَ الَّذِي تحمل مَعَ أبي سعد الْمُتَوَلِي صَاحب التَّتِمَّة شَهَادَة على كتاب حكمي من قَاضِي هراة إِلَى مجْلِس القَاضِي الْحُسَيْن وَكَانَت الشَّهَادَة على الْخَتْم والعنوان إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين فَرد القَاضِي الْكتاب وَقَالَ الشَّهَادَة على الْخَتْم دون مَضْمُون الْكتاب غير مَقْبُولَة عِنْد الشَّافِعِي والعنوان دون تعْيين الْمَكْتُوب إِلَيْهِ غير جَائِز عِنْد أبي حنيفَة فَلَا أقبل كتابا اجْتمع الإمامان على رده كَمَا أَن من احْتجم وَمَسّ ذكره وَصلى لَا تصح صلَاته على المذهبين
وَبَين القَاضِي أبي سعد وَأبي الْحسن بن أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ صَاحب الرقم مناظرات(5/365)
وَمن فَوَائِد كتاب الإشراف
ذكر أَن القَاضِي إِذا رأى الْحَبْس تعزيرا لم يبلغ بالمحبوس سنة ورأيته مَنْصُوصا للشَّافِعِيّ فِي الْأُم
وَمن غرائب أبي سعد
دَعْوَاهُ أَن الْقيَاس الَّذِي لَا يجوز غَيره أَن الْإِقْرَار الْمُطلق للبالغ لَا يحكم بِهِ للْمقر وَلَا بُد من بَيَان السَّبَب
قَالَ غير أَن النَّاس ألفوا تَصْحِيحه مُطلقًا من غير بَيَان السَّبَب وَهُوَ خلاف قِيَاس الْمَذْهَب
نَقله عَنهُ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج ورده عَلَيْهِ وَقَالَ بل قِيَاس الْمَذْهَب خِلَافه وَلَا شَاهد لما ادَّعَاهُ لَا من دَلِيل وَلَا مَذْهَب
وَذكر فِي كتاب الإشراف نقلا عَن تَعْلِيق الْبَنْدَنِيجِيّ أَن الشَّافِعِي نَص فِي اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين تَفْرِيعا على القَوْل بِأَن الشُّفْعَة على الْفَوْر وَأَن فِيهَا خِيَار الْمجْلس وَأَنه لَو عُفيَ عَنْهَا كَانَ لَهُ الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس
قَالَ أَبُو سعد وَهَذِه غَرِيبَة
وَذكر أَبُو الْعَبَّاس أَن الْعَفو لَا خِيَار فِيهِ لِأَنَّهُ كالإبراء
قَالَ أَبُو سعد وَيبعد فِي الْقيَاس إِثْبَات الْخِيَار فِي الْعَفو ثمَّ أَخذ يوجهه بِأَن الْعَفو سَبَب لتقرير ملك المُشْتَرِي فيعقب بِخِيَار الْمجْلس كالشراء الَّذِي كَانَ سَببا لإِيجَاب الْملك فِيهِ وَعَكسه الْإِبْرَاء فَإِنَّهُ إِسْقَاط مَحْض لم يتَضَمَّن تَقْرِير ملك فِي عين فَلم يعقب بِخِيَار الْمجْلس
ثمَّ قَالَ أَبُو سعد أشبعت هَذَا الْفَصْل بَيَانا لذهول حذاق الإصحاب عَنهُ
قلت وَلَا بَيَان بِمَا ذكره فَإِن الْعَفو وَإِن قرر الْملك فَلَيْسَ هُوَ التَّمَلُّك وَلَعَلَّ الْإِبْرَاء(5/366)
أولى بِخِيَار الْمجْلس مِنْهُ أما إِن قُلْنَا تمْلِيك فَوَاضِح وَأما إِن قُلْنَا إِنَّه إِسْقَاط فلكونه أثر فِي السُّقُوط وَالْعَفو لم يُؤثر فِي الْملك شَيْئا
قَالَ أَبُو سعد وَقد حكى أَن أَبَا عَاصِم حكى القَوْل الْقَدِيم أَن الِاسْتِثْنَاء لَا يَصح فِي الظِّهَار لم أسمع هَذَا القَوْل من أحد وَلَعَلَّ سَببه أَن الْمعاصِي عِنْد أهل السّنة وَإِن وَقعت بِمَشِيئَة الله فَلَيْسَ من الْأَدَب إضافتها إِلَى مَشِيئَته كَمَا أَن خلق القردة والخنازير من الله وَلَا يحسن فِي أدب الْعُبُودِيَّة إضافتها إِلَى الله
ثمَّ قَالَ وَلَا يتَحَقَّق هَذَا الْوَجْه إِلَّا على قَول الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا وُقُوع الْمعاصِي بِمَشِيئَة العَبْد
قَالَ أَبُو سعد فَالْأَصَحّ أَن يُقَال وَقع تَصْحِيف فِي الْكتب وَإِنَّمَا هُوَ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة بَيَانه إِذا تطهر ليُصَلِّي صَلَاة الظّهْر وَلم يتَعَرَّض لغَيْرهَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فالطهارة صَحِيحَة فِي حق جَمِيع الصَّلَوَات وَإِن نفي غَيرهَا فأوجه الْبطلَان وَالصِّحَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع الصَّلَوَات
وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْقَدِيم أَنه لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة
وَالثَّالِث الِاسْتِثْنَاء صَحِيح فَتَصِح تِلْكَ الصَّلَاة دون غَيرهَا
قلت هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو سعد غَرِيب وَالْمَعْرُوف فِي تَوْجِيه هَذَا القَوْل أَن الظِّهَار إِخْبَار لَا إنْشَاء وَهُوَ أَيْضا تَوْجِيه ضَعِيف
وَقد أَطَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي فِي كِتَابه الفروق الْكَلَام على قَول من قَالَ الظِّهَار خبر لَا إنْشَاء لقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا}
وَسَأَلت أَنا الْوَالِد رَحمَه الله عَن ذَلِك وبحثت فِيهِ فَكتب مَا لخصته أَنا فِي كتاب ترشيح التوشيح فَلْينْظر فِيهِ
والرافعي ذكر فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَشِيئَة من كتاب الطَّلَاق فِي أَوَائِله عَن بَعضهم هَذَا التَّوْجِيه وَسكت عَلَيْهِ لكنه لما تكلم فِي كتاب الظِّهَار على قَول الْغَزالِيّ(5/367)
فِي الْوَجِيز إِنَّه إِخْبَار
قَالَ إِنَّه مَمْنُوع وَالظِّهَار تصرف منشأ كَالطَّلَاقِ
كَذَا فِي نُسْخَة وَفِي بعض النّسخ وَالظَّاهِر أَنه تصرف مُبْتَدأ كَالطَّلَاقِ
على أَن الْغَزالِيّ غير جازم بِكَوْنِهِ خَبرا بل عِنْده فِيهِ توقف أَلا ترَاهُ قَالَ فِي الْوَسِيط مَوضِع قَوْله فِي الْوَجِيز إِخْبَار إِن فِيهِ مشابهة الْإِخْبَار وَبِالْجُمْلَةِ القَوْل بإنه مَذْكُورَة فِي الْكتاب إِخْبَار لَا ينبو عَنهُ الذِّهْن فِي بَادِي الرَّأْي عِنْد سَمَاعه وَلَوْلَا ذَاك التَّقْرِير النفيس الَّذِي تلقيناه من الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله لَكنا مصممين على إِنْكَار هَذَا القَوْل كَيفَ وَقد قَالَ بِهِ فَحل هَذَا الْمَذْهَب وأسنده أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ عِنْد حكايته إِيَّاه فِي كتاب الطَّلَاق
وَلست أرى لذكر مَا لَا أفهمهُ وَجها
قَالَ أَبُو سعد لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِأَرْبَع شَرَائِط دَعْوَى البيع وَذكر الشّركَة بِالْملكِ الَّذِي بِهِ يَأْخُذهُ وَذكر الثّمن بِقَدرِهِ وَصفته وَالدُّعَاء إِلَى تَسْلِيم الشُّفْعَة
قَالَ وَأما دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فَغير مسموعة
قلت أما قَوْله فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فقد خَالفه الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَأَشَارَ فِي بَاب الشُّفْعَة إِلَى أَنَّهَا تسمع وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ الْجَزْم بِأَنَّهَا لَا تسمع
وَأما قَوْله لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِذكر الثّمن
إِذا أوصى لعَمْرو بِمِائَة ولزيد بِمِائَة وَقَالَ لخَالِد أَشْرَكتك مَعَهُمَا فَلهُ نصف مَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي قَول وَثلثه فِي قَول
حكى الْقَوْلَيْنِ القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف وَالْقَاضِي شُرَيْح فِي أدب الْقَضَاء(5/368)
إِذا قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لرجل وَقد سميته لوصيين بكر وخَالِد هما يسميانه
فاختلفا وهما عَدْلَانِ فعين كل مِنْهُمَا غير الَّذِي عينه صَاحبه وَشهد لَهُ وهما عَدْلَانِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا تبطل الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لم يوص لوَاحِد وَالثَّانِي يحلف كل مِنْهُمَا مَعَ شَاهده وَهُوَ بَينهمَا
وَتَبعهُ على حِكَايَة الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة القَاضِي شُرَيْح أَيْضا وَقد حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَاخِر بَاب الْوَصِيَّة عَن شرح أدب الْقَضَاء لأبي عَاصِم وَالشَّرْح هُوَ كتاب الإشراف
إِذا قَالَ ضع ثُلثي حَيْثُ شِئْت
قَالَ الشَّافِعِي لَا يَضَعهُ فِي زَوجته وَلَا فِيمَا لَا مصلحَة للْمَيت فِي وَضعه فِيهِ وَلَا فِي وَرَثَة الْمُوصي فَإِن وَضعه فِي وَرَثَة الْمُوصي لم يَصح الِاخْتِيَار وَلَا يخْتَار ثَانِيًا لِأَنَّهُ انعزال وَيحْتَمل أَنه كوكيل بَاعَ بِغَبن فَإِنَّهُ لَا يَصح ثمَّ إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل صَحَّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
هَذَا كَلَام أبي سعد وَالْقَائِل وَيحْتَمل هُوَ أَبُو عَاصِم كَذَا بَينه القَاضِي شُرَيْح
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي بَاب الدَّعْوَى والبينات فسر أَبُو عَاصِم كلمة التنصر بِمَا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِأَن آخر مَا تكلم بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله عِيسَى رَسُول الله
قَالَ القَاضِي أَبُو سعد وَفِيه إِشْكَال ظَاهر لِأَن الْمُسلمين يثبتون نبوة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَإِثْبَات نبوته لَيْسَ نفيا لنبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا عِنْد منكري الْمَفْهُوم فَيجب أَن يُفَسر بِمَا يخْتَص بِهِ النَّصَارَى
قَالَ ابْن الرّفْعَة الَّذِي حَكَاهُ فِي الإشراف عَن أبي عَاصِم وَلَو شهِدت أَن آخر مَا نطق(5/369)
بِهِ لَا إِلَه الله عِيسَى رَسُول الله وَأَنه بَرِيء من كل دين سواهُ كَانَ فِي معنى ذَلِك فَإِن كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكرنَا فَلَا إِشْكَال لِأَن من تَبرأ من كل دين سواهُ نَصْرَانِيّ وَإِن كَانَت كَمَا هِيَ مَوْجُودَة فِي الرَّافِعِيّ فَلَا إِشْكَال فِي وجود الْإِشْكَال
قلت قد يُقَال وَلَو كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكر ابْن الرّفْعَة فالإشكال بَاقٍ لِأَن التبري من كل دين سوى الِاعْتِرَاف بنبوة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يبرأ من الْإِسْلَام فإشكال أبي سعد بَاقٍ
فَإِن قلت ذكر التبري هُنَا قرينَة إِرَادَة النَّصْرَانِيَّة ظَاهرا
قلت وَكَذَا ذكر عِيسَى بمفرده خَالِيا عَن ذكر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الظَّاهِر أَن من يَجْعَل آخر كَلَامه عِيسَى غير معترف وَلَا مهتم بشأن نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن ثمَّ قضى بنصرانيته لِأَن هَذَا دَلِيل عَلَيْهَا قَاطع بل أَمارَة ظَاهِرَة وَإِن لم يكن فِي هَذِه الصِّيغَة خُصُوص التنصر بل قد يُقَال إِنَّهَا مُنَافِيَة لخُصُوص التنصر فَإِن خُصُوص التنصر دَعْوَى ألوهية عِيسَى لَا رسَالَته فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ فِي قَوْله إِن عِيسَى رَسُول الله آتٍ بِخِلَاف مُعْتَقد النَّصَارَى وَإِنَّمَا القَاضِي أَبُو عَاصِم لَعَلَّه لاحظ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَن ذكر عِيسَى فِي آخر كلمة نطق بهَا دَلِيل على اهتمامه بِهِ فَإِن الْإِنْسَان لَا يهتم فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَّا بِمَا هُوَ مطمح معتقده ومنتهى نظره وَلَو أَن عِنْد هَذَا من نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْد الْمُسلمين لما عدل عَن ذكره وَذكر مَا ذكره
فَإِن قلت غَايَته السُّكُوت عَن ذكر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت بل هُوَ بِذكر مَا يشبه الْمُنَافَاة غير سَاكِت فَلْيتَأَمَّل مَا أبديته فَلَعَلَّهُ مُرَاد أبي عَاصِم وَإِلَّا فَلَا وَجه لكَلَامه بِالْكُلِّيَّةِ وَالرجل أجل قدرا من أَن يخفى عَلَيْهِ هَذَا الْقدر(5/370)
وَرجح القَاضِي أَبُو سعد القَوْل بِأَن الْإِقْرَار للْوَارِث غير صَحِيح وَقَالَ أَنا أُفْتِي بِهِ
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم،،، تمّ بِحَمْد الله،،،،(5/371)
الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أَصْحَاب الإِمَام المطلبي أبي عبد الله الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من مَاتَ بعد الْخَمْسمِائَةِ
565 - أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الطَّالقَانِي
الشَّيْخ الإِمَام الْفَقِيه الصُّوفِي الْوَاعِظ الملقب رضى الدّين أحد الْأَعْلَام
ولد فِي سنة اثنتى عشرَة وَخَمْسمِائة بقزوين
وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة
وتفقه بهَا على ملكداد بن عَليّ
ثمَّ ارتحل إِلَى نيسابور
وتفقه على مُحَمَّد بن يحيى
وَسمع الكثيرمن أَبِيه وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَعبد الغافر الْفَارِسِي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَهبة الله(6/7)
ابْن السيدي ووجيه بن طَاهِر وَأبي الْفَتْح بن البطي وَغَيرهم بنيسابور وبغداد وَغَيرهمَا
روى عَنهُ ابْن الدبيثي وَمُحَمّد بن عَليّ بن أبي السهل الوَاسِطِيّ والموفق عبد اللَّطِيف ابْن يُوسُف وَالْإِمَام الرَّافِعِيّ وَغَيرهم
درس بِبَلَدِهِ مُدَّة ثمَّ بِبَغْدَاد ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد ودرس بالنظامية
وَحدث بكبار الْكتب ك تَارِيخ الْحَاكِم وَسنَن الْبَيْهَقِيّ وصحيح مُسلم ومُسْند إِسْحَاق وَغَيرهَا
وأملى عدَّة مجَالِس
قَالَ ابْن النجار كَانَ رَئِيس أَصْحَاب الشَّافِعِي وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والوعظ والزهد
وَحدث عَنهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ
وَقَالَ فِيهِ إِمَام كثير الْخَيْر موفر الْحَظ من عُلُوم الشَّرْع حفظا وجمعا ونشرا بالتعليم والتذكير والتصنيف وَكَانَ لِسَانه لَا يزَال رطبا من ذكر الله وَمن تِلَاوَة الْقُرْآن وَرُبمَا قرىء عَلَيْهِ الحَدِيث وَهُوَ يُصَلِّي ويصغي إِلَى مَا يَقُول القارىء وينبهه إِذا زل(6/8)
قلت وَأطَال ابْن النجار فِي تَرْجَمته وَالثنَاء على علمه وَدينه
وروى بِإِسْنَادِهِ حِكَايَة مبسوطة ذكر أَنه عربها من العجمي إِلَى الْعَرَبيَّة حاصلها أَن الطَّالقَانِي حكى عَن نَفسه أَنه كَانَ بليد الذِّهْن فِي الْحِفْظ وَأَنه كَانَ عِنْد الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى فِي الْمدرسَة وَكَانَ من عَادَة ابْن يحيى أَن يستعرض الْفُقَهَاء كل جُمُعَة وَيَأْخُذ عَلَيْهِم مَا حفظوه فَمن وجده مقصرا أخرجه فَوجدَ الطَّالقَانِي مقصرا فَأخْرجهُ فَخرج فِي اللَّيْل وَهُوَ لَا يدْرِي إِلَى أَيْن يذهب فَنَامَ فِي أتون حمام فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفل فِي فَمه مرَّتَيْنِ وَأمره بِالْعودِ إِلَى الْمدرسَة فَعَاد وَوجد الْمَاضِي مَحْفُوظًا واحتد ذهنه جدا
قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ من عَادَة الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى أَن يمْضِي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة فِي جمع من طلبته فَيصَلي عِنْد الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الأكاف الزَّاهِد
قَالَ فمضيت مَعَه فَلَمَّا جلس مَعَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن تكلم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي شَيْء من مسَائِل الْخلاف وَالْجَمَاعَة ساكتون تأدبا مَعَه وَأَنا لصِغَر سني وحدة ذهني أعترض عَلَيْهِ وأنازعه وَالْفُقَهَاء يشيرون إِلَى بالإمساك وَأَنا لَا ألتفت
فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن دَعوه فَإِن هَذَا الْكَلَام الَّذِي يَقُوله لَيْسَ هُوَ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ من الَّذِي علمه
قَالَ وَلم يعلم الْجَمَاعَة مَا أَرَادَ وفهمت أَنا وَعلمت أَنه مكاشف
قَالَ ابْن النجار وَقيل إِنَّه كَانَ مَعَ كَثْرَة اشْتِغَاله يداوم الصّيام وَيفْطر كل لَيْلَة على قرص وَاحِد(6/9)
وَحكى أَنه لما دعى إِلَى تدريس النظامية جَاءَ بالخلعة وَحَوله الْفُقَهَاء وَهُنَاكَ المدرسون والصدور والأعيان فَلَمَّا اسْتَقر على كرْسِي التدريس وقرئت الربعة الشَّرِيفَة ودعى دُعَاء الختمة الْتفت إِلَى الْجَمَاعَة قبل الشُّرُوع فِي إِلْقَاء الدَّرْس وَقَالَ من أَي كتب التفاسير تحبون أَن أذكر فعينوا كتابا
فَقَالَ من أَي سُورَة تُرِيدُونَ فعينوا
وَذكر لَهُم مَا أَرَادوا
وَكَذَلِكَ فعل فِي الْفِقْه وَالْخلاف لم يذكر إِلَّا مَا عين الْجَمَاعَة لَهُ فعجبوا لِكَثْرَة استحضاره
قَالَ ابْن النجار حَدثنِي شَيخنَا أَبُو الْقَاسِم الصُّوفِي قَالَ صلى شَيخنَا الْقزْوِينِي بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح فِي ليَالِي شهر رَمَضَان وَكَانَ يحضر عِنْده خلق كثير فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْخَتْم دَعَا وَشرع فِي تَفْسِير الْقُرْآن من أَوله وَلم يزل يُفَسر سُورَة سُورَة حَتَّى طلع الْفجْر فصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْفجْر بِوضُوء الْعشَاء وَخرج من الْغَد إِلَى الْمدرسَة النظامية وَكَانَ نوبَته فِي الْجُلُوس بهَا فَلَمَّا تكلم فِي الْمِنْبَر على عَادَته وطَابَ النَّاس وَكَانَ فِي الْمجْلس الْأَمِير قطب الدّين قيماز والأعيان فَذكرُوا لَهُم أَن الشَّيْخ لَيْلَة إِذْ فسر الْقُرْآن كُله فِي مجْلِس وَاحِد
فَقَالَ قطب الدّين الغرامة على الشَّيْخ واجبه
فَالْتَفت الشَّيْخ وَقَالَ إِن الْأَمِير أوجب علينا شَيْئا فَإِن كَانَ لَا يشق عَلَيْكُم وَفينَا بِهِ(6/10)
فَقَالُوا لَا بل نؤثر ذَلِك
فشرع وَفسّر الْقُرْآن من أَوله إِلَى أَخّرهُ من غير أَن يُعِيد كلمة مِمَّا ذكر لَيْلًا
فَأبْلسَ النَّاس من قُوَّة حفظه وغزارة علمه
قَالَ أَبُو أَحْمد بن سكينَة لما أظهر ابْن الصاحب الرَّفْض بِبَغْدَاد جَاءَنِي الْقزْوِينِي لَيْلًا فودعني وَذكر أَنه مُتَوَجّه إِلَى بِلَاده
فَقلت إِنَّك هَهُنَا طيب وَتَنْفَع النَّاس
فَقَالَ معَاذ الله أَن أقيم ببلدة يجْهر فِيهَا بسب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ خرج من بَغْدَاد إِلَى قزوين وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ
قلت أَقَامَ بقزوين مُعظما مُحْتَرما إِلَى أَن توفى بهَا
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الأمالي كَانَ يعْقد الْمجْلس للعامة ثَلَاث مَرَّات فِي الْأُسْبُوع إِحْدَاهَا صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة فَتكلم على عَادَته يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الْمحرم سنة تسعين وَخَمْسمِائة فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَذكر أَنَّهَا من أَوَاخِر مَا نزل وعد الْآيَات الْمنزلَة آخرا مِنْهَا {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَمِنْهَا سُورَة النَّصْر وَقَوله تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عَاشَ بعد نزُول هَذِه الْآيَة إِلَّا سَبْعَة أَيَّام
قَالَ الرَّافِعِيّ وَلما نزل من الْمِنْبَر حم وَمَات فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَلم يَعش بعد ذَلِك إِلَّا سَبْعَة أَيَّام
قَالَ وَذَلِكَ من عَجِيب الاتفاقات
قَالَ وَكَأَنَّهُ أعلم بِالْحَال وَأَنه حَان وَقت الارتحال(6/11)
وَدفن يَوْم السبت
قَالَ وَلَقَد خرجت من الدَّار بكرَة ذَلِك الْيَوْم على قصد التَّعْزِيَة وَأَنا فِي شَأْنه متفكر وَمِمَّا أَصَابَهُ منكسر إِذْ وَقع فِي خلدي من غير نِيَّة وفكر روية
(بَكت الْعُلُوم بويلها وعويلها ... لوفاة أحمدها ابْن إسماعيلها)
كَأَن أحدا يكلمني بذلك ثمَّ أضفت إِلَيْهِ أبياتا بالروية ذهبت عني
انْتهى
وَمن الْفَوَائِد عَن أبي الْخَيْر رَحمَه الله
لَهُ مُصَنف سَمَّاهُ حظائر الْقُدس عد فِيهِ لشهر رَمَضَان أَرْبَعَة وَسِتِّينَ اسْما
وَنقل فِيهِ فِي معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يحكيه عَن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصَّوْم لي وَأَنا أجزى بِهِ خَمْسَة وَخمسين قولا
من أغربها مَا نَقله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وناهيك بِهِ أَن يَوْم الْقِيَامَة يتَعَلَّق خصماؤه بِجَمِيعِ أَعماله إِلَّا الصَّوْم فَلَا سَبِيل لَهُم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لله تَعَالَى وَإِذا لم يبْق إِلَّا الصَّوْم يتَحَمَّل الله تَعَالَى مَا بَقِي من الْمَظَالِم ويدخله بِالصَّوْمِ الْجنَّة
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ فِي بَاب صَوْم التَّطَوُّع وَهَذَا إِن صَحَّ فِيهِ تَوْقِيف فَهُوَ فِي غَايَة الْحسن(6/12)
قلت قد يرد عَلَيْهِ بِمَا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَتَدْرُونَ من الْمُفلس)
قَالُوا من لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع
قَالَ (إِن الْمُفلس من أمتِي من يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة قد شتم هَذَا وَقذف هَذَا وَأكل مَال هَذَا وَسَفك دم هَذَا وَضرب هَذَا فيعطي هَذَا من حَسَنَاته وَهَذَا من حَسَنَاته فَإِن فنيت حَسَنَاته أَخذ من خطاياهم وطرحت عَلَيْهِ ثمَّ طرح فِي النَّار)
الحَدِيث ظَاهره أَنه يُؤْخَذ من الصَّوْم
فَإِن قلت الصَّوْم لَيْسَ من حَسَنَاته وَإِنَّمَا هُوَ لله تَعَالَى لَا يُضَاف إِلَى العَبْد
قلت هَذَا حسن غير أَن قَوْله ثمَّ طرح فِي النَّار مَعَ أَن لَهُ صياما يدل على أَن الصَّوْم وَإِن بَقِي سالما لم يتَعَلَّق الْخُصُوم مِنْهُ بِشَيْء لَا يتَعَيَّن مَعَه دُخُول الْجنَّة بل يَقع مَعَه دُخُول النَّار فَلَا بُد لِسُفْيَان من تَوْقِيف وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث ظَاهر يرد عَلَيْهِ(6/13)
566 - أَحْمد بن بختيار بن عَليّ بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس المندائي الوَاسِطِيّ
ولد فِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة ورحل إِلَى بَغْدَاد
وَسمع من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهمَا
وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا باللغة وَالْأَدب
ولي قَضَاء وَاسِط مُدَّة
وصنف كتاب الْقُضَاة وَغير ذَلِك
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة
وَهُوَ وَالِد أبي الْفَتْح المندائي
روى عَنهُ ابْنه وَجَمَاعَة(6/14)
567 - أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ القَاضِي أَبُو شُجَاع
صَاحب الْغَايَة فِي الِاخْتِصَار ووقفت لَهُ على شرح الْإِقْنَاع الَّذِي أَلفه القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ
قَالَ ياقوت فِي الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على عبادان مَا نَصه وإليها ينْسب القَاضِي أَبُو شُجَاع أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الشَّافِعِي الْعَبادَانِي
روى عَنهُ السلَفِي وَقَالَ هُوَ من أَوْلَاد الدَّهْر درس بِالْبَصْرَةِ أَزِيد من أَرْبَعِينَ سنة فِي مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ ذكر لي ذَلِك فِي سنة خَمْسمِائَة وعاش بعد ذَلِك مَا لَا أتحققه
وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالْبَصْرَةِ وَأَن وَالِده مولده أَصْبَهَان(6/15)
568 - أَحْمد بن حَمْزَة بن أَحْمد التنوخي العرقي بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه
قَالَ السلَفِي قَرَأَ على كثيرا من الحَدِيث وعلقت عَنهُ فَوَائِد أدبية
سمع الحَدِيث وَقَرَأَ الْقُرْآن على أبي الْحُسَيْن الخشاب
واللغة على ابْن القطاع
والنحو على مَسْعُود الدولة الدِّمَشْقِي
وَكَانَ أَبوهُ ولي الْقَضَاء بِمصْر
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي بالإسكندرية ثمَّ حمل لمصر وَدفن بهَا
وَكَانَ شافعيا بارعا فِي الْأَدَب
وَلم يذكر السلَفِي وَفَاته
ذكر ذَلِك ياقوت فِي الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على بلد عرقة بلد بشرقي طرابلس فِي آخر أَعمال دمشق
569 - أَحْمد بن زر بن كم بن عقيل أَبُو نصر الْكَمَال السمناني
أَبوهُ زر بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا رَاء مُشَدّدَة(6/16)
وجده كم بِضَم الْكَاف بعْدهَا مِيم مُشَدّدَة
كَذَا أحفظه
وَسمعت من يَقُول بل وَالِده زرين كم بِفَتْح الزَّاي ثمَّ الرَّاء الساكنة الْخَفِيفَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ نون ثمَّ كَاف مَضْمُومَة ثمَّ مِيم مُشَدّدَة
قَالَ وَهُوَ اسْم عجمي على هَيْئَة مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ وجده عقيل
570 - أَحْمد بن سعد بن عَليّ بن الْحسن بن الْقَاسِم بن عنان أَبُو عَليّ ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور الْعجلِيّ الهمذاني الْمَعْرُوف بالبديع
ولد سنة ثَمَان وَخمسين(6/17)
وسَمعه أَبوهُ
ثمَّ رَحل هُوَ بِنَفسِهِ إِلَى أَصْبَهَان وبغداد والكوفة والري
سمع أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ ويوسف بن مُحَمَّد الهمذاني الْخَطِيب وَأَبا الْفرج بن عبد الحميد وَأَبا طَاهِر بن الزَّاهِد وغالب الهمذانيين وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ وَالقَاسِم بن الْفضل الرئيس بأصبهان وَابْن البطر وَجَمَاعَة بِبَغْدَاد ومكي بن عَلان بالكرج
روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَطَائِفَة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شيخ إِمَام فَاضل ثِقَة كَبِير جليل الْقدر وَاسع الرِّوَايَة حسن المعاشرة وَله شعر جيد
توفّي فِي رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وقبره يزار
571 - أَحْمد بن سَلامَة بن عبيد الله بن مخلد بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ الْكَرْخِي أَبُو الْعَبَّاس ابْن الرطبي
كَانَ أحد الْأَئِمَّة وَمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْخلاف وَالنَّظَر(6/18)
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ
ثمَّ خرج إِلَى أَصْبَهَان فَأخذ عَن مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي
وَولي الْقَضَاء بِالْحَرِيمِ الظَّاهِرِيّ بِبَغْدَاد والحسبة
سمع أَبَا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا
روى عَنهُ عَليّ بن أَحْمد اليزدي وَيحيى بن ثَابت الْبَقَّال وَيحيى بن بوش وَغَيرهم
وَكَانَ يُؤَدب الراشد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَثِيرًا من أَوْلَاد الْخُلَفَاء
ولد فِي أَوَاخِر سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة(6/19)
572 - أَحْمد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن شمر الخمقري القَاضِي أَبُو نصر البهوني
من أهل بهونة إِحْدَى الْقرى الْخمس الَّتِي يُقَال لَهَا بنج دِيَة من قرى مرو وَيُقَال لمن ينْسب إِلَيْهَا خمقري بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْقَاف وَفِي آخرهَا الرَّاء ثمَّ يَاء النّسَب
وَهَذِه الْقرى خمس مجتمعة وَهِي ابغاني ومرست ويزد وكريكان وبهونة وَيُقَال لَهَا خمس قرى
هَكَذَا يَقُولُونَ هَذِه خمس قرى وَرَأَيْت خمس قرى ومررت بِخمْس قرى
وَيُقَال لَهَا أَيْضا بنج ديه
ولد فِي الْعشْرين من شعْبَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه على أسعد الميهني وَأبي بكر السَّمْعَانِيّ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب التحبير وتفقه بطوس أَيْضا على حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ
وَسمع هبة الله بن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ وَأَبا سعيد مُحَمَّد بن عَليّ الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا متفننا مناظرا مبرزا عَارِفًا بالأدب واللغة مليح الشّعْر نظر فِي عُلُوم الْأَوَائِل وَحصل مِنْهَا طرفا مَعَ حسن الِاعْتِقَاد وَسُرْعَة الدمعة والمواظبة على الصَّلَاة(6/20)
سَمِعت مِنْهُ كتاب فَضِيلَة الْعلم وَالْعُلَمَاء من جمع هبة الله الشِّيرَازِيّ بروايته عَنهُ
وَكَانَ قد اخْتَلَّ فِي آخر عمره وَاخْتَلَطَ وخف دماغه
توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِخمْس قرى وَهِي بنج ديه
هَذَا كَلَامه فِي التحبير وَلم يذكرهُ فِي الْأَنْسَاب وَإِنَّمَا ذكر شَيخا خمقريا غَيره يُقَال لَهُ عبد الله بن سعيد سمع أَيْضا من هبة الله الشِّيرَازِيّ وَتُوفِّي قبل هَذَا بِسنة
573 - أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن عبد الله أَبُو الْحسن ابْن الآبنوسي الْبَغْدَادِيّ الْوَكِيل
ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَجَمَاعَة
حدث عَنهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَغَيرهمَا
وتفقه على القَاضِي أبي بكر الشَّامي وَأبي الْفضل الهمذاني
وَكَانَ يعرف الْمَذْهَب وَالْخلاف والفرائض والحساب
توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة(6/21)
574 - أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّاشِي أَبُو نصر بن أبي مُحَمَّد بن الإِمَام أبي بكر
تفقه على أبي الْحسن ابْن الْخلّ
وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى
وَحدث بِيَسِير
مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة
575 - أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأَشْرَف الْبكْرِيّ الْمروزِي الْوَاعِظ ذكره الْحَافِظ أَبُو سعد فِي شُيُوخه
وَذكره ابْن باطيش
576 - أَحْمد بن عبد الرَّزَّاق بن حسان بن سعيد بن حسان المنيعي
من بَيت الرياسة التَّامَّة والحشمة الزَّائِدَة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مبرزا
رَحل إِلَيْهِ الْفُقَهَاء ودرسوا عَلَيْهِ
وَبنى الْمدرسَة الْكَبِيرَة بِبَلَدِهِ مرو الروذ
وَحدث عَن جمَاعَة
وَتُوفِّي سنة نَيف وَعشرَة وَخَمْسمِائة بمرو الروذ(6/22)
577 - أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد ابْن دِينَار الْأَصْغَر بن مُحَمَّد بن دِينَار الْأَكْبَر
وصل ابْن النجار نسبه إِلَى كسْرَى أنوشروان
أَبُو الْعَبَّاس بن أبي يعلى بن أبي الْقَاسِم
من أهل البندنيجين وَكَانَ قاضيها
سمع بِبَغْدَاد من أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَغَيره
ولد فِي لَيْلَة الْعِيد الْأَكْبَر سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة
وَتُوفِّي فِي حُدُود سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة بالبندنيجين
578 - أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يحيى بن حَازِم بن عَليّ بن رِفَاعَة الشَّيْخ الزَّاهِد الْكَبِير
أحد أَوْلِيَاء الله العارفين والسادات المشمرين أهل الكرامات الباهرة أَبُو الْعَبَّاس بن أبي الْحسن بن الرِّفَاعِي المغربي(6/23)
قدم أَبوهُ إِلَى الْعرَاق وَسكن بِبَعْض الْقرى وَتزَوج بأخت الشَّيْخ مَنْصُور الزَّاهِد ورزق مِنْهَا أَوْلَادًا مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد هَذَا لكنه مَاتَ وَأحمد حمل فَلَمَّا ولد رباه وأدبه خَاله مَنْصُور
وَكَانَ مولده فِي الْمحرم سنة خَمْسمِائَة
وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ كِتَابه التَّنْبِيه
وَلَو أردنَا اسْتِيعَاب فضائله لضاق الْوَقْت وَلَكنَّا نورد مَا فِيهِ بَلَاغ
قَالَ الشَّيْخ يَعْقُوب بن كراز وَهُوَ من أخص أَصْحَاب الشَّيْخ أَحْمد كَانَ سَيِّدي أَحْمد فِي الْمجْلس فَقَالَ لأَصْحَابه أَي سادة أَقْسَمت عَلَيْكُم بالعزيز سُبْحَانَهُ من كَانَ يعلم فِي عَيْبا فليقله
فَقَامَ الشَّيْخ عمر الفاروثي فَقَالَ أَنا أعلم عيبك إِن مثلنَا من أَصْحَابك
فَبكى الشَّيْخ والفقراء
وَقَالَ أَي عمر إِن سلم الْمركب حمل من فِيهِ فِي التَّعْدِيَة
وَقيل إِن هرة نَامَتْ على كم الشَّيْخ وَجَاء وَقت الصَّلَاة فَقص كمه وَلم يزعجها وَعَاد من الصَّلَاة فَوَجَدَهَا قد قَامَت فوصل الْكمّ بِالثَّوْبِ وخيطه وَقَالَ مَا تغير شَيْء
وَعَن يَعْقُوب دخلت على سَيِّدي أَحْمد فِي يَوْم بَارِد وَقد تَوَضَّأ وَيَده ممدودة فَبَقيَ زَمَانا لَا يُحَرك يَده فتقدمت إِلَى تقبيلها فَقَالَ أَي يَعْقُوب شوشت على هَذِه الضعيفة(6/24)
قلت من هِيَ
قَالَ الْبَعُوضَة كَانَت تَأْكُل رزقها من يَدي فهربت مِنْك
قَالَ ورأيته مرّة يتَكَلَّم وَيَقُول يَا مباركة مَا علمت بك أبعدتك عَن وطنك
فَنَظَرت فَإِذا جَرَادَة تعلّقت بثوبة وَهُوَ يعْتَذر إِلَيْهَا رَحْمَة لَهَا
وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد سلكت كل طَرِيق فَمَا رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل وَلَا أصلح من الذل والافتقار والانكسار لتعظيم أَمر الله والشفقة على خلق الله والاقتداء بِسنة سَيِّدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ يجمع الْحَطب ويحمله إِلَى بيُوت الأرامل وَالْمَسَاكِين وَرُبمَا كَانَ يمْلَأ المَاء لَهُم
قَالَ يَعْقُوب قَالَ لي سَيِّدي أَحْمد لما بُويِعَ مَنْصُور قيل لَهُ مَنْصُور اطلب
فَقَالَ أَصْحَابِي
فَقَالَ رجل لسيدي أَحْمد يَا سَيِّدي فَأَنت أيش
فَبكى وَقَالَ أَي فَقير وَمن أَنا فِي الْبَين ثَبت نسب واطلب مِيرَاث
فَقلت يَا سَيِّدي أقسم عَلَيْك بالعزيز أيش أَنْت
قَالَ يَعْقُوب لما اجْتمع الْقَوْم وَطلب كل وَاحِد شَيْئا دارت النّوبَة إِلَى هَذَا اللاش أَحْمد وَقيل أَي أَحْمد اطلب(6/25)
قلت أَي رب علمك مُحِيط بطلبي
فكرر عَليّ القَوْل
فَقلت أَي مولَايَ أُرِيد أَلا أُرِيد وأختار أَلا يكون لي خِيَار
فَأَجَابَنِي وَصَارَ الْأَمر لَهُ
وَعَن يَعْقُوب مر سَيِّدي أَحْمد على دَار الطَّعَام فَرَأى الْكلاب يَأْكُلُون التَّمْر من القوصرة وهم يتحارشون فَوقف على الْبَاب لِئَلَّا يدْخل إِلَيْهِم أحد يؤذيهم
وَعنهُ لَو أَن عَن يَمِيني خَمْسمِائَة يروحوني بمراوح الند وَالطّيب وهم من أقرب النَّاس إِلَيّ وَعَن يساري مثلهم وهم من أبْغض النَّاس لي مَعَهم مقاريض يقرضون بهَا لحمى مَا زَاد هَؤُلَاءِ عِنْدِي وَلَا نقص هَؤُلَاءِ عِنْدِي بِمَا فَعَلُوهُ ثمَّ قَرَأَ {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم وَالله لَا يحب كل مختال فخور}
وَكَانَ لايجمع بَين قميصين لَا فِي شتاء وَلَا صيف وَلَا يَأْكُل إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَكلَة
وأحضر بعض الأكابر مَرِيضا ليدعو لَهُ الشَّيْخ فَبَقيَ أَيَّامًا لم يكلمهُ فَقَالَ يَعْقُوب أَي سَيِّدي مَا تَدْعُو لهَذَا الْمَرِيض
فَقَالَ أَي يَعْقُوب وَعزة الْعَزِيز لِأَحْمَد كل يَوْم عَلَيْهِ حَاجَة مقضية وَمَا سَأَلته مِنْهَا حَاجَة وَاحِدَة(6/26)
فَقلت أَي سَيِّدي فَتكون وَاحِدَة لهَذَا الْمَرِيض الْمِسْكِين
فَقَالَ لَا كَرَامَة وَلَا غزازة تريدني أكون سيىء الْأَدَب لي إِرَادَة وَله إِرَادَة
ثمَّ قَرَأَ {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين} أَي يَعْقُوب الرجل الْمِسْكِين المتمكن فِي أَحْوَاله إِذا سَأَلَ الله حَاجَة وقضيت لَهُ نقص تمكنه دَرَجَة
فَقلت أَرَاك تَدْعُو عقيب الصَّلَوَات وكل وَقت
قَالَ ذَاك الدُّعَاء تعبد وامتثال وَدُعَاء الْحَاجَات لَهُ شُرُوط وَهُوَ غير هَذَا الدُّعَاء
ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ تعافى ذَاك الْمَرِيض
وَعَن يَعْقُوب وَسُئِلَ عَن أوراد سَيِّدي أَحْمد فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات بِأَلف قل هُوَ الله أحد ويستغفر كل يَوْم ألف مرّة واستغفاره أَن يَقُول {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} عملت سوءا وظلمت نَفسِي وأسرفت فِي أَمْرِي وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
وَذكر غير ذَلِك
توفّي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة
ومناقبة أَكثر من أَن تحصر وَقد أفرد لَهَا بعض الصلحاء كتابا يَخُصهَا(6/27)
579 - أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الطَّيِّبِيّ
قَاضِي الطّيب بِكَسْر الطَّاء وَإِسْكَان الْيَاء أخر الْحُرُوف
تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق
وَسمع الحَدِيث من ابْن الْمُهْتَدي وَابْن الْمَأْمُون
ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وروى عَنهُ أَبُو الْحسن اليزدي وَغَيره
وَاسْتشْهدَ بالطيب بعد سنة خَمْسمِائَة
580 - أَحْمد بن عَليّ بن بدران أَبُو بكر الْحلْوانِي
الْمَذْكُور فِي بَاب قسم الصَّدقَات من شرح الرَّافِعِيّ أَنه سمع أَبَا إِسْحَق الشِّيرَازِيّ يَقُول فِي اخْتِيَاره ورأيه إِنَّه يجوز صرف زَكَاة الْفطر إِلَى النَّفس الْوَاحِدَة(6/28)
نقل الرَّافِعِيّ ذَلِك من خطه عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَق
وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ بغداديا صَالحا يعرف بخالوه
ولد فِي حُدُود سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع الْكثير من الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ والجوهري وَآخَرين
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي والسلفي وخطيب الْموصل أَبُو الْفضل وَخلق أخرهم ابْن كُلَيْب
قَالَ السلَفِي كَانَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بالصلاح والعفة وَقد خرج الْحميدِي من حَدِيثه فَوَائِد سمعناها عَلَيْهِ
توفّي سنة سبع وَخَمْسمِائة
وَمن تصانيفه
كتاب لطائف المعارف
وَفِيه يَقُول أول ماظهر من الظُّلم فِي هَذِه الْأمة قَوْلهم تَنَح عَن الطَّرِيق
يُقَال إِن ذَلِك حدث فِي زمَان عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أول من اتخذ البيمارستان الْوَلِيد بن عبد الْملك(6/29)
581 - أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن برهَان الأصولي
وبرهان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
هُوَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفَتْح
كَانَ أَولا حنبلي الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل
وتفقه على الشَّاشِي وَالْغَزالِيّ وإلكيا
وَكَانَ حاذق الذِّهْن عَجِيب الْفطْرَة لَا يكَاد يسمع شَيْئا إِلَّا حفظه وَتعلق بذهنه
وَلم يزل مواظبا على الْعلم حَتَّى ضرب الْمثل باسمه
وَولى تدريس النظامية مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل ثمَّ وَليهَا يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ عزل ثَانِيًا
وَكَانَت الرحلة قد انْتَهَت إِلَيْهِ وتزاحمت الطلاب على بَابه حَتَّى انْتهى حَاله إِلَى أَن صَار جَمِيع نَهَاره وقطعه من ليله مستوعبا فِي الِاشْتِغَال يجلس من وَقت السحر إِلَى وَقت الْعشَاء الْآخِرَة ويتأخر أَيْضا بعْدهَا
وَحكي أَن جمَاعَة سَأَلُوهُ أَن يذكر لَهُم درسا من كتاب الْإِحْيَاء للغزالي فَقَالَ لَا أجد لكم وقتا(6/30)
فَكَانُوا يعينون الْوَقْت فَيَقُول فِي هَذَا الْوَقْت أذكر الدَّرْس الْفُلَانِيّ إِلَى أَن قرروا مَعَه أَن يذكر لَهُم درسا من الْإِحْيَاء نصف اللَّيْل
وَقد سمع الحَدِيث من أبي الْخطاب بن البطر وَأبي عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن طَلْحَة النعالي وَغَيرهمَا
وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ عَليّ أبي طَالب الزَّيْنَبِي
ولد فِي شَوَّال سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة
وَله مصنفات فِي أصُول الْفِقْه مِنْهَا الْأَوْسَط والْوَجِيز وَغير ذَلِك
وَحكى فِي الْوَجِيز قولا ثَالِثا فِي مَفْهُوم اللقب عَن بعض عُلَمَائِنَا أَنه إِن كَانَ اسْم ذَات كَقَوْلِك قَامَ زيد فَهُوَ غير حجَّة وَإِن كَانَ اسْم نوع كَقَوْلِك تجب الزَّكَاة فِي النعم فحجة
582 - أَحْمد بن عمر بن الْحسن الْكرْدِي أَبُو الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالوجيه
قَالَ ابْن النجار قَرَأَ الْفِقْه بتبريز على فقيهها ابْن أبي عَمْرو حَتَّى برع فِيهِ
وَيُقَال إِنَّه كَانَ يحفظ كتاب الْمُهَذّب لأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ جَمِيعه. .
قدم بَغْدَاد واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته
ورتب معيدا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية
قَالَ وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والزهد والديانة وَالتَّقوى(6/31)
رَأَيْته غير مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ مهابة وجلالة وأنوار الْعلم وَالصَّلَاح ظَاهِرَة عَلَيْهِ
توفّي فِي ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
583 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سلفة الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو ظَاهر بن أبي أَحْمد السلَفِي الْأَصْبَهَانِيّ الجراوآني
وجروآن بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الرَّاء ثمَّ الْوَاو ثمَّ الْألف الممدودة ثمَّ النُّون محلّة بأصبهان
وسلفة فِيمَا ذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ لقب لِأَحْمَد وَفِيمَا كنت أحفظه اسْم لوالد إِبْرَاهِيم وَلَعَلَّ الأثبت مَا ذكر شَيخنَا(6/32)
كَانَ حَافِظًا جَلِيلًا وإماما كَبِيرا وَاسع الرحلة دينا ورعا حجَّة ثبتا فقهيا لغويا انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد مَعَ الْحِفْظ والإتقان
قيل مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة تخمينا لَا يَقِينا
وَقيل سنة خمس وَسبعين
وَقيل سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ قَول سَاقِط فَإِن السلَفِي جَاوز الْمِائَة بِلَا ريب
وَقد طلب الحَدِيث وَكتب الْأَجْزَاء وَقَرَأَ بالروايات فِي سنة تسعين وَبعدهَا
وَحكى عَن نَفسه إِنَّه حدث سنة اثنيتن وَتِسْعين وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة وَأَنه كَانَ ابْن سبع عشرَة سنة أَو نَحْوهَا
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ سمعته يَقُول أَنا أذكر قتل نظام الْملك فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَكَانَ عمري نَحْو عشر سِنِين وَقد كتبُوا عني فِي أول سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَنا ابْن سبع عشرَة سنة أَو أَكثر أَو أقل وَلَيْسَ فِي وَجْهي شَعْرَة كالبخاري يَعْنِي لما كتبُوا عَنهُ
وَأول سَماع السلَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ سمع من الْقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف السمسار وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْمَدِينِيّ وَالْفضل بن عَليّ الْحَنَفِيّ ومكي بن مَنْصُور بن عَلان الكرجي وَمعمر بن أَحْمد اللنباني
وَعمل معجما حافلا لشيوخه الأصبهانيين(6/33)
ثمَّ رَحل فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين إِلَى بَغْدَاد وَأدْركَ نصرا ابْن البطر
قَالَ فِيمَا يَحْكِي عَن نَفسه دَخَلتهَا فِي رَابِع شهر شَوَّال فَلم يكن لي همة سَاعَة دُخُولهَا إِلَّا الْمُضِيّ إِلَى ابْن البطر فَدخلت عَلَيْهِ شَيخا عسرا فَقلت قد وصلت من أَصْبَهَان لِأَجلِك
فَقَالَ اقْرَأ
جعل بدل الرَّاء غينا
فَقَرَأت عَلَيْهِ وَأَنا متك لأجل دَمًا مل بِي
فَقَالَ أبْصر ذَا الْكَلْب
فاعتذرت إِلَيْهِ بالدماميل وبكيت من كَلَامه وقرأت سَبْعَة عشر حَدِيثا وَخرجت
ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ نَحوا من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا وَلم يكن بِذَاكَ
وَسمع بِبَغْدَاد أَيْضا من أبي بكر الطريثيثي وَأبي عبد الله بن البسرى وثابت بن بنْدَار والموجودين بهَا إِذْ ذَاك
وَعمل معجما لشيوخها
ثمَّ حج وَسمع فِي طَرِيقه بِالْكُوفَةِ من أبي الْبَقَاء المعمر بن مُحَمَّد الحبال
وبمكة من الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ
وبالمدينة من أبي الْفرج الْقزْوِينِي
وَعَاد إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ
ثمَّ رَحل إِلَى الْبَصْرَة سنة خَمْسمِائَة فَسمع من مُحَمَّد بن جَعْفَر العسكري وَجَمَاعَة
وبزنجان من أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن زنجوية
وبهمذان من أبي غَالب أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُزَكي وَطَائِفَة(6/34)
وجال فِي الْجبَال ومذنها
وَسمع بِالريِّ والدينور وقزوين وساوة ونهاوند
وَكَذَلِكَ طَاف بِلَاد أذربيجان إِلَى دربند فَسمع بأماكن وَعَاد إِلَى الجزيرة من ثغر آمد
وَسمع بخلاط ونصيبين والرحبة
وَقدم دمشق سنة تسع وَخَمْسمِائة بِعلم جم فَأَقَامَ بهَا عَاميْنِ وَسمع بهَا من أبي طَاهِر الحنائي وَأبي الْحسن ابْن الموازيني وَخلق
ثمَّ مضى إِلَى صور وَركب مِنْهَا الْبَحْر الْأَخْضَر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واستوطنها إِلَى الْمَوْت
لم يخرج مِنْهَا إِلَّا مرّة فِي سنة سبع عشرَة إِلَى مصر فَسمع من أبي صَادِق الْمَدِينِيّ والموجودين بهَا وَعَاد وَجمع معجما ثَالِثا لشيوخه فِيمَا عدا بَغْدَاد وأصبهان
سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد من شُيُوخه ورفاقه أَبُو عَليّ البرداني وهزارسب بن عوض وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَعبد الْملك بن يُوسُف وَسعد الْخَيْر الأندلسي
وروى عَنهُ شيخة الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر وسبطة أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي وَبَينهمَا فِي الْمَوْت مائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ سنة
وروى عَنهُ أَيْضا الْحَافِظ سعد الْخَيْر وَعلي بن إِبْرَاهِيم السَّرقسْطِي(6/35)
وَأَبُو الْعِزّ مُحَمَّد بن عَليّ الملقاباذي وَالطّيب بن مُحَمَّد الْمروزِي
وَقد روى عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وَمَات ابْن السَّمْعَانِيّ قبله بِأَرْبَع عشرَة سنة
وروى عَنهُ أَيْضا الصائن هبة الله بن عَسَاكِر وَيحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ
وروى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ جمَاعَة مَاتُوا قبله مِنْهُم القَاضِي عِيَاض
وَحدث عَنهُ أُمَم مِنْهُم حَمَّاد الْحَرَّانِي والحفاظ عَليّ بن الْمفضل وَعبد الْغَنِيّ وَعبد الْقَادِر الرهاوي والفقيه بهاء الدّين بن الجميزي والسبط وخلائق آخِرهم أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن السفاقسي ابْن أُخْت الْحَافِظ عَليّ ابْن الْمفضل الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة روى عَن السلَفِي المسلسل بالأولية حضورا وَلم يكن عِنْده سواهُ
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ لَا أعلم أحدا فِي الدُّنْيَا حدث نيفا وَثَمَانِينَ سنة سوى السلَفِي
تفقه السلَفِي على إِلْكيَا أبي الْحسن الطَّبَرِيّ وفخر الْإِسْلَام الشَّاشِي ويوسف ابْن عَليّ الزنجاني
وَأخذ الْأَدَب عَن أبي زَكَرِيَّا التبريزي وَغَيره
وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات(6/36)
ذكره ابْن عَسَاكِر فَقَالَ سمع من لَا يُحْصى وَحدث بِدِمَشْق فَسمع مِنْهُ أَصْحَابنَا وَلم أظفر بِالسَّمَاعِ مِنْهُ
وَسمعت بقرأءته من شُيُوخ عدَّة
ثمَّ خرج إِلَى مصر واستوطن الْإسْكَنْدَريَّة وَتزَوج بهَا امْرَأَة ذَات يسَار
وحصلت لَهُ ثروة بعد فقر وتصوف
وَصَارَت لَهُ بالإسكندرية وجاهة
وَبنى لَهُ الْعَادِل عَليّ بن إِسْحَاق ابْن السلار أَمِير مصر مدرسة بالإسكندرية
وحَدثني عَنهُ أخي وَأَجَازَ لي
انْتهى
وَابْن السلار وَزِير الْخَلِيفَة الظافر العبيدي صَاحب مصر وَهَذِه عَادَة وزراء العبيديين يسمون بالملوك
وَكَانَ ابْن السلار هَذَا سنيا شافعيا ولي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة قبل الوزراء وَبنى الْمدرسَة إِذْ ذَاك
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ ثِقَة ورع متقن مُثبت حَافظ فهم لَهُ حَظّ من الْعَرَبيَّة كثير الحَدِيث حسن الْفَهم والبصيرة فِيهِ
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي سَمِعت من يَحْكِي عَن الْحَافِظ ابْن نَاصِر أَنه قَالَ عَن السلَفِي كَانَ بِبَغْدَاد كَأَنَّهُ شعلة نَار فِي تَحْصِيل الحَدِيث
قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ لَهُ عِنْد مُلُوك مصر الجاه والكلمة النافذة مَعَ مُخَالفَته لَهُم فِي الْمَذْهَب وَكَانَ لَا تبدو مِنْهُ جفوة لأحد وَيجْلس للْحَدِيث فَلَا يشرب مَاء وَلَا يبصق وَلَا يتورك وَلَا يبدوا لَهُ قدم وَقد جَاوز الْمِائَة(6/37)
بَلغنِي أَن سُلْطَان مصر حضر عِنْده للسماع فَجعل يتحدث مَعَ أَخِيه فزبرهما وَقَالَ أيش هَذَا نَحن نَقْرَأ الحَدِيث وأنتما تتحدثان
قَالَ وَبَلغنِي أَنه فِي مُدَّة مقَامه بالإسكندرية وَهِي أَربع وَسِتُّونَ سنة مَا خرج إِلَى بُسْتَان وَلَا فُرْجَة غير مرّة وَاحِدَة بل كَانَ عَامَّة دهره ملازما مدرسته وَمَا كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إِلَّا نرَاهُ مطالعا فِي شَيْء
وَكَانَ حَلِيمًا متحملا كفاء الغرباء
وَقد سَمِعت بعض فضلاء همذان يَقُول السلَفِي أحفظ الْحفاظ
قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر أَزَال من جواره مُنكرَات كَثِيرَة
وَجَاء جمَاعَة من المقرئين بالألحان فأرادوا أَن يقرءوا فَمَنعهُمْ من ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْقِرَاءَة بِدعَة بل اقْرَءُوا ترتيلا
فقرءوا كَمَا أَمرهم
قلت الْقِرَاءَة بالألحان جَائِزَة مَا لم يفرط بِحَيْثُ يزِيد حرفا أَو ينقص حرفا
وَقَالَ ابْن نقطة فِي السلَفِي كَانَ حَافِظًا ثِقَة جوالا فِي الْآفَاق سآلا عَن أَحْوَال الرِّجَال شجاعا
سمع الذهلي والمؤتمن السَّاجِي وَأَبا عَليّ البرداني وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي وخميسا الْحَوْزِيِّ(6/38)
وحَدثني عَنهُ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ قَالَ لما أَرَادوا قِرَاءَة سنَن النَّسَائِيّ على السلَفِي أَتَوْهُ بنسخة سعد الْخَيْر وَهِي مصححة قد سَمعهَا من الدوني فَقَالَ اسْمِي فِيهَا
فَقَالُوا لَا
فاجتذبها من يَد القارىء بغيظ وَقَالَ لَا أحدث إِلَّا من أصل فِيهِ اسْمِي وَلم يحدث بِالْكتاب
وَقَالَ لي عبد الْعَظِيم إِن أَبَا الْحسن الْمَقْدِسِي قَالَ حفظت أَسمَاء وكنى وَجئْت إِلَى السلفى وذاكراته بهَا فَجعل يذكرهَا من حفظه وَمَا قَالَ لي أَحْسَنت
وَقَالَ مَا هَذَا شَيْء مليح أَنا شيخ كَبِير فِي هَذِه الْبَلدة هَذِه السنين لَا يذاكرني أحد وحفظي هَكَذَا
انْتهى
ويحكى عَن السلَفِي أَنه كَانَ إِذا اشْتَدَّ الطلق بِامْرَأَة جَاءَ أَهلهَا إِلَيْهِ فَكتب لَهُم ورقة تعلق عَلَيْهَا فتخلص بِإِذن الله تَعَالَى وَلَا يعلم مَا يكْتب فِيهَا ثمَّ كشف عَن ذَلِك فَإِذا هُوَ يكْتب فِيهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُم ظنُّوا بِنَا خيرا فَلَا تخيبنا وَلَا تكذب ظنهم
وَكَانَ السلَفِي مغرى بِجمع الْكتب حصل مِنْهَا الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ لَا سِيمَا من الْأَجْزَاء مَا لَا يعد كَثْرَة(6/39)
توفّي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة فَجْأَة وَله مائَة وست سِنِين على مَا يظْهر
وَلم يزل يقْرَأ عَلَيْهِ الحَدِيث إِلَى أَن غربت الشَّمْس من لَيْلَة وَفَاته وَهُوَ يرد على القارىء اللّحن الْخَفي وَصلى يَوْم الْجُمُعَة الصُّبْح عِنْد انفجار الْفجْر وَتُوفِّي عقيبة فَجْأَة
وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو شامة سَمِعت الإِمَام علم الدّين السخاوي يَقُول سَمِعت أَبَا طَاهِر السلَفِي يَوْمًا ينشد لنَفسِهِ شعرًا قَالَه قَدِيما وَهُوَ
(أَنا من أهل الحَدِيث ... وهم خير فِئَة)
(جزت تسعين وَأَرْجُو ... أَن أجوزن الْمِائَة)
فَقيل لَهُ قد حقق الله رجاءك
فَعلمت أَنه قد جَاوز الْمِائَة وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة
كتبت إِلَى زَيْنَب بنت الْكَمَال وَأحمد بن عَليّ الْجَزرِي وَفَاطِمَة بنت أبي عمر عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن السلَفِي رَحمَه الله
(لَيْسَ حسن الحَدِيث قرب رجال ... عِنْد أَرْبَاب علمه النقاد)
(بل علو الحَدِيث عِنْد أولى الإتقان ... وَالْحِفْظ صِحَة الْإِسْنَاد)
(فَإِذا مَا تجمعَا فِي حَدِيث ... فاغتنمه فَذَاك أقْصَى المُرَاد)(6/40)
وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ
(ضل المجسم والمعطل مثله ... عَن مَنْهَج الْحق الْمُبين ضلالا)
(وأتى أماثلهم بنكر لارعوا ... من معشر قد حاولوا الإشكالا)
(وغدوا يقيسون الْأُمُور برأيهم ... ويدلسون على الورى الأقوالا)
(فالأولون تعدوا الْحق الَّذِي ... قد حد فِي وصف الْإِلَه تَعَالَى)
(وتصوروه صُورَة من جنسنا ... جسما وَلَيْسَ الله عز مِثَالا)
(وَالْآخرُونَ فعطلوا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن ... أقبح بالمقال مقَالا)
(وأبوا حَدِيث الْمُصْطَفى أَن يقبلُوا ... ورأوه حَشْوًا لَا يُفِيد منالا)
وَبِالْإِسْنَادِ أَيْضا
(غرضي من الدُّنْيَا صديق ... لي صَدُوق فِي المقه)
(يرْعَى الْجَمِيل وعينه ... عَن كل عيب مطرقه)
(وَإِذا تغير من تغير ... كنت مِنْهُ على ثقه)
ذكر استفتاء وَقع فِي زمَان الْحَافِظ أبي طَاهِر
وَمن نبأ هَذِه الْفتيا أَن الْيَهُود قبحهم الله رفعوا قصَّة إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين(6/41)
رَحمَه الله أنهوا فِيهَا أَن عَادَتهم لم تزل بِحمْل أُمُورهم على مَا يرَاهُ مقدم شريعتهم فهم يتحاكمون إِلَيْهِ ويتوارثون على حسب شرعهم من غير أَن يعترضهم فِي ذَلِك معترض وَإِن كَانَ فِي الْوَرَثَة صَغِير أَو غَائِب كَانَ المحتاط على نصِيبه مقدمهم وسؤالهم حمل الْأَمر على الْعَادة
فَكتب السُّلْطَان مَا نَصه ليذكر السَّادة الْأَئِمَّة وفقهم الله مَا عِنْدهم على مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
فَكتب أَبُو طَاهِر بن عَوْف الإسكندري وَجَمَاعَة مالكية مَا عِنْدهم
وَكتب الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي مَا نَصه الحكم بَين أهل الذِّمَّة إِلَى حاكمهم إِذا كَانَ مرضيا بِاتِّفَاق مِنْهُم كلهم وَلَيْسَ لحَاكم الْمُسلمين النّظر فِي ذَلِك إِلَّا إِذا أَتَاهُ الْفَرِيقَانِ وَهُوَ إِذا مُخَيّر كَمَا فِي التَّنْزِيل {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} وَأما مَال الْغَائِب والطفل فَهُوَ مَرْدُود إِلَى حاكمهم وَلَيْسَ لحَاكم الْمُسلمين فِيهِ نظر إِلَّا بعد جرحه بِبَيِّنَة عَلَيْهِ وجباية ظَاهِرَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَكتبه أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ
قلت وَقد ذكر الإِمَام الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله هَذِه الْفتيا فِي كِتَابه الْمُسَمّى كشف الْغُمَّة فِي مِيرَاث أهل الذِّمَّة وَحكى خطوط الْجَمَاعَة كلهم وَذكر أَنه وقف عَلَيْهِ أحضرهُ لَهُ بعض الْيَهُود ليستفتيه فِي هَذَا الْمَعْنى(6/42)
قَالَ الْوَالِد فَإِن كَانُوا زوروه فهم عريقون فِي التزوير وَإِلَّا فنتكلم عَلَيْهِ
ثمَّ تكلم على كَلَام وَاحِد وَاحِد إِلَى أَن انْتهى إِلَى السلَفِي فَقَالَ وَأما السلَفِي فَهُوَ مُحدث جليل وحافظ كَبِير وَمَاله وللفتوى وَمَا رَأَيْت لَهُ قطّ فَتْوَى غير هَذِه وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يكْتب فَإِن لكل عمل رجَالًا
وَقَوله يتَخَيَّر الْحَاكِم فِي الحكم بَينهم هُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَلَعَلَّه لما كَانَ مُقيما بالإسكندرية وَلَيْسَ فِيهَا إِذْ ذَاك إِلَّا مَذْهَب مَالك وَنَظره فِي الْفِقْه قَلِيل أَو مَفْقُود اعْتقد أَن الرَّاجِح عِنْد الشَّافِعِيَّة التَّخْيِير كالمالكية وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة وجوب الحكم لقَوْله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}
وَقَوله فِي مَال الْغَائِب والطفل لَعَلَّه تَقْيِيد وَحسن ظن بِمن قَالَه من الْمَالِكِيَّة أما الشَّافِعِيَّة الَّذين هُوَ متمذهب بمذهبهم فَلم يقل بِهِ أحد مِنْهُم
انْتهى وَسبب تصنيف الْوَالِد رَحمَه الله هَذَا الْكتاب أَنه وَردت عَلَيْهِ فتيا فِي ذمى مَاتَ عَن زَوْجَة وَثَلَاث بَنَات هَل لوكيل بَيت المَال أَن يَدعِي بِمَا يقي عَن ثمن الزَّوْجَة وثلثي الْبَنَات فيأ لبيت مَال الْمُسلمين وَيحكم القَاضِي بذلك
فَكتب أَن لَهُ ذَلِك وصنف فِيهِ الْكتاب الْمَذْكُور
وَذكر فِيهِ أَن الاستفتاء رفع إِلَى الشَّيْخ زين الدّين بن الكتناني على صُورَة أُخْرَى وَهِي ذمِّي مَاتَ وَخلف وَرَثَة يستوعبون مِيرَاثه على مُقْتَضى شرعهم فَأَرَادَ وَكيل بَيت المَال التَّعَرُّض لَهُم فَكتب ابْن الكتناني لَيْسَ لوكيل بَيت المَال التَّعَرُّض وَالْحَالة هَذِه(6/43)
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَإِن كَانَ مُسْتَند ابْن الكتناني الرَّد أَو تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام فَهُوَ لم يذكر لَهُ فِي السُّؤَال تعْيين الْوَرَثَة بل قَالُوا على مُقْتَضى شريعتهم وحاروا أَن يَكُونُوا يرَوْنَ تَوْرِيث ورثته واستيعابهم مِمَّن يجمع الْمُسلمُونَ على عدم توريثهم
وَإِن كَانَ مُسْتَنده فَسَاد بَيت المَال فالمتأخرون إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الرَّد وَذَوي الْأَرْحَام وَهُوَ لم يسْأَل عَن ذَلِك بل أطلق السَّائِل سُؤَاله فَشَمَلَ ذَلِك وَغَيره
وَإِن كَانَ مُسْتَنده تقريرهم على مُقْتَضى شرعهم فَلَيْسَ لَهُ سلف من الشَّافِعِيَّة يَقُول بِهِ
قَالَ فَجَوَابه خطأ على كل تَقْدِير يفْرض
قَالَ وَحَضَرت إِلَى فتيا عَلَيْهَا خطوط أَرْبَعَة من الشاميين بِالْحملِ على مُقْتَضى مواريثهم
قَالَ وَهُوَ إِطْلَاق لَا يُمكن حمله على وَجه من وُجُوه الصَّوَاب إِلَّا بِأَن يُرَاد إِذا خلف وَرَثَة مستوعبين بِمُقْتَضى شَرِيعَة الْإِسْلَام وَلم يترافعوا إِلَيْنَا فَلَا نتعرض لَهُم فِي قسمتهم وَإِطْلَاق تِلْكَ الْفَتَاوَى وَإِرَادَة هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة خطأ وتجهيل وإغراء بِالْجَهْلِ
584 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن المظفر الْهَرَوِيّ الشَّيْخ أَبُو مُطِيع بن أبي المظفر بن أبي مُطِيع
كَانَ جده أَبُو مُطِيع من أَصْحَاب الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني
وَأما أَبُو مُطِيع هَذَا فَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير ولد قبل الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة نصف ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة(6/44)
قَالَ وَكَانَ شَيخا عَالما بهي المنظر كثير الْمَحْفُوظ واعظا مليح الْوَعْظ يحفظ الحكايات وأحوال النَّاس
سمع بمرو أَبَا الْفرج الزاز السَّرخسِيّ وَأَبا عَمْرو الْفضل بن أَحْمد بن متويه الكاكويي
وبسرخس أَبَا حَامِد بن عبد الْجَبَّار بن عَليّ الحمكاني وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم بن أبي سعد
وَقَالَ توفّي يَوْم السبت رَابِع عشر ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة
585 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر أَبُو المظفر ابْن فَخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي
تفقه على أَبِيه
وَسمع من أبي عبد الله بن طَلْحَة
وَحدث باليسير
روى عَنهُ أَبُو بكر بن كَامِل والحافظ ابْن عَسَاكِر
توفّي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر رَجَب سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد وَدفن فِي دَاره عِنْد جَامع الْقصر(6/45)
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
كتب إِلَى أَحْمد بن أبي طَالب عَن الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن المؤرخ أَخْبرنِي عمر بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ بِدِمَشْق أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن الْحَافِظ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن عمر أَبُو المظفر بن أبي بكر الشَّاشِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِبَغْدَاد وَأخْبرنَا عَليّ بن أبي مُحَمَّد بن رشيد الْبَزَّار أخبرنَا عبد الْوَاحِد بن الْحُسَيْن الْبَزَّاز قَالَا قِرَاءَة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَلْحَة(6/46)
النعالي قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان أخبرنَا إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد النَّحْوِيّ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَارِثِيّ حَدثنَا يحيى ابْن سعيد الْقطَّان حَدثنَا ثَوْر هُوَ ابْن يزِيد عَن خَاله وَهُوَ ابْن معدان عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفعت الْمَائِدَة قَالَ (الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مكفى وَلَا مُودع وَلَا مستغني عَنهُ رَبنَا)
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ أَيْضا
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَنْجوَيْه أَبُو بكر الزنجاني
وزنجان بِفَتْح الزَّاي وَإِسْكَان النُّون ثمَّ جِيم وَآخِرهَا نون بَلْدَة فِي الْعَجم مَعْرُوفَة
أحد تلامذه القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ
لَهُ رِوَايَة
روى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر وَأَبُو طَاهِر السلَفِي
قَالَ السلَفِي وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ لفضله وعلو إِسْنَاده
سمعته يَقُول لي أُفْتِي من سنة تسع وَعشْرين
قَالَ وَقيل لي عَنهُ إِنَّه لم يفت خطأ قطّ(6/47)
قَالَ وَأهل بَلَده يبالغون فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ الْخَواص والعوام ويذكرون ورعه وَقلة طمعه
586 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح الحديثي
من الحديثة بَلْدَة بالعراق على الْفُرَات
أَبُو نصر الشَّاهِد
وَالِد قَاضِي الْقُضَاة روح
مولده سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَسمع النَّقِيب أَبَا الفوارس طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وَأَبا الْفَضَائِل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي ابْن طوق الْموصِلِي
وَحدث باليسير
روى عَنهُ ابْن ابْنه عبد الْملك بن روح وَالْمبَارك بن كَامِل الْخفاف فِي مُعْجم شُيُوخه والحافظ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ
توفّي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
587 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي يَاسر بن عَليّ بن السّري الدوري
بِضَم الدَّال وَسُكُون الْوَاو من الدّور الْأَسْفَل بَين سامرا وتكريت
أَبُو الْعَبَّاس بن عون(6/48)
ذكره ابْن باطيش فِي الفيصل وَابْن النجار فِي التَّارِيخ وَابْن باطيش أعرف بِهِ قَالَ كَانَ يعرف بِابْن عون وَكَانَ فَقِيها فَاضلا أديبا شَاعِرًا منشئا كَاتبا حاسبا أصوليا متكلما مليح الْخط عَارِفًا بعلوم الْأَوَائِل حُلْو الْكَلَام فِي المناظرة
قَرَأت عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَسمعت بقرَاءَته عَليّ ابْن سكينَة تَفْسِير الواحدى وغَرِيب الحَدِيث لِابْنِ قُتَيْبَة
وَقَالَ ابْن النجار قَرَأَ الْفِقْه وَالْخلاف والأصولين على المجير الْبَغْدَادِيّ
وَمن شعره قَالَ
(رضيت إِن كَانَ أحبابي فديتهم ... بِمَا أقاسيه من نَار الغرام رَضوا)
(إِن يقتلوني بِلَا ذَنْب فقد علمُوا ... أَن لَيْسَ لي فِي حَيَاة بعدهمْ غَرَض)
وَمن شعره مِمَّا كتب بِهِ تِلْمِيذه ابْن باطيش جَوَابا
(وافى كتابك بعد طول ترقب ... فأبل من مرضِي وبل غليلا)
(فلثمته فَرحا بِهِ وصبابة ... حَتَّى محوت مدادة تقبيلا)
(وَلَو أَن روحي فِي يَدي بذلتها ... بشرى لحامله وَكَانَ قَلِيلا)
(فكتاب إِسْمَاعِيل أفراحي بِهِ ... فَرح الْخَلِيل بكبش إسماعيلا)
توفّي بِبَغْدَاد فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة(6/49)
588 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن بشار الخرجردى البوشنجي أَبُو بكر الإِمَام العابد
سَاق لَهُ صَاحبه ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير نسبا طَويلا
ولد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه بهراة على فَقِيه الشاش أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي ثمَّ على الإِمَام أبي الممظفر بن السَّمْعَانِيّ وعلق عَلَيْهِ الْخلاف وَالْأُصُول وَكتب تصانيفه جَمِيعهَا بِخَطِّهِ
وَقَرَأَ الْمَذْهَب بمرو على الشَّيْخ أبي الْفرج الزاز
وَسمع الحَدِيث من شَيْخه أبي بكر الشَّاشِي وَأبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَمن أبي تُرَاب عبد الْبَاقِي بن يُوسُف المراغي وَخلق كثير
سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَسمع بقرَاءَته الْكثير
وَقَالَ كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا مفتيا متفننا
عَاد إِلَى نيسابور واشتغل بِالْعبَادَة وانزوى عَن الْخلق وَأعْرض عَنْهُم وَمَا كَانَ يخرج إِلَّا أَيَّام الْجُمُعَات وَكَانَت أوقاته مستغرقة بِالْعبَادَة(6/50)
قَالَ وَخرج عَازِمًا على الْحَج وَانْصَرف من طبرستان إِلَى نيسابور بِسَبَب وُقُوع الْخلَل فِي الْوضُوء وَالطَّهَارَة
قَالَ وَتُوفِّي بنيسابور يَوْم الْخَمِيس السَّابِع من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَهُوَ عصبَة الإِمَام إِسْمَاعِيل البوشنجي
ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَفِي الْأَنْسَاب
589 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ الخجندي أَبُو سعد بن أبي بكر
ولد الإِمَام أبي بكر
تفقه على وَالِده
ودرس بالنظامية
وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن عَلَيْك وَغَيره
وَعمر حَتَّى ناطح الثَّمَانِينَ
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ توفّي يَوْم السبت غرَّة شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بأصبهان(6/51)
590 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الطاي الْمَعْرُوف بِابْن طلاي
من أهل وَاسِط
تفقه عَليّ القَاضِي أبي عَليّ الفارقي
وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم
روى عَنهُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد الدِّمَشْقِي وَذكر أَنه كَانَ شَيخا صَالحا
توفّي سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة بأصبهان
591 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن القَاضِي أَبُو بكر الأرجاني الشَّاعِر الملقب نَاصح الدّين(6/52)
كَانَ قَاضِي مَدِينَة تستر وشاعر عصره
أَصله من شيراز
ولد فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع الحَدِيث بأصبهان مَعَ أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مَاجَه
وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية
روى عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن المظفر بن الشهرزوري وَعبد الرَّحِيم بن أَحْمد ابْن الْأُخوة وَابْن الخشاب النَّحْوِيّ وَغَيرهم
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ توفّي بتستر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
كتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس بن الشّحْنَة عَن أبي عبد الله بن النجار الْحَافِظ قَالَ قَرَأت على أبي الْقَاسِم عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الْوراق عَن أبي مُحَمَّد بن الخشاب قَالَ أَخْبرنِي القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأرجاني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الشريف أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي بكرمان قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن الْفراء الْبَغْدَادِيّ بهَا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوارس أخبرنَا عمر بن جَعْفَر بن سلم حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس حَدثنَا حَاتِم بن سَالم(6/53)
حَدثنَا زنفل أَبُو عبد الله الْعرفِيّ من أهل عَرَفَات
ح وَأخْبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي الْفضل البعلبكي قِرَاءَة عَلَيْهِ
وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الله اليونيني سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو طَاهِر بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي عَن الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الأديب أخبرنَا أَبُو تَمام مُحَمَّد بن الْحسن الْمقري حَدثنَا عَليّ بن أبي عَليّ بن وصيف الْقطَّان حَدثنَا القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم حَدثنَا مُحَمَّد بن إشكاب حَدثنَا مُحَمَّد ابْن ابي الْوَزير أَبُو الْمطرف حَدثنَا أَبُو عبد الله الْعرفِيّ عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أمرا قَالَ (اللَّهُمَّ خر لي واختر لي)
تفرد التِّرْمِذِيّ بتخريجه من هَذَا الْوَجْه فراوة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن إِبْرَاهِيم بن أبي الْوَزير أخي مُحَمَّد بن أبي الْوَزير الْمَذْكُور عَن أبي عبد الله زنفل بن عبد الله وَقبل زنفل ابْن شَدَّاد الْعرفِيّ بِهِ
وَقَالَ ضَعِيف لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث زنفل وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ نقل فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة سوى هَذَا الحَدِيث
وَمن شعر الارجاني
(أَنا أشعر الْفُقَهَاء غير مدافع ... فِي الْعَصْر أَو أَنا أفقه الشُّعَرَاء)(6/54)
(شعري إِذا مَا قلت دونه الورى ... بالطبع لَا بتكلف الْإِلْقَاء)
(كالصوت فِي ظلل الْجبَال إِذا علا ... للسمع هاج تجاوب الأصداء)
وَله من قصيدة
(أأحبتي الشاكين طول تغيبي ... والذاهبين على الْهوى فِي مذهبي)
(لَا تحسبوا أَنِّي جعلت على المدى ... لجنابكم بالإختيار تجنبي)
(مَا جبت آفَاق الْبِلَاد مطوفا ... إِلَّا وَأَنْتُم فِي الورى متطلبي)
(سعيى إِلَيْكُم فِي الْحَقِيقِيَّة وَالَّذِي ... تَجِدُونَ منى فَهُوَ سعى الدهربي)
(أنحوكم وَيرد وَجْهي الْقَهْقَرِي ... سيرى فسيرى مثل سير الْكَوْكَب)
(فالقصد نَحْو الْمشرق الْأَقْصَى لَهُ ... وَالسير رأى الْعين نَحْو الْمغرب)
(تالله مَا صدق الوشاة بِمَا حكوا ... أَنِّي نسيت الْعَهْد عِنْد تغربي)
(هان الْمَمَات على بعد فراقكم ... والصعب يسهل عِنْد حمل الأصعب)(6/55)
وَله أَيْضا
(وَلَقَد دفعت إِلَى الهموم تنوبني ... مِنْهَا ثَلَاث شَدَائِد جمعن لي)
(أَسف على ماضي الزَّمَان وحيرة ... فِي الْحَال مِنْهُ وخشية الْمُسْتَقْبل)
(مَا إِن وصلت إِلَى زمَان آخر ... إِلَّا بَكَيْت على الزَّمَان الأول)
وَله أَيْضا
(حَيْثُ انْتَهَت من الهجران فِي فقف ... وَمن وَرَاء دمى بيض الظبا فخف)
(يَا عابثا بعدات الْوَصْل يخلفها ... حَتَّى إِذا جَاءَ ميعاد الْفِرَاق يَفِي)
(اعْدِلْ كفاتن قد مِنْك معتدل ... واعطف كمائل غُصْن مِنْك منعطف)
(وَيَا عذولي وَمن يصغي إِلَى عذل ... إِذا رنا أَحول الْعَينَيْنِ لَا تقف)
(يلوم قلبِي أَن أصماه ناظره ... فيمَ اعتراضك بَين السهْم والهدف)
(سلوا عقائل هَذَا الْحَيّ أَي دم ... للأعين النجل عِنْد الْأَعْين الذرف)
(يستوصفون لساني عَن محبتهم ... وَأَنت أصدق يَا دمعي لَهُم فَصف)
(لَيست دموعي لنار الشوق مطفئة ... فَكيف وَالْمَاء باد واللهيب خفى)
(فِي ذمَّة الله ذَاك الركب إِنَّهُم ... سَارُوا وَفِيهِمْ حَيَاة المغرم الدنف)(6/56)
(فَإِن أعش بعدهمْ فَردا فوا عجبا ... وَإِن أمت وجدا فيا أسفي)
592 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري القَاضِي محيى الدّين ابْن القَاضِي كَمَال الدّين
ولد بالموصل سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة
وَولى الْقَضَاء بهَا
وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة
ذكره ابْن باطيش
593 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْعَبَّاس الشارقي الْأنْصَارِيّ الْوَاعِظ
من تلامذة أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
تفقه عَلَيْهِ
وَحج وَسمع من كَرِيمَة
وَدخل الْعرَاق وَفَارِس ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الغرب وَسكن سبتة وفاس(6/57)
قَالَ ابْن بشكوال كَانَ صَالحا دينا ذَاكِرًا بكاء واعظا
توفّي بشرق الأندلس فِي نَحْو الْخَمْسمِائَةِ
594 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر بن هِشَام الطوسي أَبُو نصر
خطيب الْموصل
مولده سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي بكر الْخَطِيب وَابْن النقور وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَابْنه أَبُو الْفضل خطيب الْموصل وَآخَرُونَ
سمع مِنْهُ أَبُو الْفضل ابْن نَاصِر وَغَيره
كتب إِلَيْهِ القَاضِي المرتضى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري يَقُول
(وفيت لَهُ بالعهد دهري وَمَا وفا ... وأصفيته مَحْض الوداد وَمَا صفا)
(وعاملته بالود والوصل وَالرِّضَا ... وعاملني بالهجر والسخط والجفا)
(وأعطف إِن ولى وأحنو إِذا قسا ... وَأقرب إِذْ ينأى وأعفو إِذا هفا)
(وأوليته منى الْجَمِيل تحننا ... وأنسا وإرفاقا بِهِ وتعطفا)(6/58)
(فَمَا زَاده إِلَّا جفَاء وغلظة ... فَإِن لَان يَوْمًا كَانَ ذَاك تكلفا)
(فوف بكأس الود من حاول الوفا ... ودع حَظّ من يهوى الْخلاف ليخلفا)
فَأَجَابَهُ أَبُو نصر ارتجالا
(يَا من وفيت لَهُ العهود وَمَا وفا ... أصفيته منى الوداد وَمَا صفا)
(وأطعته جهدي فقابل طَاعَتي ... بالصد مِنْهُ وبالقطيعة والجفا)
(مَا كَانَ ظَنِّي فِي ودادك أَنه ... يزْدَاد لي إِلَّا الصفاء فأخلفا)
(قابلت مَحْض مودتي بقطيعة ... وهجرتني طبعا وزدت تكلفا)
(فلأجعلن الصَّبْر عَنْك مطيتي ... فَلَعَلَّ قَلْبك أَن يلين ويعطفا)
فَأَجَابَهُ القَاضِي المرتضى
(حَلَفت بِرَبّ الْبَيْت والركن والصفا ... يَمِين صَدُوق لَا يحول عَن الوفا)
(لَئِن قربت بعد التنائي دِيَارهمْ ... وحالوا عَن الهجران والغدر والجفا)
(وعادوا إِلَى مَا كنت أَعهد مِنْهُم ... من الود وَالْإِخْلَاص والصدق والوفا)
(تجاوزت عَن ذَنْب اللَّيَالِي وجرمها ... وَعَن كل مَا يهفو الزَّمَان وَمَا هفا)
شعر القَاضِي المرتضى أَولا وآخرا من بَحر الطَّوِيل وَشعر الْخَطِيب من بَحر الْكَامِل وَكَانَ الْأَحْسَن للخطيب أَن يُجيب من الْبَحْر الَّذِي سُئِلَ مِنْهُ وَلَقَد شعر جيدا وَمَا أرق قَوْله
(وهجرتني طبعا وزدت تكلفا)
مولده سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات بالموصل سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة(6/59)
595 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطوسي الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح أَخُو الْغَزالِيّ
واعظ صوفي عَالم عَارِف
طَاف الْبِلَاد وخدم الصُّوفِيَّة
وتفقه ثمَّ غلب عَلَيْهِ التصوف والوعظ
وَاخْتصرَ الْإِحْيَاء الَّذِي صنفه أَخُوهُ فِي مُجَلد سَمَّاهُ لباب الْإِحْيَاء
وصنف أَيْضا الذَّخِيرَة فِي علم البصيرة وَغير ذَلِك
قَالَ الْحَافِظ السلَفِي حضرت مجْلِس وعظه بهمذان وَكُنَّا فِي رِبَاط وَاحِد وبيننا ألفة وتودد وَكَانَ أذكى خلق الله وأقدرهم على الْكَلَام فَاضلا فِي الْفِقْه وَغَيره
انْتهى
وَقَالَ ابْن النجار من أحسن النَّاس كلَاما فِي الْوَعْظ وأرشقهم عبارَة مليح التَّصَرُّف فِيمَا يُورِدهُ حُلْو الاستشهاد أظرف أهل زَمَانه وألطفهم طبعا
خدم الصُّوفِيَّة فِي عنفوان شبابه
وَصَحب الْمَشَايِخ وَاخْتَارَ الْخلْوَة وَالْعُزْلَة حَتَّى انْفَتح لَهُ الْكَلَام على طَريقَة الْقَوْم
ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق ومالت إِلَيْهِ قُلُوب النَّاس وأحبوه
وَدخل بَغْدَاد وَعقد مجْلِس الْوَعْظ وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام وازدحم النَّاس على حُضُور مَجْلِسه وَدون مجالسه صاعد بن فَارس اللبان بِبَغْدَاد فبلغت ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ مَجْلِسا كتبهَا بِخَطِّهِ فِي مجلدين(6/60)
وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ واعظا مليح الْوَعْظ حسن المنظر صَاحب كرامات وإشارات
وَكَانَ من الْفُقَهَاء غير أَنه مَال إِلَى الْوَعْظ فغلب عَلَيْهِ
ودرس بالنظامية نِيَابَة عَن أَخِيه لما تزهد وَتركهَا
وَمن كَلِمَاته اللطيفة
من كَانَ فِي الله تلفه كَانَ على الله خَلفه
وَقَرَأَ القارىء يَوْمًا بَين يَدَيْهِ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} الْآيَة
فَقَالَ شرفهم بياء الْإِضَافَة إِلَى نَفسه بقوله {يَا عبَادي} ثمَّ أنْشد
(وَهَان على اللوم فِي جنب حبها ... وَقَول الأعادي إِنَّه لخليع)
(أَصمّ إِذا نوديت باسمي وإنني ... إِذا قيل لي يَا عَبدهَا لسميع)
وَسُئِلَ فِي مجْلِس وعظه عَن قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه لَو كشف الغطاء مَا ازددت يَقِينا والخليل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي}
فَقَالَ الْيَقِين يتَصَوَّر عَلَيْهِ الْجُحُود والطمأنينة لَا يتَصَوَّر عَلَيْهَا الْجُحُود قَالَ الله تَعَالَى {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}(6/61)
وَكَانَ يدْخل الْقرى والضياع ويعظ لأهل الْبَوَادِي تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَيحصل لَهُ فِي وعظه حَال
وَحكى يَوْمًا فِي مجْلِس وعظه أَن بعض العشاق كَانَ مَشْغُولًا بِحسن الصُّورَة وَكَانَ ذَلِك مُوَافقا لَهُ فاتفق أَن جَاءَ لَهُ يَوْمًا بكرَة وَقَالَ لَهُ أنظر إِلَى وَجْهي فَأَنا الْيَوْم أحسن من كل يَوْم
فَقَالَ وَكَيف ذَلِك
قَالَ نظرت فِي الْمرْآة فاستحسنت وَجْهي فَأَرَدْت أَن تنظر إِلَيْهِ
فَقَالَ بعد إِن نظرت إِلَى وَجهك قبلي لَا يصلح لي
وَكَانَ يلقب بلقب أَخِيه زين الدّين حجَّة الْإِسْلَام
قَالَ ابْن الصّلاح وَرَأَيْت مِمَّا دون من مجالسة مجلدات أَرْبعا
وَحكى يَوْمًا على رَأس منبره عَن أَخِيه حجَّة الْإِسْلَام أثرا غَرِيبا فَقَالَ سَمِعت أخي حجَّة الْإِسْلَام قدس الله روحه يَقُول إِن الْمَيِّت من حِين يوضع على النعش يُوقف فِي أَرْبَعِينَ موقفا يسائله ربه عز وَجل
نسْأَل الله أَن يثبتنا على دينه وَيخْتم لنا بِخَير بمنه وفضله
وَمن شعر أخي الْغَزالِيّ
(إِذا صَحِبت الْمُلُوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس)
(وادخل إِذا مَا دخلت أعمى ... واخرج إِذا مَا خرجت أخرس)
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ توفّي أَحْمد الْغَزالِيّ فِي حُدُود سنة عشْرين وَخَمْسمِائة(6/62)
596 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن المظفر الإِمَام أَبُو المظفر الخوافي
وخواف بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَآخِرهَا فَاء بعد الْوَاو وَالْألف قَرْيَة من أَعمال نيسابور تفقه على أبي إِبْرَاهِيم الضَّرِير
ثمَّ على إِمَام الْحَرَمَيْنِ ولازمه فَكَانَ من عُظَمَاء أَصْحَابه وأخصاء طلابه يذاكره فِي ليله ونهاره ويسامره عَلَانيَة إِذا دجا اللَّيْل وماج فِي أسراره وَالْإِمَام يعجب بفصاحته ويثنى على حسن مناظرته ويصفه بِالْفَضْلِ
ثمَّ درس فِي حَيَاة الإِمَام
وَولى قَضَاء طوس ثمَّ صرف عَنْهَا
وَكَانَ دينا ورعا ناسكا لم تعرف لَهُ هناة
سمع الحَدِيث من أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيره
كَانَ فِي المناظرة أسدا لَا يصطلى لَهُ بِنَار قَادِرًا على قهر الْخُصُوم وإرهاقهم إِلَى الِانْقِطَاع
قَالَ معاصروه زرق من السعد فِي المناظرة كَمَا رزق الْغَزالِيّ من السعد فِي المصنفات
تفقه عَلَيْهِ عمر السُّلْطَان وَمُحَمّد بن يحيى وَغَيرهمَا
توفّي بطوس سنة خَمْسمِائَة(6/63)
597 - أَحْمد بن المظفر بن الْحُسَيْن أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي
عرف بِابْن زين التُّجَّار
مدرس الْمدرسَة الناصرية الصلاحية الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق بِمصْر وَبِه تعرف الْمدرسَة
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
598 - أَحْمد بن المظفر السراجي أَبُو عبد الله
من أهل سجستان
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي بهَا فِي عصره
تفقه بمرو على وَالِدي وَأقَام عِنْده مُدَّة وبرع فِي الْفِقْه وَله يَد باسطة فِي النّظر
وَسمع الْكثير وَحدث بِبَلَدِهِ وَكتب لي بإلإجازة
599 - أَحْمد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن عبد الله بن جَعْفَر أَبُو الْعَبَّاس الْفَقِيه
من أهل كازرون أحد بِلَاد فَارس
قدم بَغْدَاد فِي صباه للتفقه فِي سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة فَسمع بهَا من جمَاعَة كثيرين وَجمع معجما لمشايخه فِي سَبْعَة أَجزَاء(6/64)
قَالَ ابْن النجار وَولى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ ثمَّ سكن شيراز إِلَى حِين وَفَاته
وَكَانَ فَقِيها فَاضلا ومُحدثا صَدُوقًا
قدم بَغْدَاد رَسُولا إِلَى الدِّيوَان من جِهَة صَاحب شيراز فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
600 - أَحْمد بن مَنْصُور بن عبد الْجَبَّار بن السَّمْعَانِيّ
الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام الْجَلِيل أبي المظفر ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور عَم الْحَافِظ أبي سعد وأخو وَالِده الإِمَام أبي بكر
قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما مناظرا مفتيا واعظا مليح الْوَعْظ شَاعِرًا حسن الشّعْر لَهُ فَضَائِل جمة ومناقب كَثِيرَة
وَذكر أَنه تفقه على وَالِده يَعْنِي أَبَا بكر مُحَمَّدًا أَخا أَحْمد وَأخذ عَنهُ الْعلم وَخَلفه بعده فِيمَا كَانَ مفوضا إِلَيْهِ
وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن كامكار بن عبد الرَّزَّاق الأديب وَأبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الماهاني وطبقتهم(6/65)
قَالَ وانتخبت عَلَيْهِ أوراقا
وقرأت عَلَيْهِ عَن شُيُوخه وَخرجت مَعَه إِلَى سرخس وانصرفنا إِلَى مرو
وَخَرجْنَا فِي شَوَّال سنة تسع وَعشْرين إِلَى نيسابور وَكَانَ خُرُوجه بسبببي لِأَنِّي رغبت فِي الرحلة لسَمَاع صَحِيح مُسلم فَسمع معي الصَّحِيح وعزم على الْخُرُوج إِلَى الوطن وتأخرت عَنهُ مختفيا لأقيم بنيسابور بعد خُرُوجه فَصَبر إِلَى أَن ظَهرت وَرجعت مَعَه إِلَى طوس وانصرفت بِإِذْنِهِ إِلَى نيسابور وَرجع هُوَ إِلَى مرو وأقمت أَنا بنيسابور سنة وَخرجت مِنْهَا إِلَى أَصْبَهَان وَلم أره بعد ذَلِك
وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَوصل إِلَى نعيه وَأَنا بِبَغْدَاد
601 - أَحْمد بن مُوسَى بن جوشين بن زغانم بن أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس الأشنهي
دخل بَغْدَاد وتفقه على أبي سعد الْمُتَوَلِي صَاحب التَّتِمَّة
وَسمع أَبَا الْغَنَائِم الدقاق وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَامِد النجاري وَغَيرهمَا
وَحدث بِكِتَاب تَنْبِيه الغافلين(6/66)
روى عَنهُ أَبُو بكر الْمُبَارك وَأَبُو الْقَاسِم ذَاكر ابْنا كَامِل بن أبي غَالب الْخفاف
وَكَانَ فَقِيها فَاضلا
ذكره ابْن باطيش فِي الطَّبَقَات وَابْن النجار فِي التَّارِيخ وَقَالَ كَانَ غزير الْفضل متدينا صَالحا
وَقَالَ الْمُبَارك بن كَامِل كَانَ زاهدا ورعا فَقِيها مفتيا لم أر فِي أَصْحَابنَا مثله
مولده سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات فِي لَيْلَة السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة
وَدفن يَوْم السبت بِجنب شَيْخه أبي سعد الْمُتَوَلِي
602 - أَحْمد بن نصر بن الْحُسَيْن أَبُو الْعَبَّاس الْأَنْبَارِي
الْمَعْرُوف بالشمس الدنبلي بِضَم الدَّال وَسُكُون النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة
كَذَا ضَبطه ابْن باطيش فِي كتاب الفيصل
وَكَانَ هَذَا الرجل من عُلَمَاء الْموصل
قَالَ ابْن باطيش تفقه على جمَاعَة وَأعَاد درس الشَّيْخ أبي المظفر بن مهَاجر
وَكَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بِالْمذهبِ ودرس بالنظامية العتيقة بالموصل وبالمدرسة الكمالية القضوية
وَولي قبل ذَلِك نِيَابَة الْقَضَاء بِبَغْدَاد عَن القَاضِي الشهرزوري
قَالَ وَكَانَ كثير النَّقْل للمسائل مُسَددًا فِي الْفَتَاوَى معتنيا بوسيط الْغَزالِيّ
لم يزل يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي بالموصل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
قَالَ وَحَضَرت دَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ(6/67)
603 - أَحْمد بن يحيى بن عبد الْبَاقِي بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن
أَبُو الْفضل الزُّهْرِيّ الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شقران
معيد الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد
كَانَ إِمَامًا واعظا صوفيا
سمع أَبَا الْحسن بن العلان وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأَبا الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز وَغَيرهم
روى عَنهُ إِبْرَاهِيم الشعار وَأحمد بن مَنْصُور الكازروني وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَغَيرهم
توفّي فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة د
وَكَانَت وِلَادَته سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة(6/68)
المحمدون من أهل الطَّبَقَة الْخَامِسَة
604 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْفضل بن أَحْمد بن حَفْص أَبُو الْفضل الماهياني(6/69)
605 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر الإِمَام الْكَبِير فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر الشَّاشِي
ولد بميافارقين فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا حَافِظًا لمعاقد الْمَذْهَب وشوارده ورعا زاهدا متقشفا مهيبا وقورا متواضعا من العاملين القانتين يضْرب الْمثل باسمه
تفقه عَليّ مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني وعَلى القَاضِي أبي مَنْصُور الطوسي صَاحب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ إِلَى أَن عزل أَبُو مَنْصُور عَن قَضَاء ميافارقين وَرجع إِلَى طوس فَرَحل فَخر الْإِسْلَام إِلَى الْعرَاق قبل وَفَاة شَيْخه الكازروني وَدخل بَغْدَاد ولازم الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَعرف بِهِ وَصَارَ معيد درسه
وتفقه بهَا أَيْضا على أبي نصر بن الصّباغ وجد واجتهد حَتَّى صَار الإِمَام الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع الحَدِيث من مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني بميافارقين(6/70)
وقاسم بن أَحْمد الْخياط بآمد
وَأَبا بكر الْخَطِيب وَأَبا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا يعلى بن الْفراء وَغَيرهم بِبَغْدَاد
وَهياج بن مُحَمَّد الحطيني بِمَكَّة
روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأَزجيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد اليزدي وَأَبُو بكر ابْن النقور وشهده الكاتبة وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَغَيرهم
قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزنجاني كَانَ أَبُو بكر الشَّاشِي يتفقه مَعنا وَكَانَ يُسمى الْجُنَيْد لدينِهِ وورعه وَعلمه وزهده
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْقُرْطُبِيّ الْفَقِيه حضرت أَبَا بكر الشَّاشِي وَقد أُغمي عَلَيْهِ فِي مرض مَوته فَلَمَّا أَفَاق أحضر لَهُ مَاء ليشربه فَقَالَ لَا أحتاج قد سقاني الْآن ملك شربة أغنتني عَن الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ مَاتَ من سَاعَته
وَقَالَ أَبُو الْعِزّ الْوَاعِظ كنت مشرفا على غسله وَلما قلب الْغَاسِل عَلَيْهِ المَاء انكشفت الْخِرْقَة عَن عَوْرَته فَوضع يَده على عَوْرَته وسترها
توفّي فَخر الْإِسْلَام يَوْم السبت خَامِس عشرى شَوَّال سنة سبع وَخَمْسمِائة
وَدفن بِبَاب أبرز مَعَ شَيْخه أبي إِسْحَاق فِي قبر وَاحِد(6/71)
وَخلف وَلدين إمامين فِي الْمَذْهَب وَالنَّظَر أَحْمد وَعبد الله
وَكَانَ فَخر الْإِسْلَام يدرس أَولا فِي مدرسة لنَفسِهِ لَطِيفَة بناها بقراح ظفر فَلَمَّا بنى تَاج الْملك أَبُو الْغَنَائِم مدرسته بِبَاب أبزر رتبه مدرسا بهَا ثمَّ لما مَاتَ إِلْكيَا الهراسي درس بالنظامية وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ
وَمن مصنفاته
المستظهري الَّذِي صنفه لأمير الْمُؤمنِينَ المستظهر بِاللَّه وَهُوَ الْمُسَمّى حلية الْعلمَاء
وَالْمُعْتَمد وَهُوَ كالشرح لَهُ
وَالتَّرْغِيب فِي الْمَذْهَب
والشافي فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ
والعمدة الْمُخْتَصر الْمَشْهُور
وصنف أَيْضا الشافي فِي شرح الشَّامِل
وَكَانَ بَقِي من إكماله نَحْو الْخمس هَذَا فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
كَذَا ذكر ابْن الصّلاح وَلَعَلَّه هُوَ شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا الْمَشَايِخ وَالِدي الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِيمَا قَرَأَهُ علينا من لَفظه والمسندة زَيْنَب بنت الْكَمَال أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي قِرَاءَة عَلَيْهَا(6/72)
وَأَنا أسمع وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر بِهَذِهِ الْقِرَاءَة الَّتِي قَرَأَهَا وَالِدي رَحمَه الله عَلَيْهَا وَأَنا أسمع لَهُ قَارِئًا ومستمعا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أخبرنَا عبد الْمُؤمن بن خلف الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْبَدْر بن مقبل بن فتيَان بن المنى وَغَيره سَمَاعا عَن شهدة بنت أَحْمد بن الْفرج الإبري سَمَاعا عَلَيْهَا
وَقَالَت زَيْنَب أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن السيدي وَإِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن سَالم بن الْخَيْر والأعز بن الْفَضَائِل بن العليق وَمُحَمّد بن الْمَنِيّ إجَازَة قَالُوا أخبرتنا شهدة سَمَاعا
وَقَالَت فَاطِمَة أجازنا مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي أجازتنا شهدة قَالَت حَدثنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الشَّاشِي أخبرنَا الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن سَلامَة أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن بحشل حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْقَاسِم الْمقري حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن حبَان حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلمَة حَدثنَا سَلمَة بن شبيب حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا الْفضل بن الْمُوفق ابْن عَم سُفْيَان الثَّوْريّ أنبانا الْأَعْمَش قَالَ سَمِعت أَبَا وَائِل يَقُول إِن أهل بَيت يُوجد على مائدتهم رغيف حَلَال لأهل بَيت غرباء
وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الغرافي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا شَيخنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد(6/73)
ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن الشَّاشِي قِرَاءَة علينا من كِتَابه أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن بَيَان بن مُحَمَّد الكازروني قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي جَامع ميافارقين أخبرنَا أَبُو عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن مهْدي الْفَارِسِي قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل القَاضِي حَدثنَا أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمدنِي حَدثنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي فِي الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان)
فَقَالَ أَبُو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا على أحد مِمَّن دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من ضَرُورَة فَهَل يَدعِي أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا
قَالَ (نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم)
كَذَا وَقع فِي الأَصْل نُودي فِي الْجنَّة
وَمن الغرائب والفوائد والمسائل عَنهُ
قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة إِن الشَّاشِي ذكر فِي الْحِلْية أَنه رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء أَن الْمُسلم يقتل بالمستأمن
قلت وَالَّذِي فِي الْحِلْية نقل ذَلِك عَن الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة أَو عَن أبي يُوسُف لَا عَن الشَّافِعِي
وَهَذَا نَص الْحِلْية لَا يقتل الْمُسلم بالكافر وَبِه قَالَ عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَأَبُو ثَوْر(6/74)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُسلم بالذمي وَلَا يقتل بالمستأمن وَبِه قَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أبي يُوسُف
وروى عَنهُ فِي الْإِمْلَاء أَنه يقتل الْمُسلم بالمستأمن
انْتهى
فَالضَّمِير فِي عَنهُ يعود على أبي يُوسُف وَأبي حنيفَة وَأما الشَّافِعِي فَلم يقل بِذَاكَ لَا فِي قديم وَلَا فِي جَدِيد بل نقل الْإِجْمَاع على خِلَافه فِي الْأُم
قَالَ ابْن الرّفْعَة أَيْضا فِي الْكِفَايَة إِن الشَّاشِي نقل فِي الْحِلْية وَجها عَن بعض الْعِرَاقِيّين أَنه لَا يَصح نِكَاح الْمُسلم الحربية
قلت وهَذَا كَالْأولِ وَلَيْسَ فِي الْحِلْية نقل ذَلِك إِلَّا عَن الْعِرَاقِيّين وَلم يقل إِنَّه وَجه فِي الْمَذْهَب إِنَّمَا مُرَاده بالعراقيين الْحَنَفِيَّة وَمن الْحَاوِي للماوردي أَخذه إِذْ فِي الْحَاوِي وأبطل الْعِرَاقِيُّونَ نِكَاحهَا فِي دَار الْحَرْب بِنَاء على أصولهم فِي أَن عُقُود دَار الْحَرْب بَاطِلَة وَهِي عندنَا صَحِيحَة
انْتهى كَلَام الْحَاوِي وَلذَلِك لم يحكه صَاحب الْبَحْر مَعَ كَثْرَة اسْتِقْصَائِهِ للحاوي وَإِنَّمَا ذَلِك لكَونه لَا يستوعب غَالِبا إِلَّا مَنْقُول الْمَذْهَب دون مَذَاهِب الْمُخَالفين
قَالَ فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي فِي المستظهري اخْتلف فِي وجوب الْإِشْهَاد على الشَّهَادَة فَقَالَ بعض فُقَهَاء الْعرَاق يجب وَمذهب الشَّافِعِي أَنه لَا يجب على الشَّاهِد أَن يشْهد على شَهَادَته
قَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ أولى المذهبين عِنْدِي أَن يعْتَبر بِالْحَقِّ الْمَشْهُود بِهِ فَإِن كَانَ مِمَّا ينْتَقل إِلَى الأعقاب كالموقف المؤبد لزمَه الْإِشْهَاد على شَهَادَته وأما الْحُقُوق المعجلة فَلَا يلْزم فِيهَا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه لَو بنى على وجوب الإسجال على الْحَاكِم فيماحكم وَكتبه الْمحْضر كَانَ أشبه
انْتهى(6/75)
وَالشَّيْخ الإِمَام الْمشَار إِلَيْهِ فيمايظهر هُوَ الشَّاشِي كَأَن نَاسخ الْكتاب عبر عَنهُ بذلك وعَلى هَذَا أجر ابْن الرّفْعَة لم يفهم سواهُ فعزا النبأ إِلَى الشَّاشِي
وَفهم صَاحب الذَّخَائِر أَنه أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه شيخ الشَّاشِي لِأَن من عَادَة الشَّاشِي أَن يُطلق عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام
وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك هُنَا فِيمَا أَحسب وَهَذَا من آفَات النساخ يغيرون أَلْفَاظ المصنفين فيوقعون خللا كَبِيرا وَكَانَ الْوَاجِب تبقية صُورَة خطّ المُصَنّف على حَالهَا
قَالَ فَخر الْإِسْلَام فِي كِتَابه الْعُمْدَة الْمُخْتَصر الْمَشْهُور إِذا كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح وَرفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة إِنَّه يقنت بعد قَوْله ربناولك الْحَمد بِتَمَامِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب
وَحكى ابْن الرّفْعَة عَن النبدينجي أَنه يَقُوله بعد الذّكر الرَّاتِب
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهُوَ سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا يتقضى أَنه لَا يَقُول مَا بعد ذَلِك
وَقد يُنَازع فِي ذَلِك قَول الشَّاشِي وَالْبَغوِيّ إِنَّه يَقُوله بِتَمَامِهِ فَظَاهر التَّمام أَنه يَقُول مَا بعد ذَلِك وَلم أجد فِي الْمَسْأَلَة صَرِيح نقل فِي الطَّرفَيْنِ وَيظْهر أَن يُقَال إِنَّه يَقُول الذّكر كُله لَا سِيمَا على القَوْل بِأَن الِاعْتِدَال ركن يطول سَوَاء كَانَ طَويلا فِي نَفسه أم قَصِيرا
وَفِي حلية الشَّاشِي أَنه إِذا بَاعَ صبرَة طَعَام بصبرة طَعَام مكايلة صَاعا بِصَاع فخرجتا سَوَاء أَنا إِن قُلْنَا فِيمَا إِذا خرجتا متفاضلتين يبطل فها هُنَا وَجْهَان(6/76)
وَتوقف الْوَالِد فِي إِثْبَات هَذَا الْخلاف وَقَالَ أخْشَى أَن يكون وهما والمجزوم بِهِ عِنْد الْأَصْحَاب الصِّحَّة
قَالَ صَاحب الْبَيَان إِذا أَرَادَ الرجل وَطْء امْرَأَته فَقَالَت أَنا حَائِض وَلم يعلم بحيضها فَاخْتلف أَصْحَابنَا فَمنهمْ من قَالَ إِن كَانَت فاسقة لم يقبل قَوْلهَا وَإِن كَانَت عفيفية قبل قَوْلهَا
وَقَالَ الشَّاشِي إِن كَانَت بِحَيْثُ يُمكن صدقهَا قبل وَإِن كَانَت فاسقة كَمَا يقبل فِي الْعدة
انْتهى
وَلَا فرق بَين الزَّوْجَة وَالْأمة قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب
قَالَ وَالْمذهب الأول
وَلَيْسَ كَمَا إِذا علق طَلاقهَا على حَيْضهَا حَيْثُ يقبل قَوْلهَا فِي الْحيض وَإِن كَانَت فاسقة
قَالَ القَاضِي لِأَن الزَّوْج مقصر فِي تَعْلِيقه بِمَا لَا يعرف إِلَّا من جِهَتهَا
قلت لَا يَنْبَغِي أَن يدار الحكم هَذَا على فسقها وَعَدَمه بل على ظَنّه صدقهَا وَعَدَمه وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي شرح الْمُهَذّب فَمَتَى اتهمها بِالْكَذِبِ وَطئهَا لأصل الْحل وَمَتى ظن(6/77)
صدقهَا وَإِن كَانَت فِي نَفسهَا فاسقة يَنْبَغِي أَن يحرم لِأَن مثل هَذَا لَا يكذب فِيهِ الحليلة حَيْثُ لَا يظْهر غَرَض وَهُوَ لَا يعلم إِلَّا من جِهَتهَا
وَمن شعر الشَّاشِي
(إِنِّي وَإِن بَعدت دَاري لمقترب ... مِنْكُم بمحض مُوالَاة وإخلاص)
(وَرب دَان وَإِن دَامَت مودته ... أدنى إِلَى الْقلب مِنْهُ النازح القاصي)
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي سمعته يَقُول رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي أنْشد
(قد نادت الدُّنْيَا على نَفسهَا ... لَو كَانَ فِي الْعَالم من يسمع)
(كم واثق بالعمر أفنيته ... وجامع بددت مَا يجمع)
وَمن شعره أَيْضا
(لحا الله دهر سدتم فِيهِ أَهله ... وأفضى إِلَيْكُم فيهم النهى وَالْأَمر)
(فَلم تسعدوا إِلَّا وَقد أنحس الورى ... وَلم ترأسوا إِلَّا وَقد خرف الدَّهْر)
(إِذا لم يكن نفع وضر لديكم ... فَأنْتم سَوَاء وَالَّذِي ضمه الْقَبْر)
أما
(لَو قيل لي وهجير الصَّيف متقد ... وَفِي فُؤَادِي جوى للْحرّ يضطرم)
(أهم أحب إِلَيْك الْيَوْم تبصرهم ... أم شربة من زلال المَاء قلت هم)
فَإِنَّهُمَا ليساله وَإِنَّمَا رَوَاهُمَا عَن غَيره(6/78)
606 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أبي بشر الْخرقِيّ
من أهل خرق إِحْدَى قرى مرو
وَهُوَ الإِمَام أَبُو بكر الْمروزِي
ولد بقرية خرق فِيمَا ذكر صَاحبه ابْن السَّمْعَانِيّ بعد السّبْعين وَأَرْبَعمِائَة تَقْديرا
ورحل إِلَى نيسابور وتفقه بهَا فقها وأصولا وكلاما واشتهر بِعلم الْكَلَام
وَسمع من أبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَجَمَاعَة
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ فَقِيه فَاضل مُتَكَلم
عَاد إِلَى قريته وَكَانَ يعظ فِي الْقرى وبقرية خرق
مَاتَ فِي شَوَّال أَو ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
607 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مَنْصُور التوثي الْمروزِي الْمَعْرُوف بفقيه التوث
وَهِي قَرْيَة بمرو بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فِي آخرهَا ثاء مُثَلّثَة وَرُبمَا جعلت الْمُعْجَمَة ذالا مُعْجمَة
ولد فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها صَالحا عفيفا متزهدا متقشفا(6/79)
تفقه على الإِمَام عبد الرَّزَّاق الماخواني
وَكتب الحَدِيث الْكثير
سمع جدي أَبَا المظفر وَأَبا الْفرج السَّرخسِيّ وَمُحَمّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني وَغَيرهم
كتبت عَنهُ الْأَرْبَعين للْإِمَام أبي الْفرج السَّرخسِيّ وَغَيرهَا
توفّي لَيْلَة السبت الثَّانِي عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُجَاهِد الْخلال أَبُو بكر
من أَصْحَاب الْمُزنِيّ
ذكره أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ(6/80)
608 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْحسن ابْن مَنْصُور بن مُعَاوِيَة الْأَصْغَر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَهُوَ المنكوب ابْن عَنْبَسَة الْأَصْغَر بن عتبَة الْأَشْرَاف بن عُثْمَان بن عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان بن صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي
كَذَا أورد نسبه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن السَّمْعَانِيّ
هُوَ الأديب الماهر الْمجمع على علمه وذكائه وَقُوَّة نَفسه وَكَثْرَة تعففه
أَبُو المظفر الأبيوردي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أوحد عصره وفريد دهره فِي معرفَة اللُّغَة والأنساب وَغير ذَلِك
أورد فِي شعره مَا عجز عَنهُ الْأَوَائِل من معَان لم يسْبق إِلَيْهَا وأليق مَا وصف بِهِ بَيت أبي الْعَلَاء المعري
(وَإِنِّي وان كنت الْأَخير زَمَانه ... لآت بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل)(6/81)
وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا تَارِيخ ابيوردونسا والمختلف والمؤتلف وطبقات الْعلم
هَذَا بعض كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ
وَذكره عبد الغافر فَقَالَ فَخر الْعَرَب أَبُو المظفر الأبيوردي الكوفني الرئيس الْكَاتِب الأديب النسابة من مفاخر الْعَصْر وأفاضل الدَّهْر
وَأطَال فِي مدحه
سمع أَبُو المظفر الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الأسماعيلي وَأبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَمَالك بن أَحْمد البانياسي وَعبد القاهر الْجِرْجَانِيّ النَّحْوِيّ
روى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي
وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وامتدحه بقصائد بديعة
وَأثْنى عَلَيْهِ غير وَاحِد بِحسن العقيدة وَجَمِيل الطَّرِيقَة وَكَمَال الْفَضِيلَة حَتَّى قَالَ السلَفِي كَانَ الأبيوردي وَالله من أهل الدّين وَالْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْفِقْه
قَالَ لي وَالله مَا نمت فِي بَيت فِيهِ كتاب الله أَو حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتراما لَهما
قَالُوا إِلَّا أَنه كَانَ ذَا نفس أبيَّة تحدثه بالخلافة وبأمور رفيعة فَلذَلِك نسبت إِلَى نقص فِي الْعقل
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت غير وَاحِد من شيوخي يَقُولُونَ إِنَّه إِذا صلى يَقُول اللَّهُمَّ ملكني مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا(6/82)
وَمن شعره الدَّال على قُوَّة نَفسه
(يَا من يساجلني وَلَيْسَ بمدرك ... شأوي وَأَيْنَ لَهُ جلالة منصبي)
(لَا تتبعن فدون مَا حاولته ... خرط القتادة وامتطاء الْكَوْكَب)
(وَالْمجد يعلم أننا خير أَبَا ... فَاسْأَلْهُ تعلم أَي ذِي حسب أبي)
(جدي مُعَاوِيَة الْأَغَر سَمِعت بِهِ ... جرثومة من طينها خلق النَّبِي)
(وورثته شرفا رفعت مَنَارَة ... فبنو أُميَّة يفخرون بِهِ وَبِي)
وترجمه الْحَافِظ السلَفِي فِي جُزْء مُفْرد وعظمه كثيرا
وَذكر أَنه فوض إِلَيْهِ إشراف الممالك بخراسان كلهَا
وأحضر عِنْد السُّلْطَان أبي شُجَاع مُحَمَّد بن ملكشاة لتشخيصه وَهُوَ على سَرِير ملكه فارتعد وَوَقع وَرفع مَيتا
وَلَعَلَّ ذَلِك من الله مُقَابلَة لَهُ لقُوَّة نَفسه
وَمن شعره أَيْضا
(تنكر لي دهري وَلم يدر أنني ... أعز وأحدث الزَّمَان تهون)
(فَبَاتَ يريني الْخطب كَيفَ اعتداؤه ... وَبت أريه الصَّبْر كَيفَ يكون)(6/83)
قَالَ عبد الغافر حصلت لَهُ من السُّلْطَان مَكَانَهُ ونعمة ثمَّ كَانَ يرشح من كَلَامه نوع تشبيب بالخلافة ودعوة إِلَى اتِّبَاع فَضله وادعاء اسْتِحْقَاق الْإِمَامَة يبيض وسواس الشَّيْطَان فِي رَأسه ويفرخ وَيرْفَع الْكبر بِأَنْفِهِ ويشمخ فاضطره الْحَال إِلَى مُفَارقَة بَغْدَاد وَرجع إِلَى همذان فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفيد ويصنف مُدَّة
توفّي مسموما بأصبهان فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَخَمْسمِائة
كتب إِلَى أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار أَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن الْعمريّ حَدثهُ عَن أبي عَامر مُحَمَّد بن سعدون بن مرجي الْعَبدَرِي قَالَ حَدثنَا أَبُو المظفر الأبيوردي من لَفظه بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن الْجِرْجَانِيّ بجرجان أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي حَدثنَا أَبُو أَحْمد الجلودي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِن كَانَ لَا بُد متمنيا فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خير لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي)(6/84)
609 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل بن أَحْمد أَبُو سعد الخليلي النوقاني
ولد فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع أَبَا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ
روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
وَقَالَ توفّي بنوقان فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
610 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر أَبُو عبد الله الكردرانخاسي من أهل خوارزم
تفقه بهَا ثمَّ ارتحل إِلَى مرو
فتفقه على الشَّيْخَيْنِ أبي بكر السَّمْعَانِيّ وَإِبْرَاهِيم المروروذي
وَسمع الحَدِيث من أبي بكر السَّمْعَانِيّ
سمع مِنْهُ صَاحب الْكَافِي وَحدث عَنهُ فِي تَارِيخ خوارزم(6/85)
وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الدّين الْوَرع
قَالَ وَأقَام بقريته كردرانخاسية فَكَانَ هُوَ الْعَالم والواعظ والخطيب بهَا
وَكَانَ ثِقَة صَالحا
توفّي فِي شهر شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة
611 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْكَرْخِي أَبُو طَاهِر الْمَعْرُوف بشرف الْقُضَاة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شَافِعِيّ الْمَذْهَب هُوَ أحد نواب قَاضِي الْقُضَاة الزَّيْنَبِي بِبَغْدَاد مرضِي الطَّرِيقَة فِي الْقَضَاء وَالْأَحْكَام وَحسن المعاشرة ملح المجالسة
سمع أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي وَأَبا عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَحْمد البسري وَغَيرهمَا
سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة(6/86)
612 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن السَّمْعَانِيّ أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم أبي المظفر
قَالَ صَاحب الْكَافِي فِي تَارِيخ خوارزم شَاب رفيع الشَّأْن من صُدُور خُرَاسَان وَمن أَفْرَاد الزَّمَان بلطافة الْبَيَان وفصاحة اللِّسَان عديم النظير فِي التَّذْكِير
دخل خوارزم مرَّتَيْنِ
وَكَانَ يروي الْأَحَادِيث مُسندَة عَن أَبِيه
وَهُوَ ابْن عَم الْحَافِظ أبي سعد
قَالَ صَاحب الْكَافِي سمعته يَقُول على الْمِنْبَر احفظ إيمانك حفظ الْعِمَامَة على رَأسك لَا تكن الْعِمَامَة أعز عَلَيْك من إيمانك
أَو كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ ذكره بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَنا تَرْجَمته
وَأنْشد على رَأس الْمِنْبَر شعرًا يَقُول
(وقفت وَقْفَة بِبَاب الطاق ... قينة من مخدرات الْعرَاق)
(بنت عشر وَأَرْبع وَثَلَاث ... هِيَ حتف المتيم المشتاق)
(قلت من أَنْت يَا خلوب فَقَالَت ... أَنا من لطف صَنْعَة الخلاق)
(لَا تعرض لنا فَهَذَا بنان ... قد خضبناه من دم العشاق)(6/87)
613 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن حييّ أَبُو عبد الله العثماني الديباجي من ولد الديباج مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان
من أهل نابلس
مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ببيروت
تفقه على الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي
وَسمع الحَدِيث مِنْهُ وَمن الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ بِمَكَّة وَمن مكي بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي وَجَمَاعَة
روى عَنهُ يحيى بن اِسْعَدْ بن بوش وَإِسْمَاعِيل بن أبي تُرَاب الْقطَّان وَغَيرهمَا
وَكَانَ إِمَامًا زاهذا ورعا جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل مقدما فِي الْفِقْه وَعلم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
قَالَ يُوسُف الدِّمَشْقِي كَانَ الديباجي سيدنَا فِي علم الْأُصُول ومقدمنا فِي الزّهْد وَالسّنة وَالْمَنْقُول
وَعَن الْحَافِظ أبي الْفضل بن نَاصِر مَا رَأَيْت من جمع لَهُ بَين العفاف والورع فِي الْوَعْظ كالديباجي(6/88)
وَعَن أبي الْحسن سعد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمقري مَا صعد كرْسِي وعظ فِيمَا رَأَيْنَاهُ لَا أعلم وَلَا أعف وَلَا أروع من الشريف الديباجي
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ يعْقد الْمجْلس فِي جَامع الْخَلِيفَة وبالمدرسة النظامية ويناظر فِي مسَائِل الْخلاف نظرا حسنا ويفتي على مَذْهَب الشَّافِعِي وَله حُرْمَة عِنْد الْخَلِيفَة وَعند الْعَامَّة لتصونه وتعففه ولزومه مَسْجده
توفّي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري صفر سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة
614 - مُحَمَّد بن أَحْمد السعيدي أَبُو بكر الْخَبَّازِي الآشي
خطيب قَرْيَة آش وفقيهها
تفقه بمرو على مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني
وبمرو الروذ على القَاضِي الْحُسَيْن
قَالَ صَاحب الْكَافِي توفّي بقريته بانهدام جِدَار عَلَيْهِ سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة(6/89)
615 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن ثَابت بن فرج أَبُو عبد الله بن الكيزاني الْمَشْهُور فِي الديار المصرية بِالْعلمِ والزهد والتجسيم
سمع من أبي الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْموصِلِي الْفراء وَأبي عَليّ الْحسن ابْن مُحَمَّد بن حسن الجيلي
روى عَنهُ جماعات وَلابْن الْمفضل مِنْهُ إجَازَة
وَكَانَ مَشْهُور بالبدعة متظاهرا فِيمَا يذكر بالتجسيم
دفن لما مَاتَ بِالْقربِ من الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرج ونبش ثمَّ أُعِيد ثمَّ أخرج الشَّيْخ الْعَالم الزَّاهِد الخبوشاني رَحمَه الله عِظَامه وَقَالَ لَا يدْفن صديق وزنديق وَاسْتقر بمكانه الْمَشْهُور بالقرافة
توفّي فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
وَمن شعره
(إِن كنت لَا بُد المخالط للورى ... فاصبر فَإِن من الحجا أَن تصبرا)(6/90)
(وَإِذا لقوك بمنكر من فعلهم ... فتلق الْمَعْرُوف ذَاك المنكرا)
(كالأرض تلقى فَوْقهَا أقذارها ... أبدا وتنبت مَا يروق المنظرا)
616 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن مُحَمَّد دأدأ أَبُو جَعْفَر الجرباذقاني
فَقِيه فَاضل مُحدث حَافظ متدين كثير الْعِبَادَة
سمع من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر الأرموي وَغَيرهم
ولازم أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر
مولده سنة سبع وَخَمْسمِائة
وَمَات سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة(6/91)
617 - مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم العطاري الطوسي أَبُو مَنْصُور
الْوَاعِظ الملقب حفدة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة
من أهل نيسابور وَأَصله من طوس
ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه بطوس على حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ
وبمرو على الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ
وبمر الروذ عَليّ الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء الْبَغَوِيّ
وأتقن الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف
وَكَانَ من أَئِمَّة الدّين وأعلام الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين
سمع الْكثير من شَيْخه الْبَغَوِيّ
وَحدث عَنهُ بشرح السّنة ومعالم التَّنْزِيل
وَسمع أَيْضا من أبي الفتيان عمر بن ابي الْحسن الدهستاني وناصر بن أَحْمد(6/92)
ابْن مُحَمَّد العياضي وَعبد الْغفار بن مُحَمَّد الشيرويي وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصري وَأَبُو أَحْمد بن سكينَة وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَأَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي وَالْقَاضِي أَبُو المحاسن يُوسُف بن رَافع بن شَدَّاد وَغَيرهم
قَالَ ابْن النجار وَكَانَ قد أَقَامَ مُدَّة بمرو يعظ ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى نيسابور فَلَمَّا وَقعت حَادِثَة الغز بهَا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة سَافر إِلَى الْعرَاق وَمِنْهَا إِلَى أذربيجان وَدخل بِلَاد الجزيرة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس بِسَبَب الْوَعْظ وَحدث بِجَمِيعِ الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا وروى عَنهُ أَهلهَا ثمَّ إِنَّه سكن تبريز إِلَى حِين وَفَاته
قلت أصح الْقَوْلَيْنِ أَنه توفّي بهَا سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة وَقيل سنة إِحْدَى وَسبعين
وَقد وقفت لَهُ على أجوبة مسَائِل سَأَلَهُ إِيَّاهَا يُوسُف بن مقلد الدِّمَشْقِي فقهية وصوفية(6/93)
618 - مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد النوقاني أَبُو سعد
تفقه على الْغَزالِيّ
وَقتل فِي مشْهد عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة فِي وَاقعَة الغز
وَكَانَ يلقب بالسديد
تَرْجَمَة ابْن باطيش
619 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن ودعة الْبَقَّال أَبُو عبد الله
قَالَ ابْن النجار كَانَ فقهيا فَاضلا حسن الْمعرفَة بِالْمذهبِ وَالْخلاف مليح الْكَلَام فِي النّظر والجدل ورتب معيدا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية
قَالَ ثمَّ إِنَّه خرج عَن بَغْدَاد مُتَوَجها إِلَى الشَّام وناظر الْفُقَهَاء فِي الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم
قَالَ وَوصل إِلَى دمشق مَرِيضا فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَتُوفِّي
قَالَ وَكَانَ قد صنف كتابا مليحا فِي اللّعب بالبندق وقسمه على تَقْسِيم كتب الْفِقْه على أَلْسِنَة الرُّمَاة فجَاء حسنا فِي فنه وَأَظنهُ قصد بِهِ الإِمَام النَّاصِر لدين الله(6/94)
مَاتَ فِي النّصْف من شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ شَابًّا وَكَانَ وَالِده حَيا
620 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن عبد الْملك النَّيْسَابُورِي الْمُؤَذّن الإِمَام أَبُو عبد الله
فَقِيه مناظر كَبِير
ولد سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
سمع أَبَا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَعلي بن أَحْمد الْمَدِينِيّ
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم وَعبد الْوَاحِد بن عبد السَّلَام بن سُلْطَان البيع وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن صَالح بن شَافِع وَغَيرهم
وَكَانَ قد انْتقل بِهِ أَبوهُ إِلَى كرمان فَأَقَامَ بهَا
قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ قدم إِلَى بَغْدَاد رَسُولا من صَاحب كرمان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقدم رَسُولا إِلَى السُّلْطَان فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين
وَقَالَ ابْن النجار قدم إِلَى بَغْدَاد رَسُولا غير مرّة
توفّي بكرمان فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
621 - مُحَمَّد بن أميركا أَبُو عبد الله الجيلي
وَقيل مُحَمَّد بن أَحْمد بن أميركا
نزيل الدواليب على وَادي مرو(6/95)
سمع من أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره
روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
ولد سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة بمرو
وَتُوفِّي فِي نصف الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
622 - مُحَمَّد بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِي أَبُو الْحسن
من أهل طوس
ورد نيسابور
وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وسافر إِلَى الْعرَاق وَالشَّام والحجاز والثغور
وَسمع بهَا الحَدِيث وَرجع إِلَى نيسابور وسكنها إِلَى أَن مَاتَ
سمع رزق الله التَّمِيمِي وَمَالك بن أَحْمد البانياسي وَأَبا الْخطاب بن البطر وَنصر الْمَقْدِسِي وَالْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وخلقا يطول ذكرهم
روى عَنهُ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَأَجَازَ لِابْنِهِ أبي سعد الْحَافِظ
وَتُوفِّي بعد استهلال جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة
ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ وَلم يذكرهُ ابْن النجار(6/96)
623 - مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو المحاسن
قَاضِي الرحبة ثمَّ قَاضِي الْموصل
ولد سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَحكم نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة
كَذَا ذكره ابْن باطيش
وَذكر أَنه مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة
624 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن بنْدَار هُوَ أَبُو الْعِزّ الْمقري الْمَعْرُوف بالقلانسي
من أهل وَاسِط
قَرَأَ الْقُرْآن على جمَاعَة
وتفقه عَليّ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَسمع من أبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَجَمَاعَة
وَعمر حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ النَّاس الْكثير وقصدوه من الْبلدَانِ(6/97)
حدث عَنهُ ذَاكر بن كَامِل الْحذاء وَغَيره
توفّي فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة
625 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عمر أَبُو بكر الأرموي
قدم بَغْدَاد سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه عَليّ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق
وَسمع من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَغَيره
وَحدث باليسير
روى عَنهُ أَبُو معمر الْأنْصَارِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه وَابْن السَّمْعَانِيّ فِي ذيله
توفّي فِي الْمحرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَدفن بالكرخ عِنْد الْفُقَهَاء ابْن سُرَيج وَغَيره(6/98)
626 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن يَعْقُوب الْمروزِي الزاغولي
وزاغول بِفَتْح الزَّاي بعْدهَا ألف يتلوها غين مُعْجمَة مَضْمُومَة بعْدهَا وَاو فِي آخرهَا اللَّام قَرْيَة من قرى خُرَاسَان
تفقه بمرو على الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ والموفق بن عبد الْكَرِيم الْهَرَوِيّ
وَقَالَ أَبُو سعد وَكَانَ صَالحا فَاضلا سديد السِّيرَة خشن الْعَيْش قانعا باليسير عَارِفًا بِالْحَدِيثِ وطرقه اشْتغل بِطَلَبِهِ وَجمعه طول عمره
وَنظر فِي الْأَدَب والكتب
وَجمع مجموعات لَعَلَّهَا بلغت أَرْبَعمِائَة مجلدة سَمَّاهَا قيد الأوابد جمع فِيهَا الْعُلُوم ورتبها
وَكَانَ قد سَافر إِلَى هراة ونيسابور وَسمع بهما الحَدِيث
سمع بهراة أَبَا الْفَتْح نصر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ وَأَبا عبد الله عِيسَى بن شُعَيْب بن إِسْحَاق السجْزِي وَأَبا سعد مُحَمَّد بن أبي الرّبيع الجيلي(6/99)
وبمرو الروذ أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن الْحسن الطبسي الْحَافِظ وَالْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ الْفراء
وبمرو الإِمَام وَالِدي وَأَبا سعيد مُحَمَّد بن عَليّ الدهان وَجَمَاعَة كَثِيرَة
كتبت عَنهُ وَسمعت بقرَاءَته وإفادته الْكثير على الشُّيُوخ
وَكَانَ حَرِيصًا على طلب الْعلم ونسخه مَعَ كبر السن
سَأَلته عَن مولده غير مرّة فَقَالَ لَا أَحَق
وَولده بِهَذِهِ الْقرْيَة أَعنِي زاغول قبل سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
انْتهى
وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة
627 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مَنْصُور أَبُو بكر الْفَقِيه
من أهل الْبَصْرَة
حدث عَن أبي الْحسن بن أَحْمد الْحداد الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره
قَالَ أَبُو بكر المارستاني كَانَ إِمَام الشَّافِعِيَّة بِالْبَصْرَةِ فَقِيها مفتيا
توفّي بِالْبَصْرَةِ فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة(6/100)
628 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السمنجاني
بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَالْمِيم وَسُكُون النُّون وبالجيم بَلْدَة من وَرَاء بَلخ
أَبُو جَعْفَر
تفقه على أبي سهل الأبيوردي ببخارى وَالْقَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ وأملى ببلخ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ حَدثنِي عَنهُ جمَاعَة بخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر
وَتُوفِّي سنة أَربع وَخَمْسمِائة ببلخ
629 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بكر
القَاضِي الْمَعْرُوف بفخر الْقُضَاة
يضْرب بِهِ الْمثل فِي علم النّظر
مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة
تَرْجَمَة ابْن باطيش
630 - مُحَمَّد بن حمد بن خلف بن الْحُسَيْن بن أبي المنى أَبُو بكر الْبَنْدَنِيجِيّ
الْمَعْرُوف بحنفش(6/101)
سمع من أبي مُحَمَّد الصرييفني وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهمَا
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَغَيرهمَا
تفقه على المتولى
وَمَات سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
631 - مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الموازيني أَبُو الْمَعَالِي ابْن الشَّيْخ أبي الْحسن السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْمعدل
تفقه على جمال الْإِسْلَام
وَسمع بِبَغْدَاد من أبي الْقَاسِم بن بَيَان
وبدمشق من هبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن صصري وزين الْأُمَنَاء أَبُو البركات
قَالَ الْحَافِظ كَانَ متجملا حسن الِاعْتِقَاد
بَاعَ أملاكه وأنفقها على نَفسه
مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة(6/102)
632 - مُحَمَّد بن خلف بن سعد أَبُو شَاكر التكريتي
633 - مُحَمَّد بن دَاوُد بن رضوَان الإيلاقي أَبُو عبد الله
تفقه على الْبَغَوِيّ بمرو الروذ
وعَلى مُحَمَّد بن يحيى بنيسابور
وَسمع بهَا من أبي عبد الله الفراوي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قدم علينا مرو وَأقَام عِنْدِي فِي مدرستي مُدَّة وَسمعت مِنْهُ أَحَادِيث
وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة(6/103)
634 - مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْحسن بن عمر بن مُحَمَّد ابْن سعد المشاط أَبُو جَعْفَر الْوَاعِظ
من أهل الرّيّ
حدث بِبَغْدَاد عَن أَبِيه أبي الْفَضَائِل بِيَسِير
سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ بن الْخضر الْقرشِي
وَذكر أَنه كَانَ أحد الْأَئِمَّة القائمين بِعلم الْأُصُول الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
مولده فِي عَاشر صفر سنة سِتّ وَخَمْسمِائة
635 - مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن أَبُو سعد بن الرزاز
ولد فِي ثَانِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة
وتفقه على وَالِده
وَسمع أَبَا عَليّ بن نَبهَان وَأَبا لقاسم بن بَيَان الرزاز وَهبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وزاهر بن طَاهِر الشحامي وَغَيرهم
قَالَ ابْن النجار روى لنا عَنهُ أَبُو نصر عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الصُّوفِي
قَالَ ابْن النجار ورتب نَاظرا فِي ديوَان التركات الحشرية فَلم تحمد طَرِيقَته وذمت أَفعاله وَأجْمع النَّاس على سوء سيرته حَتَّى صَار الْمثل يضْرب بهفي الظُّلم والجور(6/104)
وَمن شعره
(وَمن لم يكن فِي الدَّهْر أَلْقَاهُ مسعدا ... وَلم يلف يَوْم الْحَشْر وَهُوَ شَفِيع)
(وَلم يَك خلا فِي الْمَوَدَّة مخلصا ... أرَاهُ إِذا أَدْعُوهُ وَهُوَ مُطِيع)
(وَكنت إِذا مَا السِّرّ أبداه حَافِظًا ... ومخفي أسراري لَدَيْهِ تشيع)
(وأصبحت لَا أَرْجُو جزيل نواله ... وَلَا لي مرعى من نداه مريع)
(فَلَا زَالَ يوليني الصدود مَعَ القلي ... وَيَا لَيْت حَبل الْوَصْل مِنْهُ قطيع)
وَقَالَ أَيْضا
(طمع الرِّجَال ذَوُو الْغنى أَن يسعدوا ... فِي فضل مَا ادخروا من الْأَمْوَال)
(كذبتهم الأطماع حَتَّى إِنَّهُم ... أنسوا بهَا إِذْ أوعدت بمحال)
(أمل يقربهُ الرَّجَاء إِلَى المنى ... كم تسخر الْآجَال بالآمال)
توفّي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة اثِنْتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة
636 - مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن عَمْرو أَبُو عبد الله الفنديني
بِضَم الْفَاء وَسُكُون النُّون وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا النُّون نِسْبَة إِلَى فندين قَرْيَة بمرو
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها زاهدا ورعا عابدا متهجدا تَارِكًا للتكلف
تفقه على الإِمَام عبد الرَّحْمَن الزاز(6/105)
وَسمع مِنْهُ وَمن أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الشَّاشِي وَأبي المظفر السَّمْعَانِيّ
روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي بفندين فِي عشْرين من الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
637 - مُحَمَّد بن طرخان بن يلتكين بن بجكم التركي أَبُو بكر الشَّيْخ الْفَقِيه الزَّاهِد الْوَرع
مولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَقَرَأَ الْفَرَائِض عَليّ أبي حَكِيم الخبري وَالْكَلَام على أبي عبد الله القيرواني(6/106)
وَسمع من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَخلق
وَحدث بِيَسِير لِأَنَّهُ مَاتَ فِي الكهولة
وروى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ الأندلسي وَأَبُو مَسْعُود عبد الْجَلِيل كوتاه وَجَمَاعَة
وَكَانَ يُقَال إِنَّه مستجاب الدعْوَة
مَاتَ فِي ثامن عشر صفر سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة
638 - مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أرسلان الْخَوَارِزْمِيّ أَبُو مُحَمَّد بن أبي الْفضل العباسي أَبُو صَاحب الْكَافِي
أطنب وَلَده فِي وَصفه فِي تَارِيخ خوارزم
وَقَالَ قَرَأَ الْأُصُول وَالْفُرُوع على الإِمَام أبي إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن الدرغاني
مهر فِي الْأُصُول وَصَارَ فريد الزَّمَان فِي انطلاق اللِّسَان وَحسن الْبَيَان وانتزاع الْبُرْهَان من الْأُصُول الْعَقْلِيَّة وَالْقُرْآن وأضحى نادرة الْأَيَّام فِي إفحام فحول الْمُجَاهدين وَقت الْخِصَام بأقطع الْإِلْزَام
وَقَرَأَ شرح الْمُهَذّب لأبي بكر الصيدلاني فِي مجلدات وأتى على حفظ جَمِيعه فَرُبمَا كَانَ يسْأَل عَن مائَة مَسْأَلَة فِي مَجْلِسه فِي مَوَاضِع مُخْتَلفَة ويجيب عَنْهَا على الْفَوْر(6/107)
من غير تردد وَلَا تخبط وَيذكر مَا فِيهَا من الْقَوْلَيْنِ والتنبيه على الجوابين وَيذكر عللها
قَالَ وَحفظ تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ جَمِيعه فَكَانَ إِذا سُئِلَ فِي مَجْلِسه عَن عشر آيَات فِي مَوَاضِع مُتَفَاوِتَة ذكر تَفْسِيرهَا باخْتلَاف أَقْوَال الْمُفَسّرين من غير غلط وَلَا خطأ
ثمَّ قَالَ توفّي وَالِدي يَوْم الإربعاء رَابِع صفر سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ وأشهرا
639 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الأرغياني أَبُو نصر
ورد نيسابور وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وبرع فِي الْفِقْه وَكَانَ إِمَامًا متنسكا كثير الْعِبَادَة حسن السِّيرَة مشتغلا بِنَفسِهِ
وَكَانَ مفتى أَصْحَابنَا فِي وقته
سمع أَبَا الْحسن الواحدي وَأَبا بكر أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأَبا عَليّ بن نَبهَان الْكَاتِب وخلقا
روى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ بِالْإِجَازَةِ
مولده سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة
وَدفن بِظَاهِر نيسابور(6/108)
640 - مُحَمَّد بن عبد الله بن تومرت أَبُو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي المغربي
صَاحب دَعْوَة السُّلْطَان عبد الْمُؤمن ملك الْمغرب
كَانَ رجلا صَالحا زاهدا ورعا فَقِيها
أَصله من جبل السوس من أقْصَى الْمغرب وَهُنَاكَ نَشأ
ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق لطلب الْعلم
فتفقه على الْغَزالِيّ وإليكا أبي الْحسن الهراسي
وَكَانَ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر خشن الْعَيْش كثير الْعِبَادَة شجاعا بطلا قوي النَّفس صَادِق الهمة فصيح اللِّسَان كثير الصَّبْر على الْأَذَى
يعرف الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وينصر الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
وَكَانَ كثير الْأَسْفَار وَلَا يستصحب إِلَّا عَصا وركوة(6/109)
وَلَا يصبر عَن النهى عَن الْمُنكر وأوذي بذلك مَرَّات
دخل إِلَى مصر وَبَالغ فِي الْإِنْكَار فبالغوا فِي أَذَاهُ وطرده
وَكَانَ رُبمَا أوهم أَن بِهِ جنونا وَذَلِكَ عِنْد خشيَة الْقَتْل
ثمَّ خرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ ركب الْبَحْر وَمضى إِلَى بِلَاده
وَكَانَ قد رأى فِي مَنَامه وَهُوَ بالمشرق كَأَنَّهُ قد شرب مَاء الْبَحْر جَمِيعه كرتين فَلَمَّا ركب السَّفِينَة شرع يُنكر وألزمهم بِالصَّلَاةِ والتلاوة فَلَمَّا انْتهى إِلَى المهدية وصاحبها يَوْمئِذٍ يحيى بن تَمِيم الصنهاجي وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَخَمْسمِائة نزل بهَا فِي مَسْجِد مُعَلّق على الطَّرِيق وَكَانَ يجلس فِي طاقته فَلَا يرى مُنْكرا من آلَة الملاهي أَو أواني الْخمر إِلَّا نزل وكسره فتسامع بِهِ النَّاس وَجَاءُوا إِلَيْهِ وقرءوا عَلَيْهِ كتبا فِي أصُول الدّين
وَبلغ خَبره الْأَمِير يحيى فاستدعاه مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَلَمَّا رأى سمته وَسمع كَلَامه أكْرمه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ لَهُ أصلحك الله لرعيتك
ثمَّ نزح عَن الْبَلَد إِلَى بجاية فَأَقَامَ بهَا يُنكر كدأبة فَأخْرج مِنْهَا إِلَى قَرْيَة ملالة فَوجدَ بهَا عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْسِي فَيُقَال إِن ابْن تومرت كَانَ قد وَقع بِكِتَاب فِيهِ صفة عبد الْمُؤمن واسْمه
وَصفته رجل يظْهر بالمغرب الْأَقْصَى من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الله يكون مقَامه ومدفنه بِموضع من الْمغرب يُسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته الْمِائَة الْخَامِسَة(6/110)
فالقى فِي ذهنه أَنه هُوَ وَأَن الله ألْقى فِي روعه ذَلِك كُله من غير أَن يجده فِي كتاب فقد كَانَ رجلا صَالحا مُتَمَكنًا
ثمَّ إِنَّه أَخذ يتطلب صفة عبد الْمُؤمن فَرَأى فِي الطَّرِيق شَابًّا قد بلغ أشده على الصّفة الَّتِي ألقيت فِي روعه فَقَالَ يَا شَاب مَا اسْمك
فَقَالَ عبد الْمُؤمن
فَقَالَ الله أكبر أَنْت بغيتي فَأَيْنَ مقصدك
قَالَ الْمشرق لطلب الْعلم
قَالَ قد وجدت علما وشرفا اصحبني تنله
ثمَّ نظر فِي حليته فوافقته فَألْقى إِلَيْهِ سره
ثمَّ اجْتمع على ابْن تومرت جمع كثير لما رَأَوْهُ من قوته فِي الْحق وَصَبره على طلب الْمَعيشَة وورعه وَعلمه
فَدخل مراكش وملكها عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ حَلِيمًا متواضعا فَأخذ ابْن تومرت فِي الْإِنْكَار على عَادَته حَتَّى أنكر على ابْنه الْملك وَذَلِكَ فِي قصَّة طَوِيلَة فَبلغ خَبره الْملك وَذكر أَنه تحدث فِي تَغْيِير الدولة فَتكلم مَالك بن وهيب الأندلسي الْفَقِيه فِي أمره وَقَالَ نَخَاف من فتح بَاب يعسر علينا سَده
وَكَانَ ابْن تومرت وَأَصْحَابه مقيمين بِمَسْجِد خراب بِظَاهِر الْبَلَد فأحضروا فِي محفل من الْعلمَاء فَقَالَ الْملك سلوا هَذَا مَا يَبْغِي
فكلموه وَقَالُوا مَا الَّذِي يذكر عَنْك من القَوْل فِي حق هَذَا الْملك الْعَادِل الْحَلِيم المنقاد إِلَى الْحق(6/111)
فَقَالَ أماما نقل عني فقد قلته ولى من وَرَائه أَقْوَال
وَكَانَ من قَول القَاضِي فِي مساءلة ابْن تومرت أَن الْملك يُؤثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق
فَقَالَ ابْن تومرت فَأَما قَوْلك إِنَّه يوثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق فقد حضر اعْتِبَار صِحَة هَذَا القَوْل عَلَيْهِ ليعلم بتعريه عَن هَذِه الصّفة أَنه مغرور بِمَا تَقولُونَ لَهُ وتطرونه بِهِ مَعَ علمكُم أَن الْحجَّة عَلَيْهِ متوجهة فَهَل بلغك يَا قَاضِي أَن الْخمر تبَاع جهارا وتمشي الْخَنَازِير بَين الْمُسلمين وَتُؤْخَذ أَمْوَال الْيَتَامَى وَعدد كثيرا من ذَلِك حَتَّى ذرفت عينا الْملك وأطرق حَيَاء
فَقَالَ مَالك بن وهيب إِن عِنْدِي نصيحة إِن قبلهَا الْملك حمد عَاقبَتهَا وَإِن تَركهَا لم آمن عَلَيْهِ
فَقَالَ وَمَا هِيَ
قَالَ إِنِّي خَائِف عَلَيْك من هَذَا الرجل وَأرى أَن تسجنه وتسجن أَصْحَابه وتنفق عَلَيْهِم كل يَوْم دِينَارا وَإِلَّا أنفقت عَلَيْهِ خزائنك
فوافقه الْملك
فَقَالَ الْوَزير أَيهَا الْملك يقبح أَن تبْكي من موعظة هَذَا ثمَّ تسيء إِلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد وَأَن يظْهر مِنْك الْخَوْف مَعَ عظم ملكك وَهُوَ رجل فَقير لَا يملك سد جوعه(6/112)
فانقاد الْملك لكَلَام الْوَزير وَصَرفه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء
فَقيل إِن ابْن تومرت لما خرج من عِنْده لم يزل وَجهه تِلْقَاء وَجهه إِلَى أَن فَارقه
فَقيل لَهُ نرَاك تأدبت مَعَ الْملك
فَقَالَ أردْت أَلا يُفَارق وَجْهي الْبَاطِل حَتَّى أغيره مَا اسْتَطَعْت
وَلما خرج قَالَ لأَصْحَابه لَا مقَام لنا بمراكش مَعَ وجود مَالك بن وهيب وَإِن لنا بأغمات أَخا فِي الله فنقصده فَلَنْ نعدم مِنْهُ رَأيا وَدُعَاء وَهُوَ الْفَقِيه عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم المصمودي
فسافر فِي جماعته إِلَيْهِ فأنزلهم فَبَثَّ إِلَيْهِ سره وَمَا اتّفق لَهُ
فَقَالَ هَذَا الْموضع لَا يحميكم وَإِن أحصن الْأَمَاكِن المجاوة لهَذَا الْبَلَد تينملل
وَهُوَ مسيرَة يَوْم فِي هَذَا الْجَبَل فانقطعوا فِيهِ مُدَّة ريثما ينسى ذكركُمْ(6/113)
فَلَمَّا سمع ابْن تومرت بِهَذَا الِاسْم تجدّد لَهُ ذكر اسْم الْموضع الَّذِي رَآهُ فِي الْكتاب فقصده مَعَ أَصْحَابه
فَلَمَّا أَتَوْهُ ورآهم أهل ذَلِك الْمَكَان على تِلْكَ الصُّورَة فَعَلمُوا أَنهم طلاب علم فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم
وَبلغ الْملك سفرهم فسر بذلك
وتسامع أهل الْجَبَل بوصول ابْن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون بِهِ
وَكَانَ كل من أَتَاهُ استدناه وَعرض عَلَيْهِ مَا فِي نَفسه فَإِن أَجَابَهُ أَضَافَهُ إِلَى خواصه وَإِن خَالفه أعرض عَنهُ
وَكَثُرت أَتْبَاعه
وَمن كَلَام عبد الْوَاحِد بن عَليّ التَّمِيمِي المراكشي صَاحب كتاب المعجب أَن ابْن تومرت لما ركب الْبَحْر وَأخذ يُنكر على أهل الْمركب مَا يرَاهُ من المناكر ألقوه فِي الْبَحْر وَأقَام نصف يَوْم يجْرِي فِي المَاء مَعَ السَّفِينَة وَلم يغرق فأنزلوه إِلَيْهِ من أطلعه وعظموه إِلَى أَن نزل ببجاية وَوعظ بهَا ودرس وَحصل لَهُ الْقبُول فَأمره صَاحبهَا بِالْخرُوجِ منهاخوفا مِنْهُ فَخرج وَوَقع بعيد الْمُؤمن وَكَانَ بارعا فِي خطّ الرمل وَوَقع بجفر فِيمَا قيل وصحبهما من ملالة عبد الْوَاحِد المشرقي فَتوجه الثَّلَاثَة إِلَى أقْصَى الْمغرب(6/114)
وَقيل إِنَّه لَقِي عبد الْمُؤمن بِبِلَاد متيجة فَرَآهُ يعلم الصّبيان فَأسر إِلَيْهِ وعرفه بالعلامات
وَكَانَ عبد الْمُؤمن قد رأى رُؤْيا وَهِي أَنه يَأْكُل مَعَ أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي صَحْفَة قَالَ ثمَّ زَاد أكلي على أكله ثمَّ اختطفت الصحفة مِنْهُ فقصصتها على عَابِر فَقَالَ هَذِه لَا يَنْبَغِي أَن تكون لَك إِنَّمَا هِيَ لرجل ثَائِر يثور على أَمِير الْمُسلمين إِلَى أَن يغلب على بِلَاده
وَسَار ابْن تومرت إِلَى أَن نزل فِي مَسْجِد لظَاهِر تلمسان وَكَانَ قد وضع لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوس وَكَانَ طَوِيل الصمت كثير الانقباض إِذا انْفَصل عَن مجْلِس الْعلم لَا يكَاد يتَكَلَّم
أَخْبرنِي شيخ عَن رجل من الصَّالِحين كَانَ معتكفا فِي ذَلِك الْمَسْجِد أَن ابْن تومرت خرج لَيْلَة فَقَالَ أَيْن فلَان
قَالُوا مسجون
فَمضى من وقته وَمَعَهُ رجل حَتَّى أَتَى بَاب الْمَدِينَة فدق على البواب دقا عنيفا فَفتح لَهُ بِسُرْعَة فَدخل حَتَّى أَتَى الْحَبْس وابتدر إِلَيْهِ السجانون يتمسحون بِهِ ونادى يَا فلَان
فَأجَاب فَقَالَ اخْرُج فَخرج والسجانون باهتون لَا يمنعونه وَخرج بِهِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد
وَكَانَت هَذِه عَادَته فِي كل مَا يُريدهُ لَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ قدسخرت لَهُ الرِّجَال(6/115)
وَعظم شَأْنه بتلمسان إِلَى أَن انْفَصل عَنْهَا وَقد استحوذ على قُلُوب كبرائها فَأتى فاس فأظهر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَكَانَ جلّ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ علم الِاعْتِقَاد على طَريقَة الأشعرية
وَكَانَ أهل الْمغرب ينافرون هَذِه الْعُلُوم ويعادون من ظَهرت عَلَيْهِ فَجمع وَالِي فاس الْفُقَهَاء لَهُ فناظرهم فَظهر عَلَيْهِم لِأَنَّهُ وجد جوا خَالِيا وناسا لَا علم لَهُم بالْكلَام فأشاروا على الْمُتَوَلِي بِإِخْرَاجِهِ فَسَار إِلَى مراكش وكتبوه بِخَبَرِهِ إِلَى ابْن تاشفين فَجمع لَهُ الْفُقَهَاء فَلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إِلَّا مَالك ابْن وهيب وَكَانَ متفننا قد نظر فِي الفلسفة فَلَمَّا سمع كَلَامه استشعر حِدته وذكاءه فَأَشَارَ على أَمِير الْمُسلمين ابْن تاشفين بقتْله وَقَالَ هَذَا لَا تؤمن غائلته وَإِن وَقع فِي بِلَاد المصامدة قوى شَره
فتوقف عَن قَتله دينا فَأَشَارَ عَلَيْهِ بحبسه
فَقَالَ غُلَام أسجن مؤمنالم يتَعَيَّن لنا عَلَيْهِ حق وَلَكِن يخرج عَنَّا
فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى السوس وَنزل بتينملل
وَمن هَذَا الْموضع قَامَ أمره وَبِه قَبره
فَلَمَّا نزله اجْتمع إِلَيْهِ وُجُوه المصامدة فشرع فِي بَث الْعلم وَالدُّعَاء إِلَى الْخَيْر وكتم أمره وصنف لَهُ عقيدة بلسانهم وَعظم فِي أَعينهم وأحبته قُلُوبهم
فَلَمَّا استوثق مِنْهُم دَعَا إِلَى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونهاهم عَن سفك الدِّمَاء
فأقاموا على ذَلِك مُدَّة وَأمر رجَالًا مِنْهُم مِمَّن استصلح عُقُولهمْ بِنصب الدعْوَة واستمالة رُؤَسَاء الْقَبَائِل(6/116)
وَأخذ يذكر الْمهْدي ويشوق إِلَيْهِ وَجمع الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي فَضله
فَلَمَّا قرر عِنْدهم عَظمَة الْمهْدي وَنسبه ونعته ادّعى ذَلِك لنَفسِهِ وَقَالَ أَنا مُحَمَّد ابْن عبد الله وسرد لَهُ نسبا إِلَى عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَصرح بِدَعْوَى الْعِصْمَة لنَفسِهِ وَأَنه الْمهْدي الْمَعْصُوم وَبسط يَده للمبايعة فَبَايعُوهُ
فَقَالَ أُبَايِعكُم على مَا بَايع عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ صنف لَهُم تصانيف فِي الْعلم مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ أعز مَا يطْلب وعقائد على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي أَكثر الْمسَائِل إِلَّا فِي إِثْبَات الصِّفَات فَإِنَّهُ وَافق الْمُعْتَزلَة فِي نَفيهَا وَفِي مسَائِل قَليلَة غَيرهَا
وَكَانَ يبطن شَيْئا من التَّشَيُّع
ورتب أَصْحَابه طَبَقَات فَجعل مِنْهُم الْعشْرَة ...
641 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ أَبُو الْفضل بن أبي مُحَمَّد الشهرزوري الْموصِلِي قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين
ولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه بِبَغْدَاد على أسعد الميهني(6/117)
وَسمع من أبي طَالب الزَّيْنَبِي وَأبي البركات بن خَمِيس وجده لأمه عَليّ بن أَحْمد ابْن طوق وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى وَأَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم ابْن صصرى وَالشَّيْخ الْمُوفق ابْن قدامَة وَآخَرُونَ
ولى قَضَاء الْموصل وَكَانَ يتَرَدَّد بَينهَا وَبَين بَغْدَاد رَسُولا من صَاحبهَا إِلَى الْخَلِيفَة
ثمَّ قدم الشَّام وافدا على نور الدّين فَبَالغ فِي إكرامه وولاه قَضَاء دمشق وَنظر الْأَوْقَاف وَنظر أَمْوَال السُّلْطَان وَغير ذَلِك فاستناب ابْنه القَاضِي أَبَا حَامِد بحلب وَابْن أَخِيه أَبَا الْقَاسِم بحماة وَابْن أَخِيه الآخر بحمص
وَكَانَ فقهيا أصوليا أديبا شَاعِرًا ظريفا ذَا أفضال
وقف أوقافا كَثِيرَة مِنْهَا مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين ورباطا بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَتمكن فِي الْأَيَّام النورية تمَكنا بَالغا فَلَمَّا تملك السُّلْطَان صَلَاح الدّين أقره على مَا كَانَ عَلَيْهِ ونال مَا لم ينله أحد من الْفُقَهَاء من التَّقَدُّم ونفاذ الْكَلِمَة
وَلما قدم صَلَاح الدّين دمشق سنة سبعين لأجل أَخذهَا نزل بدار العقيقي وتعسرت عَلَيْهِ القلعة أَيَّامًا مَشى بِنَفسِهِ إِلَى دَار قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين زَائِرًا مستشيرا فَتَلقاهُ وجالسه وباسطه وَقَالَ طب نفسا وقر عينا فَالْأَمْر أَمرك والبلد بلدك
وَفِي هَذَا من الدّلَالَة على جلالة قدر القَاضِي مَا لَا يخفى(6/118)
وَكَانَ يهب الْألف دِينَار فَمَا فَوْقهَا
وَهُوَ الَّذِي وقف الْحصَّة من قَرْيَة الهامة على المقادسة
وَفِيمَا أحفظه من محَاسِن الثَّلَاثَة السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَالْقَاضِي الْفَاضِل وقاضي الْقُضَاة كَمَال الدّين أَن السُّلْطَان لما جَاءَ إِلَى الشَّام كتبت قصَص كَثِيرَة فِي كَمَال الدّين ومرافعات شَتَّى وَنسب إِلَى أُمُور مِمَّا جرت عَادَة المرافعين بِنِسْبَة الْحُكَّام إِلَيْهَا
وَقيل إِن القَاضِي الْفَاضِل كَانَ يكره القَاضِي كَمَال الدّين فَأدى الْقَصَص إِلَى السُّلْطَان فِي كَمَال الدّين فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَلم يصل السُّلْطَان إِلَى الْكسْوَة إلأ وَقد حصل عِنْده من كَمَال الدّين شَيْء مَعَ مَا قيل إِنَّه كَانَ لَا يُحِبهُ من أَيَّام نور الدّين
فَاجْتمع أَصْحَاب كَمَال الدّين إِلَيْهِ وأشاروا عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ لتلقي السُّلْطَان فَأبى جَريا على مَا أَلفه فِي أَيَّام نور الدّين من تردد النَّاس إِلَيْهِ وَعدم تردده إِلَى النَّاس
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة دُخُول السُّلْطَان دمشق تحزب أَصْحَاب كَمَال الدّين عَلَيْهِ وَقَالُوا هَذَا السُّلْطَان من الأَصْل لَا يحبك ومدبر دولته القَاضِي الْفَاضِل كَذَلِك وأعداؤك قد تحزبوا عَلَيْك وَمَا كنت تعرفه من الرّفْعَة قد زَالَ بِزَوَال دولة نور الدّين وَالسُّلْطَان بكرَة غَد يدْخل الْبَلَد وَقد دخل القَاضِي الْفَاضِل الْبَلَد اللَّيْلَة ونرى أَن تمشي إِلَيْهِ
فأظهر تألما كثيرا لذَلِك فألزم وَرُبمَا حلف عَلَيْهِ
فَمضى وَمَعَهُ اثْنَان أَحدهمَا وَلَده وَالْآخر بعض من أَشَارَ عَلَيْهِ وَفِي ذهنه أَنه من(6/119)
حِين يقبل على دَار القَاضِي الْفَاضِل يخرج لتلقيه فَقعدَ على الْبَاب زَمَانا طَويلا ليؤذن لَهُ
فَأَما الرجل الَّذِي كَانَ مَعَه وَأَشَارَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هرب حَيَاء من القَاضِي كَمَال الدّين وَصَارَ كَمَال الدّين وَولده
فَخرج الطواشي وَذكر أَن الْفَاضِل نَائِم
فَقَامَ كَمَال الدّين وَعَاد إِلَى دَار فِي أَسْوَأ حَال
وسرى القَاضِي الْفَاضِل فِي أثْنَاء اللَّيْل لتلقي صَلَاح الدّين وجاراه الْكَلَام حَتَّى انْتهى إِلَى ذكر كَمَال الدّين فَقَالَ ياخوند هَذَا رجل مُعظم فِي الْعلم والسؤدد وأفعال نور الدّين عِنْد النَّاس مسددة وَكَانَ مِنْهَا تَعْظِيم هَذَا الرجل وغالب مَا ينْسب إِلَيْهِ كذب وَأما مَا ذكر من كَثْرَة دخله فَهُوَ وَإِن كثر دون كثير من أُمَرَاء المملكة وَلَعَلَّه أَحَق بِبَيْت المَال وأمواله من كثير مِنْهُم فَالَّذِي أرَاهُ تَعْظِيمه وَكَذَا وَكَذَا
وَعَاد إِلَى الْبَلَد مصبحا قبل دُخُول صَلَاح الدّين وَتوجه إِلَى دَار كَمَال الدّين فَجَلَسَ على الْبَاب وَطلب الْإِذْن
فَلَمَّا دخل الْخَادِم ليستأذن كَمَال الدّين عَلَيْهِ مضى وَلم يلبث علما مِنْهُ بِأَن كَمَال الدّين سيجازيه على عدم خُرُوجه لَهُ وَلَا يخرج لقُوَّة نفس كَمَال الدّين فَكَانَ كَذَلِك دخل الْخَادِم إِلَى كَمَال الدّين فاعتل بعلة وَلم يخرج فَخرج الْخَادِم فَلم يجد الْفَاضِل
ثمَّ لما عبر السُّلْطَان الْبَلَد وَبَدَأَ بالجامع فصلى فِيهِ قيل إِن الْفَاضِل أَخذه من الْجَامِع وَجَاء بِهِ إِلَى دَار كَمَال الدّين وَصَارَت لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء عِنْد كَمَال الدّين بِهَذِهِ الْوَاقِعَة وتصادقا(6/120)
فإمَّا أَن يكون صَلَاح الدّين توجه إِلَى بَيت كَمَال الدّين مرَّتَيْنِ مرّة أول قدومه وَهِي هَذِه وَمرَّة بِسَبَب القلعة وَإِمَّا أَن يكون مرّة وَاحِدَة وَهُوَ الْأَقْرَب
وَمن شعر كَمَال الدّين
(وَجَاءُوا عشَاء يهرعون وَقد بدا ... بجسمي من دَاء الصبابة ألوان)
(فَقَالُوا وكل مُعظم بعض مَا رأى ... أصابتك عين قلت عين وأجفان)
وَقَالَ أَيْضا
ولي كتائب أنفاس أجهزها ... إِلَى جنابك إِلَّا أَنَّهَا كتب)
(ولي أَحَادِيث من نَفسِي أسر بهَا ... إِذا ذكرتك إِلَّا أَنَّهَا كذب)
توفّي فِي سادس الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة
642 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أَسد ابْن نصر الشِّيرَازِيّ الْمَعْرُوف بِابْن فوران
الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح
ولد فِي شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَهُوَ من الرّيّ وَأَصله من شيراز وَسكن آمل طبرستان وَكَانَ فَقِيها واعظا شَاعِرًا مليح الشّعْر
سمع بِالريِّ أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الفراوي الْوَاعِظ وَغَيره(6/121)
كتبت عَنهُ بآمل شَيْئا يَسِيرا من شعره
توفّي بآمل طبرستان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
643 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عموية أَبُو جَعْفَر السهروردي
أَخُو الشَّيْخ أبي النجيب
تفقه عَليّ أسعد الميهني
قَالَ يُوسُف الدِّمَشْقِي كَانَ لَهُ حَظّ وافر من الْعلم وَكَانَ حسن الْوَعْظ وَتَوَلَّى قَضَاء شهرزور وَقتل بهَا فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
644 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي صَالح البسطامي أَبُو عَليّ الْمَعْرُوف بِإِمَام بَغْدَاد
تفقه عَليّ إِلْكيَا الهراسي
ورحل إِلَى خُرَاسَان واستوطنها
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مناظرا وشاعرا مجودا
قَالَ وَسمع من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي الْحسن بن العلاف وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهم(6/122)
وروى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ إِنَّه سَأَلَهُ عَن مولده فَقَالَ بِبَغْدَاد فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَتُوفِّي ببلخ فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَمن شعره
(إِذا كنت فِي دَار القناعة ثاويا ... فَذَلِك كنز فِي يَديك عتيد)
(وَإِن ساءك الْآتِي بِمَا لَا تريده ... فَذَلِك هم لَا يزَال يزِيد)
645 - مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْحسن أَبُو جَعْفَر الصائغي الْمروزِي الْمَعْرُوف بالسديد
ولد فِي حُدُود سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات فِي سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فِي صفر
تَرْجمهُ ابْن باطيش
646 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الإِمَام أَبُو الْفَتْح البنجديهي الحمدويني الْمروزِي الْفَقِيه
تفقه على أبي بكر مُحَمَّد بن ابي المظفر السَّمْعَانِيّ(6/123)
وَسمع من إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَهبة الله بن عبد الْوَارِث الْحَافِظ وَغَيرهمَا
سمع مِنْهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
مولده سنة بضع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات فِي عشر الْخمسين وَخَمْسمِائة
647 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو طَالب الكنجروذي النَّيْسَابُورِي
سمع ابا الْحسن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَمُحَمّد ابْن إِسْمَاعِيل التفليسي وَغَيرهم
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم
وَقَالَ توفّي فِي خَامِس شهر رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
648 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي تَوْبَة أَبُو الْفَتْح الْكشميهني
الْخَطِيب شيخ الصُّوفِيَّة بمرو
مولده إِمَّا سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة(6/124)
وَهُوَ آخر من روى فِي الدُّنْيَا عَن أبي الخيرمحمد بن أبي عمرَان سمع مِنْهُ صَحِيح البُخَارِيّ
وَسمع أَيْضا من أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَهبة الله بن عبد الْوَارِث وَغَيرهمَا
وتفقه على أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ
وَحدث بالكثير
روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم بن أبي سعد ومسعود بن مَحْمُود المنيعي وَشَرِيفَةٌ بنت أَحْمد بن عَليّ الْغَازِي وَغَيرهم
قَالَ أَبُو سعد كَانَ عَالما حسن السِّيرَة جميل الْأَمر سخيا مكرما للغرباء
توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
649 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف الخلوقي الْمروزِي
إِمَام عَارِف بِالْمذهبِ(6/125)
سمع أَبَا الْخَيْر الصفار وَمُحَمّد بن الْحسن الْمهْر بندقشايي وَجَمَاعَة
650 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ
صَاحب كتاب الْإِكْمَال لما وَقع فِي التَّنْبِيه من الْإِشْكَال والإجمال
651 - مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز(6/126)
652 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر الْوزان أَبُو عبد الله بن أبي سعد بن أبي الْعَبَّاس بن أبي سعد
من أهل الرّيّ
رئيسها وَابْن رؤسائها والمقدم على سَائِر الطوائف بهَا
كَانَ من كبار الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشَّافِعِي وَذَا مكانة رفيعة عِنْد الْمُلُوك
وَمن شعره
(لكَلْب عقور أسود اللَّوْن حالك ... على صدر سَوْدَاء الذوائب كاعب)
(أحب إِلَيْهَا من معانقة الَّذِي ... لَهُ لحية بَيْضَاء فَوق الترائب)
توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة هَذَا مُخْتَصر من تَارِيخ ابْن النجار
(لقد فاق فِي الْآفَاق كل موفق ... أَفَاق بهَا من سكرها صحابها)
(فسل جَامع الْأَمْوَال فِيهَا بحرصه ... أخلفها من بعده أم سرى بهَا)
(هِيَ الْآل فاحذرها وذرها لأَهْلهَا ... وَمَا الْآل إِلَّا لمْعَة من سرابها)
(وَكم أَسد سَاد البرايا ببره ... وَلَو نابها خطب إِذا مَا وني بهَا)
(فَأصْبح فِيهَا عِبْرَة لأولى النهى ... بمخلبها قد مزقته ونابها)(6/127)
وَفِي كتاب الطَّبَقَات الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى
مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر الْوزان
لَقِي أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وتفقه على وَالِده ثمَّ على أبي بكر الخجندي بأصبهان
وَسمع بِبَغْدَاد عَليّ ابْن النقور
وَمَات فِي حُدُود سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة بِالريِّ
وَهَذَا مُخْتَصر من كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ
وَلم يذكرهُ ابْن النجار وَإِنَّمَا ذكر من صدرنا التَّرْجَمَة باسمه وَعِنْدِي أَن هَذَا جد ذَاك فَيكون صَاحب التَّرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم لَا مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم ابْن أَحْمد وَلَكِن وَقع فِي تَارِيخ ابْن النجار أَحْمد مَوضِع مُحَمَّد فَليُحرر ذَلِك
وَالْحَاصِل أَنَّهُمَا فقيهان ترْجم الْمُتَأَخر مِنْهُمَا ابْن النجار وَلم يترجم الْمُتَقَدّم
وَعكس ابْن السَّمْعَانِيّ
وللمتأخر مِنْهُمَا شرح على وجيز الغزالبي
653 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح الْمَعْرُوف بالشهر ستاني
صَاحب كتاب الْملَل والنحل وَهُوَ عِنْدِي خير كتاب صنف فِي هَذَا الْكتاب(6/128)
ومصنف ابْن حزم وَإِن كَانَ أبسط مِنْهُ إِلَّا أَنه مبدد لَيْسَ لَهُ نظام ثمَّ فِيهِ من الْحَط على أَئِمَّة السّنة وَنسبَة الأشاعرة إِلَى مَا هم بريؤون مِنْهُ مَا يكثر تعداده ثمَّ ابْن حزم نَفسه لَا يدْرِي علم الْكَلَام حق الدِّرَايَة على طَرِيق أَهله
وللشهر ستاني أَيْضا كتاب نِهَايَة الْإِقْدَام فِي علم الْكَلَام وَغَيرهمَا
كَانَ إِمَامًا مبرزا مقدما فِي علم الْكَلَام وَالنَّظَر
برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْكَلَام
وتفقه على أَحْمد الخوافي
وَأخذ أصُول الْكَلَام على الْأُسْتَاذ أبي نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
وَقَرَأَ الْكَلَام أَيْضا على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ورد بَغْدَاد فِي سنة عشر وَخَمْسمِائة وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين وَكَانَ بعظ بهَا وَيظْهر لَهُ قبُول عِنْد الْعَوام
وَقد سمع بنيسابور من أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَغَيره
سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وَقد حَكَاهُ ابْن الصّلاح فِي الطَّبَقَات ووقفت على الذيل وَعِنْدِي مِنْهُ نسختان فَلم أجد فِي التَّرْجَمَة زِيَادَة على مَا حكيت إِلَّا أَنه روى عَنهُ حَدِيثا وحكايتين مسندتين وَذكر أَنه سَمعه يَقُول فِي المذاكرة سُئِلت بِبَغْدَاد فِي الْمجْلس عَن مُوسَى فَقلت الْتفت مُوسَى 13 يَمِينا(6/129)
ويسار فَمَا رأى من يسْتَأْنس بِهِ وَلَا جارا فآنس من جَانب الطّور نَارا
(خرجنَا نبتغي مَكَّة ... حجاجا وَعمَّارًا (
(فَلَمَّا بلغ الْحيرَة ... حادى جملي حارا)
(فصادفنا بهَا ديرا ... وَرُهْبَانًا وخمارا)
هَذَا ملخص مَا فِي ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ
وَفِي تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ ذكر أَنه كَانَ مُتَّهمًا بالميل إِلَى أهل القلاع يَعْنِي الإسماعيلية والدعوة إِلَيْهِم والنصرة لطاماتهم وَأَنه قَالَ فِي التجير إِنَّه مُتَّهم بالإلحاد والميل إِلَيْهِم غال فِي التَّشَيُّع
انْتهى مُخْتَصرا
فَأَما الذيل فَلَا شَيْء فِيهِ من ذَلِك وَإِنَّمَا ذَلِك فِي التحبير وَمَا أَدْرِي من أَيْن ذَلِك لِابْنِ السَّمْعَانِيّ فَإِن تصانيف أبي الْفَتْح دَالَّة على خلاف ذَلِك
وَيَقَع لي هَذَا دس على ابْن السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابَة التحبير وَإِلَّا فَلم لم يذكرهُ فِي الذيل لَكِن قريب مِنْهُ قَول صَاحب الْكَافِي لَوْلَا تخبطه فِي الِاعْتِقَاد وميله إِلَى أهل الزيغ والإلحاد لَكَانَ هُوَ الإِمَام فِي الْإِسْلَام
وَأطَال فِي النّيل مِنْهُ
وَقَالَ كَانَت بَيْننَا محاورات ومفاوضات فَكَانَ يُبَالغ فِي نصْرَة مَذَاهِب الفلاسفة والذب عَنْهُم
هَذَا كَلَام الْخَوَارِزْمِيّ(6/130)
654 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي أَبُو الإِمَام الرَّافِعِيّ
كَانَ إِمَامًا فَاضلا
روى عَن أبي البركات الفراوي وَعبد الْخَالِق الشحامي وَسعد الْخَيْر مُحَمَّد بن طراد الزَّيْنَبِي وَغَيرهم
وتفقه بقزوين على ملكداد بن عَليّ
وبنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى
وببغداد على أبي مَنْصُور بن الرزاز
ذكره وَلَده الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي وَأكْثر فِيهِ الرِّوَايَة عَنهُ وَفرق تَرْجَمته على الْمجَالِس الَّتِي رُوِيَ عَنهُ فِيهَا فَذكر فِي كل مجْلِس غير مَا فِي الْمجْلس الْمُتَقَدّم عَنهُ
وَقَالَ فِيهِ وَالِدي مِمَّن خص بعفة الذيل وَحسن السِّيرَة وَالْجد فِي الْعلم وَالْعِبَادَة وذلاقة اللِّسَان وَقُوَّة الْجنان والصلابة فِي الدّين والمهابة عِنْد النَّاس والبراعة فِي الْعلم حفظا وضبطا ثمَّ إتقانا وبيانا وفهما ودراية ثمَّ أَدَاء وَرِوَايَة
قَالَ وَأَقْبَلت عَلَيْهِ المتفقهة بقزوين فدرس وَأفَاد وصنف فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير
وَكَانَ جيد الْحِفْظ(6/131)
سمعته يَقُول سهرت البارحة مفكرا فِيمَا أحفظ من الأبيات المفردة والمقطوعات خَاصَّة فَذكر آلافا
قَالَ وَحكي لي الْحُسَيْن بن عبد الرَّحِيم الْمُؤَذّن وَهُوَ رجل صَالح أَن وَالِدي خرج لَيْلَة لصَلَاة الْعشَاء وَكَانَت لَيْلَة مظْلمَة فَرَأَيْت نورا فحسبت أَن مَعَه سِرَاجًا فَلَمَّا وصل إِلَيّ لم أجد مَعَه شَيْئا فَذكرت لَهُ فَلم يُعجبهُ وُقُوفِي على حَاله وَقَالَ لي أقبل عَليّ شَأْنك
قلت وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة وَلَده مَا يشبه هَذِه الْحِكَايَة فَلَعَلَّ نوع هَذِه الْكَرَامَة فِي الْوَالِد وَالْولد
قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَعَلَّ الله أَن يوفقني لما هَمَمْت بِهِ من جمع مُخْتَصر فِي مناقبه
قلت وَقد نقل عَنهُ فِي الشَّرْح فِي مَوَاضِع كَثِيرَة مِنْهَا التَّيَمُّم وفِي الْجَنَائِز فِي موضِعين وَالْبيع والشهادات
وَفِي الصَّلَاة فِي إِشَارَة الْأَخْرَس فِيهَا نقل أَن الْغَزالِيّ أجَاب فِي(6/132)
الْفَتَاوَى بِأَنَّهَا تبطل وَأَنه رأى بِخَط وَالِده حِكَايَة وَجه أَنَّهَا لَا تبطل ثمَّ حكى هُوَ أَعنِي الرَّافِعِيّ وَجْهَيْن فِي الْمَسْأَلَة فِي كتاب الطَّلَاق وَصحح عدم الْبطلَان
توفّي وَالِد الرَّافِعِيّ فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
655 - مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ أَبُو بكر المهلبي
من أَوْلَاد الْمُهلب بن أبي صفرَة على مَا ذكر بَعضهم
صدر الدّين الخجندي أَبُو بكر
من أهل أَصْبَهَان
كَانَ رئيسها والمقدم عِنْد السلاطين
قدم بَغْدَاد وَولي تدريس النظامية
وَكَانَ يعظ بهَا وبجامع الْقصر
وَسمع بأصبهان أَبَا عَليّ الْحداد وغانم بن أَحْمد وَأَبا الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن الْفضل بن أَحْمد السراج وطبقتهم
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا مناظرا فحلا واعظا مليح الْوَعْظ سخي النَّفس جوادا
قَالَ وَكَانَ بالوزراء أشبه من الْعلمَاء ثمَّ قَالَ وَكَانَ يروي الحَدِيث على رَأس الْمِنْبَر من حفظه(6/133)
قلت وَمن شعره
(أنْفق جسورا واسترق الورى ... وَلَا تخف خشيَة إملاق)
(النَّاس أكفاء إِذا قوبلوا ... إِن فاق شخص فبإنفاق)
وَكَانَ مَوْصُوفا بِحسن المناظرة وتحرير الْعبارَة فِيهَا
وَكَانَ لرياسته يمشي وَحَوله السيوف
خرج إِلَى أَصْبَهَان من بَغْدَاد فَنزل قَرْيَة بَين همذان والكرج نَام فِي عَافِيَة وَأصْبح مَيتا فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة
قَالَ ابْن الْأَثِير وَقعت لمَوْته فتْنَة عَظِيمَة قتل فِيهَا خلق بأصبهان
656 - مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الخجدي
ولد ولد الْمُقدم ذكره
كَانَ يلقب بلقب جده صدر الدّين
قَالَ ابْن باطيش انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة بأصبهان بعد موت أَبِيه
ورد بَغْدَاد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة واستوطنها وأنعم عَلَيْهِ الْخَلِيفَة بِمَا لم ينعم بِهِ على أحد من أَمْثَاله
وَولي النّظر فِي أوقاف النظاتمية وَصَارَ مُعظما(6/134)
ثمَّ خرج مَعَ الْوَزير مؤيد الدّين بن القصاب مُتَوَجها إِلَى خوزستان ثمَّ إِلَى أَصْبَهَان وملكها وَأذن لَهُ فِي الْمقَام بأصبهان وَبهَا الْأَمِير سنقر فجرت بَينهمَا أُمُور أدَّت إِلَى الوحشة بَينهمَا فَيُقَال إِنَّه دس على ابْن الخجندي من قَتله وَذَلِكَ فِي إِحْدَى الجماديين من سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
وَكَانَ قد سمع شَيْئا من الحَدِيث إِلَّا أَنه لم يبلغ سنّ الرِّوَايَة
657 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الهمذاني الْمَقْدِسِي أَبُو الْحسن بن الشَّيْخ أبي الْفضل
ولد فِي نصف شعْبَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع أَبَا الْحُسَيْن بن النقور وطراد الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا
وروى عَنهُ الْحَافِظ ابْن العساكر وَغَيره
وَله تصانيف كَثِيرَة
قَالَ ابْن النجار بِهِ ختم فن التَّارِيخ
وَله الذيل على تَارِيخ ابْن جرير(6/135)
والذيل على الذيل الَّذِي عمله الْوَزير أَبُو شُجَاع لتاريخ ابْن مسكويه
وعنوان السّير
وأخبار الوزراء
وطبقات الْفُقَهَاء
توفّي فَجْأَة فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة
658 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الحميد أَبُو عبد الله بن أبي الْحسن الفارقي الشَّيْخ الصَّالح الْعَارِف
صَاحب الْأَحْوَال السّنيَّة
مولده سنة ثَمَان وَخمسين
وَقدم بَغْدَاد فِي صباه واستوطنها وَقد أَطَالَ ابْن النجار تَرْجَمته
وَذكر أَن بَعضهم دون كَلَامه فِي التصوف وَأَنه من تلامذة أبي الْبَقَاء الْمُبَارك بن الْخلّ وَأَنه حدث عَنهُ
وَمن كَلَامه الْمُحب بسطوة سُلْطَان الْجمال مغلوب وبحسام الْحسن مَضْرُوب مَأْخُوذ عَنهُ مسلوب نجم رغبته غارب عَن كل مَرْغُوب طالع فِي آفَاق الغيوب(6/136)
مِصْبَاح حبه يتوهج فِي زجاجة وجده بِنَار الوله بالمحبوب شهَاب شوقه وكمده فِي قلبه وكبده سَاطِع فِي الألهوب
وَمن شعره
(إِذا أفادك إِنْسَان بفائدة ... من الْعُلُوم فَأكْثر شكره أبدا)
(وَقل فلَان جزاه الله صَالِحَة ... أفادنيها وألق الْكبر والحسدا)
قَالَ ابْن النجار كَانَ يتَكَلَّم على النَّاس فِي كل جُمُعَة بعد الصَّلَاة بِجَامِع الْقصر يجلس على آجرتين وَيقوم قَائِما إِذا حمى فِي الْكَلَام
وَسُئِلَ أَنه يعْمل لَهُ كرْسِي فَأبى
وَكَانَ زاهدا مخشوشنا
مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
659 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الكرجي بِالْجِيم أَبُو الْحسن بن أبي طَالب
ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع الحَدِيث من مكي بن عَلان الكرجي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان الرزاز وَأبي عَليّ مُحَمَّد بن سعيد بن نَبهَان الْكَاتِب وَأبي الْحسن بن العلاف وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَجَمَاعَة(6/137)
وصنف تصانيف فِي الْمَذْهَب وَالتَّفْسِير
ووقفت لَهُ على كتاب الذرائع فِي علم الشَّرَائِع وسأذكر مِنْهُ مسَائِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ أَبُو الْحسن من أهل الكرج رَأَيْته بهَا إِمَام ورع عَالم عَاقل فَقِيه مفت مُحدث شَاعِر أديب لَهُ مَجْمُوع حسن
أفنى طول عمره فِي جمع الْعلم ونشره
وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِلَّا أَنه كَانَ لَا يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح
وَكَانَ يَقُول إمامنا الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فاتركوا قولى وخذوا بِالْحَدِيثِ وَقد صَحَّ عِنْدِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح
قلت وَكَذَلِكَ رَأَيْته قَالَ فِي كِتَابه الذرائع الْقُنُوت فِي الصُّبْح غير ثَابت فِي الحَدِيث بل مَنْهِيّ عَنهُ
وَلم أرتض أَنا مِنْهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يصنف الْكتاب على مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ يُفْتِي فِيهِ بِخِلَاف مذْهبه ظنا مِنْهُ صِحَة الحَدِيث وأمامه عقبتان فِي غَايَة الصعوبة صِحَة الحَدِيث(6/138)
وهيهات إِن الْوُصُول إِلَى ذَلِك لشديد عَلَيْهِ عسير وَكَونه يصير مذهبا للشَّافِعِيّ وَهُوَ أَيْضا صَعب
وَقد جاريت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي هَذَا وَكَانَ سَببا لتصنيفه مُصَنفه الْمُسَمّى بِمَعْنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَذكر كَلَام مُحَمَّد بن عبد الْملك هَذَا وَأَنه ترك لأَجله قنوت الصُّبْح ثمَّ تبين لَهُ عدم صِحَّته وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتْرك قنوت الصُّبْح وَإِنَّمَا ترك الْقُنُوت على رعل وذكوان
وَأطَال الشَّيْخ الإِمَام فِيهِ وأطاب فلينظره من أَرَادَهُ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَحكى لي الكرجي قَالَ رَأَيْت لَيْلَة الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق فِي النّوم فَسلمت عَلَيْهِ وَأَرَدْت أَن أقبل يَده فَأَعْرض عني وَامْتنع فَقلت لَهُ يَا سيدنَا أَن من جملَة غلمانك وأذكر الْمُهَذّب من تصنيفك فِي الدَّرْس
فَقَالَ لي لم تركت الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح
فَقلت لَهُ إِن الشَّافِعِي قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي
وشرعت مَعَه فِي شرح الحَدِيث وَهُوَ يصغي إِلَيّ إِلَى أَن تَبَسم فِي وَجْهي
انْتهى
قلت وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطى هَذِه الْحِكَايَة وَذكر أَن هَذَا الكرجي من أكَابِر أَصْحَاب الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق وَلَعَلَّه أَخذ ذَلِك من قَوْله أَنا من غلمانك وَالْمَذْكُور لم يصحب أَبَا إِسْحَاق وَلَا رَآهُ وَإِنَّمَا اعتزى إِلَيْهِ لتدريسه كِتَابه(6/139)
وَقد حكى لي وَالِدي رَحمَه الله عَن شَيْخه الدمياطي هَذَا فَقلت لَهُ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَلم يكن وَالِدي يعرف تَرْجَمَة هَذَا الكرجي فَكتب عني هَذَا فِي كِتَابه معنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي
وَقَالَ قَالَ لي ابْني عبد الْوَهَّاب إِنَّه لَيْسَ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَلَكِن من أَصْحَاب أَصْحَابه وَكَانَ يدرس كِتَابه
وَكَانَ الْوَالِد رَحمَه الله يعْتَمد مَا أقوله فَلذَلِك يعز إِلَيّ غَالِبا فِي تصانيفه مَا كَانَ يسمعهُ مني وَيَقَع مِنْهُ موقع الِاسْتِحْسَان أحسن الله جزاءه
وَقد ذكر هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه الذرائع أَنه أَخذ الْفِقْه عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ عَن الإِمَام أبي بكر عبد الله بن أَحْمد الزاذقاني عَن الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني
ثمَّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَله قصيدة بائية فِي السّنة شرح فِيهَا اعْتِقَاده واعتقاد السّلف تزيد على مِائَتي بَيت قرأتها عَلَيْهِ فِي دَاره بالكرج(6/140)
قلت ثَبت لنا بِهَذَا الْكَلَام إِن ثَبت أَن ابْن السَّمْعَانِيّ قَالَه أَن لهَذَا الرجل قصيدة فِي الِاعْتِقَاد على مَذْهَب السّلف مُوَافقَة للسّنة وَابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أشعري العقيدة فَلَا نعترف بِأَن القصيدة على السّنة واعتقاد السّلف إِلَّا إِذا وَافَقت مَا نعتقد أَنه كَذَلِك وَهُوَ رأى الْأَشْعَرِيّ
إِذا عرف هَذَا فَاعْلَم أَنا وقفنا على قصيدة تعزى إِلَى هَذَا الشَّيْخ وتلقب بعروس القصائد فِي شموس العقائد نَالَ فِيهَا من أهل السّنة وباح بالتجسيم فَلَا حَيا الله معتقدها وَلَا حيى قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَتكلم فِيهَا فِي الْأَشْعَرِيّ أقبح كَلَام وافترى عَلَيْهِ أَي افتراء
ثمَّ رَأَيْت شَيخنَا الذَّهَبِيّ حكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي حكيته ثمَّ قَالَ قلت أَولهَا
(محَاسِن جسمي بدلت بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب)
وَمِنْهَا
(عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب)
وَمِنْهَا
(فَفِي كرج الله من خوف أَهلهَا ... يذوب بهَا البدعي يَا شَرّ ذائب)
(يَمُوت وَلَا يقوى لإِظْهَار بِدعَة ... مَخَافَة حز الرَّأْس من كل جَانب)
انْتهى مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ
وَكَانَ يتَمَنَّى فِيمَا أعرفهُ مِنْهُ أَن يحْكى الأبيات الْأُخَر ذَات الطَّامَّات الْكبر الَّتِي سأذكرها لَك وَلَكِن يخْشَى صولة الشَّافِعِيَّة وَسيف السّنة المحمدية
وَأَقُول أَولا أَنِّي ارتبت فِي أمره هَذِه القصيدة وَصِحَّة نسبتها إِلَى هَذَا الرجل وَغلب على طني أَنَّهَا إِمَّا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا أَو بَعْضهَا وَالَّذِي يرجح أَنَّهَا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا(6/141)
أَن ابْن الصّلاح ترْجم هَذَا الرجل وَحكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ القصيدة فَلم يذكرهُ فَيجوز أَن يكون ذَلِك قد دس فِي كتاب ابْن السَّمْعَانِيّ ليصحح بِهِ نِسْبَة القصيدة إِلَى الكرجي وَقد جرى كثير مثل ذَلِك وَيُؤَيّد هَذِه أَيْضا أَن ابْن السَّمْعَانِيّ سَاق كثيرا من شعره وَلم يذكر من هَذِه القصيدة بَيْتا وَاحِدًا وَلَو كَانَ قد قَرَأَهَا عَلَيْهِ لَكَانَ يُوشك أَن يذكر وَلَو بَعْضهَا
وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ بَعْضهَا وَلَكِن زيدت الأبيات الْمُقْتَضِيَة للتجسيم وللكلام فِي الأشاعرة وَيُؤَيّد ذَلِك أَن القصيدة الْمشَار إِلَيْهَا تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَابْن السَّمْعَانِيّ قَالَ تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَنَّهَا تزيد بِدُونِ عقد وَأَنَّهَا لَو كَانَت مِائَتَيْنِ وأزيد من أَرْبَعِينَ لقَالَ نزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن أبياتها غير متناسبة فَإِن بَعْضهَا شعر مَقْبُول وَأَظنهُ شعره وَبَعضهَا وَهُوَ الْمُشْتَمل على القبائح فِي غَايَة الرداءة لَا يرضى بِهِ من يحسن الشّعْر
وَهَا أَنا أحكي لَك بَعْضهَا
فأولها يَقُول
(محَاسِن جسمي شانها بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب)
(وَأَقْبل شيبي والشبيبة أَدْبَرت ... وَقرب من أحزاننا كل غارب)
وَمِنْهَا أَيْضا
(وَلَيْسَ يرد الْعُمر مَا قلت آهة ... وَلَا الْحزن يدني قاصيات الشبائب)(6/142)
وَهَذَا كُله شعر مَقْبُول لَا يصل إِلَى دَرَجَة الْحسن وَلَا ينزل إِلَى دَرَجَة الرَّد كَمَا يعرف ذَلِك من يَذُوق الْأَدَب
مِنْهَا أَيْضا
(عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب)
وَهَذَا من أسهل مَا فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنكر مَعْنَاهُ إِلَّا قَوْله بِذَاتِهِ وَهِي عبارَة سبقه إِلَيْهَا ابْن أبي زيد الْمَالِكِي فِي الرسَالَة إِلَّا أَنه بَيت سمج مَرْدُود فَإِن قَوْله على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب كَلَام لَا ارتباط لبعضه بِبَعْض فَإِنَّهُ لَا ارتباط لعلم الْغَيْب بِمَسْأَلَة الاسْتوَاء
وَقَوله بالغوائب إِن أَرَادَ جمع غيب فَهُوَ لحن فَإِن الْغَيْب لَا يثني وَلَا يجمع لِأَنَّهُ اسْم جنس وَلَئِن جمع فَجَمعه غيوب وَإِن أَرَادَ جمع غَائِبَة لحن عَلَيْهِ
ثمَّ سَاق أبياتا فِي الْيَدَيْنِ والكيف وَالصَّوْت والضحك وَوضع الْقدَم والأصابع وَالصُّورَة والغيرة وَالْحيَاء وأنحاء ذَلِك
وَلَيْسَ فِيهِ كَبِير أَمر إِلَّا أَن جمعهَا دَلِيل مِنْهُ على محاولة التجسيم فَإِنَّهَا لم ترد فِي الشَّرِيعَة مَجْمُوعَة بل مفرقة وَفِي كل مَكَان قرينَة ترشد إِلَى المُرَاد فَإِذا جمعهَا جَامع أضلّ ضلالا مُبينًا
ثمَّ ذكر التجسيم والتجهم والاعتزال والرفض والإرجاء وَجمع الْكل فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ(6/143)
(طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزال مثل نسج العناكب)
(وَفِي قدر والرفض طرق عمية ... وَمَا قيل فِي الإرجاء من نعب ناعب)
ثمَّ قَالَ
(وخبث مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث ... يضاهي تلويه تلوي الشغازب)
(يزين هَذَا الْأَشْعَرِيّ مقاله ... ويقشبه بالسم ياشر قاشب)
(فينفي تفاصيلا وَيثبت جملَة ... كناقصه من بعد شدّ الذوائب)
يؤول آيَات الصِّفَات بِرَأْيهِ ... فجرأته فِي الدّين جرْأَة خارب)
(ويجزم بالتأويل من سنَن الْهدى ... ويخلب أَغْمَارًا فأشئم بخالب)
وَهَذَا كَلَام من لَا يستحيي من الله وَالْغَرَض على كَلَامه لائح فَإِن أهل الْبدع الَّذين هم أهل الْبدع حَقًا بِلَا خلاف بَين الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء هم المجسمة والمعتزلة والقدرية وهم المجسمة والجهمية والرافضة والمرجئة لم يشْتَغل بهم إِلَّا فِي بَيْتَيْنِ وَأطَال فِي الأشاعرة وَلَا يخفى أَن الأشاعرة إِنَّمَا هم نفس أهل السّنة أَو هم أقرب النَّاس إِلَى أهل السّنة
ثمَّ إِن قَوْله مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث من ردىء الْكَلَام وَمن أعظم الافتراء
ويعجبني من كَلَام الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي رده على ابْن تَيْمِية قَوْله إِن كَانَت الأشاعرة الَّذين فيهم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني(6/144)
وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وهلم جرا إِلَى الإِمَام فَخر الدّين مخانيث فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فَحل
وَأَقُول إِن كَانَ هَؤُلَاءِ أَغْمَارًا والأشعري يخلبهم فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فطن فيالله وَالْمُسْلِمين
ثمَّ قَالَ يَعْنِي الْأَشْعَرِيّ
(وَلم يَك ذَا علم وَدين وَإِنَّمَا ... بضاعته كَانَت مخوق مداعب)
وَفِي هَذَا الْبَيْت من الْكَذِب مَا لَا يخفى على لَبِيب فَإِن أحدا من الطوائف لم يُنكر علم الْأَشْعَرِيّ بل اتَّفقُوا على أَنه كَانَ أوحد عصره لَا يخْتَلف فِي ذَلِك لَا من ينْسبهُ إِلَى السّنة وَلَا من ينْسبهُ إِلَى الْبِدْعَة
وَأما دينه فاتفقوا على زهده وورعه
ثمَّ قَالَ
(وَكَانَ كلاميا بالاحساء مَوته ... بِأَسْوَأ موت ماته ذُو السوائب)
وَهَذَا أَيْضا كذب وَلم يبلغنَا أَنه مَاتَ إِلَّا كَمَا مَاتَ غَيره من الصَّالِحين وَلم يمت بالأحساء
ثمَّ قَالَ
(كَذَا كل رَأس للضلالة قد مضى ... بقتل وصلب باللحى والشوارب)
كجعد وجهم والمريسي بعده ... وَذَا الْأَشْعَرِيّ الْمُبْتَلى شَرّ دائب)(6/145)
فقبحه الله مَا أجرأه على الله أَي بلية ابتلى بهَا الْأَشْعَرِيّ وَقد مَاتَ فرَاشه حتف أَنفه وَمَات يَوْم بعد يَوْم مَاتَ والمسلمون باكون وَأهل السّنة ينوحون وَأي صلب أَو قتل كَانَ وَكَيف يجمع بَينه وَبَين جعد وجهم والمريسي وَهَؤُلَاء ثَلَاثَة لَا يخْتَلف فِي بدعتهم وَسُوء طريقتهم وَمَا أبرد هَذَا الشّعْر وأسمجه
ثمَّ قَالَ هَذَا الْبَيْت
(معايبهم توفّي على مدح غَيرهم ... وَذَا الْمُبْتَلى الْمفْتُون عيب المعايب)
فقبحه الله جعل شيخ السّنة شرا من هَؤُلَاءِ المبتدعين
فَهَذَا مَا أردْت حكايته مِنْهَا وَلَو أمكن إعدامها من الْوُجُود كَانَ أولى والأغلب على الظَّن أَنَّهَا ملفقة مَوْضُوعَة وضع مَا فِيهَا من الخرافات من لَا يستحي
ثمَّ أَقُول قبح الله قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَإِن يكن هُوَ هَذَا الكرجي فَنحْن نبرأ إِلَى الله مِنْهُ إِلَّا أَنِّي على قطع بِأَن ابْن السَّمْعَانِيّ لَا يقْرَأ هَذِه الأبيات وَلَا يسْتَحل رِوَايَتهَا وَقد بيّنت لَك من الْقَرَائِن الدَّالَّة على أَنَّهَا مَوْضُوعَة مَا فِيهِ كِفَايَة
توفّي الكرجي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَأورد ابْن السَّمْعَانِيّ كثيرا من شعره وَكله لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا إِذا وقف عَلَيْهِ أديب وعَلى الأبيات القبيحة الَّتِي اشْتَمَلت عَلَيْهَا هَذِه القصيدة قضى بِأَن قَائِلهَا هَذَا غير قَائِل ذَاك
قَالَ أَبُو الْحسن الكرجي فِي كِتَابه الذرائع إِن خلاف المعاطاة فِي البيع جَار فِي الْإِجَارَة
وَهَذَا عزاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِلَى الْمُتَوَلِي وَآخَرين وَأَنَّهُمْ قَالُوا خلاف المعاطاة يجْرِي فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة(6/146)
قلت وَيَنْبَغِي أَن يكون الْأَصَح فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْمُخْتَار وَالرَّاجِح عدم الِاكْتِفَاء إِذْ لَا عرف فيهمَا وَلَا عَادَة بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة
وَذكر فِي كتاب الذرائع أَنه يحرم أكل الشواء الَّذِي يغطى حارا فيحتبس بخارة فِيهِ لِأَنَّهُ سم قَاتل وكل مَا يستقذر فِي الْغَالِب إِلَّا المَاء الآجن وَاللَّحم المنتن
انْتهى
وَقد حكى فِي الرَّوْضَة وَجها أَيْضا أَنه يحرم أكل اللَّحْم المنتن أَيْضا وَأَن العمراني قَالَ إِنَّه نجس على هَذَا الْوَجْه
وَلم أر هَذِه الزِّيَادَة فِي كَلَام العمراني وَمَا ذكره الكرجي فِي الشواء إِن صَحَّ أَنه قَاتل فَظَاهر لَا شكّ فِيهِ
660 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد الجوسقاني أَبُو حَامِد الإسفرايني وجوسقان محلّة مِنْهَا
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل متدين حسن السِّيرَة قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ
تفقه على الْغَزالِيّ بِبَغْدَاد
وَسمع من أبي عبد الله الْحميدِي الْحَافِظ(6/147)
قَالَ ولقيته بأسفراين وَدخلت عَلَيْهِ متبركا بِهِ مغتنما دَعَاهُ فَكتبت عَنهُ بَيْتَيْنِ لَا غير أنشدنيهما
قَالَ أَنْشدني أَبُو نصر عبد الرَّحِيم الْقشيرِي لنَفسِهِ
(رب أَخ سمته فراقي ... وَكنت من قبل أصطفيه)
(ذَاك لِأَنِّي ارتجيت راشدا ... فلاح أَن لَا فلاح فِيهِ)
661 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أَحْمد بن الصّباغ أَبُو جَعْفَر بن أبي المظفر بن أبي غَالب
من بَيت الْفِقْه وَالرِّوَايَة وَالْقَضَاء
ولد يَوْم السبت ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة
وتفقه على أسعد الميهني وَأبي مَنْصُور بن الرزاز
وَسمع الحَدِيث من هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وَأبي السعادات بن المتَوَكل على الله وَالْقَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن خيرون وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي
سمع مِنْهُ عمر بن عَليّ الْقرشِي وَسَعِيد بن هبة الله وَمُحَمّد بن النفيس الْأَزجيّ وَغَيرهم
وَكَانَت لَهُ إجَازَة من ابْن بَيَان الرزاز
وَولى الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة ثمَّ عزل لِأَن سيرته على مَا ذكر ابْن النجار لم تحمد(6/148)
ودرس بالنظامية نِيَابَة عِنْد موت يُوسُف الدِّمَشْقِي
مَاتَ فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
662 - مُحَمَّد بن عشير بن مَعْرُوف أَبُو بكر الشرواني
نزيل بَغْدَاد
تفقه على إِلْكيَا
وَسمع من هبة الله بن الْمُبَارك بن السفطي وَغَيره
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره
وشروان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بِفَتْح الْوَاو وَفِي آخرهَا النُّون من نواحي دربند
وعشير بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا شين مُعْجمَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء
توفّي فِي شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
663 - مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن نظام الْملك الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق الطوسي أَبُو نصر ابْن أبي الْحسن بن الْوَزير نظام الْملك أبي عَليّ
تفقه على أسعد الميهني وعَلى غَيره
وبرع فِي الْفِقْه وَتَوَلَّى التدريس بمدرسة جد وَالِده ثمَّ عزل مِنْهَا ثمَّ أُعِيد وفوض إِلَيْهِ النّظر فِي أوقافها(6/149)
وَكَانَ لَهُ جاه عريض وَحُرْمَة وافرة ثمَّ عزل عَنْهَا ثَانِيًا واعتقل مديدة ثمَّ أفرج عَنهُ فحج وَعَاد إِلَى بَغْدَاد
ثمَّ قدم دمشق ودرس يالغزالية وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته
سمع الحَدِيث من أبي مَنْصُور بن خيرون وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَأبي زرْعَة طَاهِر بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي
قَالَ ابْن النجار وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا
مَاتَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
664 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن أَحْمد بن عَليّ بن الشهرزوري أَبُو المظفر الفرضي
من أهل بَغْدَاد
سمع أَبَا الْخطاب بن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة وَأَبا الْفضل بن خيرون وَغَيرهم
روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ
وَقَالَ شيخ فَاضل ثِقَة دين خير لَهُ معرفَة تَامَّة بالفرائض والحساب
وَكَانَ لَهُ دكان فِي سوق الريحانيين يَبِيع فِيهِ الْعطر والأدوية وَكَانَ الْفُقَهَاء يقرأون عَلَيْهِ الْفَرَائِض فِي دكانه
قَالَ وَكَانَت وِلَادَته فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة(6/150)
هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب
وَزَاد فِي الذيل أَنه رَكبه دين فَخرج إِلَى بِلَاد الْموصل ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى بعض ثغور أذربيجان وَمَات بهَا
قَالَ ابْن النجار قَرَأت بِخَط أبي الْفضل أَحْمد بن صَالح بن شَافِع الشَّاهِد اتَّصل بِنَا الْخَبَر بوفاة هَذَا الرجل بخلاط فِي سنة خمس وَخمسين وخسمائة
قيل فِي رَجَب
665 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن القَاضِي أَبُو بكر الميانجي الهمذاني
قَالَ ابْن الصّلاح فَاضل وَابْن فَاضل وَأَبُو فَاضل فَهُوَ ابْن القَاضِي عَليّ الميانجي وَأَبُو عين الْقُضَاة عبد الله
صحب الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب إِنَّه ولي الْقَضَاء بهمذان
قَالَ وَكَانَ فَاضلا ذكيا حسن الظَّاهِر
روى لنا عَنهُ أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الطَّائِي بهمذان
قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي المنثورات سَمِعت القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الميانجي بهمذان يَقُول كنت مَعَ أبي إِسْحَاق الفيروزاباذي بنيسابور فَلَمَّا كَانَ يَوْم النّظر سَأَلَهُ بعض المتفقهة عَن مَسْأَلَة فَأجَاب فطالبه بِالدَّلِيلِ وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ حَاضرا فَقَالَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإذنها صماتها)(6/151)
فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لم أستدل قطّ بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْمَسْأَلَة لِأَنِّي لم أعرف صِحَّته فَالْآن أستدل بِهِ فِيمَا بعد لَا ستدلال الشَّيْخ بِهِ
قَالَ ابْن الصّلاح لَعَلَّه عني صِحَة الِاسْتِدْلَال لَا صِحَة الحَدِيث فِي نَفسه فَإِنَّهُ لَا يحسن فِيهِ مثل هَذَا مِنْهُ
قلت وَالدَّلِيل على أَنه لم يعن غير ذَلِك قَوْله لم أستدل بِهِ قطّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن هَذَا الْقَيْد يفهم أَنه يسْتَدلّ بِهِ فِي غَيرهَا وَلَو كَانَ عدم استدلاله بِهِ لضَعْفه لم يسْتَدلّ بِهِ لَا فِيهَا وَلَا فِي غَيرهَا
وَفِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق عَن بَعضهم أَن الشَّيْخ حِين خرج إِلَى خُرَاسَان رَسُولا صُحْبَة جمَاعَة من أَصْحَابه الْفُضَلَاء مِنْهُم عَليّ الميانجي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَليّ الميانجي هَذَا فغلط فِي اسْمه فَإِن عليا الميانجي مَاتَ قبل ذَلِك سنة إِحْدَى وَسبعين
666 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد بن حمدَان أَبُو سعيد الجاواني الحلوي الْعِرَاقِيّ
وجاوان قَبيلَة من الأكراد سكنوا الْحلَّة
وَقد كني بِأبي عبد الله أَيْضا
تفقه بِبَغْدَاد على الْغَزالِيّ والشاشي وإلكيا
وبرع وتميز
وَسمع من أبي عبد الله الْحميدِي وَأبي سعيد عبد الْوَاحِد ابْن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي بكر الشَّامي القَاضِي
وَقَرَأَ المقامات على مؤلفها الْقَاسِم الحريري(6/152)
وَله شرح المقامات وعيوب الشّعْر وَالْفرق بَين الرَّاء والغين
وَحدث بِكِتَاب الْجَام الْعَوام للغزالي عَنهُ
وَمن شعره
(سَلام على عهد الْهوى المتقادم ... وأيامنا اللَّاتِي بجرعاء جاسم)
(وَدَار ألفنا الوجد فِيهَا ومسكن ... نعمنا بِهِ مَعَ كل حوراء ناعم)
(مرابع أنسي فِي الْهوى ومنازل ... للهو الصِّبَا والوصل راسي الدعائم)
قَالَ ابْن النجار بَلغنِي أَن مولده فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلم يؤرخ وَفَاته
وَلَهُم مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله أَبُو عبد الله الْعِرَاقِيّ الْبَغْدَادِيّ
من تلامذة الْغَزالِيّ والشاشي وإلكيا وَأبي بكر الشَّامي
لقِيه الْمُحدث أَبُو الفوارس الْحسن بن عبد الله بن شَافِع الدِّمَشْقِي بإربل وَسمع مِنْهُ
ذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه بَقِي إِلَى بعد الْأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
فَلَا أَدْرِي هَل هُوَ هَذَا أَو غَيره
667 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يَاسر الْأنْصَارِيّ أَبُو بكر
من أهل جيان إِحْدَى بِلَاد الأندلس
دخل ديار مصر وَالشَّام وَالْعراق وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر(6/153)
وَلَقي الْأَئِمَّة
وتفقه بسنجار حَتَّى مهر فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل
ثمَّ اشْتغل بِالْحَدِيثِ
وَسكن بَلخ مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد بعد فتْنَة الغز
وَتوجه إِلَى مَكَّة وَحج وانصراف إِلَى الشَّام واستوطن مَدِينَة حلب إِلَى أَن توفّي بهَا
سمع بِدِمَشْق أَبَا الْحسن عَليّ بن الْمُسلم السّلمِيّ
وببغداد أَبَا الْقَاسِم بن الْحصين وبنيسابور أَبَا الْقَاسِم سهل بن إِبْرَاهِيم المسجدي
وبمرو أَبَا مَنْصُور مُحَمَّد بن عَليّ الكراعي
روى عَنهُ أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره
توفّي بحلب فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
668 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد أَبُو رشيد
من آمل طبرستان
كَانَ زاهدا مُنْقَطِعًا فِي بعض الجزائر وَحده سِنِين عديدة ثمَّ رَجَعَ إِلَى آمل(6/154)
وَتُوفِّي بهَا لَيْلَة الْأَحَد لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وقبره مَعْرُوف هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ
وَقد ولد سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
تَرْجمهُ ابْن باطيش
669 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْخَطِيب أَبُو بكر
من أهل بروجرد
قدم بَغْدَاد وتفقه على أسعد الميهني
ثمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وَأقَام بمرو مُدَّة يتفقه حَتَّى برع
وَسمع الحَدِيث هُنَاكَ من جمَاعَة
ثمَّ صحب الشَّيْخ يُوسُف بن أَيُّوب الزَّاهِد وسلك طَرِيق الزّهْد وَالْخلْوَة والانقطاع إِلَى الله تَعَالَى وَحج
مولده سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمَات سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة
670 - مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي عَليّ القلعي
صَاحب كتاب احترازات الْمُهَذّب
وَله كتاب آخر فِي مستغرب أَلْفَاظه وَفِي أَسمَاء رِجَاله(6/155)
وَله مُصَنف حافل فِي الْفَرَائِض
كَانَ من أهل الْيمن
671 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عبد الله الرَّحبِي الْمَعْرُوف بِابْن المتقنة
فَقِيه فَاضل
صنف كتبا
مَاتَ بالرحبة بكرَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة عَن ثَمَانِينَ سنة
أرخه ابْن باطيش(6/156)
672 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن شهفيروز اللارزي
بتَشْديد اللَّام وَكسر الرَّاء وَالزَّاي نِسْبَة إِلَى لارز قَرْيَة من طبرستان
أَبُو جَعْفَر
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شَاب صَالح دين حَرِيص على طلب الحَدِيث
قَالَ وَسمع بنيسابور أَبَا سعد الْحِيرِي وَعبد الْغفار الشيروي
وببلدة آمل أَبَا المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن كَامِل الْمُبَارك الْخفاف
وَكَانَت وَفَاته بِبَغْدَاد فِي تَاسِع عشر الْمحرم سنة ثَمَانِي عشرَة وَخَمْسمِائة بالمارستان العضدي
673 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ
قَاضِي قُضَاة الشَّام
محيي الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة الْمُنْتَخب ابْن قَاضِي الْقُضَاة أبي الْفضل الْقرشِي العثماني على مَا يذكرُونَ ابْن الزكي
ولد سنة خمسين وَخَمْسمِائة
وَقَرَأَ الْمَذْهَب على جمَاعَة(6/157)
وَسمع من وَالِده وَعبد الرَّحْمَن بن أبي الْحسن الدَّارَانِي والصائن هبة الله ابْن عَسَاكِر وَجَمَاعَة
روى عَنهُ شهَاب القوصي وَالْمجد ابْن عَسَاكِر وَجَمَاعَة
وَحدث عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَحْمد بن أبي الْخَيْر
وَكَانَ فَقِيها أديبا منشئا بليغا فصيحا
قَالَ أَبُو شامة كَانَ عَالما صَارِمًا حسن الْخط وَاللَّفْظ
وَشهد فتح بَيت الْمُقَدّس فَكَانَ أول من خطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد مَا تطاول كثير من الْحَاضِرين لَهَا فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ غَيره وأتى بِتِلْكَ الْخطْبَة البديعة المفتتحة بتحميدات الْكتاب الْعَزِيز
ثمَّ قَالَ الْحَمد لله معز الْإِسْلَام بنصره ومذل الشّرك بقهره
إِلَى آخر الْخطْبَة
وَكَانَ لَهُ من الْعُمر يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة
وَكَانَ يتَوَلَّى نظر الْجَامِع الْأمَوِي بِنَفسِهِ
واسْمه إِلَى الْآن مَوْجُود على يَمِين قبَّة النسْر بِخَط كُوفِي بفص أَبيض وَهُوَ ظَاهر فِي الْجِهَة الشرقية فِيهِ أَن ذَلِك فصص فِي مُبَاشَرَته
وَكَانَ قوي النَّفس نَاب فِي أول أمره فِي الحكم عَن ابْن عصرون ثمَّ تظاهر بترك النِّيَابَة فَأرْسل السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى ابْن أبي عصرون وَأمره أَن يضْرب على علامته فِي مجْلِس حكمه فَفعل بِهِ ذَلِك فَلَزِمَ بَيته حَيَاء(6/158)
وَطلب ابْن أبي عصرون من يَنُوب عَنهُ فأشير عَلَيْهِ بالخطيب ضِيَاء الدّين الدولعي فَأرْسل إِلَيْهِ خلعة النِّيَابَة فَلم يقبل
فأرسلها إِلَى جمال الدّين بن الحرستاني فَقبل وناب عَنهُ
وَاسْتمرّ ابْن الزكي ملازما لبيته إِلَى أَن توفّي ابْن أبي عصرون فولاه السُّلْطَان الْقَضَاء وعظمت رتبته عِنْده
ثمَّ اضْطربَ حَاله فِي آخر عمره وَجَرت لَهُ قَضِيَّة مَعَ الإسماعلية بِسَبَب قتل شخص مِنْهُم فَلذَلِك فتح بَابا سريا إِلَى الْجَامِع من دَاره الَّتِي بِبَاب الْبَرِيد لأجل صَلَاة الْجُمُعَة
توفّي سَابِع شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَله ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة
674 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مهْرَان الخولي أَبُو عبد الله
الْفَقِيه الزَّاهِد الْجَزرِي
تفقه على إِلْكيَا أبي الْحسن الهراسي بِبَغْدَاد
وَعَاد إِلَى بَلَده الجزيرة العمرية وَاسْتقر بزاوية لَهُ مَعْرُوفَة بِهِ فِي الجزيرة(6/159)
قَالَ ابْن باطيش وَظَهَرت لَهُ آثَار جميلَة وكرامات كَثِيرَة
قَالَ وَله أَصْحَاب فيهم كَثْرَة
قَالَ وَتُوفِّي فِي ديار بكر فِي سنة نَيف وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
675 - مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد بن أبي عِيسَى الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ
صَاحب التصانيف
ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة
وَسمع حضورا فِي سنة ثَلَاث باعتناء وَالِده من أبي سعد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمُطَرز
وَمَات الْمُطَرز تِلْكَ السّنة
وَسمع أَيْضا من أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الله بن مندوية الشُّرُوطِي وغانم الْبُرْجِي وَأبي عَليّ الْحداد وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْحَافِظ وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَبِه تخرج وَهبة الله بن الْحصين وَفَاطِمَة الجوزدانية وَأبي الْعِزّ بن كادش وَخلق كثير بِبَلَدِهِ وببغداد وهمذان(6/160)
روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَازِمِي والحافظ عبد الْغَنِيّ والحافط عبد الْقَادِر الرهاوي والحافظ مُحَمَّد بن مكي وَالْحسن بن أبي معشر الْأَصْبَهَانِيّ والناصح بن الْحَنْبَلِيّ وَخلق كثير
وَمن مصنفاته الْكتاب الْمَشْهُور فِي تَتِمَّة معرفَة الصَّحَابَة الَّذِي ذيل بِهِ عَليّ أبي نعيم
وَكتاب الْأَخْبَار الطوالات مُجَلد
وَكتاب تَتِمَّة الغريبين
وَكتاب اللطائف فِي المعارف
وَكتاب الْوَظَائِف
وَكتاب عَوَالٍ التَّابِعين وَغير ذَلِك
وَعرض من حفظه كتاب عُلُوم الحَدِيث للْحَاكِم عَليّ إِسْمَاعِيل الْحَافِظ
قَالَ ابْن الدبيثي عَاشَ حَتَّى صَار أوحد وقته وَشَيخ زَمَانه إِسْنَادًا وحفظا
وَقَالَ ابْن النجار انْتَشَر حفظه وَعلمه فِي الْآفَاق وَكتب عَنهُ الْحفاظ وَاجْتمعَ لَهُ مَا لم يجْتَمع لغيره من الْحِفْظ وَالْعلم والثقة والإتقان وَالدّين وَالصَّلَاح وسديد الطَّرِيقَة وَصِحَّة الضَّبْط وَالنَّقْل وَحسن التصانيف(6/161)
قَالَ وتفقه على أبي عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي
قَالَ وَمهر فِي النَّحْو واللغة
قَالَ وَسمعت أَبَا عبد الله بن خمارتاش يَقُول كَانَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود كوتاه يَقُول أَبُو مُوسَى كنز مخفي
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي حصل من المسموعات بأصبهان خَاصَّة مَا لم يتَحَصَّل لأحد فِي زَمَانه وانضم إِلَى كَثْرَة مسموعاته الْحِفْظ والإتقان
قَالَ وتعففه الَّذِي لم نره لأحد من حفاظ الحَدِيث فِي زَمَاننَا لَهُ شَيْء يسير يتربح بِهِ وَينْفق مِنْهُ وَلَا يقبل من أحد شَيْئا قطّ
وَقَالَ الْحُسَيْن بن يوحن بن النُّعْمَان الباوري كنت فِي مَدِينَة الخان فَجَاءَنِي رجل فَسَأَلَنِي عَن رُؤْيا قَالَ رَأَيْت كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي
فَقلت هَذِه رُؤْيا الْكِبَار وَإِن صدقت رُؤْيَاك يَمُوت إِمَام لَا نَظِير لَهُ فِي زَمَانه فَإِن هَذَا الْمَنَام رؤى حَالَة وَفَاة الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَأحمد بن حَنْبَل
قَالَ فَمَا أمسينا حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَر بوفاة الْحَافِظ أبي مُوسَى
وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد الخجندي لما دفن أَبُو مُوسَى لم يكادوا يفرعون حَتَّى جَاءَ مطر عَظِيم فِي الْحر الشَّديد وَكَانَ المَاء قَلِيلا بأصبهان(6/162)
قَالَ وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى قد ذكر فِي آخر إملاء أملاه أَنه مَتى مَاتَ فِي كل أمة من لَهُ منزلَة عِنْد الله رفيعة بعث الله سحابا يَوْم مَوته عَلامَة للمغفرة لَهُ وَلمن صلى عَلَيْهِ فَوَقع لَهُ ذَلِك عِنْد مَوته كَمَا كَانَ حدث فِي حَيَاته
توفّي رَحمَه الله بأصبهان يَوْم الْأَرْبَعَاء منتصف النَّهَار تَاسِع جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
وَدفن بالمصلى خلف محراب الْجَامِع
قَالَ أَبُو البركات مُحَمَّد بن مَحْمُود الرويدشتي وصنفت الْأَئِمَّة فِي مناقبه تصانيف كَثِيرَة
وَمن الغرائب والفوائد عَنهُ
نقل ابْن الْأَثِير أَن أَبَا مُوسَى الْحَافِظ رَحمَه الله حدث عَن مكي بن أَحْمد البردعي عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الطوسي أَنه قَالَ رَأَيْت سرباتك ملك الْهِنْد بِمَدِينَة قنوج فَقَالَ لي أَتَت عَليّ تِسْعمائَة سنة وَخمْس وَعِشْرُونَ سنة وَزعم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَيْهِ كتابا مَعَ عشرَة من أَصْحَابه فيهم أُسَامَة وَحُذَيْفَة وسفينة وصهيب وَعَمْرو ابْن الْعَاصِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأَنه قبل كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم
قلت سرباتك بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَبعدهَا ألف سَاكِنة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة
وَقد أنكر ابْن الْأَثِير على أبي مُوسَى ذكره لهَذَا فِي الصَّحَابَة وَهُوَ مَوضِع الْإِنْكَار عَليّ مثل أبي مُوسَى(6/163)
676 - مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله بن مُحَمَّد الأرغياني أَبُو شُجَاع الراونيري ابْن أخي الإِمَام أبي نصر الأرغياني
ولد بقرية راونير من نَاحيَة أرغيان سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة
ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَلم يؤرخ وَفَاته
وَقَالَ فَقِيه فَاضل عَارِف بِالْمذهبِ حَافظ لَهُ مناظر حسن السِّيرَة دين ورع
تفقه على الْإِمَامَيْنِ عمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَإِبْرَاهِيم المروروذي
وَأقَام بمرو مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى نيسابور
وَولى إِمَامَة مَسْجِد عقيل بعد عَمه وَبَقِي يعظ النَّاس
سمع أَبَا بكر الشيروي وَغَيره
قَالَ سَمِعت مِنْهُ أَحَادِيث يسيرَة بنيسابور(6/164)
677 - مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الشَّاشِي
من الْفُقَهَاء الْعباد
تفقه بمرو عَليّ الْبَغَوِيّ
وَحدث عَنهُ بالأربعين الصُّغْرَى لَهُ رَوَاهَا عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
توفّي فِي شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة وَله بضع وَسَبْعُونَ سنة
678 - مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن مُحَمَّد الأرموي القَاضِي أَبُو الْفضل
من أهل أرمية
ولد فِي صفر سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد
وَسمع صَغِيرا من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَعبد الصَّمد بن الْمَأْمُون
وَتفرد عَنْهُم بِالسَّمَاعِ
وَسمع أَيْضا من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا(6/165)
حدث عَنهُ ابْن عَسَاكِر والسلفي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَعبد الْخَالِق بن أَسد وَعمر ابْن طبرزد وأسعد بن المنجا وخلائق آخِرهم الْفَتْح بن عبد السَّلَام
وَكَانَ أسْند من بَقِي بِبَغْدَاد فَقِيها فَاضلا من تلامذة أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ فَقِيه إِمَام متدين ثِقَة صَالح حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ
قلت وَولي قَضَاء دير العاقول مُدَّة
وَمَات فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
679 - مُحَمَّد بن الْفضل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس أَبُو عبد الله الفراوي ثمَّ النَّيْسَابُورِي
الملقب بفقيه الْحرم
مولده تَقْديرا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور
وَسمع صَحِيح مُسلم من عبد الغافر الْفَارِسِي
وَسمع جُزْء ابْن نجيد من عمر بن مسرور
وَسمع من شيخ الْإِسْلَام أبي عُثْمَان الصَّابُونِي أجَاز لَهُ وَسمع مِنْهُ فِي هَذِه السّنة الَّتِي قُلْنَا إِنَّه ولد تَقْديرا فِيهَا(6/166)
وَسمع أَيْضا من أبي سعد الكنجروذي وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَسَعِيد الْعيار وَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي سهل الحفصي وَأبي عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَأبي يعلى إِسْحَاق أخي الصَّابُونِي وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ لما قدم إِلَى نيسابور رَسُولا وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ
وببغداد من أبي نصر الزَّيْنَبِي وَعَاصِم بن الْحسن
وَقد أخل ابْن النجار بِذكرِهِ فِي الذيل مَعَ ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ
وَتفرد بِمُسلم وبدلائل النُّبُوَّة للبيهقي والأسماء وَالصِّفَات لَهُ والدعوات لَهُ والبعث لَهُ
روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ
وَقَالَ إِمَام مفت مناظر واعظ حسن الْأَخْلَاق والمعاشرة كثير التبسم مكرم للغرباء مَا رَأَيْت فِي شيوخي مثله
والحافظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَأَبُو الْحسن الْمرَادِي وَمُحَمّد بن عَليّ بن يَاسر الجياني وَمُحَمّد بن عَليّ بن صَدَقَة الْحَرَّانِي وَأحمد بن إِسْمَاعِيل الْقزْوِينِي وَأَبُو سعيد عبد الله بن عمر الصفار وَعبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن الشعري وَمَنْصُور بن عبد الْمُنعم الفراوي وَخلق آخِرهم وَفَاة الْمُؤَيد الطوسي
ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ فِيهِ فَقِيه الْحرم البارع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول الْحَافِظ للقواعد(6/167)
نَشأ بَين الصُّوفِيَّة وَوصل إِلَيْهِ بَرَكَات أنفاسهم
درس على زين الْإِسْلَام الْقشيرِي الْأُصُول وَالتَّفْسِير
ثمَّ اخْتلف إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ ولازم درسه مَا عَاشَ وتفقه عَلَيْهِ وعلق عَنهُ الْأُصُول وَصَارَ من جملَة الْمَذْكُورين من أَصْحَابه
وَحج وَعقد الْمجْلس بِبَغْدَاد وَسَائِر الْبِلَاد
وَأظْهر الْعلم بالحرمين وَكَانَ مِنْهُ بهما أثر
وَذكر وَنشر الْعلم وَعَاد إِلَى نيسابور
وَمَا تعدى قطّ حد الْعلمَاء وَلَا سيرة الصَّالِحين من التَّوَاضُع والتبذل فِي الملابس والمعاش وتستر بِكِتَابَة الشُّرُوط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرة
ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الناصحية
وَأم بِمَسْجِد الْمُطَرز
وَعقد مجْلِس الْإِمْلَاء يَوْم الْأَحَد
وَله مجَالِس الْوَعْظ المشحونة بالفوائد وَالْمُبَالغَة فِي النصح
وَحدث بالصحيحين وغريب الْخطابِيّ وَغير ذَلِك
وَالله يزِيد مدَّته ويفسح فِي مهلته إمتاعا للْمُسلمين بفائدته
وَقَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ سَمِعت عبد الرشيد بن عَليّ الطَّبَرِيّ بمرو يَقُول الفراوي ألف رَاوِي
قَالَ أَبُو سعد وَسمعت الفراوي يَقُول كُنَّا نسْمع مُسْند أبي عوَانَة عَليّ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَكَانَ يحضر رجل من المحتشمين يجلس بِجنب الشَّيْخ وَكَانَ القارىء أبي(6/168)
فاتفق أَنه بعد قِرَاءَة جملَة من الْكتاب انْقَطع ذَلِك المحتشم يَوْمًا وَخرج الشَّيْخ على الْعَادة وَكَانَ فِي أَكثر الْأَوْقَات يخرج وَيقْعد وَعَلِيهِ قَمِيص أسود خشن وعمامة صَغِيرَة وَكنت أَظن أَن وَالِدي يقْرَأ الْكتاب على ذَلِك الرئيس فشرع أبي فِي الْقِرَاءَة فَقلت يَا سَيِّدي على من تقْرَأ وَالشَّيْخ مَا يحضر
فَقَالَ وكأنك تظن أَن شيخك ذَلِك الشَّخْص
قلت نعم
فَضَاقَ صَدره واسترجع وَقَالَ يَا بني شيخك هَذَا الْقَاعِد وَعلم ذَلِك الْمَكَان ثمَّ أعَاد لي من أول الْكتاب إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو سعد سَمِعت عبد الرَّزَّاق بن أبي نصر الطبسي يَقُول قَرَأت صَحِيح مُسلم على الفراوي سبع عشرَة نوبَة فَفِي آخر الْأَيَّام قَالَ لي إِذا أَنا مت أوصيك أَن تحضر غسْلي وَأَن تصلي أَنْت بِمن فِي الدَّار وَأَن تدخل لسَانك فِي فِي فَإنَّك قَرَأت بِهِ كثيرا حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت أملي الفراوي أَكثر من ألف مجْلِس وَانْفَرَدَ بعلو الْإِسْنَاد مَعَ الْبَصَر بِالْعلمِ والديانة المتينة
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وأذكر أَنا خرجنَا فِي رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وحملنا محفته على رقابنا إِلَى قبر مُسلم بن الْحجَّاج بنصر أباذ لإتمام الصَّحِيح عِنْد قبر المُصَنّف فَبعد أَن فرغ القارىء من قِرَاءَة الْكتاب بَكَى ودعا وأبكى الْحَاضِرين وَقَالَ لَعَلَّ هَذَا الْكتاب لَا يقْرَأ عَليّ بعد هَذَا
وَكَانَ قَوْله هَذَا فِي شهر رَمَضَان(6/169)
وَمَا قرىء عَلَيْهِ الْكتاب بعد ذَلِك بل توفّي فِي شَوَّال ضحوة يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَدفن عِنْد ابْن خُزَيْمَة
وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَنهُ
680 - مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن الْمُعْتَمد الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفتُوح الإسفرايني
أحد الْأَئِمَّة المشمرين فِي الْعباد الناصرين للسّنة الصابرين على مَا ينوبهم من الاذى فِي ذَلِك(6/170)
مولده فِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بأسفراين
سمع بنيسابور أَبَا الْحسن الْمَدِينِيّ
وبهمذان شيرويه بن شهردار وَغَيرهمَا
روى عَنهُ الحافظان ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا
قَالَ ابْن عَسَاكِر هُوَ آخر من رَأَيْته أفْصح لِسَانا وَأَكْثَرهم فِيمَا يُورد إعرابا وإحسانا وأسرعهم عِنْد السُّؤَال جَوَابا وأسلسهم عِنْد الْإِيرَاد خطابا مَعَ مَا رزق بعد صِحَة العقيدة من السجايا الْكَرِيمَة والخصال الحميدة من قلَّة المراآة لأبناء الدُّنْيَا وَعدم المبالاة بذوي الرتب الْعليا والإقبال على إرشاد الْخلق وبذل النَّفس فِي نصْرَة الْحق والصلابة فِي الدّين وَإِظْهَار صِحَة الْيَقِين وَمَا ينضاف إِلَى هَذِه الشيم من سَعَة النَّفس وَشدَّة الْكَرم والتحلي بالتصوف والزهادة والتخلي لوظائف الْعِبَادَة والاستحقاق لوصف السِّيَادَة والفوز فِي آخر عمره بِالشَّهَادَةِ
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة
وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من أَفْرَاد الدَّهْر فِي الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْإِشَارَة حُلْو الْإِيرَاد
وَكَانَ أوحد وقته فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
وَله فِي التصوف قدم راسخ وَكَلَام دَقِيق(6/171)
صنف فِي الْحَقِيقَة كتبا مِنْهَا كشف الْأَسْرَار وَبَيَان التقلب وَبث الْأَسْرَار وعد غير ذَلِك
قَالَ وَورد بَغْدَاد سنة خمس عشرَة وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام من الْخَاص وَالْعَام
وَكَانَ يتَكَلَّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فثارت عَلَيْهِ الْحَنَابِلَة وَوَقعت فتن فَأمر المسترشد بِإِخْرَاجِهِ فَخرج إِلَى أَن ولي المقتفى فَعَاد واستوطن بَغْدَاد فَلم يزل يعظ وَيظْهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ إِلَى أَن عَادَتْ الْفِتَن على حَالهَا فَأخْرج ثَانِي مرّة وأدركه أَجله
قَالَ الْحَافِظ بَلغنِي أَنه لماوقعت لَهُ الْوَاقِعَة بِبَغْدَاد اجْتمعت إِلَيْهِ جمَاعَة من أَصْحَابه وشكو إِلَيْهِ مَا يتوقعونه من وَحْشَة فِرَاقه فَقَالَ لَعَلَّ فِي ذَلِك خيرة
قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ خرج من بَغْدَاد مُتَوَجها إِلَى خُرَاسَان فَأَصَابَهُ مرض الْبَطن فَمَاتَ غَرِيبا مبطونا شَهِيدا
وَدفن ببسطام إِلَى جنب قبر أبي يزِيد البسطامي فِي شهور سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَحكى جمَاعَة من أهل بسطَام أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رَآهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يَجِيء أخي وَيكون فِي ضيافتي فَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح وَعمل لَهُ وَقت وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام ببسطام ثمَّ مَاتَ
قَالَ وَبَلغنِي من وَجه آخر أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رأى أَبَا يزِيد فِي النّوم فِي اللَّيْلَة الَّتِي فِي صبيحتها دفن الإِمَام أَبُو الْفتُوح وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يقبر إِلَى جَنْبي رجل صَالح(6/172)
فاحفر لَهُ قبرا فَأصْبح الْقيم وحفر الْقَبْر وتلقى الصُّحْبَة الَّتِي قدم بِهِ فِيهَا فَوَجَدَهُ قد مَاتَ فدفنه إِلَى جنبه
وَمن وَجه آخر رأى أَبَا يزِيد يكنس الرِّبَاط ويملأ الْآنِية الَّتِي فِيهِ مَاء فَقلت أَنا أكفيك
فَقَالَ إِنَّه يقدم فِي غَد ضيف أحب أَن أتولى خدمته
فاسيقظت فَوجدت الْآنِية ملأى مَاء وَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح
قَالَ الْحَافِظ وَسمعت خطيب بسطَام يَقُول نزلت فِي حُفْرَة الشَّيْخ أبي الْفتُوح فَكَانَ بَين حافتي الْقَبْر وصدري أَربع أَصَابِع فتناولته وتحيرت من الضيقة فَإِذا أَنا بعد ذَلِك بسعة كَثِيرَة فِي الْقَبْر وَكَأَنَّهُ أَخذ من يَدي فأخذني الغشي وأصعدت من الْقَبْر وَأَنا لَا أَعقل
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد ذكره إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة
681 - مُحَمَّد بن الْفضل بن عَليّ المارشكي الإِمَام أَبُو الْفَتْح ومارشك بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا ألف سَاكِنة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ كَاف من قرى طوس
وَهُوَ من نجباء تلامذة الْغَزالِيّ(6/173)
سمع أَبَا الفتيان الرواسِي وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وَأَبا عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد الطرازي وَغَيرهم
سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ
قَالَ أَبُو سعد برع فِي الْفِقْه وَكَانَ مصيبا فِي الْفَتَاوَى حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل عَارِفًا بالأصول
قلت وَهُوَ شيخ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الطوسي وَكَانَ يلقب بالفخر
توفّي يَوْم عيد الْفطر أَو فِي رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فِي فتْنَة الغز
قيل مَاتَ من شدَّة الْخَوْف
682 - مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ الشهرزوري الْموصِلِي أَبُو بكر
قَاضِي الْخَافِقين كَذَا كَانَ يلقب
ولد بإربل سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة أَربع(6/174)
وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَسمع مِنْهُ وَمن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأنمَاطِي وَأبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاعي وَغَيرهم بِبَغْدَاد وبلاد خُرَاسَان
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَعمر بن طبرزد وَجَمَاعَة
ولي الْقَضَاء بعدة بِلَاد من بِلَاد الجزيرة وَالشَّام
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أحد الْفُضَلَاء المعروفين
توفّي بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
683 - مُحَمَّد بن قنان بن حَامِد بن الطّيب أَبُو الْفضل الْأَنْبَارِي
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَكَانَ من أَعْيَان تلامذته
وَكَانَ صهرا لفخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي وخالا لأولاده
ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَولي قَضَاء الْبَصْرَة والتدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية
حدث بِيَسِير عَن شَيْخه أبي إِسْحَاق
روى عَنهُ وَلَده القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد
توفّي بِالْبَصْرَةِ لَيْلَة الْجُمُعَة
وَدفن يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة(6/175)
684 - مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن ابْن أبي الْبَقَاء ابْن الْخلّ الْبَغْدَادِيّ
أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب
ولد سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَحدث عَن أبي عبد الله النعالي وَأبي الْخطاب نصر بن البطر وثابت بن بنْدَار وَأبي عبد الله البسري وجعفر السراج وَأبي بكر الطوسي وَأبي غَالب الباقلاني وَأبي الْحُسَيْن بن الطيوري وَآخَرين
روى عَنهُ عبد الْخَالِق بن أَسد وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَأحمد بن طَارق الكركي وَالْفَتْح بن عبد السَّلَام وَجَمَاعَة آخِرهم وَفَاة أَبُو الْحسن الْقطيعِي
وتفقه على فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي
وصنف تَوْجِيه التَّنْبِيه وَهُوَ أول شرح وضع على التَّنْبِيه
وَكَانَ بديع الْخط يتحيل النَّاس على أَخذ خطة فِي الْفَتَاوَى لحسن خطه لَا للْحَاجة للفتيا
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ أحد الْأَئِمَّة الشَّافِعِيَّة بِبَغْدَاد(6/176)
برع فِي الْعلم وَهُوَ مُصِيب فِي فَتَاوِيهِ وَله السِّيرَة الحسنه والطريقة الجميلة خشن الْعَيْش تَارِك للتكلف على طَريقَة السّلف حلْس مَسْجده الَّذِي بالرحبة لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا بِقدر الْحَاجة
وَقَالَ ابْن النجار كَانَ إِمَامًا كَبِيرا فِي معرفَة الْمَذْهَب وَنقل نُصُوص الشَّافِعِي ووجوه أَصْحَابه
وَله فِي النّظر وَالْخلاف الْيَد الباسطة
وَكَانَ من الْوَرع والزهد والتقشف فِي غَايَة
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ الَّذِي تفرد بالفتوى السريجية السَّاعَة بِبَغْدَاد
قلت كَانَ قد تلقى الْمَسْأَلَة السريجية من شَيْخه فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وفخر الْإِسْلَام تلقى ذَلِك من شَيْخه أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَبُو إِسْحَاق تلقى ذَلِك من شَيْخه القَاضِي أبي الطّيب
وَقد خرج أَبُو الرِّضَا أَحْمد بن طَارق بن سِنَان الكركي لِابْنِ الْخلّ مشيخة عَن كل شيخ حَدِيث وَاحِد بِالسَّمَاعِ وَقع لنا مِنْهَا بعلو الْجُزْء الأول
وَمن شعر ابْن الْخلّ من أَبْيَات
(بلغه عني بِأَنِّي بعد فرقته ... مَاء الشؤون شرابي والضنا زادي)
(يَا منية النَّفس لَا تنسى مَوَدَّة من ... فِي قلبه مِنْك هم رائح غاد)
توفّي فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة
أخبرنَا ... ...(6/177)
685 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن الرسولي أَبُو السعادات
سَافر إِلَى خُرَاسَان وجال فِي بلادها واستوطن بِالآخِرَة أسفراين إِلَى أَن توفّي بهَا
سمع جعفرا السراج وَأَبا الْقَاسِم ابْن بَيَان
وَحدث بنيسابور
روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ
وَله شعر حسن
وتفقه على إِلْكيَا الهراسي
توفّي بأسفراين سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
686 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن مَحْمُود ابْن هبة الله ابْن أَله
بِضَم الْهمزَة وَاللَّام(6/178)
الْعِمَاد الْكَاتِب وَيعرف بِابْن أخي الْعَزِيز
من أهل أَصْبَهَان
من بَيت الرياسة والسؤدد
وَهُوَ أحد من مهر فِي الْأَدَب نظما ونثرا وشاع فِيهِ اسْمه
ولد بأصبهان فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة
وَقدم بَغْدَاد فتفقه على أبي مَنْصُور بن الرزاز وأتقن الْخلاف والنحو وَالْأَدب
وَسمع من ابْن الرزاز وَأبي مَنْصُور ابْن خيرون وَأبي الْحسن عَليّ بن عبد السَّلَام وَأبي بكر بن الْأَشْقَر وَأبي الْقَاسِم عَليّ ابْن الصّباغ وَطَائِفَة
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْقَاسِم بن الْحصين وَأَبُو عبد الله الفراوي
ثمَّ عَاد إِلَى أَصْبَهَان وتفقه بهَا أَيْضا عَليّ أبي الْمَعَالِي الْوَركَانِي وَمُحَمّد بن عبد اللَّطِيف الخجندي
ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد واشتغل بصناعة الْكِتَابَة
وَقدم مصر وَسمع من السلَفِي وَغَيره
روى عَنهُ ابْن خَلِيل والشهاب القوصي والعز عبد الْعَزِيز بن عُثْمَان الإربلي والشرف مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْأنْصَارِيّ والتاج الْقُرْطُبِيّ وَآخَرُونَ
ورد إِلَى دمشق فِي أَيَّام الْملك نور الدّين ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْعمادِيَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْعرَاق(6/179)
ثمَّ لما أَخذ صَلَاح الدّين الشَّام عَاد إِلَيْهَا ومدحه وَلزِمَ ركابه إِلَى أَن اسْتَكْتَبَهُ وَصَارَ يضاهي الوزراء ومرتبته تضاهي مرتبَة القَاضِي الْفَاضِل وَإِذا انْقَطع الْفَاضِل بشغل يعرض لَازم هُوَ السُّلْطَان
وَلم يزل عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي أعز جَانب وأنعم نعْمَة وَالدُّنْيَا تخدمه والأرزاق يتَصَرَّف فِيهَا لِسَانه وقلمه إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان صَلَاح الدّين وبارت سوق الْعلم وَالدّين بوفاته استوطن دمشق وَلزِمَ مدرسته الْعمادِيَّة
وَمن تصانيفه الخريدة والبرق الشَّامي وَالْفَتْح الْقُدسِي وَغير ذَلِك
قَالَ ابْن النجار وَكَانَ من الْعلمَاء المتقنين فقها وَخِلَافًا وأصولا ونحوا ولغة وَمَعْرِفَة بالتواريخ وَأَيَّام النَّاس
قَالَ وَكَانَ من محَاسِن الزَّمَان لم تَرَ الْعُيُون مثله
ثمَّ وَصفه بالأدب وَصفا كثيرا وَهُوَ فِيهِ كَمَا قَالَ وأزيد
وَأكْثر مَا يعاب عَلَيْهِ كَثْرَة اسْتِعْمَاله للجناس لَا سِيمَا فِي النثر بِحَيْثُ تضيق بِهِ الأنفاس ويكاد لَا يتْرك للفظة الْوَاحِدَة مجالا وَإِنَّمَا يحسن الجناس إِذا خف على الْقلب وَاللِّسَان وَلم يَتَعَدَّ الْمَرَّتَيْنِ
وَقد ذكره صاحبنا شيخ الْأَدَب القَاضِي صَلَاح الدّين خَلِيل بن أَبِيك الصَّفَدِي رَحمَه الله وَقَالَ بعد أَن ذكر قدرته على كل من النّظم والنثر أرى أَن شعره ألطف من نثره لإكثار الجناس فِي نثره وَأما النّظم فَكَانَ الْوَزْن فِيهِ يضايقه فَلَا يَدعه يتَمَكَّن من الجناس(6/180)
ثمَّ ذكر من كَلَام الْعِمَاد الْخَالِي عَن الجناس قَوْله فَلَمَّا أَرَادَ الله السَّاعَة الَّتِي جلاها لوَقْتهَا وَالْآيَة الَّتِي لَا أُخْت لَهَا فَنَقُول هِيَ أكبر من أُخْتهَا أفضت اللَّيْلَة الماطلة إِلَى فجرها ووصلت الدُّنْيَا الْحَامِل إِلَى تَمام شهرها وَجَاءَت بواحدها الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ الْأَعْدَاد وملكها الَّذِي لَهُ الأَرْض بِسَاط وَالسَّمَاء خيمة والحبك أطناب وَالْجِبَال أوتاد وَالشَّمْس دِينَار والقطر دَرَاهِم والأفلاك خدم والنجوم أَوْلَاد
وَقَالَ هَذَا لما كَانَ خَالِيا من الجناس عذب فِي السّمع وقعه واتسع فِي الْإِحْسَان صقعه ورشفه اللب مدامه وَكَانَ عِنْد من لَهُ ذوق أطيب من تغريد حمامه
ثمَّ ذكر من كَلَامه الْمُشْتَمل على الجناس قَوْله من جَوَاب مُكَاتبَة فَوقف الْخَادِم عَلَيْهِ وأفاض فِي شكر فيض فَضله المستفيض وتبلج وَجه وجاهته وتأرج نبأ نباهته مَا عرفه من عوارفه الْبيض
ثمَّ قَالَ فَانْظُر إِلَى قلق هَذَا التَّرْكِيب وتعسفه فِي هَذَا التَّرْتِيب
قلت وَالْأَمر كَمَا وصف وَلَقَد يمج سَمْعِي فواتح أَبْوَاب الخريدة لما يكثر فِيهَا الجناس ورد الْعَجز على الصَّدْر
وَلَكِن قد يَقع لَهُ الجناس المطبوع وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي شعره كَقَوْلِه فِي مطلع قصيدة يمتدح الْفَاضِل ... ...(6/181)
وَكَقَوْلِه وَقد ساير القَاضِي الْفَاضِل فِي الفضاء وَقد انْتَشَر الْغُبَار لِكَثْرَة فرسَان الْعَسْكَر
(أما الْغُبَار فَإِنَّهُ ... مِمَّا أثارته السنابك)
(وَالْحق مِنْهُ مظلم ... لَكِن أنارته السنابك)
(يَا دهر لي عبد الرَّحِيم ... فلست أخْشَى مس نابك)
وَبَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل أدبيات يطول شرحها
وَمن لطائفها قَوْله للْقَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ يسايره سر فَلَا كبا بك الْفرس
فَأَجَابَهُ القَاضِي بقوله دَامَ علا الْعِمَاد
وَلَا يخفى أَن جَوَاب القَاضِي أرشق وَأحلى من كَلَام الْعِمَاد وَأَن بَين كلاميهما كَمَا بَينهمَا
توفّي الْعِمَاد بِدِمَشْق فِي مستهل شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
وَمن شعره وَذَلِكَ بَحر لَا سَاحل لَهُ غير أَنا نورد من حسنه قَلِيلا
قَالَ يمتدح المستنجد بِاللَّه
(وَمَا كل شعر مثل شعري فِيكُم ... وَمن ذَا يقيس البازل الْعود بِالنَّقْضِ)
(وَمَا عز حَتَّى هان شعر ابْن هانىء ... وللسنة الغراء عز على الرَّفْض)(6/182)
وَقَالَ
(أفدي الَّذِي خلبت قلبِي لواحظه ... وخلفت لذعات الْحبّ فِي كَبِدِي)
(صِفَات ناظرة سقم بِلَا ألم ... سكر بِلَا قدح جرح بِلَا قَود
(معشق الدل من تيه وَمن صلف ... مرنح الْعَطف من لين وَمن سد)
(على محياه من نَار الصِّبَا شعل ... وَورد خديه من مَاء الْحَيَاة ندى)
وَقَالَ
(وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا صَحَائِف ... يورخ فِيهَا ثمَّ يمحى ويمحق)
(وَلم أر فِي دهرى كدائرة المنى ... توسعها الآمال والعمر ضيق)
وَقَالَ
(اقنع وَلَا تطمع فَإِن الْفَتى ... كَمَاله فِي عزة النَّفس)
(وَإِنَّمَا ينقص بدر الدجى ... لأَخذه الضَّوْء من الشَّمْس)
وَقَالَ
(أبصرني مكبلا ... من الغرام ممتحن)
(فَقَالَ من قَاتله ... قلت لَهُ قَائِل من)(6/183)
687 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن حنكويه بن مرْدَوَيْه ابْن هندويه الْفَارِسِي أَبُو عبد الله بن أبي نصر
من أهل فَارس
تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَسمع أَبَا الْحُسَيْن ابْن النقور وَعبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني وَأَبا الْقَاسِم بن البسري وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأنمَاطِي وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَمُحَمّد بن نَاصِر الحافظان وَغَيرهمَا
وَله مجموعات وتواليف وتخاريج
مولده سنة أَرْبَعِينَ
وَمَات فِي شَوَّال سنة سبع وَخَمْسمِائة
وَدفن عِنْد قبر أَبِيه
688 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن سعيد بن الشَّيْخ فضل الله الميهني أَبُو المكارم(6/184)
689 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى أَبُو هَاشم الساوي قَاضِي مَدِينَة ساوة
مولده يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
690 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ
قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أَبُو حَامِد ابْن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أبي الْفضل ابْن الشهرزوري الْموصِلِي
تفقه بِبَغْدَاد على أبي مَنْصُور بن الرزاز
وَسمع من عَم أَبِيه أبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم
كتب عَنهُ القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ(6/185)
قدم الشَّام وناب فِي الحكم عَن أَبِيه ثمَّ ولي قَضَاء حلب ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل وَولي قضاءها ودرس بمدرسة أَبِيه وبالمدرسة النظامية بهَا وَتمكن من الْملك عز الدّين مَسْعُود بن زنكي
وَكَانَ جوادا سريا
قيل إِنَّه أنعم فِي بعض رسائله إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة الآف دِينَار أميرية على الْفُقَهَاء والأدباء وَالشعرَاء
وَيُقَال إِنَّه فِي مُدَّة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فَمَا دونهمَا بل كَانَ يوفيهما عَنهُ
وَمن شعره فِي جَرَادَة
(لَهَا فخذا بكر وساقا نعَامَة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم)
(حبتها أفاعي الرمل بَطنا وأنعمت ... عَلَيْهَا جِيَاد الْخَيل بِالرَّأْسِ والفم)
وَقَالَ أَيْضا
(قَامَت بِإِثْبَات الصِّفَات أَدِلَّة ... قصمت ظُهُور جمَاعَة التعطيل)
(وطلائع التَّنْزِيه لما أَقبلت ... هزمت ذَوي التَّشْبِيه والتمثيل)
(فَالْحق مَا صرنا إِلَيْهِ جَمِيعًا ... بأدلة الْأَخْبَار والتنزيل)
(من لم يكن بِالشَّرْعِ مقتديا فقد ... أَلْقَاهُ فرط الْجَهْل بالتضليل)
توفّي فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَله اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة بالموصل(6/186)
691 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي سهل بن أبي طَلْحَة الْمروزِي الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السنجي الْمُؤَذّن الْخَطِيب
ولد بقرية سنج الْعُظْمَى فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَو قبلهَا
وَسمع الْكثير
ورحل إِلَى نيسابور وبغداد وأصبهان
وتفقه على الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَعلي أبي الْفرج الزاز
وَسمع إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الزاهري وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي الْفَقِيه وَعلي بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وفيد بن عبد الرَّحْمَن الشعراني وثابت ابْن بنْدَار وجعفر السراج وَأَبا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَافِظ بن مرْدَوَيْه وخلقا سواهُم
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ كَانَ من أخص أَصْحَاب وَالِدي فِي الْحَضَر وَالسّفر
سمع الْكثير مَعَه وَنسخ لنَفسِهِ وَلغيره(6/187)
وَله معرفَة بِالْحَدِيثِ
وَهُوَ ثِقَة دين قَانِع بِمَا هُوَ فِيهِ كثير التِّلَاوَة
حج مَعَ وَالِدي وَكَانَ يتَوَلَّى أموري بعد وَالِدي
وَسمعت من لَفظه الْكثير
وَكَانَ يتَوَلَّى الخطابة بمرو فِي الْجَامِع الأقدم
توفّي فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
قلت وَلَهُم شيخ آخر اسْمه مُحَمَّد بن أبي بكر بن عُثْمَان أَبُو طَاهِر السبخي
فَقِيه صَالح
من أَصْحَاب يُوسُف الهمذاني الزَّاهِد وَإِبْرَاهِيم الصفار الزَّاهِد
وَهُوَ أَيْضا من شُيُوخ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم
مَاتَ ببخارى
سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة
فَيَنْبَغِي أَن يتفطن لَهُ لِئَلَّا يشْتَبه بِهَذَا
692 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الهمذاني أَبُو الْفتُوح الطَّائِي
صَاحب الْأَرْبَعين الطائية الَّتِي أخبرنَا بجميعها أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بالسند إِلَيْهِ وَقد خرجنَا مِنْهَا الْكثير فِي هَذَا الْكتاب وَهِي من أحلى مَا وضع فِي النَّوْع
ولدفي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بهمذان(6/188)
وَسمع فيد بن عبد الرَّحْمَن الشعراني وَعبد الرَّحْمَن بن حمد الدوني وظريف بن مُحَمَّد وَعبد الْغفار الشيروي وَالرُّويَانِيّ وتاج الْإِسْلَام أَبَا بكر بن السَّمْعَانِيّ وشيرويه الديلمي وَابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبا الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز
روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْبناء الصُّوفِي وَالْحُسَيْن بن الزبيدِيّ وَجَمَاعَة آخِرهم ابْن اللتي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يرجع إِلَى نصيب من الْعُلُوم فقها وحديثا وأدبا ووعظا وَغير ذَلِك
تفقه على وَالِدي بمرو وَأقَام عِنْده سِنِين
كتبت عَنهُ فِي الرحلة إِلَى همذان
توفّي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة(6/189)
693 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الخزيمي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة المضمومة وَالزَّاي مَنْسُوب إِلَى ابْن خُزَيْمَة لكَونه من ذُريَّته الفراوي أَبُو الْفَتْح الْوَاعِظ
نزيل الرّيّ
عقد لَهُ بِبَغْدَاد مجْلِس الْوَعْظ والْحَدِيث
واستملى عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الخاضبة
سمع عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَبا الْخَيْر مُحَمَّد بن أبي عمرَان الصفار وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي
روى عَنهُ مُحَمَّد بن عَليّ بن هبة الله بن عبد السَّلَام وَسعد الله بن مُحَمَّد الدقاق وَغَيرهمَا
وَكَانَ حسن الْوَعْظ مليح الْإِشَارَة
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لكنه كَانَ روى الْكثير من الموضوعات
قَالَ وَكَذَلِكَ مجَالِس الْغَزالِيّ وَابْن الْعَبَّادِيّ فِيهَا الْعَجَائِب والمعاني الَّتِي لَا توَافق الشَّرِيعَة وَأطَال فِي ذَلِك
وَلَيْسَ الْأَمر مُسلما لِابْنِ الْجَوْزِيّ فَلم نر فِي كَلَام أحد مِنْهُم مَا يُخَالف الشَّرْع وَأما راوية الحَدِيث الْمَوْضُوع فقد يَقع فِي كَلَامهم وَمَا ذَلِك إِلَّا لعدم معرفتهم بِكَوْنِهِ(6/190)
مَوْضُوعا فَلَا يعاب عَلَيْهِم وَالْحَالة هَذِه وَلَيْسَ ابْن الْجَوْزِيّ عندنَا بِحَيْثُ يتَكَلَّم فِي مثل هَؤُلَاءِ
توفّي الخزيمي بِالريِّ فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة
694 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطوسي الإِمَام الْجَلِيل أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ
حجَّة الْإِسْلَام ومحجة الدّين الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى دَار السَّلَام
جَامع أشتات الْعُلُوم والمبرز فِي الْمَنْقُول مِنْهَا وَالْمَفْهُوم(6/191)
جرت الْأَئِمَّة قبله بشأو وَلم تقع مِنْهُ بالغاية وَلَا وقف عِنْد مطلب وَرَاءه مطلب لأَصْحَاب النِّهَايَة والبداية
(حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهَب)
حَتَّى أخمل من القرناء كل خصم بلغ مبلغ السها وأخمد من نيران الْبدع كل مَا لَا تَسْتَطِيع أَيدي المجالدين مَسهَا
كَانَ رَضِي الله عَنهُ ضرغاما إِلَّا أَن الْأسود تتضاءل بَين يَدَيْهِ وتتوارى وبدرا تَمامًا إِلَّا أَن هداه يشرق نَهَارا وبشرا من الْخلق وَلكنه الطود الْعَظِيم وَبَعض الْخلق لكل مثل مَا بعض الْحجر الدّرّ النظيم(6/192)
جَاءَ وَالنَّاس إِلَى رد فِرْيَة الفلاسفة أحْوج من الظلماء لمصابيح السَّمَاء وأفقر من الجدباء إِلَى قطرات المَاء فَلم يزل يناضل عَن الدّين الحنيفي بجلاد مقاله ويحمى حوزه الدّين وَلَا يلطخ بِدَم الْمُعْتَدِينَ حد نصاله حَتَّى أصبح الدّين وثيق العرى وانكشفت غياهب الشُّبُهَات وَمَا كَانَت إِلَّا حَدِيثا مفترى
هَذَا مَعَ ورع طوى عَلَيْهِ ضَمِيره وخلوة لم يتَّخذ فِيهَا غير الطَّاعَة سميره وَتَجْرِيد ترَاهُ بِهِ وَقد توَحد فِي بَحر التَّوْحِيد وباهى
(ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله ... والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا)
ترك الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره وَأَقْبل على الله يعامله فِي سره وجهره
ولد بطوس سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ وَالِده يغزل الصُّوف ويبيعه فِي دكانه بطوس فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة وصّى بِهِ وبأخيه أَحْمد إِلَى صديق لَهُ متصوف من أهل الْخَيْر وَقَالَ لَهُ إِن لي لتأسفا عَظِيما على تعلم الْخط وأشتهى استدارك مَا فَاتَنِي فِي وَلَدي هذَيْن فعلمهما وَلَا عَلَيْك أَن تنفذ فِي ذَلِك جَمِيع مَا أخلفه لَهما
فَلَمَّا مَاتَ أقبل الصُّوفِي على تعليمهما إِلَى أَن فنى ذَلِك النزر الْيَسِير الَّذِي كَانَ خَلفه لَهما أَبوهُمَا وَتعذر على الصُّوفِي الْقيام بقوتهما فَقَالَ لَهما اعلما أَنِّي قد أنفقت عَلَيْكُمَا مَا كَانَ لَكمَا وَأَنا رجل من الْفقر والتجريد بِحَيْثُ لَا مَال لي فأواسيكما بِهِ وَأصْلح مَا أرى لَكمَا(6/193)
أَن تلجآ إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما
ففعلا ذَلِك وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي سعادتهما وعلو درجتهما
وَكَانَ الْغَزالِيّ يَحْكِي هَذَا وَيَقُول طلبنا الْعلم لغير الله فَأبى أَن يكون إِلَّا لله
ويحكى أَن أَبَاهُ كَانَ فَقِيرا صَالحا لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَده فِي عمل غزل الصُّوف وَيَطوف على المتفقهة ويجالسهم ويتوفر على خدمتهم ويجد فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِم وَالنَّفقَة بِمَا يُمكنهُ وَأَنه كَانَ إِذا سمع كَلَامهم بَكَى وتضرع وَسَأَلَ الله أَن يرزقه ابْنا ويجعله فقهيا ويحضر مجَالِس الْوَعْظ فَإِذا طَابَ وقته بَكَى وَسَأَلَ الله أَن يرزقه ابْنا واعظا فَاسْتَجَاب الله دعوتيه
أما أَبُو حَامِد فَكَانَ أفقه أقرانه وَإِمَام أهل زَمَانه وَفَارِس ميدانه كَلمته شهد بهَا الْمُوَافق والمخالف وَأقر بحقيتها المعادى والمحالف
وَأما أَحْمد فَكَانَ واعظا تنفلق الصم الصخور عِنْد اسْتِمَاع تحذيره وترعد فَرَائض الْحَاضِرين فِي مجَالِس تذكيره(6/194)
مبدأ طلب حجَّة الْإِسْلَام الْعلم
قَرَأَ فِي صباه طرفا من الْفِقْه بِبَلَدِهِ على أَحْمد بن مُحَمَّد الراذكاني
ثمَّ سَافر إِلَى جرجان إِلَى الإِمَام أبي نصر الْإِسْمَاعِيلِيّ وعلق عَنهُ التعليقة
ثمَّ رَجَعَ إِلَى طوس
قَالَ الإِمَام أسعد الميهني فَسَمعته يَقُول قطعت علينا الطَّرِيق وَأخذ العيارون جَمِيع مَا معي ومضوا فتبعتهم فَالْتَفت إِلَى مقدمهم وَقَالَ ارْجع وَيحك وَإِلَّا هَلَكت
فَقلت لَهُ أَسأَلك بِالَّذِي ترجو السَّلامَة مِنْهُ أَن ترد على تعليقتي فَقَط فَمَا هِيَ بِشَيْء تنتفعون بِهِ
فَقَالَ لي وَمَا هِيَ تعليقتك
فَقلت كتبت فِي تِلْكَ المخلاة هَاجَرت لسماعها وكتابتها وَمَعْرِفَة علمهَا
فَضَحِك وَقَالَ كَيفَ تَدعِي أَنَّك عرفت علمهَا وَقد أخذناها مِنْك فتجردت من مَعْرفَتهَا وَبقيت بِلَا علم
ثمَّ أَمر بعض أَصْحَابه فَسلم إِلَى المخلاة
قَالَ الْغَزالِيّ فَقلت هَذَا مستنطق أنطقه الله ليرشدني بِهِ فِي أَمْرِي فَلَمَّا وافيت طوس أَقبلت على الِاشْتِغَال ثَلَاث سِنِين حَتَّى حفظت جَمِيع مَا علقته وصرت بِحَيْثُ لَو قطع على الطَّرِيق لم أتجرد من علمي(6/195)
وَقد روى هَذِه الْحِكَايَة عَن الْغَزالِيّ أَيْضا الْوَزير نظام الْملك كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَرْجَمَة نظام الْملك من ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ
ثمَّ إِن الْغَزالِيّ قدم نيسابور ولازم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وجد واجتهد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل والأصلين والمنطق وَقَرَأَ الْحِكْمَة والفلسفة وَأحكم كل ذَلِك
وَفهم كَلَام أَرْبَاب هَذِه الْعُلُوم وتصدى للرَّدّ على مبطليهم وَإِبْطَال دعاويهم
وصنف فِي كل فن من هَذِه الْعُلُوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وَضعهَا وترصيفها
كَذَا نقل النقلَة وَأَنا لم أر لَهُ مصنفا فِي أصُول الدّين بعد شدَّة الفحص إِلَّا أَن يكون قَوَاعِد العقائد وعقائد صغرى وَأما كتاب مُسْتَقل على قَاعِدَة الْمُتَكَلِّمين فَلم أره وسأعقد فصلا لأسماء مَا وقفت عَلَيْهِ من تصانيفه
وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ شَدِيد الذكاء سديد النّظر عَجِيب الْفطْرَة مفرط الْإِدْرَاك قوي الحافظة بعيد الْغَوْر غواصا على الْمعَانِي الدقيقة جبل علم مناظرا محجاجا
وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يصف تلامذته فَيَقُول الْغَزالِيّ بَحر مغدق وإليكا أَسد مخرق والخوافي نَار تحرق
وَيُقَال إِن الإِمَام كَانَ بِالآخِرَة يمتعض مِنْهُ فِي الْبَاطِن وَإِن كَانَ يظْهر التبجح بِهِ فِي الظَّاهِر
ثمَّ لما مَاتَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خرج الْغَزالِيّ إِلَى المعسكر قَاصِدا للوزير نظام الْملك إِذْ كَانَ مَجْلِسه مجمع أهل الْعلم وملاذهم فناظر الْأَئِمَّة الْعلمَاء فِي مَجْلِسه وقهر الْخُصُوم(6/196)
وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم واعترفوا بفضله وتلقاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل وولاه تدريس مدرستة بِبَغْدَاد وَأمره بالتوجه إِلَيْهَا
فَقدم بَغْدَاد فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ودرس بالنظامية وأعجب الْخلق حسن كَلَامه وَكَمَال فَضله وفصاحة لِسَانه ونكته الدقيقة وإشاراته اللطيفة وأحبوه
وَأقَام على التدريس وتدريس الْعلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مُدَّة عَظِيم الجاه زَائِد الحشمة عالي الرُّتْبَة مسموع الْكَلِمَة مَشْهُور الِاسْم تضرب بِهِ الْأَمْثَال وتشد إِلَيْهِ الرّحال إِلَى أَن عزفت نَفسه عَن رذائل الدُّنْيَا فرفض مَا فِيهَا من التَّقَدُّم والجاه وَترك كل ذَلِك وَرَاء ظَهره وَقصد بَيت الله الْحَرَام
فَخرج إِلَى الْحَج فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ واستناب أَخَاهُ فِي التدريس
وَدخل دمشق فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ فَلبث فِيهَا يويمات يسيرَة على قدم الْفقر
ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس فجاور بِهِ مُدَّة
ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَاعْتَكف بالمنارة الغربية من الْجَامِع وَبهَا كَانَت إِقَامَته على مَا ذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِيمَا نَقله عَنهُ الذَّهَبِيّ وَلم أَجِدهُ فِي كَلَامه
وَكَانَ الْغَزالِيّ يكثر الْجُلُوس فِي زَاوِيَة الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي بالجامع الْأمَوِي الْمَعْرُوفَة الْيَوْم بالغزالية نِسْبَة إِلَيْهِ وَكَانَت تعرف قبْلَة بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي
قَالَ لحافظ ابْن عَسَاكِر أَقَامَ الْغَزالِيّ بِالشَّام نَحوا من عشْرين سنة كَذَا نقل شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلم أجد ذَلِك فِي كَلَام ابْن عَسَاكِر لَا فِي تَارِيخ الشَّام وَلَا فِي التَّبْيِين(6/197)
ويحكى هُنَا حكايات مِنْهَا أَنه قصد الِاجْتِمَاع بالشيخ نصر وَأَنه لم يدْخل دمشق إِلَّا يَوْم وَفَاته فصادف أَنه دخل إِلَى الْجَامِع وَهُوَ لابس زِيّ الْفُقَرَاء فاتفق جُلُوسه فِي الزاوية الْمشَار إِلَيْهَا فَبعد هنيهة أَتَى جمَاعَة من طلبة الْعلم وشاكلوه فِي الْعُلُوم بعد أَن تأملوه ونظروا إِلَيْهِ مَلِيًّا فوجدوه بحرا لَا ينزف
فَقَالَ لَهُم مَا فعل الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي قَالُوا توفّي وَهَذَا مجيئنا من مدفنه وَكَانَ لما حَضرته الْوَفَاة سألناه من يخلفك فِي حلقتك فَقَالَ إِذا فَرَغْتُمْ من دفني عودوا إِلَى الزاوية تَجدوا شخصا أعجميا ووصفك لنا أَقروهُ منى السَّلَام وَهُوَ خليفتي
وَهَذِه الْحِكَايَة لم تثبت عِنْدِي ووفاة الشَّيْخ نصر كَانَت سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة وَإِن صحت فَلَعَلَّ ذَلِك عِنْد عوده إِلَى دمشق من الْقُدس وَإِلَّا فقد كَانَ اجتماعه بِهِ مُمكنا لما دخل دمشق سنة تسع وَثَمَانِينَ قبل وَفَاة الشَّيْخ نصر بِسنة
وَصرح شَيخنَا الذَّهَبِيّ بِأَن الغزالى جَالس نصرا
قلت وَالَّذِي أوصى نصر الْمَقْدِسِي بِهِ أَن يخلفه بعده هُوَ نصر الله المصِّيصِي تِلْمِيذه
وَمِنْهَا أَنه لما دَخلهَا على زِيّ الْفُقَرَاء جلس على بَاب الخانقاه السميساطية إِلَى أَن أذن لَهُ فَقير مَجْهُول لَا يعرف وابتدأ بكنس الميضات ألتي للخانقاه وَخدمتهَا(6/198)
وَاتفقَ أَن جلس يَوْمًا فِي صحن الْجَامِع الْأمَوِي وَجَمَاعَة من الْمُفْتِينَ يتمشون فِي الصحن وَإِذا بقروي أَتَاهُم مستفتيا وَلم يردوا عَلَيْهِ جَوَابا وَالْغَزالِيّ يتَأَمَّل فَلَمَّا رأى الْغَزالِيّ أَنه لَا أحد عِنْده جَوَابه ويعز عَلَيْهِ عدم إرشاده دَعَاهُ وأجابه
فَأخذ الْقَرَوِي يهزأ بِهِ وَيَقُول إِن كبار الْمُفْتِينَ مَا أجابوني وَهَذَا فَقير عَامي كَيفَ يجيبني وَأُولَئِكَ الْمفْتُون ينظرونه
فَلَمَّا فرغ من كَلَامه مَعَه دعوا الْقَرَوِي وسألوه مَا الَّذِي حَدثَك بِهِ هَذَا الْعَاميّ فشرح لَهُم الْحَال
فَجَاءُوا إِلَيْهِ وتعرفوا بِهِ واحتاطوا بِهِ وسألوه أَن يعْقد لَهُم مَجْلِسا فَوَعَدَهُمْ إِلَى ثَانِي يَوْم وسافر من ليلته رَضِي الله عَنهُ
وَمِنْهَا أَنه صَادف دُخُوله يَوْمًا الْمدرسَة الأمينية فَوجدَ الْمدرس يَقُول قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ يدرس من كَلَامه
فخشي الْغَزالِيّ على نَفسه الْعجب فَفَارَقَ دمشق وَأخذ يجول فِي الْبِلَاد فَدخل مِنْهَا إِلَى مصر وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة
وَقيل إِنَّه عزم على الْمُضِيّ إِلَى السُّلْطَان يُوسُف بن تاشفين سُلْطَان الْمغرب لما بلغه من عدله فَبَلغهُ مَوته
وَاسْتمرّ يجول فِي الْبلدَانِ ويزور الْمشَاهد وَيَطوف على التُّرَاب والمساجد(6/199)
ويأوى القفار ويروض نَفسه ويجاهدها جِهَاد الْأَبْرَار ويكلفها مشاق الْعِبَادَات بأنواع الْقرب والطاعات إِلَى أَن صَار قطب الْوُجُود وَالْبركَة الْعَامَّة بِكُل مَوْجُود وَالطَّرِيق الموصلة إِلَى رضَا الرَّحْمَن والسبيل الْمَنْصُوب إِلَى مَرْكَز الْإِيمَان
ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَعقد بهَا مجْلِس الْوَعْظ وَتكلم على لِسَان أهل الْحَقِيقَة وَحدث بِكِتَاب الْإِحْيَاء
قَالَ ابْن النجار وَلم يكن لَهُ إِسْنَاد وَلَا طلب شَيْئا من الحَدِيث لم أر لَهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا سَيَأْتِي ذكره فِي هَذَا الْكتاب يَعْنِي تَارِيخه
قلت وَلم أره ذكر هَذَا الحَدِيث بعد ذَلِك
وَقد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِحَدِيث من حَدِيثه سَنذكرُهُ
وَذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أَنه سمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي سهل مُحَمَّد ابْن عبد الله الحفصي
وَذكر عبد الغافر لَهُ مسموعات سنذكرها فِي كَلَام عبد الغافر
ثمَّ عَاد الْغَزالِيّ إِلَى خُرَاسَان ودرس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بنيسابور مُدَّة يسيرَة وكل قلبه مُعَلّق بِمَا فتح عَلَيْهِ من الطَّرِيق
ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة طوس وَاتخذ إِلَى جَانب دَاره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية
ووزع أوقاته على وظائف من ختم الْقُرْآن ومجالسة أَرْبَاب الْقُلُوب والتدريس لطلبة الْعلم وإدامة الصَّلَاة وَالصِّيَام وَسَائِر الْعِبَادَات إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى(6/200)
ورضوانه طيب الثَّنَاء أَعلَى منزلَة من نجم السَّمَاء لَا يكرههُ إِلَّا حَاسِد أَو زنديق وَلَا يسومه بِسوء إِلَّا حائد عَن سَوَاء الطَّرِيق ينشدهم لِسَان حَاله
(وَإِن تكنفني من شرهم غسق ... فالبدر أحسن إشراقا مَعَ الظُّلم)
(وَإِن رَأَوْا بخس فضلى حق قِيمَته ... فالدر در وَإِن لم يشر بالقيم)
وَكَانَت وَفَاته قدس الله روحه بطوس يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة
ومشهده بهَا يزار بمقبرة الطابران
قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الثَّبَات عِنْد الْمَمَات قَالَ أَحْمد أَخُو الإِمَام الْغَزالِيّ لماكان يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقت الصُّبْح تَوَضَّأ أخي أَبُو حَامِد وَصلى وَقَالَ عَليّ بالكفن فَأَخذه وَقَبله وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَقَالَ سمعا وَطَاعَة للدخول على الْملك
ثمَّ مدرجليه واستقبل الْقبْلَة وَمَات قبل الْإِسْفَار قدس الله روحه
فَهَذِهِ تَرْجَمَة مختصرة يقنع بهَا طَالب الِاخْتِصَار وَإِذا أَبيت إِلَّا الْبسط فِي شرح حَال هَذَا النَّجْم الَّذِي تشرف الأوراق يذاكره ويعبق الْوُجُود برياه فَنَقُول(6/201)
وَمن كَلَام أهل عصره فِيهِ
قد قدمنَا كَلَام شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَوله الْغَزالِيّ بَحر مغدق
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي سَمِعت الْفُقَهَاء يَقُولُونَ كَانَ الْجُوَيْنِيّ يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول فِي تلامذته إِذا ناظروا التَّحْقِيق للخوافي والحدسيات للغزالي وَالْبَيَان للكيا
وَقَالَ تِلْمِيذه الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى الْغَزالِيّ هُوَ الشَّافِعِي الثَّانِي
وَقَالَ أسعد الميهني لَا يصل إِلَى معرفَة علم الْغَزالِيّ وفضله إِلَّا من بلغ أَو كَاد يبلغ الْكَمَال فِي عقله
قلت يُعجبنِي هَذَا الْكَلَام فَإِن الَّذِي يحب أَن يطلع على منزله من هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الْعلم يحْتَاج إِلَى الْعقل والفهم فبالعقل يُمَيّز وبالفهم يقْضِي وَلما كَانَ علم الْغَزالِيّ فِي الْغَايَة القصوى احْتَاجَ من يُرِيد الِاطِّلَاع على مِقْدَاره فِيهِ أَن يكون هُوَ تَامّ الْعقل
وَأَقُول لَا بُد مَعَ تَمام الْعقل من مداناة مرتبته فِي الْعلم لمرتبة الآخر وَحِينَئِذٍ فَلَا يعرف أحد مِمَّن جَاءَ بعد الْغَزالِيّ قدر الْغَزالِيّ وَلَا مِقْدَار علم الْغَزالِيّ إِلَّا بِمِقْدَار علمه أما بِمِقْدَار علم الْغَزالِيّ فَلَا إِذْ لم يَجِيء بعده مثله ثمَّ المداني لَهُ إِنَّمَا يعرف قدره بِقدر مَا عِنْده لَا بِقدر الْغَزالِيّ فِي نَفسه
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول لَا يعرف قدر الشَّخْص فِي الْعلم إِلَّا من ساواه فِي رتبته وخالطه مَعَ ذَلِك(6/202)
قَالَ وَإِنَّمَا يعرف قدره بِمِقْدَار مَا أوتيه هُوَ
وَكَانَ يَقُول لنا لَا أحد من الْأَصْحَاب يعرف قدر الشَّافِعِي كَمَا يعرفهُ الْمُزنِيّ
قَالَ وَإِنَّمَا يعرف الْمُزنِيّ من قدر الشَّافِعِي بِمِقْدَار قوى الْمُزنِيّ وَالزَّائِد عَلَيْهَا من قوى الشَّافِعِي لم يُدْرِكهُ الْمُزنِيّ
وَكَانَ يَقُول لنا أَيْضا لَا يقدر أحد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق قدره إِلَّا الله تَعَالَى وَإِنَّمَا يعرف كل وَاحِد من مِقْدَاره بِقدر مَا عِنْده هُوَ
قَالَ فأعرف الْأمة بِقَدرِهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ أفضل الْأمة
قَالَ وَإِنَّمَا يعرف أَبُو بكر من مِقْدَار الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تصل إِلَيْهِ قوى أبي بكر وَثمّ أُمُور تقصر عَنْهَا قواه لم يحط بهَا علمه ومحيط بهَا علم الله
ذكر كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي
وَأَنا أرى أَن أسوقه بِكَمَالِهِ على نَصه حرفا فَإِن عبد الغافر ثِقَة معاصر عَارِف
وَقد تخرب الحاكون لكَلَامه حزبين فَمن ناقل لبَعض الممادح وحاك لجَمِيع مَا أوردهُ مِمَّا عيب على حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ وَذَلِكَ صَنِيع من يتعصب على حجَّة الْإِسْلَام وَهُوَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكر بعض الممادح(6/203)
نقلا معجرف اللَّفْظ محكيا بِالْمَعْنَى غير مُطَابق فِي الْأَكْثَر وَلما انْتهى إِلَى مَا ذكره عبد الغافر مِمَّا عيب عَلَيْهِ اسْتَوْفَاهُ ثمَّ زَاد ووشح وَبسط وَرشح
وَمن ناقل لكل الممادح سَاكِت عَن ذكر مَا عيب بِهِ وَهُوَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وسأبحث عَن سَبَب فعله ذَلِك
وَأما أَنا فأورد جَمِيعه ثمَّ أَتكَلّم عَلَيْهِ وأسأل الله التَّوْفِيق والحماية من الْميل
قَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْخَطِيب الْفَارِسِي خطيب نيسابور مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ حجَّة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين إِمَام أَئِمَّة الدّين من لم تَرَ الْعُيُون مثله لِسَانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا
شدا طرفا فِي صباه بطوس من الْفِقْه على الإِمَام أَحْمد الراذكاني
ثمَّ قدم نيسابور مُخْتَلفا إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي طَائِفَة من الشبَّان من طوس
وجد واجتهد حَتَّى تخرج عَن مُدَّة قريبَة وبذ الأقران
وَحمل الْقُرْآن وَصَارَ أنظر أهل زَمَانه وَوَاحِد أقرانه فِي أَيَّام إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَكَانَ الطّلبَة يستفيدون مِنْهُ ويدرس لَهُم ويرشدهم ويجتهد فِي نَفسه
وَبلغ الْأَمر بِهِ إِلَى أَن أَخذ فِي التصنيف(6/204)
وَكَانَ الإِمَام مَعَ علو دَرَجَته وسمو عِبَارَته وَسُرْعَة جريه فِي النُّطْق وَالْكَلَام لَا يصفي نظره إِلَى الْغَزالِيّ سرا لإنافته عَلَيْهِ فِي سرعَة الْعبارَة وَقُوَّة الطَّبْع وَلَا يطيب لَهُ تصدية للتصانيف وَإِن كَانَ متخرجا بِهِ منتسبا إِلَيْهِ كَمَا لَا يخفى من طبع الْبشر وَلكنه يظْهر التبجح بِهِ والاعتداد بمكانه ظَاهرا خلاف مَا يضمره
ثمَّ بَقِي كَذَلِك إِلَى انْقِضَاء أَيَّام الإِمَام فَخرج من نيسابور وَصَارَ إِلَى المعسكر واحتل من مجْلِس نظام الْملك مَحل الْقبُول وَأَقْبل عَلَيْهِ الصاحب لعلو دَرَجَته وَظُهُور اسْمه وَحسن مناظرته وجري عِبَارَته
وَكَانَت تِلْكَ الحضرة محط رحال الْعلمَاء ومقصد الْأَئِمَّة والفصحاء فَوَقَعت للغزالي اتفاقات حَسَنَة من الاحتكاك بالأئمة وملاقاة الْخُصُوم اللد ومناظرة الفحول ومنافرة الْكِبَار
وَظهر اسْمه فِي الْآفَاق وارتفق بذلك أكمل الارتفاق حَتَّى أدَّت الْحَال بِهِ إِلَى أَن رسم للمصير إِلَى بَغْدَاد للْقِيَام بتدريس الْمدرسَة الميمونة النظامية بهَا فَصَارَ إِلَيْهَا وأعجب الْكل بتدريسه ومناظرته وَمَا لَقِي مثل نَفسه وَصَارَ بعد إِمَامَة خُرَاسَان إِمَام الْعرَاق
ثمَّ نظر فِي علم الْأُصُول وَكَانَ قد أحكمها فصنف فِيهِ تصانيف
وجدد الْمَذْهَب فِي الْفِقْه فصنف فِي تصانيف
وسبك الْخلاف فحرر فِيهِ أَيْضا تصانيف(6/205)
وعلت حشمته ودرجته فِي بَغْدَاد حَتَّى كَانَت تغلب حشمة الأكابر والأمراء وَدَار الْخلَافَة
فَانْقَلَبَ الْأَمر من وَجه آخر وَظهر عَلَيْهِ بعد مطالعة الْعُلُوم الدقيقة وممارسة الْكتب المصنفة فِيهَا وسلك طَرِيق التزهد والتأله وَترك الحشمة وَطرح مَا نَالَ من الدرجَة والاشتغال باسباب التَّقْوَى وَزَاد الْآخِرَة
فَخرج عَمَّا كَانَ فِيهِ وَقصد بَيت الله وَحج
ثمَّ دخل الشَّام وَأقَام فِي تِلْكَ الديار قَرِيبا من عشر سِنِين يطوف ويزور الْمشَاهد المعظمة
وَأخذ فِي التصانيف الْمَشْهُورَة الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا مثل إحْيَاء عُلُوم الدّين والكتب المختصرة مِنْهَا مثل الْأَرْبَعين وَغَيرهَا من الرسائل الَّتِي من تأملها علم مَحل الرجل من فنون الْعلم
وَأخذ فِي مجاهدة النَّفس وتغيير الْأَخْلَاق وتحسين الشَّمَائِل وتهذيب المعاش فَانْقَلَبَ شَيْطَان الرعونة وَطلب الرياسة والجاه والتخلق بالأخلاق الذميمة إِلَى سُكُون النَّفس وكرم الْأَخْلَاق والفراغ عَن الرسوم والترتيبات والتزيى بزِي الصَّالِحين وَقصر الأمل ووقف الْأَوْقَات على هِدَايَة الْخلق ودعائهم إِلَى مَا يعنيهم من أَمر الْآخِرَة وتبغيض الدُّنْيَا والاشتغال بهَا على السالكين والاستعداد للرحيل(6/206)
إِلَى الدَّار الْبَاقِيَة والانقياد لكل من يتوسم فِيهِ أَو يشم مِنْهُ رَائِحَة الْمعرفَة أَو التيقظ لشَيْء من أنوار الْمُشَاهدَة حَتَّى مرن على ذَلِك ولان
ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه لَازِما بَيته مشتغلا بالتفكير ملازما للْوَقْت مَقْصُودا نفيسا وذخرا للقلوب وَلكُل من يَقْصِدهُ وَيدخل عَلَيْهِ
إِلَى أَن أَتَى على ذَلِك مُدَّة وَظَهَرت التصانيف وفشت الْكتب وَلم تبد فِي أَيَّامه مناقضة لما كَانَ فِيهِ وَلَا اعْتِرَاض لأحد على مَا آثره حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى الْأَجَل فَخر الْملك جمال الشُّهَدَاء تغمده الله برحمته وتزينت خُرَاسَان بحشمته ودولته وَقد سمع وَتحقّق بمَكَان الْغَزالِيّ ودرجته وَكَمَال فَضله وحالته وصفاء عقيدته ونقاء سيرته فتبرك بِهِ وحضره وَسمع كَلَامه فاستدعى مِنْهُ أَن لَا يبقي أنفاسه وفوائده عقيمة لَا استفادة مِنْهَا وَلَا اقتباس من أنوارها وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح وتشدد فِي الاقتراح إِلَى أَن أجَاب إِلَى الْخُرُوج وَحمل إِلَى نيسابور
وَكَانَ اللَّيْث غَائِبا عَن عرينه وَالْأَمر خافيا فِي مَسْتُور قَضَاء الله ومكنونه فأشير عَلَيْهِ بالتدريس فِي الْمدرسَة الميمونة النظامية عمرها الله فَلم يجد بدا من الإذغان للولاة وَنوى بِإِظْهَار مَا اشْتغل بِهِ هِدَايَة الشداة وإفادة القاصدين دون الرُّجُوع إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتحرر عَن رقة من طلب الجاه ومماراة الأقران(6/207)
ومكابرة المعاندين وَكم قرع عصاة بِالْخِلَافِ والوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يذره ويأتيه
والسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بِهِ وَلَا اشْتغل بِجَوَاب الطاعنين وَلَا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين
وَلَقَد زرته مرَارًا وَمَا كنت أحدس فِي نَفسِي مَعَ مَا عهدته فِي سالف الزَّمَان عَلَيْهِ من الزعارة وإيحاش النَّاس وَالنَّظَر اليهم بِعَين الازدراء وَالِاسْتِخْفَاف بهم كبرا وخيلاء واغترارا بِمَا رزق من البسطة فِي النُّطْق والخاطر والعبارة وَطلب الجاه والعلو فِي الْمنزلَة أَنه صَار على الضِّدّ وتصفى عَن تِلْكَ الكدورات
وَكنت أَظن أَنه متلفع بجلباب التَّكَلُّف متنمس بِمَا صَار إِلَيْهِ فتحققت بعد السبر والتنقير أَن الْأَمر على خلاف المظنون وَأَن الرجل أَفَاق بعد الْجُنُون(6/208)
وَحكى لنا فِي لَيَال كَيْفيَّة أَحْوَاله من ابْتِدَاء مَا ظهر لَهُ سلوك طَرِيق التأله
وغلبت الْحَال عَلَيْهِ بعد تبحره فِي الْعُلُوم واستطالته على الْكل بِكَلَامِهِ والاستعداد الَّذِي خصّه الله بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاع الْعُلُوم وتمكنه من الْبَحْث وَالنَّظَر حَتَّى تبرم من الِاشْتِغَال بالعلوم الْعرية عَن الْمُعَامَلَة
وتفكر فِي الْعَاقِبَة وَمَا يجدي وَمَا ينفع فِي الْآخِرَة فابتدأ بِصُحْبَة الفارمذي وَأخذ مِنْهُ استفتاح الطَّرِيقَة وامتثل ماكان يُشِير بِهِ عَلَيْهِ من الْقيام بوظائف الْعِبَادَات والإمعان فِي النَّوَافِل واستدامة الْأَذْكَار وَالْجد وَالِاجْتِهَاد طلبا للنجاة إِلَى أَن جَازَ تِلْكَ العقبات وتكلف تِلْكَ المشاق وَمَا تحصل على مَا كَانَ يَطْلُبهُ من مَقْصُوده
ثمَّ حكى أَنه رَاجع الْعُلُوم وخاض فِي الْفُنُون وعاود الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي كتب الْعُلُوم الدقيقة والتقى بأربابهاحتى انْفَتح لَهُ أَبْوَابهَا وَبَقِي مُدَّة فِي الوقائع وتكافؤ الْأَدِلَّة وأطراف الْمسَائِل
ثمَّ حكى أَنه فتح عَلَيْهِ بَاب من الْخَوْف بِحَيْثُ شغله عَن كل شَيْء وَحمله على الْإِعْرَاض عَمَّا سواهُ حَتَّى سهل ذَلِك
وَهَكَذَا هَكَذَا إِلَى أَن ارتاض كل الرياضة وَظَهَرت لَهُ الْحَقَائِق وَصَارَ مَا كُنَّا نظن بِهِ ناموسا وتخلقا طبعا وتحققا وَأَن ذَلِك أثر السَّعَادَة الْمقدرَة لَهُ من الله تَعَالَى
ثمَّ سألناه عَن كَيْفيَّة رغبته فِي الْخُرُوج من بَيته وَالرُّجُوع إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ من أَمر نيسابور(6/209)
فَقَالَ معتذرا عَنهُ مَا كنت أجوز فِي ديني أَن أَقف عَن الدعْوَة وَمَنْفَعَة الطالبين بالإفادة وَقد حق عَليّ أَن أبوح بِالْحَقِّ وأنطق بِهِ وأدعو إِلَيْهِ
وَكَانَ صَادِقا فِي ذَلِك
ثمَّ ترك ذَلِك قبل أَن يتْرك وَعَاد إِلَيّ بَيته وَاتخذ فِي جواره مدرسة لطلبة الْعلم وخانقاه للصوفية
وَكَانَ قد وزع أوقاته على وظائف الْحَاضِرين من ختم الْقُرْآن ومجالسة أهل الْقُلُوب وَالْقعُود للتدريس بِحَيْثُ لَا تَخْلُو لَحْظَة من لحظاته ولحظات من مَعَه عَن فَائِدَة إِلَى أَن أَصَابَهُ عين الزَّمَان وضنت الْأَيَّام بِهِ على أهل عصره فنقله الله إِلَى كريم جواره بعد مقاساة أَنْوَاع من الْقَصْد والمناوأة من الْخُصُوم وَالسَّعْي بِهِ إِلَى الْمُلُوك وكفاية الله بِهِ وَحفظه وصيانته عَن أَن تنوشه أَيدي النكبات أَو ينهتك ستر دينه بِشَيْء من الزلات
وَكَانَت خَاتِمَة أمره إقباله على حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومجالسة أَهله ومطالعة الصَّحِيحَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم اللَّذين هما حجَّة الْإِسْلَام وَلَو عَاشَ لسبق الْكل فِي ذَلِك الْفَنّ بِيَسِير من الْأَيَّام يستفرغه فِي تَحْصِيله
وَلَا شكّ أَنه سمع الْأَحَادِيث فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة واشتغل فِي آخر عمره بسماعها وَلم تتفق لَهُ الرِّوَايَة وَلَا ضَرَر فِيمَا خَلفه من الْكتب المصنفة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَسَائِر الْأَنْوَاع تخلد ذكره وتقرر عِنْد المطالعين المستفيدين مِنْهَا أَنه لم يخلف مثله بعده(6/210)
مضى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة
وَدفن بِظَاهِر قَصَبَة طابران
وَالله تَعَالَى يَخُصُّهُ بأنواع الْكَرَامَة فِي آخرته كَمَا خصّه بفنون الْعلم فِي دُنْيَاهُ بمنه
وَلم يعقب إِلَّا الْبَنَات
وَكَانَ لَهُ من الْأَسْبَاب إِرْثا وكسبا مَا يقوم بكفايته وَنَفَقَة أَهله وَأَوْلَاده فَمَا كَانَ يباسط أحد فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وَقد عرضت عَلَيْهِ أَمْوَال فَمَا قبلهَا وَأعْرض عَنْهَا وَاكْتفى بِالْقدرِ الَّذِي يصون بِهِ دينه وَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى التَّعَرُّض لسؤال ومنال من غَيره
وَمِمَّا كَانَ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وُقُوع خلل من جِهَة النَّحْو يَقع فِي أثْنَاء كَلَامه وروجع فِيهِ فأنصف من نَفسه واعترف بِأَنَّهُ مَا مارس ذَلِك الْفَنّ وَاكْتفى بِمَا كَانَ يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كَلَامه مَعَ أَنه كَانَ يؤلف الْخطب ويشرح الْكتب بالعبارات الَّتِي تعجز الأدباء والفصحاء عَن أَمْثَالهَا وَأذن للَّذين يطالعون كتبه فيعثرون على خلل فِيهَا من جِهَة اللَّفْظ أَن يصلحوه ويعذروه فَمَا كَانَ قَصده إِلَّا الْمعَانِي وتحقيقها دون الْأَلْفَاظ وتلفيقها
وَمِمَّا نقم عَلَيْهِ مَا ذكر من الْأَلْفَاظ المستبشعة بِالْفَارِسِيَّةِ فِي كتاب كيمياء السَّعَادَة والعلوم وَشرح بعض الصُّور والمسائل بِحَيْثُ لَا يُوَافق مراسم الشَّرْع وظواهر مَا عَلَيْهِ قَوَاعِد الْإِسْلَام(6/211)
وَكَانَ الأولى بِهِ وَالْحق أَحَق أَن يُقَال ترك ذَلِك التصنيف والإعراض عَن الشَّرْح بِهِ فَإِن الْعَوام رُبمَا لَا يحكمون أصُول الْقَوَاعِد بالبراهين والحجج فَإِذا سمعُوا شَيْئا من ذَلِك تخيلوا مِنْهُ مَا هُوَ المضر بعقائدهم وينسبون ذَلِك إِلَى بَيَان مَذَاهِب الْأَوَائِل
على أَن المُصَنّف اللبيب إِذا رَجَعَ إِلَى نَفسه علم أَن أَكثر مَا ذكره مِمَّا رمز إِلَيْهِ إشارات الشَّرْع وَإِن لم يبح بِهِ وَيُوجد أَمْثَاله فِي كَلَام مَشَايِخ الطَّرِيقَة مرموزة ومصرحا بهَا مُتَفَرِّقَة وَلَيْسَ لفظ مِنْهُ إِلَّا وكما يشْعر أحد وجوهه بِكَلَام موهم فَإِنَّهُ يشْعر سَائِر وجوهه بِمَا يُوَافق عقائد أهل الْملَّة
فَلَا يجب إِذا حمله إِلَّا على مَا يُوَافق وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَعَلَّق بِهِ فِي الرَّد عَلَيْهِ مُتَعَلق إِذا أمكنه أَن يبين لَهُ وَجها فِي الصِّحَّة يُوَافق الْأُصُول
على أَن هَذَا الْقدر يحْتَاج إِلَى من يظهره وَكَانَ الأولى أَن يتْرك الإفصاح بذلك كَمَا تقدم مَا ذكره وَلَيْسَ كَمَا يَتَقَرَّر ويتمشى لأحد تَقْرِيره يَنْبَغِي أَن يظهره بل أَكثر الْأَشْيَاء مِمَّا يدْرِي ويطوي وَلَا يحْكى فعلى ذَلِك درج الْأَولونَ وَعبر السّلف الصالحون إبْقَاء على مراسم الشَّرْع وصيانة لمعالم الدّين عَن طعن الطاعنين وعيره المارقين الجاحدين وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
وَقد سَمِعت أَنه سمع من سنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي عَن الْحَاكِم أبي الْفَتْح الحاكمي الطوسي وَمَا عثرت على سَمَاعه(6/212)
وَسمع من الْأَحَادِيث المتفرقة اتِّفَاقًا مَعَ الْفُقَهَاء
فمما عثرت عَلَيْهِ مَا سَمعه من كتاب لمولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تأليف أبي بكر أَحْمد ابْن عَمْرو بن أبي عَاصِم الشَّيْبَانِيّ رِوَايَة الشَّيْخ أبي بكر مُحَمَّد بن الْحَارِث الْأَصْبَهَانِيّ الإِمَام عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان عَن المُصَنّف
وَقد سَمعه الإِمَام الْغَزالِيّ من الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري خوار طبران رَحمَه الله مَعَ ابنيه الشَّيْخَيْنِ عبد الْجَبَّار وَعبد الحميد وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء
وَمن ذَلِك مَا قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري أخبرنَا أَبُو بكر بن الْحَارِث الْأَصْبَهَانِيّ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن حَيَّان أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي ثَابت حَدثنَا الزبير ابْن مُوسَى عَن أبي الْحُوَيْرِث قَالَ سَمِعت عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ قباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي أَنْت أكبر أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/213)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر مني وَأَنا أسن مِنْهُ ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل
وَتَمام الْكتاب فِي جزأين مسموع لَهُ
انْتهى كَلَام عبد الغافر
وَقد سَاق الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر من أَوله إِلَى قَوْله وَمِمَّا كَانَ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وَترك الْبَاقِي فعل ذَلِك فِي تَارِيخ الشَّام وَفِي كتاب التَّبْيِين
فَإِن قلت هَل ذَلِك من الْحَافِظ تعصب لَهُ كَمَا أَن مَا فعله الذَّهَبِيّ تعصب عَلَيْهِ قلت يحْتَمل أَن يكون الْأَمر كَذَلِك وَيحْتَمل أَن يكون لكَونه لم ير إِشَاعَة ذَلِك عَن مثل هَذَا الإِمَام مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ غير قَادِح فِيهِ وَأما الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك وَضم إِلَيْهِ مَا شَاءَ وسأوقفك عَلَيْهِ وسأتكلم على مَا عيب بِهِ هَذَا الإِمَام بعد نجاز الْغَرَض من ذكر مَا أَنا بصدده إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن كَلَام المترجمين لحجة الْإِسْلَام رَحمَه الله وَأَكْثَرهم اجتزأ بِكَلَام عبد الغافر
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر كَانَ إِمَامًا فِي علم الْفِقْه مذهبا وَخِلَافًا وَفِي أصُول الديانَات
وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي سهل مُحَمَّد بن عبد الله الحفصي(6/214)
وَولي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بِبَغْدَاد
ثمَّ خرج إِلَى الشَّام زائر لبيت الْمُقَدّس فَقدم دمشق فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَأقَام بهَا مُدَّة وَبَلغنِي أَنه صنف بهَا بعض مصنفاته ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَمضى إِلَى خُرَاسَان ودرس مُدَّة بطوس ثمَّ ترك التدريس والمناظرة واشتغل بِالْعبَادَة
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِيهِ من لم تَرَ الْعُيُون مثله لِسَانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا
ثمَّ انْدفع فِي نَحْو مِمَّا ذكره عبد الغافر من الممادح وَلم يتَعَرَّض لذكر شَيْء من الْفَصْل الْأَخير
وَذكر أَنه استدعى بِأبي الفتيان عمر بن أبي الْحسن الرواسِي الْحَافِظ الطوسي وأكرمه وَسمع عَلَيْهِ صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم
قَالَ وَمَا أَظن أَنه حدث بِشَيْء وَإِن حدث فيسير لِأَن رِوَايَة الحَدِيث مَا انتشرت عَنهُ
انْتهى
وَقد أوجب لي عدم ذكره لشَيْء من الْفَصْل الْأَخير الَّذِي ذكره عبد الغافر وَكَذَلِكَ عدم ذكر ابْن عَسَاكِر لَهُ مَعَ تبري ابْن عَسَاكِر دَائِما حَيْثُ أمكنه عَن الْغَرَض وَنَقله أبدا مَاله وَمَا عَلَيْهِ وَمَعَ تعرضه لما ذكره عبد الغافر فِي الْفَصْل الْأَخير لسَمَاع الْغَزالِيّ مَا اسْمَعْهُ واقتصاره على أَنه استدعى الرواسِي لسَمَاع الصَّحِيحَيْنِ مَعَ كَون هَذَا الْفَصْل لم يذكرهُ عبد الغافر إِلَّا بعد نجاز التَّرْجَمَة وَذكر الْوَفَاة وَلَيْسَ ذَلِك بمعتاد والمعتاد ختم التراجم بالوفاه وَمَوْضِع هَذَا الْفَصْل أثْنَاء التَّرْجَمَة كل ذَلِك أَن أَظن أَنه اختلق على عبد الغافر ودس فِي كِتَابه فَالله أعلم بذلك على أَنه لَيْسَ فِيهِ كَبِير أَمر كَمَا سنبحث عَنهُ(6/215)
وَقَالَ ابْن النجار إِمَام الْفُقَهَاء على الْإِطْلَاق ورباني الْأمة بالِاتِّفَاقِ ومجتهد زَمَانه وَعين وقته وأوانه وَمن شاع ذكره فِي الْبِلَاد واشتهر فَضله بَين الْعباد واتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره وتكريمه وخافه المخالفون وانقهر بحججه وأدلته المناظرون وَظَهَرت بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين وَقَامَ بنصر السّنة وَإِظْهَار الدّين وسارت مصنفاته فِي الدُّنْيَا مسير الشَّمْس فِي الْبَهْجَة وَالْجمال وَشهد لَهُ الْمُخَالف والموافق بالتقدم والكمال
انْتهى
وَفِي كَلَام المترجمين كَثْرَة فَلَا نطيل فَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مقنع وبلاغ
ذكر بقايا من تَرْجَمته رَضِي الله عَنهُ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب كتبه الْغَزالِيّ إِلَى أبي حَامِد بن أَحْمد بن سَلامَة بالموصل فَقَالَ فِي خلال فصوله أما الْوَعْظ فلست أرى نَفسِي أَهلا لَهُ لِأَن الْوَعْظ زَكَاة نصابه الاتعاظ فَمن لَا نِصَاب لَهُ كَيفَ يخرج الزَّكَاة وفاقد الثَّوْب كَيفَ يستر بِهِ غَيره وَمَتى يَسْتَقِيم الظل وَالْعود أَعْوَج وَقد أوحى الله تَعَالَى إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام عظ نَفسك فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وَإِلَّا فاستحي مني
وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا سعيد مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل النوقاني بمرو ومذاكرة فِي دَارنَا يَقُول حضرت درس الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ لكتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين فَأَنْشد(6/216)
(وحبب أوطان الرِّجَال إِلَيْهِم ... مآرب قَضَاهَا الْفُؤَاد هنالكا)
(إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصِّبَا فِيهَا فحنوا لذلكا)
قَالَ فَبكى وأبكى الْحَاضِرين
وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا نصر الْفضل بن الْحسن بن عَليّ الْمقري مذاكرة بمرو يَقُول دخلت على الإِمَام الْغَزالِيّ مودعا فَقَالَ لي احْمِلْ هَذَا الْكتاب إِلَى الْمعِين النَّائِب أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ
ثمَّ قَالَ لي وَفِيه شكاية على الْعَزِيز الْمُتَوَلِي للأوقاف بطوس وَكَانَ ابْن أخي الْمعِين فَقلت لَهُ كنت بهراة عِنْد عَمه الْمعِين وَكَانَ الْعِمَاد الطوسي جَاءَ بِمحضر فِي الثَّنَاء على الْعَزِيز وَعَلِيهِ خطك وَكَانَ عَمه قد طرده وهجره فَلَمَّا رأى شكرك وثناءك عَلَيْهِ قربه ورضى عَنهُ
فَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ سلم الْكتاب إِلَى الْمعِين واقرأ عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَأنْشد
(وَلم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ... يساء إِلَيْنَا ثمَّ نؤمر بالشكر)
وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْمُنعم الْعَبدَرِي الْمُؤَذّن رَأَيْت بالإسكندرية فِي سنة خَمْسمِائَة فِي إِحْدَى شَهْري الْمحرم أَو صفر فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الشَّمْس طلعت من مغْرِبهَا فَعبر ذَلِك بعض المعبرين ببدعة تحدث فيهم فَبعد أَيَّام وصلت المراكب بإحراق كتب الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ بالمرية(6/217)
وَعَن الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي لما ولي نظام الْملك أَبَا حَامِد درس النظامية بِبَغْدَاد وَقدم إِلَيْهَا فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة اجْتمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَقَالُوا لَهُ قد علم سيدنَا أَن الْعَادة أَن من درس بِهَذِهِ الْبقْعَة عمل دَعْوَة للفقهاء ويحضرهم سَمَاعا ونريد أَن تكون دعوتك كرتبتك فِي الْعلم
فَقَالَ الْغَزالِيّ سمعا وَطَاعَة لَكِن على أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون التَّقْدِير إِلَيْكُم وَالتَّعْيِين لي أَو بِالْعَكْسِ
فَقَالُوا بل التَّقْدِير إِلَيْك والتعين لنا فنريد الدعْوَة الْيَوْم
فَقَالَ لَهُم فالتقدير حِينَئِذٍ مني على حسب مَا يمكنني وَهُوَ خبز وخل وبقل
فَقَالُوا لَا وَالله بل التَّعْيِين لَك وَالتَّقْدِير لنا ونريد أَن يكون فِي هَذِه الدعْوَة من الدَّجَاج كَذَا وَمن الحلو كَذَا
فَقَالَ سمعا وَطَاعَة وَالتَّعْيِين بعد سنتَيْن
فَقَالُوا قد عجزنا وَسلمنَا الْكل إِلَيْك لعلمنا أننا إِن جرينا مَعَك على قَاعِدَة النّظر حلت بَيْننَا وَبَين الظفر من هَذِه الدعْوَة بِقَضَاء الوطر
وَكَانَ فِي زَمَاننَا شخص يكره الْغَزالِيّ يذمه ويستعيبه فِي الديار المصرية فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بجانبه وَالْغَزالِيّ جَالس بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله هَذَا يتَكَلَّم فِي(6/218)
وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هاتوا السِّيَاط وَأمر بِهِ فَضرب لأجل الْغَزالِيّ وَقَامَ هَذَا الرجل من النّوم وَأثر السِّيَاط على ظَهره وَلم يزل وَكَانَ يبكي ويحكيه للنَّاس
وسنحكي مَنَام أبي الْحسن بن حرزهم المغربي الْمُتَعَلّق بِكِتَاب الْإِحْيَاء وَهُوَ نَظِير هَذَا
وَحكى لي بعض الْفُقَهَاء أهل الْخَيْر بالديار المصرية أَن شخصا تكلم فِي الْغَزالِيّ فِي درس الشَّافِعِي وسبه فَحمل هَذَا الحاكي من ذَلِك هما مفرطا وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى الْغَزالِيّ فِي النّوم فَذكر لَهُ مَا وجد من ذَلِك فَقَالَ لَا تحمل هما غَدا يَمُوت
فَلَمَّا أصبح توجه إِلَى درس الشَّافِعِي فَوجدَ ذَلِك الْفَقِيه قد حضر طيبا فِي عَافِيَة ثمَّ خرج من الدَّرْس فَلم يصل إِلَى بَيته إِلَّا وَقد وَقع من على الدَّابَّة وَدخل بَيته فِي حَال التّلف وَتُوفِّي آخر ذَلِك النَّهَار
وَمِمَّا يعد من كرامات الْغَزالِيّ أَيْضا أَن السُّلْطَان عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين صَاحب الْمغرب الملقب بأمير الْمُسلمين وَكَانَ أَمِيرا عادلا نزها فَاضلا عَارِفًا بِمذهب مَالك خيل إِلَيْهِ لما دخلت مصنفات الْغَزالِيّ إِلَى الْمغرب أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على الفلسفة المحضه
وَكَانَ الْمَذْكُور يكره هَذِه الْعُلُوم فَأمر بإحراق كتب الْغَزالِيّ وتوعد بِالْقَتْلِ من وجد عِنْده شَيْء مِنْهَا فاختلت حَاله وَظَهَرت فِي بِلَاده مَنَاكِير كَثِيرَة وقويت عَلَيْهِ الْجند وَعلم من نَفسه الْعَجز بِحَيْثُ كَانَ يَدْعُو الله بِأَن يقيض للْمُسلمين سُلْطَانا يقوى على أَمرهم وَقَوي عَلَيْهِ عبد الْمُؤمن بن عَليّ
وَلم يزل من حِين فعل بكتب الْغَزالِيّ مَا فعل فِي عكس ونكد إِلَى أَن توفّي(6/219)
وَمن الرِّوَايَة عَن حجَّة الْإِسْلَام سقى الله عَهده
قَرَأت على عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَافِظ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي عَن الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ أَنبأَنَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور فتح بن خلف السَّعْدِيّ أخبرنَا الإِمَام شهَاب الدّين ابو الْفَتْح مُحَمَّد بن مَحْمُود الطوسي أخبرنَا مُحي الدّين مُحَمَّد بن يحيى الْفَقِيه أخبرنَا حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ حَدثنَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد الشجاعي الزوزني بزوزن فِي دَاره قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب الْمُفَسّر حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد حفيد الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن عبد الله بن عَامر الطَّائِي بِالْبَصْرَةِ حَدثنِي أبي فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ حَدثنِي عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة حَدثنِي أبي مُوسَى بن جَعْفَر حَدثنِي أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنِي أبي عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنِي أبي الْحُسَيْن بن عَليّ حَدثنِي أبي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يظْهر قوم لَا خلاق لَهُم فِي الدّين شابههم فَاسق وشيخهم مارق وصبيهم عَارِم الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر فِيمَا بَينهم(6/220)
مستضعف وَالْفَاسِق وَالْمُنَافِق فِيمَا بَينهم مشرف إِن كنت غَنِيا وقروك وَإِن كنت فَقِيرا حقروك همازون لمازون يَمْشُونَ بالنميمة ويدسون بالخديعة أُولَئِكَ فرَاش نَار وذباب طمع وَعند ذَلِك يوليهم الله أُمَرَاء ظلمَة ووزراء خونة ورفقاء غشمة وتوقع عِنْد ذَلِك جَرَادًا شَامِلًا وَغَلَاء متلفا ورخصا مجحفا ويتتابع الْبلَاء كَمَا يتتابع الخرز من الخيظ إِذا انْقَطع)
هَذَا حَدِيث ضَعِيف واه
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ إِذْنا خَاصّا عَن أبي الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر عَن أبي المظفر عبد الرَّحِيم قَالَ أخبرنَا وَالِدي الْحَافِظ أَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أنشدنا أَبُو سعد مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس الخليلي إملاء بنوقان فِي الْجَامِع أنشدنا الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ
(ارفه ببال امرىء يمس على ثِقَة ... أَن الَّذِي خلق الأرزاق يرزقه)
(فالعرض مِنْهُ مصون لَا يدنسه ... وَالْوَجْه مِنْهُ جَدِيد لَيْسَ يخلقه)
(إِن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق فِي دهره شَيْئا يؤرقه)(6/221)
كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب الْمسند عَن الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الزُّهْرِيّ قَالَ أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الْملك بن مويه الْعَبدَرِي قَالَ أَنْشدني أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ قَالَ أَنْشدني أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لنَفسِهِ
(سقمي فِي الْحبّ عافيتي ... ووجودي فِي الْهوى عدمي)
(وَعَذَاب يرتضون بِهِ ... فِي فمي أحلى من النعم)
(مَا لضر فِي محبتكم ... عندنَا وَالله من ألم)
وَبِالسَّنَدِ إِلَى الْحَافِظ أبي عبد الله قَالَ قَرَأت على أبي الْقَاسِم بن الأسعد الْبَزَّار عَن يُوسُف بن أَحْمد الْحَافِظ قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بن أبي عبد الله الْجَوْهَرِي قَالَ أنشدنا لأبي حَامِد
(فقهاؤنا كذبالة النبراس ... هِيَ فِي الْحَرِيق وضوءها للنَّاس)
(خبر دميم تَحت رائق منظر ... كالفضة الْبَيْضَاء فَوق نُحَاس)(6/222)
أخبرنَا عَليّ بن الْفضل الْحَافِظ أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الأندي أَنْشدني أُميَّة بن أبي الصَّلْت أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد التكريتي أَنْشدني أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لنَفسِهِ
(حلت عقارب صُدْغه من خَدّه ... قمرا فجل بهَا عَن التَّشْبِيه)
(وَلَقَد عهدناه يحل ببرجها ... وَمن الْعَجَائِب كَيفَ حلت فِيهِ)
وَمِمَّا أنْشد فِيهِ أنْشد أَبُو حَفْص عَمْرو بن عبد الْعَزِيز بن عبيد بن يُوسُف الطرابلسي لنَفسِهِ
(هذب الْمَذْهَب حبر ... أحسن الله خلاصه)
(ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه)
وَقَالَ أَبُو المظفر الأبيوردي يرثيه
(بَكَى على حجَّة الْإِسْلَام حِين ثوى ... من كل حَيّ عَظِيم الْقدر أشرفه)
(فَمَا لمن يمتري فِي الله عبرته ... على أبي حَامِد لَاحَ يعنفه)
(تِلْكَ الرزية تستوهي قوي جلدي ... فالطرف تسهره والدمع تنزفه)(6/223)
(فَمَاله خله فِي الزّهْد تنكره ... وَمَا لَهُ شُبْهَة فِي الْعلم تعرفه)
(مضى فأعظم مَفْقُود فجعت بِهِ ... من لَا نَظِير لَهُ فِي النَّاس يخلفه)
وَقَالَ القَاضِي عبد الْملك بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمعَافى رَحِمهم الله تَعَالَى
(بَكَيْت بعيني واجم الْقلب واله ... فَتى لم يوال الْحق من لم يواله)
(وسيبت دمعا طَال مَا قد حَبسته ... وَقلت لجفني واله ثمَّ واله
(أَبَا حَامِد مُحي الْعُلُوم وَمن بَقِي ... صدى الدّين وَالْإِسْلَام وفْق مقاله)
ذكر عدد مصنفاته
لَهُ فِي الْمَذْهَب الْوَسِيط والبسيط وَالْوَجِيز وَالْخُلَاصَة
وَفِي سَائِر الْعُلُوم
كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين
وَكتاب الْأَرْبَعين
وَكتاب الْأَسْمَاء الْحسنى
والمستصفى فِي أصُول الْفِقْه(6/224)
والمنخول فِي أصُول الْفِقْه أَلفه فِي حَيَاة أستاذه إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وبداية الْهِدَايَة والمآخذ فِي الخلافيات
وتحصين المآخذ
وكيمياء السَّعَادَة بِالْفَارِسِيَّةِ
والمنقذ من الضلال
واللباب المنتخل فِي الجدل
وشفاء الغليل فِي بَيَان مسالك التَّعْلِيل
والاقتصاد فِي الِاعْتِقَاد
ومعيار النّظر
ومحك النّظر
وَبَيَان الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ
ومشكاة الْأَنْوَار
والمستظهري فِي الرَّد على الباطنية
وتهافت الفلاسفة
والمقاصد فِي بَيَان اعْتِقَاد الْأَوَائِل وَهُوَ مَقَاصِد الفلاسفة
وإلجام الْعَوام فِي علم الْكَلَام(6/225)
والغاية القصوي
وجواهر الْقُرْآن
وَبَيَان فضائح الإمامية
وغور الدّور فِي الْمَسْأَلَة السرجية وَهُوَ الْمُخْتَصر الْأَخير فِيهَا رَجَعَ فِيهِ عَن مُصَنفه الأول فِيهَا الْمُسَمّى بغاية الْغَوْر فِي دراية الدّور
وكشف عُلُوم الْآخِرَة
والرسالة القدسية
والفتاوى
وميزان الْعَمَل
وقواصم الباطنية وَهُوَ غير المستظهري فِي الرَّد عَلَيْهِم
وَحَقِيقَة الرّوح
وَكتاب أسرار معاملات الدّين
وعقيدة الْمِصْبَاح
والمنهج الْأَعْلَى
وأخلاق الْأَنْوَار
والمعراج
وَحجَّة الْحق
وتنبيه الغافلين(6/226)
والمكنون فِي الْأُصُول
ورسالة الأقطاب
وَمُسلم السلاطين
والقانون الْكُلِّي
والقربة إِلَى الله
ومعيار الْعلم
ومفصل الْخلاف فِي أصُول الْقيَاس
وأسرار اتِّبَاع السّنة
وتلبيس إِبْلِيس
والمبادى والغايات
والأجوبة
وَكتاب عجائب صنع الله
ورسالة الطير
الرَّد على من طَغى
ذكر الْمَنَام الَّذِي أبصره الإِمَام عَامر الساوي بِمَكَّة
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين سَمِعت الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام أَبَا الْقَاسِم سعد بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن أبي هُرَيْرَة الإسفرايني الصُّوفِي بِدِمَشْق قَالَ(6/227)
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الأوحد زين الْقُرَّاء جمال الْحرم أَبَا الْفَتْح عَامر بن نجا بن عَامر الْعَرَبِيّ الساوي بِمَكَّة حرسها الله يَقُول دخلت الْمَسْجِد الْحَرَام يَوْم الْأَحَد فِيمَا بَين الظّهْر وَالْعصر الرَّابِع عشر من شَوَّال سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ بِي نوعا تكسر ودوران رَأس بِحَيْثُ أَنِّي لَا أقدر أَن أَقف أوأجلس لشدَّة مَا بِي فَكنت أطلب موضعا أستريح فِيهِ سَاعَة على جَنْبي فَرَأَيْت بَاب بَيت الْجَمَاعَة للرباط الرامشتي عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة مَفْتُوحًا فقصدته وَدخلت فِيهِ وَوَقعت على جَنْبي الْأَيْمن بحذاء الْكَعْبَة المشرفة مفترشا يَدي تَحت خدي لكَي لَا يأخذني النّوم فتنتقض طهارتي فَإِذا رجل من أهل الْبِدْعَة مَعْرُوف بهَا جَاءَ وَنشر مُصَلَّاهُ على بَاب ذَلِك الْبَيْت وَأخرج لويحا من جيبه أَظُنهُ كَانَ من الْحجر وَعَلِيهِ كِتَابَة
فَقبله وَوَضعه بَين يَدَيْهِ وَصلى صَلَاة طَوِيلَة مُرْسلا يَدَيْهِ فِيهَا على عَادَتهم وَكَانَ يسْجد على ذَلِك اللويح فِي كل مرّة وَإِذا فرغ من صلَاته سجد عَلَيْهِ وَأطَال فِيهِ وَكَانَ يمعك خَدّه من الْجَانِبَيْنِ عَلَيْهِ ويتضرع فِي الدُّعَاء ثمَّ رفع رَأسه وفيله وَوَضعه على عَيْنَيْهِ ثمَّ قبله ثَانِيًا وَأدْخلهُ فِي جيبه كَمَا كَانَ(6/228)
قَالَ فَمَا رَأَيْت ذَلِك كرهته وَاسْتَوْحَشْت مِنْهُ ذَلِك وَقلت فِي نَفسِي لَيْت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيا فِيمَا بَيْننَا ليخبرهم بِسوء صنيعهم وَمَا هم عَلَيْهِ من الْبِدْعَة
وَمَعَ هَذَا التفكر كنت أطْرد النّوم عَن نَفسِي كي لَا يأخذني فتفسد طهارتي
فَبينا أَنا كَذَلِك إِذْ طَرَأَ عَليّ النعاس وغلبني فَكَأَنِّي بَين الْيَقَظَة والمنام فَرَأَيْت عَرصَة وَاسِعَة فِيهَا نَاس كَثِيرُونَ واقفون وَفِي يَد كل وَاحِد مِنْهُم كتاب مُجَلد وَقد تحلقوا كلهم على شخص فَسَأَلت النَّاس عَن حَالهم وَعَمن فِي الْحلقَة فَقَالُوا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَؤُلَاء أَصْحَاب الْمذَاهب يُرِيدُونَ أَن يقرءوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهمْ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويصححوها عَلَيْهِ
قَالَ فَبينا أَنا كَذَلِك أنظر إِلَى الْقَوْم إِذْ جَاءَ وَاحِد من أهل الْحلقَة وَبِيَدِهِ كتاب قيل إِن هَذَا هُوَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَدخل فِي وسط الْحلقَة وَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جماله وكماله متلبسا بالثياب الْبيض المغسولة النظيفة من الْعِمَامَة والقميص وَسَائِر الثِّيَاب على زِيّ أهل التصوف
فَرد عَلَيْهِ الْجَواب ورحب بِهِ وَقعد الشَّافِعِي بَين يَدَيْهِ وَقَرَأَ من الْكتاب مذْهبه واعتقاده عَلَيْهِ
وَبعد ذَلِك جَاءَ شخص آخر قيل هُوَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَبِيَدِهِ كتاب فَسلم وَقعد بِجنب الشَّافِعِي وَقَرَأَ من الْكتاب مذْهبه واعتقاده عَلَيْهِ(6/229)
ثمَّ أَتَى بعده كل صَاحب مَذْهَب إِلَى أَن لم يبْق إِلَّا الْقَلِيل وكل من يقْرَأ يعْقد بِجنب الآخر
فَلَمَّا فرغوا إِذا وَاحِد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جَاءَ وَفِي يَده كراريس غير مجلدة فِيهَا ذكر عقائدهم الْبَاطِلَة وهم أَن يدْخل الْحلقَة ويقرأها عل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج وَاحِد مِمَّن كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وزجره وَأخذ الكراريس من يَده وَرمى بهَا إِلَى خَارج الْحلقَة وطرده وأهانه
قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت أَن الْقَوْم قد فرغوا وَمَا بَقِي أحد يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا تقدّمت قَلِيلا وَكَانَ فِي يَدي كتاب مُجَلد فناديت وَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الْكتاب معتقدي ومعتقد أهل السّنة لَو أَذِنت لي حَتَّى أقرأه عَلَيْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأي شَيْء ذَاك
قلت يَا رَسُول الله هُوَ قَوَاعِد العقائد الَّذِي صنفه الْغَزالِيّ
فَإِذن لي بِالْقِرَاءَةِ فَقَعَدت وابتدأت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب قَوَاعِد العقائد وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي تَرْجَمَة عقيدة أهل السّنة فِي كلمتي الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أحد مباني الْإِسْلَام فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْحَمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يُرِيد ذِي الْعَرْش الْمجِيد والبطش الشَّديد الْهَادِي صفوة العبيد إِلَى الْمنْهَج الرشيد والمسلك السديد الْمُنعم عَلَيْهِم بعد شَهَادَة التَّوْحِيد بحراسة عقائدهم عَن ظلمات التشكيك والترديد السَّائِق بهم إِلَى اتِّبَاع رَسُوله الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واقتفاء صَحبه الأكرمين بالتأبيد والتسديد(6/230)
المتحلى لَهُم فِي ذَاته وأفعاله بمحاسن أَوْصَافه الَّتِي لَا يُدْرِكهَا إِلَّا من ألقِي السّمع وَهُوَ شَهِيد الْمُعَرّف إيَّاهُم فِي ذَاته أَنه وَاحِد لَا شريك لَهُ فَرد لامثل لَهُ صَمد لَا ضد لَهُ متفرد لاند لَهُ وَأَنه قديم لَا أول لَهُ أزلي لَا بداية لَهُ مُسْتَمر الْوُجُود لَا آخر لَهُ أبدي لَا نِهَايَة لَهُ قيوم لَا انْقِطَاع لَهُ دَائِم لَا انصرام لَهُ لم يزل وَلَا يزَال مَوْصُوفا بنعوت الْجلَال لَا يقْضى عَلَيْهِ بالانقضاء تصرم الآباد وانقراض الْآجَال بل هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن
التَّنْزِيه
وَأَنه لَيْسَ بجسم مُصَور وَلَا جَوْهَر مَحْدُود مُقَدّر
وَأَنه لَا يماثل الْأَجْسَام لَا فِي التَّقْدِير وَلَا فِي قبُول الانقسام
وَأَنه لَيْسَ بجوهر وَلَا تحله الْجَوَاهِر وَلَا بِعرْض وَلَا تحله الْأَعْرَاض بل لَا يماثل مَوْجُودا وَلَا يماثله مَوْجُود ولَيْسَ كمثله شَيْء ولاهو مثل شَيْء
وَأَنه لَا يحده الْمِقْدَار وَلَا تحويه الأقطار وَلَا تحيط بِهِ الْجِهَات وَلَا تكتنفه الأرضون وَالسَّمَوَات
وَأَنه اسْتَوَى على الْعَرْش على الْوَجْه الَّذِي قَالَه وبالمعنى الَّذِي أَرَادَهُ اسْتِوَاء منزها عَن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لَا يحملهُ الْعَرْش بل الْعَرْش وَحَمَلته محمولون بلطف قدرته ومقهورون فِي قَبضته وَهُوَ فَوق الْعَرْش وَفَوق كل شَيْء إِلَى تخوم الثرى فوقيه لَا تزيده قربا إِلَى الْعَرْش وَالسَّمَاء بل هُوَ رفيع الدَّرَجَات(6/231)
عَن الْعَرْش والسما كَمَا أَنه رفيع الدَّرَجَات عَن الثرى وَهُوَ مَعَ ذَلِك قريب من كل مَوْجُود وَهُوَ أقرب إِلَى العبيد من حَبل الوريد وَهُوَ على كل شَيْء شَهِيد إِذْ لَا يماثل قربه قرب الْأَجْسَام كَمَا لَا ثماثل ذَاته ذَات الْأَجْسَام
وَأَنه لَا يحل فِي شَيْء وَلَا يحل فِيهِ شَيْء تَعَالَى عَن أَن يحويه مَكَان كَمَا تقدس عَن أَن يحويه زمَان بل كَانَ قبل أَن خلق الزَّمَان وَالْمَكَان وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ
وَأَنه بَائِن من خلقه بصفاته وَلَيْسَ فِي ذَاته سواهُ وَلَا فِي سواهُ ذَاته
وَأَنه مقدس عَن التَّغَيُّر والانتقال لَا تحله الْحَوَادِث وَلَا تغيره الْعَوَارِض بل لَا يزَال فِي نعوت جَلَاله منزها عَن الزَّوَال وَفِي صِفَات كَمَاله مستغنيا عَن زِيَادَة الاستكمال
وَأَنه فِي ذَاته مَعْلُوم الْوُجُود بالعقول مرئي الذَّات بالأبصار نعْمَة مِنْهُ ولطفا بالأبرار فِي دَار الْقَرار وإتماما للنعيم بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم
الْقُدْرَة
وَأَنه حَيّ قَادر جَبَّار قاهر لَا يَعْتَرِيه قُصُور وَلَا عجز وَلَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَلَا يُعَارضهُ فنَاء وَلَا موت
وَأَنه ذُو الْملك والملكوت والعزة والجبروت لَهُ السُّلْطَان والقهر والخلق وَالْأَمر السَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ وَالْخَلَائِق مقهورون فِي قَبضته(6/232)
وَأَنه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الْخلق وأعمالهم وَقد أَرْزَاقهم وآجالهم لَا يشذ عَن قَبضته مَقْدُور وَلَا يعزب عَن قدرته تصاريف الْأُمُور لَا تحصى مقدوراته وَلَا تتناهى معلوماته
الْعلم
وَأَنه عَالم بِجَمِيعِ المعلومات مُحِيط علمه بِمَا يجْرِي فِي تخوم الْأَرْضين إِلَى أَعلَى السَّمَوَات لَا يعزب عَن علمه مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء بل يعلم دَبِيب النملة السَّوْدَاء على الصَّخْرَة الصماء فِي اللَّيْلَة الظلماء وَيدْرك حَرَكَة الذَّر فِي جو الْهَوَاء وَيعلم السِّرّ وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر بِعلم قديم أزلي لم يزل مَوْصُوفا فِي أزل الآزال لَا بِعلم متجدد حَاصِل فِي ذَاته بالحلول والانتقال
الْإِرَادَة
وَأَنه مُرِيد للكائنات مُدبر للحادثات لَا يجْرِي فِي الْملك والملكوت قَلِيل أَو كثير صَغِير أَو كَبِير خير أَو شَرّ نفع أَو ضرّ إِيمَان أَو كفر عرفان أَو نكر فوز أَو خسر زِيَادَة أَو نُقْصَان طَاعَة أَو عصيان كفر أَو إِيمَان إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقدره وَحكمه ومشيئته
فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن لَا يخرج عَن مَشِيئَته لفتة نَاظر وَلَا فلتة خاطر بل هُوَ المبدئ المعيد الفعال لما يُرِيد(6/233)
لَا راد لحكمة ولامعقب لقضائه وَلَا مهرب لعبد عَن مَعْصِيَته إِلَّا بتوفيقه وَرَحمته وَلَا قُوَّة على طَاعَته إِلَّا بمحبته وإرادته
لَو اجْتمع الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين على أَن يحركوا فِي الْعَالم ذرة أَو يسكنوها دون إِرَادَته ومشيئة عجزوا عَنهُ
وَأَن إِرَادَته قَائِمَة بِذَاتِهِ فِي جملَة صِفَاته لم يزل كَذَلِك مَوْصُوفا بهَا مرِيدا فِي أزله لوُجُود الْأَشْيَاء فِي أَوْقَاتهَا الَّتِي قدرهَا
فَوجدت فِي أَوْقَاتهَا كَمَا أَرَادَهُ فِي أزله من غير تقدم وَتَأَخر بل وَقعت على وفْق علمه وإرادته من غير تَبْدِيل وتغيير
دبر الْأُمُور لَا بترتيب افتكار وتربص زمَان فَلذَلِك لم يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن
السّمع وَالْبَصَر
وَأَنه تَعَالَى سميع بَصِير يسمع وَيرى لَا يعزب عَن سَمعه مسموع وَإِن خفى ولايغيب عَن رُؤْيَته مرئي وَإِن دق
لَا يحجب سَمعه بعد ولايدفع رُؤْيَته ظلام
يرى من غير حدقة وأجفان وَيسمع من غير أَصْمِخَة وآذان كَمَا يعلم بِغَيْر قلب ويبطش بِغَيْر جارحة ويخلق بِغَيْر آله إِذْ لَا تشبه صِفَاته صِفَات الْخلق كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَات الْخلق
الْكَلَام
وَأَنه مُتَكَلم آمُر ناه وَاعد متوعد بِكَلَام أزلي قديم قَائِم بِذَاتِهِ لَا يشبه(6/234)
كَلَام الْخلق فَلَيْسَ بِصَوْت يحدث من انسلال هَوَاء أَو اصطكاك أجرام وَلَا بِحرف يَنْقَطِع بإطباق شفة أَو تَحْرِيك لِسَان
وَأَن الْقُرْآن والتوارة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور كتبه الْمنزلَة على رسله
وَأَن الْقُرْآن مقروء بالألسنة مَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف مَحْفُوظ فِي الْقُلُوب
وَأَنه مَعَ ذَلِك قديم قَائِم بِذَات الله تَعَالَى لَا يقبل الِانْفِصَال والفراق بالانتقال إِلَى الْقُلُوب والأوراق
وَأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كَلَام الله بِغَيْر صَوت وَلَا بِحرف كَمَا يرى الْأَبْرَار ذَات الله تَعَالَى من غير جَوْهَر وَلَا عرض
وَإِذ كَانَت لَهُ هَذِه الصِّفَات كَانَ حَيا عَالما قَادِرًا مرِيدا سميعا بَصيرًا متكلما بِالْحَيَاةِ وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام لَا بِمُجَرَّد الذَّات
الْأَفْعَال
وَأَنه لَا مَوْجُود سواهُ إِلَّا وَهُوَ حَادث بِفِعْلِهِ وفائض من عدله على أحسن الْوُجُوه وأكملها وأتمها وأعدلها
وَأَنه حَكِيم فِي أَفعاله عَادل فِي أقضيته وَلَا يُقَاس عدله بِعدْل الْعباد إِذْ العَبْد يتَصَوَّر مِنْهُ الظُّلم بتصرفه فِي ملك غَيره وَلَا يتَصَوَّر الظُّلم من الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يُصَادف لغيره ملكا حَتَّى يكون تصرفه فِيهِ ظلما فَكل ماسواه من جن وإنس وَشَيْطَان وَملك وسماء وَأَرْض وحيوان ونبات وجوهر وَعرض ومدرك(6/235)
ومحسوس حَادث اخترعه بقدرته بعد الْعَدَم اختراعا وأنشأه بعد أَن لم يكن شَيْئا إِذْ كَانَ فِي الْأَزَل مَوْجُودا وَحده وَلم يكن مَعَه غَيره فأحدث الْخلق بعده إِظْهَار لقدرته وتحقيقا لماسبق من إِرَادَته وَحقّ فِي الْأَزَل من كَلمته لَا لافتقاره إِلَيْهِ وَحَاجته
وَأَنه تَعَالَى متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لَا عَن وجوب ومتطول بالإنعام والإصلاح لَا عَن لُزُوم
فَلهُ الْفضل وَالْإِحْسَان وَالنعْمَة والامتنان إِذْ كَانَ قَادِرًا على أَن يصب على عباده أَنْوَاع الْعَذَاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب وَلَو فعل ذَلِك لَكَانَ مِنْهُ عدلا وَلم يكن قبيحا ولاظلما
وَأَنه يثيب عباده على الطَّاعَات بِحكم الْكَرم والوعد لَا بِحكم الِاسْتِحْقَاق واللزوم إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ فعل وَلَا يتَصَوَّر مِنْهُ ظلم وَلَا يجب لأحد عَلَيْهِ حق
وَأَن حَقه فِي الطَّاعَات وَجب على الْخلق بإيجابه على لِسَانه أنبيائه لَا بِمُجَرَّد الْعقل وَلكنه بعث الرُّسُل وَأظْهر صدقهم بالمعجزات الظَّاهِرَة فبلغوا أمره وَنَهْيه ووعده ووعيده فَوَجَبَ على الْخلق تصديقهم فِيمَا جَاءُوا بِهِ
معنى الْكَلِمَة الثَّانِيَة وَهِي شَهَادَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَنه تَعَالَى بعث النَّبِي الْأُمِّي الْقرشِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برسالته إِلَى كَافَّة الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ وَالْإِنْس
قَالَ فَلَمَّا بلغت إِلَى هَذَا رَأَيْت البشاشة والبشر فِي وَجهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/236)
إِذْ انْتَهَيْت إِلَى نَعته وَصفته فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ أَيْن الْغَزالِيّ
فَإِذا بالغزالي كَأَنَّهُ وَاقِف على الْحلقَة بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ هَا أَنا ذَا يَا رَسُول الله
وَتقدم وَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَرد عَلَيْهِ الْجَواب وناوله يَده العزيزة وَالْغَزالِيّ يقبل يَده وَيَضَع خديه عَلَيْهَا تبركا بِهِ وَبِيَدِهِ العزيزة الْمُبَارَكَة ثمَّ قعد
قَالَ فَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر استبشارا بِقِرَاءَة أحد مثل مَا كَانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَوَاعِد العقائد
ثمَّ انْتَبَهت من النّوم وعَلى عَيْني أثر الدمع مِمَّا رَأَيْت من تِلْكَ الْأَحْوَال والمشاهدات والكرامات فَإِنَّهَا كَانَت نعْمَة جسيمة من الله تَعَالَى سِيمَا فِي أخر الزَّمَان مَعَ كَثْرَة الْأَهْوَاء
فنسأل الله تَعَالَى أَن يثبتنا على عقيدة أهل الْحق ويحيينا عَلَيْهَا ويمتنا عَلَيْهَا ويحشرنا مَعَهم وَمَعَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا فَإِنَّهُ بِالْفَضْلِ جدير وعَلى مَا يَشَاء قدير
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني هَذَا معنى ماحكى لي أَبُو الْفَتْح الساوي أَنه رَآهُ فِي الْمَنَام لِأَنَّهُ حَكَاهُ لي بالفارسة وترجمته أَنا بِالْعَرَبِيَّةِ
وتتمة الْفَصْل الأول من فُصُول قَوَاعِد العقائد الَّذِي يتم الِاعْتِقَاد بِهِ وَلم يتَّفق قِرَاءَته إِيَّاه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن الْمصلحَة إثْبَاته ليَكُون الِاعْتِقَاد تَاما فِي نَفسه غير نَاقص لمن أَرَادَ تَحْصِيله وَحفظه(6/237)
بعد قَوْله وَأَنه تَعَالَى بعث النَّبِي الْأُمِّي الْقرشِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برسالته إِلَى كَافَّة الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ وَالْإِنْس
فنسخ بشرعة الشَّرَائِع إِلَّا ماقرر وفضله على سَائِر الْأَنْبِيَاء وَجعله سيد الْبشر وَمنع كَمَال الْإِيمَان بِشَهَادَة التَّوْحِيد وَهُوَ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله مَا لم تقترن بِهِ شَهَادَة الرَّسُول وَهُوَ قَول مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألزم الْخلق تَصْدِيقه فِي جَمِيع مَا أخبر عَنهُ من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأَنه لَا يتَقَبَّل إِيمَان عبد حَتَّى يُوقن بِمَا أخبر عَنهُ بعد الْمَوْت
وأوله سُؤال مُنكر وَنَكِير وهما شخصان مهيبان هائلان يعقدان العَبْد فِي قَبره سويا ذَا روح وجسد فيسألانه عَن التَّوْحِيد والرسالة ويقولان من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك
وهما فتانا الْقَبْر وسؤالهما أول فتْنَة الْقَبْر بعد الْمَوْت
وَأَن يُؤمن بِعَذَاب الْقَبْر وَأَنه حق وَحكمه عدل على الْجِسْم وَالروح على مَا يَشَاء
ويؤمن بالميزان ذِي الكفتين وَاللِّسَان وَصفته فِي الْعظم أَنه مثل طباق السَّمَوَات وَالْأَرْض توزن فِيهِ الْأَعْمَال بقدرة الله تَعَالَى والسنج يَوْمئِذٍ مَثَاقِيل الذَّر والخردل تَحْقِيقا لتَمام الْعدْل(6/238)
وتطرح صَحَائِف الْحَسَنَات فِي صُورَة حَسَنَة فِي كفة النُّور فيثقل بهَا الْمِيزَان على قدر درجاتها عِنْد الله بِفضل الله تَعَالَى وتطرح صَحَائِف السَّيِّئَات فِي كفة الظلمَة فيخف بهَا الْمِيزَان بِعدْل الله تَعَالَى
وَأَن يُؤمن بِأَن الصِّرَاط حق وَهُوَ جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أحد من السَّيْف وأدق من الشعرة تزل عَلَيْهِ أَقْدَام الْكَافرين بِحكم الله فيهوى بهم إِلَى النَّار وَتثبت عَلَيْهِ أَقْدَام الْمُؤمنِينَ فيساقون إِلَى دَار الْقَرار
وَأَن يُؤمن بالحوض المورود حَوْض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ قبل دُخُول الْجنَّة وَبعد جَوَاز الصِّرَاط من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا أبدا عرضه مسيرَة شهر مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل حوله أَبَارِيق عَددهَا عدد نُجُوم السَّمَاء فِيهِ مِيزَابَانِ يصبَّانِ من الْكَوْثَر
ويؤمن بِيَوْم الْحساب وتفاوت الْخلق فِيهِ إِلَى مناقش فِي الْحساب وإِلَى مسامح فِيهِ وإِلَى من يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وهم المقربون فَيسْأَل من شَاءَ من الْأَنْبِيَاء عَن تَبْلِيغ الرسَالَة وَمن شَاءَ من الْكفَّار عَن تَكْذِيب الْمُرْسلين وَيسْأل المبتدعة عَن السّنة وَيسْأل الْمُسلمين عَن الْأَعْمَال
ويؤمن بِإِخْرَاج الْمُوَحِّدين من النَّار بعد الانتقام حَتَّى لَا يبْقى فِي جَهَنَّم موحد بِفضل الله تَعَالَى
ويؤمن بشفاعة الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْعلمَاء ثمَّ الشُّهَدَاء ثمَّ سَائِر الْمُؤمنِينَ كل على حسب جاهه ومنزلته
وَمن بَقِي من الْمُؤمنِينَ وَلم يكن لَهُ شَفِيع أخرج بِفضل الله تَعَالَى
وَلَا يخلد فِي النَّار مُؤمن بل يخرج مِنْهَا من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان
وَأَن يعْتَقد فضل الصَّحَابَة وتربيتهم وَأَن أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ رَضِي الله عَنْهُم(6/239)
وَأَن يحسن الظَّن بِجَمِيعِ الصَّحَابَة ويثنى عَلَيْهِم كَمَا أثنى الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ
فَكل ذَلِك مِمَّا وَردت بِهِ السّنة وَشهِدت بِهِ الْآثَار فَمن اعْتقد جَمِيع ذَلِك موقنا بِهِ كَانَ من أهل الْحق وعصابة السّنة وَفَارق رَهْط الضلال والبدعة
فنسأل الله تَعَالَى كَمَال الْيَقِين والثبات فِي الدّين لنا ولكافة الْمُسلمين إِنَّه أرْحم الرَّاحِمِينَ
وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
ذكر كَلَام الطاعنين على هَذَا الإِمَام ورده وَنقض عرى باطله وهده
قَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي مجيبا لمن سَأَلَهُ عَن حَال كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين ومصنفه هَذَا الرجل يَعْنِي الْغَزالِيّ وَإِن لم أكن قَرَأت كِتَابه فقد رَأَيْت تلامذته وَأَصْحَابه فَكل مِنْهُم يَحْكِي لي نوعا من حَاله وطريقته فأتلوح بهَا من مذْهبه وَسيرَته ماقام لي مقَام العيان
فَأَنا أقتصر على ذكر حَال الرجل وَحَال كِتَابه وَذكر جمل من مَذَاهِب الْمُوَحِّدين والفلاسفة والمتصوفة وَأَصْحَاب الإشارات فَإِن كِتَابه مُتَرَدّد بَين هَذِه الطرائق لَا يعدوها
ثمَّ أتبع ذَلِك بِذكر حيل أهل مَذْهَب على أهل مَذْهَب آخر
ثمَّ أبين عَن طرق الْغرُور وأكشف عَمَّا دفن من حبال الْبَاطِل ليحذر من الْوُقُوع فِي حبالة صائدة(6/240)
ثمَّ أثنى على الْغَزالِيّ فِي الْكَشْف وَقَالَ هُوَ أعرف بالفقه مِنْهُ بأصوله وَأما علم الْكَلَام الَّذِي هُوَ أصُول الدّين فَإِنَّهُ صنف فِيهِ أَيْضا وَلَيْسَ بالمستبحر فِيهَا وَلَقَد فطنت لسَبَب عدم استبحاره فِيهَا وَذَلِكَ أَنه قَرَأَ علم الفلسفة قبل استبحاره فِي فن أصُول الدّين فكسبته قِرَاءَة الفلسفة جَرَاءَة على الْمعَانِي وتسهيلا للهجوم على الْحَقَائِق لِأَن الفلاسفة تمر مَعَ خواطرها وَلَيْسَ لَهَا حكم شرع ترعاه وَلَا تخَاف من مُخَالفَة أَئِمَّة تتبعها
وعرفني بعض أَصْحَابه أَنه كَانَ لَهُ عكوف على رسائل إخْوَان الصَّفَا وَهِي إِحْدَى وَخَمْسُونَ رِسَالَة ومصنفها فيلسوف قد خَاضَ فِي علم الشَّرْع وَالْعقل فمزج مَا بَين العلمين وَذكر الفلسفة وحسنها فِي قُلُوب أهل الشَّرْع بِأَبْيَات يتلوها عِنْدهَا وَأَحَادِيث يذكرهَا ثمَّ كَانَ فِي هَذَا الزَّمَان الْمُتَأَخر رجل من الفلاسفة يعرف بِابْن سينا مَلأ الدُّنْيَا تآليف فِي علم الفلسفة وَهُوَ فِيهَا إِمَام كَبِير وَقد أدته قوته فِي الفلسفة إِلَى أَن حاول رد أصُول العقائد إِلَى علم الفلسفة وتلطف جهده حَتَّى تمّ لَهُ مَا لم يتم لغيره وَقد رَأَيْت جملا من دواوينه وَرَأَيْت هَذَا الْغَزالِيّ يعول عَلَيْهِ فِي أَكثر مَا يُشِير عَلَيْهِ من الفلسفة
ثمَّ قَالَ وَأما مَذَاهِب الصُّوفِيَّة فلست أَدْرِي على من عول فِيهَا
ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه عول على أبي حَيَّان التوحيدي
ثمَّ ذكر توهية أَكثر مَا فِي الْإِحْيَاء من الْأَحَادِيث وَقَالَ عَادَة المتورعين أَن لَا يَقُولُوا قَالَ مَالك قَالَ الشَّافِعِي فيما لم يثبت عِنْدهم(6/241)
ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه يستحسن أَشْيَاء مبناها على مَا لا حَقِيقِيَّة لَهُ مثل قَوْله فِي قصّ الْأَظْفَار أَن تبدأ بالسبابة لِأَن لَهَا الْفضل على بَقِيَّة الْأَصَابِع لكَونهَا المسبحة إِلَى أخر مَا ذكر من الْكَيْفِيَّة وَذكر فِيهِ أثرا
وَقَالَ من مَاتَ بعد بُلُوغه وَلم يعلم أَن الْبَارِي قديم مَاتَ مُسلما إِجْمَاعًا
قَالَ وَمن تساهل فِي حِكَايَة هَذَا الْإِجْمَاع الَّذِي الْأَقْرَب أَن يكون فِيهِ الْإِجْمَاع بعكس مَا قَالَ فحقيق أَن لَا يوثق بِمَا نقل
وَقد رَأَيْت لَهُ أَنه ذكر أَن فِي علومه هَذِه مَا لَا يسوغ أَن يودع فِي كتاب فليت شعري أَحَق هُوَ أَو بَاطِل فَإِن كَانَ بَاطِلا فَصدق وَإِن كَانَ حَقًا وَهُوَ مُرَاده بِلَا شكّ فَلم لَا يودع فِي الْكتب ألغموضه ودقته
قَالَ فَإِن كَانَ هُوَ فَمَا الْمَانِع أَن يفهمهُ عَلَيْهِ
هَذَا ملخص كَلَام الْمَازرِيّ
وَسَبقه إِلَى قريب مِنْهُ من الْمَالِكِيَّة أَبُو الْوَلِيد الطرطوشي فَذكر فِي رِسَالَة(6/242)
إِلَى ابْن مظفر فَأَما مَا ذكرت من أَمر الْغَزالِيّ فَرَأَيْت الرجل وكلمته فرأيته رجلا من أهل الْعلم قد نهضت بِهِ فضائله وَاجْتمعَ فِيهِ الْعقل والفهم وممارسة الْعُلُوم طول زَمَانه
ثمَّ بدا لَهُ الِانْصِرَاف عَن طَرِيق الْعلمَاء وَدخل فِي غمار الْعمَّال
ثمَّ تصوف فَهجر الْعُلُوم وَأَهْلهَا وَدخل فِي عُلُوم الخواطر وأرباب الْقُلُوب ووساوس الشَّيْطَان
ثمَّ شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وَجعل يطعن على الْفُقَهَاء والمتكلمين
وَلَقَد كَاد يَنْسَلِخ من الدّين فَلَمَّا عمل الْإِحْيَاء عمد يتَكَلَّم فِي عُلُوم الْأَحْوَال ومرامز الصُّوفِيَّة وَكَانَ غير أنيس بهَا وَلَا خَبِير بمعرفتها فَسقط على أم رَأسه وشحن كِتَابه بالموضوعات
انْتهى
وَأَنا أَتكَلّم على كَلَامهمَا ثمَّ أذكر كَلَام غَيرهمَا وأتعقبه أَيْضا وأجتهد أَن لَا أَتعدى طور الْإِنْصَاف وَأَن لَا يلحقني عرق الحمية والاعتساف
وأسأل الله الْإِمْدَاد بذلك والإسعاف فَمَا أحد مِنْهُم معاصرا لنا وَلَا قَرِيبا وَلَا بَيْننَا إِلَّا وصلَة الْعلم ودعوة الْخلق إِلَى جناب الْحق فَأَقُول أما الْمَازرِيّ فَقبل الْخَوْض مَعَه فِي الْكَلَام أقدم لَك مُقَدّمَة وَهِي أَن هَذَا الرجل كَانَ من أذكى المغاربة قريحة وأحدهم ذهنا بِحَيْثُ اجترأ على شرح الْبُرْهَان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ لغز الْأمة الَّذِي لَا يحوم نَحْو حماه وَلَا يدندن حول مغزاة إِلَّا غواص على الْمعَانِي ثاقب الذِّهْن مبرز فِي الْعلم(6/243)
وَكَانَ مصمما على مقالات الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ جليلها وحقيرها كبيرها وصغيرها لَا يتعداها ويبدع من خَالفه وَلَو فِي النزر الْيَسِير وَالشَّيْء الحقير
ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك مالكي الْمَذْهَب شَدِيد الْميل إِلَى مذْهبه كثير المناضلة عَنهُ
وَهَذَانِ الإمامان أَعنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وتلميذه الْغَزالِيّ وصلا من التَّحْقِيق وسعة الدائرة فِي الْعلم إِلَى الْمبلغ الَّذِي يعرف كل منصف بِأَنَّهُ مَا انْتهى إِلَيْهِ أحد بعدهمَا وَرُبمَا خالفا أَبَا الْحسن فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَالْقَوْم أَعنِي الأشاعرة لَا سِيمَا المغاربة مِنْهُم يستصعبون هَذَا الصنع وَلَا يرَوْنَ مُخَالفَة أبي الْحسن فِي نقير وَلَا قطمير وكأنما عناه الْغَزالِيّ بقوله ... وَرُبمَا ضعفا مَذْهَب مَالك فِي كثير من الْمسَائِل كَمَا فعلا فِي مَسْأَلَة الْمصَالح الْمُرْسلَة وَعند ذكر التَّرْجِيح بَين الْمذَاهب
فهذان أَمْرَانِ نفر الْمَازرِيّ مِنْهُمَا وينضم إِلَى ذَلِك أَن الطّرق شَتَّى مُخْتَلفَة وَقل مَا رَأَيْت سالك طَرِيق إِلَّا ويستقبح الطَّرِيق الَّتِي لم يسلكها وَلم يفتح عَلَيْهِ من قبلهَا وَيَضَع عِنْد ذَلِك من غَيره لَا ينجو من ذَلِك إِلَّا الْقَلِيل من أهل الْمعرفَة والتمكين
وَلَقَد وجدت هَذَا واعتبرته حَتَّى فِي مَشَايِخ الطَّرِيقَة
وَلَا يخفى أَن طَريقَة الْغَزالِيّ التصوف والتعمق فِي الْحَقَائِق ومحبة إشارات الْقَوْم وَطَرِيقَة الْمَازرِيّ الجمود على الْعبارَات الظَّاهِرَة وَالْوُقُوف مَعهَا وَالْكل حسن وَللَّه الْحَمد إِلَّا أَن اخْتِلَاف الطَّرِيقَيْنِ يُوجب تبَاين المزاجين وَبعد مابين القلبين(6/244)
لَا سِيمَا وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ من الْمُخَالفَة فِي الْمَذْهَب وتوهم الْمَازرِيّ أَنه يضع من مذْهبه وَأَنه يُخَالف شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ حَتَّى رَأَيْته أَعنِي الْمَازرِيّ قَالَ فِي شرح الْبُرْهَان فِي مَسْأَلَة خَالف فِيهَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَلَيْسَت من الْقَوَاعِد الْمُعْتَبرَة وَلَا الْمسَائِل المهمة من خطأ شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَهُوَ المخطأ وَأطَال فِي هَذَا
وَقَالَ فِي الْكَلَام على مَاهِيَّة الْعقل فِي أَوَائِل الْبُرْهَان وَقد حكى عَن الْأَشْعَرِيّ أَنه يَقُول الْعقل هُوَ الْعلم وَأَن الإِمَام رَضِي الله عَنهُ قَالَ مقَالَة الْحَارِث المحاسبي إِنَّه غريزة بعد أَن كَانَ فِي الشَّامِل ينكرها وَإنَّهُ إِنَّمَا رضيها لكَونه فِي آخر عمره قرع بَاب قوم آخَرين يُشِير إِلَى الفلاسفة
فليت شعري مَا فِي هَذِه الْمقَالة مِمَّا يدل على ذَلِك
وأعجب من هَذَا أَنه أَعنِي الْمَازرِيّ فِي أخر كَلَامه اعْترف بِأَن الإِمَام لَا ينحو نحوهم وَأخذ يجل من قدرَة وَله من هَذَا الْجِنْس كثير
فَهَذِهِ أُمُور توجب التنافر بَينهم وَتحمل الْمنصف على أَن لَا يسمع كَلَام الْمَازرِيّ فيهمَا إِلَّا بعد حجَّة ظَاهِرَة
وَلَا تحسب أننا نَفْعل ذَلِك إزراء بالمازري وحطا من قدره لَا وَالله بل بَينا بطرِيق الْوَهم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مَعْذُور فَإِن الْمَرْء إِذا ظن بشخص سوءا قَلما أمعن بعد ذَلِك فِي النّظر إِلَى كَلَامه بل يصير بِأَدْنَى لمحة أدلت يحمل أمره على السوء وَيكون مخطئا فِي ذَلِك إِلَّا من وفْق الله تَعَالَى مِمَّن برىء عَن الْأَغْرَاض وَلم يظنّ إِلَّا(6/245)
الْخَيْر وَتوقف عِنْد سَماع كل كلمة وَذَلِكَ مقَام لم يصل إِلَيْهِ إِلَّا الْآحَاد من الْخلق وَلَيْسَ الْمَازرِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هذَيْن الْإِمَامَيْنِ من هَذَا الْقَبِيل
وَقد رَأَيْت فعله فِي حق إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي مَسْأَلَة الاسترسال الَّتِي حكيناها فِي تَرْجَمَة الإِمَام فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَكَيف وهم على الإِمَام وَفهم عَنهُ مَالا يفهمهُ عَنهُ الْعَوام وَفَوق نَحوه سِهَام الملام
إِذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَأَقُول إِن مَا ادَّعَاهُ من أَنه عرف مذْهبه بِحَيْثُ قَامَ لَهُ مقَام العيان هُوَ كَلَام عَجِيب فَإنَّا لَا نستجير أَن نحكم على عقيدة أحد بِهَذَا الحكم فَإِن ذَلِك لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله وَلنْ تَنْتَهِي إِلَيْهِ القوانين وَالْأَخْبَار أبدا
وَقد وقفنا نَحن على غَالب كَلَام الْغَزالِيّ وتأملنا كتب أَصْحَابه الَّذين شاهدوه وتناقلوا أخباره وهم بِهِ أعراف من الْمَازرِيّ ثمَّ لم ننته إِلَى أَكثر من غَلَبَة الظَّن بِأَنَّهُ رجل أشعري المعتقد خَاضَ فِي كَلَام الصُّوفِيَّة
وَأما قَوْله وَذكر جملا من مَذَاهِب الْمُوَحِّدين والفلاسفة والمتصوفة وَأَصْحَاب الإشارات فَأَقُول إِن عني بالموحدين الَّذين يوحدون الله فالمسلمون أول دَاخل فيهم ثمَّ عطف الصُّوفِيَّة عَلَيْهِم يُوهم أَنهم لَيْسُوا مُسلمين وحاشا لله
وَإِن عني بِهِ أهل التَّوَكُّل على الله فهم من خير فرق الصُّوفِيَّة الَّذين هم من خير الْمُسلمين فَمَا وَجه عطف الصُّوفِيَّة عَلَيْهِم بعد ذَلِك
وَإِن أَرَادَ أهل الْوحدَة الْمُطلقَة الْمَنْسُوب كثير مِنْهُم إِلَى الْإِلْحَاد والحلول فمعاذ الله لَيْسَ الرجل فِي هَذَا الصوب وَهُوَ مُصَرح بتكفير هَذِه الفئة وَلَيْسَ فِي كِتَابه شَيْء من معتقداتهم(6/246)
وَأما قَوْله الْغَزالِيّ لَيْسَ بالمتبحر فِي علم الْكَلَام فَأَنا أوافقه على ذَلِك لكني أَقُول إِن قدمه فِيهِ راسخ وَلَكِن لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدمه فِي بَقِيَّة علومه هَذَا ظَنِّي
وَأما قَوْله إِنَّه اشْتغل فِي الفلسفة قبل استبحاره فِي فن الْأُصُول فَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك بل لم ينظر فِي الفلسفة إِلَّا بعد مَا استبحر فِي فن الْأُصُول وَقد أَشَارَ هُوَ أَعنِي الْغَزالِيّ إِلَى ذَلِك فِي كِتَابه المنقذ من الضلال وَصرح بِأَنَّهُ توغل فِي علم الْكَلَام قبل الفسلفة
ثمَّ قَول الْمَازرِيّ قَرَأَ علم الفلسفة قبل استبحاره فِي علم الْأُصُول بعد قَوْله إِنَّه لم يكن بالمستبحر فِي الْأُصُول كَلَام يُنَاقض أَوله آخِره
وَأما دَعْوَاهُ أَنه تجرأ على الْمعَانِي فَلَيْسَتْ لَهُ جرْأَة إِلَّا حَيْثُ دله الشَّرْع ويدعى خلاف ذَلِك من لَا يعرف الْغَزالِيّ ولايدري مَعَ من يتحدث
وَمن الْجَهْل بِحَالهِ دَعْوَى أَنه اعْتمد على كتب أبي حَيَّان التوحيدي وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَلم يكن عمدته فِي الْإِحْيَاء بعد معارفة وعلومه وتحقيقاته الَّتِي جمع بهَا شَمل الْكتاب ونظم بهَا محاسنه إِلَّا على كتاب قوت الْقُلُوب لأبي طَالب الْمَكِّيّ وَكتاب الرسَالَة للأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الْمجمع على جلالتهما وجلالة مصنفيهما
وَأما ابْن سينا فالغزالي يكفره فَكيف يُقَال إِنَّه يقْتَدى بِهِ
وَلَقَد صرح فِي كتاب المنقذ من الضلال أَنه لَا شيخ لَهُ فِي الفلسفة وسنحكي كَلَامه فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَوله لَا أَدْرِي على من عول فِي التصوف
قلت عول على كتاب الْقُوت والرسَالَة مَعَ مَا ضم إِلَيْهِمَا من كَلَام مشايخه أَي على العلائي وَأَمْثَاله وَمَعَ مَا زَاده من قبل نَفسه بفكره وَنَظره(6/247)
وَمَا فتح بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدِي أغلب مَا فِي الْكتاب وَلَيْسَ فِي الْكتاب للفلاسفة مدْخل وَلم يصنفه إِلَّا بعد مَا ازدرى علومهم وَنهى عَن النّظر فِي كتبهمْ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي غير مَوضِع من الْإِحْيَاء
ثمَّ فِي كتاب المنقذ من الضلال مَا نَصه ثمَّ إِنِّي لما ابتدأت بعد الْفَرَاغ من علم الْكَلَام بِعلم الفلسفة وَعلمت يَقِينا أَنه لَا يقف على فَسَاد نوع من الْعُلُوم من لَا يقف على مُنْتَهى ذَلِك الْعلم حَتَّى يُسَاوِي أعلمهم فِي أصل الْعلم ثمَّ يزِيد عَلَيْهِ ويجاوز دَرَجَته فَيطلع على مَا لم يطلع عَلَيْهِ صَاحب الْعلم من غور وغائلة فَإذْ ذَاك يُمكن أَن يكون مَا يَدعِيهِ من فَسَاده حَقًا وَلم أر أحدا من عُلَمَاء الْإِسْلَام وَجه عنايته إِلَى ذَلِك وَلم يكن فِي كتب الْمُتَكَلِّمين من كَلَامهم حَيْثُ اشتغلوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِم إِلَّا كَلِمَات معقدة مبددة ظَاهِرَة النتاقض وَالْفساد وَلَا يظنّ الِاعْتِرَاف بهَا عَاقل عَامي فضلا عَمَّن يَدعِي دقائق الْعُلُوم
فَعلمت أَن رد هَذَا الْمَذْهَب قبل فهمه والاطلاع على كنهه يَرْمِي فِي عماية فشمرت عَن سَاق الْجد فِي تَحْصِيل ذَلِك الْعلم من الْكتب بِمُجَرَّد المطالعة من غير استعانة بأستاذ وَتعلم
فَأَقْبَلت على ذَلِك فِي أَوْقَات فراغي من التدريس والتصنيف فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَأَنا مهتم بالتدريس والإفادة لبل غلَّة نفر من الطّلبَة بِبَغْدَاد فأطلعني الله تَعَالَى(6/248)
بِمُجَرَّد المطالعة فِي هَذِه الْأَوْقَات على مُنْتَهى علومهم فِي أقل من سنتَيْن
ثمَّ لم أزل أواظب على التفكر فِيهِ بعد فهمه قَرِيبا من سنة أعاوده وأراودوه وأتفقد غوائله وأغواره حَتَّى اطَّلَعت على مَا فِيهِ من خداع وتلبيس وَتَحْقِيق وتحيل اطلاعا لم أَشك فِيهِ
فاسمع الْآن حكايتي وحكاية حَاصِل علومهم فَإِنِّي رَأَيْت أصنافا وَرَأَيْت علومهم أقساما وهم على كَثْرَة أصنافهم تلزمهم وجهة الْكفْر والإلحاد وَإِن كَانَ بَين القدماء مِنْهُم والأقدمين والأواخر مِنْهُم والأوائل تفَاوت عَظِيم فِي الْبعد عَن الْحق والقرب مِنْهُ
انْتهى
وَقَالَ بعده فصل فِي بَيَان أصنافهم وشمول سمة الْكفْر كافتهم
واندفع فِي ذَلِك
فَهَذَا رجل يُنَادي على كَافَّة الفلاسفة بالْكفْر وَله فِي الرَّد عَلَيْهِم الْكتب الفائقة وَفِي الذب عَن حَرِيم الْإِسْلَام الْكَلِمَات الرائقة ثمَّ يُقَال إِنَّه بني كِتَابه على نالتهم فيا لله وَيَا للْمُسلمين نَعُوذ بِاللَّه من تعصب يحمل على الوقيعة فِي أَئِمَّة الدّين
وَأما مَا عَابَ بِهِ الْإِحْيَاء من توهنه بعض الْأَحَادِيث فالغزالي مَعْرُوف بِأَنَّهُ لم تكن لَهُ فِي الحَدِيث يَد باسطة وَعَامة مَا فِي الْإِحْيَاء من الْأَخْبَار والْآثَار مبدد فِي كتب من سبقه من الصُّوفِيَّة وَالْفُقَهَاء وَلم يسند الرجل لحَدِيث وَاحِد وَقد اعتنى بتخريج أَحَادِيث الاحياء بعض أَصْحَابنَا فَلم يشذ عَنهُ إِلَّا الْيَسِير
وسأذكر جملَة من أَحَادِيثه الشاذة استفادة(6/249)
وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي بعض قصّ الْأَظْفَار فَالْأَمْر الْمشَار إِلَيْهِ يروي عَن عَليّ كرم الله وَجهه غير أَنه لم يثبت وَلَيْسَ فِي ذَلِك كَبِير أَمر وَلَا مُخَالفَة شرع وَقد سَمِعت جمَاعَة من الْفُقَرَاء يذكرُونَ أَنهم جربوه فوجدوه لَا يخطىء من داومة أَمن من وجع الْعين
ويروون من شعر عَليّ كرم الله وَجهه هَذَا
(أبدا بيمناك وبالخنصر ... فِي قصّ أظفارك واستبصر)
(وَاخْتِمْ بسبابتها هَكَذَا ... لَا تفعل فِي الرجل ولاتمتر)
(وابدا ليسراك بإبهامها ... والأصبع الْوُسْطَى وبالخنصر)
(وَيتبع الْخِنْصر سبابة ... بنصرها خَاتِمَة الْأَيْسَر)
(هَذَا أَمَان لَك قد حُزْته ... من رمد الْعين كَمَا قد قرى)
وَأما قَول الْمَازرِيّ عَادَة المتورعين أَن لَا يَقُولُوا قَالَ مَالك إِلَى آخِره فَلَيْسَ مَا قَالَ الْغَزالِيّ قَالَ سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل الْجَزْم وَإِنَّمَا يَقُول عزو بِتَقْدِير الْجَزْم فَلَو لم يغلب على ظَنّه لم يقلهُ وغايته أَنه لَيْسَ الْأَمر على مَا ظن
وسنعقد فضلا للأحاديث الْمُنكرَة فِي كتاب الْإِحْيَاء
وَأما مَسْأَلَة من مَاتَ وَلم يعلم قدم الْبَارِي فَفرق بَين عدم اعْتِقَاد بالقدم واعتقاد أَن لَا قدم وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أَجمعُوا على تكفيره من اعتقده
فَمن استحضر بذهنه صفة الْقدَم ونفاها عَن الْبَارِي وأوجبهَا منفية أوشك فِي انتفائها كَانَ كَافِرًا
وَأما الساذج فِي مَسْأَلَة الْقدَم الْخَالِي الْخُلُو الْمُؤمن بِاللَّه على الْجُمْلَة(6/250)
فَهُوَ الَّذِي ادّعى الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع على أَنه مُؤمن على الْجُمْلَة نَاجٍ من حَيْثُ مُطلق الْإِيمَان الْجملِي
وَمن البلية الْعُظْمَى والمصيبة الْكُبْرَى أَن يُقَال عَن مثل الْغَزالِيّ إِنَّه غير موثوق بنقله فَمَا أَدْرِي مَا أَقُول وَلَا بِأَنِّي يلقى الله يعْتَقد ذَلِك فِي هَذَا الإِمَام
وَأما تَقْسِيم الْمَازرِيّ فِي الْعلم الَّذِي أَشَارَ حجَّة الْإِسْلَام أَنه لَا يودع فِي كتاب فوددت لَو لم يذكرهُ فَإِنَّهُ شبه عَلَيْهِ
وَهَذَا الْمَازرِيّ كَانَ رجلا فَاضلا ركنا ذكيا وَمَا كنت أَحْسبهُ يَقع فِي مثل هَذَا أَو خَفِي عَلَيْهِ أَن للعلوم دقائق نهى الْعلمَاء عَن الإفصاح بهَا خشيَة على ضعفاء الْخلق وَأُمُور أخر لاتحيط بهَا الْعبارَات وَلَا يعرفهَا إِلَّا أهل الذَّوْق وَأُمُور أخر لم يَأْذَن الله فِي إظهارها لحكم تكْثر عَن الإحصاء
وماذا يَقُول الْمَازرِيّ فِيمَا خرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي الطُّفَيْل سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ يَقُول حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله
وَكم مَسْأَلَة نَص الْعلمَاء عَن عدم الإفصاح بهَا خشيَة على إفضاح من لَا يفهمها
وَهَذَا إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِن الْأَجِير الْمُشْتَرك لَا يضمن
قَالَ الرّبيع وَكَانَ لَا يبوح بِهِ خوفًا من أجِير السوء
قَالَ الرّبيع أَيْضا وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يذهب إِلَى أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَكَانَ لَا يبوح بِهِ مَخَافَة قُضَاة السوء(6/251)
فقد لَاحَ لَك بِهَذَا أَنه رُبمَا وَقع السُّكُوت عَن بعض الْعلم خشيَة من الْوُقُوع فِي مَحْذُور وَمثل ذَلِك يكثر
وَأما كَلَام الطرطوشي فَمن الدعاوي الْعَارِية عَن الْأَدِلَّة وَمَا أَدْرِي كَيفَ استجار فِي دينه أَن ينْسب هَذَا الحبر إِلَى أَنه دخل فِي وسواس الشَّيْطَان وَلَا من أَيْن أطلع على ذَلِك وَأما قَوْله شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج فَلَا أَدْرِي أَي رموز فِي هَذَا الْكتاب غير إشارات الْقَوْم الَّتِي لَا ينكرها عَارِف وَلَيْسَ للحلاج رموز يعرف بهَا
وَأما قَوْله كَاد يَنْسَلِخ من الدّين فيالها كلمة وقانا الله شَرها
وَأما دَعْوَاهُ أَنه غير أنيس بعلوم الصُّوفِيَّة فَمن الْكَلَام الْبَارِد فَإِنَّهُ لَا يرتاب ذُو نظر بِأَن الْغَزالِيّ كَانَ ذَا قدم راسخ فِي التصوف وليت شعري إِن لم يكن الْغَزالِيّ يدْرِي التصوف فَمن يدريه
وَأما دَعْوَاهُ أَنه سقط على أم رَأسه فوقيعة فِي الْعلمَاء يُغير دلَالَة فَإِنَّهُ لم يذكر لنا بِمَاذَا سقط
كَفاهُ الله وإيانا غائلة التعصب
وَأما الموضوعات فِي كِتَابه فليت شعري أهوَ واضعها حَتَّى يُنكر عَلَيْهِ إِن هَذَا إِلَّا تعصب بَارِد وتشنيع بِمَا لَا يرتضيه ناقد
وَلَقَد ماجوا فِي هَذَا الْإِحْيَاء الَّذِي لَا يَنْبَغِي لعالم أَن يُنكر مكانته فِي الْحسن والإفادة وَلَقَد قَالَ بعض الْمُحَقِّقين لَو لم يكن للنَّاس فِي الْكتب الَّتِي صنفها الْفُقَهَاء الجامعون فِي تصانيفهم بَين النَّقْل وَالنَّظَر والفكر والأثر غَيره لكفى(6/252)
وَهُوَ من الْكتب الَّتِي يَنْبَغِي للْمُسلمين الاعتناء بهَا وإشاعتها ليهتدي بهَا كثير من الْخلق وقلما ينظر فِيهِ نَاظرا إِلَّا وتيقظ بِهِ فِي الْحَال رزقنا الله بَصِيرَة ترينا وَجه الصَّوَاب ووقانا شَرّ مَا هُوَ بَيْننَا وَبَينه حجاب
وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح فِي حق الْغَزالِيّ كَلَام لَا نرتضيه ذكره على الْمنطق تكلمنا عَلَيْهِ فِي أَوَائِل شرحنا للمختصر لِابْنِ الْحَاجِب
وَكتب إِلَى مرّة الخافظ عفيف الدّين المطري الْمُقِيم بِمَدِينَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا سَأَلَني أَن أسَال الشَّيْخ الإِمَام رَأْيه فَذكرت لَهُ ذَلِك فَكتب إِلَيّ الْجَواب بِمَا نَصه الْحَمد لله
الْوَلَد عبد الْوَهَّاب بَارك الله فِيهِ
وقفت على مَا ذكرت مِمَّا سَأَلَ عَنهُ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْقدْوَة عفيف الدّين المطري نفع الله بِهِ فِي تَرْجَمَة الْغَزالِيّ وَأبي حَيَّان التوحيدي وَمَا ذكرته أَنْت فِي الطَّبَقَات فِي تَرْجَمَة التوحيدي وَمَا عِنْدِي فِيهِ أَكثر من ذَلِك فتكتبه لَهُ وَكَذَلِكَ الْغَزالِيّ مَا عِنْدِي فِيهِ زِيَادَة على مَا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره مِمَّن تَرْجمهُ وماذا يَقُول الْإِنْسَان فِيهِ وفضله واسْمه قد طبق الأَرْض وَمن خبر كَلَامه عرف أَنه فَوق اسْمه
وَأما مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح وَمَا ذكره من عِنْد نَفسه وَمن كَلَام يُوسُف الدِّمَشْقِي والمازري فَمَا أشبه هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة رَحِمهم الله إلابقوم متعبدين(6/253)
سليمَة قُلُوبهم قد ركنوا إِلَى الهوينا فَرَأَوْا فَارِسًا عَظِيما من الْمُسلمين قد رأى عدوا عَظِيما لأهل الْإِسْلَام فَحمل عَلَيْهِم وانغمس فِي صفوفهم وَمَا زَالَ فِي غمرتهم حَتَّى فل شوكتهم وكسرهم وَفرق جموعهم شذر بذر وفلق هام كَثِيرَة مِنْهُم فَأَصَابَهُ يسير من دِمَائِهِمْ وَعَاد سالما فرأوه وَهُوَ يغسل الدَّم عَنهُ ثمَّ دخل مَعَهم فِي صلَاتهم وعبادتهم فتوهموا أَيْضا أثر الدَّم عَلَيْهِ فأنكروا عَلَيْهِ
هَذَا حَال الْغَزالِيّ وحالهم وَالْكل إِن شَاءَ الله مجتمعون فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر
وَأما الْمَازرِيّ ... ... لِأَنَّهُ مغربي وَكَانَت المغاربة لما وَقع بهم كتاب الْإِحْيَاء لم يفهموه فحرفوه فَمن تِلْكَ الْحَالة تكلم الْمَازرِيّ
ثمَّ إِن المغاربة بعد ذَلِك أَقبلُوا عَلَيْهِ ومدحوه بقصائد مِنْهُ قصيدة
(أباحامد أَنْت الْمُخَصّص بِالْحَمْد ... وَأَنت الَّذِي علمتنا سنَن الرشد)
(وضعت لنا الْإِحْيَاء تحي نفوسنا ... وتنقدنا من ربقة المارد المردي)
وَهِي طَوِيلَة وَإِن كنت لَا أرتضي قَوْله أَنْت الْمُخَصّص بِالْحَمْد ويتأول لفاعليه أَنه من بَين أقرانه أَو من بَين من يتَكَلَّم فِيهِ
وَأَيْنَ نَحن من فَوْقنَا وفوقهم من فهم كَلَام الْغَزالِيّ أَو الْوُقُوف على مرتبته فِي الْعلم وَالدّين والتأله
وَلَا يُنكر فضل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وفقهه وَحَدِيثه وَدينه وقصده الْخَيْر وَلَكِن لكل عمل رجال(6/254)
وَلَا يُنكر علو مرتبَة الْمَازرِيّ وَلَكِن كل حَال لَا يعرفهُ من لم يذقه أَو يشرف عَلَيْهِ وكل أحد إِنَّمَا يتكيف بِمَا نَشأ عَلَيْهِ وَوصل إِلَيْهِ
وأمامن ذكر أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي هَذَا الْمقَام فَالله يوفقنا وأياه لفهم مقامهما على قَدرنَا وَأما على قدرهما فمستحيل بل وَسَائِر الصَّحَابَة لَا يصل أحد مِمَّن بعدهمْ إِلَى مرتبتهم لِأَن أَكثر الْعُلُوم الَّتِي نَحن نبحث وندأب فِيهَا اللَّيْل وَالنَّهَار حَاصِلَة عِنْدهم بِأَصْل الْخلقَة من اللُّغَة والنحو والتصريف وأصول الْفِقْه
مَا عِنْدهم من الْعُقُول الراجحة وَمَا أَفَاضَ الله عَلَيْهِم من نور النُّبُوَّة العاصم من الْخَطَأ فِي الْفِكر يُغني عَن الْمنطق وَغَيره من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة
وَمَا ألف الله بَين قُلُوبهم حَتَّى صَارُوا بنعمته أخوانا يُغني عَن الاستعداد للمناظرة والمجادلة فَلم يكن يَحْتَاجُونَ فِي علومهم إِلَّا إِلَى مايسمعونه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكتاب وَالسّنة فيفهمونه أحسن فهم ويحملونه على أحسن محمل وينزلونه مَنْزِلَته وَلَيْسَ بَينهم من يمارى فِيهِ وَلَا يُجَادِل وَلَا بِدعَة وَلَا ضَلَالَة
ثمَّ التابعون على مَنَازِلهمْ ومنوالهم قَرِيبا مِنْهُم ثمَّ أتباعهم وهم الْقُرُون الثَّلَاثَة الَّتِي شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا بِأَنَّهَا خير الْقُرُون بعده
ثمَّ نَشأ بعدهمْ وَكَانَ قَلِيلا فِي أثْنَاء الثَّانِي وَالثَّالِث أَصْحَاب بدع وضلالات فاحتاجت الْعلمَاء من أهل السّنة إِلَى مقاومتهم ومجادلتهم ومناظرتهم حَتَّى لَا يلبسوا على الضُّعَفَاء أَمر دينهم وَلَا يدخلُوا فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ
وَدخل فِي الْكَلَام أهل الْبدع من كَلَام المنطقين وَغَيرهم من أهل الْإِلْحَاد شَيْء كثير ورتبوا علينا شبها كَثِيرَة فَإِن تركناهم وَمَا يصنعون استولوا على كثير من الضُّعَفَاء وعوام الْمُسلمين والقاصرين من فقهائهم وعلمائهم فأضلوهم وغيروا مَا عِنْدهم من الاعتقادات الصَّحِيحَة وانتشرت الْبدع والحوادث وَلم يُمكن كل وَاحِد أَن يقاومهم(6/255)
وَقد لَا يفهم كَلَامهم لعدم اشْتِغَاله بِهِ وَإِنَّمَا يرد الْكَلَام من يفهمهُ وَمَتى لم يرد عَلَيْهِ تعلو كَلمته ويعتقد الجهلاء والأمراء والملوك والمستولون على الرّعية صِحَة كَلَام ذَلِك المبتدع كَمَا اتّفق فِي كثير من الْأَعْصَار وَقصرت همم النَّاس عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ المتقدمون
فَكَانَ الوجب أَن يكون فِي النَّاس من يحفظ الله بِهِ عقائد عباده الصَّالِحين وَيدْفَع بِهِ شبه الْمُلْحِدِينَ وأجره أعظم من أجر الْمُجَاهِد بِكَثِير ويحفظ أجر بَقِيَّة النَّاس عبادات المتعبدين واشتغال الْفُقَهَاء والمحدثين والمقرئين والمفسرين وَانْقِطَاع الزاهدين
(لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ... وَلَا الصبابة إِلَّا من يعانيها)
واللائق بِابْن الصّلاح وَأَمْثَاله أَن يشْكر الله على مَا أنعم بِهِ من الْخَيْر وَمَا قيض الله لَهُ من الْغَزالِيّ وَأَمْثَاله الَّذين تقدموه حَتَّى حفظوا لَهُ مايتعبد بِهِ وَمَا يشْتَغل بِهِ
وَمَا يحْتَمل هَذَا الْموضع بسط القَوْل فِي ذَلِك
وَإِذا كَانَ فِي الْإِحْيَاء أَشْيَاء يسيرَة تنتقد لَا تدفع محَاسِن أَكْثَره الَّتِي لَا تُوجد فِي كتاب غَيره وَكم من مِنْهُ للغزالي وَسَوَاء عرف من أَخذ عَنهُ التصوف أم لَا فالاعتقادات هِيَ هبة من الله تَعَالَى وَلَيْسَت رِوَايَة انْتهى
وَمَا أَشرت إِلَيْهِ من كَلَام ابْن الصّلاح فِي الْغَزالِيّ هُوَ مَا ذكره فِي الطَّبَقَات من إِنْكَاره عَلَيْهِ الْمنطق وَقَوله فِي أول الْمُسْتَصْفى هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا وَمن لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة بمعلومه أصلا
ثمَّ حكايته كَلَام الْمَازرِيّ وَقد أوردناه(6/256)
وَذكر ابْن الصّلاح أَن كتاب المضنون الْمَنْسُوب إِلَيْهِ معَاذ الله أَن يكون لَهُ وَبَين سَبَب كَونه مُخْتَلفا مَوْضُوعا عَلَيْهِ
وَالْأَمر كَمَا قَالَ وَقد اشْتَمَل المضنون على التَّصْرِيح بقدم الْعَالم وَنفى الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات وَنفى الصِّفَات وكل وَاحِدَة من هَذِه يكفر الْغَزالِيّ قَائِلهَا هُوَ وَأهل السّنة أَجْمَعُونَ وَكَيف يتَصَوَّر أَنه يَقُولهَا
وَمِمَّا حكى واشتهر عَن الشَّيْخ الْعَارِف أبي الْحسن الشاذلي وَكَانَ سيد عصره وبركة زَمَانه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَقد باهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام بإلإمام الْغَزالِيّ
وَقَالَ أَفِي أمتيكما حبر كَهَذا
قَالَا لَا
وَسُئِلَ السَّيِّد الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه سيد وقته أَيْضا أَبُو الْعَبَّاس المرسي تلميذ الشَّيْخ أبي الْحسن عَن الْغَزالِيّ فَقَالَ أَنا أشهد لَهُ بالصديقية الْعُظْمَى
وَعَن الشَّيْخ الْكَبِير الْجَلِيل الْعَارِف بِاللَّه أوحد الْأَوْلِيَاء أبي الْعَبَّاس(6/257)
أَحْمد بن أبي الْخَيْر اليمني الْمَعْرُوف بالصياد وَهُوَ من أَوْلِيَاء الله بِبِلَاد الْيمن أرَاهُ فِي حُدُود الْخمسين والخمسمائة أَنه رأى فِي بعض الْأَيَّام وَهُوَ قَاعد أَبْوَاب السَّمَاء مفتحة وَإِذا بعصبة من الْمَلَائِكَة قد نزلُوا إِلَى الأَرْض وَمَعَهُمْ خلع خضر ودابة من الدَّوَابّ فوقفوا على رَأس قبرمن الْقُبُور وأخرجوا شخصا من قَبره وألبسوه الْخلْع وأركبوه على الدَّابَّة وصعدوا بِهِ إِلَى السَّمَاء ثمَّ لم يزَالُوا يصعدون بِهِ من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى جاوزا السَّبع السَّمَوَات كلهاوخرق بعْدهَا سبعين حِجَابا
قَالَ فتعجبت من ذَلِك وَأَرَدْت معرفَة ذَلِك الرَّاكِب فَقيل لي هُوَ الْغَزالِيّ وَلَا علم لي إِلَى أَيْن بلغ انتهاؤه
قلت فَإِذا كَانَ هَذَا كَلَام أهل الله ومرائيهم فِي هَذَا الحبر وَقد قدمنَا كَلَام أهل الْعلم من معاصريه فَمن بعدهمْ فِيهِ وَذكرنَا الْيَسِير من سيرته فَكيف يسوغ أَن يُقَال إِنَّه كَاد يَنْسَلِخ من الدّين
وَلَقَد وَقعت فِي بِلَاد الْمغرب بِسَبَب الْإِحْيَاء فتن كَثِيرَة وتعصب أُدي إِلَى أَنهم كَادُوا يحرقونه وَرُبمَا وَقع إحراق يسير وَقد قدمنَا من ذَلِك شَيْئا
ذكر مَنَام أبي الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن حرزهم
وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن حرزهم بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا زَاي وَرُبمَا قيل ابْن حرازهم(6/258)
لماوقف على الْإِحْيَاء تَأمل فِيهِ ثمَّ قَالَ هَذَا بِدعَة مُخَالف للسّنة
وَكَانَ شَيخا مُطَاعًا فِي بِلَاد الْمغرب فَأمر بإحضار كل مَا فِيهَا من نسخ الْإِحْيَاء وَطلب من السُّلْطَان أَن يلْزم النَّاس بذلك فَكتب إِلَى النواحي وشدد فِي ذَلِك وتوعد من أخْفى شَيْئا مِنْهُ فأحضر النَّاس مَا عِنْدهم وَاجْتمعَ الْفُقَهَاء ونظروا فِيهِ ثمَّ أجمعوا على إحراقه يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة رأى أَبُو الْحسن المذعور فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ دخل من بَاب الْجَامِع الَّذِي عَادَته يدْخل مِنْهُ فَرَأى فِي ركن الْمَسْجِد نورا وَإِذا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا جُلُوس وَالْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ قَائِم وَبِيَدِهِ الْإِحْيَاء فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا خصمي
ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ وزحف عَلَيْهِمَا إِلَى أَن وصل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَاوَلَهُ كتاب الْإِحْيَاء وَقَالَ يَا رَسُول الله انْظُر فِيهِ فَإِن كَانَ بِدعَة مُخَالفا لسنتك كَمَا زعم تبت إِلَى الله تَعَالَى وَإِن كَانَ شَيْئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي
فَنظر فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورقة ورقة إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ وَالله إِن هَذَا شَيْء حسن
ثمَّ نَاوَلَهُ أَبَا بكر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ نعم وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله إِنَّه لحسن
ثمَّ نَاوَلَهُ عمر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ كَمَا قَالَ أبوبكر
ثمَّ فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجريد أبي الْحسن من ثِيَابه وضربه حد المفترى
فَجرد وَضرب ثمَّ شفع فِيهِ أَبُو بكر بعد خَمْسَة أسواط وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا فعل هَذَا اجْتِهَادا فِي سنتك وتعظيما فَعَفَا عَنهُ أَبُو حَامِد عِنْد ذَلِك(6/259)
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه وَأصْبح أعلم أَصْحَابه بِمَا جرى وَمكث قَرِيبا من الشَّهْر متألما من الضَّرْب ثمَّ سكن عَنهُ الْأَلَم وَمكث إِلَى أَن مَاتَ وَأثر السِّيَاط على ظَهره وَصَارَ ينظر كتاب الْإِحْيَاء ويعظمه ويبجله أصلا أصلا
وَهَذَا حِكَايَة صحيحة حَكَاهَا لنا جمَاعَة من ثِقَات مشيختنا عَن الشَّيْخ الْعَارِف ولي الله ياقوت الشاذلي عَن شَيْخه السَّيِّد الْكَبِير ولي الله تَعَالَى أبي الْعَبَّاس المرسي عَن شَيْخه الشَّيْخ الْكَبِير ولي الله أبي الْحسن الشاذلي رَحِمهم الله تَعَالَى أَجْمَعِينَ
رِسَالَة الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام رَضِي الله عَنهُ الَّتِي كتبهَا إِلَى بعض أهل عصره
وَنَصهَا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا الْمُرْسلين سيدنَا مُحَمَّد وَآله وصحبة أَجْمَعِينَ
أما بعد فقد انتسخ بيني وَبَين الشَّيْخ الْأَجَل مُعْتَمد الْملك أَمِين الدولة حرس الله تأييده بِوَاسِطَة القَاضِي الْجَلِيل الإِمَام مَرْوَان زَاده الله تَوْفِيقًا من الوداد وَحسن الِاعْتِقَاد مَا يجْرِي مجْرى الْقَرَابَة وَيَقْتَضِي دوَام الْمُكَاتبَة والمواصلة وَإِنِّي لَا أَصله بصلَة(6/260)
هِيَ أفضل من نصيحة توصله إِلَى الله وتقربه لرَبه زلفى وتحله الفردوس الْأَعْلَى
فالنصيحة هِيَ هَدِيَّة الْعلمَاء وَإنَّهُ لن يهدي إِلَى تحفة أكْرم من قبُوله لَهَا وإصغائه بقلب فارغ عَن ظلمات الدُّنْيَا إِلَيْهَا
وَإِنِّي أحذره إِذا ميزت عِنْد أَرْبَاب الْقُلُوب أَحْرَار النَّاس أَن يكون إِلَّا فِي زمرة الْكِرَام الأكياس فقد قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس
فَقَالَ (أَتْقَاهُم)
فَقيل من أَكيس النَّاس
فَقَالَ (أَكْثَرهم للْمَوْت ذكراو أَشَّدهم لَهُ اسْتِعْدَادًا)
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْكيس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت والأحمق من أتبع نَفسه هَواهَا وَتمنى على الله الْمَغْفِرَة)
وَأَشد النَّاس غباوة وجهلا من تهمه أُمُور دُنْيَاهُ الَّتِي يختطفها عَنهُ الْمَوْت وَلَا يهمه أَن يعرف أَنه من أهل الْجنَّة أَو النَّار وَقد عرفه الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم}
وَقَالَ {فَأَما من طَغى وآثر الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْآيَة
وَقَالَ {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} إِلَى قَوْله {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ}(6/261)
وَإِنِّي أوصيه أَن يصرف هَذَا المهم همته وَأَن يُحَاسب نَفسه قبل أَن يُحَاسب ويراقب سَرِيرَته وقصده وهمته وأفعاله وأقواله وإصداره وإيراده أَهِي مَقْصُورَة على مَا يقربهُ من الله تَعَالَى ويوصله إِلَى سَعَادَة الْأَبَد أَو هِيَ مصروفة إِلَى مَا يعمر دُنْيَاهُ ويصلحها لَهُ إصلاحا منغصا مشوبا بالكدورات مشحونا بالهموم والغموم ثمَّ يختمها بالشقاوة وَالْعِيَاذ بِاللَّه
فليفتح عَن بصيرته لتنظر نفس مَا قدمت لغد وليعلم أَنه لَا مُشفق وَلَا نَاظر لنَفسِهِ سواهُ
وليتدبر مَا هُوَ بصدده
فَإِن كَانَ مَشْغُولًا بعمارة ضَيْعَة فَلْينْظر كم من قُرَّة أهلكها الله تَعَالَى وَهِي ظالمة فَهِيَ خاوية على عروشها بعد عمارتها
وَإِن كَانَ مُقبلا على اسْتِخْرَاج مَاء وَعمارَة نهر فليفكر كم من بِئْر معطلة وَقصر مشيد بعد عمارتها
وَإِن كَانَ مهتما بتأسيس بِنَاء فَلْيتَأَمَّل كم من قُصُور مشيدة الْبُنيان محكمَة الْقَوَاعِد والأركان أظلمت بعد سكانها
وَإِن كَانَ معتنيا بعمارة الحدائق الْبَسَاتِين فليعتبر {كم تركُوا من جنَّات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة} الْآيَة وليقرأ قَوْله {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون}(6/262)
وَإِن كَانَ مشغوفا وَالْعِيَاذ بِاللَّه بِخِدْمَة سُلْطَان فليذكر مَا ورد فِي الْخَبَر أَنه يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة أَيْن الظلمَة وأعوانهم فَلَا يبْقى أحد مِنْهُم مد لَهُم دَوَاة وبرى لَهُم قَلما فَمَا فَوق ذَلِك إِلَّا أحضروا فَيجْمَعُونَ فِي تَابُوت من نَار فيلقون فِي جَهَنَّم
وعَلى الْجُمْلَة فَالنَّاس كلهم إِلَّا من عصم الله نسوا الله فنسيهم وأعرضوا عَن التزود للآخرة وَأَقْبلُوا على طلب أَمريْن الجاه وَالْمَال فَإِن كَانَ هُوَ فِي طلب جاه ورياسة فليتذكر مَا ورد بِهِ الْخَبَر أَن الْأُمَرَاء يحشرون يَوْم الْقِيَامَة فِي صور الذَّر تَحت أَقْدَام النَّاس يطؤونهم بأقدامهم
وليقرأ مَا قَالَه تَعَالَى فِي كل متكبر جَبَّار
وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يكْتب الرجل جبارا وَمَا يملك إِلَّا أهل بَيته) أَي إِذا طلب الرياسة بَينهم وتكبر عَلَيْهِم وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (مَا ذئبان ضاريان أرسلا فِي زريبة غنم بِأَكْثَرَ فَسَادًا من حب الشّرف فِي دين الرجل الْمُسلم)
وَإِن كَانَ فِي طلب المَال وَجمعه فَلْيتَأَمَّل قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا معشر الحواريين الْعين مَسَرَّة فِي الدُّنْيَا مضرَّة فِي الْآخِرَة بِحَق أَقُول لَا يدْخل الْأَغْنِيَاء ملكوت السَّمَاء
وَقد قَالَ نَبيا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يحْشر الْأَغْنِيَاء يَوْم الْقِيَامَة أَربع فرق رجل جمع مَالا من حرَام وأنفقه فِي حرَام فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار وَرجل جمع مَال من حرَام وأنفقه فِي حَلَال فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار(6/263)
وَرجل جمع مَالا من حَلَال وأنفقه فِي حرَام فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار وَرجل جمع مَالا من حَلَال وأنفقه فِي حَلَال فَيُقَال قفوا هَذَا واسألوه لَعَلَّه ضيع بِسَبَب غناهُ فِيمَا فرضناه عَلَيْهِ أوقصر فِي صلَاته أَو فِي وضوئها أَو فِي سجودها أَو خشوعها أَو ضيع شَيْئا من فرض الزَّكَاة وَالْحج فَيَقُول الرجل جمعت المَال من حَلَال وأنفقته فِي حَلَال وَمَا صنيعت شَيْئا من حُدُود الْفَرَائِض بل أتيتها بِتَمَامِهَا قيقال لَعَلَّك باهيت واختلت فِي شَيْء من ثِيَابك فَيَقُول يارب مَا باهيت بِمَالي وَلَا اختلت فِي ثِيَابِي فَيُقَال لَعَلَّك فرطت فِيمَا أمرناك من صلَة الرَّحِم وَحقّ الْجِيرَان وَالْمَسَاكِين وَقصرت فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والتفضيل وَالتَّعْدِيل ويحيط هَؤُلَاءِ بِهِ فَيَقُولُونَ رَبنَا أغنيته بَين أظهرنَا وأحوجتنا إِلَيْهِ فقصر فِي حَقنا فَإِن ظهر تَقْصِير ذهب بِهِ إِلَى النَّار وَإِلَّا قيل لَهُ قف هَات الْآن شكر كل نعْمَة وكل شربة وكل أَكلَة وكل لَذَّة فَلَا يزَال يسْأَل وَيسْأل)
فَهَذِهِ حَال الْأَغْنِيَاء الصَّالِحين المصلحين القائمين بِحُقُوق الله تَعَالَى أَن يطول وقوفهم فِي العرصات فَكيف حَال المفرطين المنهمكين فِي الْحَرَام والشبهات والمكاثرين بِهِ(6/264)
المتنعمين بشهواتهم الَّذين قيل فيهم {أَلْهَاكُم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر}
فَهَذِهِ المطالب الْفَاسِدَة هِيَ الَّتِي استولت على قُلُوب الْخلق فسخرها للشَّيْطَان وَجعلهَا ضحكة لَهُ فَعَلَيهِ وعَلى كل مُسْتَمر فِي عَدَاوَة نَفسه أَن يتَعَلَّم علاج هَذَا الْمَرَض الَّذِي حل بالقلوب
فعلاج مرض الْقلب أهم من علاج مرض الْأَبدَان وَلَا ينجو إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم
وَله دواءان أَحدهمَا مُلَازمَة ذكر الْمَوْت وَطول التَّأَمُّل فِيهِ مَعَ الِاعْتِبَار بخاتمة الْمُلُوك وأرباب الدُّنْيَا أَنهم كَيفَ جمعُوا كثيرا وبنوا قصورا وفرحوا بالدنيا بطرا وغرورا فَصَارَت قصورهم قبورا وَأصْبح جمعهم هباء منثورا {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} {أولم يهد لَهُم كم أهلكنا من قبلهم من الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مساكنهم إِن فِي ذَلِك لآيَات أَفلا يسمعُونَ} فقصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة تشهد بِلِسَان حَالهَا على غرور عمالها
فَانْظُر الْآن فِي جَمِيعهم {هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا}
الدَّوَاء الثَّانِي تدبر كتاب الله تَعَالَى فَفِيهِ شِفَاء وَرَحْمَة للْعَالمين
وَقد أوصى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بملازمة هذَيْن الواعظين فَقَالَ (تركت فِيكُم واعظين صامتا وناطقا والصامت الْمَوْت والناطق الْقُرْآن)(6/264)
وَقد أصبح أَكثر النَّاس أَمْوَاتًا عَن كتاب الله تَعَالَى وَإِن كَانُوا أَحيَاء فِي مَعَايشهمْ وبكما عَن كتاب الله تَعَالَى وَإِن كَانُوا يتلونه بألسنتهم وصما عَن سَمَاعه وَإِن كَانُوا يسمعونه بآذانهم وعميا عَن عجائبه وَإِن كَانُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي صحائفهم ومصاحفهم نائمين عَن أسراره وَإِن كَانُوا يشرحونه عَن تفاسيرهم
فاحذر أَن تكون مِنْهُم وتدبر أَمرك وَأمر من لم يتدبر كَيفَ يقوم ويحشر وَانْظُر فِي أَمرك وَأمر من لم ينظر فِي أَمر نَفسه كَيفَ خَابَ عِنْد الْمَوْت وخسر واتعظ بِآيَة وَاحِدَة من كتاب الله فَفِيهِ مقنع وبلاغ لكل ذِي بَصِيرَة قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله وَمن يفعل ذَلِك فَأُولَئِك هم الخاسرون} إِلَى آخرهَا
وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن تشتغل بِجمع المَال فَإِن فرحك بِهِ ينسيك أَمر الْآخِرَة وَينْزع حلاوة الْإِيمَان من قَلْبك
قَالَ عِيسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه لَا تنظروا إِلَى أَمْوَال أهل الدُّنْيَا فَإِن بريق أَمْوَالهم يذهب بحلاوة إيمَانكُمْ
وَهَذِه ثَمَرَة مُجَرّد النّظر فَكيف عَاقِبَة الْجمع والطغيان وَالنَّظَر وَأما القَاضِي الْجَلِيل الإِمَام مَرْوَان أَكثر الله فِي أهل الْعلم أَمْثَاله فَهُوَ قُرَّة الْعين وَقد جمع بَين الفضلين الْعلم وَالتَّقوى وَلَكِن الإستتمام بالدوام وَلَا يتم الدَّوَام إِلَّا بمساعدة(6/266)
من جِهَته ومعاونة لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا يزِيد فِي رغبته وَمن أنعم الله عَلَيْهِ بِمثل هَذَا الْوَلَد النجيب فَيَنْبَغِي أَن يَتَّخِذهُ ذخْرا للآخرة ووسيلة عِنْد الله تَعَالَى وَأَن يسْعَى فِي فرَاغ قلبه لعبادة الله تَعَالَى وَلَا يقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى
وَأول الطَّرِيق إِلَى الله طلب الْحَلَال والقناعة بِقدر الْقُوت من المَال وسلوك سَبِيل التَّوَاضُع والخمول والنزوع عَن رعونات أهل الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مصائد الشَّيْطَان
هَذَا مَعَ الْهَرَب عَن مخالطه الْأُمَرَاء والسلاطين فَفِي الْخَبَر إِن الْفُقَهَاء أُمَنَاء الله مَا لم يدخلُوا فِي الدُّنْيَا فَإِذا دخلوها فاتهموهم على دينكُمْ
وَهَذِه أُمُور قد هداه الله إِلَيْهَا ويسرها عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يمده ببركة الرِّضَا ويمده بِالدُّعَاءِ فدعاء الْوَالِد أعظم ذخْرا وعدة فِي الْآخِرَة وَالْأولَى
وَيَنْبَغِي أَن أَن تَقْتَضِي بِهِ فِيمَا يؤثره من النُّزُوع عَن الدُّنْيَا
فَالْوَلَد وَإِن كَانَ فرعا فَرُبمَا صَار بمزيد الْعلم أصلا وَلذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {يَا أَبَت إِنِّي قد جَاءَنِي من الْعلم مَا لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا}
وليجتهد أَن يجْبر تَقْصِيره فِي الْقِيَامَة بتوقيره وَلَده الَّذِي هُوَ فلذة كبده فأعظم حسرة أهل النَّار فقدهم فِي الْقِيَامَة حميما يشفع لَهُم قَالَ الله تَعَالَى {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حميم}(6/267)
أسَال الله أَن يصغر فِي عينه الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ صَغِيرَة عِنْد الله وَأَن يعظم فِي عينه الَّذِي هُوَ عَظِيم عِنْد الله وَأَن يوفقنا وإياه لمرضاته ويحله الفردوس الْأَعْلَى من جناته بمنه وفضله وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن الْفَتَاوَى عَن حجَّة الْإِسْلَام
غير مَا تضمنته فَتَاوِيهِ الْمَجْمُوعَة الْمَشْهُورَة
كتب لَهُ بعض الزائغين مَا قَوْله متع الله الْمُسلمين بِبَقَائِهِ ونفع الطالبين بمشاهدته ولقائه ومنحه الله أفضل مَا منح بِهِ خاصته من أصفيائه وأوليائه فِي قلب خصّه الْحق سُبْحَانَهُ بأنواع من الطّرف والهدايا ومنح أصنافا من الْأَنْوَار والعطايا يسْتَمر لَهُ ذَلِك فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال متزايدة مَعَ عدم الْعَوَائِق والآفات مَعَ كَون ظَاهِرَة معمورا بِأَحْكَام الشَّرْع وآدابه منزها عَن مآثمه ومخالفاته ويجد فِي الْبَاطِن مكاشفات وأنوارا عَجِيبَة
ثمَّ إِنَّه انْكَشَفَ لَهُ نوع تَعْرِيف أَن الْمَقْصُود من التكاليف الشَّرْعِيَّة والرياضيات التأديبية هُوَ الْفِطَام عَمَّا سوى الْحق كَمَا قيل لمُوسَى أخل قَلْبك فَإِنِّي أُرِيد أَن أنزل فِيهِ
فَإِذا تمّ الْفِطَام وَحصل الْمَقْصُود بالوصول إِلَى الْقرْبَة ودوام الترقى من غير فَتْرَة حَتَّى إِنَّه لَو اشْتغل بوظائف الشَّرْع وظواهره انْقَطع عَن حفظ الْبَاطِن وتشوش عَلَيْهِ بالالتفات عَن أَنْوَاع الواردات الْبَاطِنَة إِلَى مُرَاعَاة أَمر الظَّاهِر(6/268)
وَهَذَا الرجل لَا ينْزع يَده من التَّكْلِيف الظَّاهِر وَلَا يقصر فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة لَكِن الِاعْتِقَاد الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الظَّوَاهِر والتكاليف تناقص وتقاصر عَمَّا كَانَ فِي الِابْتِدَاء من التَّعْظِيم لموقعها عِنْده وَلكنه يُبَاشِرهَا ويواظب عَلَيْهَا عَادَة لَا لأجل الْخلق نظرهم وَحفظ ومراقبة إنكارهم بل صَارَت إلفا لَهُ وَإِن نقص اعْتِقَاده فِيهَا وتعظيمها مَا حكمهَا ثمَّ إِن عرضت لهَذَا شُبْهَة أَن الْمَقْصُود من الدَّاعِي والدعوة حُصُول الْمعرفَة والقربة وَإِذا حصل هَذَا اسْتغنى عَن الدَّاعِي والواسطة كَيفَ معالجته فَإِن قُلْنَا الْمعرفَة لَا تتناهى أبدا بل تقبل الزِّيَادَة أبدا فَلَا يسْتَغْنى عَن الدَّاعِي أبدا لَا محَالة فَرُبمَا قَالَ الدَّاعِي قد تبين مَا احْتِيجَ إِلَى بَيَانه وَشرح معالم الطّرق وَذهب فَلَو احْتَاجَ السالك إِلَى مُرَاجعَته فِي زَوَائِد واردت لم تمكن الْمُرَاجَعَة فِي هَذِه الْحَالة فَيَقُول مَا هُوَ طَبِيب علتي فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ غَابَ عَن إِمْكَان الْمُرَاجَعَة فَمَا علاجه ينعم بِالْجَوَابِ مُسْتَوفى حسب مَا عود من شافي بَيَانه
الْجَواب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق يَنْبَغِي أَن يتَحَقَّق المريد هُنَا أَن من ظن أَن الْمَقْصُود من التكاليف والتعبد بالفرائض الْفِطَام عَمَّا سوى الله تَعَالَى والتجرد لَهُ فَهُوَ مُصِيب فِي ظَنّه أَن ذَلِك مَقْصُود ومخطىء فِي(6/269)
ظَنّه أَنه كل الْمَقْصُود وَلَا مَقْصُود سواهُ بل لله تَعَالَى فِي الْفَرَائِض الَّتِي استعبد بهَا الْخلق أسرار سوى الْفِطَام تقصر بضَاعَة الْعقل عَن دركها
وَمثل هَذَا الرجل المنخدع بِهَذَا الظَّن مثل رجل بنى لَهُ أَبوهُ قصرا على رَأس جبل وَوضع فِيهِ شدَّة من حشيش طيب الرَّائِحَة وأكد الْوَصِيَّة على وَلَده مرّة بعد أُخْرَى أَن لَا يخلي هَذَا الْقصر عَن هَذَا الْحَشِيش طول عمره وَقَالَ إياك أَن تسكن هَذَا الْقصر سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا وَهَذَا الْحَشِيش فِيهِ
فزرع الْوَلَد حول الْقصر أنواعا من الرياحين وجلب من الْبر وَالْبَحْر أوقارا من الْعود والعنبر والمسك وَجمع فِي قصره جَمِيع ذَلِك مَعَ شدات كَثِيرَة من الرياحين الطّيبَة الرَّائِحَة فانغمرت رَائِحَة الْحَشِيش لما فاحت هَذِه الروائح فَقَالَ لَا أَشك أَن وَالِدي مَا أَوْصَانِي بِحِفْظ هَذَا الْحَشِيش إِلَّا لطيب رَائِحَته والآن قد اسْتَغْنَيْت بِهَذِهِ الرياحين عَن رَائِحَته فَلَا فَائِدَة فِيهِ الْآن إِلَّا أَن يضيق على الْمَكَان فَرمي من الْقصر
فَلَمَّا خلا الْقصر عَن الْحَشِيش ظهر من بعض ثقب الْقصر حَيَّة هائلة وضربته ضَرْبَة أشرف بهَا على الْهَلَاك فتفطن وتنبه حَيْثُ لم يَنْفَعهُ التنبه أَن الْحَشِيش كَانَ من خاصيته دفع هَذِه الْحَيَّة الْمهْلكَة
وَكَانَ لِأَبِيهِ فِي الْوَصِيَّة بالحشيش غرضان أَحدهمَا انْتِفَاع الْوَلَد برائحته وَذَلِكَ قد أدْركهُ الْوَلَد بعقله وَالثَّانِي اندفاع الْحَيَّات الْمهْلكَة برائحته وَذَلِكَ مِمَّا قصر عَن دركه(6/270)
بَصِيرَة الْوَلَد فاغتر الْوَلَد بِمَا عِنْده من الْعلم وَظن أَنه لَا سر وَرَاء معلومه ومعقوله كَمَا قَالَ تَعَالَى {ذَلِك مبلغهم من الْعلم} وَقَالَ {فَلَمَّا جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم}
والمغرور من اغْترَّ بعقله فَظن أَن مَا هُوَ مُنْتَفٍ عَن علمه فَهُوَ مُنْتَفٍ فِي نَفسه
وَلَقَد عرف أهل الْكَمَال أَن قالب الْآدَمِيّ كَذَلِك الْقصر وَأَنه معشش حيات وعقارب مهلكات وَإِنَّمَا رقيتها وقيدها بطرِيق الخاصية المكتوبات الْمَشْرُوعَة بقوله سُبْحَانَهُ {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَقَوله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الصّيام}
فَكَمَا أَن الْكَلِمَات الملفوظة والمكتوبة فِي الرّقية تُؤثر بالخاصية فِي اسْتِخْرَاج الْحَيَّات بل فِي استسخار الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَبَعض الْأَدْعِيَة الْمَنْظُومَة المأثورة تُؤثر فِي استمالة الْمَلَائِكَة إِلَى السَّعْي فِي إِجَابَة الدَّاعِي وَيقصر الْعقل عَن إِدْرَاك كيفيته وخاصيته وَإِنَّمَا يدْرك ذَلِك بِقُوَّة النُّبُوَّة إِذا كوشف النَّبِي بهَا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَكَذَلِك صُورَة الصَّلَاة الْمُشْتَملَة على رُكُوع وَاحِد وسجودين وَعدد مَخْصُوص وألفاظ معينه من الْقُرْآن متلوه مُخْتَلفَة الْمَقَادِير عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند الزَّوَال والغروب تُؤثر بالخاصية فِي تسكين التنين المستكن فِي قالب الْآدَمِيّ الَّذِي يتشعب مِنْهُ حيات كَثِيرَة الرُّءُوس بعد أَخْلَاق الْآدَمِيّ يلدغه وينهشه فِي الْقَبْر مُتَمَكنًا من جَوْهَر الرّوح وذاته أَشد إيلاما من لدغ مُتَمَكن من القالب أَولا(6/271)
ثمَّ يسري أَثَره إِلَى الرّوح وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يُسَلط على الْكَافِر فِي قَبره تنين لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ رَأْسا صفته كَذَا وَكَذَا) الحَدِيث
وَيكثر مثل هَذَا التنين فِي خلقَة الْآدَمِيّ وَلَا يقمعه إِلَّا الْفَرَائِض الْمَكْتُوبَة فَهِيَ المنجيات عَن المهلكات وَهِي أَنْوَاع كَثِيرَة بِعَدَد الْأَخْلَاق المذمومة {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ}
فَإِذن فِي التَّكْلِيف غرضان أدْرك هَذَا الْمَغْرُور أَحدهمَا وغفل عَن الآخر
وَقد وَقع لأبي حنيفَة مثل هَذَا الظَّن فِي الفقهيات فَقَالَ أوجب الله فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَقصد بِهِ إِزَالَة الْفقر وَالشَّاة آلَة فِي الْإِزَالَة فَإِذا حصل بِمَال آخر فقد حصل تَمام الْمَقْصُود
فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ صدقت فِي قَوْلك إِن هَذَا مَقْصُود وَركبت متن الْخطر فِي حكمك بِأَنَّهُ لَا مَقْصُود سواهُ فَبِمَ تأمن أَن يُقَال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كَانَ لنا سر فِي إشراك الْغَنِيّ الْفَقِير مَعَ نَفسه فِي جنس مَاله كَمَا كَانَ فِي رمي سَبْعَة أَحْجَار فِي الْحَج لَو رمى بدله خَمْسَة لآل أَو خمس سَكَرَات لم يقبله
وَإِذا جَازَ أَن يتمحض التَّقْيِيد فِي الْحَج وَأَن يتمحض الْمَعْنى الْمَعْقُول فِي معاملات الْخلق فَلم يَسْتَحِيل أَن يجمع الْمَعْقُول وَالتَّقْيِيد جَمِيعًا فِي الزَّكَاة فَتكون إِزَالَة الْفقر معقولة والسر الآخر غير مَعْقُول
وَزَاد أَبُو حنيفَة على هَذَا فَقَالَ الْمَقْصُود من كلمة التَّكْبِير الثَّنَاء على الله تَعَالَى بالكبرياء فَلَا فرق بَينه وَبَين تَرْجَمته بِكُل لِسَان وَبَين قَوْله الله أعظم(6/272)
فَقَالَ الشَّافِعِي وَبِمَ علمت أَنه لَا فرق فِي صِفَات الله بَين العظمة والكبرياء مَعَ أَنه تَعَالَى يَقُول العظمة إزَارِي والكبرياء رِدَائي والرداء أشرف من الْإِزَار وهلا استنبطت مَقْصُود الخضوع من الرُّكُوع وأقمت مقَامه السُّجُود لِأَنَّهُ أبلغ مِنْهُ فِي الاستكانة
فَإِن قلت لَعَلَّ لله تَعَالَى سرا فِي الرُّكُوع خَاصَّة سوى مَا فهمناه فَلم يَسْتَحِيل أَن يكون لَهُ سر فِي كلمة السَّلَام فَلَا يقوم مقَامه الحَدِيث وكل خطاب للآدمي وَأَن يكون لَهُ سر فِي الْقُرْآن المعجز فَلَا يقوم مقَامه غَيره وَقد أَقَامَ التَّرْجَمَة مقَامه وَأَن يكون لَهُ سر فِي الْفَاتِحَة وَقد أَقَامَ مقَامهَا سَائِر الْقُرْآن
فَإِن كَانَ يَقُول الْمَقْصُود مَعَاني الْقُرْآن وتأثر الْقلب لَا حُرُوفه وأصواته فَإِنَّهَا آلَات فَهَلا قَالَ وَالْمَقْصُود من حَرَكَة اللِّسَان تأثر الْقلب فلتكف الْقِرَاءَة بِالْقَلْبِ دون اللِّسَان وَالْمَقْصُود من الصَّلَاة التَّوَاضُع والتعظيم وملازمة ذكر الله فليكف الْجُلُوس مَعَ الله تَعَالَى على هَيْئَة الإجلال وَالذكر وليترك صُورَة الصَّلَاة
وَجَمِيع مَا ذكره أَبُو حنيفَة بُطْلَانه مظنون غير مَقْطُوع
أما إِقَامَة الْقِرَاءَة بِالْقَلْبِ مَعَ ترك حَرَكَة اللِّسَان وملازمة الذّكر مَعَ ترك الرُّكُوع وَالسُّجُود وَصُورَة الصَّلَاة مَقْطُوع ببطلانها بِالْإِجْمَاع
وَهَذَا الْمَغْرُور انجر بِهِ ذَلِك الخيال الضَّعِيف إِلَى خرق الْإِجْمَاع وَمُخَالفَة الشَّرْع الْقَاطِع(6/273)
فَإِذا المبتدىء فِي الْمعرفَة يجرد الْمعَانِي عَن الصُّور ويطرح الصُّور فيطفىء نور مَعْرفَته نور ورعه فيثور عَلَيْهِ التنين فِي قَبره فيتعجب مِنْهُ ويبدو لَهُ من الله مَا لم يكم يحْتَسب فَإِذا أَصَابَته ضَرْبَة التنين قَالَ مَا هَذَا
فَيُقَال إِنَّمَا كَانَ ترياق هَذَا التِّين صور الْفَرَائِض الْمَكْتُوبَة
وإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِمَا يرْوى إِن الْمَيِّت يوضع فِي قَبره فَتَأْتِيه مَلَائِكَة الْعَذَاب من جِهَة رَأسه فيدفعه الْقُرْآن فَتَأْتِيه من قبل رجلَيْهِ فيدفعه الْحَج الحَدِيث
فَإِن أصر هَذَا الْمَغْرُور على جهالته وَقَالَ من بلغ رُتْبَة الْكَمَال كَمَا بلغت أَمن هَذَا التنين وطهر بَاطِنه عَنهُ
فَيُقَال لَهُ أَنْت مغرور فِي أمنك {فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون} فَبِمَ تأمن أَن يكون التنين مستكنا فِي صميم الْفُؤَاد استكنان الْجَمْر تَحت الرماد واستكنان النَّار فِي الزِّنَاد وَإِن مَاتَ فَيَعُود حَيا فَإِن منبته ومنبعه هَذَا القالب الَّذِي هُوَ ظَنّه الشَّهَوَات وَالصِّفَات البشرية وَقلع الْحَشِيش من الأَرْض لَا يُؤمن عوده مرّة أُخْرَى بِأَن يَتَجَدَّد نَبَاته مهما كَانَت الأَرْض معرضة لانصباب المَاء إِلَيْهَا من منابعها فَكَذَلِك القالب مَا دَامَ مصبا لواردات المحسوسات والشهوات لم يُؤمن فِيهَا عود النَّبَات بعد الِانْقِطَاع والانبتات
وننبهه على هَذِه الْمعرفَة والتأمل فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول بداية حَال إِبْلِيس وَأَنه كَيفَ وصف بِأَنَّهُ كَانَ معلم الْمَلَائِكَة ثمَّ سقط(6/274)
عَن دَرَجَة الْكَمَال بمخالفة أَمر وَاحِد اغترار بِمَا عِنْده من الْعلم والغفلة عَن أسرار الله تَعَالَى فِي الاستبعاد وَلم يسْقط عَن دَرَجَته إِلَّا بكياسته وتمسكه بمعقوله فِي كَونه خيرا من آدم عَلَيْهِ السَّلَام فنبه الْخلق بِهَذَا الرَّمْز على أَن البلاهة أدنى إِلَى الْخَلَاص من فطانة بتراء وكياسة نَاقِصَة
الثَّانِي حَال آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه لم يخرج من الْجنَّة إِلَّا بركوبه نهيا وَاحِدًا ليعلم أَن ركُوب النَّهْي فِي إبِْطَال إِكْمَال كمخالفة
الْأَمر الثَّالِث حَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا الْمَغْرُور لَعَلَّه لم تسلم لَهُ رُتْبَة الْكَمَال ثمَّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يلازم الْحُدُود ويواظب على المكتوبات إِلَى آخر أنفاسه بل زيد فِي فَرَائِضه وَأوجب عَلَيْهِ التَّهَجُّد وَلم يُوجب على غَيره وَقيل لَهُ {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا}
وَإِنَّمَا أوجبت عَلَيْهِ هَذِه الزِّيَادَة لِأَن الخزانة كلما ازْدَادَ جوهرها نفاسة وشرفا فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد حصنها إحكاما وعلوا فَلذَلِك قيل لَهُ فِي تَعْلِيل إِيجَاب التَّهَجُّد {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأقوم قيلا}
فَتبين لَهُ أَن هَذِه الصَّلَوَات هِيَ حصن الْكَمَال فَلَا يبقي إِلَّا بِهِ
وَلَعَلَّ هَذَا الْمَغْرُور الْمَعْتُوه يَقُول إِنَّه إِنَّمَا كَانَ يواظب عَلَيْهِ أشفاقا على الْخلق لأجل الِاقْتِدَاء لَا لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي حفظ الْكَمَال(6/275)
فَيُقَال لَهُ فَلم زَاد عَلَيْهِ فِي التَّهَجُّد وجوبا هلا قَالَ إِن من بلغ دَرَجَة النُّبُوَّة يسْتَغْنى عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره وَلَو قَالَ لقبل مِنْهُ كَمَا قبل مِنْهُ أَنه أحل لَهُ تِسْعَة من النِّسَاء بل مَا شَاءَ فَإِنَّهُ بِقُوَّة النُّبُوَّة يقوى على الْعدْل مَعَ كَثْرَة النِّسَاء كَمَا قبل من الْمدرس أَن يَأْمر تلامذته بالتكرار السهر لَيْلًا وَهُوَ ينَام وَيَقُول إِنِّي قد بلغت دَرَجَة اسْتَغْنَيْت عَن ذَلِك وَلَيْسَ يتْرك أحد تكراره بِهَذِهِ الشُّبْهَة
وَلَعَلَّ هَذَا الْمَغْرُور إِذا صَار ضحكة للشَّيْطَان سخر مِنْهُ وَقَالَ لَهُ أَنْت أكمل من النَّبِي وَالصديق وكل من واظب على الْفَرَائِض وَعند هَذَا نقطع الطمع من صَلَاحه فَهُوَ مِمَّن قَالَ فيهم {وَإِن تَدعهُمْ إِلَى الْهدى فَلَنْ يهتدوا إِذا أبدا}
مَسْأَلَة
أما مَا ذكره من أَنه لَو اشْتغل بالتكاليف لشغله ذَلِك عَن الْقرْبَة الَّتِي نالها والكمال الَّذِي بلغه فَهُوَ كذب صَرِيح ومحال فَاحش قَبِيح لِأَن التكاليف قِسْمَانِ أَمر وَنهي
فَأَما المنهيات مثل الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَتْل وَالضَّرْب والغيبة وَالْكذب وَالْقَذْف فَترك ذَلِك كَيفَ يشغل عَن الْكَمَال وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة وَأي كَمَال يكون مَوْقُوفا على ركُوب هَذِه القاذورات(6/276)
وَأما المأمورات فكالزكاة وَالصَّوْم وَالصَّلَاة فَكيف تحجبه الزَّكَاة وَلَو أنْفق جَمِيع مَاله فقد دفع الشواغل عَن نَفسه وَلَو صَامَ جَمِيع دهره فَهَل يفوتهُ بذلك إِلَّا سلطنة الشَّهْوَة فَمَا الَّذِي يفوت من الْكَمَال بترك الْأكل صخوة النَّهَار فِي شهر وَاحِد هُوَ رَمَضَان وَأما الصَّلَاة فتنقسم إِلَى أَفعَال وأذكار وأفعاله قيام وركوع وَسُجُود وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يخرج من الْقرْبَة بالأفعال الْمُعْتَادَة فَإِنَّهُ إِن لم يصل فسيكون إِمَّا قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا وَغير الْمُعْتَاد هُوَ السُّجُود وَالرُّكُوع وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة مَا هُوَ سَبَب الْقرْبَة قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {واسجد واقترب}
وَمن عشق ملكا ذَا جمال فَإِذا وضع خَدّه على التُّرَاب بَين يَدَيْهِ استكانة لَهُ وجد فِي قلبه مزِيد روح وراحة وَقرب وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة)
فاستدامه حَال الْقرْبَة واستزادتها فِي السُّجُود وأيسر مِنْهُ فِي الِاضْطِجَاع وَالْقعُود وَمهما ألقِي فِي قلبه أَن السُّجُود سَبَب حرمانه عَن الْقرب كَانَ ذَلِك أنموذجا من حَال إِبْلِيس حَيْثُ ألقِي فِي نَفسه أَن السُّجُود بِحكم الْأَمر سَبَب زَوَال قربته وكماله فَكل ولي سقط من دَرَجَة الْقرْبَة إِلَى دَرَجَة اللَّعْنَة فسببه ترك السُّجُود ومقتداه وإمامه إِبْلِيس وكل ولي أسعد بالترقي إِلَى دَرَجَات الْقرب قيل لَهُ اسجد واقترب ومقتداه وإمامه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/277)
مح حفظ طَرِيقه وألحانه بل يجد من نَفسه فِي ذَلِك هزة ونشاطا فَكيف لَا تكون قُرَّة عين العَبْد فِي مُنَاجَاة محبوبة وخدمته الَّتِي رسمها وارتضاها لَهُ
مَسْأَلَة
بل معنى ارْتِفَاع التَّكْلِيف من الْوَلِيّ أَن العباده تصير قُرَّة عينه وغذاء روحه بِحَيْثُ لَا يصبر عَنهُ فَلَا يكون عَلَيْهِ كلفة فِيهِ وَهُوَ كَالصَّبِيِّ يُكَلف حُضُور الْمكتب وَيحمل على ذَلِك قهرا فَإِذا أنس بِالْعلمِ صَار ذَلِك ألذ الْأَشْيَاء عِنْده وَلم يصبر عَنهُ فَلم يكن فِيهِ كلفة وتكليف الجائع تنَاول الطَّعَام اللذيد محَال لِأَنَّهُ يَأْكُلهُ بشهوته ويلتذ بِهِ فَأَي معنى لتكليفه فَإِذا تَكْلِيف الْوَلِيّ محَال والتكليف مُرْتَفع عَن الْوَلِيّ بِهَذَا الْمَعْنى لَا بِمَعْنى أَنه لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي وَيشْرب ويزني
وكما يَسْتَحِيل تَكْلِيف العاشق النّظر إِلَى معشوقه وتقبيل قَدَمَيْهِ والتواضع لَهُ لِأَن ذَلِك مُنْتَهى لذته وشهوته فَكَذَلِك غذَاء روح الْوَلِيّ فِي مُلَازمَة ذكره وامتثال أمره والتواضع لَهُ بِقَلْبِه لَا يُمكنهُ إشراك القالب مَعَ الْقلب فِي الخضوع إِلَّا بِصُورَة السُّجُود فَيكون ذَلِك كمالا للذة الخضوع والتعظيم حَتَّى يشْتَرك فِي الالتذاذ قلبه وقالبه كَمَا قيل
(أَلا فاسقني ضمرا وَقل لي هِيَ الْخمر ... أَي ليدرك سَمْعِي لَذَّة اسْمه كَمَا أدْرك ذوقي طعمه)(6/279)
بل تَنْتَهِي لَذَّة الْوَلِيّ من الْقيام لله قَانِتًا مناجيا إِلَى أَن لَا يدْرك ألم الورم فِي الْقدَم فَيُقَال لَهُ ألم يغْفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر
فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا
مَسْأَلَة
أما قَوْلك إِنَّه إِذا تكلّف الْمُوَاظبَة على الْعِبَادَات الْمَشْرُوعَة وَقد تغير اعْتِقَاده فِيهَا وَسقط وقعها من قلبه فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك
فَاعْلَم أَنه لَو لم يعْتَقد أَنه لَا فرق بَين وجودهَا وَعدمهَا فِي حفظ دَرَجَة الْكَمَال والقرب أَو دفع مهلكات الْبَاطِن وَجوز أَن يكون لله تَعَالَى سر فِيهَا لَيْسَ يطلع عَلَيْهِ هُوَ فعبادته صَحِيحَة
وَإِن اعْتقد أَنه لَا فرق بَين وجوده وَعَدَمه وَأَنه لَا يتَصَوَّر أَن يكون تَحت خاصيته سر هُوَ لَا يطلع عَلَيْهِ فعبادته بَاطِلَة بل إيمَانه بالإلهية والنبوة مختل بَاطِل فَإِنَّهُ إِذا لم يجوز فِي كَمَال قدرَة الله تَعَالَى بِعَيْنِه سرا من الْأَسْرَار وخاصيته من الْخَواص فِي الْأَعْمَال والأذكار فَلَيْسَ مُؤمنا بِكَمَال الْقُدْرَة وَيرى الْقُدْرَة قَاصِرَة على قدر عقله وَهُوَ كفر صَرِيح
وَإِن جوز ذَلِك وَلَكِن اعْتقد أَنه لم يُكَلف بِهِ فَهُوَ كَافِر بِالنُّبُوَّةِ جَاهِل بِمَا علم(6/280)
بِالضَّرُورَةِ من الشَّرِيعَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ قَوْله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَفهم الصَّحَابَة وَأهل الْإِجْمَاع وجوب الصَّلَاة على الْعُمُوم من غير اسْتثِْنَاء
فَإِن شكّ فِي إِيجَاب الرَّسُول فَلْيتَأَمَّل الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَإِن شكّ أَن فِي قدرَة الله تَعَالَى على نَفسه سرا فِي الْأَعْمَال والأذكار تكون الْفَرِيضَة لأَجله كالحصن لدرجة الْكَمَال وكالحراسة عَن المهلكات الْبَاطِنَة فَليرْجع إِلَى نَفسه وليطالبها أَنَّهَا عرفت اسْتِحَالَة ذَلِك بضرورة الْعقل أَو نظره وَأَنه كَيفَ يعْتَقد ذَلِك وَيرى فِي عجائب صنع الله تَعَالَى مَا هُوَ أبدع مِنْهُ حَتَّى إِن هَذَا الشكل الْمُشْتَمل كل ضلع مِنْهُ على خَمْسَة عشر عددا من حِسَاب الْجمل إِذا أثبت رقومه على خزف لم يصبهُ المَاء بِشَرْط مَخْصُوص وَأعْطِي الْمَرْأَة الَّتِي تعسر عَلَيْهَا الْولادَة عِنْد الطلق سهلت عَلَيْهَا الْولادَة وَعرف ذَلِك بالتجربة وَأَنه يُؤثر بخاصية تقصر عقول الْأَوَّلين والآخرين عَن إِدْرَاك وَجه مناسبته وَيكثر مثل هَذَا فِي عجائب الْخَواص(6/281)
فَمن أَيْن يَسْتَحِيل أَن يكون لنظم الْكَلِمَات الإلهية فِي الْفَاتِحَة مَعَ الْجمع بَين أَعمال جَمِيع الْمَلَائِكَة من الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقعُود فَإِن كل وَاحِد عمل صنف وَاحِد من الْمَلَائِكَة خاصية فِي النجَاة الأخروية أَو فِي حفظ دَرَجَة الْكَمَال والقرب أَو دفع المهلكات الْبَاطِنَة الَّتِي تلدغ فِي الْقلب لدغا أَشد من لدغ الْحَيَّات والعقارب أَو مُؤثر فِي سَعَادَة الْآدَمِيّ بِوَجْه آخر من الْوُجُوه يقصر الْعقل عَن إِدْرَاكه فَمن لم يُؤمن بِإِمْكَان هَذَا فَهُوَ عديم الْإِيمَان وَالْعقل جَمِيعًا
مَسْأَلَة
أما قَوْله الْمَقْصُود الْمعرفَة والاستواء على طَرِيق السّير إِلَى الله تَعَالَى فقد اسْتَوَى هَذَا السالك على الطَّرِيق وَعرف الله تَعَالَى وَكَانَ التَّكْلِيف وَسِيلَة الْوُصُول لَهُ إِلَى هَذَا الْمَقْصُود وَقد وصل وَاسْتغْنى عَن الْوَسِيلَة والمرشد وَإِن احْتَاجَ فقد توفّي المرشد وَتعذر مُرَاجعَته
فَهَذَا أَيْضا يفهم جَوَابه مِمَّا سبق لِأَن جَمِيع ذَلِك صادر عَن ظَنّه أَن مَا لَيْسَ حَاصِلا فِي علمه فَلَيْسَ حَاصِلا فِي نَفسه وَهُوَ كعجوز ظنت أَن مَا تخلوا عَنهُ حُجْرَتهَا تَخْلُو عَنهُ خزانَة الْملك ومملكته وكنملة ظنت أَنه لَيْسَ فِي الْعَالم إِلَّا سقف بَيتهَا وَلَا أَرض إِلَّا عَرصَة بَيتهَا وَهَذَا جهل عَظِيم فَإِن جَمِيع مَا وصل إِلَيْهِ الْأَوْلِيَاء بِالْإِضَافَة إِلَى مقدورات الله تَعَالَى أقل من قَطْرَة فِي بَحر
وَإِن سلم لَهُ وُصُول دَرَجَة الْكَمَال فَيجوز أَن تكون صُورَة الصَّلَوَات الْخمس بطرِيق الخاصية سَببا للترقي إِلَى دَرَجَات الْكَمَال الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا أَو يكون سَببا(6/282)
لبَقَاء الْكَمَال ودوامه أَو يكون سَببا لرسوخه حَتَّى لَا يتزلزل فِي سَكَرَات الْمَوْت فَإِن لم يواظب عَلَيْهَا فعساه يودعه الْكَمَال عِنْد الْمَوْت وَيُقَال لَهُ إِنَّه إِنَّمَا كَانَ يثبت هَذَا إِذا عصفت ريَاح الْمَوْت بالمسامير الْخمس الَّتِي هِيَ المكتوبات وَكَانَ يستحكم بهَا فَلَمَّا خلا عَن المسامير تزعزع وَانْقطع فقد خبت وخسرت إِذا فرحت بِمَا عنْدك من الْعلم وسيقال لكم يَوْم الْقِيَامَة معاشر أهل الْإِبَاحَة {مَا سلككم فِي سقر} فسيقولون {لم نك من الْمُصَلِّين}
فعلاج هَذَا الْمَغْرُور الضَّعِيف الْعقل الْمَرِيض الْقلب أَن يتَأَمَّل هَذِه الْأُمُور وَيجوز الْخَطَأ على نَفسه
وَالسَّلَام
وَمن غرائب الْمسَائِل عَن حجَّة الْإِسْلَام
إِذا قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِرْهَم قبله بَطل كَمَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فلفلان على دِرْهَم لَا يَصح لِأَن التَّعْلِيق إِنَّمَا يكون للاستحقاق بِعَمَل مَقْصُود هُوَ عوض الدِّرْهَم والموجب لَا يتَقَدَّم على الْمُوجب والمتقدم على الْعَمَل زمَان وَالزَّمَان لَا يصلح لِأَن يعلق بِهِ اسْتِحْقَاق المَال
قَالَه الْغَزالِيّ فِي كتاب علم الْغَوْر فِي دراية الدّور
إِذا قَالَت الْمُطلقَة انْقَضتْ عدتي
وَقَبلنَا قَوْلهَا ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون الْعلُوق بِهِ فِي النِّكَاح لحق النّسَب إِلَّا إِذا تزوجت وَاحْتمل أَن يكون من الثَّانِي(6/283)
فَلَو قَالَت نكحت زوجا آخر
وَلم يظْهر لنا قَالَ الْغَزالِيّ فِي كتاب التحصين فَلَا نَص فِيهِ وَفِيه احْتِمَال وَنظر مذهبي
انْتهى
إِذا قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته أحللت أختك لي
وَنوى الطَّلَاق
فَهَل يَقع وَيكون هَذَا اللَّفْظ كِنَايَة عَن طَلاقهَا لِأَن حل أُخْتهَا يتَضَمَّن تَحْرِيمهَا الْمُؤَذّن بِطَلَاقِهَا
قَالَ الْغَزالِيّ فِي التحصين فِي مَسْأَلَة أَنا مِنْك طَالِق هَذِه الْمَسْأَلَة غير منصوصة وَإِنَّمَا وَلَدهَا الخاطر
ثمَّ ذكر مَا حَاصله التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل تلْحق بقوله اعْتدى لِأَن الْعدة حل شَرْعِي وَكَذَلِكَ حل الْأُخْت أَو يفرق بَينهمَا بِأَن دلَالَة الْعدة على الطَّلَاق أظهر من حل الْأُخْت لغلبته وحضوره فِي الذِّهْن
يلْزم الْمُسَافِر أَن يَشْتَرِي المَاء للطَّهَارَة بِثمن الْمثل
وَقيل ثمن الْمثل هُوَ مؤاجرة نَقله إِلَى مَوضِع الشِّرَاء أخذا من أَن المَاء لَا يملك بعد الْحَوْز فِي الْإِنَاء وَهُوَ بعيد جدا لَا يعرف إِلَّا فِي النِّهَايَة
وَالْغَزالِيّ ذهب إِلَيْهِ فِي كتبه وَادّعى أَنه جَار وإِن قُلْنَا المَاء مَمْلُوك فأبعد وَزَاد فِي الْبعد
قَالَ الرَّافِعِيّ وَلم أر من رَجحه غَيره(6/284)
صَلَاة فِي جمَاعَة بِلَا خشوع وَفِي انْفِرَاد بخشوع
سُئِلَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّن يتَحَقَّق من نَفسه أَنه يخشع فِي صلَاته إِذا كَانَ مُنْفَردا وَإِن صلى فِي جمَاعَة تشتتت همته وَلم يُمكنهُ الْخُشُوع مَا الأولى
فَأجَاب رَحمَه الله بِأَن الِانْفِرَاد حِينَئِذٍ أولى وَأَصَح لحَدِيث يُصَلِّي العَبْد وَلَا يكْتب لَهُ من الصَّلَاة عشرهَا
قَالَ وَفضل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْجَمَاعَة على الِانْفِرَاد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة فَكَأَنَّهُ لَو خضع فِي صَلَاة الْجَمَاعَة فِي لَحْظَة كَمَا لَو خضع فِي الانفرد فِي سبع وَعشْرين لَحْظَة فَإِن كَانَت نِسْبَة خضوعه فِي الْجَمَاعَة إِلَى خضوعه مُنْفَردا أقل من نِسْبَة وَاحِدَة إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فالانفراد أولى وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك فالجماعة أولى
انْتهى مُلَخصا
وسلك الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام هَذَا المسلك فَأفْتى فِيمَن إِذا حضر الْجَمَاعَة مرائيا أَن الِانْفِرَاد لَهُ أولى
وَهَذَانِ الإمامان إِذا عرض عَلَيْهِمَا حَدِيث ابْن مَسْعُود وَلَقَد رَأَيْتنَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا يَعْنِي الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَلَقَد كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ يهادي بَين اثْنَيْنِ حِين يُقَام فِي الصَّفّ
الحَدِيث
أوشك أَن يَقُولَا إِنَّه لم يكن فِي السّلف من تذْهب الْجَمَاعَة حُضُوره وخشوعه وخضوعه بِخِلَاف الْمَسْئُول عَنهُ فَمَا الْمَسْأَلَة الْمَسْئُول عَنْهَا بواقعة فِي السّلف(6/285)
وَأَنا أَقُول مَعَ ذَلِك الَّذِي يظْهر أَن حُضُور الْجَمَاعَة أفضل مُطلقًا وبركتها تربي على ذهَاب الْخُشُوع الَّذِي حصل للسَّائِل وَالزَّمَان الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ رَحمَه الله لاعْتِبَار الموازنة أبعد عَن الْحُضُور من زمَان الْجَمَاعَة فَأن يشْتَغل بِالْجَمَاعَة خير لَهُ من أَن يشْتَغل بِاعْتِبَار هَذِه الموازنة وَمُجَرَّد تردده فِي أَنه هَل يحصل لَهُ من الْخُشُوع فِي الْجَمَاعَة مَا يحصل فِي الِانْفِرَاد نوع من الْخُشُوع وَالْجَمَاعَة بِكُل سَبِيل أولى
ثمَّ هَذَا الَّذِي قَالَه الْغَزالِيّ مَعَ كَونه غير مُسلم فِي حق وَاحِد من الْآحَاد يتَّفق لَهُ ذَلِك فِي بعض الْأَحَايِين أما جمع كثير يتفقون على ذَلِك أَو وَاحِد يتْرك الْجَمَاعَة دَائِما مُعْتَلًّا بِهَذِهِ الْعلَّة فَلَا يسمع مِنْهُم وَلَا مِنْهُ وَلَا تتْرك سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي افترضها قوم وَشَرطهَا آخَرُونَ لصِحَّة الصَّلَاة لمثل هَذِه الخيالات وَلَا يفتح لإبليس هَذَا الْبَاب بل الْبركَة كل الْبركَة فِي الِاتِّبَاع ومجاهدة النَّفس على الْخُشُوع فَإِن يَأْتِ فبها ونعمت وَإِلَّا فَترك الْخُشُوع لمتابعة السّنة خشوع خير من الْخُشُوع الْحَاصِل مَعَ الِانْفِرَاد فَتَأمل ذَلِك فَهُوَ حسن دَقِيق
وَحَاصِله أَن السّنة وَإِن وَقعت نَاقِصَة وَهِي الْجَمَاعَة بِلَا خشوع خير من لَا سنة بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن وَقع فِيهَا سنة أُخْرَى وَهِي الْخُشُوع
وَقد أغري بعض محبي الْخلْوَة بترك الْجَمَاعَة لمثل ذَلِك وَذَلِكَ عندنَا أَمر مُنكر بل خُرُوجه إِلَى الْجَمَاعَة وَإِن كَانَ سنة سَاعَة خير لَهُ من ألف سَاعَة مَعَ ترك السّنة(6/286)
وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم الْوَلِيّ الْخَلَاص عَن خداع إِبْلِيس مادام فِي هَذِه الْحَيَاة بل لَا ينجو عَنهُ الْأَنْبِيَاء حَتَّى أجري على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الغرانيق الْعلَا وَإِن شفاعتهن لترتجى) لَكِن النَّبِي لَا يُقرر على الْخَطَأ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته} الْآيَة
وَأما أذكار الصَّلَاة فتكبير وفاتحة وَتشهد لَا فَرِيضَة إِلَّا هَذَا فَمَا وَجه الضَّرُورَة فِي قَوْله الله أكبر وَفِي الْحَمد لله والالتجاء إِلَيْهِ والاستعانة وَطلب الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَهَذَا مَضْمُون الْفَاتِحَة وكل ذَلِك مُنَاجَاة مَعَ الله تَعَالَى
وَإِن صَحَّ مَا يَقُوله مثلا فَكل يَوْم الآف نفس فليصرف هَذِه الأنفاس المعدودة إِلَى الذّكر وَالسُّجُود ولينقص هَذِه اللحظات من دَرَجَات كَمَاله ليأمن بِهَذِهِ المكتوبات عَن ضَرَر التنين الَّذِي لَا يعْتد بشر سواهُ ويتخلص من خطر الْخَطَأ فِي هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ فِي أَن الْخَطَأ مُمكن فِيهِ إِن لم يكن مَقْطُوعًا بِهِ
وَإِن قَالَ إِن صرف الْقلب إِلَى حفظ تَرْتِيب الْأَفْعَال والأذكار هُوَ الَّذِي يشغلني عَن دَرَجَة الْقرب فَهُوَ دَعْوَى محَال لِأَن المقتدى لَا يحْتَاج إِلَى تكلّف الْحِفْظ بل المشتهر غَيره إِذا حفظ بَيْتا مرّة يُنَاسب حَاله لم يعسر التَّغَنِّي بِهِ(6/278)
وَإِن دقق مدقق وَقَالَ لَا نسلم ثُبُوت السّنة هُنَا فَهُوَ محجوج بالظواهر الدَّالَّة على طلب الْجَمَاعَة على الْإِطْلَاق من غير فرق بَين خاشع ومشتت
السّنة بعد صَلَاة الْجُمُعَة
قَالَ ابْن الصّلاح من تفردات الْغَزالِيّ أَنه ذكر فِي بداية الْهِدَايَة فِي سنة الْجُمُعَة بعْدهَا أَن لَهُ أَن يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا وستا
قَالَ فأبعد فِي سِتّ وشذ
قَالَ النَّوَوِيّ روى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب عَليّ وَابْن مَسْعُود عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل بعْدهَا سِتّ رَكْعَات
قلت وَهَذَا الْمَرْوِيّ عَن عَليّ كرم الله وَجهه محكى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعَطَاء وَمُجاهد وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وسُفْيَان الثَّوْريّ وَرِوَايَة عَن أَحْمد
وَأغْرب صَاحب الْكَافِي فَقَالَ فِيهِ الْأَفْضَل أَن يُصَلِّي بعْدهَا سِتا أخذا بِالْأَكْثَرِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا بِسَلام وَاحِد
انْتهى لفظ الْخَوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي
وَهَذَا فصل جمعت فِيهِ جَمِيع مَا فِي كتاب الْإِحْيَاء من الْأَحَادِيث الَّتِي لم أجد لَهَا إِسْنَادًا من كتاب الْعلم
حَدِيث أفضل النَّاس الْمُؤمن الْعَالم إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ نفع
الحَدِيث(6/287)
حَدِيث أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم إِنِّي عليم أحب كل عليم
حَدِيث بَاب من الْعلم يتعلمه الرجل خير لَهُ من الدُّنْيَا
حَدِيث من يحدث بَابا من الْعلم لتعلم النَّاس أعطي ثَوَاب سبعين نَبيا وصديقا
حَدِيث كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمِّيا
حَدِيث الْإِثْم حزاز الْقُلُوب
حَدِيث وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي صَدره يَقُوله فِي فضل الصّديق رَضِي الله عَنهُ
حَدِيث قَلِيل من التَّوْفِيق خير من كثير من الْعلم
حَدِيث إياك والسجع يَا ابْن رَوَاحَة. . الحَدِيث
حَدِيث كلموا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ. . الحَدِيث
حَدِيث كلمة من الْحِكْمَة يتعلمها الرجل خير لَهُ من الدُّنْيَا
حَدِيث المتمسكون بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ. . الحَدِيث
حَدِيث الغرباء نَاس قَلِيلُونَ صَالِحُونَ. . الحَدِيث
حَدِيث إِنَّكُم فِي زمَان ألهمتم فِيهِ الْعَمَل
حَدِيث مَا أُوتِيَ قوم الْمنطق إِلَّا منعُوا الْعَمَل(6/288)
حَدِيث الْمُؤمن لَيْسَ بحقود
حَدِيث إِذا تعلم النَّاس الْعلم وَتركُوا الْعَمَل وتحابوا بالألسن. . الحَدِيث
حَدِيث بني الدّين على النَّظَافَة
حَدِيث يحْشر الممزق لأعراض النَّاس كَلْبا ضاريا والشرة إِلَى أَمْوَالهم ذئبا عاديا والمتكبر عَلَيْهِم فِي صُورَة نمر وطالب الرياسه فِي صُورَة أَسد
حَدِيث لَو وزن ايمان أبي بكر بِإِيمَان الْعَالمين لرجح
حَدِيث لَو منع النَّاس عَن فت البعر لفتوه وَقَالُوا مَا نهينَا عَنهُ إِلَّا وَفِيه شَيْء
حَدِيث لَا يكون الْمَرْء عَالما حَتَّى يكون بِعِلْمِهِ عَاملا
حَدِيث من ازْدَادَ علما وَلم يَزْدَدْ هدى لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا
حَدِيث إِن الْعَالم يعذب عذَابا يضيق بِهِ أهل النَّار استعظاما لشدَّة عَذَابه
حَدِيث إِن الْمَرْء لينشر لَهُ من الثَّنَاء مَا يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة
حَدِيث هَلَاك أمتِي عَالم فَاجر وجاهل عَاقل وَشر الشرار شرار الْعلمَاء وَخير الْخِيَار خِيَار الْعلمَاء
حَدِيث مَكْحُول عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم حَدِيث عشرَة من الصَّحَابَة كُنَّا نتدارس الْعلم فِي مَسْجِد قبَاء إِذْ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (تعلمُوا مَا شِئْتُم أَن تعلمُوا فَلَنْ يَأْجُركُمْ الله حَتَّى تعملوا)(6/289)
حَدِيث شرار الْعلمَاء الَّذين يأْتونَ الْأُمَرَاء وَخيَار الْأُمَرَاء الَّذين يأْتونَ الْعلمَاء
فِي ابْن ماجة وشطره الأول بِلَفْظ آخر
حَدِيث من عمل بِمَا علم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم
حَدِيث تعلمُوا الْيَقِين
حَدِيث من أقل مَا أُوتِيتُمْ الْيَقِين وعزيمة الصَّبْر. . الحَدِيث
حَدِيث قيل يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل
قَالَ اجْتِنَاب الْمَحَارِم وَلَا يزَال فوك رطبا من ذكر الله. . الحَدِيث
حَدِيث إِن أَكثر النَّاس أَمَانًا يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم خوفًا فِي الدُّنْيَا
حَدِيث كُنَّا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتينا الْإِيمَان قبل الْقُرْآن. . الحَدِيث
حَدِيث سُئِلَ حُذَيْفَة نرَاك تَتَكَلَّم بِكَلَام لَا نَسْمَعهُ من غَيْرك من الصَّحَابَة
الحَدِيث فِي علمه بالمنافقين
حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا مَوْقُوفا إِنَّمَا هم اثْنَتَانِ الْكَلَام وَالْهدى
لَا نَعْرِف الْمَرْفُوع وروى الطَّبَرَانِيّ الْمَوْقُوف
حَدِيث كَانَ يتَوَكَّأ فِي خطْبَة الْعِيد وَالِاسْتِسْقَاء على قَوس أَو عَصا(6/290)
حَدِيث من غش أمتِي فَعَلَيهِ لعنة الله
الحَدِيث فِي الابتداع
حَدِيث إِن لله ملكا يُنَادى كل يَوْم من خَالف السّنة لم تنله الشَّفَاعَة
حَدِيث عَلَيْكُم بالنمط الْأَوْسَط. . الحَدِيث
رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب مَوْقُوفا عَن عَليّ & الْبَاب السَّابِع فِي الْعقل &
إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أحب من أَحْبَبْت. . الحَدِيث = كتاب قَوَاعِد العقائد =
الْفَصْل الثَّانِي مِنْهُ حَدِيث إِن لله سبعين حِجَابا من نور. . الحَدِيث
حَدِيث إِن الْمَسْجِد لينزوي من النخامة. . الحَدِيث
حَدِيث إِنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من جَانب الْيمن
الْفَصْل الثَّالِث حَدِيث إِن الله أخبر نبيه بِأَن أَبَا جهل لَا يصدقهُ ثمَّ أمره بِأَن يَأْمُرهُ بِأَن يصدقهُ
حَدِيث كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع كَلَام جِبْرِيل ويشاهده وَمن حوله لَا يسمعونه وَلَا يرونه
الْفَصْل الرَّابِع حَدِيث سُئِلَ مرّة عَن الْإِيمَان فَأجَاب بِهَذِهِ الْخمس يَعْنِي الْخمس الَّتِي هِيَ مباني الْإِسْلَام(6/291)
حَدِيث سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل
فَقَالَ الْإِسْلَام. . الحَدِيث
حَدِيث لَا يكفر أحد إِلَّا بجحوده بِمَا أقرّ بِهِ
حَدِيث حُذَيْفَة المُنَافِقُونَ الْيَوْم أَكثر مِنْهُم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ أَنِّي أستغفرك لما علمت وَمَا لم أعلم) . . الحَدِيث
حَدِيث من قَالَ أَنا مُؤمن فَهُوَ كَافِر. . الحَدِيث = كتاب أسرار الطَّهَارَة =
حَدِيث بني الدّين على النَّظَافَة
حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره من أهل الصّفة كُنَّا نَأْكُل الشواء فتقام الصَّلَاة
الحَدِيث
حَدِيث عمر مَا كُنَّا نَعْرِف الأشنان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث إِدْخَال الْأصْبع فِي محاجر الْعَينَيْنِ وَمَوْضِع القذي
حَدِيث مسح الرَّقَبَة أَمَان من الغل يَوْم الْقِيَامَة
حَدِيث من وَهن علم الرجل ولوعه بِالْمَاءِ فِي الطّهُور
حَدِيث الْوضُوء على الْوضُوء نور على نور
حَدِيث الطَّاهِر كالصائم(6/292)
حَدِيث ادهنوا غبا
حَدِيث كَانَ يسرح لحيته فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ
حَدِيث كَانَ كث اللِّحْيَة
حَدِيث تنظيف الرواجب
قصَّة يحيى بن أَكْثَم حِين سُئِلَ كم سنّ القَاضِي وفيهَا حديثان حَدِيث لَا يحل للرجل أَن يدْخل حليلته الْحمام
حَدِيث حرَام على الرِّجَال دُخُول الْحمام إِلَّا بمئزر. . الحَدِيث
حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة قلم أظفارك فَإِن الشَّيْطَان يقْعد على مَا طَال مِنْهَا
حَدِيث أَنه لم يَأْمر من تَحت أَظْفَاره وسخ بِإِعَادَة الصَّلَاة
حَدِيث قصّ الْأَظْفَار = كتاب أسرار الصَّلَاة =
حَدِيث من لَقِي الله مضيعا للصَّلَاة لم يعبإ الله بِشَيْء من عمله
حَدِيث مَا افْترض الله على خلقه بعد التَّوْحِيد شَيْئا أحب إِلَيْهِ من الصَّلَاة. . الحَدِيث
حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة مر أهلك بِالصَّلَاةِ فَإِن الله يَأْتِيك بالرزق. . الحَدِيث(6/293)
حَدِيث يزِيد الرقاشِي كَانَت صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستوية كَأَنَّهَا موزونة
حَدِيث إِن الرجلَيْن من أمتِي ليقومان إِلَى الصَّلَاة وركوعهما وسجودهما وَاحِد وَإِن مَا بَين صلاتيهما مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
حَدِيث أما يخْشَى الَّذِي يحول وَجهه فِي الصَّلَاة ... الحَدِيث
حَدِيث من صلى صَلَاة فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قد مَلأ نَحره عبَادَة
حَدِيث مَا تقرب العَبْد إِلَى الله بِشَيْء أفضل من سُجُود خَفِي
رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَالرَّقَائِق مُرْسلا
حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدثنا ونحدثه فَإِذا حضرت الصَّلَاة كَأَنَّهُ لم يعرفنا وَلم نعرفه
حَدِيث لَا ينظر الله إِلَى صَلَاة لَا يحضر الرجل فِيهَا قلبه مَعَ بدنه
حَدِيث من ألف الْمَسْجِد أَلفه الله تَعَالَى
حَدِيث الحَدِيث فِي الْمَسْجِد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل الْبَهِيمَة الْحَشِيش
حَدِيث سَبْعَة أَشْيَاء من الشَّيَاطِين فِي الصَّلَاة
حَدِيث لَيْسَ للْعَبد من صلَاته إِلَّا مَا عقل
حَدِيث أَنه احتذى نعلا فَأَعْجَبتهُ فَسجدَ
حَدِيث إِذا قَامَ العَبْد إِلَى صلَاته وَكَانَ وَجهه وهواه إِلَى الله انْصَرف كَيَوْم وَلدته أمه(6/294)
قَول أبي هُرَيْرَة كَيفَ الْحيَاء من الله قَالَ تَسْتَحي مِنْهُ كَمَا تَسْتَحي من الرجل الصَّالح
حَدِيث اللَّهُمَّ أصلح الرَّاعِي والرعية
حَدِيث إِن العَبْد إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع الله الْحجاب بَينه وَبَين عَبده ... . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث لَا ينجو منى عَبدِي إِلَّا بأَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ
حَدِيث الإِمَام أَمِين فَإِذا ركع فاركعوا
حَدِيث من أذن فِي مَسْجِد سبع سِنِين وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أذن أَرْبَعِينَ عَاما دخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
عَن التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من أذن سبع سِنِين محتسبا كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار
حَدِيث فضل أول الْوَقْت على آخِره كفضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا
حَدِيث إِن العَبْد ليُصَلِّي الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا وَلما فَاتَهُ من أول وَقتهَا خير لَهُ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ خير لَهُ من أَهله وَمَاله
حَدِيث أَنه قَرَأَ بعض سُورَة يُونُس فَلَمَّا انْتهى إِلَى ذكر مُوسَى وَفرْعَوْن قطع وَركع(6/295)
الْمَعْرُوف قِرَاءَة سُورَة الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ فِيهَا ذكر فِرْعَوْن وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى وَهَارُون
حَدِيث أَنهم كَانُوا يسبحون وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السُّجُود وَالرُّكُوع عشرا
حَدِيث الدُّعَاء فِي آخر الصَّلَاة وَإِذا أردْت بِقوم فتْنَة فاقبضنا غير مفتونين
حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت
حَدِيث من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر فقد نبذ الْإِسْلَام وَرَاء ظَهره
حَدِيث لِأَن يكون الرجل رَمَادا تَذْرُوهُ الرِّيَاح خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي
حَدِيث لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِك لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ سنة خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ
حَدِيث ادن واستمع
حَدِيث إِن هَذِه الْأمة مَرْحُومَة مَنْظُور إِلَيْهَا بَين الْأُمَم وَإِن الله إِذا نظر لعبد فِي الصَّلَاة غفر لَهُ وَلمن وَرَاءه من النَّاس حَدِيث عَليّ وَعبد الله فِي الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة سِتا
هُوَ عِنْد الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوف على عَليّ
حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة فِي قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة
حَدِيث ويل للْعَالم من الْجَاهِل من حَيْثُ لَا يُعلمهُ
حَدِيث إِن بِلَالًا كَانَ يُسَوِّي الصُّفُوف وَيضْرب عراقيبهم بِالدرةِ
حَدِيث من صلى أَربع رَكْعَات بعد زَوَال الشَّمْس يحسن قراءتهن وركوعهن(6/296)
وسجودهن صلى مَعَه سَبْعُونَ ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى اللَّيْل
حَدِيث أنس فِي الْوتر ثَلَاث رَكْعَات
حَدِيث كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل فرَاشه زحف إِلَيْهِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ
حَدِيث الْوتر سبع عشرَة رَكْعَة
قَالَ المُصَنّف إِنَّه حَدِيث شَاذ رَوَاهُ الصفار فِي كتاب الصَّلَاة
حَدِيث كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتّ رَكْعَات
حَدِيث من عكف نَفسه فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي مَسْجِد جمَاعَة لم يتَكَلَّم إِلَّا بِصَلَاة أَو قُرْآن ... . الحَدِيث
أَحَادِيث صلوَات يَوْم الْجُمُعَة وليلتها
قَول سُفْيَان من السّنة أَن يُصَلِّي بعد الْفطر اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَبعد الْأَضْحَى سِتّ رَكْعَات
حَدِيث فضل صَلَاة التَّطَوُّع فِي بَيته على صلَاته فِي الْمَسْجِد كفضل صَلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الْمَسْجِد على صلَاته فِي الْبَيْت
حَدِيث صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من ألف صَلَاة فِي مَسْجِدي وَأفضل من هَذَا كُله رجل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي زَاوِيَة بَيته. . الحَدِيث(6/297)
رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الصفار فِي كتاب الصَّلَاة
حَدِيث صَلَاة الرغائب فِي رَجَب
وَقد تكلم فِيهِ ابْن عبد السَّلَام وَابْن الصّلاح أَيْضا فَلهُ أصل على الْجُمْلَة وَلكنه مَوْضُوع
حَدِيث صَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان
حَدِيث من عبد الله تَعَالَى عبَادَة ثمَّ تَركهَا ملالا مقته الله
حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة إِذا خرجت من مَنْزِلك فصل رَكْعَتَيْنِ يمنعانك مخرج السوء وَإِذا دخلت مَنْزِلك فصل رَكْعَتَيْنِ يمنعانك مدْخل السوء
حَدِيث فعله رَكْعَتَيْنِ عِنْد ابْتِدَاء السّفر
حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي صَلَاة الْحَاجة اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة = كتاب أسرار الزَّكَاة =
حَدِيث أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون
حَدِيث لَا يقبل الله من مسمع وَلَا مراء وَلَا منان
حَدِيث لَا يقبل الله صَدَقَة منان
حَدِيث لَا تَأْكُل إِلَّا طَعَام تَقِيّ
حَدِيث أَنه بعث مَعْرُوفا إِلَى بعض الْفُقَرَاء وَقَالَ للرسول احفظ مَا يَقُول فَلَمَّا أَخذ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي لَا ينسى من ذكره. . الحَدِيث(6/298)
حَدِيث كَانَ يُعْطي الْعَطاء على مِقْدَار الْعيلَة
حَدِيث أفضل مَا أهْدى الرجل إِلَى أَخِيه وَرقا أَو يطعمهُ خبْزًا = كتاب أسرار الصّيام =
حَدِيث يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عَبدِي ترك شَهْوَته ولذته وَطَعَامه وَشَرَابه من أَجلي
حَدِيث إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم
فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِن زَاد فِيهِ فضيقوا مجاريه بِالْجُوعِ وَذَلِكَ لَا يعرف
حَدِيث داومي قرع بَاب الْجنَّة بِالْجُوعِ يَقُوله لعَائِشَة
حَدِيث كَانَ لَا يخرج إِلَّا لِحَاجَتِهِ وَلَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارا
فِي السّنَن وَالصَّحِيح مُلَفقًا مَعَ اخْتِلَاف
حَدِيث المغتاب والمستمع شريكان فِي الْإِثْم
حَدِيث إِنَّمَا الصَّوْم أَمَانَة فَلْيحْفَظ أحدكُم أَمَانَته
حَدِيث لماتلا {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وضع يَده على سَمعه وبصره(6/299)
حَدِيث كَانَ يصل صِيَام شعْبَان حَتَّى كَانَ يظنّ أَنه من رَمَضَان
قَوْله حَتَّى كَانَ غَرِيب لَا يعرف وَلَعَلَّه حَتَّى كَانَ يصله برمضان وأصل الحَدِيث فِي الصَّحِيح
حَدِيث صَوْم يَوْم من شهر حرَام أفضل من صَوْم ثَلَاثِينَ من غَيره ... الحَدِيث
حَدِيث وصل شعْبَان برمضان مرّة وفصله مرَارًا
حَدِيث فضل الْعَمَل فِي أَيَّام الْعشْر وَفِيه إِلَّا من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه = كتاب أسرار الْحَج = حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد أسْندهُ من الذُّنُوب ذنُوب لَا يكفرهَا إِلَّا الْوُقُوف بِعَرَفَة حَدِيث الْحجَّاج والعمار وَفد إِن سَأَلُوا أَعْطَاهُم وَإِن شفعوا شفعوا
حَدِيث أهل الْبَيْت مُسْندًا أعظم النَّاس ذَنبا من وقف بِعَرَفَة فَظن أَن الله لم يغْفر لَهُ
حَدِيث استكثروا من الطّواف بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ
حَدِيث من طَاف أسبوعا حاسرا حافيا كَانَ كعتق رَقَبَة وَمن طَاف أسبوعا فِي الْمَطَر غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
حَدِيث إِن الله قد وعد هَذَا الْبَيْت أَن يَحْجُبهُ فِي كل سنة سِتّمائَة ألف. . الحَدِيث(6/300)
حَدِيث كَانَ يقبل الْحجر كثيرا
حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا عَن الله إِذا أردْت أَن أخرب الدُّنْيَا بدأت ببيتي فخربته ثمَّ أخرب الدُّنْيَا على أَثَره
حَدِيث ابْن عَبَّاس صَلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِعشْرَة آلَاف صَلَاة
حَدِيث الْبِلَاد بِلَاد الله والعباد عباده فَأَي مَوضِع رَأَيْت فِيهِ رفقا فأقم وَاحْمَدْ الله
حَدِيث السّنة أَن يتناوب الرّفْقَة فِي الحراسة
حَدِيث كَانَ إِذا أعجبه شَيْء قَالَ لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة
فِي الْمُسْتَدْرك نَحوه
حَدِيث من وجد سَعَة وَلم يغد إِلَيّ فقد جفاني)
حَدِيث كل قَطْرَة من دَمهَا حَسَنَة وَإِنَّهَا لتوضع فِي الْمِيزَان فأبشروا
حَدِيث أَنه يعْتق بِكُل جُزْء من الْأُضْحِية جُزْء من المضحي من النَّار = كتاب آدَاب تِلَاوَة الْقُرْآن =
حَدِيث مَا من شَفِيع أعظم عِنْد الله منزلَة من الْقُرْآن
حَدِيث الدُّعَاء عِنْد ختم الْقُرْآن اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالْقُرْآنِ واجعله لي إِمَامًا ... الحَدِيث
حَدِيث إِذا عظمت أمتِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم نزع مِنْهَا هَيْبَة الْإِسْلَام وَإِذا تركُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ حرمُوا برمة الْوَحْي
حَدِيث لَا يسمع الْقُرْآن من أحد أشهى مِمَّن يخْشَى الله(6/301)
حَدِيث لتفترق أمتِي على أصل دينهَا وجماعتها على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة كلهَا ضَالَّة مضلة يدعونَ إِلَى النَّار فَإِذا كَانَ ذَلِك فَعَلَيْكُم بِكِتَاب الله)
الحَدِيث
حَدِيث النَّهْي عَن تَفْسِير الْقُرْآن بِالرَّأْيِ = كتاب الْأَذْكَار والدعوات =
حَدِيث الْمجْلس الصَّالح يكفر عَن الْمُؤمن ألف ألف مجْلِس من مجَالِس السوء
حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة كل حَسَنَة تعملها توزن يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهَا لَا تُوضَع فِي ميزَان ... الحَدِيث
حَدِيث لَو جَاءَ قَائِل لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا بقراب الأَرْض ذنوبا لغفر لَهُ
حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة لقن الْمَوْتَى لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَنَّهَا تهدم الذُّنُوب ... الحَدِيث
حَدِيث لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة التَّوْحِيد وَكلمَة الْإِخْلَاص وَكلمَة التَّقْوَى والكلمة الطّيبَة ودعوة الْحق والعروة الوثقى وَهِي ثمن الْجنَّة
حَدِيث إِن العَبْد إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أَتَت على صَحِيفَته فَلَا تمر على خَطِيئَة إِلَّا محتها حَتَّى تَجِد حَسَنَة مثلهَا تجْلِس إِلَيْهَا
حَدِيث إِن رجلا قَالَ تولت عني الدُّنْيَا وَقلت ذَات يَدي
قَالَ فَأَيْنَ أَنْت من صَلَاة الْمَلَائِكَة وتسبيح الْخَلَائق وَبهَا يرْزقُونَ ... الحَدِيث
حَدِيث إِذا قَالَ العَبْد الْحَمد لله مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَإِذا قَالَ الثَّانِيَة(6/302)
مَلَأت مَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الأَرْض السُّفْلى فَإِذا قَالَ الثَّالِثَة قَالَ الله سل تعط
حَدِيث أبي ذَر فِي أهل الدُّثُور وَفِيه وتكبر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ
حَدِيث إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أحبب من أَحْبَبْت
حَدِيث إيَّاكُمْ والسجع فِي الدُّعَاء بِحَسب أحدكُم أَن يَقُول ... الحَدِيث
حَدِيث إِذا سَأَلْتُم الله حَاجَة فابدأوا بِالصَّلَاةِ عَليّ
قَول عمر بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت كَذَا كنت كَذَا فَذكر كلَاما طَويلا نَحْو ورقة
حَدِيث إِن رجلا لم يعْمل خيرا قطّ نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ إِن لي رَبًّا ... الحَدِيث
حَدِيث دُعَاء الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ إِن هَذَا خلق جَدِيد ... الحَدِيث
دُعَاء عِيسَى اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَسْتَطِيع دفع مَا أكره ... الحَدِيث
حَدِيث إِن الله يمجد نَفسه كل يَوْم وَيَقُول إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا الْحَيّ القيوم ... الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث اللَّهُمَّ لَا تؤمني مكرك وَلَا تولني غَيْرك ... الحَدِيث
حَدِيث اللَّهُمَّ املأ وُجُوهنَا مِنْك حَيَاء وقلوبنا بك فَرحا
حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَل أول يَوْمنَا رَحْمَة وأوسطه نعْمَة وَآخره مكرمَة
حَدِيث اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي. . الحَدِيث(6/303)
حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من أوليائك الْمُتَّقِينَ وحزبك المفلحين ... الحَدِيث
حَدِيث نَسْأَلك جَوَامِع الْخَيْر وفواتحه وخواتمه. . الحَدِيث
حَدِيث اللَّهُمَّ بقدرتك عَليّ تب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم. . الحَدِيث
حَدِيث يَا من لَا تضره الذُّنُوب وَلَا تنقصه الْمَغْفِرَة ... الحَدِيث
حَدِيث وَأَعُوذ بك من أَن أَمُوت لطلب دنيا
حَدِيث اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير هَذَا الشَّهْر وَخير الْقدر وَأَعُوذ بك من شَرّ يَوْم الْحَشْر
حَدِيث يَقُول عِنْد الصَّدَقَة {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم}
وَعند الخسران {عَسى رَبنَا أَن يبدلنا خيرا مِنْهَا}
وَعند ابْتِدَاء الْأُمُور {رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} {رب اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي}
وَعند النّظر فِي السَّمَاء {رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار} {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمرا منيرا}
حَدِيث سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته يَقُوله عِنْد صَوت الرَّعْد
حَدِيث إِذا أَصَابَهُ وجع وضع عَلَيْهِ يَده وَقَالَ {بِسم الله} ثَلَاثًا
حَدِيث اللَّهُمَّ أيقظني فِي أحب السَّاعَات إِلَيْك
حَدِيث اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك أَن تبعثنا فِي هَذَا الْيَوْم إِلَى كل خير)(6/304)
حَدِيث اللَّهُمَّ فالق الإصباح وجاعل اللَّيْل سكنا. . الحَدِيث
حَدِيث {رَبنَا عَلَيْك توكلنا وَإِلَيْك أنبنا وَإِلَيْك الْمصير} يَقُولهَا عِنْد الصَّباح
حَدِيث أعوذ بِكَلِمَات الله التامات وأسمائه كلهَا من شَرّ مَا ذَرأ وبرأ ... الحَدِيث = كتاب الأوراد =
حَدِيث انس مَرْفُوعا فِي صَلَاة الصُّبْح من تَوَضَّأ ثمَّ توجه إِلَى الْمَسْجِد ليُصَلِّي فِيهِ الصَّلَاة كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة ومحي عَنهُ سَيِّئَة والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا فَإِذا صلى ثمَّ انْصَرف عِنْد طُلُوع الشَّمْس كتب لَهُ بِكُل شَعْرَة فِي جسده حَسَنَة وانقلب بِحجَّة مبرورة فَإِن جلس حَتَّى يرْكَع الضُّحَى كتب لَهُ بِكُل رَكْعَة ألف ألف حَسَنَة وَمن صلى الْعَتَمَة فَلهُ مثل ذَلِك وانقلب بِحجَّة مبرورة
قَول أبي هُرَيْرَة فِي الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد قبل طُلُوع الشَّمْس إِنَّا كُنَّا نعد خروجنا وقعودنا فِي الْمَسْجِد فِي هَذِه السَّاعَة بِمَنْزِلَة غَزْوَة فِي سَبِيل الله أَو قَالَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث الْحسن مَرْفُوعا فِيمَا يذكر من رَحْمَة ربه أَنه قَالَ يَا ابْن آدم اذْكُرْنِي من بعد صَلَاة الْفجْر سَاعَة وَبعد صَلَاة الْعَصْر سَاعَة أكفك مَا بَينهمَا)(6/305)
حَدِيث كَلِمَات ورد فِي تكرارها فَضَائِل وَهِي عشر الأولى لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَى آخِره
الثَّانِيَة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله إِلَى آخِره
الثَّالِثَة سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح
الرَّابِعَة الله الْعَظِيم سُبْحَانَ وَبِحَمْدِهِ
الْخَامِسَة أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وأسأله التَّوْبَة
وَالسَّادِسَة اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت
إِلَى آخِره
السَّابِعَة لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين
الثَّامِنَة بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء
إِلَى آخِره
التَّاسِعَة اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد
الْعَاشِرَة أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم
الْوَارِد فِي فضل قِرَاءَة {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} إِلَى آخر السُّورَة
وَفِي فضل قِرَاءَة {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} إِلَى آخر السُّورَة
وَفِي قِرَاءَة أول الْحَدِيد
حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكثر قِرَاءَة سُورَة يس وَسورَة الدُّخان والواقعة
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
حَدِيث النَّهْي عَن نقض الْوتر
حَدِيث إِذا نَام العَبْد على الطَّهَارَة رفع بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش(6/306)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْأَيْمَان مَوْقُوفا على عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
حَدِيث نوم الْعَالم عبَادَة وَنَفسه تَسْبِيح
حَدِيث من أَوَى إِلَى فرَاشه لَا يَنْوِي ظلم أحد وَلَا يحقد على أحد غفر لَهُ مَا أجرم
حَدِيث لَا تكابدوا اللَّيْل
حَدِيث اهتزاز الْعَرْش وانتشار الرِّيَاح من جنَّات عدن فِي آخر اللَّيْل
حَدِيث صَلَاة الْمغرب أوترت صَلَاة النَّهَار فأوتروا صَلَاة اللَّيْل
حَدِيث أبي ذَر حُضُور مجْلِس الْعلم أفضل من صَلَاة ألف رَكْعَة وشهود ألف جَنَازَة وعيادة ألف مَرِيض
حَدِيث إِن من جمع فِي يَوْم بَين صَوْم وَصدقَة وعيادة مَرِيض وشهود جَنَازَة غفر لَهُ وَفِي رِوَايَة دخل الْجنَّة
حَدِيث عَائِشَة أفضل الصَّلَاة عِنْد الله صَلَاة الْمغرب وَفِيه من صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ بنى الله لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة وَمن صلى بعْدهَا أَربع رَكْعَات غفر لَهُ الله ذنُوب عشْرين أَو قَالَ أَرْبَعِينَ سنة
حَدِيث أم سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى سِتّ رَكْعَات بعد الْمغرب عدلت لَهُ عبَادَة سنة أَو كَأَنَّهُ صلى لَيْلَة الْقدر
حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا من عكف نَفسه مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي مَسْجِد جمَاعَة لم يتَكَلَّم إِلَّا بِصَلَاة أَو قُرْآن كَانَ حَقًا على الله أَن يَبْنِي لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة مسيرَة كل قصر مِنْهُمَا مائَة عَام ويغرس لَهُ بَينهمَا غراسا لَو طافه أهل الدُّنْيَا لوسعهم(6/307)
= كتاب آدَاب الْأكل =
حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يَأْكُل وَحده
حَدِيث من أكل مَا يسْقط من الْمَائِدَة عَاشَ فِي سَعَة وعوفى فِي وَلَده
حَدِيث إِن الإخوان إِذا رفعوا أَيْديهم عَن الطَّعَام لَا يُحَاسب من أكل من فضل ذَلِك الطَّعَام
حَدِيث لَا حِسَاب على مَا يَأْكُلهُ مَعَ إخوانه
حَدِيث جَابر لَوْلَا أننا نهينَا عَن التَّكَلُّف لتكلفت لكم
حَدِيث جرير مَرْفُوعا من لذذ أَخَاهُ بِمَا يَشْتَهِي كتب الله لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحا عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة وأطعمه من ثَلَاث جنَّات جنَّة الفرودس وجنة عدن وجنة الْخلد
حَدِيث لَا تتكلفوا للضيف فتبغضوه من أبْغض الضَّيْف فقد أبْغض الله وَمن أبْغض الله أبغضه الله
حَدِيث مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل لَهُ إبل وبقر كَثِيرَة فَلم يضفه وَمر بِامْرَأَة لَهَا شويهات فذبحت لَهُ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (انْظُرُوا إِلَيْهِمَا إِنَّمَا هَذِه الْأَخْلَاق بيد الله فَمن شَاءَ أَن يمنحه خلقا حسنا فعل)
حَدِيث أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نزل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضيف فَقَالَ (قل لفُلَان الْيَهُودِيّ نزل بِي ضيف فأسلفني شَيْئا من الدَّقِيق) . .(6/308)
حَدِيث مَا الْإِيمَان
قَالَ إطْعَام الطَّعَام وبذل السَّلَام
حَدِيث لَيْسَ من السّنة إِجَابَة من يطعم الطَّعَام مباهاة وتكلفا
حَدِيث قصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بلغ كرَاع الغميم
حَدِيث حَاتِم الْأَصَم العجلة من الشَّيْطَان إِلَّا فِي خَمْسَة فَإِنَّهَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إطْعَام الضَّيْف وتجهيز الْمَيِّت وتزويج الْبكر وَقَضَاء الدّين) الحَدِيث
وَفِي الْخَبَر أَن الْمَائِدَة الَّتِي أنزلت على بني إِسْرَائِيل كَانَ فِيهَا كل الْبُقُول إِلَّا الكراث وَكَانَ عَلَيْهَا الْخبز
حَدِيث ابْن مَسْعُود نهينَا أَن نجيب من يباهي بطعامه
حَدِيث قطع الْعُرُوق مسقمة وَترك الْعشَاء مهرمة = كتاب آدَاب النِّكَاح =
حَدِيث تناكحوا تكثروا فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ
حَدِيث من ترك التَّزْوِيج مَخَافَة الْعيلَة فَلَيْسَ منا
حَدِيث من نكح لله وأنكح لله فقد اسْتحق ولَايَة الله
حَدِيث الْحَصِير فِي نَاحيَة الْبَيْت خير من امْرَأَة لَا تَلد
حَدِيث الطِّفْل يجر بأبويه إِلَى الْجنَّة
حَدِيث إِن الْأَطْفَال يجمعُونَ فِي موقف الْقِيَامَة عِنْد عرض الْخَلَائق لِلْحسابِ فَيُقَال للْمَلَائكَة اذْهَبُوا بهؤلاء إِلَى الْجنَّة. . الحَدِيث(6/309)
حَدِيث إِن العَبْد ليوقف عِنْد الْمِيزَان وَله من الْحَسَنَات أَمْثَال الْجبَال فَيسْأَل عَن رِعَايَة عِيَاله الحَدِيث
حَدِيث لَا يلقى الله سُبْحَانَهُ أحد بذنب أعظم من جَهَالَة أَهله
حَدِيث من نكح الْمَرْأَة لمالها وجمالها حرم مَالهَا وجمالها وَمن نكح لدينها رزقه الله مَالهَا وجمالها
حَدِيث إِن الله يبغض الثرثارين المتشدقين
حَدِيث خير النِّسَاء أحسنهن وُجُوهًا وأرخصهن مهورا
حَدِيث النَّهْي عَن المغالاة فِي الْمهْر
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدى تمر ومدى سويق
حَدِيث تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ فَإِن الْعرق دساس
وَقيل نزاع
حَدِيث لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة فَإِن الْوَلَد يخلق ضاويا
حَدِيث النِّكَاح رق فَلْينْظر أحدكُم أَيْن يضع كريمته
حَدِيث من صَبر على سوء خلق امْرَأَته أعطَاهُ الله من الْأجر مثل مَا أعْطى أَيُّوب على بلائه وَمن صبرت على سوء خلق زَوجهَا أَعْطَاهَا الله مثل ثَوَاب آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن
حَدِيث أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفعت فِي صَدره فزبرتها أمهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دعيها فَإِنَّهُنَّ يصنعن أَكثر من ذَلِك)
حَدِيث أَن عَائِشَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول الله فَتَبَسَّمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/310)
حَدِيث تعس عبد الزَّوْجَة
حَدِيث أَنِّي لغيور وَمَا من امرىء لَا يغار إِلَّا منكوس الْقلب
حَدِيث لَا يقعن أحدكُم على امْرَأَته كَمَا تقع الْبَهِيمَة ليكن بَينهمَا رَسُول
قيل وَمَا الرَّسُول
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَة وَالْكَلَام
حَدِيث إِن الرجل ليجامع أَهله فَيكْتب لَهُ من جمَاعَة أجر ولد ذكر قَاتل فِي سَبِيل الله فَقتل
حَدِيث أنس مَرْفُوعا من خرج إِلَى سوق من أسواق الْمُسلمين فَاشْترى لَحْمًا فَحَمله إِلَى بَيته فَخص بِهِ الْإِنَاث دون الذُّكُور نظر الله إِلَيْهِ وَمن نظر الله إِلَيْهِ لم يعذبه
حَدِيث سمي رجل أَبَا عِيسَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن عِيسَى لَا أَب لَهُ) = كتاب آدَاب الْكسْب والمعاش =
حَدِيث من طلب الدُّنْيَا حَلَالا تعففا عَن الْمَسْأَلَة وسعيا على عِيَاله وتعطفا على جَاره لَقِي الله وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
حَدِيث إِن الله يحب العَبْد يتَّخذ المهنة يَسْتَغْنِي بهَا عَن النَّاس وَيبغض العَبْد يتَعَلَّم الْعلم فيتخذه مهنة
حَدِيث عَلَيْكُم بِالتِّجَارَة فَإِن فِيهَا تِسْعَة أعشار الرزق
حَدِيث الْأَسْوَاق مَوَائِد الله فَمن أَتَاهَا أصَاب مِنْهَا(6/311)
حَدِيث مَا أوحى الله إِلَى أَن اجْمَعْ المَال وَكن من الساجدين وَلَكِن أوحى إِلَيّ {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين}
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حَيَّان والخطيب فِي الْجُزْء الْخَامِس من الْمُتَّفق من حَدِيث حُذَيْفَة بن أويس
حَدِيث من احتكر الطَّعَام أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تصدق بِهِ لم تكن صَدَقَة كَفَّارَة للاحتكار
حَدِيث من جلب طَعَاما فَبَاعَهُ بِسعْر يَوْمه فَكَأَنَّمَا تصدق بِهِ وَفِي لفظ آخر وكأنما أعتق رَقَبَة
حَدِيث خُذ حَقك عَن عفاف واف أَو غير واف
حَدِيث من أدان دينا وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ وكل بِهِ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ ويدعونه لَهُ حَتَّى يَقْضِيه
حَدِيث خير تجارتكم الْبَز وَخير صنائعكم الخرز
حَدِيث شَرّ الْبِقَاع الْأَسْوَاق وَشر أَهلهَا أَوَّلهمْ دُخُولا وَآخرهمْ خُرُوجًا مِنْهَا
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يسْأَل عَن كل مَا يحمل إِلَيْهِ
حَدِيث من دَعَا لظَالِم بطول الْبَقَاء فقد أحب أَن يَعْصِي الله فِي أرضه(6/312)
حَدِيث من أكْرم فَاسِقًا فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام = كتاب الْحَلَال وَالْحرَام =
حَدِيث من سعى على عِيَاله من حلّه فَهُوَ كالمجاهد فِي سَبِيل الله وَمن طلب الدُّنْيَا حَلَالا من عفاف كَانَ فِي دَرَجَة الشُّهَدَاء
حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا إِن لله ملكا على بَيت الْمُقَدّس يُنَادى كل لَيْلَة من أكل حَرَامًا لم يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل
حَدِيث من لم يبال من أَيْن اكْتسب المَال لم يبال الله من أَيْن أدخلهُ النَّار
حَدِيث الْعِبَادَة عشرَة أَجزَاء تِسْعَة مِنْهَا فِي طلب الْحَلَال
حَدِيث من أَمْسَى وَاقِفًا فِي طلب الْحَلَال بَات مغفورا لَهُ وَأصْبح وَالله عَنهُ رَاض
حَدِيث من أصَاب مَالا من مأثم فوصل بِهِ رحما أَو تصدق بِهِ أَو أنفقهُ فِي سَبِيل الله جمع الله ذَلِك جَمِيعًا ثمَّ قذفه فِي النَّار
حَدِيث من لَقِي الله سُبْحَانَهُ ورعا أعطَاهُ ثَوَاب الْإِسْلَام كُله
حَدِيث أَن أَبَا بكر تقيأ طَعَاما فِيهِ شُبْهَة فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ أَو مَا علمْتُم أَن الصّديق لَا يدْخل جَوْفه إِلَّا طيب
حَدِيث كل مَا أصميت ودع مَا أنميت
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَن يكحل الْمَسْجِد فَقَالَ (لَا عَرِيش كعريش مُوسَى)(6/313)
حَدِيث عَائِشَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأرنب فَقَالَ رميتي عرفت فِيهَا سهمي
فَقَالَ أصميت أَو أنميت)
فَقَالَ بل أنميت
قَالَ إِن اللَّيْل خلق من خلق الله لَا يقدر قدرَة إِلَّا الَّذِي خلقه لَعَلَّه أعَان على قَتله شَيْء
حَدِيث الْمُغيرَة مَرْفُوعا لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الْخُمُور فَبَاعُوهَا
حَدِيث الْمُسلم يذبح على اسْم الله سمى أَو لم يسم
حَدِيث يَا معشر الْمُهَاجِرين لَا تدْخلُوا على أهل الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مسخطة للرزق
حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة مَرْفُوعا إِن الْعَالم إِذا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجه الله هابه كل شَيْء وَإِن أَرَادَ أَن يكنز بِهِ الْكُنُوز هاب كل شَيْء
حَدِيث أبي ذَر مَرْفُوعا إِن الرجل إِذا ولى ولَايَة تبَاعد الله عز وَجل عَنهُ
حَدِيث اللَّهُمَّ لَا تجْعَل لِفَاجِر على يدا فَيُحِبهُ قلبِي
حَدِيث آكل الرِّبَا وموكله وَشَاهده وكاتبه مَلْعُون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث يُقَال للشرطي دع سَوْطك وادخل النَّار
حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا لعن الله عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل إِذْ خالطوا فِي مَعَايشهمْ
حَدِيث يَأْتِي على النَّاس زمَان يسْتَحل فِيهِ السُّحت بالهدية وَالْقَتْل بِالْمَوْعِظَةِ يقتل البريء لتوعظ بِهِ الْعَامَّة(6/314)
= كتاب آدَاب الصُّحْبَة =
حَدِيث من أَرَادَ الله بِهِ خيرا رزقه الله أَخا صَالحا إِن نسي ذكره وَإِن ذكر أَعَانَهُ
حَدِيث مثل الْأَخَوَيْنِ إِذا التقيا مثل الْيَدَيْنِ يغسل إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَمَا التقى المؤمنان قطّ إِلَّا أَفَادَ الله أَحدهمَا من صَاحبه خيرا
روى الشّطْر الأول مِنْهُ السّلمِيّ فِي آدَاب الصُّحْبَة من حَدِيث أنس بِإِسْنَاد ضَعِيف
حَدِيث من آخى أَخا فِي الله رَفعه الله دَرَجَة فِي الْجنَّة لَا ينالها بِشَيْء من عمله
حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِن حول الْعَرْش مَنَابِر من نور عَلَيْهَا قوم لباسهم. . الحَدِيث
حَدِيث إِن الله حرم من الْمُؤمن دَمه وَمَاله وَعرضه وَأَن يظنّ بِهِ السوء
رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك
حَدِيث الْمُؤمن سريع الْغَضَب سريع الرِّضَا
حَدِيث إِن لله ملكا نصفه من نَار وَنصفه من ثلج. . الحَدِيث
حَدِيث يُسْتَجَاب للرجل فِي أَخِيه مَا لَا يُسْتَجَاب لَهُ فِي نَفسه
حَدِيث إِذا مَاتَ العَبْد قَالَ النَّاس مَا خلف وَقَالَت الْمَلَائِكَة مَا قدم
حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجتبى سواكين فَدفع الْمُسْتَقيم لصَاحبه(6/315)
حَدِيث أَلا وَإِن لله أواني فِي أرضه وَهِي الْقُلُوب
حَدِيث مثل الْمَيِّت فِي قَبره مثل الغريق يتَعَلَّق بِكُل شَيْء ينْتَظر دَعْوَة من ولد أَو وَالِد أَو أَخ أَو قريب وَأَنه ليدْخل على قُبُور الْأَمْوَات من الْأَحْيَاء من الْأَنْوَار أَمْثَال الْجبَال
حَدِيث إِذا صنع الرجل فِي بَيت أَخِيه أَربع خِصَال فقد تمّ أنسه بِهِ إِذا أكل عِنْده وَدخل الْخَلَاء ونام وَصلى
حَدِيث معَاذ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أوصيك بتقوى الله وَصدق الحَدِيث ووفاء الْعَهْد وَأَدَاء الْأَمَانَة وَترك الْخِيَانَة وَحفظ الْجَار وَرَحْمَة الْيَتِيم ولين الْكَلَام وبذل السَّلَام وخفض الْجنَاح
حَدِيث يَا أَبَا الدَّرْدَاء أحسن مجاورة من جاورك تكن مُؤمنا وَأحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك تكن مُسلما
حَدِيث أفضل الصَّدَقَة إصْلَاح ذَات الْبَين
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا نزع وسادته فَأكْرم بهَا من يَأْتِيهِ
حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا لَا يرى أمرؤ فِي أَخِيه عَورَة ويسترها عَلَيْهِ إِلَّا دخل الْجنَّة
حَدِيث إِن سلم الْمُسلم على الْمُسلم فَرد عَلَيْهِ صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة سبعين مرّة
حَدِيث الْمَلَائِكَة تعجب من مُسلم يمر على الْمُسلم فَلَا يسلم عَلَيْهِ
حَدِيث أنس مَرْفُوعا إِذا التقى المسلمان فتصافحا قسمت بَينهمَا مائَة رَحْمَة تِسْعَة وَتسْعُونَ لأحسنهما بشرا
حَدِيث إيَّاكُمْ ومجالسة الْمَوْتَى
قيل وَمَا الْمَوْتَى
قَالَ الْأَغْنِيَاء(6/316)
حَدِيث الْمُؤمن يحب لِلْمُؤمنِ مَا يحب لنَفسِهِ
حَدِيث من أقرّ عين مُؤمن أقرّ الله عينه يَوْم الْقِيَامَة
خصلتان فَوْقهمَا شَيْء من الشَّرّ الشّرك بِاللَّه والضر لعباد الله وخصلتان لَيْسَ فَوْقهمَا شَيْء من الْخَيْر الْإِيمَان بِاللَّه والنفع لعباد الله
حَدِيث زيد بن أسلم لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة عرض لَهُ رجل فَقَالَ إِن كنت تُرِيدُ النِّسَاء الْبيض والنوق الْأدم فَعَلَيْك ببني مُدْلِج
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله مَنَعَنِي من بني مُدْلِج لصلتهم الرَّحِم)
حَدِيث بر الْوَالِدين أفضل من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْعمْرَة وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله
حَدِيث إِن الْجنَّة يُوجد رِيحهَا من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَلَا يجد رِيحهَا عَاق وَلَا قَاطع رحم
حَدِيث بر الوالده على الْوَلَد ضعفان
حَدِيث الوالدة أسْرع إِجَابَة
قيل وَلم يَا رَسُول الله
قَالَ (هِيَ أرْحم من الْأَب ودعوة الرَّحِم لَا تسْقط)
حَدِيث سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله من أبر قَالَ (والديك)
قَالَ لَيْسَ لي والدان
فَقَالَ (بر ولدك فَكَمَا أَن لوالديك عَلَيْك حَقًا كَذَلِك لولدك عَلَيْك حق)(6/317)
حَدِيث رحم الله والدا أعَان وَلَده على بره
حَدِيث أنس مَرْفُوعا الْغُلَام يعق عَنهُ يَوْم السَّابِع وَيُسمى ويماط عَنهُ الْأَذَى فَإِذا بلغ سِتّ سِنِين أدب فَإِذا بلغ تسع سِنِين عزل فرَاشه فَإِذا بلغ ثَلَاث عشرَة ضرب على الصَّلَاة وَالصَّوْم فَإِذا بلغ سِتّ عشرَة زَوْجَة أَبوهُ ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ وَقَالَ أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بِاللَّه من فتنتك فِي الدُّنْيَا وعذابك فِي الْآخِرَة
حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي وَهُوَ مَرِيض قل (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك تَعْجِيل عافيتك)
حَدِيث أَلا أخْبرك بِأَمْر هُوَ حق من تكلم بِهِ فِي أول مضجعه من مَرضه نجاه الله من النَّار)
قَالَ بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ (تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت) . . الحَدِيث
حَدِيث مَا من لَيْلَة إِلَّا يُنَادي مُنَاد يَا أهل الْقُبُور من تغبطون
فَيَقُولُونَ أهل الْمَسَاجِد إِنَّهُم يصلونَ وَلَا نصلي وَيَصُومُونَ وَلَا نَصُوم ويذكرون الله وَلَا نذكرهُ
حَدِيث إِذا أَنْت رميت كلب جَارك فقد آذيته
حَدِيث الْيمن والشؤم فِي الْمَرْأَة والمسكن وَالْفرس فِيمَن الْمَرْأَة خفَّة مهرهَا وشؤمها غلاء مهرهَا. . الحَدِيث
حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا اغسلي وَجه أُسَامَة(6/318)
حَدِيث إِذا استصعبت على أحدكُم دَابَّته أَو سَاءَ خلق زَوجته أَو أحد من أهل بَيته فليؤذن فِي أُذُنه
حَدِيث معَاذ إِذا ابْتَاعَ أحدكُم الْخَادِم فَلْيَكُن من أول شَيْء يطعمهُ الحلو. . الحَدِيث
حَدِيث فضَالة بن عبيد ثَلَاثَة لَا يسْأَل عَنْهُم رجل فَارق الْجَمَاعَة. . الحَدِيث = كتاب الْعُزْلَة =
حَدِيث من هجر أَخَاهُ سِتَّة أَيَّام فَهُوَ كسافك دَمه كَذَا وَقع فِي الْإِحْيَاء وَلم يُوجد فِيهِ لفظ أَيَّام وَلَا يدْرِي هَل هُوَ بِالتَّاءِ أَو سنة بالنُّون
حَدِيث هجر عَائِشَة ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وَبَعض صفر
حَدِيث عَائِشَة لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاثَة إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا تؤمن بوائقه
حَدِيث لما طَاف بِالْبَيْتِ عدل إِلَى زَمْزَم فَشرب مِنْهَا فَإِذا التَّمْر منتفع فِي حِيَاض من الْأدم وَقد مغثه النَّاس بِأَيْدِيهِم. . الحَدِيث
حَدِيث الْأَعْمَش من سلب كريمته عوض عَنْهُمَا مَا هُوَ خير مِنْهُمَا
حَدِيث آفَة الْعلم الْخُيَلَاء(6/319)
= كتاب آدَاب السّفر =
حَدِيث الثَّلَاثَة
حَدِيث أنس أَن رجلا قَالَ أُرِيد سفرا وَقد كتبت وصيتي فَإلَى أَي الثَّلَاثَة أدفعها إِلَى ابْني أم أخي أم أبي
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اسْتخْلف عبد فِي أَهله من خلفية أحب إِلَى الله من أَربع رَكْعَات. . الحَدِيث
حَدِيث جَابر فِي الْخُرُوج لتبوك يَوْم الْخَمِيس
حَدِيث صُهَيْب عَلَيْكُم بالإثمد عِنْد مضجعكم فَإِنَّهُ يزِيد فِي الْبَصَر وينبت الشّعْر وَفِي رِوَايَة كَانَ يكتحل لليمنى ثَلَاثًا وللسيرى ثنيتن = كتاب السماع والوجد =
حَدِيث إِن دَاوُد كَانَ حسن الصَّوْت فِي النِّيَاحَة على نَفسه وَفِي تِلَاوَة الزبُور. . الحَدِيث
حَدِيث الْمَنْع من الملاهي والأوتار والمزامير
حَدِيث عَائِشَة فِي لعب الْحَبَشَة وَنهي عمر لَهُم وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمنا يَا بني أرفدة)(6/320)
وَهُوَ فِي مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة دون قَوْله (أمنا يَا بني أرفدة)
حَدِيث كَانَ إِبْلِيس أول من ناح وَأول من نعى
حَدِيث أبي أُمَامَة مَا رفع أحد صَوته بغناء إِلَّا بعث الله شَيْطَانَيْنِ على مَنْكِبَيْه. . الحَدِيث
حَدِيث أَنه قَالَ لعَائِشَة أتحبين أَن تنظري لدف الْحَبَشَة = كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر =
حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عذب أهل قَرْيَة فِيهَا ثَمَانِيَة عشر ألفا عَمَلهم عمل الْأَنْبِيَاء. . الحَدِيث
حَدِيث أبي ذَر قَالَ أَبُو بكر هَل من جِهَاد غير قتال الْمُشْركين
قَالَ نعم يَا أَبَا بكر إِن لله مجاهدين فِي الأَرْض أفضل من الشُّهَدَاء. . الحَدِيث بِطُولِهِ فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَي الشُّهَدَاء أكْرم على الله
قَالَ رجل قَامَ إِلَى وَال جَائِر. . الحَدِيث
حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ أفضل شُهَدَاء أمتِي رجل قَامَ إِلَى وَال جَائِر فَأمره بِالْمَعْرُوفِ. . الحَدِيث(6/321)
حَدِيث وَصفَة عمر قرن من حَدِيد لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم تَركه الْحق وَمَاله من صديق = كتاب آدَاب الْمَعيشَة وأخلاق النُّبُوَّة =
حَدِيث معَاذ حف الْإِسْلَام بمكارم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث أنس لم يدع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصيحة جميلَة إِلَّا وَقد دَعَانَا إِلَيْهَا. . الحَدِيث
وَفِيه يَكْفِي من ذَلِك {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان}
حَدِيث كَانَ أحكم النَّاس وَأَعْدل النَّاس وأعف النَّاس
حَدِيث كَانَ يُؤثر مِمَّا ادخر لِعِيَالِهِ من قوت السّنة
حَدِيث كَانَ لَا يثبت بَصَره فِي وَجه أحد
حَدِيث كَانَ يقبل الْهَدِيَّة وَلَو أَنَّهَا جرعة لبن أَو فَخذ أرنب
حَدِيث كَانَ يَأْكُل مَا حضر وَلَا يرد مَا وجد. . الحَدِيث بتفاصيله
حَدِيث كَانَ منديله بَاطِن قدمه
حَدِيث كَانَ يُجيب الْوَلِيمَة
حَدِيث كَانَ أَشد النَّاس تواضعا وأسكنهم من غير تكبر وأبلغهم من غير تَطْوِيل. . الحَدِيث
حَدِيث لبسه الشملة(6/322)
حَدِيث لبسه الْخَاتم فِي خِنْصره الْأَيْمن
حَدِيث كَانَ يرفد عَبده
حَدِيث كَانَ يكره الروائح الكريهة
حَدِيث كَانَ يُجَالس الْفُقَرَاء ويؤاكل الْمَسَاكِين وَيكرم أهل الْفضل فِي أَخْلَاقهم. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ يصل رَحمَه من غير أَن يؤثرهم على من هُوَ أفضل مِنْهُم
حَدِيث كَانَ لَا يجفو على أحد
حَدِيث ترفع الْأَصْوَات عِنْده فيصبر
حَدِيث كَانَ لَهُ لقاح وغنم يتقوت هُوَ وَأَهله من أَلْبَانهَا
حَدِيث كَانَ لَهُ عبيد وإماء فَلَا يرْتَفع عَلَيْهِم فِي مأكل وَلَا ملبس
حَدِيث كَانَ لَا يحتقر مِسْكينا لفقره وزمانته وَلَا يهاب ملكا لملكه. . الحَدِيث
حَدِيث قد جمع الله لَهُ السِّيرَة الفاضلة والسياسة التَّامَّة. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث مَا لعن امْرَأَة قطّ وَلَا خَادِمًا يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث مَا عَابَ مضجعا إِن فرشوا لَهُ اضْطجع وَإِن لم يفرشوا لَهُ اضْطجع على الأَرْض
حَدِيث كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه بدأه بالمصافحة ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ فشابكه ثمَّ شدّ قَبضته عَلَيْهَا
حَدِيث كَانَ لَا يجلس إِلَيْهِ أحد وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا خفف صلَاته(6/323)
حَدِيث مَا رؤى مَادًّا رجلَيْهِ بَين أَصْحَابه إِلَّا أَن يكون الْمَكَان وَاسِعًا. . الحَدِيث
لم أجد فِي هَذَا الحَدِيث هَذَا الِاسْتِثْنَاء
حَدِيث كَانَ أَكثر مَا يجلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة
حَدِيث كَانَ مَجْلِسه وسَمعه وَحَدِيثه ولطف مَجْلِسه وتوجهه للمجالس إِلَيْهِ
حَدِيث كَانَ أبعد النَّاس غَضبا وأسرعهم رضَا
حَدِيث كَانَ أرأف النَّاس وَخير النَّاس للنَّاس وأنفع النَّاس للنَّاس هُوَ حق
حَدِيث أَنا أفْصح الْعَرَب
حَدِيث كَانَ نزر الْكَلَام سمح الْمقَالة
حَدِيث عَائِشَة كَانَ كَلَامه نزرا وَأَنْتُم تنثرونه نثرا
حَدِيث كَانَ أوجز النَّاس كلَاما وَبِذَلِك جَاءَهُ جِبْرِيل
حَدِيث كَانَ كَلَامه يتبع بعضه بَعْضًا بَين كَلَامه توقف ليحفظه سامعه ويعيه
حَدِيث كَانَ جهير الصَّوْت أحسن النَّاس نَغمَة
حَدِيث كَانَ لَا يَقُول الْمُنكر وَلَا يَقُول فِي الرِّضَا وَالْغَضَب إِلَّا الْحق يعرض عَمَّن تكلم بِغَيْر جميل
حَدِيث كَانَ ضحك أَصْحَابه عِنْده التبسم اقْتِدَاء بِهِ وتوقيرا لَهُ
حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي قَالَ بلغنَا أَن الْمَسِيح الدَّجَّال يَأْتِي النَّاس بالثريد وَقد هَلَكُوا جوعا أفترى أَن أكف عَن ثريده. . الحَدِيث فِي تَبَسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/324)
حَدِيث كَانَ إِذا سر وَرَضي فَهُوَ أحسن النَّاس رضَا وَإِن وعظ وعظ بجد كَذَلِك كَانَ فِي أُمُوره كلهَا
حَدِيث اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحق حَقًا فَأتبعهُ. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث أحب الطَّعَام إِلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ضيف
حَدِيث كَانَ إِذا وضعت الْمَائِدَة قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا نعْمَة مشكورة تصل بهَا نعيم الْجنَّة
حَدِيث كَانَ إِذا أكل يجمع بَين رُكْبَتَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ كَمَا يجلس الْمُصَلِّي إِلَّا أَن الرّكْبَة تكون فَوق الرّكْبَة والقدم فَوق الْقدَم
حَدِيث كَانَ يَقُول فِي الطَّعَام الْحَار إِنَّه غير ذِي بركَة وَرُبمَا اسْتَعَانَ بالأصبع الرَّابِعَة فِي الْأكل
حَدِيث أَن عُثْمَان جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بفالوذج
قلت الْمَعْرُوف الخبيص كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان
حَدِيث كَانَ أحب الْفَوَاكِه إِلَيْهِ الْبِطِّيخ وَالْعِنَب
لم أجد فِيهِ ذكر الْعِنَب
حَدِيث كَانَ يَأْكُل الْبِطِّيخ بالخبز وَالسكر
حَدِيث أكل رطبا فِي يَمِينه وَكَانَ يحفظ النَّوَى فِي يسَاره فمرت شَاة فَأَشَارَ إِلَيْهَا فَجعلت تَأْكُل النَّوَى فِي يسَاره. . الحَدِيث(6/325)
حَدِيث أكل الْعِنَب خرطا يَرْمِي دقله حَتَّى إِنَّه يتحدر على لحيته كتحدر اللُّؤْلُؤ
لم أجد مَا بعد قَوْله خرطا
حَدِيث كَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ اللَّحْم وَيَقُول هُوَ يزِيد فِي السّمع وَلَو سَأَلت رَبِّي أَن يطعمينه كل يَوْم لفعل
حَدِيث كَانَ يحب القرع
حَدِيث عَائِشَة إِذا طبختم قدرا فَأَكْثرُوا فِيهَا من الدُّبَّاء فَإِنَّهَا تشد قلب الحزين
حَدِيث كَانَ يَأْكُل لحم الطير الَّذِي يصاد وَكَانَ لَا يتبعهُ وَلَا يصيده ويحب أَن يصاد لَهُ وَيُؤْتى بِهِ فيأكله
حَدِيث كَانَ إِذا أكل اللَّحْم لم يُطَأْطِئ رَأسه إِلَيْهِ وَيَرْفَعهُ إِلَى فِيهِ رفعا ثمَّ ينتهشه انتهاشا
حَدِيث دَعَا فِي الْعَجْوَة بِالْبركَةِ
حَدِيث كَانَ يحب من الْبُقُول الهندبا والباذروج والبقلة الحمقاء الَّتِي يُقَال لَهَا الرجلة
حَدِيث كَانَ لَا يَأْكُل الثوم وَلَا البصل وَلَا الكراث
حَدِيث كَانَ يعاف الطحال وَلَا يحرمه
حَدِيث كَانَ يعلق الصفحة
حَدِيث كَانَ يعلق أَصَابِعه حَتَّى تحمر
حَدِيث كَانَ إِذا أكل الْخبز وَاللَّحم خَاصَّة غسل يَدَيْهِ غسلا ثمَّ يمسح بِفضل المَاء على وَجهه(6/326)
حَدِيث كَانَ يمص المَاء مصا وَلَا يعب عبا
لم أجد قَوْله وَلَا يعب عبا وَلَكِن هُوَ لَازم لَهُ
حَدِيث رُبمَا شرب فِي نفس وَاحِد حَتَّى يفرغ
لم أَجِدهُ إِلَّا من قَوْله
حَدِيث كَانَ لَا يتنفس فِي الْإِنَاء حَتَّى ينحرف عَنهُ
لم أَجِدهُ إِلَّا من قَوْله
حَدِيث أُتِي بِإِنَاء فِيهِ لبن وَعسل فَأبى أَن يشربه وَقَالَ شربتان فِي شربة وإدامان فِي إِنَاء وَاحِد ثمَّ قَالَ لَا أحرمهُ وَلَكِنِّي أكره الْفَخر والحساب بِفُضُول الدُّنْيَا. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ فِي بَيته أَشد حَيَاء من العاتق لَا يسألهم طَعَاما وَلَا يتشهاه عَلَيْهِم إِن أطعموه أكل وَمَا أَعْطوهُ قبل وَمَا سقوه شرب
حَدِيث رُبمَا قَامَ فَأخذ مَا يَأْكُل أَو يشرب بِنَفسِهِ
حَدِيث كَانَ أَكثر لِبَاسه الْبيَاض
حَدِيث كَانَ يلبس القباء المحشو للحرب وَغير الْحَرْب
حَدِيث كَانَ لَهُ قبَاء سندس فيلبسه فتحسن خضرته على بَيَاض لَونه
لم أجد قَوْله فتحسن خضرته على بَيَاض لَونه
حَدِيث كَانَ قيمصه مشدود الأزرار
حَدِيث رُبمَا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي ملحفة مصبوغة بالزعفران وَحدهَا أَو كسَاء وَحده(6/327)
حَدِيث كَانَ لَهُ كسَاء ملبد يلْبسهُ وَيَقُول إِنَّمَا أَنا عبد ألبس كَمَا يلبس العبيد
حَدِيث كَانَ لَهُ ثَوْبَان لجمعته خَاصَّة
حَدِيث رُبمَا أم النَّاس فِي الْجَنَائِز فِي الْإِزَار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طرفه بَين كَتفيهِ
حَدِيث رُبمَا صلى فِي بَيته فِي إِزَار وَاحِد ملتحفا بِهِ قد جَامع فِيهِ يَوْمئِذٍ
حَدِيث رُبمَا صلى بِاللَّيْلِ فِي الْإِزَار ويرتدي بِبَعْض الثَّوْب مِمَّا يَلِي هدبة وَبَعضه على بعض نِسَائِهِ
لم أجد قَوْله مِمَّا يَلِي هدبة
حَدِيث كَانَ لَهُ كسَاء أسود فوهبه فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة مَا فعل الكساء. . الحَدِيث
حَدِيث أنس رُبمَا رَأَيْته يُصَلِّي بِنَا الظّهْر فِي شملة عاقدا بَين طرفيها
حَدِيث الْخَاتم على الْكتاب خير من التُّهْمَة
حَدِيث كَانَ يلبس القلانس تَحت العمائم وَبِغير عِمَامَة
لم أجد فِيهِ ذكر العمائم
حَدِيث رُبمَا نزع قلنسوته فَجَعلهَا ستْرَة بَين يَدَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي إِلَيْهَا
حَدِيث شدّ الْعِصَابَة على رَأسه وعَلى جَبهته
حَدِيث كَانَت لَهُ عِمَامَة تسمى السَّحَاب فَوَهَبَهَا من عَليّ فَكَانَ يَقُول أَتَاكُم عَليّ فِي السَّحَاب(6/328)
حَدِيث كَانَ إِذا نزع ثَوْبه أخرجه من مياسره
حَدِيث كَانَ إِذا لبس جَدِيدا أعْطى خلق ثِيَابه مِسْكينا ثمَّ يَقُول مَا من مُسلم يكسو مُسلما من سمل ثِيَابه. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ طول فرَاشه ذراعين وَعرضه ذِرَاع وشبر أَو نَحوه
حَدِيث كَانَ لَهُ سيف يُسمى المخذم وَآخر يُقَال لَهُ الرسوب وَآخر يُقَال لَهُ الْقَضِيب
حَدِيث كَانَ اسْم قوسه الكتوم وجعبته الكافور
حَدِيث كَانَ اسْم شاته الَّتِي يشرب لَبنهَا عينة
حَدِيث كَانَ لَهُ مطهرة من فخار وَيُرْسل النَّاس أَوْلَادهم فَيدْخلُونَ فيشربون مِنْهَا ويمسحون وجوهم وأجسادهم للبركة
حَدِيث كَانَ رَقِيق الْبشرَة لطيف الظَّاهِر وَالْبَاطِن يعرف فِي وَجهه غَضَبه وَرضَاهُ
حَدِيث كَانَ إِذا أَمر النَّاس بِالْقِتَالِ تشمر
حَدِيث كَانَ قوى الْبَطْش
حَدِيث رُبمَا جعل شعره على أُذُنَيْهِ فتبدو سوالفه تتلألأ
حَدِيث كَانَ أحسن النَّاس وَجها وأنورهم لم يصفه واصف إِلَّا شبهه بالقمر لَيْلَة الْبَدْر
حَدِيث شعر الصّديق فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِين مصطفى للخير يَدْعُو كضوء الْبَدْر زايله الظلام حَدِيث طَوِيل فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/329)
حَدِيث وَأَنا قثم
حَدِيث أطْعم مرّة ثَمَانِينَ من أَرْبَعَة أَمْدَاد شعير وعناق
حَدِيث أطْعم أهل الْجَيْش من تمر يسير ساقته بنت بشير فِي يَديهَا. . الحَدِيث
حَدِيث إخْبَاره بمقتل الْأسود الْعَنسِي لَيْلَة قتل وَمن قَتله
حَدِيث أَنه خرج على مائَة من قُرَيْش فَوضع التُّرَاب على رؤوسهم وَلم يروه لم أر فِيهِ أَنهم كَانُوا مائَة
حَدِيث قَالَ لنفر من أَصْحَابه أحدكُم ضرسه فِي النَّار مثل أحد. . الحَدِيث
ذكره الدراقطني فِي المؤتلف والمختلف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة تَعْلِيقا
حَدِيث مسح يَد طَلْحَة يَوْم أحد لما رأى بهَا دَمًا من شلل أَصَابَهَا
حَدِيث خطب امْرَأَة فَقَالَ أَبوهَا إِن بهَا برصا وَلم يكن
فَقَالَ فلتكن كَذَلِك فبرصت وَهِي أم شبيب الَّذِي يعرف بِابْن البرصاء الشَّاعِر
وَالله أعلم = كتاب شرح عجائب الْقلب =
حَدِيث يُقَال يَوْم الْقِيَامَة يَا راعي السوء أكلت اللَّحْم وشربت اللَّبن وَلم ترد الضَّالة. . الحَدِيث(6/330)
حَدِيث يَقُول الله تَعَالَى لقد طَال شوق الْأَبْرَار إِلَى لقائي. . الحَدِيث
حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل لَهُ واعظا من قلبه
ذكره فِي الفردوس من حَدِيث أم سَلمَة
حَدِيث من كَانَ لَهُ من قلبه واعظ كَانَ عَلَيْهِ من الله حَافظ
حَدِيث من قارف ذَنبا فَارقه عقل لَا يعود إِلَيْهِ أبدا
حَدِيث ابْن عمر قيل يَا رَسُول الله أَيْن الله
قَالَ (فِي قُلُوب عباده الْمُؤمنِينَ)
حَدِيث لم تسعني أرضي وَلَا سمائي ووسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن الْبر الوادع
حَدِيث إِذا تقرب النَّاس إِلَى الله بأنواع الْبر فتقرب أَنْت بعقلك لقَوْله تَعَالَى
حَدِيث سبق المفردون
وَفِي آخِره وضع الذّكر أوزارهم فَوَرَدُوا الْقِيَامَة خفافا
ثمَّ قَالَ فِي وَصفهم أقبل عَلَيْهِم بوجهي. . الحَدِيث
حَدِيث أخرجُوا من النَّار من كَانَ فِي قلبه ربع مِثْقَال من إِيمَان
حَدِيث إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة وَلم يتب مسح الشَّيْطَان بِيَدِهِ وَجهه فَقَالَ يَا وَجه لَا تفلح(6/331)
حَدِيث اتَّقوا مَوَاضِع التُّهْمَة
حَدِيث عُثْمَان بن مَظْعُون يَا رَسُول الله نَفسِي تُحَدِّثنِي أَن أطلق خَوْلَة
قَالَ (مهلا إِن من سنتي النِّكَاح) . . الحَدِيث
حَدِيث مَا من عبد إِلَّا وَله أَرْبَعَة أعين عينان فِي رَأسه يبصر بهما أَمر دُنْيَاهُ وعينان فِي قلبه يبصر بهما أَمر دينه = كتاب رياضة النَّفس =
حَدِيث جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين يَدَيْهِ فَقَالَ مَا الدّين قَالَ (حسن الْخلق) . . الحَدِيث
حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أول مَا يوضع فِي الْمِيزَان حسن الْخلق والسخاء وَلما خلق الله الْإِيمَان قَالَ اللَّهُمَّ قوني فقواه بِحسن الْخلق والسخاء وَلما خلق الله الْكفْر. . الحَدِيث
حَدِيث سوء الْخلق ذَنْب لَا يغْفر وَسُوء الظَّن خَطِيئَة تنوح
فِي حَدِيث الفرغاني من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا مَا من ذَنْب إِلَّا وَله تَوْبَة إِلَّا سوء الْخلق. . الحَدِيث
حَدِيث حسنوا أخلاقكم(6/332)
حَدِيث الْمُؤمن بَين خمس شَدَائِد مُؤمن يحسده ومنافق يبغضه. . الحَدِيث
حَدِيث كف أذاك عَن نَفسك وَلَا تتَابع هَواهَا فِي مَعْصِيّة الله إِذْ تخاصمك يَوْم الْقِيَامَة فيلعن بعضك بَعْضًا إِلَّا أَن يغْفر الله وَيسْتر
حَدِيث إِذا رَأَيْتُمْ الْمُؤمن صموتا وقورا فادنوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يلقن الْحِكْمَة
هُوَ عِنْد ابْن مَاجَه بِلَفْظ آخر
حَدِيث سُئِلَ عَن عَلامَة الْمُؤمن وَالْمُنَافِق فَقَالَ إِن الْمُؤمن همته فِي الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْعِبَادَة وَالْمُنَافِق همته فِي الطَّعَام وَالشرَاب كالبهيمة
حَدِيث عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز
قَالَ ابْن طَاهِر لم أَقف لَهُ على أصل = كتاب كسر الشهوتين =
حَدِيث جاهدوا أَنفسكُم بِالْجُوعِ والعطش. . الحَدِيث
حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يدْخل ملكوت السَّمَاء من مَلأ بَطْنه
حَدِيث أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ من قل طعمه وضحكة وَرَضي بِمَا يستر عَوْرَته(6/333)
حَدِيث سيد الْأَعْمَال الْجُوع وذل النَّفس لِبَاس الصُّوف
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ البسوا وَاشْرَبُوا وكلوا فِي أَنْصَاف الْبُطُون فَإِنَّهُ جُزْء من النُّبُوَّة
حَدِيث الْحسن أفضلكم عِنْد الله عز وَجل أطولكم جوعا فِي تفكر. . الحَدِيث
حَدِيث لَا تميتوا الْقلب بِكَثْرَة الطَّعَام وَالشرَاب. . الحَدِيث
حَدِيث أبي هُرَيْرَة أقرب النَّاس من الله يَوْم الْقِيَامَة من طَال جوعه وعطشه وحزنه فِي الدُّنْيَا الأتقياء الأخفياء. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة البسوا الصُّوف وشمروا وكلوا فِي أَنْصَاف الْبُطُون تدْخلُوا فِي ملكوت السَّمَاء
حَدِيث طَاوس أجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لَعَلَّ قُلُوبكُمْ ترى الله
حَدِيث الْأكل على الشِّبَع يُورث البرص
حَدِيث عَائِشَة أديموا قرع بَاب الْجنَّة بِالْجُوعِ
حَدِيث عَائِشَة لم يمتلىء قطّ شبعا وَرُبمَا بَكَيْت رَحْمَة لَهُ مِمَّا أرى بِهِ من الْجُوع. . الحَدِيث
حَدِيث إِن أهل الْجُوع فِي الدُّنْيَا هم أهل الشِّبَع فِي الْآخِرَة. . الحَدِيث
حَدِيث أحيوا قُلُوبكُمْ بقلة الضحك وطهروها بِالْجُوعِ تصفو وترق
حَدِيث من أجاع بَطْنه عظمت فكرته وفطن قلبه
حَدِيث من شبع ونام قسا قلبه(6/334)
حَدِيث إِن لكل شَيْء زَكَاة وَزَكَاة الْجَسَد الْجُوع
حَدِيث نور الْحِكْمَة الْجُوع والتباعد من الله الشِّبَع. . الحَدِيث
حَدِيث البطنة أصل الدَّاء وَالْحمية رَأس الدَّوَاء وعودوا كل بدن مَا اعْتَادَ
حَدِيث أبي ذَر نخل لكم الشّعير وَلم يكن ينخل وخبزتم المرقق وجمعتم بَين إدامين إِلَى آخِره
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ إِذا تغدى لم يتعش وَإِذا تعشى لم يتغد
حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيامكم هَذَا قطّ وَإِن كَانَ ليقوم حَتَّى تورم قدماه. . الحَدِيث
هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ مُخْتَصرا
حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يواصل إِلَى السحر
حَدِيث شرار أمتِي الَّذين يَأْكُلُون مخ الْحِنْطَة
حَدِيث ابْن عمر أَيّمَا امرىء اشْتهى شَهْوَة فَرد شَهْوَته وآثر بهَا على نَفسه غفر الله لَهُ
ذكره ابْن حَيَّان فِي الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن خَالِد غير مَوْصُول الْإِسْنَاد
حَدِيث لَا يستدير الرَّغِيف وَيُوضَع بَين يَديك حَتَّى يعْمل فِيهِ ثلثمِائة وَسِتُّونَ صانعا. . الحَدِيث
أثر عمر عرض عَلَيْهِ مَاء ممزوج بِعَسَل فَتَركه وَفِي أَوله حَدِيث حبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَسَل الْمَرْفُوع مِنْهُ فِي الصَّحِيح(6/335)
حَدِيث تَفْسِير {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} هُوَ الذّكر إِذا دخل
حَدِيث كَانَ يضْرب فَخذ عَائِشَة أَحْيَانًا وَيَقُول (كلميني يَا عَائِشَة)
حَدِيث من عشق فعف فكتم فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد
ذكره ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة سُوَيْد بن سعيد = كتاب آفَات اللِّسَان =
حَدِيث من وقِي شَرّ قبقبة وذبذبه ولقلقه فقد وقِي
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود النَّاس ثَلَاثَة غَانِم وَسَالم وشاحب ... الحَدِيث
حَدِيث إِن لِسَان الْمُؤمن وَرَاء قلبه فَإِذا أَرَادَ أَن يتَكَلَّم بِشَيْء تدبره. . الحَدِيث
حَدِيث من كثر سقطه. . الحَدِيث
يكْتب من الْمِيزَان من تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث وَأَظنهُ فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ
حَدِيث الْمُؤمن لَا يكون صمته إِلَّا فكرا وَنَظره إِلَّا عِبْرَة ونطقه إِلَّا ذكرا
حَدِيث مَا أُوتِيَ رجل شرا من فضل فِي لِسَان
ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت مُنْقَطع الْإِسْنَاد من وَسطه غير مَوْصُول
حَدِيث ذَروا المراء فَإِنَّهُ لَا تفهم حكمته وَلَا تؤمن فتنته
لم أجد قَوْله لَا تفهم حكمته إِلَّا من قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ لَا تقبل بدل لَا تفهم(6/336)
حَدِيث سِتّ من كن فِيهِ قد بلغ حَقِيقَة الْإِيمَان الصّيام فِي الصَّيف وَضرب أَعدَاء الله عز وَجل بِالسَّيْفِ وتعجيل الصَّلَاة فِي يَوْم الدجن وَالصَّبْر على المصيبات وإسباغ الْوضُوء على المكاره وَترك المراء وَهُوَ صَادِق
وَحَدِيث تَكْفِير كل لحاء رَكْعَتَانِ
حَدِيث يمكنكم من الْجنَّة طيب الْكَلَام وإطعام الطَّعَام
لم أره بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من قَول ابْن الْمُنْكَدر
حَدِيث مَا شهد رجل على رجل بالْكفْر إِلَّا بَاء بِهِ أَحدهمَا. . الحَدِيث ينظر فِي الْأَدَب للْبُخَارِيّ
حَدِيث معَاذ أَنهَاك أَن تَشْتُم مُسلما أَو تَعْصِي إِمَامًا عادلا
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية
حَدِيث أَيهَا النَّاس احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وإخواني وأصهاري وَلَا تسبوهم أَيهَا النَّاس إِذا مَاتَ الْمَيِّت فاذكروا مِنْهُ خيرا
حَدِيث إِن الْمَظْلُوم ليدعو على الظَّالِم حَتَّى يُكَافِئهُ ثمَّ يبْقى للظالم عِنْده فضل يَوْم الْقِيَامَة
حَدِيث عَائِشَة فِي تمثلها فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشعر أبي كَبِير الْهُذلِيّ ومبرأ من كل غبر
إِلَى آخِره(6/337)
حَدِيث شعر عَبَّاس بن مرداس وَمَا كَانَ وفِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اقْطَعُوا عني لِسَانه) وَذكر مَا فِي الحَدِيث
وَفِيه (لَا تدع الْعَرَب الشّعْر حَتَّى تدع الْإِبِل الحنين)
أصل الحَدِيث عِنْد مُسلم مُخْتَصرا
حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس كسا ذَات يَوْم امْرَأَة من نِسَائِهِ ثوبا وَاسِعًا فَقَالَ لَهَا ألبسيه واحمدي وَجرى مِنْهُ ذيلا كذيل الْعَرُوس
حَدِيث عَائِشَة خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بدر فَقَالَ (تَعَالَى حَتَّى أسابقك) . . الحَدِيث
وَفِيه فَقَالَ (هَذِه مَكَان ذِي الْمجَاز)
حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا لطخت وَجه سَوْدَة بحريره فِي حَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث إِن الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي امْرَأَتَانِ أحسن من هَذِه الْحُمَيْرَاء أَفلا أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا الحَدِيث(6/338)
حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن عُيَيْنَة بن بدر الْفَزارِيّ قَالَ وَالله لَيَكُونن لي الابْن قد تزوج وبقل وَجهه مَا قبلته قطّ ... الحَدِيث
حَدِيث كَانَ إِذا وعد وَعدا قَالَ عَسى
حَدِيث وعد أَبَا الْهَيْثَم خَادِمًا فَأَتَتْهُ فَاطِمَة تسأله خَادِمًا فَقَالَ كَيفَ بموعدي لأبي الْهَيْثَم وآثره عَلَيْهَا
لم أجد فِيهِ ذكر فَاطِمَة
حَدِيث بَينا هُوَ يقسم غَنَائِم هوَازن بحنين قَالَ لَهُ رجل إِن لي عنْدك موعدا
قَالَ أحتكم ثَمَانِينَ ضائنة وراعيها
قَالَ هِيَ لَك وَقَالَ احتكمت يَسِيرا ولصاحبه مُوسَى الَّتِي دلته على عِظَام يُوسُف كَانَت أحزم مِنْك. . الحَدِيث
لم أجد فِيهِ أَنه بحنين وَلَا أَنه تمنى ثَمَانِينَ ضائنة وراعيها
وأصل الحَدِيث عِنْد ابْن حبَان وَالْحَاكِم
حَدِيث إِذا وعد الرجل أَخَاهُ وَفِي نِيَّته أَن يَفِي فَلم يجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ
حَدِيث رَأَيْت كَأَن جَاءَنِي رجل فَقَالَ لي قُم فَقُمْت مَعَه فَإِذا أَنا برجلَيْن أَحدهمَا قَائِم بِيَدِهِ كَلوب من حَدِيد ... الحَدِيث
فَقَالَ هَذَا رجل كَذَّاب يعذب فِي قَبره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة(6/339)
حَدِيث أبي سعيد اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وفرجي من الزِّنَا ولساني من الْكَذِب
حَدِيث النواس بن سمْعَان (مَالِي أَرَاكُم تتهافتون فِي الْكَذِب تهافت الْفراش فِي النَّار
حَدِيث من تطعم بِمَا لَا يطعم أَو قَالَ لي
وَلَيْسَ لَهُ أَو أَعْطَيْت
وَلم يُعْط كَانَ كلابس ثوبي زور يَوْم الْقِيَامَة
حَدِيث إِن من أعظم الْفِرْيَة أَن يدعى الرجل إِلَى غير أَبِيه أَو يرى عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَام مَا لم ير أَو يَقُول على مَا لم أقل
فِي البُخَارِيّ من الحَدِيث ابْن عمر إِن من أفرى الفرى أَن يرى عَيْنَيْهِ مَا لم تَرَ
حَدِيث المستمع أحد المغتابين
حَدِيث مَا النَّار فِي اليبس بأسرع من الْغَيْبَة فِي حَسَنَات العَبْد
حَدِيث ثَلَاث فِي الْمُؤمن وَله مِنْهُنَّ مخرج
حَدِيث رد شَهَادَة الْأَب
حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَيّمَا رجل أشاع على رجل كلمة وَهُوَ مِنْهَا بَرِيء ... الحَدِيث
وَلم أره إِلَّا مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء(6/340)
رَوَاهُ كَذَلِك ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت
حَدِيث ابْن عمر إِن الله لما خلق الْجنَّة قَالَ لَهَا تكلمي
قَالَت سعد من دخلني
فَقَالَ وَعِزَّتِي لَا يسكن فِيك ثَمَانِيَة نفر مدمن الْخمر. . الحَدِيث
حَدِيث أبْغض خَلِيقَة الله إِلَى الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة الكذابون والمستكبرون وَالَّذين يكثرون الْبغضَاء لإخوانهم فِي صُدُورهمْ فَإِذا لقوهم تملقوا لَهُم ... الحَدِيث
حَدِيث حب الجاه وَالْمَال ينبتان النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل
حَدِيث قَالَ لمن مدح رجلا عقرت الرجل عقرك الله
حَدِيث لَو مَشى رجل إِلَى رجل بسكين مرهف كَانَ خيرا لَهُ من أَن يثني عَلَيْهِ فِي وَجهه
حَدِيث لَو لم أبْعث لبعث عمر
حَدِيث جَابر مَا نزلت آيَة التلاعن إِلَّا لِكَثْرَة السُّؤَال = كتاب ذمّ الْغَضَب والحقد =
حَدِيث ابْن عمر قل لي قولا وأقلل لعَلي أعقله
فَقَالَ لَا تغْضب ... الحَدِيث
حَدِيث مَا غضب أحد إِلَّا أشفي على جَهَنَّم(6/341)
حَدِيث قَالَ لَهُ رجل أَي شَيْء أَشد عَليّ قَالَ غضب الله عز وَجل
حَدِيث الْغَضَب من النَّار
حَدِيث لَوْلَا الْقصاص لأوجعتك
حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَانَ إِذا غضب وَهُوَ قَائِم جلس وَإِذا غضب وَهُوَ جَالس اضْطجع
هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من قَوْله لَا من فعله من حَدِيث أبي ذَر
حَدِيث أَشدّكُم من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب وأحلمكم من عَفا عِنْد الْمقدرَة
لم أجد الشّطْر الْأَخير مِنْهُ
حَدِيث اللَّهُمَّ أغنني بِالْعلمِ وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية
حَدِيث أبي هُرَيْرَة ابْتَغوا الرّفْعَة عِنْد الله
قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ تصل من قَطعك
لم أجد صدر الحَدِيث
حَدِيث إِن الرجل الْمُسلم ليدرك بالحلم دَرَجَة الصَّائِم
لم أجد قَوْله بالحلم وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف بِحسن خلقه
حَدِيث ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل حَتَّى ترى النَّاس كلهم حمقى فِي ذَات الله عز وَجل
حَدِيث عَائِشَة فِي بعث أَزوَاجه زَيْنَب بنت جحش وَقَول عَائِشَة فسببتها حَتَّى جف لساني(6/342)
لم أجد قَول عَائِشَة هَذَا بِهَذَا اللَّفْظ
حَدِيث جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو مظْلمَة. . الحَدِيث
وَفِيه إِن المظلومين هم المفلحون يَوْم الْقِيَامَة فَأبى أَن يَأْخُذهَا حِين سمع. . الحَدِيث
حَدِيث سُهَيْل بن عَمْرو يَا معشر قُرَيْش مَا تَقولُونَ ... الحَدِيث
وَفِيه أَقُول كَمَا قَالَ أخي يُوسُف {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} . . الْآيَة
حَدِيث أَيّمَا وَال ولي ولَايَة ورفق رفق الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة. . الحَدِيث
ذكره المُصَنّف فِي آخر كتاب الْحَسَد من رِوَايَة الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث ثَلَاث لَا ينجو مِنْهُنَّ أحد الظَّن والطيرة والحسد وَسَأُحَدِّثُكُمْ بالمخرج من ذَلِك ... الحَدِيث
حَدِيث إِنَّه سيصيب أمتِي دَاء الْأُمَم قبلهَا الأشر والبطر وَالتَّكَاثُر ... الحَدِيث
حَدِيث أخوف مَا أَخَاف على أمتِي أَن يكثر عَلَيْهِم المَال فيتحاسدون ويقتتلون
فِي مُسلم نَحوه من حَدِيث عَمْرو بن عَوْف(6/343)
حَدِيث إِن لنعم الله أَعدَاء
فَقيل وَمن هم
قَالَ (الَّذين يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله
حَدِيث سِتَّة يدْخلُونَ النَّار قبل الْحساب بِسنة الْأُمَرَاء بالجور ... الحَدِيث
حَدِيث إِن الْمُؤمن يغبط وَالْمُنَافِق يحْسد
حَدِيث حسد كثير من الْكفَّار لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالُوا {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم}
حَدِيث أهل الْجنَّة ثَلَاثَة المحسن والمحب لَهُ وَالْكَاف عَنهُ = كتاب ذمّ الدُّنْيَا =
حَدِيث يَا عجبا كل الْعجب لمصدق بدار الْحَيَوَان وَهُوَ يسْعَى لدار الْغرُور
حَدِيث أَنه وقف على مزبلة وَقَالَ هلموا إِلَى الدُّنْيَا وَذكره المُصَنّف بعد مطولا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الزّهْد لِابْنِ الْمُبَارك من قَول أبي هُرَيْرَة مُخْتَصرا وَمن حَدِيث الْحسن مُرْسلا
حَدِيث إِن الله لم يخلق خلقا أبْغض إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَإنَّهُ مُنْذُ خلقهَا لم ينظر إِلَيْهَا
حَدِيث الدُّنْيَا دَار من لَا دَار لَهُ(6/344)
وَفِيه وَعَلَيْهَا يعادى من لَا علم لَهُ وَعَلَيْهَا يحْسد من لَا فقه لَهُ وَلها يسْعَى من لَا يَقِين لَهُ
لم أجد هَذِه الزِّيَادَة
حَدِيث الدُّنْيَا مَوْقُوفَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مُنْذُ خلقهَا الله لَا ينظر إِلَيْهَا ... الحَدِيث
حَدِيث إِذا عرض لَهُم شَيْء من الدُّنْيَا وَثبُوا عَلَيْهِ
حَدِيث احْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَسحر من هاروت وماروت
حَدِيث الْحسن هَل فِيكُم من يُرِيد أَن يذهب الله عَنهُ الْعَمى ويجعله بَصيرًا ... الحَدِيث
حَدِيث لَا تشْغَلُوا قُلُوبكُمْ بِذكر الدُّنْيَا
حَدِيث أبي الدَّرْدَاء لَو تعلمُونَ مَا أعلم وَفِيه لهانت عَلَيْكُم الدُّنْيَا ولآثرتم الْآخِرَة
لم أجد هَذِه الزِّيَادَة
حَدِيث لتأتينكم بعدِي دنيا تَأْكُل إيمَانكُمْ كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب
حَدِيث زهد وتحذيره أَصْحَابه من فتْنَة الدُّنْيَا
حَدِيث الدُّنْيَا حلم وَأَهْلهَا عَلَيْهَا مجازون ومعاقبون(6/345)
حَدِيث مثل هَذِه الدُّنْيَا مثل ثوب شقّ من أَوله إِلَى أَخّرهُ
حَدِيث حلالها حِسَاب وحرامها عَذَاب
حَدِيث إِنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من جِهَة الْيمن إِشَارَة إِلَى أويس
حَدِيث وَمن الْفرْقَة النَّاجِية قَالَ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة = كتاب ذمّ المَال وَالْبخل =
قيل أَي أمتك أشر قَالَ الْأَغْنِيَاء
حَدِيث سَيَأْتِي بعدِي قوم يَأْكُلُون لطائف الدُّنْيَا وألوانها. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث (أخلاء ابْن آدم ثَلَاثَة وَاحِد يتبعهُ إِلَى قبض روحه وَهُوَ مَاله
لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ والْحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان من الْمُسْتَدْرك
حَدِيث سلمَان يجاء بِصَاحِب الدُّنْيَا الَّذِي أطَاع الله فِيهَا وَمَاله بَين يَدَيْهِ كلما تكفأ بِهِ الصِّرَاط قَالَ لَهُ امْضِ. . الحَدِيث
حَدِيث أبي مُوسَى نزلت سُورَة نَحْو بَرَاءَة ثمَّ رفعت حفظ مِنْهَا إِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِقوم لَا خلاق لَهُم الحَدِيث أَصله فِي مُسلم وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا(6/346)
حَدِيث ابْن عمر خصلتان يحبهما الله حسن الْخلق والسخاء. . الحَدِيث
حَدِيث ابْن مَسْعُود الرزق إِلَى مطعم الطَّعَام أسْرع من السكين إِلَى ذرْوَة الْبَعِير. . الحَدِيث
لم أره من حَدِيث ابْن مَسْعُود
حَدِيث ابْن عمر إِن لله عبادا يخصهم بِالنعَم لمنافع النَّاس. . الحَدِيث
حَدِيث الْهِلَالِي أُتِي بأسرى من بني العنبر فَأمر بِقَتْلِهِم فأفرد مِنْهُم رجلا. . الحَدِيث فِي السخاء
حَدِيث إِن لكل شَيْء ثَمَرَة وثمره الْمَعْرُوف تَعْجِيل السراح
حَدِيث ابْن عَبَّاس الْجُود من جود الله فجودوا يجد الله لكم ... الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث السخاء شَجَرَة تنْبت فِي الْجنَّة فَلَا يلج الْجنَّة إِلَّا سخي ... الحَدِيث
حَدِيث عَليّ إِن الله ليبغض الْبَخِيل فِي حَيَاته السخي عِنْد مَوته
حَدِيث لَا يَنْبَغِي لمُؤْمِن أَن يكون جَبَانًا وَلَا بَخِيلًا
حَدِيث يَقُول قائلكم الشَّيْخ أعذر من الظَّالِم وَأي ظلم أظلم من الشُّح ... الحَدِيث(6/347)
حَدِيث كَانَ يطوف فَإِذا رجل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول بحرمه الْبَيْت إِلَّا غفرت لي
فَقَالَ وَمَا ذَنْبك صفه لي
قَالَ هُوَ أعظم. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث إِنَّك لبخيل
حَدِيث بَات عَليّ على فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل (إِنِّي آخيت بَيْنكُمَا وَجعلت عمر أَحَدكُمَا أطول من الآخر فأيكما يُؤثر صَاحبه بِالْحَيَاةِ ... الحَدِيث فِي نزُول قَوْله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله}
حَدِيث قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أما إِنَّك أول من يدْخل الْجنَّة من أَغْنِيَاء أمتِي وَمَا كدت أَن تدْخلهَا إِلَّا حبوا
لم أره بِهَذَا اللَّفْظ
حَدِيث من أَسف على دنيا فَأَتَتْهُ اقْترب من النَّار مسيرَة سنة
حَدِيث من أحب الدُّنْيَا وسر بهَا ذهب خوف الْآخِرَة من قبله
حَدِيث يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة وَقد جمع مَالا من حرَام وأنفقه فِي حرَام ... الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث يدْخل فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ الْجنَّة قبل أغنيائهم فيتمتعون ويأكلون وَالْآخرُونَ جثاة على ركبهمْ فَيَقُول قبلكُمْ طلبتي أَنْتُم حكام النَّاس وملوكهم فأروني ماصنعتم فِيمَا أعطيتم(6/348)
حَدِيث سادت الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة من إِذا تغدى لم يجد عشَاء ... الحَدِيث
حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن كَانَت لي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزلَة وجاه فَقَالَ يَا عمرَان هَل لَك فِي عِيَادَة فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث بِطُولِهِ = كتاب ذمّ الجاه والرياء =
حَدِيث جَابر بِحَسب امْرِئ من الشَّرّ إِلَّا من عصمه الله من السوء أَن يُشِير النَّاس إِلَيْهِ بالأصابع فِي دينه ودنياه إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ. . الحَدِيث
حَدِيث ابْن مَسْعُود رب ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ ... الحَدِيث
لم أَجِدهُ مُسْندًا من حَدِيثه
حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِن أهل الْجنَّة كل أَشْعَث أغبر ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ الَّذين إِذا اسْتَأْذنُوا على الْأُمَرَاء لم يُؤذن لَهُم وَإِذا خطبوا النِّسَاء لم ينكحوا. . الحَدِيث
هُوَ فِي مُسلم مُخْتَصر بِلَفْظ آخر من رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة
حَدِيث إِن من أمتِي من لَو أَتَى أحدكُم فَسَأَلَهُ دِينَارا لم يُعْطه إِيَّاه(6/349)
وَلَو سَأَلَهُ درهما لم يُعْطه إِيَّاه وَلَو سَأَلَهُ فلسًا لم يُعْطه إِيَّاه وَلَو سَأَلَ الله تَعَالَى الْجنَّة لأعطاه. . الحَدِيث
حَدِيث قَالَ لعَلي إِنَّمَا هَلَاك أمتِي بِاتِّبَاع الْهوى وَحب الثَّنَاء
حَدِيث أَن رجلا أثنى على رجل فَقَالَ لَو كَانَ صَاحبك حَاضرا فَرضِي الَّذِي قلت وَمَات على ذَلِك دخل النَّار
حَدِيث لَو سَمعك مَا فلح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
لم أجد قَوْله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
حَدِيث رَأس التَّوَاضُع أَن يكره أَن يذكر بِالْبرِّ وَالتَّقوى
حَدِيث ويل للصَّائِم وويل للقائم وويل لصَاحب الصُّوف إِلَّا من تنزهت نَفسه عَن الدُّنْيَا وَأبْغض المدحة وَاسْتحبَّ المذمة
حَدِيث فيمَ النجَاة
قَالَ أَن لَا يعْمل العَبْد بِطَاعَة الله يُرِيد بهَا النَّاس
حَدِيث ابْن عمر من رايا رايا الله بِهِ
حَدِيث لَا يقبل الله عملا فِيهِ مِثْقَال ذرة من رِيَاء
حَدِيث لما خلق الله الأَرْض فمادت بِأَهْلِهَا فخلق الْجبَال فصيرها أوتادا. . الحَدِيث
هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ آخر أوردهُ فِي آخر كتاب الْقدر(6/350)
حَدِيث مَا ستر الله على عبد ذَنبا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ستر عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
هُوَ فِي التِّرْمِذِيّ
حَدِيث قَالَ لَهُ رجل صمت الدَّهْر
فَقَالَ مَا صمت وَلَا أفطرت
حَدِيث الْعَمَل كالوعاء إِذا طَابَ آخِره طَابَ أَوله
لم أره إِلَّا بِلَفْظ إِذا طَابَ أَسْفَله طَابَ أَعْلَاهُ
حَدِيث من رايا بِعَمَلِهِ سَاعَة حَبط عمله الَّذِي كَانَ قبله
حَدِيث جَابر بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة على أَن لَا نفر وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت فأنسيناها يَوْم حنين حَتَّى نودينا يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة فَرَجَعُوا
لم أجد من قَوْله فأنسيناها
حَدِيث يُضَاعف عمل الْعَلَانِيَة إِذا اسْتنَّ بعامله على عمل السِّرّ سبعين ضعفا
روى بَقِيَّة عَن عبد الْملك بن مهْرَان عَن عُثْمَان بن زَائِدَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا السِّرّ أفضل من الْعَلَانِيَة والعلانيه أفضل لمن أَرَادَ الِاقْتِدَاء
أوردهُ فِي الْمِيزَان فِي تَرْجَمَة عبد الْملك وَكَانَ من ضعفاء الْعقيلِيّ
حَدِيث ازهد فِي الدُّنْيَا يحبك الله وانبذ إِلَيْهِم هَذَا الحطام يحبوك
لم أجد الشّطْر الثَّانِي بِهَذَا اللَّفْظ
حَدِيث أول من يدْخل الْجنَّة ثَلَاثَة الإِمَام المقسط أحدهم(6/351)
حَدِيث أبي سعيد أقرب النَّاس مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة إِمَام عَادل
الْأَصْفَهَانِي فِي التَّرْغِيب بِلَفْظ إِن أحب النَّاس إِلَى الله وأقربهم مني مَجْلِسا الإِمَام الْعَادِل
حَدِيث الْحسن أَن رجلا ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ للنَّبِي خر لي
قَالَ اجْلِسْ
حَدِيث نعمت الْمُرضعَة وبئست الفاطمة
رَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَّا أَنه قَالَ بئست فِي الْمَوْضِعَيْنِ
حَدِيث نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقَضَاء
حَدِيث الْحجَّاج الثَّقَفِيّ إِن مجَالِس الذّكر رياض الْجنَّة
حَدِيث إِن الرِّيَاء سَبْعُونَ بَابا = كتاب ذمّ الْكبر وَالْعجب =
حَدِيث اللَّهُمَّ أعوذ بك من نفحة الْكِبْرِيَاء
حَدِيث زيد بن أسلم دخلت عَليّ ابْن عمر فَمر عَلَيْهِ عبد الله بن وَاقد عَلَيْهِ ثوب جَدِيد فَذكر حَدِيث لَا ينظرن الله إِلَى من جر إزَاره
لم أجد فِيهِ ذكر عبد الله بن وَاقد والْحَدِيث عِنْد مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
حَدِيث أبي سَلمَة الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه عَن جده كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا بقباء وَكَانَ صَائِما فأتيناه عِنْد إفطاره بقدح من لبن وَجَعَلنَا فِيهِ شَيْئا من عسل. . الحَدِيث(6/352)
وَفِيه أما إِنِّي لَا أحرمهُ وَمن تواضع لله رَفعه الله وَمن تكبر وَضعه الله وَمن اقتصده أغناه الله. . الحَدِيث
حَدِيث قَامَ سَائل على الْبَاب وَبِه زَمَانه فَإِذن لَهُ فأجلسه على فَخذه ثمَّ قَالَ اطعم. . الحَدِيث
حَدِيث إِذا هدى الله عبدا لِلْإِسْلَامِ وَحسن صورته وَجعله فِي مَوضِع غير شائن لَهُ ورزقه مَعَ ذَلِك تواضعا فَذَلِك من صفوة الله
روى الطَّبَرَانِيّ نَحوه مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود
حَدِيث أَربع لَا يعطيهن الله إِلَّا من يحب الصمت والتوكل والتواضع والزهد فِي الدُّنْيَا
فِي المعجم الْكَبِير للطبراني والمستدرك نَحوه من حَدِيث أنس إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا بدل التَّوَكُّل ذكر الله وَبدل الزّهْد فِي الدُّنْيَا قلَّة الشَّيْء
وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا
حَدِيث كَانَ يطعم فَجَاءَهُ رجل أسود بِهِ جدري فأجلسه إِلَى جنبه
حَدِيث إِنَّه ليعجبني أَن يحمل الرجل الشَّيْء فِي يَده فَيكون مهنة لأَهله يدْفع بِهِ الْكبر عَن نَفسه
حَدِيث مَالِي لَا أرى عَلَيْكُم حلاوة الْعِبَادَة
قَالُوا وَمَا هِيَ
قَالَ التَّوَاضُع(6/353)
حَدِيث إِذا رَأَيْتُمْ المتواضعين من أمتِي فتواضعوا لَهُم وَإِذا رَأَيْتُمْ المتكبرين فتكبروا عَلَيْهِم. . الحَدِيث
حَدِيث كفى بِالْمَرْءِ شرا أَن يحقر أَخَاهُ الْمُسلم هُوَ عِنْد مُسلم بِلَفْظ بِحَسب امرىء من الشَّرّ. . الحَدِيث
حَدِيث أَن رجلَيْنِ تفاخر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَحدهمَا أَنا فلَان بن فلَان فَمن أَنْت لَا أم لَك
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افتخر رجلَانِ عِنْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ يمشي مَعَ أَصْحَابه فيأمرهم بالتقدم وَيَمْشي فِي الغمار
حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ يعلف الناضح وَيعْقل الْبَعِير ويقم الْبَيْت. . الحَدِيث بِطُولِهِ
وَفِي آخِره حَدِيث لعَائِشَة فِي صفته أَيْضا
حَدِيث من حمل الْفَاكِهَة وَالشَّيْء فقد برىء من الْكبر
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِلَفْظ من حمل بضاعته
قَول عمر مَا زَالَ يعرف فِي طَلْحَة بِأَو مُنْذُ أُصِيبَت أُصْبُعه مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث إِن صَلَاة المدل لَا ترفع فَوق رَأسه وَلِأَن تضحك وَأَنت معترف بذنبك خير من أَن تبْكي وَأَنت مدل بعملك(6/354)
حَدِيث أَذَان بِلَال على ظهر الْكَعْبَة ونزول {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم}
أما أَذَان بِلَال يَوْمئِذٍ فراوة ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَعقد لَهُ الْبَيْهَقِيّ بَابا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَلَيْسَ فِيهِ ذكر أَن ذَلِك سَبَب نزُول الْآيَة = كتاب ذمّ الْغرُور =
حَدِيث إِن الْغَزْو سيغلب على آخر هَذِه الْأمة
حَدِيث معقل بن يسَار مُرْسلا يَأْتِي على النَّاس زمَان يخلق فِيهِ الْقُرْآن فِي قُلُوب الرِّجَال. . الحَدِيث
حَدِيث شَرّ النَّاس عُلَمَاء السوء
حَدِيث أبي الدردار إِذا زخرفتم مَسَاجِدكُمْ وحليتم مصاحفكم فالدمار عَلَيْكُم
روينَاهُ فِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلم أره مَرْفُوعا
حَدِيث لما أَرَادَ أَن يَبْنِي مَسْجِد الْمَدِينَة أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ ابْنه سَبْعَة أَذْرع طولا فِي السَّمَاء وَلَا تزخرفه وَلَا تنقشه
حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَرَأَيْت الرجل يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ويحج ويعتمر. . الحَدِيث(6/355)
وَفِيه فَقَالَ إِنَّمَا يجزى على قدر عقله
لم أره إِلَّا من حَدِيث ابْن عمر مَعَ اخْتِلَاف = كتاب التَّوْبَة =
حَدِيث التائب حبيب الله
حَدِيث إِن أَكثر صياح أهل النَّار من التسويف
حَدِيث إِن حَبَشِيًّا قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أعمل الْفَوَاحِش فَهَل لي من تَوْبَة
فَقَالَ (نعم)
فولى ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَكَانَ يراني وَأَنا أعملها
قَالَ (نعم)
فصاح صَيْحَة خرجت فِيهَا نَفسه
حَدِيث قَالَ إِبْلِيس وَعزَّتك لَا خرجت من قلب ابْن آدم مَا دَامَ فِيهِ الرّوح
فَقَالَ الله وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا حجبت عَنهُ التَّوْبَة مَا دَامَ فِيهِ الرّوح
هُوَ فِي الْمُسْتَدْرك بِلَفْظ آخر من حَدِيث أبي سعيد
حَدِيث إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات كَمَا يذهب المَاء الْوَسخ
حَدِيث من الْكَبَائِر السبتان بالسبة وَمن الْكَبَائِر استطالة الرجل فِي عرض أَخِيه الْمُسلم
حَدِيث الدُّنْيَا مزرعة الْآخِرَة
روى الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد من رِوَايَة قيس بن حَازِم عَن جرير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من يتزود فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة)(6/356)
حَدِيث النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا
حَدِيث إِن أخر من يخرج من النَّار يُقيم فِيهَا سَبْعَة الآف سنة
حَدِيث الْغَضَب قطعه من النَّار
هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِلَفْظ إِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم
حَدِيث الْبلَاء مُوكل بالأنبياء ثمَّ الألياء ثمَّ الأمثل فالأمثل
الْمَعْرُوف فِي لَفظه أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء ثمَّ الصالحون ثمَّ الأمثل فالأمثل
حَدِيث جالسوا التوابين فَإِنَّهُم أرق أَفْئِدَة
حَدِيث أما إِنِّي لَا أنسى وَلَكِن أنسي لأشرع
ذكره مَالك بلاغا وَلم يُوجد مُتَّصِلا
حَدِيث إِذا عملت سَيِّئَة فأتبعتها حَسَنَة تكفرها السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية
فِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمَا عملت من سوء فأحدث لله تَوْبَة السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية
حَدِيث حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين
ينظر إِن كَانَ حَدِيثا فَإِن المُصَنّف قَالَ قَالَ الْقَائِل الصَّادِق فَينْظر من أَرَادَ
حَدِيث مَا من يَوْم طلع فجره وَلَا لَيْلَة غَابَ شفقها إِلَّا وملكان يتجاوبان(6/357)
بأَرْبعَة أصوات فَيَقُول أَحدهمَا يَا لَيْت هَذَا الْخلق لم يخلقوا. . الحَدِيث
حَدِيث عمر الطابع مُعَلّق بقائمة الْعَرْش فَإِذا انتهكت الحرمات
الحَدِيث
لم أره إِلَّا من حَدِيث ابْن عمر
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء
حَدِيث مُجَاهِد الْقلب مثل الْكَفّ الْمَفْتُوحَة كلما أذْنب ذَنبا انقبضت أصْبع. . الحَدِيث
لم أره إِلَّا من قَول حُذَيْفَة
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
حَدِيث مَا خلف دِينَارا وَلَا درهما إِنَّمَا خلف الْعلم وَالْحكمَة = كتاب الصَّبْر وَالشُّكْر =
حَدِيث من أقل مَا أوتيم الْيَقِين وعزيمة الصَّبْر. . الحَدِيث بِطُولِهِ
وَقد تقدم بعضه فِي الْعلم وَلم أَجِدهُ
حَدِيث الصَّبْر كنز من كنوز الْجنَّة
حَدِيث سُئِلَ مرّة مَا الْإِيمَان
فَقَالَ الصَّبْر
حَدِيث أفضل الْإِيمَان مَا أكرهت عَلَيْهِ النُّفُوس
لم أره إِلَّا من قَول عمر بن عبد الْعَزِيز(6/358)
حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَنْصَار فَقَالَ (أَمُؤْمِنُونَ أَنْتُم)
فَسَكَتُوا فَقَالَ عمر نعم
فَقَالَ (وَمَا علاقَة إيمَانكُمْ)
فَقَالَ نشكر على الرخَاء وَنَصْبِر على الْبلَاء. . الحَدِيث
حَدِيث من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته
حَدِيث أنس قَالَ الله يَا جِبْرِيل مَا جَزَاء من سلبت كريمته
قَالَ سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا
قَالَ جَزَاؤُهُ الخلود فِي دَاري وَالنَّظَر إِلَى وَجْهي
حَدِيث من إجلال الله وَمَعْرِفَة حَقه أَن لَا تَشْكُو وجعك وَلَا تذكر مصيبتك
حَدِيث إِن الله يبغض الشَّاب الفارغ
حَدِيث يُنَادى مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة ليقمْ الْحَمَّادُونَ. . الحَدِيث
فِي الطَّبَرَانِيّ نَحوه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مُخْتَصرا
حَدِيث الْحَمد رِدَاء الرَّحْمَن
حَدِيث لَيْسَ شَيْء من الْأَذْكَار يُضَاعف مَا يُضَاعف الْحَمد لله
حَدِيث قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عِيسَى مَشى على المَاء
فَقَالَ لَو ازْدَادَ يَقِينا لمشى على الْهَوَاء
حَدِيث سَيكون عَلَيْكُم أُمَرَاء يفسدون وَمَا يصلح الله بهم أَكثر فَإِن أَحْسنُوا. . الحَدِيث(6/359)
حَدِيث نعم العون على الدّين الْمَرْأَة الصَّالِحَة
حَدِيث كَانَ من أكْرم أرومة فِي نسب آدم
حَدِيث ويل لمن قَرَأَ هَذِه الْآيَة ثمَّ مسح بهَا سبلته يَعْنِي قَوْله {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الْمَلَائِكَة الموكلين بالسماء وَالْأَرْض والنبات وَالْحَيَوَان والمطر
حَدِيث إِن الْبقْعَة الَّتِي يجْتَمع فِيهَا النَّاس إِمَّا أَن تلعنهم إِذا تفَرقُوا أَو تستغفر لَهُم
حَدِيث لعن الْمَلَائِكَة للعصاة
حَدِيث من لم يسْتَغْن بآيَات الله فَلَا أغناه الله
حَدِيث كفى بِالْيَقِينِ غنى
لم أره إِلَّا من قَول عمار بن يَاسر
حَدِيث مَا عظمت نعْمَة الله على عبد إِلَّا كثرت حوائج النَّاس إِلَيْهِ فَمن تهاون بهم عرض تِلْكَ النِّعْمَة للزوال
هُوَ فِي الضُّعَفَاء لِابْنِ حبَان من حَدِيث معَاذ إِلَّا أَن لَفظه إِلَّا عظمت مُؤنَة النَّاس عَلَيْهِ فَمن لم يحْتَمل تِلْكَ الْمُؤْنَة فقد عرض. . الحَدِيث
حَدِيث إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا فأصابته شدَّة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فَالله أكْرم من أَن يعذبه ثَانِيًا(6/360)
هُوَ مَوْجُود بِلَفْظ قريب مِنْهُ وَلم أره بِهَذَا اللَّفْظ
حَدِيث إِن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله ذهب مَالِي وسقم جَسَدِي
فَقَالَ (لَا خير فِي عبد لَا يذهب مَاله وَلَا يسقم جسده إِن الله إِذا أحب عبدا ابتلاه وَإِذا ابتلاه صبره)
حَدِيث أنس مَا تجرع عبد قطّ جرعتين أحب إِلَى الله من جرعة غيظ ردهَا بحلم وجرعة مُصِيبَة يصبر الرجل لَهَا وَلَا قطرت قَطْرَة
وَفِيه وَمَا خطا عبد. . الحَدِيث
حَدِيث وعافيتك أحب إِلَيّ
هُوَ فِي السِّيرَة بِلَفْظ أوسع لي
حَدِيث يُؤْتى بأشكر أهل الأَرْض فيجزيه الله جَزَاء الشَّاكِرِينَ
وَيُؤْتى بأصبر أهل الأَرْض فَيُقَال أترضى أَن نجزيك كَمَا جزينا هَذَا الشاكر
فَيَقُول نعم يَا رب
فَيَقُول الله تَعَالَى كلا أَنْعَمت عَلَيْهِ فَشكر وابتليتك فَصَبَرت لأضعفن لَك الْأجر عَلَيْهِ فَيعْطى أَضْعَاف جَزَاء الشَّاكِرِينَ
حَدِيث الْجُمُعَة حج الْمَسَاكِين وَجِهَاد الْمَرْأَة حسن التبعل
حَدِيث آخر الْأَنْبِيَاء دُخُولا الْجنَّة سُلَيْمَان بن دَاوُد وَآخر أَصْحَابِي دُخُولا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف(6/361)
حَدِيث يدْخل سُلَيْمَان بعد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا
حَدِيث أَبْوَاب الْجنَّة كلهَا مصراعان إِلَّا بَاب الصَّبْر فَإِنَّهُ بَاب وَاحِد وَإِن من يدْخلهُ أهل الْبلَاء إمَامهمْ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام = كتاب الرَّجَاء وَالْخَوْف =
حَدِيث زيد الْخَيل جِئْت لأسألك عَن عَلامَة الله فِيمَن يُرِيد. . الحَدِيث
حَدِيث أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أحب من يجبني وحببني إِلَى خلقي
قَالَ رب كَيفَ. . الحَدِيث
حَدِيث أَن رجلا من بني إِسْرَائِيل كَانَ يقنط النَّاس ويشدد عَلَيْهِم فَيَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة الْيَوْم أويسك من رَحْمَتي كَمَا كنت تقنط عبَادي مِنْهَا
حَدِيث لم يزل يسْأَل فِي أمته حَتَّى قيل لَهُ أما ترْضى وَقد أنزلت عَلَيْك {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} . . الحَدِيث
حَدِيث أنس أَنه سَأَلَ ربه فِي ذنُوب أمته فَقَالَ يَا رب اجْعَل حسابهم إِلَيّ لِئَلَّا يطلع على مساويهم غَيْرِي. . الحَدِيث(6/362)
حَدِيث قَالَ يَوْمًا يَا كريم الْعَفو فَقَالَ جِبْرِيل أَتَدْرِي مَا تَفْسِير يَا كريم الْعَفو. . الحَدِيث
لم أره إِلَّا من خطاب جِبْرِيل لإِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِمَا وَسلم
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان
حَدِيث لَو أذْنب العَبْد حَتَّى تبلغ ذنُوبه عنان السَّمَاء. . الحَدِيث
هُوَ فِي التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ يَا ابْن آدم لَو بلغت ذنوبك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتني غفرت لَك
حَدِيث لَو لَقِيَنِي عَبدِي بقراب الأَرْض. . الحَدِيث هُوَ أَيْضا فِي الترمذى بِلَفْظ يَا ابْن آدم لَو لقيتنى الحَدِيث
حَدِيث إِذا عمل العَبْد السَّيئَة وكتبت وَعمل حَسَنَة قَالَ صَاحب الْيَمين لصَاحب الشمَال وَهُوَ أَمِير عَلَيْهِ ألق هَذِه السَّيئَة حَتَّى ألقِي من حَسَنَاته وَاحِدَة من تَضْعِيف الْعشْر. . الحَدِيث
حَدِيث أنس إِذا أذْنب العَبْد ذَنبا كتب عَلَيْهِ
فَقَالَ الاعرابي فَإِن تَابَ عَنهُ
قَالَ مُحي عَنهُ
قَالَ فَإِن عَاد
قَالَ يكْتب عَلَيْهِ
قَالَ فَإِن تَابَ(6/363)
قَالَ مُحي عَنهُ من صَحِيفَته. . الحَدِيث بِطُولِهِ
هُوَ فِي شعب الْإِيمَان مُخْتَصرا مَعَ اخْتِلَاف
وَنَحْوه من حَدِيث عقبَة بن عَامر
حَدِيث أنس الطَّوِيل أَن أَعْرَابِيًا قَالَ يَا رَسُول الله من يَلِي حِسَاب الْخلق
قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى
قَالَ هُوَ بِنَفسِهِ
قَالَ نعم
فَتَبَسَّمَ الْأَعرَابِي إِن الْكَرِيم إِذا قدر عَفا
حَدِيث الْمُؤمن أفضل من الْكَعْبَة وَالْمُؤمن طيب طَاهِر أكْرم على الله من الْمَلَائِكَة
روى الثُّلُث الْأَخير مِنْهُ ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء
حَدِيث خلق الله من فضل رَحمته سَوْطًا يَسُوق بِهِ عباده إِلَى الْجنَّة
حَدِيث أبي سعيد مَا خلق الله شَيْئا إِلَّا جعل لَهُ مَا يغلبه وَجعل رَحمته تغلب غَضَبه
حَدِيث أنس مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَمن كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله لم تمسه النَّار وَمن لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا حرمت عَلَيْهِ النَّار وَلَا يدخلهَا من فِي قلبه وزن ذرة من إِيمَان
حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ فِي قَوْله تَعَالَى {فاصفح الصفح الْجَمِيل} . . الحَدِيث فِي بكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكاء جِبْرِيل ونزول مِيكَائِيل إِلَيْهِمَا
حَدِيث سلوا الله الدَّرَجَات العلى فَإِنَّمَا تسْأَلُون كَرِيمًا
حَدِيث إِذا سَأَلْتُم فأعظموا الرَّغْبَة واسألوا الفردوس الْأَعْلَى فَإِن الله لَا يتعاظمه شَيْء(6/364)
حَدِيث أَنا أخوفكم بِاللَّه
حَدِيث أوحى الله إِلَى دَاوُد يَا دَاوُد خفني كَمَا تخَاف السَّبع الضاري
حَدِيث إِن أردْت أَن تَلقانِي فَأكْثر من الْخَوْف بعدِي يَقُوله لِابْنِ مَسْعُود
حَدِيث أتمكم عقلا أَشدّكُم لله خوفًا. . الحَدِيث
حَدِيث إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة خمسين سنة ... الحَدِيث
حَدِيث ابْن عمر سمع رجلا يذم الْحجَّاج فَقَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ الْحجَّاج حَاضرا أَكنت تَتَكَلَّم بِمَا تَكَلَّمت بِهِ قَالَ لَا ... الحَدِيث
تقدم فِي قَوَاعِد العقائد
حَدِيث (إِن جمَاعَة قعدوا على بَاب حُذَيْفَة ينتظرونه وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي شَيْء من شَأْنه فَلَمَّا خرج عَلَيْهِم سكتوا حَيَاء مِنْهُ. . الحَدِيث
حَدِيث إِنَّه قد يفتح إِلَى قبر المعذب سَبْعُونَ بَابا من الْجَحِيم
حَدِيث أَنه قَرَأَ سُورَة الحاقة فَصعِقَ = كتاب الْفقر والزهد =
حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا قَالَ لأَصْحَابه أَي النَّاس خير فَقَالُوا مُوسر من المَال يُعْطي حق فِي نَفسه وَمَاله(6/365)
فَقَالَ نعم الرجل هَذَا وَلَيْسَ بِهِ
قَالُوا فَمن خير النَّاس يَا رَسُول الله قَالَ فَقير يُعْطي جهده
حَدِيث خير هَذِه الْأمة فقراؤها واسرعها تضجعا فِي الْجنَّة ضعفاؤها
حَدِيث إِن لي حرفتين اثْنَتَيْنِ فَمن أحبهما فقد أَحبَّنِي وَمن أبغضهما فقد أبغضني الْفقر وَالْجهَاد
حَدِيث نزل جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول أَتُحِبُّ أَن أجعَل هَذِه الْجبَال من ذهب وَتَكون مَعَك أَيْنَمَا كنت فَأَطْرَقَ ثمَّ قَالَ يَا جِبْرِيل الدُّنْيَا دَار من لَا دَار لَهُ
حَدِيث اطَّلَعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْأَغْنِيَاء
حَدِيث إِذا رَأَيْت الْفقر مُقبلا فَقل مرْحَبًا بشعار الصَّالِحين
لم أره إِلَّا فِي الْإسْرَائِيلِيات أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى بن عمرَان كَذَلِك
ذكره مُحَمَّد بن خَفِيف فِي كتاب شرف الْفُقَرَاء
وَرَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب تضيع الْعُمر وَالْأَيَّام قَالَ أخبرنَا أَبُو عَليّ سنة سِتّ حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن سدي الْحداد حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْقطَّان حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار حَدثنَا إِسْحَاق بن بشير عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن كَعْب قَالَ فِيمَا كَلمه ربه تبَارك وَتَعَالَى يَعْنِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُوسَى إِذا رَأَيْت الْفقر مُقبلا
فَذكره(6/366)
حَدِيث كَانَ لِبَاس أهل الصّفة الصُّوف فَإِذا عرقوا فاحت الروائح من ثِيَابهمْ فَاشْتَدَّ ذَلِك على الْأَغْنِيَاء. . الحَدِيث قَوْله تَعَالَى {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم}
حدث يُؤْتِي بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة فيعتذر الله تَعَالَى إِلَيْهِ كَمَا يعْتَذر الرجل إِلَى الرجل فِي الدُّنْيَا فَيَقُول وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مازويت الدُّنْيَا عَنْك لهوانك ... الحَدِيث
وَفِيه أخرج إِلَى هَذِه الصُّوف فَمن أطعمك فِي ... الحَدِيث
حَدِيث أَكْثرُوا معرفَة الْفُقَرَاء وَاتَّخذُوا عِنْدهم الأيادي فَإِن لَهُم دولة ... . الحَدِيث
حَدِيث دخل رجل فَقير فَقَالَ لَو قسم نور هَذَا على أهل الأَرْض لوسعهم
حَدِيث إِذا أبْغض النَّاس فقراءهم وأظهروا عمَارَة ديناهم. . الحَدِيث
حَدِيث سعيد بن عَامر يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخَمْسِمِائَة عَام
الحَدِيث
لم أجد فِيهِ إِلَّا سبعين أَو أَرْبَعِينَ(6/367)
حَدِيث يَا معشر الْفُقَرَاء أعْطوا الله الرِّضَا من قُلُوبكُمْ تظفروا بِثَوَاب فقركم وَإِلَّا فَلَا
حَدِيث عَليّ (أحب الْعباد إِلَى الله الْفَقِير القانع برزقه الراضي عَن الله عز وَجل
حَدِيث لَا أحد أفضل من الْفَقِير إِذا كَانَ رَاضِيا
حَدِيث يَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة أَيْن صفوتي من خلقي
فَتَقول الْمَلَائِكَة من هم يَا رَبنَا فَيَقُول فُقَرَاء الْمُسلمين القانعين بعطائي الراضين بقدري أدخلوهم الْجنَّة ... . الحَدِيث
حَدِيث زيد بن أسلم عَن أنس بن مَالك قَالَ بعث الْفُقَرَاء رَسُولا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن الْأَغْنِيَاء ذَهَبُوا بِالْخَيرِ ... الحَدِيث
وَفِيه إِذا قَالَ الْغَنِيّ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَقَالَ الْفَقِير مثل ذَلِك لم يلْحق الْغَنِيّ الْفَقِير وَإِن أنْفق عشرَة آلَاف دِرْهَم ... الحَدِيث
حَدِيث لكل أمة عجل وَعجل هَذِه الْأمة الدِّينَار وَالدِّرْهَم
فِي الفردوس من حَدِيث حُذَيْفَة
حَدِيث زيد بن أسلم مُرْسلا دِرْهَم من الصَّدَقَة أفضل عِنْد الله من مائَة ألف دِرْهَم
قيل وَكَيف قَالَ (أخرج رجل من عرض مَاله)
الحَدِيث
لم أره مُرْسلا وَقد تقدم فِي الزَّكَاة مُتَّصِلا بِنَحْوِهِ
حَدِيث أهدي إِلَيْهِ سمن وأقط وكبش فَقبل السّمن والأقط ورد الْكَبْش(6/368)
حَدِيث كَانَ يقبل من بعض النَّاس وَيرد على بعض
حَدِيث فتح الْموصِلِي عَن عَطاء مُرْسلا من أَتَاهُ رزق من غير مَسْأَلَة فَرده فَإِنَّمَا يردهُ على الله عز وَجل
قَالَ وَكَانَ الْحسن أَيْضا يروي هَذَا الحَدِيث
حَدِيث مَسْأَلَة النَّاس من الْفَوَاحِش مَا أحل من الْفَوَاحِش غَيرهَا
حَدِيث استغنوا عَن النَّاس وَمَا قل من السُّؤَال فَهُوَ خير
قَالُوا ومنك قَالَ وَمنى
حَدِيث إِنَّمَا أحكم بِالظَّاهِرِ وَالله يتَوَلَّى السرائر
حَدِيث قَالَ رجل اللَّهُمَّ أَرِنِي الدُّنْيَا كَمَا ترَاهَا
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تقل هَكَذَا وَلَكِن قل أَرِنِي الدُّنْيَا كَمَا أريتها الصَّالِحين من عِبَادك)
حَدِيث قَالَ الْمُسلمُونَ إِنَّا نحب رَبنَا وَلَو علمنَا فِي أَي شَيْء محبته لفعلناه حَتَّى نزل {وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} ... الْآيَة
وَفِيه أَنه قَالَ لِابْنِ مَسْعُود (أَنْت من الْقَلِيل)(6/369)
حَدِيث الْوَرع والزهد يجولان فِي الْقلب كل لَيْلَة ... . الحَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت
حَدِيث جَابر من جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله لَا يخلط مَعهَا غَيرهَا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
لم أره إِلَّا من حَدِيث زيد بن أَرقم
حَدِيث السخاء من الْيَقِين وَلَا يدْخل النَّار موقن وَالْبخل من الشَّك وَلَا يدْخل الْجنَّة من شكّ
حَدِيث ابْن الْمسيب عَن أبي ذَر من زهد فِي الدُّنْيَا أَدخل الله الْحِكْمَة قلبه. . الحَدِيث
لم أره إِلَّا من حَدِيث صَفْوَان بن سليم مُرْسلا
رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الدُّنْيَا
حَدِيث مر بعشار من النوق فَأَعْرض عَنْهَا. . الحَدِيث فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا}
حَدِيث مَسْرُوق عَن عَائِشَة قلت يَا رَسُول الله أَلا تستطعم رَبك. . الحَدِيث فِي قَوْله تَعَالَى {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل}
حَدِيث عمر حِين قَالَت لَهُ حَفْصَة البس لين الثِّيَاب
فَقَالَ ناشدتك الله هَل تعلمين أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يشْبع هُوَ وَأهل بَيته غدْوَة إِلَّا جَاعُوا عَشِيَّة ... الحَدِيث بِطُولِهِ(6/370)
حَدِيث عمر لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ تَبًّا للدنيا ... الحَدِيث
حَدِيث حُذَيْفَة من آثر الدُّنْيَا على الْآخِرَة ابتلاه الله بِثَلَاث هما لَا يُفَارق قلبه. . الحَدِيث
حَدِيث قيل لَو أمرتنا أَن نَبْنِي بَيْتا نعْبد الله فِيهِ
قَالَ ابْنُوا بَيْتا على المَاء ... الحَدِيث
حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا زهذه فِي الدُّنْيَا. . الحَدِيث
حَدِيث من أَرَادَ أَن يؤتيه الله علما بِغَيْر تعلم وَهدى بِغَيْر هِدَايَة فليزهد فِي الدُّنْيَا
حَدِيث إِن الرجل ليوقف فِي الْحساب حَتَّى لَو وَردت مائَة بعير عطاشا على عرقه لصدرت رواء
حَدِيث عَائِشَة كَانَت تَأتي أَرْبَعُونَ لَيْلَة وَمَا يُوقد فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِصْبَاح ... الحَدِيث
لم أر فِيهِ ذكر الْأَرْبَعين
حَدِيث الْفضل مَا شبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث(6/371)
هُوَ مَشْهُور من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلم أره من حَدِيث الْفضل معضلا
حَدِيث إِن الله يحب المبتذل الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لبس
قَول عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي لَا ألبس مَشْهُورا أبدا. . إِلَى آخِره
حَدِيث اشْترى ثوبا بأَرْبعَة دَرَاهِم
حَدِيث كَانَ قيمَة ثويبه عشرَة
حَدِيث إشترى سَرَاوِيل بِثَلَاثَة دَرَاهِم
حَدِيث كَانَ يلبس شملتين بيضاوين من صوف ... الحَدِيث
حَدِيث رُبمَا كَانَ يلبس بردين يمانيين أَو سَحُولِيَّيْنِ من هَذِه الْغِلَاظ
حَدِيث لبسه الثَّوْب السندس الَّذِي أهداه لَهُ الْمُقَوْقس وَأَن قِيمَته مِائَتَا دِرْهَم
لم أر فِي الحَدِيث مِقْدَار قِيمَته
حَدِيث سِنَان بن سعد حيكت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُبَّة من صوف. . الحَدِيث
الْمَعْرُوف حَدِيث سهل بن سعد
حَدِيث أبي سُلَيْمَان لَا يلبس الشّعْر من أمتِي إِلَّا الأحمق)(6/372)
حَدِيث فرشت لَهُ عَائِشَة فراشا جَدِيدا وَكَانَ ينَام على عباءة مثنية فَمَا زَالَ يتقلب ليلته ... الحَدِيث
لم أر فِيهِ أَنه عَلَيْهِ من حَدِيث عَائِشَة وَإِنَّمَا هُوَ من حَدِيث حَفْصَة = كتاب التَّوْحِيد والتوكل =
حَدِيث كَانَ إِذا أصَاب أَهله خصَاصَة قَالَ (قومُوا لله وَيَقُول (بِهَذَا أَمرنِي رَبِّي {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} الْآيَة
حَدِيث إِن ملك الْأَرْحَام يدْخل الرَّحِم فَيَأْخُذ النُّطْفَة فِي يَده ثمَّ يصورها. . الحَدِيث
حَدِيث إِن ملكي الْمَوْت والحياة تناظرا فَقَالَ ملك الْمَوْت أَنا أميت الْأَحْيَاء ... الحَدِيث
حَدِيث لَو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم ... الحَدِيث
وَفِيه (ولزالت بدعائكم الْجبَال)
لم أر هَذِه الزِّيَادَة
حَدِيث إِن العَبْد ليهم من اللَّيْل بِأَمْر من أُمُور التِّجَارَة مِمَّا لوفعله لَكَانَ فِيهِ هَلَاكه. . الحَدِيث(6/373)
حَدِيث (خمر طِينَة آدم بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ صباحا)
حَدِيث الْفَقِير الَّذِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَو أُسَامَة فَغسله وكفنه ... الحَدِيث
وَفِيه إِنَّه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة وَجهه كَالْقَمَرِ وَلَوْلَا خصْلَة كَانَت فِيهِ لبعث وَجهه كَالشَّمْسِ كَانَ إِذا جَاءَ الشتَاء ادخر حلَّة الصَّيف ... الحَدِيث
حَدِيث نهي بِلَالًا عَن ادخار كسرة خبز ليفطر عَلَيْهَا. . الحَدِيث
حَدِيث (من ترك الْعَزْل وَأقر النُّطْفَة قَرَارهَا كَانَ لَهُ أجر غُلَام ولد من ذَلِك الْجِمَاع
حَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت كَانَ يكتحل كل لَيْلَة ويحتجم كل شهر وَيشْرب ... الحَدِيث
حَدِيث تداوي غير مرّة من الْعَقْرَب وَغَيرهَا
حَدِيث جعل على قرحَة خرجت بِهِ تُرَابا
حَدِيث نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أَشد النَّاس بلَاء ... لحَدِيث
لم أره بِلَفْظ نَحن معاشر
حَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت إِذا أحب الله عبدا ابتلاه ... الحَدِيث
لم أره من طَرِيق أهل الْبَيْت(6/374)
حَدِيث لَا تزَال الْحمى والمليلة ... الحَدِيث
لم أره بِلَفْظ الْحمى
حَدِيث لما ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفَّارَة الذُّنُوب بالحمى سَأَلَ زيد بن ثَابت أَن لَا يزَال محموما
حَدِيث لما قَالَ من أذهب الله كريمتيه كَانَ فِي الْأَنْصَار من يتَمَنَّى الْعَمى
لم أر فِيهِ تمني الْأَنْصَار
حَدِيث انس وَعَائِشَة هَل يكون مَعَ الشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة غَيرهم قَالَ من ذكر الْمَوْت كل يَوْم عشْرين مرّة
وَفِي لفظ آخر الَّذِي يذكر ذنُوبه فتحزنه وَالله أعلم = كتاب الْمحبَّة والشوق وَالرِّضَا =
حَدِيث قَول إِبْرَاهِيم الْخَلِيل لملك الْمَوْت هَل رَأَيْت خَلِيلًا يُمِيت خَلِيله ... الحَدِيث
حَدِيث كَانَ يُعجبهُ الخضرة وَالْمَاء الْجَارِي
حَدِيث (لَا يكونن أحدكُم كالأجير السوء
حَدِيث إِن الشُّهَدَاء يتمنون لَو كَانُوا عُلَمَاء
حَدِيث أقْصَى مكث الْمُؤمنِينَ فِي النَّار سَبْعَة آلَاف سنة
حَدِيث أنس إِذا أحب الله عبدا لم يضرّهُ ذَنْب
حَدِيث من تواضع لله ... الحَدِيث(6/375)
وَفِيه وَمن أَكثر ذكر الله أحبه الله
حَدِيث إِذا أحب الله عبدا جعل لَهُ واعظا من نَفسه
حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا بَصَره بعيوب نَفسه
حَدِيث لما زوج أَبُو حُذَيْفَة أُخْته من سَالم عاتبته قُرَيْش ... الحَدِيث
حَدِيث من اسْتَوَى يوماه فَهُوَ مغبون ... الحَدِيث
هَذَا رُؤْيا نوم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَسَأَلَهُ فَقَالَ ذَلِك
هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد
حَدِيث أبي مُوسَى يكون فِي أمتِي قوم شعثة رؤوسهم ... الحَدِيث
وَفِيه أَي فِي أَوله قصه
حَدِيث أوحى الله إِلَى عبد تَدَارُكه كم من ذَنْب واجهتني بِهِ ... الحَدِيث
حَدِيث إِن الله يتجلى للْمُؤْمِنين فَيَقُول سلوني
فَيَقُولُونَ رضاك
حَدِيث (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أنبت الله لطائفة من أمتِي أَجْنِحَة) . . الحَدِيث
وَفِيه كُنَّا إِذا خلونا نستحي أَن نعصيه ... الحَدِيث(6/376)
حَدِيث قدرت الْمَقَادِير ودبرت التَّدْبِير فَمن رَضِي فَلهُ الرِّضَا حَتَّى يلقاني ... الحَدِيث
حَدِيث الدَّال على الشَّرّ كفاعله
حَدِيث لَو أَن عبدا قتل بالمشرق وَرَضي بقتْله آخر فِي الْمغرب كَانَ شَرِيكا فِي قَتله
حَدِيث إِن الله أَخذ الْمِيثَاق على كل مُؤمن أَن يبغض كل مُنَافِق. . الحَدِيث
حَدِيث من أحب قوما ووالاهم حشر مَعَهم يَوْم الْقِيَامَة
حَدِيث الْقدر سر فَلَا تفشوه
حَدِيث لَا يستكمل العَبْد الْإِيمَان حَتَّى يكون قلَّة الشَّيْء أحب إِلَيْهِ من كثرته. . الحَدِيث
حَدِيث ثَلَاثَة من كن فِيهِ اسْتكْمل إيمَانه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم. . الحَدِيث
حَدِيث لَا يكمل إِيمَانًا العَبْد حَتَّى يكون فِيهِ ثَلَاث خِصَال إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه من الْحق. . الحَدِيث
حَدِيث ثَلَاث من أوتيهن فقد أُوتِيَ مَا أُوتِيَ آل دَاوُد الْعدْل فِي الرِّضَا الْغَضَب. . الحَدِيث(6/377)
حَدِيث أوحى الله إِلَى بعض أنبيائه إِنَّمَا أَتَّخِذ لخلتي من لَا يصبر عَن ذكري
حَدِيث قَالَ للصديق إِن الله قد أَعْطَاك مثل إِيمَان كل من آمن بِي. . الحَدِيث
حَدِيث إِن لله ثلثمِائة خلق
وَفِيه وأحبها إِلَى الله السخاء
حَدِيث عَليّ الْمعرفَة رَأس مَالِي وَالْعقل أصل ديني. . الحَدِيث = كتاب النِّيَّة وَالْإِخْلَاص والصدق =
حَدِيث إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطعنَا وَاديا وَلَا وطئنا موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا أنفقنا نَفَقَة وَلَا أصابتنا مَخْمَصَة. . الحَدِيث
لم أره بِهَذَا الطول
حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي مهَاجر أم قيس
ذكره ابْن مندة وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة غير موصل الْإِسْنَاد
حَدِيث الْحسن أَن رجلا قتل فِي سَبِيل الله فَكَانَ يدعى قَتِيل الْحمار. . الحَدِيث
حَدِيث إِذا التقى الصفان نزلت الْمَلَائِكَة تكْتب الْخلق على مَرَاتِبهمْ. . الحَدِيث
ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود بِنَحْوِهِ
حَدِيث من تزوج امْرَأَة على صدَاق لَا يَنْوِي أَدَاة فَهُوَ زَان. . الحَدِيث
لم أره إِلَّا من حَدِيث صُهَيْب(6/378)
حَدِيث من تطيب لله جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وريحه أطيب من الْمسك. . الحَدِيث
حَدِيث لَا يعْذر الْجَاهِل على الْجَهْل
حَدِيث رَهْبَانِيَّة أمتِي الْقعُود فِي الْمَسَاجِد
حَدِيث من غَدا إِلَى الْمَسْجِد يذكر الله أَو يذكر بِهِ كَانَ كالمجاهد فِي سَبِيل الله تَعَالَى
حَدِيث معَاذ إِن العَبْد ليسئل يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى عَن كحل عَيْنَيْهِ. . الحَدِيث
حَدِيث إِن العَبْد ليحاسب فَتبْطل أَعماله لدُخُول الآفة فِيهَا حَتَّى يسْتَوْجب النَّار ثمَّ يَتَيَسَّر لَهُ من الْأَعْمَال الْحَسَنَة مَا يسْتَوْجب بِهِ الْجنَّة فيتعجب فَيُقَال هَذِه أَعمال الَّذين اغتابوك وظلموك
قَول عَليّ لَا تهتموا لقلَّة الْعَمَل واهتموا للقبول
حَدِيث أبي هُرَيْرَة أول من يسئل يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة. . الحَدِيث
وَفِيه فَحدث بِهِ مُعَاوِيَة فَبكى حَتَّى كَادَت نَفسه تزهق ثمَّ قَالَ صدق الله {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} . . الْآيَة
هُوَ فِي مُسلم دون قصَّة مُعَاوِيَة
حَدِيث سُئِلَ عَن الْإِخْلَاص قَالَ أَن تَقول رَبِّي الله ثمَّ تستقيم كَمَا أمرت
الْأَخْبَار الدَّالَّة على عدم ثَوَاب الْعَمَل المشوب ومعارضها
حَدِيث ابْن مَسْعُود من هَاجر يبتغى شَيْئا من الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ
حَدِيث ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْكَمَال فَقَالَ قَول الْحق وَالْعَمَل بِالصّدقِ
حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَل سريرتي خيرا من علانيتي وَاجعَل علانيتي صَالِحَة(6/379)
حَدِيث أبي ذَر سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِيمَان فَقَرَأَ {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} . . الْآيَة
حَدِيث قَالَ لجبريل أحب أَن أَرَاك فِي صُورَتك
وَفِيه رَآهُ فَخر مغشيا عَلَيْهِ
وَفِيه إِن جِبْرِيل قَالَ فَكيف لَو رَأَيْت إسْرَافيل إِن الْعَرْش لعلى كَاهِله وَإِن رجلَيْهِ قد مزقتا تخوم الأَرْض السُّفْلى وَإنَّهُ ليتصاغر من عَظمَة الله حَتَّى يصير كالوصع يَعْنِي العصفور الصَّغِير
حَدِيث جَابر مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي وَجِبْرِيل بالملأ الْأَعْلَى كالحلس الْبَالِي
لم أره من حَدِيث أنس
حَدِيث لَا يبلغ عبد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى ينظر إِلَى النَّاس كالأباعر فِي جنب الله
الحَدِيث = كتاب المحاسبة والمراقبة =
حَدِيث ينشر للْعَبد فِي كل يَوْم وَلَيْلَة أَربع وَعِشْرُونَ خزانَة مَنْصُوبَة فتفتح لَهُ خزانَة فيراها مَمْلُوءَة من حَسَنَاته. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد من حَدِيث أنس بِلَفْظ اعْمَلْ لله رأى الْعين كَأَنَّك ترَاهُ. . الحَدِيث
حَدِيث ينشر للْعَبد فِي كل حَرَكَة من حركاته ثَلَاثَة دواوين الأول لم وَالثَّانِي كَيفَ وَالثَّالِث نعم(6/380)
حَدِيث أَنْتُم الْيَوْم فِي زمَان خَيركُمْ فِيهِ المسارع وَسَيَأْتِي زمَان خَيركُمْ فِيهِ المتثبت
حَدِيث اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أَقُول فِي الدّين بِغَيْر علم
حَدِيث رحم الله أَقْوَامًا يَحْسبهُم النَّاس مرضى وَمَا هم بمرضى = كتاب التفكر =
حَدِيث خرج على أَصْحَابه وهم يتفكرون فَقَالَ تَفَكَّرُوا فِي خلقه وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِيهِ فَإِن بِهَذِهِ الْمغرب أَرضًا بَيْضَاء. . الحَدِيث
وَفِيه لَا يَدْرُونَ خلق آدم أم لَا
الْأَخْبَار الدَّالَّة على عظم الشَّمْس
حَدِيث أَنه قَالَ لجبريل هَل زَالَت الشَّمْس
فَقَالَ لَا نعم. . الحَدِيث = كتاب ذكر الْمَوْت =
حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَجْلِس قد استعلاه الضحك فَقَالَ (شوبوا مجالسكم بِذكر هاذم اللَّذَّات)
حَدِيث أَكْثرُوا من ذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يمحص الذُّنُوب ويزهد فِي الدُّنْيَا
حَدِيث خرج إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا قوم يتحدثون وَيضْحَكُونَ فَقَالَ اذْكروا الْمَوْت. . الحَدِيث(6/381)
حَدِيث الشَّيْخ شَاب فِي حب الدُّنْيَا وَإِن الْتَقت ترقوتاه من الْكبر إِلَّا الَّذين آمنُوا. . الحَدِيث
حَدِيث كَانَ إِذا أنس من أَصْحَابه غَفلَة نَادَى فيهم صَوت رفيع أتتكم الْمنية راتبة لَازِمَة. . الحَدِيث
حَدِيث ابْن عمر خرج وَالشَّمْس على أَطْرَاف السعف فَقَالَ مَا بَقِي من الدُّنْيَا إِلَّا مثل مَا بَقِي من يَوْمنَا. . الحَدِيث
حَدِيث اللَّهُمَّ إِنَّك تَأْخُذ الرّوح من العصب. . الحَدِيث
حَدِيث سُئِلَ عَن الْمَوْت فَقَالَ أهونه بمنزله حسكة فِي صوف. . الحَدِيث
حَدِيث مَكْحُول لَو أَن شَعْرَة من شعر الْمَيِّت وضعت على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض. . الحَدِيث
حَدِيث لَو أَن قَطْرَة من الْمَوْت وضعت على جبال الدُّنْيَا كلهَا لذابت
حَدِيث لن يخرج أحدكُم من الدُّنْيَا حَتَّى يعلم أَيْن مصيره. . الحَدِيث
حَدِيث إِن الله إِذا رضى عَن عبد قَالَ يَا ملك الْمَوْت اذْهَبْ فأتنى بِرُوحِهِ لأريحه
حَدِيث ارقبوا الْمَيِّت عِنْد ثَلَاث إِذا رشح جَبينه. . الحَدِيث
رَوَاهُ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي النَّوَادِر(6/382)
حَدِيث قَالَ لجبريل عِنْد مَوته من لأمتي بعدِي فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل بشره أَنِّي لَا أخذله فِي أمته. . الحَدِيث
حَدِيث سعيد بن عبد الله عَن أَبِيه لما رَأَتْ الْأَنْصَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْدَاد ثقلا أطافوا بِالْمَسْجِدِ فَدخل الْعَبَّاس فَأعلمهُ بمكانهم. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث عَائِشَة لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَوْا مِنْهُ خفَّة فِي أول النَّهَار فَتفرق عَنهُ الرِّجَال إِلَى مَنَازِلهمْ. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث لما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتحم النَّاس حَتَّى ارْتَفَعت. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث أبي جَعْفَر فرش لحده بمفرشه وقطيفته وفرشت ثِيَابه عَلَيْهَا
وَفِيه وَلَا بنى فِي حَيَاته لبنة على لبنة. . الحَدِيث بِطُولِهِ
حَدِيث الضَّحَّاك قَالَ رجل من أزهد النَّاس
قَالَ من لم ينس الْقَبْر والبلى. . الحَدِيث
حَدِيث لِأَن أقدم سقطا أحب إِلَى من أَن أخلف مائَة فَارس. . الحَدِيث
لم أر فِيهِ ذكر مائَة فَارس وَالْمَعْرُوف أحب إِلَيّ من فَارس أخلفه خَلْفي(6/383)
حَدِيث ابْن أبي مليكَة أَقبلت عَائِشَة من الْمَقَابِر فَقلت من أَيْن قَالَت من قبر أخي عبد الرَّحْمَن
فَقلت أَلَيْسَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهَا
قَالَت نعم ثمَّ أَمر بهَا
حَدِيث إِن الرجل ليَمُوت والداه وَهُوَ عَاق لَهما فيدعوا لَهما من بعدهمَا فيكتبه الله من البارين
حَدِيث مَا الْمَيِّت فِي قَبره إِلَّا كالغريق. . الحَدِيث
حَدِيث عَائِشَة إِذا مَاتَ صَاحبكُم فَدَعوهُ وَلَا تقعوا فِيهِ
حَدِيث لَا تَذكرُوا مَوْتَاكُم إِلَّا بِخَير فَإِنَّهُم إِن يَكُونُوا من أهل الْخَيْر تأثموا. . الحَدِيث
حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِن العَبْد ليَمُوت فيثنى عَلَيْهِ الْقَوْم الثَّنَاء يعلم الله مِنْهُ غَيره فَيَقُول الله أشهدكم أَنِّي قبلت شَهَادَة عَبِيدِي
حَدِيث قَالَ لرجل مَاتَ أصبح هَذَا مرتحلا من الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا
حَدِيث إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه. . الحَدِيث
حَدِيث إِنَّه لم يبْق إِلَّا مثل الذُّبَاب يمور فِي جوها فَالله الله فِي إخْوَانكُمْ من أهل الْقُبُور
حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا تفضحوا مَوْتَاكُم بسيآت أَعمالكُم فَإِنَّهَا تعرض. . الحَدِيث(6/384)
حَدِيث عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر إِن الْمَيِّت يقْعد وَهُوَ يسمع خطو مشيعيه. . الحَدِيث
فِي الزّهْد لِابْنِ الْمُبَارك بلاغا لم أر فِيهِ ذكرا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث صَاحب الدِّرْهَم أخف حسابا من صَاحب الدرهمين
حَدِيث عَطاء بن يسَار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر (كَيفَ بك إِذا أَنْت مت فَانْطَلق بك قَوْمك. . الحَدِيث
حَدِيث سَوْدَة يبْعَث النَّاس حُفَاة عُرَاة غرلًا
فَقَالَت سَوْدَة واسوأتاه
هُوَ مَعْرُوف من حَدِيث عَائِشَة وَهِي القائلة واسوأتاه
حَدِيث حشر الْخلق قيَاما شاخصة أَبْصَارهم أَرْبَعِينَ سنة إِلَى السَّمَاء. . الحَدِيث
روى مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عَبدة ابْن سُلَيْمَان الْكلابِي حديثنا إِسْمَاعِيل بن رَافع الْمدنِي عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن الله لما خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق الصُّور)
فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ
وَفِيه يوقفون موقفا وَاحِدًا مِقْدَار سبعين عَاما حُفَاة عُرَاة غلفًا غرلًا لَا ينظر إِلَيْكُم وَلَا يقْضِي بَيْنكُم يضجون فَيَقُولُونَ من يشفع لنا فَذكر الحَدِيث(6/385)