بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونستهديه ونؤمن بِهِ ونتوكل عَلَيْهِ ونسأله الْخَيْر كُله ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده اللَّه فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدا عَبده وَرَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
حَدَّثَنَا أَبِي الشَّيْخُ الإِمَامُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِيمَا قَرَأَهُ عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ السَّقَطِيِّ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَاقَا إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُقَوِّمِيُّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا ثُمَّ ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ بَعْدُ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ بَحْرٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهِ الْحَافِظُ حَدثنَا أَبُو بكر ابْن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلانِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
ح وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمهتَارِ إِجَازَةً وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَطَّارِ سَمَاعًا عَلَى سَمَاعٍ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّلاحِ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْفُرَاوِيُّ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا(1/5)
أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ
ح قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو النَّجِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُثْمَانَ الْقَارِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ سَعِيدٍ الطَّبَرِيُّ الصَّرَّامُ بِنَيْسَابُورَ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَتْنَا جَدَّتِي الْحُرَّةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الأُسْتَاذِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الشَّيْخُ ابْن مَامُوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ
ح قُلْتُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوهيُّ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَبِي الْجُودِ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَالِبِ بْنِ الْوَرَّاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْخَوَارَزْمِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ(1/6)
ح قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ النَّيْسَابُورِيُّ فَقِيهُ نَيْسَابُورَ وَمُفْتِيهَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحِميِد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم عبد الْملك ابْن الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ إِنَّ يُوسُفَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيَّ وَأَبَا الْعَبَّاسِ الْغَزِّيَّ وَالْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثُونَا قَالُوا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلٍ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ هَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ
وَلَفْظُ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ بِالْحَمْدِ للَّهِ أَقْطَعُ
وَلَفْظُ الْبَغَوِيِّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالْكُلُّ بِلَفْظِ أَقْطَعُ مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِ الْفَاءِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ هُوَ الْحَلَبِيُّ قَالَ زَعَمَ الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ يُونُسُ وَعُقَيْلٌ وَشُعَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا(1/7)
وَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ بِهِ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ أَيْضًا عَنِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ مِثْلَهُ وَعَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلا وَاللَّفْظُ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ أَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
وَقَدْ جَاءَ مَوْضِعَ كَلامٍ أَمْرٍ وَجَاءَ مَوْضِعَ أَقْطَعُ وَأَجْذَمُ أَبْتَرُ وَجَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَاءَ مَوْضِعَ يُبْدَأُ يُفْتَحُ وَجَاءَ مَوْضِعَ الْحَمْدِ الذِّكْرِ وَجَاءَ مَوْضِعَ الْحَمْدِ أَيْضًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسَنَسُوقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ الْكَلامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَنَقُولُ
قَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حَبَّانَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ
إِحْدَاهُمَا قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّهِ أَقْطَعُ وَبَوَّبَ عَلَى هَذَا بِالإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْحَمْدِ للَّهِ جَلَّ وَعَلا فِي أَوَائِلِ كَلامِهِ عِنْدَ بَغْيِهِ مَقَاصِدِهِ
وَالثَّانِيَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ أَبُو عَلِيٍّ بِالرَّقَّةِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ حَرْفًا حَرْفًا فَكَأَنَّ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَ بِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنِ ابْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ وَمَرَّةً عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ وَكِلاهُمَا حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ
وَبَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى هَذَا بِالأَمْرِ لِلْمَرْءِ أَنْ تَكُونَ فَوَاتِحُ أَسْبَابِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ لِئَلا تَكُونَ أَسْبَابُهُ بَتْرًا وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْمُغَايَرَةِ لاسِيَّمَا وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ أَبْتَرُ(1/8)
بَلْ أَقْطَعُ كَمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ الأَوَّلِ وَلَئِنِ ادَّعَى أَبُو حَاتِمٍ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْكَلامِ وَقَالَ ذَكَرْنَا الطَّرِيقَ الأُولَى لِلدَّلالَةِ عَلَى افْتِتَاحِ الْكَلامِ بِالْحَمْدِ للَّهِ وَالثَّانِيَةَ لِلدَّلالَةِ عَلَى افْتِتَاحِ الأَسْبَابِ بِهَا نُقِلُّ لَهُ الْكَلامَ لِبَغْيِهِ الْمَقَاصِدِ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ وَهَبْ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ فَإِنْ دَلَّ عَلَى الأَمْرَيْنِ فَاعْقَدْ لَهُمَا بَابًا وَاحِدًا وَمَا أَرَاهُ إِلا عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْثِيرِ الأَنْوَاعِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِالأَوَّلِ وَهُوَ الْكَلامُ الأَقْوَالَ وَبِالثَّانِي وَهُوَ الأَسْبَابُ الأَفْعَالَ وَلا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا
وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدِ افْتَتَحَ هَذَا بِالأَمْرِ لِلْمَرْءِ وَذَاكَ بِالإِخْبَارِ لَهُ وَالأَمْرُ غَيْرُ الْخَبَرِ لأَنَّ الأَمْرَ إِنْشَاءٌ وَهُوَ قَسِيمٌ لِلْخَبَرِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ ذِكْرُ الإِخْبَارِ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ فَاسْتَوَيَا ثُمَّ هَبْ أَنَّ الْحَالَ كَمَا زَعَمْتَ فَالدَّالُّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ غَيْرَ مَا أَحْسَبُ مِنْ أَنَّهُ قَصَدَ التَّنْوِيعَ إِلَى أَلْفَاظٍ وَأَفْعَالٍ
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
وَقَضَى ابْنُ الصَّلاحِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ دُونَ الصَّحِيحِ وَفَوْقَ الضَّعِيفِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ سِوَى قُرَّةَ قَالَ فَإِنَّهُ مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالتَّخْرِيجِ لَهُ
وَأَنا أَقُول لم يخرج لَهُ مُسلم إِلَّا فِي الشواهد مَقْرُونا بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهَا حكم الْأُصُول وَإِنَّمَا خرج لَهُ الْأَرْبَعَة أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وأدعي مَعَ ذَلِك أَن الحَدِيث صَحِيح كَمَا ادَّعَاهُ هَذَانِ الحبران ابْن حبَان وَابْن البيع
فَإِن قلت فَمَا حَال قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن عنْدكُمْ قلت هُوَ عِنْدِي فِي الزُّهْرِيّ ثِقَة ثَبت فقد قَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا أحد أعلم بالزهري مِنْهُ وَقَالَ يزِيد بْن السمط أعلم النَّاس بالزهري قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن ونازعه أَبُو حَاتِم فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَه يزِيد(1/9)
لَيْسَ بِشَيْء يحكم بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق وَكَيف يكون قُرَّة أعلم النَّاس بالزهري وكل شَيْء رَوَى عَنهُ نَحْو سِتِّينَ حَدِيثا بل أتقن النَّاس فِي الزُّهْرِيّ مَالك وَمعمر وَيُونُس والزبيدي وَعقيل وَابْن علية هَؤُلَاءِ السِّتَّة أهل الْحِفْظ والإتقان والضبط والمذاكرة وبهم يعْتَبر حَدِيث الزُّهْرِيّ
قلت لَا شكّ أَن هَؤُلَاءِ أرجح من قُرَّة حفظا وضبطا لَكِن لَا عَلَى الْإِطْلَاق فقد يكون لقرة خُصُوصِيَّة زَائِدَة بالزهري وَإِلَّا فَهَذَا الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام كَلَامه يُؤَيّد كَلَام يزِيد بْن السمط ثمَّ أَنا لَا أَدعِي أَنه أرجح مِنْهُم فِي الزُّهْرِيّ وَإِنَّمَا أَقُول إِنَّه عَارِف بالزهري غير مُتَّهم فِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَام أَبِي حَاتِم مَا يدْرَأ ذَلِك بل ذكره إِيَّاه فِي كتاب الثِّقَات مَعَ مَا حَكَاهُ مِمَّا يدل عَلَى تبجيله وَإِن لم يُوَافق عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاق دَلِيل عَلَى مَا أدعيه
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو أَحْمَد ابْن عدي رَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بضعَة عشر حَدِيثا ولقرة أَحَادِيث صَالِحَة وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ
فَإِن قلت فقد قَالَ ابْن معِين إِنَّه ضَعِيف وَقَالَ أَحْمَد مُنكر الحَدِيث جدا وَقَالَ أَبُو زرْعَة الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا مَنَاكِير وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ لَيْسَ بِقَوي وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي أَحَادِيثه نَكَارَة
قلت هَذَا الْجرْح إِن قبل فَلَا أقبله فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ وَلَئِن قبلته فِيهِ فَلَا أقبله فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ فلحديث قُرَّة عِنْدِي دَرَجَات أدناها حَدِيثه عَن غير الزُّهْرِيّ كحديثه عَن عَطاء بْن أَبِي رَبَاح وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر وكحديثه عَن حبيب بْن أَبِي ثَابت وأعلا مِنْهَا حَدِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ لما عرفت من خصوصيته بِهِ لَا سِيمَا(1/10)
مَا حدث بِهِ عَنهُ الْأَئِمَّة مثل الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام وَاللَّيْث بْن سعد إِمَام أهل مصر وأعلا مِنْهَا هَذَا الحَدِيث بِخُصُوصِهِ فَهُوَ من أثبت أَحَادِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إِلَى تحديث الْأَوْزَاعِيّ بِهِ عَنهُ وقبوله إِيَّاه مِنْهُ أَنه أَعنِي الْأَوْزَاعِيّ حدث بِهِ أَيْضًا عَن شَيْخه الزُّهْرِيّ وَأَن قُرَّة توبع عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا قلت إِنَّه من أثبت أَحَادِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلم أقل إِنَّه أثبت أَحَادِيثه مُطلقًا لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيث حصل فِيهِ مثل مَا حصل فِي هَذَا من الْمُتَابَعَة وَغَيرهَا
فَأَما تحديث الْأَوْزَاعِيّ بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِن مُحَمَّد بْن كثير رَوَاهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ لم يذكر قُرَّة
قلت وَكَذَلِكَ حدث بِهِ خَارِجَة بْن مُصعب عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة لم يذكر قُرَّة أَيْضًا
حَدَّثَ بِهِ عَنْ خَارِجَةَ الْحَافِظُ عِيسَى بْنُ مُوسَى غُنْجَارُ فِيمَا أخبرنَا بِهِ أَحْمد بن عَليّ ابْن الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلِيلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عِصْمَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْبِيكَنْدِيُّ بِبُخَارَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَمَّارٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْبُخَارِيَّانِ قَالا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُوسَى غُنْجَارُ حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن(1/11)
أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُبشر بن إِسْمَاعِيل عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ وَذَلِكَ فِيمَا أَنْبَأَنَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَرَّانِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَرْدَعِيُّ قَالا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عمرَان حَدثنَا مُحَمَّد ابْن صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ بِهَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ
فَإِن قلت إِذا كَانَ الْأَوْزَاعِيّ يرويهِ تَارَة عَنْ قُرَّةَ وَتارَة عَن شيخ قُرَّة فَهَذَا اضْطِرَاب فِي حَدِيثه
قلت الْأَوْزَاعِيّ أجل من أَن ينْسب حَدِيثه إِلَى الِاضْطِرَاب وَلَو كَانَ ثمَّ اضْطِرَاب لجعلنا الْحمل فِيهِ عَلَى الروَاة عَنهُ لَا عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَقُول لَا اضْطِرَاب فَإِنَّهُ لَا مَانع أَن يرْوى الحَدِيث تَارَة عَن وَاحِد وَتارَة عَن شيخ ذَلِك الْوَاحِد إِذا كَانَ قد سَمعه مِنْهُمَا(1/12)
وَلَا سِيمَا عِنْد اخْتِلَاف اللَّفْظ وَذَلِكَ مَوْجُود فِي رِوَايَة مُبشر بْن إِسْمَاعِيل عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ جعل الْبَسْمَلَة مَوضِع الحمدلة فَلَعَلَّهُ سَمعه من قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظ الحمدلة وسَمعه هُوَ من الزُّهْرِيّ بِلَفْظ الْبَسْمَلَة وَبِتَقْدِير اتِّحَاد اللَّفْظ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كثير وخارجة بْن مُصعب عَنِ الْأَوْزَاعِيّ فَلَا بدع فِي رِوَايَته لحَدِيث عَن وَاحِد وَعَن شَيْخه كَمَا عرفناك وكما يجوز أَن يسمعهُ من شيخين فَيقْتَصر مرّة عَلَى ذكر أَحدهمَا وَأُخْرَى عَلَى ذكر الآخر وَقد فعل ابْن حبَان ذَلِك فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الحَدِيث كَمَا أريناك أَنه رَوَاهُ مرّة من طَرِيق ابْن أَبِي الْعشْرين وَأُخْرَى من طَرِيق شُعَيْب بْن إِسْحَاق وَكِلَاهُمَا حدث هشاما بِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ
وَأما بَيَان أَن قُرَّة قد توبع عَلَيْهِ فقد تَابعه يُونُس بْن يزِيد فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَوْزَاعِيّ نَفسه فَحدث بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سبق ومُحَمَّد بْن الْوَلِيد الزبيدِيّ فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن ابْن كَعْب بْن مَالك عَن أَبِيه كَمَا سَيَأْتِي وَأَنا لَا أَقُول إِن السندين إِلَى يُونُس بْن يزِيد وَإِلَى الْأَوْزَاعِيّ عَنِ الزُّهْرِيِّ صَحِيحَانِ وَلَكِنِّي أَقُول يُقَوي بهما حَدِيث قُرَّة وَقد لَا ينتهض الشَّيْء حجَّة بمفرده وينتهض مقويا وَمُرَجِّحًا لاسيما عِنْد انضمام غَيره إِلَيْهِ
وَأَقُول أَيْضًا إِن من أرسل يعضد من سَنَد لعدم التَّنَافِي بَين الْإِرْسَال والإسناد وَقد أرْسلهُ عقيل فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا وقدمناه نَحن من كَلَام النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن عقيل عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا كَمَا عرفناك وَاللَّفْظ فَهُوَ أَجْذم وَعقيل أحد السِّتَّة الْأَثْبَات عَنِ الزُّهْرِيِّ الَّذين ذكرهم ابْن حبَان
وأرسله أَيْضًا يُونُس بْن يزِيد وَشُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز كَمَا حكيناه عَن أَبِي دَاوُد(1/13)
بل رَوَى من حَدِيث صَحَابِيّ آخر بطرِيق أُخْرَى فَأَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَنْبَلِيَّ أَخْبَرَهُ بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَدِّبُ أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدثنَا صَدَقَة بن عبد الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ
فَإِنْ قُلْتَ لَقَدْ وَقَعَ الاضْطِرَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَنَدًا وَمَتْنًا
أَمَّا سَنَدًا فَالزُّهْرِيُّ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَارَةً عَنِ ابْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ كَمَا رَأَيْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ يُقَالُ لَهُ الْوَصِيفُ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ يَحْيَى فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ الأَلْقَابِ فِيمَا أَنْبَأَنِيهِ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ شَبِيبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بن شَيْخِنَا الْحَافِظُ أَبِي الْعَلاءِ الْهَمَذَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَكِّيٍّ الشّعارُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْبَيِّعُ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْمَأْمُونِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشِّيرَازِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُفْلِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَنَّا(1/14)
الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابر الْبَزَّار حَدثنَا ابْن كثير يَعْنِي مُحَمَّد الْمِصِّيصِيَّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله أقطع
وَأَمَّا الْمَتْنُ فَفِي لَفْظٍ كُلُّ كَلامٍ وَفِي آخَرَ كُلُّ أَمْرٍ وَالأَمْرُ أَعَمُّ مِنَ الْكَلامِ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِعْلا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} أَيْ وَمَا فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر} أَيِ الْفِعْلِ
وَفِي لَفْظٍ بِحَمْدِ اللَّهِ وَبِالْحَمْدِ
وَفِي آخَرَ الْحَمْدِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْبَأَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنِ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ الْقَزْوِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْمُوَقَّرِ بِهَمَذَانَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الطَّيَّانُ الأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْد الله وَالصَّلَاة عَليّ فهوأقطع أَبْتَرُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ
وَفِي ثَالِثٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ
وَفِي رَابِعٍ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ إِذْنًا خَاصًّا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن مُحَمَّد ابْن عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حمدَان أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ(1/15)
آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ قَالَ أَقْطَعُ
وَفِي لَفْظٍ وَصَفَ الْكَلامَ أَوِ الأَمْرَ بِأَنَّهُ ذُو بَالٍ وَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي آخَرَ لَمْ يَقُلْ ذِي بَالٍ كَمَا سُقْنَاهُ فِي رِوَايَةِ غُنْجَارَ
وَفِي لَفْظٍ فَهُوَ بِدُخُولِ الْفَاءِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ وَخَبَرُهُ خَبَرٌ عَنِ الْمَبْتَدَأِ الأَوَّلِ وَهُوَ كُلُّ وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ وَفِي آخَرَ بِدُونِ الْفَاءِ وَالْخَبَرُ مُفْرَدٌ
وَفِي لَفْظٍ أَقْطَعُ وَفِي آخَرَ أَبْتَرُ وَفِي ثَالِثٍ أَجْذَمُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي رَابِعٍ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْطَعُ وأَبتر وَزِيَادَةُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ كَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ
قُلْتُ لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الاخْتِلافَاتِ لاحْتِمَالِ سَمَاعِ الزُّهْرِيِّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنَ ابْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ كَعْبٍ وَهِيَ تُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الأُولَى وَتُعَضِّدُهَا وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَ بِهِ عَنْهُ صَحَابِيَّانِ كَعْبٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
وَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَارَةً وَعَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ أُخْرَى فَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلامَ عَلَيْهِ
وَأما الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى فقد خَفِي عَلَى الْحَافِظ عَبْد الْقَادِر الرهاوي حَاله فَقَالَ كَذَا كَانَ فِي أصل أَبِي يُوسُف الْوراق قَرَأَهُ عَلَيْنَا بِلَفْظِهِ من أصل كِتَابه
قلت ظن بعض الْمُحدثين أَنه يَحْيَى بْن أَبِي كثير أحد الْأَئِمَّة من شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ
قلت وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ عاضدا قَوِيا وَيكون الْأَوْزَاعِيّ قد سَمعه من قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمن يَحْيَى بْن أَبِي كثير عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيكون ابْن أَبِي كثير حِينَئِذٍ قد تَابع قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا تَابع قُرَّة عقيل فلئن ثَبت جَمِيع مَا ذكره يكون كَعْب(1/16)
قد تَابع أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْن أَبِي كثير قد تَابع الزُّهْرِيّ وَعقيل قد تَابع قُرَّة وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن يَحْيَى الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَيحيى اسْمه
قَالَ ابْن حبَان كَانَ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش يَقُول إِن اسْمه يَحْيَى وقرة لقب سَمِعت الْفضل بْن مُحَمَّد الْعَطَّار بأنطاكية يحكيه عَن عَبْد الْوَهَّاب بْن الضَّحَّاك عَنهُ
قَالَ ابْن حبَان وَهَذَا شَيْء يشبه لَا شَيْء لِأَن عَبْد الْوَهَّاب واه وَلم يكن هَذَا الشَّأْن من صناعته فَيرجع إِلَيْهِ فِيمَا يحكيه عَنهُ
قلت وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَن الْأَمر كَمَا زعم عَبْد الْوَهَّاب وَلَو كَانَ هَذَا الحَدِيث عِنْد يَحْيَى بْن أَبِي كثير لما خَفِي عَلَى الْحفاظ وَلما انْفَرد الْأَوْزَاعِيّ بروايته عَنهُ وَلما كَانَ يتْركهُ فِي الْغَالِب من أمره وَيذكر قُرَّة
وَأما تغاير الْأَمر وَالْكَلَام فَصَحِيح غير أَنه قد يوضع الْأَخَص مَوضِع الْأَعَمّ بل أَقُول إِن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا من وَجه فَالْكَلَام قد يكون أمرا وَقد يكون نهيا وَقد يكون خَبرا وَالْأَمر قد يكون فعلا وَقد يكون قولا وَالْأَمر فِي هَذَا قريب
وَأما ذكر ذِي بَال فِي بعض الْأَلْفَاظ دون بعض فالأثبت سندا إِثْبَاتهَا غير أَنِّي أَقُول
قد يَقُول الْقَائِل إِن لم يفتح بِالْحَمْد لَا يكون ذَا بَال وَهَذَا سُؤال يطْرق من أثبت هَذِهِ الزِّيَادَة فَيُقَال لَهُ كَيفَ يكون ذَا بَال وَهُوَ غير مبدوء بِالْحَمْد دون من لم يوردها
وَجَوَاب من أثبتها أَن الْمَعْنى بِكَوْنِهِ ذَا بَال أَنه مهتم بِهِ معني بِحَالهِ ملقى إِلَيْهِ بَال صَاحبه فَإِذا كَانَ بِهَذِهِ المثابة وَلم يفْتَتح بِالْحَمْد كَانَ أقطع لَا يفِيدهُ إِلْقَاء البال واعتناء الرِّجَال شَيْئا(1/17)
فَإِن قلت فَمَا لم يلق إِلَيْهِ البال إِذا لم يفْتَتح بِالْحَمْد مَا حَاله أَيكُون أقطع عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أم لَا
قلت يكون أقطع من بَاب أولى فَهَذِهِ الزِّيَادَة تنبه عَلَيْهِ من بَاب التَّنْبِيه بالأدنى عَلَى الْأَعْلَى
وَأما يفتح ويبْدَأ فَسَوَاء فِي الْمَعْنى
وَأما الْحَمد والْبَسْمَلَة فَجَائِز أَن يَعْنِي بهما مَا هُوَ الْأَعَمّ مِنْهُمَا وَهُوَ ذكر اللَّه وَالثنَاء عَلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَة إِمَّا بِصِيغَة الْحَمد أَو غَيرهَا وَيدل عَلَى ذَلِك رِوَايَة ذكر اللَّه وَحِينَئِذٍ فَالْحَمْد وَالذكر والبسملة سَوَاء
وَجَائِز أَن يَعْنِي خُصُوص الْحَمد وخصوص الْبَسْمَلَة وَحِينَئِذٍ فرواية الذّكر أَعم فَيقْضى لَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَن الْمُطلق إِذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل عَلَى وَاحِد مِنْهُمَا وَيرجع إِلَى أصل الْإِطْلَاق
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن خُصُوص الْحَمد والبسملة متنافيان لِأَن الْبدَاءَة إِنَّمَا تكون بِوَاحِد وَلَو وَقع الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لما وَقع بالبسملة وَعَكسه وَيدل عَلَى أَن المُرَاد الذّكر فَتكون رِوَايَته هِيَ الْمُعْتَبرَة أَن غَالب الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة غير مفتتحة بِالْحَمْد كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ وَالْحج وَغير ذَلِك
فَإِن قلت لَكِن رِوَايَة بِحَمْد اللَّه أثبت من رِوَايَة بِذكر اللَّه
قلت صَحِيح وَلَكِن لم قلت إِن الْمَقْصُود بِحَمْد اللَّه خُصُوص لفظ الْحَمد وَلم لَا يكون المُرَاد مَا هُوَ أَعم من لفظ الْحَمد والبسملة وَيدل عَلَى ذَلِك مَا ذكرت لَك من الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة الَّتِي لم يشرع الشَّارِع افتتحاها بِالْحَمْد بِخُصُوصِهِ وَيدل عَلَيْهِ أَيْضًا أَنه ورد بِالْحَمْد وبِحَمْد اللَّه وَالْحَمْد إِذا أطلق يُرَاد الْأَعَمّ من خصوصه(1/18)
كَمَا يَقُول سُورَة الْحَمد وَيَعْنِي الْفَاتِحَة وَهِي مُشْتَمِلَة عَلَى لفظ الْحَمد وَغَيره
وَأما دُخُول الْفَاء فِي خبر هَذَا الْمُبْتَدَأ مَعَ عدم اشتماله عَلَى وَاقع موقع الشَّرْط أَو نَحوه مَوْصُولا بظرف أَو شبهه أَو فعل صَالح للشرطية فوجهه أَن الْمُبْتَدَأ وَهُوَ كل أضيف إِلَى مَوْصُوف بِغَيْر ظرف وَلَا جَار ومجرور وَلَا فعل صَالح للشرطية وَحِينَئِذٍ يجوز دُخُول الْفَاء عَلَى حد قَول الشَّاعِر
(كل أَمر مباعد أَو مدان ... فمنوط بحكمة المتعال)
وَقد أضيف الْمُبْتَدَأ فِي الحَدِيث وَهُوَ كل إِلَى مَوْصُوف بمفرد وَهُوَ ذِي بَال وَجُمْلَة وَهُوَ لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه فِي رِوَايَة من جمع بَينهمَا
وَأما أقطع وأَبتر وأَجْذم فمعانيها إِن لم تتحد فَهِيَ مُتَقَارِبَة فَلَعَلَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كل وَاحِدَة مرّة أَو لَعَلَّ الرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى
وَأما زِيَادَة الصَّلَاة وَزِيَادَة ممحوق من كل بركَة فَإِن صَحا لم يضر غير أَن سندهما لَا يثبت
فَإِن قلت هَل يحكم للْحَدِيث بِالرَّفْع مَعَ أَن الْأَثْبَات البزل عَنِ الزُّهْرِيِّ وهم يُونُس بْن يزِيد وَعقيل بْن خَالِد وَشُعَيْب بن أبي جَمْرَة وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز إِنَّمَا رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا وَلَو أَن وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَارض قُرَّة لحكم لَهُ عَلَى قُرَّة فَمَا ظَنك باجتماعهم وَمن أجل ذَلِك قَالَ جهبذ الْعِلَل والحافظ الْجَبَل أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ إِن الصَّحِيح عَنِ الزُّهْرِيِّ الْمُرْسل
قلت لَو أَن بَين الْإِسْنَاد والإرسال مُعَارضَة لقضيت لهَؤُلَاء عَلَى قُرَّة وَلَكِن لَا تنافى بَينهمَا وَلَا مُعَارضَة والْحَدِيث إِذا أسْند مرّة وَأرْسل أُخْرَى فَالْحكم للإسناد(1/19)
وَلذَلِك حكم إِمَام الصِّنَاعَة ومقدم الْجَمَاعَة أَبُو عَبْد اللَّه البُخَارِيّ لإسناد إِسْرَائِيل بْن يُونُس عَن جده أَبِي إِسْحَاق السبيعِي عَن أَبِي بردة عَن أَبِيه أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيث لَا نِكَاح إِلَى بولِي عَلَى إرْسَال سُفْيَان وَشعْبَة وهما من هما فِي الْحِفْظ والإتقان وعلو الشَّأْن عَن أَبِي إِسْحَاق عَن أَبِي بردة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا وَأقسم بِمن فاوت بَين مقدارهم لنسبة إِسْرَائِيل إِلَيْهِمَا أبعد من نِسْبَة قُرَّة إِلَى الْأَرْبَعَة وَكَيف وقرة فِيمَا ذكر أعلم النَّاس بالزهري وَقد توبع فِي هَذَا الحَدِيث وَشَيْخه الزُّهْرِيّ كَانَ كثير الْإِرْسَال ثمَّ كَانَ يفصح بِالْإِسْنَادِ بعد الْإِرْسَال بل رُبمَا أرسل ثمَّ أفْصح بِإِسْنَاد لَا يقبل
من أجل ذَلِك أهْدر الإِمَام المطلبي مُرْسَلاته وَذكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مِثَال عوارها حَدِيثه فِي الضحك فِي الصَّلَاة مُرْسَلا ثمَّ وجدانه إِيَّاه إِنَّمَا رَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بْن أَرقم وَسليمَان بْن أَرقم ضَعِيف ثمَّ قَالَ يَقُولُونَ يحابي وَلَو حابينا لحابينا الزُّهْرِيّ وإرسال الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَذَاكَ أَنا نجده يرْوى عَن سُلَيْمَان بْن أَرقم انْتهى
قلت وَإِنَّمَا رد إرْسَاله عِنْد الْإِطْلَاق لاحْتِمَال أَن يكون طوى ذكر من لَو أفْصح بِهِ لرددناه كَمَا فعل فِي حَدِيث الضحك فَإِنَّهُ طوى ذكر سُلَيْمَان وَهُوَ ضَعِيف أما إِذا تبين أَنه طوى ذكر ثِقَة كَمَا فِي حَدِيث الْحَمد فَلَا يرتاب فِي قبُوله فَإِنَّهُ بَين بِرِوَايَة قُرَّة أَن المطوي ذكره أَبُو سَلمَة وَهُوَ ثِقَة الثِّقَات فلئن أرْسلهُ الْحَافِظ الْجَبَل فَلَقَد أسْندهُ الإِمَام الْأَجَل أَعنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل(1/20)
وَأَقُول أَيْضًا إِن الْأَخْذ بِالْإِسْنَادِ هُنَا أولى مِنْهُ فِي حَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي من وَجْهَيْن حَدِيثي وفقهي
أما الحديثي فَإِن رَاوِي الْإِسْنَاد عَنْ قُرَّةَ إِمَام كَبِير وَهُوَ الْأَوْزَاعِيّ فالأكثر فِي الرِّوَايَة عَنهُ الْإِسْنَاد وَرِوَايَة الْإِرْسَال عَنهُ قَليلَة
وَأما الفقهي فَإِن الْحَمد حَدِيث فِي فَضَائِل الْأَعْمَال فَكَانَ قبُوله أقرب من حَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي لما يتَعَيَّن من مزِيد الِاحْتِيَاط فِي ذَلِك هَذَا مُنْتَهى الْكَلَام عَلَى الحَدِيث وَلَا ريب فِي أَنه بعد ثُبُوت صِحَّته وَرَفعه مُسْندًا غير بَالغ مبلغ الْأَحَادِيث الْمُتَّفق عَلَى أَنَّهَا مُسندَة صَحِيحَة وَلَكِن للصحيح مَرَاتِب
فَإِن قلت إِذا كَانَ كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه أقطع فَلم لم يفْتَتح الْمُزنِيّ مُخْتَصره بِالْحَمْد بل افتتحه بقوله هَذَا مُخْتَصر اختصرته من علم الشَّافِعِي إِلَى آخر مَا ذكره فَإِن كَانَ مُخْتَصر الْمُزنِيّ أقطع فواها عَلَيْكُم معاشر الشافعيين فَإِنَّهُ زِينَة مذهبكم وعمدة أصلكم وَقَاعِدَة طريقكم وقعر يمكم وموئلكم حِين تختلفون ومرجعكم حِين تضطربون ومفزعكم حِين تتلاطم أمواج الآراء ويتناضل فِي المحافل الْفُقَهَاء وَإِلَّا يكن أقطع فَمَا باله غير مفتتح بِالْحَمْد
قلت نقُول فِي الْجَواب أَولا مَا قَالَه قدماء أَصْحَابنَا إِن كَانَ سؤالكم ذَا بَال فَهَلا قدمتم عَلَيْهِ حمد اللَّه وَإِلَّا فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ
وَثَانِيا إِن الْأَمر بِالْحَمْد مَعْنَاهُ قَوْله لَا كِتَابَته وَلم قُلْتُمْ إِن الْمُزنِيّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْد نجاز كل بَاب من مُخْتَصره لم ينْطق بِالْحَمْد حِين ابْتِدَائه تضنيفه(1/21)
ويوضح هَذَا أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل أَمر ذِي بَال الحَدِيث ذُو بَال وَشرف باذخ بِلَا مراء وَلم يرد قبله لفظ الْحَمد وَذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَن اللَّه تَعَالَى مَحْمُود عَلَى لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَلبه فِي كل الْأَحْوَال وَهَذَا أَبُو عَبْد اللَّه البُخَارِيّ لم يسطر لفظ الْحَمد فِي مفتتح جَامعه وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول إِنَّه لم يحمد عِنْد ابْتِدَائه إِلَّا إِن ثَبت عِنْده أَنه لم يقل ذَلِك لَا لفظا وَلَا غير لفظ وانقلاب الْبَحْر زئبقا فِي نظر أولي النَّهْي أقرب من ثُبُوت ذَلِك فِي البُخَارِيّ والمزني
وَقد قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ رَحمَه اللَّه فِي جَامعه إِنَّه رأى كثيرا من خطّ الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ ذكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبَة مَعَه قَالَ وَبَلغنِي أَنه كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ لفظا
والاعتذار عَن البُخَارِيّ والمزني بِمَا ذكرت أولى من الِاعْتِذَار عَنْهُمَا بِعَدَمِ صِحَة الحَدِيث عِنْدهمَا فَإِنَّهُ بِتَقْدِير تَسْلِيم أَنه لن يَصح يُقَال أَلَيْسَ هُوَ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَعِنْدَهُمَا من الْوَرع مَا يحمل عَلَى اعْتِمَاده وَإِن لم يَصح
وثالثا إِن دعواكم عَلَى أبي إِبْرَاهِيم أَنه لم يبتدىء الْمُخْتَصر بتسطير الْحَمد لله مَمْنُوع بل للمختصر خطْبَة مَوْجُودَة فِي كثير من الْأُصُول الْقَدِيمَة حَكَاهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد والْمَاوَرْدِيّ وَهِي الْحَمد لله الَّذِي لَا شريك لَهُ وَلَا مثل الَّذِي هُوَ كَمَا وصف نَفسه وَفَوق مَا يصفه بِهِ خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
والمرضي عِنْدِي فِي الْجَواب جَوَاب رَابِع عَن البُخَارِيّ والمزني وَهُوَ أَن الْحَمد إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مَا هُوَ أَعم مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ الذّكر أَو خصوصه وأيا مَا كَانَ فالمأمور بِهِ لفظ الذّكر أما عَلَى الأول فَوَاضِح وَأما عَلَى الثَّانِي فَلَمَّا قدمْنَاهُ من أَن رِوَايَة(1/22)
الْحَمد حِينَئِذٍ مُعَارضَة بِرِوَايَة الْبَسْمَلَة فَيسْقط القيدان وَيرجع إِلَى أصل الْإِطْلَاق وَهُوَ الذّكر والبسملة ذكر وَقد ابْتَدَأَ بهَا الْمُزنِيّ وَالْبُخَارِيّ كِتَابَيْهِمَا
فَإِن قلت إِذا كَانَ لفظ الذّكر هُوَ الْمَأْمُور بِهِ دون خُصُوص الْبَسْمَلَة والحمدلة فَمَا وَجه تَخْصِيص الْبَسْمَلَة بِالذكر
قلت لَهُ وَجْهَان أَحدهمَا يعم البُخَارِيّ والمزني وَهُوَ أَن الْعَادة جَارِيَة بِتَقْدِيم الْبَسْمَلَة فَإِذا وَافَقت الْعَادة الْمَأْمُور بِهِ شرعا كَانَ اعتمادها أولى وَالثَّانِي معنى لطيف سنح بخاطري يخْتَص بالمزني فَأَقُول
لما كَانَ الْقُرْآن عندنَا مفتتحا ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم إِذْ هِيَ آيَة من الفاحة عَلَى رَأينَا افْتتح أَبُو إِبْرَاهِيم مُخْتَصره بهَا ليسلم من قَول قَائِل إِذا كَانَ كل ذِي بَال لَا يبتدأ بِالْحَمْد أقطع لزم كَون الْقُرْآن مُبْتَدأ بِهِ وَإِلَّا لَكَانَ أقطع معَاذ اللَّه وَإِذا كَانَ مُبْتَدأ بِالْحَمْد خرجت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عَنهُ فَنَقُول الْحَمد أَعم من الْبَسْمَلَة وَالْقُرْآن مفتتح بهَا وَأَرَادَ الْمُزنِيّ أَن يبتدىء بهَا الْمُخْتَصر لذَلِك فَإِن مَسْأَلَة الْبَسْمَلَة أعظم شعار الشافعيين فَنَاسَبَ الِافْتِتَاح بهَا فاشدد يدك بِهَذَا الْجَواب
وَمِمَّا أعجبني لِلْحَافِظِ أَبِي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ رَحمَه اللَّه افتتاحه كتاب الصَّلَاة فِي سنَنه بِحَدِيث كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه أقطع وَأرَاهُ أَشَارَ بذلك إِلَى تعين الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وَهُوَ استنباط حسن
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِه إِذْنًا عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ بْنِ السِّمْعَانِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَسَدُ بْنُ رُسْتُمَ بْنِ أَحْمَدَ الرُّسْتُمِيُّ بِهَرَاةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ قَالَ كَتَبَ(1/23)
سَهْلُ بْنُ هَارُونَ فِي صَدْرِ كِتَابٍ لَهُ وَجب على كل ذِي مقَالَة أَن يبتدىء بِالْحَمْد قبل افتتاحها كَمَا بدىء بِالنِّعْمَةِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا
قَوْلُهُ اسْتِحْقَاقِهَا تَجُوزُ وَإِلا فَالْعَبْدُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى اللَّه شَيْئًا وَمُرَادُهُ قَبْلَ التَّرَشُّحِ لَهَا وَحُضُورِ وَقْتِهَا وَلَقْد وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلامِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي أَحْكَامِ الْقُرآنِ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الأَصَمِّ عَنِ الرَّبِيعِ مَا نَصُّهُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُبْتَدِيَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا الْمَانَّ بِهَا عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ لَهَا أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلا وَعَمَلا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةً مَزِيدَةً انْتَهَى
وَالاسْتِشْهَادُ مِنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا وَقَوْلُهُ وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةً مَزِيدَةً أَيْ يَجْعَلُ الْمَزِيدَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ لَا مَحَالَةَ ضَرُورَةَ صِدْقِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه شَيْءٌ وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمد لله الَّذِي وَقع طَبَقَاتِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَامِ الْمُلُوكِ وَتَاجِهَا وَدَفَعَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ تُرَّهَاتِ الْمُبْطِلِينَ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ مَسَاجِدَ التُّقَى وَمَشَاهِدَ الْوَغَى عِنْدَ عُجَّاجِ لَيْلِهَا وَلَيْلِ عُجَّاجِهَا وَقَمَعَ بِهِمْ شُبُهَاتِ الْمُلْحِدِينَ وَمَا شُبْهَةُ الْمُلْحِدِينَ إِلا لَيْلُ غُمَّةٍ وَكَلِمَةُ الْعَالِمِ صبح انفراجها(1/24)
نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَلِفْنَا عَوَائِدَ ابْتِهَاجِهَا وَعَرَفْنَا فرائد معروفها الَّتِي زينت بتكرارها كَمَا زينت لآلىء النِّظَامِ بِازْدِوَاجِهَا وَصَرَفْنَا بِفَوَائِدِ رِبْحِهَا مُقَدِّمَاتِ الْخَسَارَةِ وَنِتَاجَهَا
أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمِزِّيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلَ بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ الْعَطَّار وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْكَحَّالِ الْعَبَّادِيُّ السُّكَّرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الْمِزِّيُّ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ وَقَالَ ابْن أَبِي الْيُسْرِ أَخْبَرَنَا جَدِّي تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ ابْنُ الْكَحَّالِ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْكَرُوخِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْغُورَجِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ الْجَرَّاحِيُّ أَخْبَرَنَا الْمَحْبُوبِيُّ(1/25)
أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي أخبرنَا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الْبَاقِلانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْحُرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ هَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُ الآخَرِ شَهَادَةٌ مَوْضِعَ تَشَهُّدٍ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فِي كِتَابِ الْأَدَب من سنَنه عَن مُسَدّد ومُوسَى ابْن إِسْمَاعِيلَ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ
قُلْتُ وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ مَعِينٍ فِي أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ مِنْ أَجْلِ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبُو هِشَامٍ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَبِهِ إِلَى أَبِي عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ(1/26)
إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ للَّهِ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ثَوَابِ التَّسْبِيحِ عَنْ دُحَيْمٍ كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ
قُلْتُ وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارِ بْنِ صَالح بن أبي الفوارس الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الأَدَمِيُّ إِجَازَةً قَالَا أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأسْوَارِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا أبي جَعْفَر حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ إِلا قَوْلَهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ للَّهِ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْحَدِيثِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِالْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ مِنْهُ
وَقَدْ يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْ جَعْلِ الْحَمْدَلَةِ دُعَاءً وَيُجَابُ بِمَا لَسْنَا لَهُ الآنَ وَلَيْس ذَلِكَ(1/27)
عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمد لله رب الْعَالمين} فَإِنَّ كَوْنَ الْحَمْدَلَةِ آخِرَ الدُّعَاءِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ دُعَاءً
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَلَفْظُهُ أَفْضَلُ الْكَلامِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ الْحَمْدُ للَّهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَبْدِ الْوَلِيِّ الْمَقْدِسِيُّ الصَّالِحِيُّ الْحَرِيرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ النَّصْرِ الْمَوْصِلِيُّ النَّحَّاسُ حَدَّثَنَا الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفُورِ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَلَيْكُمْ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالاسْتِغْفَارِ فَأَكْثِرُوا مِنْهُمَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالاسْتِغْفَارِ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالأَهْوَاءِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ وَلَيْسَ لأَبِي رَجَاءٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ لَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلا عَنْ غَيْرِهِ وَلَكِنْ فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ عَنْ مَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً(1/28)
قُلْتُ وَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ أَبُو رَجَاءٍ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَجَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ سَمَاعًا أَنَّ يُوسُفَ بْنَ خَلِيلٍ الْحَافِظَ أَخْبَرَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي زيد أخبرنَا مَحْمُود ابْن إِسْمَاعِيلَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ الْمُدْلِجِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَن دِينِنَا هَذَا كَأَنَّنَا خُلِقْنَا لَهُ السَّاعَةَ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَعْمَلُ أَفِي شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ فِيهِ الأَقْلامُ أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَأْنَفٍ قَالَ بَلْ فِيمَا ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ بِهِ الأَقْلامُ قَالَ سُرَاقَةُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلاهُمَا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيِّ أَبِي خَيْثَمَةَ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ جَاءَ سُرَاقَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْم(1/29)
أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَالَ بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ قَالَ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ
هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِيهِ كَمَا تَرَى زِيَادَةٌ وَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ وَنُقْصَانُ تِلاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلآيَةِ وَتَفْسِيرُهُ الْحُسْنَى بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الَّذِي هُوَ مَحَطُّ غَرَضِنَا هُنَا وَلَمْ أَجِدْهُ أَعْنِي تَفْسِيرَ الْحُسْنَى بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ
وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حوله وَمَعَهُ محضرة فَنَكَسَ وَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى} الآيَةَ
هَذَا لَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ مَعَ مَزِيدِ بَسْطٍ(1/30)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْكِرْمَانِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا وَجِيهُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ
ح وَأَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَمَالِيَّةُ سَمَاعًا عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ الأَنْجَبِ النِّشتِبرِيِّ إِجَازَةً عَنْ وَجِيهٍ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ الْعَدْلُ إِمْلاءً أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ عَبْد لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا إِلا فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الصُّدَائِيِّ الْبَغْدَادِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيِّ بِهِ
أَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ الْحَنْبَلِيّ(1/31)
قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُلْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ الإِمَامُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ الْخَطِيبُ وَأَبُو مَنْصُورٍ مُسْلِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّيحِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْمَوْصِلِ قَالا أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الْبَرَكاتِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيْسٍ الْجُهَنِيُّ الْعَدْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعشْرين وَخَمْسمِائة حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد ابْن عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ طَوْقٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَرْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْحَافِظُ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثُوَيْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَقْرَأُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ قَزَعَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ
وَثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ سَعِيدُ بْنُ عَلاقَةَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَخَرَّجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِه تَعَالَى {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَهَذَا مَوْقُوفٌ
وَأَمَّا مَا يُرْوَى مَوْقُوفًا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي {وألزمهم كلمة التَّقْوَى}(1/32)
قَالَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ لَا يَصِحُّ إِلا عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ
أَخْبَرَنَا حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي حَامِدِ بْنِ الصَّابُونِيِّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيٍّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بن عبد الْجَبَّار ابْن مُحَمَّدٍ الْفُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ الْمُعَدَّلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُوسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ ابْن ليهعة عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شِعَارُ أُمَّتِي إِذَا حُمِلُوا عَلَى الصِّرَاطِ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ
أَبُو قَبِيلٍ اسْمُهُ حُيَيُّ بْنُ هَانِي بْنِ نَاضِرٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَانَ رَجُلا صَالِحًا مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رِوَايَةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَهُوَ ثِقَةٌ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِتَوْثِيقِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ
أَخْبَرَنَا أَبِي الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَيْحَانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رواج قَالا أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفيُّ(1/33)
ح قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَلَبِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ الزَّعْفَرَانِيُّ سَمَاعًا بِمَكَّةَ أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ
ح قُلْتُ أَنَا وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنِ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَظِيفٍ الْفراء الْمصْرِيّ بِمَكَّة حَدثنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّمْعِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ قَالَ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ شَفَاعَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَأَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ الأشنوي بِقِرَاءَةِ أَبِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمَدَ بْنِ الْهَيْثَمِ الصَّبَّاغُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقَيَّرِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ قرىء عَلَى أَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة بن الْمُغيرَة بْنِ صَالِحِ بْنِ بَكْرٍ وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ من حرصك(1/34)
عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لقد ظَنَنْت أَن لايسألني عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْت من حصرك عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَعَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بِهِ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ بِهِ
قُلْتُ وَأول فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ مِنْكَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَهِيَ مَضْمُومَة على أَنَّهَا صفة لأحد وَقَدْ رَدَدْتُ عَلَى مَنْ يَفْتَحُهَا وَهَذَا الْمَكَانُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى مَجِيءِ أَوَّلَ هَكَذَا وَنَظِيرُهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ مِنْ قَول أم هَانِيء فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنَ الْجَمَلِ كَمَا وُصِفَ لَهُمْ كَذَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ بِقَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِأَسْبَقَ مُطْلَقًا أَوَّلُ صِفَةٌ وَإِنْ نُوِيَتْ إِضَافَتُهُ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ وَرُبَّمَا أُعْطِيَ مَعَ نِيَّتِهَا مَا لَهُ مَعَ وُجُودِهَا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْن الضِّيَاءِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن البُخَارِيّ(1/35)
وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ حَمْزَةَ السُّلَمِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ أَخْبَرَنَا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِجَازِيُّ بِحِمْصَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّائِفِيُّ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ إِذَا انْفَلَقَتِ الأَرْضُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالنَّاسُ بُهْمٌ
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَغَرِيبٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الرَّاوِي عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِجَازِيُّ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ
فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَازِمٍ الدِّمَشْقِيُّ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ خَطِيبِ الْقَرَافَةِ حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشرَان أخبرنَا عبد الْبَاقِي(1/36)
ابْن قَانِعٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ بِالأُبُلَّةِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا بُهْلُولُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَكَأَنِّي بِهِمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ وَيَقُولُونَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحزن}
وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأسْوَارِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا أبي جَعْفَر بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلا مَنْشَرِهِمْ وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ وَيَقُولُونَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن}
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن البُخَارِيّ أخبرنَا ابْن طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ الْمندائيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الطَّوِيلَةِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شنيف(1/37)
إِجَازَةً قَالُوا كُلُّهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ مُتَفَرِّقِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ حَيُّوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ للَّهِ عَمُودًا مِنْ نُورٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ فَيَقُولُ اللَّهِ تَعَالَى اسْكُنْ فَيَقُولُ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِهَا قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُف بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُقَيَّرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ شاتيل أخبرنَا الْحُسَيْن ابْن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ الْبُنْدَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَة(1/38)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَبِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم} قَالَ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تزكّى} قَالَ إِلَى أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِهِ {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالحا} قَالَ لَعَلِّي أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي قَوْله {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ مَن قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} قَالَ أَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} قَالَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ لأَنَّهُ لَا شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ عِكْرِمَةُ خَيْرًا عَنْ ظَاهِرِهَا وَهُوَ كَوْنُهَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ وَجَعَلَهَا(1/39)
عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} وَفِي قَوْلِكَ فِي زَيْدٍ خَيْرٌ أَيْ خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ خَيْرٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِهَا عَلَى حد قَوْله تَعَالَى {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} وَقَول امرىء الْقَيْسِ
(وَذَلِكَ مِنْ نَبَإٍ جَاءَنِي ... وَخُبِّرْتُهُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ)
وَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ
(يَغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم)
فَيكون عِكْرِمَة قد أخرج خيرا وَمن عَنِ الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا وَالأَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنه صفة لخير وَحِينَئِذٍ خير مُبْتَدأ وَمِنْهَا صفته وَله خَبَرُهُ وَالتَّقْدِيرُ خَيْرٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِهَا لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتِ الصِّفَةُ كَمَا زَعَمَ عِكْرِمَةُ وَجَعَلَ التَّقْدِيرَ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ أُعْرِبَتْ حَالا عَلَى حَدِّ
(لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ ... )
وَالأَظْهَرُ خِلافُ مَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَأَنَّ خَيْرٌ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ الْغَالِبَ فِي اسْتِعْمَالِ خَيْرٌ وَاسْتِعْمَالُ مِنْ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِخَيْرٍ الأَفْضَلُ(1/40)
وعَلى هَذَا فَمِنْهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَقَوْلُهُ لَا شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ صَحِيحٌ إِلا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا الأَضْعَافُ وَأَنَّ الْعَمَلَ يَنْقَضِي وَالثَّوَابَ يَدُومُ وَشَتَّانِ مَا بَيْنَ فِعْلِ الْعَبْدِ وَفِعْلِ السَّيِّدِ
وَقَوْلُهُ فِي الَّذِينَ لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة إِنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لَا نُوَافِقُهُ عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ تَفْسِيرُ لَفْظِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَفْسِيرُ لَفْظِ الَّذِينَ لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة وَلَوْ تَمَّ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ لَمْ يَكُنْ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِطَابِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ لأَنَّ لَفْظَ الزَّكَاةِ حَقِيقَةٌ فِي إِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي الْمَالِ تَطْهِيرًا لَهُ وَتَنْمِيَةً وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ فَفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِزَكَاةِ الْمَالِ وَهُوَ رَأْي مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَفْعَلُ فِي لَفْظِ {تَزَكَّى} فِي قَوْلِهِ {هَلْ لَكَ إِلَى أَن تزكّى} وَقَوله {قد أَفْلح من تزكّى}
قلت المُرَاد بالتزكية ثمَّ تَزْكِيَة النَّفْسُ بِالإِيمَانِ بِدَلِيلٍ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْ فِرْعَوْنَ الإِيمَانَ وَأَنَّ الإِيمَانَ أصل الْفَلاح وقاعدته وَأما {يُؤْتونَ الزَّكَاة} فَلَفْظُ الإِتْيَانِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِالزَّكَاةِ الزَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْفضل ابْن الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُلاعِبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي الْمُؤَدِّبَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي النَّقَّاشَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلامٍ الزَّيْنِيُّ بِحِمْصَ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ(1/41)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حَضَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَجُلا يَمُوتُ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى قَلْبِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا فَنَظَرْتُ إِلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَلَمْ أَرَ خَيْرًا فَلَمَّا أَرَدْتُ أَن أَجْذِبَ رُوحَهُ وَجَدْتُ طَرَفَ لِسَانِهِ لاصِقًا بِحَنَكِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ
لَيْسَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَهَذَا الإِسْنَادُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَفِيهِ ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا ثُمَّ فَكَّ لَحْيَيْهِ فَوَجَدَ طَرَفَ لِسَانِهِ لاصِقًا بِحَنَكِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ بِقَوْلِكَ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ
وَقِصَّةُ الْمَتْنِ أَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَنْجُو وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْ لِسَانَهُ قَلْبُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَنَّ اللِّسَانَ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الاعْتِقَادُ وَقَدْ كَانَتِ الْمُنَافِقُونَ تَلْفِظُ وَلا تَعْتَقِدُ وَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْمَتْنُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي قَلْبِهِ خَيْرًا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ غَيْرَ اعْتِقَادِ الإِيمَانِ وَأَمَّا اعْتِقَادُ الإِيمَانِ فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَلِذَلِكَ تَلَفَّظَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا يَكَادُ يُعْرِبُ فِيهَا الْمَرْءُ إِلا عَمَّا هُوَ فِي ضَمِيرِهِ مُسْتَقِرٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَجَبَتْ لَكَ بِقَوْلِكَ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ فَمَا سَمَّاهَا كَلِمَةَ الإِخْلاصِ حِينَئِذٍ إِلا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ قَلْبٍ مُعْتَقِدٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ خَيْرًا بَلْ قَالَ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَالشَّيْءُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ مَوْضُوعِهِ أَعَمَّ مِنَ الْخَيْرِ إِلا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الأَمْرُ الَّذِي يُحْتَفَلُ بِهِ وَالْقَدْرُ(1/42)
الزَّائِدُ عَلَى الإِيمَانِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ كَثِيرَ أَمْرٍ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَتَأَمَّلَ هَذَا
أَوْ يُقَالُ لَعَلَّ الاعْتِقَادَ مِنَ الأُمُورِ الْخَفِيَّةِ فِي الْقَلْبِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَلا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبُهُ وَلا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْميدوميُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاقٍ سَمَاعًا
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءِتي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا حُضُورًا قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ حِمَّصَةَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّد ابْن دَاوُدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ الصَّدَفِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ يُكَنَّى أَبَا شريك(1/43)
عَنْ ضِمَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا وَلَقِّنُوهَا مَوْتَاكُمْ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ الصَّيْرَفِيُّ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ رَجُلا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ خَرَجَ مِنَ النَّارِ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى قَتَادَةَ فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَخُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ وَيُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ كَمَا سُقْنَاهُ
وَرَوَاهُ سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَرَوَاهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ(1/44)
وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَدَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَأَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ فَرَوَوْهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَذْكُرُوا عَلْقَمَةَ
وَكَذِلَك رَوَاهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَعِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْعَلاءِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ
قُلْتُ وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّارَقُطْنِيُّ مُتَابَعَةَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَرِوَايَتَهُ إِيَّاهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ وَهِيَ مُتَابَعَةٌ جَيِّدَةٌ تُقَوِّي كَوْنَ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَهِيَ الأَشْبَهُ عِنْدِي بِالصَّوَابِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ ابْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِمِصْرَ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّاسُ قَالَ ابْنُ الْمعِين وَابْن عزون أخبرنَا إِسْمَاعِيل ابْن صَالِحِ بْنِ يَاسِينَ وَقَالَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا وَقَالَ الثَّانِي(1/45)
أَعْنِي الصَّعْبِيَّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ أَبِي الرّوسِ أَخْبَرَنَا ابْنُ موقا قَالا ابْنُ يَاسِينَ وَابْنُ موقا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى السَّعْدِيُّ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنِي كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ لَا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَآمَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَنَا سَمِعْتُ هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ وَلا ثَلاثٍ وَلا أَرْبَعٍ
لَيْسَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمُجَاوِرِ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّزَّازُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَا قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجنَّة(1/46)
قَالَ الْخَطِيبُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فِي إِسْنَادِهِ بَلْ قَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ الْبَيْضَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْقَوَّاسِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ سنة تسع وسِتمِائَة
وَأَجَازَهُ لَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ وَالْمُؤَمَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَالِسِيُّ وَأَبُو حَامِدِ بْنُ الصَّابُونِيِّ قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الْحُسَيْنُ بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن طِلابٍ خَطِيبُ دِمَشْقَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِصَيْدَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونٍ أَبُو بَكْرٍ بِبَالِسَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ لكنه مخرج(1/47)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ
وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَفْظُه لَقِّنُوا هَلْكَاكُمْ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرِيرِيُّ سَمَاعًا أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرُه قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ وَعَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا عَنْبَرُ بْنُ حطنطَلٍ السُّكَّرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ وَبَرِ بْنِ أَبِي دُلَيْلَةَ وَسَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ(1/48)
عَنْ سَهْلِ بْنِ نَائِلٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ
سَهْلُ بْنُ نَائِلٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ لَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ وَلا عَنْ غَيْرِهِمَا
وَبِهِ إِلَى الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد الكابت قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي بِشْرٌ هُوَ ابْن دِحْيَةَ حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ خُتِمَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ جَابِرٍ وَلَكِنْ مَعْنَى الْمَتْنِ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ خرجه أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الحميد بن جَعْفَر عَن صَالح ابْن أبي عريب عَن كثير بن مرّة عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُعَاذٍ مِنْ ثَلاثِ طُرُقٍ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ مُعَاذٍ وَتَارَةً طَوَى ذِكْرَ مُعَاذٍ لِلْوُثُوقِ بِهِ(1/49)
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثَ الْبَابِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَدَارَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَوَقَعَ لِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَطَرِيقٍ آخَرَ
فَأَخْبرنِي أَبُو الْعَبَّاس الْحَرِير عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّالِحِيِّ سَمَاعًا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ الْجَوْهَرِي أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن ابْن أَحْمَدَ بْنِ مُجَالِدٍ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي حَمْزَة جارنا يحدث عَن أنس ابْن مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لمعذا بْنِ جَبَلٍ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
أَبُو حَمْزَةَ جَارُ شُعْبَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ تَفَرَّدَ النَّسَائِيُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَوَاهُ عَنْ بُنْدَارٍ بِهِ فَوَافَقَنَاهُ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعْبَةَ بِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَوَقَعَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى
فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَانِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ يَا مُعَاذُ فَقَالَ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ فَمَا قَالَ لَكَ قَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ فَأَذْهَبُ فَأَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اذْهَبْ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّكَ(1/50)
قُلْتَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ صَدَقَ مُعَاذٌ صَدَقَ مُعَاذٌ صَدَقَ مُعَاذٌ
وَوَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيث معَاذ بِلَفْظ آخر وَطَرِيق آخر فقرىء عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالب أخبرنَا الْحسن ابْن عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّيِّبُ بْنُ يُمْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْمُعْتَضِدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْن مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيُّ بِالْعَسْكَرِ وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَكَذَا قَالَ وَلَمْ يَقُلْ هِصَّانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ ثُمَّ مَاتَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ
حِطَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الرَّقَاشِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ عبَادَة بن الصَّامِت وعَلى ابْن أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ يَرْوِي عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ثِقَةٌ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَالأَرْبَعَةُ
وَلَكِنْ قَضِيَّةُ كَلامِ الرَّاوِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ هِصَّانُ بِالْهَاءِ لَا حِطَّانُ وَلَيْسَ لَهُمْ هِصَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ هِصَّانُ بْنُ كَاهِنٍ بِالنُّونِ أَوْ كَاهِلٍ بِاللامِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى رَوَى عَنْهُ حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ثِقَةٌ وَالأَشْبَهُ أَنَّهُ هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ لأَنَّ حُمَيْدًا لَا يَرْوِي عَنْ حِطَّانَ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ هِصَّانَ(1/51)
فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّاوِي فِي السَّنَدِ هُوَ الأَشْبَهُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ فَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَتْنَا بِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ فِي كِتَابِهَا عَنِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَاذشَاه وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرَّانِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ الأَشْقَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاذشَاه أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَالْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ
ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ عَن حميد بن هِلَال عَن هصان ابْن كَاهِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَمُوتُ عَبْدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يُرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبِ مُؤْمِنٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ قِيلَ لَهُ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ قَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ يُحَدِّثُ بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثُمَّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ هِصَّانَ بْنِ كَاهِلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذٍ يَرْفَعُهُ(1/52)
وَلَيْسَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذٍ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وأصل الحَدِيث مَرْوِيّ أَيْضًا من حَدِيث النَّضر بْن أنس عَن أنس قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ مخلصا يَمُوت عَلَى ذَلِك حرمه اللَّه عَلَى النَّار
يرويهِ عَامر بْن سياف عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن النَّضر بْن أنس عَن أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا لم يسمعهُ أنس من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث بِهِ سُلَيْمَان بْن الْمُغيرَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس عَن مَحْمُود بْن الرّبيع عَن عتْبَان بْن مَالك عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أنس ثمَّ لقِيت عتْبَان بن مَالك فسلته فحَدَّثَنِي بِهِ وَهُوَ الصَّحِيح عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَاعْلَم أَن أَحَادِيث هَذَا الْبَاب عَلَى قسمَيْنِ أَعم وأخص
أما الْأَعَمّ فَهُوَ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى أَن من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَهِي كَثِيرَة بلغ الْقدر الْمُشْتَرك مِنْهَا مبلغ التَّوَاتُر مِنْهَا مَا أوردناه وَمِنْهَا حَدِيث عبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله وكلمته(1/53)
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَالْجنَّة وَالنَّار حق أَدخل اللَّه الْجنَّة عَلَى مَا كَانَ من الْعَمَل وَفِي رِوَايَة أدخلهُ اللَّه من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية أَيهَا شَاءَ
وَالرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَفِي سنَن أَبِي دَاوُد من حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَالَ رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث طَوِيل لأبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطَاهُ نَعْلَيْه وَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ اذْهَبْ بنعلي هَاتين فَمن لقِيت من وَرَاء هَذَا الْحَائِط يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه فبشره بِالْجنَّةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ أول من لقِيت عمر فَقَالَ مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قلت هَاتَانِ نعلا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بهما من لقِيت يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مستقينا بهَا قلبه بَشرته بِالْجنَّةِ فَضرب عمر بِيَدِهِ بَين ثديي فَخَرَرْت لاستي فَقَالَ ارْجع يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَرَجَعت إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجهشت بكاء وركبني عمر فَإِذا هُوَ عَلَى أثري فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/54)
مَالك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قلت لَهُ لقِيت عمر فَأَخْبَرته بِالَّذِي بَعَثَنِي بِهِ فَضرب بَين ثديي ضَرْبَة خَرَرْت لاستي قَالَ ارْجع فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عمر مَا حملك عَلَى مَا فعلت قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ بِأبي أَنْت وَأمي أبعثت أَبَا هُرَيْرَةَ بنعليك من لَقِي يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه بشره بِالْجنَّةِ قَالَ نعم قَالَ فَلَا تفعل فَإِنِّي أخْشَى أَن يتكل النَّاس عَلَيْهَا فخلهم يعْملُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخلهم
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث معَاذ كنت ردف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا مؤخرة الرحل فَقَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ قَالَ هَل تَدْرِي مَا حق اللَّه عَلَى الْعباد قَالَ قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِن حق اللَّه عَلَى الْعباد أَن يعبدوه وَلَا يشكروا بِهِ شَيْئا ثمَّ سَار سَاعَة وَقَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك(1/55)
قَالَ هَل تَدْرِي مَا حق الْعباد عَلَى اللَّه إِذا فعلوا ذَلِك قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ حق الْعباد عَلَى اللَّه أَن لَا يعذبهم
وَفِي رِوَايَة فَقلت يَا رَسُول اللَّهِ أَفلا أبشر النَّاس قَالَ لَا تبشرهم فيتكلوا
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا من حَدِيث أَبِي ذَر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني أَنه من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق وَفِي رِوَايَة عَلَى رغم أنف أَبِي ذَر وَالرِّوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا
قلت وَلَقَد تَأَمَّلت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن زنى وَإِن سرق وَجمعه بَين الزِّنَى وَالسَّرِقَة دون سَائِر الْمعاصِي فَلم يَقع لي إِلَّا الْإِشَارَة إِلَى أَنه يتَجَاوَز عَن الْمعاصِي الْمُتَعَلّقَة بِحَق الله بعد الْكفْر كالزنى والمعاصي الْمُتَعَلّقَة بِحَق الْعباد كالسرقة فَجمع من أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين حق اللَّه وَحقّ الْآدَمِيّين يُشِير إِلَى أَن دُخُول الْجنَّة لَا يتَوَقَّف عَلَى شَيْء مِنْهَا
فَإِن قلت مَا باله آثر ذكر السّرقَة عَلَى ذكر الْقَتْل وَهُوَ أقبح
قلت لِكَثْرَة وُقُوع النَّاس فِيهَا وَقلة وُقُوع الْقَتْل فآثر ذكر مَا يكثر وُقُوعه لشدَّة الِاحْتِيَاج إِلَى السُّؤَال عَنهُ عَلَى مَا ينْدر(1/56)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار وَقلت من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة
وَفِي رِوَايَة اخْتصَّ بهَا مُسلم بِالْعَكْسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة قَالَ ابْن مَسْعُود وَقلت أَنا من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار
وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة اخْتصَّ بهَا البُخَارِيّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة وَقلت أُخْرَى قَالَ من مَاتَ يَجْعَل الله ندا دخل النَّار وَقلت من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة(1/57)
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَانِ موجبتان قَالَ رجل يَا رَسُول اللَّهِ مَا الموجبتان قَالَ من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار وَمن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة
وَأَحَادِيث كَثِيرَة غير مَا ذَكرْنَاهُ قاصمة لظُهُور الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بخلود أَرْبَاب الْكَبَائِر فِي النَّار وَلَيْسَ فِيهَا مَا يشكل تَأْوِيله غير حَدِيث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْلاصُهَا أَنْ تَحْجِزَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الدَّارِمِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
وإشكاله من جِهَة تَفْسِيره إخلاصها بِأَن تحجزه عَمَّا حرم اللَّه وَالْكَلَام عَلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا
وَأما الْأَخَص فالأحاديث الدَّالَّة عَلَى أَن من مَاتَ مُؤمنا لَا يدْخل النَّار نَحْو هَذَا الحَدِيث الَّذِي نجزنا من إِسْنَاده وَهُوَ حَدِيث معَاذ حرم اللَّه لَحْمه عَلَى النَّار(1/58)
وَنَظِيره مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحِهِ من حَدِيث الصنَابحِي عَن عبَادَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار
وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ قَالَ الصنَابحِي دخلت عَلَى عبَادَة بْن الصَّامِت وَهُوَ فِي الْمَوْت فَبَكَيْت فَقَالَ مهلا لم تبْكي فوَاللَّه لَئِن استشهدت لأشهدن لَك وَلَئِن شفعت لأشفعن لَك وَلَئِن اسْتَطَعْت لأنفعنك ثمَّ قَالَ وَالله مَا من حَدِيث سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم فِيهِ خير إِلَّا حَدَّثتكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وسأحدثكموه الْيَوْم وَقد أحيط بنفسي سَمِعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول من شهد أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أَبِي ذَر أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(1/59)
قَالَ لي جِبْرِيل من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَلم يدْخل النَّار قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ نعم وَفِي رِوَايَة لَا يشْهد أحد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَيدْخل النَّار أَو تطعمه قَالَ أنس فَأَعْجَبَنِي هَذَا الحَدِيث فَقلت لِابْني اكتبه فَكَتبهُ وَهُوَ من حَدِيث عتْبَان بْن مَالك رَضِي اللَّه عَنْهُ
وَهَذِه الْأَحَادِيث وَمَا ناسبها يجمع بَينهَا وَبَين الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى أَنه لَا بُد أَن يَقع عِقَاب بعض المسليمن عَلَى جرائمهم بِأَن المُرَاد دُخُول الخلود لَا أصل الدُّخُول فَكل مُسلم ذِي جريمة لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة لَا محَالة وَأما النَّار فَإِن لم يعف اللَّه عَن جرائمه فَهُوَ يدخلهَا ثمَّ لَا محَالة يخرج مِنْهَا للأحاديث الدَّالَّة عَلَى أَنه لَا يبْقى فِي النَّار من يَقُول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وعَلى أَنه تَعَالَى يَقُول أخرجُوا من النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَان
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ الْمُعِزِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفُضَيْلِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصُوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ الشَّامِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ(1/60)
إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شُعَيْرَةً أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الإِيمَانِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي التَّوْحِيد عَن معَاذ ابْن فَضَالَةَ كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ وَلَفْظُهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ وَشُعْبَةَ بِهِ وَفِيهِ قِصَّةٌ لِيَزِيدَ مَعَ شُعْبَةَ وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى كِلاهُمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ
وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح(1/61)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يحيى الْمَازِني عَن أَبِيه عَن أبي سعد الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَانٍ الْحَدِيثَ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَيْضًا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُثْمَانَ الْقَارِي الْوَاعِظِ حَدَّثَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفُرَاوِيُّ إِمْلاءً سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْبَارِعُ جَدِّي لأُمِّي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيكٍ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الْجَصَّاصُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسلمين} قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ النَّارَ مَنِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ يَقُولُ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ تَوْحِيدُكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَيُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ أَخْرِجْ مِنْ جَهَنَّمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ فَيُخْرَجُونَ فَيُدْخَلُونَ فِي نَهْرِ الْحَيَوَانِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهُهُمْ ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى رؤوسهم أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ بِالْيَوَاقِيتِ وَالدُّرِّ وَالزَّبَرْجَدِ عَلَيْهِمْ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ يَلْبَسُونَ السُّنْدُسَ وَالإِسْتِبْرَقَ ثُمَّ تَحْمِلُهُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَسِرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ مُفَصَّصَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى بَابِ النَّارِ فَيُقَال(1/62)
يَا أَهْلَ النَّارِ انْظُرُوا مَا يَصْنَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمّ يُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ
وَالْأَحَادِيث الناطقة بِدُخُول بعض العصاة من الْمُسلمين النَّار كَثِيرَة فَلَا معنى للإطالة
فلنعد إِلَى الْكَلَام عَلَى حَدِيث معَاذ الَّذِي انْفَرد أَبُو دَاوُد بِإِخْرَاجِهِ وأسندناه نَحن من طَرِيق آخر وَهُوَ حَدِيث من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
فَأَقُول هُوَ حَدِيث صَحِيح وَصَالح بْن أَبِي عريب ثِقَة وثقة ابْن حبَان وَغَيره وَخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَلم يغمزه أحد فِيمَا علمت غير أَن ابْن الْقطَّان قَالَ لَا يعرف حَاله وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عَبْد الحميد بْن جَعْفَر وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم فقد رَوَى عَنهُ حَيْوَة بْن شُرَيْح وَاللَّيْث وَابْن لَهِيعَة وَغَيرهم
ولحديثه هَذَا أَحَادِيث شَوَاهِد أسلفناها تعضده وَفِي رِوَايَة أسندناها إِلَى عبَادَة وَأبي الدَّرْدَاء أَو حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار ويعضده أَيْضًا الْأَمر بتلقين الْمَوْتَى لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِنَّهُ أَمر إرشاد لهَذَا الْمَطْلُوب الْعَظِيم وَالْمَقْصُود الجسيم وَهُوَ دُخُول الْجنَّة أَو النجَاة من النَّار
فَإِن قلت إِذا كُنْتُم معاشر أهل السّنة تَقولُونَ إِن من مَاتَ مُؤمنا يدْخل الْجنَّة لَا محَالة وَإنَّهُ لَا بُد من دُخُول من لم يعف اللَّه عَنهُ من عصاة الْمُسلمين النَّار ثمَّ يخرج مِنْهَا فَهَذَا الَّذِي تلقنونه عِنْد الْمَوْت كلمة التَّوْحِيد إِذا كَانَ مُؤمنا مَاذَا يَنْفَعهُ كَونهَا آخر كَلَامه
قلت لَعَلَّ كَونهَا آخر كَلَامه قرينَة أَنه مِمَّن يعْفُو اللَّه عَن جرائمه فَلَا يدْخل النَّار أصلا كَمَا جَاءَ فِي اللَّفْظ الآخر حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار وَإِذا كُنَّا لَا نمْنَع أَن يعْفُو(1/63)
اللَّه عَن بعض عصاة الْمُسلمين وَلَا يؤاخذه بذنوبه فضلا مِنْهُ وإحسانا فَلَا يستبعد أَن ينصب اللَّه النُّطْق بِكَلِمَة التَّوْحِيد آخر حَيَاة الْمُسلم أَمارَة دَالَّة عَلَى أَنه من أُولَئِكَ الَّذين يتَجَاوَز عَن سيئاتهم
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ فَضَالَةَ الْحَافِظَانِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ الرَّازِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَرَّاقَ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ فَذَكَرَ حِكَايَةَ تَلْقِينِ أَبِي زُرْعَةَ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ ابْنِ أَبِي عُرَيْبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دَخَلَ الْجَنَّةَ وَطَلَعَتْ رُوحُهُ
وَقَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت أَبِي يَقُول مَاتَ أَبُو زرْعَة مطعونا مبطونا يعرق الجبين مِنْهُ فِي النزع فَقلت لمُحَمَّد بْن مُسلم مَا تحفظ فِي تلقين الْمَوْتَى لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ يرْوى عَن معَاذ فَرفع أَبُو زرْعَة رَأسه وَهُوَ فِي النزع فَقَالَ رَوَى عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عَن صَالح بْن أَبِي عريب عَن كثير بْن مرّة عَن معَاذ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة فَصَارَ للبيت ضجة ببكاء من حضر
وَسمعت أَبِي تغمده اللَّه برحمته يَقُول لما احْتضرَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ عِنْده أَبُو حَاتِم ومُحَمَّد بْن مُسلم فأرتج عَلَيْهِمَا فَبَدَأَ أَبُو زرْعَة وَهُوَ فِي النزع فَذكر إِسْنَاده إِلَى أَن قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَخرجت روحه مَعَ الْهَاء من قبل أَن يَقُول دخل الْجنَّة
ورأيته أوردهُ فِي شرح الْمِنْهَاج هَكَذَا فحكاية تلقين أَبِي زرْعَة أَصْلهَا صَحِيح(1/64)
فَلَا يضر قَول شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه إِن أَبَا بكر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَاذان لَيْسَ بِثِقَة
وَلَقَد حصل أَبُو زرْعَة عَلَى أَمر عَظِيم ببركة حفظه للْحَدِيث وَهَكَذَا رَأينَا من لزم بَابا من الْخَيْر فتح عَلَيْهِ غَالِبا مِنْهُ وَلذَلِك يَقُول أهل الطَّرِيق إِن من فتح عَلَيْهِ فِي ذكر يَنْبَغِي أَن يلْزمه فَإِن مِنْهُ يتوالى عَلَيْهِ الْخَيْر هَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما كثر عَلَيْهِ الْحِفْظ جعله اللَّه لِسَان صدق فِي الآخرين وذكرا إِذا جمع النَّاس يَوْم الْجُمُعَة لرب الْعَالمين فَيقوم الْمُؤَذّن بَين يَدي الْخَطِيب وَيَقُول عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا قلت لصاحبك وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة أنصت فقد لغوت وَلست أَعنِي بِلِسَان الصدْق الَّذِي حصل لأبي هُرَيْرَةَ مُجَرّد ذكره على رُؤُوس الأشهاد بعد تقادم السنين بل الترضي عَنهُ وَذكر اسْمه بِهَذَا الحَدِيث فيتذكره سامعه فيترضى أَيْضًا عَنهُ وَهَذَا خير عَظِيم فكم ترحم عَلَيْهِ صَالح بِسَبَب ذكر هَذَا الحَدِيث وَكَذَلِكَ الْإِنْصَات عِنْد سَماع هَذَا الحَدِيث امتثالا فكم عَامي لم يبلغهُ هَذَا الحَدِيث وَلَا هَذَا الحكم فَلَمَّا سمع الْمُؤَذّن يَقُول ذَلِك امتثل وَبِهَذَا يحصل أجر عَظِيم لمبلغ الْخَيْر وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَهَذَا أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ من أحفظ الْأمة وَكَانَ علمه الَّذِي يمت بِهِ الحَدِيث وَحفظه
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه الْحَافِظ سَمِعت مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن حمكويه بِالريِّ يَقُول سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن رجل حلف بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث هَل حنث فَقَالَ لَا ثمَّ قَالَ أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث مثل {قل هُوَ الله أحد} وأحفظ فِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف(1/65)
وَقَالَ أَبُو أَحْمَد بْن عدي الْحَافِظ سَمِعت أَبِي يَقُول كنت بِالريِّ وَأَنا غُلَام فِي البزازين فَحلف رجل بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مائَة ألف حَدِيث فَذهب قوم إِلَى أَبِي زرْعَة وَذَهَبت مَعَهم فَذكرُوا لَهُ حلف الرجل فَقَالَ مَا حمله عَلَى ذَلِك قِيلَ قد جرى ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ يمسك امْرَأَته فَإِنَّهَا لم تطلق
فَإِن قلت الرجل لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق سَوَاء وَافق الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مَا فِي نفس الْأَمر أم خَالفه لِأَنَّهُ حلف عَلَى غَلَبَة ظَنّه
قلت المُرَاد هُنَا تَحْقِيق مَا فِي نفس الْأَمر ليَكُون من إمْسَاك زَوجته عَلَى يَقِين وكي لَا يسْتَحبّ لَهُ الْمُرَاجَعَة فَإِن الْوَرع فِي حَالَة الشَّك أَن يُرَاجع وَهنا لَا شكّ
وَنَظِير الْحِكَايَة أَن رجلا أَتَى القَاضِي الْحُسَيْن رَحمَه اللَّه فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق أَنه لَيْسَ أحد فِي الْفِقْه وَالْعلم مثلك فَأَطْرَقَ رَأسه سَاعَة وَبكى ثمَّ قَالَ هَكَذَا يفعل موت الرِّجَال لَا يَقع طَلَاقك
فَإِن قلت فقد قَالَ الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا قَالَ السّني إِن لم يكن الْخَيْر من اللَّه وَالشَّر فامرأتي طَالِق وَقَالَ المعتزلي إِن كَانَا من اللَّه فامرأتي طَالِق أَو قَالَ السّني إِن لم يكن أَبُو بكر أفضل من عَلِيّ فامرأتي طَالِق وَعكس الرافضي يَقع طَلَاق المعتزلي والرافضي صرح بِهِ إِبْرَاهِيم المروروذي مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا حلف عَلَى غَلَبَة ظَنّه
قلت لِأَن خطأ المعتزلي والرافضي فِيهِ قَطْعِيّ وَالْمَسْأَلَة قَطْعِيَّة فَلَا يَنْفَعهُ الظَّن(1/66)
وَقد نقل الرَّافِعِيّ فِي فروع الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل البوشنجي فِيمَن قَالَ إِن كَانَ اللَّه يعذب الْمُوَحِّدين فامرأته طَالِق أَنه يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَخْبَار تَعْذِيب بعض الْمُسلمين عَلَى جرائمهم وَهَذَا بِخِلَاف الْأَمر الظني كَمَا لَو قَالَ شَافِعِيّ إِن لم يكن الشَّافِعِي أفضل من أَبِي حنيفَة فامرأتي طَالِق وَعكس الْحَنَفِيّ فقد قَالُوا لَا يَحْنَث وَاحِد مِنْهُمَا وشبهوه بمسئلة الْغُرَاب
وَعَن الْقفال لَا نجيب فِي هَذِه المسئلة
قلت ونجيب بالنُّون وَالْجِيم كَأَنَّهُ رأى الْأَمر قَطْعِيا أَو شكّ هَل هُوَ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فأحجم عَن الْجَواب وَيُؤَيّد الأول مَا فِي فَتَاوَى القَاضِي الْحُسَيْن جمع الْبَغَوِيّ أَن القَاضِي سُئِلَ عَن شَافِعِيّ حلف بِالطَّلَاق أَن من صلى وَلم يقْرَأ الْفَاتِحَة لم يسْقط فرض الصَّلَاة عَنهُ وحنفي حلف بِالطَّلَاق أَنه يسْقط عَنهُ فَأجَاب يَقُول فِي هَذِه المسئلة مَا تَقولُونَ فِي شَافِعِيّ افتصد وَلم يتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ حلف بِطَلَاق زَوجته أَن الْفَرْض سقط عَنهُ كل مَا تَقولُونَ هُنَاكَ فَنحْن نقُول بِهِ فِي هَذِه المسئلة وَإِلَّا فالاعتقاد أَن يحكم بِوُقُوع الطَّلَاق عَلَى زَوْجَة الْحَنَفِيّ انْتهى
وَهنا دقيقة وَهُوَ أَن الْحَالِف عَلَى الظني عَلَى مَا فِي ظَنّه إِنَّمَا لم يُوقع الطَّلَاق عَلَيْهِ لما ذَكرْنَاهُ من مُوَافَقَته لما فِي ظَنّه وَيسْتَحب لَهُ مَعَ ذَلِك الْمُرَاجَعَة ورعا وَلَو قَدرنَا عَلَى الْوُصُول إِلَى الْيَقِين لَكَانَ أولى لَهُ من الْمُرَاجَعَة وَفِي حكايتي أَبِي زرْعَة وَالْقَاضِي الْحُسَيْن أمكن الْوُصُول إِلَى الْيَقِين بسؤالهما وَهَذَا مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أَولا(1/67)
وَاعْلَم أَن جَمِيع مَا سقناه فِي قَول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ المُرَاد بِهِ فِي أَكثر الْأَحَادِيث صِيغَة الشَّهَادَتَيْنِ لَا إِلَهَ إِلا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد صَارا كالشيء الْوَاحِد لِأَن الِاعْتِبَار بِأَحَدِهِمَا مُتَوَقف عَلَى الآخر وَمن ثمَّ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَجَمَاعَة فِي تلقين الْمَيِّت يلقن الشَّهَادَتَيْنِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ
وَقد قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَإِنَّمَا تعصم دِمَاؤُهُمْ إِذا أقرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلذَلِك جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مَرْفُوعا أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عِنْدهمَا لأبي هُرَيْرَةَ حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ويؤمنوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ الحَدِيث(1/68)
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أنس رَفعه حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ فَإِذا شهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صَلَاتنَا حرمت علينا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا
وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت فَجعل الشَّهَادَتَيْنِ شَيْئا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَمر الأول الَّذِي بني الْإِسْلَام عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَو كَانَ شَيْئَيْنِ لَكَانَ الْإِسْلَام مَبْنِيا عَلَى سِتّ لَا عَلَى خمس
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ وَجَمَعَنِي وَإِيَّاهُ عِنْدَهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِقٍ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَبَّاحٍ الْمَخْزُومِيُّ
ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْوَاسِطِيُّ إِجَازَةً مُعَيَّنَةً أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ(1/69)
أخبرنَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن من مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى هَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ حَاضِرُونَ لِلاسْتِمَاعِ مِنْهُمْ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيم(1/70)
ابْن أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ الْوَاعِظُ النَّيْسَابُورِيُّ قَدِمَ علينا فِي سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَنْبَرٍ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ ابْن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله غز وَجَلَّ قيل لَهُ طعنت عَلَى أَبِيك قَالَ إِنِّي لم أفعل إِن النَّاس انْطَلقُوا إِلَى أَبِي فَبَايعُوهُ طائعين غير مكرهين فنكث ناكث فَقتله وبغى بَاغ فَقتله ومرق مارق فَقتله
مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالب هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة وَالْحَنَفِيَّة أمه وَلم يخرج لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة شَيْء فِي الْكتب السِّتَّة
أخبرنَا أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن شَيْخِنَا الْحَافِظُ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ الزَّكِيِّ الْمزي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرتنا حرمية بنت تَمام بْنِ إِسْمَاعِيلَ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَتْ أَخْبَرَنَا عربشاهُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد ابْن أَحْمَدَ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر(1/71)
الْقَطِيعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو الْيَمَانِ قَالا أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ
وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا أُمِرْتُ أَنْ أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْهُ فَقَالا هَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيّ(1/72)
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ الْقِصَّةَ قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الْوَهْمُ مِمَّنْ قَالَ مِنْ عِمْرَانَ
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أُوَيْسَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أُوَيْسٍ وَقَالَ حَاتِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ الْحَدِيثَ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ الْقَوْمِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بن دَاوُد الْجَزرِي الْحَنْبَلِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمَدِينَةِ السَّلامِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْجَصَّاصُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّوَّافُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ ابْن يُوسُفَ بْنِ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيِّ قَالَ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ فَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا يُقَاتِلُهُ عَلَى الْخَمْسِ عَلَى شَهَادَةِ أَن(1/73)
لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحَجِّ الْبَيْتِ
لَيْسَ لِحَنْظَلَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظ أخبرنَا ذَاكر بن كَامِل الْخفاف أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَاقَرْحِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن ابْنُ الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَمَوِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ الْيَشْكُرِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا إِلا الْحَمَوِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ حضورا أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلانَ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ(1/74)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ قَالا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ الْحِمَّانِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ
ح وَأَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَار بن صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ خَطِيبُ مَرْدَا وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الدِّمَشْقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي الْمَقْدِسِي قَالُوا أخبرنَا يحيى ابْن مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجَرُّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ التَّاجِرُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عمر يَعْنِي مُحَمَّد الْعَدَنِيَّ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْن أَبِي الْفَتْحِ الْحَلَبِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيُّ أَخْبَرَنَا ضِيَاءُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْخريفِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ جُوَالِقٍ قَالَ ابْنُ الْخريفِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْن الْفَرَّا وَقَالَ ابْنُ جُوَالِقٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّرَّاحِ قَالا أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ الْمَكِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْخِمْسِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ(1/75)
ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْفَارُوثِيُّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ كَرَمٍ الدِّينَوَرِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ نَصْرٍ الْعُكْبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُسْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدٍ وَمِسْعَرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحَجِّ الْبَيْتِ
فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَذْكُرْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ قَوْلُنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَمَا عَرَفْتَ
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَلْفَاظٍ إِنِ اخْتَلَفَتْ فَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ
وَأَخْبَرَنَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَايِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن النقور(1/76)
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ السَّكْسَكِيِّ قَالَ بَعَثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِكِسْوَةٍ إِلَى الْكَعْبَةِ فَخَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا تَيْمَاءَ فَأَتَانَا سَائِلٌ فَقَالَ تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الشَّرِّ فَقُلْتُ مَنْ أَعْلَمُ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالُوا نُسَيٌّ فَأَتَيْتُهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى الْبَابِ فَانْطَلَقت إِلَى جَارِيَة فَقلت هَاهُنَا نُسَيٌّ قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ فَاسْتَأْذِنِيهِ فَذَهَبَتْ ثُمَّ اطَّلَعَتْ فَقَالَتْ ارْقَ فَرَقِيتُ فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ يتَوَضَّأ فَقلت مَالك لَمَّا رَأَيْتَنِي أَخَذْتَ تَتَوَضَّأُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِمُوسَى يَا مُوسَى تَوَضَّأْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهَ إِنَّهُ أَتَانَا سَائِلٌ فَقَالَ تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الشَّرِّ قَالَ صَدَقَ مِنْ هَدَّةِ الْجِدَارِ وَمِنَ الْغَرَقِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَنَايَا فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّكَ تَحُجُّ وَتَعْتَمِرُ وَلا تَغْزُو فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْجِهَادُ(1/77)
وَالصَّدَقَةُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ هَكَذَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ مَجْهُولٌ
وَنُسَيٌّ الْكِنْدِيُّ الشَّامِيُّ وَالِدُ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ يَرْوِي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
وَأَخْبَرَنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَحْمُودُ بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ الْمَنْبِجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ أَخْبَرَنَا الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُحْرِمِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُسْلِمٍ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلامِ عَلَى خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجِهَادُ قَالَ هَكَذَا قَالَ لَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس قَالَ فَسَمَّاهُنَّ قَالَ وَالْجِهَادُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
لَيْسَ لِطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَكَلامُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ مِمَّا بُنِيَ عَلَيْهِ الإِسْلامُ فَكَأَنَّ مُسَمَّى الإِسْلامِ عِنْدَهُ هَذِهِ الْخَمْسَ لَا كُلَّ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعَمُّ وَإِذَا ضَمَّ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الْقَوْلَ بِتَرَادُفِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ كَمَا يَزْعُمُهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الإِيمَانِ بَلْ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ(1/78)
وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يُوَافِقُ الْقَائِلِينَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ عَنْ مُسَمَّى الإِيمَانِ
وَنَظِير هَذَا الحَدِيث حَدِيث ضمام بْن ثَعْلَبَة الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ الأشنوي بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ الإِمَامِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الأَدَمِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ الثَّقَفِيُّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد ابْن الْفَضْلِ التَّيْمِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ أَبِي الْمنعمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ كِتَابَةً قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُنَجَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْت عبد الأول ابْن عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ الْحَافِظُ(1/79)
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ هُوَ أَبُو النَّضْرِ قَالَ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الله أرسلك قَالَ صدق قَالَ فَمن فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فبالذي خلق السَّمَاء وَخلق الأَرْض وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صدق قَالَ فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صَدَقَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا عَالِيًا
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ الطُّوسِيِّ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ الْعَمِّيِّ الْبَصْرِيِّ(1/80)
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكُوفِيِّ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو الْعَقَدِيِّ ثَلاثَتُهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ التِّنِّيسِيِّ
وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ
وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلافٌ فِي اللَّفْظِ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا يُوسُفُ ابْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ الشّقاريِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَرَّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَوَّامٍ(1/81)
وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ بْنِ مُشْرِفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ وَسِتُّ الْوُزَرَا بِنْتُ عُمَرَ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ الْمُنَجَّا سَمَاعًا عَلَيْهِمْ وَالإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ إِجَازَةً قُلْتُ وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ إِجَازَةً كَتَبَهَا إِلَيَّ مِنْ دِمَشْقَ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الدوادي أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ابْن حَمُّوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ حَتَّى أَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم متكىء بَين ظهرانيهم فَقُلْنَا هَذَا الرجل الْأَبْيَض المتكىء فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَبْتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدْ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ قَالَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلِكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ(1/82)
آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا فِي فُقَرَائِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ
هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَكْمَلُ الرِّوَايَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا الْمُسْنِدُ أَسَدُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ الْمَلِكِ الْمُغِيثِ شِهَابِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ شَرَفِ الدِّينِ عِيسَى بْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شاذي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَالْمُسْنِدُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ الْكُرْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ إِمَّا بِقِرَاءَتِي أَوْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِي وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّهُ بِهِمَا جَمِيعًا فِي نَوْبَتَيْنِ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا خَطِيبُ مَرْدَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا أَخْبَرَنَا صَنِيعَةُ الْمَلِكِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ الله بن يحيى ابْن حَيْدَرَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بن الْحُسَيْن الخلعي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن سعيد بْنِ النَّحَّاسِ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله ابْن جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ(1/83)
مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَتْ بَنُو سَعْدٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلا جَلِدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ أمحمد قَالَ نعم قَالَ يَا ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُغْلِظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ قَالَ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولا قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ قَالَ نَعَمْ قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الإِسْلامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً الزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الإِسْلامِ كُلَّهَا يَنْشُدُه عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَكَانَ أول مَا تكلم بِهِ(1/84)
أَن قَالَ ياست اللات والعزى قَالُوا مَعَه يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْبَرَصَ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ قَالَ وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا فَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا
قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَسَنُ الْحَدِيثِ
قُلْتُ وَالْعَمَلُ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَأَنَّهُ إِمَامٌ مُعْتَمَدٌ وَلا اعْتِبَارَ بِخِلافِ ذَلِكَ
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ كُلِّهَا ذِكْرُ الْحَجِّ وَوَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ
فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا مِنْ أزدشنوءة يُقَالُ لَهُ ضِمَامٌ كَانَ بِالْيَمَنِ وَكَانَ يُعَالِجُ مِنَ الأَرْوَاحِ فَقَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ وَمَجْنُونٌ فَقَالَ لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ وَأَنَا أُعَالِجُ مِنْ هَذِهِ الأَرْوَاحِ فَقَالَ الْحَمْدُ للَّهِ نَحْمَدُه وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن(1/85)
لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ أَعِدْ عَلِيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَالشِّعْرَ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَلَوْ بَلَغَ قَامُوسَ الْبَحْرِ مُدَّ يَدَيْكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ فَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعُهُ عَلَى الإِسْلامِ قَالَ وَعَلَى قَوْمِي فَبَايَعَهُ عَلَى قَوْمِهِ
عدنا إِلَى الْكَلَام عَلَى حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس وَقد وَقع فِي أَكثر الْأَلْفَاظ تَقْدِيم الصَّوْم عَلَى الْحَج حَتَّى جَاءَ فِي رِوَايَة فِي صَحِيح مُسلم بني الْإِسْلَام عَلَى خمس عَلَى أَن يوحد اللَّه وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَالْحج فَقَالَ رجل الْحَج وَصِيَام رَمَضَان قَالَ ابْن عمر لَا صِيَام رَمَضَان وَالْحج كَذَا سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجَاء فِي لفظ تَقْدِيم الْحَج وَقد أسندناه فِيمَا مضى
وَخرج أَبُو عوَانَة فِي كِتَابه الْمخْرج عَلَى صَحِيح مُسلم ذَلِك مُصَرحًا فِيهِ بِالْعَكْسِ مِمَّا صرح بِهِ فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ أَن ابْن عمر رَوَاهُ بِتَقْدِيم الْحَج عَلَى الصَّوْم فَأَعَادَهُ رجل بِتَقْدِيم الصّيام عَلَى الْحَج فَقَالَ لَهُ ابْن عمر لَا اجْعَل صِيَام رَمَضَان آخِرهنَّ هَكَذَا سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقضى بعض الْمُحدثين بِأَن هَذِهِ الرِّوَايَة غلط لمعارضتها لما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاحْتِمَال كَونهمَا وَاقِعَتَيْنِ بعيد وَهَذَا لَهُ نَظِير فِي حَدِيث أَذَان ابْن أم مَكْتُوم وبلال(1/86)
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم
وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمَد وصحيحي ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَلَى الْعَكْس من ذَلِك فَقيل كَانَ الْأَذَان بَينهمَا نوبا وَقيل بل هَذِهِ غلط
فَإِن قلت هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي أَن الْإِسْلَام عبارَة عَن الْخمس فَمَا تَقولُونَ فِيمَن فقد وَاحِدًا مِنْهَا غير الشَّهَادَتَيْنِ هَل يخرج عَن الْإِسْلَام
قلت نقدم عَلَى جَوَاب السُّؤَال مَا لَا بُد مِنْهُ لَهُ فَنَقُول لفظ الْإِيمَان بِاتِّفَاق الْمُسلمين لَا يخرج عَن أَعمال الْقلب والجوارح وَمَا تركب مِنْهُمَا ثمَّ اخْتلفُوا عَلَى مَذَاهِب
أَحدهَا أَنه تَصْدِيق الْقلب بِمَا علم مَجِيء الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ ودعاؤه الْخلق إِلَيْهِ وحثه الْأمة عَلَيْهِ وَلَيْسَ معنى هَذَا القَوْل أَن من صدق وَلم يتَلَفَّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ يكون مُؤمنا إِيمَانًا مَقْبُولًا بل الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَلَكِن لقبوله شَرط وَهُوَ التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعدم الْإِتْيَان بِمَا هُوَ مكفر ولفوات هَذَا الشَّرْط عَلَى أَبِي طَالب لم يحكم بِدُخُولِهِ الْجنَّة مَعَ كَونه كَانَ مُعْتَقدًا بِدَلِيل قَوْله
(وَدَعَوْتنِي وَزَعَمت أَنَّك صَادِق ... وَلَقَد صدقت وَكنت ثمَّ أَمينا)
وَقَوله
(لقد علمُوا أَن ابننا لَا مكذب ... لدينا وَلَا مرمى بقول الأباطل)(1/87)
وَقَوله
(وَلَقَد علمت بِأَن دين مُحَمَّد ... من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا)
وَمن إِن كَانَت زَائِدَة فالبيت صَرِيح فِيمَا ندعيه وَجوز زيادتها فِي الْإِثْبَات الْكُوفِيُّونَ والأخفش وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَلَقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسلين} وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة نوح {يغْفر لكم من ذنوبكم} وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الصَّفّ بِغَيْر من وَقَوله تَعَالَى {يحلونَ فِيهَا من أساور} وَقَوله تَعَالَى {وَيكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ}
وَخرج الْكسَائي عَلَى زيادتها إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون
وَمن شواهدها فِي الشّعْر قَول عمر بْن أَبِي ربيعَة
(وينمي لَهَا حبها عندنَا ... فَمَا قَالَ من كاشح لم يضر)
وَقَالَ أَبُو طَالب أَيْضًا
(ألم تعلمُوا أَنا وجدنَا مُحَمَّدا ... نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب)
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لَهُ أوردهَا ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَذكر الْحَاكِم فِي أثْنَاء تَرْجَمَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي كتاب مزكى الْأَخْبَار أَخْبَرَنَا(1/88)
أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بْن أَحْمَد الْأَصْبَهَانِيّ الزَّاهِد أَخْبَرَنَا أَبُو السّري مُوسَى ابْن الْحُسَيْن بْن عبَادَة قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بْن الصَّباح الدولابي يَا أَبَا السّري جَاءَ عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ فَنزل هَاهُنَا عندنَا فَكَانَ يَأْتِيهِ نَاس فَصَارَ إِلَيْهِ فتيَان من فتياننا فَقلت إيش يُحَدثكُمْ فَقَالُوا يُفَسر الْقُرْآن بِأَحْسَن التَّفْسِير قلت من رَأْيه أَو يأثره عَن غَيره قَالُوا بِرَأْيهِ قلت هَذَا شَرّ قَالَ فَجَاءَنِي بعد سنة فَسلم عَلِيّ وَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَر أَنا وَالله إِلَيْك مشتاق قلت أَنا فِي مَسْجِدي مَا عَلِيّ حَاجِب فَقَالَ علمت يَا أَبَا جَعْفَر أَنِّي فَكرت البارحة فَرَأَيْت سُفْيَان الثَّوْريّ قد مَاتَ عَلَى بدعتين لم يتب إِلَى اللَّه مِنْهُمَا وَذكر قَول سُفْيَان إِن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَرَأَيْت فلَانا يَقُول الْإِيمَان قَول قَالَ فَقلت أرى كلامك يدل عَلَى أَن أَبَا طَالب أَصْلَب أهل الأَرْض إِيمَانًا فَإِنَّهُ قد قَالَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا أعلم أَن مَا تَقول حق وَلَكِن أكره أَن تعيرني نسَاء قُرَيْش
قلت وَهَذِه الْحِكَايَة ناشئة عَن أحد أَمريْن إِمَّا أَن عَبْد الْعَزِيز الْمَذْكُور وَهُوَ الْكِنَانِي الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الحيدة وَسَنذكر تَرْجَمته فِي الطَّبَقَة الأولى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يعْتَقد أَن الْإِيمَان هُوَ الْمعرفَة فَقَط كَمَا سننقله عَن جهم بْن صَفْوَان وَلَا يشْتَرط النُّطْق وَتلك بِدعَة شنعاء لَا أقبح مِنْهَا نسْأَل اللَّه السَّلامَة فِي الدّين أَو أَن الدولابي لم يفهم عَنهُ وَيكون إِنَّمَا اعْتقد أَن الْإِيمَان فِي الْقلب وَلَكِن لَهُ شَرط وَهُوَ النُّطْق كَمَا قُلْنَاهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يختلج فِي ذهني أَنه مُعْتَقد عَبْد الْعَزِيز وَقد رَأَيْت أَقْوَامًا(1/89)
يتعصبون عَلَى من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق بِهَذَا ظنا مِنْهُم أَن الْقَائِل بذلك لَا يشْتَرط النُّطْق فِي الِاعْتِدَاد بِهِ وَهُوَ تعصب صادر عَن عدم الْمعرفَة بِمذهب الْقَائِلين بِهَذَا القَوْل
وَمن هَؤُلَاءِ أَبُو مُحَمَّد بْن حزم الظَّاهِرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْملَل والنحل ذهب قوم إِلَى أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ معرفَة اللَّه بِالْقَلْبِ فَقَط وَإِن أظهر الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة أَو سَائِر أَنْوَاع الْكفْر بِلِسَانِهِ وعبادته فَإِذا عرف اللَّه بِقَلْبِه فَهُوَ مُسلم من أهل الْجنَّة وَهَذَا قَول جهم بْن صَفْوَان وَأبي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ الْبَصْرِيّ وأصحابهما انْتهى
وَهَذَا ابْن حزم رجل جري بِلِسَانِهِ متسرع إِلَى النَّقْل بِمُجَرَّد ظَنّه هاجم عَلَى أَئِمَّة الْإِسْلَام بألفاظه وَكتابه هَذَا الْملَل والنحل من شَرّ الْكتب وَمَا برح الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا ينهون عَن النّظر فِيهِ لما فِيهِ من الإزراء بِأَهْل السّنة وَنسبَة الْأَقْوَال السخيفة إِلَيْهِم من غير تثبت عَنْهُم والتشنيع عَلَيْهِم بِمَا لم يقولوه وَقد أفرط فِي كِتَابه هَذَا فِي الغض من شيخ السّنة أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَكَاد يُصَرح بتكفيره فِي غير مَوضِع وَصرح بنسبته إِلَى الْبِدْعَة فِي كثير من الْمَوَاضِع وَمَا هُوَ عِنْده إِلَّا كواحد من المبتدعة
وَالَّذِي تحققته بعد الْبَحْث الشَّديد أَنه لَا يعرفهُ وَلَا بلغه بِالنَّقْلِ الصَّحِيح معتقده وَإِنَّمَا بلغته عَنهُ أَقْوَال نقلهَا الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ فصدقها بِمُجَرَّد سَمَاعه إِيَّاهَا ثمَّ لم يكتف بالتصديق بِمُجَرَّد السماع حَتَّى أَخذ يشنع(1/90)
وَقد قَامَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَغَيره عَلَى ابْن حزم بِهَذَا السَّبَب وَغَيره وَأخرج من بَلَده وَجرى لَهُ مَا هُوَ مَشْهُور فِي الْكتب من غسل كتبه وَغَيره
وَمِمَّا يعرفك مَا قلت لَك من جراءته وتسرعه هَذَا النَّقْل الَّذِي عزاهُ إِلَى الْأَشْعَرِيّ وَلَا خلاف عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه بل وَسَائِر الْمُسلمين أَن من تلفظ بالْكفْر أَو فعل أَفعَال الْكفَّار أَنه كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم مخلد فِي النَّار وَإِن عرف بِقَلْبِه وَأَنه لَا تَنْفَعهُ الْمعرفَة مَعَ العناد وَلَا تغني عَنهُ شَيْئا وَلَا يخْتَلف مسلمان فِي ذَلِك وَهل الْفَائِت عَلَيْهِ نفس الْإِيمَان لكَون النُّطْق ركنا مِنْهُ أَو شَرطه فِيهِ الْبَحْث الْمَعْرُوف للأشاعرة وَسَيَأْتِي وَأَجْمعُوا عَلَى أَن الْإِسْلَام زائل عَنهُ فَقَوْل ابْن حزم فِي النَّقْل عَنْهُم إِنَّه مُسلم خطأ عَلَيْهِم صادر عَن أَمريْن عَن عدم الْمعرفَة بعقائدهم وَعَن عدم التَّفْرِقَة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام
وَأما جهم فَلَا نَدْرِي مَا مذْهبه وَنحن عَلَى قطع بِأَنَّهُ رجل مُبْتَدع وَمَعَ ذَلِك لَا أعتقد أَنه يَنْتَهِي إِلَى القَوْل بِأَن من عاند اللَّه وأنبياءه وَرُسُله وَأظْهر الْكفْر وَتعبد بِهِ يكون مُؤمنا لكَونه عرف بِقَلْبِه فَلَعَلَّ النَّاقِل عَنهُ حمل اللَّفْظ مَا لَا يطيقه أَو جازف كَمَا جازف فِي النَّقْل عَن غَيره
وَمَا لنا ولجهم وَهُوَ عندنَا من شَرّ المبتدعة من قَالَ بِهَذِهِ الْمقَالة فَهُوَ كَافِر لَا حَيَّاهُ اللَّه وَلَا بياه كَائِنا من كَانَ والمسلمون مجمعون قاطبة عَلَى أَن تلفظ الْقَادِر لَا بُد مِنْهُ وَأَبُو طَالب إِن سلم أَنه اعْتقد فَلم يتَلَفَّظ بل رد
فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا خَاصًّا بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا إِلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ(1/91)
مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَذْكُرُ أَنَّ رِجَالا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَزِنُوا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ قَالَ عُثْمَانُ فَكُنْتُ مِنْهُمْ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي ظِلِّ أُطْمٍ مِنَ الآطَامِ مَرَّ عَلِيَّ عُمَرُ فَسَلَّمَ عَلِيَّ فَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مَا يُعْجِبُكَ أَنِّي مَرَرْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ السَّلامَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي وِلايَةِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى سَلَّمَا عَلِيَّ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَاءَنِي أَخُوكَ عُمَرُ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْكَ فَسَلَّمَ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ مَا فَعَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ وَلكنهَا عيبتكم يَا بَنِي أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ وَلا سَلَّمْتَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ عُثْمَانُ وَقَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِك أَمْرٌ فَقُلْتُ أَجَلْ قَالَ مَا هُوَ فَقَالَ عُثْمَانُ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا عَلِيَّ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ
وروى الإِمَام أَحْمَد أَيْضًا فِي الْمسند من حَدِيث مُحَمَّد بْن جُبَير بن مطعم أَن عُثْمَان ابْن عَفَّان قَالَ تمنيت أَن أكون سَأَلت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا ينجينا مِمَّا يلقِي الشَّيْطَان فِي أَنْفُسنَا فَقَالَ أَبُو بكر قد سَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ ينجيكم من ذَلِك أَن تَقول ماأمرت بِهِ عمي أَن يَقُوله فَلم يقلهُ إسنادها صَحِيح
وَأما قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَذَلِكَ(1/92)
فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمد ابْن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَالُوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بْنُ جُمُعَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُنَانِ بْنِ بِشْرٍ سَمِعْتُ حُمْرَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بِهِ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ كِلاهُمَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ بِهِ
فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ عَلِمَ وَنَطَقَ عِنْدَ الإِمْكَانِ لِقِيَامِ الإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يَنْطِقْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مَنْ قَالَ مَوْضِعَ عَلِمَ
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ فَهُوَ يَنْطِقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَصَدَقَ مَنْ عَلِمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ مَقْرُونًا(1/93)
بِالنُّطْقِ وَهَلِ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْطٌ كَمَا أَطْلَقْنَاهُ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ رُكْنٌ فِيهِ اخْتِلافٌ أَمْرُهُ سَهْلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ
وَالْمذهب الثَّانِي أَن الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى مَعْرفَته فَقَط لَا يشْتَرط مَعَه لفظ وَهُوَ رَأْي جهم بْن صَفْوَان وشيعته وَهُوَ مَذْهَب مرذول محجوج بِالْإِجْمَاع لَا يعبأ بِهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى قَائِله وَلَيْسَ جهم مِمَّن يعْتد بقوله وَلَوْلَا الْوَفَاء بتعداد الْمذَاهب لما ذكرنَا هَذَا الرجل وَلَا مذْهبه فَإِنَّهُ رجل ولاج خراج هجام عَلَى خرق حجاب الهيبة بعيد عَن غور الشَّرِيعَة يزْعم أَنه ذُو تحقيقات باهرة وَمَا هِيَ إِلَّا ترهات قَاصِرَة وَيَدعِي أَنه لَهُ مثاقب فِي النّظر وَمَا هِيَ إِلَّا عقارب أَو أضرّ
وأفحش قولا مِنْهُ مَا حُكيَ عَن مُحَمَّد بْن زِيَاد الْجَزرِي الْكُوفِي أَنه قَالَ من آمن بِاللَّه وَكذب بِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ مُؤمنا عَلَى الْإِطْلَاق وَلَا كَافِرًا عَلَى الْإِطْلَاق وَلكنه مُؤمن كَافِر مَعًا وَهَذَا الْمَذْهَب كفر وَمَعَ كَونه كفرا ضرب من الهذيات وَلَا أعتقد أحدا مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام ذهب إِلَيْهِ وَلَعَلَّ الآفة من النَّاقِل عَن هَذَا الرجل فَلَا يَنْبَغِي أَن يعد هَذَا مذهبا
وَالثَّالِث أَنه إِقْرَار بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ رَأْي الكرامية ومنزلة هَذَا الْمَذْهَب فِي السُّقُوط منزلَة مُقَابِله وَقَضيته أَن الْمُنَافِقين مُؤمنُونَ وَالْقُرْآن نَاطِق بِأَنَّهُم فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَأَنَّهُمْ كاذبون فِي الدّين يدعونَ أَنهم يَعْتَقِدُونَ
وَاعْلَم أَن جهما غاص فِي الْمعَانِي بِزَعْمِهِ وَأعْرض عَن الظَّاهِر فَسقط عَلَى أم رَأسه وَقَامَت عَلَيْهِ حجج الشَّرْع ومنعته عَن سَبِيل الْحق أَي منع وَابْن كرام(1/94)
انسحب عَلَى الظَّوَاهِر وَأعْرض عَن ضمائر الْقُلُوب فَوَقع من حالق الْحق إِلَى حضيض الْبَاطِل وَخرج عَن قضايا الْمَعْقُول وتبرأ مِنْهُ الْمَنْقُول فَلَا هُوَ عَلَى الْحق وَلَا هَؤُلَاءِ
وَالرَّابِع أَنه كل طَاعَة فرضا كَانَت أم نفلا وَهُوَ رَأْي الْخَوَارِج وَإِلَيْهِ ذهبت طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة مِنْهُم القَاضِي عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الَّذِي يلقبونه قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ رجلا محققا وَاسع النّظر
وَالْخَامِس أَنه الطَّاعَة الْمَفْرُوضَة دون النَّافِلَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخَيْنِ أَبِي عَلِيّ الجبائي وَابْنه أَبِي هَاشم عَبْد السَّلَام وَكَانَا من أساطين الاعتزال وَلَهُمَا الطَّامَّات الْكُبْرَى والفضائح فِي الْمذَاهب السافلة ومعهما عَلَى هَذَا الْمَذْهَب كثير من معتزلة الْبَصْرَة
وَالسَّادِس أَنه إِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة وَهَذَا الْمَذْهَب يعزى إِلَى عَبْد الله بن سعيد ابْن كلاب وَكَانَ من أهل السّنة عَلَى الْجُمْلَة وَله طول الذيل فِي علم الْكَلَام وَحسن النّظر وَلم يَتَّضِح لي بعد شدَّة الْبَحْث انْفِصَال مذْهبه عَن مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ التَّصْدِيق فَإِن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة يَسْتَدْعِي سبق الْمعرفَة
فَإِن قَالَ أَنا لَا أسمي نفس الْمعرفَة إِيمَانًا وَإِنَّمَا أسمى الْإِقْرَار بهَا مَعَ التَّلَفُّظ إِيمَانًا وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من وجودهَا
قُلْنَا لَهُ أجهدت نَفسك فِي غير عَظِيم
وَإِن قَالَ لم أقل إِقْرَار بالمعرفة وَإِنَّمَا قلت نفس الْمعرفَة مَعَ إِقْرَار اللِّسَان بمضمونها
قُلْنَا لَهُ فَهَذَا الْآن مَذْهَب الْجَمَاعَة فبماذا تعرف وعلام تحوم
فَإِن قَالَ لفظ اللِّسَان قد يكون إِقْرَارا وَقد يكون إنْشَاء
قُلْنَا هَذَا الْإِنْشَاء لَا يُنَافِي الْإِقْرَار فَإِنَّهُ إِخْبَار فِي الْحَقِيقَة عَمَّا انطوى عَلَيْهِ الضَّمِير(1/95)
بِدَلِيل أَن الْكَاذِب فِيهِ غير مُعْتَد لَهُ بِهِ عِنْد اللَّه تَعَالَى وينجر الْكَلَام فِي ذَلِك إِلَى مَسْأَلَة حقائق الْإِنْشَاء وَهِي من عمد أصُول الْفِقْه لَا من مخاضات الْمُتَكَلِّمين
وَأَنت إِذا تفهمت ماألقيته عَلَيْك من الْمذَاهب عرفت اجْتِمَاع الْمذَاهب
والمأخذ فِي الْمَسْأَلَة عَلَى أَرْبَعَة أَصْنَاف
الصِّنْف الأول يَقُولُونَ الْإِيمَان يكون فِي الْقلب وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح وهم فرق أعظمها قدرا وأكثرها عددا وأعزها نَفرا أَصْحَاب الحَدِيث وَوَافَقَهُمْ الْخَوَارِج والزيدية والمعتزلة بيد أَن المرام مُخْتَلف والمقصد متباعد ثمَّ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا لَا يفرقون بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام
والصنف الثَّانِي يَزْعمُونَ أَن الْإِيمَان إِنَّمَا يكون فِي الْقلب وَاللِّسَان دون سَائِر الْأَعْضَاء وَهَؤُلَاء مِنْهُم من يفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فَيجْعَل أَعمال سَائِر الْأَعْضَاء إسلاما وهم كثير من الأشاعرة وَمِنْهُم من لَا يفرق وَلَا يكون هَذَا أشعريا أبدا
والصنف الثَّالِث يَزْعمُونَ أَن الْإِيمَان لَا يكون إِلَّا فِي الْقلب وَحده دون سَائِر الْجَوَارِح وَهَؤُلَاء فريقان
فريق قَالُوا الْإِسْلَام غير الْإِيمَان وَإِن الْإِسْلَام يكون فِي الْجَوَارِح وَإِن النُّطْق لَا بُد مِنْهُ وَإِن الْقَادِر عَلَيْهِ بِدُونِهِ كَافِر لَا يَنْفَعهُ معرفَة الْقلب
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وهم أَصْحَاب شَيخنَا أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ قَالَ وهم أحسن الْفَرِيقَيْنِ قولا
وفريق لَا يدْرِي مَذْهَبهم فِي الْجَوَارِح مَا هُوَ وهم الْجَهْمِية والبجلية أَصْحَاب جهم بْن صَفْوَان والْحَسَن بْن الْفضل البَجلِيّ وَالَّذِي يغلب عَلَى الظَّن أَنهم يَقُولُونَ(1/96)
الْإِيمَان معرفَة الْقلب وَالْإِسْلَام النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَسَائِر الْجَوَارِح لَا تسمى أَعمالهَا إِيمَانًا وَلَا إسلاما
فَخرج من هَذَا أَن أحدا لَا يَقُول إِن الْقَادِر عَلَى النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ مسامح بِتَرْكِهِ وَلَو قَالَ ذَلِك قَائِل لراغم الشَّرِيعَة وَجَاء بالخطة الشنيعة وخرق إِجْمَاع الْمُسلمين وقدح فِي دَعْوَة سيد الْمُرْسلين صلى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
والصنف الرَّابِع يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان إِنَّمَا يكون فِي اللِّسَان دون سَائِر الْأَعْضَاء وهم الكرامية فَإِنَّهُم أهملوا جَانب الِاعْتِقَاد رَأْسا وَقد عرفناك مَا يلْزمهُم
فَإِن قلت فَإلَى أَي مَذْهَب من هَذِهِ الْمذَاهب تذهبون
قلت لسنا إِلَى مَذْهَب جهم والكرامية بذاهبين وَلَا عَلَى أَقْوَالهم معرجين
فَإِن قلت لم يُطَابق الْجَواب السُّؤَال وغايته نفي بعض الْأَقْوَال لَا إِثْبَات مَا يعْتَقد
قلت القَوْل بِأَن الْإِيمَان تَصْدِيق الْقلب وَأَن النُّطْق لَا بُد مِنْهُ هُوَ مَا عَلَيْهِ قدوتنا فِي الْكَلَام أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وقاضينا أَبُو بكر بْن الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق وَأكْثر الجهابذة البزل ثمَّ اخْتلف جَوَاب شَيخنَا أَبِي الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي معنى هَذَا التَّصْدِيق فطورا قَالَ هُوَ الْمعرفَة وطورا قَالَ هُوَ قَول النَّفس المتضمن للمعرفة ثمَّ يعبر عَن ذَلِك بِاللِّسَانِ فيسمى الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ تَصْدِيقًا وَكَذَلِكَ الْعَمَل بالأركان بِحكم دلَالَة الْحَال كَمَا أَن الْإِقْرَار تَصْدِيق بِحكم دلَالَة الْمقَال فَالْمَعْنى الْقَائِم فِي النَّفس هُوَ الأَصْل الْمَدْلُول عَلَيْهِ وَالْإِقْرَار وَالْعَمَل دليلان وَهَذَا يدانى مَذْهَب ابْن كلاب(1/97)
فَإِن قلت فَمَا تَقولُونَ فِيمَا ينْقل عَن السّلف من أَنه إِقْرَار بِاللِّسَانِ واعتقاد بالجنان وَعمل بالأركان وَهَذَا مستفيض فِيمَا بَينهم لَا يجحده إِلَّا المكابرون
قلت تمهل قَلِيلا واسمع مَا نلقيه عَلَيْك وَإِن كَانَ ثقيلا وَاعْلَم أَن قَوْلهم اعْتِقَاد بالجنان لَا إِشْكَال فِيهِ وَقَوْلهمْ إِقْرَار بِاللِّسَانِ هُوَ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ ولعلهم جعلُوا ذَلِك ركنا فِي الْإِيمَان فَيكون الْإِيمَان مركبا من الِاعْتِقَاد وَالْإِقْرَار وَهُوَ أحد الرِّوَايَتَيْنِ فِي تفاريع الْمَذْهَب الأول وَلَيْسَ بالبعيد وَإِن كَانَ الْأَظْهر جدلا خِلَافه وَقَوْلهمْ وَعمل بالأركان يُمكن أَن يُرَاد بِهِ الْكَفّ عَن مَا يصدر بالجوارح فيوقع فِي الْكفْر من السُّجُود للأصنام وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات فاضبط هَذَا فبه يجْتَمع لَك كَلَام السّلف وَالْخلف وَلَا أَدعِي أَنه حَقِيقَة مُرَاد الْقَوْم غير أَنِّي أجوز ذَلِك وَأسْندَ إِلَى لَفْظَة الْأَركان وَأَنا وَإِن لم أقطع بِأَنَّهُ المُرَاد فأقطع بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِي الْعبارَة عَلَى رد مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ التَّصْدِيق لما ذكرت من أَن الْأَركان جَائِز أَن يُعْنَى بهَا الْكَفّ عَن المكفرات
ودائما أَقُول عبارتان للقدماء مستفيضتان يتناقلهما الْمُتَأَخّرُونَ معتقدين أَن المُرَاد بهما شَيْء وَاحِد وَعِنْدِي أَن اللَّفْظ لَا يساعد عَلَى ذَلِك
إِحْدَاهمَا هَذِهِ الْعبارَة فَإِن الْأَركان أَجزَاء الْمَاهِيّة فَلَا يثبت عَلَى السّلف أَنهم يَقُولُونَ بِأَن الطَّاعَات الْمَفْرُوضَة أَو مُطلق الطَّاعَات إِيمَان كلهَا إِلَّا أَن يثبت عَلَيْهِم أَن كلهَا أَرْكَان وَلم يثبت ذَلِك بعد بل لفظ الْأَركان صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافه إِذْ لَيْسَ كل طَاعَة يَنْتَفِي الْإِيمَان بانتفائها بل لم يقل ذَلِك فِي شَيْء من مباني الْإِسْلَام غير كلمتي الشَّهَادَتَيْنِ إِلَّا فِي الصَّلَاة عِنْد من يكفر بِتَرْكِهَا ثمَّ لم يقل بذلك عَلَى إِطْلَاقه بل قَالَ بِكفْر دون كفر وليستا الْآن كَذَلِك(1/98)
والعبارة الثَّانِيَة لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة بذنب غير مستحل يسْتَدلّ بِهِ الْمُتَأَخّرُونَ عَلَى أَنهم لَا يكفرون أَرْبَاب الْبدع والأهواء وَوَقع الْبَحْث فِي ذَلِك بيني وَبَين الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه اللَّه فَقلت لَهُ وَقد حكى هَذِهِ الْعبارَة عَن الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ صَاحب العقيدة وَقَالَ إِنَّه مَسْبُوق إِلَيْهَا أَنا لَا أستدل بذلك عَلَى أَنهم لَا يكفرون الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن مثلا حَتَّى يثبت عِنْدِي أَنهم يَقُولُونَ إِنَّه من أهل الْقبْلَة فالعبارة دَالَّة عَلَى أَن أهل الْقبْلَة لَا يكفرون لَا عَلَى أَن هَؤُلَاءِ من أهل الْقبْلَة وَلَا أحفظ الْآن عَن الشَّيْخ الإِمَام جَوَابا عَن كَلَامي هَذَا غير أَنِّي أَظن أَنه قَالَ أهل الْقبْلَة من صلى لقبلتنا كَذَا أَحسب أَنه أجَاب وَلست عَلَى ثِقَة من ذَلِك
وَأَقُول مجيبا عَن هَذَا الْجَواب أَن قَالَه الشَّيْخ الإِمَام أم كَانَ مِمَّا هجس فِي الضَّمِير وتصوره من كَلِمَات ذَلِك الْخَبَر لَيْسَ كل من صلى لقبلتنا من أهل الْقبْلَة أَلا ترى أَن الْمُنَافِقين يصلونَ لقبلتنا وهم كفار بِالْإِجْمَاع
عدنا إِلَى الْكَلَام عَلَى أَن قَول السّلف وَعمل بالأركان لَا يتَعَيَّن أَن يُرَاد بِهِ جَمِيع الطَّاعَات وَيجوز أَن يُعْنَى بِهِ الْكَفّ عَن مَا وَقع فِي المكفرات
فَإِن قلت الْكَفّ فعل وَلَيْسَ بِعَمَل
قلت قَوْلك فعل وَلَيْسَ بِعَمَل مَدْخُول فَإِن الْكَفّ فعل كَمَا هُوَ الْمُخْتَار وَهُوَ مُقَرر فِي أصُول الْفِقْه بِمَا لَا حَاجَة إِلَى الإطالة بِذكرِهِ وَأَنا دَائِما أستهجن مِمَّن يَدعِي التَّحْقِيق من الْعلمَاء إِعَادَة مَا ذكره الماضون إِذا لم يضم إِلَى الْإِعَادَة تنكيتا عَلَيْهِم أَو زِيَادَة قيد أهملوه أَو تَحْقِيق تَرَكُوهُ أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ مرام الْمُحَقِّقين وَمِمَّا أعتقد بِهِ(1/99)
عَظمَة الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه اللَّه أَن عَامَّة تصانيفه اللطاف فِي مسَائِل نادرة الْوُقُوع مولدة الاستخراج لم يسْبق فِيهَا للسابقين كَلَام وَإِن تكلم فِي آيَة أَو حَدِيث أَو مَسْأَلَة سبق إِلَى الْكَلَام فِيهَا اقْتصر عَلَى ذكر مَا عِنْده مِمَّا اسخرجته فكرته السليمة وَوَقعت عَلَيْهِ أَعماله القويمة غير جَامع كَلِمَات السَّابِقين كحاطب ليل يحب التشبع بِمَا لم يُعْط حَظه من التصانيف جمع كَلَام من مضى فَإِن ترقت رتبته وتعالت همته لخص ذَلِك الْكَلَام وَإِن ضم إِلَى التَّلْخِيص أدنى بحث أَو اسْتِدْرَاك فَذَاك عِنْد أهل الزَّمَان الحبر الْمُقدم والفارس المبجل وَعِنْدنَا أَنه منحاز عَن مَرَاتِب الْعلمَاء البزل والأذكياء المهرة إِنَّمَا الحبر من يملي عَلَيْهِ قلبه ودماغه وتبرز التحقيقات الَّتِي تشهد الْفطر السليمة بِأَنَّهَا فِي أقْصَى غايات النّظر مشحونة باستحضار مقالات الْعلمَاء مشارا فِيهَا إِلَى مَا يسْتَند الْكَلَام إِلَيْهِ من أَدِلَّة الْمَنْقُول والمعقول يرمز إِلَى ذَلِك رمز الفارغ مِنْهُ الَّذِي هُوَ عِنْده مُقَرر وَاضح لَا تفيده إِعَادَته إِلَّا السَّآمَة والملالة وَلَا يُعِيدهُ إِعَادَة الحاشد الْجَمَاعَة الولاج الْخراج الْمُحب أَن يحمد بِمَا لم يفعل
ولنعد إِلَى غرضنا فَأَقُول لقد وَقعت عَلَى ثَلَاثَة أَدِلَّة تدل عَلَى أَن الْكَفّ فعل لم أر أحدا عثر عَلَيْهَا
أَحدهَا قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} فَتَأَمّله وَتَقْرِيره أَن الاتخاذ افتعال من أَخذ أَو من وَخذ أَو من تخذ أَقْوَال ثَلَاثَة للتصريفيين أرجحها أَولهَا وَعَلِيهِ فَهَل أبدلت تَاء أَو واوا قَولَانِ
وَالْحَاصِل أَن الْأَخْذ التَّنَاوُل والمهجور الْمَتْرُوك فَصَارَ الْمَعْنى تناولوه متروكا أَي فعلوا تَركه وَهَذَا وَاضح عَلَى جعل اتخذ فِي الْآيَة مُتَعَدِّيا إِلَى اثْنَيْنِ ثَانِيهمَا مَهْجُورًا وَهُوَ الْوَاقِع فِيهَا وَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد لِئَلَّا يخْتل الْمَعْنى(1/100)
إِذْ يلْزم أَن يكون الْقَوْم اتَّخذُوا الْقُرْآن وَيكون مَهْجُورًا حَالا فَيلْزم أَنهم اتخذوه فِي حَال كَونه مَهْجُورًا فَهَذَا عكس الْمَعْنى فَإِنَّهُم اتَّخذُوا هجره وَلم يتخذوا إِقَامَته وَالْعَمَل بِهِ
أَو يُقَال بِعِبَارَة أُخْرَى وَمعنى آخر الاتخاذ التَّنَاوُل والتناول لَا يُصَادف المهجور لأَنهم إِذا تناولوه فقد خرج عَن كَونه مَهْجُورًا فَتعين كَون اتخذ هُنَا متعدية إِلَى اثْنَيْنِ وَهُوَ وَاضح مُتَعَيّن فِي هَذِهِ الْآيَة وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} لِأَن الْمَعْنى عَلَى أَنه اتخذ خلته وصيرها لَا أَنه اتخذ ذَاته فِي حَال خلته وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}
وَأَنا أَقُول فِي الْآيَة دليلان لمسألتين مَسْأَلَة من علم الْأُصُول وَهِي أَن التّرْك فعل كَمَا أوضحته لَك وَمَسْأَلَة من علم النَّحْو وَهُوَ الرَّد عَلَى الْفراء فِي دَعْوَاهُ أَن الثَّانِي من مفعولي ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا حَال لَا مفعول ثَان وَقد رد عَلَيْهِ النُّحَاة بِوُقُوعِهِ مضمرا نَحْو ظننتكه وَلَو كَانَ حَالا لم يجز ذَلِك لِأَن الْمُضْمرَات معارف وَالْأَحْوَال نكرات وَفِيمَا تَلَوت من الْآيَات الثَّلَاث رد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يلْزمه اختلال الْمَعْنى
وَالثَّانِي مَا أَخْبَرَتْنَا بِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَقْدِسِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَتْ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّيِّدِيِّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَتْنَا تَجْنِي الْوَهْبَانِيَّةُ سَمَاعًا عَلَيْهَا قَالَتْ أَخْبَرَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا هِلالٌ الْحَفَّارُ حَدثنَا(1/101)
عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّصْرِيُّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سَلامٍ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ بِلالٍ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَسَكَتُوا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ هُوَ حِفْظُ اللِّسَانِ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَالثَّالِث قَول قَائِل الْمُسلمين من الْأَنْصَار وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعْمل بِنَفسِهِ فِي بِنَاء مَسْجده من شعر
(لَئِن قعدنا وَالنَّبِيّ يعْمل ... لذاك منا الْعَمَل المضلل)
ثمَّ إِنَّا نقُول سلمنَا تنزلا أَن كل طَاعَة عِنْد السّلف إِيمَان كَمَا فهمتم من قَوْلهم وَعمل بالأركان وَلَكنَّا نقُول الْمَنْقُول عَن السّلف أَن الْإِيمَان اعْتِقَاد بالجنان وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل بالأركان وَلَكِن لم يَصح لنا أَنهم جعلُوا ذَلِك تعريفا للْإيمَان الصَّحِيح فَجَاز أَن يكون مُرَادهم الْإِيمَان الْكَامِل
وَلَا يبعد عِنْدِي أَمر ثَالِث وَهُوَ أَن ناقل هَذَا عَن السّلف لم يفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَأَن يكون السّلف إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الْإِسْلَام وَهُوَ صَحِيح وَبِه نطق قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني الْإِسْلَام عَلَى خمس الحَدِيث
فَإِن قلت وَهل يفرقون بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام
قلت أجل وَكَيف لَا وَالله تَعَالَى يَقُول {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} فَأَي نطق أصرح من هَذَا وَأي كَلَام أصدق مِنْهُ(1/102)
وَأي مجمحة أشنع من ناكب عَن صِرَاط هَذِهِ الْآيَة متحير فِي تَأْوِيلهَا عَلَى مُرَاده متسكع بهَا فِي حنادس الْفِكر وَلَا أَعنِي أَصْحَاب الحَدِيث فَأَنِّي سأوضح عدم الِاخْتِلَاف بَينهم وَبَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنى وَأَن الْخلاف بَينهم إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظ فَقَط وَإِنَّمَا أَعنِي قدريا قَالَ بِتَرَادُفِ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام توصلا إِلَى منزلَة بَين المنزلتين وَحكم بالخلود فِي النَّار عَلَى عَارِف بِاللَّه نَاطِق بِالشَّهَادَتَيْنِ محتجا بِأَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَأَن الْإِسْلَام هُوَ الْأَعْمَال الَّتِي مِنْهَا مَا فَقده صَاحب الْكَبِيرَة بِمَا ارْتكب وَإِن لم يشب اعْتِقَاده زيغ وَلَا مين
وَلَو أُوتِيَ هَذَا الْقَائِل رشده لتمم مُوَافَقَته لأَصْحَاب الحَدِيث أَو فرق بَين الْبَابَيْنِ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَجرى عَلَى ظَاهر الْقُرْآن وتأيد بعصام السّنة مطمئن الْجنان منشرح الجؤجؤ بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ وَرِضْوَانِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ غِيَاثُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْكَاتِبُ
ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَوِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَمَوِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَشْكُرِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا عَلَيْهِ إِلا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ يحيى ابْن يَعْمُرَ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالا حَجَجْنَا ثُمَّ اعْتَمَرْنَا(1/103)
فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَغْزُو هَذِهِ الأَرْضَ فَنَلْقَى أَقْوَامًا يَقُولُونَ لَا قَدَرَ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنَّا ثُمَّ قَالَ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ قَالَ فَقَالَ إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّكُمْ مِنْهُ بُرَآءُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّارَةِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَعَجِبْنَا مِنْ حُسْنِ وَجْهِهِ وَشَارَتِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ قَالَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ أَدْنُو يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَنَا ثُمَّ قَامَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ تَوْقِيرِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ فَخِذَهُ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رِجْلَهُ عَلَى رِجْلِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر والبعث بعد الْمَوْت والحساب بعد الْقدر كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتَ قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلامُ قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا لِتَصْدِيقِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا لِتَصْدِيقِهِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ تَصْدِيقِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ انْكَفَأَ رَاجِعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم على الرجل قَالَ فَطَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا جِبْرِيل جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلا عَرَفْتُهُ إِلا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ(1/104)
وأخبرناه أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَتْنَا حَرَمِيَّةُ بِنْتُ تَمَّامٍ حُضُورًا قَالَتْ أخبرنَا عربشاه بن أَحْمد إجَازَة أخبرنَا عبد الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَّانَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الْبَجَلِيُّ حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد عَن عُثْمَان بن غياث حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالا لَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنَا لَهُ الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ قَالَ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ فَقُولُوا لَهُمْ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْكُمْ بَرِيءٌ وَأَنْتُمْ مِنْهُ بُرَآءُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا مَا نَعْرِفُ هَذَا وَلا هَذَا بِصَاحِبِ سَفَرٍ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ آتِيكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَجَاءَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ فَقَالَ مَا الإِسْلامُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْتَ قَالَ فَمَا الإِيمَانُ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ قَالَ فَمَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْمَلَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يراك(1/105)
قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ فَمَا أَشْرَاطُهَا قَالَ إِذَا الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ الْعَالَةُ رُعَاءُ الشَّاءِ تَطَاوَلُوا فِي الْبُنْيَانِ وَوَلَدَتِ الإِمَاءُ أَرْبَابَهُنَّ ثُمَّ قَالَ عَلِيَّ بِالرَّجُلِ فَطَلَبُوهُ فَلْم يَرَوْا شَيْئًا ثُمَّ لبث يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ قَالَ يَا ابْن الْخَطَّابِ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ عَنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذَاكَ جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ
قَالَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فيمَ نعمل أَو فِي شَيْءٍ قَدْ خَلا أَوْ مَضَى أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ الآنَ قَالَ فِي شَيْءٍ قَدْ خَلا أَوْ مَضَى فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهل الْجنَّة وَإِن أهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار
وَأخْبرنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارِ بْنِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الفوارس الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ بِقُبَّةِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ زَادَ الْجَزَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الدِّمَشْقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي الْمَقْدِسِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّيُّ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بن يعمر قَالَ كَانَ أول من قَالَ فِي هَذَا الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ أَتَيْنَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ فِي الْقَدَرِ فَوَافْقَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنا وصاحبي أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت(1/106)
يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قَبْلَنَا أُنَاسٌ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أَنِفَ قَالَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لأَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ ثمَّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنَّا حَتَّى جَلَسَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخِذَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ وَمَا الإِسْلامُ قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ ويصدقه قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ قُلْتُ الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ
هَذَا الحَدِيث من أعلا الأَحَادِيثِ فِي دَرَجَاتِ الصِّحَّةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ وَكِيعٍ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ كِلاهُمَا عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ وَأَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبدة الضَّبِّيّ ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد(1/107)
ابْن زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ ثَلاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بِهِ
وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ بِهِ وَعَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ بِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ كَهْمَسِ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَابْن مَاجَه عَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّد عَن كهمس بْن الْحَسَن عَن ابْن بُرَيْدَة بِهِ
وَقد رَوَى من غير وَجه وروى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أسندناه أَولا وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر عَن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ورَوَاهُ عَن عمر النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بْن شُمَيْل عَن كهمس بِهِ
وَابْن مَاجَه عَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ(1/108)
وَرُبمَا اخْتلفت الْأَلْفَاظ اخْتِلَافا لَا يُقيم لَهُ الْمُحدث وزنا وَيَرَاهُ الْفَقِيه النحرير أمرا إربا
فَلفظ مُسلم أَن يَحْيَى بْن يعمر قَالَ كَانَ أول من قَالَ فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبد الْجُهَنِيّ فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَو معتمرين فَقُلْنَا لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر فوفق لنا عَبْد اللَّه بْن عمر بْن الْخطاب دَاخِلا الْمَسْجِد فاكتنفته أَنا وصاحبي أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قبلنَا نَاس يقرأون الْقُرْآن ويتقفرون الْعلم وَذكر من شَأْنهمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعمُونَ أَن لَا قدر وَأَن الْأَمر أنف فَقَالَ إِذا لقِيت أُولَئِكَ فَأخْبرهُم أَنِّي بَرِيء مِنْهُم وَأَنَّهُمْ بُرَآء مني وَالَّذِي يحلف بِهِ عبد الله بن عمر لَو أَن لأَحَدهم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا قبل اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ
ثمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عمر بْن الْخطاب قَالَ بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه عَلَى فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت ان اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صدقت فعجبنا لَهُ يسْأَله ويصدقه قَالَ(1/109)
فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ صدقت فَأَخْبرنِي عَن الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أمارتها قَالَ أَن تَلد الْأمة ربتها وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء يتطاولون فِي الْبُنيان قَالَ ثمَّ انْطلق فَلبث مَلِيًّا ثمَّ قَالَ يَا عمر أَتَدْرِي من السَّائِل قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ نَحوه غير أَن فِيهِ تَقْدِيمًا وتأخيرا وَفِيه قَالَ عمر فلقيني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ثَلَاث
وَلَفظ أَبِي دَاوُد نَحوه وَفِيه فَلَبثت ثَلَاثًا وَفِي لفظ آخر لَهُ قَالَ فَمَا الْإِسْلَام قَالَ إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم شهر رَمَضَان والاغتسال من الْجَنَابَة
وَفِي لفظ ثَالِث لَهُ زِيَادَة وَسَأَلَهُ رجل من مزينة أَو جُهَيْنَة فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ فيمَ نعمل فِي شَيْء خلا وَمضى أَو شَيْء يسْتَأْنف الْآن قَالَ فِي شَيْء خلا وَمضى فَقَالَ الرجل أَو بعض الْقَوْم فَفِيمَ الْعَمَل قَالَ إِن أهل الْجنَّة ميسرون لعمل أهل الْجنَّة وَإِن أهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار
وَلَفظ النَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم إِلَّا أَنه أسقط حَدِيث يَحْيَى بْن يعمر وَذكر معبد وَمَا جرى لَهُ مَعَ ابْن عمر فِي ذكر الْقدر إِلَى قَوْله حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ وَأول حَدِيثه(1/110)
قَالَ ابْن عمر فحَدَّثَنِي أَبِي وسرد الحَدِيث إِلَى قَوْله الْبُنيان وَفِيه قَالَ عمر فَلَبثت ثَلَاثًا وَزَاد هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد بعد العراة العالة وَزَاد التِّرْمِذِيّ بعد تعلمكم لفظ المعالم فَصَارَ هَكَذَا يعلمكم المعالم ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
وَكَذَا جَاءَ فِي لفظ رِوَايَة ابْن مَاجَه ذَاك جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم معالم دينكُمْ
وَأما البُخَارِيّ رَحمَه اللَّه فَلم يخرج هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه وَلَكِن خرجه هُوَ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضًا من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي ذَر قَالا كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بارزا للنَّاس إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتابه ولقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ الآخر قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِسْلَام قَالَ الْإِسْلَام أَن تعبد اللَّه وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان قَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإنَّك إِن لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَتى السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن سأحدثك أشراطها إِذا ولدت الْأمة رَبهَا فَذَاك من أشراطها وَإِذا كَانَت الحفاة العراة رُؤُوس النَّاس فَذَاك من أشراطها وَإِذا تطاول رعاء البهم(1/111)
فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها فِي خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا اللَّه ثمَّ تَلا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام} إِلَى قَوْله {إِن الله عليم خَبِير} قَالَ ثمَّ أدبر الرجل فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردوا عَلِيّ الرجل فَأخذُوا ليردوه فَلم يرَوا شَيْئا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا جِبْرِيل جَاءَ ليعلم النَّاس دينهم
هَذَا لفظ عِنْد البُخَارِيّ
وَفِي لفظ آخر أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سلوني فهابوه أَن يسألوه فجَاء رجل فَجَلَسَ عِنْد رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِسْلَام وَذكر نَحوه وَزَاد قَوْله فِي آخر كل جَوَاب عَن سُؤَاله صدقت وَقَالَ فِي الْإِحْسَان أَن تخشى اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ وَقد أسندناه نَحن من طَرِيق ابْن عمر وَقَالَ فِيهِ إِذا رَأَيْت الحفاة العراة الصم الْبكم مُلُوك الأَرْض فَذَاك من أشراطها وَفِي آخِره هَذَا جِبْرِيل أَرَادَ أَن تعلمُوا إِذا لم تسألوا
هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا عَن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحده وَفِي الفاظ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بعض زِيَادَة وَنقص
فَفِي لفظ لأبي دَاوُد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي ذَر جَمِيعًا أَنه سلم من طرف السماط فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد وَفِي أَوله أَنهم طلبُوا من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَجْعَل لَهُ مَجْلِسا يعرفهُ الْغَرِيب إِذا أَتَاهُ قَالَ فبنينا لَهُ دكانا من طين يجلس عَلَيْهِ وَكُنَّا نجلس بجنبيه
وَفِي لفظ النَّسَائِيّ مثل ذَلِك وَقَالَ فِي سُؤال السَّاعَة فَنَكس فَلم يجب شَيْئا(1/112)
ثمَّ عَاد فَلم يجبهُ ثمَّ عَاد فَلم يجبهُ شَيْئا ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل إِلَى أَن قَالَ لَا وَالَّذِي بعث مُحَمَّدا بِالْحَقِّ هاديا وبشيرا مَا كنت بِأَعْلَم بِهِ من رجل مِنْكُم وَإنَّهُ لجبريل نزل فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ
وَأخرجه أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي لَفظه زيادات حَسَنَة مفيدة فلنورده
قَالَ إِن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّه كَانَ عِنْد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رجل عَلَيْهِ ثَوْبَان أبيضان مقوم حسن النَّحْر والناحية فَقَالَ أدنو مِنْك يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ ادن ثمَّ قَالَ أدنو مِنْك يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ ادن فَلم يزل يدنو حَتَّى كَانَت ركبته عِنْد ركبة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ قَالَ أَسأَلك قَالَ سل قَالَ أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم رَمَضَان قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا مُسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ لَهُ الرجل صدقت فَجعلنَا نعجب من قَوْله لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقت كَأَنَّهُ أعلم مِنْهُ ثمَّ قَالَ أَخْبرنِي عَن الْإِيمَان مَا الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا مُؤمن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ صدقت فَجعلنَا نعجب من قَوْله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقت ثمَّ قَالَ أَخْبرنِي مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تخشى اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ صدقت(1/113)
قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل هن خمس لَا يعملهن إِلَّا اللَّه {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَينزل الْغَيْث} الْآيَة فَقَالَ الرجل صدقت
وَفِي هَذَا اللَّفْظ من الْفَوَائِد الرَّد عَلَى من حرف الْكَلم عَن موَاضعه ووقف عَلَى قَوْله فِي الرِّوَايَات السَّابِقَة فَإِن لم تكن مُشِيرا إِلَى أَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ بذلك إِلَى مقَام الفناء قَائِلا إِن كَانَ هُنَا تَامَّة وَالْمعْنَى أَنَّك إِذا فنيت عَن نَفسك فَلم تَرَهَا شَيْئا شاهدت اللَّه تَعَالَى فَإِن النَّفس ورؤيتها حجاب دون الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَمن نحى الْحجاب شَاهد الجناب كَمَا قَالَ بعض الْمَشَايِخ رَأَيْت رب الْعِزَّة فِي النّوم فَقلت رب كَيفَ الطَّرِيق إِلَيْك فَقَالَ خل نَفسك وتعال
هَذَا كَلَام من أَشَرنَا إِلَى أَنه حرف الْكَلم عَن موَاضعه ولسنا ننكر مقَام الفناء وَلَا حق أَهله وَإِنَّمَا يُنكر عَلَى هَذَا الْقَائِل تحريفه لفظ الحَدِيث وَسُوء فهمه فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَمَا زعم لجزم لفظ ترَاهُ عَلَى أَنه جَوَاب الشَّرْط فَإِن تَقْدِير فَإِن لم تكن عِنْده فَإِن فنيت وَبِذَلِك تمّ الشَّرْط وَصَارَ الْجَواب ترَاهُ وَجَوَاب الشَّرْط مجزوم
فَإِن قَالَ إِن حرف الْعلَّة قد ثَبت ونقدر الْجَزْم فِيهِ عَلَى حد وَلَا ترضاها من قَول الراجز
(إِذا الْعَجُوز غضِبت فَطلق ... وَلَا ترضاها وَلَا تلمق)
فَالْجَوَاب أَن ذَلِك إِنَّمَا يجوز فِي الضَّرُورَة ثمَّ تضيع قَوْله فَإِنَّهُ يراك وَلَا يصير بَينه وَبَين مَا قبله ارتباط وَالصَّوَاب أَن فَإِنَّهُ يراك جَوَاب الشَّرْط لَا يمتري فِي ذَلِك ذُو فهم(1/114)
وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي أخرجه الطَّيَالِسِيّ صَرِيح فِي المُرَاد حَيْثُ قَالَ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَمَا أخوفني مِمَّن سَاءَ فهمه أَن يقف عَلَى لَا وَيَقُول الْمَعْنى فَإِن كنت عدما ترَاهُ كَمَا صنع فِي الأول وَلَيْسَ إِلَى صَلَاح من هَذَا مبلغ فهمه سَبِيل وَلكنه إِذا انْتهى إِلَى هُنَا وَسلمنَا لَهُ تنزلا مَا تصَوره فطريق الرَّد عَلَيْهِ أَن نلجئه إِلَى مَا لَا قبل لَهُ بِهِ فَنَقُول عَلَى هَذَا التَّقْدِير حَدِيث فَإِن لم تكن معَارض بِحَدِيث فَإِن كنت لَا لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ ثمَّ عدم كَونه وَهنا كَون عَدمه وَفرق هائل بَين عدم الْكَوْن وَكَون الْعَدَم لسنا لتحقيقه الْآن
وليت شعري أَي دَاع دَعَا هَذَا الرجل إِلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي لَا يساعده عَلَيْهِ لِسَان عَرَبِيّ وَلَا فكر صَحِيح ومقام الفناء لَهُ طرق كافلة بتقريره قاضية بِأَنَّهُ حق وَإِن كَانَ غَيره أعلا مِنْهُ
وَقد أخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه هَذَا الحَدِيث من حَدِيث عمر أَيْضًا من طَرِيق مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن يَحْيَى بْن يعمر وَفِيه فِي الْإِسْلَام وتغتسل من الْجَنَابَة وتتم الْوضُوء وَفِي آخِره فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بِالرجلِ فطلبناه فَلم نقدر عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ من هَذَا هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ فَخُذُوا عَنهُ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا شبه عَلِيّ مذ أَتَانِي قبل مرتي هَذِهِ وَمَا عَرفته حَتَّى ولى
قَالَ أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا إِسْنَاد ثَابت صَحِيح أخرجه مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد
قلت مُرَاده أَن مُسلما أخرج أصل الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَأما بِهَذَا الْمَتْن فَلَا وهون أَمر الْمَتْن لما قَدمته لَك من أَن الْمُحدث لَا يعظم الْخطب عِنْده فِي الِاخْتِلَاف عَلَى هَذَا الْوَجْه وَإِن كَانَ رُبمَا رَآهُ عِلّة وَلَكِن الْعلَّة هُنَا منتفية لِأَن الحَدِيث بِاتِّفَاق الجهابذة الفحول ثَابت(1/115)
وَقد رَأَيْت من خرجه من الْحفاظ وَكلهمْ لَا يذكرُونَ ابْن عمر إِلَّا رَاوِيا عَن أَبِيه وعَرّفْنَاك أَنه رَوَى عَن ابْن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر أَبَاهُ وَقُلْنَا لَك إِن الصَّوَاب الصَّحِيح توَسط ذكر أَبِيه وَأرى من أسْقطه وهم من حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس فَإِن ذَاك من حَدِيث ابْن عمر نَفسه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بعض هَذَا الحَدِيث
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَأَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو التقي الأشنوي مُجَاوِرُ تُرْبَةِ الإِمَامِ الْمُطَّلِبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجُوزِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَعْدَهَا زَايٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ حَمَّادٍ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُنَا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ أَعْرَابِيٍّ كَأَنَّهُ مُسَافِرٌ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَدَنَا رَتْوَةً أَوْ رَتْوَتَيْنِ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَا الإِيمَانُ قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ قَالَ صدقت فتعجبنا من قَوْله صدقت كَأَنَّهُ قد عَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَمَا الإِسْلامُ قَالَ إِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ صَدَقْتَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِم ذَلِكَ(1/116)
قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ مَا هُوَ قَالَ أَنْ تَعْمَلَ للَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ صَدَقْتَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ وَنَحْنُ نَرَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فثرنا فِي أَثَرِهِ فَمَا حَسَسْنَا لَهُ أَثَرًا وَمَا رَأَيْنَا شَيْئًا فَأَعْلَمَنَا ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاكُمْ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ قَطُّ إِلا وَأَنَا أَعْرِفُهُ بِهَا قَبْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ
وَهَذَا حَدِيث عَظِيم أصل من أصُول الدّين وَعندي أَن مدَار الدّين عَلَيْهِ وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمكم دينكُمْ
وعلوم الشَّرِيعَة فِي الْحَقِيقَة ثَلَاثَة الْفِقْه وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِسْلَامِ وأصول الدّين وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِيمَان والتصوف وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِحْسَانِ وَمَا عدا هَذِهِ الْعُلُوم إِمَّا رَاجع إِلَيْهَا وَإِمَّا خَارج عَن الشَّرِيعَة
فَإِن قلت عُلَمَاء الشَّرْع أَصْحَاب التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث فَمَا بالك أهملت التَّفْسِير والْحَدِيث وَذكرت بدلهما الْأُصُول والتصوف وَقد نَص الْفُقَهَاء عَلَى خُرُوج الْمُتَكَلّم من سمة الْعلمَاء
قلت أما خُرُوج الْمُتَكَلّم من اسْم الْعلمَاء فقد أنكرهُ الشَّيْخ الإِمَام فِي شرح الْمِنْهَاج وَقَالَ الصَّوَاب دُخُوله إِذا كَانَ متكلما عَلَى قوانين الشَّرْع وَدخُول الصُّوفِي إِذا كَانَ كَذَلِك وَهَذَا هُوَ الرَّأْي السديد عندنَا وَمَا أَنا لم نعد أَصْحَاب التَّفْسِير والْحَدِيث فَمَا ذَلِك إخراجا لَهُم معَاذ اللَّه بل نقُول التَّفْسِير والْحَدِيث مدَار أصُول الدّين وفروعه وهما داخلان فِي العلمين فَافْهَم مَا نلقي إِلَيْك(1/117)
وَأَنا عَلَى ثِقَة بِأَنِّي لَو أمليت عَلَى هَذَا الحَدِيث الْعَظِيم الْخطب الْجَلِيل الْموقع مَا يسمح بِهِ فكري من الاستنباط وَيَقَع عَلَيْهِ نَظَرِي من كَلَام السَّابِقين لوصلت بِهِ إِلَى سفر كَامِل وَلم أكن خَارِجا عَن طوره وَلَا متكثرا بِغَيْرِهِ فَالْوَجْه إرخاء عنان الْكَلَام عَلَيْهِ وَالْعود إِلَى مَا نَحن بصدده
فَنَقُول الحَدِيث وَإِن اخْتلفت طرقه وتباينت أَلْفَاظه فَلَا نَخْتَلِف فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر فِيهِ الْإِيمَان بِخِلَاف مَا فسر بِهِ الْإِسْلَام وَقَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه أَي تصدق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِن لنا} أَي بمصدق
فَإِن عارضتني بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنِّي قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عِيسَى بْنِ سُكَيْنٍ الْبَلَدِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْخِلاطِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيمِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا رُكْنُ الإِسْلامِ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الْمُحَرَّمِ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة بِدَارِهِ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ(1/118)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانٌ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الصَّلْتِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَبُو الصَّلْت لَو قرىء هَذَا الإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ لَبَرَأَ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُذَكِّرُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْفَقِيهُ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْقِلٍ الْقِرْمِيسِينِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ أَبِي وَعِنْدَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ فَقَالَ أَبِي لِيُحَدِّثْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ فَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا وَكَانَ وَاللَّهِ رِضًا كَمَا سُمِّيَ عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/119)
الإِيمَانٌ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا هَذَا الإِسْنَادُ فَقَالَ لَهُ أَبِي هَذَا سَعُوطُ الْمَجَانِينِ إِذَا سُعِطَ بِهِ الْمُجْنُونُ بَرَأَ
فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى أَبِي الصَّلْت وَهُوَ وَإِن كَانَ مَوْصُوفا بِكَثْرَة الْعِبَادَة غير مُحْتَج بِهِ عِنْد الْمُحدثين ومتهم بِهَذَا الحَدِيث بِخُصُوصِهِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَافِضِي خَبِيث مُتَّهم بِوَضْع حَدِيث الْإِيمَان إِقْرَار بالْقَوْل
وَقَالَ الْعقيلِيّ رَافِضِي خَبِيث
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لم يكن عِنْدِي بصدوق
وَقَالَ ابْن عدي مُتَّهم
وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة
وَمَعَ هَذَا الْجرْح لَا يعْتَبر قَول عَبَّاس الدوري إِن يَحْيَى كَانَ يوثقه وَلَا قَول ابْن مُحرز إِنَّه لَيْسَ مِمَّن يكذب
فَإِن قلت قد تَابعه الْهَيْثَم بْن عَبْد اللَّه وَدَاوُد بْن سُلَيْمَان الْقزْوِينِي وَعلي بْن الْأَزْهَر السَّرخسِيّ فَرَوَوْه عَن عَلِيّ بْن مُوسَى ورَوَاهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ الْعَدوي عَن مُحَمَّد بْن صَدَقَة ومُحَمَّد بْن تَمِيم عَن مُوسَى بْن جَعْفَر وَالِد عَلِيّ فيتقوى حَدِيث عَبْد السَّلَام بِهَذِهِ الْمُتَابَعَة
قلت الْهَيْثَم بْن عَبْد اللَّه مَجْهُول وَدَاوُد بْن سُلَيْمَان هُوَ الْجِرْجَانِيّ الْغَازِي لَهُ نُسْخَة مَوْضُوعَة عَن الرِّضَا كذبه يَحْيَى بْن معِين وَغَيره وَعلي بْن الْأَزْهَر ومُحَمَّد بْن صَدَقَة ومُحَمَّد بْن تَمِيم مَجَاهِيل والْحَسَن بْن عَلِيّ بْن الْعَدوي هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن صَالح أَبُو سَعِيد الْبَصْرِيّ الملقب بالذئب
قَالَ ابْن عدي يضع الحَدِيث
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك(1/120)
وَقَالَ ابْن حبَان لَعَلَّه حدث عَن الثِّقَات بأَشْيَاء مَوْضُوعَات مَا يزِيد عَلَى ألف حَدِيث
وَبِالْجُمْلَةِ لَا يفْسد هَذَا الحَدِيث من وَجه يَصح
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه معَارض بِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام عَلانِيَةٌ وَالإِيمَانٌ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدره التَّقْوَى هَاهُنَا التَّقْوَى هَاهُنَا
قُلْتُ وَهَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ أَقْرَبُ إِلَى الصِّحَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الصَّلْتِ
وَعَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ
وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ
وَرَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُمْ
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ
قُلْتُ الأَرْجَحُ تَوْثِيقُهُ وَحَدِيثُهُ هَذَا أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الصَّلْتِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْحَدِيثِ
وَمن مقوياته مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشحطبيُّ جَارُنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(1/121)
التَّمِيمِيُّ الْكَتَّانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ زَبَّانَ الْكِنْدِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ شَيْخًا بِبَيْرُوتَ يُكَنَّى أَبَا عَامِرٍ أَظُنُّهُ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ حَرْمَلَةُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْإِيمَان هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه والنفاق هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى قَلْبِهِ وَلا أَذْكُرُ اللَّهَ إِلا قَلِيلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَارْزُقْهُ حُبِّي وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّنِي وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَكُنْتُ رَأْسًا فِيهِمْ أَفَلا آتِيكَ بِهِمْ فَقَالَ مَنْ أَتَانَا اسْتَغْفَرْنَا لَهُ وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى ذَنْبِهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِ وَلا تَخْرِقَنَّ عَلَى أَحَدٍ سِتْرًا
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيث دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ مَحَلَّ الإِيمَانِ الْقَلْبُ وَأَنَّ اللِّسَانَ وَحْدَهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِذَلِكَ شَكَى هَذَا الرَّجُلُ الْمُسَمَّى حَرْمَلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الإِيمَانَ الْوَاقِعَ لَهُ كَانَ عَلَى لِسَانِهِ
وَالْوَجْه الثَّالِث تَأْوِيل حَدِيث أَبِي الصَّلْت بِالْمَعْنَى الَّذِي قدمْنَاهُ فِي كَلَام السّلف جمعا بَينه وَبَين مَا يدل عَلَى مُقَابِله
فَإِن قلت فَمَاذَا تصنع فِي حَدِيث وَفد عَبْد الْقَيْس
وَذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَاهُ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَالِسِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ خَلَفٍ حُضُورًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أبي البركات مَحْفُوظ(1/122)
ابْن الْحَسَنِ بْنِ صَصَرَى أَخْبَرَنَا يَاقُوتُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ الْخَطِيبُ
ح وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ الله أَيْضا قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا سمع أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّحْبِيُّ وَأَبُو الْخَيْرِ الصُّوفِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عَبْدِ الدايم
ح وَأخْبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي لأَبِي أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالا أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ(1/123)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَوَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرُ خَزَايَا وَلا نَدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ
أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ
وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرُ وَقَالَ احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهن من وراءكم
هَذَا لفظ صَحِيح الْبُخَارِيِّ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِلَفْظٍ يُقَارِبُ هَذَا(1/124)
قلت إِمَّا أَن يحمل الْإِيمَان فِي لفظ هَذَا الحَدِيث عَلَى الْإِيمَان الْكَامِل جمعا بَين الْحَدِيثين أَو يُقَال قَوْله وإقام الصَّلَاة مَعْطُوف عَلَى قَوْله فَأَمرهمْ وَهُوَ من حِكَايَة ابْن عَبَّاس لَا عَلَى تَفْصِيل الْإِيمَان
وَالْمعْنَى وَالْعلم عِنْد اللَّهِ أَمرهم بِالْإِيمَان وَفَسرهُ لَهُم بِالشَّهَادَتَيْنِ وَذَلِكَ تَمام الْإِيمَان وَهُوَ أحد الْأَرْبَع الْمَأْمُور بهَا وَلذَلِك أَن خلف بْن هِشَام شيخ مُسلم زَاد فِي رِوَايَته شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَعقد وَاحِدَة فَدلَّ عَلَى أَن الْأَرْبَع المعدودة وَهِي الشهادتان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْخمس مَأْمُور بهَا لَا نقُول إِنَّهَا أَجزَاء الْإِيمَان وَالْإِيمَان هُوَ الشهادتان فَقَط
وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَنه لم يذكر الْحَج فِي شَيْء من رِوَايَات الحَدِيث
ورَوَاهُ عباد بْن عباد عَن أَبِي جَمْرَة وَلم يذكر الصَّوْم وَكَذَلِكَ سُلَيْمَان بْن حَرْب وحجاج بْن منهال كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بْن زيد عَن أَبِي جَمْرَة نصر بْن عمرَان الضبعِي وَلم يذكر الصَّوْم
واتفقت الرِّوَايَات عَلَى ذكر خمس الْمغنم وَهُوَ غير مَذْكُور فِي حَدِيث أَرْكَان الْإِسْلَام لَا فِي حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس وَلَا فِي حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وعَلى هَذَا يكون إقَام الصَّلَاة مجرورا بِحرف الْعَطف عَلَى قَول ابْن عَبَّاس أَمرهم بِالْإِيمَان أَي أَمرهم بِالْإِيمَان وَفَسرهُ بِكَذَا وَأمرهمْ بِكَذَا وَكَذَا إِلَى وَأَن يُعْطوا الْخمس ويعطوا بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَة لَكِن فِي لفظ لمُسلم آمركُم بِأَرْبَع وأنهاكم عَن أَربع ثمَّ فَسرهَا لَهُم فَقَالَ إِلَى أَن قَالَ وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الصّيام وَهَذَا يُوجب التَّوَقُّف فِيمَا نحاوله(1/125)
وَالْإِيمَان بِاللَّه يجوز فِيهِ الرّفْع والجر وإقام الصَّلَاة تبع لَهُ فِي الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَيْهِ وَمن تَمام مَا نحاوله أَن قَوْله آمركُم أَو آمُرهُم بِأَرْبَع يَقْتَضِي كَونهَا مُتَغَايِرَة فَلَو كَانَ إقَام الصَّلَاة وَمَا بعده دَاخِلا فِي مُسَمّى الْإِيمَان لَكَانَ الْمَأْمُور بِهِ وَاحِدًا لَا أَرْبعا فَافْهَم ذَلِك
وَهَذَا الْمَكَان مِمَّا أستخير اللَّه تَعَالَى فِيهِ فَإِن أَلْفَاظ الحَدِيث مُخْتَلفَة والإقدام عَلَى تَأْوِيل أَلْفَاظ النُّبُوَّة من غير برهَان ظَاهر صَعب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَقد وجدت بعد مَا سطرت هُنَا مَا كتب الْوَالِد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تكلم عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة وَقَالَ اخْتلف الْعلمَاء رَحِمهم اللَّه فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم هَل هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْإِيمَان الْمَذْكُور فِي الحَدِيث بعد قَوْله آمركُم بِأَرْبَع أَو عَلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الَّتِي هِيَ من خِصَال الْإِيمَان قَالَ وَالصَّحِيح الثَّانِي وَهُوَ مَا فهمه البُخَارِيّ ثمَّ قَالَ وَقد يُقَال فِي تَفْسِير الْإِيمَان بِمَا ذكر بعده وَهُوَ الشهادتان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَإِعْطَاء الْخمس إِن عطف الْخمس عَلَى الْإِيمَان خَالف مَا فهمه البُخَارِيّ وَإِن عطف عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم كَانَ الْمَأْمُور بِهِ خمْسا أَو سِتا وَهُوَ قد قَالَ آمركُم بِأَرْبَع وَالْإِيمَان لَا بُد أَن يكون من جُمْلَتهَا لِأَنَّهُ أول مَا بَدَأَ بِهِ فِي بَيَان الْأَرْبَع
ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ فهم أَن المُرَاد أَن الْإِيمَان قَول وَهُوَ الشهادتان وَعمل وَهُوَ الْأَرْبَع الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَأَدَاء الْخمس وإبدال الْإِيمَان وَمَا بعده من الْأَرْبَع بدل كل من كل وَأَن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الأَصْل والعمود لم يحْسب من الْأَرْبَع وَأَن الْأَرْبَع هِيَ خصاله الْمَقْصُودَة بِالْأَمر وَأطَال فِي هَذَا
قُلْتُ وَهُوَ حسن لَوْلَا مُعَارضَة مَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه عقد عَلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاحِدَة
فَإِن قلت فَهَل الْإِيمَان وَالْإِسْلَام متلازمان وَهل بَينهمَا عُمُوم وخصوص(1/126)
قلت الَّذِي دلّ عَلَيْهِ كَلَام الْمُحَقِّقين من هَذِهِ الطَّائِفَة أَن الْإِيمَان التَّصْدِيق الْخَاص وَالْإِسْلَام فِي اللُّغَة الانقياد يُقَال أسلم إِذا دخل فِي السّلم وَفِي الشَّرْع الانقياد الْخَاص وَهُوَ فعل الطَّاعَات وَهَذَا الانقياد الْخَاص نتيجة الْإِيمَان فَمَتَى صدق انْقَادَ ثمَّ إِن الانقياد بِالْقَلْبِ والنطق والأعمال أَعمال الْجَوَارِح والانقياد بِالْقَلْبِ لَازم الْإِيمَان والنطق شَرط فِي صِحَة الْإِيمَان أَو ركن والأعمال الْأُخَر لَيست بِشَرْط وَلَا ركن فِي صِحَة أصل الْإِيمَان وَلكنهَا من جملَة الْإِسْلَام
فحاصله أَن الشَّارِع شَرط فِي اعْتِبَار الْإِيمَان بعض الْإِسْلَام وَشرط فِي اعْتِبَار كل إِسْلَام الْإِيمَان فَلَا يَصح شَيْء من الْإِسْلَام إِلَّا مَعَ الْإِيمَان وَلَا يعْتد بِالْإِيمَان إِلَّا إِذا انْقَادَ ونطق بِالشَّهَادَتَيْنِ وكف عَمَّا يُوقع فِي الْكفْر من الْأَفْعَال وَغَيرهَا
فَمن صدق بِقَلْبِه وَلم يفعل ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَهُوَ غير مُؤمن إِيمَانًا مُعْتَبرا وَهل يُطلق عَلَيْهِ أَنه مُؤمن بِالْحَقِيقَةِ
يشبه أَن يتَخَرَّج عَلَى الْخلاف فِي أَن اللَّفْظ الشَّرْعِيّ هَل مَوْضُوع للصحيح فَقَط أَو لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد
وَكَذَلِكَ من انْقَادَ ظَاهرا فَهُوَ مُسلم لُغَة لحُصُول مُطلق الانقياد لَهُ وَهل يكون مُسلما حَقِيقَة شَرْعِيَّة
يشبه تخرجه عَلَى الْخلاف وَيكون المُنَافِقُونَ مُسلمين حَقِيقَة إسلاما لَا يَنْفَعهُمْ فَيصح إِطْلَاق الْإِسْلَام عَلَيْهِم وَلكنه إِسْلَام غير مُعْتَبر لفقدان شَرطه وَهُوَ الْإِيمَان وَرُبمَا نفعهم فِي الدُّنْيَا فِي الْكَفّ عَن قَتلهمْ
وَمن آمن بِقَلْبِه وَلم ينْطق بِلِسَانِهِ فقد قُلْنَا إِن إيمَانه غير مُعْتَبر وَأَنه مُؤمن لُغَة لوجدان التَّصْدِيق وَهل هُوَ مُؤمن شرعا
يتَخَرَّج عَلَى الْخلاف فِي الِاسْم الشَّرْعِيّ هَل هُوَ مَوْضُوع للصحيح فَقَط أَو للأعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَهل هَذَا اخْتِلَاف فِي التَّسْمِيَة لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض وَهل يكون مُسلما(1/127)
كَانَ أَبِي رَحمَه اللَّه يتَرَدَّد فِيهِ وَيَقُول يحْتَمل أَن يُقَال لَا لِأَن الانقياد إِنَّمَا هُوَ بِالظَّاهِرِ وَيحْتَمل أَن يُقَال نعم لِأَن التَّصْدِيق نوع من الانقياد وَالْأَمر فِي هَذَا سهل
بَقِي علينا أَن من لم ينْطق بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَة قد نقلوا الْإِجْمَاع عَلَى أَنه غير مُؤمن إِيمَانًا مُعْتَبرا وَقُلْنَا إِن هَذَا الْإِجْمَاع يخصص حَدِيث من علم أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دخل الْجنَّة
وَيظْهر أَن يتوسط فِيمَن اعْتقد وَلم ينْطق مَعَ الْقُدْرَة إِن كَانَ قد ترك النُّطْق قصدا أَو عرض عَلَيْهِ أَن ينْطق فَأبى فَالْأَمْر كَذَلِك وَإِن كَانَ وَقع لَهُ ترك النُّطْق اتِّفَاقًا وَعلم اللَّه تَعَالَى مِنْهُ أَنه لَو عرض عَلَيْهِ لبادر إِلَيْهِ فَهَذَا فِي جعله كَافِرًا نظر فَإِن كَانَ مَحل الْإِجْمَاع الْقسم الأول حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة عَلَى من علم ونطق أَو كَانَ تَركه النُّطْق اتِّفَاقًا لَا قصدا وَهُوَ أولى من التَّأْوِيل السَّابِق وَإِن وَقع الْإِجْمَاع فِي الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ قَاطع لَا يصادم فَلَا وَجه حِينَئِذٍ إِلَّا تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ أَو غير ذَلِك لما سبق
فَإِن قلت لَو كَانَ الْإِيمَان التَّصْدِيق لوَجَبَ الحكم بِأَن من يقتل نَبيا أَو يستخف بِهِ أَو يسْجد لوثن أَو يكف عَن النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَو قَاصِدا معروضتين عَلَيْهِ أَو يلقِي الْمُصحف فِي القاذورات يكون مُؤمنا لِأَن هَذِهِ الْأَفْعَال لَا تضَاد عقائد الْقُلُوب وَمَا هُوَ مُودع فِيهَا من معرفَة علام الغيوب
قلت الْجَواب من وَجْهَيْن
أَحدهمَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَحَاصِله أَنا لسنا ننكر فِي قَضِيَّة الْعقل مجامعة هَذِهِ الْفَوَاحِش للمعرفة عَلَى مَا قُلْتُمْ فَإِن أَفعَال الْجَوَارِح لَا تنَاقض عقد الْقُلُوب وَلَكِن أجمع الْمُسلمُونَ عَلَى أَن من بدر مِنْهُ شَيْء مِمَّا وصفتم فَهُوَ كَافِر فَعلمنَا بِهَذَا الْإِجْمَاع أَن اللَّه تَعَالَى لَا يقْضِي عَلَى أحد بِشَيْء مِمَّا وصفتم إِلَّا وَقد نزع الْمعرفَة مِنْهُ(1/128)
وَالثَّانِي مَا أقرره قَائِلا لَو فَرضنَا بَقَاء الْمعرفَة فِي قلبه فَللَّه تَعَالَى أَن لَا يعْتد بإيمانه وَلَا يعتبره مَا لم يكف عَن هَذِهِ الْأُمُور وَله تَعَالَى أَن يَجْعَل الْإِقْدَام عَلَى هَذِهِ الْأُمُور مُسَاوِيا للْجَهْل بِهِ فِي الحكم بالتكفير الْمُقْتَضِي للخلود فِي النَّار وَمَا يَقُوله الْقَدَرِيَّة فِي التَّعْدِيل والتجوير عندنَا بَاطِل
فَإِن قلت لقد لَاحَ من كلامك عودا عَلَى بَدْء أَن الْإِيمَان التَّصْدِيق فَهَل أَنْت مُخْتَار لذَلِك مُخَالف للسلف
قلت أما السّلف فَلَا يخالفون كَيفَ وهم الْقدْوَة غير أَنا قُلْنَا إِن كَلَامهم مُحْتَمل لِأَن يجمع بَينه وَبَين من يَقُول بالتصديق بِمَا تقدم أَو أَنهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الْإِسْلَام فَإِن ثَبت ذَلِك فَلَا مُخَالفَة بَين الْفَرِيقَيْنِ وَإِن لم يثبت وَهُوَ الْأَقْرَب عِنْد الْإِنْصَاف فَأَقُول أَمر هَذِه المسئلة مَعَ عظم موقعها سهل رَاجع إِلَى التَّسْمِيَة فَإِن من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق لَا يعتبره مَا لم يكن مَعَه نطق إِن أمكن وَمَتى حصل مَعَه نطق فالسلف يسمونه إِيمَانًا ويسمون المتصف بِهِ مُؤمنا وَإِن ترك الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَمُسلمًا أَيْضًا ويجعلون إيمَانه صَحِيحا مُعْتَبرا وَإِن كَانَ عَاصِيا بِمَا فعل وَبَعض الْأَئِمَّة مِنْهُم وَإِن قَالَ بتكفير من ترك بعض هَذِهِ الْأَرْبَعَة كَالصَّلَاةِ فَإِن الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يكفر بِتَرْكِهَا وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا فَلم يقل بتكفير تَارِك الزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج
وَالسَّلَف لَا يسلكون مَسْلَك الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بالمنزلة بَين المنزلتين وَأَنه يخرج عَن حد الْإِيمَان وَلَا يدْخل فِي حيّز الكفران وَلكنه عِنْدهم عَاص أمره تَحت الْمَشِيئَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ عاقبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ
والقائلون بِأَن الْإِيمَان التَّصْدِيق موافقون عَلَى هَذَا فَلم يكن بَينهم من الِاخْتِلَاف إِلَّا مَا لَا عَظِيم تَحْتَهُ نعم الْخلاف بَينهم وَبَين الْمُعْتَزلَة والموافقين للسلف أمره خطر لِأَن الْمُعْتَزلَة وافقوا السّلف فِي أَن الْإِيمَان قَول وَعمل وَنِيَّة وَلَكِن أخرجُوا العَاصِي عَن الْإِيمَان وَالسَّلَف لَا يخرجونه(1/129)
وَالتَّحْقِيق أَن هُنَا احتمالات أَرْبَعَة
أَحدهَا أَن تجْعَل الْأَعْمَال من مُسَمّى الْإِيمَان دَاخِلَة فِي مَفْهُومه دُخُول الْأَجْزَاء المقومة حَتَّى يلْزم من عدمهَا عَدمه وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَلم يقل بِهِ السّلف
وَالثَّانِي أَن تجْعَل أَجزَاء دَاخِلَة فِي مَفْهُومه لَكِن لَا يلْزم من عدمهَا فَإِن الْأَجْزَاء عَلَى قسمَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يلْزم من عَدمه عدم الذَّات كالشعر وَالْيَد وَالرجل للْإنْسَان وكالأغصان للشجرة فاسم الشَّجَرَة صَادِق عَلَى الأَصْل وَحده وَعَلِيهِ مَعَ الأغصان وَلَا يَزُول بِزَوَال الأغصان وَهَذَا هُوَ الَّذِي يدل لَهُ كَلَام السّلف
وَمن هَذَا قِيلَ شعب الْإِيمَان جعلت الْأَعْمَال للْإيمَان كالشعب للشجرة وَقد مثل اللَّه تَعَالَى الْكَلِمَة الطّيبَة بِالشَّجَرَةِ الطّيبَة وَهُوَ أصدق شَاهد لذَلِك
الثَّالِث أَن تجْعَل آثارا خَارِجَة عَن الْإِيمَان لَكِنَّهَا بِسَبَبِهِ فَإِذا أطلق عَلَيْهَا فبالمجاز من بَاب إِطْلَاق اسْم السَّبَب عَلَى الْمُسَبّب وَهَذَا مَذْهَب الْخلف الَّذِي نحاول تَقْرِيره
الرَّابِع أَن يُقَال إِنَّهَا خَارِجَة بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُطلق عَلَيْهَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا وَهَذَا بَاطِل لَا يُمكن القَوْل بِهِ
قلت هَذَا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه تَعَالَى
وَأَقُول فِي إِثْبَات جُزْء يدْخل فِي الْمُسَمّى وَلَا يلْزم من نَفْيه نفي الْمُسَمّى صعوبة وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام يخْتَار الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهر كَلَام السّلف
وَإِلَى مَذْهَب السّلف ذهب الإِمَام الشَّافِعِي وَمَالك وأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ وَطَوَائِف من أَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَمن الأشاعرة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس القلانسي وَمن محققيهم الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَهَؤُلَاء يصرحون(1/130)
بِزِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه إِلَّا الشَّافِعِي ومالكا أما الشَّافِعِي فَلم يتحرر عَنهُ فيهمَا نَص وَنقل جمَاعَة مِمَّن صنف فِي مناقبه عَنهُ أَنه يَقُول بِأَنَّهُ يزِيد وَينْقص وَلَكِن لم يثبت ذَلِك عندنَا ثُبُوت بَقِيَّة منصوصاته الْمَوْجُودَة فِي مذْهبه
وَأما مَالك فَعَنْهُ القَوْل بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَعنهُ أَنه يزِيد وَلَا ينقص وَهُوَ عَجِيب وَاعْتذر عَنهُ بَعضهم فَقَالَ إِنَّمَا توقف مَالك عَن القَوْل بِنُقْصَان الْإِيمَان خشيَة أَن يتَأَوَّل عَلَيْهِ مُوَافقَة الْخَوَارِج الَّذين يكفرون أهل الْمعاصِي من الْمُؤمنِينَ بِالذنُوبِ
وَأَقُول قد يُقَال عَلَى مساق هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ قد يتَأَوَّل عَلَيْهِ من لَا علم عِنْده أَنه يَقُول إِيمَان الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مثل إِيمَان آحَاد النَّاس فَلَا يكون فِي ذَلِك مِنْهُ دَلِيل عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ بل يكون قَائِلا بِعَدَمِ التجزي كَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن أَبِي حنيفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَمِمَّنْ نقل عَنهُ التَّصْرِيح بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وهما الْمَعْنى بالتجزي السُّفْيانَانِ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمعمر بْن رَاشد وَابْن جريج والْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَابْن الْمُبَارك وعزى إِلَى ابْن مَسْعُود
وَأما من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق كَمَا هُوَ رَأْي أَبِي حنيفَة والأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وَيَقُول مَعَ ذَلِك إِنَّه غير الْإِسْلَام فَالْمَشْهُور من مذْهبه أَنه لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنَّقْص
وحاول قوم من أَئِمَّتنَا القَوْل بمقبوله للزِّيَادَة وَالنَّقْص مَعَ قَوْلهم بِأَنَّهُ التَّصْدِيق ليجمعوا بَين كَلَام السّلف وَالشَّيْخ أَبِي الْحَسَن وليجمعوا بَين مَدْلُوله فِي اللُّغَة وَالْمَشْهُور عَن السّلف فَقَالُوا قَالَ السّلف إِنَّه يتجزى وَمَا أَنْكَرُوا أَن يكون تَصْدِيقًا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن إِنَّه التَّصْدِيق وَمَا أنكر أَن يَصح تجزئة فَنحْن نجمع بَين الْأَمريْنِ وعَلى هَذَا من متكلمي الأشاعرة الْآمِدِيّ فَإِنَّهُ صرح بِهِ فِي الْأَبْكَار فِي آخر المسئلة بَعْدَمَا قرر مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن فَقَالَ إِن جَمِيع مَا عداهُ بَاطِل وَهَذَا نَصه وَمن فسره(1/131)
يَعْنِي الْإِيمَان بخصلة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يكون أَيْضًا قَابلا للزِّيَادَة وَالنَّقْص عَلَى مَا حققناه من قبل انْتهى
وَعَلِيهِ أَيْضًا من محدثي الأشاعرة وفقهائهم النَّوَوِيّ رَحمَه اللَّه سيد الْمُتَأَخِّرين فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح مُسلم مَا نَصه قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا الْمُتَكَلِّمين نفس التَّصْدِيق لَا يزِيد وَلَا ينقص وَالْإِيمَان الشَّرْعِيّ يزِيد وَينْقص بِزِيَادَة ثمراته وَهِي الْأَعْمَال ونقصانها
قَالُوا وَفِي هَذَا توفيق بَين ظواهر النُّصُوص الَّتِي جَاءَت بِالزِّيَادَةِ وأقاويل السّلف وَبَين أصل وَضعه فِي اللُّغَة وَمَا عَلَيْهِ المتكلمون وَهَذَا الَّذِي قَالَه هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ ظَاهرا حسنا فَالْأَظْهر وَالله أعلم أَن نفس التَّصْدِيق يزِيد بِكَثْرَة النّظر وتظاهر الْأَدِلَّة وَلِهَذَا يكون إِيمَان الصديقين أقوى من إِيمَان غَيرهم بِحَيْثُ لَا تعتريهم الشّبَه وَلَا يتزلزل إِيمَانهم بِعَارِض بل لَا تزَال قُلُوبهم منشرحة نيرة وَإِن اخْتلفت عَلَيْهِم الْأَحْوَال وَأما غَيرهم من الْمُؤَلّفَة وَمن قاربهم وَنَحْوهم فليسوا كَذَلِك فَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن إِنْكَاره وَلَا يشك عَاقل فِي أَن نفس تَصْدِيق أَبِي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسَاوِيه تَصْدِيق آحَاد النَّاس وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْن أَبِي مليكَة أدْركْت ثَلَاثِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم يخَاف النِّفَاق عَلَى نَفسه مَا فيهم أحد يَقُول إِنَّه عَلَى إِيمَان جِبْرِيل وَمِيكَائِيل انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ
وَعَلِيهِ أَيْضًا من متكلمي الأشاعرة الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ فقد صرح فِي كتاب الزبدة بِأَن الْحق أَنه قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مُطلقًا يَعْنِي سَوَاء قُلْنَا إِنَّه الطَّاعَات كلهَا أم قُلْنَا إِنَّه التَّصْدِيق بل القَوْل بقبوله للزِّيَادَة وَالنَّقْص مَنْصُوص(1/132)
الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كتاب الْإِبَانَة فِي الْفَصْل الثَّابِت مِنْهَا عَنهُ الَّذِي نَقله الْحَافِظ الْكَبِير الثِّقَة الثبت أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فِي كتاب تَبْيِين كذب المفتري وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يعْتَمد عَلَى نَقله الأشاعرة وَنَصه وَأَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص انْتهى نَص الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الثَّابِت بِنَقْل ابْن عَسَاكِر
فَبَان بِهَذَا ووضح أَن الْقَائِل بالتصديق لَا يُنكر التجزي وَأَن من نسب النَّوَوِيّ إِلَى أَنه خرق الْإِجْمَاع حَيْثُ جمع بَين القَوْل بالتصديق والتجزي فقد أَخطَأ وَأَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ هُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ نَفسه
وَأَقُول قد صرح بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ الَّذين يرَوْنَ تبديع من خَالفه ثَلَاثَة مُحدث ومتكلم وصوفي وهم الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَهَؤُلَاء من عمد الأشاعرة وَهَؤُلَاء وَإِن لم يصرحوا بِأَن الْإِيمَان مَعَ قبُوله للتجزي هُوَ التَّصْدِيق فَهُوَ ظَاهر كَلَامهم واتباعهم لشيخهم وَقد صرح بِهِ من جَمَاعَتهمْ الْآمِدِيّ وَالنَّوَوِيّ والهندي وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَصرح بِاخْتِيَارِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي اخْتَارَهُ من الِاحْتِمَالَات الْأَرْبَعَة الَّتِي قدمناها عَنهُ
فَإِن قلت لَا ريب فِي أَنه مَتى أمكن القَوْل بالتجزي مَعَ القَوْل بِأَنَّهُ التَّصْدِيق فَهُوَ الْأَظْهر لِاجْتِمَاع مَدْلُول اللُّغَة وَقَول السّلف وَقَول الْخلف عَلَيْهِ وَلَكِن الشَّأْن فِي إِمْكَان ذَلِك وَقَول قَائِله لَا يشك عَاقل فِي أَن إِيمَان الصّديق لَيْسَ كَإِيمَانِ آحَاد النَّاس حق فَفرق بَين إِيمَان ثَبت ورسخ وَصَارَ لَا يقبل تزلزلا وإيمان بِخِلَافِهِ لَكِن ذَلِك الْقدر الزَّائِد عَلَى الِاعْتِقَاد الْجَازِم من انْشِرَاح الصَّدْر وطمأنينة الْقلب والرسوخ الَّذِي لَا يَعْتَرِيه شكّ إِن كَانَ دَاخِلا فِي مُسَمّى الْإِيمَان لزمكم تَكْفِير من لم يصل إِلَيْهِ(1/133)
وإراقة دَمه وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ عَاقل وَلَا كفر أحد من لم ينْتَه إِلَى دَرَجَة الصّديق فِي الْإِيمَان بل اكْتفى بالاعتقاد الْجَازِم من الْخلق وَإِن لم يصلوا إِلَى هَذَا الْحَد وَإِن لم يكن دَاخِلا فَهُوَ خَارج وَذَلِكَ الْقدر الَّذِي حصل بِهِ الْإِيمَان وعصمة الدَّم لم يقبل تجزيا فلاح بِهَذَا أَنه لَا يشك عَاقل فِي أَن كثيرا من الْمُؤمنِينَ وصلوا إِلَى حَقِيقَة الْإِيمَان وَمَا وصلوا إِلَى دَرَجَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قلت هَذَا تشكيك قوي جدا وَعِنْده يقف الذِّهْن الصَّحِيح وَلَعَلَّ اللَّه يكْشف لنا عَن غطائه وَيبين لنا وَجه الصَّوَاب بجميل فَضله وجزيل عطائه
وَالَّذِي كَانَ مُنْتَهى قصدنا تَبْيِين أَن من قَالَ بِأَنَّهُ التَّصْدِيق لَا نجزم عَلَيْهِ القَوْل بإنكار التجزي وَمُخَالفَة السّلف
وَمَا جزم القَوْل بِأَن التَّصْدِيق لَا يقبل التجزي وباح بِهِ وَلم يتكتمه إِلَّا ابْن حزم فِي كِتَابه الْملَل والنحل فَقَالَ التَّصْدِيق بِالتَّوْحِيدِ والنبوة لَا يُمكن أَن يكون فِيهِ زِيَادَة وَلَا نقص الْبَتَّةَ وَأطَال فِي ذَلِك ثمَّ شنع بعد ذَلِك وَقَبله عَلَى الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الَّذِي نزل كَلَام السّلف أحسن تَنْزِيل ورده إِلَى التَّحْقِيق بأدق سَبِيل وَبينا أَنه مَعَ قَوْله بِأَنَّهُ التَّصْدِيق يَقُول بالتجزي الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} وَقَوله تَعَالَى {ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} وَكَثِيرًا من الْآيَات وَالْأَحَادِيث واعترفنا بعد ذَلِك كُله بصعوبة هَذَا السُّؤَال
فَإِن قلت صعوبة هَذَا السُّؤَال مُعَارضَة بصعوبة قَول السَّائِلين لَو لم يقبل التجزي لساوى إِيمَان الصّديق آحَاد الْبشر وَهَذَا فِي النَّفس مِنْهُ حسيكة لَا يغسل درنها إِلَّا صافي الأذهان
قلت لَا شكّ فِي أَن فِي هَذَا تهويلا عَظِيما ومعاذ اللَّه أَن يَجْسُر مُسلم عَلَى القَوْل(1/134)
باستواء الإيمانين غير أَنا نقُول لمن زعم أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَأَنه خِصَال كَثِيرَة أَلَيْسَ أَن التَّصْدِيق مقدم هَذِهِ الْخِصَال إِذْ لم يخْتَلف أهل الْحل وَالْعقد من الْمُسلمين فِي أَن الِاعْتِقَاد الْجَازِم المقرون بالتلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا بُد مِنْهُ وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي انضمام قدر زَائِد إِلَيْهِ من بَقِيَّة الطَّاعَات فَهَذَا التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ بعض الْإِيمَان عنْدك وَكله عِنْد آخَرين هَل يزِيد وَينْقص أَو لَا إِن قُلْتُمْ لَا وَهُوَ مَا صرح بِهِ ابْن حزم فالسؤال علينا وَعَلَيْكُم وَاحِد إِذْ يُقَال كَيفَ يكون تَصْدِيق آحَاد النَّاس مثل تَصْدِيق الصّديق وَإِن قُلْتُمْ يزِيد وَينْقص فقد اعترفتم بِأَن التَّصْدِيق قَابل للتجزي وَهُوَ مَا قَالَه الْآمِدِيّ وَالنَّوَوِيّ والهندي وَمن ذَكرْنَاهُ فَتعين القَوْل بِهِ وَأَن يُفَوض أَمر هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي اعْترض بِهِ فِي طَرِيقه إِلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونضرع إِلَيْهِ فِي حلّه فبإرشاده وهديه تتضح المشكلات وَهُوَ المسؤول أَن يوفقنا لجَمِيع الطَّاعَات وَمَا كَانَ الْمَقْصُود إِلَّا تَبْيِين تقَارب مَذْهَب الشَّيْخ وَالسَّلَف مَعَ رُجُوع الْخلاف فِي الْحَقِيقَة لفظيا كَمَا بَيناهُ وسهولة أمره فِي نَفسه
فَإِن قلت هَل زعم السّلف أَن كل طَاعَة إِيمَان
قلت هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَمن ثمَّ قَالُوا إِن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَقَالَ البُخَارِيّ بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان وَذكر حَدِيث وَفد عَبْد الْقَيْس وَكَذَلِكَ اقْتَضَاهُ كَلَامهم عِنْد الْكَلَام عَلَى حَدِيث الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة
وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أسمع قَالَا أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن خَلِيل حضورا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُسْلِمِ الْخِرَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الموازيني(1/135)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِيِّ النَّيْسَابُورِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي الإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ ظَفْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد ابْن عَلِيِّ بْنِ مُحْرِزٍ الْقَاضِي بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً أَكْبَرُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَصْغَرُهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
وَأَخْبَرَنَاهُ مَحْمُودُ بْنُ خَلِيفَةَ الْمَنْبِجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللبان أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُحْرِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهَمَّامٌ قَالا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نُبَاتَةَ الْمُحَدِّثُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْخل أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ الْبُنْدَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عبد الْجَبَّار السكرِي قريء عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبي(1/136)
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ
وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ
وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ وَعَنْ(1/137)
أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بِهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ خَالِدِ بن الْحَارِث عَن ابْن عجلَان عَنهُ بيعضه الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيِّ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ نَحْوَهُ
فَإِنْ قلت فَمَا معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني الْإِسْلَام عَلَى خَمْسٍ الْحَدِيثَ
قُلْتُ كَأَنَّهَا أَعْظَمُ الأَرْكَانِ وَإِلا فَالْجِهَادُ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ وَلَيْسَ مِنْهَا
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بأننا مُسلمُونَ}
قُلْتُ قَدْ تَدَبَّرْتُهُمَا حَالَ التِّلاوَةِ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُمَا وَهُمَا مِمَّا قَدْ يَسْتَأْنِسُ بِهِمَا الْقَائِلُ بِأَنَّ الإِيمَانَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الإِيمَانُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلا صَاحِبُهُ وَمَنْ يُكْشَفُ لَهُ أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ اسْتَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِخِلافِ الإِيمَانِ إِذْ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَلَوْ كَانَ الإِيمَانُ لِلأَفْعَالِ الظَّاهِرَةُ لَقَالُوا وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُؤْمِنُونَ(1/138)
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ? < اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ > ? فَانْظُرْ كَيْفَ طَلَبَ فِي وَقْتِ الْحَيَاةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلأَعْمَالِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الإِسْلامِ وَفِي وَقْتِ الْوَفَاةِ وَهُوَ لَحْظَةُ الْمَوْتِ مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ بَلْ نَفْسُ الْحُضُورِ وَالاعْتِقَادِ وَهُوَ الإِيمَانُ وَتَأَمَّلْ مَوَاقِعَ كَلامِ اللَّهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الإِشَارَةِ وَكَيْفَ إِصَابَتُهَا لِلْمَفَاصِلِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عربشاه بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّاءُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمرَة عَن عبد الله ابْن يَرْفَأَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَدَلَّ بِهِ لِسَانُهُ وَاطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ لَمْ تعطعمه النَّار(1/139)
لَيْسَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السَّعْدِيُّ الْقَاضِي وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَيٍّ الزُّبَيْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْميدومِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ وَابْنُ عَلانَ زَادَ ابْنُ الصَّابُونِيُّ وَابْنُ عَزُّونٍ وَقَالَ الصَّعْبِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صَارِمٍ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ أَخْبَرَنَا خَطِيبُ مَرْدَا وَقَالَ الْميدوميُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلانَ قَالُوا جَمِيعًا أَخْبَرَنَا الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ حِمَّصَةَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ حُمَيْدٍ الطَّبِيبُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبَلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُؤُوس الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سجلا كلا سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الك عذر(1/140)
أَوْ حَسَنَةٌ فَيَهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَ مَا رُوِّينَاهُ
فثقل البطاقة رُبمَا يفهم مِنْهُ أَن الشَّهَادَتَيْنِ كَفَرَتا تِلْكَ الْمعاصِي وَلَيْسَ ببدع وَلَا مستكثر عَلَى كرمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يَجْعَل الشَّهَادَتَيْنِ مُكَفِرَتَيْنِ للمعاصي الْمَاضِيَة وَسَيَأْتِي من الْأَحَادِيث مَا يدل عَلَى ذَلِك بل وَرُبمَا كفرت الْأَعْمَال السَّيئَة الْمُسْتَقْبلَة أَلا ترى إِلَى أهل بدر وَقَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّه اطلع عَلَى أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم
وَفِي حَدِيث أَبِي سَلمَة عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَامَ شهر رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَمن قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه(1/141)
وَفِي صَوْم عَرَفَة أَنه يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالَّتِي بعده
وَفِي عَاشُورَاء أَنه يكفر الَّتِي قبله
وَفِي صَلَاة الْجُمُعَة قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة فصلى مَا قدر لَهُ ثمَّ أنصت حَتَّى يفرغ الإِمَام من خطبَته ثمَّ يُصَلِّي مَعَه غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الْأُخْرَى
وَفضل ثَلَاثَة أَيَّام وَحَدِيث الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَالْحج يهدم مَا قبله وَالْعمْرَة تهدم مَا قبلهَا صَحِيح
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء من حَدِيث أَبِي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول اللَّهِ عَلمنِي عملا يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار فَقَالَ إِذا عملت سَيِّئَة فاعمل حَسَنَة فَإِنَّهَا عشر أَمْثَالهَا قلت يَا رَسُول اللَّهِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ من الْحَسَنات قَالَ هِيَ أحسن الْحَسَنات
وَهَذَا الحَدِيث أَصله حَدِيث أتبع السَّيئَة الْحَسَنة تمحها إِلَّا أَن هَذِهِ الزِّيَادَة مَعَ لفظ المحو فِي حَدِيث وأتبع السَّيئَة الْحَسَنة تمحها مِمَّا يدل عَلَى مَا ذَكرْنَاهُ مَعَ أَنا نعلم أَنه لَا بُد من تَعْذِيب بعض العصاة ضَرُورَة وَورد الْخَبَر الصَّادِق بِهِ وَرُبمَا وَقع هَذَا لبَعض الْأَفْرَاد دون بعض فضلا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وإحسانا وَلَعَلَّ هَذَا الْمِسْكِين لما رأى مَعَاصيه قد تكاثرت واضمحلت حَسَنَاته بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا حصل لَهُ من الكسرة والتذلل والانقياد مَا كَانَ سَببا لوُرُود هَذَا الإنعام عَلَيْهِ جبرا لكسره
وَقَدْ أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا بقاسيون(1/142)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإِبَرِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ استحقوني ثمَّ أذروني فِي الرّيح فِي الْبَحْر فوَاللَّه لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ
قَالَ وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
وَيذكر هُنَا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي الدَّرْدَاء نَاد فِي النَّاس من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اله وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ دخل الْجنَّة
وَأَخْبَرَنِي أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ وَرِضْوَانِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُقَيَّرِ عَنْ أَبِي الْفضل(1/143)
مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ السَّلامِيِّ الْحَافِظِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْخِلَعِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أَسْرَفَ عَبْدٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لأَهْلِهِ إِذَا أَنَا مِتُّ فأحرقوني ثمَّ اسحقوني ثمَّ أذروني فِي الرّيح فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَالَ فَفَعَلَ أَهْلُهُ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا أَدِّ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
فَهَذَا المسرف عَلَى نَفسه قد نفعته خَشيته وَأَتَتْ عَلَى ذنُوبه فَمَحَقَتْها وَفِي الحَدِيث شَاهد لِأَن الشَّهَادَتَيْنِ مُكَفِّرَتَانِ
وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ الضِّيَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِمَا وَأَنا أسمع قَالَ الأول أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ سَمَاعًا إِلا ابْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلانَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْحَافِظ قَالَا حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ(1/144)
ابْن الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَفَّارَةِ أَحْدَاثِنَا فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَفَّارَةِ أَحْدَاثِنَا
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَفِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْفَرَجِ النَّابُلُسِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ سعد الْخَيْر أخبرنَا زين الأمنا أَبُو البركان الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الْحَسَنِ عَليّ والشريف أَبُو الْقَاسِم عَليّ ابْن إِبْرَاهِيمَ الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ وَقَالَ يُوسُفُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن صَابِرٍ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمَوَازِينِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُسْتَوْرِدٌ أَبُو عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي(1/145)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَكْتُ حَاجَّةً وَلا دَاجَّةً إِلا قَدْ أَتَيْتُ قَالَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ
لَمْ يُخَرَّجْ لِمُسْتَوْرِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى أَبِي يَعْلَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ
ح وَأَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى الدباهيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَى الأَوَّلَيَيْنِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَبِقِرَاءَتِي عَلَى الثَّالِثِ قَالُوا أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَتِ الأُولَى سَمَاعًا وَقَالَ الآخَرَانِ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْخِرَقِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَوَازِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَازِنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو شَيْبَةَ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ قَالا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا الْكَوْثَرُ بن حَكِيم عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قَالَ مَنْ شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ
اللَّفْظُ لِرِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَالْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرَ(1/146)
عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَشَكَّ فِي ابْنِ عُمَرَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَرْوِيهِ مُرْسَلا بِلا شَكٍّ انْتَهَى كَلامُ الدَّارَقُطْنِيِّ
وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ بن قدامَة وَأَبُو الْحسن بن الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن عبيد الله ابْن الشِّخِّيرِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُطَالِبُ صَاحِبَهُ بِحَقٍّ فَسَأَلَ الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الآخَرُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قَالَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَقَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ وَأَمَّا أَنْتَ فَكَفَّرَتْ عَنْكَ يَمِينُكَ بِقَوْلِكَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ مُطَوَّلا وَمُخْتَصَرًا
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَقْدِسِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ الأَنْجَبِ بْنِ الْمُعَمَّرِ النِّشتِبرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاتِيلَ الدَّبَّاسُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الدُّورِيُّ بِانْتِقَاءِ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ(1/147)
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدُونِ بْنِ مُرَجَّى الْعَبْدَرِيِّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو اللَّيْثِ الْفَرَائِضِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا ضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ يَدِي ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَقْتُلُهُ قَالَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ إِلا أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ وَيَكُونَ مِثْلَكَ قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ مَا فَعَلْتَ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ طُرُقٍ شَتَّى
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمَّامِ بْنِ حَسَّانٍ التَّلِّيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ عَوَّةَ سَمَاعًا
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مَرَّةً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أُخْرَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ خَطِيبُ مَرْدَا حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ وَابْنُ عَوَّةَ الْمَذْكُورُ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ يَحْيَى بْنُ المشرف ابْن عَلِيٍّ التَّمَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَفِيسٍ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا الْحسن ابْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بُنْدَارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم(1/148)
ابْن فِيلٍ الأَسَدِيُّ الْبَالِسِيُّ الإِمَامُ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ حَدَّثَنَا الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْيَحْصِبِيِّ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ يَرْفَعُهُ أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَتٍ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ يَنْصَبُ عَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ النَّارَ ثُمَّ يَضْحَكُ عَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ الْمَوْتَ ثُمَّ غَفَلَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ابْنُ حُجَيْرَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَوْلانِيٌّ مِصْرِيٌّ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْبَدْرِ الْكَرْخِيُّ قَالا أَخْبَرَتْنَا خَدِيجَة بنت مُحَمَّد الشاهجانية أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَمْعُونٍ الْوَاعِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْن يَزِيدَ بْنِ حُبَيْشٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْكَنْزُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} الْكَنْزُ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ وَعَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى تَقَلُّبَ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا(1/149)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُلاعِبٍ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِهْرَوَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارُ يَقُولُ كُنَّا خَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ فِي الْبَحْرِ فَرَكَدَتْ عَلَيْنَا الرِّيحُ فَأَرْسَيْنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ اسطرون وَكَانَ مَعَنَا صَبِيٌّ سَقْلَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَيْمَنُ وَكَانَ مَعَهُ شِصٌّ يَصْطَادُ بِهِ السَّمَكَ قَالَ فَاصْطَادَ سَمَكَة نَحوا من شير أَوْ أَقَلَّ قَالَ وَكَانَ عَلَى ضِفَّةِ أُذُنِهَا الْيُمْنَى مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَعَلَى قَذَالِهَا وَضِفَّةِ أُذُنِهَا الْيُسْرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ أَبْيَنَ مِنْ نَقْشٍ عَلَى حَجَرٍ قَالَ وَكَانَتِ السَّمَكَةُ بَيْضَاءَ وَالْكِتَابُ أَسْوَدَ كَأَنَّهُ كتاب بِخَبَر قَالَ فَقَذَفْنَاهَا فِي الْبَحْرِ وَمُنِعَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَيَّدُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَتَّى أَوْغَلْنَا
وَذَكَرَ الْحَافِظُ شَهْرَدَارُ بْنُ شِيرَوَيْهِ بْنِ شَهْرَدَارَ الدَّيْلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ الَّذِي أَصْلُهُ لِوَالِدِهِ الْحَافِظِ شِيرَوَيْهِ أَنَّ ابْنَ لالٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الزَّاهِدُ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِي عَارِضَيِ الْجَنَّةِ ثَلاثَةَ أَسْطُرٍ مَكْتُوبَاتٍ بِالذَّهَبِ الأَوَّلُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالثَّانِي وَجَدْنَا مَا قَدَّمْنَا وَرَبِحْنَا مَا أَكَلْنَا وَخَسِرْنَا مَا تَرَكْنَا وَالثَّالِثُ أُمَّةٌ مُذْنِبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(1/150)
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونينيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ بْنِ مُشْرِفٍ وَسِتُّ الْوُزَرَا التَّنُوخِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الطَّاوُسِيُّ قَالَ الثَّلاثَةُ الأُولُ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ الزُّبَيْدِيُّ وَقَالَ الرَّابِعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخَازِنُ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَوْهَرِيُّ الْحَلَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الله قَالُوا أخبرنَا أَبُو زرْعَة طَاهِر ابْن مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بْنِ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ الْحِيرِيُّ بِنَيْسَابُورَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذِكْرَهُ عِنْدَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالأذَانِ وَيَحْتَمِلُ ذِكْرَهُ عِنْدَ تِلاوَةِ الْكِتَابِ وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ
قُلْتُ وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ(1/151)
فَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً آمِنَةً مِنَ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَاخْتِلاجِهَا ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ مَعَادِ الأَنْفُسِ وَمَعَاجِّهَا كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللَّفْظُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَمْشِي عَلَى مِنْهَاجِهَا وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا وَعَلامُ الْوَرَى الْقَائِمُ بِمُجَادَلَةِ الْخُصُومِ وَحُجَّاجِهَا وَضِرْغَامُ الْوَغَى إِذَا اطْلَخَمَّ الأَمْرُ بَيْنَ ضِيَاء الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الإِمَامِ الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرَيْشٍ الْمَخْزُومِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل الغزنوي وابو الْحسن ابْن أَبِي الْبَرَكَاتِ الصُّوفِيُّ وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ الْبَغْدَادِيُّونَ قِرَاءَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ بِانْفِرَادِهِ قَالُوا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ
ح وَأَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ نُبَاتَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَطَّارِ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْعِزِّ عمر بن أَحْمد بن عمر ابْن أَبِي بَكْرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الْجُوخِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الصَّلاحِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَدْرِ بْنِ تُبَّعٍ الْبَعْلِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ رِضْوَانَ الرَّقِّيُّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أَبِي الْيُسْرِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَالِبِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْمَاكِسِينِيُّ وَرَفِيقُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ(1/152)
سُلَيْمَانَ بْنِ عَايِدٍ الْمَاكِسِينِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ بَرَكَاتِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقريشَةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عمربن يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَوِيٍّ السُّلَمِيُّ التَّاجِرُ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فَلاحِ بْنِ الإِسْكَنْدَرِيِّ وَابْنُ أَخِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْكَنْدَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن يحيى بن أَحْمد ابْن أَحْمَدَ بْنِ الْكَيَّالِ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الشِّيرَزِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عبد السَّيِّد بن علوان السلَامِي وَمُحَمّد ابْن إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّوْلَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أتيك السُّكَّرِيُّ وَأُبو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ
قَالَ ابْن أَبِي الْيُسْرِ وَابْنُ تبع وَابْنُ الْجُوخِيِّ وَابْنُ أَبِي الْفَتْحِ وَابْنُ الْكَيَّالِ وَالْمَاكِسِينِيُّ وَرَفِيقُهُ وَالشِّيرَزِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَخْبَرَنَا رَشِيدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ
وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عصرون(1/153)
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْمِقْدَادُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ الْقَيْسِيُّ
وَقَالَ ابْن الْجُوخِيِّ وَابْنُ تُبَّعٍ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَالسَّلامِيُّ أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ
وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَالسَّلامِيُّ وَابْنُ تُبَّعٍ وَابْنُ أَبِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّيْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا وَابْنُ الْقريشَةِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَالِسِيُّ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْهَرَوِيُّ
وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْقريشَةِ أَيْضًا وَالسُّكَّرِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ
وَقَالَ ابْنُ نُبَاتَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ الأَنْمَاطِيِّ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَالدَّوْلَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الإِسْكَنْدَرِيِّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ تَغْلِبَ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَيْضًا وَابْنُ عَلَوِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن عمر ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَديِر بْنِ الْقَوَّاسِ
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَيْضًا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَجْمِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ
وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ(1/154)
وَقَالَ ابْن الْخَبَّازِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَسَاكِرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي عصرون وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ الْمُحْسِنِ أَحْمَدَ وَسِتُّ الْعَرَبِ بِنُت يَحْيَى بْنِ قايمازَ
وَقَالَ ابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا حُضُورًا ابْنُ عَبْدُ الدَّايِمِ وَأَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمُطْعِمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ
وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ
وَقَالَ الرَّقِّيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْقَلانِسِيُّ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبِيبُ وَأَبُو الْفَتْحِ عُمَرُ بْنُ حَامِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقُوصِيِّ
قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَابْنُ الْقُوصِيِّ وَالْهَرَوِيُّ وَابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ وَابْنُ طَبَرْزَدَ
وَقَالَ الْعِزُّ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ جَمِيلٍ وَابْنُ الزَّيْنِ وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ وَالْعَامِرِيُّ وَالْمُؤَمَّلُ وَابْنُ الْقَوَّاسِ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ الْبَغْدَادِيِّ وَسِتُّ الْعَرَبِ وَفَاطِمَةُ أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ وَحْدَهُ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْمُؤَيَّدُ بْنُ الْقَلانِسِيِّ وَابْنُ الشِّيرَازِيِّ وَابْنُ الْحَنْبَلِيِّ وَابْنُ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ وَبِنْتُ مَكِّيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ وَحْدَهُ
وَقَالَ الْمِقْدَادُ وَإِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الأَخْضَرِ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا وَابْنُ عِيدٍ أَخْبَرَنَا شَيْخُ الشُّيُوخِ عبد اللَّطِيف(1/155)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ تزمش بْن قرا عَلِيّ
وَقَالَ ابْنُ عبد الدايم أخبرنَا أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيِّ وَعَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ فَيْرُوزَ وَالْمُكْرَمُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ قَالُوا وَهُمُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ الأَخْضَرِ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ وَابْنُ فَيْرُوزَ وَابْنُ تزمش وَالْمُكْرَمُ وَالْكِنْدِيُّ وَابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرْمَكِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ ارْتَقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ ارْتَقَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ آمِينَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ عَلَى مَا أَمَّنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ رَغِمَ أَنْفُ امريء ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ آمِينَ ثمَّ قَالَ رغم أنف امرىء أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ فَقلت آمين ثمَّ قَالَ رغم أنف امريء أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا رغم أنف امريء ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ الْحَدِيثَ
وَأَخْرَجَ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً قَالَ آمِينَ ثُمَّ لَمَا رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى قَالَ آمِينَ ثُمَّ لَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً قَالَ آمِينَ ثُمَّ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد من(1/156)
أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قلت آمين قَالَ وَمن أَدْرَاك وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ قَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ آمِينَ
ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ لاسِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بَادَرَ إِلَى التَّأْمِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ جِبْرِيلُ قُلْ آمِينَ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُؤَمِّنْ حَتَّى قَالَ لَهُ قُلْ آمِينَ فَقَالَهَا امْتِثَالا إِذْ أَمْرُهُ مَنْ أَمْرِ اللَّهِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جِبْرِيلَ بَادَرَ إِلَى قَوْلِهِ قُلْ آمِينَ بِحَيْثُ عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ أَبْعَدَهُ اللَّهُ لِيَسْبِقَ تَأْمِينَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّ ذَلِكَ رفْعَة لشأن النَّبِي لِيَكُونَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى هَذَا الأَمْرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لأَنَّ تَأْمِينَ جِبْرِيلَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَامَ عَنْهُ بِالتَّأْمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى الأَمَرْيِن مَعًا كَوْنَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَإِرَادَةُ تَأْمِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ رِفْعَةٌ لِشَأْنِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَبِهِ إِلَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ فَفَزِعَ عُمَرُ فَتَبِعَهُ بِمَطْهَرَةٍ يَعْنِي إِدَاوَةً فَوَجَدَهُ سَاجِدًا فِي سَرِيَّةٍ فَتَنَحَّى عُمَرُ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَحْسَنْتَ يَا عُمَرُ حِينَ رَأَيْتَنِي سَاجِدًا فَتَنَحَّيْتَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَانِي فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ وَحُطَّتْ عَنْهُ عشر خطيآت(1/157)
وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدٍ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَرَوَى بِلَفْظٍ آخَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ
أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ خَلِيلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ وَالْجَوْزَدَانِيَّةُ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رُشَيْدٍ الْهُجَيْمِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً وَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَأَسْكَنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حُمَيْدٍ إِلا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ قَيْسٍ تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ
قُلْتُ لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قُرَيْشٍ الْمَخْزُومِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَبَّالُ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن(1/158)
ابْن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارِ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ وَاحِدَة صلى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا فَلْيُكْثِرْ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُقِلَّ
لَيْسَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الأَصْفَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ التَّاجِرُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَلاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ
كَمَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الثَّنَاءِ مَحْمُودُ بْنُ الزَّنْجَانِيِّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدُيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُقَوِّمِيُّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا ثُمَّ ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ بَعْدُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَلْحَةَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد ابْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِم(1/159)
ابْن عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَحْكَامِهِ وَعَزَاهُ إِلَى مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ وَقْتَ الْكِتَابَةِ كَوْنُهُ فِي ابْنِ مَاجَهْ
وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نِزَارٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَدَانِيَّةُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلا سُلَيْمَانُ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قُلْتُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار بن صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَهْدٍ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَمامِيُّ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ شُنْجِ بْنِ عُمَيْرَةَ(1/160)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ النُّمَيْرِيِّ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَلَّى عَلِيَّ صَلاةً صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبِي الصَّبَّاحِ عَن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ مُطَوَّلا وَمُخْتَصَرًا وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَافِي بْنُ عَلِيٍّ السُّبْكِيُّ بِقِرَاءَةِ أَبِي عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْمَوَاهِبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُلُوكٍ الْوَرَّاقُ قَالا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْغِطْرِيفِ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عَشْرًا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ عَن أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّلَفِيِّ الْحَافِظِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ(1/161)
الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ بْنِ الْبَزَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَدَّلُ السَّقَطِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ فِي الْمحرم سنة ثماينن وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِلالِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَّيِبِ
ح وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الرُّويَانِيُّ حَدَّثَنَا الإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن الصَّابُونِي إِمْلاءً حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ إِمْلاءً أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَفَاءِ الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْمَاسَرْجَسِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعُثْمَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَةَ الْقُرَشِيِّ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَمَنَعَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي وَقَدْ بسط عَلَيْهِ عَذَاب الْقَبْر فَجَاءَهُ وضؤوه لِلصَّلاةِ فَمَنَعَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ فَخَلَّصَتْهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا طُرِدَ فَجَاءَهُ صَوْمُهُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي وَالْمُؤْمِنُونَ حَلْقًا حَلْقًا كُلَّمَا أَتَى حَلْقَةً طُرِدَ فَجَاءَهُ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِي وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ(1/162)
وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ وَهُوَ يَتَسَكَّعُ فِي الظُّلْمَةِ فَجَاءَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَأَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَأَدْخَلاهُ النُّورَ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلا يُكَلَّمُ فَجَاءَتْهُ صِلَتُهُ لِلرَّحِمِ فَقَالَتْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ وَاصِلا لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَصَافَحُوهُ وَكَانَ مَعَهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النَّارِ وَشَرَرَهَا بِيَدِهِ عَنْ وَجْهِهِ فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ فَكَانَتْ ظِلا عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْرًا عَلَى وَجْهِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ فَجَاءَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَخَلَصَّاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَأَدْخَلاهُ مَعَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُؤْتَى صَحِيفَتُهُ مِنْ قِبَلِ شِمَالِهِ فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَجَاءَهُ رَجَاؤُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَخَلَّصَهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأْيُت رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَاسْتَنَقْذَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَائِمًا عَلَى الصِّرَاطِ يَرْعَدُ كَمَا تَرْعَدُ السَّعْفَةُ فِي رِيحٍ عَاصِفٍ فَجَاءَهُ حسن ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَّنَ رَوْعَهُ وَمَشَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَحْبُو أَحْيَانًا وَيَزْحَفُ أَحْيَانًا وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَانًا فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ على فأقامته على قدمه فَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا انْتَهَى إِلَى بَابٍ غُلِقَ دُونَهُ فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ فَفَتَحَتْ لَهُ الأَبْوَابَ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ حَمْدَانَ الْحَاكِمُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا(1/163)
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْحُبُوبِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَفَا مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن مَنْدَه إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبَاغْبَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو عبد الْوَهَّاب بن أبي عبد الله مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَرَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ عَجَبًا رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ فَأَتَاهُ الْوُضُوءُ فَاسْتَنْقَذَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَلاتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ فَاسْتَنْقَذَهُ صِيَامُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَخَلْفَهُ ظُلْمَةٌ وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ فَاسْتَنْقَذَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا يُكَلِّمُونَهُ فَجَاءَتْهُ صِلَةُ رَحِمِهِ فَاسْتَنَقْذَتْهُ حَتَّى كُلِّمَ وَرَأَيْتُ رَجُلا جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَدْ حُجِبَ عَنِ النُّورِ فَاسْتَنْقَذَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَاسْتَنْقَذَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ فَأُعْطِيهِ بِيَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَاسْتَنْقَذَهُ وَجَلُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي هَوَى مِنَ الصِّرَاطِ فِي جَهَنَّمَ فَاسْتَنْقَذَتْهُ دُمُوعُهُ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْفَحُ وَجْهَهُ شَرَرُ النَّارِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَدَقَتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ فَاسْتَنْقَذَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَرْعَدُ عَلَى الصِّرَاطِ فَاسْتَنْقَذَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَلاتُهُ عَلَى وَرَأَيْتُ رَجُلا انْتُهِيَ بِهِ إِلَى بَاب الْجنَّة(1/164)
فَأُغْلِقَ عَنْهُ فَاسْتَنْقَذَهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَرَأَيْتُ أَعْجَبَ الْعَجَبِ نَاسٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ المشاؤون بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَرَأَيْتُ رِجَالا يُعَلَّقُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قُلْتُ قَدْ خَرَّجْتُ جُزْءًا أَمْلَيْتُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْعَبًا وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي عَلِيٌّ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ الْمَيَانَجِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ أَبُو عَمْرٍو الْعُصْفُرِيُّ شَبَابٌ حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَصَافَحَا وَيُصَلِّيَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ
لَيْسَ لِمَطَرٍ عَنْ أَنَسٍ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ(1/165)
أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَتْ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّيِّدِيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا تَجْنِي الْوَهْبَانِيَّةُ
ح قَالَتْ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ
ح وَأخْبرنَا يحيى بن يُوسُف بن أبي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْمِصْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا الْفَقِيهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَلامَةَ بْنِ الْجميزيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالَتَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّد بن عبد الله ابْن مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ إِمْلاءً حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلِيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي
لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونينيُّ أَخْبَرَنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَاسِرٍ الْجَيَّانِيُّ(1/166)
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَطَاءٍ الْمِهْرَوَانِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّهْمَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدٌ الْكَارِزِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَزْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِقَاسِيُونَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الصَّيْدَلانِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَبَّابِيُّ الْبَغَوِيُّ قَدِمَ نَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن عبد الله بن السَّائِب عَن زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبْلِغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الصَّلاةِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ(1/167)
وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي الْمَلائِكَةِ وَفِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَفِي الْمَلائِكَةِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ يَحْيَى وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَرْوَانَ سِتَّتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنِ الأَعْمَشِ وَسُفْيَانَ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْهُ بِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ الأَسَدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالتَّلِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَوَهِمَ فِيهِ إِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الثَّوْرِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
أَخْبَرَنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا الدينَوَرِي حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد ابْن سِنَانٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ للَّهِ سَيَّارَةً مِنَ الْمَلائِكَةِ إِذَا مَرُّوا بِحِلَقِ الذِّكْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اقْعُدُوا فَإِذَا دَعَا الْقَوْمُ أَمَّنُوا عَلَى دُعَائِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّوْا مَعَهُمْ حَتَّى يَفْرُغُوا ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ طُوبَى لِهَؤُلاءِ يَرْجُونَ خَيْرًا لَهُمْ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَلٍّ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ(1/168)
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ اليونينيُّ أَخْبَرَنَا الْبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن يَاسر أخبرنَا هبة الله المهرواني أخبرنَا الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله الْحرفِي قَالا حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَّلِي عَلَيْهِ صَلاةً إِلا وَهِيَ تَبْلُغُهُ يَقُولُ الْمَلَكُ فُلانٌ يُصَلِّي عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا صَلاةً
أَبُو يَحْيَى هُوَ الْقَتَّاتُ وَاسْمُهُ دِينَارٌ وَيُقَالُ عبد الرَّحْمَن
أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغَازِي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ أَرْكِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَرْحَبِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ ضَمْضَمٍ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ الْحِمْيَرِيِّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إِنَّ للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَلَكًا أَعْطَاهُ سَمْعَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ صَلاةً إِلا بَلَّغَنِيهَا وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمُ صَلاةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَانِي ذَلِكَ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ(1/169)
أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن اليونيني أخبرنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن يَاسر أخبرنَا هبة الله المهرواني أخبرنَا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ
ح وَأَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ الجندجانيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ حَدَّثَنَا بُكَيْرٌ الْحَدَّادُ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالا حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى عَليّ عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا أُبْلِغْتُهُ
لَيْسَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ نِعْمَةَ فِي كِتَابِهِ إِلَى من دمشق أخبرنَا عبد اللَّطِيف ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ التَّعَاوِيذِيِّ إِجَازَةً
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفِدَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفَرَّا أَخْبَرَنَا الْبَهَّاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا(1/170)
النَّقِيبُ أَبُو الْمَحَاسِنِ هَادِي بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحُسَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَيَّاطُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّوَّافِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلِيَّ صَلاةً
كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي أُخْرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَتَوَسَّطْ ذِكْرٌ عَنْ أَبِيهِ فِيهَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلاةِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَيِّمُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الصَّيْدَلانِيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَحْمَدَ الإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَعْنِي يَحْيَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْحَرْبِيَّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
كَذَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا(1/171)
فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ سَلامَةَ الْخَيَّاطُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبَطِّيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْعُكْبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ ابْن حَرْبٍ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاء عَفَا عَنْهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمْ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَرْفُوعًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَاللَّفْظُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَقَالَ حَسَنٌ
وَالتِّرَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ النَّقْصُ وَقِيلَ التَّبِعَةُ
أخبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجُوزِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ أَبِي الأَحْوَرِ الطُّوسِيُّ بِهَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَتْنَا حَكَّامَةُ بِنْتُ عُثْمَان ابْن دِينَارٍ حَدَّثَنِي أَبِي عُثْمَانُ عَنْ أَخِيهِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ(1/172)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْجَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاطِنِهَا أَكْثَرُكُمْ عَلِيَّ فِي دَارِ الدُّنْيَا صَلاةً إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي اللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ كِفَايَةٌ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} خَصَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ لِيُثِيبَهُمْ عَلَيْهِ
لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الزَّكِيِّ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ إِجَازَةً
ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ السَّلامِيُّ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْن إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ مَزِيزٍ الْحَمَوِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ أَخْبَرَنَا الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَبَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجرابِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلامٍ الْعَطَّارُ قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ وَقَالَ أُبَيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ أَفَأَجْعَلُ لَكَ ثُلُثَ صَلاتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّطْرُ أَكْثَرُ قَالَ فَأَجْعَلُ لَكَ شَطْرَ صَلاتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الثُّلُثَانِ أَكثر فَأَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ كُلَّهُ
وَبِهِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي(1/173)
فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيْكَ صَلاةً إِلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَجْعَلُ نِصْفَ دُعَائِي لَكَ قَالَ إِنْ شِئْتَ قَالَ أَجْعَلُ ثُلُثَيْ دُعَائِي لَكَ قَالَ إِنْ شِئْتَ قَالَ أَجْعَلُ دُعَائِي كُلَّهُ لَكَ قَالَ إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَهَمَّ الآخِرَةِ
وَبِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلِيَّ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ إِذْنًا خَاصًّا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَايِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّصَافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُذْهِبُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقِطيِعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ قَالَ إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ
لَيْسَ فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة(1/174)
أَخْبَرَتْنَا آمِنَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْكِرْمَانِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ زَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَأْمُونِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُتَوَلِّي أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجا من الْمَسْجِد فابتعته أَمْشِي وَرَاءَهُ لَا يَشْعُرُ بِي ثُمَّ دَخَل نَخْلا فَاسْتَقْبَلِ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ وَأَنَا وَرَاءَهُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَفَّاهُ فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جِئْتُهُ فَطَأْطَأْتُ رَأْسِي أنظر فِي وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ مَالك يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ لَمَّا أَطَلْتَ السُّجُودَ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوَفَّى نَفْسَكَ فَجِئْتُ أَنْظُرُ فَقَالَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ النَّخْلَ لَقِيتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ
لَيْسَ لِمُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رِوَايَةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ اليونينيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُنَجَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ اللَّتِّيِّ
ح وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِم الفضيل بن يحيى ابْن الْفُضَيْلِ الْفُضَيْلِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ(1/175)
ح وَأخْبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الصَّحَّافُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ جَعْفَرٍ النُّهَاوَنْدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ الطُّوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ أَبُو خَبَّابٍ عَنْ سَلامٍ الْحَزَّارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ دُعَاءٍ إِلا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حِجَابٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فَإِذَا صُلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَرَقَ الْحِجَابَ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ وَإِذَا لَمْ يُصَلَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْتَجَبِ الدُّعَاءُ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْحَارِثُ هُوَ الأَعْوَرُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ السَّبِيعِيُّ مِنْهُ
وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلِقَ مَعَالِقَهُ وَمَلأَ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَتَوَضَّأَ تَوَضَّأَ أَوْ أَنْ يَشْرَبَ شَرِبَ وَإِلا هَرَاقَهُ فَاجْعَلُونِي فِي وَسَطِ الدُّعَاءِ وَفِي أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ(1/176)
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا مَحْمُودٌ الزَّنْجَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدُيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمُقَوِّمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَلْحَةَ الْقَاسِمُ ابْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ خطىء طَرِيقَ الْجَنَّةِ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ رُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِ الأَلْفَاظِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلم يصل على خطىء طَرِيقَ الْجَنَّةِ
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى عَليّ مِائَةً غُفِرَ لَهُ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ السِّمْعَانِيِّ أَخْبَرَنَا عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْخفاف(1/177)
ينسابور حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَيُورَقِيُّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ الصَّيْدَلانِيُّ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هُشَيْمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رُشَيْدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْحَقُ لِلْخَطَايَا مِنَ الْمَاءِ لِلنَّارِ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ مُهَجِ الأَنْفُسِ أَوْ قَالَ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ إِجَازَةً عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّمْعَانِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّبَّاحِ الْجَزَرِيُّ الْبَيِّعُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي قُثَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ شُرَيْحِ عَن عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَن عبد الله ابْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ لآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوْقِفًا فِي فُسَحٍ مِنَ الْعَرْشِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يُنْطَلَقُ بِهِ من وَالِده إِلَى الْجَنَّةِ وَيَنْظُرُ إِلَى مَنْ يُنْطَلَقُ بِهِ مِنْ وَلَدِهِ إِلَى النَّارِ(1/178)
قَالَ فَبَيْنَا آدَمُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيُنَادِي آدَمُ يَا أَحْمَدُ يَا أَحْمَدُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ يَا أَبَا الْبَشَرِ فَيَقُولُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَأَشُدُّ الْمِئْزَرَ وَأَهْرَعُ فِي أَثَرِ الْمَلائِكَةِ وَأَقُولُ يَا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا فَيَقُولُونَ نَحْنُ الْغِلاظُ الشِّدَادُ الَّذِينَ لَا نَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَنَا وَنَفْعَلُ مَا نُؤْمَرُ فَإِذَا أَيِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي فِي أُمَّتِي فَيَأْتِيَ النِّدَاءُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ أَطِيعُوا مُحَمَّدًا وَرُدُّوا هَذَا الْعَبْدَ إِلَى الْمَقَامِ فَأُخْرِجُ مِنْ حُجْزَتِي بِطَاقَةً بَيْضَاءَ كَالأَنْمُلَةِ فَأُلْقِيهَا فِي كَفَّةِ الْمِيزَانِ الْيُمْنَى وَأَنَا أَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَتَرْجَحُ الْحَسَنَاتُ عَلَى السَّيِّئَاتِ فَيُنَادِي سَعِدَ وَسَعِدَ جَدُّهُ وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا حَتَّى أَسْأَلَ هَذَا الْعَبْدَ الْكَرِيمَ عَلَى رَبِّهِ فَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ وَأَحْسَنَ خُلُقَكَ مَنْ أَنْتَ فَقَدْ أَقَلْتَنِي عَثْرَتِي وَرَحِمْتَ عَبْرَتِي فَيَقُولُ أَنَا نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَهَذِهِ صَلاتُكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّي عَلِيَّ وَافَتْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا
وَوَجَدْتُ فِي تَارِيخِ خَلَفِ بْنِ بَشْكوَالَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْن أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَجِيءُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مَعَهُمُ الْمَحَابِرُ وَحِبْرُهُمْ خَلُوقٌ يَفُوحُ فَيَقُولُ لَهُمْ أَنْتُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ طَالَمَا كُنْتُمْ تُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّي انْطَلِقُوا بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ
قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الرَّقِّيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الْخَطِيبُ إِنَّهُ كَذَّابٌ وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ إِنَّهُ وَاضِعٌ وَضَعَ عَلَى الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثًا بَاطِلا قُلْتُ لَعَلَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ(1/179)
وروينا من حَدِيث المَقْبُري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعا من صلى عَلَيّ فِي كتاب لم تزل الْمَلَائِكَة تستغفر لَهُ مَا دَامَ ذكري فِي ذَلِك الْكتاب
وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ سُلَيْمٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا كَادِحُ بْنُ رَحْمَةَ حَدَّثَنَا نَهْشَلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ صَلاتُهُ جَارِيَةً لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ
وَعَن حَمْزَة السَّهْمِي سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المنيري يَقُول رَأَيْته يَعْنِي أَحْمَد بْن مُوسَى بْن عِيسَى الْجِرْجَانِيّ فِي النّوم بعد وَفَاته فَقلت مَا فعل اللَّه بك قَالَ غفر لي بِكَثْرَة كتبي الحَدِيث وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن سعد الزنجاني قَالَ كَانَ بِمصْر رجل زاهد يُقَال لَهُ أَبُو سَعِيد الْخياط وَكَانَ لَا يخْتَلط بِالنَّاسِ ثمَّ داوم عَلَى حُضُور مجْلِس ابْن رَشِيق فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام فَقَالَ احضر مَجْلِسه فَإِنَّهُ يكثر فِيهِ الصَّلَاة عَلِيّ
ورئي بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي الْمَنَام يَقُول غفر لي رَبِّي بصلاتي فِي كتبي عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأنشدنا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْحَنْبَلِيّ عَن الشَّيْخ يَحْيَى بْن يُوسُف الصرصري إِجَازَةً لنَفسِهِ(1/180)
(من لم يصل عَلَيْهِ إِن ذكر اسْمه ... فَهُوَ الْبَخِيل وزده وصف جبان)
(وَإِذا الْفَتى صلى عَلَيْهِ مرّة ... من سَائِر الأقطار والبلدان)
(صلى عَلَيْهِ اللَّه عشرا فليزد ... عَبْد وَلَا يجنح إِلَى نُقْصَان)
وَقلت أَنا من أرجوزة
(فصل كل لَحْظَة عَلَيْهِ ... تمحق خطاياك عَلَى يَدَيْهِ)
(وَأَنت يَا مهموم إِن أردتا ... أَنَّك تَكْفِي مَا أهم بتا)
(فَاجْعَلْ لَهُ دعاءك الجميعا ... وثق بِمَا قلت وَكن مُطيعًا)
(وَفِي حَدِيث آخر من جعلا ... كل صلَاته عَلَيْهِ سئلا)
(قَالَ إِذا يغْفر كل ذَنْبك ... فابشر بِهَذَا كُله من رَبك)
(وَاسْتعْمل اللِّسَان فِي الصَّلَاة ... فَإِنَّهَا من أقرب الطَّاعَات)
(وَمن يصل مرّة عَلَى النَّبِي ... صلى عَلَيْهِ اللَّه عشرا فاعجب)
(أَنْت الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي مره ... وربنا الَّذِي أَقَامَ أمره)
(هُوَ الْمُصَلِّي الْعشْر هَذَا فضل ... لَيْسَ لَهُ فِي القربات مثل)
(من أَجله قَالَ النَّبِي فَلْيقل ... أَو يكثر الصَّلَاة فاكثرها وَقل)
(فَضِيلَة يمحى بهَا ذَنْب الَّذِي ... أصبح وَهُوَ بِالْمَعَاصِي قد غذي)
(اتّفق النَّاس عَلَى الْفَرْضِيَّة ... وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الكمية)
(فَقَالَ قوم مرّة فِي الْعُمر ... وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل السبر)
(وَقَالَ آخَرُونَ كلما ذكر ... واعتصموا بِمَا أَتَاهُم من خبر)
(فَمن أخل بِالصَّلَاةِ إِن ذكر ... يرغم أَنفه كَذَا جَاءَ الْخَبَر)
(وَهُوَ مشير للْوُجُوب فامتثل ... وَلَا تكن مِمَّن عصى أَمر الرُّسُل)
(وَفِي حَدِيث أَنه الْبَخِيل ... وَالْبخل أَدّوا الدا وَذَا دَلِيل)(1/181)
(وَفِي حَدِيث عد فِي الحسان ... أخطا طَرِيق جنَّة الرَّحْمَن)
(من نسي الصَّلَاة يَعْنِي أهملا ... حَتَّى غَدَتْ كَمثل منسي خلا)
(أَو لَا فَمَا النسْيَان مِمَّا كلفا ... بل هُوَ مَرْفُوع بِنَصّ الْمُصْطَفى
(وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو داودا ... وَالنَّسَائِيّ قدرُوا مَوْجُودا)
(بِأَن كل فرقة تَجْتَمِع ... وَلَا تصلي فعلَيْهَا الْمجمع)
(وَهُوَ عَلَيْهَا ترة إِن شَاءَ ... تعذيبها اللَّه أَو الإغضاء)
(والترة الْمَقْصُود مِنْهَا التبعه ... وَهُوَ حَدِيث قَامَ بِالْفَرْضِ مَعَه)
(وَالْحَاكِم استدرك هَذَا فَاعْلَم ... وَقَالَ شَرط من شُرُوط الْمُسلم)
(وَالشَّافِعِيّ قَالَ قولا ثَالِثا ... بِهِ غَدا للمرسلين وَارِثا)
(عَلَيْهِ فِي كل صَلَاة راتبه ... يَأْتِي بهَا العَبْد صَلَاة واجبه)
(بل هِيَ ركن فِي صَلَاة النَّاس ... قد قَامَ بِالنَّصِّ وبالقياس)
(كل صَلَاة دونهَا خداج ... قَامَ بذا الْبُرْهَان وَالْحجاج)
(كَأَنَّهَا فَاتِحَة الْكتاب ... وَتلك نعْمَة من الْوَهَّاب)
(صلى عَلَيْهِ رَبنَا مَا ذكرا ... فَإِنَّهَا تبلغه بِلَا مرا)
(عَلَى لِسَان ملك مُسلم ... كَذَا أَتَانَا فِي صَحِيح مُسلم)
أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الصَّوَّافِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ(1/182)
ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ وَمِسْعَرٍ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ التوزري قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ ضِرْغَامٍ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرِّيٍّ الْمَقْدِسِيُّ النَّحْوِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بْنُ يحيى الْمَدِينِيّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّاء ابْن حَيُّوَيْهِ النَّيْسَابُورِيُّ لَفْظًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ أَبُو الأَشْعَثِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَتْنَا حَرَمِيَّةُ بِنْتُ تَمَّامٍ أَخْبَرَنَا عَربشاه بْنِ أَحْمَدَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْن عُمَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ فِطْرٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَوْهَرِيِّ الْحَلَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ(1/183)
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونيني وَمُحَمّد بن أبي الْعِزّ بن مشرف وَسِتُّ الْوُزَرَاءِ التَّنُوخِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الطاووسي قَالَ الثَّلَاثَة الأول أخبرنَا الْحُسَيْن بن الْمُبَارك بْنِ الزُّبَيْدِيِّ وَقَالَ الآخَرُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخَازِنُ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا مكي ابْن مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ السَّلامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ
وَأَخْبَرَنَاهُ أَيْضًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قايمازَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالا أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الزُّبَيْدِيِّ زَادَ ابْنُ قايمازَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ النَّصْرَابَاذِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ(1/184)
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ فَذَكَرَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَدَلَ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا
وَأَخْبَرَنَاهُ صَالح بن مُخْتَار الأشنوي سَمَاعًا وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ وَيُدْعَى بَكَّارَ بْنَ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ الإسعردِيَّ وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّابُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الصَّعْبِيُّ وَعَمُّهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَهَنْسِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكلوتاتي وَيَعْقُوبُ بْنُ عَوَضٍ الْمُؤَذِّنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالُوا أَخْبَرَنَا النَّجِيبُ الْحَرَّانِيُّ قَالا النَّجِيبُ وَابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَيَانٍ الرَّزَّازُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ فَذَكَرَهُ
سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَحْسَنُ مَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ قَالَ وَمَنْ أَتَى بِهَا فَقَدْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَقِينٍ وَكَانَ لَهُ الْجَزَاءُ الْوَارِدُ(1/185)
فِي أَحَادِيثِ الصَّلاةِ بِيَقِينٍ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ بِلَفْظٍ غَيْرِهَا فَهُوَ مِنْ إِتْيَانِهِ بِالصَّلاةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي شَكٍّ لأَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا كَذَا فَجَعَلَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ هِيَ قَوْلُ كَذَا قَالَ وَإِذَا قَالَهَا الْعَبْدُ فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَلَّى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَآلِهِ ثُمَّ إِذَا قَالَهَا عَبْدٌ آخَرُ فَقَدْ طَلَبَ صَلاةً أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي طَلَبَهَا الدَّاعِي الأَوَّلُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ وَإِنْ تَشَابَهَا مُفْتَرِقَانِ بِافْتِرَاقِ الطَّالِبِ وَأَنَّ الدَّعْوَتَيْنِ مُسْتَجَابَتَانِ إِذِ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَلا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَا طَلَبَهُ هَذَا غَيْرَ مَا طَلَبَهُ ذَاكَ لِئَلا يَلْزَمَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً مُمَاثِلَةً لِصَلاتِهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَآلِهِ كُلَّمَا دَعَا عَبْدٌ فَلا تَنْحَصِرُ الصَّلَوَاتُ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الَّتِي كَلَّ مِنْهَا بِقدر مَا حصل لإِبْرَاهِيم وَآلُهُ إِذْ لَا يَنْحَصِرُ عَدَدُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصَّلاةِ
وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَفْتُرُ لِسَانُهُ عَنِ الإِتْيَانِ بِهَذِهِ الصَّلاةِ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْجَوْهَرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِي بْنِ نَجْمٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بن عُثْمَان بن مُحَمَّد التورزي وَأَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ قَالُوا إِلا ابْنَ غَالِي أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ وَقَالَ ابْنُ غَالِي أَخْبَرَنَا النَّجِيبُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَافِظُ الْحَرَّانِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ الأَوَّلُ أَيْضًا وَقَالَ الثَّالِثُ أَخْبَرَنَا الْعِزُّ الْحَرَّانِيُّ أَيْضًا وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَسْطَلانِيِّ أَيْضًا قَالُوا إِلا ابْنَ الْقَسْطَلانِيِّ وَابْنُ خَطِيبِ الْمِزَّةِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ الْمِزَّةِ حُضُورًا أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْقَسْطَلانِيِّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ نَصْرٌ الْحُصْرِيُّ(1/186)
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ أَخْبَرَنَا التُّسْتَرِيُّ
ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُقَيَّرِ مُشَافَهَةً وَالْحُسَيْنُ بْنُ صَصَرَى كِتَابَةً أخبرنَا الْفضل بن سهل الإسفرايني أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ ابْن جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرو ابْن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ
لَيْسَ لِعَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ
فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الدَّعَوَاتِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلاةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَوْحٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أبي المظفر(1/187)
عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ السِّمْعَانِيِّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَفَّافُ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَيُورَقِيَّ أَخْبَرَنَا غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّوفِيُّ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ الطَّائِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ بَيَانٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّكَ هَلْ خَصَصْتَهُ بِشَيْءٍ أَوْ هَلْ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ قَالَ نَعَمْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يُحَاسِبَهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ يُصَّلِي عَلَيَّ صَلاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ أَحَدٌ مِثْلَهَا قُلْتُ فَمَا تِلْكَ الصَّلاةِ قَالَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ سَلامَةَ الْخَيَّاطُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِّيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْبَزَّارُ الْعُكْبَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّد ابْن ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلِيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ بُعِثُوا كَمَا بُعِثْتُ
يُقَالُ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ هَذَا هُوَ ابْنُ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدِيُّ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ(1/188)
وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الصَّاحِبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُوَفَّقِ بْنِ الْخَازِنِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقَرَّبِ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ الْعِيسَوِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى الأَنْبِيَاءِ كَمَا تُصَلُّونَ عَلِيَّ فَإِنَّهُمْ بُعِثُوا كَمَا بُعِثْتُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْقَائِمِينَ بِمُدَاوَاةِ الْقُلُوبِ وَعِلاجِهَا صَلاةً كَصَلَوَاتِهِمُ الْمُفْتَرَضَةِ ذَاتِ الأَرْكَانِ آمِنَةً من خداجها مَا مدت أنفس المذنبين إِلَى شَفِيعِ الْمُؤْمِنِينَ يَدَ احْتِيَاجِهَا
أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ بَدْرَانَ بْنِ بَدْرٍ الحجويُّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ شُكْرٍ قَالا أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذان أخبرنَا عبد الْخَالِق ابْن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَاغَنْدِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ(1/189)
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قايمازَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالا أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الزُّبَيْدِيِّ زَادَ ابْن قايمازَ وَابْنُ اللَّتِّيِّ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي الرَّضِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْفَرَائِضِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعْيَمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ كِلاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/190)
اللَّهُمَّ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ نَكَالا فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالا
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بن الْجَوْهَرِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِيبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَهَا عِنْدَ اللَّهِ
وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ
قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ مَا عَنَى بِذَلِكَ قَالَ نُبْلَ الرَّأْيِ
أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وَفِي حَدِيث إِن لله حرمات ثَلَاثًا من حفظهن حفظ اللَّه لَهُ أَمر دينه ودنياه وَمن ضيعهن لم يحفظ اللَّه لَهُ شَيْئا قِيلَ وَمَا هِيَ يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ حُرْمَة الْإِسْلَام وحرمتي وَحُرْمَة رحمي
وَفِي حَدِيث آخر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا أكبه اللَّه عَلَى وَجهه مَا أَقَامُوا الدّين
وَفِي حَدِيث آخر من يرد هوان قُرَيْش أهانه اللَّه(1/191)
وَفِي حَدِيث آخر أَلا من آذَى قَرَابَتي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى اللَّه عز وَجل
وَفِي حَدِيث آخر من أحب قُريْشًا أحبه اللَّه وَمن أبْغض قُريْشًا أبغضه اللَّه
وَفِي حَدِيث آخر إِذا اجْتمعت جماعات فِي بَعْضهَا قُرَيْش فَالْحق مَعَ قُرَيْش وَهِي مَعَ الْحق
وَصَحَّ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبي وسببي
وَصَحَّ أَيْضًا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَحن وَبَنُو الْمطلب هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه أَو إِنَّمَا نَحن وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد
وَفِي حَدِيث أَمَان أهل الأَرْض من الِاخْتِلَاف الْمُوَالَاة لقريش
وروى النَّسَائِيّ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بَقِي فِي النَّاس اثْنَان
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا يدْخل فِي مَعْنَاهَا مِمَّا ذكره أَصْحَابنَا فِي تصانيفهم فِي مَنَاقِب الإِمَام المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس بْن الْعَبَّاس بْن عُثْمَان بْن شَافِع بْن السَّائِب بْن عبيد بْن عَبْد يزِيد بْن هَاشم بْن الْمطلب بْن عَبْد منَاف الْقرشِي الْمَكِّيّ إيه(1/192)
وَهُوَ فِيمَا أَجِدهُ يتَرَجَّح عِنْدِي مُحَمَّد بْن فَاطِمَة بنت عبيد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَهَذَا مَا ذكر الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه أَنه سمع أَبَا نصر أَحْمد ابْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان يَقُول إِنَّه سمع إِمَام الْأَئِمَّة أَبَا بكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة يَقُول إِنَّه سمع يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشَّافِعِي فَاطِمَة وسَاق نَسَبهَا كَمَا ذكرته
وَكَانَ يُونُس يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَالشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
فَإِن قلت كَيفَ تحتج إِلَى تَرْجِيح هَذَا وَالْمَشْهُور المعزو إِلَى الشَّافِعِي نَفسه أَن أمه كَانَت من الأزد وإياه ذكر السَّاجِي والآبري وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب والأردستاني إِلَّا أَنه كناها أم حَبِيبَة الْأَزْدِيَّة وَلم يذكر الْأَولونَ لَهَا اسْما وَلَا كنية وَقيل أمه أسدية والأزد والأسد شَيْء وَاحِد وَاحْتج من قَالَ بِهَذَا القَوْل بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بَعضهم أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ أُرِيد أَن أنزل عَلَى أخوالي الأسديين فَنزل عَلَيْهِم
قلت لَا دلَالَة لَهُ فِي هَذَا عَلَى أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فِي ذَلِك قولا وفعلا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل عَلَى أخوال عَبْد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم وَأما اجْتِمَاع السَّاجِي(1/193)
والآبري وَالْبَيْهَقِيّ وَمن ذكرت عَلَى أَن أمه أزدية فَإِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ مُسْتَنده فَفِيهِ مَا ترَاهُ وَإِن كَانَ لَهُم مُسْتَند آخر فَهَلا بَينُوهُ
فَإِن قلت قد ضعف الْبَيْهَقِيّ القَوْل بِأَن أمه من ولد عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَجعل الْحمل فِيهِ عَلَى أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان من جِهَة مُخَالفَة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ وعضد ابْن الْمقري فِي كِتَابه الحافل فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي هَذَا التَّضْعِيف بِأَن دَاوُد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعت الْحَارِث بْن سُرَيج يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الحَجبي يَقُول للشَّافِعِيّ مَا رَأَيْت هاشميا قطّ قدم أَبَا بكر وَعمر عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَيْرك قَالَ الشَّافِعِي عَلِيّ ابْن عمي وَأَنا رجل من بني عَبْد منَاف وَأَنت رجل من بني عَبْد الدَّار فَلَو كَانَت هَذِهِ مكرمَة كنت أولى بهَا مِنْك وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر عَلَى مَا تحسب قَالَ ابْن الْمقري فَأنْظر كَيفَ قَالَ ابْن عمي وَلم يقل جدي وَفِي رِوَايَة ابْن عمي وَابْن خَالَتِي وَلَو كَانَ من أَوْلَاد عَلِيّ لقَالَ جدي لِأَن الجدودة أقوى من العمومة والخؤولة
قلت أما تَضْعِيف الْبَيْهَقِيّ فصادر من لين أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان عِنْده وَإِذا ضعف الرجل فِي السَّنَد ضعف الحَدِيث من أَجله وَلم يكن فِي ذَلِك دلَالَة عَلَى بُطْلَانه بل قد يَصح من طَرِيق أُخْرَى وَقد يكون هَذَا الضَّعِيف صَادِقا ثبتا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فَلَا يدل مُجَرّد تَضْعِيفه وَالْحمل عَلَيْهِ عَلَى بطلَان مَا جَاءَ بِهِ
وَأما كَلَام ابْن الْمقري فَإِنَّهُ محيل غير أَن لَك أَن تَقول إِنَّمَا اقْتصر عَلَى ذكر كَونه ابْن عَمه لِأَن الْقَرَابَة بَينهمَا من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذكر صَرَاحَة بِأَن أمه(1/194)
لَيست من أَوْلَاد عَلِيّ نعم ذكر ابْن عَبْد الحكم أَن الشَّافِعِي قَالَ لَهُ كَانَت أُمِّي من الأزد وَهَذَا نقف بِهِ الحكم بِأَنَّهَا علوِيَّة إِلَّا أَن يحمل عَلَى أَنَّهَا أزدية علوِيَّة من جِهَتَيْنِ وَللَّه درها من أَي قَبيلَة كَانَت أَمن العلويين العالين قدرا جمع اللَّه شملهم وَشَمل جمعهم أم من الأزد الَّذين قَالَ فيهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ الأزد أَزْد اللَّه فِي الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى اللَّه إِلَّا أَن يرفعهم
وَلم يكن مقصدنا هُنَا إِلَّا تَبْيِين أَنه معلم الطَّرفَيْنِ كريم الْأَبَوَيْنِ قرشي هاشمي مطلبي من الْجِهَتَيْنِ وَيَكْفِينَا فِيمَا نحاوله جِهَة الْأُبُوَّة فَإِنَّهُ قرشي مطلبي من تِلْكَ الْجِهَة قطعا وَعلي كرم اللَّه وَجهه ابْن خَالَته كَمَا هُوَ ابْن عَمه أما كَونه ابْن عَمه فَظَاهر وَأما كَونه ابْن خَالَته فَلِأَن أم السَّائِب بْن عبيد جد الشَّافِعِي هِيَ الشفا بنت الأرقم بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف وَأم هَذِهِ الْمَرْأَة خليدة بنت أَسد بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف وَأم عَلِيّ بْن أَبِي طَالب فَاطِمَة بنت أَسد بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف فَظهر أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْن خَالَته بِمَعْنى ابْن خَالَة أم جده وَالْغَرَض الْأَعْظَم تَبْيِين أَنه قرشي مطلبي وَذَلِكَ أَمر قَطْعِيّ وَمن أَجله سقنا مَا أوردناه من الْأَحَادِيث
قَالَ أَئِمَّتنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي يُؤَيّد بَعْضهَا بَعْضًا دَالَّة دلَالَة لَا مدفع لَهَا عَلَى تَعْظِيم قُرَيْش وَأَن الْحق عِنْد اخْتِلَاف الْخلق فِي جِهَتهَا وَأَن حبها حب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبغضها بغض لَهُ وَأَن من أَرَادَ إهانتها أهانه اللَّه وَأَن النَّاس تبع لَهَا وَأَن الْأَمر فِيهَا لَا يزَال مَا بَقِي فِي النَّاس اثْنَان وَأَن الْأَئِمَّة مِنْهَا وَأَن من آذاها فقد آذَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَن للْوَاحِد مِنْهَا قُوَّة الرجلَيْن من غَيرهَا فِي نبل الرَّأْي إِلَى غير ذَلِك مِمَّا وقفت عَلَيْهِ
قَالُوا وَالْإِمَام الْقرشِي الَّذِي لَا يخْتَلف عاقلان فِي أَنه من قُرَيْش هُوَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ(1/195)
عَنْهُ فَهُوَ الْمَشْهُود لَهُ بِالْإِمَامَةِ بل بانحصار الْإِمَامَة فِيهِ لِأَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش يدل بحصر الْمُبْتَدَأ عَلَى الْخَبَر عَلَى ذَلِك وَلَا نعني بِالْإِمَامَةِ إِمَامَة الْخلَافَة بل إِمَامَة الْعلم وَالدّين أَو أَعم من ذَلِك فبكل تَقْدِير إِمَامَة الْعلم وَالدّين مَقْصُودَة لِأَنَّهَا إِمَّا كل الْمَقْصُود أَو بعضه وَفِي بعض هَذَا كِفَايَة لمن يَتَّقِي اللَّه تَعَالَى ويحتاط لنَفسِهِ أَن يزِيغ عَن الْحق عَلَى عَظِيم قدر الشَّافِعِي وسديد مذْهبه وصواب رَأْيه وَأَن من عاند مذْهبه فقد عاند الْحق وباء بعظيم الْإِثْم وَمن أَرَادَ إهانته أهانه اللَّه وَلَو أَن أحدا من الْخلق غَيره ادّعى أَنه قرشي وَأَرَادَ منا هَذِهِ الْمرتبَة لقلنا لَهُ
أَولا أثبت أَنَّك أَنَّك قرشي وهيهات فكم من الْأَعْرَاب فِي هَذَا الزَّمَان من يَدعِي الشّرف وَلَا نستطيع أَن نحكم لَهُ بِهِ لعدم تَيَقّن ذَلِك أَو غَلَبَة الظَّن بِهِ
ثمَّ نقُول لَهُ ثَانِيًا يَنْبَغِي أَن تكون من التَّمَسُّك من الْعلم وَالدّين بِحَيْثُ تكون من جملَة الْقَوْم الْمشَار إِلَيْهِم فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا سنورده من أَحَادِيث أخر فَلَا أحد بعد انصرام عصر الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتّفق النَّاس عَلَى أَنه حبر مقدم فِي الْعلم وَالدّين وَأَنه من قُرَيْش سوى الشَّافِعِي
ثمَّ نقُول لَهُ ثَالِثا لَو وصلت إِلَى هَذِهِ الْمرتبَة ومناط الثريا أقرب مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَن يكون لِلْخلقِ مُنْذُ انقادوا لِقَوْلِك وَاسْتَمعُوا لمذهبك ودانوا اللَّه بمعتقدك وعبدوا الله ركعا وَسجدا بتلقينك قريب من سِتّمائَة سنة تطلع الشَّمْس وتغرب وَيَمُوت أنَاس وَيحيى آخَرُونَ وتنقرض دوَل وتنشأ دوَل ومذهبه بَاقٍ لَا ينصرم وَقَوله مُتبع لَا يتَغَيَّر
وليعلم باغي الْحق وطالب الصدْق ورائد التَّحْقِيق والسالك من سَبِيل التدقيقات كل مضيق أَن جماع صِفَات الْحَمد وَإِن تكاثرت فنونها وتعاظمت أقسامها فِي خلقي وكسبي وَإِن شِئْت قلت فِي موهبة مُبتَدأَة وعطية جهد فِيهَا طالبها والمواهب المبتدأة تكسب صَاحبهَا الْحَمد الجزيل والمدح النَّبِيل وَلَا يعود عَلَى فاقدها بالملام وَإِن نقصته عَن ذَلِك الْمقَام وَأما العطايا الكسبية الناشئة عَن كد القرائح وَجهد الْأَبدَان(1/196)
وإعمال الْقُلُوب والجوارح فَمن ترفعها يحمد صَاحبهَا
تبَارك اللَّه مَاذَا تبلغ الهمم
وَمن تقاصرها يلام إِلَى حَيْثُ يرْتَفع الممدوح بهَا إِلَى أعلا من منَاط النُّجُوم ثمَّ يترقى إِلَى مَا تتقاصر الْعُقُول عَن إِدْرَاك حَقِيقَته ويتنازل المذموم بالتقاعد عَنْهَا إِلَى أَسْفَل من حضيض التخوم إِلَى مَا يبعد الأنظار عَن سَواد شقوته وَمن يرد الرب تَعَالَى بِهِ خيرا ينله مِنْهَا مَا شَاءَ عَلَى مَا يصنع وَمن يرفع اللَّه لَا يوضع
وَهَذَا الإِمَام المطلبي أخرجه اللَّه من صميم الْعَرَب حَيْثُ ترْتَفع بيوتها فَوق السما وَمن بني مُضر حَيْثُ هِيَ جَارة ذيل الفخار والعلا ثمَّ من إكرام اللَّه تَعَالَى إِيَّاه وموهبته لَهُ لَا بمسعاه أَنه لم يخلق بعد عصر الصَّحَابَة فِي قُرَيْش مثله وَلَا أَقَامَ مِنْهُم مُدعيًا لإمامة الْعلم وَالدّين يسمع لَهُ النَّاس عَلَى مر السنين وَلَا موسوما بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ مَعَ شَهَادَة الْخلق وشهرة الِاسْم عِنْد الْخَاص وَالْعَام سواهُ
فَنَقُول وَلَا نزكي عَلَى اللَّه أحدا وَلَا نقطع عَلَى اللَّه أبدا لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِك ليتوضح أَمر إِمَامَته ويتبين للخاص وَالْعَام وَلَا يخالط الشَّك شَيْئا من الأفهام
وَقد أنْشد ابْن الْمقري فِي كِتَابه لبَعْضهِم مِمَّا يُنَاسب ذكره هُنَا
(الشَّافِعِي إِمَام كل أَئِمَّة ... تربي فضائله عَلَى الآلاف)
(ختم النُّبُوَّة والإمامة فِي الْهدى ... بمُحَمَّدين هما لعبد منَاف)
وَقد ذكر أهل الْعلم أَن اللَّه تَعَالَى حمى اسْم نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتمسى بِهِ من يَدعِي النُّبُوَّة قبل زَمَانه وَفِي إبان خُرُوجه لمثل مَا ذَكرْنَاهُ وَلَعَلَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر بعد انْقِرَاض عصر الصَّحَابَة أَن لَا يخرج من قُرَيْش متبوع فِي الْعلم وَالدّين غير الشَّافِعِي ليستقيم هَذَا الْمِنْهَاج وَلَا يخالط الْقُلُوب شَيْء من الاختلاج ثمَّ نركب من هَذَا دَلِيلا عَلَى أَنَّهُ(1/197)
الإِمَام الْمُصِيب وسنشير إِلَيْهِ فِي حَدِيث يبْعَث اللَّه عَلَى رَأس كل مائَة
وَاعْلَم أَن مَا أوردناه من الْأَحَادِيث دَال عَلَى الشَّافِعِي بِعُمُومِهِ لَا بِخُصُوصِهِ وَهَا نَحن نذْكر من الحَدِيث مَا يدل عَلَى الْخُصُوص وَلَا يخفى أَنه إِذا قَامَت دلَالَة الْخُصُوص عضدت أَدِلَّة الْعُمُوم ووصلتها إِلَى الْقطع فَإِن الْخَاص يصير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كخصوص السَّبَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى لفظ الْعُمُوم لَا سِيمَا وَتلك العمومات قد بَينا أَن بَعْضهَا يعضد بَعْضًا
فَنَقُول رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبوا قُريْشًا فَإِن عالمها يمْلَأ الأَرْض علما
وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ لَا تؤموا قُريْشًا وائتموا بهَا وَلَا تقدمُوا عَلَى قُرَيْش وقدموها وَلَا تعلمُوا قُريْشًا وتعلموا مِنْهَا فَإِن إِمَامَة الْأمين من قُرَيْش تعدل إِمَامَة الأمينين من غَيرهم وَإِن علم عَالم قُرَيْش ليسع طباق الأَرْض
وَهَذَا الحَدِيث قَالَه عَلِيّ كرم اللَّه وَجهه يَوْم حرورا لعبد اللَّه بْن عَبَّاس لما أرْسلهُ إِلَى الْخَوَارِج قَالَ قل لَهُم على م تتهموني وَأشْهد لسمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ذَلِك
ونقول فَمَا دلّ هَذَا الحَدِيث بِعُمُومِهِ عَلَى قُرَيْش وَبِه اسْتشْهد عَلِي الرِّضَا كرم اللَّه وَجهه كَذَلِك دلّ عَلَى الشَّافِعِي من بَينهم بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه وجمعنا مَعَه فِي دَار كرامته عَالم قُرَيْش الَّذِي مَلأ الأَرْض علما لَا يمتري فِي ذَلِك إِلَّا جَاهِل متعصب
قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو نعيم عَبْد الْملك بْن مُحَمَّد الْفَقِيه فِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالم قُرَيْش يمْلَأ الأَرْض علما عَلامَة بَيِّنَة أَن المُرَاد بذلك رجل من عُلَمَاء هَذِهِ الْأمة من قُرَيْش قد ظهر علمه وانتشر فِي الْبِلَاد وكتبت كتبه ودرسها الْمَشَايِخ والشبان الْأَحْدَاث فِي مجَالِسهمْ وصيروها إِمَامًا لَهُم واستظهروا أقاويله وأجروها فِي مجَالِس الْأُمَرَاء والحكام وحكموا بهَا فِي الدِّمَاء والفروج(1/198)
قَالَ وَهَذِه صفة لَا نعلمها أحاطت بِأحد إِلَّا الشَّافِعِي إِذْ كَانَ كل وَاحِد من قُرَيْش من عُلَمَاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَإِن ظهر علمه وانتشر فَإِنَّهُ لم يبلغ مبلغا يَقع تَأْوِيل هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ للْوَاحِد مِنْهُم غير نتف وَقطع من الْمسَائِل بِخِلَاف الشَّافِعِي الْقرشِي فَإِنَّهُ صنف الْكتب وَشرح الْأُصُول وَالْفُرُوع ووعت الْقُلُوب كَلَامه وازداد عَلَى مُرُور الْأَيَّام حسنا وبيانا وَبلغ الْحَد الَّذِي جَازَ للمتأول أَن يتَأَوَّل فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنه هُوَ المُرَاد مِنْهَا
قلت وَهَذَا الَّذِي ذكره أَبُو نعيم ذكره غَيره وَلَا مرية فِي صِحَّته وَإِنَّمَا بَالغ فِي تقيريره مَعَ وضوحه خشيَة من مُنَازعَة جدلي مغرور فِي شَيْء مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن اسْتَطَاعَ الْمُنَازعَة فِي شَيْء مِنْهُ فغايته أَن يَقُول عَلِيّ كرم اللَّه وَجهه أَيْضًا من عُلَمَاء قُرَيْش وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كَذَلِك وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة
فَنَقُول لَهُ من ذكرت وَإِن كَانَ فِي الْعلم وَالدّين بالمنزلة الَّتِي تفوق الشَّافِعِي إِلَّا أَن التصانيف والشهرة وَكَثْرَة الأتباع مَخْصُوصَة بِابْن إِدْرِيس هَذَا تَقْرِير كَلَام أَبِي نعيم وَغَيره
وَأَنا أَقُول وَلَئِن سلمنَا أَن أَمر من ذكرت كَذَلِك وَلَا وَالله لَا نسلم ذَلِك إِلَّا تنزلا وَلَا يَعْتَقِدهُ إِلَّا أَحمَق فَنَقُول الشَّافِعِي أَيْضًا من عُلَمَاء قُرَيْش فَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَى انحصار الْأَمر فِي شخص وَاحِد بل هُوَ دَال عَلَى أَن عَالم قُرَيْش حَيْثُ وجد مَلأ الأَرْض علما وَهُوَ عَالم قُرَيْش قولا وَاحِدًا سَوَاء كَانَ هُوَ ذَلِك الْعَالم وَلَا سواهُ أم هُوَ وَغَيره ثمَّ لَا مَذْهَب لأحد من عُلَمَاء قُرَيْش يعرف وَيتبع سواهُ فهاتوا لنا مَذْهَب قرشي حَتَّى ننقاد إِلَيْهِ
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا
وَفِي لفظ آخر فِي رَأس كل مائَة سنة رجلا من أهل بَيْتِي يجدد لَهُم(1/199)
أَمر دينهم ذكره الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ عقيبة نظرت فِي سنة مائَة فَإِذا هُوَ رجل من آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بْن الْعَزِيز وَنظرت فِي رَأس الْمِائَة الثَّانِيَة فَإِذا هُوَ رجل من آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي
قلت وَهَذَا ثَابت عَن الإِمَام أَحْمَد سقى اللَّه عَهده
وَمن كَلَامه إِذا سُئِلت عَن مَسْأَلَة لَا أعلم فِيهَا خَبرا قلت فِيهَا يَقُول الشَّافِعِي لِأَنَّهُ عَالم قُرَيْش وَذكر الحَدِيث وتأوله عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَاهُ
وَلأَجل مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة من الزِّيَادَة لَا أَسْتَطِيع أَن أَتكَلّم فِي المئين بعد الثَّانِيَة فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهَا أحد من أهل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِن هُنَا دقيقة ننبهك عَلَيْهَا
فَنَقُول لما لم نجد بعد الْمِائَة الثَّانِيَة من أهل الْبَيْت من هُوَ بِهَذِهِ المثابة وَوجدنَا جَمِيع من قِيلَ إِنَّه الْمَبْعُوث فِي رَأس كل مائَة مِمَّن تمذهب بِمذهب الشَّافِعِي وانقاد لقَوْله علمنَا أَنه الإِمَام الْمَبْعُوث الَّذِي اسْتَقر أَمر النَّاس عَلَى قَوْله وَبعث بعده فِي رَأس كل مائَة من يُقرر مذْهبه وَبِهَذَا تعين عِنْدِي تَقْدِيم ابْن سُرَيج فِي الثَّالِثَة عَلَى الْأَشْعَرِيّ فَإِن أَبَا الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِن كَانَ أَيْضًا شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِلَّا أَنه رجل مُتَكَلم كَانَ قِيَامه للذب عَن أصُول العقائد دون فروعها وَكَانَ ابْن سُرَيج رجلا فَقِيها وقيامه للذب عَن فروع هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ذكرنَا أَن الْحَال اسْتَقر عَلَيْهِ فَكَانَ ابْن سُرَيج أولى بِهَذِهِ الْمنزلَة لاسيما ووفاة الْأَشْعَرِيّ تَأَخَّرت عَن رَأس الْقرن إِلَى بعد الْعشْرين
وَقد صَحَّ أَن هَذَا الحَدِيث ذكر فِي مجْلِس أَبِي الْعَبَّاس بْن سُرَيج فَقَامَ شيخ من أهل الْعلم فَقَالَ أبشر أَيهَا القَاضِي فَإِن اللَّه تَعَالَى بعث عَلَى رَأس الْمِائَة عمر بْن عَبْد الْعَزِيز وعَلى الثَّانِيَة الشَّافِعِي وبعثك على رَأس الثلاثمائة ثمَّ أنشأ يَقُولُ(1/200)
(اثْنَان قد مضيا فبورك فيهمَا ... عمر الْخَلِيفَة ثمَّ حلف السؤدد)
(الشَّافِعِي الألمعي مُحَمَّد ... إِرْث النُّبُوَّة وَابْن عَم مُحَمَّد)
(أَرْجُو أَبَا الْعَبَّاس أَنَّك ثَالِث ... من بعدهمْ سقيا لتربة أَحْمَد)
قَالَ فصاح أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيج وَبكى وَقَالَ لقد نعى إِلَى نَفسِي وَرُوِيَ أَنه مَاتَ فِي تِلْكَ السّنة
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا الْمَبْعُوث عَلَى رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ الْقَائِم فِي أصل الدّين المناضل عَن عقيدة الْمُوَحِّدين السَّيْف المسلول عَلَى الْمُعْتَزلَة المارقين المغبر فِي أوجه المبتدعة الْمُخَالفين
وَعِنْدِي أَنه لَا يبعد أَن يكون كل مِنْهُمَا مَبْعُوثًا هَذَا فِي فروع الدّين وَهَذَا فِي أُصُوله وَكِلَاهُمَا شَافِعِيّ الْمَذْهَب والأرجح إِن كَانَ امْر منحصرا فِي وَاحِد أَن يكون هُوَ ابْن سُرَيج
وَأما الْمِائَة الرَّابِعَة فقد قِيلَ إِن الشَّيْخ أَبَا حَامِد الإسفرايني هُوَ الْمَبْعُوث فِيهَا وَقيل بل الْأُسْتَاذ سهل بْن أَبِي سهل الصعلوكي وَكِلَاهُمَا من أَئِمَّة الشافعيين وَعُظَمَاء الراسخين
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم لما رويت أَنا هَذِهِ الرِّوَايَة يَعْنِي ابْن سُرَيج والأبيات كتبوها يَعْنِي أهل مَجْلِسه وَكَانَ مِمَّن كتبهَا شيخ أديب فَقِيه فَلَمَّا كَانَ فِي الْمجْلس الثَّانِي قَالَ لي بعض الْحَاضِرين إِن هَذَا الشَّيْخ قد زَاد فِي تِلْكَ الأبيات ذكر أبي الطّيب سهل وَجعله على رَأس الأربعمائة فَقَالَ من قصيدة مدحه بهَا
(وَالرَّابِع الْمَشْهُور سهل مُحَمَّد ... أضحى عَظِيما عِنْد كل موحد)
(يأوي إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ بأسرهم ... فِي الْعلم أرجا والخطيب مؤيد)
(لَا زَالَ فِيمَا بَيْننَا حبر الورى ... للْمَذْهَب الْمُخْتَار خير مُجَدد)(1/201)
قَالَ الْحَاكِم فَلَمَّا سَمِعت هَذِهِ الأبيات المزيدة سكت وَلم أنطق وغمني ذَلِك إِلَى أَن قدر اللَّه وَفَاته تِلْكَ السّنة
قلت وَالْخَامِس الْغَزالِيّ
وَالسَّادِس الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَيحْتَمل أَن يكون الإِمَام الرَّافِعِيّ إِلَّا أَن وَفَاته تَأَخَّرت إِلَى بعد الْعشْرين وسِتمِائَة كَمَا تَأَخَّرت وَفَاة الْأَشْعَرِيّ وَمن الْعجب موت ابْن سُرَيج سنة سِتّ وثلثمائة وَالِاخْتِلَاف فِيهِ وَفِي الْأَشْعَرِيّ وَمَوْت الْأَشْعَرِيّ بعد الْعشْرين وَكَذَلِكَ موت الإِمَام فَخر الدّين بْن الْخَطِيب سنة سِتّ وسِتمِائَة وَالنَّظَر فِيهِ وَفِي الرَّافِعِيّ وتأخرت وَفَاته هَكَذَا
وَالسَّابِع الشَّيْخ تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد
وَهَؤُلَاء لَا يحسن من أحد أَن يُخَالف فيهم وَمَتى دفعنَا الْأَشْعَرِيّ وسهلا والرافعي عَن هَذَا الْمقَام كَانَ الْجَمِيع من الشَّافِعِي إِلَى ابْن دَقِيق العَبْد أَسمَاؤُهُم دَائِرَة مَا بَين مُحَمَّد وأَحْمَد
وَقد نظمت أَنا هَذَا الْمَعْنى كُله وأضفت إِلَيْهِ الأبيات السَّابِق ذكرهَا وافتتحت بالشعر السَّابِق ثمَّ ذكرت الِاخْتِلَاف فِي الْأَشْعَرِيّ ثمَّ ذكرت فِي الْبَيْت الرَّابِع الصعلوكي وَقد كَانَ سهل مِمَّن لَا يدْفع عَن هَذَا الْمقَام بِوَجْه يَتَّضِح لمشاركته للشَّيْخ أَبِي حَامِد فِي الْفِقْه وَقرب الْوَفَاة من رَأس الْمِائَة بِخِلَاف الْأَشْعَرِيّ مَعَ ابْن سُرَيج كَمَا ستعرف إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تراجمهما مَعَ زِيَادَة تصوفه وتبحره فِي بَقِيَّة الْعُلُوم ثمَّ ذكرت الِاخْتِلَاف فِي الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَذكرت من بعده إِلَى السَّابِعَة
وَهَذِه الأبيات
(اثْنَان قد مضيا فبورك فيهمَا ... عمر الْخَلِيفَة ثمَّ حلف السؤدد)
(الشَّافِعِي الألمعي مُحَمَّد ... إِرْث النُّبُوَّة وَابْن عَم مُحَمَّد)
(أَرْجُو أَبَا الْعَبَّاس أَنَّك ثَالِث ... من بعدهمْ سقيا لتربة أَحْمَد)
(وَيُقَال إِن الْأَشْعَرِيّ الثَّالِث الْمَبْعُوث ... للدّين القويم الْأَبَد)(1/202)
(وَالْحق لَيْسَ بمنكر هَذَا وَلَا ... هَذَا وعلهما امرآن فعدد)
(هَذَا لنصرة أصل دين مُحَمَّد ... كنظير ذَلِك فِي فروع مُحَمَّد)
(وضرورة الْإِسْلَام دَاعِيَة إِلَى ... هَذَا وَذَاكَ ليهتدي من يَهْتَدِي)
(وَالرَّابِع الْمَشْهُور سهل مُحَمَّد ... أضحى عَظِيما عِنْد كل موحد)
(وَقضى أنَاس أَن أَحْمَد الاسفراييني ... رابعهم وَلَا تستبعد)
(فكلاهما فَرد الورى الْمَعْدُود من ... حزب الإِمَام الشَّافِعِي مُحَمَّد)
(وَالْخَامِس الحبر الإِمَام مُحَمَّد ... هُوَ حجَّة الْإِسْلَام دون تردد)
(وَابْن الْخَطِيب السَّادِس الْمَبْعُوث إِذْ ... هُوَ للشريعة كَانَ أَي مؤيد)
(والرافعي كمثله لَوْلَا تَأَخّر ... مَوته كالأشعري وأَحْمَد)
(وَالسَّابِع ابْن دَقِيق عيد فاستمع ... فالقوم بَين مُحَمَّد أَو أَحْمَد)
(إِن تنف عَن عبد الْكَرِيم والاشعري ... وَسَهل الْمَأْثُور فِي ذَا الْمسند)
(فَانْظُر لسر اللَّه إِن الْكل من ... أَصْحَابنَا فَافْهَم وأنصف ترشد)
(هَذَا عَلَى أَن الْمُصِيب إمامنا ... أجلى دَلِيل وَاضح للمهتد)
(يَا أَيهَا الرجل المريد نجاته ... دع ذَا التعصب والمراء وقلد)
(هَذَا ابْن عَم الْمُصْطَفى وسميه ... والعالم الْمَبْعُوث خير مُجَدد)
(وضح الْهدى بِكَلَامِهِ وبهديه ... يَا أَيهَا الْمِسْكِين لم لَا تهتدي)
فصلى اللَّه عَلَى سيدنَا مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ القائمين بمداواة الْقُلُوب وعلاجها صَلَاة كصلواتهم ذَوَات الْأَركان آمِنَة من خداجها مَا مدت أنفس المذنبين إِلَى شَفِيع الْمُؤمنِينَ يَد احتياجها وَرَضي اللَّه عَن(1/203)
إمامنا المطلبي الشَّافِعِي شافي العي عَن الْكَلِمَات باعتدال مزاجها وفارع هضبات التحقيقات وراكب أثباجها والنازل من قُرَيْش فِي مُجْتَمع سيولها وملتطم أمواجها وَعَن أَصْحَابه أَصْحَاب الْوُجُوه الَّتِي تجلو الظلام بابتلاجها وفرسان المباحث يَوْم هياجها والمجتهدين عَلَى حفظ أَقْوَاله وَسِيَاق سياجها
أَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن عَبْدِ اللَّهِ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ
ح وَأَنْبَأَنَا عَنِ ابْنِ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابْنِ أَبِي نِزَارٍ حُضُورًا وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَدَانِيَّةُ سَمَاعًا قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظ أخبرنَا عَليّ ابْن أَحْمَدَ بْنِ بَسْطَامَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَمِّي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَسْطَامَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خطب قَالَ أَمَّا بَعْدُ
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ إِلا أَبُو دَاوُدَ تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَسْطَامَ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أبي عَاصِم عَن جرير ابْن حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُطَوَّلا فِي بَابِ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا بَعْدُ(1/204)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وأناأسمع أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيَّانِ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا قَالا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيُّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْخَضِرِ السُّلَمِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَلَوْ ذَهَبْتُ أُسْنِدُ مَا وَقَعَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ فِي أَمَّا بَعْدُ لَطَالَ الْفَصْلُ وَخَرَجَ إِلَى الْمَلالِ وَدَخَلَ بِهِ السَّامِعُ فِي الْكَلالِ
وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ بَابَ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا بَعْدُ وَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ وَقَوْلَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ وَذكر أَيْضًا حَدِيث عَمْرو بْن تغلب الْمُتَقَدّم وَذكر حَدِيث عَائِشَة فِي صَلَاة اللَّيْل وَحَدِيث أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة بعد الصَّلَاة فَتشهد الحَدِيث وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبَته أما بعد فَإِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار يقلون وَيكثر النَّاس(1/205)
وَقيل إِن أول من قَالَ أما بعد قس بْن سَاعِدَة وَقيل كَعْب بْن لؤَي وَقَالَ جمَاعَة إِن أول من قَالَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنَّهَا فصل الْخطاب الَّذِي أوتيه
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد النابلسي الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَن أَحْمَد بْن هبة اللَّه وَابْن أَبِي عصرون عَن أَبِي المظفر بْن السَّمْعَانِيّ أَخْبَرَنَا أَبِي الْحَافِظ أَبُو سعد أَخْبَرَنَا وجيه بْن طَاهِر بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ بهراة أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الساري حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نجدة حَدَّثَنَا سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ سمع زيادا يَقُول فصل الْخطاب الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أما بعد
وكما أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خطب قَالَ أما بعد كَذَلِك كَانَت فصحاء الْعَرَب
وَقَالَ سحبان بْن وَائِل
(لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني ... إِذا قلت أما بعد أَنِّي خطيبها)
أما بعد
فَإِنِّي من قبل أَن يكْتب لي الشَّبَاب خطّ العذار ويستجلي نظر تمييزي وُجُوه الْبشَارَة والإنذار أردد نَظَرِي فِي أَخْبَار الأخيار وأترقب أَحْوَالهم لأحيط بهَا من إسفار صبح الْأَسْفَار
(أَتَانِي هَواهَا قبل أَن أعرف الْهوى ... فصادف قلبا خَالِيا فتمكنا)
فَأطلق عُمُوم النّظر من الصغر فِيهَا ناظري وأعرب عَن الْمَبْنِيّ عَلَى السّكُون فِي ضمائري وتلقف مَا صنع السَّابِقُونَ من سحر الْكَلَام والتقط مَا فرقوه من دُرَر مجمعة عَلَى أحسن نظام(1/206)
وَكنت مِمَّن إِذا سمع صَالحا أشاع وَإِذا رأى رِيبَة دفن وَإِذ أَبْصرت محَاسِن علقت مِنْهَا مَا هاج الْعُيُون الذرفن إِلَى أَن حصلت من ذَلِك عَلَى فَوَائِد جمة ومقاصد إِذا سفرت بدورها ضوأت الدياجي المدلهمة وفرائد هِيَ فِي جيد التراجم تَمِيمَة ولمحاسنها تَتِمَّة فَرَأَيْت أَن يخلد ذَلِك فِيمَا يكْتب ويجلد وتنظم جواهره فِيمَا نقلت أنامل الْفِكر فِيهِ ويقلد
فأنزلت الشَّافِعِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِي طَبَقَات وَضربت لكل مِنْهُم فِي هَذَا الْمَجْمُوع سرادقات ورتبتهم سبع طَبَقَات كل مائَة عَام طبقَة وجمعتهم كواكب كلهَا معالم للهدى ومصابيح تجلو الدجى ورجوم للمسترقة
وَهَذَا كتاب حَدِيث وَفقه وتاريخ وأدب ومجموع فَوَائِد تنسل إِلَيْهِ الرغبات من كل حدب نذْكر فِيهِ تَرْجَمَة الرجل مستوفاة عَلَى طَريقَة الْمُحدثين والأدبا ونورد نكتا تسحر عقول الألبا
وَإِذا كَانَ مِمَّن غلب عَلَيْهِ الْفِقْه وَقلت الرِّوَايَة عَنهُ أعملنا جهدنا فِي تَخْرِيج حَدِيثه مُسْندًا منا إِلَيْهِ وَمِنْه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلم نخل الْكتاب عَن زَوَائِد تقر الْعين وفرائد يَقُول الْبَحْر الزاخر من أَيْن أَخذ مثل درها من أَيْن وفوائد يسود بهَا القرطاس وَيَوَد لَو زيد فِيهِ سَواد الْقلب وَالْبَصَر وَتسود بهَا الأوراق فَتُصْبِح أسود من الشَّمْس وَالْقَمَر
ولربما جرت مناظرة بَين كثيرين فشرحناها عَلَى وَجههَا غير تاركين للفظة مِنْهَا أَو كاينة تاريخية فأوردناها كَمَا كَانَ الدَّهْر يَأْمر فِيهَا وَينْهى
فاحتوى هَذَا الْمَجْمُوع عَلَى أشعار غَالِيَة الأسعار وحكايات لَيْسَ فِيهَا شكايات ومواعظ يصمت عِنْدهَا اللافظ ومناظرات رياضها ناضرات ومعارضات كَانَت النُّصْرَة(1/207)
فِيهَا مقارضات وأدلة تَغْدُو بدورها تَمامًا بعد أَن كَانَت أهلة وتعاليل ألذ عِنْد النديم من اليعاليل ونوادر تتبعها مواعظ وزواجر وملح لِلْحسنِ فِيهَا لمح
وكل هَذَا وَرَاء مقصودنا الْأَعْظَم فِيهِ ومرادنا الأهم الَّذِي لَا يقوم بِهِ سهر اللَّيْل وَلَا يُوفيه إِذْ أعظم مقاصدنا أَنا عِنْد الْفَرَاغ من تَرْجَمَة كل رجل أَو فِي أَثْنَائِهَا نَنْظُر فَإِن كَانَ من الْمَشْهُورين الَّذين طارت تصانيفهم فملأت الأقطار ودارت الدُّنْيَا وَلم تكتف بِمصْر من الْأَمْصَار نَظرنَا فَإِن وجدنَا لَهُ تصنيفا غَرِيبا استخرجنا مِنْهُ فَوَائِد أَو مسَائِل غَرِيبَة أَو وُجُوهًا فِي الْمَذْهَب واهية وكتبناها وَإِلَّا فَنَذْكُر وَجها غَرِيبا ذكر عَنهُ أَو مقَالَة غَرِيبَة ذهب إِلَيْهَا وشذ بهَا عَن الْأَصْحَاب وَإِن كَانَ من المقلين أعملنا جهدنا فِي حِكَايَة شَيْء من ذَلِك عَنهُ وَرُبمَا غلب الْفِقْه عَلَى إِنْسَان وَلم نر عَنهُ فِي الْفِقْه مستغربا فنقلنا عَنهُ فَائِدَة غير فقهية إِمَّا حَدِيثِيَّةٌ أَو غَيرهَا وَرُبمَا غلب عَلَيْهِ الحَدِيث أَو غَيره من الْعُلُوم سوى الْفِقْه فأعملنا جهدنا فِي نقل شَيْء من الْفِقْه أَو مَا يُنَاسِبه عَنهُ فَإِن لم نجد لَهُ شَيْئا لم نخل تَرْجَمته من حِكَايَة أَو شعر أَو فَائِدَة تستغرب
ولنضرب أَمْثِلَة يَتَّضِح بهَا الْغَرَض فَنَقُول إِذا جِئْنَا للقفال وَالشَّيْخ أَبِي حَامِد اللَّذين هما شَيخا الطريقتين الخراسانية والعراقية ويمر بالفقيه ذكرهمَا لَيْلًا وَنَهَارًا لم ننقل عَنْهُمَا شَيْئا من كتبهما الْمَشْهُورَة بل نحرص عَلَى أَن نعزو إِلَيْهِمَا شَيْئا نجده فِي كتاب لَهما مستغرب أَو فِي كتاب لغَيْرِهِمَا نَقله فِيهِ عَنْهُمَا وَلَا نكثر فِي ترجمتها من ذَلِك أَيْضًا
وَإِذا جِئْنَا إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَالشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وفخر الْإِسْلَام تِلْمِيذه مثلا أضربنا عَمَّا فِي النِّهَايَة للْإِمَام والوسيط والْبَسِيط والْوَجِيز للغزالي وعدلنا إِلَى مثل مثل الْخُلَاصَة للغزالي وَمثل الغياثي للْإِمَام(1/208)
والأساليب فِي الخلافيات وَنَحْو ذَلِك وَلَا نذْكر شَيْئا من الْمُهَذّب والتَّنْبِيه مثلا وَإِنَّمَا نعدل إِلَى النكت فِي الخلافيات وَنَحْو ذَلِك ونحرص كل الْحِرْص عَلَى أَن لَا نذْكر شَيْئا فِي الرَّافِعِيّ والرَّوْضَة إِلَّا لتَعلق غَرَض بِهِ من زِيَادَة تنكيت أَو مَبْحَث أَو حِكَايَة وَجه أَو قَول أَو غير ذَلِك كَمَا ستراه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَبِالْجُمْلَةِ لم آل جهدا وَلم أدع الْجنان يقر قراره وَلَا يهدا فَبينا الْفَقِيه مِنْهَا فِي عويص الْفُرُوع المشتبكة إِذا بِهِ فِي رياض من آدَاب تحرّك فَاقِد الْحَرَكَة وَبينا الأديب فِي نشر حلل مطرزة إِذا بِهِ فِي مواعظ وَحكم موجزة وَبينا المريد فِي سلوك الطَّرِيق إِذا بِهِ فِي أَحَادِيث مُسندَة يعلم أَنَّهَا بَاب التَّوْفِيق وَبينا المؤرخ فِي حكايات انْقَضى زمانها إِذا بِهِ قد عبر عَلَى تراجم يعز عَلَى المنقب وجدانها
وَقد جَاءَ بِحَمْد اللَّه مجموعا آخِذا من كل فن بِنَصِيب نَافِذا فِي كل غَرَض بسهمه الْمُصِيب وَهَذَا الْمظهر أجلب للمطالعة وأخلب للألباب الَّتِي أمست من الْملَل وَهِي ظالعة
وَمن نظر كتابي هَذَا علم كَيفَ كَانَ الْبَدْر يغيب وَأَنا شَاهد وتيقن أَنه وَظِيفَة عمر رجل ناقد فَلَقَد اشْتَمَل عَلَى بَحر زاخر من غرائب الْمسَائِل وَقدر وافر من عجائب الْأَقْوَال وَالْأَوْجه والدائل وغيث هامع من الْعلم تتقاصر عَنهُ الأنوا وغدير جَامع تلقى عِنْده الدلا وينشده الأذكيا
(يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... إِنِّي وجدت النَّاس يحمدونكا)(1/209)
وجانب عَظِيم من المباحث القواطع وَالْقَوَاعِد الَّتِي كل شامخ الْأنف لَدَيْهَا خاضع والفوائد الَّتِي تنشد تحقيقاتها الْمُحَقِّقين إِذا أشارت إِلَيْهَا بالأكف الْأَصَابِع
(أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع)
إيه وطرف جزيل من الطّرف وَبَاب وَاسع من الْأَدَب الَّذِي من وقف عَلَيْهِ من الأدباء وقف وهاجه شوق وتوق وأسف وَأنْشد
(وَمَا هاج هَذَا الشوق إِلَّا حمامة ... دعت سَاق حر ترحة وترنما)
(مطوقة خطباء تسجع كلما ... دنا الصَّيف وانجاب الرّبيع فأنجما)
(من الْوَرق حماء العلاطين باكرت ... عسيب أَشَاء مطلع الشَّمْس أسحما)
(إِذا زعزعته الرّيح أَو لعبت بِهِ ... تغنت عَلَيْهِ مائلا ومقوما)
(تباري حمام الجهلتين وترعوي ... إِلَى ابْن ثَلَاث بَين عودين أعجما)
(محلاة طوق لم يكن من تَمِيمَة ... وَلَا ضرب صواغ بكفيه درهما)(1/210)
(تروح عَلَيْهِ والها ثمَّ تغتدي ... مولهة تبغي لَهُ الدَّهْر مطعما)
(تؤمل فِيهِ مؤنسا لانفرادها ... وتبكي عَلَيْهِ إِن زقا أَو ترنما)
(كَأَن عَلَى أشداقه نور حنوة ... إِذا هُوَ مد الْجيد مِنْهُ ليطعما)
(فَلَمَّا اكتسى الوبل السخام وَلم تَجِد ... لَهَا مَعَه فِي ساحة الْعَيْش مرتما)
(تنحت قَرِيبا فَوق غُصْن تداءبت ... بِهِ الرّيح صرفا أَي وَجه تيمما)
(فَأَهوى لَهَا صقر مسف فَلم يدع ... لَهَا ولدا إِلَّا رماما وأعظما)
(ووافت عَلَى غُصْن ضحيا فَلم تدع ... لنائحة فِي نوحها متلوما)
(عجبت لَهَا أَنى يكون غنَاؤُهَا ... فصيحا وَلم تفغر بمنطقها فَمَا)
(فَلم أر مثلي شاقه صَوت مثلهَا ... وَلَا عَرَبيا شاقه صَوت أعجما)
وَعلم أَنه وَاضح مُبين وَكتاب يتلقاه ذُو الْمعرفَة بِالْيَمِينِ وَلَا يتَغَيَّر عَنهُ الْعَارِف بِهِ وَإِن بعد عَنهُ عَهده إِذا غير النأي المحبين
نعم وَالله إِنَّه لكتاب إِذا قَالَ أصغت الأسماع لما تلفظ بِهِ وَإِذا صال زحزح(1/211)
كل مُشكل من المشكلات ومشتبه وَإِذا صدحت بلاغته قَالَ الْعَرَبِيّ إِن حاسده أبْغض الْعَجم ناطقا إِلَى ربه
(بِاللَّفْظِ يقرب فهمه فِي بعده ... منا وَيبعد نيله فِي قربه)
كتاب أصيل بأجناس المحاسن كَفِيل وحميل لأنواع المحامد جميل وحفيل لأصناف التمادح قبيل
(مَا زَالَ يقصر كل حسن دونه ... حَتَّى تفَاوت عَن صِفَات الناعت)
ومسند مُتَّصِل عَن صِفَات النَّقْص مُنْفَصِل ومفرد مَجْمُوع يطرب من مسندات أَلْفَاظه بِلَا بدع الْمَوْصُول والمقطوع والمسموع ومترفع بأصالته عَلَى السما ومنقطع النّسَب كانقطاع مساجله عَن القرنا إِذا أنْشدهُ المنشد
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها)
أجَاب فَأَنْشد
(وَإِنِّي وَإِن كنت ابْن سيد عَامر ... وفارسها الْمَشْهُود فِي كل موكب)
(فَمَا سودتني عَامر عَن كَلَالَة ... أَبِي اللَّه أَن أسمو بِأم وَلَا أَب)
(ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رَمَاهَا بمنكب)
وَقَالَ لقد جمعت فأوعيت قاصيا ودانيا ونطقت فأسمعت ذَاهِبًا وآتيا
(وَلَو أَن واش بِالْيَمَامَةِ دَاره ... وداري بِأَعْلَى حضر موت اهْتَدَى ليا)(1/212)
وَلست أَقُول هَذَا لأنفق البضاعة بل لأشوق أَرْبَاب الصِّنَاعَة وَأجْمع عَلَى سنته أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أعرف المريدين سلوك طَرِيقه وَأبين لَهُم أَنه غير مُحْتَاج أَن يُقَام لَهُ سوق بتلفيف الْكَلَام وتلفيقه وَأَن صبح فَضله طلع فاستغلظ فَاسْتَوَى عَلَى سوقه فناديته وَهُوَ فَوق مَحل النُّجُوم وَقد تقهقر خَلفه القمران وَسُهيْل نبذ بالعراء كَأَنَّهُ مَذْمُوم وَأَقْبل حاسده وَهُوَ الصَّباح يتنفس عَلَى أَوَاخِر فجره ثمَّ يخفى كَأَنَّهُ غيظ مكظوم
(لما كرمت نطقت فِيك بمنطق ... حق فَلم أكذب وَلم أتحوب)
وناداني لِسَان الْإِنْصَاف غير متلبث صف فَأَما مَا خلوت عَنهُ فَدَعْهُ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْمِصْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ رَوَّاجٍ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ الْحَافِظُ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَصْبَهَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَعَبَّاسٌ قَالا حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ رَثَّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ أَلَكَ مَالٌ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ أَتَانِيَ اللَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَكَ مَالٌ فَلْيُرَ عَلَيْكَ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أتيت رَسُول الله(1/213)
(وأظلم أهل الظُّلم من بَات حَاسِدًا ... لمن بَات فِي نعمائه يتقلب)
وَكَأَنِّي بِمن يحْسد شمسه ضوءها ويجهد أَن يَأْتِي لَهَا بنظير ويطاول مِنْهُ الثريا وَمَا أبعدها عَن يَد المتناول فَيرجع إِلَيْهِ بَصَره خاسئا وَهُوَ حسير
(وأتعب خلق اللَّه من زَاد همه ... وَقصر عَمَّا تشْتَهي النَّفس وجده)
فَمن رام معارضته وَقَالَ كم ترك الأول للْآخر فسبيل الْحَاكِم بيني وَبَينه الْقَائِم بالنصفة أَن يَقُول مَا أَمرك برشيد أَيهَا الْقَائِل إِنَّه لقادر مَا لم تنبذ هَذَا الْكتاب وَرَاء ظهرك وتحاول قواك غير متأمل فِيهِ وَلَا نَاظر وأنشده
(وَفِي الأحباب مُخْتَصّ بوجد ... وَآخر يَدعِي مَعَه اشتراكا)
(إِذا اشتبكت دموع فِي خدود ... تبين من بَكَى مِمَّن تباكى)
وَإِن أَبى إِلَّا المطاولة فذره وَمَا حاوله ولتقل
(وَإِذا رَأَيْت الْمَرْء يشعب أمره ... شعب الْعَصَا ويلج فِي الْعِصْيَان)
(فاعمد لما تعلو فَمَا لَك بِالَّذِي ... لَا تَسْتَطِيع من الْأُمُور يدان)
وَأَنا مَعَ وصفي هَذ الْكتاب مَا أبريء كتابي وَلَا نَفسِي من شكّ وَلَا ريب وَلَا أبيعه بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب وَلَا أَدعِي فِيهِ كَمَال الاسْتقَامَة وَلَا أَقُول بِأَن الطَّبَقَات جمع سَلامَة بل إِذا دَار فِي خلدي ذكر هَذِهِ الطَّبَقَات اعْترفت بالقصور وَسَأَلت اللَّه الصفح الْجَمِيل عَمَّا جرى بِهِ الْقَلَم فكم جرى بِهَذِهِ السطور وقلم اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالْكتاب المسطور ورجوت مُسَامَحَة ناظريه فهم أهلوها وأملت جميلهم فهم أحسن النَّاس وُجُوهًا وأنضرهموها(1/215)
(أَضَاءَت لَهُم أحسابهم ووجوههم ... دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه)
وَقد اشْتَدَّ بحثي وَكثر تنقيبي عَن من صنف فِي الطَّبَقَات
فَأول من بَلغنِي صنف فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو حَفْص عمر بْن عَلِيّ المطوعي الْمُحدث الأديب صنف للْإِمَام الْجَلِيل أَبِي الطّيب سهل بْن الإِمَام الْكَبِير أَبِي سهل مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الصعلوكي كتابا سَمَّاهُ الْمَذْهَب فِي ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب وَهُوَ كتاب حسن الْعبارَة فصيح اللَّفْظ مليح الْإِشَارَة وَأَنا لم أَقف عَلَيْهِ وَلَكِن وقفت عَلَى منتخب انتخبه مِنْهُ الإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح
ثمَّ ألف القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ مُخْتَصرا ذكر فِيهِ مولد الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعد فِي آخِره جمَاعَة من الْأَصْحَاب
ثمَّ ألف الإِمَام أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ كِتَابه وَجمع فِيهِ غرائب وفوائد إِلَّا أَنه اختصر فِي التراجم جدا وَرُبمَا ذكر اسْم الرجل أَو مَوضِع الشُّهْرَة مِنْهُ وَلم يزدْ وَلذَلِك رَأَيْت فِيهِ أُنَاسًا مجهولين لم أطلع بعد شدَّة الْكَشْف عَلَى شَيْء من حَالهم
ثمَّ ألف الإِمَام الرباني شيخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كِتَابه وَهُوَ مُخْتَصر أَيْضًا وَغير مقتصر عَلَى الشافعيين بل فِيهِ الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة والحنابلة والظاهرية مَعَ كَثْرَة من جَاءَ بعد الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق من أَصْحَابنَا
ثمَّ ألف الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ كِتَابه الطَّبَقَات وَهَذَا الْكتاب لم أَقف عَلَيْهِ وَمَا أنقله فِي كتابي هَذَا عَنهُ فَهُوَ من نقل الْحَافِظ أَبِي سعد بْن السَّمْعَانِيّ أَو ابْن الصّلاح(1/216)
ثمَّ ألف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب بْن مُحَمَّد القَاضِي الشِّيرَازِيّ كتاب تَارِيخ الْفُقَهَاء لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا
ثمَّ ألف الْمُحدث أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ الْمَعْرُوف بفندق وفندق فِي أَسمَاء جدوده كتابا سَمَّاهُ وَسَائِل الألمعي فِي فَضَائِل أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا
ثمَّ جمع الشَّيْخ الإِمَام أَبُو النجيب السهروردي مجموعا لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا
ثمَّ جَاءَ الشَّيْخ ابْن الصّلاح رب الْفَوَائِد والفرائد وَمجمع الغرائب والنوادر فألف كِتَابه وَقد كَانَ رَحمَه اللَّه كَمَا يظْهر من كَلِمَاته عزم عَلَى أَن يجمع جمعا مَا بعده مطلب لمتعنت وَلَا أمل لمتمن وَلَكِن الْمنية حَالَتْ بَينه وَبَين مَقْصُوده فَقضى رَحمَه اللَّه نحبه وَالْكتاب مسودة فَأَخذه الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَاخْتَصَرَهُ وَزَاد أسامي قَليلَة جدا وَمَات أَيْضًا وَكتابه مسودة فبيضه شَيخنَا حَافظ الزَّمَان أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمزي رَحمَه اللَّه وَمن العجيب أَن الثَّلَاثَة أغفلوا حَتَّى ذكر الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج والإصطخري وَالشَّيْخ أَبِي عَلِيّ السنجي وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَابْن الصّباغ وَجَمَاعَة من الْمَشْهُورين الَّذين يطْرق سمع الشَّيْخَيْنِ أَبِي زَكَرِيَّا وَأبي عَمْرو ذكرهم لَيْلًا وَنَهَارًا وَعَشِيَّة وإبكارا
ثمَّ ألف الشَّيْخ عماد الدّين بْن باطيش كِتَابه وَهُوَ غير مستوعب أَيْضًا عَلَى كَثْرَة مَا فِيهِ وَلَا واف بِالْمَقْصُودِ
فأعملنا الهمة حَتَّى جَاءَ كتَابنَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي شرحناه والأسلوب الَّذِي سقناه وحرصت أَن لَا أذكر حِكَايَة وَلَا أثرا وَلَا شعرًا إِلَّا مُسْتَندا عَلَى طَرِيق جهابذة الْحفاظ(1/217)
فَأَما مَا سقناه من الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ فَلَقَد أوقفني بعض فُقَهَاء أَبنَاء الزَّمَان عَلَى نَحْو سَبْعَة عشر حَدِيثا وَقعت لَهُ من طرق جمَاعَة من الْفُقَهَاء الشافعيين وَهُوَ قد تبجح بهَا وأفردها بِمَجْمُوع وَظن أَنه قد أَتَى بمدفوع عَن سواهُ وممنوع وَمَا حسب أَن سهر الدجى يطلع عَلَى أنجم غَائِبَة ودأب الْقلب يُوصل إِلَى مَا تتقاصر عَنهُ السِّهَام الصائبة وَالْجد فِي السَّعْي يتعالى بِنَفسِهِ عَن أَن يطلع إِلَّا شموسا بعد أقمار ويستخرج مَا يقل لَهُ أَن يكْتب بسواد اللَّيْل عَلَى بَيَاض النَّهَار
فَأَنا وَللَّه الْحَمد قد أسندت فِي كتابي هَذَا حَدِيث الْمُزنِيّ وَأبي ثَوْر وَأبي عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بْن يَحْيَى الشَّافِعِي ومُحَمَّد بْن الإِمَام الشَّافِعِي وَأبي بكر الصَّيْرَفِي وَأبي عبيد بْن حربويه وَابْن سُرَيج والْحَارث المحاسبي والجنيد وَأبي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ والداركي وَأبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأبي بكر بْن إِسْحَاق الصبغي وَالشَّيْخ أَبِي حَامِد الإسفرايني والأستاذ ابْن أَبِي سهل وَابْنه سهل الصعلوكيين والقفال الْكَبِير والماسرجسي وَأبي بكر الدقاق والحليمي والأستاذ أَبِي إِسْحَاق وَأبي جَعْفَر التِّرْمِذِيّ وَأبي زَكَرِيَّا السكرِي وَابْن فورك وَأبي جَعْفَر البحائي وَالْقَاضِي أَبِي عمر البسطامي(1/218)
وَأبي عَبْد اللَّه الْبَيْضَاوِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطّيب والأستاذ أَبِي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وتلميذيه الْغَزالِيّ وإلكيا وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وتلميذيه فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي ويوسف بْن عَلِيّ الزنجاني وَأبي حَاتِم الْقزْوِينِي وَالْإِمَام أَبِي المظفر بْن السَّمْعَانِيّ وولديه الإِمَام أَبِي بكر والْحَسَن وَأبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وَأبي سهل الأبيوردي وَأبي الْعَبَّاس الأبيوردي وَأبي سَعِيد الْخَوَارِزْمِيّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَابْن الصّباغ ووالده أَبِي مَنْصُور بْن الصّباغ والفوراني وَالْبَغوِيّ وَأبي بكر الصَّيْرَفِي وناصر الْعمريّ وَأبي الْحُسَيْن الحلابي وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر الشَّامي ومُحَمَّد بْن بَيَان الكازروني وَابْن برهَان وَالْقَاضِي أَبِي عَلِيّ الفارقي وتلميذه ابْن أَبِي عصرون وَأبي نصر الْقشيرِي وَالشَّيْخ الطوسي ويعيش بْن صَدَقَة الفراتي والمجير الْبَغْدَادِيّ وَجَمَاعَة يضيق الأنفاس عدهم ويضيع القرطاس سردهم
وَلم أترك الْإِسْنَاد إِلَّا عَن المكثرين كَأبي طَاهِر الزيَادي وسليم الرَّازِيّ والأستاذ أَبِي الْقَاسِم الْقشيرِي وَنصر الْمَقْدِسِي وَصَاحب الْبَحْر الرَّوْيَانِيّ وَغَيرهم أَو من عزت علينا رِوَايَته وهم بِحَمْد اللَّه قَلِيل من كثير وَمن كَانَ من الْحفاظ ذَوي الْإِكْثَار(1/219)
كأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالربيع بْن سُلَيْمَان وَأبي عوَانَة الإسفرايني وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَأبي بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَالْحَاكِم أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ والحفاظ أَبِي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي بكر البرقاني وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَأبي بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم
مَعَ أَن من أخليته من إِسْنَاد حَدِيث فَلم أخله من إِسْنَاد شعر أَو حِكَايَة وعَلى أَنَّك إِذا اعْتبرت الْكتاب وجدته مشحونا بِحَدِيثِهِمْ لكثرته فِي غير تراجمهم
وَالله المسؤل أَن يتقبله بِقبُول حسن وَأَن يعين عَلَى إكماله فِي أقرب زمن وَهَذَا حِين الشُّرُوع وَالله الْمُسْتَعَان
وَلَا يَنْبَغِي أَن يمل النَّاظر فِي هَذَا الْكتاب طول الْأَسَانِيد وَكَثْرَة الأناشيد والاستطراد الْمَزِيد فَإِنَّهُ لذَلِك وضع وَلِهَذَا الْقَصْد جمع وعَلى أَعْوَاد هَذِهِ الْقَوَاعِد رفع
وسترى فِيهِ من الْفَوَائِد مَا لَا يُوجد فِي مَجْمُوع وَمن الفرائد مَا يطرب مِنْهُ المسموع وَمن الزَّوَائِد مَا هُوَ فَوق فرق الفرقد مَوْضُوع
وَأما الشّعْر فقد سَمعه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِن مِنْهُ لحكما ونطق بِهِ جَمَاهِير الصَّحَابَة وَعدد بَالغ من أَحْبَار الْأمة وإمامنا الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مقدم التالين للصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِي ذَلِك
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عربشاه بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم(1/220)
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً
حَدِيثُ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْسَلا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ بَيِّنٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ وَذَكَرَهُ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَقَالَ غَرِيبٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَنَقَلَهُمَا عَنْهُ أَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ(1/221)
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الذَّمِّ لِلسَّعَةِ وَالتَّصَنُّعِ فِي الْكَلامِ وَالتَّكَلُّفِ بِتَحْسِينِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِ السَّامِعِينَ فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ السِّحْرِ الَّذِي يُخَيِّلُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَالسِّحْرُ مَذْمُومٌ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ مُشَبَّهٌ بِهِ
وَالثَّانِي قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ إِنَّ الْقَصْدَ بِهِ مَدْحُ الْبَيَانِ وَالْحَثُّ عَلَى تَخَيُّرِ الأَلْفَاظِ وَالتَّأَنُّقُ فِي الْكَلامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحِرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا فَيَتَكَلَّفُ الْعَالِمُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَيُجْهِلُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا فَعَرْضُكَ كَلامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلا يُرِيدُهُ
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بن الْحسن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي سَنَةِ ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى السَّلامِيُّ الشَّاعِرُ بِفَائِدَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي(1/222)
أَبُو بَكْرٍ مُفَضَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي أَبُو تَمَّامٍ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي صُهَيْبُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَا الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي الْفَرَزْدَقُ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي أَبِي حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الشَّاعِرُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهْجُ الْمُشْرِكِينَ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ قَالَ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَا مَعَك وَفِي رِوَايَة اهجم أَو اهجهم وَجِبْرِيلُ مَعَكَ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَهِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قَالَ فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَ حَسَّانٍ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا حَافِظُ الدُّنْيَا أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمزي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي سَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّحَّاسِ الْحَلَبِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو طَاهِر على(1/223)
ابْن سَعِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَاذَشاه أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ هُذَيْلِ بن مسْعدَة الْبَاهِلِيّ حَدثنَا شُعْبَة بن دخال الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ سَجْعٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ بِهِ يُعْطَى السَّائِلُ وَبِهِ يُكْظَمُ الْغَيْظُ وَبِهِ يُؤْتَى الْقَوْمُ فِي نَادِيهِمْ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَرَوَاهُ الْحَارِثُ ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ هُذَيْل عَن عمربن شُعْبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْيَمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ فَذَكَرَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى ابْن مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ قَالَ الشَّرِيدُ كُنْتُ رِدْفًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَنْشِدْنِي فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتُّ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ إِنَّ الشَّرِيدَ قَالَ رَدَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم(1/224)
يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ فَقَالَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ فَقَالَ هِيهْ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ
وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَنْشَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فَقَالَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَادَ لَيُسْلِمُ
وَفِي أُخْرَى وَلَقْد كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ
فَإِن قلت مَا تَقولُونَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا
وَهَذَا حَدِيث ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ
وَمن حَدِيث ابْن عمر أَيْضًا فِي صَحِيح البُخَارِيّ لَكِن لَيْسَ فِيهِ حَتَّى يرِيه
وَمن حَدِيث سعد بْن أَبِي وَقاص فِي صَحِيح مُسلم وَلَفظه لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا(1/225)
وَفِي مُسلم أَيْضًا من حَدِيث أَبِي سَعِيد بَينا نَحن نسير مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرج إِذْ عرض شَاعِر ينشد فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَان أَو أَمْسكُوا الشَّيْطَان لِأَن يمتلىء جَوف رجل قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا
وَأخرج الإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنده من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرُؤ الْقَيْس صَاحب لِوَاء الشُّعَرَاء إِلَى النَّار
وَهَذِه أَحَادِيث دَالَّة عَلَى ذمّ الشّعْر وَهِي تعَارض مَا قدمتم فَكيف الْحَال
قلت قَالَ قَائِلُونَ إِنَّمَا أَرَادَ بالشعر الَّذِي ذمه الشّعْر الَّذِي هُوَ هجو لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حملا لمُطلق هَذَا الحَدِيث عَلَى مُقَيّد حَدِيث آخر رُوِيَ من حَدِيث جَابر بْن عَبْد اللَّه وَعبد اللَّه بْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِ الْكَامِلِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْملك ابْن مُسَرِّحٍ حَدَّثَنِي عَمِّي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شِعْرًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَمْ يَحْفَظِ الْحَدِيثَ إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ
وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ قَاطِعًا لِكُلِّ وَهْمٍ وَلَكِنَّهُ لَا يَكَادُ يُثْبَتُ وَابْنُ عَدِيٍّ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ الْكَلْبِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ السَّائِب(1/226)
وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَنْ يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ
قلت النَّضر بْن مُحرز قَالَ الْعقيلِيّ هُوَ الْمروزِي وَأَنا لَا أعرف الْمروزِي إِلَّا النَّضر بْن مُحَمَّد لَا ابْن مُحرز وَكِلَاهُمَا يروي عَن ابْن الْمُنْكَدر
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو سَعْدِ بْنُ السِّمْعَانِيِّ فِي خُطْبَةِ الذَّيْلِ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ النَّضر ابْن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالنَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مَا عَرَفْتُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَى نَاسِخٍ وَمَا هُوَ الأَزْدِيُّ بَلِ الْمَرْوَزِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ الْكَلْبِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ التَّيْمِيُّ أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْن عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله(1/227)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ وَالْكَلْبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ تَرَكُوهُ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهَا ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلى جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شعرًا هجيب بِهِ
وَفِي سنَن أَبِي دَاوُد رَحمَه اللَّه بعد مَا ذكر حَدِيث لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا قَالَ أَبُو عَلِيّ بَلغنِي عَن أَبِي عبيد أَنه قَالَ وَجهه أَن يمتلىء قلبه حَتَّى يشْغلهُ عَن الْقُرْآن وَذكر اللَّه فَإِذا كَانَ الْقُرْآن وَالْعلم الْغَالِب فَلَيْسَ جَوف هَذَا ممتلئا عندنَا من الشّعْر
قلت وَأَبُو عَلِيّ هُوَ اللؤْلُؤِي رَاوِي السّنَن عَن أَبِي دَاوُد
فَإِن قلت فَمَا قَوْلكُم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي كتاب الطِّبّ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي
قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ يَعْنِي شُرْبَ التِّرْيَاقِ انْتَهَى
وَرَوَاهُ أَيْضًا الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ فَذكره(1/228)
فَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي غَايَةِ الْمَدْحِ لِلشِّعْرِ أَوْ فِي غَايَةِ الذَّمِّ لَهُ
قُلْتُ الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ وَلَمْ أَرَ لأَحَدٍ عَلَيْهِ كَلامًا شَافِيًا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَنَاكِيرِ حَدِيثُهُ فِي الْمُضَرِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ بَعْضَ هَذَا
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فِي اخْتِلافِ الْحَدِيثِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْمَعُ بِالتِّرْيَاقِ الأَكْبَرِ نُتَفٌ مِمَّا أُنْشِدَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الأَشْعَارِ وَالأَرَاجِيزِ
وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَسْمَعُ الْمَدَحَةَ وَيُجِيزُ وَذَلِكَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ يُجِيزُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاسِعِ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي الأَبْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ المندائيِّ وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زَوْجِ الْحُرَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ النَّحْوِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ(1/229)
مُتَنَكِّرًا حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْعَدَهُ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ أَتَاهُ بِهِ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ بِعِمَامَتِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلامِ فَبَسَطَ يَدَهُ فَحَسَر عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بِكَ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فَتَجَّهَمَتْهُ الأَنْصَارُ وَأَغْلَظَتْ لَهُ لِمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَأَحَبُّوا إِيمَانَهُ وَإِسْلامَهُ فَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدَهُ مُدْحَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا
(بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولٌ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يُشْفَ مَكْبُولُ)
حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ
(وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله ... لَا ألهينك إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ)
(كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول)
(نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ)
(فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلهمْ ... بِبَطن مَكَّة لما أَسْلمُوا زولوا)
(زَالُوا فَمَا زَالَ أنكاس وَلَا كشف ... عِنْد اللِّقَاءِ وَلا مَيْلٌ مَعَازِيلُ)
(لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نحورهم ... وَمَا لَهُم عَن حِيَاض الْمَوْتِ تَهْلِيلُ)
فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ كَأَنُّه يُومِي إِلَيْهِمْ أَنِ اسْمَعُوا حَتَّى قَالَ
(يَمْشُونَ مشي الْجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إِذا عرد السُّودَ التَّنَابِيلُ)
يُعَرِّضُ بِالأَنْصَارِ لِغِلْظَتِهِمْ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَتْ قُرَيْشٌ مَا قَالَ وَقَالَتْ لَمْ تَمْدَحْنَا إِذْ تَهْجُوهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ حَتَّى قَالَ(1/230)
(مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الأَنْصَارِ)
(الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَسَطْوَةِ الْجَبَّارِ)
(يَتَطَهَّرُونَ كَأَنَّهُ نُسُكٌ لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنَ الْكُفَّارِ)
(صَدَمُوا قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ صَدْمَةً ... زَالَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ)
فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ آلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بَعْدَهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَهِيَ الْبُرْدَةُ الَّتِي يَلْبَسُهَا الْخُلَفَاءُ فِي الْعِيدَيْنِ زَعَمَ ذَلِكَ أَبَانٌ
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ الْمَلِكِ الْمُغِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ أَوْ أَوَائِلِ الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَالْمُسْنِدُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مَرَّةً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أُخْرَى بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ أَخْبَرَنَا صَنِيعَةُ الْمَلِكِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ الله بن يحيى ابْن حَيْدَرَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن سَعِيدِ بْنِ النَّحَّاسِ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الرَّحِيم البرقي أخبرنَا بو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ وَلَمَّا قَدِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُنْصَرفه(1/231)
مِنَ الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى إِلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رِجَالا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ ابْنُ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إِلَى نَجَاتِكَ مِنَ الأَرْضِ وَكَانَ كَعْب قد قَالَ
(أَلا أبلغا عني بجيرا رِسَالَة ... فَهَل لَك فِيمَا قلت وَيحك هَل لكا)
(فَبين لنا إِن كنت لست بفاعل ... عَلَى أَي شَيْء غير ذَلِك دلكا)
(عَلَى خلق لم تلف أما وَلَا أَبَا ... عَلَيْهِ وَلم تدْرك عَلَيْهِ أَخا لكا)
(فَإِن أَنْت لم تفعل فلست بآسف ... وَلَا قَائِل إِمَّا عثرت لعا لكا)
(سقاك بهَا الْمَأْمُون كأسا روية ... فأنهلك الْمَأْمُون مِنْهَا وعلكا)
قَالَ ابْن هِشَام ويروي الْمَأْمُور قلت أَنا ويروى أَبُو بكر قَالَ وَبعث بهَا إِلَى بجير فَلَمَّا أَتَت بجيرا كره أَن يكتمها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنشده إِيَّاهَا فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع سقاك بهَا الْمَأْمُون صدق وَإنَّهُ لكذوب أَنا الْمَأْمُون وَلما سمع عَليّ خلق لم تلف أما وَلَا أَبَا عَلَيْهِ قَالَ أجل لم يلف عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أمه ثمَّ قَالَ بجير لكعب(1/232)
(من مبلغ كَعْبًا فَهَل لَك فِي الَّتِي ... تلوم عَلَيْهَا بَاطِلا وَهِي أحزم)
(إِلَى اللَّه لَا الْعُزَّى وَلَا اللات وَحده ... فتنجو إِذا كَانَ النجَاة وتسلم)
(لَدَى يَوْم لَا ينجو وَلَيْسَ بمفلت ... من النَّاس إِلَّا طَاهِر الْقلب مُسلم)
(فدين زُهَيْر وَهُوَ لَا شَيْء دينه ... وَدين أَبِي سلمى عَلَي محرم)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَإِنَّمَا يَقُول كَعْب الْمَأْمُون لقَوْل قُرَيْش الَّذِي كَانَت تَقوله لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا بلغ كَعْبًا الْكتاب ضَاقَتْ بِهِ الأَرْض وأشفق عَلَى نَفسه وأرجف بِهِ من كَانَ فِي حاضره من عدوه فَقَالُوا هُوَ مقتول فَلَمَّا لم يجد من شَيْء بدا قَالَ قصيدته الَّتِي يمدح فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ خرج حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل عَلَى رجل كَانَت بَينه وَبَينه معرفَة فعداه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صَلَاة الصُّبْح فصلى مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ أَشَارَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا رَسُول الله فَقُمْ إِلَيْهِ فاستأمنه فَذكر لي أَنه قَامَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَوضع يَده فِي يَده وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعرفهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ إِن كَعْب بْن زُهَيْر قد جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَكَ تَائِبًا مُسلما فَهَل أَنْت قَابل مِنْهُ إِن أَنا جئْتُك بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ أَنا يَا رَسُول اللَّهِ كَعْب بْن زُهَيْر
قَالَ ابْن إِسْحَاق فحَدَّثَنِي عَاصِم بْن عمر بْن قَتَادَة أَنه وثب عَلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ دَعْنِي وعدو اللَّه أضْرب عُنُقه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه عَنْك فَإِنَّهُ قد جَاءَ تَائِبًا فازعا قَالَ فَغَضب كَعْب عَلَى هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار(1/233)
لما صنع بِهِ صَاحبهمْ وَذَلِكَ أَنه لم يتَكَلَّم فِيهِ رجل من الْمُهَاجِرين إِلَّا بِخَير فَقَالَ قصيدته الَّتِي قَالَ حِين قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول ... متيم إثْرهَا لم يفد مكبول)
قلت إثْرهَا بكسرة وَسُكُون وَهُوَ إِمَّا ظرف لمتيم مُتَعَلق بِهِ وَإِمَّا حَال من ضَمِيره فَيتَعَلَّق بِكَوْن مَحْذُوف
ومكبول اسْم مفعول من كَبله وكبله مشددا إِذا وضع فِي رجله الكبل بِفَتْح الْكَاف وَقد يكسر وَهُوَ الْقَيْد
(وَمَا سعاد غَدَاة الْبَين إِذْ رحلوا ... إِلَّا أغن غضيض الطّرف مَكْحُول)
سعاد علم مرتجل يَعْنِي بِهِ امْرَأَة يهواها حَقِيقَة أَو ادِّعَاء وَقد أعَاد ذكرهَا وَالْأَصْل وَمَا هِيَ فأناب الظَّاهِر عَن الْمُضمر تلذذا بِذكر اسْم المحبوب وَسَهل ذَلِك أَنَّهُمَا فِي جملتين مستقلتين وَبَينهمَا جملَة فاصلة
(تجلو عوارض ذِي ظلم إِذا ابتسمت ... كَأَنَّهُ منهل بِالرَّاحِ مَعْلُول)
الْعَوَارِض جمع عارضة وَقيل عَارض ثمَّ اخْتلف فِي مَعْنَاهَا فَقيل الْأَسْنَان كلهَا وَقيل بل ضواحكها وَهِي مَا بعد الأنياب وَقيل الضواحك والأنياب وَقيل الرباعيات والأنياب وَقيل غير ذَلِك
وَقَوله ذِي نعت لمَحْذُوف أَي ثغر ذِي
وظلم بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَاء الْأَسْنَان وبريقها وَشدَّة بياضها
ومنهل بِضَم الْمِيم اسْم مفعول من أنهله إِذا سقَاهُ النهل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشّرْب الأول
والراح هُنَا الْخمر أَو الارتياح أَو جمع رَاحَة(1/234)
(شجت بِذِي شبم من مَاء محنية ... صَاف بأبطح أضحى وَهُوَ مشمول)
شبم بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْبرد الشَّديد أَي بِمَاء ذِي برد
ومحنية بِفَتْح الْمِيم والحاء الْمُهْملَة وَالنُّون الْمَكْسُورَة من حنوت وَهُوَ مَا انعطف من الْوَادي
والأبطح مسيل المَاء
ومشمول ضَربته ريح الشمَال
(تَنْفِي الرِّيَاح القذى عَنهُ وأفرطه ... من صوب سَارِيَة بيض يعاليل)
أفرطه أَي ملأَهُ
والسارية السحابة
وبيض فَاعل أفرطه وَاخْتلف فِي الْبيض اليعاليل قِيلَ الْجبَال المرتفعة وَقيل الْبيض السَّحَاب واليعاليل الَّتِي تَجِيء مرّة بعد أُخْرَى
(أكْرم بهَا خلة لَو أَنَّهَا صدقت ... موعودها أَو لَو ان النصح مَقْبُول)
(لَكِنَّهَا خلة قد سيط من دَمهَا ... فجع وولع وإخلاف وتبديل)
سيط بِالسِّين الْمُهْملَة وَيُقَال بِالْمُعْجَمَةِ خلط
وفجع مصدر فجعه إِذا أَصَابَهُ بمكروه
وولع مصدر ولع بِالْفَتْح إِذا كذب
(فَمَا تدوم عَلَى حَال تكون بهَا ... كَمَا تلون فِي أثوابها الغول)
(وَلَا تمسك بالعهد الَّذِي زعمت ... إِلَّا كَمَا يمسك المَاء الغرابيل)(1/235)
(فَلَا يغرنك مَا منت وَمَا وعدت ... إِن الْأَمَانِي والأحلام تضليل)
(كَانَت مواعيد عرقوب لَهَا مثلا ... وَمَا مواعيدها إِلَّا الأباطيل)
(أَرْجُو وآمل أَن تَدْنُو مودتها ... وَمَا إخال لدينا مِنْك تنويل)
(أمست سعاد بِأَرْض مَا يبلغهَا ... إِلَّا الْعتاق النجيبات الْمَرَاسِيل)
(وَلنْ يبلغهَا إِلَّا عذافرة ... لَهَا عَلَى الأين إرقال وتبغيل)
عذافرة مهمل الأول مضمومه مُعْجم الثَّانِي وَهِي النَّاقة الصلبة الْعَظِيمَة
والإرقال نوع من السّير الخبب
والتبغيل مشي فِيهِ اخْتِلَاف يشبه سير البغال
(من كل نضاخة الذفري إِذا عرقت ... عرضتها طامس الْأَعْلَام مَجْهُول)
الذفري مَا تَحت الْأذن من يَمِين الرَّقَبَة وشمالها
والنضخ أغْلظ من الرشح
وعرضتها من قَوْلهم فلَان عرضة للسَّفر أَي قوى عَلَيْهِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مطيقة لقطع طامس الْأَعْلَام من الأَرْض
(ترمي الغيوب بعيني مُفْرد لهق ... إِذا توقدت الحزان والميل)
الْمُفْرد ثَوْر الْوَحْش شبه بِهِ النَّاقة
اللَّهق الْأَبْيَض(1/236)
والحزان جمع حزيز وَهُوَ الغليظ من الأَرْض وَالْمعْنَى أَن هَذِهِ النَّاقة قَوِيَّة عَلَى السّير فِي الهواجر إِذا توقدت هَذِهِ الْمَوَاضِع من الْحر
(ضخم ملقدها فَعم مقيدها ... فِي خلقهَا عَن بَنَات الْفَحْل تَفْضِيل)
الْمُقَلّد مَوضِع القلادة
الفعم الممتلىء
الْمُقَيد مَوضِع الْقَيْد
فِي خلقهَا أَي هَذِهِ تفضل النوق والنوق بَنَات الْفَحْل
(غلباء وجناء علكوم مذكرة ... فِي دفها سَعَة قدامها ميل)
غلباء عَظِيمَة الرَّقَبَة
وجناء عَظِيمَة الوجنتين
(وجلدها من أطوم لَا يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول)
(حرف أَخُوهَا أَبوهَا من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل)
الْحَرْف النَّاقة الضامر
والمهجنة من قَوْلهم أهجنت النَّاقة إِذا حمل عَلَيْهَا فِي صغرها كَذَلِك الصبية تزوج قبل بُلُوغهَا
والقوداء الطَّوِيلَة
قَوْله أَخُوهَا أَبوهَا وعمها خالها مِثَال هَذَا أَن فحلا ضرب أمه فَوضعت ذكرا(1/237)
وَأُنْثَى ثمَّ ضرب الْفَحْل الْأُنْثَى فَوضعت ذكرا ثمَّ ضرب الذّكر أمه فَوضعت أُنْثَى فَهَذِهِ الْأُنْثَى هِيَ الْحَرْف الَّتِي أَبوهَا أَخُوهَا من أمه وعمها الذّكر الأول وَهُوَ خالها لِأَنَّهُمَا توأمان أَعنِي الذّكر الأول وَالْأُنْثَى الَّتِي هِيَ أم هَذِهِ الْحَرْف ذكره التبريزي والكندي
(يمشي القراد عَلَيْهَا ثمَّ يزلقه ... مِنْهَا لبان وأقراب زهاليل)
أَي إِذا دب القراد عَلَيْهَا لَا يثبت لملاستها وسمنها واللبان من صدر الْفرس حَيْثُ يجْرِي عَلَيْهِ اللبب
والأقراب جمع قرب وَهِي الخاصرة
والزهاليل الملس جمع زهلول
(عيرانة قذفت بالنحض عَن عرض ... مرفقها عَن بَنَات الزُّور مفتول)
عيرانة نَاقَة صلبة تشبه عير الْوَحْش فِي صلابتها
والنحض اللَّحْم
عَن عرض أَي اعْتِرَاض
قذفت بِاللَّحْمِ رميت بِهِ
والزور الصَّدْر وَبَنَات الصَّدْر مَا حواليه يَعْنِي مرفقها جَاف فَهُوَ ينبو عَن الصَّدْر
والمفتول المدمج الْمُحكم
(كَأَن مَا فَاتَ عينيها ومذبحها ... من خطمها وَمن اللحيين برطيل)
مَا فَاتَ عينيها الَّذِي تقدمه
مذبحها منحرها
الخطم الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الخطام وَقيل الْأنف
واللحيان العظمان تنْبت عَلَيْهِمَا اللِّحْيَة
والبرطيل حجر مستطيل وصفهَا بكبر الرَّأْس وعظمه(1/238)
(تمر مثل عسيب النّخل ذَا خصل ... فِي غارز لم تخونه الأحاليل)
الخصل جمع خصْلَة من الشّعْر
والغارز هُنَا الضَّرع
لم تخونه تنقصه
والأحاليل جمع إحليل وَهُوَ الَّذِي يخرج مِنْهُ اللَّبن
(قنواء فِي حرتيها للبصير بهَا ... عتق مُبين وَفِي الْخَدين تسهيل)
قنواء فعلاء من القنا نَاقَة قِنَا
والحرتان الأذنان
(تخدي عَلَى يسرات وَهِي لاحقة ... ذوابل وقعهن الأَرْض تَحْلِيل)
الخدي ضرب من السّير
واليسرات قَوَائِمهَا
واللاحقة الضامرة
والتحليل من تَحِلَّة الْيَمين أَي وقعها عَلَى الأَرْض قَلِيل كَمَا يفعل الْيَسِير تَحِلَّة الْيَمين
(سمر العجايات يتركن الْحَصَا زيما ... لم يقهن رُءُوس الأكم تنعيل)
العجايات جمع عجاية بِعَين مَضْمُومَة ثمَّ جِيم ثمَّ ألف ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ ألف ثمَّ تَاء مثناة وَيُقَال عجاوة بواو بدل آخر الْحُرُوف وَهِي عصب قَوَائِم قَوَائِم الْإِبِل وَالْخَيْل
والزيم المتفرق أَي لقُوَّة جريها تتْرك الْحَصَى مُتَفَرِّقَة(1/239)
(كَأَن أَوب ذراعيها إِذا عرقت ... وَقد تلفع بالقور العساقيل)
(يَوْمًا يظل بِهِ الحرباء مصطخدا ... كَأَن ضاحيه بالشمس مملول)
(وَقَالَ للْقَوْم حاديهم وَقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الْحَصَا قيلوا)
(شدّ النَّهَار ذِرَاعا عيطل نصف ... قَامَت فجاوبها نكد مثاكيل)
(نواحة رخوة الضبعين لَيْسَ لَهَا ... لما نعي بكرها الناعون مَعْقُول)
(تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عَن عَن تراقيها رعابيل)
(يسْعَى الوشاة جنابيها وَقَوْلهمْ ... إِنَّك يَا ابْن أبي سلمت لمقتول)
(وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله ... لَا ألهينك إِنِّي عَنْك مَشْغُول)(1/240)
(فَقلت خلوا سبيلي لَا أبالكم ... فَكل مَا قدر الرَّحْمَن مفعول)
(كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول)
الْآلَة الحدباء الْآلَة الصعبة وَهِي الْمَوْت وَقيل النعش نَفسه وَلَعَلَّه الْأَصَح
(أنبئت أَن رَسُول الله أوعدني ... وَالْعَفو عِنْد رَسُول الله مأمول)
(مهلا هداك الَّذِي أَعْطَاك نَافِلَة الْقُرْآن ... فِيهَا مواعيظ وتفصيل)
(لَا تأخذني بأقوال الوشاة وَلم ... أذْنب وَإِن كثرت عني الْأَقَاوِيل)
(لقد أقوم مقَاما لَو يقوم بِهِ ... أرى وأسمع مَا لَو يسمع الْفِيل)
(لظل يرعد إِلَّا أَن يكون لَهُ ... من الرَّسُول بِإِذن اللَّه تنويل)
(حَتَّى وضعت يَمِيني لَا أنازعه ... فِي كف ذِي نقمات قيله القيل)
(لذاك أهيب عِنْدِي إِذْ ُأكَلِّمهُ ... وَقيل إِنَّك مَنْسُوب وَمَسْئُول)
(من خادر من لُيُوث الْأسد مَسْكَنه ... من بطن عثر غيل دونه غيل)
أَي من أَسد خادر وخادر دَاخل فِي الخدر ويروي من ضيغم(1/241)
وعثر مَوضِع
وغيل مَوضِع الْأسد
(إِن الرَّسُول لسيف يستضاء بِهِ ... مهند من سيوف اللَّه مسلول)
(فِي عصبَة من قُرَيْش قَالَ قَائِلهمْ ... بِبَطن مَكَّة لما أَسْلمُوا زولوا)
(زَالُوا فَمَا زَالَ أنكاس وَلَا كشف ... عِنْد اللِّقَاء وَلَا ميل معازيل)
أنكاس جمع نكس وَهُوَ الرجل الضَّعِيف
والكشف جمع أكشف وَهُوَ الَّذِي لَا ترس مَعَه
وميل جمع مائل وَهُوَ الكفل الَّذِي لَا يحسن الفروسية
والمعازيل من قَوْلهم رجل أعزل إِذا لم يكن مَعَه رمح
أَي زَالُوا من بطن مَكَّة وَلَيْسَ فيهم من هَذِهِ صفته بل هم أقوياء ذَوُو سلَاح فرسَان عِنْد اللِّقَاء رَضِي اللَّه عَنْهُمْ
(شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج دَاوُد فِي الهيجا سرابيل)
شم جمع أَشمّ وشماء وأصل الشمم الِارْتفَاع
والعرانين الأنوف وَاحِدهَا عرنين وأنف أَشمّ إِذا كَانَ فِيهِ علو
(يَمْشُونَ مشي الْجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إِذا عرد السود التنابيل)
الزهر الْبيض
عرد أَي فر وبالغين الْمُعْجَمَة طرب
والتنابيل جمع تنبال وَهُوَ الْقصير(1/242)
(لَا يفرحون إِذا نَالَتْ سيوفهم ... قوما وَلَيْسوا مجازيعا إِذا نيلوا)
(لَا يَقع الطعْن إِلَّا فِي نحورهم ... وَمَا لَهُم عَن حِيَاض الْمَوْت تهليل)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّابُونِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّاسُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا
ح قَالَ شَيْخُنَا وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا الْمَعِينُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحسن عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي وَإِسْمَاعِيل بن عَبْدِ الْقَوِيِّ بْنِ عَزُّونٍ قَالا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن صَالح بن ياسين
ح وَأخْبرنَا أبوبكر بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَامِدٍ الأَرْتَاحِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الرّوسِ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا ابْنُ يَاسِينَ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا ابْنُ موقا قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بَقَا بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْيَمَنِيُّ التَّنُوخِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رماحِسَ بْنِ مُحَمَّد ابْن خَالِدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ رَمَادَةَ مِنَ الرَّمْلَةِ عَلَى بَرِيدَيْنِ(1/243)
فِي رَبِيعٍ الآخِرِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو زِيَادُ بْنُ طَارِقٍ الْجُشَمِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو جَرْوَلٍ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا صُرَدَ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَسَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَثَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُذَكِّرُهُ حَيْثُ شَبَّ وَنَشَأَ فِي هَوَازِنَ وَحَيْثُ أَرْضَعُوهُ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ
(امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ)
(امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ ... مُفَرِّقٌ شَمْلَهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ)
(أَبْقَتْ لَنَا الْحَرْبُ هُتَّافًا عَلَى حَزَنٍ ... عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغِمَاءُ وَالْغَمَرُ)
(إِنْ لَمْ تَدَارَكَهُمْ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ)
(امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ تَمْلأهُ مِنْ مَخْضِهَا الدَّرَرُ)
(إِذْ أَنْتَ طِفْلٌ صَغِيرٌ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... وَإِذْ يُرِينَكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ)
(يَا خَيْرَ مَنْ مَرِحَتْ كَمْتُ الْجِيَادِ بِهِ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ إِذَا مَا اسْتَوْقَدَ الشَّرَرُ)
(لَا تَجْعَلَنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ ... وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زهَرُ)
(إِنَّا تؤمل عَفْوًا مِنْكَ تُلْبِسُهُ ... هَدْيَ الْبَرِيَّةِ إِنْ تَعْفُو وَتَنْتَصِرُ)
(إِنَّا لَنَشْكُرُ لِلنَّعَمَا وَقَدْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ)
(فَأَلْبِسِ الْعَفْوَ مَنْ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهُ ... مِنْ أُمَّهَاتِكَ إِنَّ الْعَفْوَ مُشْتَهَرُ)
(وَاعْفُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا أَنْتَ وَاهِبُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يَهْدِي لَكَ الظَّفَرُ)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلِلَّهِ وَلكم(1/244)
وَقَالَتِ الأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَرَدَّتِ الأَنْصَارُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهَا مِنَ الذَّرَارِي وَالأَمْوَالِ
وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ إِنَّهُ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رماحسَ وَأَنَا ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ
هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رماحسَ الْقَيْسِيِّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيُّ الْحَافِظُ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَكْتَنُونَ بِكُنْيَتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ زُهَيْرًا كَانَ يُكَنَّى أَبَا جَرْوَلٍ وَأَبَا صُرَدَ قَالَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ كَانَ زِيَادُ بْنُ طَارِقٍ ابْنَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ يَصْعَدُ التِّينَ فَقُلْتُ لَهُ وَأَنْتَ تَصْعَدُ التِّينَ قَالَ نَعَمْ وَالْجُمَّيْزَ وَكَانَ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ
أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَلْبِيُّ وَالْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ نُبَاتَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ الْعَطَّارِ الشَّافِعِيُّونَ قَالَ الأَوَّلُ وَالثَّالِثُ أخبرنَا أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الصَّابُونِيِّ وَقَالَ ابْنُ نُبَاتَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الدَّمِيرِيِّ قَالا أَخْبَرَنَا دَاوُد بن أَحْمد ابْن مُلاعِبٍ قَالَ ابْنُ الصَّابُونِيِّ سَمَاعًا وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الزَّاغُونِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُسْرِيُّ الْبُنْدَارُ إِجَازَةً
ح قَالَ ابْنُ مُلاعِبٍ وَأَخْبَرَنَا الْحَاجِبُ الأَجَلُّ أَبُو مَنْصُورٍ نُوشتكينُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبُسْرِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخَلِّصُ(1/245)
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوهِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَوْهُوبِ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوَالِيقِيُّ أَخْبَرَنَا الْوَزِيرُ الْعَادِلُ عَوْنُ الدِّينِ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أسمع سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَوْلانَا الْمُقْتَفِي لأَمْرِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ حَدَّثَكُمْ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ السَّيْبِيُّ لَفْظًا سَنَةَ خَمْسمِائَة أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصِّرِيفِينِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّحَّاسُ قَالَ الْمَعِينُ وَابْنُ عَزُّونٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحِ بْنِ يَاسِينَ وَقَالَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا وَقَالَ الثَّانِي أَعْنِي الصَّعْبِيَّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيز بن أبي الْفتُوح ابْن أبي الروس أخبرنَا ابْن موقا قَالَا ابْن يَاسِينَ وَابْنُ موقا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى السَّعْدِيُّ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ بِهَا قَالا الْمُخَلِّصُ وَابْنُ بَطَّةَ أَخْبَرَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى بن الْأَشْدَق(1/246)
قَالَ سَمِعْتُ النَّابِغَةَ يَقُولُ أَنْشَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَجُدُودَنَا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا)
فَقَالَ أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى قُلْتُ الْجَنَّةُ قَالَ أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قُلْتُ
(وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا)
(وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَدْتَ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ قَالَ مَرَّتَيْنِ
اللَّفْظُ لِرِوَايَةِ ابْنِ بَطَّةَ
وَالإِسْنَادُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ أُنْزِلَ فَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنَ اجْتِمَاعِ خَلِيفَةٍ وَوَزِيرٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُسْتَغْرَبٌ مُسْتَطْرَفٌ
وَأَبْيَاتُ النَّابِغَةِ هَذِه من قصدة لَهُ أَولهَا
(خليلي غضا سَاعَة وتهجرا ... وَلَو مَا على مَا أحدث الدَّهْر أوذرا)
وَهِيَ نَحْوُ مِائَتَيْ بَيْتٍ قِيلَ إِنَّهَا أَحْسَنُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْفَخْرِ بِالشَّجَاعَةِ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَا أَظُنُّ النَّابِغَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ أَنْشَدَ الشِّعْرَ كُلَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/247)
وَمِنْهَا
(تَذَكَّرْتُ وَالذِّكْرَى تَهِيجُ عَلَى الْفَتَى ... وَمِنْ حَاجَةِ الْمَحْزُونِ أَنْ يَتَذَكَّرَا)
(نَدَامَايَ عِنْدَ الْمُنْذِرِ بْنِ مُحَرَّقٍ ... أَرَى الْيَوْمَ مِنْهُمْ ظَاهِرَ الأَرْضِ مُقْفِرَا)
(تَقَضَّى زَمَانُ الْوَصْلِ بَيْنِي وَبَيْنِهَا ... وَلَمْ يَنْقَضِ الشَّوْقُ الَّذِي كَانَ أَكْثَرَا)
(وَإِنِّي لأَسْتَشْفِي بِرُؤْيَةِ جَارِهَا ... إِذَا مَا تَلَقِّيهَا عَلِيَّ تَعَذَرَّا)
(وَأُلْقِي عَلَى جِيرَانِهَا مَسْحَةَ الْهَوَى ... وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا لِي قَبِيلا وَمَعْشَرَا)
(تَرَدَّيْتُ ثَوْبَ الذُّلِّ يَوْمَ لَقِيتُهَا ... وَكَانَ رِدَائِي نَخْوَةً وَتَجَبُّرَا)
(حَسِبْنَا زَمَانًا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... لَيَالِي إِذْ نَغْزُو جُذَامًا وَحِمْيَرَا)
(إِلَى أَنْ لَقِينَا الْحَيَّ بَكْرَ بن وَائِل ... ثَمَانِينَ ألفا دراعين وَحُسَّرَا)
(فَلَمَّا قَرَعْنَا النَّبْعَ بِالنَّبْعِ بَعْضَهُ ... بِبَعْضٍ أَبَتْ عِيدَانُهُ أَنْ تُكَسَّرَا)
(سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا ... وَلَكِنَّنَا كُنَّا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا)
(بِنَفْسِي وَأَهْلِي عُصْبَةً سُلَمِيَّةً ... يَعْدُونَ لِلْهَيْجَا عَنَاجِيجَ ضُمَّرَا)
(وَقَالُوا لَنَا أَحْيُوا لَنَا مَنْ قَتَلْتُمُ ... لَقَدْ جِئْتُمْ أَمْرًا مِنَ الأَمْرِ مُنْكَرَا)
(وَلَسْنَا نَرُدُّ الرُّوحَ فِي جِسْمِ مَيِّتٍ ... وَلَكِنْ نُسِلُّ الرُّوحَ مِمَّنْ تَنَشَّرَا)
(نُمِيتُ وَلا نُحْيِي كَذَاكَ صَنِيعُنَا ... إِذَا الْبَطَلُ الْحَامِي إِلَى الْمَوْتِ هَجَّرَا)
(مَلَكْنَا فَلَمْ نَكْشِفْ قِنَاعًا لِحُرَّةٍ ... وَلَمْ نَسْتَلِبْ إِلا الْحَدِيدَ الْمُسَمَّرَا)
(وَلَوْ أَنَّنَا شِئْنَا سِوَى ذَاكَ أَصْبَحَتْ ... كَرَائِمُهُمْ فِينَا تُبَاعُ وَتُشْتَرَى)(1/248)
(وَلَكِنَّ أَحْسَابًا نَمَّتْنَا إِلَى الْعُلا ... وَآبَاءَ صِدْقٍ أَنْ نَرُومَ الْمُحَقَّرَا)
(وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نُعَوِّدُ خَيْلَنَا ... إِذَا مَا الْتَقَيْنَا أَنْ تَحِيدَ وَتَنْفِرَا)
(وَنُنْكِرُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَلْوَانَ خَيْلِنَا ... مِنَ الطَّعْنِ حَتَّى نَحْسِبَ الْجَوْنَ أَشْقَرَا)
(وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أَنْ نَرُدَّهَا ... صِحَاحًا وَلا مُسْتَنْكِرًا أَنْ تُعْقَرَا)
(أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى ... وَنَتْلُو كِتَابًا كَالْمَجَرَّةِ نَيِّرَا)
(بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَجُدُودَنَا)
)
الأَبْيَاتَ الَّتِي رُوِّينَاهَا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ المندائي وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بن الطويلَةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شُنَيْفٍ إِجَازَةً قَالُوا كُلُّهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ مُتَفَرِّقِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ حَيُّوَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنِي أَبُو الْعَطُوفِ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(1/249)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانٍ هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ مَثَلا قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ
(وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمُنِيفِ وَقَدْ ... طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ يَصْعَدُ الْجَبَلا)
(وَكَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا)
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ هُوَ كَمَا قُلْتَ
أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نِزَارٍ وَفَاطِمَةُ الْجَوْزَدَانِيَّةُ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا ذَاكر ابْن شَيْبَةَ الْعَسْقَلانِيُّ بِقَرْيَةِ عَجَّسَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي الزُّعَيْزِعَةِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ لِي يَا عَائِشَةُ مَا فَعَلَتْ أَبْيَاتُكِ فَأَقُولُ وَأَيُّ أَبْيَاتِي تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فَيَقُولُ فِي الشُّكْرِ فَأَقُولُ نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي قَالَ الشَّاعِرُ
(ارْفَعْ ضَعِيفَكَ لَا يُحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ ... يَوْمًا فَتُدْرِكُهُ الْعَوَاقِبُ قَدْ نَمَا)
(يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى)(1/250)
(إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَرَدْتَ وِصَالَهُ ... لَم تُلْفِ رَثًّا حَبْلُهُ وَاهِي الْقُوَى)
قَالَ فَيَقُولُ يَا عَائِشَةُ إِذَا حَشَرَ اللَّهُ الْخَلائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِهِ مَعْرُوفًا هَلْ شَكَرْتَهُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْكَ فَشَكَرْتُكَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَمْ تَشْكُرْنِي إِذْ لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْقَاهِرَةِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُسْنِدُ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْقِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ فَذَكَرَ أَبْيَاتَ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ النَّضْرِ الَّتِي أَنْشَدَتْهَا وَسَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قُتِلَ النَّضْرُ وَهِيَ
(يَا رَاكِبًا إِنَّ الأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ)
(أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إِنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفُقُ)
(مَنِّي إِلَيْكَ وَعَبْرَةٌ مَسْفُوحَةٌ ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تُخْنَقُ)
(هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ)
(أَمُحَمَّدٌ وَلأَنْتَ ضِنْوُ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ)
(مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغَيَّظُ الْمُحْنَقُ)(1/251)
(أَوَ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنَّ ... بِأَعَزَّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ)
(وَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْتَ قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ)
(ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... للَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ)
(صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفُ الْمُقَيَّدِ وَهْوَ عَانٍ مُوثَقُ)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَيُقَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ
قلت وَفِي كتاب الزبير بْن بكار فِي النّسَب أَن بعض أهل الْعلم ذكر أَن هَذِهِ الأبيات مصنوعة
وَنحن قد تكلمنا عَلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو بَلغنِي هَذَا قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ فِي مسئلة التَّفْوِيض فِي كتابينا شرح الْمُخْتَصر وَشرح الْمِنْهَاج بِمَا يُغني عَن الْإِعَادَة
وحظ هَذَا الْكتاب مِنْهُ بعد الاستشهاد لسماعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشّعْر أَنه كَانَ يقبل الشَّفَاعَة والضراعة والاستعطاف بالشعر وَكَيف لَا وَذَلِكَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي حل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذروتها وَكَثِيرًا مَا يسْأَل عَن وَجه إنشاد أَبِي تَمام الطَّائِي بعد ذكر هَذِهِ الْقطعَة فِي الحماسة قَول النَّابِغَة الْجَعْدِي
(فَتى كَانَ فِيهِ مَا يسر صديقه ... عَلَى أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا)
(فَتى كملت أخلاقه غير أَنه ... جواد فَمَا يبقي عَلَى المَال بَاقِيا)
وَأجَاب الْفَقِيه نَاصِر الدّين ابْن الْمُنِير فِي كتاب المقتفي أَن أَبَا تَمام أَرَادَ أَن يَنْفِي عَن(1/252)
مقَام النُّبُوَّة مَا لَا يجوز نسبته إِلَيْهِ من الْقَسْوَة عَلَى النَّضر فَتبين أَن الْإِسَاءَة لِلْعَدو من مَكَارِم الْأَخْلَاق وَلَا سِيمَا عَدو الدّين وَمن لم يسؤ عدوه لَا يسر صديقه
وَلَو غَدَوْت أسرد مَا وَقع لي مُسْندًا مِمَّا أنْشد بَين يَدي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجه الِاسْتِيعَاب لطال الْخطاب وَفِيمَا أوردته مقنع وبلاغ وَالله الْمُسْتَعَان نتف
مِمَّا بلغنَا عَن الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْأمة وأحبارها وصفوة الْقُرُون وأخبارها من إنشاد الْأَشْعَار وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا فِي الجدو الْهزْل والهزل والبشارة والإنذار وَذكر الأراجيز والرماح نواهل من الدِّمَاء والأكف طائرة مَا بَين الأَرْض وَالسَّمَاء
وَلَقَد كَانُوا يستعينون بذلك عَلَى محاولة المرام ويدعوهم إنشاده إِلَى الْوُثُوب عَلَى مرير الْحمام وَكن نسوتهم ينشدنه إِذْ ذَاك تحريضا ويحملنهم بِهِ عَلَى أَن يرتكبوا من المهولات طَويلا وعريضا
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَازِعِ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا حَقُّهُ قَالَ أَنْ لَا تَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَلا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ قَالَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ فَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ فَجَعَلَ(1/253)
لَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلا هَتَكَهُ وَأَفْرَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَقُولُ
(نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ)
(إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ)
(فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ ... )
قَالَ فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِيَضْرِبَهَا ثُمَّ كَفَّ عَنْهَا فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ كُلُّ عَمَلِكَ قَدْ رَأَيْتُ مَا خَلا رَفْعَكَ السَّيْفِ عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ لَمْ تَضْرِبْهَا قَالَ أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً
قُلْتُ هَذِهِ الَّتِي كَانَتْ تَرْتَجِزُ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ لي الْمَأْمُون يَعْنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي عَن قَول هِنْد بنت عتبَة
(نَحن بَنَات طَارق ... نمشي عَلَى النمارق)
من طَارق هَذَا قَالَ فَنَظَرت فِي نَسَبهَا فَلم أَجِدهُ فَقلت لَا أعرفهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَرَادَت النَّجْم انتسبت إِلَيْهِ بحسنها
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَمَّهُ عَامِرًا أَحْدَى بِهِمْ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ وَقَالَ مَا خَصَّ بِهَا أَحَدًا إِلا اسْتُشْهِدَ فَقَالَ عُمَرُ هَلا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ فَقَدِمْنَا خَيْبَرَ فَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ)
(إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تلهب ... )(1/254)
فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ)
قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ
قَالَ سَلَمَةُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قَالَ مَالَكَ فَقُلْتُ قَالُوا إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ فَقَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قُلْتُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ قَالَ كَذَبَ أُولَئِكَ بَلْ لَهُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
قَالَ فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ قَالَ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ
قَالَ فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ)
(إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... )
فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ
(أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كريه المنظرة)
(أَو فيهم بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ ... )(1/255)
فَضَرَبَ مَرْحَبًا فَفَلَقَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ وَكَانَ الْفَتْحُ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ الْحَارِثِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِهَذَا فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ أَنَا وَاللَهِّ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ قَتَلُوا أَخِي بِالأَمْسِ قَالَ قُمْ إِلَيْهِ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا تَقَارَبَا دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ فَجَعَل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ كُلَّمَا لاذَ بِهَا أَحَدُهُمَا اقْتَطَعَ سَيْفُهُ مَا دُونَهُ حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى قَتَلَهُ فَقِيلَ إِنَّهُ ارْتَجَزَ وَقَالَ
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِي ... حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وَسُمٌّ قَاضِي)
وَكَانَ ارْتِجَازُ مَرْحَبٍ
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ)
(إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلَةِ الْمُقَلَّب)
(أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... إِنَّ حِمَايَ لَلْحِمَى لَا يُقْرَبُ)
قُلْتُ قَوْلُهُ عُمْرِيَّةٌ أَيِ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عُمْرٌ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَاتِلُ لِمَرْحَبٍ لَا عَلِيٌّ(1/256)
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ لِخَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ خُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِكَ فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ فَقَالَ
(وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا)
(إِنَّا إِذَا قَوْمٌ بَغُوا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا)
(فَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِر الْقزْوِينِي إجَازَة أخبرنَا ابْن شايتل أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بن خشيش أخبرنَا أَبُو عَليّ ابْن شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمِ بْنِ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنُهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عربشاهُ الْهَمْدَانِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أخبرنَا هبة الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن هِلالٍ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّا حَدَّثَنَا أَحْمد بن الْحجَّاج حَدثنَا مُحَمَّد(1/257)
ابْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولُ
وَفِي الرِّوَايَةِ الأُولَى سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ شَعْرَ صَدْرِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَقُولُ
(وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا)
(فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(إِن الأولى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... )
... ... ... . وَفِي رِوَايَةٍ ... ... ... ... ... . . ( ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... )
وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ يَمُدُّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ بَدَلَ وَاللَّهِ
وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يَقُولُهَا لاهُمَّ وَهِيَ لُغَةٌ فِي اللَّهُمَّ وَالْوَزْن مَعهَا قَائِم وَعَلَيْهَا قَول قَائِلهمْ
(لَا هم إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأِبيِه الأَتْلَدَا)
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ جَدِّهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ(1/258)
وَهُوَ من حَدِيث شُعْبَة عَن أَبِي إِسْحَاق فِي الصَّحِيحَيْنِ
أخبرتنا أم مُحَمَّد زهرَة بنت الشَّيْخ الْمُحدث جمال الدّين عمر بْن حُسَيْن بْن أَبِي بكر الختني الْحَنَفِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الثَّانِيَة بِقِرَاءَة أَبِي رَحمَه اللَّه بِالْقَاهِرَةِ قَالَت أَخْبَرَنَا نجيب الدّين أَبُو الْفرج عَبْد اللَّطِيف ابْن الإِمَام أَبِي مُحَمَّد عَبْد الْمُنعم بْن عَلِيّ بْن نصر الصيقل الْحَرَّانِي حضورا فِي الرَّابِعَة أخبرنَا أَخْبَرَنَا مَسْعُود بْن أَبِي الْقَاسِم بْن عَبْد الْكَرِيم بْن الْحَسَن بْن غيث الدقاق أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن عمر السَّمرقَنْدِي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة أَخْبَرَنَا الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الْفضل بْن أَبِي حَرْب أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى الْجِرْجَانِيّ النَّيْسَابُورِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي ثَانِي عشر شَوَّال سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بْن أَحْمَد الْحِيرِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ مُحَمَّد بْن أَحْمَد المعقلي حَدثنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي حَدثنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن أنس بْن مَالك أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مَكَّة فِي عمْرَة القضاءوعبد اللَّه بْن رَوَاحَة بَين يَدَيْهِ قَالَ مُحَمَّد قَالَ عَبْد الرَّزَّاق مرّة وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة آخذ بغرز النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُول
(خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... قد أنزل الرَّحْمَن فِي تَنْزِيله)
(بِأَن خير الْقَتْل فِي سَبيله ... )
لَيْسَ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة(1/259)
وروى الزبير بْن بكار أَن الخنساء بنت عَمْرو بْن الشريد السلمِيَّة فِي بَنِينَ لَهَا أَرْبَعَة شهِدت مَعَهم حَرْب الْقَادِسِيَّة فَقَالَت لَهُم إِنَّكُم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وَذكرت من صونها لبنيها وَعدم خيانتها لأبيهم مَا ذكرت ثمَّ قَالَت لَهُم وَقد تعلمُونَ مَا أعد اللَّه لكم من الثَّوَاب الجزيل فِي حَرْب الْكَافرين وَاعْلَمُوا أَن الدَّار الْبَاقِيَة خير من الدَّار الفانية فَإِذا أَصْبَحْتُم غَدا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَالِمين فاغدوا إِلَى قتال عَدوكُمْ مستبصرين وَبِاللَّهِ عَلَى أعدائه مستنصرين فَإِذا رَأَيْتُمْ الْحَرْب قد شمرت عَن سَاقهَا واضطرب لظاها عَلَى سياقها وجللت نَارا عَلَى أوراقها فَتَيَمَّمُوا وطيسها وجالدوا رئيسها عِنْد احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة فِي دَار الْخلد والمقامة
فَخرج بنوها قابلين لنصحها فَلَمَّا أَضَاء لَهُم الصُّبْح باكروا مراكزهم وَأَنْشَأَ أَوَّلهمْ يَقُول
(يَا إخوتي إِن الْعَجُوز الناصحه ... قد نصحتنا إِذْ دعتنا البارحه)
(مقَالَة ذَات بَيَان واضحه ... فباكروا الْحَرْب الضروس الكالحه)
(وَإِنَّمَا تلقونَ عِنْد الصائحه ... من آل ساسان كلابا نابحه)
(قد أيقنوا مِنْكُم بِوَقع الجائحه ... وَأَنْتُم بَين حَيَاة صَالحه)
(أَو ميتَة تورث غنما صَالحه ... )
وَتقدم فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه اللَّه تَعَالَى ثمَّ تقدم الثَّانِي وَهُوَ يَقُول(1/260)
(إِن الْعَجُوز ذَات حزم وَجلد ... وَالنَّظَر الأوفق والرأي الْأسد)
(قد أمرتنا بالسداد والرشد ... نصيحة مِنْهَا وَبرا بِالْوَلَدِ)
(فباكروا الْحَرْب حماة فِي الْعدَد ... إِمَّا لفوز بَارِد عَلَى الكبد)
(أَو ميتَة تورثكم غنم الْأَبَد ... فِي جنَّة الفردوس والعيش الرغد)
فقاتل حَتَّى اسْتشْهد رَحمَه اللَّه تَعَالَى ثمَّ تقدم الثَّالِث وَهُوَ يَقُول
(وَالله لَا نعصي الْعَجُوز حرفا ... قد أمرتنا حدبا وعطفا)
(نصحا وَبرا صَادِقا ولطفا ... فبادروا الْحَرْب الضروس زحفا)
(حَتَّى تلفوا آل كسْرَى لفا ... وتكشفوهم عَن حماكم كشفا)
فقاتل حَتَّى اسْتشْهد رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَحمل الرَّابِع وَهُوَ يَقُول (لست لخنسا وَلَا للأخرم ... وَلَا لعَمْرو ذِي السناء الأقدم)
(إِن لم أرد فِي الْجَيْش جَيش الْعَجم ... مَاض عَلَى الهول خضم خضرم)
(إِمَّا لفوز عَاجل ومغنم ... أَو لوفاة فِي السَّبِيل الأكرم)
فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه اللَّه تَعَالَى فَبلغ خبرهم الخنساء أمّهم فَقَالَت الْحَمد لله الَّذِي شرفني بِقَتْلِهِم وَأَرْجُو من رَبِّي أَن يجمعني بهم فِي مُسْتَقر رَحمته فَكَانَ عمر ابْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطي الخنساء بعد ذَلِك أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُم مِائَتي دِرْهَم
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن سُلَيْمَان الزَّاهِد حَدثنَا مُحَمَّد بْن مكي بْن أَحْمَد بْن ماهان الْبَلْخِي قدم نَيْسَابُورَ حَاجا حَدثنَا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن الْعَبَّاس بْن عِيسَى من ولد عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة صَاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدثنَا الْحَسَن بْن مَالك الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا حسان العباسي يَقُول وقفت(1/261)
علينا جَارِيَة وَنحن بالربذة وعَلى وَجههَا برقع فَقَالَت يَا معشر الحجيج نفر من عكل ذهب بنعيمهم السَّيْل وشرست عَلَيْهِم الْأَيَّام جدبا جدبا حَتَّى مَا بهم قعدة وَلَا نعجة فَمن يراقب فيهم الدَّار الْآخِرَة وَيعرف لَهُم حق الآصرة جزي خيرا
قَالَ فرضخنا لَهَا وَقُلْنَا لَهَا هَل قلت فِي سوء حالكم شعرًا
قَالَت نعم ثمَّ أنشأت تَقول
(كف الزَّمَان عَلَيْهَا الصَّبْر والصاب ... شلت أناملها عَن الْأَعْرَاب)
(قوم إِذا لَجأ العفاة إِلَيْهِم ... أعْطوا نوافلهم بِغَيْر حِسَاب)
قلت فأمتعينا بِالنّظرِ إِلَى وَجهك فَكشفت الربقع عَن وَجه لَا تهتدي الْقُلُوب لحسن وصفهَا ثمَّ أنشأت تَقول
(الدَّهْر أبدى صفحة قد صانها ... أبواي قبل تغير الْأَيَّام)
(فتمتعوا بعيونكم فِي حسنها ... وانهوا جوارحكم عَن الآثام)
فَكَانَ شعرهَا مِمَّا زادني فِيهَا رَغْبَة فَقلت وَيحك هَل لَك فِيمَن يُغْنِيك ويغني حيك
فَقَالَت وَالله مَا نَحن أَكثر من خَمْسَة نفر أَنا وَأم وأختان وَأَخ لم ييفع بعد وَفِي رزق اللَّه لجَمِيع خلقه غنى عَن اتِّبَاعه بِبيع الْأَنْفس
قلت وَيحك هَذَا التَّزْوِيج الَّذِي أحله اللَّه وَأَنا ابْن عَم نَبِي اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَالِي لَا يضبطه الْحساب كَثْرَة
قَالَت إِن فِي جمالك غنى عَن مَالك وَإِن فِيهَا بعدا لنهاية الأمل وَلَكِن لست مِمَّن يضمهن إِلَى الرِّجَال الْجمال وَكَثْرَة المَال
قلت فنصيبك يخلصك من الْفقر الَّذِي أَنْتُم فِيهِ(1/262)
قَالَت وَالله لأكل القديد أَهْون من الانخفاض لمن يمن بِمَالِه عَلَى من لَيْسَ لَهُ مثل حَاله وَمَا لي لَا أكون كالزباء بنت عُمَيْر بْن المورق قِيلَ لَهَا لَو تزوجت فِي عنفوان شبابك وصفو جمالك لعَلِمت لَذَّة الْحَيَاة قَالَت وَالله لأعيش فِي غير بدني لم تملكني يَد ذِي مَال وَلَا صرعتني الرَّغْبَة فِي الرِّجَال أحب إِلَيّ من ملك الأَرْض وخزائن الْخلق ثمَّ أنشأت تَقول
(أَمن بعد أَن أمسي وَأصْبح حرَّة ... وَلَيْسَ عَلِيّ للرِّجَال يدان)
(أصير لزوج مثل مَمْلُوكه لَهُ ... لبئس إِذا مَا يكْتب الْملكَانِ)
(لعيش بضر أَو بضنك وحاجة ... مَعَ الْعِزّ خير من صروف لِسَان)
فثكلتني أُمِّي إِن لم أكن مثلهَا فِي عز النَّفس وكرم الخيم
قَالَ فَقلت مَا ظَنَنْت أَن امْرَأَة من الأَرْض ترغب عَن الرِّجَال
قَالَت بِأبي وَأمي فَاجْعَلْ ظَنك يَقِينا فوالذي خلقني لقد خطبني عشرَة نفر مَا مِنْهُم دُونك فِي الْحَسَن وَالْجمال وَحسن الْخلق فَمَا مَالَتْ نَفسِي إِلَى وَاحِد مِنْهُم رَغْبَة مني عَن ذَلِك النِّتَاج وتسلط الْأزْوَاج ثمَّ ولت كَأَن لم يكن بيني وَبَينهَا كَلَام
قَالَ عَلِيّ بْن الجهم قلت يَوْمًا بِحَضْرَة الْفضل جَارِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل وَهُوَ حَاضر
(لَاذَ بهَا يشتكي إِلَيْهَا ... فَلم يجد عِنْدهَا ملاذا)
فَقَالَ لَهَا المتَوَكل أجيزي فَقَالَت
(وَلم يزل ضارعا إِلَيْهَا ... تهطل أجفانه رذاذا)
(فعاتبوه فَزَاد عشقا ... فَمَاتَ وجدا فَكَانَ مَاذَا)(1/263)
وَعَن أَبِي بكرَة وقف أَعْرَابِي عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ
(يَا عمر الْخَيْر جزيت الْجنَّة ... أكس بنياتي وأمهنه)
(أقسم بِاللَّه لتفعلنه ... )
فَقَالَ عمر وَإِن لم أفعل يكون مَاذَا فَقَالَ
(إِذا أَبَا حَفْص لأمضينه ... )
قَالَ فَإِن مضيت يكون مَاذَا قَالَ
(وَالله عَنْهُن لتسألنه ... يَوْم يكون الأعطيات ثنه)
أَي ثمَّة أبدل الْمِيم نونا وَهِي لُغَة
(والواقف الْمَسْئُول ينهينه ... إِمَّا إِلَى نَار وَإِمَّا جنه)
فَبكى عمر حَتَّى اخضلت لحيته وَقَالَ لغلامه يَا غُلَام أعْط قَمِيصِي هَذَا لذَلِك الْيَوْم لَا لشعره ثمَّ قَالَ وَالله لَا أملك غَيره
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي بْنِ يُوسُفَ الْمَقْدِسِيُّ حضورا فِي الثَّالِثَة وَإِبْرَاهِيم ابْن خَلِيلٍ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بن إِبْرَاهِيم الجنزوي أخبرنَا ياقوت ابْن عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى ابْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد الصريفيني أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بن أبي كثير حَدثنِي عبد الْعَزِيز ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الثِّقَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَاتَّهَمْتُهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا فَقَالَتْ إِنَّكَ الآنَ جُنُبٌ مِنْهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَتْ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ وَقَدْ عَهِدَتْهُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ
(شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا)
(وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا)
(وَيَحْمِلُهُ ثَمَانِيَةٌ شِدَادٌ ... مَلائِكَةُ الإِلَهِ مُسَوَّمِينَا)(1/264)
مَا أَحْسَنَ قَوْلَ الإِمَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الأَمَالِي وَقَدْ أَوْرَدَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةُ فوقية العظمة والاستغناء فِي مُقَابلَة صفة الموسومين بِصفة الْعَجْزِ وَالْفَنَاءِ
قُلْتُ وَلَمْ يُخَرَّجْ هَذَا الأَثَرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
وَقد اتّفق نَظِير هَذِهِ الْحِكَايَة فَإِن الْمَدَائِنِي ذكر أَن طَائِفًا من أهل خُرَاسَان لَقِي سَكرَان بِالْكُوفَةِ فَأَخذه وَقَالَ أَنْت سَكرَان فَأنْكر فَقَالَ اقْرَأ حَتَّى أسمع فَقَالَ
(ذكر الْقلب الربابا ... بعد مَا شابت وشابا)
(إِن دين الْحبّ فرض ... لَا ترى فِيهِ ارتيابا)
فَخَلَّاهُ وَقَالَ قاتلكم اللَّه مَا أقرأكم لِلْقُرْآنِ صحاة وسكارى
وَاعْلَمْ أَنَّ الأَثَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رُوِيَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَبِشِعْرٍ آخَرَ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُضْطَجِعًا إِلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ فَقَامَ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَفَزِعَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَجِدْهُ فِي مَضْجَعِهِ فَقَامَتْ فَخَرَجَتْ فَرَأَتْهُ عَلَى جَارِيَتِهِ فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَيْتِ فَأَخَذَتِ الشَّفْرَةَ ثُمَّ خَرَجَتْ وَفَرَغَ فَقَامَ فَلَقِيَهَا تَحْمِلُ الشَّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ قَالَتْ لَوْ أَدْرَكْتُكَ حَيْثُ رَأَيْتُكَ لَوَجَأْتُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ بِهَذِهِ الشَّفْرَةِ قَالَ وَأَيْنَ رَأَيْتِينِي قَالَتْ رَأَيْتُك على الْجَارِيَة قَالَ مَا رَأَيْتنِي وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ فَاقْرَأْ فَقَالَ
(أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... كَمَا لاحَ مَشْهُودٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ)
(أَتَى بِالْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ)
(يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ)
فَقَالَتْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ(1/265)
ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُرْسَلا
وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ عَنْ زَمْعَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلا وَزَمْعَةُ وَشَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ وَهْرَامٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِمَا
وَعَن الْأَصْمَعِي حججْت فَبينا أَنا أَطُوف لَيْلَة حول الْبَيْت إِذْ أَقبلت جاريتان لم أر أحسن مِنْهُمَا فطافتا سبعا ثمَّ وقفتا تتحدثان فنصت إِلَيْهِمَا وَإِذا إِحْدَاهمَا تَقول
(لَا يقبل اللَّه من معشوقة عملا ... يَوْمًا وعاشقها غَضْبَان مهجور)
فأجابتها الْأُخْرَى
(وَلَيْسَ يأجرها فِي قتل عاشقها ... لَكِن عاشقها فِي ذَاك مأجور)
فَقلت لَهما يَا حزب الشَّيْطَان فِي مثل هَذَا الْموضع تقولان هَذَا القَوْل فَنَظَرت إِلَي إِحْدَاهمَا فَقَالَت لارهقك الْحبّ فَقلت لَهما وَمَا الْحبّ فَقَالَت جلّ عَن أَن يخفى وخفي عَن أَن يرى فَهُوَ كامن فِي الأحشاء مثل كمون النَّار فِي الْحجر إِن قدحته أورى وَإِن تركته توارى فَقلت لَهَا قَاتلك اللَّه مَا أوصفك للحب فَقَالَت اسْمَع يَا شيخ نَحن كَمَا قَالَ جرير
(حور حرائر مَا هممن بريبة ... كظباء مَكَّة صيدهن حرَام)
(يَحسبن من لين الحَدِيث زوانيا ... ويصدهن عَن الْخَنَا الْإِسْلَام)
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْجَزرِي سَمَاعا أَخْبَرَنَا عَبْد الحميد بْن عَبْد الْهَادِي حضورا فِي الثَّالِثَة وإِبْرَاهِيم بْن خَلِيل إِجَازَةً أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل الجنزوي أَخْبَرَنَا ياقوت بْن عَبْد اللَّه(1/266)
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص أخبرنَا حمد بن سُلَيْمَان الطوسي أخبرنَا الزبير بن بكار حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر عَن معن بْن عِيسَى قَالَ جَاءَ ابْن سرحون السّلمِيّ إِلَى مَالك بْن أنس وَأَنا عِنْده وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه إِنِّي قد قلت أبياتا من شعر ذكرتك فِيهَا فَأَنا أحب أَن تجعلني فِي سَعَة فَقَالَ لَهُ مَالك وَأَنت فِي حل مِمَّا ذَكرتني بِهِ وَتغَير وَجهه فَظن أَنه هجاه فَقَالَ لَهُ إِنِّي أحب أَن تسمعها فَقَالَ لَهُ مَالك فأنشدني فَقَالَ
(سلوا مَالك الْمُفْتِي عَن اللَّهْو وَالصبَا ... وَحب الحسان المعجبات الفوارك)
(ينبئكم أَنِّي مُصِيب وَإِنَّمَا ... أسلي هموم النَّفس عني بذلك)
(فَهَل فِي محب يكتم الْحبّ والهوى ... أثام وَهل فِي ضمة المتهالك)
قَالَ قَالَ لي معن فَسرِّي عَن مَالك وَضحك
وروينا أَن سَعِيد بْن الْمسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مر بِبَعْض أَزِقَّة الْبَصْرَة فَسمع قَائِلا يَقُول
(تضوع مسكا بطن نعْمَان إِذْ مشت ... بِهِ زَيْنَب فِي نسْوَة خفرات)
(لَهَا أرج من مجمر الْهِنْد سَاطِع ... تطلع رياه من الكفرات)
فَضرب سَعِيد بِرجلِهِ الأَرْض وَقَالَ هَذَا وَالله يلذ سَمَاعه ثمَّ قَالَ
(يخبئن أَطْرَاف البنان من التقى ... ويخرجن جنح اللَّيْل مُعْتَجِرَات)
(وَلَيْسَت كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الْكَفّ بالجمرات)
(وَقَامَت ترائي يَوْم جمع فأفتنت ... برؤيتها من رَاح من عَرَفَات)(1/267)
والأبيات لمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النميري الشَّاعِر وَزَيْنَب هِيَ أُخْت الْحجَّاج بْن يُوسُف وَفِي الأبيات يَقُول
(وَلما رَأَتْ ركب النميري أَعرَضت ... وَكن من ان يلقينه حذرات)
وَكَانَ النميري يشبب بهَا وَقيل إِنَّه هرب من الْحجَّاج فَطَلَبه فَلَمَّا أَتَى بِهِ ارتاع مِنْهُ وَقَالَ وَالله أَيهَا الْأَمِير إِن قلت إِلَّا خيرا وَإِنَّمَا قلت
(يخبئن أَطْرَاف البنان من التقى ... ويخرجن جنح اللَّيْل معتجزات)
فعفى عَنهُ وَقَالَ أَخْبرنِي عَن قَوْلك وَلما رَأَتْ ركب النميري فِي كم كنت قَالَ وَالله مَا كنت إِلَّا عَلَى حمَار هزيل وَمَعِي صَاحب لي عَلَى أتان مثله
والكلمة الْمَذْكُورَة نَحْو عشْرين بَيْتا وَرُوِيَ فِيهَا أَخْبَار كَثِيرَة فِي أَمر النميري وَالْحجاج بْن يُوسُف
وَقَوله يخبئن بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الخبء وَفِي الْقُرْآن {يخرج الخبء} وَفِي الحَدِيث خبأت لَك خبأ وَلَفظ يخبئن مضبوط كَذَلِك فِي كَامِل الْمبرد وَغَيره
وروينا عَن الزيَادي والهيثم بْن عدي قَالا نزل بِامْرَأَة رجل من الْعَرَب وَالْمَرْأَة من بني عَامر فأكرمته وأحسنت قراه فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل تمثل بِبَيْت يهجوها فِيهِ
(لعمرك مَا تبلى سرابيل عَامر ... من اللؤم مَا دَامَت عَلَيْهَا جلودها)
فَلَمَّا أنْشدهُ قَالَت لجاريتها قولي لَهُ ألم تحسن إِلَيْك وَتفعل وَتفعل هَل رَأَيْت تقصيرا قَالَ لَا قَالَت فَمَا حملك عَلَى الْبَيْت قَالَ جرى عَلَى لساني فَخرجت إِلَيْهِ جَارِيَة من بعض الأخبية فَحَدَّثته حَتَّى أنس وَاطْمَأَنَّ(1/268)
ثمَّ قَالَت لَهُ مِمَّن أَنْت يَا ابْن عَم
قَالَ رجل من بني تَمِيم
قَالَت أتعرف الَّذِي يَقُول
(تَمِيم بطرق اللؤم أهدي من القطا ... وَلَو سلكت سبل المكارم صلت)
(أرى اللَّيْل يجلوه النَّهَار وَلَا أرى ... خلال المخازي عَن تَمِيم تجلت)
(وَلَو أَن برغوثا عَلَى ظهر قملة ... يكر عَلَى صفي تَمِيم لولت)
(وَلَو جمعت يَوْمًا تَمِيم جموعها ... عَلَى ذرة مربوطة لاستقلت)
(تَمِيم كجحش السوء يرضع أمه ... ويتبعها بالرغم إِن هِيَ ولت)
(ذبحنا فسمينا عَلَى مَا ذبيحنا ... وَمَا ذبحت يَوْمًا تَمِيم فَسَمت)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من تَمِيم
قَالَت مَا أقبح الْكَذِب بأَهْله فَمِمَّنْ أَنْت
قَالَ رجل من بني ضبة
قَالَت أفتعرف الَّذِي يَقُول
(لقد زرقت عَيْنَاك يَا ابْن معكبر ... كَمَا كل ضبي من اللؤم أَزْرَق)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني ضبة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني عجل
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(أرى النَّاس يُعْطون الجزيل وَإِنَّمَا ... عَطاء بني عجل ثَلَاث وَأَرْبع)
(إِذا مَاتَ عجلي بِأَرْض فَإِنَّمَا ... يخط لَهُ فِيهَا ذِرَاع وإصبع)(1/269)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني عجل
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من الأزد
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(فَمَا جزعت أزدية من ختانها ... وَلَا أكلت لحم القنيص المعقب)
(وَلَا جاءها القناص بالصيد فِي الخبا ... وَلَا شربت فِي جلد حوت معلب)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من الأزد
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني عبس
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا عبسية ولدت غُلَاما ... فبشرها بلؤم مُسْتَفَاد)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني عبس
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني فزازة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(لَا تأمنن فزاريا خلوت بِهِ ... عَلَى قلوصك واكتبها بأسيار)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني فَزَارَة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بجيلة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(سَأَلنَا عَن بجيلة حِين جَاءَت ... لِتُخْبِرَ أَيْن قر بهَا الْقَرار)
(فَمَا تَدْرِي بجيلة إِذْ سَأَلنَا ... أقحطان أَبوهَا أم نزار)
(فقد وَقعت بجيلة بَين بَين ... وَقد خلعت كَمَا خلع العذار)(1/270)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بجيلة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني نمير
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا)
(وَلَو وضعت فقاح بني نمير ... عَلَى خبث الْحَدِيد إِذا لذابا)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني نمير
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني باهلة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا نَص الْكِرَام إِلَى الْمَعَالِي ... تنحى الْبَاهِلِيّ عَن الزحام)
(إِذا ولدت حَلِيلَة باهلي ... غُلَاما زيد فِي عدد اللئام)
(وَلَو كَانَ الْخَلِيفَة باهليا ... لقصر عَن مساماة الْكِرَام)
(وَعرض الْبَاهِلِيّ وَإِن توقى ... عَلَيْهِ مثل منديل الطَّعَام)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من باهلة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من ثَقِيف
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(أضلّ الناسبين لنا ثَقِيف ... فَمَا لَهُم أَب إِلَّا الضلال)
(فَإِن نسبت أَو انتسبت ثَقِيف ... إِلَى أحد فَذَاك هُوَ الْمحَال)
(خنازير الحشوش فقاتلوهم ... فَإِن دِمَاءَهُمْ لكم حَلَال)(1/271)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من ثَقِيف
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من سليح
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(فَإِن سليحا شتت اللَّه شملها ... )
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من سليح
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من خُزَاعَة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا فخرت خُزَاعَة فِي ندي ... وجدنَا فخرها شرب الْخُمُور)
(وباعت كعبة الرَّحْمَن جهلا ... بزق بئس مفتخر الْفُجُور)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من خُزَاعَة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني يشْكر
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(ويشكر لَا تَسْتَطِيع الوفا ... وَلَو رامت الْغدر لم تغدر)
(قَبيلَة عيشتها فِي الْكرَى ... لئام المناخر والعنصر)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من يشْكر
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني أُميَّة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(وَهِي من أُميَّة بنياتها ... فهان عَلَى النَّاس فقدانها)(1/272)
(وَكَانَت أُميَّة فِيمَا مضى ... جَريا عَلَى اللَّه سلطانها)
(فَلَا آل حَرْب أطاعوا الْإِلَه ... وَلم يتق اللَّه مروانها)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني أُميَّة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من عنزة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(مَا كنت أخْشَى وَإِن كَانَ الزَّمَان لنا ... زمَان سوء بِأَن تغتابني عنزه)
(فلست من وَائِل إِن كنت ذَا حذر ... مِمَّن يضل كَمَا قد ضلت الحرزه)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من عنزة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من كِنْدَة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا مَا افتخر الْكِنْدِيّ ... م ذُو الْبَهْجَة بالطره)
(فدع كِنْدَة للنسج ... فأعلا فخرها غره)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا كِنْدَة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني أَسد
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا أسدية بلغت ذِرَاعا ... فَزَوجهَا وَلَا تأمن زنَاهَا)
(وَإِن أسدية خضبت يَديهَا ... وَلما تزن أشرك والداها)(1/273)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني أَسد
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من هَمدَان
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا هَمدَان دارت يَوْم حَرْب ... رحاها فَوق هامات الرِّجَال)
(رَأَيْتهمْ يحثون المطايا ... سرَاعًا هاربين من الْقِتَال)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من هَمدَان
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من نهد
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(نهد لئام إِذا مَا حل ضيفهم ... سود وُجُوههم كالزفت والقار)
(والمستغيث بنهد عِنْد كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من نهد
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من قضاعة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(لَا يفخرن قضاعي بأسرته ... فَلَيْسَ من يمن مَحْضا وَلَا مُضر)
(مذبذبين فَلَا قحطان والدهم ... وَلَا نزار فسيبهم إِلَى سقر)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من قضاعة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني شَيبَان
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(شَيبَان رَهْط لَهُم عديد ... وَكلهمْ معرق لئيم)(1/274)
(شربهم من فضول مَاء ... يفضل عَن أُسْوَة العميم)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من شَيبَان
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من تنوخ
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا تنوخ قطعت منهلا ... فِي طلب الغارات والثار)
(أَتَت من بحري مرار الْعلي ... وشهرة فِي الْأَهْل وَالْجَار)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من تنوخ
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من ذهل
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِن ذهلا لَا يسْعد اللَّه ذهلا ... شَرّ جيل يظل تَحت السَّمَاء)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من ذهل
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من مزينة
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(وَهل مزينة إِلَّا من قَبيلَة ... لَا يرتجى كرم فِيهَا وَلَا دين)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من مزينة
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من النخع
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا النخع اللئام عدوا جَمِيعًا ... تدكدكت الْجبَال من الزحام)
(وَمَا يُغني إِذا صدقت فتيلا ... وَلَا هِيَ فِي الصميم من الْكِرَام)(1/275)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من النخع
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من طي
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(وَمَا طيىء إِلَّا نبيط تجمعت ... فَقَالُوا طيايا كلمة فاستمرت)
(وَلَو أَن عصفورا يمد جنَاحه ... عَلَى دور طي كلهَا لاستظلت)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من طي
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من عك
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(عك لئام كلهم أبك ... لَيْسَ لَهُم من الملام فك)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من عك
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من لخم
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا مَا اجتبي قوم لفضل قديمهم ... تبَاعد فَخر الْجُود عَن لخم أجمعا)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من لخم
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من جذام
قَالَت أفتعرف الْقَائِل(1/276)
(إِذا كأس المدام أدير يَوْمًا ... لمكرمة تنحى عَن جذام)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من جذام
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من كلب
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(فَلَا تقربن كَلْبا وَلَا بَاب دارها ... وَلَا يطمعن سَار يرى ضوء نارها)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من كلب
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بلقين
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا مَا سَأَلت اللؤم أَيْن مَحَله ... تصب عِنْد بلقين لَهُ طرفان)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بلقين
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني الْحَارِث بْن كَعْب
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(حَار بْن كَعْب أَلا أَحْلَام تحجزكم ... عَنَّا وَأَنْتُم من الْجوف الجماخير)
(لَا عيب فِي الْقَوْم من طول وَمن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني الْحَارِث بْن كَعْب
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من بني سليم(1/277)
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(إِذا مَا سليم جِئْتهَا فِي ملمة ... رجعت كَمَا قد جِئْت خزيان نَادِما)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من سليم
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من فَارس
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(أَلا قل لمعتر وطالب حَاجَة ... يُرِيد بنجح نَفعهَا وقضاها)
(فَلَا تقرب الْفرس اللئام فَإِنَّهُم ... يردون مَوْلَاهُم بخبث دراها)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من فَارس
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ من الموالى
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(أَلا من أَرَادَ اللؤم وَالْفُحْش والخنا ... فَعِنْدَ الموالى الْجيد والكتفان)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من الموالى
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ رجل من ولد حام
قَالَت أفتعرف الْقَائِل
(وَلَا تنْكِحُوا أَوْلَاد حام فَإِنَّهُم ... مشاويه خلق اللَّه حاشا ابْن أكوع)
قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من حام
قَالَت فَمِمَّنْ
قَالَ رجل من الشَّيْطَان الرَّجِيم
قَالَت فَعَلَيْك لعنة اللَّه وعَلى الشَّيْطَان الرَّجِيم أفتعرف الَّذِي يَقُول
(أَلا يَا عباد اللَّه هَذَا عَدوكُمْ ... وَذَا ابْن عَدو اللَّه إِبْلِيس خاسئا)(1/278)
قَالَ اللَّه اللَّه أقيليني العثرة فوَاللَّه مَا ابْتليت بمثلك قطّ
فَانْظُر نسَاء الْأَعْرَاب وأدبهن وَلَو أكثرنا فِي هَذَا لطال الْخطاب وَفِي شعر الخنساء وأنظارها مَا يشْهد لَهُنَّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ الْمُبَارك بْن مُحَمَّد بْن الْأُخوة خرج رجل على سَبِيل الفرجة يَعْنِي من بَغْدَاد فَقعدَ عَلَى الجسر فَأَقْبَلت امْرَأَة من جِهَة الرصافة موجهة إِلَى الْجَانِب الغربي فَاسْتَقْبلهَا شَاب فَقَالَ لَهَا رحم اللَّه عَلِيّ بْن الجهم فَقَالَت الْمَرْأَة رحم اللَّه أَبَا الْعَلَاء المعري وَمَا وَقفا وَمَرا مشرقة ومغربا فتبعت الْمَرْأَة وَقلت إِن لم تقولي مَا قَالَ لَك فضحتك وتعلقت بهَا فَقَالَت أَرَادَ الشَّاب قَول عَلِيّ بْن الجهم
(عُيُون المها بَين الرصافة والجسر ... جلبن الْهوى من حَيْثُ أَدْرِي وَلَا أَدْرِي)
وَأَرَدْت أَنا قَول المعري
(فيا دارها بالحزن إِن مزارها ... قريب وَلَكِن دون ذَلِك أهوال)
ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي الأذكياء
وَذكر أَن أَبَا بكر بْن الْعَرَبِيّ رَحمَه اللَّه قَالَ سَمِعت فتاة من بَغْدَاد تَقول لجارتها لَو كَانَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء صَحِيحا لما قَالَ اللَّه تَعَالَى لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} بل كَانَ يَقُول استثن حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاس الْقَرَافِيّ
وَحكي أَن تَاجِرًا سَافر من مصر بعبدين فأرادا قَتله فِي الطَّرِيق فَقَالَ لَهما قولا لبنتي إِذا دخلتما مصر قَالَ لَكمَا أَبُو كَمَا
(من مبلغ بِنْتي عني أنني ... لله دركما ودر أبيكما)(1/279)
فحفظاه ثمَّ قتلاه ورجعا إِلَى مصر فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة تذكرا وَصيته فجاءا إِلَى بَيت بنتيه فَقَالَا لإحداهما الْبَيْت فطلعت من بَاب الغرفة إِلَى عِنْد أُخْتهَا فحكت لَهَا الْحِكَايَة فَقَالَت أَواه إِن أَبَانَا لمقتول قَالَت وَمن أَيْن لَك قَالَت إِنَّه يُشِير إِلَى قَول الشَّاعِر
(من مبلغ بِنْتي عني أنني ... أَصبَحت مقتول الفلاة مجندلا)
(لله دركما ودر أبيكما ... لَا يفلت العبدان حَتَّى يقتلا)
فَأخذ العبدان واستقرا فأقرا بقتْله حَكَاهُ صَاحب بَدَائِع البدائه
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يُوسُف بْن أَحْمَد الخلاطي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي الْقَاسِم سَمَاعا أَخْبَرَنَا وَالِدي سَمَاعا حَدثنَا أَبُو الْفضل عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطوسي أَخْبَرَنَا أَحْمَد يَعْنِي أَبَا الْحُسَيْن بْن عَبْد الْقَادِر الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا حَامِد بْن سهل الْبَغَوِيّ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بْن كثير المصِّيصِي عَن مخلد بْن حُسَيْن عَن هِشَام بْن حسان عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانَ عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذكر حِكَايَة نصر بْن حجاج
وَقد سَاقهَا الخرائطي عَلَى وَجه أبسط مِنْهُ وَهُوَ أَن عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَينا هُوَ يطوف فِي سكَّة من سِكَك الْمَدِينَة إِذْ سمع امْرَأَة تهتف فِي خدرها وَهِي تَقول
(هَل من سَبِيل إِلَى خمر فأشربها ... أم من سَبِيل إِلَى نصر بْن حجاج)
(إِلَى فَتى ماجد الأعراق مقتبل ... سهل الْمحيا كريم غير ملجاج)(1/280)
(تنمية أعراق صدق حِين تنسبه ... أخي حفاظ عَن المكروب فراج)
(سامي المواطن من بهز لَهُ نهل ... تضيء صورته للحالك الداجي)
فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أرى معي فِي الْمصر من تهتف بِهِ الْعَوَاتِق فِي خدورها عَلِيّ بنصر بْن حجاج وَهُوَ نصر بْن حجاج بْن علاط كَانَ وَالِده من الصَّحَابَة فَأتي بِهِ فَإِذا هُوَ من أحسن النَّاس وَجها وعينا وشعرا فَأمر بِشعرِهِ فجز فَخرجت لَهُ جبهة كَأَنَّهَا شقة قمر فَأمره أَن يعتم فاعتم فَافْتتنَ النِّسَاء بِعَيْنيهِ فَقَالَ عمر وَالله لَا تساكني ببلدة أَنا بهَا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم قَالَ هُوَ ماأقول لَك فسيره إِلَى الْبَصْرَة وخشيت الْمَرْأَة الَّتِي سَمعهَا عمر أَن يبدر من عمر فِي حَقّهَا شَيْء فدست إِلَيْهِ أبياتا
(قل للْإِمَام الَّذِي تخشى بوادره ... مَالِي وللخمر أَو نصر بْن حجاج)
(إِنِّي منيت أَبَا حَفْص بِغَيْرِهِمَا ... شرب الحليب وطرف فاتر سَاج)
(إِن الْهوى زمه التَّقْوَى فحبسه ... حَتَّى أقرّ بإلجام وإسراج)
(مَا منية لم أرب فِيهَا بضائرة ... وَالنَّاس من صَادِق فِيهَا وَمن داج)
(لَا تجْعَل الظَّن حَقًا أَو تيقنه ... إِن السَّبِيل سَبِيل الْخَائِف الراجي)
قَالَ فَبكى عمر وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي حبس التَّقْوَى الْهوى
قَالَ وأتى عَلَى نصر حِين وَاشْتَدَّ ألم أمه فعرضت لعمر بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَلَمَّا خرج يُرِيد الصَّلَاة قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لأجاثينك بَين يَدي اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ لأخاصمنك أيبيت عَبْد اللَّه وَعَاصِم إِلَى جَنْبك وبيني وَبَين ابْني الفيافي والمفاوز فَقَالَ لَهَا يَا أم نصر(1/281)
إِن عَبْد اللَّه وعاصما لم تهتف بهما الْعَوَاتِق فِي خُدُورهنَّ فَانْصَرَفت وَمضى عمر إِلَى الصَّلَاة
قَالَ وأبرد عمر بريدا إِلَى الْبَصْرَة فَمَكثَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامًا ثمَّ نَادَى مناديه من أَرَادَ أَن يكْتب إِلَى الْمَدِينَة فليكتب فَإِن بريد الْمُسلمين خَارج فَكتب النَّاس وَكتب نصر بْن حجاج سَلام عَلَيْك أما بعد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
(لعمري لَئِن سيرتني وحرمتني ... فَمَا نلْت من عرضي عَلَيْك حرَام)
(وَمَا لي ذَنْب غير ظن ظننته ... وَفِي بعض تَصْدِيق الظنون أثام)
(أأن غنت الذلفاء يَوْمًا بمنية ... وَبَعض أماني النِّسَاء غرام)
(ظَنَنْت بِي الْأَمر الَّذِي لَيْسَ بعده ... بَقَاء فَمَا لي فِي الندي كَلَام)
(فَأَصْبَحت منفيا عَلَى غير رِيبَة ... وَقد كَانَ لي بالمكتين مقَام)
(ويمنعني مِمَّا تَقول تكرمي ... وآباء صدق سَابِقُونَ كرام)
(ويمنعها مِمَّا تَقول صلَاتهَا ... وَحَال لَهَا فِي قَومهَا وَصِيَام)
(فهاتان حالانا فَهَل أَنْت راجعي ... فقد جب منا غارب وسنام)(1/282)
فَقَالَ عمر أما ولي إِمَارَة فَلَا وأقطعه مَالا بِالْبَصْرَةِ ودارا
قَالَ أَبُو بكر الخرائطي رحم اللَّه عمر مَا كَانَ أنظرهُ بِنور اللَّه فِي ذَات اللَّه وأفرسه كَانَ وَالله كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(بَصِير بأعقاب الْأُمُور بِرَأْيهِ ... كَأَن لَهُ فِي الْيَوْم عينا عَلَى غَد)
وَذَلِكَ أَن نصر بْن حجاج لما نَفَاهُ عمر إِلَى الْبَصْرَة كَانَ يدْخل عَلَى مجاشع بْن مَسْعُود السّلمِيّ وَكَانَ بِهِ معجبا وَكَانَت لَهُ امْرَأَة يُقَال لَهَا الخضيرا وَكَانَت من أجمل النِّسَاء وَكَانَ لَا يصبر عَنْهَا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير عَلَى الْبَصْرَة نِيَابَة عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَكَانَ لشغفه بهَا يجمعهما فِي مَجْلِسه فحانت يَوْمًا من مجاشع التفاتة وَنصر بْن حجاج يخط فِي الأَرْض خُطُوطًا فَقَالَت الخضيرا وَأَنا وَالله فَعلم مجاشع أَنه جَوَاب كَلَام فَقَالَ مَا قَالَ لَك قَالَت مَا أصفى لقحتكم هَذِهِ فَقَالَ مجاشع مَا أصفى لقحتكم هَذِهِ وَأَنا وَالله مَا هَذِهِ لهَذِهِ أعزم عَلَيْك لما أخبرتيني قَالَت أما إِذْ عزمت فَإِنَّهُ قَالَ مَا أحسن شوار بَيتكُمْ فَقَالَ مَا أحسن شوار بَيتكُمْ وَأَنا وَالله مَا هَذِهِ لهَذِهِ
وَكَانَ مجاشع لَا يكْتب وَهِي تكْتب فَدَعَا بِإِنَاء فكفاه عَلَى الخطوط ودعا كَاتبا فقرأه فَإِذا هُوَ إِنِّي لَأحبك حبا لَو كَانَ فَوْقك لأظلك أَو تَحْتك لأقلك فَقَالَ مجاشع هَذِهِ لهَذِهِ
وَبلغ نصرا مَا صنع مجاشع فاستحيا وَلزِمَ بَيته وضنى حَتَّى صَار كالفرخ فَقَالَ مجاشع لامْرَأَته اذهبي إِلَيْهِ وأسنديه إِلَى صدرك وأطعميه الطَّعَام بِيَدِك فَأَبت فعزم عَلَيْهَا فَذَهَبت إِلَيْهِ فَلَمَّا تحامل خرج من الْبَصْرَة وَكَانُوا لَا يخفون من أمرائهم شَيْئا فَأتى مجاشع أَبَا مُوسَى فَأخْبرهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لنصر أقسم بِاللَّه مَا أخرجك أَمِير الْمُؤمنِينَ من خير اخْرُج عَنَّا(1/283)
فَأتى فَارس وَعَلَيْهَا عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ فَنزل عَلَى دهقانة فأعجبها فَأرْسلت إِلَيْهِ فَبلغ ذَلِك عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ فَبعث إِلَيْهِ فَقَالَ مَا أخرجك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَبُو مُوسَى من خير أخرج عَنَّا فَقَالَ وَالله لَئِن فَعلْتُمْ لألحقن بالشرك
فَكتب عُثْمَان إِلَى أَبِي مُوسَى وَكتب أَبُو مُوسَى إِلَى عمر
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَسَاكِرَ بْنِ سَعْدٍ الْقَيْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْر أخبرنَا بَرَكَات ابْن إِبْرَاهِيمَ الْخُشُوعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سهل بن بشر بن أَحْمد الإسفرايني أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ حَدثنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ
ح قَالَ أَحْمَدُ وَحدثنا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدثنَا ابْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اللَّيْلِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ
(تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا خَلِيلَ أُلاعِبُهُ)
(فَوَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبُهُ ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ)
فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ مَالِكٌ الشَّكُّ أَرْبَعَةٌ أَوْ سِتَّةٌ لَا أَدْرِي فَقَالَ عُمَرُ لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ
أخبرتنا سفرى بنت يَعْقُوب بْن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن عمر بن قَاضِي الْيمن قِرَاءَةً(1/284)
عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَت أَخْبَرَنَا جدي إِسْمَاعِيل وَأَخُوهُ إِسْحَاق قَالا أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّطِيف ابْن شيخ الشُّيُوخ أَخْبَرَنَا أَبِي شيخ الشُّيُوخ أَبُو البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد بْن أَحْمَد النَّيْسَابُورِي الصُّوفِي أَخْبَرَنَا الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْكُوفِي النَّيْسَابُورِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة سَمِعت القَاضِي أَبَا مَسْعُود يَعْنِي صَالح بْن أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن يُوسُف بْن منابجي يَقُول سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الْبَصْرِيّ الصُّوفِي بصيدا يَقُول سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بن أَحْمد بن صَالح التمرا يَقُول سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْعَدوي يَقُول سَمِعت عَبْد السَّمِيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك يَقُول وَقد بلغه عَن ابْن علية أَنه ولي الصَّدقَات بِالْبَصْرَةِ فَكتب إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأبيات
(يَا جَاعل الْعلم لَهُ بازيا ... يصطاد أَمْوَال الْمَسَاكِين)
(احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذْهب بِالدّينِ)
(وصرت مَجْنُونا بهَا بَعْدَمَا ... كنت دَوَاء للمجانين)
(أَيْن رواياتك فِيمَا مضى ... عَن ابْن عون وَابْن سِيرِين)
(أَيْن رواياتك فِي سردها ... فِي ترك أَبْوَاب السلاطين)
(إِن قلت أكرهت فَمَا كَانَ ذَا ... زل حمَار الْعلم فِي الطين)
قَالَ فَلَمَّا بلغت هَذِهِ الأبيات ابْن علية بَكَى واستعفى وَأَنْشَأَ يَقُول
(أُفٍّ لدُنْيَا أَبَت تواتيني ... إِلَّا بنقضي لَهَا عرى ديني)
(عَيْني لحيني ضمير مقلتها ... تطلب مَا ساءها لترضيني)
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن قايماز الدقيقي وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم البطائحي قَالَ ابْن قايماز أَخْبَرَنَا أَبُو المنجا عَبْد اللَّه بْن عمر اللتي(1/285)
والْحُسَيْن بْن الْمُبَارك الزبيدِيّ وَقَالَت فَاطِمَة أَخْبَرَنَا ابْن الزبيدِيّ فَقَط قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الطَّائِي قَالَ ابْن اللتي سَمَاعا وَقَالَ ابْن الزبيدِيّ إِجَازَةً أنشدنا تَاج الْإِسْلَام أَبُو بكر مُحَمَّد بْن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ أنشدنا أَبُو غَالب أنشدنا أَبُو الْقَاسِم بْن بَشرَان وَقَالَ وأنشدنا أَبُو بكر الْآجُرِيّ قَالَ كَانَ ابْن الْمُبَارك كثيرا يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات
(اغتنم رَكْعَتَيْنِ زلفي إِلَى اللَّه ... إِذا كنت فَارغًا مستريحا)
(وَإِذا مَا هَمَمْت بالنطق بِالْبَاطِلِ ... فَاجْعَلْ مَكَانَهُ تسبيحا)
(فاغتنام السُّكُوت أفضل من خوض ... وَإِن كنت بالْكلَام فصيحا)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن حَمْزَة القَاضِي والْحَسَن بْن عَلِيّ الْخلال قَالا أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن الْهَمدَانِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَيْمُون النَّرْسِي الْحَافِظ بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعلوِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْمفضل مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْمطلب الشَّيْبَانِيّ قَالَ أمْلى علينا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن يَحْيَى الْجَزرِي القَاضِي بنصيبين حفظا فِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة قَالَ أمْلى عَلِيّ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي سكينَة البهراني من كِتَابه بحلب سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ أمْلى عَلِيّ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك هَذِهِ الأبيات بطرسوس وودعته بِالْخرُوجِ لِلْحَجِّ وأنفذها معي إِلَى الفضيل يَعْنِي ابْن عِيَاض وَذَلِكَ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة
(يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَو أبصرتنا ... لعَلِمت أَنَّك فِي الْعِبَادَة تلعب)
(من كَانَ يخضب جيده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب)(1/286)
(أَو كَانَ يتعب خيله فِي بَاطِل ... فخيولنا يَوْم الكريهة تتعب)
(ريح العبير لكم وَنحن عبيرنا ... رهج السنابك وَالْغُبَار الأطيب)
(وَلَقَد أَتَانَا عَن مقَال نَبينَا ... قَول صَحِيح صَادِق لَا يكذب)
(لَا يَسْتَوِي وغبار خيل اللَّه فِي ... أنف امرىء ودخان نَار تلهب)
(هَذَا كتاب اللَّه ينْطق بَيْننَا ... لَيْسَ الشَّهِيد بميت لَا يكذب)
وَهَذِه الأبيات من مشاهير شعر ابْن الْمُبَارك وَقد كَانَ من شعراء الْأمة وَقد اشتهرت لَهُ هَذِهِ الأبيات واشتهر لَهُ أَيْضًا قَوْله
(إِنِّي امْرُؤ لَيْسَ فِي ديني لغامزة ... لين وَلست عَلَى الْإِسْلَام طعانا)
(فَلَا أسب أَبَا بكر وَلَا عمرا ... وَلنْ أسب معَاذ اللَّه عثمانا)
(وَلَا الزبير حوارِي الرَّسُول وَلَا ... أهدي لطلْحَة شتما عز أَو هانا)
(وَلَا أَقُول عَلِيّ فِي السَّحَاب إِذا ... قد فَلت وَالله ظلما ثمَّ عُدْوانًا)
(وَلَا أَقُول بقول الجهم إِن لَهُ ... قولا يضارع أهل الشّرك أَحْيَانًا)
(وَلَا أَقُول تخلى من خليقته ... رب الْعباد وَولى الْأَمر شَيْطَانا)
(مَا قَالَ فِرْعَوْن هَذَا فِي تجبره ... فِرْعَوْن مُوسَى وَلَا هامان طغيانا)
وَهِي قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا
(اللَّه يدْفع بالسلطان معضلة ... عَن ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ورضوانا)
(لَوْلَا الْأَئِمَّة لم تأمن لنا سبل ... وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا)
وَقيل إِن هَارُون الرشيد أعجبه هَذَا وَلما بلغه موت ابْن الْمُبَارك أذن للنَّاس أَن يعزوه فِيهِ وَقَالَ أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل
الله يدْفع
الْبَيْتَيْنِ
قلت وأظن ان ابْن الْمُبَارك قصد بِهَذِهِ القصيدة مُعَارضَة عمرَان بن حطَّان الْخَارِجِي(1/287)
(كعاقر النَّاقة الأولى الَّتِي جلبت ... عَلَى ثَمُود بِأَرْض الْحجر خسرانا)
(قد كَانَ يُخْبِرهُمْ أَن سَوف يخضبها ... قبل الْمنية أزمانا فأزمانا)
(فَلَا عفى اللَّه عَنهُ مَا تحمله ... وَلَا سقى قبر عمرَان بْن حطانا)
(بقوله بَيت شعر ظلّ مجترما ... ونال مَا ناله ظلما وعدوانا)
(من ضَرْبَة من كمي مَا أَرَادَ بهَا ... إِلَّا ليبلغ عِنْد اللَّه رضوانا)
(بل ضَرْبَة من غوى أوردته لظى ... مخلدا قد أَتَى الرَّحْمَن غضبانا)
(كَأَنَّهُ لم يرد قصدا بضربته ... إِلَّا ليُصَلِّي عَذَاب الْخلد نيرانا)
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ
(إِنِّي لأبرأ مِمَّا أَنْت ذاكره ... عَن ابْن ملجم الملعون بهتانا)
(إِنِّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ... دينا وألعن عمرَان بْن حطانا)
(عَلَيْك ثمَّ عَلَيْهِ من جماعتنا ... لعائن كثرت سرا وإعلانا)
(فأنتما من كلاب النَّار جَاءَ بِهِ ... نَص الشَّرِيعَة إعلانا وتبيانا)
قلت وَقد أورد القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة أَبْيَات القَاضِي أَبِي الطّيب هَذِهِ
وَفِي بعض النّسخ قَالَ قَاضِي الْقُضَاة الَّذِي قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب خطأ لِأَن عمرَان صَحَابِيّ لَا تجوز اللَّعْنَة عَلَيْهِ
وَفِي الْحَاشِيَة هَذَا غلو من قَاضِي الْقُضَاة فَكيف لَا يلعن عمرَان وَطول فِي هَذَا الْمَعْنى
وَعَجِبت من الْأَمريْنِ اعتراضا وجوابا لبنائهما عَلَى اعْتِقَاد أَن عمرَان صَحَابِيّ وَلَيْسَ عمرَان بصحابي وَإِنَّمَا هُوَ رجل من الْخَوَارِج(1/289)
وَقَالَ الإِمَام أَبُو المظفر طَاهِر بْن مُحَمَّد الإسفرايني فِي كِتَابه فِي الْملَل والنحل الْمُسَمّى بالتبصير فِي الدّين وَذكر مقالات الْمُخَالفين وَقد أجبْت عَنهُ بِهَذِهِ الأبيات
(كذبت وَايْم الَّذِي حج الحجيج لَهُ ... وَقد ركبت ضلالا مِنْك بهتانا)
(لتلْقين بهَا نَارا مؤججة ... يَوْم الْقِيَامَة لَا زلفى ورضوانا)
(تبت يَدَاهُ لقد خابت وَقد خسرت ... وَصَارَ أبخس من فِي الْحَشْر ميزانا)
(هَذَا جوابي فِي ذَا النذل مرتجلا ... أَرْجُو بِذَاكَ من الرَّحْمَن غفرانا)
وَذكر القَاضِي الْجَلِيل سيف السّنة ولسان الْأمة أَبُو بكر الباقلاني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابه الْجَلِيل الملقب مَنَاقِب الْأَئِمَّة وَهُوَ كتاب عَظِيم الْقدر حافل بَين فِيهِ أَن الصَّحَابَة كلهم مأجورون عَلَى مَا شجر بَينهم وَذكر أَبْيَات ابْن ملجم هَذِهِ وَقَالَ إِن الْحِمْيَرِي نقضهَا عَلَيْهِ بقوله
(لَا در در الْمرَادِي الَّذِي سفكت ... كَفاهُ مهجة خير الْخلق إنْسَانا)
(أصبح مِمَّا تعاطاه بضربته ... مِمَّا عَلَيْهِ ذَوُو الْإِسْلَام عُريَانا)
(أبكى السَّمَاء لباب كَانَ يعمره ... مِنْهَا وحنت عَلَيْهِ الأَرْض تحنانا)
(طورا أَقُول ابْن ملعونين ملتقط ... من نسل إِبْلِيس لَا بل كَانَ شَيْطَانا)
(ويل امهِ أَيّمَا ذَا لعنة ولدت ... لَا إِن كَمَا قَالَ عمرَان بْن حطانا)
(عَبْد تحمل إِثْمًا لَو تحمله ... ثهلان طرفَة عين هد ثهلانا)
أَخْبَرَنَا أَبِي تغمده اللَّه برحمته مِنْ لَفْظِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بن أبي بكر ابْن حَامِد الأرموي الصُّوفِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن مكي السبط أَخْبَرَنَا جدي الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الصَّيْرَفِي بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْوراق أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد عَبْد السَّلَام بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن طيفور الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ قَرَأت عَليّ(1/290)
أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب المتوثي بِالْبَصْرَةِ وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن لنكك اللّغَوِيّ قَالا حَدثنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا بْن دِينَار حَدثنَا عَبْد اللَّه بْنُ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عَائِشَة حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيره قَالَ حج هِشَام بْن عَبْد الْملك فِي زمن عَبْد الْملك أَو الْوَلِيد فَطَافَ بِالْبَيْتِ فجهد أَن يصل إِلَى الْحجر فيستلمه فَلم يقدر عَلَيْهِ فنصب لَهُ مِنْبَر وَجلسَ عَلَيْهِ ينظر إِلَى النَّاس وَمَعَهُ أهل الشَّام إِذْ أقبل عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَكَانَ من أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم أرجا فَطَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا بلغ الْحجر تنحى لَهُ النَّاس حَتَّى يستلمه فَقَالَ رجل من أهل الشَّام من هَذَا الَّذِي قد هابه النَّاس هَذِهِ الهيبة فَقَالَ هِشَام لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغب فِيهِ أهل الشَّام وَكَانَ الفرزدق حَاضرا فَقَالَ الفرزدق لكني أعرفهُ قَالَ الشَّامي من هُوَ يَا أَبَا فراس فَقَالَ الفرزدق
(هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم)
(هَذَا ابْن خير عباد اللَّه كلهم ... هَذَا التقى النقي الطَّاهِر الْعلم)
(إِذا رَأَتْهُ قُرَيْش قَالَ قَائِلهَا ... إِلَى مَكَارِم هَذَا يَنْتَهِي الْكَرم)
(ينمى إِلَى ذرْوَة الْعِزّ الَّتِي قصرت ... عَن نيلها عرب الْإِسْلَام والعجم)
(يكَاد يمسِكهُ عرفان رَاحَته ... ركن الْحطيم إِذا مَا جَاءَ يسْتَلم)
(يغضي حَيَاء ويغضى من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم)
(من جده دَان فضل الْأَنْبِيَاء لَهُ ... وَفضل أمته دَانَتْ لَهُ الْأُمَم)(1/291)
(ينشق نور الْهدى عَن نور غرته ... كَالشَّمْسِ ينجاب عَن إشرافها القتم)
(مُشْتَقَّة من رَسُول اللَّهِ نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم)
(هَذَا ابْن فَاطِمَة إِن كنت جاهله ... بجده أَنْبيَاء اللَّه قد ختموا)
(اللَّه شرفه قدما وفضله ... جرى بِذَاكَ لَهُ فِي لوجه الْقَلَم)
(فَلَيْسَ قَوْلك من هَذَا بضائره ... الْعَرَب تعرف من أنْكرت والعجم)
(كلتا يَدَيْهِ غياث عَم نفعهما ... يستوكفان وَلَا يعروهما الْعَدَم)
(سهل الْخَلِيفَة لَا تخشى بوادره ... يزينه اثْنَان حسن الْخلق وَالْكَرم)
(حمال أثقال أَقوام إِذا قَدَحُوا ... حُلْو الشَّمَائِل تحلو عِنْده نعم)
(لَا يخلف الْوَعْد مَيْمُون نقيبته ... رحب الفناء أريب حِين يعتزم)
(مَا قَالَ لَا قطّ إِلَّا فِي تشهده ... لَوْلَا التَّشَهُّد كَانَت لاؤه نعم)
(عَم الْبَريَّة بِالْإِحْسَانِ فانقلعت ... عَنهُ الغيابة والإملاق والعدم)
(من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم)
(إِن عد أهل التقى كَانُوا أئمتهم ... أَو قِيلَ من خير أهل الأَرْض قِيلَ هم)
(لَا يَسْتَطِيع جواد بعد غايتهم ... وَلَا يدانيهم قوم وَإِن كرموا)
(هم الغيوث إِذا مَا أزمة أزمت ... والأسد أَسد الشرا والبأس محتدم)
(لَا ينقص الْعسر بسطا من أكفهم ... شتان ذَلِك إِن أثروا وَإِن عدموا)
(يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويستزاد بِهِ الْإِحْسَان وَالنعَم)(1/292)
(مقدم بعد ذكر اللَّه ذكرهم ... فِي كل بَدْء ومختوم بِهِ الْكَلم)
(يَأْبَى لَهُم أَن يحل الذَّم ساحتهم ... خيم كريم وأيد بالندى هضم)
(أَي الْخَلَائق لَيست فِي رقابهم ... لأولية هَذَا أَو لَهُ نعم)
(من يعرف اللَّه يعرف أولية ذَا ... وَالدّين من بَيت هَذَا ناله الْأُمَم)
وَهَذَا بَاب يخْتَص بِيَسِير مِمَّا بلغنَا من أشعار حَكِيم الْعلمَاء
وعظيم الْفُقَهَاء عَالم قُرَيْش وهادم لذات النَّفس فِي رضَا الرَّحْمَن ومانعها من الطيش ابْن عَم الْمُصْطَفى والمتجاوز قدره مَكَان الجوزاء شرفا ذُو اللُّغَة الَّتِي بهَا يحجّ والفصاحة والبلاغة اللَّذين إِلَيْهِمَا يحجّ المتفقي عَن بَيْضَة بني مُضر المترقي مَكَانَهُ بِمَا جمع من فخار ذَوي البدو والحضر إمامنا المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه ورضى عَنْهُ
حَدثنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبِي تغمده اللَّه برحمته مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مخلوف بن جمَاعَة سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن رواج
ح وأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الْمصْرِيّ الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْن رواج إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي الْحَافِظ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ العلاف أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عمر بْن حَفْص(1/293)
الحمامي حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلم الْخُتلِي حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ ابْن إِسْحَاق الْقَارِي حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو العثماني قَالَ لما دخل الشَّافِعِي إِلَى مصر كَلمه أَصْحَاب مَالك فَأَنْشَأَ يَقُول
(أأنثر درا بَين راعية الْغنم ... وأنثر منظوما لراعية النعم)
(لَئِن كنت قد ضيعت فِي شَرّ بَلْدَة ... فلست مضيعا بَينهم غرر الْكَلم)
(فَإِن فرج اللَّه الْكَرِيم بِلُطْفِهِ ... وَأدْركت أَهلا للعلوم وللحكم)
(بثثت مُفِيدا واستفدت ودادهم ... وَإِلَّا فمخزون لدي ومكتتم)
(وَمن منح الْجُهَّال علما أضاعه ... وَمن منع المستوجبين فقد ظلم)
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن الضياء الْحَمَوِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بْن البُخَارِيّ سَمَاعا أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو سعد عبد الله بن عمر بن أَحْمد بْن مَنْصُور بْن الصفار النَّيْسَابُورِي أَخْبَرَنَا زَاهِر بْن طَاهِر الشحامي
ح قَالَ ابْن البُخَارِيّ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْح مَنْصُور بْن عَبْد الْمُنعم بْن عَبْد اللَّه الفراوي أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْفَارِسِي قَالا أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ الخسروجردي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ حَدَّثَنِي الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد الْحَافِظ حَدَّثَنِي حَمْزَة بْن عَلِيّ الْعَطَّار بِمصْر حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيّ(1/294)
عَن الْقدر فَأَنْشَأَ يَقُول
(فَمَا شِئْت كَانَ وَإِن لم أشأ ... وَمَا شِئْت إِن لم تشأ لم يكن)
(خلقت الْعباد عَلِيّ مَا علمت ... فَفِي الْعلم يجْرِي الْفَتى والمسن)
(عَلَى ذَا مننت وَهَذَا خذلت ... وَهَذَا أعنت وَذَا لم تعن)
(فَمنهمْ شقي وَمِنْهُم سَعِيد ... وَمِنْهُم قَبِيح وَمِنْهُم حسن)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن قايماز الدقيقي وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بْن جَوْهَر البطائحي قَالَ الأول أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن الْمُبَارك بْن الزبيدِيّ وَأَبُو المنجا عَبْد اللَّه بْن عمر بْن اللتي وَقَالَت فَاطِمَة أَخْبَرَنَا ابْن الزبيدِيّ فَقَط
ح وَكتب إِلَيّ أَحْمَد بْن أَبِي طَالب عَن ابْن اللتي وَابْن الزبيدِيّ قَالا أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الطَّائِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْهَرَوِيّ الزاهري أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا زَاهِر بْن أَحْمَد أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن السماك أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء عَن الْمُزنِيّ قَالَ دخلت عَلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقلت كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَصبَحت من الدُّنْيَا راحلا ولإخواني مفارقا ولسوء أفعالي ملاقيا وبكأس الْمنية شاربا فوَاللَّه مَا أَدْرِي أروحي إِلَى الْجنَّة تصير فأهنيها أَو إِلَى النَّار فأعزيها وَأنْشد(1/295)
(وَلما قسا قلبِي وَضَاقَتْ مذاهبي ... جعلت رجائي نَحْو عفوك سلما)
(تعاظمني ذَنبي فَلَمَّا قرنته ... بعفوك رَبِّي كَانَ عفوك أعظما)
(فَمَا زلت ذَا عَفْو عَن الذَّنب لم تزل ... تجود وَتَعْفُو منَّة وتكرما)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ الْحَنْبَلِيّ إِذْنا عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الْهَادِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي كِتَابه أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن زَكَرِيَّا الصُّوفِي أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن مَنْصُور الطَّبَرِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نعيم إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْقطَّان حَدثنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّد بْن عِيَاض بْن أَبِي شحمة حَدثنَا مُحَمَّد بْن رَاشد أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى الْمُزنِيّ يَقُول أَنْشدني الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من قيله
(شهِدت بِأَن اللَّه لَا شَيْء غَيره ... وَأشْهد أَن الْبَعْث حق وأخلص)
(وَأَن عري الْإِيمَان قَول مُبين ... وَفعل زكي قد يزِيد وَينْقص)
(وَأَن أَبَا بكر خَليفَة ربه ... وَكَانَ أَبُو حَفْص عَلَى الْخَيْر يحرص)
(وَأشْهد رَبِّي أَن عُثْمَان فَاضل ... وَأَن عليا فَضله متخصص)
(أَئِمَّة قوم يهتدى بهداهم ... لحا اللَّه من إيَّاهُم يتنقص)
(فَمَا لعتاة يشْهدُونَ سفاهة ... وَمَا لسفيه لَا يحيص ويحرص)(1/296)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَغَيره عَن عمر بْن عَبْد الْمُنعم بْن القواس عَن أَبِي مَسْعُود عَبْد الْجَلِيل بْن أَبِي غَالب بْن أَبِي الْمَعَالِي السرنجاني أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بْن السماك البروجردي بهمذان أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن يُوسُف الْقرشِي الهكاري أَنْشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْفَقِيه الْبَغْدَادِيّ أَنْشدني القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ أَنْشدني بَعضهم للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(كل الْعُلُوم سوى الْقُرْآن مشغلة ... إِلَّا الحَدِيث وَإِلَّا الْفِقْه فِي الدّين)
(الْعلم مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدثنَا ... وَمَا سوى ذَاك وسواس الشَّيَاطِين)
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي كِتَابه أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن البُخَارِيّ عَن أسعد بْن أَبِي طَاهِر الثَّقَفِيّ أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن عَبْد الْوَاحِد الثَّقَفِيّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحِيم الْكَاتِب أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن حَيَّان حَدثنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن معدان قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول اشْتريت جَارِيَة مرّة وَكنت أحبها فَقلت لَهَا
(أَلَيْسَ شَدِيدا أَن تحب ... م فَلَا يحبك من تحبه)
فَقَالَت لي الْجَارِيَة
(ويصد عَنْك بِوَجْهِهِ ... وتلح أَنْت فَلَا تغبه)(1/297)
قلت وبلغنا أَن الشَّافِعِي رأى امْرَأَة فَقَالَ
(إِن النِّسَاء شياطين خُلِقْنَ لنا ... نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الشَّيَاطِين)
فَقَالَت
(إِن النِّسَاء رياحين خُلِقْنَ لكم ... وكلكم يَشْتَهِي شم الرياحين)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر الْحَافِظ بسويقا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَبِي بكر الْخلال حَدَّثتنَا كَرِيمَة بنت عَبْد الْوَهَّاب عَن أَبِي يعلى حَمْزَة بْن عَلِيّ الحبوبي حَدثنَا الْفَقِيه نصر بْن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد مِنْ لَفْظِهِ قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا حَامِد أَحْمَد بْن أَبِي طَاهِر يَقُول قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعلم جهل عِنْد أهل الْجَهْل كَمَا الْجَهْل جهل عِنْد أهل الْعلم وَأنْشد
(ومنزلة الْفَقِيه من السَّفِيه ... كمزلة السَّفِيه من الْفَقِيه)
(فَهَذَا زاهد فِي قرب هَذَا ... وَهَذَا فِيهِ أزهد مِنْهُ فِيهِ)
وأَخْبَرَنَا مُتَّصِلا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن سعد اللَّه بن جمَاعَة إِجَازَةً عَن أَبِي الْفضل إِسْمَاعِيل بْن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ عَن الْحَافِظ أَبِي مُوسَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر عمر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد الْمَدِينِيّ قَالَ قَرَأت عَلَى أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعِيد فِي إِحْدَى قدماته أَصْبَهَان عَن كتاب أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن شُجَاع الشَّيْبَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُثْمَان الْبَغْدَادِيّ الأديب الْمَعْرُوف بالطرازي بِنَيْسَابُورَ قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي يَقُول سَمِعت الْمُزنِيّ يَقُول قَالَ لي الشَّافِعِي يَا أَبَا إِبْرَاهِيم الْعلم جهل(1/298)
عِنْد أهل الْجَهْل كَمَا أَن الْجَهْل جهل عِنْد أهل الْعلم ثمَّ أنشأ الشَّافِعِي لنَفسِهِ الْبَيْتَيْنِ بعينيهما غير أَن فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فَهَذَا زاهد فِي علم هَذَا
أَخْبَرَنَا أَبِي تغمده اللَّه برحمته أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن سَالم بْن الصَّواف بِدِمَشْق أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الصَّمد السخاوي أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَليّ بن الْحسن ابْن الْحُسَيْن الموازيني عَن القَاضِي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَلامَة بْن جَعْفَر الْقُضَاعِي الْمصْرِيّ كِتَابَة قَالَ قَرَأت عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن شَاكر الْقطَّان حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الْحلَبِي حَدَّثَنِي جداي مُحَمَّد وأَحْمَد قَالا سمعنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن الرواس بِدِمَشْق يَقُول سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول خرجنَا مَعَ الشَّافِعِي من مَكَّة نُرِيد منى فَلم ننزل وَاديا وَلم نصعد شعبًا إِلَّا وَهُوَ يَقُول
(يَا رَاكِبًا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض)
(سحرًا إِذا فاض الحجيج إِلَى منى ... فيضا كملتطم الْفُرَات الفائض)
(إِن كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان أَنِّي رَافِضِي)
أخبرتنا فَاطِمَة بنت أَبِي عمر إِذْنا عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الموازيني عَن القَاضِي أَبِي عَبْد اللَّه الْقُضَاعِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْقطَّان حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن يُوسُف الصَّدَفِي حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن بشر العكري حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِي عَن مَسْأَلَة فأعجب نَفسه فَأَنْشَأَ يَقُولُ(1/299)
(إِذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ)
(وَلست بإمعة فِي الرِّجَال ... أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر)
(ولكنني مدره الأصغرين ... فتاح خير وفراج شَرّ)
قلت وَسَنذكر الْمَسْأَلَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة أَبِي عَبْد اللَّه البوشنجي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة
أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن الممظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عمر بْن عَبْد الْمُنعم بْن القواس سَمَاعا أَخْبَرَنَا القَاضِي عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد الحرستاني كِتَابَة أَخْبَرَنَا نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصِي أَخْبَرَنَا نصر بْن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي قَالَ أَنْشدني بعض أَصْحَابنَا وَقيل إنَّهُمَا للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(الْعلم من شَرطه لمن خدمه ... أَن يَجْعَل النَّاس كلهم خدمه)
(وواجب صونه عَلَيْهِ كَمَا ... يصون فِي النَّاس عرضه وَدَمه)
(فَمن حوى الْعلم ثمَّ أودعهُ ... بجهله غير أَهله ظلمه)
(وَكَانَ كالمبتني الْبناء إِذا ... تمّ لَهُ مَا أَرَادَهُ هَدمه)
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن يُوسُف الْمصْرِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا ابْن رواج إِجَازَةً أَخْبَرَنَا السلَفِي سَمَاعا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن العلاف أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الحمامي أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْخُتلِي حَدَّثَنِي أَبُو بكر بْن حمدَان النَّيْسَابُورِي حَدثنَا عَلِيّ بْن سراج الجرشِي حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان الْمرَادِي أنشدنا مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ(1/300)
(صديق لَيْسَ ينفع يَوْم بَأْس ... قريب من عَدو فِي الْقيَاس)
(وَمَا يبغى الصّديق بِكُل عصر ... وَلَا الإخوان إِلَّا للتآسي)
(عمرت الدَّهْر ملتمسا بجهدي ... أَخا ثِقَة فأكداه التماسي)
(تنكرت الْبِلَاد عَلِيّ حَتَّى ... كَأَن أناسها لَيْسُوا بناسي)
أَخْبَرَنَا قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الشَّافِعِي كِتَابَة عَن أَبِي الْفضل ابْن أَبِي الْعَبَّاس بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الدِّمَشْقِي عَن الإِمَام أَبِي الْخطاب عمر ابْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن معمر الدِّمَشْقِي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه الْكرْمَانِي أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْقرشِي التفليسي قَالَ سَمِعت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول سَمِعت يَحْيَى بْن مَنْصُور يَقُول سَمِعت الوبري يَقُول سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول وقصده رجل يطْلب مِنْهُ شَيْئا فَأعْطَاهُ مَا أمكنه ثمَّ أنشأ يَقُول
(يَا لهف نَفسِي عَلَى مَال أفرقه ... عَلَى المقلين من اهل المروآت)
(إِن اعتذاري إِلَى من جَاءَ يسألني ... مَا لَيْسَ عِنْدِي من إِحْدَى المصيبات)
قَرَأت عَلَى سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبِي عمر عَبْد الْعَزِيز بْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة قلت لَهُ أخْبرك أَبُو عمرَان مُوسَى بْن عَلِيّ بْن يُوسُف بْن سِنَان القطبي الْمقري بِقِرَاءَتِك عَلَيْهِ قريء عَلَى أَبِي الْفرج بْن أَبِي مُحَمَّد النميري وَأَنَا أَسْمَعُ عَن أَبِي المكارم اللبان وَغَيره عَن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحداد أخبرنَا أَبُو نعيم(1/301)
أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْفضل نصر بْن أَبِي نصر الطوسي قَالَ سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الْبَصْرِيّ يَقُول حَدَّثَنِي بعض شُيُوخنَا قَالَ لما أشخص الشَّافِعِي إِلَى سر من رأى دَخلهَا وَعَلِيهِ أطمار رثَّة وَطَالَ شعره فَتقدم إِلَى مزين فاستقذره لما نظر إِلَى زيه فَقَالَ لَهُ امْضِ إِلَى غَيْرِي فَاشْتَدَّ عَلى الشَّافِعِي أمره فَالْتَفت إِلَى غُلَام كَانَ مَعَه فَقَالَ إيش مَعَك من النَّفَقَة قَالَ عشرَة دَنَانِير قَالَ ادفعها إِلَى المزين فَدَفعهَا الْغُلَام إِلَيْهِ فولى الشَّافِعِي وَهُوَ يَقُول
(عَلِيّ ثِيَاب لَو يُبَاع جَمِيعهَا ... بفلس لَكَانَ الْفلس مِنْهُنَّ أكثرا)
(وفيهن نفس لَو يُقَاس بِمِثْلِهَا ... نفوس الورى كَانَت أجل وأخطرا)
(وَمَا ضرّ نصل السَّيْف إخلاق غمده ... إِذا كَانَ غَضبا حَيْثُ أنفذته بَرى)
فَإِن تكن الْأَيَّام أزرت ببزتي ... فكم من حسام فِي غلاف مكسرا)
وَبِه إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن الْقَاسِم البروجردي قَالَ أملي علينا الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن مطير بِمصْر قَالَ سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول
(لَيْت الْكلاب لنا كَانَت مجاورة ... وأننا لَا نرى مِمَّن نرى أحدا)
(إِن الْكلاب لتهدا فِي مرابضها ... وَالنَّاس لَيْسَ بهاد شرهم أبدا)
(فأنج نَفسك واستأنس بوحدتها ... تلفى سعيدا إِذا مَا كنت مُنْفَردا)
وَبِه إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حدث شُعَيْب بْن مُحَمَّد الدبيلي قَالَ أنشدنا الرّبيع للشَّافِعِيّ لَيْت الْكلاب الأبيات إِلَّا أَنه قَالَ(1/302)
فِي هَذِهِ الرِّوَايَة وليتنا لَا نرى وَقَالَ لتهدا فِي مواطنها وَقَالَ وَأَنت السعيد إِذا مَا كنت مُنْفَردا
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبِي قَالَ حَدثنَا أَحْمَد حَدثنَا أَبُو نصر قَالَ سَمِعت أَبَا عبيد اللَّه ابْن أخي بْن وهب يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول
(وأنطقت الدَّرَاهِم بعد صمت ... أُنَاسًا بعد أَن كَانُوا سكُوتًا)
(فَمَا عطفوا عَلَى أحد بِفضل ... وَلَا عرفُوا لمكرمة بُيُوتًا)
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ سَمِعت الْحَسَن بْن سُفْيَان يَقُول سَمِعت حَرْمَلَة بْن يَحْيَى يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت ... فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد)
(فَقل للَّذي يَبْغِي خلاف الَّذِي مضى ... تهَيَّأ لأخرى مثلهَا فَكَأَن قد)
وَسبب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا قَالَ الْحَافِظ ابْن مَنْدَه أَن الرّبيع حدث قَالَ رَأَيْت أَشهب بْن عَبْد الْعَزِيز سَاجِدا وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده اللَّهم أمت الشَّافِعِي وَإِلَّا يذهب علم مَالك فَبلغ الشَّافِعِي ذَلِك فَتَبَسَّمَ وَأَنْشَأَ يَقُول وَذكر الْبَيْتَيْنِ وبيتا ثَالِثا وَهُوَ
(وَقد علمُوا لَو ينفع الْعلم عِنْدهم ... لَئِن مت مَا الدَّاعِي عَلِيّ بمخلد)
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا الْحَسَن بْن سَعِيد بْن جَعْفَر حَدثنَا أَبُو زُرَارَة الْحَرَّانِي قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول كنت عِنْد الشَّافِعِي إِذْ جَاءَهُ رجل برقعة فقرأها وَوَقع فِيهَا فَمضى الرجل وتبعته إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَقلت وَالله لَا تفوتني فتيا الشَّافِعِي فَأخذت الرقعة من يَده فَوجدت فِيهَا
(سل الْمُفْتِي الْمَكِّيّ هَل فِي تزاور ... وضمة مشتاق الْفُؤَاد جنَاح)(1/303)
فَإِذا قد وَقع الشَّافِعِي
(فَقلت معَاذ اللَّه أَن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بِهن جراح)
قَالَ الرّبيع فأنكرت عَلَى الشَّافِعِي أَن يُفْتِي لحَدث بِمثل هَذَا فَقلت يَا أَبَا عَبْد اللَّه تُفْتِي بِمثل هَذَا لمثل هَذَا الشَّاب فَقَالَ لي يَا أَبَا مُحَمَّد هَذَا رجل هاشمي قد عرس فِي هَذَا الشَّهْر يَعْنِي شهر رَمَضَان وَهُوَ حدث السن فَسَأَلَ هَل عَلَيْهِ جنَاح أَن يقبل أَو يضم من غير وَطْء فأفتيته بِهَذَا
قَالَ الرّبيع فتبعت الشَّاب فَسَأَلته عَن حَاله فَذكر لي أَنه مثل مَا قَالَ الشَّافِعِي
قَالَ فَمَا رَأَيْت فراسة أحسن مِنْهَا
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الْبَيْضَاوِيّ الْمقري قَالَ سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه المأموني يَقُول سَمِعت أَبَا حَيَّان النَّيْسَابُورِي يَقُول بَلغنِي أَن عياشا الْأَزْرَق دخل عَلَى الشَّافِعِي يَوْمًا فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه قد قلت أبياتا إِن أَنْت أجزت لي بِمِثْلِهَا لأتوبن أَن لَا أَقُول شعرًا أبدا فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي إيه فَأَنْشَأَ يَقُول
(وَمَا همتي إِلَّا مقارعة العدا ... خلق الزَّمَان وهمتي لم تخلق)
(وَالنَّاس أَعينهم إِلَى سلب الْفَتى ... لَا يسْأَلُون عَن الحجا والأولق)
(لَو كَانَ بالحيل الْغنى لَوَجَدْتنِي ... بنجوم أقطار السَّمَاء تعلقي)
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي هلا قلت كَمَا أَقُول استرسالا
(إِن الَّذِي رزق الْيَسَار فَلَنْ يصب ... حمدا وَلَا أجرا لغير موفق)
(فالجد يدني كل أَمر شاسع ... وَالْجد يفتح كل بَاب مغلق)(1/304)
(وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا حوى ... عودا فأثمر فِي يَدَيْهِ فحقق)
(وَإِذا سَمِعت بِأَن محروما أَتَى ... مَاء ليشربه فغاض فَصدق)
(وأحق خلق اللَّه بالهم امْرُؤ ... ذُو همة يبْلى بعيش ضيق)
(وَمن الدَّلِيل عَلَى الْقَضَاء وَكَونه ... بؤس اللبيب وَطيب عَيْش الأحمق)
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن عمر بْن غَالب حَدثنَا مُحَمَّد بْن الرّبيع بْن سُلَيْمَان بِمَكَّة حَدثنَا أَبِي قَالَ قَالَ أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ قلت للشَّافِعِيّ قد قلت فِي الزّهْد فَهَل لَك فِي الْغَزل شَيْء فأنشدني
(يَا كاحل الْعين بعد النّوم بالسهر ... مَا كَانَ كحلك بالمنعوت لِلْبَصَرِ)
(لَو أَن عَيْني إِلَيْك الدَّهْر ناظرة ... جَاءَت وفاتي وَلم أشْبع من النّظر)
(سقيا لدهر مضى مَا كَانَ أطيبه ... لَوْلَا التَّفَرُّق والتنغيص بِالسَّفرِ)
(إِن الرَّسُول الَّذِي يَأْتِي بِلَا عدَّة ... مثل السَّحَاب الَّذِي يَأْتِي بِلَا مطر)
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحِيم بالموصل يَحْكِي عَن الرّبيع قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول فِي قصَّة ذكرهَا
(لقد أَصبَحت نَفسِي تتوق إِلَى مصر ... وَمن دونهَا أَرض المهامه والقفر)
(فوَاللَّه مَا أَدْرِي أللفوز والغنى ... أساق إِلَيْهَا أم أساق إِلَى قَبْرِي)(1/305)
وأَخْبَرَنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بْن جمَاعَة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قلت لَهُ كتب إِلَيْكُم أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي بكر بْن الْخلال إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل جَعْفَر ابْن عَلِيّ الْهَمدَانِي قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازيني قَالَ أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَلامَة بْن جَعْفَر الْقُضَاعِي إِجَازَةً قَالَ قَرَأت عَليّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمر بْن شَاكر الْقطَّان قَالَ حَدثنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْمَالِكِي قَالَ حَدثنَا عَلِيّ بْن جَعْفَر الرَّازِيّ حَدثنَا يُوسُف بْن عَبْد الْأَحَد القمني حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول
(وأنزلني طول النوي دَار غربَة ... يجاورني من لَيْسَ مثلي يشاكله)
(أحامقه حَتَّى يُقَال سجية ... وَلَو كَانَ ذَا عقل لَكُنْت أعاقله)
وقرأت عَلَى ابْن جمَاعَة أَيْضًا قَالَ وأنبئت أعلا من هَذَا بدرجتين عَن أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن المقير وَغَيره عَن أَبِي الْمَعَالِي الْفضل بْن سهل الإسفرايني
ح وَقَالَ ابْن جمَاعَة وانبئت عَن الْمُؤَيد الطوسي وَغَيره عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ كِلَاهُمَا عَن أَبِي بكر بْن عَلِيّ الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا الزبير عَن عَبْد الْوَاحِد حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمَعْرُوف بِابْن متويه حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه تَعَالَى يَقُول
(وأنزلني طول النَّوَى دَار ذلة ... يصاحبني ... ...)
الْبَيْتَيْنِ
وَبِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدثنَا أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ قَالَ سَمِعت ابْن أَبِي الصَّغِير بِمَكَّة يَقُول سَمِعت الْمُزنِيّ يَقُول قدم الشَّافِعِيّ(1/306)
بعض قدماته من مَكَّة فَخرج إخْوَان لَهُ يتلقونه وَإِذا هُوَ قد نزل منزلا وَإِلَى جَانِبه رجل جَالس وَفِي حجره عود فَلَمَّا فرغوا من السَّلَام عَلَيْهِ قَالُوا لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَنْت فِي مثل هَذَا الْمَكَان فَأَنْشَأَ يَقُول
(وأنزلني طول النَّوَى دَار غربَة ... يجاورني من لَيْسَ مثلي يشاكله)
(فحامقته حَتَّى يُقَال سجية ... وَلَو كَانَ ذَا عقل لَكُنْت أعاقله)
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر بْن معدان قَالَ سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول اشْتريت جَارِيَة وَكنت أحبها فَقلت لَهَا
(أَلَيْسَ شَدِيدا أَن تحب ... م فَلَا يحبك من تحبه)
فَقَالَت الْجَارِيَة
(ويصد عَنْك بِوَجْهِهِ ... وتلح أَنْت فَلَا تغبه)
وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يَعْقُوب حَدثنَا أَبُو حَاتِم حَدثنَا حَرْمَلَة سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول
(ودع الَّذين إِذا أتوك تنسكوا ... وَإِذا خلوا فهم ذئاب حقاف)
وقرأت عَلَى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة قَالَ أَخْبرنِي أَبُو عَلِيّ بْن الْخلال إِذْنا بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه الْقطَّان قَالَ حَدثنَا الْحَسَن بْن بشر الْأَزْدِيّ والْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْمَالِكِي وَاللَّفْظ لَهُ قَالا حَدثنَا مُحَمَّد بْن بشر بْن عَبْد اللَّه قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول جَاءَ رجل إِلَى الشَّافِعِي يسْأَله عَن مَسْأَلَة قرأي فِي عقله شَيْئا فَأَنْشَأَ الشَّافِعِي يَقُول
(جنونك مَجْنُون وَلست بواجد ... طَبِيبا يداوي من جُنُون جُنُون)(1/307)
وَلَا معنى للإكثار من ذكر شعر الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ شَيْء قد طبق طبق الأَرْض وَخلق رِدَاء لَيْلهَا المسود ونهارها المبيض
وروى الْحَافِظ أَبُو سعد فِي الذيل أَن الإِمَام أَبَا مُحَمَّد بْن حزم قَالَ من تختم بالعقيق وَقَرَأَ لأبي عَمْرو وتفقه للشَّافِعِيّ وَحفظ قصيدة ابْن زُرَيْق فقد اسْتكْمل ظرفه
قلت وقصيدة عَلِيّ بْن زُرَيْق الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ غراء بديعة أَخْبَرَنَا بهَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن البُخَارِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن شَيبَان بْن تغلب الشَّيْبَانِيّ وَزَيْنَب بنت مكي ابْن عَلِيّ الْحَرَّانِي إِجَازَةً قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طبرزد أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نَبهَان الغنوي أنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الْحميدِي أَنْشدني أَبُو غَالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سهل النَّحْوِيّ الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بِابْن بَشرَان بواسط أَنْشدني الْأَمِير أَبُو الهيجا مُحَمَّد بن عمرَان ابْن شاهين أَنْشدني عَلِيّ بْن زُرَيْق أَبُو الْحَسَن الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ لنَفسِهِ
(لَا تعذليه فَإِن العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ)
(جَاوَزت فِي لومه حدا يضر بِهِ ... من حَيْثُ قدرت أَن اللوم يَنْفَعهُ)
(فاستعملي الرِّفْق فِي تأنيبه بَدَلا ... من عنفه فَهُوَ مضني الْقلب موجعه)
(قد كَانَ مضطلعا بالبين يحملهُ ... فضلعت بخطوب الْبَين أضلعه)
(يَكْفِيهِ من روعة التفنيد أَن لَهُ ... من النَّوَى كل يَوْم مَا يروعه)
(مَا آب من سفر إِلَّا وأزعجه ... رأى إِلَى سفر بالعزم يجمعه)(1/308)
(كَأَنَّمَا هُوَ من حل ومرتحل ... مُوكل بفضاء الأَرْض يذرعه)
(إِذا الزماع أرَاهُ فِي الرحيل غنى ... وَلَو إِلَى السَّنَد أضحى وَهُوَ يزمعه)
(تأبى المطامع إِلَّا أَن تجشمه ... للرزق كدا وَكم مِمَّن يودعه)
(وَمَا مجاهدة الْإِنْسَان واصلة ... رزقا وَلَا دعة الْإِنْسَان تقطعه)
(وَالله قسم بَين الْخلق رزقهم ... لم يخلق اللَّه مخلوقا يضيعه)
(لكِنهمْ ملئوا حرصا فلست ترى ... مسترزقا وَسوى الفاقات تقنعه)
(والحرص فِي الرزق والأرزاق قدقسمت ... بغي أَلا إِن بغي الْمَرْء يصرعه)
(والدهر يُعْطي الْفَتى مَا لَيْسَ يَطْلُبهُ ... يَوْمًا ويطعمه من حَيْثُ يمنعهُ)
(أستودع اللَّه فِي بَغْدَاد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه)
(ودعته وبودي أَن يودعني ... صفو الْحَيَاة وَأَنِّي لَا أودعهُ)
(وَكم تشفع بِي أَن لَا أفارقه ... وللضرورات حَال لَا تشفعه)
(وَكم تشبث بِي يَوْم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه)
(لَا أكذب اللَّه ثوب الْعذر منخرق ... عني بفرقته لَكِن أرقعه)
(إِنِّي أوسع عُذْري فِي جِنَايَته ... بالبين عني وقلبي لَا يوسعه)
(أَعْطَيْت ملكا فَلم أحسن سياسته ... وكل من لَا يسوس الْملك يخلعه)(1/309)
(وَمن غَدا لابسا ثوب النَّعيم بِلَا ... شكر عَلَيْهِ فَعَنْهُ اللَّه يَنْزعهُ)
(اعتضت من وَجه خلي بعد فرقته ... كأسا تجرع مِنْهَا مَا أجرعه)
(كم قَائِل لي ذقت الْبَين قلت لَهُ ... الذَّنب وَالله ذَنبي لست أرقعه)
(إِنِّي لأقطع أيامي وأنفذها ... بحسرة مِنْهُ فِي قلبِي تقطعه)
(بِمن إِذا هجع النوام أَبَت لَهُ ... بلوعة مِنْهُ ليلى لست أهجعه)
(لَا يطمئن بجنبي مَضْجَع وَكَذَا ... لَا يطمئن لَهُ مذ بنت مضجعه)
(مَا كنت أَحسب ريب الدَّهْر يفجعني ... بِهِ وَلَا أَن بِي الْأَيَّام تفجعه)
(حَتَّى جرى الْبَين فِيمَا بَيْننَا بيد ... عسراء تمنعني حظي وتمنعه)
(بِاللَّه يَا منزل الْقصر الَّذِي درست ... آثاره وعفت مذ بنت أَرْبَعه)
(هَل الزَّمَان معيد فِيك لذتنا ... أم اللَّيَالِي الَّتِي أمضت ترجعه)(1/310)
(فِي ذمَّة اللَّه من أَصبَحت منزله ... وجاد غيث عَلَى مغناك يمرعه)
(من عِنْده لي عهد لَا يضيعه ... كَمَا لَهُ عهد صدق لَا أضيعه)
(وَمن يصدع قلبِي ذكره وَإِذا ... جرى عَلَى قلبه ذكرى يصدعه)
(لأصبرن لدهر لَا يمتعني ... بِهِ كَمَا أَنه بِي لَا يمتعه)
(علما بِأَن اصْطِبَارِي معقب فرجا ... فأضيق الْأَمر إِن فَكرت أوسعه)
(عَسى اللَّيَالِي الَّتِي أضنت بفرقتنا ... جسمي تجمعني يَوْمًا وتجمعه)
(وَإِن ينل أحد منا منيته ... فَمَا الَّذِي فِي قَضَاء اللَّه يصنعه)
وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لهَذِهِ القصيدة قصَّة عَجِيبَة فروى بِسَنَدِهِ أَن رجلا من أهل بَغْدَاد قصد أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الأندلسي وتقرب إِلَيْهِ بنسبه فَأَرَادَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن أَن يبلوه ويختبره فَأعْطَاهُ شَيْئا نزرا فَقَالَ الْبَغْدَادِيّ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون سلكت البراري والقفار والمهامه والبحار إِلَى هَذَا الرجل فَأَعْطَانِي هَذَا الْعَطاء النزر فَانْكَسَرت إِلَيْهِ نَفسه فاعتل وَمَات وشغل عَنهُ الأندلسي أَيَّامًا ثمَّ سَأَلَ عَنهُ فَخَرجُوا يطلبونه فَانْتَهوا إِلَى الخان الَّذِي هُوَ فِيهِ وسألوا الْخَانِية عَنهُ فَقَالَت إِنَّه كَانَ فِي هَذَا الْبَيْت ومذ أمس لم أبصره فَصَعِدُوا فدفعوا الْبَاب فَإِذا هُوَ ميت وَعند رَأسه رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب
(لَا تعذليه فَإِن العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ)
وَذكر أبياتا من القصيدة غير تَامَّة(1/311)
قَالَ فَلَمَّا وقف أَبُو عَبْد الرَّحْمَن عَلَى هَذِهِ الأبيات بَكَى حَتَّى خضب لحيته وَقَالَ وددت أَن هَذَا الرجل حَيّ وأشاطره نصف ملكي
وَكَانَ فِي رقْعَة الرجل منزلي بِبَغْدَاد فِي الْموضع الْفُلَانِيّ الْمَعْرُوف بِكَذَا وَالْقَوْم يعْرفُونَ بِكَذَا فَحمل إِلَيْهِم خَمْسَة آلَاف دِينَار وعرفهم موت الرجل
قلت وَعلي بْن زُرَيْق الْكَاتِب صَاحب هَذِهِ القصيدة هُوَ الْقَائِل حضرت مجْلِس القتبي صَاحب بَيت حِكْمَة الْمَأْمُون وَعِنْده فتيَان أَرْبَعَة قد نظرُوا فِي الْأَخْبَار وَرووا الْأَشْعَار وتأدبوا بفنون الْآدَاب وكل فَتى مِنْهُم ينتمي إِلَى جنس وَيَقُول بتفضيله فَقَالَ القتبي وَقد طَال بهم المراء ليقل كل وَاحِد مِنْكُم فِي مَجْلِسه بَيْتِي شعر فِي فضل قومه فَقَالَ المنتمي إِلَى الْفرس
(نَحن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لنا ... علم السياسة وَالتَّدْبِير والكتب)
(وَنحن من نسل إِسْحَاق الذَّبِيح وَفِي ... مجد النَّبِيين ظلّ الْمجد والحسب)
وَقَالَ المنتمي إِلَى الْعَرَب
(فِينَا الشجَاعَة طبع والسخاء كَمَا ... فِينَا الدهاء وَفينَا الظّرْف وَالْأَدب)
(وَنحن من نسل إِسْمَاعِيل قاطبة ... لَا يُنكر النَّاس قولي حِين أنتسب)
وَقَالَ المنتمي إِلَى الرّوم
(الرّوم قوم لَهُم حلم وتجربة ... وَحسن خلق وَعلم بارع عجب)
(وهم بَنو الْعيص والأملاك لاكذب ... ولبسهم شقق الديباج وَالذَّهَب)
وَقَالَ المنتمي إِلَى التّرْك
(التّرْك لم يملكُوا فِي دَار ملكهم ... وَالْفرس قد ملكوا وَالروم وَالْعرب)
(هَذَا لعمرك فضل لَيْسَ يجحده ... إِلَّا حسود عنيد مَا لَهُ أدب)
قَالَ عَلِيّ بْن زُرَيْق فعجبت من افتخار التركي عَلَيْهِم(1/312)
قلت لَو أَن الْعَرَبِيّ قَالَ
(فِينَا الشجَاعَة طبع والسخاء كَمَا ... فِينَا الدهاء وَفينَا الظّرْف وَالْأَدب)
(وأَحْمَد الْمُصْطَفى الْهَادِي النَّبِيّ وَذَا ... هُوَ الفخار الَّذِي سادت بِهِ الْعَرَب)
أَو لَو قَالَ
(مَا الْفرس مَا الرّوم مَا الأتراك نَحن بَنو ... عدنان فِينَا الحجا والجود وَالْأَدب)
(هَذَا وَإِن لنا بالمصطفى حسبا ... بِهِ عَلَى كل ندب سادت الْعَرَب)
لَكَانَ قد أفحم الْكل وافتخر عَلَيْهِم
وَقَرِيب من هَذَا مَا يُعجبنِي من عَائِشَة بنت طَلْحَة بْن عبيد اللَّه وَهِي بنت أم كُلْثُوم بنت أَبِي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ خَالَتهَا وَكَانَت هَذِهِ عَائِشَة بنت طَلْحَة عَلَى مَا يَقُول المؤرخون أجمل نسَاء زمانها وأظرفهن وأخبارها فِي هَذَا الشَّأْن كَثِيرَة وَقد تزَوجهَا مُصعب بْن الزبير وَجمع بَينهَا وَبَين سكينَة بنت الْحُسَيْن بْن عَلِيّ
حجت عَائِشَة بنت طَلْحَة فِي سِتِّينَ بغلا عَلَيْهَا الهوادج وَفِي حشمة زَائِدَة وَكَانَت سكينَة أَيْضًا قد حجت مَعهَا فَكَانَت عَائِشَة أحسن آلَة وثقلا فَأخذ الحداة يتراجزون بِمن حملن فَقَالَ حادي عَائِشَة
(عائش يَا ذَات البغال السِّتين ... لَا زلت مَا عِشْت كَذَا تحجين)
فشق ذَلِك عَلَى سكينَة فَنزل حاديها وَقَالَ
(عائش هذي ضرَّة تشكوك ... لَوْلَا أَبوهَا مَا اهْتَدَى أَبوك)
فَأمرت عَائِشَة حاديها حِينَئِذٍ أَن يكف فَكف فَللَّه درها حَيْثُ كفت مَوضِع الانكفاف أدبا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كَانَ الْأَمر والمفاخرة فِي الدُّنْيَا هزلا(1/313)
فقلبته سكينَة بِذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدا فأفحمت خصمها وأقامت عَلَيْهِ الْحجَّة فَللَّه درها من مناظرة عرفت مواقع الجدل ودر خصمتها من مذعنة للحق منقادة إِلَى الصدْق
وَكَذَلِكَ لَا يستثقل حَامِل هَذِهِ الطَّبَقَات مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من كَثْرَة الْأَسَانِيد فَهِيَ لعمر اللَّه بهجة هَذَا الْكتاب وزينة هَذَا الْجَامِع لمحاسن الْأَصْحَاب وواسطة هَذَا العقد الْآخِذ بعقول أولي الْأَلْبَاب وَلَقَد يعز عَلَى أَبنَاء الزَّمَان جمعهَا وَيبعد مِنْهُم وَقد ركبُوا الهوينا وركنوا إِلَى الدعة وَضعهَا ويتعذر عَلَيْهِم وهم الَّذين قنع الْفَاضِل مِنْهُم بحاجة فِي نَفسه من اسْم التصنيف قَضَاهَا صنعها فَإِنَّهُم رفضوا طلب الحَدِيث بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن جمعه بِالْأَسَانِيدِ وَنَقَضُوا قَوَاعِد الْأَئِمَّة الَّذين قَالَ مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الْإِسْنَاد زين الحَدِيث فَمن اعتني بِهِ فَهُوَ السعيد
ودحضوا قَول عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين
وَقَول الثَّوْريّ قبله الْإِسْنَاد سلَاح الْمُؤمن
وأَحْمَد بْن حَنْبَل بعده طلب علو الْإِسْنَاد من الدّين فباءوا بإثم عَظِيم وَعَذَاب شَدِيد
فَالْحق قَول ابْن الْمُبَارك لَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَطَرِيق حفاظ هَذَا الحَدِيث الَّذين قَالَ مِنْهُم قَائِل مثل الَّذِي يطْلب دينه بِلَا إِسْنَاد مثل الَّذِي يرتقي السَّطْح بِلَا سلم فَأنى يبلغ السَّمَاء
وَقَالَ مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ مَا ذهَاب الْعلم إِلَّا ذهَاب الْإِسْنَاد
وَقَالَ يزِيد بْن زُرَيْع لكل دين فرسَان وفرسان هَذَا الدّين أَصْحَاب الْأَسَانِيد
فرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم هم الْقَوْم بهم كمل اللَّه النعماء فَأَيْنَ أهل عصرنا من حفاظ هَذِهِ الشَّرِيعَة
أَبِي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذُو النورين وَعلي الرِّضَا وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأبي عُبَيْدَة بْن الْجراح وَابْن مَسْعُود وَأبي بْن كَعْب وَسعد بْن معَاذ وبلال بْن رَبَاح وَزيد بْن ثَابت وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَةَ(1/314)
وَعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَمن طبقَة أُخْرَى من التَّابِعين
أويس الْقَرنِي وعلقمة بْن قيس وَالْأسود بْن يزِيد ومسروق بْن الأجدع وَابْن الْمسيب وَأبي الْعَالِيَة وشقيق أَبِي وَائِل وَقيس بْن أَبِي حَازِم وإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأبي الشعْثَاء والْحَسَن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بْن جُبَير وَطَاوُس والأعرج وَعبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عتبَة وَعُرْوَة بْن الزبير وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَعَطَاء بْن يسَار وَالقَاسِم بْن مُحَمَّد وَأبي سَلمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وثابت الْبنانِيّ وَأبي الزِّنَاد وَعَمْرو بْن دِينَار وَأبي إِسْحَاق السبيعِي وَالزهْرِيّ وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر وَيزِيد بْن أَبِي حبيب وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَيحيى بْن سَعِيد وَسليمَان التَّيْمِيّ وجعفر بْن مُحَمَّد وَعبد اللَّه بْن عون وَسَعِيد بْن أَبِي عرُوبَة وَابْن جريج وَهِشَام الدستوَائي
طبقَة أُخْرَى
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمعمر بْن رَاشد وَشعْبَة بْن الْحجَّاج وَابْن أَبِي ذِئْب وَمَالك والْحَسَن بْن صَالح والحمادين وزائدة بْن قدامَة وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد اللَّه بْن الْمُبَارك وَابْن وهب ومعتمر بْن سُلَيْمَان ووكيع بْن الْجراح وَيزِيد ابْن زُرَيْع وَيزِيد بْن هَارُون وَأبي بكر بْن عَيَّاش
أُخْرَى
وَالشَّافِعِيّ وَعَفَّان بْن مُسلم وآدَم بْن أَبِي إِيَاس وَأبي الْيَمَان وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَأبي عَاصِم النَّبِيل والقعنبي وَأبي مسْهر وَعبد الرَّزَّاق بْن همام
أُخْرَى
وأَحْمَد بْن حَنْبَل وأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وأَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ وأَحْمَد بْن منيع وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه والْحَارث بْن مِسْكين وحيوة بن شُرَيْح الْحِمصِي وَخَلِيفَة(1/315)
ابْن خياط وَزُهَيْر بْن حَرْب وشيبان بْن فروخ وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَعَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد وقُتَيْبَة بْن سعيد وَمُحَمّد بن بشار بنْدَار وَمُحَمّد ابْن الْمثنى ومسدد بْن مسرهد وَهِشَام بْن عمار وَيحيى بْن معِين وَيحيى بْن يَحْيَى النَّيْسَابُورِي
أُخْرَى
ومُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي وَالْبُخَارِيّ وأَحْمَد بْن سيار الْمروزِي وَأبي بكر الْأَثْرَم وَعبد بْن حُمَيْد الْكشِّي وَعمر بْن شبة
أُخْرَى
وَأبي دَاوُد السجسْتانِي وَصَالح جزرة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه
أُخْرَى
وعبدان عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْأَهْوَازِي والْحَسَن بْن سُفْيَان وجعفر الْفرْيَابِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأبي يعلى أَحْمَد بْن الْمثنى ومُحَمَّد بْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَأبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأبي بكر عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَاوُد وَأبي عرُوبَة الْحَرَّانِي وَأبي عوَانَة الإسفرايني وَيحيى بْن مُحَمَّد بْن صاعد
أُخْرَى
وَأبي بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَأبي حَامِد بْن مُحَمَّد بْن الشَّرْقِي وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَمْرو الْعقيلِيّ وَأبي الْعَبَّاس الدغولي وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَأبي الْعَبَّاس بْن عقدَة وخيثمة بْن سُلَيْمَان الأطرابلسي وَعبد الْبَاقِي بْن قَانِع وَأبي عَلِيّ النَّيْسَابُورِي
أُخْرَى
وَأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَأبي حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان وَأبي عَليّ ابْن السكن وَأبي بَكْر(1/316)
الجعابي وَأبي بكر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السّني الدينَوَرِي وَأبي أَحْمَد عَبْد اللَّه بْن عدي الْجِرْجَانِيّ وَأبي الشَّيْخ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حَيَّان وَأبي بكر أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن المظفر وَأبي أَحْمَد الْحَاكِم وَأبي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي بكر الجوزقي وَأبي حَفْص ابْن شاهين
أُخْرَى
وَأبي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه وَأبي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن بكير وَأبي عَبْد اللَّه الْحَاكِم وَعبد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْأَزْدِيّ وَأبي بكر بْن مرْدَوَيْه وَأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد غُنْجَار وَأبي بكر البرقاني وَأبي حَازِم البعدوي وَحَمْزَة السَّهْمِي وَأبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ
أُخْرَى
وَأبي عَبْد اللَّه الصُّورِي والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حزم وَابْن عَبْد الْبر وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأبي صَالح الْمُؤَذّن
أُخْرَى
وَأبي إِسْحَاق الحبال وَأبي نصر بْن مَاكُولَا وَأبي عَبْد اللَّه الْحميدِي وَأبي عَلِيّ الغساني وَأبي الْفضل مُحَمَّد بْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأبي عَلِيّ بْن سكرة
أُخْرَى
وَأبي عَامر مُحَمَّد بْن سعدون الْعَبدَرِي وَأبي الْقَاسِم التَّيْمِيّ وَأبي الْفضل بْن نَاصِر وَأبي الْعَلَاء الهمذاني وَأبي طَاهِر السلَفِي وَأبي الْقَاسِم بْن عَسَاكِر وَأبي سعد السَّمْعَانِيّ وَأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ وَخلف بْن بشكوال وَأبي بكر الْحَازِمِي(1/317)
أُخْرَى
وَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَابْن الْأَخْضَر وَعبد الْقَادِر الرهاوي وَالقَاسِم بْن عَسَاكِر
أُخْرَى
وَأبي بكر بْن نقطة وَابْن الزَّيْنَبِي وَأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد بْن أَحْمَد الْمَقْدِسِي وَابْن الصّلاح وإِبْرَاهِيم الصريفيني والحافظ يُوسُف بْن خَلِيل
أُخْرَى
وَعبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ ورشيد الدّين الْعَطَّار وَابْن مسدي
أُخْرَى
وَالنَّوَوِيّ والدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ وَعبيد الإسعردي ومحب الدّين الطَّبَرِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق العَبْد
أُخْرَى
وَالْقَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ والحافظ أَبِي الْحجَّاج الْمزي وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَالشَّيْخ فتح الدّين بْن سيد النَّاس والحافظ قطب الدّين عَبْد الْكَرِيم الْحلَبِي والحافظ علم الدّين البرزالي وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَالشَّيْخ الْوَالِد
أُخْرَى
والحافظ أَبِي الْعَبَّاس بْن المظفر والحافظ صَلَاح الدّين العلائي
فَهَؤُلَاءِ مهرَة هَذَا الْفَنّ وَقد أَغْفَلنَا كثيرا من الْأَئِمَّة وأهملنا عددا صَالحا من الْمُحدثين وَإِنَّمَا ذكرنَا من ذَكرْنَاهُ لننبه بهم عَلَى من عداهم ثمَّ أفْضى الْأَمر إِلَى طي بِسَاط الْأَسَانِيد رَأْسا وعد الأكابر مِنْهَا جَهَالَة ووسواسا(1/318)
وَكَذَلِكَ لَا يهون الْفَقِيه أَمر مَا نحكيه من غرائب الْوُجُوه وشواذ الْأَقْوَال وعجائب الْخلاف قَائِلا حسب الْمَرْء مَا عَلَيْهِ الْفتيا فَليعلم أَن هَذَا هُوَ المضيع للفقيه أَعنِي الِاقْتِصَار عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفتيا فَإِن الْمَرْء إِذا لم يعرف علم الْخلاف والمأخذ لَا يكون فَقِيها إِلَى أَن يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَإِنَّمَا يكون رجلا نَاقِلا نقلا مخبطا حَامِل فقه إِلَى غَيره لَا قدرَة لَهُ عَلَى تَخْرِيج حَادث بموجود وَلَا قِيَاس مُسْتَقْبل بحاضر وَلَا إِلْحَاق شَاهد بغائب وَمَا أسْرع الْخَطَأ إِلَيْهِ وَأكْثر تزاحم الْغَلَط عَلَيْهِ وَأبْعد الْفِقْه لَدَيْهِ
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْوَالِدُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ سَلامَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِلالٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْكَفرطابِيُّ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبَانِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الْقُرَشِيُّ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْعُذْرِيُّ بِبَيْرُوتَ أخبرنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب ابْن شَابُورَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ وَعَاهَا وَحَمَلَهَا رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ إِخْلاصُ الْعَمَلِ للَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ وَالاعْتِصَامُ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرائِهِمْ
لَيْسَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ(1/319)
وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ الْمُعِزِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ حَدثنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوَهُ
وَابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُخْتَصَرًا(1/320)
وَالْحَدِيثُ أَيْضًا مُخَرَّجٌ فِي أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث زيد ابْن ثَابِتٍ
وَكَذَلِكَ لَا يستطيل علينا الْمُحدث بِكَثْرَة مَا نورده من الحكايات والكائنات فَإنَّا لم نضع الْكتاب إِلَّا حاويا مغنيا ناظره عَن الِالْتِفَات إِلَى غَيره من التواريخ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بُسْتَان الْفُقَهَاء وربيع المناظرين وَالْمَجْمُوع الجموع والمحمول عَلَى الرُّءُوس الْمَوْضُوع الَّذِي تبرجت تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى غير متلفعات بمروطهن فَوَائده وتأرجت وَلَا أرج السحر نسمات كَلِمَاته الَّتِي لَهَا طارف الْفضل وتالده وتخرجت كَأَنَّهَا عَلَى يَد ابْن عَسَاكِر جنود أَحَادِيثه المجيدة وَمَا هِيَ إِلَّا جند الْإِسْلَام وتعلقت كَأَنَّهَا عَلَى جيد الكواعب قلائده الَّتِي تقود إِلَى الْجنَّة بِسَلام
وَكَذَلِكَ لَا يستثقل النَّاظر فِي هَذَا الْمَجْمُوع حِكَايَة المناظرات بحروفها والمشاجرات عَلَى اخْتِلَاف صنوفها فلنذكر من مناظرات الْأَصْحَاب فِي محَاسِن الْجِدَال ومبارزات الفحول فِي ميادين الْمقَال وتشعب الآراء فِي محافل النّظر وتشتت الْعلمَاء فِي جحافل الْخطر وتطاعن الأقران فِي مقَام التَّحْقِيق وتشاجر الْخُصُوم عِنْد كل مضيق مَا يشْهد لمَكَان ذويها بمزيد الِارْتفَاع وعظيم الِاطِّلَاع وَالْقُدْرَة عَلَى الاستنباط وَالْقُوَّة عَلَى دفع ذِي الاشتطاط لتجري طلبة هَذَا الزَّمَان عَلَى الهمم بدل الدمع نجيعا ولتقف عِنْد مقدارها وَلَا تَقول كم ترك الأول للْآخر فقد أحرز الْأَولونَ قصب السَّبق جَمِيعًا وليعلم أَن الْجَهْل استولى عَلَى بني الزَّمَان اسْتِيلَاء الْملك فِي مَحَله وَأَن الْعلم ولى وَالله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعلمَاء وَلَكِن يقبض أَهله(1/321)
أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِزارمَرْدَ الصِّرِيفِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن أخي ميمي وَأَبُو حَفْص وَعمر ابْن إِبْرَاهِيمَ الْكَتَّانِيُّ قَالا حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد الْبَغَوِيّ حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر ابْن حَرْبٍ حَدثنَا وَكِيعٌ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا خَلِيلُ بْنُ أَبِي الرَّجَا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الصُّوفِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ الْعَطَّارُ النَّصِيبِيُّ بِبَغْدَادَ حَدثنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُنَاسَةَ
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْقَطِيعِيُّ أَخْبَرَنَا جَمَالُ الإِسْلامِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْخلّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَيِّعُ حَدثنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ حَدثنَا إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي حُضُورًا وَالْمُحِبُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ وَشُهْدَةُ إِجَازَةً قَالَ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الفانيدي وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ السِّمْنَانِيُّ وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّمَّانُ(1/322)
وَقَالَت شُهْدَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ وَقَالَ الْمُحِبُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ السَّيِّدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ ابْن يُوسُفَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدَةَ حَدثنَا عَليّ ابْن حَرْبٍ الطَّائِيُّ حَدثنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالُوا حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أويس عَن مَالك عَن هِشَام ابْن عُرْوَةَ بِهِ
وَفِي الاعْتِصَامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ تَلِيدٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ جَمِيعًا عَن أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمِ عُرْوَةَ نَحْوَهُ
وَمُسْلِمٌ فِي الْقَدَرِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد ابْن زَيْدٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلاهُمَا عَنْ وَكيِعٍ وَعَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَأَبِي أُسَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَدِينِيِّ وَعَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ الثَّلاثَةَ عَشَرَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ(1/323)
فصل
وَاعْلَم أَن أَصْحَابنَا فرق تفَرقُوا بتفرق الْبِلَاد
فَمنهمْ أَصْحَابنَا بالعراق كبغداد وَمَا والاها
وَأُولَئِكَ بعيد أَن تعزب عَنَّا تراجمهم فَإِنَّهُم إِمَّا من بَغْدَاد نَفسهَا أَو من الْبِلَاد الَّتِي حواليها وَالْغَالِب عَلَى من يقرب مِنْهَا أَنه يدخلهَا وَكَيف لَا وَهِي محلّة الْعلمَاء إِذْ ذَاك ودارالدنيا وحاضرة الرّبع العامر ومركز الْخلَافَة
وبغداد لَهَا كتاب التَّارِيخ للْإِمَام أَبِي بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب رَحمَه اللَّه وَهُوَ من أجل الْكتب وأعودها فَائِدَة
وَقد ذيل عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو سعد تَاج الْإِسْلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فَأحْسن مَا شَاءَ
وذيل عَلى ابْن السَّمْعَانِيّ الْحَافِظ أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدبيثي
ثمَّ جَاءَ الْحَافِظ مُحَمَّد بْن مَحْمُود بْن النجار فذيل عَلَى الْخَطِيب نَفسه فَجمع فأوعى عَلَى أَنه أخل بِذكر جمَاعَة كثيرين ذكرهم ابْن السَّمْعَانِيّ وَمَا أَدْرِي لم فعل ذَلِك
وكل هَذِهِ التصانيف وقفت عَلَيْهَا وعَلى غَيرهَا مِمَّا يتَعَلَّق بالبغداديين فحصلنا عَلَى تراجمهم
وَمِنْهُم النيسابوريون
وَقد كَانَت نَيْسَابُورَ من أجل الْبِلَاد وَأَعْظَمهَا لم يكن بعد بَغْدَاد مثلهَا
وَقد عمل لَهَا الْحَافِظ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم تَارِيخا تخضع لَهُ جهابذة الْحفاظ وَهُوَ عِنْدِي سيد التواريخ وتاريخ الْخَطِيب وَإِن كَانَ أَيْضًا من محَاسِن الْكتب الإسلامية إِلَّا أَن صَاحبه طَال عَلَيْهِ الْأَمر وَذَلِكَ لِأَن بَغْدَاد وَإِن كَانَت فِي الْوُجُود بعد نَيْسَابُورَ إِلَّا أَن علماءها أقدم لِأَنَّهَا كَانَت دَار علم وَبَيت رياسة قبل أَن ترْتَفع أَعْلَام نَيْسَابُورَ ثمَّ إِن الْحَاكِم قبل(1/324)
الْخَطِيب بدهر والخطيب جَاءَ بعده فَلم يَأْتِ إِلَّا وَقد دخل بَغْدَاد من لَا يُحْصى عددا فَاحْتَاجَ إِلَى نوع من الِاخْتِصَار فِي تراجمهم وَأما الْحَاكِم فَأكْثر من يذكرهُ من شُيُوخه أَو شُيُوخ شُيُوخه أَو مِمَّن تقَارب من دهره دهره لتقدم الْحَاكِم وَتَأَخر عُلَمَاء نَيْسَابُورَ فَلَمَّا قل الْعدَد عِنْده كثر الْمقَال وَأطَال فِي التراجم واستوفاها وللخطيب وَاضح الْعذر الَّذِي أبديناه
وَقد ذيل الإِمَام البليغ عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي عَلَى تَارِيخ الْحَاكِم وَلم أَقف عَلَى هَذَا الذيل إِلَى الْآن وَمَا أنقله عَنهُ فَهُوَ من كتاب التَّبْيِين لِلْحَافِظِ ابْن عَسَاكِر إِذْ الْحَافِظ ينْقل عِبَارَته أبدا بنصها أَو من منتخب الذيل لإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الصريفيني فَإِنِّي وقفت عَلَى هَذَا الْمُنْتَخب بِخَط الْمَذْكُور
وَمِنْهُم الخراسانيون
والخراسانيون أَعم من النيسابوريين إِذْ كل نيسابوري خراساني وَلَا ينعكس وَلَيْسَ الخراسانيون مَعَ نَيْسَابُورَ كالعراقيين مَعَ بَغْدَاد فثم جمع يفوقون عدد الْحَصَا من خُرَاسَان لم يدخلُوا نَيْسَابُورَ بِخِلَاف الْعِرَاقِيّين لاتساع بِلَاد خُرَاسَان وَكَثْرَة المدن العامرة فِيهَا وَالْعُلَمَاء بنواحيها إِذْ من جُمْلَتهَا مرو وَهِي الْمَدِينَة الْكُبْرَى وَالدَّار الْعُظْمَى ومربع الْعلمَاء ومرتع الْمُلُوك والوزراء قد كَانَت دَار الْملك لجَماعَة من سلاطين السلجوقية ذَوي الأيد وَالْعَظَمَة دهرا طَويلا
وخراسان عمدتها مَدَائِن أَرْبَعَة كَأَنَّمَا هِيَ قَوَائِمهَا المبنية عَلَيْهَا وَهِي مرو ونَيْسَابُورَ وبلخ وهراة هَذِهِ مدنها الْعِظَام وَلَا ملام عَلَيْك لَو قلت بل هِيَ مدن الْإِسْلَام إِذْ هِيَ كَانَت ديار الْعلم عَلَى اخْتِلَاف فنونه وَالْملك والوزارة عَلَى عظمتها إِذْ ذَاك ومرو(1/325)
وَاسِطَة العقد وخلاصة النَّقْد وَكَفاك قَول أَصْحَابنَا تَارَة قَالَ الخراسانيون وَتارَة قَالَ المراوزة وهما عبارتان عِنْدهم عَن معبر وَاحِد والخراسانيون نصف الْمَذْهَب فَكَأَن مرو فِي الْحَقِيقَة نصف الْمَذْهَب وَإِنَّمَا عبروا بالمراوزة عَن الخراسانيين جَمِيعًا لِأَن أَكْثَرهم من مرو وَمَا والاها وَكَفاك بِأبي زيد الْمروزِي وتلميذه الْقفال الصَّغِير وَمن نبغ من شعابهما وَخرج من بابهما
وَمِنْهُم أهل الشَّام ومصر
وَهَذَانِ الإقليمان وَمَا مَعَهُمَا من عيذاب وَهِي مُنْتَهى الصَّعِيد إِلَى الْعرَاق مَرْكَز ملك الشَّافِعِيَّة مُنْذُ ظهر مَذْهَب الشَّافِعِي الْيَد الْعَالِيَة لأَصْحَابه فِي هَذِهِ الْبِلَاد لَا يكون الْقَضَاء والخطابة فِي غَيرهم ومنذ انْتَشَر مذْهبه لم يول أحد قَضَاء الديار المصرية إِلَّا عَلَى مذْهبه إِلَّا مَا كَانَ من القَاضِي بكار وَلم يول فِي الشَّام قَاض إِلَّا عَلَى مذْهبه إِلَّا البلاساغوني وَجرى لَهُ مَا جرى فَإِنَّهُ ولي دمشق وأساء السِّيرَة ثمَّ أَرَادَ أَن يعْمل فِي جَامع بني أُميَّة إِمَامًا حنفيا وجامع بني أُميَّة مُنْذُ ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي لم يؤم فِيهِ إِلَّا شَافِعِيّ وَلَا صعد منبره غير شَافِعِيّ فَأَرَادَ هَذَا القَاضِي إِحْدَاث إِمَام حَنَفِيّ قَالَ ابْن عَسَاكِر فأغلق أهل دمشق الْجَامِع وَلم يمكنوه ثمَّ عزل القَاضِي واستمرت دمشق عَلَى عَادَتهَا لَا يَليهَا إِلَّا شَافِعِيّ إِلَى زمن الظَّاهِر بيبرس التركي ضم إِلَى الشَّافِعِي الْقُضَاة من الْمذَاهب الثَّلَاثَة
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَقبل ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي فِي دمشق لم يكن يَلِي الْقَضَاء بهَا والخطابة والإمامة إِلَّا أوزاعي عَلَى رَأْي الإِمَام الْأَوْزَاعِيّ(1/326)
قلت وَقبل ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي بالديار المصرية لم يكن يَلِي الْقَضَاء والخطابة إِلَّا من هُوَ عَلَى مَذْهَب مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلم يكن للحنفية مدْخل فِي هَذِهِ الْبِلَاد فِي وَقت من الْأَوْقَات إِلَّا القَاضِي بكار فَإِنَّهُ ولي الديار المصرية مُدَّة
وَأما بِلَاد الْحجاز فَلم تَبْرَح أَيْضًا مُنْذُ ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا فِي أَيدي الشَّافِعِيَّة الْقَضَاء والخطابة والإمامة بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالنَّاس من خَمْسمِائَة وَثَلَاث وَسِتِّينَ سنة يخطبون فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيصلونَ عَلَى مَذْهَب ابْن عَمه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس يقنتون فِي الْفجْر ويجهرون بِالتَّسْمِيَةِ ويفردون الْإِقَامَة إِلَى غير ذَلِك وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاضر يبصر وَيسمع وَفِي ذَلِك أوضح دَلِيل عَلَى أَن هَذَا الْمَذْهَب صَوَاب عِنْد اللَّه تَعَالَى
وَمِنْهُم أهل الْيمن
وَالْغَالِب عَلَيْهِم الشَّافِعِيَّة لَا يُوجد غير شَافِعِيّ إِلَّا أَن يكون بعض زيدية وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية مَعَ اقْتِصَار أهل الْيمن عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِي دَلِيل وَاضح عَلَى أَن الْحق فِي هَذَا الْمَذْهَب المطلبي فَمَا ظَنك بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا اجْتمعت جماعات فِي بَعْضهَا قُرَيْش فَالْحق مَعَ قُرَيْش وَهِي مَعَ الْحق أخرجه القراب فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي
وَالشَّافِعِيَّة جمَاعَة فِي بَعْضهَا قُرَيْش وَهُوَ إمَامهمْ المطلبي الْمشَار إِلَيْهِ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علام قُرَيْش يمْلَأ الأَرْض علما وَدَلَائِل أخر يطول ذكرهَا ولسنا الْآن لَهَا(1/327)
وَمِنْهُم أهل فَارس
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَلم يبرحوا شافعية أَو ظاهرية عَلَى مَذْهَب دَاوُد وَالْغَالِب عَلَيْهِم الشَّافِعِيَّة وَهِي مَدَائِن كَثِيرَة قاعدتها شيراز
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَنَحْو مائَة مِنْبَر يَعْنِي مائَة مَدِينَة فِي بِلَاد أذربيجان وَمَا وَرَاءَهَا يخْتَص بالشافعية لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يذكر فِيهَا غير مَذْهَب الشَّافِعِي
وَمِنْهُم خلائق من بِلَاد أخر من بِلَاد الشرق عَلَى اخْتِلَاف أقاليمه واتساع مدنه كسمرقند وبخارى وشيراز وجرجان والري وأصبهان وطوس وساوة وهمذان ودامغان وزنجان وبسطام وتبريز وبيهق وميهنة وأستراباذ وَغير ذَلِك من المدن الدَّاخِلَة فِي أقاليم مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وأذربيجان ومازندران وخوارزم وغزنة وصحاب والغور وكرمان إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَجَمِيع مَا وَرَاء النَّهر إِلَى أَطْرَاف الصين وعراق الْعَجم وعراق الْعَرَب وَغير ذَلِك
وكل هَذِهِ كَانَت تحتوي عَلَى مَدَائِن تقر الْعين وتسر الْقلب إِلَى حِين قدر اللَّه تَعَالَى وَله الْحَمد عَلَى مَا قَضَاهُ خُرُوج جنكزخان فَأهْلك الْعباد والبلاد وَوضع السَّيْف واستباح الدِّمَاء والفروج وَخرب العامر
ثمَّ تلاه بنوه وذووه وأكدوا فعله الْقَبِيح وأطدوه وَزَادُوا عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل الْحَال إِلَى مَا لَا يقوم بشرحه الْمقَال واستبيح حمى الْخلَافَة وَأخذت بَغْدَاد عَلَى يَد هولاكو بْن تولى بْن جنكزخان وَقتل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَبعده سَائِر الْمُسلمين وَرفع الصَّلِيب تَارَة عَلَى جدران بني الْعَبَّاس وَسمع الناقوس آونة من بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه وانتهكت الْمَحَارِم وَخَربَتْ الْجَوَامِع وعطلت الْمَسَاجِد وَخَربَتْ تِلْكَ الديار ومحيت تِلْكَ الرسوم والْآثَار
(ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ الْبِلَاد وَأَهْلهَا ... فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام)(1/328)
وَحَيْثُ استطرد الْقَلَم ذكر التتار وفعلهم الْقَبِيح فَلَا بَأْس يشْرَح حَالهم عَلَى الِاخْتِصَار ولنقتصر عَلَى الواقعتين العظيمتين وَاقعَة جنكزخان وحفيده هولاكو فَنَقُول
لما كَانَت سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة كَانَ فِيهَا ظُهُور جنكزخان وَجُنُوده وعبورهم نهر جيحون وَهِي الْوَاقِعَة الَّتِي مَا سطر مثلهَا المؤرخون والمصيبة الَّتِي مَا عاينها الْأَولونَ والداهية الَّتِي مَا خطرت ببال والكاينة الَّتِي تكَاد ترجف عِنْدهَا الْجبَال أجمع النَّاس عَلَى أَن الْعَالم مذ خلق اللَّه تَعَالَى آدم إِلَى زمانها لم يبتلوا بِمِثْلِهَا وَأَن مَا فعله بخت نصر ببني إِسْرَائِيل من الْقَتْل وتخريب بَيت المنقدس يقصر عَن فعلهَا
قَالَ الْحَافِظ عز الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن الثير وَمَا الْبَيْت الْمُقَدّس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خرب هَؤُلَاءِ الملاعين من الْبِلَاد الَّتِي كل مَدِينَة مِنْهَا أَضْعَاف الْبَيْت الْمُقَدّس وَمَا بَنو إِسْرَائِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قتلوا فَإِن أهل مَدِينَة وَاحِدَة مِمَّن قتلوا أَضْعَاف بني إِسْرَائِيل وَلَعَلَّ الْخلق لَا يرَوْنَ مثل هَذِهِ الْحَادِثَة إِلَى أَن ينقرض الْعَالم وتنفى الدُّنْيَا إِلَّا يأجودج وَمَأْجُوج وَأما الدَّجَّال فَإِنَّهُ يبْقى عَلَى من ابتعه وَيهْلك من خَالفه وَهَؤُلَاء لم يبقوا عَلَى أحد بل قتلوا النِّسَاء وَالرِّجَال والأطفال وشقوا بطُون الْحَوَامِل وَقتلُوا الأجنة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
قلت وَحَيْثُ كُنَّا فِي أول فِي هَذَا الْكتاب ذكرنَا أَنه كتاب تَارِيخ وأدب وَفقه وَحَدِيث لَاق بِنَا أَن نشرح هَذَا الْأَمر الْعَظِيم عَلَى وَجه الِاخْتِصَار ونحكى هَذَا الْخطب الجسيم الَّذِي أظلم البصائر وأعمى الْأَبْصَار فَنَقُول
كَانَ القان الْأَعْظَم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الَّذِي خرب الْبِلَاد وأباد الْعباد يُسمى تموجين وَكَانُوا ببادية الصين وهم من أَصْبِر النَّاس عَلَى الْقِتَال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عَلَيْهِم وأطاعوه طَاعَة الْعباد المخلصين لرب الْعَالمين
وَكَانَ مبدأ ملكه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بعد وقائع اتّفقت لَهُ هُنَالك تقضى الْمَرْء عِنْد سماعهَا الْعجب العجاب لَا نرى التَّطْوِيل بشرحها
وَلَا زَالَ أمره يعظم وَيكبر وَكَانَ من أَعقل النَّاس وَأخْبرهمْ بالحروب وَوضع لَهُ شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لَعنه الله الياسا لَا يحكمون إِلَّا بِهِ وَكَانَ كَافِرًا يعبد الشَّمْس
وَكَانَ السُّلْطَان الْأَعْظَم للْمُسلمين هُوَ السُّلْطَان عَلَاء الدّين خوارز مَشاهُ مُحَمَّد بْن تكش وَكَانَ ملكا عَظِيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت لَهُ الْعباد وَدخلت تَحت هكمه وخلت تِلْكَ الديار من ملك سواهُ لِأَنَّهُ قهر النَّاس كلهم وَصَارَ النَّاس كلهم تَحت حكمه رجلا فَاضلا كَرِيمًا حَلِيمًا خيرا وَكَانَ لَهُ عشرَة آلَاف مَمْلُوك كل مِنْهُم يصلح للْملك وَكَانَت عساكره عدد الْحَصَا لَا يعرف أَولهَا من آخرهَا فتجبر وطغى وَأرْسل إِلَى خَليفَة الْوَقْت وَهُوَ النَّاصِر لدين اللَّه الَّذِي لَا يصطلي لمكره بِنَار وَلَا يُعَامل فِي أَحْوَاله بخداع يَقُول لَهُ كن معي كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء قبلك مَعَ سلاطين السلجوقية كألب رسْلَان وملكشاه وأقربهم بِنَا عهدا السُّلْطَان سنجر فَيكون أَمر بَغْدَاد وَالْعراق لي وَلَا يكون لَك إِلَّا الْخطْبَة فَيُقَال وَالله أعلم إِن الْخَلِيفَة جهز رسله إِلَى جنكزخان يحركه عَلَيْهِ
وَأما جنكزخان فَإِنَّهُ لما علم عَظمَة خوارزمشاه شرع فِي عقد التوادد بَينه وَبَينه علما من جنكزخان بِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَى معاداة خوارزمشاه وَأرْسل إِلَيْهِ الْهَدَايَا المفتخرة والتقادم السّنيَّة كل ذَلِك وخوارزمشاه لَا يرضى باصطناعه وَيدل بِعظم ملكه ليقضي اللَّه أمرا كَانَ مَفْعُولا
وَجَرت فِي أثْنَاء ذَلِك فُصُول يطول شرحها آخرهَا أَن خوارزمشاه منع التُّجَّار أَن تسير من بِلَاده إِلَى بِلَاد جنكرخان فَانْقَطَعت أَخْبَار بِلَاده عَن جنكزخان زَمنا(1/329)
كَانَ القان الْأَعْظَم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الَّذِي خرب الْبِلَاد وأباد الْعباد يُسمى تموجين وَكَانُوا ببادية الصين وهم من أَصْبِر النَّاس عَلَى الْقِتَال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عَلَيْهِم وأطاعوه طَاعَة الْعباد المخلصين لرب الْعَالمين
وَكَانَ مبدأ ملكه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بعد وقائع اتّفقت لَهُ هُنَالك تقضى الْمَرْء عِنْد سماعهَا الْعجب العجاب لَا نرى التَّطْوِيل بشرحها
وَلَا زَالَ أمره يعظم وَيكبر وَكَانَ من أَعقل النَّاس وَأخْبرهمْ بالحروب وَوضع لَهُ شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لَعنه اللَّه سَمَّاهُ الياسا لَا يحكمون إِلَّا بِهِ وَكَانَ كَافِرًا يعبد الشَّمْس
وَكَانَ السُّلْطَان الْأَعْظَم للْمُسلمين هُوَ السُّلْطَان عَلَاء الدّين خوارز مَشاهُ مُحَمَّد بْن تكش وَكَانَ ملكا عَظِيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت لَهُ الْعباد وَدخلت تَحت حكمه وخلت تِلْكَ الديار من ملك سواهُ لِأَنَّهُ قهر النَّاس كلهم وَصَارَ النَّاس كلهم تَحت حكمه وَكَانَ رجلا فَاضلا كَرِيمًا حَلِيمًا خيرا وَكَانَ لَهُ عشرَة آلَاف مَمْلُوك كل مِنْهُم يصلح للْملك وَكَانَت عساكره عدد الْحَصَا لَا يعرف أَولهَا من آخرهَا فتجبر وطغى وَأرْسل إِلَى خَليفَة الْوَقْت وَهُوَ النَّاصِر لدين اللَّه الَّذِي لَا يصطلي لمكره بِنَار وَلَا يُعَامل فِي أَحْوَاله بخداع يَقُول لَهُ كن معي كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء قبلك مَعَ سلاطين السلجوقية كألب رسْلَان وملكشاه وأقربهم بِنَا عهدا السُّلْطَان سنجر فَيكون أَمر بَغْدَاد وَالْعراق لي وَلَا يكون لَك إِلَّا الْخطْبَة فَيُقَال وَالله أعلم إِن الْخَلِيفَة جهز رسله إِلَى جنكزخان يحركه عَلَيْهِ
وَأما جنكزخان فَإِنَّهُ لما علم عَظمَة خوارزمشاه شرع فِي عقد التوادد بَينه وَبَينه علما من جنكزخان بِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَى معاداة خوارزمشاه وَأرْسل إِلَيْهِ الْهَدَايَا المفتخرة والتقادم السّنيَّة كل ذَلِك وخوارزمشاه لَا يرضى باصطناعه وَيدل بِعظم ملكه ليقضي اللَّه أمرا كَانَ مَفْعُولا
وَجَرت فِي أثْنَاء ذَلِك فُصُول يطول شرحها آخرهَا أَن خوارزمشاه منع التُّجَّار أَن تسير من بِلَاده إِلَى بِلَاد جنكزخان فَانْقَطَعت أَخْبَار بِلَاده عَن جنكزخان زَمنا(1/330)
وَكَانَ جنكزخان لَعنه اللَّه عَلَى مَا استفاض عَنهُ فِيهِ حسن خلق وَتمسك بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ عقله من الطَّرِيقَة الَّتِي ابتدعها وَمَشى عَلَى قانون وَاحِد وَله تؤدة عَظِيمَة
وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ سديد الْعقل وافر الْكَرم بِحَيْثُ إِنَّه قدم إِلَيْهِ مرّة فِي الصَّيْد بعض الفلاحين ثَلَاث بطيخات وَلم يتَّفق فِي ذَلِك الْوَقْت أَن يكون أحد من الخزندارية الَّتِي لَهُ عِنْده فَقَالَ لزوجته الخاتون أعْطِيه هذَيْن القرطين اللَّذين فِي أذنيك وَكَانَ فيهمَا جوهرتان عظيمتان جدا لَا قيمَة لَهما فشحت الْمَرْأَة بهما وَقَالَت أنظرهُ إِلَى غَد فَقَالَ إِنَّه يبيت اللَّيْلَة مبلبل الخاطر وَرُبمَا لَا يحصل لَهُ شَيْء بعد هَذَا وَإِن هذَيْن من اشتراهما لم يَسعهُ إِلَّا أَن يحضرهما إِلَيْنَا لِأَن مثلهمَا لَا يكون إِلَّا عندنَا فدفعتهما إِلَى الْفَلاح فطار عقله بهما وَذهب فباعهما لبَعض التُّجَّار بِأَلف دِينَار لِأَنَّهُ لم يعرف قيمتهمَا وَكَانَت قيمَة كل وَاحِدَة أَضْعَاف ذَلِك بِمَا لَا يُوصف فحملهما التَّاجِر إِلَيْهِ فردهما إِلَى زَوجته وحكاياته فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة
وَأمر مرّة بقتل ثَلَاثَة قد اقْتَضَت الياسا قَتلهمْ وَإِذا امْرَأَة تبْكي وتصيح فأحضرها فَقَالَت هَذَا ابْني وَهَذَا أخي وَهَذَا زَوجي فَقَالَ اخْتَارِي وَاحِدًا مِنْهُم أطلقهُ فَقَالَت الزَّوْج وَالِابْن يَجِيء مثلهمَا وَالْأَخ لَا عوض لَهُ فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهَا وَأطلق لَهَا الثَّلَاثَة
وَله أَشْيَاء كَثِيرَة من هَذَا كَانَ يَفْعَلهَا بسجيته وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ عقله
وَأما خوارزمشاه فَكَانَ سعده قد تَكَامل وَرَأى من العظمة مَا لم يعْهَد مثله لملك من زمن مديد وطالت مدَّته
وَلَقَد يحْكى من سعده أَنه كَانَ حسن الْغناء وَأَن شخصا فداويا جهز عَلَيْهِ ليَقْتُلهُ فَمَا صَادف لَيْلَة يُمكنهُ فِيهَا اغتياله إِلَّا لَيْلَة وَاحِدَة وخوارزمشاه فِي جمع قَلِيل من مماليكه وَهُوَ يُغني فَأَرَادَ الفداوي أَن يُبَادر إِلَيْهِ ليغتاله فَسَمعهُ يُغني فَوقف يتصنت فَإِذا هُوَ(1/331)
يُغني بِالْفَارِسِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ قد عرفت بك فَانْجُ بِنَفْسِك واهرب وَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا فَمَا شكّ الفداوي أَنه قد علم بِهِ فهرب
إِلَّا أَن خوارزمشاه بعد ذَلِك طغت نَفسه ليقضي اللَّه مَا قدره
ثمَّ إِن جمَاعَة من التُّجَّار أخذُوا مَعَهم شَيْئا من المستظرفات لما سمعُوا بمكارم جنكزخان وتحيلوا حَتَّى وصلوا إِلَى بِلَاده وَلم يعلم بهم نواب خوارزمشاه وَلَو علمُوا بهم لراحت أَرْوَاحهم ونهبت أَمْوَالهم فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أكْرمهم غَايَة الْإِكْرَام وَقَالَ لأي شَيْء انقطعتم عَنَّا فَقَالُوا إِن السُّلْطَان خوارزمشاه منع التُّجَّار من المسافرة إِلَى بلادك وَلَو علم بِنَا لأهلكنا فَجمع أَوْلَاده فأشاروا عَلَيْهِ بِأَن يخرج لقتاله فَقَالَ لَا وَلَكنَّا نرسل إِلَيْهِ
فَأرْسل رسله إِلَى خوارزمشاه وَقَالَ إِن التُّجَّار هم عمَارَة الْبِلَاد وهم الَّذين يحملون التحف والنفائس إِلَى الْمُلُوك وَمَا يَنْبَغِي أَن تمنعهم وَلَا أَنا أَيْضًا نمْنَع تجارنا عَنْك بل يَنْبَغِي لنا أَن تكون كلمتنا وَاحِدَة لتعمر الأقاليم
وَأرْسل من جِهَته تجارًا مَعَهم أَمْوَال لَا تعد وَلَا تحصى فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الأترار عمد نَائِب خوارزمشاه بهَا وَهُوَ وَالِد زَوجته كسلى خَان فَكتب إِلَى خوارزمشاه بِأَن هَؤُلَاءِ التُّجَّار جَاءُوا بأموال لَا تحصى والرأي قَتلهمْ وَأخذ أَمْوَالهم
فجَاء مرسوم خوارزمشاه بذلك فَعمد إِلَيْهِم فَقتل الْجَمِيع وَأخذ مَا كَانَ مَعَهم فَبلغ ذَلِك جنكزخان فَجمع أَوْلَاده ثَانِيًا وخواصه فَقَالُوا نخرج إِلَيْهِم فَقَالَ لَا وَأرْسل إِلَى خوارزمشاه هَذَا الَّذِي جرى أعلمني هَل هُوَ عَن رضى مِنْك إِن لم يكن برضاك فَنحْن نطلب بدمائهم من نَائِب الأترار ونحضره عَلَى أفحش وُجُوه الذل وَالصغَار وَإِن كَانَ برضاك فقد أَسَأْت التَّدْبِير فَإِنِّي أَنا لَا أدين بِملَّة وَلَا أستحسن فعل ذَلِكَ(1/332)
وَأَنت تنتمي إِلَى دين الْإِسْلَام وَهَؤُلَاء التُّجَّار كَانُوا عَلَى دينك فَكيف يسعك هَذَا الْأَمر الَّذِي فعلته
فَلَمَّا جَاءَت الرسَالَة إِلَى خوارزمشاه لم يكن لَهُ جَوَاب سوى إِن هَذَا كَانَ بعلمي وأمري وَمَا بَيْننَا إِلَّا السَّيْف
فَقَامَ وَلَده السُّلْطَان جلال الدّين وَكَانَ عَاقِلا فاستنصح بعض الرُّسُل وسألهم عَن حَال جنكزخان وَكَيف طواعية عساكره لَهُ ثمَّ أَشَارَ عَلَى وَالِده بِأَن يتلطف فِي الْجَواب ويخلي بَين جنكزخان ونائب الأترار ويسلطه عَلَى دم وَاحِد يحمي بِهِ الْمُسلمين من نهر جيحون إِلَى قريب بِلَاد الشَّام ومساجد لَا يُحْصى عَددهَا ومدارس وأمم لَا يُحصونَ وَمَدَائِن وأقاليم هِيَ خُلَاصَة الرّبع العامر وَأحسنه وأعمره وأوسعه
فَأبى وَالِده إِلَّا السَّيْف وَأمر بقتل رسل جنكزخان
فيالها فعلة مَا كَانَ أقبحها أجرت كل قَطْرَة من دِمَائِهِمْ سيلا من دِمَاء الْمُسلمين
وَكَانَ رَحمَه اللَّه قد اخْتَلَط قَلِيلا وَطعن فِي السن وغره ملك مَا رَآهُ حصل لغيره وجيش لم يجْتَمع لأحد وَقد كَانَ هَذَانِ الشيئان من أعظم الْأَسْبَاب فِي الْإِعَانَة عَلَيْهِ فَإِن الأَرْض لما لم يبْق فِيهَا ملك سواهُ وَكسر قويت قُلُوب أُولَئِكَ الْكفَّار وصاروا يتبعونه كلما هرب ويملكون الأَرْض شَيْئا فَشَيْئًا والجيش لكثرتهم كَانَ فيهم الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس عَلَى اخْتِلَاف بلدانهم فَلم تكن كلمتهم كلهَا متفقة مَعَه وَلَا عِنْدهم من الْخَوْف عَلَى دين الْإِسْلَام والذب عَنهُ مَا عِنْد الْمُسلمين
فَلَمَّا بلغ ذَلِك جنكزخان استشاط غَضبا وَجَاءَت النَّفس الْكَافِرَة فَقَامَ وَأمر أَوْلَاده يجمع العساكر واختلى بِنَفسِهِ فِي شَاهِق جبل مَكْشُوف الرَّأْس وَاقِفًا عَلَى رجلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام عَلَى مَا يُقَال فَزعم عَثَّرَهُ اللَّه أَن الْخطاب أَتَاهُ بأنك مظلوم واخرج تنتصر عَلَى عَدوك وتملك الأَرْض برا وبحرا وَكَانَ يَقُول الأَرْض ملكي وَالله ملكني إِيَّاهَا(1/333)
ذكر خُرُوج السُّلْطَان الْأَعْظَم عَلَاء الدّين خوارزمشاه فِي عساكره وَذَلِكَ فِي سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة
خرج فِي أُمَم لَا يحصيهم إِلَّا الَّذِي خلقهمْ فَوجدَ جنكزخان مَشْغُولًا بِقِتَال كسلى خَان فنهب خوارزمشاه أَمْوَالهم وسبى ذَرَارِيهمْ وحريمهم فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ واقتتلوا مَعَه قتالا لم يسمع بِمثلِهِ أُولَئِكَ يُقَاتلُون عَن حريمهم والمسلمون عَن أنفسهم علما بِأَنَّهُم مَتى ولوا استأصلوهم
فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير حَتَّى إِن الْخُيُول كَانَت تزلق فِي الدِّمَاء وَكَانَ جملَة من قتل من الْمُسلمين نَحْو عشْرين ألفا وَمن التتار أَضْعَاف ذَلِك ثمَّ تحاجز الْفَرِيقَانِ وَولى كل مِنْهُم إِلَى بِلَاده وَلَكِن بعد أَن كسر خوارزمشاه التتار ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ لَجأ خوارزمشاه فِي عساكره إِلَى بُخَارى وسمرقند فحصنهما وَبَالغ فِي كَثْرَة من ترك بهما من الْمُقَاتلَة وَرجع إِلَى خوارزم ليجهز الجيوش الْكَثِيرَة
ذكر قصد القان الْأَعْظَم الطاغية الْأَكْبَر السُّلْطَان جنكزخان أُمَّهَات مَدَائِن الْمُسلمين وأقاليم عُمْدَة سُلْطَان الْمُوَحِّدين
وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن التتار لما كسروا مَعَ خوارزمشاه ثَلَاث مَرَّات تشاغل حنكزخان عَن الْمُسلمين وأهمل أَمرهم وضعفوا هم أَيْضًا عِنْد السُّلْطَان خوارزمشاه فَفرق عساكره فِي الأقاليم لتحفظها وَكَانَ ذَلِك من سوء تَدْبيره فَإِنَّهُ لما فرق عساكره دهمته التتار فَلم يقدر عَلَى جمع عساكره لإعجالهم إِيَّاه عَن ذَلِك فهرب
فقصد جنكزخان عِنْد ذَلِك بُخَارى وَبهَا عشرُون ألف مقَاتل فحاصرها ثَلَاثَة أَيَّام(1/334)
فَطلب مِنْهُ أَهلهَا الْأمان فَأَمنَهُمْ ودخلها وَذَلِكَ فِي سنة عشرَة فَأحْسن السِّيرَة فِيهَا مكرا وخداعا وامتنعت عَلَيْهِ قلعتها فحاصرها واشتغل أهل الْبَلَد فِي طم خندقها فَكَانَت التتار يأْتونَ بالمنابر والختم والربعات فيطرحونها فِي الخَنْدَق فَفَتحهَا قسرا فِي أَيَّام يسيرَة فَقتل كل من كَانَ بهَا لم يبْق مِنْهُم أحدا
ثمَّ عمد إِلَى الْبَلَد فاصطفى أَمْوَال تجارها ثمَّ قتل خلقا لَا يعملهم إِلَّا اللَّه وأسروا الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء وفسقوا بِهن بِحَضْرَة أهليهن فَمن النَّاس من قَاتل دون حريمه حَتَّى قتل وَمِنْهُم من أسر فعذب بأنواع الْعَذَاب وَكثر الْبكاء والضجيج فِي الْبَلَد
ثمَّ عَمدُوا إِلَى دور بُخَارى ومدارسها ومساجدها وجوامعها فأحرقت حَتَّى صَارَت بَلَاقِع خاوية عَلَى عروشها
ثمَّ صَارُوا يأْتونَ بِجَمَاعَة من الْمُسلمين وَيَقُولُونَ لَهُم نادوا أَيهَا النَّاس إِن التتار قد هربوا فاخرجوا من خباياكم فَيخرج من هُوَ تَحت الأَرْض حِين يسمع الْأَصْوَات الَّتِي يعرفهَا ظَانّا صدقهَا فيقتلون الْخَارِج والصائح لَهُ وَكَذَلِكَ فعلوا فِي كل مَدِينَة وَمَا كَانَ قصدهم إِلَّا خراب الْعَالم
ثمَّ كروا رَاجِعين عَنْهَا قَاصِدين سَمَرْقَنْد وَبهَا خَمْسُونَ ألف مقَاتل من الْجند من عَسْكَر خوارزمشاه وبرز إِلَيْهِ سَبْعُونَ ألفا من الْعَامَّة فَقتل الْجَمِيع فِي سَاعَة وَاحِدَة وَألقى إِلَيْهِ الْخَمْسُونَ ألفا السّلم فسلبهم سِلَاحهمْ وَمَا يمتنعون بِهِ وقتلهم من ذَلِك الْيَوْم واستباح الْمَدِينَة فَقتل الْجَمِيع وَأخذ الْأَمْوَال وَفعل فعلته وعادته إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَأقَام هُنَالك
وبلغه أَن زَوْجَة السُّلْطَان خوارزمشاه وَبنَاته فِي قلعة أيلال فدوام الْقِتَال عَلَيْهَا إِلَى أَن ملكهَا وَأخذ زَوجته وَبنَاته ومنهن وَاحِدَة كَانَت متزوجة بِبَعْض أَقَاربه لم يكن فِي الْعَجم أجمل مِنْهَا فَزَوجهَا لبَعض أَوْلَاده ثمَّ فرق الْبَنَات عَلَى أكَابِر التتار إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون(1/335)
وجهز السَّرَايَا إِلَى الْبلدَانِ فَجهز سَرِيَّة إِلَى بِلَاد خُرَاسَان وَأرْسل أُخْرَى وَرَاء خوارزمشاه وَكَانُوا عشْرين ألفا فَقَالَ اطلبوه وأدركوه وَلَو تعلق بالسماء فساقوا إِلَى طلبه فأدركوه وَبينهمْ وَبَينه نهر جيحون فَلم يَجدوا سفنا فعملوا لَهُم أحواضا يحملون عَلَيْهَا الأسلحة وَيُرْسل أحدهم فرسه وَيَأْخُذ بذنبها فتجره الْفرس إِلَى المَاء وَهُوَ يجر الْحَوْض الَّذِي فِيهِ سلاحه حَتَّى صَارُوا كلهم فِي الْجَانِب الآخر فَلم يشْعر بهم خوارزمشاه إِلَّا وَقد خالطوه فهرب إِلَى نَيْسَابُورَ ثمَّ مِنْهَا إِلَى غَيرهَا وهم فِي أَثَره كلما دخل مَدِينَة وَأقَام فِيهَا ليجتمع ليه عساكره لحقوه وَألقى اللَّه فِي قلبه الرعب فصاروا كلما قاربوه هرب وَمَا زَالَ هَارِبا مِنْهُم حَتَّى ركب فِي بَحر طبرستان وَسَار إِلَى قلعة فِي جَزِيرَة فَكَانَت فِيهَا وَفَاته
وَقيل إِنَّه لَا يعرف بعد ركُوبه الْبَحْر مَا كَانَ من أمره بل ذهب فَلَا يدرى أَيْن ذهب وَلَا كَيفَ سلك
وَيُقَال مرض فِي الْبَحْر وَطلب دَوَاء فأعياه الْخَبَر حَتَّى لم يجده
وَيُقَال طلب فِي الْبَحْر مَكَانا ينَام فِيهِ قدر قامته فَلم يجده فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّه بعد أَن كنت أكبر سلاطين الأَرْض ولي الْأَمر فِيهَا صرت لَا أقدر عَلَى مِقْدَار مَكَان أَنَام فِيهِ فسبحان مَالك الْملك
هَذَا من ملك الخطا وَمَا وَرَاء النَّهر وخوارزم وأصفهان ومازندران وكرمان ومنجان وكش وجكان والغور وغزنة وأميان وأترار وأذربيجان إِلَى مَا يَليهَا من الْهِنْد وبلاد التّرْك وَجَمِيع مَا وَرَاء النَّهر إِلَى أَطْرَاف الصين وخطب لَهُ عَلَى مَنَابِر دربند شرْوَان وبلاد خُرَاسَان وعراق الْعَجم وَغَيرهَا من الأقاليم المتسعة والمدن الشاسعة مَعَ المكنة الزَّائِدَة وَطول الْمدَّة وَوصل إِلَى هَذَا الْحَال(1/336)
وَقيل إِنَّهُم وجدوا فِي خزانَة من خزائنه عشرَة آلَاف ألف دِينَار وَألف حمل من الأطلس
وَهَذَا الَّذِي جرى لهَؤُلَاء التتار لعنهم اللَّه مَا جرى لأحد مُنْذُ قَامَت الدُّنْيَا فَإِن قوما خَرجُوا من أَطْرَاف الصين فقصدوا بِلَاد تركستان مثل كاشغر وبلاد ساغون ثمَّ مِنْهَا إِلَى مَا وَرَاء النَّهر مثل سَمَرْقَنْد وبخارى وَغَيرهمَا فيملكونها ويفعلون مَا شرحنا بعضه ثمَّ تعبر طَائِفَة مِنْهُم إِلَى خُرَاسَان فيفرغون مِنْهَا قتلا وسبيا وتخريبا كَمَا فعلوا فِيمَا وَرَاءَهَا ثمَّ يجاوزونها إِلَى الرّيّ وهمذان وبلاد الْجَبَل إِلَى حد الْعرَاق ثمَّ يقصدون بِلَاد أذربيجان وأران ثمَّ يملكُونَ بِلَاد دربند شرْوَان ثمَّ بِلَاد اللان وبلاد البلغار ثمَّ بِلَاد القفجاق وهم من أَكثر التّرْك عددا فيملكون عَلَيْهِم ويوسعونهم قتلا وأسرا وتسير طَائِفَة أُخْرَى إِلَى غزنة وأعمالها وَمَا يجاوزها من بِلَاد الْهِنْد وسجستان وكرمان وأفعالهم متحدة فِي الظُّلم وكل هَذَا فِي سنة أَو أَزِيد بِقَلِيل يملكُونَ أَكثر الْمَعْمُور فِي الأَرْض وَأحسنه وأعمره وَمَا لم يملكوه فأهله فِي انتظارهم وَالْخَوْف الْعَظِيم مِنْهُم
هَذَا مَا لم يسمع بِمثلِهِ فَإِن إسكندر الَّذِي ملك الدُّنْيَا لم يملكهَا فِي سنة إِنَّمَا ملكهَا فِي عشر سِنِين وَلم يقتل أحدا بل رَضِي من النَّاس بِالطَّاعَةِ وَهَؤُلَاء بِخِلَاف ذَلِك وَكَانَ السَّبَب فِي هَذَا كُله سُلْطَان الْإِسْلَام عَلَاء الدّين خوارزمشاه وظنه بِنَفسِهِ وَجُنُوده فِي الأول
وَلَقَد سَارُوا إِلَى مازيندران وقلاعها من أمنع القلاع بِحَيْثُ إِن الْمُسلمين لم يفتحوها إِلَّا فِي سنة تسعين فِي أَيَّام سُلَيْمَان بْن عَبْد الْملك فَفَتحهَا هَؤُلَاءِ فِي أيسر مُدَّة ونهبوا مافيها وَقتلُوا أهاليها وَسبوا وأحرقوا ثمَّ رحلوا عَنْهَا نَحْو الرّيّ فَرَأَوْا فِي الطَّرِيق أم السُّلْطَان خوارزمشاه وَكَانَت قد سَمِعت بهزيمة ابْنهَا وَهِي فِي خوارزم وخوارزم دَار ممكتهم الْعُظْمَى(1/337)
فأخرجت من الْحَبْس عشْرين سُلْطَانا كَانُوا فِي سجن وَلَدهَا وقتلتهم وأودعت بعض القلاع من الْأَمْوَال مَالا يدْرك كَثْرَة ثمَّ سَارَتْ فرأوها وَمَعَهَا من الْأَمْوَال والجواهر والنفائس مَا لَا يعد كَثْرَة فاستأصلوا ذَلِك كُله
ثمَّ قصدُوا الرّيّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِين غَفلَة من أَهلهَا فَقتلُوا وَسبوا وأحرقوا وفعلوا عوائدهم
ثمَّ إِلَى همذان فملكوها
ثمَّ إِلَى زنجان فَقتلُوا أَهلهَا
ثمَّ إِلَى قزوين فملكوها وَقتلُوا من أَهلهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ ألفا
ثمَّ يمموا بِلَاد أذربيجان فَصَالحهُمْ سلطانها أزبك بْن البهلوان عَلَى مَال حمله إِلَيْهِم فَتَرَكُوهُ
وَسَارُوا إِلَى موقان فَقَاتلهُمْ الكرج فَلم يقفوا بَين أَيْديهم طرفَة عين حَتَّى انْهَزَمت الكرج وَقتلت التتار مِنْهُم خلقا كثيرا
ثمَّ قصدُوا تفليس وَهِي أكبر مدن الكرج فَقَاتلهُمْ الكرج فكسرهم التتار كسرة ثَانِيَة أقبح من الأولى
ثمَّ سَارُوا إِلَى تبريز فَصَالحهُمْ أَهلهَا ثمَّ إِلَى مراغة فَقتلُوا من أَهلهَا مَا لَا يُحْصى كَثْرَة
وقصدوا مَدِينَة إربل فَاشْتَدَّ الْأَمر عَلَى الْمُسلمين وَكتب الْخَلِيفَة إِلَى أهل الْموصل وجهز عسكرا ثمَّ صرف اللَّه عزم التتار عَنْهُم
وَفرْقَة أُخْرَى من التتار كَانَ أرسلها جنكزخان إِلَى ترمذ فأخذتها
وَأُخْرَى إِلَى فرغانة فَأَخَذُوهَا(1/338)
وَأما الْفرْقَة الَّتِي أرسلها إِلَى خُرَاسَان فَصَالحهُمْ أهل أَكثر مدائنها كبلخ وَغَيرهَا حَتَّى انْتَهوا إِلَى الطالقان فأعجزتهم قلعتها فحاصروها سِتَّة أشهر حَتَّى عجزوا فَكَتَبُوا إِلَى جنكزخان فَقدم بِنَفسِهِ فحصرها أَرْبَعَة أشهر أُخْرَى حَتَّى فتحهَا قهرا وَقتل من فِيهَا
ثمَّ قصدُوا مَدِينَة مرو وَكَانَ بهَا مِائَتَا ألف مقَاتل فَاقْتَتلُوا مَعَهم قتالا عَظِيما ثمَّ انْكَسَرَ الْمُسلمُونَ فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ثمَّ قتلوا أهل الْبَلَد وغنموهم وسبوهم وعاقبوهم بأنواع الْعَذَاب حَتَّى إِنَّهُم قتلوا فِي يَوْم وَاحِد سَبْعمِائة ألف رجل
ثمَّ سَارُوا إِلَى نَيْسَابُورَ فَفَعَلُوا بهَا فعلهم بِأَهْل مرو
ثمَّ إِلَى طوس ثمَّ إِلَى هراة وَالْكل يَفْعَلُونَ فيهم فعلهم الْمَاضِي فِي غَيرهَا فسبحان مُقَدّر الْأُمُور وَمن يُمْهل حَتَّى يلبس الْإِمْهَال بالإهمال عَلَى الْمَغْرُور وَلَا حَاجَة للتطويل
ملكوا أَكثر عَامر الأَرْض فجعلوه خرابا وَتركُوا الْمَسَاجِد والجوامع والمدارس بَلَاقِع وحرقوا الْكتب والمصاحف وَمَا دخلُوا مَدِينَة إِلَّا وسالت أَوديتهَا بدماء أَهلهَا وَكَانُوا إِذا عجزوا عَن حمل الْأَمْتِعَة أطْلقُوا فِيهَا النيرَان حَتَّى يذهب أَثَرهَا وَكم من أحمال حَرِير أطلقت فِيهَا النيرَان وَلَا وقف لَهُم أحد إِلَّا وأوسعوا عساكره قتلا ونهبا وأسرا إِلَّا السُّلْطَان الْكَبِير جلال الدّين ابْن السُّلْطَان خوارزمشاه فَإِنَّهُ لما علم خبر سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خوارزمشاه اجْتمع من بَقِي من عساكره عَلَى وَلَده السُّلْطَان الْأَعْظَم جلال الدّين وَكَانَ ذَلِك بِعَهْد من وَالِده فَإِنَّهُ يُقَال إِن خوارزمشاه لما حَضرته الْوَفَاة جمع أَوْلَاده وَقَالَ لَهُم اعلموا أَن عرى الْإِسْلَام قد انْقَطَعت وَلَيْسَ يَأْخُذ بالثأر من الْأَعْدَاء إِلَّا هُوَ وَإِنِّي موليه ولَايَة الْعَهْد عَلَيْكُم
وَكَانَ بطلا شجاعا لَا يصطلى لَهُ بِنَار فَأَتَتْهُ التتار إِلَى بِلَاد غزنة فَقَاتلهُمْ فكسرهم فعادوا إِلَى هراة فَإِذا أَهلهَا قد نقضوا فَقَتَلُوهُمْ عَن آخِرهم ثمَّ عَادوا إِلَى ملكهم جنكزخان لعنهم اللَّه وإياه وَكَانَ أرسل طَائِفَة إِلَى مَدِينَة خوارزم فحاصروها حَتَّى فتحوها قهرا(1/339)
فَقتلُوا أَهلهَا قتلا ذريعا وَأَرْسلُوا الجسر الَّذِي يمْنَع مَاء جيحون فِيهَا فغرقت دورها وَهلك جَمِيع أَهلهَا وَكَانَ جنكزخان لما عَادوا إِلَيْهِ مخيما عَلَى الطالقان فَجهز مِنْهُم طوائف إِلَى غزنة فَقَاتلهُمْ السُّلْطَان جلال الدّين وكسرهم كسرة عَظِيمَة واستنقذ مِنْهُم خلقا من أُسَارَى الْمُسلمين
ثمَّ كتب إِلَى جنكزخان يطْلب مِنْهُ أَن يبرز بِنَفسِهِ لقتاله فقصده حنكزخان فتواجها وتطاعنا وتوافقت خيلاهما وَكِلَاهُمَا بَطل اللقا مقنع واقتتلوا ثَلَاثَة أَيَّام لم يعْهَد مثلهَا وَقتل فِي الْوَقْعَة دوس خَان بْن جنكزخان ثمَّ ضعف أَصْحَاب السُّلْطَان جلال الدّين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَرَكبُوا فِي بَحر الْهِنْد فسارت التتار إِلَى غزنة وأخذوها بِلَا كلفة ثمَّ عَاد جلال الدّين بِمن بقى مَعَه من العساكر إِلَى بِلَاد خوزستان ونواحي الْعرَاق فأفسدوا وحاصروا ثمَّ استحوذ السُّلْطَان جلال الدّين على بِلَاد أذربيجان وَكَثِيرًا من بِلَاد الكرج واستفحل أمره جدا وَعظم شَأْنه وَفتح تفليس مَدِينَة الكرج الْعُظْمَى
وَقيل قتل من الكرج سبعين ألفا فِي المعركة واشتغل بِهَذِهِ الْغَزْوَة عَن قصد بَغْدَاد وَقد كَانَ عزم عَلَى قصد الْخَلِيفَة لِأَنَّهُ فِيمَا زعم عمل عَلَى أَبِيه حَتَّى هلك وانزعج الْخَلِيفَة لذَلِك وحصن بَغْدَاد واستخدم الجيوش وَأنْفق الْأَمْوَال الجزيلة
ثمَّ إِن أُخْت السُّلْطَان جلال الدّين الَّتِي كَانَ ابْن جنكزخان تزوج بهَا واستولدها وَمَات وَتركهَا عِنْد أَبِيه جنكزخان كَانَت تكاتب السُّلْطَان جلال الدّين وتنهي إِلَيْهِ أَخْبَار التتار فَأرْسلت إِلَيْهِ وَهُوَ يحاصر خلاط خَاتمًا من خَوَاتِم أَبِيه فصه فيروزج منقوش عَلَيْهِ اسْم السُّلْطَان مُحَمَّد أَمارَة مَعَ القاصد تعلم أخاها أَن جنكزخان بلغه عَنْك شدَّة بأسك واتساع باعك وثباتك وَكَثْرَة عساكرك وَقد عزم عَلَى مصاهرتك والمهادنة مَعَك عَلَى أَن يكون نهر جيحون بَيْنكُم وَله مِنْهُ وجاي وَلَك مِنْهُ ورايح فَإِن أَنْت وجدت من قوتك مقاواتهم وَإِلَّا فشأنك والمسالمة حَال رغبتهم فِيهَا(1/340)
فَلم يرد جلال الدّين عَلَيْهَا جَوَابا وَلَا فتح للصلح بَابا وتشاغل عَنْهَا بفعلة قبيحة وَهِي حِصَار مَدِينَة خلاط فَإِنَّهُ نزل عَلَيْهَا وحاصرها حَتَّى أكل أَهلهَا لُحُوم الْكلاب ثمَّ فتحهَا ونهبها وعذب أَهلهَا أَشد الْعَذَاب وَأرْسل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة يشفع فيهم فَلم يقبل مِنْهُ ورد جَوَابه وَرُسُله أقبح رد
ثمَّ سَار حَتَّى ملك بِلَاد الرّوم فَاجْتمع عَلَيْهِ عَلَاء الدّين كيقباد صَاحب الرّوم وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب خلاط فَإِنَّهُ كَانَ أَخذ مَدِينَة خلاط وَهِي للأشرف مُوسَى بْن الْعَادِل صَاحب دمشق وَأي شَيْء هِيَ مَدِينَة خلاط وَمَا قدرهَا وَمَا قدر الْأَشْرَف مُوسَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلال الدّين وَأي مَدِينَة فرضت من مَدَائِن جلال الدّين إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه بِقدر مملكة مُوسَى وَبني أَيُّوب كلهم
ثمَّ جَاءَ الْأَشْرَف وكيقباد وانضم إِلَيْهِمَا عَسَاكِر مجمعة فَكَانُوا خَمْسَة آلَاف مقَاتل فَالْتَقوا مَعَ السُّلْطَان جلال الدّين وَهُوَ بِأَذربِيجَان فِي بقايا من عسكره نَحْو عشْرين ألف مقَاتل فكسروه عَلَى قلتهم ويكثرهم بالقلة فَإِن الْخَمْسَة آلَاف كَثِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَالْعشْرُونَ ألفا أقل شَيْء يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين
ثمَّ خرجت التتار مرّة أُخْرَى وَكَانَ سَبَب خُرُوجهمْ أَن الإسماعيلية كتبُوا إِلَيْهِم يخبرونهم بِضعْف جلال الدّين بن خوارزمشاه وَأَنه عادى جَمِيع الْمُلُوك الَّذين يجاورونه وَأَنه وصل من أمره أَن كَسره الْأَشْرَف بْن الْعَادِل وَكَانَ جلال الدّين قد خرب ديار الإسماعيلية وَفعل بهم كل مَا يستحقونه
فَلَمَّا قدمت التتار اشْتغل بهم وَجَرت بَينهم حروب وهرب من بَين أَيْديهم وامتلأ قلبه خوفًا مِنْهُم وَصَارَ كلما سَار فِي قطر لحقوه وخربوا مَا اجتازوا بِهِ من الأقاليم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الجزيرة وجاوزوها إِلَى سنجار وماردين وآمد يفسدون مَا قدرُوا عَلَيْهِ قتلا ونهبا وأسرا
وَانْقطع خبر السُّلْطَان جلال الدّين فَلَا يدرى أَيْن سلك إِلَّا أَنه يحْكى أَنه أَتَى قَرْيَة(1/341)
من قرى فارقين حائرا وحيدا ظمآن جائعا تعبا فَنزل فِي بيدر من بيادرها فَلحقه فارسان من التتار فَقَتَلَهُمَا وَركب وَصعد الْجَبَل فَرَآهُ بعض الأكراد فَأنْكر حَاله لما رأى عَلَيْهِ من أبهة الْملك وَرَأى فرسه مشحونة بالجواهر وَعلم أَنه ملك فَقَالَ من أَنْت وَأَرَادَ أَن يقْتله فَقَالَ لَا تعجل أَنا السُّلْطَان جلال الدّين سُلْطَان الخوارزمية ووعده بِكُل جميل فَتَركه الرجل فِي بَيته وَمضى فجَاء بعض الأكراد وَقَالَ لأهل الْبَيْت مَا هَذَا الْخَوَارِزْمِيّ النَّائِم وَكَانَ السُّلْطَان قد نَام فَقَالُوا هُوَ رجل أعطَاهُ صَاحب الْبَيْت الْأمان فَقَالَ الْكرْدِي هَذَا هُوَ السُّلْطَان جلال الدّين وَلَقَد قتلت عساكره أَخا لي خيرا مِنْهُ وطعنه بِحَرْبَة وَهُوَ نَائِم فَقتله فِي وقته وَبلغ الْخَبَر صَاحب ميافارقين
وَجَرت أُمُور يطول شرحها وتمكنت التتار من الْمُسلمين وَألقى اللَّه الرعب فِي قُلُوب الْمُسلمين مِنْهُم بِحَيْثُ كَانَ الْكَافِر يجوز عَلَى الْمِائَة من الْمُسلمين فيقتلهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يقدر أحد مِنْهُم يَقُول لَهُ كلمة وأعناقهم تقع عَلَى الأَرْض وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى إِن امْرَأَة مِنْهُم كَانَت عَلَى زِيّ الرِّجَال قتلت عددا عَظِيما من الرِّجَال وأسرت جمَاعَة وَلم يعلمُوا أَنَّهَا امْرَأَة حَتَّى علم بهَا شخص من أُسَارَى الْمُسلمين فَقَتلهَا رَحمَه اللَّه
هَذَا مُخْتَصر من أَخْبَار جنكزخان ولنذكرن فِي أثْنَاء هَذَا الْكتاب فصلا آخر إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُخْتَصرا من أَخْبَار حفيده هولاكو بْن تولى بْن جنكزخان فهما الرّجلَانِ الكافران لعنهما اللَّه وَقد أوردنا أَمرهم فِي غَايَة الِاخْتِصَار
وَمن النَّاس من أفرد التصانيف لأخبارهم وَيَكْفِي الْفَقِيه مَا أوردناه فأوقات طَالب الْعلم أشرف أَن تضيع فِي أخبارهم إِلَّا للاعتبار بهَا وَمَا أوردناه عِبْرَة للمعتبرين وكاف للمتعظين
ويعجبني قَول ابْن الْأَثِير فِي الْكَامِل حِين ذكر أخبارهم وَالله لَا أَشك أَن(1/342)
من يجىء بَعدنَا إِذا بعد الْعَهْد وَرَأى هَذِهِ الْحَادِثَة مسطورة ينكرها ويستبعدها وَالْحق فِي يَده
قَالَ فَمن استبعدها فَلْينْظر أننا سطرناها فِي وَقت يعلم كل من فِيهِ هَذِهِ الْحَادِثَة قد اسْتَوَى فِي مَعْرفَتهَا الْعَالم وَالْجَاهِل لشهرتها يسر اللَّه للْمُسلمين من يحوطهم بمنه وَكَرمه
ولعلنا أطلنا فِي ديباجة هَذَا الْكتاب وَخَرجْنَا من بَاب فولجنا فِي أَبْوَاب وَلَا بُد فِي ذَلِك مَعَ القشر من اللّبَاب وَقد آن الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود والنزوع بِالنَّفسِ الظامئة إِلَى المنهل المورود وَالرُّجُوع إِلَى مَا افتتحنا بِهِ الْكتاب من ذكر التراجم وَالْعود أَحْمَد وَذكر الْقَوْم مَحْمُود
وَقد كَانَ عَن لنا أَن نعقد لمناقب الإِمَام الْأَعْظَم المطلبي والعالم الأقوم ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاب يقدم التراجم فَإِنَّهُ عَالم قُرَيْش الَّذِي مَلأ اللَّه بِهِ طباق الأَرْض علما وَرفع من طباقها إِلَى طباق السما بِذَاتِهِ الطاهرة من هُوَ أَعلَى من نجومها وأسما وَأثبت باسمه فِي طباق أَجْزَائِهَا اسْم من يسمع آذَانا صمًّا وَمن لَو قَالَت بَنو آدم علمه اللَّه الأسما لقيل كَمَا أبرز مِنْهُ لكم أَبَا وَمن تصانيفه أما والحبر الَّذِي أسس بعد الصَّحَابَة قَوَاعِد بَيته بَيت التبوة وأقامها وشيد مباني الْإِسْلَام بَعْدَمَا جهل النَّاس حلالها وحرامها وأيد دعائم الدّين مِنْهُ بِمن سهر فِي محو ليَالِي الشُّبُهَات إِذا سهر غَيره اللَّيَالِي فِي الشَّهَوَات أَو نامها
ولكننا رَأينَا الْخطب فِي ذَلِك عَظِيما وَالْأَمر يَسْتَدْعِي مجلدات وَلَا ينْهض بمعشار مَا يحاوله من أُوتِيَ بسطة فِي الْعلم والجسم إِذْ كَانَ علماجسيما
ثمَّ رَأينَا الْأَئِمَّة قبلنَا إِلَى هَذَا الْمَقْصد قد سبقوا وتنوعوا فِيمَا فَعَلُوهُ وَأَكْثرُوا القَوْل وَصَدقُوا
وَأول من بَلغنِي صنف فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي الإِمَام دَاوُد بْن عَلِيّ الْأَصْفَهَانِي إِمَام أهل الظَّاهِر لَهُ مصنفات فِي ذَلِكَ(1/343)
ثمَّ صنف زَكَرِيَّاء بْن يَحْيَى السَّاجِي وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم
ثمَّ صنف أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الآبري كتابا حافلا رتبه عَلَى أَرْبَعَة وَسبعين بَابا
ثمَّ ألف الْحَاكِم أَبُو عبد الله ابْن البيع الْحَافِظ مصنفا جَامعا
وصنف فِي عصره أَيْضًا أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن حمكان الْأَصْبَهَانِيّ مُخْتَصرا فِي هَذَا النَّوْع
ثمَّ صنف أَبُو عَبْد اللَّه بْن شَاكر الْقطَّان مُخْتَصره الْمَشْهُور
ثمَّ صنف الإِمَام الزَّاهِد إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد السَّرخسِيّ القراب مجموعا حافلا رتبه عَلَى مائَة وَسِتَّة عشر بَابا
ثمَّ صنف الْأُسْتَاذ الْجَلِيل أَبُو مَنْصُور عَبْد القاهر بْن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ كتابين أَحدهمَا كَبِير حافل يخْتَص بالمناقب وَالْآخر مُخْتَصر مُحَقّق يخْتَص بِالرَّدِّ عَلَى الْجِرْجَانِيّ الْحَنَفِيّ الَّذِي تعرض لجناب هَذَا الإِمَام
ثمَّ صنف الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ كِتَابه فِي المناقب الْمَشْهُور والْحَسَن الْجَامِع الْمُحَقق وكتبا أخر فِي هَذَا النَّوْع مثل بَيَان خطإ من خطأ الشَّافِعِي وَغَيره
ثمَّ صنف الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو بكر الْخَطِيب مجموعا فِي المناقب ومختصرا فِي الِاحْتِجَاج بالشافعي
ثمَّ صنف الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ كِتَابه الْمَشْهُور والمرتب عَلَى أَبْوَاب وتقاسيم
وصنف الْحَافِظ أَبُو عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي زيد الْأَصْبَهَانِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمقري كتابين أَحدهمَا سَمَّاهُ شِفَاء الصُّدُور فِي محَاسِن صدر الصُّدُور وَالْآخر مُجَلد كَبِير وَهُوَ مُخْتَصر من شِفَاء الصُّدُور سَمَّاهُ الْكتاب الَّذِي أعده شَافِعِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِيّ(1/344)
وصنف الْحَافِظ أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ الْمَعْرُوف بفندق كتابا كَبِيرا فِي المناقب
وصنف إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ كتابا يخْتَص بِمَسْأَلَة تَرْجِيح مذْهبه عَلَى سَائِر الْمذَاهب وَيبين أَنه الَّذِي يجب عَلَى كل مَخْلُوق الاعتزاء إِلَيْهِ وتقليده مَا لم يكن مُجْتَهدا
فَلَمَّا رَأَيْت التصانيف فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وعيون أَوْلِيَاء اللَّه تَعَالَى بِمَا يسره عَلَى السَّابِقين قريرة وعيون النَّاس مكتفون بِمَا سبق لأَنهم أهل بَصِيرَة عدلت عَن ذَلِك وشرعت فِي مَقْصُود هَذَا الْمَجْمُوع وَهَا نَحن نَخُوض بحار الْمَقْصُود الْأَعْظَم ونجري فِي كل طبقَة عَلَى حُرُوف المعجم ونأتي بترتيب أشرح فِيهِ الِاخْتِيَار الْحَسَن والجم ونقضي لمن اسْمه مُحَمَّد أَو أَحْمَد بالتقديم ونمضي ذَلِك وَإِن كَانَ التَّرْتِيب يقْضِي لمن اسْمه إِبْرَاهِيم إجلالا لهذين الاسمين الشريفين إِلَّا عَن الِانْفِرَاد عَن غوغاء الجحفل الْعَظِيم(1/345)
الطَّبَقَة الأولى
1 - أَحْمَد بْن خَالِد الْخلال أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ العسكري
قَاضِي الثغر
رَوَى عَن الشَّافِعِي وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا
حدث عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا وَقَالا لَا بَأْس بِهِ
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ كَانَ خيرا فَاضلا عدلا ثِقَة صَدُوقًا رضَا
وَقَالَ الْحَاكِم من جلة الْفُقَهَاء والمحدثين
مَاتَ سنة سِتّ وَقيل سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
2 - أَحْمَد بْن سِنَان بْن أَسد بْن حبَان الْقطَّان أَبُو جَعْفَر الوَاسِطِيّ الْحَافِظ
لَهُ مُسْند مخرج عَلَى الرِّجَال
رَوَى عَن الشَّافِعِي وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَخلق
رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَيحيى بْن صاعد وَابْن خُزَيْمَة وَابْنه جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان وَعلي بْن عَبْد اللَّه بْن مُبشر وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم
وَقَالَ فِيهِ ابْن أَبِي حَاتِم هُوَ إِمَام أهل زَمَانه
1 - أَحْمَد بْن خَالِد الْخلال أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ العسكري
قَاضِي الثغر
رَوَى عَن الشَّافِعِي وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا
حدث عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا وَقَالا لَا بَأْس بِهِ
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ كَانَ خيرا فَاضلا عدلا ثِقَة صَدُوقًا رضَا
وَقَالَ الْحَاكِم كَانَ من جلة الْفُقَهَاء والمحدثين
مَاتَ سنة سِتّ وَقيل سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
2 - أَحْمَد بْن سِنَان بْن أَسد بْن حبَان الْقطَّان أَبُو جَعْفَر الوَاسِطِيّ الْحَافِظ
لَهُ مُسْند مخرج عَلَى الرِّجَال
رَوَى عَن الشَّافِعِي وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَخلق رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَيحيى بْن صاعد وَابْن خُزَيْمَة وَابْنه جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان وَعلي بْن عَبْد اللَّه بْن مُبشر وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم
وَقَالَ فِيهِ ابْن أَبِي حَاتِم هُوَ إِمَام أهل زَمَانه(2/5)
وَقَالَ أَبوهُ أَبُو حَاتِم ثِقَة صَدُوق
وَقَالَ ابْن مَاكُولَا وَالدَّارَقُطْنِيّ كَانَ من الثِّقَات الْأَثْبَات
وَقَالَ أَبُو عبيد الْآجُرِيّ سَأَلت أَبَا دَاوُد عَن أَحْمَد بْن سِنَان وَبُنْدَار فَقدم ابْن سِنَان عَلَى بنْدَار
وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم فِي فَضَائِل الشَّافِعِي إِن بعض مشايخه بمرو حَدثهُ أَن ابْن سِنَان كَانَ يُقَاس بِابْن الْمُبَارك فِي زَمَانه
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر توفّي سنة سِتّ وَيُقَال سنة ثَمَان وَيُقَال سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
قَالَ جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان سَمِعت أَبِي يَقُول لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدع إِلَّا يبغض أَصْحَاب الحَدِيث وَإِذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحَدِيث من قلبه
قَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت ابْن سِنَان يَقُول رَأَيْت الشَّافِعِي أَحْمَر الرَّأْس واللحية يَعْنِي أَنه اسْتعْمل الخضاب اتبَاعا للسّنة
3 - أَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ أَبُو جَعْفَر الطبرى الْحَافِظ أحد أَرْكَان الْعلم وجهابذة الْحفاظ
قَالَ أَبُو سَعِيد بْن يُونُس كَانَ أَبوهُ جنديا من أجناد طبرستان فولد لَهُ أَحْمَد بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة
قلت سمع سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد اللَّه بْن وهب وحرمي بْن عمَارَة وعنبسة ابْن سَعِيد وَابْن أَبِي فديك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد اللَّه بْن نَافِع وَالشَّافِعِيّ(2/6)
وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَرُبمَا رَوَى عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَعَمْرو النَّاقِد والذهلي ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نمير ومَحْمُود بْن غيلَان وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَصَالح جزرة وَأَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَخلق
وَدخل بَغْدَاد وناظر بهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل
قَالَ أَبُو زرْعَة سَأَلَني أَحْمَد بْن حَنْبَل من بِمصْر فَقلت أَحْمَد بْن صَالح
فسر بِذكرِهِ ودعا لَهُ
وَقَالَ البُخَارِيّ هُوَ ثِقَة مَا رَأَيْت أحدا يتَكَلَّم فِيهِ بِحجَّة
وَقَالَ يَعْقُوب الْفَسَوِي كتبت عَن ألف شيخ وَكسر حجتي فِيمَا بيني وَبَين اللَّه رجلَانِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وأَحْمَد بْن صَالح
وَقَالَ ابْن وارة الْحَافِظ أَحْمَد بْن حَنْبَل بِبَغْدَاد وأَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ بِمصْر والنفيلي بحران وَابْن نمير بِالْكُوفَةِ هَؤُلَاءِ أَرْكَان الدّين
وَقد تكلم النَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون تَركه مُحَمَّد بْن يَحْيَى ورماه يَحْيَى بْن معِين بِالْكَذِبِ
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب يُقَال كَانَ آفَة أَحْمَد بْن صَالح الْكبر وشراسة الْخلق ونال النَّسَائِيّ مِنْهُ جفَاء فِي مَجْلِسه فَذَلِك الَّذِي أفسد بَينهمَا
قَالَ ابْن عدي سَمِعت مُحَمَّد بْن هَارُون البرقي يَقُول حضرت مجْلِس أَحْمَد بْن صَالح وطرد النَّسَائِيّ من مَجْلِسه فَحَمله عَلَى أَن تكلم فِيهِ
قَالَ ابْن عدي وَكَانَ النَّسَائِيّ يُنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث مِنْهَا(2/7)
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ
وَالْحَدِيثُ فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ
قَالَ ابْن عدي وأَحْمَد من حفاظ الحَدِيث وَكَلَام ابْن معِين فِيهِ تحامل
وَأَرَادَ بِكَلَام ابْن معِين مَا ذكره مُعَاوِيَة بْن صَالح عَنهُ أَنه سَأَلَهُ عَن أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ رَأَيْته كذابا يخْطر فِي جَامع مصر
قلت وَقد ذكر أَن الَّذِي ذكر فِيهِ ابْن معِين هَذِهِ الْمقَالة هُوَ أَحْمَد بْن صَالح الشموني وَهُوَ شيخ بِمَكَّة كَانَ يضع الحَدِيث وَأَنه لم يعن أَحْمَد بْن صَالح هَذَا فَإِن هَذَا كَانَ من أقرانه فِي الْحِفْظ والإتقان ويترجح عَلَيْهِ فِي حَدِيث أهل مصر والحجاز وَذكر أَيْضًا أَنه كَانَت بَينه وَبَينه منافرة دنيوية
قَالَ ابْن عدي وَأما سوء ثَنَاء النَّسَائِيّ عَلَيْهِ فَلَمَّا تقدم
قَالَ وَلَوْلَا أَنِّي شرطت أَن أذكر فِي كتابي كل من تكلم فِيهِ مُتَكَلم لَكُنْت أجل أَحْمَد بْن صَالح أَن أذكرهُ
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يعلى الخليلي فِي كتاب الْإِرْشَاد ابْن صَالح ثِقَة حَافظ وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى أَن كَلَام النَّسَائِيّ فِيهِ تحامل وَلَا يقْدَح كَلَام أَمْثَاله فِيهِ وَقد نقم عَلَى النَّسَائِيّ كَلَامه فِيهِ
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي كتاب الأحوذي إِمَام ثِقَة من أَئِمَّة الملسمين لَا يُؤثر فِيهِ تجريح وَإِن هَذَا القَوْل يحط من النَّسَائِيّ أَكثر مِمَّا حط من ابْن صَالح
قلت وَكَذَا قَالَ الْبَاجِيّ
قلت أَحْمَد بْن صَالح ثِقَة إِمَام وَلَا الْتِفَات إِلَى كَلَام من تكلم فِيهِ
وَلَكنَّا ننبهك هُنَا على(2/8)
قَاعِدَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
ضَرُورِيَّة نافعة لَا ترَاهَا فى شئ من كتب الْأُصُول فَإنَّك إِذا سَمِعت أَن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل وَرَأَيْت الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكنت غرا بالأمور أَو فدما مُقْتَصرا عَلَى مَنْقُول الْأُصُول حسبت أَن الْعَمَل عَلَى جرحه فإياك ثمَّ إياك والحذر كل الحذر من هَذَا الحسبان بل الصَّوَاب عندنَا أَن من ثبتَتْ إِمَامَته وعدالته وَكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحه وَكَانَت هُنَاكَ قرينَة دَالَّة عَلَى سَبَب جرحه من تعصب مذهبي أَو غَيره فَإنَّا لَا نلتفت إِلَى الْجرْح فِيهِ ونعمل فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب أَو أَخذنَا تَقْدِيم الْجرْح عَلَى إِطْلَاقه لما سلم لنا أحد من الْأَئِمَّة إِذْ مَا من إِمَام إِلَّا وَقد طعن فِيهِ طاعنون وَهلك فِيهِ هالكون
وَقد عقد الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فى الْكتاب الْعلم بَابا فِي حكم قَول الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض بَدَأَ فِيهِ بِحَدِيث الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْحَسَد والبغضاء الحَدِيث
وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنه قَالَ اسْتَمعُوا علم الْعلمَاء وَلَا تصدقوا بَعضهم عَلَى بعض فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَهُم أَشد تغايرا من التيوس فِي زروبها
وَعَن مَالك بْن دِينَار يُؤْخَذ بقول الْعلمَاء والقراء فى كل شئ إِلَّا قَول بَعضهم فِي بعض
قلت وَرَأَيْت فِي كتاب معِين الْحُكَّام لِابْنِ عَبْد الرفيع من الْمَالِكِيَّة وَقع فِي المبسوطة من قَول عَبْد اللَّه بْن وهب أَنه لَا يجوز شَهَادَة الْقَارئ عَلَى الْقَارئ يَعْنِي الْعلمَاء لأَنهم أَشد النَّاس تحاسدا وتباغيا
وَقَالَهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بْن دِينَار
انْتهى
وَلَعَلَّ ابْن عَبْد الْبر يرى هَذَا وَلَا بَأْس بِهِ غير أَنا لَا نَأْخُذ بِهِ عَلَى إِطْلَاقه وَلَكِن نرى أَن الضَّابِط مَا نقُوله من أَن ثَابت الْعَدَالَة لَا يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول من تشهد الْقَرَائِن بِأَنَّهُ مُتَحَامِل عَلَيْهِ إِمَّا لتعصب مذهبي أَو غَيره(2/9)
ثمَّ قَالَ أَبُو عمر بعد ذَلِك الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب أَن من ثبتَتْ عَدَالَته وَصحت فِي الْعلم إِمَامَته وبالعلم عنايته لم يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول أحد إِلَّا أَن يَأْتِي فِي جرحته بِبَيِّنَة عادلة تصح بهَا جرحته عَلَى طَرِيق الشَّهَادَات
وَاسْتدلَّ بِأَن السّلف تكلم بَعضهم فِي بعض بِكَلَام مِنْهُ مَا حمل عَلَيْهِ الْغَضَب أَو الْحَسَد وَمِنْه مَا دَعَا إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَاخْتِلَاف الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا يلْزم الْمَقُول فِيهِ مَا قَالَ الْقَائِل فِيهِ
وَقد حمل بَعضهم عَلَى بعض بِالسَّيْفِ تَأْوِيلا واجتهادا
ثمَّ انْدفع ابْن عَبْد الْبر فِي ذكر كَلَام جمَاعَة من النظراء بَعضهم فِي بعض وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ لذَلِك إِلَى أَن انْتهى إِلَى كَلَام ابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَقَالَ إِنَّه مِمَّا نقم عَلَى ابْن معِين وعيب بِهِ وَذكر قَول أَحْمَد بْن حَنْبَل من أَيْن يعرف يَحْيَى بْن معِين الشَّافِعِي هُوَ لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُوله الشَّافِعِي وَمن جهل شَيْئا عَادَاهُ
قلت وَقد قِيلَ إِن ابْن معِين لم يرد الشَّافِعِي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَمه كَمَا سنحكيه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُور وَبِتَقْدِير إِرَادَته الشَّافِعِي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَهُوَ عَار عَلَيْهِ وَقد كَانَ فِي بكاء ابْن معِين عَلَى إجَابَته الْمَأْمُون إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وتحسره عَلَى مَا فرط مِنْهُ مَا يَنْبَغِي أَن يكون شاغلا لَهُ عَن التَّعَرُّض إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة ابْن عَم الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثمَّ ذكر ابْن عَبْد الْبر كَلَام ابْن أَبِي ذيب وإِبْرَاهِيم بْن سعد فِي مَالك بْن أنس قَالَ وَقد تكلم أَيْضًا فِي مَالك عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلمَة وَعبد الرَّحْمَن بْن زيد بْن أسلم ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَابْن أَبِي يحيى وَابْن أَبِي الزِّنَاد وعابوا أَشْيَاء من مذْهبه وَقد برأَ اللَّه عز وَجل مَالِكًا عَمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وجيها
قَالَ وَمَا مثل من تكلم فِي مَالك وَالشَّافِعِيّ ونظائرهما إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى
(كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليقلعها ... فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل)(2/10)
أَو كَمَا قَالَ الْحَسَن بْن حُمَيْد
(يَا ناطح الْجَبَل العالي ليُكْلِمَه ... أشفِقْ عَلَى الرَّأْس لَا تُشْفِق عَلَى الْجَبَل)
وَلَقَد أحسن أبوالعتاهية حَيْثُ يَقُول
(وَمن ذَا الَّذِي ينجو من النَّاس سالما ... وَلِلنَّاسِ قَالٌ بالظنون وَقيل)
وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَأَنْشد
(حسدوك أَن رأوك فضلك اللَّه ... بِمَا فضلت بِهِ النجباء)
وَقيل لأبي عَاصِم النَّبِيل فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَقَالَ هُوَ كَمَا قَالَ نصيب
(سلمت وَهل حَيّ عَلَى النَّاس يسلم ... )
وَقَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي
(حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم)
ثمَّ قَالَ ابْن عَبْد الْبر فَمن أَرَادَ قبُول قَول الْعلمَاء الثِّقَات بَعضهم فِي بعض فليقبل قَول الصَّحَابَة بَعضهم فِي بعض فَإِن فعل ذَلِك فقد ضل ضلالا بَعيدا
وخسر خسرانا مُبينًا
قَالَ وَإِن لم يفعل وَلنْ يفعل إِن هداه اللَّه وألهمه رشده فليقف عِنْدَمَا شرطناه فِي أَن لَا يقبل فِي صَحِيح الْعَدَالَة الْمَعْلُوم بِالْعلمِ عنايته قَول قَائِل لَا برهَان لَهُ
قلت هَذَا كَلَام ابْن عَبْد الْبر وَهُوَ عَلَى حسنه غير صَاف عَن القذى والكدر فَإِنَّهُ لم يزدْ فِيهِ عَلَى قَوْله إِن من ثبتَتْ عَدَالَته ومعرفته لَا يقبل قَول جارحه إِلَّا ببرهان وَهَذَا قد أَشَارَ إِلَيْهِ الْعلمَاء جَمِيعًا حَيْثُ قَالُوا لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا
فَمَا الَّذِي زَاده ابْن عَبْد الْبر عَلَيْهِم وَإِن أَوْمَأ إِلَى أَن كَلَام النظير فِي النظير وَالْعُلَمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود مُطلقًا كَمَا قدمْنَاهُ عَن المبسوطة فليفصح بِهِ ثمَّ هُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا عَلَى إِطْلَاقه بل لابد من زِيَادَة عَلَى قَوْلهم إِن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل
ونقصان من قَوْلهم كَلَام النظير فِي النظير مَرْدُود(2/11)
وَالْقَاعِدَة معقودة لهَذِهِ الْجُمْلَة وَلم ينح ابْن عَبْد الْبر فِيمَا يظْهر سواهَا وَإِلَّا لصرح بِأَن كَلَام الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود أَو لَكَانَ كَلَامه غير مُفِيد فَائِدَة زَائِدَة عَلَى مَا ذكره النَّاس وَلَكِن عِبَارَته كَمَا ترى قَاصِرَة عَن المُرَاد
فَإِن قلت فَمَا الْعبارَة الوافية بِمَا ترَوْنَ
قلت مَا عرفناك أَولا من أَن الْجَارِح لَا يقبل مِنْهُ الْجرْح وَإِن فسره فِي حق من غلبت طاعاته عَلَى مَعَاصيه ومادحوه عَلَى ذاميه ومزكوه عَلَى جارحيه إِذا كَانَت هُنَاكَ قرينَة يشْهد الْعقل بِأَن مثلهَا حَامِل عَلَى الوقيعة فِي الذى جرحه من تعصب مذهبي أَو مُنَافَسَة دنيوية كَمَا يكون من النظراء أَو غير ذَلِك فَنَقُول مثلا لَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن أَبِي ذيب فِي مَالك وَابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح لِأَن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة مَشْهُورُونَ صَار الْجَارِح لَهُم كالآتي بِخَبَر غَرِيب لَو صَحَّ لتوفرت الدَّوَاعِي عَلَى نَقله وَكَانَ الْقَاطِع قَائِما عَلَى كذبه
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح حَال العقائد واختلافها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَارِح والمجروح فَرُبمَا خَالف الْجَارِح الْمَجْرُوح فِي العقيدة فجرحه لذَلِك وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّافِعِيّ بقوله وَيَنْبَغِي أَن يكون المزكون بُرَآء من الشحناء والعصبية فِي الْمَذْهَب خوفًا من أَن يحملهم ذَلِك عَلَى جرح عدل أَو تَزْكِيَة فَاسق وَقد وَقع هَذَا لكثير من الْأَئِمَّة جرحوا بِنَاء عَلَى معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مُصِيب وَقد أَشَارَ شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا وَقَالَ أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَى شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام
قلت وَمن أَمْثِلَة مَا قدمنَا قَول بَعضهم فِي البُخَارِيّ تَركه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من أجل مَسْأَلَة اللَّفْظ فيالله وَالْمُسْلِمين أَيجوزُ لأحد أَن يَقُول البُخَارِيّ مَتْرُوك وَهُوَ حَامِل(2/12)
لِوَاء الصِّنَاعَة ومقدم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ثمَّ يالله وَالْمُسْلِمين أَتجْعَلُ ممادحه مذام فَإِن الْحق فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ مَعَه إِذْ لَا يستريب عَاقل من المخلوقين فِي أَن تلفظه من أَفعاله الْحَادِثَة الَّتِي هِيَ مخلوقة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا أنكرها الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لبشاعة لَفظهَا
وَمن ذَلِك قَول بعض المجسمة فِي أَبِي حَاتِم ابْن حبَان لم يكن لَهُ كَبِير دين نَحن أخرجناه من سجستان لِأَنَّهُ أنكر الْحَد لله فياليت شعري من أَحَق بِالْإِخْرَاجِ من يَجْعَل ربه محدودا أَو من ينزهه عَن الجسمية
وأمثلة هَذَا تكْثر وَهَذَا شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه من هَذَا الْقَبِيل لَهُ علم وديانة وَعِنْده عَلَى أهل السّنة تحمل مفرط فَلَا يجوز أَن يعْتَمد عَلَيْهِ
ونقلت من خطّ الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدى العلائي رَحمَه اللَّه مَا نَصه الشَّيْخ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ لَا أَشك فِي دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله النَّاس وَلكنه غلب عَلَيْهِ مَذْهَب الْإِثْبَات ومنافرة التَّأْوِيل والغفلة عَن التَّنْزِيه حَتَّى أثر ذَلِك فِي طبعه انحرافا شَدِيدا عَن أهل التَّنْزِيه وميلا قَوِيا إِلَى أهل الْإِثْبَات فَإِذا ترْجم وَاحِدًا مِنْهُم يطنب فِي وَصفه بِجَمِيعِ مَا قِيلَ فِيهِ من المحاسن ويبالغ فِي وَصفه ويتغافل عَن غلطاته ويتأول لَهُ مَا أمكن وَإِذا ذكر أحدا من الطّرف الآخر كإمام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَنَحْوهمَا لَا يُبَالغ فِي وَصفه وَيكثر من قَول من طعن فِيهِ وَيُعِيد ذَلِك ويبديه ويعتقده دينا وَهُوَ لَا يشْعر ويعرض عَن محاسنهم الطافحة فَلَا يستوعبها وَإِذا ظفر لأحد مِنْهُم بغلطة ذكرهَا وَكَذَلِكَ فعله فِي أهل عصرنا إِذا لم يقدر عَلَى أحد مِنْهُم بتصريح يَقُول فِي تَرْجَمته وَالله يصلحه وَنَحْو ذَلِك وَسَببه الْمُخَالفَة فِي العقائد
انْتهى
وَالْحَال فِي حق شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَزِيد مِمَّا وصف وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا غير أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَقد وصل من التعصب المفرط إِلَى حد يسخر مِنْهُ
وَأَنا أخْشَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من غَالب عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة فَإِن غالبهم أشاعرة وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبقي وَلَا يذر
وَالَّذِي أعتقده أَنهم خصماؤه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد(2/13)
من لَعَلَّ أَدْنَاهُم عِنْده أوجه مِنْهُ فَالله الْمَسْئُول أَن يُخَفف عَنهُ وَأَن يلهمهم الْعَفو عَنهُ وَأَن يشفعهم فِيهِ
وَالَّذِي أدركنا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ النَّهْي عَن النّظر فِي كَلَامه وَعدم اعْتِبَار قَوْله وَلم يكن يستجري أَن يظْهر كتبه التاريخية إِلَّا لمن يغلب عَلَى ظَنّه أَنه لَا ينْقل عَنهُ مَا يعاب عَلَيْهِ
وَأما قَول العلائي رَحمَه اللَّه دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله فقد كنت أعتقد ذَلِك وَأَقُول عِنْد هَذِهِ الْأَشْيَاء إِنَّه رُبمَا اعتقدها دينا وَمِنْهَا أُمُور أقطع بِأَنَّهُ يعرف بِأَنَّهَا كذب وأقطع بِأَنَّهُ لَا يختلقها وأقطع بِأَنَّهُ يحب وَضعهَا فِي كتبه لتنتشر وأقطع بِأَنَّهُ يحب أَن يعْتَقد سامعها صِحَّتهَا بغضا للمتحدث فِيهِ وتنفيرا للنَّاس عَنهُ مَعَ قلَّة مَعْرفَته بمدلولات الْأَلْفَاظ وَمَعَ اعْتِقَاده أَن هَذَا مِمَّا يُوجب نصر العقيدة الَّتِي يعتقدها هُوَ حَقًا وَمَعَ عدم ممارسته لعلوم الشَّرِيعَة غير أَنِّي لما أكثرت بعد مَوته النّظر فِي كَلَامه عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى النّظر فِيهِ توقفت فِي تحريه فِيمَا يَقُوله وَلَا أَزِيد عَلَى هَذَا غير الإحالة عَلَى كَلَامه فَلْينْظر كَلَامه من شَاءَ ثمَّ يبصر هَل الرجل متحر عِنْد غَضَبه أَو غير متحر وأعنى بغضبه وَقت تَرْجَمته لوَاحِد من عُلَمَاء الْمذَاهب الثَّلَاثَة الْمَشْهُورين من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة فَإِنِّي أعتقد أَن الرجل كَانَ إِذا مد الْقَلَم لترجمة أحدهم غضب غَضبا مفرطا ثمَّ قرطم الْكَلَام ومزقه وَفعل من التعصب مَالا يخفى عَلَى ذِي بَصِيرَة ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك غير خَبِير بمدلولات الْأَلْفَاظ كَمَا يَنْبَغِي فَرُبمَا ذكر لَفْظَة من الذَّم لَو عقل مَعْنَاهَا لما نطق بهَا ودائما أتعجب من ذكره الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كتاب الْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وَكَذَلِكَ السَّيْف الْآمِدِيّ وَأَقُول يالله الْعجب هَذَانِ لَا رِوَايَة لَهما وَلَا جرحهما أحد وَلَا سمع من أحد أَنه ضعفهما فِيمَا ينقلانه من علومهما فَأَي مدْخل لَهما فِي هَذَا الْكتاب ثمَّ إِنَّا لم نسْمع أحدا يُسَمِّي الإِمَام فَخر الدّين بالفخر بل إِمَّا الإِمَام وَإِمَّا ابْن الْخَطِيب وَإِذا ترْجم كَانَ فِي المُحَمَّدين فَجعله فِي حرف الْفَاء وَسَماهُ الْفَخر ثمَّ حلف فِي آخر الْكتاب(2/14)
أَنه لم يتَعَمَّد فِيهِ هوى نَفسه فَأَي هوى نفس أعظم من هَذَا فإمَّا أَن يكون ورى فِي يَمِينه أَو اسْتثْنى غير الروَاة فَيُقَال لَهُ فَلم ذكرت غَيرهم وَإِمَّا أَن يكون اعْتقد أَن هَذَا لَيْسَ هوى نفس وَإِذا وصل إِلَى هَذَا الْحَد وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَهُوَ مطبوع عَلَى قلبه
ولنعد إِلَى مَا كُنَّا بصدده فَنَقُول
فَإِن قلت قَوْلكُم لابد من تفقد حَال العقائد هَل تعنون بِهِ أَنه لَا يقبل قَول مُخَالف عقيدة فِيمَن خَالفه مُطلقًا سَوَاء السّني عَلَى المبتدع وَعَكسه أَو غير ذَلِك قلت هَذَا مَكَان معضل يجب عَلَى طَالب التَّحْقِيق التَّوَقُّف عِنْده لفهم مَا يلقى عَلَيْهِ وَأَن لَا يُبَادر لإنكار شَيْء قبل التَّأَمُّل فِيهِ
وَاعْلَم أَنا عنينا مَا هُوَ أَعم من ذَلِك ولسنا نقُول لَا تقبل شَهَادَة السّني عَن المبتدع مُطلقًا معَاذ اللَّه وَلَكِن نقُول من شهد عَلَى آخر وَهُوَ مُخَالف لَهُ فِي العقيدة أوجبت مُخَالفَته لَهُ فِي العقيدة رِيبَة عِنْد الْحَاكِم الْمُنْتَصر لَا يجدهَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة صادرة من غير مُخَالف فِي العقيدة وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا فدم أخرق
ثمَّ الْمَشْهُود بِهِ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال والأغراض فَرُبمَا وضح غَرَض الشَّاهِد عَلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ إيضاحا لَا يخفى عَلَى أحد وَذَلِكَ لقُرْبه من نصر معتقده أَو مَا أشبه ذَلِك وَرُبمَا دق وغمض بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهُ إِلَّا الفطن من الْحُكَّام وَرب شَاهد من أهل السّنة ساذج قد مقت المبتدع مقتا زَائِدا عَلَى مَا يَطْلُبهُ اللَّه مِنْهُ وأساء الظَّن بِهِ إساءة أوجبت لَهُ تَصْدِيق مَا يبلغهُ عَنهُ فَبَلغهُ عَنهُ شئ فغلب عَلَى ظَنّه صدقه لما قدمْنَاهُ فَشهد بِهِ فسبيل الْحَاكِم التَّوَقُّف فِي مثل هَذَا إِلَى أَن يتَبَيَّن لَهُ الْحَال فِيهِ وسبيل الشَّاهِد الْوَرع وَلَو كَانَ من أَصْلَب أهل السّنة أَن يعرض عَلَى نَفسه مَا نقل لَهُ عَن هَذَا المبتدع وَقد صدقه وعزم عَلَى أَن شهد عَلَيْهِ بِهِ أَن يعرض عَلَى نَفسه مثل هَذَا الْخَبَر بِعَيْنِه وَهَذَا الْمخبر بِعَيْنِه لَو كَانَ عَن شخص من أهل عقيدته هَل كَانَ يصدقهُ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يصدقهُ فَهَل كَانَ يُبَادر إِلَى الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِهِ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يُبَادر فليوازن مَا بَين المبادرتين فَإِن وجدهما سَوَاء فدونه وَإِلَّا فَليعلم أَن حَظّ النَّفس دَاخله وأزيد من ذَلِك أَن الشَّيْطَان استولى عَلَيْهِ(2/15)
فخيل لَهُ أَن هَذِهِ قربَة وَقيام فِي نصر الْحق وليعلم من هَذِهِ سَبيله أَنه أَتَى من جهل وَقلة دين
وَهَذَا قَوْلنَا فِي سني يجرح مبتدعا فَمَا الظَّن بِمُبْتَدعٍ يجرح سنيا كَمَا قدمْنَاهُ
وَفِي المبتدعة لَا سِيمَا المجسمة زِيَادَة لَا تُوجد فِي غَيرهم وَهُوَ أَنهم يرَوْنَ الْكَذِب لنصرة مَذْهَبهم وَالشَّهَادَة عَلَى من يخالفهم فِي العقيدة بِمَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله بِالْكَذِبِ تأييدا لاعتقادهم ويزداد حنقهم وتقربهم إِلَى اللَّه بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ بِمِقْدَار زِيَادَته فِي النّيل مِنْهُم فَهَؤُلَاءِ لَا يحل لمُسلم أَن يعْتَبر كَلَامهم
فَإِن قلت أَلَيْسَ أَن الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره قلت قبُول شَهَادَته لَا يُوجب دفع الرِّيبَة عِنْد شَهَادَته عَلَى مخالفه فِي العقيدة والريبة توجب الفحص والتكشف والتثبت وَهَذِه أُمُور تظهر الْحق إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذا اعتمدت عَلَى مَا يَنْبَغِي
وَفِي تعليقة القَاضِي الْحُسَيْن لَا يجوز أَن يبغض الرجل لِأَنَّهُ من مَذْهَب كَذَا فَإِن ذَلِك يُوجب رد الشَّهَادَة
انْتهى
وَمرَاده لِأَنَّهُ من مَذْهَب من الْمذَاهب المقبولة أما إِذا أبغضه لكَونه مبتدعا فَلَا ترد شَهَادَته
وَاعْلَم أَن مَا ذَكرْنَاهُ من قبُول شَهَادَة المبتدع هُوَ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَهُوَ مصادم لنَصّ الشَّافِعِي عَلَى عدم قبُول الخطابية وَهِي طَريقَة الْأَصْحَاب وَأَصْحَاب هَذِهِ الطَّرِيقَة يَقُولُونَ لَو شهد خطابي وَذكر فِي شَهَادَته مَا يقطع احْتِمَال الِاعْتِمَاد عَلَى قَول الْمُدَّعِي بِأَن قَالَ سَمِعت فلَانا يقر بِكَذَا لفُلَان أَو رَأَيْته أقْرضهُ قبلت شَهَادَته وَهَذَا مِنْهُم بِنَاء عَلَى أَن الْخطابِيّ يرى جَوَاز الشَّهَادَة لصَاحبه إِذا سَمعه يَقُول لي عَلَى فلَان كَذَا فَصدقهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّافِعِي
وَقد تزايد الْحَال بالخطابية وهم المجسمة فِي زَمَاننَا هَذَا فصاروا يرَوْنَ الْكَذِب عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة لَا سِيمَا الْقَائِم عَلَيْهِم بِكُل مَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله
وَبَلغنِي أَن كَبِيرهمْ استفتى فِي شَافِعِيّ أيشهد عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فَقَالَ أَلَسْت تعتقد أَن دَمه حَلَال قَالَ نعم قَالَ فَمَا دون ذَلِك دون دَمه فاشهد وادفع فَسَاده عَن الْمُسلمين(2/16)
فَهَذِهِ عقيدتهم ويرون أَنهم الْمُسلمُونَ وَأَنَّهُمْ أهل السّنة وَلَو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم وَلَا عَالم فيهم عَلَى الْحَقِيقَة مبلغا يعْتَبر ويكفرون غَالب عُلَمَاء الْأمة ثمَّ يعتزون إِلَى الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مِنْهُم برِئ وَلكنه كَمَا قَالَ بعض العارفين ورأيته بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما وهما بريان مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل ابْتُلِيَ بالمُجَسِّمَة وجعفر الصَّادِق ابْتُلِيَ بالرافضة
ثمَّ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ عَلَى طَريقَة النَّوَوِيّ رَحمَه اللَّه وَالَّذِي أرَاهُ أَن لَا تقبل شَهَادَتهم عَلَى سني
فَإِن قلت هَل هَذَا رأى الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَمن تَابعه أَن أهل الْأَهْوَاء كلهم لَا تقبل لَهُم شَهَادَة
قلت لَا بل هَذَا قَول بِأَن شَهَادَتهم عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة غير مَقْبُولَة وَلَو كَانَ مخالفهم فِي العقيدة مبتدعا وَهَذَا لَا أعتقد أَن النَّوَوِيّ وَلَا غَيره يُخَالف فِيهِ وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره عَلَى الْجُمْلَة أما أَن شَهَادَته تقبل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مخالفه فِي العقيدة مَعَ مَا هُنَاكَ من الرِّيبَة فَلم يقل النَّوَوِيّ وَلَا غَيره ذَلِك
فَإِن قلت غَايَة الْمُخَالفَة فِي العقيدة أَن توجب عَدَاوَة وَهِي دينية فَلَا توجب رد الشَّهَادَة
قلت إِنَّمَا لَا توجب رد الشَّهَادَة من المحق عَلَى الْمُبْطل كَمَا قَالَ الْأَصْحَاب تقبل شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع وَكَذَا من أبْغض الْفَاسِق لفسقه ثمَّ سأعرفك مَا فِيهِ وَأما عَكسه وَهُوَ المبتدع عَلَى السّني فَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابنَا
ثمَّ أَقُول فِي مَا ذكره الْأَصْحَاب من قبُول شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع إِنَّمَا ذَلِك فِي سني لم يصل فِي حق المبتدع وبغضه لَهُ إِلَى أَن يصير عِنْده حَظّ نفس قد يحملهُ عَلَى التعصب عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق فَمن وصل من السّني وَالشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق إِلَى هَذَا الْحَد(2/17)
لم أقبل شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَن عِنْدهمَا زِيَادَة عَلَى مَا طلبه الشَّارِع مِنْهُمَا أوجبت عِنْدِي الرِّيبَة فِي أَمرهمَا فكم من شَاهد رَأَيْته يبغض إنْسَانا وَيشْهد عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ تدينا وَجَاءَنِي وَأدّى الشَّهَادَة عِنْدِي باكيا وَقت تأديته الشَّهَادَة عَلَى الدّين فرقا خَائفًا أَن يخسف بِالْمُسْلِمين لوُجُود الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَين أظهرنَا
وَأَنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أعتقد وأتيقن أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ خير مِنْهُ وَلَا أَقُول إِنَّه كذب عَلَيْهِ عَامِدًا بل إِنَّه بنى عَلَى الظَّن وَصدق أقوالا ضَعِيفَة أبْغض الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فمنذ أبغضه لحقه هوى النَّفس وَاسْتولى عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَصَارَ الْحَامِل لَهُ فِي نفس الْأَمر حَظّ نَفسه وَفِيمَا يخْطر لَهُ الدّين
هَذَا مَا شاهدته وأبصرته ولي فِي الْقَضَاء سِنِين عديدة فليتق اللَّه امْرُؤ وقف عَلَى حُفْرَة من حفر النَّار فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قد جعلني اللَّه قَاضِيا ومحدثا وَقد قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد أَعْرَاض النَّاس حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَيْهَا المحدثون والحكام
وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قلته أَن أَصْحَابنَا قَالُوا من استباح دم غَيره من الْمُسلمين وَلم يقدر عَلَى قَتله فَشهد عَلَيْهِ بقتل لم يقتل ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا ساكتا عَلَيْهِ وَلَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه فَإِن قلت قد قَالَ عقيبة وَمن شتم متأولا ثمَّ شهد عَلَيْهِ قبل أَو غير متأول فَلَا
قلت يَعْنِي بِالْقبُولِ بعد الشتم متأولا الشَّهَادَة بِأَمْر معِين وَنحن نعلم أَنه لَا يحملهُ عَلَيْهَا بغض فَلَيْسَ كمن وصفناه
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح أَيْضًا حَال الْجَارِح فِي الْخِبْرَة بمدلولات الْأَلْفَاظ فكثيرا مَا رَأَيْت من يسمع لَفْظَة فيفهمها عَلَى غير وَجههَا
والخبرة بمدلولات الْأَلْفَاظ وَلَا سِيمَا الْأَلْفَاظ الْعُرْفِيَّة الَّتِي تخْتَلف باخْتلَاف عرف النَّاس وَتَكون فِي بعض الْأَزْمِنَة مدحا وَفِي بَعْضهَا ذما أَمر شَدِيد لَا يُدْرِكهُ إِلَّا قعيد بِالْعلمِ
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد أَيْضًا حَاله فِي الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة فَرب جَاهِل ظن الْحَلَال حَرَامًا فجرح بِهِ وَمن هُنَا أوجب الْفُقَهَاء التَّفْسِير ليتوضح الْحَال(2/18)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حضرت بِمصْر رجلا مزكيا يجرح رجلا فَسئلَ عَن سَببه وألح عَلَيْهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبُول قَائِما
قِيلَ وَمَا فِي ذَلِك قَالَ يرد الرّيح من رشاشه عَلَى يَده وثيابه فَيصَلي فِيهِ
قِيلَ هَل رَأَيْته قد أَصَابَهُ الرشاش وَصلى قبل أَن يغسل مَا أَصَابَهُ قَالَ لَا وَلَكِن أرَاهُ سيفعل
قَالَ صَاحب الْبَحْر وَحكي أَن رجلا جرح رجلا وَقَالَ إِنَّه طين سطحه بطين استخرج من حَوْض السَّبِيل
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَيْضًا تفقده وَقد نبه عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد الْخلاف الْوَاقِع بَين كثير من الصُّوفِيَّة وَأَصْحَاب الحَدِيث فقد أوجب كَلَام بَعضهم فِي بعض كَمَا تكلم بَعضهم فِي حق الْحَارِث المحاسبي وَغَيره وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة دَاخل فِي قسم مُخَالفَة العقائد وَإِن عده ابْن دَقِيق الْعِيد غَيره
والطامة الْكُبْرَى إِنَّمَا هِيَ فِي العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وَفِي المنافسات الدُّنْيَوِيَّة عَلَى حطام الدُّنْيَا وَهَذَا فِي الْمُتَأَخِّرين أَكثر مِنْهُ فِي الْمُتَقَدِّمين وَأمر العقائد سَوَاء فِي الْفَرِيقَيْنِ
وَقد وصل حَال بعض المجسمة فِي زَمَاننَا إِلَى أَن كتب شرح صَحِيح مُسلم للشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَحذف من كَلَام النَّوَوِيّ مَا تكلم بِهِ عَلَى أَحَادِيث الصِّفَات فَإِن النَّوَوِيّ أشعري العقيدة فَلم تحمل قوى هَذَا الْكَاتِب أَن يكْتب الْكتاب عَلَى الْوَضع الَّذِي صنفه مُصَنفه
وَهَذَا عِنْدِي من كَبَائِر الذُّنُوب فَإِنَّهُ تَحْرِيف للشريعة وَفتح بَاب لَا يُؤمن مَعَه بكتب النَّاس وَمَا فِي أَيْديهم من المصنفات فقبح اللَّه فَاعله وأخزاه وَقد كَانَ فِي غنية عَن كِتَابَة هَذَا الشَّرْح وَكَانَ الشَّرْح فِي غنية عَنهُ
ولنعد إِلَى الْكَلَام فِي الجارحين عَلَى النَّحْو الَّذِي عرفناك
فَإِن قلت فَهَذَا يعود بِالْجرْحِ عَلَى الْجَارِح حَيْثُ جرح لَا فِي مَوْضِعه
قلت أما من تكلم بالهوى وَنَحْوه فَلَا شكّ فِيهِ وَأما من تكلم بمبلغ ظَنّه فَهُنَا(2/19)
وَقْفَة محتومة عَلَى طَالب التحقيقات ومزلة تَأْخُذ بأقدام من لَا يبرأ عَن حوله وقوته ويكل أمره إِلَى عَالم الخفيات
فَنَقُول لَا شكّ أَن من تكلم فِي إِمَام اسْتَقر فِي الأذهان عَظمته وتناقلت الروَاة ممادحه فقد جر الملام إِلَى نَفسه وَلَكنَّا لَا نقضي أَيْضًا عَلَى من عرفت عَدَالَته إِذا جرح من لم يقبل مِنْهُ جرحه إِيَّاه بِالْفِسْقِ بل نجوز أمورا أَحدهَا أَن يكون واهما وَمن ذَا الَّذِي لَا يهم وَالثَّانِي أَن يكون مؤولا قد جرح بشئ ظَنّه جارحا وَلَا يرَاهُ الْمَجْرُوح كَذَلِك كاختلاف الْمُجْتَهدين
وَالثَّالِث أَن يكون نَقله إِلَيْهِ من يرَاهُ هُوَ صَادِقا ونراه نَحن كَاذِبًا وَهَذَا لاختلافنا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَرب مَجْرُوح عِنْد عَالم معدل عِنْد غَيره فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي الِاحْتِجَاج حسب الِاخْتِلَاف فِي تزكيته فَلم يتَعَيَّن أَن يكون الْحَامِل للجارح عَلَى الْجرْح مُجَرّد التعصب والهوى حَتَّى يجرحه بِالْجرْحِ
ومعنا أصلان نستصحبهما إِلَى أَن نتيقن خلافهما أصل عَدَالَة الإِمَام الْمَجْرُوح الَّذِي قد اسْتَقَرَّتْ عَظمته وأصل عَدَالَة الْجَارِح الَّذِي يثبت فَلَا يلْتَفت إِلَى جرحه وَلَا نجرحه بجرحه
فاحفظ هَذَا الْمَكَان فَهُوَ من الْمُهِمَّات
فَإِن قلت فَهَل مَا قررتموه مُخَصص لقَوْل الْأَئِمَّة إِن الْجرْح مقدم لأنكم تستثنون جارحا لمن هَذَا شَأْنه قد ندر بَين المعدلين قلت لَا فَإِن قَوْلهم الْجرْح مقدم إِنَّمَا يعنون بِهِ حَالَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِذا تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا لِأَن هَذَا شَأْن المتعارضين أما إِذا لم يَقع اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا فَلَا تعَارض بل الْعَمَل بأقوى الظنين من جرح أَو تَعْدِيل
وَمَا نَحن فِيهِ لم يتعارضا لِأَن غَلَبَة الظَّن بِالْعَدَالَةِ قَائِمَة وَهَذَا كَمَا أَن عدد الْجَارِح إِذا كَانَ أَكثر قدم الْجرْح(2/20)
إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا تعَارض وَالْحَالة هَذِهِ وَلَا يَقُول منا أحد بِتَقْدِيم التَّعْدِيل لَا من قَالَ بتقديمه عِنْد التَّعَارُض وَلَا غَيره
وعبارتنا فِي كتَابنَا جمع الْجَوَامِع وَهُوَ مُخْتَصر جمعناه فِي الْأَصْلَيْنِ جمع فأوعى وَالْجرْح مقدم إِن كَانَ عدد الْجَارِح أَكثر من الْمعدل إِجْمَاعًا وَكَذَا إِن تَسَاويا أَو كَانَ الْجَارِح أقل وَقَالَ ابْن شعْبَان بِطَلَب التَّرْجِيح
انْتهى
وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي مختصرات أصُول الْفِقْه فَإنَّا نبهنا فِيهِ عَلَى مَكَان الْإِجْمَاع وَلم ينبهوا عَلَيْهِ وحكينا فِيهِ مقَالَة ابْن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة وَهِي غَرِيبَة لم يشيروا إِلَيْهَا وأشرنا بقولنَا يطْلب التَّرْجِيح إِلَى أَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَة التَّعَارُض لِأَن طلب التَّرْجِيح إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة
وَهَذَا شَأْن كتَابنَا جمع الْجَوَامِع نفع اللَّه بِهِ غَالِبا ظننا أَن فِي كل مَسْأَلَة فِيهِ زيادات لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره مَعَ البلاغة فِي الِاخْتِصَار
إِذا عرفت هَذَا علمت أَنه لَيْسَ كل جرح مقدما
وَقد عقد شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه تَعَالَى فصلا فِي جمَاعَة لَا يعبأ بالْكلَام فيهم بل هم ثِقَات عَلَى رغم أنف من تفوه فيهم بِمَا هم عَنهُ بُرَآء وَنحن نورد فِي تَرْجَمته محَاسِن ذَلِك الْفَصْل إِنْ شَاءَ اللَّهُ
ولنختم هَذِهِ الْقَاعِدَة بفائدتين عظيمتين لَا يراهما النَّاظر أَيْضًا فِي غير كتَابنَا هَذَا
إِحْدَاهمَا أَن قَوْلهم لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا إِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي جرح من ثبتَتْ عَدَالَته واستقرت فَإِذا أَرَادَ رَافع رَفعهَا بِالْجرْحِ قِيلَ لَهُ ائْتِ ببرهان عَلَى هَذَا أَو فِيمَن لم يعرف حَاله وَلَكِن ابتدره جارحان ومزكيان فَيُقَال إِذْ ذَاك للجارحين فسرا مَا رميتماه بِهِ
أما من ثَبت أَنه مَجْرُوح فَيقبل قَول من أطلق جرحه لجريانه عَلَى الأَصْل الْمُقَرّر عندنَا وَلَا نطالبه بالتفسير إِذْ لَا حَاجَة إِلَى طلبه
والفائدة الثَّانِيَة أَنا لَا نطلب التَّفْسِير من كل أحد بل إِنَّمَا نطلبه حَيْثُ يحْتَمل الْحَال شكا إِمَّا لاخْتِلَاف فِي الِاجْتِهَاد أَو لتهمة يسيرَة فِي الْجَارِح أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوجب(2/21)
سُقُوط قَول الْجَارِح وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الِاعْتِبَار بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق بل يكون بَين بَين أما إِذا انْتَفَت الظنون واندفعت التهم وَكَانَ الْجَارِح خَبرا من أَحْبَار الْأمة مبرأ عَن مظان التُّهْمَة أَو كَانَ الْمَجْرُوح مَشْهُورا بالضعف متروكا بَين النقاد فَلَا نتلعثم عِنْد جرحه وَلَا نحوج الْجَارِح إِلَى تَفْسِير بل طلب التَّفْسِير مِنْهُ وَالْحَالة هَذِهِ طلب لغيبة لَا حَاجَة إِلَيْهَا
فَنحْن نقبل قَول ابْن معِين فِي إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب المدنى شيخ روى عَنهُ ابْن وهب إِنَّه لَيْسَ بشئ وَفِي إِبْرَاهِيم بْن يزِيد الْمدنِي إِنَّه ضَعِيف وَفِي الْحُسَيْن بْن الْفرج الْخياط إِنَّه كَذَّاب يسرق الحَدِيث وعَلى هَذَا وَإِن لم يبين الْجرْح لِأَنَّهُ إِمَام مقدم فِي هَذِهِ الصِّنَاعَة جرح طَائِفَة غير ثابتي الْعَدَالَة والثبت وَلَا نقبل قَوْله فِي الشَّافِعِي وَلَو فسر وأتى بِأَلف إِيضَاح لقِيَام الْقَاطِع عَلَى أَنه غير محق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ
فَاعْتبر مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي ابْن معِين وَغَيره واحتفظ بِمَا ذَكرْنَاهُ تنْتَفع بِهِ
وَيقرب من هَذِهِ الْقَاعِدَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
قَاعِدَة فِي المؤرخين
نافعة جدا فَإِن أهل التَّارِيخ رُبمَا وضعُوا من أنَاس وَرفعُوا أُنَاسًا إِمَّا لتعصب أَو لجهل أَو لمُجَرّد اعْتِمَاد عَلَى نقل من لَا يوثق بِهِ أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب
وَالْجهل فِي المؤرخين أَكثر مِنْهُ فِي أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَذَلِكَ التعصب قل أَن رَأَيْت تَارِيخا خَالِيا من ذَلِك
وَأما تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر اللَّه لَهُ فَإِنَّهُ عَلَى حسنه وَجمعه مشحون بالتعصب المفرط لَا واخذه اللَّه فَلَقَد أَكثر الوقيعة فِي أهل الدّين أَعنِي الْفُقَرَاء الَّذين هم صفوة الْخلق واستطال بِلِسَانِهِ عَلَى كثير من أَئِمَّة الشافعيين والحنفيين وَمَال فأفرط عَلَى الأشاعرة ومدح فَزَاد فِي المجسمة هَذَا وَهُوَ الْحَافِظ المدره وَالْإِمَام المبجل فَمَا ظَنك بعوام المؤرخين فَالرَّأْي عندنَا أَلا يقبل مدح وَلَا ذمّ من المؤرخين إِلَّا بِمَا اشْتَرَطَهُ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه حَيْثُ قَالَ ونقلته من خطه فِي مجاميعه(2/22)
يشْتَرط فِي المؤرخ الصدْق وَإِذا نقل يعْتَمد اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَألا يكون ذَلِك الَّذِي نَقله أَخذه فِي المذاكرة وَكتبه بعد ذَلِك وَأَن يُسمى الْمَنْقُول عَنهُ فَهَذِهِ شُرُوط أَرْبَعَة فِيمَا يَنْقُلهُ
وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضًا لما يترجمه من عِنْد نَفسه وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر أَن يكون عَارِفًا بِحَال صَاحب التَّرْجَمَة علما ودينا وَغَيرهمَا من الصِّفَات وَهَذَا عَزِيز جدا وَأَن يكون حسن الْعبارَة عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ وَأَن يكون حسن التَّصَوُّر حَتَّى يتَصَوَّر حَال تَرْجَمته جَمِيع حَال ذَلِك الشَّخْص ويعبر عَنهُ بِعِبَارَة لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص عَنهُ وَأَن لَا يغلبه الْهوى فيخيل إِلَيْهِ هَوَاهُ الإطناب فِي مدح من يُحِبهُ وَالتَّقْصِير فِي غَيره بل إِمَّا أَن يكون مُجَردا عَن الْهوى وَهُوَ عَزِيز وَإِمَّا أَن يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ ويسلك طَرِيق الْإِنْصَاف
فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط أُخْرَى وَلَك أَن تجعلها خَمْسَة لِأَن حسن تصَوره وَعلمه قد لَا يحصل مَعَهُمَا الاستحضار حِين التصنيف فَيجْعَل حُضُور التَّصَوُّر زَائِدا عَلَى حسن التَّصَوُّر وَالْعلم فَهِيَ تِسْعَة شُرُوط فِي المؤرخ وأصعبها الِاطِّلَاع عَلَى حَال الشَّخْص فِي الْعلم فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْمُشَاركَة فِي علمه والقرب مِنْهُ حَتَّى يعرف مرتبته انْتهى
وَذكر أَن كِتَابَته لهَذِهِ الشُّرُوط كَانَت بعد أَن وقف عَلَى كَلَام ابْن معِين فى الشافعى وَقَول أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنَّه لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُول
قلت وَمَا أحسن قَوْله وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى فَائِدَة جليلة يغْفل عَنْهَا كَثِيرُونَ ويحترز مِنْهَا الموفقون وَهِي تَطْوِيل التراجم وتقصيرها فَرب محتاط لنَفسِهِ لَا يذكر إِلَّا مَا وجده مَنْقُولًا ثمَّ يَأْتِي إِلَى من يبغضه فينقل جَمِيع مَا ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مِمَّا نقل من ممادحه ويجئ إِلَى من يُحِبهُ فيعكس الْحَال فِيهِ ويظن الْمِسْكِين أَنه لم يَأْتِ بذنب لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب عَلَيْهِ تَطْوِيل تَرْجَمَة أحد وَلَا اسْتِيفَاء مَا ذكر من ممادحه وَلَا يظنّ المغتر أَن تَقْصِيره لترجمته بِهَذِهِ النِّيَّة استزراء بِهِ وخيانة لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِلْمُؤْمنِينَ فِي تأدية مَا قيل(2/23)
فِي حَقه من حمد وذم فَهُوَ كمن يذكر بَين يَدَيْهِ بعض النَّاس فَيَقُول دَعونَا مِنْهُ وَإنَّهُ عَجِيب أَو اللَّه يصلحه فيظن أَنه لم يغتبه بشئ من ذَلِك وَمَا يظنّ أَن ذَلِك من أقبح الْغَيْبَة
وَلَقَد وقفت فِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه عَلَى تَرْجَمَة الشَّيْخ الْمُوفق بْن قدامَة الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ فَخر الدّين بْن عَسَاكِر وَقد أَطَالَ تِلْكَ وَقصر هَذِهِ وأتى بِمَا لَا يشك لَبِيب أَنه لم يحملهُ عَلَى ذَلِك إِلَّا أَن هَذَا أشعري وَذَاكَ حنبلي وسيقفون بَين يَدي رب الْعَالمين
وَكَذَلِكَ مَا أحسن قَول الشَّيْخ الإِمَام وَأَن لَا يغلبه الْهوى فَإِن الْهوى غلاب إِلَّا لمن عصمه اللَّه
وَقَوله فإمَّا أَن يتجرد عَن الْهوى أَو يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ عندنَا فِيهِ زِيَادَة فَنَقُول
قد لَا يتجرد عَن الْهوى وَلَكِن لَا يَظُنّهُ هوى بل يَظُنّهُ لجهله أَو بدعته حَقًا وَذَلِكَ لَا يتطلب مَا يقهر هَوَاهُ لِأَن المستقر فِي ذهنه أَنه محق وَهَذَا كَمَا يفعل كثير من المتخالفين فِي العقائد بَعضهم فِي بعض فَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل قَول مُخَالف فِي العقيدة عَلَى الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يكون ثِقَة وَقد رَوَى شَيْئا مضبوطا عاينه أَو حَقَّقَهُ
وَقَوْلنَا مضبوطا احترزنا بِهِ عَن رِوَايَة مَا لَا يَنْضَبِط من الترهات الَّتِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِنْد التَّأَمُّل والتحقق شئ
وَقَوْلنَا عاينه أَو حَقَّقَهُ ليخرج مَا يرويهِ عَمَّن غلا أَو رخص ترويجا لعقيدته
وَمَا أحسن اشْتِرَاطه الْعلم وَمَعْرِفَة مدلولات الْأَلْفَاظ فَلَقَد وَقع كَثِيرُونَ لجهلهم بِهَذَا وَفِي كتب الْمُتَقَدِّمين جرح جمَاعَة بالفلسفة ظنا مِنْهُم أَن علم الْكَلَام فلسفة إِلَى أَمْثَال ذَلِك مِمَّا يطول عده
فقد قِيلَ فِي أَحْمَد بْن صَالح الَّذِي نَحن فِي تَرْجَمته إِنَّه يتفلسف وَالَّذِي قَالَ هَذَا لَا يعرف الفلسفة
وَكَذَلِكَ قِيلَ فى أَبى حَاتِم الرازى وَإِنَّمَا كَانَ رجلا متكلما(2/24)
وَقَرِيب من هَذَا قَول الذَّهَبِيّ فِي الْمزي كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْمزي فِي الطَّبَقَة السَّابِعَة أَنه يعرف مضايق الْمَعْقُول وَلم يكن الْمزي وَلَا الذَّهَبِيّ يدريان شَيْئا من الْمَعْقُول
وَالَّذِي أُفْتِي بِهِ أَنه لَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَى كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي ذمّ أشعري وَلَا شكر حنبلي وَالله الْمُسْتَعَان
توفّي أَحْمَد بْن صَالح سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
4 - أَحْمَد بْن أَبِي سُرَيج الصَّباح النَّهْشَلِي
وَقيل أَحْمَد بْن عمر بْن الصَّباح أَبُو جَعْفَر الرازى البغدادى
سَمِعت شُعَيْب بْن حَرْب وَأَبا مُعَاوِيَة الضَّرِير وَابْن علية ووكيعا وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة
رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهم
قَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة
وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق(2/25)
5 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وهب بْن مُسلم الْقرشِي أَبُو عبيد اللَّه الْمصْرِيّ الملقب بِبَحْشَلٍ
روى عَن عَمه عَبْد اللَّه بْن وهب وَعَن الشَّافِعِي وَجَمَاعَة
حدث عَنهُ مُسلم فِي الصَّحِيح وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
6 - أَحْمَد بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن السَّرْح الْقرشِي الْأمَوِي مَوْلَاهُم أَبُو الطَّاهِر المصرى الْفَقِيه
روى عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن وهب وَغَيرهم
وَعنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَطَائِفَة آخِرهم أَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد
وَكَانَ من جلة الْعلمَاء شرح موطأ مَالك وَتفرد عَن ابْن وهب بِحَدِيث فَقَالَ
حَدثنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ وَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا)
هَذَا حَدِيثٌ // صَحِيحٌ غَرِيبٌ //
توفّي أَبُو الطَّاهِر لأَرْبَع عشرَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ(2/26)
7 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بْن هِلَال بْن أَسد بْن إِدْرِيس بْن عَبْد اللَّه بن حَيَّان ابْن عَبْد اللَّه بْن أنس بْن عَوْف بْن قاسط بْن مَازِن بْن شَيبَان بْن ذهل ابْن ثَعْلَبَة بْن عكابة بْن صَعب بْن عَلِيّ بن بكر بن وَائِل
هَكَذَا نسبه وَلَده عَبْد اللَّه وَاعْتَمدهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وَأما قَول عَبَّاس الدوري وأبى بكر بْن أَبِي دَاوُد إِن الإِمَام أَحْمَد كَانَ من بني ذهل بْن شَيبَان فغلطهما الْخَطِيب وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ من بني شَيبَان بْن ذهل بْن ثَعْلَبَة قَالَ وَذهل بْن ثَعْلَبَة هُوَ عَم ذهل بْن شَيبَان بْن ثَعْلَبَة
هُوَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عَبْد اللَّه الشَّيْبَانِيّ الْمروزِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ صَاحب الْمَذْهَب الصابر عَلَى المحنة النَّاصِر للسّنة شيخ الْعِصَابَة ومقتدى الطَّائِفَة وَمن قَالَ فِيهِ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ حَرْمَلَة خرجت من بَغْدَاد وَمَا خلفت بهَا أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد وَلَا أعلم من أَحْمَد
وَقَالَ الْمُزنِيّ أَبُو بكر يَوْم الرِّدَّة وَعمر يَوْم السَّقِيفَة وَعُثْمَان يَوْم الدَّار وعَلى يَوْم صفّين وأَحْمَد بْن حَنْبَل يَوْم المحنة
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول كَانَ أَبوك يحفظ ألف ألف حَدِيث فَقلت وَمَا يدْريك فَقَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب
وَعَن أَبى زرْعَة حزر كتب أَحْمَد يَوْم مَاتَ فبلغت اثْنَي عشر حملا وعدلا مَا كَانَ عَلَى ظهر كتاب مِنْهَا حَدِيث فلَان وَلَا فِي بَطْنه حَدثنَا فلَان وكل ذَلِك كَانَ يحفظه عَلَى ظهر قلبه(2/27)
وَقَالَ قُتَيْبَة بْن سَعِيد كَانَ وَكِيع إِذا كَانَت الْعَتَمَة ينْصَرف مَعَه أَحْمَد بْن حَنْبَل فيقف عَلَى الْبَاب فيذاكره فَأخذ لَيْلَة بِعضَادَتَيْ الْبَاب ثمَّ قَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أُرِيد أَن ألقِي عَلَيْك حَدِيث سُفْيَان قَالَ هَات قَالَ تحفظ عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بْن كهيل كَذَا قَالَ نعم حَدثنَا يَحْيَى فَيَقُول سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول حَدثنَا عَبْد الرَّحْمَن فَيَقُول وَعَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول أَنْت حَدَّثتنَا حَتَّى يفرغ من سَلمَة
ثمَّ يَقُول أَحْمَد فتحفظ عَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول وَكِيع لَا ثمَّ يَأْخُذ فِي حَدِيث شيخ شيخ
قَالَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى جَاءَت الْجَارِيَة فَقَالَت قد طلع الْكَوْكَب أَو قَالَت الزهرة
وَقَالَ عَبْد اللَّه قَالَ لي أَبِي خُذ أَي كتاب شِئْت من كتب وَكِيع فَإِن شِئْت أَن تَسْأَلنِي عَن الْكَلَام حَتَّى أخْبرك بِالْإِسْنَادِ وَإِن شِئْت بِالْإِسْنَادِ حَتَّى أخْبرك عَن الْكَلَام
وَقَالَ الْخلال سَمِعت أَبَا الْقَاسِم بْن الْجبلي وَكَفاك بِهِ يَقُول أَكثر النَّاس يظنون أَن أَحْمَد إِذا سُئِلَ كَأَن علم الدُّنْيَا بَين عَيْنَيْهِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ رَأَيْت أَحْمَد كَأَن اللَّه جمع لَهُ علم الْأَوَّلين والآخرين
وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق مَا رَأَيْت أفقه من أَحْمَد بْن حَنْبَل وَلَا أورع
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهْدي مَا نظرت إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَّا تذكرت بِهِ سُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ قُتَيْبَة خير أهل زَمَاننَا ابْن الْمُبَارك ثمَّ هَذَا الشَّاب يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل
وَقَالَ أَيْضًا إِذا رَأَيْت الرجل يحب أَحْمَد فَاعْلَم أَنه صَاحب سنة
وَقَالَ أَيْضًا وَقد قِيلَ لَهُ تضم أَحْمَد إِلَى التَّابِعين فَقَالَ إِلَى كبار التَّابِعين
وَقَالَ أَيْضًا لَوْلَا الثَّوْريّ لمات الْوَرع وَلَوْلَا أَحْمَد لأحدثوا فى الدّين(2/28)
وَقَالَ أَيْضًا أَحْمَد إِمَام الدُّنْيَا
وَقَالَ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي أَسمَاء من رَوَى عَن الشَّافِعِي مَاتَ الثَّوْريّ وَمَات الْوَرع وَمَات الشافعى وَمَاتَتْ السّنَن وَيَمُوت أَحْمد ابْن حَنْبَل وَتظهر الْبدع
وَقَالَ أَبُو مسْهر وَقد قِيلَ لَهُ هَل تعرف أحدا يحفظ عَلَى هَذِهِ الْأمة أَمر دينهَا قَالَ لَا أعلمهُ إِلَّا شَاب فِي نَاحيَة الْمشرق يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل
وَعَن إِسْحَاق أَحْمَد حجَّة بَين اللَّه وخلقه
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَقد سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل شَيخنَا وإمامنا فِيهَا كَذَا وَكَذَا
فَهَذَا يسير من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة بِبَغْدَاد جئ بِهِ إِلَيْهَا من مرو حملا
وتفقه عَلَى الشَّافِعِي وَهُوَ الحاكي عَنهُ أَنه جوز بيع الباقلاء فِي قشريه
وَأَن السَّيِّد يُلَاعن أمته وَكَانَ يَقُول أَلا تعْجبُونَ من أَبِي عَبْد اللَّه يَقُول يُلَاعن السَّيِّد عَن أم وَلَده
وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي هَذَا فَمنهمْ من قطع بِخِلَافِهِ وَحمل قَول أَحْمَد عَلَى أَن مُرَاده بِأبي عَبْد اللَّه إِمَّا مَالك وَإِمَّا سُفْيَان
وَضعف الرَّوْيَانِيّ هَذَا بِأَنَّهُ رَوَى عَنهُ أَنه قَالَ أَلا تعْجبُونَ من الشَّافِعِي وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه بِتَأْوِيل آخر
قَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه يَقُول طلبت الحَدِيث سنة تسع وَسبعين
قلت وَمن شُيُوخه هشيم وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وإِبْرَاهِيم بْن سعد وَجَرِير بْن عَبْد الحميد وَيحيى الْقطَّان والوليد بن مُسلم وَإِسْمَاعِيل بن علية وَعلي بْن هَاشم بْن الْبَرِيد ومعتمر بْن سُلَيْمَان وغندر وَبشر بْن الْمفضل وَزِيَاد البكائي وَيحيى بْن(2/29)
أَبِي زَائِدَة وَأَبُو يُوسُف القَاضِي ووكيع وَابْن نمير وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَيزِيد بْن هَارُون وَعبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَخلق
وَمِمَّنْ رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وابناه صَالح وَعبد اللَّه
وَمن شُيُوخه عَبْد الرَّزَّاق والْحَسَن بْن مُوسَى الأشيب قِيلَ وَالشَّافِعِيّ فِي بعض الْأَمَاكِن الَّتِي قَالَ فِيهَا أَخْبَرَنَا الثِّقَة
وَقد كنت أَنا لما قَرَأت مُسْند الشَّافِعِي عَلَى شَيخنَا أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ سَأَلته فِي كل مَكَان من تِلْكَ فَكَانَ بَعْضهَا يتَعَيَّن أَن يكون مُرَاده بِهِ يحيى بْن حسان كَمَا قِيلَ إِنَّه الْمَقْصُود بِهِ دَائِما وَبَعضهَا يتَعَيَّن أَنه يُرِيد بِهِ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يحيى وَبَعضهَا يتَرَدَّد
وَذَلِكَ مُعَلّق عِنْدِي فِي مَجْمُوع مِمَّا علقته عَن شَيخنَا رَحمَه اللَّه وأكثرها لَا يُمكن أَنه يُرِيد بِهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل مثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن أَبِي إِسْحَاق فَلَا يُمكن أَن يُرِيد بِهِ أَحْمَد بل إِمَّا إِبْرَاهِيم بْن سعد أَو غَيره
وَمثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن ابْن شهَاب يحْتَمل مَالِكًا وَابْن سعد وسُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَلَا ثَالِث لَهُم فِي أَشْيَاخ الشَّافِعِي
وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن معمر فَهُوَ إِمَّا هِشَام بْن يُوسُف الصغاني أَو عَبْد الرَّزَّاق
وَمثل قَوْله الثِّقَة من أَصْحَابنَا عَن هِشَام بْن حسان قَالَ شَيخنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْحَافِظ لَعَلَّه يَحْيَى الْقطَّان
وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق عَن يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه قَالَ لي مُحَمَّد ابْن أَحْمَد الْحَافِظ إِنَّه يَحْيَى بْن حسان التنيسِي
وَمثل مَوَاضِع أخر تركتهَا اختصارا
وروى عَنهُ من أقرانه على بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بْن معِين ودحيم الشَّامي وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب ولد أَبُو عَبْد اللَّه بِبَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وبهامات وَطلب الْعلم ثمَّ رَحل(2/30)
إِلَى الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالشَّام والجزيرة
قلت وَألف مُسْنده وَهُوَ أصل من أصُول هَذِهِ الْأمة
قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الْمَدِينِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْكتاب يَعْنِي مُسْند الإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ قدس اللَّه روحه أصل كَبِير ومرجع وثيق لأَصْحَاب الحَدِيث انتقي من أَحَادِيث كَثِيرَة ومسموعات وافرة فَجعل إِمَامًا ومعتمدا وَعند التَّنَازُع ملْجأ ومستندا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا وَالِدي وَغَيره رحمهمَا اللَّه أَن الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار أَبَا الْحُسَيْن كتب إِلَيْهِمَا من بَغْدَاد قَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن أَحْمَد الْبَرْمَكِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدَان بْن عمر بْن بطة قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو حَفْص عمر بْن مُحَمَّد بْن رجا حَدثنَا مُوسَى بْن حمدون الْبَزَّار قَالَ قَالَ لنا حَنْبَل بْن إِسْحَاق جَمعنَا عمي يَعْنِي الإِمَام أَحْمَد لي ولصالح ولعَبْد اللَّه وَقَرَأَ علينا الْمسند وَمَا سَمعه مِنْهُ يعْنى تَاما غَيرنَا وَقَالَ لنا إِن هَذَا الْكتاب قد جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف فِيهِ الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا لَيْسَ بِحجَّة
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كتب أَبِي عشرَة آلَاف ألف حَدِيث لم يكْتب سوادا فِي بَيَاض إِلَّا حفظه
وَقَالَ عَبْد اللَّه أَيْضًا قلت لأبي لم كرهت وضع الْكتب وَقد عملت الْمسند فَقَالَ عملت هَذَا الْكتاب إِمَامًا إِذا اخْتلف النَّاس فِي سنة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَيْضًا خرج أَبى الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث
قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَلم يخرج إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته
ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ سَأَلت أَبِي(2/31)
عَن عَبْد الْعَزِيز بْن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا لما حدث بِحَدِيث الْمَوَاقِيت تركته
قَالَ أَبُو مُوسَى فَأَما عدد أَحَادِيث الْمسند فَلم أزل أسمع من أَفْوَاه النَّاس أَنَّهَا أَرْبَعُونَ ألفا إِلَى أَن قَرَأت عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن زُرَيْق بِبَغْدَاد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي لم يكن فِي الدُّنْيَا أحد أروى عَن أَبِيه مِنْهُ يَعْنِي عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمد ابْن حَنْبَل لِأَنَّهُ سمع الْمسند وَهُوَ ثَلَاثُونَ ألفا وَالتَّفْسِير وَهُوَ مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا سمع مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألفا وَالْبَاقِي زِيَادَة فَلَا أَدْرِي هَذَا الَّذِي ذكر ابْن الْمُنَادِي أَرَادَ بِهِ مَالا مُكَرر فِيهِ أَو أَرَادَ غَيره مَعَ المكرر فَيصح الْقَوْلَانِ جَمِيعًا والاعتماد عَلَى قَول ابْن الْمُنَادِي دون غَيره
قَالَ وَلَو وجدنَا فراغا لعددناه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَما عدد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِيهِ فنحو من سَبْعمِائة رجل
قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل عَلَى أَن مَا أودعهُ الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسْنده قد احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ سَنَده مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ
قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالا أَخْبَرَنَا الْقَطِيعِيُّ حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدثنَا أَبِي حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ)
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ لِي أَبِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ اضْرِبْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خِلافُ الأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)(2/32)
وَهَذَا مَعَ ثِقَةِ رِجَالِ إِسْنَادِهِ حِينَ شَذَّ لَفْظُهُ عَنِ الأَحَادِيثِ الْمَشَاهِيرِ أَمَرَ بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ آخِرَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُخْتَصَرًا
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب رَحمَه اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن شُجَاع الصُّوفِي قَالَ أَخْبَرَنَا عمر بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن سلم حَدثنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْأَبَّار قَالَ سَمِعت سُفْيَان بْن وَكِيع يَقُول أَحْمَد عندنَا محنة من عَابَ أَحْمَد عندنَا فَهُوَ فَاسق
وَقَالَ الْخَطِيب أَيْضًا حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طَالب حَدثنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن شَاذان حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْمقري قَالَ أنشدنا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن بدينا الْموصِلِي قَالَ أَنْشدني ابْن أعين فِي الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه
(أضحى ابْن حَنْبَل محنة مَأْمُونَة ... وبحب أَحْمَد يعرف المتنسك)
(وَإِذا رَأَيْت لأَحْمَد متنقصا ... فَاعْلَم بِأَن ستوره ستهتك)
روى كَلَام سُفْيَان بْن وَكِيع وهذين الْبَيْتَيْنِ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَسَاكِر رَحمَه اللَّه فِي بعض تصانيفه فَقَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور الْفَقِيه وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك بْن خيرون قَالا أَخْبَرَنَا الْخَطِيب فذكرهما
وَأما زهد الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وورعه وتقلله من الدُّنْيَا فقد سَارَتْ بأخباره الركْبَان
وَقد أفرد جمَاعَة من الْأَئِمَّة التصنيف فِي مناقبه مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفرج بْن الْجَوْزِيّ(2/33)
توفّي رَحمَه اللَّه سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ لَا ثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَقد غلط ابْن قَانِع وَغَيره فَقَالُوا ربيع الآخر
قَالَ الْمَرْوذِيّ مرض أَبُو عَبْد اللَّه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لليلتين خلتا من ربيع الأول وَمرض تِسْعَة أَيَّام وَكَانَ رُبمَا أذن للنَّاس فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَيرد عَلَيْهِم وتسامع النَّاس وكثروا وَسمع السُّلْطَان بِكَثْرَة النَّاس فَوكل بِبَابِهِ وبباب الزقاق الرابطة وَأَصْحَاب الْأَخْبَار ثمَّ أغلق بَاب الزقاق فَكَانَ النَّاس فِي الشوارع والمساجد حَتَّى تعطل بعض الباعة وحيل بَينهم وَبَين البيع وَالشِّرَاء وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يدْخل إِلَيْهِ رُبمَا دخل من بعض الدّور وطرز الحاكة وَرُبمَا تسلق وَجَاء أَصْحَاب الْأَخْبَار فقعدوا عَلَى الْأَبْوَاب وجاءه حَاجِب ابْن طَاهِر فَقَالَ إِن الْأَمِير يُقْرِئك السَّلَام وَهُوَ يَشْتَهِي أَن يراك فَقَالَ هَذَا مِمَّا أكره وأمير الْمُؤمنِينَ أعفاني مِمَّا أكره وَأَصْحَاب الْخَبَر يَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِ إِلَى الْعَسْكَر وَالْبرد تخْتَلف كل يَوْم وَجَاء بَنو هَاشم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَجعلُوا يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَجَاء قوم من الْقُضَاة وَغَيرهم فَلم يُؤذن لَهُم وَدخل عَلَيْهِ شيخ فَقَالَ اذكر وقوفك بَين يَدي اللَّه فشهق أَبُو عَبْد اللَّه وسالت الدُّمُوع عَلَى خديه
فَلَمَّا كَانَ قبل وَفَاته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ قَالَ ادعوا لي الصّبيان بِلِسَان ثقيل فَجعلُوا ينضمون إِلَيْهِ فَجعل يشمهم وَيمْسَح بِيَدِهِ على رؤوسهم وعينه تَدْمَع وأدخلت الطست تَحْتَهُ فَرَأَيْت بَوْله دَمًا عبيطا لَيْسَ فِيهِ بَوْل فَقلت للطبيب فَقَالَ هَذَا رجل قد فتت الْحزن وَالْغَم جَوْفه
واشتدت علته يَوْم الْخَمِيس ووضأته فَقَالَ خلل الْأَصَابِع فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة ثقل وَقبض صدر النَّهَار فصاح النَّاس وعلت الْأَصْوَات بالبكاء حَتَّى كَأَن الدُّنْيَا قد ارتجت وامتلأت السكَك والشوارع
قَالَ الْمَرْوذِيّ أخرجت الْجِنَازَة بعد منصرف النَّاس من الْجُمُعة(2/34)
قَالَ مُوسَى بْن هَارُون الْحَافِظ يُقَال إِن أَحْمَد لما مَاتَ مسحت الأَرْض المبسوطة الَّتِي وقف النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهَا فحصر مقادير النَّاس بالمساحة على التَّقْدِير سِتّمائَة ألف وَأكْثر سوى مَا كَانَ فِي الْأَطْرَاف والأماكن المتفرقة
قلت وَقيل فِي عدد الْمُصَلِّين عَلَيْهِ كثير قيل كَانُوا ألف ألف وثلثمائة ألف سوى من كَانَ فِي السفن فِي المَاء كَذَا رَوَاهُ خشنام بْن سَعِيد
وَقَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول بَلغنِي أَن المتَوَكل أَمر أَن يمسح الْموضع الَّذِي وقف عَلَيْهِ النَّاس حَيْثُ صلى عَلَى أَحْمد فَبلغ مقَام ألفى ألف وَخَمْسمِائة ألف
وَعَن الْوَركَانِي وَهُوَ رجل كَانَ يسكن إِلَى جوَار الإِمَام أَحْمَد قَالَ أسلم يَوْم مَاتَ أَحْمَد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس عشرُون ألفا وَفِي لفظ عشرَة آلَاف
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهِي حِكَايَة مُنكرَة تفرد بهَا الْوَركَانِي والراوى عَنهُ قَالَ وَالْعقل يحِيل أَن يَقع مثل هَذَا الْحَادِث فِي بَغْدَاد وَلَا يرويهِ جمَاعَة تتوفر دواعيهم عَلَى نقل مَا هُوَ دونه بِكَثِير وَكَيف يَقع مثل هَذَا الْأَمر وَلَا يذكرهُ المروزى وَلَا صَالح ابْن أَحْمَد وَلَا عَبْد اللَّه وَلَا حَنْبَل الَّذين حكوا من أَخْبَار أَبِي عَبْد اللَّه جزئيات كَثِيرَة
قَالَ فوَاللَّه لَو أسلم يَوْم مَوته عشرَة أنفس لَكَانَ عَظِيما يَنْبَغِي أَن يرويهِ نَحْو من عشرَة أنفس
أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي الْأَبْهَرِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر بْن عَلِيّ الْقرظِيّ سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْقَاسِم بْن الْحَافِظ أَبِي الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَلِيّ بْن عَسَاكِر أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري إجَازَة وَحدثنَا عَنهُ بِهِ أَبِي سَمَاعا(2/35)
ح قَالَ ابْن المظفر وَأخْبرنَا يُوسُف بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ إجَازَة أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات الخشوعي سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِجَازَةً أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار الخواري حَدثنَا الإِمَام أَبُو سَعِيد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الْحَاكِم أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الصفار أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن عَبْد لله الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الْمَلْطِي يَقُول قَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان إِن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج إِلَى مصر فَقَالَ لي يَا ربيع خُذ كتابي هَذَا فَامْضِ بِهِ وَسلمهُ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه وائتني بِالْجَوَابِ
قَالَ الرّبيع فَدخلت بَغْدَاد وَمَعِي الْكتاب فصادفت أَحْمد ابْن حَنْبَل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْفَتَلَ من الْمِحْرَاب سلمت إِلَيْهِ الْكتاب وَقلت هَذَا كتاب أَخِيك الشَّافِعِي من مصر فَقَالَ لي أَحْمَد نظرت فِيهِ فَقلت لَا فَكسر الْخَتْم وَقَرَأَ وتغرغرت عَيناهُ فَقلت لَهُ أيش فِيهِ أَبَا عَبْد اللَّه فَقَالَ يذكر فِيهِ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام وَقل لَهُ إِنَّك ستمتحن وتدعى إِلَى خلق الْقُرْآن فَلَا تجبهمْ فيرفع اللَّه لَك علما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الرّبيع فَقلت لَهُ الْبشَارَة يَا أَبَا عَبْد اللَّه فَخلع أحد قميصيه الَّذِي يَلِي جلده فأعطانيه فَأخذت الْجَواب وَخرجت إِلَى مصر وسلمته إِلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أيش الَّذِي أَعْطَاك فَقلت قَمِيصه فَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ نفجعك بِهِ وَلَكِن بله وادفع إِلَي المَاء لأتبرك بِهِ
قَالَ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري سَمِعت أَبَا جَعْفَر الْأَنْبَارِي يَقُول لما حمل أَحْمَد يُرَاد بِهِ الْمَأْمُون اجتزت فعبرت الْفُرَات إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ فِي الخان فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَر تعنيت فَقلت لَيْسَ هَذَا عناء قَالَ فَقلت لَهُ يَا هَذَا أَنْت الْيَوْم رَأس وَالنَّاس يقتدون بك فوَاللَّه إِن أجبْت إِلَى خلق الْقُرْآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق اللَّه وَإِن أَنْت لم تجب ليمتنعن خلق من النَّاس كثير وَمَعَ هَذَا فَإِن الرجل إِن لم يقتلك فَإنَّك تَمُوت(2/36)
ولابد من الْمَوْت فَاتق اللَّه وَلَا تجبهمْ إِلَى شئ فَجعل أَحْمَد يبكى وَهُوَ يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه قَالَ ثمَّ قَالَ لي أَحْمَد يَا أَبَا جَعْفَر أعد عَلِيّ مَا قلت قَالَ فَأَعَدْت عَلَيْهِ قَالَ فَجعل أَحْمَد يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه
وَقَالَ دعْلج بْن أَحْمَد السجسْتانِي حَدثنَا أَبُو بكر السهروردي بِمَكَّة قَالَ رَأَيْت أَبَا ذَر بسهرورد وَقد قدم مَعَ واليها وَكَانَ مقطعا بالبرص يَعْنِي وَكَانَ مِمَّن ضرب أَحْمَد بَين يَدي المعتصم قَالَ دعينا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَنحن خَمْسُونَ وَمِائَة جلاد فَلَمَّا أمرنَا بضربه كُنَّا نغدوا عَلَى ضربه ونمر ثمَّ يجِئ الآخر عَلَى أَثَره ثمَّ يضْرب
وَقَالَ دعْلج أَيْضًا حَدثنَا الْخضر بْن دَاوُد أَخْبرنِي أَبُو بكر النحامي قَالَ لما كَانَ فِي تِلْكَ الْغَدَاة الَّتِي ضرب فِيهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل زلزلنا وَنحن بعبادان
وَقَالَ البُخَارِيّ لما ضرب أَحْمَد كُنَّا بِالْبَصْرَةِ فَسمِعت أَبَا الْوَلِيد يَقُول لَو كَانَ هَذَا فِي بني إِسْرَائِيل لَكَانَ أحدوثة
ذكر الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وَهِي محنة عُلَمَاء الزَّمَان ودعاؤهم إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَقيام الأَحْمَدين ابْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ وَابْن نصر الْخُزَاعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مقَام الصديقين وَمَا اتّفق فِي تِلْكَ الكائنة من أَعَاجِيب تتناقلها الروَاة عَلَى ممر السنين
كَانَ القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد مِمَّن نَشأ فِي الْعلم وتضلع بِعلم الْكَلَام وَصَحب فِيهِ هياج بْن الْعَلَاء السّلمِيّ صَاحب وَاصل بْن عَطاء أحد رُءُوس الْمُعْتَزلَة وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد رجلا فصيحا قَالَ أَبُو العيناء مَا رَأَيْت رَئِيسا قطّ أفْصح وَلَا أنطق مِنْهُ وَكَانَ كَرِيمًا ممدحا وَفِيه يَقُول بَعضهم(2/37)
(لقد أنست مساوي كل دهر ... محَاسِن أَحْمَد بن دؤاد)
(وَمَا طوفت فِي الْآفَاق إِلَّا ... وَمن جدواك رَاحِلَتي وزادي)
(يُقيم الظَّن عنْدك والأماني ... وَإِن قلقت ركابي فِي الْبِلَاد)
وَكَانَ مُعظما عِنْد الْمَأْمُون أَمِير الْمُؤمنِينَ يقبل شفاعاته ويصغي إِلَى كَلَامه وأخباره فِي هَذَا كَثِيرَة
فَدس ابْن أَبِي دؤاد لَهُ القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَحسنه عِنْده وصيره يَعْتَقِدهُ حَقًا مُبينًا إِلَى أَن أجمع رَأْيه فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ عَلَى الدُّعَاء إِلَيْهِ فَكتب إِلَى نَائِبه عَلَى بَغْدَاد إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْخُزَاعِيّ ابْن عَم طَاهِر بْن الْحُسَيْن فِي امتحان الْعلمَاء كتابا يَقُول فِيهِ
وَقد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن الْجُمْهُور الْأَعْظَم والسواد الْأَكْبَر من حَشْو الرّعية وسفلة الْعَامَّة مِمَّن لَا نظر لَهُ وَلَا روية وَلَا استضاء بِنور الْعلم وبرهانه أهل جَهَالَة بِاللَّه وعمى عَنهُ وضلالة عَن حَقِيقَة دينه وقصور أَن يقدروا اللَّه حق قدره ويعرفوه كنه مَعْرفَته ويفرقوا بَينه وَبَين خلقه وَذَلِكَ أَنهم ساووا بَين اللَّه وَبَين خلقه وَبَين مَا أنزل من الْقُرْآن فأطبقوا عَلَى أَنه قديم لم يخلقه اللَّه ويخترعه وَقد قَالَ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} فَكل مَا جعله اللَّه فقد خلقه كَمَا قَالَ {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَقَالَ {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سبق} فَأخْبرهُ أَنه قصَص لأمور أحدثه بعْدهَا وَقَالَ {أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} وَالله مُحكم كِتَابه ومفصله فَهُوَ خالقه ومبتدعه ثمَّ انتسبوا إِلَى السّنة وَأَنَّهُمْ أهل الْحق وَالْجَمَاعَة وَأَن من سواهُم أهل الْبَاطِل وَالْكفْر فاستطالوا بذلك وغروا بِهِ الْجُهَّال حَتَّى مَال قوم من أهل السمت الْكَاذِب والتخشع لغير اللَّه إِلَى موافقتهم فنزعوا الْحق إِلَى باطلهم وَاتَّخذُوا دون اللَّه وليجة إِلَى ضلالهم
إِلَى أَن قَالَ فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أُولَئِكَ شَرّ الْأمة المنقوصون من التَّوْحِيد حظا(2/38)
أوعية الْجَهَالَة وأعلام الْكَذِب ولسان إِبْلِيس النَّاطِق فِي أوليائه والهائل عَلَى أعدائه من أهل دين اللَّه وأحق أَن يتهم فِي صدقه وتطرح شَهَادَته وَلَا يوثق بِهِ من عمي عَن رشده وحظه من الْإِيمَان بِالتَّوْحِيدِ وَكَانَ عَمَّا سوى ذَلِك أعمى وأضل سَبِيلا ولعمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أكذب النَّاس من كذب عَلَى اللَّه ووحيه وتخرص الْبَاطِل وَلم يعرف اللَّه حق مَعْرفَته فاجمع من بحضرتك من الْقُضَاة فاقرأ عَلَيْهِم كتَابنَا وامتحنهم فِيمَا يَقُولُونَ واكشفهم عَمَّا يَعْتَقِدُونَ فِي خلق اللَّه وإحداثه وأعلمهم أَنِّي غير مستعين فِي عمل وَلَا واثق بِمن لَا يوثق بِدِينِهِ
فَإِذا أقرُّوا بذلك ووافقوا فمرهم بِنَصّ من بحضرتهم من الشُّهُود ومسألتهم عَن علمهمْ فِي الْقُرْآن وَترك شَهَادَة من لم يقر أَنه مَخْلُوق واكتب إِلَيْنَا بِمَا يَأْتِيك عَن قُضَاة أهل عَمَلك فِي مسألتهم وَالْأَمر لَهُم بِمثل ذَلِك
وَكتب الْمَأْمُون إِلَيْهِ أَيْضًا فِي إشخاص سَبْعَة أنفس وهم
مُحَمَّد بْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَيحيى بْن معِين وَأَبُو خَيْثَمَة وَأَبُو مُسلم مستملي يزِيد بْن هَارُون وَإِسْمَاعِيل بْن دَاوُد وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي مَسْعُود وأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي
فأشخصوا إِلَيْهِ فامتحنهم بِخلق الْقُرْآن فَأَجَابُوهُ فردهم من الرقة إِلَى بَغْدَاد وَسبب طَلَبهمْ أَنهم توقفوا أَولا ثمَّ أجابوه تقية
وَكتب إِلَى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بِأَن يحضر الْفُقَهَاء ومشايخ الحَدِيث ويخبرهم بِمَا أجَاب بِهِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَة فَفعل ذَلِك فَأَجَابَهُ طَائِفَة وَامْتنع آخَرُونَ
فَكَانَ يَحْيَى بْن معِين وَغَيره يَقُولُونَ أجبنا خوفًا من السَّيْف
ثمَّ كتب الْمَأْمُون كتابا آخر من جنس الأول إِلَى إِسْحَاق وَأمره بإحضار من امْتنع فأحضر جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل وَبشر بْن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ وَأَبُو حسان الزيادى(2/39)
وَعلي بْن أَبِي مقَاتل وَالْفضل بْن غَانِم وَعبيد اللَّه بْن عمر القواريري وَعلي بْن الْجَعْد وسجادة وَالذَّيَّال بْن الْهَيْثَم وقُتَيْبَة بْن سَعِيد وَكَانَ حِينَئِذٍ بِبَغْدَاد وسعدويه الوَاسِطِيّ وَإِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل وَابْن الهرش وَابْن علية الْأَكْبَر ومُحَمَّد بْن نوح الْعجلِيّ وَيحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعمريّ وَأَبُو نصر التمار وَأَبُو معمر الْقطيعِي ومُحَمَّد بْن حَاتِم بْن مَيْمُون وَغَيرهم وَعرض عَلَيْهِم كتاب الْمَأْمُون فعرضوا ووروا وَلم يجيبوا وَلم ينكروا
فَقَالَ لبشر بْن الْوَلِيد مَا تَقول قَالَ قد عرفت أَمِير الْمُؤمنِينَ غير مرّة قَالَ والآن فقد تجدّد من أَمِير الْمُؤمنِينَ كتاب قَالَ أَقُول كَلَام اللَّه قَالَ لم أَسأَلك عَن هَذَا أمخلوق هُوَ قَالَ مَا أحسن غير مَا قلت لَك وَقد استعهدت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن لَا أَتكَلّم فِيهِ
ثمَّ قَالَ لعَلي بْن أَبِي مقَاتل مَا تَقول قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه وَإِن أمرنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بشئ سمعنَا وأطعنا
وَأجَاب أَبُو حسان الزيَادي بِنَحْوِ من ذَلِك
ثمَّ قَالَ لأَحْمَد ابْن حَنْبَل مَا تَقول قَالَ كَلَام اللَّه قَالَ أمخلوق هُوَ قَالَ هُوَ كَلَام اللَّه لَا أَزِيد عَلَى هَذَا
ثمَّ امتحن البَاقِينَ وَكتب بجواباتهم
وَقَالَ ابْن الْبكاء الْأَكْبَر أَقُول الْقُرْآن مجعول ومحدث لوُرُود النَّص بذلك فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم والمجعول مَخْلُوق قَالَ نعم قَالَ فالقرآن مَخْلُوق قَالَ لَا أَقُول مَخْلُوق(2/40)
ثمَّ وَجه بجواباتهم إِلَى الْمَأْمُون فورد عَلَيْهِ كتاب الْمَأْمُون
بلغنَا مَا أجَاب بِهِ متصنعة أهل الْقبْلَة وملتمسو الرياسة فِيمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْل فَمن لم يجب أَنه مَخْلُوق فامنعه من الْفَتْوَى وَالرِّوَايَة
وَيَقُول فِي الْكتاب فَأَما مَا قَالَ بشر فقد كذب وَلم يكن جرى بَين أَمِير الْمُؤمنِينَ وَبَينه فِي ذَلِك عهد أَكثر من إِخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ من اعْتِقَاده كلمة الْإِخْلَاص وَالْقَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَادع بِهِ إِلَيْك فَإِن تَابَ فأشهر أمره وَإِن أصر عَلَى شركه وَدفع أَن يكون الْقُرْآن مخلوقا بِكُفْرِهِ وإلحاده فَاضْرب عُنُقه وَابعث إِلَيْنَا بِرَأْسِهِ
وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي فامتحنه فَإِن أجَاب وَإِلَّا فَاضْرب عُنُقه
وَأما عَلِيّ بْن أَبِي مقَاتل فَقل لَهُ أَلَسْت الْقَائِل لأمير الْمُؤمنِينَ إِنَّك تحلل وَتحرم وَأما الذَّيَّال فَأعلمهُ أَنه كَانَ فِي الطَّعَام الَّذِي سَرقه من الأنبار مَا يشْغلهُ
وَأما أَحْمَد بْن يزِيد أَبُو الْعَوام وَقَوله إِنَّه لَا يحسن الْجَواب فِي الْقُرْآن فَأعلمهُ أَنه صبي فِي عقله لَا فِي سنه جَاهِل سيحسن الْجَواب إِذا أدب ثمَّ إِن لم يفعل كَانَ السَّيْف من وَرَاء ذَلِك
وَأما أَحْمَد بْن حَنْبَل فَأعلمهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد عرف فحوى مقَالَته وَاسْتدلَّ عَلَى جَهله وآفته بهَا
وَأما الْفضل بْن غَانِم فَأعلمهُ أَنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ فِيهِ بِمصْر وَمَا اكْتسب من الْأَمْوَال فِي أقل من سنة يَعْنِي فِي ولَايَته الْقَضَاء
وَأما الزيَادي فَأعلمهُ أَنه كَانَ منتحلا وَلَاء دعِي فَأنْكر أَبُو حسان أَن يكون مولى لزياد بْن أَبِيه وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الزيَادي لأمر من الْأُمُور
قَالَ وَأما أَبُو نصر التمار فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ شبه خساسة عقله بخساسة متجره وَأما ابْن نوح وَابْن حَاتِم فأعلمهم أَنهم مشاغيل بِأَكْل الرِّبَا عَن الْوُقُوف عَلَى التَّوْحِيد(2/41)
وَأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو لم يسْتَحل محاربتهم فِي اللَّه إِلَّا لإربائهم وَمَا نزل بِهِ كتاب اللَّه فِي أمثالهم لاستحل ذَلِك فَكيف بهم وَقد جمعُوا مَعَ الإرباء شركا وصاروا لِلنَّصَارَى شبها
وَأما ابْن شُجَاع فَأعلمهُ أَنَّك صَاحبه بالْأَمْس والمستخرج مِنْهُ مَا استخرجته من المَال الَّذِي كَانَ اسْتحلَّ من مَال الْأَمِير عَلِيّ بْن هِشَام
وَأما سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيّ فَقل لَهُ قبح اللَّه رجلا بلغ بِهِ التصنع للْحَدِيث والحرص عَلَى الرياسة فِيهِ أَن يتَمَنَّى وَقت المحنة
وَأما الْمَعْرُوف بسجادة وإنكاره أَن يكون سمع مِمَّن كَانَ يُجَالس من الْعلمَاء القَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَأعلمهُ أَن فِي شغله بإعداد النَّوَى وحكه لإِصْلَاح سجادته وبالودائع الَّتِي دَفعهَا إِلَيْهِ عَلِيّ بْن يَحْيَى وَغَيره مَا أذهله عَن التَّوْحِيد
وَأما القواريري فَفِيمَا تكشف من أَحْوَاله وقبوله الرشا والمصانعات مَا أبان عَن مذْهبه وَسُوء طَرِيقَته وسخافة عقله وَدينه
وَأما يَحْيَى الْعمريّ فَإِن كَانَ من ولد عمر بْن الْخطاب فَجَوَابه مَعْرُوف
وَأما مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَاصِم فَإِنَّهُ لَو كَانَ مقتديا بِمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة الَّتِي حكيت عَنهُ وَأَنه بعد صبي يحْتَاج إِلَى أَن يعلم
وَقد كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجه إِلَيْك الْمَعْرُوف بِأبي مسْهر بعد أَن نَصه أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن محنته فِي الْقُرْآن فجمجم عَنْهَا ولجلج فِيهَا حَتَّى دَعَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالسَّيْفِ فَأقر ذَمِيمًا فانصصه عَن إِقْرَاره فَإِن كَانَ مُقيما عَلَيْهِ فأشهر ذَلِك وأظهره
وَمن لم يرجع عَن شركه مِمَّن سميت بعد بشر وَابْن الْمهْدي فاحملهم موثوقين إِلَى عَسْكَر أَمِير الْمُؤمنِينَ ليسألهم فَإِن لم يرجِعوا حملهمْ عَلَى السَّيْف
قَالَ فَأَجَابُوا كلهم عِنْد ذَلِك إِلَّا أَحْمَد بْن حَنْبَل وسجادة ومُحَمَّد بْن نوح والقواريري فَأمر بهم إِسْحَاق فقيدوا ثمَّ سَأَلَهُمْ من الْغَد وهم فِي الْقُيُود فَأجَاب سجادة ثمَّ عاودهم ثَالِثا فَأجَاب القواريري وَوجه بأَحْمَد بْن حَنْبَل ومُحَمَّد بْن نوح الْمَضْرُوب إِلَى طرسوس ثمَّ بلغ الْمَأْمُون أَنهم أجابوا مكرهين فَغَضب وَأمر بإحضارهم(2/42)
إِلَيْهِ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى الرقة بلغتهم وَفَاة الْمَأْمُون وَكَذَا جَاءَ الْخَبَر بِمَوْت الْمَأْمُون إِلَى أَحْمَد ولطف اللَّه وَفرج
وَأما مُحَمَّد بْن نوح فَكَانَ عديلا لأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي الْمحمل فَمَاتَ فَغسله أَحْمَد بالرحبة وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه رَحمَه اللَّه تَعَالَى
وَأما الْمَأْمُون فَمَرض بالروم فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرضه طلب ابْنه الْعَبَّاس ليقدم عَلَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه لَا يُدْرِكهُ فَأَتَاهُ وَهُوَ مجهود
وَقد نفذت الْكتب إِلَى الْبلدَانِ فِيهَا من عَبْد اللَّه الْمَأْمُون وأخيه أَبِي إِسْحَاق الْخَلِيفَة من بعده بِهَذَا النَّص فَقيل إِن ذَلِك وَقع بِأَمْر الْمَأْمُون وَقيل بل كتبُوا ذَلِك وَقت غشي أَصَابَهُ فَأَقَامَ الْعَبَّاس عِنْده أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ
وَكَانَ الْمَأْمُون قد كتب وَصِيَّة تطول حكايتها ضمنهَا تحريض الْخَلِيفَة بعده عَلَى حمل الْخلق عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن ثمَّ توفّي فِي رَجَب وَدفن بطرسوس واستقل أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم بالخلافة
فَكَانَ من سَعَادَة الْمَأْمُون مَوته قبل أَن يحضر أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَى بَين يَدَيْهِ فَلم يكن ضربه عَلَى يَدَيْهِ
وَكَانَت هَذِهِ الْفِتْنَة عَظِيمَة الْموقع وَأول من امتحن فِيهَا من الْعلمَاء عَفَّان بْن مُسلم الْحَافِظ وَلما دعِي وَعرض عَلَيْهِ القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَامْتنعَ قِيلَ قد رسمنا بِقطع عطائك وَكَانَ يعْطى ألف دِرْهَم فِي كل شهر فَقَالَ {وَفِي السَّمَاءِ رزقكم وَمَا توعدون} وَكَانَت عِنْده عائلة كَبِيرَة قِيلَ فدق عَلَيْهِ الْبَاب داق فِي ذَلِك الْيَوْم لَا يعرف وَقَالَ خُذ هَذِهِ الْألف وَلَك كل شهر عِنْدِي ألف يَا أَبَا عُثْمَان ثبتك اللَّه كَمَا ثَبت الدّين ثمَّ امتحن النَّاس بعده
قَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي سَمِعت أَحْمَد ابْن حَنْبَل يَقُول تبينت الْإِجَابَة فِي دعوتين دَعَوْت اللَّه أَن لَا يجمع بيني وَبَين الْمَأْمُون ودعوته أَن لَا أرى المتَوَكل فَلم أر الْمَأْمُون مَاتَ بالبذندون وَهُوَ نهر الرّوم وأَحْمَد مَحْبُوس بالرقة حَتَّى بُويِعَ المعتصم بالروم وَرجع فَرد أَحْمَد إِلَى بَغْدَاد(2/43)
وَأما المتَوَكل فَإِنَّهُ لما أحضر أَحْمَد دَار الْخلَافَة ليحدث وَلَده قعد لَهُ المتَوَكل فِي خوخة حَتَّى نظر إِلَى أَحْمَد وَلم يره أَحْمَد
قَالَ صَالح لما صدر أَبِي ومُحَمَّد بْن نوح إِلَى طرسوس ردا فِي أقيادهما فَلَمَّا صَار إِلَى الرقة حملا فِي سفينة فَلَمَّا وصلا إِلَى عانات توفّي مُحَمَّد فَأطلق عَنهُ قَيده وَصلى عَلَيْهِ أَبِي
وَقَالَ حَنْبَل قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه مَا رَأَيْت أحدا عَلَى حَدَاثَة سنه وَقدر علمه أقوم بِأَمْر اللَّه من مُحَمَّد بْن نوح وَإِنِّي لأرجو أَن يكون قد ختم لَهُ بِخَير قَالَ لي ذَات يَوْم يَا أَبَا عَبْد اللَّه اللَّه اللَّه إِنَّك لست مثلي أَنْت رجل يقْتَدى بك قد مد الْخلق أَعْنَاقهم إِلَيْك لما يكون مِنْك فَاتق اللَّه واثبت لأمر اللَّه أَو نَحْو هَذَا فَمَاتَ وَصليت عَلَيْهِ ودفنته أَظُنهُ قَالَ بعانة
قَالَ صَالح صَار أَبِي إِلَى بَغْدَاد مُقَيّدا فَمَكثَ بالياسرية أَيَّامًا ثمَّ حبس بدار اكتريت لَهُ عِنْد دَار عمَارَة ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى حبس الْعَامَّة فِي درب الموصلية فَقَالَ إِنِّي كنت أُصَلِّي بِأَهْل السجْن وَأَنا مُقَيّد فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَان سنة تسع عشرَة حولت إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم
وَأما حَنْبَل بْن إِسْحَاق فَقَالَ حبس أَبُو عَبْد اللَّه فِي دَار عمَارَة بِبَغْدَاد فِي إسطبل لمُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم أخي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم وَكَانَ فِي حبس ضيق وَمرض فِي رَمَضَان فحبس فِي ذَلِك الْحَبْس قَلِيلا ثمَّ حول إِلَى حبس الْعَامَّة فَمَكثَ فِي السجْن نَحوا من ثَلَاثِينَ شهرا فَكُنَّا نأتيه ونقرأ عَلَيْهِ كتاب الإرجاء وَغَيره فِي الْحَبْس فرأيته يُصَلِّي بِأَهْل الْحَبْس(2/44)
وَعَلِيهِ الْقَيْد وَكَانَ يخرج رجله من حَلقَة الْقَيْد وَقت الصَّلَاة وَالنَّوْم
وَكَانَ يُوَجه إِلَي كل يَوْم برجلَيْن أَحدهمَا يُقَال لَهُ أَحْمَد بْن رَبَاح وَالْآخر أَبُو شُعَيْب الْحجام فَلَا يزَالَانِ يناظراني حَتَّى إِذا أَرَادَا الِانْصِرَاف دعِي بِقَيْد فزيد فِي قيودي قَالَ فَصَارَ فِي رجله أَرْبَعَة أقياد
قَالَ أَبِي فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث دخل عَلَي أحد الرجلَيْن فناظرني فَقلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه
قَالَ علم اللَّه مَخْلُوق
فَقلت لَهُ كفرت
فَقَالَ الرَّسُول الَّذِي كَانَ يحضر من قبل إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم إِن هَذَا رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقلت لَهُ إِن هَذَا قد كفر
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة وَجه يَعْنِي المعتصم ببغا الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ الْكَبِير إِلَى إِسْحَاق فَأمره بحملي إِلَيْهِ فأدخلت عَلَى إِسْحَاق فَقَالَ يَا أَحْمَد إِنَّهَا وَالله نَفسك إِنَّه لَا يقتلك بِالسَّيْفِ إِنَّه قد آلى إِن لم تجبه أَن يَضْرِبك ضربا بعد ضرب وَأَن يلقيك فِي مَوضِع لَا ترى فِيهِ شمس وَلَا قمر أَلَيْسَ قد قَالَ الله عز وَجل {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أفيكون مجعولا إِلَّا مخلوقا قلت فقد قَالَ تَعَالَى {فجعلهم كعصف مَأْكُول} أفخلقهم قَالَ فَسكت
فَلَمَّا صرنا إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بِبَاب الْبُسْتَان أخرجت وجئ بِدَابَّة فَحملت عَلَيْهَا وَعلي الأقياد مَا معي أحد يمسكني فكدت غير مرّة أَن أخر على وجهى(2/45)
لثقل الْقُيُود فجِئ بِي إِلَى دَار المعتصم فأدخلت حجرَة وأدخلت إِلَى بَيت وأقفل الْبَاب عَليّ وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل وَلَيْسَ فِي الْبَيْت سراج فَأَرَدْت أَن أتمسح للصَّلَاة فمددت يَدي فَإِذا أَنا بِإِنَاء فِيهِ مَاء وطست مَوْضُوع فَتَوَضَّأت وَصليت
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أخرجت تكتي من سراويلي وشددت بهَا الأقياد أحملها وعطفت سراويلي فجَاء رَسُول المعتصم فَقَالَ أجب فَأخذ بيَدي وأدخلني عَلَيْهِ والتكة فِي يَدي أحمل بهَا الأقياد وَإِذا هُوَ جَالس وَابْن أَبِي دؤاد حَاضر وَقد جمع خلقا كثيرا من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُ يَعْنِي المعتصم أدنه أدنه فَلم يزل يدنيني حَتَّى قربت مِنْهُ ثمَّ قَالَ لي اجْلِسْ فَجَلَست وَقد أثقلتني الأقياد فَمَكثت قَلِيلا ثمَّ قلت أتأذن لي فِي الْكَلَام فَقَالَ تكلم
فَقلت إِلَى مَا دَعَا اللَّه وَرَسُوله
فَسكت هنيئة ثمَّ قَالَ إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
فَقلت فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
ثمَّ قلت إِن جدك ابْن عَبَّاس يَقُول لما قدم وَفد عبد الْقَيْس على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَن الْإِيمَان فَقَالَ (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَأَن تعطوا الْخمس من الْمغنم)
قَالَ أَبِي قَالَ يَعْنِي المعتصم لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَد من كَانَ قبلي مَا عرضت لَك ثمَّ قَالَ يَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق ألم آمُرك بِرَفْع المحنة فَقلت اللَّه أكبر إِن فِي هَذَا لفرجا للْمُسلمين
ثمَّ قَالَ لَهُم ناظروه كَلمُوهُ يَا عَبْد الرَّحْمَن كَلمه
فَقَالَ لي عَبْد الرَّحْمَن مَا تَقول فِي القُرْآن(2/46)
قلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه فَسكت
فَقَالَ لي بَعضهم أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} وَالْقُرْآن أَلَيْسَ هُوَ شئ فَقلت قَالَ اللَّه {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبهَا} فدمرت إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّه فَقَالَ بَعضهم قَالَ اللَّه عز وَجل {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذكر من رَبهم مُحدث} أفيكون مُحدثا إِلَّا مخلوقا
فَقلت قَالَ اللَّه {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} فالذكر هُوَ الْقُرْآن وَتلك لَيْسَ فِيهَا ألف وَلَا لَام
وَذكر بَعضهم حَدِيث عمرَان بْن حُصَيْن أَن اللَّه عز وَجل خلق الذّكر
فَقلت هَذَا خطأ حَدثنَا غير وَاحِد أَن اللَّه كتب الذّكر
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود مَا خلق اللَّه من جنَّة وَلَا نَار وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ
فَقلت إِنَّمَا وَقع الْخلق عَلَى الْجنَّة وَالنَّار وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَلم يَقع عَلَى الْقُرْآن
فَقَالَ بَعضهم حَدِيث خباب يَا هنتاه تقرب إِلَى اللَّه بِمَا اسْتَطَعْت فَإنَّك لن تتقرب إِلَيْهِ بشئ أحب إِلَيْهِ من كَلَامه
فَقلت هَكَذَا هُوَ
قَالَ صَالح بْن أَحْمَد فَجعل أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد ينظر إِلَى أَبِي كالمغضب
قَالَ أَبِي وَكَانَ يتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطع الرجل مِنْهُم اعْترض ابْن أَبِي دؤاد فَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هُوَ وَالله ضال مضل مُبْتَدع فَيَقُول(2/47)
كَلمُوهُ ناظروه فيكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ ويكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطَعُوا يَقُول لي المعتصم وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقُول بِهِ فَيَقُول ابْن أَبِي دؤاد أَنْت لَا تَقول إِلَّا مَا فِي كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ فَقلت لَهُ تأولت تَأْوِيلا فَأَنت أعلم وَمَا تأولت مَا يحبس عَلَيْهِ وَمَا يُقيد عَلَيْهِ
ثمَّ إِن المعتصم دَعَا أَحْمَد مَرَّتَيْنِ فِي مجلسين يطول شرحهما وَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى الْبِدْعَة وأَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْبَى عَلَيْهِ أَشد الإباء
قَالَ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلما كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة قلت خليق أَن يحدث غَدا من أمرى شئ فَقلت لبَعض من كَانَ معي الْمُوكل بِي ارْتَدَّ لي خيطا فَجَاءَنِي بخيط فشددت بِهِ الأقياد ورددت التكة إِلَى سراويلي مَخَافَة أَن يحدث من أمرى شئ فأتعرى
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد فِي الْيَوْم الثَّالِث وَجه إِلَيّ فأدخلت فَإِذا الدَّار غاصة فَجعلت أَدخل من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَقوم مَعَهم السيوف وَقوم مَعَهم السِّيَاط وَغير ذَلِك وَلم يكن فِي الْيَوْمَيْنِ الماضيين كثير أحد من هَؤُلَاءِ فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَيْهِ قَالَ اقعد ثمَّ قَالَ ناظروه كَلمُوهُ فَجعلُوا يناظروني وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَجعل صوتي يَعْلُو أَصْوَاتهم فَجعل بعض من عَلَى رَأسه قَائِم يومي إِلَيّ بِيَدِهِ فَلَمَّا طَال الْمجْلس نحاني ثمَّ خلا بهم ثمَّ نحاهم وردني إِلَى عِنْده وَقَالَ وَيحك يَا أَحْمَد أجبني حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَرددت عَلَيْهِ نَحوا مِمَّا كنت أرد فَقَالَ لي عَلَيْك وَذكر اللَّعْن وَقَالَ خذوه واسحبوه واخلعوه قَالَ فسحبت ثمَّ خلعت
قَالَ وَقد كَانَ صَار إِلَي شعر من شعر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كم قميصى فَوجه إِلَى إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم مَا هَذَا المصرور فِي كمك قلت شعر من شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم(2/48)
قَالَ وسعى بعض الْقَوْم إِلَى الْقَمِيص ليخرقه عَليّ فَقَالَ لَهُم يَعْنِي المعتصم لَا تخرقوه فَنزع الْقَمِيص عني قَالَ فَظَنَنْت أَنه إِنَّمَا درئ عَن الْقَمِيص الْخرق بِسَبَب الشّعْر الَّذِي كَانَ فِيهِ
قَالَ وَجلسَ عَلَى كرْسِي يَعْنِي المعتصم ثمَّ قَالَ العقابين والسياط فجيء بالعقابين فمدت يداي فَقَالَ بعض من حضر خَلْفي خُذ بِأَيّ الخشبتين بيديك وَشد عَلَيْهِمَا فَلم أفهم مَا قَالَ فتخلعت يداي
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي ذكرُوا أَن المعتصم لَان فِي أَمر أَحْمَد لما علق فِي العقابين وَرَأى ثُبُوته وتصميمه وصلابته فِي أمره حَتَّى أغراه ابْن أَبِي دؤاد وَقَالَ لَهُ إِن تركته قِيلَ إِنَّك تركت مَذْهَب الْمَأْمُون وسخطت قَوْله فهاجه ذَلِك عَلَى ضربه
قَالَ صَالح قَالَ أَبى لما جئ بالسياط نظر إِلَيْهَا المعتصم وَقَالَ ائْتُونِي بغَيْرهَا ثمَّ قَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل يتَقَدَّم إِلَي الرجل مِنْهُم فيضربني سوطين فَيَقُول لَهُ شدّ قطع اللَّه يدك ثمَّ يتَنَحَّى ويتقدم الآخر فيضربني سوطين وَهُوَ يَقُول فِي كل ذَلِك شدّ قطع اللَّه يدك فَلَمَّا ضربت تِسْعَة عشر سَوْطًا قَامَ إِلَيّ يَعْنِي المعتصم فَقَالَ يَا أَحْمَد علام تقتل نَفسك إِنِّي وَالله عَلَيْك لشفيق
قَالَ فَجعل عجيف ينخسني بقائمة سَيْفه وَيَقُول أَتُرِيدُ أَن تغلب هَؤُلَاءِ كلهم
وَجعل بَعضهم يَقُول وَيلك الْخَلِيفَة عَلَى رَأسك قَائِم وَقَالَ بَعضهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَمه فِي عنقِي اقتله وَجعلُوا يَقُولُونَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت صَائِم وَأَنت فِي الشَّمْس قَائِم فَقَالَ لي وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُول بِهِ فَرجع وَجلسَ وَقَالَ للجلاد تقدم وأوجع قطع اللَّه يدك ثمَّ قَامَ الثَّانِيَة فَجعل يَقُول وَيحك يَا أَحْمَد أجبني فَجعلُوا يقبلُونَ عَلِيّ وَيَقُولُونَ يَا أَحْمَد(2/49)
إمامك عَلَى رَأسك قَائِم وَجعل عَبْد الرَّحْمَن يَقُول من صنع من أَصْحَابك فِي هَذَا الْأَمر مَا تصنع وَجعل المعتصم يَقُول وَيحك أجبنى إِلَى شئ لَك فِيهِ أدني فرج حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه فَرجع وَقَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل الجلاد يتَقَدَّم ويضربني سوطين ويتنحي فِي خلال ذَلِك يَقُول شدّ قطع اللَّه يدك
قَالَ أَبِي فَذهب عَقْلِي فَأَفَقْت بعد ذَلِك فَإِذا الأقياد قد أطلقت عني فَقَالَ لي رجل مِمَّن حضر إِنَّا كببناك عَلَى وَجهك وطرحناك عَلَى ظهرك ودسناك قَالَ أَبِي فَمَا شَعرت بذلك وأتوني بسويق فَقَالُوا لي اشرب وتقيأ فَقلت لَا أفطر
ثمَّ جِيءَ بِي إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم فَحَضَرت صَلَاة الظّهْر فَتقدم ابْن سَمَّاعَة فصلى فَلَمَّا انْفَتَلَ من الصَّلَاة قَالَ لي صليت وَالدَّم يسيل فِي ثَوْبك فَقلت قد صلى عمر وجرحه يثغب دَمًا
قَالَ صَالح ثمَّ خلي عَنهُ فَصَارَ إِلَى منزله وَكَانَ مكثه فِي السجْن مذ أَخذ وَحمل إِلَى أَن ضرب وخلي عَنهُ ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا
وَلَقَد أَخْبرنِي أحد الرجلَيْن اللَّذين كَانَا مَعَه قَالَ يَا ابْن أخي رَحْمَة اللَّه عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه وَالله مَا رَأَيْت أحدا يُشبههُ وَلَقَد جعلت أَقُول لَهُ فِي وَقت مَا يُوَجه إِلَيْنَا بِالطَّعَامِ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَنْت صَائِم وَأَنت فِي مَوضِع تقية وَلَقَد عَطش فَقَالَ لصَاحب الشَّرَاب ناولني فَنَاوَلَهُ قدحا فِيهِ مَاء وثلج فَأَخذه وَنظر إِلَيْهِ هنيئه ثمَّ رده وَلم يشرب فَجعلت أتعجب من صبره عَلَى الْجُوع والعطش وَهُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ من الهول
قَالَ صَالح كنت ألتمس وأحتال أَن أوصل إِلَيْهِ طَعَاما أَو رغيفا فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَلم أقدر
وَأَخْبرنِي رجل حَضَره أَنه تفقده فِي هَذِهِ الْأَيَّام الثَّلَاثَة وهم يناظرونه فَمَا لحن فِي كلمة قَالَ وَمَا ظَنَنْت أَن أحدا يكون فِي مثل شجاعته وَشدَّة قلبه(2/50)
وروى أَنه لما ضرب سَوْطًا قَالَ بِسم اللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّانِي قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّالِث قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه غير مَخْلُوق فَلَمَّا ضرب الرَّابِع قَالَ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كتب الله لنا} فَضَربهُ تِسْعَة وَعشْرين سَوْطًا
وَكَانَت تكة أَحْمَد حَاشِيَة ثوب فَانْقَطَعت فَنزل السَّرَاوِيل إِلَى عانته فَرمى بطرفه إِلَى السَّمَاء وحرك شَفَتَيْه فَمَا كَانَ بأسرع من ثُبُوت السَّرَاوِيل عَلَى حَاله لم تتزحزح
قَالَ الرَّاوِي فَدخلت عَلَى أَحْمَد بعد سَبْعَة أَيَّام فَقلت يَا أَبَا عَبْد اللَّه رَأَيْتُك وَقد انحل سراويلك فَرفعت طرفك نَحْو السَّمَاء فَثَبت مَا الَّذِي قلت قَالَ قلت اللَّهم إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك الَّذِي مَلَأت بِهِ الْعَرْش إِن كنت تعلم أَنِّي عَلَى الصَّوَاب فَلَا تهتك لي سترا
وَفِي رِوَايَة لما أقبل الدَّم من أكتافه انْقَطع خيط السَّرَاوِيل وَنزل فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَعَاد من لحظته فَسئلَ أَحْمَد فَقَالَ قلت إلهي وسيدي وقفتني هَذَا الْموقف فَلَا تهتكني عَلَى رُءُوس الْخَلَائق
وَرُوِيَ أَنه كَانَ كلما ضرب سَوْطًا أَبْرَأ ذمَّة المعتصم فَسئلَ فَقَالَ كرهت أَن آتِي يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال هَذَا غَرِيم ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو رجل من أهل بَيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهَذَا مُخْتَصر من حَال الإِمَام أَحْمَد فِي المحنة رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَرَضي عَنهُ
وَأما الْأُسْتَاذ أَحْمَد بْن نصر الْخُزَاعِيّ ذُو الْجنان وَاللِّسَان والثبات وَإِن اضْطربَ المهند والسنان والوثبات وَإِن مَلَأت نَار الْفِتْنَة كل مَكَان فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا جَلِيلًا قوالا بِالْحَقِّ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر وَكَانَ من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وَكَانَت محنته عَلَى يَد الواثق(2/51)
قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي الْقُرْآن قَالَ كَلَام اللَّه وأصر عَلَى ذَلِك غير متلعثم فَقَالَ بعض الْحَاضِرين هُوَ حَلَال الدَّم فَقَالَ ابْن أَبى دؤاد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شيخ مختل لَعَلَّ بِهِ عاهة أَو تغير عقل يُؤَخر أمره ويستتاب فَقَالَ الواثق مَا أرَاهُ إِلَّا مُؤديا لكفره قَائِما بِمَا يَعْتَقِدهُ مِنْهُ ثمَّ دَعَا بالصمصامة وَقَالَ إِذا قُمْت إِلَيْهِ فَلَا يقومن أحد معي فَإِنِّي أحتسب خطاي إِلَى هَذَا الْكَافِر الَّذِي يعبد رَبًّا لَا نعبده وَلَا نعرفه بِالصّفةِ الَّتِي وَصفه بهَا ثمَّ أَمر بالنطع فأجلس عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيّد وَأمر أَن يشد رَأسه بِحَبل وَأمرهمْ أَن يمدوه وَمَشى إِلَيْهِ فَضرب عُنُقه وَأمر بِحمْل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فَنصبت بالجانب الشَّرْقِي أَيَّامًا وَفِي الْجَانِب الغربي أَيَّامًا وتتبع رُؤُوس أَصْحَابه فسجنوا
وَقَالَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخرقِيّ سَمِعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّائِغ يَقُول رَأَيْت أَحْمَد بْن نصر حَيْثُ ضربت عُنُقه قَالَ رَأسه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
قَالَ الْمَرْوذِيّ سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه وَذكر أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ رَحمَه اللَّه مَا كَانَ أسخاه لقد جاد بِنَفسِهِ
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ فِي تَرْجَمَة أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سَعِيد الْمَرْوذِيّ وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من تَارِيخ نَيْسَابُورَ سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس السياري يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس بْن سعد يَقُول لم يصبر فِي المحنة إِلَّا أَرْبَعَة كلهم من أهل مرو أَحْمَد بْن حَنْبَل أَبُو عَبْد اللَّه وأَحْمَد بْن نصر بْن مَالك الْخُزَاعِيّ ومُحَمَّد بْن نوح بْن مَيْمُون الْمَضْرُوب ونعيم بْن حَمَّاد وَقد مَاتَ فِي السجْن مُقَيّدا
فَأَما أَحْمَد بْن نصر فَضربت عُنُقه وَهَذِه نُسْخَة الرقعة الْمُعَلقَة فِي أذن أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك دَعَاهُ عَبْد اللَّه الإِمَام(2/52)
هَارُون وَهُوَ الواثق بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنفي التَّشْبِيه فَأبى إِلَّا المعاندة فَجعله اللَّه إِلَى ناره وَكتب مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك
وَمَات مُحَمَّد بْن نوح فى فتْنَة الْمَأْمُون
والمعتصم ضرب أَحْمد ابْن حَنْبَل
والواثق قتل أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك وَكَذَلِكَ نعيم بْن حَمَّاد
وَلما جلس المتَوَكل دخل عَلَيْهِ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى الْكِنَانِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رُؤِيَ أعجب من أَمر الواثق قتل أَحْمَد بْن نصر وَكَانَ لِسَانه يقْرَأ الْقُرْآن إِلَى أَن دفن قَالَ فَوجدَ المتَوَكل من ذَلِك وساءه مَا سَمعه فِي أَخِيه إِذْ دخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك الزيات فَقَالَ لَهُ يَا ابْن عَبْد الْملك فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحرقني اللَّه بالنَّار إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ وَدخل عَلَيْهِ هرثمة فَقَالَ يَا هرثمة فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قطعني اللَّه إربا إربا إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ وَدخل عَلَيْهِ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فَقَالَ يَا أَحْمَد فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ضَرَبَنِي اللَّه بالفالج إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ المتَوَكل فَأَما الزيات فَأَنا أحرقته بالنَّار وَأما هرثمة فَإِنَّهُ هرب وتبدى واجتاز بقبيلة خُزَاعَة فَعرفهُ رجل من الْحَيّ فَقَالَ يَا معشر خُزَاعَة هَذَا الَّذِي قتل أَحْمَد بْن نصر فقطعوه إربا إربا
وَأما أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فقد سجنه اللَّه فِي جلده
قلت وَبَلغنِي وَمَا أرَاهُ إِلَّا فِي تَارِيخ الْحَاكِم أَن بعض الْأُمَرَاء خرج يتصيد فَأَلْقَاهُ السّير عَلَى أَرض فَنزل بهَا فبحث بعض غلمانه فِي التُّرَاب فحفر حَتَّى رَأْي مَيتا فِي قَبره طريا وَهُوَ فِي نَاحيَة وَرَأسه فِي نَاحيَة وفى أُذُنه رقْعَة عَلَيْهَا شئ مَكْتُوب فأحضر(2/53)
من قَرَأَهُ فَإِذا هُوَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر الْكَلِمَات السَّابِقَة فَعَلمُوا أَنه رَأس أَحْمَد الْخُزَاعِيّ فَدفن وَرفع سَنَام قَبره وَكَانَ هَذَا فِي زمن الْحَاكِم أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَهُوَ عَلَى طراوته وَكَيف لَا وَهُوَ شَهِيد رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ
وَقد طَال أَمر هَذِهِ الْفِتْنَة وطار شررها واستمرت من هَذِهِ السّنة الَّتِي هِيَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَفعهَا المتَوَكل فِي مَجْلِسه وَنهى عَن القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَكتب بذلك إِلَى الْآفَاق وتوفر دُعَاء الْخلق لَهُ وبالغوا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ والتعظيم لَهُ حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ الْخُلَفَاء ثَلَاثَة أَبُو بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَعمر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي رد الْمَظَالِم والمتوكل فِي إحْيَاء السّنة
وَسكت النَّاس عَن ذنُوب المتَوَكل وَقد كَانَت الْعَامَّة تنقم عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه ندب لدمشق أفريدون التركي أحد مماليكه وسيره واليا عَلَيْهَا وَكَانَ ظَالِما فاتكا فَقدم فِي سَبْعَة آلَاف فَارس وأباح لَهُ المتَوَكل الْقَتْل فِي دمشق والنهب عَلَى مَا نقل إِلَيْنَا ثَلَاث سَاعَات فَنزل بِبَيْت لهيا وَأَرَادَ أَن يصبح الْبَلَد فَلَمَّا أصبح نظر إِلَى الْبَلَد وَقَالَ يَا يَوْم تصبحك مني فَقدمت لَهُ بغلة فضربته بِالزَّوْجِ فَقتلته وقبره بِبَيْت لهيا ورد الْجَيْش الَّذِي مَعَه خائبين وَبلغ المتَوَكل فصلحت نِيَّته لأهل دمشق
وَالثَّانِي أَنه أَمر بهدم قبر الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهدم مَا حوله من الدّور وَأَن يعْمل مزارع وَمنع النَّاس من زيارته وحرث وَبَقِي صحراء فتألم الْمُسلمُونَ لذَلِك وَكتب أهل بَغْدَاد شَتمه عَلَى الْحِيطَان والمساجد وهجاه دعبل وَغَيره من الشُّعَرَاء وَقَالَ قَائِلهمْ
(بِاللَّه إِن كَانَت أُميَّة قد أَتَت ... قتل ابْن بنت نبيها مَظْلُوما)
(فَلَقَد أَتَاهُ بَنو أَبِيه بِمثلِهِ ... هَذَا لعمرك قَبره مهدوما)
(أسفوا عَلَى أَن لَا يَكُونُوا شاركوا ... فِي قَتله فتتبعوه رميما)(2/54)
قلت لقد كَانَت هَاتَانِ الواقعتان الفظيعتان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرفع المحنة قبلهَا بِسنتَيْنِ فَهِيَ ذنُوب لاحقة لرفع الْفِتْنَة لَا سَابِقَة عَلَيْهَا
وَكَانَ من الْأَسْبَاب فِي رفع الْفِتْنَة أَن الواثق أُتِي بشيخ مُقَيّد فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد يَا شيخ مَا تَقول فِي الْقُرْآن أمخلوق هُوَ
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لم تنصفني الْمَسْأَلَة أَنا أَسأَلك قبل الْجَواب هَذَا الذى تَقوله يَا ابْن أَبى دؤاد من خلق الْقُرْآن شئ علمه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَو جهلوه
فَقَالَ بل علموه
فَقَالَ فَهَل دعوا إِلَيْهِ النَّاس كَمَا دعوتهم أَنْت أَو سكتوا
قَالَ بل سكتوا
قَالَ فَهَلا وسعك مَا وسعهم من السُّكُوت
فَسكت ابْن أَبِي دؤاد وأعجب الواثق كَلَامه وَأمر بِإِطْلَاق سَبيله وَقَامَ الواثق من مَجْلِسه وَهُوَ عَلَى مَا حكى يَقُول هلا وسعك مَا وسعهم يُكَرر هَذِهِ الْكَلِمَة وَكَانَ ذَلِك من الْأَسْبَاب فِي خمود الْفِتْنَة وَإِن كَانَ رَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى يَد المتَوَكل
وَهَذَا الَّذِي أوردناه فِي هَذِهِ الْحِكَايَة هُوَ مَا ثَبت من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَمِنْهُم من زَاد فِيهَا مَا لَا يثبت فاضبط مَا أَثْبَتْنَاهُ ودع مَا عداهُ فَلَيْسَ عِنْد ابْن أَبِي دؤاد من الْجَهْل مَا يصل بِهِ إِلَى أَن يَقُول جهلوه وَإِنَّمَا نِسْبَة هَذَا إِلَيْهِ تعصب عَلَيْهِ وَالْحق وسط فَابْن أَبِي دؤاد مُبْتَدع ضال مُبْطل لَا محَالة وَلَا يَنْتَهِي أمره إِلَى أَن يَدعِي أَن شَيْئا ظهر لَهُ وخفي عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين كَمَا حُكيَ عَنهُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَة فَهَذَا معَاذ اللَّه أَن يَقُوله أَو يَظُنّهُ أحد يتزيى بزِي الْمُسلمين وَلَو فَاه بِهِ ابْن أَبِي دؤاد لفرق الواثق من سَاعَته بَين رَأسه وبدنه
وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَإِن كَانَ فِي تَرْجَمَة ابْن أَبِي دؤاد حكى الْحِكَايَة عَلَى الْوَجْه الَّذِي لَا نرضاه فقد أوردهَا فِي تَرْجَمَة الواثق من غير مَا وَجه عَلَى الْوَجْه الثَّابِت(2/55)
ولنقطع عنان الْكَلَام فِي هَذِهِ الْفِتْنَة فَفِيمَا أوردناه فِيهَا مقنع وبلاغ وَقد أعلمناك أَنَّهَا لَبِثت شطرا من خلَافَة الْمَأْمُون واستوعبت خلَافَة المعتصم والواثق وَارْتَفَعت فِي خلَافَة المتَوَكل وَقد كَانَ الْمَأْمُون الَّذِي افتتحت فِي أَيَّامه
وَهُوَ عَبْد اللَّه الْمَأْمُون بْن هَارُون الرشيد مِمَّن عني بالفلسفة وعلوم الْأَوَائِل وَمهر فِيهَا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جمع من علمائها فجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَذكر المؤرخون أَنه كَانَ بارعا فِي الْفِقْه والعربية وَأَيَّام النَّاس وَلكنه كَانَ ذَا حزم وعزم وحلم وَعلم ودهاء وهيبة وذكاء وسماحة وفطنة وفصاحة وَدين
قِيلَ ختم فِي رَمَضَان ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ختمة وَصعد فِي يَوْم منبرا وَحدث فأورد بِسَنَدِهِ نَحوا من ثَلَاثِينَ حَدِيثا بِحُضُور القَاضِي يَحْيَى بْن أَكْثَم ثمَّ قَالَ لَهُ يَا يَحْيَى كَيفَ رَأَيْت مَجْلِسنَا فَقَالَ أجل مجْلِس يفقه الْخَاصَّة والعامة فَقَالَ مَا رَأَيْت لَهُ حلاوة إِنَّمَا الْمجْلس لأَصْحَاب الخلقان والمحابر
وَقيل تقدم إِلَيْهِ رجل غَرِيب بِيَدِهِ محبرة وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب حَدِيث مُنْقَطع بِهِ السبل فَقَالَ مَا تحفظ فِي بَاب كَذَا فَلم يذكر شَيْئا قِيلَ فَمَا زَالَ الْمَأْمُون يَقُول حَدثنَا هشيم وَحدثنَا يَحْيَى وَحدثنَا حجاج حَتَّى ذكر الْبَاب ثمَّ سَأَلَهُ عَن بَاب آخر فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون حَدثنَا فلَان وَحدثنَا فلَان إِلَى أَن قَالَ لأَصْحَابه يطْلب أحدهم الحَدِيث ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يَقُول أَنا من أَصْحَاب الحَدِيث أَعْطوهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم قلت وَكَانَ الْمَأْمُون من الْكَرم بمَكَان مكين بِحَيْثُ إِنَّه فرق فِي سَاعَة سِتَّة وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق وَإِنَّمَا اقْتصر فِي عَطاء هَذَا السَّائِل فِيمَا نرَاهُ وَالله أعلم لما رأى مِنْهُ من التمعلم وَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَلَعَلَّه فهم عَنهُ التعاظم بِالْعلمِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَأْن كثير مِمَّن يدْخل إِلَى الْأُمَرَاء ويظنهم جهلة عَلَى الْعَادة الْغَالِبَة
وَكَانَ الْمَأْمُون كثير الْعَفو والصفح
وَمن كَلَامه لَو عرف النَّاس حبي للعفو لتقربوا إِلَي بالجرائم وأخاف أَن لَا أؤجر فِيهِ يَعْنِي لكَونه طبعا لَهُ(2/56)
قَالَ يَحْيَى بْن أَكْثَم كَانَ الْمَأْمُون يحلم حَتَّى يغيظنا
وَقيل إِن ملاحا مر والمأمون جَالس فَقَالَ أتظنون أَن هَذَا ينبل فِي عَيْني وَقد قتل أَخَاهُ الْأمين يُشِير إِلَى الْمَأْمُون فَسَمعهُ الْمَأْمُون وَظن الْحَاضِرُونَ أَنه سيقضي عَلَيْهِ فَلم يزدْ الْمَأْمُون عَلَى أَن تَبَسم وَقَالَ مَا الْحِيلَة حَتَّى أنبل فِي عين هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل
ولسنا نستوعب تَرْجَمَة الْمَأْمُون فَإِن الأوراق تضيق بهَا وَكِتَابنَا غير مَوْضُوع لَهَا وَإِنَّمَا غرضنا أَنه كَانَ من أهل الْعلم وَالْخَيْر وجره الْقَلِيل الَّذِي كَانَ يدريه من عُلُوم الْأَوَائِل إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن كَمَا جَرّه الْيَسِير الَّذِي كَانَ يدريه فِي الْفِقْه إِلَى القَوْل بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ كَانَ ملكا مُطَاعًا فَحمل النَّاس عَلَى معتقده وَلَقَد نَادَى بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ لم يزل بِهِ يحيى بْن أَكْثَم رَحمَه اللَّه حَتَّى أبطلها وَرُوِيَ لَهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنَيِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمَّا صَحَّحَ لَهُ الْحَدِيثَ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ وَأما مسأله خلق الْقُرْآن فَلم يرجع عَنْهَا
وَكَانَ قد ابْتَدَأَ بالْكلَام فِيهَا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَلَكِن لم يصمم وَيحمل النَّاس إِلَّا فِي سنة ثَمَان عشرَة ثمَّ عوجل وَلم يُمْهل بل توجه غازيا إِلَى أَرض الرّوم فَمَرض وَمَات فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ
واستقل بالخلافة بعده أَخُوهُ المعتصم بِاللَّه مُحَمَّد بْن هَارُون الرشيد بِعَهْد مِنْهُ وَكَانَ ملكا شجاعا بطلا مهيبا وَهُوَ الَّذِي فتح عمورية وَقد كَانَ المنجمون قضوا بِأَنَّهُ يكسر فانتصر نصرا مؤزرا وَأنْشد فِيهِ أَبُو تَمام الطَّائِي قصيدته السائرة الَّتِي أَولهَا
(السَّيْف أصدق أنباء من الْكتب ... فِي حَده الْحَد بَين الْجد واللعب)
(وَالْعلم فِي شهب الأرماح لامعة ... بَين الخميسين لَا فِي السَّبْعَة الشهب)(2/57)
(أَيْن الرِّوَايَة أم أَيْن النُّجُوم وَمَا ... صاغوه من زخرف فِيهَا وَمن كذب)
(تخرصا وأحاديثا ملفقة ... لَيست بنبع إِذا عدت وَلَا غرب)
وَلَقَد تضيق الأوراق عَن شرح مَا كَانَ عَلَيْهِ من الشجَاعَة والمهابة والمكارم وَالْأَمْوَال والحيل والدهاء وَكَثْرَة العساكر وَالْعدَد وَالْعدَد
قَالَ الْخَطِيب ولكثرة عساكره وضيق بَغْدَاد عَنهُ بنى سر من رأى وانتقل بالعساكر إِلَيْهَا وَسميت الْعَسْكَر
وَقيل بلغ عدد غلمانه الأتراك فَقَط سَبْعَة عشر ألفا
وَقيل إِنَّه كَانَ عريا من الْعلم مَعَ أَنه رويت عَنهُ كَلِمَات تدل عَلَى فَصَاحَته ومعرفته
قَالَ أَبُو الْفضل الرياشي كتب ملك الرّوم لَعنه اللَّه إِلَى المعتصم يهدده فَأمر بجوابه فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْجَواب لم يرضه وَقَالَ لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أما بعد فقد قَرَأت كتابك وَسمعت خطابك وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار}
وَمن كَلَامه اللَّهم إِنَّك تعلم أَنِّي أخافك من قبلي وَلَا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك وَلَا أرجوك من قبلي
قلت وَالنَّاس يستحسنون هَذَا الْكَلَام مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَن الْخَوْف من قبلي لما اقترفته من الذُّنُوب لَا من قبلك فَإنَّك عَادل لَا تظلم فلولا الذُّنُوب لما كَانَ للخوف معنى وَأما الرَّجَاء فَمن قبلك لِأَنَّك متفضل لَا من قبلي لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي من الطَّاعَات والمحاسن مَا أرتجيك بهَا
والشق الثَّانِي عندنَا صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ وَأما الأول فَإنَّا نقُول إِن الرب تَعَالَى نَخَاف(2/58)
من قبله كَمَا نَخَاف من قبلنَا لِأَنَّهُ الْملك القهار يخافه الطائعون والعصاة وَهَذَا وَاضح لمن تدبره
قَالَ المؤرخون وَمَعَ كَونه كَانَ لَا يدْرِي شَيْئا من الْعلم حمل النَّاس عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن
قلت لِأَن أَخَاهُ الْمَأْمُون أوصى إِلَيْهِ بذلك وانضم إِلَى ذَلِك القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وَأَمْثَاله من فُقَهَاء السوء فَإِنَّمَا يتْلف السلاطين فسقة الْفُقَهَاء فَإِن الْفُقَهَاء مَا بَين صَالح وطالح فالصالح غَالِبا لَا يتَرَدَّد إِلَى أَبْوَاب الْمُلُوك والطالح غَالِبا يترامى عَلَيْهِم ثمَّ لَا يَسعهُ إِلَّا أَن يجْرِي مَعَهم عَلَى أهوائهم ويهون عَلَيْهِم العظائم وَلَهو عَلَى النَّاس شَرّ من ألف شَيْطَان كَمَا أَن صَالح الْفُقَهَاء خير من ألف عَابِد وَلَوْلَا اجْتِمَاع فُقَهَاء السوء عَلَى المعتصم لنجاه اللَّه مِمَّا فرط مِنْهُ وَلَو أَن الَّذين عِنْده من الْفُقَهَاء عَلَى حق لأروه الْحق أَبْلَج وَاضحا ولأبعدوه عَن ضرب مثل الإِمَام أَحْمَد وَلَكِن مَا الْحِيلَة وَالزَّمَان بني عَلَى هَذَا وَبِهَذَا تظهر حِكْمَة اللَّه فِي خلقه
وَلَقَد كَانَ شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْوَالِد رَحمَه اللَّه يقوم فِي الْحق ويفوه بَين يَدي الْأُمَرَاء بِمَا لَا يقوم بِهِ غَيره فيذعنون لطاعته ثمَّ إِذا خرج من عِنْدهم دخل إِلَيْهِم من فُقَهَاء السوء من يعكس ذَلِك الْأَمر وينسب الشَّيْخ الإِمَام إِلَى خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا ينْدَفع شئ من الْمَفَاسِد بل يزْدَاد الْحَال وَلَقَد قَالَ مرّة لبَعض الْأُمَرَاء وَقد رأى عَلَيْهِ طرزا من ذهب عريضا عَلَى قبَاء حَرِير يَا أَمِير أَلَيْسَ فِي الثِّيَاب الصُّوف مَا هُوَ أحسن من هَذَا الْحَرِير أَلَيْسَ فِي السكندري مَا هُوَ أظرف من هَذَا الطرز أَي لَذَّة لَك فِي لبس الْحَرِير وَالذَّهَب وعَلى أى شئ يدْخل الْمَرْء جَهَنَّم وعذله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِك الْأَمِير اشْهَدْ عَلَي أَنِّي لَا ألبس بعْدهَا حَرِيرًا وَلَا طرزا وَقد تركت ذَلِك لله عَلَى يَديك فَلَمَّا فَارقه جَاءَهُ من أعرفهُ من الْفُقَهَاء وَقَالَ لَهُ أما الطرز فقد جوز أَبُو حنيفَة مَا دون أَرْبَعَة أَصَابِع وَأما الْحَرِير(2/59)
فقد أَبَاحَهُ فلَان وَأما وَأما وَرخّص لَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ لم لَا نهى عَن المكوس لم لَا نهى عَن كَذَا وَكَذَا وَذكر مَا لَو نهى الشَّيْخ الإِمَام أَو غَيره عَنهُ لما أَفَادَ وَقَالَ لَهُ إِنَّمَا قصد بِهَذَا إهانتك وَأَن يبين للنَّاس أَنَّك تعْمل حَرَامًا فَلم يخرج من عِنْده حَتَّى عَاد إِلَى حَاله الأول وحنق عَلَى الشَّيْخ الإِمَام وظنه قصد تنقيصه عِنْد الْخلق وَلم يكن قصد هَذَا الْفَقِيه إِلَّا إِيقَاع الْفِتْنَة بَين الشَّيْخ الإِمَام والأمير وَلَا عَلَيْهِ أَن يُفْتِي بِمحرم فِي قَضَاء غَرَضه
وَهَذَا الْمِسْكِين لم يكن يخفى عَلَيْهِ أَن ترك النَّهْي عَمَّا لَا يُفِيد النَّهْي عَنهُ من الْمَفَاسِد لَا يُوجب الْإِمْسَاك عَن غَيره وَلَكِن حمله هَوَاهُ عَلَى الْوُقُوع فِي هَذِهِ العظائم والأمير مِسْكين لَيْسَ لَهُ من الْعلم وَالْعقل مَا يُمَيّز بِهِ
والحكايات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة ومسك اللِّسَان أولى وَالله الْمُسْتَعَان
وَمَات المعتصم فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَولى الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون ابْن المعتصم بْن الرشيد وَكَانَ مليح الشّعْر يرْوى أَنه كَانَ يحب خَادِمًا أهدي لَهُ من مصر فأغضبه الواثق يَوْمًا ثمَّ إِنَّه سَمعه يَقُول لبَعض الخدم وَالله إِنَّه ليروم أَن ُأكَلِّمهُ من أمس فَمَا أفعل فَقَالَ الواثق
(يَا ذَا الَّذِي بعذابي ظلّ مفتخرا ... مَا أَنْت إِلَّا مليك جَار إِذْ قدرا)
(لَوْلَا الْهوى لتجارينا عَلَى قدر ... وَإِن أفق مِنْهُ يَوْمًا مَا فَسَوف ترى)
وَقد ظرف عبَادَة الملقب بِعبَادة المخنث حَيْثُ دخل إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعظم اللَّه أجرك فِي الْقُرْآن قَالَ وَيلك الْقُرْآن يَمُوت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كل مَخْلُوق يَمُوت بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من يُصَلِّي بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح إِذا مَاتَ الْقُرْآن فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ قَاتلك اللَّه أمسك
قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد قد استولى عَلَيْهِ وَحمله عَلَى التَّشْدِيد فِي المحنة(2/60)
قلت وَكَيف لَا يشدد الْمِسْكِين فِيهَا وَقد أقرُّوا فِي ذهنه أَنَّهَا حق يقربهُ إِلَى اللَّه حَتَّى إِنَّه لما كَانَ الْفِدَاء فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ واستفك الواثق من طاغية الرّوم أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة نفس قَالَ ابْن أَبِي دؤاد عَلَى مَا حُكيَ عَنهُ وَلَكِن لم يثبت عندنَا من قَالَ من الْأُسَارَى الْقُرْآن مَخْلُوق خلصوه وَأَعْطوهُ دينارين وَمن امْتنع دَعوه فِي الْأسر وَهَذِه الْحِكَايَة إِن صحت عَنهُ دلّت عَلَى جهل عَظِيم وإفراط فِي الْكفْر
وَهَذَا من الطّراز الأول فَإِذا رأى الْخَلِيفَة قَاضِيا يَقُول هَذَا الْكَلَام أَلَيْسَ يوقعه ذَلِك فِي أَشد مِمَّا وَقع مِنْهُ فنعوذ بِاللَّه من عُلَمَاء السوء ونسأله التَّوْفِيق والإعانة ونعود إِلَى الْكَلَام فِي تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمَد
مناظرة بَين الشَّافِعِي وأَحْمَد ابْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
حُكيَ أَن أَحْمَد نَاظر الشَّافِعِي فِي تَارِك الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي يَا أَحْمَد أَتَقول إِنَّه يكفر
قَالَ نعم
قَالَ إِذا كَانَ كَافِرًا فَبِمَ يسلم
قَالَ يَقُول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الشَّافِعِي فالرجل مستديم لهَذَا القَوْل لم يتْركهُ
قَالَ يسلم بِأَن يُصَلِّي
قَالَ صَلَاة الْكَافِر لَا تصح وَلَا يحكم بِالْإِسْلَامِ بهَا فَانْقَطع أَحْمَد وَسكت حكى هَذِهِ المناظرة أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن عمار من أَصْحَابنَا وَهُوَ رجل موصلي من تلامذة فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي
رَأَيْت فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ للْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ مُحَمَّد بْن رَافع
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل حَدثنَا أَحْمَد بْن سَلمَة قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن رَافع يَقُول سَمِعت أَحْمد ابْن حَنْبَل يَقُول إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَانه صلوا فِي الرّحال فلك أَن تتخلف وَإِن لم يقل فقد وَجب عَلَيْك إِذا قَالَ حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح(2/61)
وَأسْندَ الرِّفَاعِي فِي أَمَالِيهِ أَن أَبَا الْوَلِيد الجرار قَالَ أنشدت بَين يَدي الإِمَام أَحْمَد ابْن حَنْبَل رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ
(وأحور مَحْمُود عَلَى حسن وَجهه ... يزِيد كمالا حِين يَبْدُو عَلَى الْبَدْر)
(دَعَاني بِعَيْنيهِ فَلَمَّا أَجَبْته ... رماني بنشاب الْمنية والهجر)
(وكلفني صبرا عَلَيْهِ فَلم أطق ... كَمَا لم يطق مُوسَى اصطبارا عَلَى الْخضر)
(شَكَوْت الْهوى يَوْمًا إِلَيْهِ فَقَالَ لي ... مُسَيْلمَة الْكذَّاب جَاءَ من الْقَبْر)
(أَطَعْت الْهوى لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى ... فأنزلني دَار المذلة والصغر)
فَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل صدق الشَّاعِر لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى
وروى الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بْن نصر الْفراء وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة أَنه سمع أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك بْن أنس عَن ابْن عجلَان قَالَ إِذا أغفل الْعَالم لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله وَإِن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ لم يسمع مَالك من ابْن عجلَان إِلَّا هَذَا قلت هَذِهِ فَائِدَة
أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ ابْن كَامِلٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ سَمَاعًا قَالُوا أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ ابْن الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدثنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يبع(2/62)
بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلا
هَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَحْسَنُ الإِسْنَادِ لِرِوَايَةِ الأَكَابِرِ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُهُ فِي تَرْجَمَةِ الْمُزَنِيِّ وَأَنَا أُسَمِّي هَذَا الإِسْنَادَ عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَإِذَا سُمِّيَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سِلْسِلَةَ الذَّهَبِ فَقُلْ إِذَا شِئْتَ فِي أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا والبويطى عَن الشافعى هَكَذَا وَهَذَا عِقْدُ الْجَوْهَرِ وَلا حَرَجَ عَلَيْكَ
وَلَيْسَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ
8 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن جبلة أَبُو عَبْد اللَّه الصَّيْرَفِي الْبَغْدَادِيّ
سمع الشَّافِعِي وَغَيره(2/63)
9 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْوَلِيد
وَيُقَال عون بْن عقبَة بْن الْأَزْرَق بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن أَبِي شمر الْأَزْرَقِيّ القواس الْمَكِّيّ أَبُو الْوَلِيد وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو الْحَسَن
وَهُوَ جد صَاحب تَارِيخ مَكَّة
رَوَى عَن عَمْرو بْن يَحْيَى بْن سَعِيد الْأمَوِي وَمَالك وَعبد الْجَبَّار بْن الْورْد وإِبْرَاهِيم بْن سعد وفضيل بْن عِيَاض وَمُسلم بْن خَالِد الزنْجِي وَجَمَاعَة
رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ ومُحَمَّد بْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَأَبُو حَاتِم وحنبل بْن إِسْحَاق وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن نصر التِّرْمِذِيّ شيخ الشَّافِعِيَّة وَلَعَلَّه آخر من رَوَى عَنهُ
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ عَلَى مَا حَرَّره شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَوهم بَعضهم فَقَالَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وأظن الْوَهم سرى إِلَى هَذَا الْقَائِل من قَول البُخَارِيّ فارقته حَيا سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَقد صَحَّ أَنه كَانَ حَيا سنة سبع عشرَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن عَسَاكِر مَاتَ سنة سبع عشرَة أَو بعْدهَا
قلت الصَّحِيح سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين
10 - أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن عَبْد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الشَّافِعِي الْمُتَكَلّم
حدث عَن الشَّافِعِي والْوَلِيد بْن مُسلم الثَّقَفِيّ
روى عَنهُ أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ مطين(2/64)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ من كبار أَصْحَاب الشَّافِعِي الملازمين لَهُ بِبَغْدَاد ثمَّ صَار من أَصْحَاب ابْن أَبِي دؤاد وَاتبعهُ عَلَى رَأْيه وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق
وَقَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ أحد الْحفاظ النساك الْمُفْتِينَ قَالَ وَالشَّافِعِيّ مَنعه من قِرَاءَة كتبه لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَصَره سوء
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي قلت لأبي دَاوُد السجسْتانِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ الْحميدِي وأَحْمَد والبويطي وَالربيع وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْجَارُود والزعفراني والكرابيسي والمزني وحرملة وَرجل لَيْسَ بالمَحْمُود أَبُو عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بْن يَحْيَى الَّذِي يُقَال لَهُ الشَّافِعِي وَذَلِكَ أَنه بدل وَقَالَ بالاعتزال
قلت وَقَالَ أَيْضًا بمنكرات من الْمسَائِل
فَذهب فِيمَا نَقله أَبُو الْحَسَن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه المرشد شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ إِلَى أَن الطَّلَاق لَا يَقع بِالصِّفَاتِ محتجا بِأَنَّهُ لما لم يجز نِكَاح الْمُتْعَة لِأَنَّهُ عقد مُعَلّق بِصفة فَكَذَلِك الطَّلَاق بِصفة عقد مُعَلّق وَهَذَا قَول بَاطِل هاجم عَلَى خرق الْإِجْمَاع وَهُوَ مثل قَول الظَّاهِرِيَّة كَمَا صرح بِهِ ابْن حزم فِي الْمحلى وَغَيره
أَن من قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَأَنت طَالِق أَو ذكر وقتا مَا فَلَا تكون طَالقا بذلك لَا الْآن وَلَا إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر وَلَعَلَّ هَذَا من مُفْرَدَات الظَّاهِرِيَّة
وَقد أَطَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد الْكَلَام عَلَى هَذَا وحرر مُخَالفَته للْإِجْمَاع فِي كِتَابه الرَّد عَلَى ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق كتاب التَّحْقِيق الَّذِي هُوَ من أجل تصانيف الشَّيْخ الإِمَام(2/65)
قَرَأْتُ عَلَى الْمُسْنِدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ أَخْبَرَكَ الْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوَالِيقِيُّ مِنَ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيَّ أَخْبَرَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ قِرَاءَةً حَدثنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ حَدثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ حَدثنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ حَدثنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدثنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدثنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ كُنَّا نُصَّلِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ فَتُجَزَّأُ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
11 - أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن الْوَزير بْن سُلَيْمَان بْن المُهَاجر التجِيبِي أَبُو عَبْد اللَّه الْمصْرِيّ الْحَافِظ النَّحْوِيّ
مَوْلَاهُم أحد الْأَئِمَّة
رَوَى عَن عَبْد اللَّه بْن وهب وَشُعَيْب بْن اللَّيْث وَأصبغ بْن الْفرج وَجَمَاعَة رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة والْحُسَيْن بْن يَعْقُوب الْمصْرِيّ وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَآخَرُونَ(2/66)
ولد سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ من أعلم أهل زَمَانه بالشعر وَالْأَدب والغريب وَأَيَّام النَّاس وَصَحب الشَّافِعِي وتفقه لَهُ وَكَانَ يتَقَبَّل فِيمَا ذكر بَعضهم أَي يسْتَأْجر الْأَرَاضِي للزَّرْع وَيعْمل الفلاحة فانكسر عَلَيْهِ بعض الْخراج فحبسه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْمُدبر عَلَى مَا انْكَسَرَ عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي السجْن لست خلون من شَوَّال سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فِيمَا ذكر بَعضهم وَذكر آخَرُونَ أَنه إِنَّمَا مَاتَ سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ فِي الشَّهْر الْمَذْكُور فِي السجْن بِمصْر
قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي بَلغنِي عَن مُحَمَّد بْن الْوَزير أَنه قَالَ مَا شرب الشَّافِعِي من كوز مَرَّتَيْنِ وَلَا عَاد فِي جماع جَارِيَة مَرَّتَيْنِ ذكر ذَلِك الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي ورأيته كَذَا بِخَط بعض الْمُحدثين مُحَمَّد بْن الْوَزير وَإِنَّمَا هُوَ أَحْمَد بْن يحيى ابْن الْوَزير
12 - أَحْمد بن أَبى شُرَيْح الرازى
ذكر الْعَبَّادِيّ أَنه قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول مَا تخَلّل الْإِنْسَان بخلال من بَين أَسْنَانه فليقذفه وَمَا أخرجه بِأُصْبُعِهِ فليأكله قَالَ أَبُو عَاصِم وَفِيه أثر كلوا الوغم واطرحوا الفغم والوغم مَا تساقط من الطَّعَام والفغم مَا تعلق بَين الْأَسْنَان مِنْهُ أَي كلوا فتات الطَّعَام وَارْمُوا مَا يُخرجهُ الْخلال
13 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم بْن أعين بْن لَيْث الإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمصْرِيّ
أَخُو عَبْد الرَّحْمَن وَسعد
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة(2/67)
وروى عَن عَبْد اللَّه بْن وهب وَابْن أَبِي فديك وَأبي ضَمرَة أنس بْن عِيَاض وَأَشْهَب بْن عَبْد الْعَزِيز وَالشَّافِعِيّ وَبِه تفقه وَطَائِفَة
رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَابْن صاعد وَأَبُو بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَجَمَاعَة
ولازم الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُدَّة وَقيل إِن الشَّافِعِي كَانَ معجبا بِهِ لفرط ذكائه وحرصه عَلَى الْفِقْه
قَالَ أَبُو عمر الصَّدَفِي رَأَيْت أهل مصر لَا يعدلُونَ بِهِ أحدا ويصفونه بِالْعلمِ وَالْفضل والتواضع
وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر صَدُوق لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ فِي مَوضِع ثَالِث هُوَ أظرف من أَن يكذب
وَقَالَ أَبُو بكر بْن خُزَيْمَة مَا رَأَيْت فِي فُقَهَاء الْإِسْلَام أعرف بأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم وَقَالَ مرّة كَانَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم أعلم من رَأَيْت عَلَى أَدِيم الأَرْض بِمذهب مَالك وأحفظهم لَهُ سمعته يَقُول كنت أتعجب مِمَّن يَقُول فِي الْمسَائِل لَا أَدْرِي قَالَ وَأما الْإِسْنَاد فَلم يكن يحفظه
قلت إِنَّمَا ذكرنَا ابْن عَبْد الحكم فِي الشافعيين تبعا للشَّيْخ أَبِي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وللشيخ أَبِي عَمْرو بْن الصّلاح وَكَانَ الْحَامِل لَهما عَلَى ذكره حِكَايَة الْأَصْحَاب عَنهُ مسَائِل رَوَاهَا عَن الشَّافِعِي وَإِلَّا فالرجل مالكي رَجَعَ عَن مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْحَافِظ حسينك التَّمِيمِي عَنهُ كَانَ ابْن عَبْد الحكم من أَصْحَاب الشَّافِعِي فَوَقَعت بَينه وَبَين الْبُوَيْطِيّ وَحْشَة فِي مرض الشَّافِعِي
فحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر السكرِي صديق الرّبيع قَالَ لما مرض الشَّافِعِي جَاءَ ابْن عَبْد الحكم يُنَازع الْبُوَيْطِيّ فِي مجْلِس الشَّافِعِي فَقَالَ الْبُوَيْطِيّ أَنا أَحَق بِهِ مِنْك فجَاء(2/68)
الْحميدِي وَكَانَ بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسي من الْبُوَيْطِيّ وَلَيْسَ أحد من أَصْحَابِي أعلم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبْد الحكم كذبت فَقَالَ لَهُ الْحميدِي كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك وَغَضب ابْن عَبْد الحكم فَترك مَذْهَب الشَّافِعِي
فحَدَّثَنِي ابْن عَبْد الحكم قَالَ كَانَ الْحميدِي معي فِي الدَّار نَحوا من سنة وَأَعْطَانِي كتاب ابْن عُيَيْنَة ثمَّ أَبَوا إِلَّا أَن يوقعوا بَيْننَا مَا وَقع
قلت ثمَّ انْتَهَت حَال ابْن عَبْد الحكم إِلَى أَن صنف كتابا سَمَّاهُ الرَّد عَلَى الشَّافِعِي فِيمَا خَالف فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ اسْم قَبِيح وَلَقَد نالته بعد هَذَا التصنيف محنة صعبة يطول شرحها
توفّي ابْن عَبْد الحكم فِي النّصْف من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَفِي الْمُحدثين مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم غَيره
رجل رَوَى عَن أَحْمَد بْن مَسْعُود الْمَقْدِسِي
رَوَى الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ حَدِيثه فِي الْحِلْية فَقَالَ حَدثنَا أَبُو حَامِد أَحْمد ابْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمصْر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَهَّاب ابْن ظافر بْن رواج إِجَازَةً
ح وَحدثنَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه مِنْ لَفْظِهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر(2/69)
ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى بِدِمَشْق أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مخلوف بْن جمَاعَة سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا بن رواج سَمَاعا قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد العلاف أَخْبرنِي عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عمر الحمامي حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن مُسلم الْخُتلِي حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْحَرَّانِي حَدثنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد يَعْنِي ابْن الضَّحَّاك بْن يَحْيَى بِمصْر حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَحْكِي عَن إِنْسَان سَمَّاهُ أَنه سُئِلَ عَن الْعدْل فَقَالَ لَيْسَ أحد يُطِيع اللَّه عز وَجل حَتَّى لَا يعصيه وَلَا أحد يَعْصِي اللَّه عز وَجل حَتَّى لَا يطيعه وَلَكِن إِذا كَانَ أَكثر أَمر الرجل الطَّاعَة لله عز وَجل وَلم يقدم عَلَى كَبِيرَة فَهُوَ عدل
قلت كَذَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مُقَيّدا بقوله وَلم يقدم عَلَى كَبِيرَة وَجَاء فِي رِوَايَات أخر مُطلقًا وَالْمُطلق مَحْمُول عَلَى الْمُقَيد
قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم حَدثنَا الشَّافِعِي قَالَ ذكرت لمُحَمَّد بْن الْحَسَن الدُّعَاء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لي لَا يجوز أَن يدعى فِي الصَّلَاة إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآن وَمَا أشبهه
قلت لَهُ فَإِن قَالَ رجل اللَّهم أَطْعمنِي قثاء وبصلا وعدسا أَو ارزقني ذَلِك أَو أخرجه لي من أَرض أَيجوزُ ذَلِك
قَالَ لَا
قلت فَهَذَا فِي الْقُرْآن فَإِن كنت إِنَّمَا تجيز مَا فِي الْقُرْآن خَاصَّة فَهَذَا فِيهِ وَإِن كنت تجيز غير ذَلِك فَلم حظرت شَيْئا وأبحت شَيْئا
قَالَ فَمَا تَقول أَنْت
قلت كل مَا جَازَ للمرء أَن يَدْعُو اللَّه بِهِ فِي غير صَلَاة فَجَائِز أَن يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاة بل أستحب ذَلِك لِأَنَّهُ مَوضِع يُرْجَى سرعَة الْإِجَابَة فِيهِ وَالصَّلَاة الْقِرَاءَة وَالدُّعَاء وَالنَّهْي عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة هُوَ كَلَام الْآدَمِيّين بَعضهم لبَعض فى غير أَمر بِصَلَاة(2/70)
قلت فِي المناظرة رد عَلَى دَعْوَى الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد فِي منع الدُّعَاء بِجَارِيَة حسناء قَالَ ابْن عَبْد الحكم سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول لم يثبت عَن ابْن عَبَّاس فِي التَّفْسِير إِلَّا شَبيه بِمِائَة حَدِيث وَقَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول ثَلَاثَة أَشْيَاء لَيْسَ لطبيب فِيهَا حِيلَة الحماقة والطاعون والهرم
قلت وَفِي آخر كتاب آدَاب الشَّافِعِي لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم سَمِعت ابْن عَبْد الْأَعْلَى يَقُول قَالَ لي الشَّافِعِي لم أر شَيْئا أَنْفَع للوباء من البنفسج يدهن بِهِ وَيشْرب
قلت والوباء غير الطَّاعُون فَلَا مُنَافَاة بَين الْأَمريْنِ
14 - مُحَمَّد بْن الشَّافِعِي
إمامنا الإِمَام الْأَعْظَم المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس بْن الْعَبَّاس بْن عُثْمَان بْن شَافِع بْن السَّائِب بْن عبيد بْن عَبْد يزِيد بْن هَاشم بْن الْمطلب بْن عَبْد منَاف بْن قصي الشَّيْخ أَبُو عُثْمَان القَاضِي
وَهُوَ أكبر أَوْلَاد الشَّافِعِي وَلما توفّي وَالِده كَانَ بَالغا مُقيما بِمَكَّة وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنِّي لَأحبك لثلاث خلال أَنَّك ابْن أَبِي عَبْد اللَّه وَأَنَّك رجل من قُرَيْش وَأَنَّك من أهل السّنة
سمع أَبَاهُ وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وأَحْمَد بْن حَنْبَل
قَالَ الْخَطِيب وَذكر لي الْحَسَن بْن أَبِي طَالب أَنه ولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد وَحدث عَن عَبْد الرَّزَّاق وَهَذَا القَوْل عِنْدِي // غير صَحِيح // إِنَّمَا ولي الْقَضَاء بالجزيرة وأعمالها وَهُنَاكَ أَيْضًا حدث وللجزريين عَنهُ رِوَايَة(2/71)
وَولي أَيْضًا الْقَضَاء بِمَدِينَة حلب وَبَقِي بهَا سِنِين كَثِيرَة وأعقب ثَلَاثَة بَنِينَ مِنْهُم الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس وَأَبُو الْحَسَن مَاتَ رضيعا وَفَاطِمَة لم تعقب
وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا اسْم أَبِي عُثْمَان فَقَالَ سميته أحب الْأَسْمَاء إِلَى مُحَمَّدا
وَلأبي عُثْمَان مناظرة مَعَ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي جُلُود الْميتَة إِذا دبغت
وَقد ذكر شَيْئا من حَدِيثه الْحَافِظ أَبُو عبيد اللَّه ابْن أَبِي زيد الْمَعْرُوف بِابْن الْمقري فِي كِتَابه فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي وَأسْندَ حَدِيثه عَن عَبْد الرَّزَّاق وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا انْتهى
وروى الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة أَبِي بكر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الصبغي أحد أَئِمَّة أَصْحَابنَا عَن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم قَالَ أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد ابْن بنت الشَّافِعِي قَالَ حَدثنَا أَبِي قَالَ عَاتب مُحَمَّد بْن إِدْرِيس ابْنه أَبَا عُثْمَان فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ فِي وعظه يَا بني وَالله لَو علمت أَن المَاء الْبَارِد يثلم من مروءتي مَا شربت إِلَّا حارا
أَخْبَرَنَا عمر بْن حسن بْن مزِيد بْن أميلة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْعِزّ يُوسُف ابْن يَعْقُوب بْن المجاور إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخلال حَدثنَا على ابْن الْحَسَن الجراحي حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد قَالَ حَدثنَا الْمَيْمُونِيّ قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي القاضى قَالَ قَالَ لى أَحْمد ابْن حَنْبَل أَبوك أحد السِّتَّة الَّذين أَدْعُو لَهُم فِي السحر
وَبِه إِلَى الْخَطِيب قَالَ وأَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن طَلْحَة الْمقري حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس حَدَّثَنِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصندلي حَدثنَا خطاب بْن بشر قَالَ جعلت أسأَل أَبَا عبد الله أَحْمد ابْن حَنْبَل فيجيبني ويلتفت إِلَى ابْن الشَّافِعِي وَيَقُول هَذَا مِمَّا علمنَا أَبُو عَبْد اللَّه يعْنى الشافعى(2/72)
قَالَ خطاب وَسمعت أَحْمَد بْن حَنْبَل يذاكر أَبَا عُثْمَان أَمر أَبِيه فَقَالَ أَحْمَد يرحم اللَّه أَبَا عَبْد اللَّه مَا أُصَلِّي صَلَاة إِلَّا دَعَوْت فِيهَا لخمسة هُوَ أحدهم وَمَا يتقدمه مِنْهُم أحد
قَالَ الْخَطِيب توفّي بالجزيرة بعد سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَللشَّافِعِيّ ولد آخر يُسمى مُحَمَّدا أَيْضًا وكنيته أَبُو الْحَسَن وَهُوَ من جَارِيَة اسْمهَا دَنَانِير ذكر أَبُو سَعِيد بْن يُونُس أَنه قدم مصر مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير فَتوفي بهَا فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن رِوَايَات أَبِي عُثْمَان عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَن الْحَاكِم أَن أَبَا أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن أخبرهُ قَالَ حَدثنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْحَنْظَلِي حَدثنَا أَبِي حَدثنَا عَبْد الْملك بْن عَبْد الحميد الْمَيْمُونِيّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي قَالَ سَمِعت أَبِي يَقُول لَيْلَة للحميدي مَا تحتج عَلَيْهِم يَعْنِي عَلَى أهل الإرجاء بِآيَة أحج من قَوْله عز وَجل {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دين الْقيمَة}
وَمِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ شيخ الشَّافِعِيَّة أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن إِبْرَاهِيمَ الْفَزَارِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ وَالْمُسْنِدُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم ابْن الْخَبَّازِ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّد بن غلان الْقَيْسِيُّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ سَمَاعًا وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ إِجَازَةً
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب حَدثنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الصَّوَّافُ بِمِصْرَ مِنْ لَفْظِهِ حَدثنَا أَبُو بكر(2/73)
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّقَّاشُ حَدثنَا نُعْمَانُ بْنُ مُدْرِكٍ الرَّسْعَنِيُّ حَدثنَا أَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ إِمْلاءً بِرَأْسِ الْعَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَمِّي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجَلاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ فَدُعِيَ فَقَالَ (كَيْفَ قُلْتَ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ أَوِ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا أَمْ مِن دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ)
15 - إِبْرَاهِيم بْن خَالِد بْن أَبِي الْيَمَان أَبُو ثَوْر الكلبى البغدادى
الإِمَام الْجَلِيل أحد أَصْحَابنَا البغداديين قِيلَ كنيته أَبُو عَبْد اللَّه ولقبه أَبُو ثَوْر رَوَى عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن علية وَعبيدَة بْن حُمَيْد وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع ومعاذ بْن معَاذ وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَالشَّافِعِيّ وَيزِيد بْن هَارُون وَجَمَاعَة
رَوَى عَنهُ مُسلم خَارج الصَّحِيح وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَالقَاسِم بْن زَكَرِيَّا الْمُطَرز ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق السراج وَجَمَاعَة
قَالَ أَبُو بكر الْأَعْين سَأَلت أَحْمَد بْن حَنْبَل مَا تَقول فِي أَبِي ثَوْر قَالَ أعرفهُ بِالسنةِ مُنْذُ خمسين سنة وَهُوَ عِنْدِي فِي مسلاخ سُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فقها وعلما وورعا وفضلا وَخيرا مِمَّن صنف الْكتب وَفرع عَلَى السّنَن وذب عَنْهَا وقمع مخالفيها(2/74)
قلت قَوْله وَخيرا بِهِ تَمام الْكَلَام وَقَوله مِمَّن صنف الْكتب ابْتِدَاء كَلَام آخر الْجَار وَالْمَجْرُور مِنْهُ فِي مَوضِع الْخَبَر والمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره وَهُوَ مِمَّن صنف إِلَى آخِره وَلَيْسَ الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلقا بقوله وَخيرا فِيمَا يظْهر فَلَيْسَ أَبُو ثَوْر خيرا مِمَّن صنف الْكتب عَلَى الْإِطْلَاق
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو ثَوْر أَولا يتفقه بِالرَّأْيِ وَيذْهب إِلَى قَول أهل الْعرَاق حَتَّى قدم الشَّافِعِي بَغْدَاد فَاخْتلف إِلَيْهِ وَرجع عَن الرَّأْي إِلَى الحَدِيث
وَقَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ رجل يتَكَلَّم بِالرَّأْيِ فيخطئ ويصيب وَلَيْسَ مَحَله مَحل المسمعين فِي الحَدِيث
قلت هَذَا غلو من أَبِي حَاتِم وَلَيْسَ الْكَلَام فِي الرَّأْي مُوجبا للقدح فَلَا الْتِفَات إِلَى قَول أَبِي حَاتِم هَذَا وَهُوَ من الطّراز الأول الَّذِي قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة أَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ
وَأَبُو ثَوْر أظهر أمرا من أَن يحْتَاج إِلَى تَوْثِيق وَقد قدمنَا كَلَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِيهِ وَكفى بِهِ شرفا
وَعَن أَحْمَد أَيْضًا أَنه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ للسَّائِل سل غَيرنَا سل الْفُقَهَاء سل أَبَا ثَوْر
وَقَالَ النَّسَائِيّ هُوَ أحد الْفُقَهَاء ثِقَة مَأْمُون
وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم كَانَ فَقِيه أهل بَغْدَاد ومفتيهم فِي عصره وَأحد أَعْيَان الْمُحدثين المتقنين
وَعَن أَحْمَد بْن حَنْبَل وَسُئِلَ عَن أَبِي ثَوْر أَنه قَالَ لم يبلغنِي إِلَّا خير إِلَّا أَنه لَا يُعجبنِي الْكَلَام الَّذِي يصيرونه فِي كتبهمْ
قلت وَلَيْسَ فِي هَذَا إِن ثَبت عَن أَحْمَد حط من قدر أَبِي ثَوْر لَا سِيمَا وَقد تقدم من كَلَام أَحْمَد فِي تَعْظِيمه مَا تقدم
وَقَالَ أَبُو عمر بْن عَبْد الْبر كَانَ حسن النّظر ثِقَة فِيمَا يرْوى من الْأَثر إِلَّا أَن لَهُ شذوذا فَارق فِيهِ الْجُمْهُور وَقد عدوه أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء(2/75)
قلت لَا يَعْنِي شذوذا فِي الحَدِيث بل فِي مسَائِل الْفِقْه الَّتِي أغرب بهَا وسنحكي مِنْهَا طَائِفَة
وَقَوله وَقد عدوه أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء جَار مجْرى الِاعْتِذَار عَنهُ فِيمَا يشذ بِهِ وَأَنه بِحَيْثُ لَا يعاب عَلَى مثله الِاجْتِهَاد وَإِن أغرب فَإِنَّهُ أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَإِذا عرفت مَا قِيلَ فِيهِ علمت أَنه لم يصب بِجرح وَللَّه الْحَمد
وَأَنا أجوز أَن يكون قَول أَبِي حَاتِم لَيْسَ مَحَله مَحل المسمعين فِي الحَدِيث مَعَ كَونه غير قدح مُصحفا فِي الْكتب وَأَنه إِنَّمَا قَالَ مَحل المتسعين أَي المكثرين فَإِن أَبَا ثَوْر لم يكن من المكثرين فِي الحَدِيث إكثار غَيره من الْحفاظ وَقد رَأَيْت اللَّفْظَة هَكَذَا بِخَط بعض محدثي زَمَاننَا فِي الْحِكَايَة عَن أَبِي حَاتِم وَلَا شكّ أَن الْفِقْه كَانَ أغلب عَلَيْهِ من الحَدِيث وَكَانَ المحدثون إِذا سئلوا عَن مسَائِل الْفِقْه أحالوا عَلَيْهِ وَقد قدمنَا مَا يدل عَلَى ذَلِك
وَأَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ
ح وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا الْقَاضِي عَبْدُ الصَّمَدِ الْحَرَسْتَانِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللَّهِ الْمِصِّيصِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ حَدثنَا أَحْمد ابْن إِسْحَاقَ النُّهَاوَنْدِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلادٍ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ خَلادٍ وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ قَالَ وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ فُلانٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلانٍ فَسَأَلَتْهُمْ عَنِ الْحَائِضِ هَلْ تَغْسِلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً(2/76)
فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكَانُوا جَمَاعَةً وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ نَعَمْ تَغْسِلُ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) وَلِقَوْلِهَا كُنْتُ أَفْرِقُ رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَإِذَا فُرِقَ رَأْسُ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَقَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ فُلانٌ وَأَخْبَرَنَاهُ فُلانٌ وَنَعْرِفُهُ مِنْ طَرِيقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ أَنْتُمْ إِلَى الآنَ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ صَاحِبُ أَبِي ثَوْرٍ تُوُفِّيَ أَبُو ثَوْرٍ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الْمسَائِل عَن أَبِي ثَوْر والفوائد
نقل الْعَبدَرِي أَن الدّين مقدم عَلَى الْوَصِيَّة عِنْد الْفُقَهَاء كلهم إِلَّا أَبَا ثَوْر فَإِنَّهُ قدم الْوَصِيَّة
وَهَذَا غَرِيب مُصَرح بحكاية الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافه فَلَعَلَّ إِجْمَاعهم لم يبلغ أَبَا ثَوْر وَلَعَلَّه يُنَازع فِي وُقُوع الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِك أَو لَعَلَّ مَا نَقله العبدرى غير ثَابت فقد نقل ابْن الْمُنْذر عَن أَبِي ثَوْر فِيمَن أوصى بِعِتْق عَبده عَلَى أَن لَا يُفَارق وَلَده وَعَلِيهِ دين مُحِيط بِمَالِه أَنه أبطل الْوَصِيَّة وَقَالَ يُبَاع فِي الدّين فَإِن أعْتقهُ الْوَرَثَة لم يجز عتقهم وَهَذَا يُخَالف مَا نَقله الْعَبدَرِي
نقل الفوراني فِي الْعمد أَن أَبَا ثَوْر قَالَ لَا تقطع الْيَد إِلَّا فِي خَمْسَة دَرَاهِم
قلت وَهُوَ يشابه قَوْله أقل الصَدَاق خَمْسَة دَرَاهِم
نقل ابْن الْمُنْذر أَن أَبَا ثَوْر قَالَ إِن خِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ لَا يكون بِالرِّضَا إِلَّا بالْكلَام أَو يَأْتِي من الْفِعْل مَا يكون فِي الْمَعْقُول من اللُّغَة أَنه رضَا
والمجزوم بِهِ عِنْد الْأَصْحَاب أَن خِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْر وَيلْزم من يعد مقالات أَبِي ثَوْر وُجُوهًا فِي الْمَذْهَب أَن يعد ذَلِك وَجها وَهُوَ غَرِيب(2/77)
قَالَ أَبُو ثَوْر فِي رجلَيْنِ اجتهدا فِي الْقبْلَة وَأدّى أَحدهمَا اجْتِهَاده إِلَى خلاف مَا أَدَّاهُ الآخر يجوز أَن يأتم كل مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُصلي كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جِهَة كمن صلى حول الْكَعْبَة فَإِن يجوز لمن يُصَلِّي إِلَى جِهَة الائتمام بِمن يُصَلِّي إِلَى جِهَة أُخْرَى
نَقله صَاحب الْبَيَان
قَالَ أَبُو عَاصِم سَأَلَ أَبُو ثَوْر الشَّافِعِي عَن رجل اشْترى بَيْضَة من رجل وبيضة من آخر وَوَضعهمَا فِي كمه فَانْكَسَرت إِحْدَاهمَا فَخرجت مذرة فعلى من يرد الْبَيْضَة وَقد أنكر ذَلِك
قَالَ آمره حَتَّى يدعى
قَالَ يَقُول لَا أَدْرِي
قَالَ أَقُول لَهُ انْصَرف فَإنَّا مفتون لَا معلمون
نقل أَبُو عَلِيّ الطَّبَرِيّ فِيمَا علقه عَن أَبِي عَلِيّ بْن أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ أَن أَبَا ثَوْر كَانَ يلْحق الزَّيْت بِالْمَاءِ فيعتبره بالقلتين إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة غير مُغيرَة وَرَأَيْت فِي جَامع الْخلال من كتب الْحَنَابِلَة أَن الْمَرْوذِيّ ذكر لأَحْمَد أَن أَبَا ثَوْر كَانَ يلْحق السّمن وَالزَّيْت بِالْمَاءِ
قلت فَابْن أَبِي هُرَيْرَةَ اقْتصر عَلَى نَقله عَن أَبِي ثَوْر فِي الزَّيْت والمروذي ذكره فِي السّمن أَيْضًا
وَالظَّاهِر أَن جَمِيع الْمَائِعَات سَوَاء وَالْمَعْرُوف فِي الْمذَاهب أَن غير المَاء من الْمَائِعَات ينجس بملاقاة يسير النَّجَاسَة وَإِن بلغ قلالا
قَالَ النووى فى شرح الْمُهَذّب وَهَذَا لاخلاف فِيهِ بَين أَصْحَابنَا وَلَا أعلم فِيهِ(2/78)
خلافًا لأحد من الْعلمَاء وَسبق الْفرق بَينه وَبَين المَاء فِي الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حنيفَة وَحَاصِله أَنه لَا يشق حفظ الْمَائِع من النَّجَاسَة وَإِن كثر بِخِلَاف المَاء انْتهى ونقلته من خطه
وَقد نقل بعد ذَلِك بِنَحْوِ عشرَة أوراق أَن صَاحب الْعدة حكى عَن أَبِي حنيفَة أَن الْمَائِع كَالْمَاءِ إِذا بلغ الْحَد الَّذِي يعتبرونه وَأما الْفرق الَّذِي ذكره فقد رَأَيْت الْقفال الْكَبِير فِي أَوَائِل كتاب محَاسِن الشَّرِيعَة فِي بَاب ذكر النَّجَاسَات أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حَاصله إِن صون الْمَائِعَات بالتغطية مُمكن ومعتاد قَالَ وَالْمَاء خلقه اللَّه تَعَالَى يحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيع الْحَيَوَان وَيكثر مَا لَا يكثر غَيره من الْمَائِعَات
وَفِي هَذَا الْفرق إِشَارَة إِلَى اعْتِبَار الْغَلَبَة فَلَا يَنْبَغِي أَن ينجس بِيَسِير النَّجَاسَة من الْمَائِع الْكثير الزَّائِد عَلَى قدر قُلَّتَيْنِ إِلَّا مَا جرت عَادَة النَّاس بحرزه فِي الْإِنَاء أما لَو فرض أَن يخلق اللَّه بحرا من زَيْت فَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِوُقُوع مَا لَا يُغَيِّرهُ من النَّجَاسَات فَإِن الْمَحْكُوم بِنَجَاسَتِهِ إِنَّمَا هُوَ مَا يعْتَاد من الْمَائِعَات
وَإِنَّمَا ذكرت هَذِهِ الصُّورَة لوُقُوع الْبَحْث فِيهَا وَظن بعض النَّاس أَن كل مَائِع ينجس بِيَسِير النَّجَاسَة فَقلت لَهُ ذَلِك فِي الْمَائِعَات الْمُعْتَادَة أما هَذِهِ الصُّورَة فَلَا وجود لَهَا وَلم يتَكَلَّم السَّابِقُونَ فِيهَا وَلَا نجد مُصَرحًا من الْأَصْحَاب بهَا بل هَذَا الْفرق يرشد إِلَى أَن الحكم فِيهَا بِخِلَاف مَا توهم
قَالَ أَبُو ثَوْر سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول حضرت مَجْلِسا وَفِيه مُحَمَّد بْن الْحَسَن بالرقة وَجَمَاعَة من بني هَاشم وقريش وَغَيرهم مِمَّن ينظر فِي الْعلم فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن قد وضعت كتابا لَو علمت أَن أحدا يرد عَلَي مِنْهُ شَيْئا تبلغنيه الْإِبِل لأتيته قَالَ فَقلت لَهُ قد نظرت فِي كتابك هَذَا فَإِذا مَا بعد الْبَسْمَلَة خطأ كُله قَالَ وَمَا ذَاك قلت لَهُ قَالَ أهل الْمَدِينَة كَذَا فَإِن أردْت كلهم فخطأ لأَنهم لم يتفقوا عَلَى مَا قلت وَإِن أردْت مَالِكًا وَحده فأظهر فِي الْخَطَأ إِذْ لَيْسَ هُوَ كل أهل الْمَدِينَة وَقد كَانَ من عُلَمَاء الْمَدِينَة فِي زَمَنه من يشْتَد نكيره عَلَيْهِ فَأَي الْأَمريْنِ قصدت فقد أَخْطَأت(2/79)
قَالَ أَبُو ثَوْر قَالَ لي الشَّافِعِي قَالَ لي الْفضل بْن الرّبيع أحب أَن أسمع مناظرتك لِلْحسنِ بْن زِيَاد اللؤْلُؤِي قَالَ الشَّافِعِي فَقلت لَهُ لَيْسَ اللؤْلُؤِي فِي هَذِهِ الْجِهَة وَلَكِن أحضر بعض أَصْحَابِي يكلمهُ بحضرتك فَقَالَ أَو ذَاك فَقَالَ أَبُو ثَوْر فَحَضَرَ الشَّافِعِي وأحضر من أَصْحَابنَا كوفيا كَانَ ينتحل قَول أَبِي حنيفَة فَصَارَ من أَصْحَابنَا
قَالَ فَلَمَّا دخل اللؤْلُؤِي أقبل الْكُوفِي عَلَيْهِ وَالشَّافِعِيّ وَالْفضل بْن الرّبيع حاضران فَقَالَ لَهُ إِن أهل الْمَدِينَة يُنكرُونَ عَلَى أَصْحَابنَا بعض قَوْلهم وَأُرِيد أَن أسأَل عَن مَسْأَلَة من ذَلِك
فَقَالَ لَهُ اللؤْلُؤِي سل
قَالَ مَا تَقول فِي رجل قذف مُحصنَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة
قَالَ فَسدتْ صلَاته
قَالَ فَمَا حَال طَهَارَته
قَالَ هِيَ بِحَالِهَا
قَالَ فَمَا تَقول إِن ضحك فِي صلَاته
قَالَ يُعِيد الطَّهَارَة وَالصَّلَاة قَالَ فَقَالَ لَهُ قذف الْمُحْصنَات فِي الصَّلَاة أيسر من الضحك فِيهَا
قَالَ فَقَالَ لَهُ وقعنا فِي هَذَا ثمَّ وثب فَمضى
16 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الشافعى ابْن عَم الإِمَام الشَّافِعِي
رَوَى عَن الشَّافِعِي والفضيل بْن عِيَاض وجده لأمه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شَافِع والمنكدر بْن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر وَحَمَّاد بْن زيد وَابْن عُيَيْنَة وَطَائِفَة(2/80)
روى عَنهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وأَحْمَد بْن سيار الْمروزِي وَأَبُو بكر بْن أَبِي عَاصِم وَبَقِي بْن مخلد ومطين وَغَيرهم
قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق
وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة
مَاتَ سنة سبع وَيُقَال ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
17 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هرم
روى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَلَّا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} لما حجبهم فِي السخط كَانَ دَلِيلا عَلَى أَنهم يرونه فِي الرِّضَا
وَقد رَوَاهُ غَيره أَيْضًا قَالَ الرّبيع كنت ذَات يَوْم عِنْد الشَّافِعِي وجاءه كتاب من الصَّعِيد يسألونه عَن قَوْله عز وَجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لمحجوبون} فَكتب لما حجب قوما بالسخط دلّ عَلَى أَن قوما يرونه بِالرِّضَا
قلت لَهُ أَو تدين بِهَذَا يَا سَيِّدي فَقَالَ وَالله لَو لم يُوقن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس أَنه يرى ربه فِي الْمعَاد لما عَبده فِي الدُّنْيَا
قَالَ الْبَيْهَقِيّ أنبأني أَبُو الْقَاسِم الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حبيب الْمُفَسّر إِجَازَةً قَالَ سَمِعت أَبَا عَلَى الْحُسَيْن بْن أَحْمَد الْفَسَوِي بهَا سَمِعت أَبَا نعيم عَبْد الْملك بْن مُحَمَّد بْن عدي الْجِرْجَانِيّ سَمِعت الرّبيع فَذكر الْحِكَايَة
قَالَ الرّبيع كَانَ ابْن هرم يلْزم الشَّافِعِي فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه تملي علينا السّنَن الَّتِي صحت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الشَّافِعِي السّنَن الَّتِي تصح قَليلَة هَذَا أَبُو بكر لَا يَصح لَهُ تِسْعَة أَحَادِيث وَعمر لَا يَصح لَهُ خَمْسُونَ حَدِيثا وَعُثْمَان فَأَقل وَعلي مَعَ مَا كَانَ يحض النَّاس عَلَى الْأَخْذ عَنهُ لَا يَصح لَهُ حَدِيث كثير وَالصَّحِيح عِنْد أهل الْمعرفَة قَلِيل(2/81)
18 - إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر بْن عَبْد اللَّه بْن الْمُنْذر بن الْمُغيرَة ابْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن حزَام بْن خويلد بْن أَسد بْن عَبْد الْعُزَّى الْحزَامِي المدنى
إِمَام ثِقَة جليل حدث عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن وهب ومعن بْن عِيسَى وَابْن أَبِي فديك وَأبي ضَمرَة والْوَلِيد بْن مُسلم وَخلق كثير
رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ وَابْن مَاجَه وَبَقِي بْن مخلد وَابْن أَبِي الدُّنْيَا ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي ومطين وَخلق
قَالَ صَالح جزرة صَدُوق وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة
وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ إِبْرَاهِيم هَذَا فِي عداد أهل الصدْق وَإِنَّمَا حدث بِالْمَنَاكِيرِ الشُّيُوخ الَّذين رَوَى عَنْهُم فَأَما هُوَ فَهُوَ صَدُوق
وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَسَأَلته يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحزَامِي فَقَالَ ثِقَة
قلت كَانَ حصل عِنْد الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُ شئ لِأَنَّهُ قِيلَ خلط فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن كَأَنَّهُ مجمح فِي الْجَواب
قلت وَأرى ذَلِك مِنْهُ تقية وخوفا وَلَكِن الإِمَام أَحْمَد شَدِيد فِي صلابته جزاه اللَّه عَن الْإِسْلَام خيرا وَلَو كلف النَّاس مَا كَانَ عَلَيْهِ أَحْمَد لم يسلم إِلَّا الْقَلِيل
مَاتَ إِبْرَاهِيم فِي الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَكَانَ ينشد لِعبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبة(2/82)
(كتمت الْهوى حَتَّى أضرّ بك الكتم ... ولامك أَقوام ولومهم ظلم)
(ونم عَلَيْك الكاشحون وَقَبله ... عَلَيْك الْهوى قد نم لَو ينفع النم)
(وزادك إغراء بهَا طول هجرها ... عَلَيْك وأبلى لحم أعظمك الْهم)
(أَلا مَا لنَفس لَا تَمُوت فينقضى ... عناها وَلَا تحيى حَيَاة لَهَا طعم)
(تجنبت إتْيَان الحبيب تأثما ... أَلا إِن هجران الحبيب هُوَ الْإِثْم)
(فذق هجرها قد كنت تزْعم أَنه ... رشاد أَلا يَا رُبمَا كذب الزَّعْم)
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول رَأَيْت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَائِما عَلَى بَاب كتاب فَقلت مَا تعْمل قَالَ أحب أَن أسمع كَلَام رَبِّي من فِي هَذَا الْغُلَام
19 - إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن مخلد بْن إِبْرَاهِيم بْن مطر الْحَنْظَلِي أَبُو يَعْقُوب المروزى ابْن رَاهَوَيْه
أحد أَئِمَّة الدّين وأعلام الْمُسلمين وَهُدَاة الْمُؤمنِينَ الْجَامِع بَين الْفِقْه والْحَدِيث والورع وَالتَّقوى نزيل نَيْسَابُورَ وعالمها
ولد سنة إِحْدَى وَقيل سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة
وَسمع من عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك سنة بضع وَسبعين فَترك الرِّوَايَة عَنهُ لكَونه لم يتَيَقَّن الْأَخْذ عَنهُ
وارتحل فِي طلب الْعلم سنة أَربع وَثَمَانِينَ(2/83)
وَسمع قبل الرحلة من ابْن الْمُبَارك كَمَا عرفت وَمن الْفضل الشَّيْبَانِيّ وَالنضْر بْن شُمَيْل وَأبي نميلَة يَحْيَى بْن وَاضح وَعمر بْن هَارُون
وَسمع فِي الرحلة من جرير بْن عَبْد الحميد وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي وفضيل بْن عِيَاض ومعتمر بْن سُلَيْمَان وَابْن علية وَبَقِيَّة بْن الْوَلِيد وَحَفْص بْن غياث وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ والْوَلِيد بْن مُسلم وَعبد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمد الْعمي وأسباط بْن مُحَمَّد وحاتم ابْن إِسْمَاعِيل وعتاب بْن بشير الْجَزرِي وغندر وَعبد الرَّزَّاق وَأبي بكر بْن عَيَّاش وَخلق سواهُم
رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وأَحْمَد بْن حَنْبَل وَيحيى بْن معِين ومُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي وَإِسْحَاق الكوسج والْحَسَن بْن سُفْيَان ومُحَمَّد بْن نصر الْمروزِي وَيحيى بْن آدم وَهُوَ من شُيُوخه وأَحْمَد بْن سَلمَة وإِبْرَاهِيم بْن أَبِي طَالب ومُوسَى بْن هَارُون وجعفر الْفرْيَابِيّ وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم النَّيْسَابُورِي البشتي وَعبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن شيرويه وَابْنه مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَخلق آخِرهم أَبُو الْعَبَّاس السراج
قَالَ عَلِيّ بْن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه ولد أَبِي من بطن أمه مثقوب الْأُذُنَيْنِ فَمضى جدي رَاهَوَيْه إِلَى الْفضل بْن مُوسَى فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ يكون ابْنك رَأْسا إِمَّا فِي الْخَيْر وَإِمَّا فِي الشَّرّ
وَقَالَ أَحْمَد بْن سَلمَة سَمِعت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم يَقُول قَالَ لي عَبْد اللَّه بْن طَاهِر(2/84)
لم قِيلَ لَك ابْن رَاهَوَيْه وَمَا معنى هَذَا وَهل تكره أَن يُقَال لَك هَذَا فَقلت إِن أَبِي ولد بطرِيق مَكَّة وَقَالَت المراوزة رَاهَوَيْه بِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق وَكَانَ أَبِي يكره هَذَا وَأما أَنا فلست أكرهه
قَالَ نعيم بْن حَمَّاد إِذا رَأَيْت الْخُرَاسَانِي يتَكَلَّم فِي إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه فاتهمه فِي دينه
قلت إِنَّمَا قيد الْكَلَام بالخراساني لِأَن أهل إقليم الْمَرْء هم الَّذين بِحَيْثُ لَو كَانَ فِيهِ كَلَام لتكلموا فِيهِ فَكَأَنَّهُ يَقُول من تكلم فِيهِ من أهل إقليمه فَهُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ لَا يتَكَلَّم بِحَق لبراءته مِمَّا يشينه فِي دينه
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل لم يعبر الجسر إِلَى خُرَاسَان مثل إِسْحَاق
وَقَالَ ابْن عدي ركب إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه دين فَخرج من مرو وَجَاء نَيْسَابُورَ فَكلم أَصْحَاب الحَدِيث يَحْيَى بْن يحيى فِي أَمر إِسْحَاق فَقَالَ مَا تُرِيدُونَ قَالُوا تكْتب إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر رقْعَة وَكَانَ عَبْد اللَّه أَمِير خُرَاسَان وَكَانَ بِنَيْسَابُورَ فَقَالَ يَحْيَى مَا كتبت إِلَيْهِ قطّ فألحوا عَلَيْهِ فَكتب فِي رقْعَة إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم رجل من أهل الْعلم وَالصَّلَاح فَحمل إِسْحَاق الرقعة إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَاب قَالَ للحاجب معي رقْعَة يَحْيَى بْن يَحْيَى إِلَى الْأَمِير فَدخل الْحَاجِب فَقَالَ لَهُ رجل بِالْبَابِ زعم أَن مَعَه رقْعَة يَحْيَى بْن يَحْيَى إِلَى الْأَمِير فَقَالَ يَحْيَى بْن يَحْيَى قَالَ نعم قَالَ أدخلهُ فَدخل إِسْحَاق وناوله الرقعة فَأَخذهَا عَبْد اللَّه وَقبلهَا وأقعد إِسْحَاق بجنبه وَقضى دينه ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وصيره من ندمائه
قلت انْظُر مَا كَانَ أعظم أهل الْعلم عِنْد الْأُمَرَاء وَانْظُر مَا أدنى هَذِهِ الْكَلِمَة وأقصر هَذِهِ الرقعة وَمَا ترَتّب عَلَيْهَا من الْخَيْر وَمَا ذَلِك إِلَّا لحسن اعْتِقَاد ذَلِك الْأَمِير وصيانة أهل الْعلم أَيْضًا وَالنَّاس بزمانهم أشبه مِنْهُم بآبائهم
وَقَالَ مُحَمَّد بْن أسلم الطوسي حِين مَاتَ إِسْحَاق مَا أعلم أحدا كَانَ أخْشَى لله من إِسْحَاق يَقُول اللَّه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده الْعلمَاء} وَكَانَ أعلم النَّاس(2/85)
قلت كَأَن مُحَمَّد بْن أسلم يركب هَذَا من الضَّرْب الأول من الشكل الأول فِي الْمنطق فَإِنَّهُ ينْحل إِلَى قَوْلك كَانَ ابْن رَاهَوَيْه أعلم النَّاس وكل من كَانَ أعلم النَّاس كَانَ أخْشَى النَّاس ينْتج كَانَ إِسْحَاق أخْشَى النَّاس والمقدمة الصُّغْرَى يَنْبَغِي أَن تكون مُحَققَة بِاتِّفَاق أَو غَيره فَكَأَن كَونه كَانَ أعلم النَّاس أَمر مفروغ مِنْهُ حَتَّى استنتج مِنْهُ أخْشَى النَّاس
قَالَ مُحَمَّد بْن أسلم وَلَو كَانَ الثَّوْريّ فِي الْحَيَاة لاحتاج إِلَى إِسْحَاق
وَقَالَ الدَّارمِيّ سَاد إِسْحَاق أهل الْمشرق وَالْمغْرب بصدقه
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَذكر إِسْحَاق لَا أعرف لَهُ بالعراق نظيرا
وَقَالَ مرّة وَقد سُئِلَ عَنهُ مثل إِسْحَاق يسْأَل عَنهُ إِسْحَاق عندنَا إِمَام
وَقَالَ النَّسَائِيّ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه أحد الْأَئِمَّة ثِقَة مَأْمُون سَمِعت سَعِيد بْن ذُؤَيْب يَقُول مَا أعلم عَلَى وَجه الأَرْض مثل إِسْحَاق
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة وَالله لَو كَانَ إِسْحَاق فِي التَّابِعين لأقروا لَهُ بحفظه وَعلمه وفقهه
وَقَالَ عَلِيّ بْن خشرم حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن ابْن شبْرمَة عَن الشّعبِيّ قَالَ مَا كتبت سَوْدَاء فِي بَيْضَاء إِلَى يومي هَذَا وَلَا حَدَّثَنِي رجل بِحَدِيث قطّ إِلَّا حفظته فَحدثت بِهَذَا إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه فَقَالَ تعجب من هَذَا قلت نعم قَالَ مَا كنت أسمع شَيْئا إِلَّا حفظته وَكَأَنِّي أنظر إِلَى سبعين ألف حَدِيث أَو قَالَ أَكثر من سبعين ألف حَدِيث فِي كتبي
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الْخفاف سَمِعت إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه يَقُول لكَأَنِّي أنظر إِلَى مائَة ألف حَدِيث فِي كتبي وَثَلَاثِينَ ألفا أسردها
قَالَ وأملى علينا إِسْحَاق أحد عشر ألف حَدِيث من حفظه ثمَّ قَرَأَهَا علينا فَمَا زَاد حرفا وَلَا نقص حرفا
وَعَن إِسْحَاق مَا سَمِعت شَيْئا إِلَّا وحفظته وَلَا حفظت شَيْئا قطّ فَنسيته(2/86)
وَقَالَ أَبُو يزِيد مُحَمَّد بْن يَحْيَى سَمِعت إِسْحَاق يَقُول أحفظ سبعين ألف حَدِيث عَن ظهر قلبِي
وَقَالَ أَحْمَد بْن سَلمَة سَمِعت أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ يَقُول ذكرت لأبي زرْعَة إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَحفظه فَقَالَ أَبُو زرْعَة مَا روى أحفظ من إِسْحَاق
قَالَ أَبُو حَاتِم وَالْعجب من إتقانه وسلامته من الْغَلَط مَعَ مَا رزق من الْحِفْظ
قَالَ فَقلت لأبي حَاتِم إِنَّه أمْلى التَّفْسِير عَن ظهر قلبه فَقَالَ أَبُو حَاتِم وَهَذَا أعجب فَإِن ضبط الْأَحَادِيث المسندة أسهل وأهون من ضبط أَسَانِيد التَّفْسِير وألفاظها
وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّاب كنت مَعَ يَحْيَى بْن يَحْيَى وَإِسْحَاق نعود مَرِيضا فَلَمَّا حاذينا الْبَاب تَأَخّر إِسْحَاق وَقَالَ ليحيى تقدم فَقَالَ يَحْيَى لإسحاق بل أَنْت تقدم فَقَالَ يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنْت أكبر مني قَالَ نعم أَنا أكبر مِنْك وَلَكِنَّك أعلم مني قَالَ فَتقدم إِسْحَاق
وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بْن النَّضر الجارودي حَدثنَا شَيخنَا وَكَبِيرنَا وَمن تعلمنا مِنْهُ وتجملنا بِهِ أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ الْحَاكِم هُوَ إِمَام عصره فِي الْحِفْظ وَالْفَتْوَى
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ جمع بَين الحَدِيث وَالْفِقْه والورع
وَقَالَ الخليلي فِي الْإِرْشَاد كَانَ يُسمى شهنشاه الحَدِيث
وَقَالَ أَحْمَد بْن سَعِيد الرباطي فِي إِسْحَاق
(قربي إِلَى اللَّه دَعَاني إِلَى ... حب أَبِي يَعْقُوب إِسْحَاق)
(لم يَجْعَل الْقُرْآن خلقا كَمَا ... قد قَالَه زنديق فساق)(2/87)
(يَا حجَّة اللَّه عَلَى خلقه ... فِي سنة الماضين للْبَاقِي)
(أَبوك إِبْرَاهِيم مَحْض التقى ... سباق مجد وَابْن سباق)
قَالَ أَبُو يحيى الشعراني إِن إِسْحَاق كَانَ يخضب بالحنا
قَالَ وَمَا رَأَيْت بِيَدِهِ كتابا قطّ إِنَّمَا كَانَ يحدث من حفظه
وَقَالَ وَكنت إِذا ذاكرت إِسْحَاق فِي الْعلم وجدته فَردا فَإِذا جِئْت إِلَى أَمر الدُّنْيَا وجدته لَا رَأْي لَهُ
توفّي إِسْحَاق لَيْلَة نصف شعْبَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ البُخَارِيّ وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة
قَالَ الْخَطِيب فَهَذَا يدل أَن مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ
وَفِي لَيْلَة مَوته يَقُول الشَّاعِر
(يَا هدة مَا هددنا لَيْلَة الْأَحَد ... فِي نصف شعْبَان لَا تنسى مدى الْأَبَد)
قَالَ أَبُو عَمْرو الْمُسْتَمْلِي النَّيْسَابُورِي أَخْبرنِي عَلِيّ بْن سَلمَة الْكَرَابِيسِي وَهُوَ من الصَّالِحين قَالَ رَأَيْت لَيْلَة مَاتَ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي كَأَن قمرا ارْتَفع من الأَرْض إِلَى السَّمَاء من سكَّة إِسْحَاق ثمَّ نزل فَسقط فِي الْموضع الَّذِي دفن فِيهِ إِسْحَاق قَالَ وَلم أشعر بِمَوْتِهِ فَلَمَّا غَدَوْت إِذا بحفار يحْفر قبر إِسْحَاق فِي الْموضع الَّذِي رَأَيْت الْقَمَر وَقع فِيهِ
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُبَارك ومُحَمَّد بْن يَحْيَى هَؤُلَاءِ دفنُوا كتبهمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ إِذْنًا خَاصًّا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رَامِينَ الإِسْتَرَابَاذِيُّ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ الإِسْتَرَابَاذِيُّ حَدثنَا(2/88)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدثنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ حَدثنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْن فَضَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ إِلا مِنْ بَأْسٍ
مناظرة بَين الشَّافِعِي وَإِسْحَاق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
رُوِيَ عَن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه قَالَ كُنَّا بِمَكَّة وَالشَّافِعِيّ بهَا وأَحْمَد بْن حَنْبَل أَيْضًا بهَا وَكَانَ أَحْمَد يُجَالس الشَّافِعِي وَكنت لَا أجالسه فَقَالَ لي أَحْمَد يَا أَبَا يَعْقُوب لم لَا تجَالس هَذَا الرجل فَقلت مَا أصنع بِهِ وسنه قريب من سننا كَيفَ أترك ابْن عُيَيْنَة وَسَائِر الْمَشَايِخ لأَجله قَالَ وَيحك إِن هَذَا يفوت وَذَلِكَ لَا يفوت قَالَ إِسْحَاق فَذَهَبت إِلَيْهِ وتناظرنا فِي كِرَاء بيُوت أهل مَكَّة وَكَانَ الشَّافِعِي تساهل فِي المناظرة وَأَنا بالغت فِي التَّقْرِير وَلما فرغت من كَلَامي وَكَانَ معي رجل من أهل مرو فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقلت مردك هَكَذَا مردك واكمالي نيست يَقُول بِالْفَارِسِيَّةِ هَذَا الرجل لَيْسَ لَهُ كَمَال فَعلم الشَّافِعِي أَنِّي قلت فِيهِ سوءا فَقَالَ لي أتناظر قلت للمناظرة جِئْت
قَالَ الشَّافِعِي قَالَ اللَّه تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أخرجُوا من دِيَارهمْ} فنسب الديار إِلَى مَالِكهَا أَو إِلَى غير مَالِكهَا وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فتح مَكَّة (من أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل دَار أَبِي سُفْيَان فَهُوَ آمن) فنسب الديار إِلَى أَرْبَابهَا أم إِلَى غير أَرْبَابهَا وَاشْترى عمر بْن الْخطاب دَارا للسجن من مَالك أَو من غير مَالك وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهل ترك لنا عقيل من دَار)(2/89)
قَالَ إِسْحَاق فَقلت الدَّلِيل عَلَى صِحَة قولي أَن بعض التَّابِعين قَالَ بِهِ
فَقَالَ الشَّافِعِي لبَعض الْحَاضِرين من هَذَا
فَقيل إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي
فَقَالَ الشَّافِعِي أَنْت الَّذِي يزْعم أهل خُرَاسَان أَنَّك فقيههم
قَالَ إِسْحَاق هَكَذَا يَزْعمُونَ
فَقَالَ الشَّافِعِي مَا أحوجني أَن يكون غَيْرك فِي موضعك فَكنت آمُر بعرك أُذُنَيْهِ أَقُول قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنت تَقول قَالَ عَطاء وَطَاوُس والْحَسَن وإِبْرَاهِيم وَهل لأحد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة
فَقَالَ إِسْحَاق اقْرَأ {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}
فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا فِي الْمَسْجِد خَاصَّة
وَعَن دَاوُد بْن عَلِيّ الْأَصْفَهَانِي أَنه كَانَ يَقُول إِن إِسْحَاق لم يفهم احتجاج الشَّافِعِي فَإِن غَرَض الشَّافِعِي أَن يَقُول لَو كَانَت أَرض مَكَّة مُبَاحَة للنَّاس لَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول أَي مَوضِع أدركنا فِي دَار أَي شخص نزلنَا فَإِن ذَلِك مُبَاح لنا فَلَمَّا لم يقل ذَلِك بل قَالَ (لم يتْرك لنا عقيل سكنا) دلّ ذَلِك عَلَى أَن كل من ملك مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ مَالك لَهُ مَنعه غَيره أَو لم يمنعهُ
ثمَّ يحْكى عَن إِسْحَاق أَنه كَانَ إِذا ذكر الشَّافِعِي كَانَ يَأْخُذ لحيته بِيَدِهِ وَيَقُول واحياي من مُحَمَّد بْن إِدْرِيس يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَلَا سِيمَا فِي قَوْله مردك لَا كَمَا لي نيست
وَفِي رِوَايَة قَالَ إِسْحَاق لما عرفت أَنِّي أفحمت قُمْت(2/90)
مناظرة أُخْرَى بَينهمَا
أَخْبَرَنَا الْمُحدث أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فى سادس رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمصْر قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن رواج إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الصَّيْرَفِي بِبَغْدَاد قِرَاءَة أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ الفالي أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن إِسْحَاق بْن خربَان النهاوندي أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلاد الرامَهُرْمُزِي حَدثنَا زَكَرِيَّا السَّاجِي حَدَّثَنِي جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَن إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي وأَحْمَد بْن حَنْبَل حَاضر فِي جُلُود الْميتَة إِذا دبغت
فَقَالَ الشَّافِعِي دباغها طهورها
فَقَالَ إِسْحَاق مَا الدَّلِيل
فَقَالَ الشَّافِعِي حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ (هَلا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا)
فَقَالَ إِسْحَاق حَدِيث ابْن عكيم كتب إِلَيْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مَوته بِشَهْر (لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب) أشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر
فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا كتاب وَذَاكَ سَماع
فَقَالَ إِسْحَاق إِن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَكَانَ حجَّة عَلَيْهِم عِنْد اللَّه(2/91)
فَسكت الشَّافِعِي فَلَمَّا سمع ذَلِك أَحْمَد بْن حَنْبَل ذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم وَأفْتى بِهِ وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي فَأفْتى بِحَدِيث مَيْمُونَة
قلت وَهَذِه المناظرة حَكَاهَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَقد يظنّ قَاصِر الْفَهم أَن الشَّافِعِي انْقَطع فِيهَا مَعَ إِسْحَاق وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك ويكفيه مَعَ قُصُور فهمه أَن يتَأَمَّل رُجُوع إِسْحَاق إِلَى قَول الشَّافِعِي فَلَو كَانَت حجَّته قد نهضت عَلَى الشَّافِعِي لما رَجَعَ إِلَيْهِ
ثمَّ تَحْقِيق هَذَا أَن اعْتِرَاض إِسْحَاق فَاسد الْوَضع لَا يُقَابل بِغَيْر السُّكُوت بَيَانه أَن كتاب عَبْد اللَّه بْن عكيم كتاب عَارضه سَماع وَلم يتَيَقَّن أَنه مَسْبُوق بِالسَّمَاعِ وَإِنَّمَا ظن ذَلِك ظنا لقرب التَّارِيخ وَمُجَرَّد هَذَا لَا ينْهض بالنسخ أما كتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر فَلم يعارضها شئ بل عضدتها الْقَرَائِن وساعدها التَّوَاتُر الدَّال عَلَى أَن هَذَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بالدعوة إِلَى مَا فِي هَذَا الْكتاب فلاح بِهَذَا أَن السُّكُوت من الشَّافِعِي تسجيل عَلَى إِسْحَاق بِأَن اعتراضه فَاسد الْوَضع فَلم يسْتَحق عِنْده جَوَابا وَهَذَا شَأْن الْخَارِج عَن المبحث عِنْد الجدليين فَإِنَّهُ لَا يُقَابل بِغَيْر السُّكُوت وَرب سكُوت أبلغ من نطق وَمن ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ إِسْحَاق وَلَو كَانَ السُّكُوت لقِيَام الْحجَّة لأكد ذَلِك مَا عِنْد إِسْحَاق فَافْهَم مَا يلقى إِلَيْك
مسَائِل غَرِيبَة عَن إِسْحَاق رَحمَه اللَّه تَعَالَى
الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَن صَلَاة الْكَافِر لَا تصيره مُسلما سَوَاء كَانَ فِي دَار الْحَرْب أم فِي دَار الْإِسْلَام
وَحُكِيَ قَول فِي الْحَرْبِيّ يُصَلِّي فِي دَار الْحَرْب وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي الْمَذْهَب مُطلقَة غير مُقَيّدَة بِصَلَاة وَاحِدَة أَو بصلوات كَثِيرَة
وَنقل ابْن عَبْد الْبر أَن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه قَالَ إِن الْعلمَاء أَجمعُوا فِي الصَّلَاة عَلَى مَا لم يجمعوا عَلَيْهِ فِي سَائِر الشَّرَائِع فَقَالُوا من عرف بالْكفْر وَكَانَ لَا يصلى ثمَّ رأؤه يصلى(2/92)
حَتَّى صلى صلوَات كَثِيرَة فِي وَقتهَا وَلم يعرفوا مِنْهُ إِقْرَار بِاللِّسَانِ أَنه يحكم لَهُ بِالْإِيمَان وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج انْتهى
وَأقرهُ ابْن عَبْد الْبر عَلَيْهِ وَهُوَ فرع غَرِيب ظَاهر كَلَام المذهبين أَنه لَا فرق بَين أَن تكَرر مِنْهُ الصَّلَاة أَو لَا تكَرر
20 - إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن إِسْحَاق الإِمَام الْجَلِيل أَبُو إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ
نَاصِر الْمَذْهَب وَبدر سمائه
ولد سنة خمس وَسبعين وَمِائَة
وَحدث عَن الشَّافِعِي ونعيم بْن حَمَّاد وَغَيرهمَا
رَوَى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وزَكَرِيا السَّاجِي وَابْن جوصا وَابْن أَبِي حَاتِم وَغَيرهم
وَكَانَ جبل علم مناظرا محجاجا
قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصفه لَو ناظره الشَّيْطَان لغلبه(2/93)
وَكَانَ زاهد ورعا متقللا من الدُّنْيَا مجاب الدعْوَة وَكَانَ إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة فِي جمَاعَة صلاهَا خمْسا وَعشْرين مرّة وَيغسل الْمَوْتَى تعبدا واحتسابا وَيَقُول أَفعلهُ ليرق قلبِي
قَالَ أَبُو الفوارس السندي كَانَ الْمُزنِيّ وَالربيع رضيعين
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كَانَ زاهد عَالما مُجْتَهدا مناظرا محجاجا غواصا عَلَى الْمعَانِي الدقيقة صنف كتبا كَثِيرَة الْجَامِع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير والمختصر والمنثور والمسائل الْمُعْتَبرَة وَالتَّرْغِيب فِي الْعلم وَكتاب الوثائق وَكتاب العقارب وَكتاب نِهَايَة الِاخْتِصَار
قَالَ الشَّافِعِي الْمُزنِيّ نَاصِر مذهبي
وَقَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان دَخَلنَا عَلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْد وَفَاته أَنا والبويطي والمزني ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم قَالَ فَنظر إِلَيْنَا الشَّافِعِي سَاعَة فَأطَال ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا فَقَالَ أما أَنْت يَا أَبَا يَعْقُوب فستموت فِي حَدِيد لَك وَأما أَنْت يَا مزني فسيكون لَك بِمصْر هَنَات وهنات ولتدركن زَمَانا تكون أَقيس أهل ذَلِك الزَّمَان وَأما أَنْت يَا مُحَمَّد فسترجع إِلَى مَذْهَب أَبِيك وَأما أَنْت يَا ربيع فَأَنت أنفعهم لي فِي نشر الْكتب قُم يَا أَبَا يَعْقُوب فتسلم الْحلقَة
قَالَ الرّبيع فَكَانَ كَمَا قَالَ
قلت وَذكروا أَن الْمُزنِيّ كَانَ إِذا فرغ من مَسْأَلَة فِي الْمُخْتَصر صلى رَكْعَتَيْنِ
وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان الْمَكِّيّ مَا رَأَيْت أحدا من المتعبدين فِي كَثْرَة من لقِيت مِنْهُم أَشد اجْتِهَادًا من الْمُزنِيّ وَلَا أدوم عَلَى الْعِبَادَة مِنْهُ وَمَا رَأَيْت أحدا أَشد تَعْظِيمًا للْعلم وَأَهله مِنْهُ وَكَانَ من أَشد النَّاس تضييقا عَلَى نَفسه فِي الْوَرع وأوسعه فِي ذَلِك عَلَى النَّاس وَكَانَ يَقُول أَنا خلق من أَخْلَاق الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو عَاصِم لم يتَوَضَّأ الْمُزنِيّ من حباب ابْن طولون وَلم يشرب من كيزانه قَالَ لِأَنَّهُ جعل فِيهِ سرجين وَالنَّار لَا تطهر(2/94)
وَقيل إِن بكار بْن قُتَيْبَة لما قدم مصر عَلَى قَضَائهَا وَهُوَ حَنَفِيّ فَاجْتمع بالمزني مرّة فَسَأَلَهُ رجل من أَصْحَاب بكار فَقَالَ قد جَاءَ فِي الْأَحَادِيث تَحْرِيم النَّبِيذ وتحليله فَلم قدمتم التَّحْرِيم على التَّحْلِيل فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يذهب أحد إِلَى تَحْرِيم النَّبِيذ فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَحْلِيله لنا وَوَقع الِاتِّفَاق عَلَى أَنه كَانَ حَلَالا فَحرم فَهَذَا يعضد أَحَادِيث التَّحْرِيم فَاسْتحْسن بكار ذَلِك مِنْهُ
أَخذ عَن الْمُزنِيّ خلائق من عُلَمَاء خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام
وَتُوفِّي لست بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرِّوَايَة عَن أَبِي إِبْرَاهِيم رَحمَه اللَّه تَعَالَى
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْبَز الأسدى سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ أَخْبَرَنَا جَدِّي الْحُسَيْنُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَرَّاءُ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَوَارِسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ سَنَةَ ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة أَخْبَرَنَا الْمُزَنِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ فَقِيلَ إِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ
وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى السّنة على النَّاس صَاع من تمر وَصَاع مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا
وَهِيَ مِنَ الأَسَانِيدِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَلَا حرج(2/95)
وَقد وَقع لنا جُزْء أخرجه الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى فِيهِ مَا فى مُخْتَصر أَبى إِبْرَاهِيم المزنى من الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ أخبرنَا بِهِ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج المزى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق قَالَ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن يحيى الكرخى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح
ح قَالَ شَيخنَا وَأخْبرنَا أَيْضا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَبى عصرون التميمى وست الْأُمَنَاء أمينة بنت أَبى نصر عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَسَاكِر وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاسِع بن عبد الكافى الأبهرى بقراءتى عَلَيْهِم قَالُوا أخبرنَا أَبُو بكر الْقَاسِم بن أَبى سعد عبد الله ابْن عمر بن أَحْمد الصفار قَالَ ابْن الصّلاح سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَاقُونَ كِتَابَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامى أخبرنَا الرئيس أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد المحمى أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الأزهرى الإسفراينى قِرَاءَة عَلَيْهِ فى رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وثلثمائة أخبرنَا خَال أمى أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَافِظ سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة حَدثنَا أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن يحيى المزنى قَالَ قَالَ الشافعى أخبرنَا سُفْيَان عَن الزهرى عَن أَبى سَلمَة عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدرى أَيْن باتت يَده)
هَذَا أول أَحَادِيث الْجُزْء وَكله سَمَاعا بِهَذَا السَّنَد وَأَكْثَره بِمثل هَذَا الْإِسْنَاد الْعَظِيم فَمن أَبى نعيم إِلَى أَبى هُرَيْرَة كلهم أَئِمَّة أجلاء ثَمَانِيَة من السادات علما ودينا وإتقانا(2/96)
وَمن مستغرب رِوَايَات أَبى إِبْرَاهِيم عَن الشافعى ومستظرفها
قَالَ البيهقى فى كتاب أَحْكَام الْقُرْآن الذى جمعه من كَلَام الشافعى وَهُوَ كتاب نَفِيس من ظريف مصنفات البيهقى سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْدَانِ الكرمانى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن أَبى إِسْمَاعِيل العلوى ببخارى يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسان المصرى بِمَكَّة يَقُول سَمِعت المزنى يَقُول سُئِلَ الشافعى عَن قَول الله عز وَجل {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ مَعْنَاهُ مَا تقدم من ذَنْب أَبِيك آدم عَلَيْهِ السَّلَام وهبته لَك وَمَا تَأَخّر من ذنُوب أمتك أدخلهم الْجنَّة بشفاعتك
قَالَ البيهقى وَهَذَا قَول مستظرف
قَالَ والذى وَضعه الشافعى يعْنى فى تَفْسِير هَذِه الْآيَة فى تصنيفه وَصَحَّ فى الرِّوَايَة وأشبه بِظَاهِر الْآيَة يعْنى مَا تقدم قبل الوحى وَمَا تَأَخّر أَن يعصمه فَلَا يُذنب فَعلم مَا يفعل بِهِ من رِضَاهُ عَنهُ وَأَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة وَسيد الْخَلَائق كَذَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشافعى
قلت وَقد نقل عَن عَطاء الخراسانى مثل التَّفْسِير الذى رَوَاهُ المزنى عَن الشافعى وَهُوَ أَنه قَالَ مَا تقدم من ذَنْب أَبَوَيْك آدم وحواء ببركتك وَمَا تَأَخّر من ذَنْب أمتك بدعوتك
قَالَ الطحاوى حَدثنَا المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول دخل ابْن عَبَّاس على عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ أَصبَحت وَقد أفسدت من دنياى كثيرا وأصلحت من دينى قَلِيلا فَلَو كَانَ مَا أصلحت هُوَ مَا أفسدت لفزت وَلَو كَانَ ينفعنى أَن أطلب طلبت وَلَو كَانَ ينجينى أَن أهرب هربت فعظنى بموعظة أنتفع بهَا يَا ابْن أخى فَقَالَ هَيْهَات يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن ابْن عَبَّاس يقنطنى من رحمتك فَخذ منى حَتَّى ترْضى(2/97)
قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم المزنى رَحمَه الله كنت يَوْمًا عِنْد الشافعى أسائله عَن مسَائِل بِلِسَان أهل الْكَلَام قَالَ فَجعل يسمع منى وَينظر إِلَى ثمَّ يجيبنى عَنْهَا بأحضر جَوَاب فَلَمَّا اكتفيت قَالَ لى يَا بنى أدلك على مَا هُوَ خير لَك من هَذَا قلت نعم فَقَالَ يَا بنى هَذَا علم إِن أَنْت أصبت فِيهِ لم تؤجر وَإِن أَخْطَأت فِيهِ كفرت فَهَل لَك فى علم إِن أصبت فِيهِ أجرت وَإِن أَخْطَأت لم تأثم قلت وَمَا هُوَ قَالَ الْفِقْه فَلَزِمته فتعلمت مِنْهُ الْفِقْه ودرست عَلَيْهِ
قَالَ وَكنت يَوْمًا عِنْده إِذْ دخل عَلَيْهِ حَفْص الْفَرد فَسَأَلَهُ عَن سُؤَالَات كَثِيرَة فَبَيْنَمَا الْكَلَام يجرى بَينهمَا وَقد دق حَتَّى لَا أفهمهُ إِذْ الْتفت إِلَى الشافعى مسرعا فَقَالَ يَا مزنى قلت لبيْك قَالَ تدرى مَا قَالَ حَفْص قلت لَا قَالَ خير لَك أَن لَا تدرى
قلت قَوْله بأحضر جَوَاب هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا ضاد منقوطة أفعل تَفْضِيل من حضر يحضر كَذَا سَمِعت والدى رَحمَه الله يلفظ بِهِ وَقد حَدثنَا بِهَذِهِ الْحِكَايَة من لَفظه أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة أخبرنَا ابْن رواج أخبرنَا السلفى أخبرنَا العلاف أخبرنَا الحمامى أخبرنَا الختلى حَدثنِي أَبُو الْيَسَار الْأَحول سَمِعت أَبَا إِبْرَاهِيم يَقُول فَذكره
قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم سَمِعت الشافعى يَقُول مَا رفعت أحدا فَوق مَنْزِلَته إِلَّا حط منى بِمِقْدَار مَا رفعت مِنْهُ
قَالَ الرافعى فى بَاب الْمُسَابقَة عَن المزنى أَنه قَالَ سَأَلنَا الشافعى أَن يصنف لنا كتاب الرمى والسبق فَذكر لنا أَن فِيهِ مسَائِل صعابا ثمَّ أملاه علينا وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب انْتهى
قلت قَوْله وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب هُوَ من كَلَام(2/98)
قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول من تعلم الْقُرْآن عظمت قِيمَته وَمن نظر فِي الْفِقْه نبل قدره وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته وَمن نظر فى اللُّغَة رق طبعه وَمن نظر فى الْحساب جزل رَأْيه وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ علمه
قَالَ ابْن خُزَيْمَة عَن المزنى سُئِلَ الشافعى عَن نعَامَة ابتلعت جَوْهَرَة لرجل فَقَالَ لست آمره بشئ وَلَكِن إِن كَانَ صَاحب الْجَوْهَرَة كيسا عدا على النعامة فذبحها واستخرج جوهرته ثمَّ ضمن لصَاحب النعامة مَا بَين قيمتهَا حَيَّة ومذبوحة
قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ أَربع عجائب رَأَيْت جدة بنت وَاحِدَة وَعشْرين سنة وَرَأَيْت رجلا فلسه القاضى فى مَدين نوى وَرَأَيْت شَيخا قد أَتَى عَلَيْهِ تسعون سنة يَدُور نَهَاره أجمع حافيا رَاجِلا على الْقَيْنَات يعلمهُنَّ الْغناء فَإِذا أَتَى الصَّلَاة صلى قَاعِدا ونسيت الرَّابِعَة
قَالَ المزنى مَرَرْنَا مَعَ الشافعى إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن علية على دَار قوم وَجَارِيَة تغنيهم
(خليلى مَا بَال المطايا كأننا ... نرَاهَا على الأعقاب بالقوم تنكص)
فَقَالَ الشافعى ميلوا بِنَا نسْمع فَلَمَّا فرغت قَالَ الشافعى لإِبْرَاهِيم أيطربك هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا بالك
قَالَ الأنماطى قَالَ المزنى أَنا أنظر فى كتاب الرسَالَة مُنْذُ خمسين سنة مَا أعلم أَنى نظرت فِيهِ مرّة إِلَّا وَأَنا أستفيد شَيْئا لم أكن عَرفته
قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول الْقَدَرِيَّة الَّذين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم مجوس هَذِه الْأمة) الَّذين يَقُولُونَ إِن الله لَا يعلم بالمعاصى حَتَّى تكون(2/99)
وَقَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أَقمت أَرْبَعِينَ سنة أسأَل الَّذين تزوجوا فَمَا مِنْهُم أحد قَالَ إِنَّه رأى خيرا
قَالَ وسمعته يَقُول أظلم الظَّالِمين لنَفسِهِ من تواضع لمن لَا يُكرمهُ وَرغب فى مَوَدَّة من لَا يَنْفَعهُ
وَعَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول لَا يحل لأحد سمع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى رفع الْيَدَيْنِ فى افْتِتَاح الصَّلَاة وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع من الرُّكُوع أَن يتْرك الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت هَذَا صَرِيح فى أَنه يُوجب ذَلِك
وروى الْحَافِظ أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن حمكان فى كِتَابه فى مَنَاقِب الشافعى أَن المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول بعث إِلَى هَارُون الرشيد لَيْلًا الرّبيع فهجم على من غير إِذن فَقَالَ لى أجب
فَقلت لَهُ فى مثل هَذَا الْوَقْت وَبِغير إِذن
قَالَ بذلك أمرت
فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرت بِبَاب الدَّار قَالَ لى اجْلِسْ فَلَعَلَّهُ قد نَام أَو قد سكنت سُورَة غَضَبه فَدخل فَوجدَ الرشيد منتصبا فَقَالَ مَا فعل مُحَمَّد بن إِدْرِيس قلت قد أحضرته فَخرجت فأشخصته
قَالَ الشافعى فتأملنى ثمَّ قَالَ لى يَا مُحَمَّد أرعبناك فَانْصَرف راشدا يَا ربيع احْمِلْ مَعَه بدرة ودراهم قَالَ فَقلت لَا حَاجَة لى فِيهَا قَالَ أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا أَخَذتهَا فَحملت بَين يدى
فَلَمَّا خرجت قَالَ لى الرّبيع بالذى سخر لَك هَذَا الرجل مَا الذى قلت فإنى أحضرتك وَأَنا أرى مَوضِع السَّيْف من قفاك فَقلت سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول(2/100)
سَمِعت نَافِعًا يَقُول سَمِعت عبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُمَا يَقُول دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب بِهَذَا الدُّعَاء فَكفى وَهُوَ (اللَّهُمَّ إنى أعوذ بِنور قدسك وبركة طهارتك وَعظم جلالك من كل طَارق إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير اللَّهُمَّ أَنْت غياثى فبك أغوث وَأَنت عياذى فبك أعوذ وَأَنت ملاذى فبك ألوذ يَا من ذلت لَهُ رِقَاب الْجَبَابِرَة وخضعت لَهُ مقاليد الفراعنة أجرنى من خزيك وعقوبتك فى ليلى ونهارى ونومى وقرارى لَا إِلَه إِلَّا أَنْت تَعْظِيمًا لوجهك وتكريما لسبحاتك فاصرف عَنى شَرّ عِبَادك واجعلنى فى حفظ عنايتك وسرادقات حفظك وعد على بِخَير مِنْك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ)
النّظر فى النُّجُوم وَمَا يُؤثر عَن الشافعى فى ذَلِك
عَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول ضَاعَ منى دَنَانِير فَجئْت بقائف فَنظر الْحِكَايَة
ونظيرها قَول عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الشافعى يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى وَهُوَ حدث ينظر فى النُّجُوم الْحِكَايَة وفى آخرهَا وَقد صدق مَعَه بعض المنجمين فَجعل الشافعى على نَفسه أَن لَا ينظر فى النُّجُوم
وَاعْلَم أَنه قد يعْتَرض معترض على نظر هَذَا الإِمَام فى النُّجُوم فيجيب مُجيب أَن ذَلِك كَانَ فى حَدَاثَة سنه وَلَيْسَ هَذَا بِجَوَاب والخطب فى مَسْأَلَة النّظر فى النُّجُوم جليل عسير وجماع القَوْل أَن النّظر فِيهِ لمن يحب إحاطة بِمَا عَلَيْهِ أَهله غير مُنكر أما اعْتِقَاد تَأْثِيره وَمَا يَقُوله أَهله فَهَذَا هُوَ الْمُنكر وَلم يقل بحله لَا الشافعى وَلَا غَيره(2/101)
وَرَأَيْت الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح ذكر فى كتاب الشَّهَادَات من تَعْلِيقه وَقد ذكر عَن الشافعى مَا ذَكرْنَاهُ إِن كَانَ المنجم يَقُول ويعتقد أَن لَا يُؤثر إِلَّا الله لَكِن أجْرى الله تَعَالَى الْعَادة بِأَنَّهُ يَقع كَذَا عِنْد كَذَا والمؤثر هُوَ الله فَهَذَا عندى لَا بَأْس بِهِ وَحَيْثُ جَاءَ الذَّم ينبغى أَن يحمل على من يعْتَقد تَأْثِير النُّجُوم وَغَيرهَا من الْمَخْلُوقَات انْتهى
وَكَانَت الْمَسْأَلَة قد وَقعت فى زَمَانه فَذكر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ
وَأفْتى الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكانى بِالتَّحْرِيمِ مُطلقًا وَأطَال فِيهِ وَلَيْسَ مَا ذكره بالبين وَالظَّن أَنه لَو استحضر صَنِيع الشافعى لما أطلق لِسَانه هَذَا الْإِطْلَاق
وَأفْتى ابْن الصّلاح بِتَحْرِيم الضَّرْب فى الرمل وبالحصى وَنَحْو ذَلِك
وَلأَهل الْعلم على قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم} مبَاحث
ذكر الْبَحْث عَن تخريجات المزنى رَحمَه الله وآرائه هَل تلتحق بِالْمذهبِ
قَالَ الرافعى فى بَاب الْوضُوء تفردات المزنى لَا تعد من الْمَذْهَب إِذا لم يُخرجهَا على أصل الشافعى
وَنقل أعنى الرافعى عَمَّا علق عَن الإِمَام فى مَسْأَلَة خلع الْوَكِيل أَن المزنى لَا يُخَالف أصُول الشافعى وَأَنه لَيْسَ كأبى يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يخالفان أصُول صَاحبهمَا(2/102)
والذى رَأَيْته فى النِّهَايَة فى هَذِه الْمَسْأَلَة والذى أرَاهُ أَن يلْحق مذْهبه فى جَمِيع الْمسَائِل بِالْمذهبِ فَإِنَّهُ مَا انحاز عَن الشافعى فى أصل يتَعَلَّق الْكَلَام فِيهِ بقاطع وَإِذا لم يُفَارق الشافعى فى أُصُوله فتخريجاته خَارِجَة على قَاعِدَة إِمَامه وَإِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق بِالْمذهبِ فأولاها تَخْرِيج المزنى لعلو منصبه وتلقيه أصُول الشافعى وَإِنَّمَا لم يلْحق الْأَصْحَاب مذْهبه فى هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن من صِيغَة تَخْرِيجه أَن يَقُول قِيَاس مَذْهَب الشافعى كَذَا وَكَذَا فَإِذا انْفَرد بِمذهب اسْتعْمل لَفْظَة تشعر بانحيازه وَقد قَالَ فى هَذِه الْمَسْأَلَة لما حكى جَوَاب الشافعى لَيْسَ هَذَا عندى بشئ واندفع فى تَوْجِيه مذْهبه
وَالْمَسْأَلَة إِذا وكلته فى الْخلْع بمقدر فَزَاد عَلَيْهِ وأضاف فمنصوص الشافعى أَن الْبَيْنُونَة حَاصِلَة وَمذهب المزنى أَن الطَّلَاق لَا يَقع
قلت وَلَعَلَّ الشهرستانى صَاحب كتاب الْملَل والنحل تلقى هَذَا الْكَلَام من الإِمَام فَإِنَّهُ ذكر فى كِتَابه أَن المزنى وَغَيره من أَصْحَاب الشافعى لَا يزِيدُونَ على اجْتِهَاده اجْتِهَادًا وَلَكِن فى كَلَام الإِمَام مَا يقتضى أَنه أعنى المزنى رُبمَا اخْتَار لنَفسِهِ وانحاز عَن الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وينبغى أَن يكون الفيصل فى المزنى أَن تخريجاته مَعْدُودَة من الْمَذْهَب لِأَنَّهَا على قَاعِدَة الإِمَام الْأَعْظَم وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الإِمَام أَبُو المعالى بقوله إِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق إِلَى آخِره وَأما اختياراته الْخَارِجَة عَن الْمَذْهَب فَلَا وَجه لعَدهَا أَلْبَتَّة
وَأما إِذا أطلق فَذَلِك مَوضِع النّظر وَالِاحْتِمَال وَأرى أَن مَا كَانَ من تِلْكَ المطلقات فى مُخْتَصره تلتحق بِالْمذهبِ لِأَنَّهُ على أصُول الْمَذْهَب بناه وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله فى خطبَته هَذَا مُخْتَصر اختصرته من علم الشافعى وَمن معنى قَوْله
وَأما مَا لَيْسَ فى الْمُخْتَصر بل هُوَ فى تصانيفه المستقلة فموضع التَّوَقُّف وَهُوَ فى مُخْتَصره الْمُسَمّى نِهَايَة الِاخْتِصَار يُصَرح بمخالفة الشافعى فى مَوَاضِع فَتلك لَا تعد من الْمَذْهَب قطعا(2/103)
وَقَالَ النووى فى مُقَدّمَة شرح الْمُهَذّب الْأَوْجه لأَصْحَاب الشافعى رضى الله عَنهُ المنتسبين إِلَى مذْهبه يخرجونها على أُصُوله ويستنبطونها من قَوَاعِده ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله انْتهى
وَقَوله ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله يُوهم أَنه يعد من الْمَذْهَب مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل الْفَصْل فِيمَا اجتهدوا فِيهِ وَلم يأخذوه من أَصله أَنه لَا يعد إِلَّا إِذا لم يناف قَوَاعِد الْمَذْهَب فَإِن نافاها لم يعد وَإِن ناسبها عد وَإِن لم يكن فِيهِ مُنَاسبَة وَلَا مُنَافَاة وَقد لَا يكون لذَلِك وجود لإحاطة الْمَذْهَب بالحوادث كلهَا ففى إِلْحَاقه بِالْمذهبِ تردد
وكل تَخْرِيج أطلقهُ الْمخْرج إطلاقا فَيظْهر أَن ذَلِك الْمخْرج إِن كَانَ مِمَّن يغلب عَلَيْهِ التمذهب والتقيد كالشيخ أَبى حَامِد والقفال عد من الْمَذْهَب وَإِن كَانَ مِمَّن كثر خُرُوجه كالمحمدين الْأَرْبَعَة فَلَا يعد
وَأما المزنى وَبعده ابْن سُرَيج فَبين الدرجتين لم يخرجُوا خُرُوج المحمدين وَلم يتقيدوا بِقَيْد الْعِرَاقِيّين والخراسانيين
وَمن الْمسَائِل عَن أَبى إِبْرَاهِيم
قَالَ أَبُو عَاصِم نَاظر أَبُو إِبْرَاهِيم فى مجْلِس ابْن طولون فى الْقَضَاء على الْغَائِب فألزم الْحَاضِر فى الْمجْلس فَقَالَ من يجوز الْقَضَاء على الْغَائِب يجوزه على الْحَاضِر
قَالَ وَنَقله الشاشى إِلَى كِتَابه
قَالَ وفى كتب الشافعى أَنه يجوز السماع وَلَا يحكم حَتَّى يَقُول لَهُ هَل لَك طعن
قلت وهى وُجُوه مسطورة فى الْمَذْهَب أَصَحهَا الْمَنْع وَثَالِثهَا يسمع وَلَا يحكم
قَالَ أَبُو عَاصِم وصنف المزنى كتاب العقارب وَقَالَ فِيهِ إِن الْقصاص فى النَّفس لَا يسْقط بعفوه عَن الْجراحَة(2/104)
قلت هُوَ الْمَشْهُور عَن أَبى الطّيب بن سَلمَة ويحكى عَن تَخْرِيج ابْن سُرَيج وَقد رَأَيْته فى العقارب كَمَا نقل العبادى وَعبارَة المزنى أَنه الأقيس
قَالَ العبادى وَقَالَ فِيهِ إِن الْمُضْطَر يَأْكُل الآدمى الْمَيِّت
قلت قد رَأَيْته أَيْضا فى العقارب وَعبارَته وَقد سُئِلَ عَن مُضْطَر لَا يجد ميتَة وَوجد لحم إِنْسَان هَل يَأْكُلهُ إِن الْقيَاس أَن يَأْكُل فقد أَبَاحَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبّ الله تَعَالَى وَهُوَ أعظم وَأجل قَالَ (والساب لله كَافِر والمستخف بِحَق الله كَافِر غير أَن الساب لله أعظم جرما وَأطَال فِيهِ)
فَأَما قَوْله (الصَّحِيح أَنه يَأْكُل) فَهُوَ الصَّحِيح فى الْمَذْهَب قَالَ إِبْرَاهِيم المروروذى إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت نَبيا
قلت كتاب العقارب مُخْتَصر فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَة وَلَدهَا المزنى وَرَوَاهَا عَنهُ الأنماطى وأظن ابْن الْحداد نسج فروعه على منوالها
وَمن غرائب العقارب
رَأَيْت المزنى قد نقل فِيهَا إِجْمَاع الْعلمَاء أَن من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث وَاسْتشْهدَ بِهِ للرَّدّ على الشافعى وأبى حنيفَة وَمَالك فَإِنَّهُ نقل عَنْهُم فِيمَن قَالَ لامْرَأَته إِن لم أطأك اللَّيْلَة فَأَنت طَالِق فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَو مُحرمَة أَو صَائِمَة أَو كَانَ قد ظَاهر مِنْهَا وَلم يكفر أَنه لَا حنث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى وَطئهَا
ثمَّ قَالَ يدْخل عَلَيْهِم أَن يُقَال لَيْسَ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم من الْأَيْمَان بشئ أَلا ترى أَن من حلف أَن يعْصى الله فَلم يفعل أَنه حانث وَإِن فعل بر وَقد أَجمعت الْعلمَاء أَنه من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث عِنْدهم ففى هَذَا دَلِيل أَن عِلّة هَؤُلَاءِ من الْإِكْرَاه لَيْسَ بعلة انْتهى
وَمَا نَقله من الْإِجْمَاع لابد أَن يُنَازع فِيهِ وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون فِيهِ قولا الْمُكْره(2/105)
وَقد نقل الرافعى فى فروع الطَّلَاق عَن العقارب مَا نَقَلْنَاهُ وَقَالَ قد قيل إِن الْمَذْهَب مَا قَالَه المزنى وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَقيل هُوَ على الْخلاف فى فَوَات الْبر بِالْإِكْرَاهِ
قلت وَحَاصِل الْأَمر أَن هُنَا إِكْرَاها شَرْعِيًّا على عدم الْوَطْء وفى إِلْحَاقه بِالْإِكْرَاهِ الحسى نظر وَالْأَشْبَه أَنه لَا يلْتَحق بِهِ لِأَن فى الرافعى وَغَيره فِيمَن حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يسْتَوْفى فأفلس ثمَّ فَارقه أَنه يَحْنَث وَإِن كَانَ الشَّرْع لَا يجوز لَهُ ملازمته بعد الإفلاس فَمَا ذكره المزنى هُوَ الْقيَاس الظَّاهِر
قَالَ المزنى فى كِتَابه نِهَايَة الِاخْتِصَار وَقد وقفت مِنْهَا على أصل قديم كتب سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة إِنَّه لَا حد لأَقل الْحيض وَهُوَ كَذَلِك فى تَرْتِيب الْأَقْسَام للمرعشى وَلَعَلَّه من هَذَا الْكتاب أَخذه
ثمَّ قَالَ المزنى فى النّفاس وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا فى رأى الشافعى وفى رأيى أَرْبَعُونَ يَوْمًا انْتهى
وَكَثِيرًا مَا يذكر فى هَذَا الْمُخْتَصر آراء نَفسه وَهُوَ مُخْتَصر جدا لَعَلَّه نَحْو ربع التَّنْبِيه أَو دونه
وَذكر فِيهَا من بَاب الِاسْتِبْرَاء قَول الشافعى فِيهِ ثمَّ نَص على مذْهبه فى الِاسْتِبْرَاء المعزو إِلَيْهِ فى الرافعى وَغَيره فَقَالَ وقولى أَن لَيْسَ على أحد ملك أمة بأى وَجه ملكهَا اسْتِبْرَاء إِلَّا أَن تكون مَوْطُوءَة لم تستبرأ وَكَانَت حَامِلا انْتهى
وَعبارَة الرَّوْضَة فى نقل هَذَا عَنهُ وَعَن المزنى فها هُوَ وَقد صرح بِهِ(2/106)
وَذكر فى بَاب الْكِتَابَة مَذْهَب الشافعى فى وجوب إتْيَان الْمكَاتب وَلم يُوَافقهُ وَهَذِه عبارَة نِهَايَة الِاخْتِصَار وعَلى سَيّده أَن يضع عَنهُ من كِتَابَته شَيْئا فى قَول الشافعى وَلم يحد فى ذَلِك حدا وَلَا تبين عندى أَن ذَلِك عَلَيْهِ انْتهى
وَذهب المزنى إِلَى أَن العَبْد الْمكَاتب فى الْمَرَض إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يعْتق مِنْهُ شَيْء وَإِن خرج بعضه وَهَذِه عِبَارَته وَلَو كَاتب عَبده فى مرض مَوته جَازَ إِن خرج العَبْد من ثلث مَاله فَإِن لم يخرج كُله جَازَ مِنْهُ مَا خرج من الثُّلُث فى قَول الشافعى وفى رأيى إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يجز مِنْهَا شَيْء انْتهى
وَمن دَقِيق مستدركات أَبى إِبْرَاهِيم
شكك رَحمَه الله على قتل تَارِك الصَّلَاة مُشِيرا إِلَى أَنه لَا يتَصَوَّر لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون على ترك صَلَاة مَضَت أَو لم تأت وَالْأول بَاطِل لِأَن المقضية لَا يقتل بِتَرْكِهَا والثانى كَذَلِك لِأَنَّهُ مَا لم يخرج الْوَقْت فَلهُ التَّأْخِير فعلام يقتل
قلت وَهَذَا تشكيك صَعب وأقصى مَا تحصلت فى دَفعه من كَلَام الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة مسالك
المسلك الأول أَن هَذَا يلزمكم فى حَبسه وتعزيره فَإِن المزنى يَقُول يحبس تاركها وَيُعَزر وَهَذِه طَريقَة القاضى أَبى الطّيب وَذكرهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَيْضا قَالَ فَمَا كَانَ جَوَابا للمزنى عَن الْحَبْس وَالتَّعْزِير فَهُوَ جَوَابنَا عَن الْقَتْل
قلت وهى طَريقَة جدلية لَا أرضاها
والمسلك الثانى وَعَلِيهِ الْأَكْثَر قَالُوا بقتْله على الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ تَركهَا بِلَا عذر وَالْقَضَاء فى هَذِه الصُّورَة على الْفَوْر فَإِذا امْتنع مِنْهُ قتل
قلت وَلَا أرْضى هَذَا المسلك أَيْضا لِأَن لنا خلافًا شهيرا فى أَن الْقَضَاء هَل يجب على الْفَوْر جُمْهُور الْعِرَاقِيّين على عدم الْوُجُوب فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يلْزم أَن يجىء خلاف فى قتل تَارِك الصَّلَاة وَذَلِكَ لَا يعرف(2/107)
بل أَقُول وَقع فى كَلَام كثير من الْمُتَقَدِّمين التَّصْرِيح بِأَن الشافعى لَا يقتل بالمقضية مُطلقًا
وَوجدت فى تَعْلِيق الشَّيْخ أَبى حَامِد أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَا يقتل بالامتناع من الْقَضَاء
والمسلك الثَّالِث وَهُوَ عندى خير المسالك أَنا نَقْتُلهُ للمؤداة فى آخر وَقتهَا وَذَلِكَ إِذا لم يبْق بَينه وَبَين آخر وَقتهَا إِلَّا قدر مَا يصلى فِيهِ فرض الْوَقْت وَهَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فى التعليقة وَهُوَ جيد لَكِن يلْزم مِنْهُ أَن تكون الْمُبَادرَة إِلَى قتل تَارِك الصَّلَاة أَحَق مِنْهَا إِلَى الْمُرْتَد فَإِن الْمُرْتَد يُسْتَتَاب وَهَذَا لَا يُسْتَتَاب لِأَنَّهُ لَو أمْهل مُدَّة الاستتابة لخرج الْوَقْت وَلَو خرج لَصَارَتْ مقضية لَا مُؤَدَّاة
لَا يخفى على الفطن صعوبة تشكيك المزنى رَحمَه الله تَعَالَى
وَقد سلك ابْن الرّفْعَة فى فسخ الْمَرْأَة بإعسار زَوجهَا عَن نَفَقَتهَا حَيْثُ قَالَ قَالَ الْأَصْحَاب إِن الْفَسْخ يكون بِالْعَجزِ عَن نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع أَو بعد مضى يَوْم وَلَيْلَة وَنَازع الرافعى فى بحث لَهُ هُنَاكَ ذكره فى مَوَاضِع من بَاب نَفَقَة الزَّوْجَة فَلْينْظر
وعَلى مساقة نقرر نَحن طَريقَة المزنى هَكَذَا لَو قتل بِتَرْكِهَا فإمَّا أَن يكون وَقتهَا قد خرج فَيلْزم الْقَتْل على المقضية أَو لم يخرج بل هُوَ بَاقٍ موسع وَلَا قَائِل بِهِ أَو بَاقٍ وَقد يضيق فإمَّا أَن لَا يُمْهل للاستتابة فَيلْزم أَن يكون حَاله أَشد من الْمُرْتَد أَو يُمْهل فَيلْزم أَن تعود مقضية وَإِذا عَادَتْ فإمَّا أَن يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ بعْدهَا وَالْقَتْل للمتجددة لَعَلَّه أولى للْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا بِخِلَاف المقضية فَإِن لنا خلافًا فى وجوب فعلهَا على الْفَوْر وَإِذا انْتقل الْقَتْل إِلَيْهَا فهى ذَنْب غير الذَّنب بترك تِلْكَ فليجدد لَهَا مُدَّة تَوْبَة وَهَكَذَا وَإِمَّا أَن لَا يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ وَهَذَا قد يلْتَزم لَكِن لَا بُد أَن يطرقه الْخلاف فى وجوب الْقَضَاء على الْفَوْر(2/108)
وَمن مستدركات الْأَصْحَاب على أَبى إِبْرَاهِيم
وَذَلِكَ كثير ثمَّ هُوَ عِنْد مُخَالفَته الشافعى ضَرْبَة لازب فلنقتصر على غَرِيب مِمَّا وَرَاءه فَمِنْهُ
قَالَ المزنى فى المناضلة لَو أخرج فَخرج مَالا وَقَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك المَال لم يجز لِأَنَّهُ ناضل نَفسه ذكره نقلا عَن الشافعى
وافترق الْأَصْحَاب فأكثرهم خطأه نقلا وتعليلا وَقَالُوا قد نَص الشافعى على الْجَوَاز ثمَّ هُوَ الْوَجْه لِأَن الْمَقْصُود من إِخْرَاج السَّبق التحريض على الرمى فَلَا فرق بَين صدوره من رام وَاحِد أَو جمَاعَة
قَالُوا وَقَوله ناضل نَفسه خطأ بِلَا شكّ انْتقل فِيهِ ذهنه من مَسْأَلَة أُخْرَى قَالَهَا الشافعى وهى ارْمِ عشرَة عَن نَفسك وَعشرَة عَنى فَإِن كَانَت القرعات فى عشرتك أَكثر فلك مَا أخرجت فَهُنَا يكون مناضلا نَفسه وَفِيه نَص الشافعى على الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يقصر فى الْعشْرَة الْمَشْرُوطَة للسبق فَيكون مناضلا نَفسه
قَالُوا وَقد نقل الرّبيع الصُّورَتَيْنِ على الصَّوَاب وترقت رُتْبَة الرّبيع من أجل ذَلِك وَنَحْوه فى الْمَنْقُول لِأَنَّهُ يعْتَمد غَالِبا أَلْفَاظ الإِمَام الْأَعْظَم فَقل مَا تطرق إِلَيْهِ الْخَطَأ والمزنى رَحمَه الله رُبمَا أدلى بِعِلْمِهِ وجودة فطنته فَغير اللَّفْظ وَمن هُنَاكَ يُؤْتى حَتَّى انْتهى الرّبيع إِلَى أَن تترجح رواياته وَإِن كَانَ الْفِقْه وَرَاءَهَا كَمَا سيأتى إِن شَاءَ الله فى أَوَائِل تَرْجَمته
وأقصى مَا فعله المساعدون للمزنى أَن تأولوا كَلَامه وَلَيْسَ فيهم من أَخذ بِظَاهِرِهِ فَإِن مناضلته لنَفسِهِ لَا تعقل(2/109)
21 - بَحر بن نصر بن سَابق الخولانى أَبُو عبد الله المصرى مولى بنى سعد بن خولان
مولده سنة ثَمَانِينَ أَو إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وَقَالَ الطحاوى ولد بَحر بن نصر وَالربيع المرادى والمزنى ثَلَاثَتهمْ فى سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة
روى عَن عبد الله بن وهب وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى والشافعى وَبِه تفقه وضمرة بن ربيعَة وَأَشْهَب وَبشر بن بكر وَطَائِفَة
روى عَنهُ ابْن جوصا وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَأَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو عوَانَة الإسفراينى وَأحمد بن مَسْعُود بن عَمْرو الزنبرى وَمُحَمّد بن بشر الزبيرى العكرى وَأَبُو الفوارس بن السندى وَأحمد بن عبد الله البهنسى الْعَطَّار وَأحمد بن على بن شُعَيْب المدينى وَأحمد بن على بن حسن المدائنى وَأحمد بن مُحَمَّد بن أسيد الأصبهانى وَأحمد بن مُحَمَّد بن فضَالة الحمصى الصفار وَأحمد بن مُحَمَّد بن شاهين وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهم
وروى النسائى فى حَدِيث مَالك الذى جمعه عَن زَكَرِيَّاء خياط السّنة عَن بَحر ابْن نصر هَذَا
وثقة ابْن أَبى حَاتِم وَغَيره(2/110)
توفى بِمصْر فى شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عميرَة أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن البن أخبرنَا جدى أَبُو الْقَاسِم أخبرنَا على بن مُحَمَّد أخبرنَا مُحَمَّد بن نظيف حَدثنَا أَبُو الفوارس أَحْمد بن مُحَمَّد الصابونى حَدثنَا بَحر بن نصر حَدثنَا ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للوزع الفويسق
قَالَ بَحر بن نصر كُنَّا إِذا أردنَا أَن نبكى قُلْنَا بَعْضنَا لبَعض قومُوا بِنَا إِلَى هَذَا الْفَتى المطلبى يقْرَأ الْقُرْآن فَإِذا أتيناه استفتح الْقُرْآن حَتَّى نتساقط بَين يَدَيْهِ وَيكثر عجيجنا بالبكاء فَإِذا رأى ذَلِك أمسك عَن الْقِرَاءَة من حسن صَوته روى بِإِسْنَاد جيد فى حسن صَوت الشافعى رضى الله عَنهُ بِالْقُرْآنِ
قَالَ بَحر سَأَلت الشافعى عَن قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرُّوا الطير فى مَكَانهَا فَقَالَ مَا سيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة يُونُس
وَقَالَ بَحر سُئِلَ الشافعى عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرعوا إِن شِئْتُم قَالَ هى الفرعة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وَالْعين الْمُهْملَة كَانُوا ينحرون فى الْجَاهِلِيَّة لآلهتهم أول مَا تلده النَّاقة وَيُسمى الفرعة وَالْفرع فَأخْبر أَن لَا كَرَاهَة فِيهِ
قَالَ وَقَوله الفرعة حق يعْنى لَيْسَ بباطل
وَقَوله لَا فرع وَلَا عتيرة يعْنى لَيْسَ بِوَاجِب
قلت وَقد أَشَارَ الرافعى آخر بَاب الضَّحَايَا إِلَى اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فى كَرَاهَة الْفَرْع(2/111)
وَالْعَتِيرَة وَأَن من نفى الْكَرَاهَة قَالَ الْمَنْع رَاجع إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهُوَ الذّبْح لآلهتهم أَو أَن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب انْتهى
وَقَوله إِن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب هُوَ هَذَا الذى نَقله بَحر بن نصر عَن الشافعى فى معنى الحَدِيث وَنَقله فى بعض نسخ الرافعى إِذْ الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب وَلَيْسَ بجيد بل هما جوابان أَحدهمَا أَن الْمَنْع رَاجع إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهُوَ الذّبْح لآلهتهم وَالْمَنْع حِينَئِذٍ منع تَحْرِيم والثانى أَن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب فالنفى لَيْسَ للنهى وَهُوَ مَنْقُول بَحر عَن الشافعى فاستفده
22 - الْحَارِث بن سُرَيج النقال بالنُّون أَبُو عَمْرو الخوارزمى ثمَّ البغدادى
وَإِنَّمَا قيل لَهُ النقال لِأَنَّهُ نقل رِسَالَة الشافعى إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مهدى وَحملهَا إِلَيْهِ
روى عَن الشافعى وَحَمَّاد بن سَلمَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيزِيد بن زُرَيْع وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن أَبى الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيم بن هَاشم البغوى وَأحمد بن الْحسن الصوفى وَغَيرهم مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ الْحَارِث بن سُرَيج سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يَقُول أَنا أَدْعُو الله للشافعى أخصه بِهِ
وَكَذَلِكَ ذكر يحيى بن معِين أَنه سمع يحيى بن سعيد يَقُول أَنا أَدْعُو الله للشافعى فى صلاتى مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة
قَالَ الْحَارِث لما حملت الرسَالَة إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مهدى جعل يتعجب وَيَقُول لَو كَانَ أقل لنفهم لَو كَانَ أقل لنفهم(2/112)
قَالَ الإِمَام دَاوُد بن على الأصفهانى سَمِعت الْحَارِث النقال يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله الحجبى يَقُول للشافعى مَا رَأَيْت هاشميا يفضل أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا على على كرم الله وَجهه غَيْرك فَقَالَ لَهُ الشافعى على ابْن عمى وَابْن خالتى وَأَنا رجل من عبد منَاف وَأَنت رجل من بنى عبد الدَّار وَلَو كَانَت هَذِه مكرمَة لَكُنْت أولى بهَا مِنْك
قلت اسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غَانِم بن أَبى زيد الأصبهانى الْمَعْرُوف بِابْن المقرى فى كِتَابه شِفَاء الصُّدُور فى مَنَاقِب الشافعى بِهَذَا الْكَلَام على أَن أم الشافعى لَيست من ولد على بن أَبى طَالب قَالَ لِأَنَّهُ رضى الله عَنهُ قَالَ فى على كرم الله وَجهه ابْن خالتى وَابْن عمى وَلم يقل جدى وَلَو كَانَ من أَوْلَاد على لقَالَ جدى لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة
قلت وسأتكلم على هَذَا فى تَرْجَمَة يُونُس بن عبد الْأَعْلَى
23 - الْحَارِث بن مِسْكين بن مُحَمَّد بن يُوسُف الأموى أَبُو عَمْرو المصرى
فَقِيه مُحدث صَالح إِمَام
أَخذ عَن الشافعى وَقَالَ راددته حَيْثُ يَقُول الْكَفَاءَة فى الدّين لَا فى النّسَب
وَرَأى اللَّيْث بن سعد وَرَأى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن وهب وخلقا
روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَأَبُو يعلى الموصلى وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَطَوَائِف
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِيهِ قولا جميلا(2/113)
وَقَالَ ابْن معِين لَا بَأْس بِهِ
ويروى أَن رجلا من المسرفين على أنفسهم مَاتَ فرئى فى الْمَنَام فَقَالَ إِن الله غفر لى بِحُضُور الْحَارِث بن مِسْكين جنازتى وَإنَّهُ استشفع فى فشفع
وَقد قَالَ غير وَاحِد إِن الْحَارِث كَانَ فَقِيها على مَذْهَب مَالك وَلَعَلَّه الْأَشْبَه
وَلَكنَّا ذَكرْنَاهُ تبعا للعبادى وَغَيره مِمَّن ذكره وَلم نطل فى تَرْجَمته لذَلِك
وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِى رَوَاهَا خَارِجَة عَن جادة الْمَذْهَب
توفى لثلاث بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ مولده سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة
24 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح البغدادى الإِمَام أَبُو على الزعفرانى
أحد رُوَاة الْقَدِيم كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا فَقِيها مُحدثا فصيحا بليغا ثِقَة ثبتا
قَالَ الماوردى هُوَ أثبت رُوَاة الْقَدِيم
وَقَالَ أَبُو عَاصِم الْكتاب العراقى مَنْسُوب إِلَيْهِ
وَقد سمع بقرَاءَته الْكتب على الشافعى أَحْمد وَأَبُو ثَوْر والكرابيسى
قلت والزعفرانى مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة بِالسَّوَادِ يُقَال لَهَا الزعفرانية كَذَا ذكر ابْن حبَان
قلت ثمَّ سكن الْمشَار إِلَيْهِ بَغْدَاد فى بعض دروبها فنسب الدَّرْب إِلَيْهِ وَصَارَ يُقَال لَهُ درب الزعفرانى بِبَغْدَاد وفى الدَّرْب الْمَذْكُور مَسْجِد الشافعى رضى الله عَنهُ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى يدرس فِيهِ(2/114)
وَقد عكس شَيخنَا الذهبى فَذكر أَن الزعفرانى مَنْسُوب إِلَى درب الزَّعْفَرَان وَالصَّوَاب عَكسه وَهُوَ أَن درب الزَّعْفَرَان مَنْسُوب إِلَى الزَّعْفَرَانِي وَأَن الزَّعْفَرَانِي مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة كَمَا قدمْنَاهُ عَن ابْن حبَان وسيأتى فى كَلَام أَبى على نَفسه مَا يدل عَلَيْهِ
سمع الزعفرانى من سُفْيَان بن عُيَيْنَة والشافعى وَعبيدَة بن حميد وَعبد الْوَهَّاب الثقفى وَيزِيد بن هَارُون وَخلق
روى عَنهُ البخارى وَأَبُو دَاوُد والترمذى والنسائى وَابْن ماجة فَلَيْسَ فى السِّتَّة من لم يرو لَهُ إِلَّا مُسلم
وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو الْقَاسِم البغوى وَابْن صاعد وزَكَرِيا الساجى وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة وَمُحَمّد بن مخلد وَأَبُو سعيد بن الأعرابى وَطَائِفَة
قَالَ النسائى ثِقَة
وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو ثَوْر يحْضرَانِ عِنْد الشافعى وَكَانَ الْحسن الزعفرانى هُوَ الذى يتَوَلَّى الْقِرَاءَة
وَقَالَ زَكَرِيَّا الساجى سَمِعت الزعفرانى يَقُول قدم علينا الشافعى فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ التمسوا من يقْرَأ لكم فَلم يجترئ أحد أَن يقْرَأ عَلَيْهِ غيرى وَكنت أحدث الْقَوْم سنا مَا كَانَ فى وجهى شَعْرَة وإنى لأتعجب الْيَوْم من انطلاق لسانى بَين يدى الشافعى وأتعجب من جسارتى يَوْمئِذٍ فَقَرَأت عَلَيْهِ الْكتب كلهَا إِلَّا كتابين فَإِنَّهُ قرأهما علينا كتاب الْمَنَاسِك وَكتاب الصَّلَاة
وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْجراح سَمِعت الْحسن الزعفرانى يَقُول لما قَرَأت كتاب الرسَالَة على الشافعى قَالَ لى من أَي الْعَرَب أَنْت قلت مَا أَنا بعربى وَمَا أَنا إِلَّا من قَرْيَة يُقَال لَهَا الزعفرانية قَالَ فَأَنت سيد هَذِه الْقرْيَة
قلت فى هَذِه الْحِكَايَة دلَالَة على مَا قدمْنَاهُ من الصَّوَاب عندنَا فى نسبته
وَمِمَّا يحْكى من فصاحة الزعفرانى أَن الأنماطى قَالَ سَمِعت المزنى يَقُول سَمِعت(2/115)
الشافعى يَقُول رَأَيْت فى بَغْدَاد نبطيا يتَنَحَّى على حَتَّى كَأَنَّهُ عربى وَأَنا نبطى فَقيل لَهُ من هُوَ فَقَالَ الزعفرانى
وَذكر بعض المؤرخين أَنه لم يكن فى عصر الزعفرانى أحسن صُورَة مِنْهُ وَلَا أفْصح لِسَانا وَأَنه لم يتَكَلَّم فِيهِ أحد بِسوء
وَقَالَ القاضى أَبُو حَامِد المروروذى كَانَ الزعفرانى من أهل اللُّغَة
توفى فى شهر رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرِّوَايَة والفوائد والمسائل عَن الزعفرانى
قَالَ الزعفرانى سَمِعت مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى يَقُول كنت عِنْد ابْن عُيَيْنَة وَعِنْده ابْن الْمُبَارك فَذكرُوا الْبُخْل فَقَالَ ابْن الْمُبَارك حَدثنَا سُلَيْمَان التيمى عَن أنس أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَعَوَّذ من الْبُخْل
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله غير مستبدع سَماع الشافعى من ابْن الْمُبَارك توفى ابْن الْمُبَارك سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَولد الشافعى سنة خمسين وَمِائَة وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يحجّ كل سنتَيْن
قَالَ الزعفرانى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ فى قَوْله تَعَالَى {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} أى من أبوين فى الْإِسْلَام
قلت وَهَذَا هُوَ الذى كنت أسمعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى تَفْسِير الْآيَة وَمن يَقُول بِهِ لَا يرضى بقول من قَالَ فى تَفْسِيرهَا إِن الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلبان قلب مَعنا وقلب مَعَ أَصْحَابه فأكذبهم الله وَهُوَ أَيْضا مَنْقُول عَن بعض السّلف وَرُبمَا عزى إِلَى ابْن عَبَّاس(2/116)
قَالَ الزعفرانى سَأَلت يحيى بن معِين عَن الشافعى فَقَالَ لَو كَانَ الْكَذِب لَهُ مُنْطَلقًا لمنعته مِنْهُ مروءته
وروى الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن حمكان أَن الزعفرانى قَالَ قَالَ الشافعى فى الرافضى يحضر الْوَقْعَة لَا يعْطى من الفىء شَيْئا لِأَن الله تَعَالَى ذكر آيَة الفىء ثمَّ قَالَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} الْآيَة فَمن لم يقل بهَا لم يسْتَحق
25 - الْحُسَيْن بن على بن يزِيد أَبُو على الكرابيسى
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا جَامعا بَين الْفِقْه والْحَدِيث
تفقه أَولا على مَذْهَب أهل الرأى ثمَّ تفقه للشافعى
وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن يزِيد بن هَارُون وَإِسْحَاق الْأَزْرَق وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم
روى عَنهُ عبيد بن مُحَمَّد بن خلف الْبَزَّار وَمُحَمّد بن على فستقة
وَله مصنفات كَثِيرَة وَقد أجَازه الشافعى كتب الزعفرانى(2/117)
وَذَلِكَ فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن يُوسُف بن المصرى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة عَن عبد الْوَهَّاب بن رواج أَن الْحَافِظ أَبَا طَاهِر السلفى أخبرهُ سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار أخبرنَا على بن أَحْمد القالى أخبرنَا أَبُو عبد الله أَحْمد بن إِسْحَاق بن خربَان النهاوندى القاضى أخبرنَا الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الرامهرمزى حَدثنَا الساجى حَدثنَا دَاوُد الأصبهانى قَالَ قَالَ لى حُسَيْن الكرابيسى لما قدم الشافعى يعْنى إِلَى بَغْدَاد قَدمته فَقلت لَهُ أتأذن لى أَن أَقرَأ عَلَيْك الْكتب فَأبى وَقَالَ خُذ كتب الزعفرانى فقد أجزتها لَك فأخذتها إجَازَة
قَالَ الْخَطِيب حَدِيث الكرابيسى يعز جدا وَذَلِكَ أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ بِسَبَب مَسْأَلَة اللَّفْظ وَهُوَ أَيْضا كَانَ يتَكَلَّم فى أَحْمد فتجنب النَّاس الْأَخْذ عَنهُ لهَذَا السَّبَب
قلت كَانَ أَبُو على الكرابيسى من متكلمى أهل السّنة أستاذا فى علم الْكَلَام كَمَا هُوَ أستاذ فى الحَدِيث وَالْفِقْه وَله كتاب فى المقالات
قَالَ أَيْضا الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فى كتاب غَايَة المرام على كِتَابه فى المقالات معول الْمُتَكَلِّمين فى معرفَة مَذَاهِب الْخَوَارِج وَسَائِر أهل الْأَهْوَاء
قلت والمروى أَنه قيل للكرابيسى مَا تَقول فى الْقُرْآن قَالَ كَلَام الله غير مَخْلُوق فَقَالَ لَهُ السَّائِل فَمَا تَقول فى لفظى بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لفظك بِهِ مَخْلُوق
فَمضى السَّائِل إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل فشرح لَهُ مَا جرى فَقَالَ هَذِه بِدعَة
والذى عندنَا أَن أَحْمد رضى الله عَنهُ أَشَارَ بقوله هَذِه بِدعَة إِلَى الْجَواب عَن مَسْأَلَة اللَّفْظ إِذْ لَيست مِمَّا يعْنى الْمَرْء وخوض الْمَرْء فِيمَا لَا يعنيه من علم الْكَلَام بِدعَة فَكَانَ السُّكُوت عَن الْكَلَام فِيهِ أجمل وَأولى وَلَا يظنّ بِأَحْمَد رضى الله عَنهُ أَنه يدعى أَن اللَّفْظ الْخَارِج(2/118)
من بَين الشفتين قديم ومقالة الْحُسَيْن هَذِه قد نقل مثلهَا عَن البخارى والْحَارث بن أَسد المحاسبى وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَغَيرهم وستكون لنا عودة فى تَرْجَمَة البخارى إِلَى الْكَلَام فى ذَلِك
وَنقل أَن أَحْمد لما قَالَ هَذِه بِدعَة رَجَعَ السَّائِل إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ تلفظك بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق فَعَاد إِلَى أَحْمد فَعرفهُ مقَالَة الْحُسَيْن ثَانِيًا فَأنْكر أَحْمد أَيْضا ذَلِك وَقَالَ هَذِه أَيْضا بِدعَة
وَهَذَا يدلك على مَا نقُوله من أَن أَحْمد إِنَّمَا أَشَارَ بقوله هَذِه بِدعَة إِلَى الْكَلَام فى أصل الْمَسْأَلَة وَإِلَّا فَكيف يُنكر إِثْبَات الشئ ونفيه فَافْهَم مَا قُلْنَاهُ فَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَبِمَا قَالَ أَحْمد نقُول فَنَقُول الصَّوَاب عدم الْكَلَام فى الْمَسْأَلَة رَأْسا مَا لم تدع إِلَى الْكَلَام حَاجَة ماسة وَمِمَّا يدلك أَيْضا على مَا نقُوله وَأَن السّلف لَا يُنكرُونَ أَن لفظنا حَادث وَأَن سكوتهم إِنَّمَا هُوَ عَن الْكَلَام فى ذَلِك لَا عَن اعْتِقَاده أَن الروَاة رووا أَن الْحُسَيْن بلغه كَلَام أَحْمد فِيهِ فَقَالَ لأقولن مقَالَة حَتَّى يَقُول أَحْمد بِخِلَافِهَا فيكفر فَقَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق
وَهَذِه الْحِكَايَة قد ذكرهَا كثير من الْحَنَابِلَة وَذكرهَا شَيخنَا الذهبى فى تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمد وفى تَرْجَمَة الكرابيسى فَانْظُر إِلَى قَول الكرابيسى فِيهَا إِن مخالفها يكفر وَالْإِمَام أَحْمد فِيمَا نعتقده لم يُخَالِفهَا وَإِنَّمَا أنكر أَن يتَكَلَّم فى ذَلِك
فَإِذا تَأَمَّلت مَا سطرناه وَنظرت قَول شَيخنَا فى غير مَوضِع من تَارِيخه إِن مَسْأَلَة اللَّفْظ مِمَّا يرجع إِلَى قَول جهم عرفت أَن الرجل لَا يدرى فى هَذِه المضايق مَا يَقُول وَقد أَكثر هُوَ وَأَصْحَابه من ذكر جهم بن صَفْوَان وَلَيْسَ قصدهم إِلَّا جعل الأشاعرة الَّذين قدر الله لقدرهم أَن يكون مَرْفُوعا وللزومهم للسّنة أَن يكون مَجْزُومًا بِهِ ومقطوعا فرقة جهمية(2/119)
وَاعْلَم أَن جهما شَرّ من الْمُعْتَزلَة كَمَا يدريه من ينظر الْملَل والنحل وَيعرف عقائد الْفرق والقائلون بِخلق الْقُرْآن هم الْمُعْتَزلَة جَمِيعًا وجهم لَا خُصُوص لَهُ بِمَسْأَلَة خلق الْقُرْآن بل هُوَ شَرّ من الْقَائِلين بهَا لمشاركته إيَّاهُم فِيمَا قَالُوهُ وزيادته عَلَيْهِم بطامات
فَمَا كفى الذهبى أَن يُشِير إِلَى اعْتِقَاد مَا يتبرأ الْعُقَلَاء عَن قَوْله من قدم الْأَلْفَاظ الْجَارِيَة على لِسَانه حَتَّى ينْسب هَذِه العقيدة إِلَى مثل الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره من السادات ويدعى أَن الْمُخَالف فِيهَا يرجع إِلَى قَول جهم فليته درى مَا يَقُول وَالله يغْفر لنا وَله ويتجاوز عَمَّن كَانَ السَّبَب فى خوض مثل الذهبى فى مسَائِل الْكَلَام وَإنَّهُ ليعز الْكَلَام على فى ذَلِك وَلَكِن كَيفَ يسعنا السُّكُوت وَقد مَلأ شَيخنَا تَارِيخه بِهَذِهِ العظائم الَّتِى لَو وقف عَلَيْهَا العامى لأضلته ضلالا مُبينًا
وَلَقَد يعلم الله منى كَرَاهِيَة الإزراء بشيخنا فَإِنَّهُ مفيدنا ومعلمنا وَهَذَا النزر الْيَسِير الحديثى الذى عَرفْنَاهُ مِنْهُ استفدناه وَلَكِن أرى أَن التَّنْبِيه على ذَلِك حتم لَازم فى الدّين
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدى سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله الصيرفى الشافعى يَقُول لَهُم يعْنى لتلامذته اعتبروا بِهَذَيْنِ حُسَيْن الكرابيسى وأبى ثَوْر فالحسين فى علمه وَحفظه وَأَبُو ثَوْر لَا يعشره فى علمه فَتكلم فِيهِ أَحْمد فى بَاب اللَّفْظ فَسقط وَأثْنى على أَبى ثَوْر فارتفع
قلت هَذَا الْكَلَام من الصيرفى مَعَ علو قدره يدل على علو قدر الْحُسَيْن وَنَظِيره قَول أَبى عَاصِم العبادى لم يتَخَرَّج على يَد الشافعى بالعراق مثل الْحُسَيْن
مَاتَ الكرابيسى سنة خمس وَأَرْبَعين وَقيل ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
كتبت إِلَى زَيْنَب بنت الْكَمَال عَن الْحَافِظ أَبى الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل أخبرنَا أَبُو المكارم أَحْمد بن مُحَمَّد اللبان أخبرنَا أَبُو على الْحسن بن أَحْمد الْحداد أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الأصبهانى حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الرَّحْمَن(2/120)
ابْن دَاوُد بن مَنْصُور حَدثنَا عبيد بن خلف الْبَزَّار أَبُو مُحَمَّد حَدَّثَنى إِسْحَاق بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سَمِعت الْحُسَيْن الكرابيسى
قلت كَذَا فى السَّنَد عبيد عَن إِسْحَاق وَعبيد صَاحب الكرابيسى وَلَا يمْتَنع أَن يسمع عَنهُ كَمَا سمع مِنْهُ
رَجَعَ الحَدِيث إِلَى الكرابيسى سَمِعت الشافعى يَقُول كنت أَقرَأ كتب الشّعْر فآتى البوادى فَأَسْمع مِنْهُم قَالَ فَقدمت مَكَّة مِنْهَا فَخرجت وَأَنا أتمثل بِشعر للبيد وأضرب وحشى قدمى بِالسَّوْطِ فضربنى رجل من ورائى من الحجبة فَقَالَ رجل من قُرَيْش ثمَّ ابْن الْمطلب رضى من دينه ودنياه أَن يكون معلما مَا الشّعْر هَل الشّعْر إِذا استحكمت فِيهِ إِلَّا قعدت معلما تفقه يعلك الله
قَالَ فنفعنى الله بِكَلَام ذَلِك الحجبى فَرَجَعت إِلَى مَكَّة فَكتبت عَن ابْن عُيَيْنَة مَا شَاءَ الله أَن أكتب ثمَّ كنت أجالس مُسلم بن خَالِد الزنجى ثمَّ قدمت على مَالك ابْن أنس فَكتبت موطأه فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله أَقرَأ عَلَيْك قَالَ يَا ابْن أخى تأتى بِرَجُل يقرأه على فَتسمع فَقلت أَقرَأ عَلَيْك فَتسمع إِلَى كلامى فَقَالَ لى أقرأه فَلَمَّا سمع كلامى لقِرَاءَة كتبه أذن لى فَقَرَأت عَلَيْهِ حَتَّى بلغت كتاب السّير فَقَالَ لى اطوه يَا ابْن أخى تفقه تعل
فَجئْت إِلَى مُصعب بن عبد الله فكلمته أَن يكلم بعض أهلنا فيعطينى شَيْئا من الدُّنْيَا فَإِنَّهُ كَانَ لى من الْفقر والفاقة مَا الله بِهِ عليم فَقَالَ لى مُصعب أتيت فلَانا فكلمته فَقَالَ لى أتكلمنى فى رجل كَانَ منا فخالفنا فأعطانى مائَة دِينَار
وَقَالَ لى مُصعب إِن هَارُون الرشيد قد كتب إِلَى أَن أصير إِلَى الْيمن قَاضِيا فَتخرج مَعنا لَعَلَّ الله أَن يعوضك مَا كَانَ هَذَا الرجل يعوضك
قَالَ فَخرج قَاضِيا على الْيمن فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرنا بِالْيمن وجالسنا النَّاس كتب مطرف بن مَازِن إِلَى هَارُون الرشيد إِن أردْت الْيمن لَا يفْسد عَلَيْك وَلَا يخرج من يَديك فَأخْرج عَنهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَذكر أَقْوَامًا من الطالبيين(2/121)
قَالَ فَبعث إِلَى حَمَّاد البربرى فأوثقت بالحديد حَتَّى قدمنَا على هَارُون بالرقة
قَالَ فأدخلت على هَارُون قَالَ فأخرجت من عِنْده
قَالَ وقدمت ومعى خَمْسُونَ دِينَارا قَالَ وَمُحَمّد بن الْحسن يَوْمئِذٍ بالرقة فأنفقت تِلْكَ الْخمسين دِينَارا على كتبهمْ
قَالَ فَوجدت مثلهم وَمثل كتبهمْ مثل رجل كَانَ عندنَا يُقَال لَهُ فروخ وَكَانَ يحمل الدّهن فى زق لَهُ فَكَانَ إِذا قيل لَهُ عنْدك فرشنان قَالَ نعم فَإِن قيل عنْدك زئبق قَالَ نعم فَإِن قيل عنْدك خيرى قَالَ نعم فَإِذا قيل لَهُ أرنى وللزق رُءُوس كَثِيرَة فَيخرج لَهُ من تِلْكَ الرُّءُوس وَإِنَّمَا هى دهن وَاحِد
وَكَذَلِكَ وجدت كتاب أَبى حنيفَة إِنَّمَا يَقُولُونَ كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هم مخالفون لَهُ
قَالَ فَسمِعت مَا لَا أحصيه مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول إِن تابعكم الشافعى فَمَا عَلَيْكُم من حجازى كلفة بعده
فَجئْت يَوْمًا فَجَلَست إِلَيْهِ وَأَنا من أَشد النَّاس هما وغما من سخط أَمِير الْمُؤمنِينَ وزادى قد نفد
قَالَ فَلَمَّا أَن جَلَست إِلَيْهِ أقبل مُحَمَّد بن الْحسن يطعن على أهل دَار الْهِجْرَة فَقلت على من تطعن على الْبَلَد أم على أَهله وَالله لَئِن طعنت على أَهله إِنَّمَا تطعن على أَبى بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَإِن طعنت على الْبَلدة فَإِنَّهَا بلدتهم الَّتِى دَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبَارك لَهُم فى صاعهم ومدهم وَحرمه كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة لَا يقتل صيدها فعلى أَيهمْ تطعن
فَقَالَ معَاذ الله أَن أطعن على أحد مِنْهُم أَو على بلدته وَإِنَّمَا أطعن على حكم من أَحْكَامه(2/122)
فَقلت لَهُ وَمَا هُوَ قَالَ الْيَمين مَعَ الشَّاهِد
قلت لَهُ وَلم طعنت قَالَ فَإِنَّهُ مُخَالف لكتاب الله
فَقلت لَهُ فَكل خبر يَأْتِيك مُخَالفا لكتاب الله أيسقط قَالَ فَقَالَ لى كَذَا يجب
فَقلت لَهُ مَا تَقول فى الْوَصِيَّة للْوَالِدين فتفكر سَاعَة
فَقلت لَهُ أجب
فَقَالَ لَا تجب
قَالَ فَقلت لَهُ فَهَذَا مُخَالف لكتاب الله لم قلت إِنَّه لَا يجوز فَقَالَ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا وَصِيَّة للْوَالِدين
قَالَ فَقلت لَهُ أخبرنى عَن شَاهِدين حتم من الله قَالَ فَمَا تُرِيدُ من ذَا قَالَ فَقلت لَهُ لَئِن زعمت أَن الشَّاهِدين حتم من الله لَا غَيره كَانَ ينبغى لَك أَن تَقول إِذا زنى زَان فَشهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ إِن كَانَ مُحصنا رَجَمْته وَإِن كَانَ غير مُحصن جلدته قَالَ فَإِن قلت لَك لَيْسَ هُوَ حتما من الله قَالَ قلت لَهُ إِذا لم يكن حتما من الله فَنَنْزِل كل الْأَحْكَام مَنَازِله فى الزِّنَا أَرْبعا وفى غَيره شَاهِدين وفى غَيره رجلا وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنَّمَا أعنى فى الْقَتْل لَا يجوز إِلَّا شَاهِدَانِ فَلَمَّا رَأَيْت قتلا وقتلا أعنى بِشَهَادَة الزِّنَا وأعنى بِشَهَادَة الْقَتْل فَكَانَ هَذَا قتلا وَهَذَا قتلا غير أَن أحكامهما مُخْتَلفَة فَكَذَلِك كل حكم ننزله حَيْثُ أنزلهُ الله مِنْهَا بِأَرْبَع وَمِنْهَا بِشَاهِدين وَمِنْهَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَمِنْهَا شَاهد وَالْيَمِين فرأيتك تحكم بِدُونِ هَذَا
قَالَ وَمَا أحكم بِدُونِ هَذَا قَالَ فَقلت لَهُ مَا تَقول فى الرجل وَالْمَرْأَة إِذا اخْتلفَا فى مَتَاع الْبَيْت فَقَالَ أصحابى يَقُولُونَ فِيهِ مَا كَانَ للرِّجَال فَهُوَ للرِّجَال وَمَا كَانَ للنِّسَاء فَهُوَ للنِّسَاء(2/123)
قَالَ فَقلت أبكتاب الله هَذَا أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقلت لَهُ فَمَا تَقول فى الرجلَيْن إِذا اخْتلفَا فى الْحَائِط فَقَالَ فى قَول أَصْحَابنَا إِذا لم يكن لَهُم بَيِّنَة ينظر إِلَى العقد من أَيْن هُوَ الْبناء فأحكم لصَاحبه
قَالَ فَقلت لَهُ أبكتاب الله قلت هَذَا أم بِسنة رَسُول الله قلت هَذَا وَقلت لَهُ مَا تَقول فى رجلَيْنِ بَينهمَا خص فيختلفان لمن يحكم إِذا لم يكن لَهما بَيِّنَة قَالَ أنظر إِلَى معاقده من أى وَجه هُوَ فأحكم لَهُ
قلت لَهُ بِكِتَاب الله قلت هَذَا أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقلت لَهُ فَمَا تَقول فى ولادَة الْمَرْأَة إِذا لم يكن يحضرها إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة وهى الْقَابِلَة وَحدهَا وَلم يكن غَيرهَا
قَالَ فَقَالَ الشَّهَادَة جَائِزَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا نقبلها
قَالَ فَقلت لَهُ قلت هَذَا بِكِتَاب الله أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثمَّ قلت لَهُ من كَانَت هَذِه أَحْكَامه فَلَا يطعن على غَيره
قَالَ ثمَّ قلت لَهُ أتعجب من حكم حكم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكم بِهِ أَبُو بكر وَعمر وَحكم بِهِ على بن أَبى طَالب بالعراق وَقضى بِهِ شُرَيْح قَالَ وَرجل من ورائى يكْتب ألفاظى وَأَنا لَا أعلم
قَالَ فَأدْخل على هَارُون وقرأه عَلَيْهِ
قَالَ فَقَالَ لى هرثمة بن أعين كَانَ مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا قَالَ اقرأه على ثَانِيًا
قَالَ فَأَنْشَأَ هَارُون يَقُول صدق الله وَرَسُوله صدق الله وَرَسُوله صدق الله وَرَسُوله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تعلمُوا من قُرَيْش وَلَا تعلموها قدمُوا قُريْشًا وَلَا تؤخروها) مَا أنكر أَن يكون مُحَمَّد بن إِدْرِيس أعلم من مُحَمَّد بن الْحسن
قَالَ فرضى عَنى وَأمر لى بِخَمْسِمِائَة دِينَار(2/124)
قَالَ فَخرج بِهِ هرثمة وَقَالَ لى بِالسَّوْطِ هَكَذَا فاتبعته فحدثنى بالقصة وَقَالَ لى قد أَمر لَك بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَقد أضفنا إِلَيْهِ مثله
قَالَ فوَاللَّه مَا ملكت قبلهَا ألف دِينَار إِلَّا فى ذَلِك الْوَقْت
قَالَ وَكنت رجلا أتشبع فكفانى الله على يدى مُصعب
وَمن الْمسَائِل عَن الْحُسَيْن
وقف الْوَالِد رَحمَه الله على تصنيف الْحُسَيْن فى الشَّهَادَات أَظن أَنى أَنا الذى أحضرته إِلَيْهِ فَكتب مِنْهُ فَوَائده هَا أَنا أحلهَا وَمن خطّ الشَّيْخ الإِمَام أنقلها
مِنْهَا حكى الكرابيسى عَن مُعَاوِيَة أَنه قبل شَهَادَة أم سَلمَة لِابْنِ أَخِيهَا
وَأَجَازَ زُرَارَة شَهَادَة أَبى مجلز وَحده وَأَجَازَ شُرَيْح شَهَادَة أَبى إِسْحَاق وَحده وَأَجَازَ شُرَيْح أَيْضا شَهَادَة أَبى قيس على مصحف وَحده
قَالَ الكرابيسى إِن قَالَ قَائِل أُجِيز شَهَادَة وَاحِد وَجَبت استتابته فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل هَؤُلَاءِ من أهل الْعلم قيل لَهُ إِنَّمَا يهدم الْإِسْلَام زلَّة عَالم وَلَا يهدمه زلَّة ألف جَاهِل قد حكم بعض أهل الْعلم بِمَا لَا يحل لَهُ وَلَا يجوز فى الْإِسْلَام فقد قضى شُرَيْح بقضايا لَيْسَ عَلَيْهَا أحد من الْمُسلمين وَلَا لَهُ حجَّة من كتاب وَلَا سنة وَلَا أثر وَلَا يثبت بِجِهَة من الْجِهَات
وَمِنْهَا إِذا باعت الصَدَاق وَطَلقهَا قبل الدُّخُول قَالَ مَالك لَهَا نصف مَا اشترت مَا لم تستهلك مِنْهُ شَيْئا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجب على من ولى من الْحُكَّام إبِْطَال هَذَا الحكم ورد عَلَيْهِمَا الكرابيسى(2/125)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فى الحكم بِبيع أم الْوَلَد إِنَّه ينْقض ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا ينْقض للِاخْتِلَاف فِيهِ
نقل أَبُو عَاصِم أَن الْحُسَيْن قَالَ الْخَبَر إِذا رَوَاهُ عَالم من الْمُحدثين أوجب الْعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن كالتواتر
قَالَ الْحُسَيْن سَمِعت الشافعى يَقُول يكره للرجل أَن يَقُول قَالَ الرَّسُول وَلَكِن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَكُون مُعظما رَوَاهُ البيهقى وَغَيره وَهُوَ فى كتاب أَبى عَاصِم
وروى عَن الشافعى أَيْضا أَنه قَالَ اضْطر النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَجدوا تَحت أَدِيم السَّمَاء خيرا من أَبى بكر فَلذَلِك استعملوه على رِقَاب النَّاس
قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى وَهَذَا قَول مِنْهُ بِأَن إِمَامَة الْمَفْضُول لَا تجوز
نقل العبادى أَن الكرابيسى قَالَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مثل ألف طلقت ثَلَاثَة لِأَنَّهُ شبه بِعَدَد فَصَارَ كَقَوْلِه مثل عدد نُجُوم السَّمَاء أما إِذا قَالَ مثل الْألف أى بالتعريف فَتطلق وَاحِدَة إِذا لم ينْو شَيْئا لِأَنَّهُ تَشْبِيه بعظيم فَأشبه مَا لَو قَالَ مثل الْجَبَل
وفى الرافعى عَن المتولى ...(2/126)
26 - الْحُسَيْن القلاس بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد اللَّام وفى آخرهَا السِّين الْمُهْملَة الْفَقِيه البغدادى وَيُقَال اسْمه الْحسن
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ من علية أَصْحَاب الحَدِيث وحفاظ مَذْهَب الشافعى
هَكَذَا حَكَاهُ دَاوُد فى كتاب فَضَائِل الشافعى عَن أَبى ثَوْر وأبى على الزعفرانى انْتهى
27 - حَرْمَلَة بن يحيى بن عبد الله بن حَرْمَلَة بن عمرَان بن قراد التجيبى نِسْبَة إِلَى تجيب بِضَم التَّاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وفى آخرهَا بَاء مُوَحدَة وتجيب قَبيلَة
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا رفيع الشَّأْن
ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة
وروى عَن الشافعى وَعبد الله بن وهب وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى وَبشر بن بكر التنيسى وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وَغَيرهم
روى عَنهُ مُسلم وَابْن ماجة وَغَيرهمَا
وَكَانَ من أَكثر النَّاس رِوَايَة عَن ابْن وهب(2/127)
قَالَ أَبُو عمر الكندى لم يكن بِمصْر أحد أكتب مِنْهُ عَن ابْن وهب وَذَلِكَ لِأَن ابْن وهب أَقَامَ فى منزلهم سنة وَسِتَّة أشهر مستخفيا من عباد لما طلبه يوليه قَضَاء مصر
وَعَن حَرْمَلَة عادنى ابْن وهب من رمد أصابنى وَقَالَ لى يَا أَبَا حَفْص إِنَّه لَا يُعَاد من الرمد وَلَكِنَّك من أهلى
وَعَن أَحْمد بن صَالح المصرى صنف ابْن وهب مائَة ألف وَعشْرين ألف حَدِيث عِنْد بعض النَّاس مِنْهَا النّصْف يعْنى نَفسه وَعند بعض النَّاس الْكل يعْنى حَرْمَلَة
وَقَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى الحضرمى حَدِيث ابْن وهب كُله عِنْد حَرْمَلَة إِلَّا حديثين
وَقَالَ هَارُون بن سعيد سَمِعت أَشهب وَنظر إِلَى حَرْمَلَة فَقَالَ هَذَا خير أهل الْمَسْجِد
قلت تكلم بَعضهم فى حَرْمَلَة فَعَن أَبى حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ
وأنصف ابْن عدى فَقَالَ قد تبحرت حَدِيث حَرْمَلَة وفتشته الْكثير فَلم أجد فى حَدِيثه مَا يجب أَن يضعف من أَجله وَرجل توارى ابْن وهب عِنْدهم وَيكون حَدِيثه كُله عِنْده فَلَيْسَ بِبَعِيد أَن يغرب على غَيره
قلت هَذَا هُوَ الْحق وحرملة ثِقَة ثَبت إِن شَاءَ الله
صنف الْمَبْسُوط والمختصر
وَمَات سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرِّوَايَة عَن حَرْمَلَة
قَالَ حَرْمَلَة حَدثنَا الشافعى أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحمى من فيح جَهَنَّم فأطفئوها بِالْمَاءِ)
قَالَ الْحَاكِم هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ فى الْمُوَطَّأ
قَالَ وَكَذَلِكَ روى عَن الشافعى عَن مَالك عَن أَبى الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (العجماء جرحها جَبَّار والبئر جَبَّار والمعدن جَبَّار) وَلَيْسَ فى الْمُوَطَّأ(2/128)
وَمن الْفَوَائِد عَن حَرْمَلَة
قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول مَا حَلَفت بِاللَّه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا قطّ
قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول أَئِمَّة الْعدْل أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى وَعمر بن عبد الْعَزِيز رضى الله عَنْهُم وَكَذَا رَوَاهُ عَن الشافعى الرّبيع بن سُلَيْمَان
قَالَ حَرْمَلَة وَسمعت الشافعى يَقُول إِذا رَأَيْت كوسجا فاحذره وَمَا رَأَيْت من أَزْرَق خيرا
قَالَ وسمعته يَقُول مَا تقرب إِلَى الله عز وَجل بعد أَدَاء الْفَرَائِض بِأَفْضَل من طلب الْعلم
قَالَ وسمعته يَقُول فى حَدِيث اشترطى لَهُم الْوَلَاء مَعْنَاهُ عَلَيْهِم قَالَ الله تَعَالَى {أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة} يعْنى عَلَيْهِم
قلت وَقد روى عَن الشافعى تَضْعِيف هَذَا التَّأْوِيل وَقيل إِنَّمَا تَأَوَّلَه هَكَذَا المزنى وَقد عزاهُ حَرْمَلَة إِلَى الشافعى نَفسه فهى فَائِدَة
وَقَالَ حَرْمَلَة عَن الشافعى فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بيد أَنهم أى من أجل أَنهم
قَالَ وَقَالَ الشافعى لَا يقل أحد مَا شَاءَ الله وشئت إِذْ قد جعل فاعلين بل مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت
قَالَ حَرْمَلَة كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ وَهُوَ حدث ينظر فى النُّجُوم وَكَانَ لَهُ صديق وَعِنْده جَارِيَة قد حبلت فَقَالَ إِنَّهَا تَلد إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا بِولد وَيكون فى فَخذه الْأَيْسَر خَال أسود ويعيش أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ يَمُوت فجَاء الْأَمر كَمَا وصف(2/129)
فَحرق تِلْكَ الْكتب وَمَا عَاد إِلَى النّظر فى شئ مِنْهَا
قَالَ حَرْمَلَة كَانَ الشافعى يخرج لِسَانه فَيبلغ أَنفه
قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول فى تَفْسِير حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ) قَالَ يسْتَغْنى بِهِ
وَقَالَ الشافعى لَيْسَ هُوَ هَكَذَا لَو كَانَ هَكَذَا لقَالَ يتغانا إِنَّمَا هُوَ يتحزن ويترنم بِهِ ويقرأه حذرا وتحزينا
وَمن الْمسَائِل عَن حَرْمَلَة
قَالَ الرافعى عَن نَص الشافعى فى حَرْمَلَة إِنَّه إِذا أهْدى مُشْرك إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير هَدِيَّة وَالْحَرب قَائِمَة فهى غنيمَة بِخِلَاف مَا إِذا أهْدى قبل أَن يرتحلوا عَن دَار الْإِسْلَام وَعَن أَبى حنيفَة أَنَّهَا للمهدى إِلَيْهِ بِكُل حَال انْتهى
وَذكر النووى فى الرَّوْضَة هَذَا الْفَرْع وَقَالَ فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا أهْدى قبل أَن يرتحلوا عَن دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ للمهدى إِلَيْهِ وَالْحكم بِكَوْنِهِ للمهدى إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ مَنْقُول الرافعى عَن أَبى حنيفَة وَأما على مَذْهَبنَا فَلم يذكرهُ الرافعى والذى ينبغى أَنه يكون فَيْئا على قِيَاس هَدَايَا الْعمَّال
وفى الْبَحْر للرويانى مَا يُوَافق مَا وَقع فى الرَّوْضَة لكنه غير مُسلم نبه على ذَلِك الْوَالِد رَحمَه الله فى كتاب هَدَايَا الْعمَّال
قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول من زعم من أهل الْعَدَالَة أَنه يرى الْجِنّ أبطلنا شَهَادَته لقَوْل الله تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} إِلَّا أَن يكون نَبيا ذكره الآبرى فى كتاب المناقب(2/130)
ذهب حَرْمَلَة فِيمَن رهن عينا عِنْد من هى عِنْده بوديعة أَو نَحْوهَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى مضى زمَان يَتَأَتَّى فِيهِ صُورَة الْقَبْض
وَقَضِيَّة كَلَام الْمُهَذّب والتتمة أَنه قَالَ نقلا عَن الشافعى لَا مذهبا لنَفسِهِ لَكِن صرح الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَجَمَاعَة كَمَا ذكر النووى أَنه إِنَّمَا قَالَ مذهبا لنَفسِهِ لَا نقلا
ثمَّ جعل النووى الْمَسْأَلَة ذَات وَجْهَيْن كَقَوْل حَرْمَلَة فَإِنَّهُ وَإِن لم يَنْقُلهُ فَهُوَ صَاحب وَجه هَذَا بعد قَوْله نبهت على كَونه إِنَّمَا قَالَه مذهبا لنَفسِهِ لِئَلَّا يُغير بِهِ
وَلَك أَن تَقول إِثْبَات كَونه وَجها يستدعى أَن يكون قَالَه تخريجا على أصل الشافعى وَإِلَّا فقد ينْفَرد حَرْمَلَة فى بعض الْمسَائِل وَيخرج عَن الْمَذْهَب تأصيلا وتفريعا كَمَا قد يفعل ذَلِك المزنى وَغَيره فى بعض الْأَحَايِين
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فى الرونق والمحاملى فى اللّبَاب كِلَاهُمَا فى كتاب الْأَشْرِبَة قَالَ فى حَرْمَلَة إِذا وجد مَاء طَاهِرا أَو مَاء نجسا وَاحْتَاجَ إِلَى الطَّهَارَة تَوَضَّأ بالطاهر وَشرب النَّجس
قلت وَهُوَ مَا ذكره أَبُو على الزجاجى والماوردى وَغَيرهمَا لَكِن أنكرهُ الشاشى وَاخْتَارَ أَنه يشرب الطَّاهِر وَتيَمّم وَصَححهُ النووى لكنى مَا أَظُنهُ اطلع على مَا فِي حَرْمَلَة فَلَعَلَّهُ لَو اطلع عَلَيْهِ لوقف عَن تَصْحِيح شرب الطَّاهِر على أَن مَا صَححهُ هُوَ الذى يظْهر إِن كَانَ النَّجس مِمَّا يعاف اسْتِعْمَاله 132
28 - الرّبيع بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الجيزى أَبُو مُحَمَّد الأزدى مَوْلَاهُم المصرى الْأَعْرَج وَقيل ابْن الْأَعْرَج
كَانَ رجلا فَقِيها صَالحا
روى عَن الشافعى وَعبد الله بن وهب وَإِسْحَاق بن وهب وَعبد الله بن يُوسُف وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَأَبُو بكر بن أَبى دَاوُد وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَغَيرهم
توفى فى ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَخمسين
وَهُوَ الذى روى عَن الشافعى أَن قِرَاءَة الْقُرْآن بالألحان مَكْرُوهَة
وَأَن الشّعْر بعد الْمَمَات يتبع الذَّات قِيَاسا على حَال الْحَيَاة يعْنى أَنه يطهر بالدباغ
29 - الرّبيع بن سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن كَامِل المرادى مَوْلَاهُم الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَذّن
صَاحب الشافعى وراوية كتبه والثقة الثبت فِيمَا يرويهِ حَتَّى لقد تعَارض هُوَ وَأَبُو إِبْرَاهِيم المزنى فى رِوَايَة فَقدم الْأَصْحَاب رِوَايَته مَعَ علو قدر أَبى إِبْرَاهِيم علما ودينا وجلالة وموافقة مَا رَوَاهُ للقواعد(2/131)
أَلا ترى أَن أَبَا إِبْرَاهِيم روى لفظا أَن الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ وَلَو كَانَ العَبْد مَجْنُونا عتق بأَدَاء الْكِتَابَة وَلَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه بشئ وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فَإِن الْمَجْنُون وَقت العقد لَا يَصح عقد الْكِتَابَة مَعَه وَمَا هُوَ إِلَّا تَعْلِيق مَحْض فَيعتق بِوُجُود الصّفة وَلَا يُرَاجع بِالْقيمَةِ وَهَذَا هُوَ الذى يُفْتى بِهِ مذهبا
وروى الرّبيع هَذِه الصُّورَة بِهَذِهِ اللَّفْظَة وَقَالَ يتراجعان بِالْقيمَةِ وَهَذَا يتَضَمَّن كَون الْكِتَابَة الْجَارِيَة مَعَ الْمَجْنُون كِتَابَة فَاسِدَة يتَعَلَّق بهَا التراجع عِنْد حُصُول الْعتْق وَهَذَا على نِهَايَة الْإِشْكَال فَإِن الْمَجْنُون وَهُوَ الْمَجْنُون لَا عبارَة لَهُ
ثمَّ قَالَ ابْن سُرَيج فِيمَا نَقله الصيدلانى وجماعات الصَّحِيح مَا نَقله الرّبيع قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقد ظهر عندنَا أَن ابْن سُرَيج لم يصحح مَا رَوَاهُ الرّبيع فقها وَلكنه رَآهُ أوثق فى النَّقْل
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصَّحِيح مَا نقل المزنى
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أَئِمَّتنَا وَمرَاده أَن رِوَايَة المزنى هى الصَّحِيحَة فقها لَا نقلا فَلَا تعَارض بَين مَا صَححهُ أَبُو إِسْحَاق وَمَا صَححهُ ابْن سُرَيج
وَقد خرج من هَذَا مَا هُوَ مَوضِع حاجتنا من علو قدر الرّبيع فِيمَا يرويهِ
ولد الرّبيع سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة
واتصل بِخِدْمَة الشافعى وَحمل عَنهُ الْكثير وَحدث عَنهُ بِهِ وَعَن عبد الله بن وهب وَعبد الله بن يُوسُف التنيسى وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى وَيحيى بن حسان وَأسد بن مُوسَى وَجَمَاعَة
روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَابْن ماجة وَأَبُو زرْعَة الرازى وَأَبُو حَاتِم وَابْنه عبد الرَّحْمَن وزَكَرِيا الساجى وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَأَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد(2/133)
ابْن زِيَاد النيسابورى وَالْحسن بن حبيب الحصائرى وَابْن صاعد وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَآخَرُونَ آخِرهم أَبُو الفوارس السندى وروى عَنهُ الترمذى بِالْإِجَازَةِ
ولد سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة
وَكَانَ مُؤذنًا بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بفسطاط مصر الْمَعْرُوف الْيَوْم بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ
وَكَانَ يقْرَأ بالألحان وَكَانَ الشافعى يُحِبهُ وَقَالَ لَهُ يَوْمًا مَا أحبك إِلَى وَقَالَ مَا خدمنى أحد قطّ مَا خدمنى الرّبيع بن سُلَيْمَان
وَقَالَ لَهُ يَوْمًا يَا ربيع لَو أمكننى أَن أطعمك الْعلم لأطعمتك
وَقَالَ الْقفال فى فَتَاوِيهِ كَانَ الرّبيع بطئ الْفَهم فكرر الشافعى عَلَيْهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة أَرْبَعِينَ مرّة فَلم يفهم وَقَامَ من الْمجْلس حَيَاء فَدَعَاهُ الشافعى فى خلْوَة وَكرر عَلَيْهِ حَتَّى فهم
وَكَانَت الرحلة فى كتب الشافعى إِلَيْهِ من الْآفَاق نَحْو مائتى رجل وَقد كاشفه الشافعى بذلك حَيْثُ يَقُول لَهُ فِيمَا روى عَنهُ أَنْت راوية كتبى
وَمن شعر الرّبيع
(صبرا جميلا مَا أسْرع الفرجا ... من صدق الله فى الْأُمُور نجا)
(من خشى الله لم ينله أَذَى ... وَمن رجا الله كَانَ حَيْثُ رجا)
وَقيل كَانَت فِيهِ سَلامَة صدر وغفلة
قلت إِلَّا أَنَّهَا باتفاقهم لم تَنْتَهِ بِهِ إِلَى التَّوَقُّف فى قبُول رِوَايَته بل هُوَ ثِقَة ثَبت خرج إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة حَدِيثه فى // صَحِيحه // وَكَذَلِكَ ابْن حبَان وَالْحَاكِم
قَالَ ابْن أَبى حَاتِم سمعنَا مِنْهُ وَهُوَ صَدُوق وَسُئِلَ أَبى عَنهُ فَقَالَ صَدُوق انْتهى
وَقَالَ الْخَلِيل فى الْإِرْشَاد ثِقَة // مُتَّفق عَلَيْهِ //
قَالَ الطحاوى مَاتَ الرّبيع بن سُلَيْمَان مُؤذن جَامع الْفسْطَاط يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء لإحدى وَعشْرين لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ الْأَمِير خمارويه بن أَحْمد بن طولون(2/134)
قلت وعاش ابْنه أَبُو المضا مُحَمَّد بعده ثَلَاث سِنِين
وَلَهُم شيخ آخر يُقَال لَهُ الرّبيع بن سُلَيْمَان مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين نبهنا عَلَيْهِ لِئَلَّا يشْتَبه
وَهَذِه نخب وفوائد عَن الرّبيع رَحمَه الله
قَالَ أَبُو عَاصِم روى الرّبيع عَن الشافعى أَنه قَالَ فى الْأكل أَرْبَعَة أَشْيَاء فرض وَأَرْبَعَة سنة وَأَرْبَعَة أدب أما الْفَرْض فَغسل الْيَدَيْنِ والقصعة والسكين والمغرفة وَالسّنة الْجُلُوس على الرجل الْيُسْرَى وتصغير اللقم والمضغ الشَّديد ولعق الْأَصَابِع وَالْأَدب أَن لَا تمد يدك حَتَّى يمد من هُوَ أكبر مِنْك وتأكل مِمَّا يليك وَقلة النّظر فى وُجُوه النَّاس وَقلة الْكَلَام
قَالَ الرّبيع دخلت على الشافعى وَهُوَ مَرِيض فَقلت قوى الله ضعفك فَقَالَ لَو قوى ضعفى قتلنى قلت وَالله مَا أردْت إِلَّا الْخَيْر قَالَ أعلم أَنَّك لَو شتمتنى لم ترد إِلَّا الْخَيْر
وفى رِوَايَة قل قوى الله قوتك وَضعف ضعفك
قلت أما قد جَاءَ فى أدعية النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وقو فى رضاك ضعفى)
وَعَن حُبَيْش بن مُبشر حضرت مَجْلِسا بالعراق فِيهِ الشافعى فَجرى ذكر مَا يحل وَيحرم من حَيَوَان الْبَحْر فتقلد الشافعى مَذْهَب ابْن أَبى ليلى أَنه يحل كل مَا فى الْبَحْر حَتَّى الضفدع والسرطان إِلَّا شَيْئا فِيهِ سم فَتكلم فَحسن كَلَامه
قَالَ الرّبيع فعلقته وعرضته عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَهُ وَاخْتَارَهُ
قلت هُوَ قَول للشافعى شهير وَقد نسبه الشَّيْخ أَبُو عَاصِم إِلَى رِوَايَة الرّبيع(2/135)
وروى أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الأسدى فى كِتَابه فى مَنَاقِب الشافعى أَن الرّبيع قَالَ كَانَ الشافعى لَا يرى الْإِجَازَة فى الحَدِيث وَأَنه قَالَ أَنا أُخَالِف الشافعى فى هَذَا
قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول من استغضب فَلم يغْضب فَهُوَ حمَار وَمن اسْترْضى فَلم يرض فَهُوَ لئيم وفى لفظ شَيْطَان وَمن ذكر فَلم ينزجر فَهُوَ محروم وَمن تعرض لما لَا يعنيه فَهُوَ الملوم
قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول مَا حَلَفت بِاللَّه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا جادا وَلَا هازلا
قلت روى هَذَا عَن الشافعى جماعات من أَصْحَابه الرّبيع وحرملة وَغَيرهمَا وَقد قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول وَالله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو علمت أَنه شرب المَاء الْبَارِد ينقص مروءتى مَا شربته
قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول أَنْفَع الذَّخَائِر التَّقْوَى وأضرها الْعدوان
قَالَ وسمعته يَقُول لَا خير لَك فى صُحْبَة من تحْتَاج إِلَى مداراته
قَالَ الرّبيع قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} لم يخْتَلف أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ فِيمَا علمت أَن السدى الذى لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى
قلت وَكَذَلِكَ ذكره رضى الله عَنهُ فى الرسَالَة قرأته على الشَّيْخ الإِمَام كَذَلِك فى درس الغزالية
قَالَ الرّبيع سُئِلَ الشافعى عَن الرّقية فَقَالَ لَا بَأْس أَن يرقى بِكِتَاب الله أَو ذكر الله جلّ ثَنَاؤُهُ
فَقلت أيرقى أهل الْكتاب الْمُسلمين فَقَالَ نعم إِذا رقوا بِمَا يعرف من كتاب الله أَو ذكر الله
فَقلت وَمَا الْحجَّة فى ذَلِك(2/136)
فَقَالَ غير حجَّة فَأَما رِوَايَة صاحبنا وصاحبكم فَإِن مَالِكًا أخبرنَا عَن يحيى ابْن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا بكر دخل على عَائِشَة وهى تشتكى وَيَهُودِيَّة ترقيها فَقَالَ أَبُو بكر ارقيها بِكِتَاب الله
فَقلت للشافعى إِنَّا نكره رقية أهل الْكتاب
فَقَالَ وَلم وَأَنْتُم تروون هَذَا عَن أَبى بكر وَلَا أعلمكُم تروون هَذَا عَن غَيره من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلَافه وَقد أحل الله طَعَام أهل الْكتاب ونساءهم وأحسب الرّقية إِذا رقوا بِكِتَاب الله مثل هَذَا أَو أخف
قلت روى ذَلِك الْحَاكِم فى مَنَاقِب الشافعى عَن الْأَصَم عَن الرّبيع وأظن السَّائِل والمناظر للشافعى فى ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن
وَقد تضمن أَن قَول الصحابى إِذا لم يعرف لَهُ مُخَالف حجَّة عِنْد من لَا يرَاهُ حجَّة إِذا خَالفه غَيره
وَنَظِيره ذكر الرّبيع أَيْضا مناظرة الشافعى مَعَ مُحَمَّد بن الْحسن فى زَكَاة مَال الْيَتِيم وَقَول الشافعى فى أثْنَاء كَلَامه إِلَّا أَن أصل مَذْهَبنَا ومذهبك أَنا لَا نخالف الْوَاحِد من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن يُخَالِفهُ غَيره مِنْهُم فى مناظرة طَوِيلَة فى الْمَسْأَلَة
وَذكر الرّبيع مناظرته أَيْضا مَعَ مُحَمَّد بن الْحسن فى الْمُدبر وفيهَا قَول الشافعى لمُحَمد بن الْحسن هَل لَك أَن تَقول على غير أصل أَو قِيَاس على أصل قَالَ لَا
قلت فَالْأَصْل كتاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِجْمَاع النَّاس فى مناظرة طَوِيلَة قَالَ الشافعى فى آخرهَا فَرجع مُحَمَّد إِلَى قَوْلنَا فى بيع الْمُدبر
قَالَ الرّبيع قَالَ الشافعى قلت لمُحَمد بن الْحسن لم زعمت أَنه إِذا أَدخل يَده فى الْإِنَاء بنية الْوضُوء ينجس المَاء وأحسب لَو قَالَ هَذَا غَيْركُمْ لقلتم عَنهُ إِنَّه مَجْنُون
فَقَالَ لقد سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول قَول الْحِجَازِيِّينَ فى المَاء أحسن من قَوْلنَا وَقَوْلنَا فِيهِ خطأ(2/137)
قلت فَأَقَامَ عَلَيْهِ قَالَ قد رَجَعَ إِلَى قَوْلكُم نَحوا من شَهْرَيْن ثمَّ رَجَعَ
قلت مَا زَاد رُجُوعه إِلَى قَوْلنَا قُوَّة وَلَا وهنه رُجُوعه عَنهُ
قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول وَسَأَلَهُ رجل عَن مَسْأَلَة فَقَالَ يرْوى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ السَّائِل يَا أَبَا عبد الله أَتَقول بِهَذَا فارتعد الشافعى واصفر وَحَال لَونه وَقَالَ وَيحك أى أَرض تقلنى وأى سَمَاء تظلنى إِذا رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَلم أقل بِهِ نعم على الرَّأْس وَالْعين
وفى لفظ مَتى رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَلم آخذ بِهِ فأشهدكم أَن عقلى قد ذهب
وفى لفظ آخر رَوَاهُ الزعفرانى سَمِعت الشافعى يَقُول لمن قَالَ لَهُ أتأخذ بِهَذَا الحَدِيث ترانى فى بيعَة ترانى فى كَنِيسَة ترى على زى الْكفَّار هُوَ ذَا ترانى فى مَسْجِد الْمُسلمين على زى الْمُسلمين مُسْتَقْبل قبلتهم أروى حَدِيثا عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لَا أَقُول بِهِ
وَرَوَاهُ أَيْضا الحميدى وجماعات فَكَأَنَّهُ وَقع لَهُ مَرَّات رضى الله عَنهُ
قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا ضَاقَتْ الْأَشْيَاء اتسعت وَإِذا اتسعت ضَاقَتْ
قَالَ وسمعته يَقُول من صدق فى أخوة أَخِيه قبل علله وسد خلله وَعَفا عَن زلله
قَالَ وسمعته يَقُول الكيسى الْعَاقِل هُوَ الفطن المتغافل
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِيمَا ذكره البيهقى سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول أكره أَن يَقُول أعظم الله أجرك يعْنى فى الْمُصَاب لِأَن مَعْنَاهُ أَكثر الله مصائبك ليعظم أجرك
قلت لنا فى هَذَا من الْبَحْث كَمَا قدمْنَاهُ فى قوى الله ضعفك فكلاهما فى السّنة(2/138)
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا حَدثنَا الرّبيع قَالَ كَانَ الشافعى إِذا أَرَادَ أَن يدْخل فى الصَّلَاة قَالَ بِسم الله مُتَوَجها لبيت الله مُؤديا لعبادة الله
قَالَ الرّبيع قلت للشافعى من أقدر النَّاس على المناظرة فَقَالَ من عود لِسَانه الركض فى ميدان الْأَلْفَاظ وَلم يتلعثم إِذا رمقته الْعُيُون بالألحاظ
30 - سُلَيْمَان بن دَاوُد بن على بن عبد الله بن عَبَّاس القرشى الهاشمى أَبُو أَيُّوب البغدادى
روى عَن الشافعى وَغَيره
وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَو قيل لى اختر للْأمة رجلا اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِم اسْتخْلفت سُلَيْمَان بن دَاوُد الهاشمى
وَعَن الشافعى مَا رَأَيْت أَعقل من هذَيْن الرجلَيْن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَأحمد بن حَنْبَل
توفى سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة عشْرين
أخبرنَا أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم فى كتابهما عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى أخبرنَا الْمُبَارك بن الطيورى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد أخبرنَا على بن عمر حَدثنَا أَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى حَدثنَا عبد الله ابْن أَحْمد حَدَّثَنى أَبى حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الهاشمى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى حَدثنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فى كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ فى كل رَكْعَة رَكْعَتَيْنِ(2/139)
31 - عبد الله بن الزبير بن عِيسَى القرشى الأسدى المكى مُحدث مَكَّة وفقيهها
أَبُو بكر الحميدى نِسْبَة إِلَى حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد
روى عَن الشافعى وتفقه بِهِ وَذهب مَعَه إِلَى مصر وسُفْيَان بن عُيَيْنَة
قَالَ شَيخنَا الذهبى وَهُوَ أجل أَصْحَابه وَعبد الْعَزِيز الدراوردى وفضيل بن عِيَاض ووكيع وَغَيرهم
روى عَنهُ البخارى وَيَعْقُوب بن سُفْيَان وَمُحَمّد بن يحيى الذهلى وَسَلَمَة بن شبيب وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَخلق
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل الحميدى عندنَا إِمَام جليل
وَقَالَ أَبُو حَاتِم أثبت النَّاس فى ابْن عُيَيْنَة الحميدى
وَعَن الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول مَا رَأَيْت صَاحب بلغم أحفظ من الحميدى كَانَ يحفظ لِابْنِ عُيَيْنَة عشرَة آلَاف حَدِيث
وَقَالَ ابْن حبَان جَالس ابْن عُيَيْنَة عشْرين سنة
قلت إِن كَانَ مَا قَالَه أَبُو حَاتِم والشافعى وَابْن حبَان هُوَ الْحَامِل للذهبى على قَوْله إِن الحميدى أجل أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة فَلَيْسَ ذَلِك بكاف فِيمَا قَالَ
وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان حَدثنَا الحميدى وَمَا لقِيت أنصح لِلْإِسْلَامِ وَأَهله مِنْهُ
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق المروزى سَمِعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول الْأَئِمَّة فى زَمَاننَا الشافعى والحميدى وَأَبُو عبيد(2/140)
وَقَالَ على بن خلف سَمِعت الحميدى يَقُول مَا دمت بالحجاز وَأحمد بالعراق وَإِسْحَاق بخراسان لَا يغلبنا أحد
قلت وَمن ثمَّ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الحميدى مفتى أهل مَكَّة ومحدثهم وَهُوَ لأهل الْحجاز فى السّنة كأحمد بن حَنْبَل لأهل الْعرَاق انْتهى
وَقَالَ السراج سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول الحميدى إِمَام فى الحَدِيث
قَالَ ابْن سعد والبخارى توفى بِمَكَّة سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ
وَزَاد ابْن سعد فى شهر ربيع الأول وَقد أغفل شَيخنَا المزى حِكَايَة الشَّهْر عَن ابْن سعد وَحكى عَنهُ السّنة
وَمن الْفَوَائِد عَن الحميدى
قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان سَمِعت الحميدى يَقُول قدم الشافعى من صنعاء إِلَى مَكَّة بِعشْرَة آلَاف دِينَار فى منديل فَضرب خباءه فى مَوضِع خَارِجا من مَكَّة وَكَانَ أنَاس يأتونه فَمَا برح حَتَّى ذهبت كلهَا
وَقَالَ الحميدى ذكر رجل للشافعى حَدِيثا وَقَالَ أَتَقول بِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت فى وسطى زنارا أترانى خرجت من كَنِيسَة حَتَّى تَقول لى هَذَا وَمن طَرِيق الحميدى رويت
المناظرة الشهيرة بَين مُحَمَّد بن الْحسن والشافعى رضى الله عَنْهُمَا
وملخصها قَالَ لَهُ مُحَمَّد مَا تَقول فى رجل غصب من رجل ساجة فَبنى عَلَيْهَا بِنَاء أنْفق فِيهِ ألف دِينَار ثمَّ جَاءَ صَاحب الساجة أثبت بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبه هَذِه الساجة وَبنى عَلَيْهَا هَذَا الْبناء مَا كنت تحكم(2/141)
قَالَ الشافعى أَقُول لصَاحب الساجة يجب أَن تَأْخُذ قيمتهَا فَإِن رضى حكمت لَهُ بِالْقيمَةِ وَإِن أَبى إِلَّا ساجته قلعتها ورددتها عَلَيْهِ
فَقَالَ مُحَمَّد فَمَا تَقول فى رجل اغتصب من رجل خيط إبريسم فخاط بِهِ بَطْنه فجَاء صَاحب الْخَيط فَأثْبت بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبه هَذَا الْخَيط أَكنت تنْزع الْخَيط من بَطْنه فَقَالَ الشافعى لَا
فَقَالَ مُحَمَّد الله أكبر تركت قَوْلك فَقَالَ الشافعى لَا تعجل يَا مُحَمَّد أخبرنى لَو لم يغصب الساجة من أحد وَأَرَادَ أَن يقْلع عَنْهَا هَذَا الْبناء أمباح لَهُ ذَلِك أم محرم عَلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّد بل مُبَاح
فَقَالَ الشافعى أَفَرَأَيْت لَو كَانَ الْخَيط خيط نَفسه فَأَرَادَ أَن يَنْزعهُ من بَطْنه أمباح لَهُ ذَلِك أم محرم فَقَالَ مُحَمَّد بل محرم
فَقَالَ الشافعى فَكيف تقيس مُبَاحا على محرم فَقَالَ مُحَمَّد أَرَأَيْت لَو أَدخل غَاصِب الساجة فى سفينة ولجج فى الْبَحْر أَكنت تنْزع اللَّوْح من السَّفِينَة
فَقَالَ الشافعى لَا بل آمره أَن يقرب سفينته إِلَى أقرب المراسى إِلَيْهِ ثمَّ أنزع اللَّوْح وأدفعه إِلَى صَاحبه
فَقَالَ مُحَمَّد أَلَيْسَ قد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) فَقَالَ الشافعى هُوَ أضرّ بِنَفسِهِ لم يضر بِهِ أحد
ثمَّ قَالَ الشافعى مَا تَقول فى رجل اغتصب من رجل جَارِيَة فأولدها عشرَة كلهم(2/142)
قد قرأوا الْقُرْآن وخطبوا على المنابر وحكموا بَين الْمُسلمين فَأثْبت صَاحب الْجَارِيَة بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبها مِنْهُ ناشدتك الله بِمَاذَا كنت تحكم قَالَ أحكم بِأَن أَوْلَاده أرقاء لصَاحب الْجَارِيَة
فَقَالَ الشافعى أَيهمَا أعظم عَلَيْهِ ضَرَرا أَن يَجْعَل أَوْلَاده أرقاء أَو يقْلع الْبناء عَن الساجة
32 - عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن أَيُّوب بن مِقْلَاص الإِمَام أَبُو على الخزاعى مَوْلَاهُم المصرى الْفَقِيه
أَخذ عَن الشافعى وَعَن عبد الله بن وهب
روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا
وَهُوَ ابْن بنت سعيد بن أَبى أَيُّوب
كَانَ فَقِيها زاهدا توفى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الْمسَائِل عَنهُ
روى ابْن مِقْلَاص عَن الشافعى أَن السويق مُخَالف للحنطة والدقيق مجانس لَهَا وَالْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب أَن السويق كالدقيق
قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله وينبغى التثبت فِيمَا نقل ابْن مِقْلَاص فَإِن السويق فى هَذِه الْبِلَاد(2/143)
إِنَّمَا يسْتَعْمل من الشّعير وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال فى مُخَالفَته للحنطة وَإِنَّمَا يستغرب مَنْقُول ابْن مِقْلَاص إِذا صرح بِالْفرقِ بَين السويق والدقيق من جنس وَاحِد
33 - عبد الْعَزِيز بن يحيى بن عبد الْعَزِيز بن مُسلم بن مَيْمُون الكنانى المكى
الذى ينْسب إِلَيْهِ كتاب الحيدة
روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة ومروان بن مُعَاوِيَة الفزارى وَعبد الله بن معَاذ الصنعانى وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشافعى وَبِه تخرج وَهِشَام بن سُلَيْمَان المخزومى وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو العيناء مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن خَلاد وَالْحُسَيْن بن الْفضل البجلى وَأَبُو بكر يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم التيمى وَغَيرهم وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث
وَيُقَال كَانَ يلقب بالغول لدمامة منظره
وَعَن أَبى العيناء لما دخل عبد الْعَزِيز المكى على الْمَأْمُون وَكَانَت خلقته شنعة جدا ضحك أَبُو إِسْحَاق المعتصم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يضْحك هَذَا لم يصطف الله يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لجماله وَإِنَّمَا اصطفاه الله لدينِهِ وَبَيَانه فَضَحِك الْمَأْمُون وَأَعْجَبهُ
قَالَ الْخَطِيب قدم بَغْدَاد زمن الْمَأْمُون وَجَرت بَينه وَبَين بشر المريسى مناظرة فى الْقُرْآن
قلت أى رد على بشر قَوْله بِخلق الْقُرْآن كَذَا بَينه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ مَشْهُور(2/144)
قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ من أهل الْعلم وَالْفضل وَله مصنفات عدَّة وَكَانَ مِمَّن تفقه بالشافعى واشتهر بِصُحْبَتِهِ
وَقَالَ دَاوُد بن على الظاهرى كَانَ عبد الْعَزِيز بن يحيى أحد أَتبَاع الشافعى والمقتبسين عَنهُ وَقد طَالَتْ صحبته لَهُ وَخرج مَعَه إِلَى الْيمن وآثار الشافعى فى كتب عبد الْعَزِيز ظَاهِرَة
وَنقل الْخَطِيب أَن عبد الْعَزِيز قَالَ دخلت على أَحْمد بن أَبى دؤاد وَهُوَ مفلوج فَقلت إنى لم آتِك عَائِدًا وَلَكِن جِئْت لِأَحْمَد الله أَن سجنك فى جِلْدك
قَالَ شَيخنَا الذهبى فَهَذَا يدل على أَن عبد الْعَزِيز كَانَ حَيا فى حُدُود الْأَرْبَعين
قلت وعَلى أَنه كَانَ ناصرا للسّنة فى نفى خلق الْقُرْآن كَمَا دلّت عَلَيْهِ مناظرته مَعَ بشر وَكتاب الحيدة الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِيهِ أُمُور مستشنعة لكنه كَمَا قَالَ شَيخنَا الذهبى لم يَصح إِسْنَاده إِلَيْهِ وَلَا ثَبت أَنه من كَلَامه فَلَعَلَّهُ وضع عَلَيْهِ
34 - على بن عبد الله بن جَعْفَر بن نجيح السعدى أَبُو الْحسن ابْن المدينى الْحَافِظ
أحد أَئِمَّة الحَدِيث ورفعائهم وَمن انْعَقَد الْإِجْمَاع على جلالته وإمامته وَله التصانيف الحسان
مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة
وَسمع أَبَاهُ وَحَمَّاد بن زيد وهشيما وَابْن عُيَيْنَة والدراوردى وَابْن وهب(2/145)
وَعبد الْوَارِث والوليد بن مُسلم وغندرا وَيحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهدى وَابْن علية وَعبد الرَّزَّاق وخلقا سواهُم
روى عَنهُ البخارى وَأَبُو دَاوُد وَأحمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن يحيى الذهلى وَإِسْمَاعِيل القاضى وَصَالح جزرة وَأَبُو خَليفَة الجمحى وَأَبُو يعلى الموصلى وَعبد الله البغوى وَخلق آخِرهم موتا عبد الله بن مُحَمَّد بن أَيُّوب الْكَاتِب وأقدمهم وَفَاة شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة
قَالَ الْخَطِيب وَبَين وفاتيهما مائَة وثمان وَعِشْرُونَ سنة
وروى الترمذى والنسائى عَن رجل عَنهُ
قَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ ابْن المدينى علما فى النَّاس فى معرفَة الحَدِيث والعلل وَمَا سَمِعت أَحْمد سَمَّاهُ قطّ إِنَّمَا كَانَ يكنيه تبجيلا لَهُ
وَعَن ابْن عُيَيْنَة يلوموننى على حب ابْن المدينى وَالله لما أتعلم مِنْهُ أَكثر مِمَّا يتَعَلَّم منى
وَعنهُ لَوْلَا ابْن المدينى مَا جَلَست
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن مهدى أَنه قَالَ ابْن المدينى أعلم النَّاس بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخاصة بِحَدِيث ابْن عُيَيْنَة
وَقَالَ أَبُو قدامَة السرخسى سَمِعت على بن المدينى يَقُول رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الثريا تدلت حَتَّى تناولتها قَالَ أَبُو قدامَة فَصدق الله رُؤْيَاهُ بلغ فى الحَدِيث مبلغا لم يبلغهُ كَبِير أحد
قَالَ النسائى كَأَن الله خلق على بن المدينى لهَذَا الشَّأْن
وَقَالَ صَاعِقَة كَانَ ابْن المدينى إِذا قدم بَغْدَاد تصدر الْحلقَة وَجَاء يحيى وَأحمد ابْن حَنْبَل وَالنَّاس يتناظرون فَإِذا اخْتلفُوا فى شئ تكلم فِيهِ ابْن المدينى(2/146)
وَقَالَ السراج قلت للبخارى مَا تشْتَهى قَالَ أَن أقدم الْعرَاق وعَلى بن عبد الله حى فأجالسه
وَعَن البخارى مَا استصغرت نفسى عِنْد أحد إِلَّا عِنْد ابْن المدينى
وَقيل لأبى دَاوُد أَحْمد أعلم أم على قَالَ على أعلم باخْتلَاف الحَدِيث من أَحْمد
وَقَالَ عبد الله بن أَبى زِيَاد القطوانى سَمِعت أَبَا عبيد يَقُول انْتهى الْعلم إِلَى أَرْبَعَة أَبُو بكر بن أَبى شيبَة أسردهم لَهُ وَأحمد بن حَنْبَل أفقههم فِيهِ وعَلى بن المدينى أعلمهم بِهِ وَيحيى بن معِين أكتبهم لَهُ
وَكَانَ على بن المدينى مِمَّن أجَاب إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن فى المحنة فنقم ذَلِك عَلَيْهِ وَزيد عَلَيْهِ فى القَوْل وَالصَّحِيح عندنَا أَنه إِنَّمَا أجَاب خشيَة السَّيْف
قَالَ ابْن عدى سَمِعت مُسَدّد بن أَبى يُوسُف القلوسى سَمِعت أَبى يَقُول قلت لِابْنِ المدينى مثلك فى علمك يُجيب إِلَى مَا أجبْت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا يُوسُف مَا أَهْون عَلَيْك السَّيْف
وَعنهُ خفت أَن أقتل وَلَو ضربت سَوْطًا وَاحِدًا لمت
قلت وَمَا حكى من أَنه علل حَدِيث الرُّؤْيَة بسؤال القاضى أَحْمد بن أَبى دؤاد لَهُ وَقَوله لَهُ هَذِه حَاجَة الدَّهْر وَأَن عليا قَالَ فِيهِ من لَا يعول عَلَيْهِ قيس بن أَبى حَازِم إِنَّمَا كَانَ أَعْرَابِيًا بوالا على عَقِبَيْهِ وَأَن ابْن أَبى دؤاد قَالَ لِأَحْمَد بن حَنْبَل تحتج علينا بِحَدِيث جرير فى الرُّؤْيَة وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة قيس بن أَبى حَازِم أعرابى بوال على عَقِبَيْهِ وَأَن ابْن حَنْبَل قَالَ علمت أَن هَذَا من عمل ابْن المدينى فَهُوَ أثر لَا يَصح(2/147)
وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب هَذَا بَاطِل قد نزه الله ابْن المدينى عَن قَول ذَلِك فى قيس وَلَيْسَ فى التَّابِعين من أدْرك الْعشْرَة وروى عَنْهُم غَيره وَلم يحك أحد مِمَّن سَاق محنة أَحْمد أَنه نوظر فى حَدِيث الرُّؤْيَة
وَقَالَ أَبُو العيناء دخل على بن المدينى إِلَى أَحْمد بن أَبى دؤاد بعد محنة أَحْمد فَنَاوَلَهُ رقْعَة وَقَالَ هَذِه طرحت فى دارى فَإِذا فِيهَا
(يَا ابْن المدينى الذى شرعت لَهُ ... دنيا فجاد بِدِينِهِ لينالها)
(مَاذَا دعَاك إِلَى اعْتِقَاد مقَالَة ... قد كَانَ عنْدك كَافِرًا من قَالَهَا)
(أَمر بدا لَك رشده فقبلته ... أم زهرَة الدُّنْيَا أردْت نوالها)
(فَلَقَد عهدتك لَا أبالك مرّة ... صَعب المقادة للتى تدعى لَهَا)
(إِن الحريب لمن يصاب بِدِينِهِ ... لَا من يرزى نَاقَة وفصالها)
فَقَالَ لَهُ لقد قُمْت وقمنا من حق الله بِمَا يصغر قدر الدُّنْيَا عِنْد كثير ثَوَابه ثمَّ وَصله بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم
وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَبى شيبَة سَمِعت على بن المدينى يَقُول قبل مَوته بشهرين الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر
وَقَالَ البخارى مَاتَ على بن المدينى ليومين بقيا من ذى الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ الْحَارِث وَغير وَاحِد مَاتَ بسر من رأى فى ذى الْقعدَة وَغلط من قَالَ سنة ثَلَاث
وَمن الْفَوَائِد عَن على رَحمَه الله
روى أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظاهرى فى كتاب الِاتِّصَال أَن أَبَا مُحَمَّد حبيبا البخارى وَهُوَ صَاحب أَبى ثَوْر ثِقَة مَشْهُور قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل قَالَ سَمِعت على(2/148)
ابْن المدينى يَقُول دخلت على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لى أتعرف حَدِيثا مُسْندًا فِيمَن سبّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقْتل فَقلت نعم فَذكرت لَهُ حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن سماك بن الْفضل عَن عُرْوَة بن مُحَمَّد عَن رجل من بلقين قَالَ كَانَ رجل يشْتم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من يكفينى عدوا لى) فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد أَنا فَبَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فَقتله
فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ هَذَا مُسْندًا هُوَ عَن رجل
فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَكَذَا يعرف هَذَا الرجل وَهُوَ اسْمه وَقد أَتَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعهُ هُوَ مَشْهُور مَعْرُوف
قَالَ فَأمر لى بِأَلف دِينَار
قَالَ ابْن حزم هُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند
قلت لَا يُرِيد ابْن المدينى بقوله وَهُوَ اسْمه أَن اسْم هَذَا الرجل الْمَجْهُول رجل من بلقين وَأَن هَذَا اللَّفْظ علم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُرِيد أَنه بذلك يعرف لَا يعرف لَهُ اسْم علم بل إِنَّمَا يعرف بقبيلته وهى الْقَيْن فَيُقَال رجل من بنى الْقَيْن يدل عَلَيْهِ مَعَ وضوحه قَوْله هَكَذَا يعرف هَذَا الرجل
وَقَوله وَقد أَتَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعهُ جَوَاب سُؤال مُقَدّر تَقْدِيره إِذا كَانَ مَجْهُولا فَكيف يحْتَج بِهِ فَأجَاب بِأَن جَهَالَة الْعين وَالِاسْم مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ صحابى لَا يقْدَح لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول وَهَذَا الرجل كَمَا ذكر ابْن المدينى لَا يعرف لَهُ اسْم
وَقد روى البيهقى هَذَا الحَدِيث فى سنَنه من حَدِيث معمر هَكَذَا وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح
وروى الْحَاكِم أَبُو عبد الله بِسَنَدِهِ فى كتاب مزكى الْأَخْبَار أَن عبد الله بن على(2/149)
ابْن المدينى قَالَ سَمِعت أَبى يَقُول خَمْسَة أَحَادِيث لَا أصل لَهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث (لَو صدق السَّائِل مَا أَفْلح من رده) وَحَدِيث (لَا وجع إِلَّا وجع الْعين وَلَا غم إِلَّا غم الدّين) وَحَدِيث (إِن الشَّمْس ردَّتْ على على بن أَبى طَالب) وَحَدِيث (أفطر الحاجم والمحجوم إنَّهُمَا كَانَا يغتابان)
قلت هُوَ نَظِير قَول الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث لَا أصل لَهَا حَدِيث (من آذَى ذِمِّيا فَكَأَنَّمَا آذانى) وَحَدِيث (من بشرنى بِخُرُوج آذار ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة) وَحَدِيث (للسَّائِل حق وَلَو جَاءَ على فرس) وَحَدِيث (يَوْم صومكم يَوْم نحركم يَوْم رَأس سنتكم)
35 - الْفضل بن الرّبيع بن يُونُس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى فَرْوَة واسْمه كيسَان مولى عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس
حَاجِب الرشيد ثمَّ وزيره
كَانَ من رجال الدَّهْر رَأيا وحزما ودهاء ورياسة وَمَكَارِم وعظمة فى الدُّنْيَا ولوالده الجاه الرفيع عِنْد مخدومه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبى جَعْفَر الْمَنْصُور
وَلما آل الْأَمر إِلَى هَارُون الرشيد واستوزر البرامكة جعل الْفضل حَاجِبه وَكَانَ الْفضل يروم التَّشَبُّه بالبرامكة ومعارضتهم وَلم يكن لَهُ إِذْ ذَاك من الْمقدرَة مَا يدْرك اللحاق بهم فَمن ثمَّ كَانَت بَينهم إحن وشحناء إِلَى أَن قدر الله زَوَال نعْمَة البرامكة على يدى الْفضل فَإِنَّهُ تمكن بمجالسة الرشيد وأوغر قلبه فِيمَا يذكر عَلَيْهِم حَتَّى اتّفق لَهُ مَا تناقلته الروَاة(2/150)
وَاسْتمرّ الْفضل مُتَمَكنًا عِنْد هَارُون إِلَى أَن قضى هَارُون نحبه فَقَامَ بالخلافة وَلَده مُحَمَّد الْأمين وسَاق إِلَيْهِ الخزائن بعد موت أَبِيه وَسلم إِلَيْهِ الْقَضِيب والخاتم وَأَتَاهُ بذلك من طوس
وَكَانَ الْفضل هُوَ صَاحب الْحل وَالْعقد لاشتغال الْأمين باللهو وَلما تداعت دولة الْأمين ولاح عَلَيْهَا الإدبار اختفى الْفضل مُدَّة طَوِيلَة فَلَمَّا بُويِعَ إِبْرَاهِيم بن المهدى ظهر الْفضل وساس نَفسه وَلم يدْخل مَعَهم فى شئ فَلذَلِك عَفا عَنهُ الْمَأْمُون بشفاعة طَاهِر بن الْحُسَيْن وَاسْتمرّ بطالا فى دولة الْمَأْمُون لاحظ لَهُ إِلَّا السَّلامَة إِلَى أَن مَاتَ
وفى تقصى أخباره طول وفصول وَلَكنَّا نذْكر فَوَائِد من أوائلها وأواخرها فَمِنْهَا قيل دخل الْفضل يَوْمًا على يحيى بن خَالِد البرمكى وَقد جلس لقَضَاء الْحَوَائِج وَبَين يَدَيْهِ وَلَده جَعْفَر يُوقع فى الْقَصَص فَعرض الْفضل عَلَيْهِ عشر رقاع للنَّاس فتعلل يحيى فى كل رقْعَة بعلة وَلم يُوقع فى شئ مِنْهَا أَلْبَتَّة فَجمع الْفضل الرّقاع وَقَالَ ارْجِعْنَ خائبات خاسئات ثمَّ خرج وَهُوَ ينشد
(عَسى وَعَسَى يثنى الزَّمَان عنانه ... بتصريف حَال وَالزَّمَان عثور)
(فتقضى لبانات وتشفى حسائف ... وتحدث من بعد الْأُمُور أُمُور)
فَسَمعهُ يحيى فَقَالَ عزمت عَلَيْك يَا أَبَا الْعَبَّاس إِلَّا رجعت فَرجع فَوَقع لَهُ فى جَمِيع الرّقاع ثمَّ لم يمض إِلَّا الْقَلِيل ونكبت البرامكة على يَدَيْهِ وَتَوَلَّى هُوَ الوزارة بعد أَن كَانَ حاجبا
وتنازع يَوْمًا جَعْفَر بن يحيى وَالْفضل بن الرّبيع بِحَضْرَة الرشيد فَقَالَ جَعْفَر للفضل يالقيط إِشَارَة إِلَى شئ كَانَ يُقَال عَن أَبِيه فَقَالَ الْفضل اشْهَدْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ جَعْفَر للرشيد ترَاهُ عِنْد من يقيمك هَذَا الْجَاهِل شَاهدا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنت حَاكم الْحُكَّام(2/151)
وَالْفضل بن الرّبيع هُوَ الذى يَقُول فِيهِ أَبُو نواس
(وَلَيْسَ لله بمستنكر ... أَن يجمع الْعَالم فى وَاحِد)
من أَبْيَات
مَاتَ الْفضل سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ فى عشر السّبْعين
ويستحسن إِيرَاده فى أَصْحَاب الشافعى لما أخبرتنا بِهِ زَيْنَب بنت الْكَمَال المقدسية إِذْنا عَن الْحَافِظ أَبى الْحجَّاج الدمشقى أَنه قَالَ أخبرنَا أَبُو المكارم اللبان أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد الْحداد أخبرنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن جَعْفَر البغدادى غنْدر حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا أَبُو نصر المخزومى الكوفى حَدثنَا الْفضل بن الرّبيع حَاجِب هَارُون الرشيد أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ دخلت على هَارُون الرشيد فَإِذا بَين يَدَيْهِ ضبارة سيوف وأنواع من الْعَذَاب فَقَالَ لى يَا فضل فَقلت لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ على بِهَذَا الحجازى يعْنى الشافعى
فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب هَذَا الرجل
قَالَ فَأتيت الشافعى فَقلت لَهُ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ أصلى رَكْعَتَيْنِ
فَقلت صل فصلى ثمَّ ركب بغلة كَانَت لَهُ فسرنا مَعًا إِلَى دَار الرشيد فَلَمَّا دَخَلنَا الدهليز الأول حرك الشافعى شَفَتَيْه فَلَمَّا دَخَلنَا الدهليز الثانى حرك شَفَتَيْه فَلَمَّا وصلنا بِحَضْرَة الرشيد قَامَ إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ كالمشرئب لَهُ فأجلسه مَوْضِعه وَقعد بَين يَدَيْهِ يعْتَذر إِلَيْهِ وخاصة أَمِير الْمُؤمنِينَ قيام ينظرُونَ إِلَى مَا أعد لَهُ من أَنْوَاع الْعَذَاب فَإِذا هُوَ جَالس بَين يَدَيْهِ فتحدثوا طَويلا ثمَّ أذن لَهُ بالانصراف
فَقَالَ لى يَا فضل
قلت لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ(2/152)
فَقَالَ احْمِلْ بَين يَدَيْهِ بدرة فَحملت فَلَمَّا صرنا إِلَى الدهليز الأول لِخُرُوجِهِ قلت سَأَلتك بالذى صير غَضَبه عَلَيْك رضَا إِلَّا مَا عرفتنى مَا قلت فى وَجه أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى رضى
فَقَالَ لى يَا فضل فَقلت لَهُ لبيْك أَيهَا السَّيِّد الْفَقِيه قَالَ خُذ منى واحفظ عَنى قلت {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} الْآيَة اللَّهُمَّ إنى أعوذ بِنور قدسك وببركة طهارتك وبعظمة جلالك من كل عاهة وَآفَة وطارق الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا طَارِقًا يطرقنى بِخَير يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ بك ملاذى فبك ألوذ وَبِك غياثى فبك أغوث يَا من ذلت لَهُ رِقَاب الفراعنة وخضعت لَهُ مقاليد الْجَبَابِرَة اللَّهُمَّ ذكرك شعارى ودثارى ونومى وقرارى أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت اضْرِب على سرادقات حفظك وقنى رعبى بِخَير مِنْك يَا رَحْمَن
قَالَ الْفضل فكتبتها وجعلتها فى بركَة قبائى وَكَانَ الرشيد كثير الْغَضَب على وَكَانَ كلما هم أَن يغْضب أحركها فى وَجهه فيرضى فَهَذَا مِمَّا أدْركْت من بركَة الشافعى
36 - الْقَاسِم بن سَلام بتَشْديد اللَّام الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبيد
الأديب الْفَقِيه الْمُحدث صَاحب التصانيف الْكَثِيرَة فى الْقرَاءَات وَالْفِقْه واللغة وَالشعر
قَرَأَ الْقُرْآن على الكسائى وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وشجاع بن أَبى نصر(2/153)
وَسمع الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وهشيم بن بشير وَشريك بن عبد الله وَهُوَ أكبر شُيُوخه وَعبد الله بن الْمُبَارك وأبى بكر بن عَيَّاش وَجَرِير بن عبد الحميد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وخلائق آخِرهم موتا هِشَام ابْن عمار
روى عَنهُ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارمى ووكيع وَأَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وعباس الدورى والْحَارث بن أَبى أُسَامَة وعَلى بن عبد الْعَزِيز البغوى وَأحمد بن يحيى البلاذرى الْكَاتِب وَآخَرُونَ
وتفقه على الشافعى رضى الله عَنهُ وتناظر مَعَه فى الْقُرْء هَل هُوَ حيض أَو طهر إِلَى أَن رَجَعَ كل مِنْهُمَا إِلَى مَا قَالَه الآخر كَمَا سنشرح ذَلِك
ولد بهراة وَكَانَ أَبوهُ فِيمَا يذكر عبدا لبَعض أَهلهَا وتنقلت بِهِ الْبِلَاد وَولى قَضَاء طرسوس ثمَّ حج بِالآخِرَة فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْحق يحب لله أَبُو عبيد أفقه منى وَأعلم منى أَبُو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدبا إِنَّا نحتاج إِلَى أَبى عبيد وَأَبُو عبيد لَا يحْتَاج إِلَيْنَا
قَالَ الْحَاكِم هُوَ الإِمَام المقبول عِنْد الْكل
وَقَالَ أَبُو بكر الأنبارى وَكَانَ أَبُو عبيد قد جزأ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء ثلثا ينَام وَثلثا يصلى وَثلثا يطالع الْكتب
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد كَانَ أَبُو عبيد مؤدبا صَاحب نَحْو وعربية وَطلب الحَدِيث وَالْفِقْه وَولى قَضَاء طرسوس أَيَّام ثَابت بن نصر بن مَالك وَلم يزل مَعَه وَمَعَ وَلَده وَقدم بَغْدَاد ففسر بهَا غَرِيب الحَدِيث وصنف كتبا وَحدث وَحج فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ عَبَّاس الدوري سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَبُو عبيد مِمَّن يزْدَاد عندنَا كل يَوْم خيرا(2/154)
وَقَالَ أَبُو قدامَة سَمِعت أَحْمد يَقُول أَبُو عبيد أستاذ
وَقَالَ حمدَان بن سهل سَأَلت يحيى بن معِين عَن أَبى عبيد فَقَالَ مثلى يسْأَل عَن أَبى عبيد أَبُو عبيد يسْأَل عَن النَّاس
وَقَالَ أَبُو دَاوُد ثِقَة مَأْمُون
قَالَ الدارقطنى ثِقَة إِمَام جبل
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغنى بن سعيد فى كتاب الطَّهَارَة لأبى عبيد حديثان مَا حدث بهما غَيره وَلَا حدث بهما عَنهُ غير مُحَمَّد بن يحيى المروزى
أَحدهمَا حَدِيث شُعْبَة عَن عَمْرو بن أَبى وهب
وَالْآخر حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن سعيد المقبرى حدث بِهِ عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله وَحدث بِهِ النَّاس عَن يحيى عَن ابْن عجلَان
وَقَالَ ثَعْلَب لَو كَانَ أَبُو عبيد فى بنى إِسْرَائِيل لَكَانَ عجبا
وَقَالَ القاضى أَبُو الْعَلَاء الواسطى أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر التميمى حَدثنَا أَبُو على النحوى حَدثنَا الفسطاطى قَالَ كَانَ أَبُو عبيد مَعَ عبد الله بن طَاهِر فَبعث إِلَيْهِ أَبُو دلف يستهديه أَبَا عبيد مُدَّة شَهْرَيْن فأنفذه إِلَيْهِ فَأَقَامَ شَهْرَيْن فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَلم يقبلهَا وَقَالَ أَنا فى جنَّة رجل لم يحوجنى إِلَى صلَة غَيره فَلَمَّا عَاد إِلَى ابْن طَاهِر وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير قد قبلتها وَلَكِن قد أغنيتنى بمعروفك وبرك وَقد رَأَيْت أَن أشترى بهَا سِلَاحا وخيلا وأوجه بهَا إِلَى الثغر ليَكُون الثَّوَاب متوفرا على الْأَمِير فَفعل
قيل وَكَانَ أَبُو عبيد إِذا صنف كتابا أهداه إِلَى عبد الله بن طَاهِر فَيحمل إِلَيْهِ مَالا خطيرا اسْتِحْسَانًا لذَلِك(2/155)
وَقَالَ عبد الله بن طَاهِر الْأَئِمَّة للنَّاس أَرْبَعَة ابْن عَبَّاس فى زَمَانه والشعبى فى زَمَانه وَالقَاسِم بن معن فى زَمَانه وَأَبُو عبيد فى زَمَانه
وَقَالَ عَبْدَانِ بن مُحَمَّد المروزى حَدثنَا أَبُو سعيد الضَّرِير قَالَ كنت عِنْد عبد الله بن طَاهِر فورد عَلَيْهِ نعى أَبى عبيد فَأَنْشَأَ يَقُول
(يَا طَالب الْعلم قد مَاتَ ابْن سَلام ... وَكَانَ فَارس علم غير محجام)
(مَاتَ الذى كَانَ فِينَا ربع أَرْبَعَة ... لم يلق مثلهم إستار أَحْكَام)
(خير الْبَريَّة عبد الله أَوَّلهمْ ... وعامر ولنعم التلو يَا عَام)
(هما اللَّذَان أنافا فَوق غَيرهمَا ... والقاسمان ابْن معن وَابْن سَلام)
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
حكى الأزهرى فى التَّهْذِيب عَن أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يَمُوت لمُسلم ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم) أَن المُرَاد بِهَذَا الْقسم قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَإِذا مر بهَا متجاوزا لَهَا فقد أبر الله قسمه
ثمَّ اعْتَرَضَهُ الأزهرى بِأَنَّهُ لَا قسم فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَكيف يكون لَهُ تَحِلَّة قَالَ وَلَكِن معنى قَوْله إِلَّا تَحِلَّة الْقسم إِلَّا التعزيز الذى لَا ينداه مِنْهُ مَكْرُوه وَأَصله من قَول الْعَرَب ضَربته تحليلا وضربته تعزيرا أى لم أبالغ فى ضربه وَأَصله من تَحْلِيل الْيَمين وَهُوَ أَن يحلف الرجل ثمَّ يسْتَثْنى اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ يُقَال آلى فلَان ألية لم يتَحَلَّل أى لم يسْتَثْن ثمَّ جعل ذَلِك مثلا لكل شىء قل وقته(2/156)
وَمِنْه قَول الشَّاعِر
(نَجَائِب وقعهن الأَرْض تَحْلِيل ... )
أى قَلِيل هَين يسير
وَيُقَال للرجل إِذا أمعن فى وَعِيد أَو أفرط فى قَول حلا أَبَا فلَان أى تحلل فى يَمِينك جعله فى وعيده كحالف فَأمره بِالِاسْتِثْنَاءِ
قلت وَهُوَ اعْتِرَاض عَجِيب فَإِن الْقسم مُقَدّر فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم} لِأَن الْقسم عِنْد النُّحَاة يتلَقَّى بالنفى وَالْإِثْبَات وَالتَّقْدِير وَالله إِن مِنْكُم إِلَّا واردها أَو أقسم إِن مِنْكُم إِلَّا واردها
يدل عَلَيْهِ شَيْئَانِ
أَحدهمَا قَوْله تَعَالَى بعد ذَلِك {كَانَ على رَبك حتما مقضيا} قَالَ الْحسن وَقَتَادَة قسما وَاجِبا وروى عَن ابْن مَسْعُود
والثانى هَذَا الحَدِيث فقد فهم الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقسم مِنْهُ وَقَول الأزهرى وَأَصله من قَوْلهم ضَربته تحليلا إِلَى قَوْله جعله فى وعيده كحالف مِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَو لم يقدر أَنه حَالف مَا صَحَّ شىء مِمَّا ذكرنَا
ذهب أَبُو عبيد إِلَى أَن من طلقت فى طهر وجامعها فِيهِ زَوجهَا لَا تنقضى عدتهَا إِلَّا بالطعن فى الْحَيْضَة الرَّابِعَة وَجعله الجيلى فى شرح التَّنْبِيه مَذْهَبنَا وَهُوَ خلاف نَص الْمُخْتَصر وتصريح الْأَصْحَاب(2/157)
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَعَلَّ الجيلى اعْتقد أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا فاقتصر على حِكَايَة مذْهبه
قلت هَذَا كَلَام عَجِيب أَبُو عبيد لَا ريب فى أَنه من أَصْحَابنَا وَلَكِن ذَلِك لَا يسوغ حِكَايَة قَوْله مذهبا لنا مَعَ تَصْرِيح الْمَذْهَب بِخِلَافِهِ
قَالَ أَبُو عبيد فى قَول الشَّاعِر
(فَإِن أدع اللواتى من أنَاس ... أضاعوهن لَا أدع الذينا)
الذى هُنَا لَا صلَة لَهَا وَالْمعْنَى إِن أدع ذكر النِّسَاء لَا أدع ذكر الرِّجَال
قلت هَذَا الْبَيْت للكميت وَهُوَ شَاهد ذكر الْمَوْصُول بِغَيْر صلَة لقَرِينَة
قَالَ أَبُو عبيد فى معنى قَول الشماخ
(وَمَاء قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطير كالورق اللجين)
(ذعرت بِهِ القطا ونفيت عَنهُ ... مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللعين)
إِن فيهمَا تَقْدِيمًا وتأخيرا وَالتَّقْدِير فى الأول وَمَاء كالورق اللجين عَلَيْهِ الطير واللجين الذى قد ضرب حَتَّى تلجن وَالتَّقْدِير فى الثانى مقَام الذِّئْب اللعين كَالرّجلِ انْتهى
ذكره فى كِتَابه فى معانى الشّعْر
قلت فَجعل ورقه كالورق صفة لماء فَيكون قد فصل بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة بمتعلق رب المحذوفة وَهُوَ قَوْله وَردت وَعَلِيهِ الطير جملَة وهى صفة ثَانِيَة مؤخرة عَن الصّفة الْوَاقِعَة ظرفا وَهَكَذَا أصل الْكَلَام
وَيجوز أَن يكون المَاء مَوْصُوفا بِثَلَاث صِفَات هَاتين الصفتين وَقَوله قد وَردت وَيكون مُتَعَلق رب إِنَّمَا هُوَ قَوْله ذعرت بِهِ القطا وَلَا يَأْبَى هَذَا الْوَجْه قَول أَبى عبيد وَيكون إِنَّمَا قدر قَوْله كالورق مقدما ليعلمك أَنه من صلَة مَاء لِأَن مَا قبله غير صفة
وَقَوله حَتَّى تلجن أى حَتَّى تلزج وَمِنْه قَوْلهم لجنت الخطمى وَنَحْوه إِذا ضَربته ليثخن وتلجن رَأسه إِذا لم ينق وسخه(2/158)
واللجين الْخبط عَن ابْن السّكيت وَهُوَ مَا سقط من الْوَرق عِنْد الْخبط وَأنْشد عَلَيْهِ الْبَيْت
والذعر الْفَزع يُقَال ذعرته أذعره ذعرا أفزعته والذعر بِالضَّمِّ الِاسْم وَقَوله مقَام مَحْمُول على أَنه صلَة أى ونفيت عَنهُ الذِّئْب وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فى قَوْله سُبْحَانَهُ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}
وَقَوله اللعين لَا يتَعَيَّن أَن يكون صفة للذئب كَمَا ذكر بل يجوز أَن يكون صفة للرجل أى كَالرّجلِ المبعد الطريد وَرُبمَا يكون ذَلِك أحسن فَإِن التَّشْبِيه لَيْسَ بِالرجلِ من حَيْثُ هُوَ بل بِالرجلِ الْمَوْصُوف باللعين قَالَه الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن هِشَام فى بعض مجاميعه
ذكر أَن الشافعى وَأَبا عبيد رضى الله عَنْهُمَا تناظرا فى الْقُرْء
فَكَانَ الشافعى يَقُول إِنَّه الْحيض وَأَبُو عبيد يَقُول إِنَّه الطُّهْر فَلم يزل كل مِنْهُمَا يُقرر قَوْله حَتَّى تفَرقا وَقد انتحل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَذْهَب صَاحبه وتأثر بِمَا أوردهُ من الْحجَج والشواهد
قلت وَإِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فَفِيهَا دلَالَة على عَظمَة أَبى عبيد فَلم يبلغنَا عَن أحد أَنه نَاظر الشافعى ثمَّ رَجَعَ الشافعى إِلَى مذْهبه
وَقد حكى الرافعى فى شَرحه هَذِه الْحِكَايَة وَقَالَ إِنَّهَا تقتضى أَن يكون للشافعى قَول قديم أَو حَدِيث يُوَافق مَذْهَب أَبى حنيفَة
قلت وَلَيْسَ ذَلِك بِلَازِم فقد يناظر الْمَرْء على مَا لَا يرَاهُ إِشَارَة للفائدة وإبرازا لَهَا وتعليما للجدل فَلَعَلَّهُ لما رأى أَبَا عبيد يعْتَقد أَنه الْحيض انتصب عَنهُ مستدلا عَلَيْهِ(2/159)
لينقطع مَعَه فَيعلم أَبُو عبيد ضعف مذْهبه فِيهِ وَلِهَذَا يتَبَيَّن أَن الشافعى لم يرجع إِلَى أَبى عبيد فى الْحَقِيقَة لِأَن المناظرة لم تكن إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ
وَقَوله حَدِيث كَذَا هُوَ بِالْحَاء والثاء لَا جَدِيد بِالْجِيم وَالدَّال لِأَن أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين فمناظرته إِن صحت كائنة بِبَغْدَاد فَيكون ذَلِك قولا قَدِيما للشافعى أَو حَدِيثا حدث لَهُ بعد أَن كَانَ يخْتَار أَنه الطُّهْر فَيكون الشافعى قَائِلا بِأَنَّهُ الطُّهْر ثمَّ بِأَنَّهُ الْحيض ثمَّ عَائِدًا إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ الطُّهْر وَعَلِيهِ مَاتَ وَرُبمَا صحف بَعضهم حَدِيثا بجديد وَلَيْسَ بجيد
ثمَّ قَالَ الرافعى لَو أعلم قَول الغزالى الْأَقْرَاء الْأَطْهَار بِالْوَاو وللمناظرة المحكية لم يكن بَعيدا وَاعْتَرضهُ الزنجانى شَارِح الْوَجِيز بِأَنَّهُ إِن قَالَ هَذَا عَن نقل فَلَا كَلَام وَإِلَّا فالحكاية لَا تدل عَلَيْهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يناظر غَيره فِيمَا لَا يَعْتَقِدهُ
قلت وَعَجِبت لَهُ من ذَلِك فَإِن الرافعى لم يعلم بِالْقَافِ حَتَّى يُقَال لَهُ هَذَا وَإِنَّمَا أعلم بِالْوَاو وَإِشَارَة إِلَى مقَالَة أَبى عبيد وعدها وَجها فى الْمَذْهَب لكَونه على الْجُمْلَة من أَصْحَابنَا فَلَا يبعد أَن تعد مقالاته وُجُوهًا وَقد لَا تعد لِأَنَّهُ يتحدث فى هَذِه الْمَسْأَلَة على قَضِيَّة اللُّغَة لَا على قَوَاعِد إِمَام الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه وَلذَلِك نَاظر صَاحب الْمَذْهَب نَفسه وَلَو كَانَ مخرجا على قَاعِدَته لما ناظره
37 - قحزم بن عبد الله بن قحزم
أَبُو حنيفَة الأسوانى بِفَتْح الْقَاف بعْدهَا حاء مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ زاى مَفْتُوحَة ثمَّ مِيم هُوَ آخر من صحب الشافعى موتا(2/160)
قَالَ ابْن عبد الْبر روى عَنهُ كثيرا من كتبه وَكَانَ مفتيا وَأَصله من القبط وَقَالَ ابْن يُونُس توفى فى جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
38 - مُوسَى بن أَبى الْجَارُود أَبُو الْوَلِيد المكى
راوى كتاب الأمالى عَن الشافعى وَأحد الثِّقَات من أَصْحَابه وَالْعُلَمَاء
قَالَ أَبُو عَاصِم يرجع إِلَيْهِ عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَة
روى عَن يحيى بن معِين وأبى يَعْقُوب البويطى
روى عَنهُ الزعفرانى وَالربيع وَأَبُو حَاتِم الرازى
وَكَانَ فَقِيها جَلِيلًا أَقَامَ بِمَكَّة يُفْتى النَّاس على مَذْهَب الشافعى قَالَ أَبُو الْوَلِيد سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا قلت قولا وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلَافه فقولى مَا قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا رَوَاهُ الحميدى وَالربيع وَأَبُو ثَوْر وَغَيرهم عَن الشافعى
وَقَالَ أَيْضا قَالَ الشافعى مَا ناظرت أحدا فَأَحْبَبْت أَن يخطىء
وَقَالَ كَانَ يُقَال إِن مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَحده يحْتَج بِهِ كَمَا يحْتَج بالبطن من الْعَرَب
قلت وَيُوَافِقهُ قَول الأصمعى صححت أشعار الهذليين على شَاب من قُرَيْش بِمَكَّة يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَقَول عبد الْملك بن هِشَام الشافعى مِمَّن تُؤْخَذ عَنهُ اللُّغَة وَقَول أَبى عُثْمَان المازنى الشافعى حجَّة عندنَا فى النَّحْو
قلت وَمَسْأَلَة الِاحْتِجَاج بمنطق الشافعى فى اللُّغَة والاستشهاد بِكَلَامِهِ نظما ونثرا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَلم أجد من أشْبع القَوْل فِيهِ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ نَازع فِيهِ فى كتاب(2/161)
الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى مَفْهُوم الصّفة وشاققناه نَحن فى شرح مختصرابن الْحَاجِب
وَسمعت أَن أَبَا حَيَّان جمعه وَالشَّيْخ الإِمَام مجْلِس وَكَانَ أَبُو حَيَّان يرى وجوب حذف خبر لَوْلَا مُطلقًا وَالشَّيْخ الإِمَام يرى رأى ابْن مَالك من الْفرق بَين كَذَا
39 - يُوسُف بن يحيى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو يَعْقُوب البويطى المصرى
وبويط من صَعِيد مصر وَهُوَ أكبر أَصْحَاب الشافعى المصريين
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عابدا زاهدا فَقِيها عَظِيما مناظرا جبلا من جبال الْعلم وَالدّين غَالب أوقاته الذّكر والتشاغل بِالْعلمِ غَالب ليله التَّهَجُّد والتلاوة سريع الدمعة
تفقه على الشافعى واختص بِصُحْبَتِهِ
وَحدث عَنهُ وَعَن عبد الله بن وهب وَغَيرهمَا(2/162)
روى عَنهُ الرّبيع المرادى وَهُوَ رَفِيقه وَإِبْرَاهِيم الحربى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الترمذى وَأَبُو حَاتِم وَقَالَ صَدُوق وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن فيل وَالقَاسِم بن هِشَام السمسار وَآخَرُونَ
وَله الْمُخْتَصر الْمَشْهُور والذى اخْتَصَرَهُ من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ فى غَايَة الْحسن على نظم أَبْوَاب الْمَبْسُوط
قلت وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْهُور
قَالَ أَبُو عَاصِم كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ يعْتَمد البويطى فى الْفتيا ويحيل عَلَيْهِ إِذا جَاءَتْهُ مَسْأَلَة
قَالَ واستخلفه على أَصْحَابه بعد مَوته فتخرجت على يَدَيْهِ أَئِمَّة تفَرقُوا فى الْبِلَاد ونشروا علم الشافعى فى الْآفَاق
وَقَالَ الرّبيع كَانَ أَبُو يَعْقُوب من الشافعى بمَكَان مكين
وَقد قدمنَا فى تَرْجَمَة ابْن عبد الحكم مَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن إِمَام الْأَئِمَّة أَبى بكر بن خُزَيْمَة أَنه قَالَ كَانَ ابْن عبد الحكم أعلم من رَأَيْت بِمذهب مَالك فَوَقَعت بَينه وَبَين البويطى وَحْشَة عِنْد موت الشافعى فحدثنى أَبُو جَعْفَر السكرى قَالَ تنَازع ابْن عبد الحكم والبويطى مجْلِس الشافعى فَقَالَ البويطى أَنا أَحَق بِهِ مِنْك وَقَالَ الآخر كَذَلِك
فجَاء الحميدى وَكَانَ تِلْكَ الْأَيَّام بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشافعى لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسى من يُوسُف وَلَيْسَ أحد من أصحابى أعلم مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الحكم كذبت
قَالَ لَهُ كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك
وَغَضب ابْن عبد الحكم وَجلسَ البويطى فى مجْلِس الشافعى وَجلسَ ابْن عبد الحكم فى الطاق الثَّالِث(2/163)
وَعَن الرّبيع أَن البويطى وَابْن عبد الحكم تنَازعا الْحلقَة فى مرض الشافعى فَأخْبر بذلك فَقَالَ الْحلقَة البويطى
وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد على البويطى من السُّلْطَان فَمن دونه وَهُوَ متنوع فى صنائع الْمَعْرُوف كثير التِّلَاوَة لَا يمر يَوْم وَلَيْلَة غَالِبا حَتَّى يخْتم فسعى بِهِ من يحسده وَكتب فِيهِ إِلَى ابْن أَبى دؤاد بالعراق فَكتب إِلَى والى مصر أَن يمتحنه فامتحنه فَلم يجب وَكَانَ الوالى حسن الرأى فِيهِ فَقَالَ لَهُ قل فِيمَا بينى وَبَيْنك قَالَ إِنَّه يقْتَدى بى مائَة ألف وَلَا يَدْرُونَ الْمَعْنى
قَالَ وَكَانَ أَمر أَن يحمل إِلَى بَغْدَاد فى أَرْبَعِينَ رَطْل حَدِيد
قيل وَكَانَ المزنى وحرملة وَابْن الشافعى مِمَّن سعى بالبويطى
قَالَ جَعْفَر الترمذى فحدثنى الثِّقَة عَن البويطى أَنه قَالَ برِئ النَّاس من دمى إِلَّا ثَلَاثَة حَرْمَلَة والمزنى وَآخر قلت إِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فالذى عندنَا فى إِبْهَام الثَّالِث أَنه رَاعى فِيهِ حق وَالِده رضوَان الله عَلَيْهِ
قَالَ الرّبيع كَانَ البويطى أبدا يُحَرك شَفَتَيْه بِذكر الله وَمَا أَبْصرت أحدا أنزع بِحجَّة من كتاب الله من البويطى وَلَقَد رَأَيْته على بغل وفى عُنُقه غل وفى رجلَيْهِ قيد وَبَين الغل والقيد سلسلة حَدِيد وَهُوَ يَقُول إِنَّمَا خلق الله الْخلق بكن فَإِذا كَانَت مخلوقة فَكَأَن مخلوقا خلق بمخلوق وَلَئِن أدخلت عَلَيْهِ لأصدقنه يعْنى الواثق ولأموتن فى حديدى هَذَا حَتَّى يأتى قوم يعلمُونَ أَنه قد مَاتَ فى هَذَا الشَّأْن قوم فى حديدهم
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب أَيْضا خلق الله الْخلق بكن أفتراه خلق مخلوقا بمخلوق وَالله يَقُول بعد فنَاء الْخلق {لمن الْملك الْيَوْم} وَلَا مُجيب وَلَا داعى فَيَقُول تَعَالَى {لله الْوَاحِد القهار} فَلَو كَانَ مخلوقا مجيبا لفنى حَتَّى لَا يُجيب وَكَانَ يَقُول من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر(2/164)
قلت يرحم الله أَبَا يَعْقُوب لقد قَامَ مقَام الصديقين
قَالَ الساجى كَانَ البويطى وَهُوَ فى الْحَبْس يغْتَسل كل جُمُعَة ويتطيب وَيغسل ثِيَابه ثمَّ يخرج إِلَى بَاب السجْن إِذا سمع النداء فَيردهُ السجان وَيَقُول ارْجع رَحِمك الله فَيَقُول البويطى اللَّهُمَّ إنى أجبْت داعيك فمنعونى
وَقَالَ أَبُو عَمْرو المستملى حَضَرنَا مجْلِس مُحَمَّد بن يحيى الذهلى فَقَرَأَ علينا كتاب البويطى إِلَيْهِ وَإِذا فِيهِ والذى أَسأَلك أَن تعرض حالى على إِخْوَاننَا أهل الحَدِيث لَعَلَّ الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الْحَدِيد وَقد عجزت عَن أَدَاء الْفَرَائِض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَضَجَّ النَّاس بالبكاء وَالدُّعَاء لَهُ
قلت انْظُر إِلَى هَذَا الحبر رَحمَه الله لم يكن أسفه إِلَّا على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يتأثر بالقيد وَلَا بالسجن فرضى الله عَنهُ وجزاه عَن صبره خيرا
وَمَا كَانَ أَبُو يَعْقُوب ليَمُوت إِلَّا فى الْحَدِيد كَيفَ وَقد قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشافعى أَنا والمزنى وَأَبُو يَعْقُوب فَقَالَ لى أَنْت تَمُوت فى الحَدِيث وَقَالَ لأبى يَعْقُوب أَنْت تَمُوت فى الْحَدِيد وَقَالَ للمزنى هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان لقطعه
قَالَ الرّبيع فَدخلت على البويطى أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا إِلَى أَنْصَاف سَاقيه مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه
وَقَالَ الرّبيع أَيْضا كتب إِلَى البويطى أَن اصبر نَفسك للغرباء وَحسن خلقك لأهل حلقتك فإنى لم أزل أسمع الشافعى رَحمَه الله يكثر أَن يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت
(أهين لَهُم نفسى لكى يكرمونها ... وَلنْ تكرم النَّفس الَّتِى لَا تهينها)
مَاتَ البويطى فى شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فى سجن بَغْدَاد فى الْقَيْد والغل(2/165)
وَمن الْفَوَائِد عَن أَبى يَعْقُوب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الترمذى سَمِعت البويطى يحْكى عَن الشافعى أَنه قَالَ لَيْسَ من الْمُرُوءَة أَن يخبر الرجل بسنه روى ذَلِك الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن البيع فى مَنَاقِب الشافعى وَرَوَاهُ غَيره أَيْضا
قَالَ البويطى سُئِلَ الشافعى كم أصُول الْأَحْكَام قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ وَكم أصُول السّنة قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ كم مِنْهَا عِنْد مَالك قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ قيل لَهُ كم عِنْد ابْن عُيَيْنَة مِنْهَا قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة
وَهَذِه غرائب استخرجها النووى رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى
قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ فى بَاب النُّشُوز من البويطى إِذا تزوج الْحر أمة ثمَّ خالعه سَيِّدهَا على نفس الْأمة فَجَعلهَا عوض الْخلْع لم يَصح الْخلْع وهى امْرَأَته بِحَالِهَا لِأَن الْخلْع لَا يتم إِلَّا بِملكه وَإِذا ملكهَا انْفَسَخ النِّكَاح وَصَارَت ملكا لَهُ وَلَا يَقع الطَّلَاق على ملك
وفى بَاب الدَّعْوَى والبينات مِنْهُ لَو ادّعى رجل على رجل أَو امْرَأَة بالعبودية وهما معروفان بِالْحُرِّيَّةِ فأقرا بذلك لم يجز
وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا لَو قَالَ رجل من رمانى أَو من دخل الْمَسْجِد أَو الْبَيْت فَهُوَ ابْن الزَّانِيَة فَرَمَاهُ رجل أَو دخل رجل لم يجب عَلَيْهِ حد الْقَذْف وَكَذَا لَو قَالَ ذَلِك لإِنْسَان بِعَيْنِه لم يجب عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ يعرف كذبه فَإِنَّهُ لَا يكون بِدُخُولِهِ أَو رميه زَانيا
وفى بَاب طَلَاق الْحر وَالْأمة الْحرَّة ثَلَاثًا إِذا كَانَت الْأمة تَحت عبد فَطلقهَا وَأَرَادَ سَيِّدهَا أَن يُسَافر بهَا سَافر(2/166)
وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا وَلَو قَالَ لامْرَأَته كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَولدت اثْنَيْنِ فى بطن طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالْآخرِ وَإِن وضعت ثَلَاثَة طلقت ثِنْتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا بالثالث وَإِن ولدت أَرْبعا طلقت بِالثلَاثِ وَانْقَضَت عدتهَا بالرابع
وَهَذِه غرائب استخرجها الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله نَص الإِمَام الشافعى فى البويطى على أَن الْأكل من رَأس الثَّرِيد وَالْقرَان بَين التمرتين والتعريس على قَارِعَة الطَّرِيق أَي النُّزُول لَيْلًا واشتمال الصماء حرَام
قلت وللشيخ الإِمَام تصنيف فى هَذِه الْمسَائِل ضم إِلَيْهَا أَن الشافعى نَص فى الْأُم أَيْضا على تَحْرِيم احتباء الرجل بِثَوْب وَاحِد مفضيا بِوَجْهِهِ إِلَى السَّمَاء وَتَحْرِيم أكله مِمَّا لَا يَلِيهِ
وفى الرسَالَة نَحْو ذَلِك وَقد ذكره أَبُو بكر الصيرفى شارحها مصوبا لَهُ
وَهَذِه غرائب استخرجتها أَنا فَأَقُول
قَالَ فى البويطى فى بَاب غسل الْجُمُعَة وَهُوَ بعد بَاب التَّيَمُّم كَيفَ هُوَ وَقبل كتاب الصَّلَاة وَإِذا ولغَ الْكَلْب فى الْإِنَاء غسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهره غير ذَلِك وَكَذَلِكَ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخِنْزِير قِيَاسا عَلَيْهِ يغسل سبعا ويهراق مَا ولغَ فِيهِ الْخِنْزِير وَالْكَلب من مَاء أَو سمن أَو عسل أَو لبن أَو غير ذَلِك إِذا كَانَ ذائبا وَإِن كَانَ جَامِدا ألْقى مَا أكلا وَأكل مَا بقى انْتهى(2/167)
وَهَذَا نَص وقفت عَلَيْهِ فى حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله وكتبته إِذْ ذَاك فى شرح منهاج البيضاوى ثمَّ كتبته فى شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَلم أزل أغتبط بِهِ
ثمَّ الْآن وقفت فى مُخْتَصر البويطى أَيْضا فى أواخره فى بَاب اخْتِلَاف مَالك والشافعى قَالَ مَالك فى الْكَلْب يلغ فى الْإِنَاء وَفِيه لبن بالبادية إِنَّه يشرب اللَّبن وَيغسل الْإِنَاء سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى
وَلَو تجرد هَذَا عَمَّا نَص عَلَيْهِ فى بَاب غسل الْجُمُعَة لقيل إِنَّه إِنَّمَا قَالَه نقلا عَن مَالك لَكِن تبين لى أَن منقوله عَن مَالك الذى أَشَارَ إِلَى مُخَالفَة الشافعى لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ شرب اللَّبن أما تعين الأولى أَو الْأُخْرَى للْغسْل فالمذهبان متوافقان عَلَيْهِ
وَمن الْعجب أَن النووى فى المنثورات مَعَ تجرده لغرائب البويطى لم يذكر هَذَا النَّص وَذكر السُّؤَال الْمَشْهُور على الْأَصْحَاب فى اقتصارهم على السَّبْعَة فى إِحْدَاهُنَّ من غير تعْيين الأولى وَالْأُخْرَى فى الْمُطلق على الْمُقَيد وَأجَاب عَنهُ وَلم يشْتَغل بِذكر هَذَا النَّص فَمَا أَظُنهُ وقف عَلَيْهِ وَقد بَينا بعد الْكَشْف أَن هَذَا النَّص أَمر مفروغ مِنْهُ عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَابت فى كل الرِّوَايَات
وَقد نَقله صَاحب جمع الْجَوَامِع أَبُو سهل بن العفريس وَلَفظ النَّص عِنْده وكل مَا أصَاب فِيهِ آدمى مُسلم أَو كَافِر يَده أَو شرب مِنْهُ أَو شربت مِنْهُ دَابَّة فَلَيْسَتْ تنجسه إِلَّا دابتان الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَإِن شرب مِنْهُ كلب أَو خِنْزِير لم يطهر إِلَّا بِأَن يغسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهر إِلَّا بذلك انْتهى
ذكره فى بَاب المَاء الراكد وهى عبارَة الشافعى رضى الله عَنهُ لِأَن أَبَا سهل لَا يُغير من الْعبارَة شَيْئا إِنَّمَا يحْكى النُّصُوص بألفاظها وَكَذَلِكَ سَائِر من يجمع النُّصُوص لَيْسَ لَهُم فى أَلْفَاظ الشافعى رضى الله عَنهُ تصرف لَكِن رَأَيْت فى أصل قديم بِكِتَاب ابْن العفريس أَو إِحْدَاهُنَّ فجوزت أَن يكون إِحْدَاهُنَّ بِالدَّال تصحفت بأخراهن بالراء كَمَا قيل مثله فى الحَدِيث(2/168)
وَكَذَلِكَ وجدت فى كتاب الإشراف لِابْنِ الْمُنْذر مَا نَصه وَكَانَ الشافعى وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرأى يَقُولُونَ المَاء الذى ولغَ الْكلاب فِيهِ نجس يهراق وَيغسل الْإِنَاء أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى
أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى هَل يدْخلُونَ فى الْوَقْف على الموالى
هَذَا فرع حسن نَص البويطى على أَن أَوْلَاد الموالى يدْخلُونَ وموالى الموالى أى عتقاؤهم لَا يدْخلُونَ وَهَذِه عِبَارَته
قَالَ رَحمَه الله فى أَوَاخِر بَاب الأحباس قبل بَاب بُلُوغ الرشد وَهُوَ فى أَوَاخِر الْكتاب قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَإِذا قَالَ دارى حبس على موالى وَله موَالٍ من فَوق وَمن أَسْفَل وَلم يبين فقد قيل هُوَ بَينهمَا وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا
وَإِن قَالَ موالى من أَسْفَل ولولده موَالٍ من أَسْفَل لم يدْخل فى ذَلِك إِلَّا موَالِيه خَاصَّة وَولد موَالِيه وَلم يدْخل فى ذَلِك موالى موَالِيه لِأَن الْوَلَاء لَهُم قبله وينسبون إِلَيْهِم وَأَوْلَادهمْ بِمَنْزِلَة آبَائِهِم لأَنهم موَالِيه انْتهى وَهُوَ من كَلَام أَبى يَعْقُوب لَا من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ
وَقَوله وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا فى الْمَسْأَلَة الأولى هُوَ القَوْل الذى حَكَاهُ الرافعى فى بَاب الْوَصِيَّة عَن حِكَايَة البويطى وَلم يذكرهُ فى كتاب الْوَقْف وَحَكَاهُ النووى فى الْوَقْف وَجها من زِيَادَته عَن حِكَايَة الدارمى ثمَّ قَالَ إِنَّه لَيْسَ بشئ
وَاعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر نقل مَسْأَلَة أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى فَقَالَ الْأخْتَان يَجْتَمِعَانِ فى الْملك فيطأ الْمَالِك وَاحِدَة ثمَّ يطَأ الْأُخْرَى قبل أَن يحرم الأولى قَالَ أَصْحَابنَا قاطبة إِذا كَانَ لَهُ أمتان وهما أختَان فوطئ إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى حَتَّى تحرم الأولى عَلَيْهِ بتزويج أَو كِتَابَة وَنَحْو ذَلِك فَإِن أقدم وَوَطئهَا قبل ذَلِك أَثم وَلم يجب(2/169)
الْحَد للشُّبْهَة ثمَّ الثَّانِيَة مستمرة على التَّحْرِيم كَمَا كَانَت وَالْأولَى مستمرة على الْحل وَالْحرَام لَا يحرم الْحَلَال
وَعَن أَبى مَنْصُور بن مهْرَان أستاذ الأودنى إِنَّه إِذا أحبل الثَّانِيَة حلت وَحرمت الْمَوْطُوءَة وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اقْتصر الرافعى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وفى البويطى إِذا كَانَ عِنْده أمتان أختَان فوطئهما قيل لَهُ لَا تقربهما حَتَّى تحرم فرج إِحْدَاهمَا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا يقتضى إِثْبَات قَول آخر أَنه بِوَطْء الثَّانِيَة يحرمان جَمِيعًا
قلت وَقد وقفت على النَّص فى البويطى فى بَاب الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَهُوَ نَحْو نصف الْكتاب وَقد أَخطَأ بعض النَّاس ففهم من هَذَا النَّص أَن الْحَال بِوَطْء الثَّانِيَة يصيرهما كَمَا لَو اشتراهما ابْتِدَاء بِحَيْثُ يجوز لَهُ أَن يقدم بعده على وَطْء من شَاءَ مِنْهُمَا ثمَّ يحرم الْأُخْرَى وَهُوَ سوء فهم وفى قَوْله لَا يقربهما مَا يرد قَوْله
40 - يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن مُوسَى بن ميسرَة بن حَفْص بن حَيَّان الإِمَام الْكَبِير أَبُو مُوسَى الصدفى المصرى الْفَقِيه المقرى
ولد فى ذى الْحجَّة سنة سبعين وَمِائَة
وَقَرَأَ الْقُرْآن على ورش وَغَيره وأقرأ النَّاس
وَسمع الحَدِيث من سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن وهب والوليد بن مُسلم ومعن بن عِيسَى وأبى ضَمرَة أنس بن عِيَاض والشافعى وَأخذ عَنهُ الْفِقْه وَطَائِفَة أُخْرَى(2/170)
روى عَنهُ مُسلم والنسائى وَابْن ماجة وَأَبُو عوَانَة وَأَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى وَأَبُو الطَّاهِر المدينى وَخلق
وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بديار مصر
وروى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت بِمصْر أحدا أَعقل من يُونُس ابْن عبد الْأَعْلَى
وَقَالَ يحيى بن حسان يونسكم هَذَا من أَرْكَان الْإِسْلَام
وَكَانَ يُونُس من جملَة الَّذين يتعاطون الشَّهَادَة أَقَامَ يشْهد عِنْد الْحُكَّام سِتِّينَ سنة
قَالَ النسائى يُونُس ثِقَة
وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبى يوثق يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَيرْفَع من شَأْنه قلت لم يتَكَلَّم أحد فى يُونُس وَلَا نقموا عَلَيْهِ إِلَّا تفرده عَن الشافعى بِالْحَدِيثِ الذى فى مَتنه وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ لم يروه عَن الشافعى غَيره وَلَكِن ذَلِك غير قَادِح فالرجل ثِقَة ثَبت
وَكَانَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله يُنَبه على فَائِدَة وهى أَن حَدِيثه الْمَذْكُور عَن الشافعى إِنَّمَا قَالَ فِيهِ حدثت عَن الشافعى وَلم يقل حَدَّثَنى الشافعى قَالَ هَكَذَا هُوَ مَوْجُود فى كتاب يُونُس رِوَايَة أَبى الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد المدينى عَنهُ
وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ عَن الشافعى فَكَأَنَّهُ دلسه بِلَفْظَة عَن وَأسْقط ذكر من حَدثهُ بِهِ عَن الشافعى فَالله أعلم هَذَا كَلَام شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى
وَأَنا أَقُول قد صرح الروَاة عَن يُونُس بِأَنَّهُ قَالَ حَدثنَا الشافعى
فَأخْبرنَا مُحَمَّد بن عبد المحسن السبكى الْحَاكِم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن على بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة بن الحبوبى سَمَاعا عَلَيْهِ عَن أَبى الْوَفَاء مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن مندة أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الباغبان أخبرنَا أَبُو عَمْرو(2/171)
عبد الْوَهَّاب بن أَبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن مندة أخبرنَا أَبى الإِمَام أَبُو عبد الله أخبرنَا أَبُو على الْحسن بن يُوسُف الطرائفى بِمصْر وَأحمد بن عمر وَأَبُو الطَّاهِر قَالَا حَدثنَا أَبُو مُوسَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن ميسرَة الصدفى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن صَالح عَن الْحسن بن أَبى الْحسن عَن أنس بن مَالك عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم)
وأخبرناه أَيْضا أَبى الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن صصرى بِدِمَشْق وَإِسْمَاعِيل بن نصر الله ابْن أَحْمد بن عَسَاكِر بِالْقَاهِرَةِ قَالَا أخبرنَا أَبُو المكارم عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْوَاحِد الأزدى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الشافعى أخبرنَا أَبُو الْحسن على ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازينى أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان ابْن أَبى نصر أخبرنَا القاضى أَبُو بكر يُوسُف بن الْقَاسِم الميانجى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة النيسابورى وَأحمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الزنجانى بالميانج وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم بالرى وزَكَرِيا بن يحيى الساجى بِالْبَصْرَةِ وَأحمد بن مُحَمَّد الطحاوى وَغَيرهم بِمصْر والقاضى عبد الله بن مُحَمَّد القزوينى قَالُوا حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى فَذكره بِلَفْظِهِ
انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ ابْن ماجة فَرَوَاهُ فى سنَنه عَن يُونُس(2/172)
وَقيل إِن الشافعى تفرد بِهِ عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد تَابعه عَلَيْهِ زيد بن السكن وعَلى بن الزيد اللحجى فروياه عَن مُحَمَّد بن خَالِد وَتكلم جمَاعَة فى هَذَا الحَدِيث وَالصَّحِيح فِيهِ أَن الجندى تفرد بِهِ
وَذكر أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَن الْجند رجل مَجْهُول قَالَ وَقَالَ صَامت بن معَاذ عدلت إِلَى الْجند مسيرَة يَوْمَيْنِ من صنعاء فَدخلت على مُحدث لَهُم فطلبت هَذَا الحَدِيث فَوَجَدته عِنْده عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن أبي عَيَّاش وَهُوَ مَتْرُوك عَن الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُنْقَطع
وَأما الشافعى فَلم يروه عَنهُ غير يُونُس وَأما يُونُس فَرَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى وَابْن ماجة وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو بكر بن زِيَاد وَهَؤُلَاء أَئِمَّة رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ
مَاتَ يُونُس فى ربيع الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وبذكره نختتم الطَّبَقَة الأولى ونقتصر فِيهَا على من ذَكرْنَاهُ
وَاعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى فى جُزْء وَنحن لم نذْكر إِلَّا من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر لنبين أَنه إِنَّمَا حصل على مَا حصل بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فقد أهملنا الْكثير من الروَاة عَنهُ وأسقطنا مَا لَا نرى لذكره معنى غير سَواد فى بَيَاض(2/173)
وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن يُونُس
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول لَوْلَا مَالك وَابْن عُيَيْنَة لذهب علم الْحجاز
قَالَ وسمعته يَقُول إِذا جَاءَ مَالك فمالك النَّجْم
قَالَ يُونُس فِيمَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فى كتاب الْعلم سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا سَمِعت الرجل يَقُول الِاسْم غير الْمُسَمّى أَو الِاسْم الْمُسَمّى فاشهد عَلَيْهِ أَنه من أهل الْكَلَام وَلَا دين لَهُ
قلت وَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا روى فى ذمّ الْكَلَام وَقد روى مَا يُعَارضهُ وللحافظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب تَبْيِين كذب المفترى على أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَة كَلَام لَا مزِيد على حسنه ذكرت بعضه مَعَ زيادات فى كتاب منع الْمَوَانِع
حكى يُونُس عَن الشافعى فى بَاب الْعدَد أَنه قَالَ اخْتلف عمر وعَلى رضى الله عَنْهُمَا فى ثَلَاث مسَائِل الْقيَاس فِيهَا مَعَ على وَبِقَوْلِهِ أَقُول
إِحْدَاهَا إِذا تزوجت فى عدتهَا وَدخل بهَا الثانى حرمهَا على الثانى أبدا عمر بن الْخطاب وَبِه أَخذ مَالك وَأحمد فى رِوَايَة وَهُوَ قَول قديم وَعند على لَا تحرم على التَّأْبِيد وَهُوَ الْجَدِيد
وَهَكَذَا الْخلاف فى كل وَطْء أفسد النّسَب هَل يحرم بِهِ على الْمُفْسد أبدا مثل وَطْء زَوْجَة غَيره بِشُبْهَة أَو أمة غَيره بِشُبْهَة
وَوَجهه المؤيدون بِأَنَّهُ استعجل الْحق قبل وقته فحرمه الله تَعَالَى فى وقته كالميراث إِذا قتل مُوَرِثه لم يَرِثهُ وَبِأَنَّهُ سَبَب يفْسد فَيحرم بِهِ على التَّأْبِيد كاللعان
وَحجَّة الْجَدِيد قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} وَهَذِه من وَرَاء ذَلِكُم وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مُبَاحا لم يحرم بِهِ على التَّأْبِيد فَكَذَلِك إِذا كَانَ حَرَامًا بِالزِّنَا وَلِأَن الْخُصُوم فرقوا بَين الْعَالم فَلم يحرموها عَلَيْهِ أبدا قَالُوا لِأَنَّهُ جَاره بِالْحَدِّ وَالْجَاهِل فَفِيهِ(2/174)
حرموها أبدا وَالْفرق فَاسد لِأَن الْعَالم أَشد جرما وبالزنا يفْسد النّسَب أَيْضا فى كَلِمَات كَثِيرَة لعلمائنا
وَوجه الشافعى كَون الْقيَاس مَعَ على كرم الله وَجهه بِأَن الْوَطْء لَا يقتضى تَحْرِيم الْمَوْطُوءَة على الواطىء بل تَحْرِيم غَيرهَا على الواطىء وتحريمها على غير الواطىء فَمَا قَالُوهُ خلاف الْأُصُول وَأطَال أَصْحَابنَا فى هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى أنكر أهل الْبَصْرَة أَن يكون للشافعى قَول قديم فِيهَا قَالُوا وَإِنَّمَا ذكره حِكَايَة لَا مذهبا
الثَّانِيَة امْرَأَة الْمَفْقُود قَالَ عمر تنْكح بعد التَّرَبُّص وَهُوَ الْقَدِيم وَقَالَ على تصبر أبدا وَهُوَ الْجَدِيد وَلَفظ على إِنَّهَا امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر
وَالثَّالِثَة إِذا تزوجت الرَّجْعِيَّة بعد انْقِضَاء الْعدة وَكَانَ زَوجهَا الْمُطلق غَائِبا وَدخل بهَا الثانى ثمَّ عَاد الْمُطلق وَأقَام بَيِّنَة أَنه كَانَ رَاجعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا قَالَ عمر الثانى أَحَق بهَا وَقَالَ على بل هى للْأولِ وَهُوَ قَوْلنَا
ذكر هَذَا كُله الرويانى فِي الْبَحْر فى كتاب الْعدَد وَلم يذكرهُ الماوردى فى الحاوى مَعَ تتبعه لأمثال ذَلِك وَهُوَ ثَابت عَن الشافعى مروى بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ رَوَاهُ ابْن أَبى حَاتِم وَابْن حمكان فى مَنَاقِب الشافعى وَغَيرهمَا
وروى عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم فى كِتَابه فى آدَاب الشافعى أَنه سمع يُونُس يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول لَو أتم مُسَافر الصَّلَاة مُتَعَمدا مُنْكرا للقصر فَعَلَيهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَهَذَا شىء غَرِيب
قَالَ ابْن خُزَيْمَة سَمِعت يُونُس وَذكر الشافعى فَقَالَ كَانَ يناظر الرجل حَتَّى يقطعهُ ثمَّ يَقُول لمناظره تقلد أَنْت الْآن قولى وأتقلد قَوْلك فيتقلد المناظر قَوْله ويتقلد الشافعى قَول المناظر فَلَا يزَال يناظره حَتَّى يقطعهُ وَكَانَ لَا يَأْخُذ فى شىء إِلَّا تَقول هَذِه صناعته(2/175)
قَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} الْفَاحِشَة أَن تبذو على أهل زَوجهَا
وَقَالَ أصح الْمعَانى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} الْوَلَد والحيضة لَا تكْتم ذَلِك عَن زَوجهَا مَخَافَة أَن يُرَاجِعهَا
وَقَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة} الْآيَة كلهَا نسخت بِالْحَدِيثِ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا عَنى خُذُوا عَنى قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا على الْبكر جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى الثّيّب الرَّجْم)
قلت هَذَا يدل على أَن الشافعى لَا يمْنَع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ وَقد أطلنا فى الْكَلَام على ذَلِك فى أصُول الْفِقْه
قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود قَالَ سَأَلَ إِنْسَان يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن معنى قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقرُّوا الطير على مكناتها) فَقَالَ إِن الله يحب الْحق إِن الشافعى قَالَ كَانَ الرجل فى الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ الْحَاجة أَتَى الطير فى وَكره فنفره فَإِن أَخذ ذَات الْيَمين مضى لِحَاجَتِهِ وَإِن أَخذ ذَات الشمَال رَجَعَ فَنهى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
قَالَ وَكَانَ الشافعى رَحمَه الله نَسِيج وَحده فى هَذِه الْمعَانى
وَقَالَ مُحَمَّد بن مهَاجر سَأَلت وكيعا عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هُوَ صيد اللَّيْل فَذكرت لَهُ قَول الشافعى فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ مَا كُنَّا نظنه إِلَّا صيد اللَّيْل(2/176)
قلت المكنات وَاحِدهَا مكنة بِكَسْر الْكَاف وَقد تفتح وهى فى الأَصْل بيض الضباب وَقيل هى هُنَا بِمَعْنى الْأَمْكِنَة وَقيل مكناتها جمع مكن وَمكن جمع مَكَان كصعدات فى صعد وحمرات فى حمر
قَالَ يُونُس قلت للشافعى مَا تَقول فى رجل يصلى وَرجل قَاعد فعطس الْقَاعِد فَقَالَ لَهُ الْمصلى رَحِمك الله قَالَ لَهُ الشافعى لَا تَنْقَطِع صلَاته
قَالَ لَهُ يُونُس كَيفَ وَهَذَا كَلَام
قَالَ إِنَّمَا دَعَا الله لَهُ وَقد دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الصَّلَاة لقوم وعَلى آخَرين
قلت وَقد صحّح الرويانى هَذَا النَّص وَصحح الْمُتَأَخّرُونَ بطلَان الصَّلَاة بِهِ
قَالَ يُونُس كُنَّا فى مجْلِس الشافعى فَقَالَ مَا أبين من حى فَهُوَ ميت فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَام لم يبلغ الْحلم فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله لَا يخْتَلف النَّاس أَن الشّعْر وَالصُّوف مجزوز من حى وَهُوَ طَاهِر فَقَالَ الشافعى لم أرد إِلَّا فى المتعبدين
نَقله الآبرى فى كِتَابه وَقَالَ يعْنى بالمتعبدين الْآدَمِيّين بِخِلَاف الْبَهَائِم
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا دَاوُد وعزتى وجلالى لأبترن كل شفتين تكلمتا بِخِلَاف مَا فى الْقلب
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَبى مَرْوَان يَقُول سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ فَاطِمَة بنت عبيد الله بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب وَإِنَّهَا هى الَّتِى حملت(2/177)
الشافعى رضى الله عَنهُ إِلَى الْيَمين وأدبته وَإِن يُونُس كَانَ يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا على بن أَبى طَالب والشافعى رضى الله عَنْهُمَا
قلت وَهَذَا قَول من قَالَ إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ من ولد على كرم الله وَجهه وَعَلِيهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الفارسى فَإِنَّهُ نَصره فى كِتَابه الذى صنفه فى نسب الشافعى لَكِن أنكرهُ زَكَرِيَّا الساجى وَأَبُو الْحسن الآبرى والبيهقى والخطيب والأردستانى وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَت أزدية وَمِنْهُم من قَالَ أسدية وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بعض أَهلهَا أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ إنى أنزل على أخوالى الأسديين
قلت وَأَنا أَقُول لَا دلَالَة فِي هَذَا على أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فى ذَلِك قولا وفعلا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل على أخوال عبد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم فَمَا ذكره يُونُس من أَن أمه من ولد على قَول لم يظْهر لى فَسَاده بل أَنا أميل إِلَيْهِ
فَإِن قلت قد ضعفه من ذكرت من الْأَئِمَّة وَجعل البيهقى الْحمل فِيهِ على أَحْمد ابْن الْحُسَيْن ابْن أَبى مَرْوَان وَاحْتج بمخالفة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ
قلت لم يتَبَيَّن لى مخالفتها فَإِن غايتها مَا ذكرت من أَنه رضى الله عَنهُ قَالَ أنزل على أخوالى الأسديين وَقد بَينا أَنه يُمكن حمل ذَلِك على أخوال الْأَب وَنَحْوه والمصير إِلَى ذَلِك مُتَعَيّن للْجمع بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَة الصَّرِيحَة فى تعْيين اسْم أمة وَسِيَاق نَسَبهَا إِلَى على كرم الله وَجهه وَضعف ابْن أَبى مَرْوَان لم يثبت عندنَا وَلَو كَانَ لم يسكت عَنهُ الْحَاكِم إِن شَاءَ الله
وَالَّذين قَالُوا إِن أمه أسدية رُبمَا قَالُوا أَيْضا أزدية ثمَّ قَالُوا الأزد والأسد شىء وَاحِد وَلم يعينوا لَهَا اسْما وَلَا ساقوا نسبا وَغَايَة بَعضهم أَن كناها أم حَبِيبَة(2/178)
فَإِن قلت قد ذكرُوا أَن ابْن عبد الحكم قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أمى من الأزد
قلت وَقد ذكرنَا أَن يُونُس قَالَ مَا أبديناه وَالله أعلم أى الْأَمريْنِ أثبت وَالْجمع بَينهمَا عِنْد الثُّبُوت مُمكن بِالطَّرِيقِ الَّتِى ذكرنَا
فَإِن قلت فقد وَافق ابْن المقرى الْجَمَاعَة على تَضْعِيف كَونهَا علوِيَّة محتجا بقول الشافعى فى حكايته مَعَ إِبْرَاهِيم الحجبى الذى تقدّمت فى تَرْجَمَة الْحَارِث النقال على ابْن عمى قَالَ وَلم يقل جدى قَالَ وَلَو كَانَ جده لذكر ذَلِك لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة
قلت يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّمَا اقْتصر على كَونه ابْن عَمه لِأَنَّهَا الْقَرَابَة من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا ثمَّ الْأَمر فى هَذِه الْمَسْأَلَة موهوم فلسنا فِيهَا على قطع وَلَا ظن غَالب وَمَا ذَكرْنَاهُ من اقْتِصَاره على أَنه ابْن عَمه للمعنى الذى أبديناه حسن فى الْجَواب لَو وَقع الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فى كل الرِّوَايَات لَكِن فى بَعْضهَا ابْن عمى وَابْن خالتى وَذكر الخؤولة يضعف مَا أبديناه وَلَا عَظِيم فى الْمَسْأَلَة وأى الْأَمريْنِ مِنْهَا ثَبت فشرفه بَين فَإِن الأزد أَيْضا قَالَ فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ الترمذى الأزد أَسد الله فى الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى الله إِلَّا أَن يرفعهم الحَدِيث
وَكَانَت أمه رضى الله عَنْهَا بِاتِّفَاق النقلَة من العابدات القانتات وَمن أذكى الْخلق فطْرَة وهى الَّتِى شهِدت هى وَأم بشر المريسى بِمَكَّة عِنْد القاضى فَأَرَادَ أَن يفرق بَينهمَا ليسألهما منفردتين عَمَّا شهدتا بِهِ استفسارا فَقَالَت لَهُ أم الشافعى أَيهَا القاضى لَيْسَ لَك ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} فَلم يفرق بَينهمَا(2/179)
قلت وَهَذَا فرع حسن وَمعنى قوى واستنباط جيد ومنزع غَرِيب وَالْمَعْرُوف فى مَذْهَب وَلَدهَا رضى الله عَنهُ إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم وكلامها رضى الله عَنْهَا صَرِيح فى اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الذى ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ
فَإِن قلت هَذَا الذى جَاءَ فى بعض الرِّوَايَات من قَول الشافعى فى على كرم الله وَجهه ابْن خالتى مَا وَجهه فَإِن كَونه ابْن عَمه وَاضح وَأما كَونه ابْن خَالَته فَغير وَاضح
قلت قد وجهوه بِأَن أم السَّائِب بن عبيد جد الشافعى رضى الله عَنهُ هى الشفا بنت الأرقم بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم هَذِه الْمَرْأَة خليدة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم ابْن عبد منَاف فَظهر أَن عليا كرم الله وَجهه ابْن خَالَة الشافعى بِمَعْنى ابْن خَالَة أم جده
خَاتِمَة لهَذِهِ الطَّبَقَة الأولى
اعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى رضى الله عَنهُ كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى بِجُزْء وَنحن اقتصرنا على من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر فى نَفسه وأسقطنا ذكر من لَا نرى لذكره كَبِير معنى غير سَواد فى بَيَاض بِحَيْثُ أسقطنا ذكر جمَاعَة ذكرهم أَبُو عَاصِم العبادى وَغَيره مِمَّن صنف فى الطَّبَقَات وفيمن أَخذ علم الشافعى وعزى إِلَيْهِ وعاصره
وَذكر الْأَصْحَاب فى الطَّبَقَات عبد الرَّحْمَن بن مهدى وَيحيى بن سعيد الْقطَّان أما عبد الرَّحْمَن بن مهدى بن حسان بن عبد الرَّحْمَن(2/180)
الطَّبَقَة الثَّانِيَة
فِيمَن توفى بعد الْمِائَتَيْنِ مِمَّن لم يصحب الشافعى وَإِنَّمَا اقتفى أَثَره وَاكْتفى بِمن استطلع خَبره وَاصْطفى طَرِيقه الذى أطلع فى دياجى الشكوك قمره(2/181)
41 - أَحْمد بن سيار بن أَيُّوب أَبُو الْحسن المروزى
الزَّاهِد الْحَافِظ أحد الْأَعْلَام
سمع عَفَّان وَسليمَان بن حَرْب وعبدان وَمُحَمّد بن كثير وَصَفوَان بن صَالح الدمشقى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن بكير وطبقتهم
وروى عَنهُ النسائى وَوَثَّقَهُ وَقَالَ فى مَوضِع آخر لَيْسَ بِهِ بَأْس وَابْن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن نصر المروزى وحاجب الطوسى وَخلق
وفى صَحِيح البخارى حَدثنَا أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن أَبى بكر المقدمى فَقيل إِن أَحْمد الْمشَار إِلَيْهِ هَذَا
وَكَانَ يشبه بِابْن الْمُبَارك فى زَمَانه
وَهُوَ مُصَنف تَارِيخ مرو
وَتوفى فى ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقد اسْتكْمل سبعين سنة
وَمن مسَائِله قَوْله إِن الْمصلى إِذا لم يرفع يَدَيْهِ للافتتاح لَا تصح صلَاته
قَالَ ابْن الصّلاح وَقد نظرت فَلم أجد ذَلِك محكيا عَن أحد
قلت سيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة ابْن خُزَيْمَة مَا يُوَافقهُ
وَنَقله النووى فى تَهْذِيب الْأَسْمَاء عَن دَاوُد
وَمِنْهَا أَنه قَالَ بِإِيجَاب الْأَذَان للْجُمُعَة دون غَيرهَا(2/183)
42 - أَحْمد بن عبد الله بن سيف أَبُو بكر السجستانى
حكى أَنه سمع المزنى يَقُول وَقد سُئِلَ عَمَّن تزوج امْرَأَة على بَيت شعر يجوز على معنى قَول الشافعى إِذا كَانَ مثل قَول الْقَائِل
(يُرِيد الْمَرْء أَن يعْطى مناه ... ويأبى الله إِلَّا مَا أَرَادَا)
(يَقُول الْمَرْء فائدتى ومالى ... وتقوى الله أكْرم مَا استفادا)
وروى عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ أَنه سمع رجلَيْنِ يتعاتبان والشافعى يسمع كَلَامهمَا فَقَالَ لأَحَدهمَا إِنَّك لَا تقدر أَن ترْضى النَّاس كلهم فَأصْلح مَا بَيْنك وَبَين الله وَلَا تبال بِالنَّاسِ
ذكره الْحَافِظ أَبُو سعد بن السمعانى فى تَرْجَمَة الْحَافِظ أَبى مَسْعُود عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد بن كوتاه
وروى عَن المزنى قَالَ قَالَ الشافعى فِيمَن تكشف فى الْحمام إِنَّه لَا تقبل شَهَادَته لِأَن السّتْر فرض
43 - أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سهل أَبُو بكر الفارسى
صَاحب عُيُون الْمسَائِل إِمَام جليل
وَهُوَ مِمَّن استبهم على أمره ففى طَبَقَات أَبى عَاصِم العبادى ذكره فى الطَّبَقَة(2/184)
الثَّانِيَة مَعَ ابْن خُزَيْمَة وأنظاره قبل أَبى عبد الله البوشنجى وَمُحَمّد بن نصر وَغَيرهمَا وَقَضِيَّة هَذَا أَن يكون أَخذ عَمَّن لقى الشافعى رضى الله عَنهُ وَيُؤَيّد ذَلِك أَن مَحْمُود الخوارزمى ذكر أَنه تفقه على المزنى وَأَنه أول من درس مَذْهَب الشافعى ببلخ بِرِوَايَة المزنى كَذَا نَص عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة أَبى الْحَيَاة مُحَمَّد بن أَبى قَاسم عبد الله ابْن أَبى بكر مُحَمَّد بن أَبى على الْحسن بن أَبى الْحسن على بن الإِمَام أَبى بكر أَحْمد بن الْحسن بن سهل وَقَالَ سمعته يعْنى أَبَا الْحَيَاة يذكر أَن سهلا الذى فى نسبه من التَّابِعين
ويوافق هَذَا قَول من قَالَ إِن أَبَا بكر الفارسى توفى سنة خمس وثلثمائة قبل ابْن سُرَيج وَهُوَ مَا ذكرته فى الطَّبَقَات الْوُسْطَى لكنى على قطع بِأَن صَاحب عُيُون الْمسَائِل توفى بعد ابْن سُرَيج لأنى رَأَيْت أصلا أصيلا من كِتَابه مَوْقُوفا بخزانة الْمدرسَة البادرائية بِدِمَشْق وَمِمَّا دلنى على أَنه كتب فى حَيَاته قَول كَاتبه فِيمَا دَعَا بِهِ لمصنفه مد الله فى عمره وأدام عزه وَذكر فى آخر الْجُزْء الأول مِنْهُ أَنه فرغ مِنْهُ لَيْلَة الْأَحَد لليلة مَضَت من ذى الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة بسمرقند فى ولَايَة الْأَمِير أَبى مُحَمَّد نوح بن نصر مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه صُورَة خطه وَذكر فى آخر الْكتاب أَنه فرغه فى شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلثمائة وَهَذِه النُّسْخَة مجزأَة ثَمَانِيَة أَجزَاء ضمن مُجَلد وَاحِد وَقد استكتبت مِنْهَا نُسْخَة ليحيى هَذَا الْكتاب فإنى لم أجد بِهِ إِلَّا هَذِه النُّسْخَة
وَفِيمَا ذكرته مَا يدل على أَنه كَانَ مَوْجُودا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة ويوافق هَذَا مَنَام لِابْنِ سُرَيج شهير مِمَّن حَكَاهُ عَنهُ أَبُو بكر الفارسى سَنذكرُهُ فى تَرْجَمَة ابْن سُرَيج إِن شَاءَ الله مَعَ قَرَائِن مُحَققَة بِأَنَّهُ من تلامذة ابْن سُرَيج وَعند هَذَا قد يقف الذِّهْن أَو يقْضى بِأَنَّهُمَا فارسيان وَلَا شكّ أَن لنا فارسيين أَحدهمَا أَبُو بكر صَاحب الْعُيُون والثانى أَبُو مُحَمَّد أَحْمد بن مَيْمُون الذى ذكره الْأَصْحَاب مِنْهُم الرافعى عِنْد نقلهم عَنهُ(2/185)
أَن الْأمة إِذا سلمت لزَوجهَا فى اللَّيْل دون النَّهَار يجب لَهَا نصف النَّفَقَة
أما فارسيان كل مِنْهُمَا أَبُو بكر فبعيد وبتقديره فَكل مِنْهُمَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن سهل أبعد وبتقديره فَمَا صَاحب الْعُيُون بمتقدم على ابْن سُرَيج وَلَا بتلميذ للمزنى وَلَا بمدرك زَمَانه قطعا وَقد قضى العبادى بِأَن أَبَا بكر الفارسى هُوَ صَاحب الْعُيُون وَكتاب الانتقاد وَغَيرهمَا فَكيف هَذَا وليقع الِاكْتِفَاء بترجمة صَاحب الْعُيُون فَإِنَّهُ الْمَذْكُور فى بطُون الأوراق وَليكن ذكره فى الطَّبَقَة الثَّالِثَة فِيمَن توفى بعد الثلثمائة فَذكره هُنَاكَ أَحَق مِنْهُ هُنَا
44 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب الإِمَام أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الشافعى رضى الله عَنْهُم كَذَا سَاق نسبه الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا النووى رَحمَه الله فى بَاب الْحيض من شرح الْمُهَذّب وَقَالَ إِنَّه يَقع فى اسْمه وكنيته تخبيط فى كتب الْمَذْهَب وَإِن الْمُعْتَمد هَذَا الذى ذكره وَإِن أمه زَيْنَب بنت الإِمَام الشافعى وَإنَّهُ روى عَن أَبِيه عَن الشافعى
وَقَالَ كَانَ إِمَامًا مبرزا لم يكن فى آل شَافِع بعد الشافعى مثله سرت إِلَيْهِ بركَة جده
قَالَ وَقد ذكرت حَاله فى تَهْذِيب الْأَسْمَاء وفى الطَّبَقَات
45 - أَحْمد بن نصر بن زِيَاد أَبُو عبد الله القرشى النيسابورى
المقرى الزَّاهِد الرّحال(2/186)
روى عَن عبد الله بن نمير وَابْن أَبى فديك وأبى أُسَامَة وَالنضْر بن شُمَيْل وَجَمَاعَة
سمع مِنْهُ أَبُو نعيم وَهُوَ من شُيُوخه
وَحدث عَنهُ الترمذى والنسائى وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عرُوبَة الحرانى
قَالَ الْحَاكِم كَانَ فَقِيه أهل الحَدِيث فى عصره كثير الحَدِيث والرحلة رَحل إِلَى أَبى عبيد على كبر السن متفقها فَأخذ عَنهُ وَكَانَ يُفْتى بنيسابور على مذْهبه وَعَلِيهِ تفقه ابْن خُزَيْمَة قبل أَن يرحل
توفى سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن الْحسن بن سهل الفارسى أَبُو بكر
لِأَصْحَابِنَا فِيمَا يظْهر اثْنَان كل مِنْهُمَا أَبُو بكر الْفَارِس أَحدهمَا صَاحب عُيُون الْمسَائِل
46 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الترمذى
شيخ الشَّافِعِيَّة بالعراق قبل ابْن سُرَيج
رَحل وَسمع يحيى بن بكير ويوسف بن عدى وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى والقواريرى وطبقتهم(2/187)
روى عَنهُ عبد الباقى بن قَانِع وَأحمد بن كَامِل وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَغَيرهم تفقه على أَصْحَاب الشافعى
وَكَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا قانعا باليسير
حكى أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السرى الزّجاج أَنه كَانَ يجرى عَلَيْهِ فى الشَّهْر أَرْبَعَة دَرَاهِم
قَالَ وَكَانَ لَا يسْأَل أحدا شَيْئا
وَقَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى بن حَمَّاد أخبرنى أَنه تقوت بضعَة عشر يَوْمًا بِخمْس حبات قَالَ وَلم أكن أملك غَيرهَا فاشتريت بهَا لفتا وَكنت آكل مِنْهُ
قَالَ أَحْمد بن كَامِل لم يكن للشَّافِعِيَّة بالعراق أرأس مِنْهُ وَلَا أورع وَلَا أَكثر تقللا
وَقَالَ الدارقطنى ثِقَة مَأْمُون ناسك
توفى أَبُو جَعْفَر فى الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقد كمل أَرْبعا وَتِسْعين سنة
وَنقل أَنه اخْتَلَط بِأخرَة
وَله فى المقالات كتاب سَمَّاهُ كتاب اخْتِلَاف أهل الصَّلَاة فى الْأُصُول وقف عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وانتقى مِنْهُ فَقَالَ وَمن خطه نقلت أَن أَبَا جَعْفَر قل مَا تعرض فى هَذَا الْكتاب لما يخْتَار هُوَ وَأَنه روى فى أَوله حَدِيث تفترق أمتى على ثَلَاث وَسبعين فرقة عَن أَبى بكر بن أَبى شيبَة
وَأَنه بَالغ فى الرَّد على من فضل الْغنى على الْفقر
وَأَنه نقل أَن فرقة من الشِّيعَة قَالُوا أَبُو بكر وَعمر أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أَن عليا أحب إِلَيْنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَحقُوا بِأَهْل الْبدع حَيْثُ ابتدعوا خلاف من مضى(2/188)
47 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن على الخلالى أَبُو بكر
من أَصْحَاب المزنى ذكره العبادى وَهُوَ من أَصْحَاب المزنى وَالربيع
روى عَنهُ أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن المقرى وَقَالَ هُوَ ثِقَة صَاحب المزنى وَالربيع
وَقَالَ ابْن نقطة فى التَّقْيِيد إِنَّه الخلالى بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وَزعم أَنه نقل ذَلِك من خطّ مؤتمن فى غير مَوضِع
48 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى وَقيل مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الله البوشنجى العبدى
شيخ أهل الحَدِيث فى زَمَانه بنيسابور
سمع من إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى والْحَارث بن سُرَيج النقال وأبى جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد النفيلى وَعبد الْعَزِيز بن عمرَان بن مِقْلَاص وعَلى بن الْجَعْد وأبى كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء ومسدد بن مسرهد وَيحيى بن عبد الله بن بكير وَسَعِيد ابْن مَنْصُور وأبى نصر التمار وَغَيرهم
روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغانى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البخارى وهما أكبر مِنْهُ(2/189)
وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس الدغولى وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَأَبُو بكر بن إِسْحَاق الصبغى وَإِسْمَاعِيل بن نجيد وَخلق كثير
وَقيل إِن البخارى روى عَنهُ حَدِيثا فى الصَّحِيح ذكر ذَلِك مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن الأخرم
وفى الصَّحِيح للبخارى حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا النفيلى ذكره فى تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة
قَالَ شَيخنَا الذهبى فَإِن لم يكن البوشنجى وَإِلَّا فَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى
قَالَ والأغلب أَنه البوشنجى فَإِن الحَدِيث بِعَيْنِه رَوَاهُ الْحَاكِم عَن أَبى بكر بن أَبى نصر حَدثنَا البوشنجى حَدثنَا النفيلى حَدثنَا مِسْكين بن بكير حَدثنَا شُعْبَة عَن خَالِد الْحذاء عَن مَرْوَان الْأَصْفَر عَن رجل من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن عمر أَنَّهَا نسخت {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} الْآيَة
قلت وَلذَلِك ذكره شَيخنَا المزى فى التَّهْذِيب
وَكَانَ البوشنجى من أجل الْأَئِمَّة وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة عريضة ذَات فَوَائِد فى تَارِيخ الْحَاكِم
قَالَ ابْن حمدَان سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول لَو لم يكن فى أَبى عبد الله من الْبُخْل بِالْعلمِ مَا كَانَ مَا خرجت إِلَى مصر
وَكَانَ إِمَامًا فى اللُّغَة وَكَلَام الْعَرَب
قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول للمستملى الزم لفظى وخلاك ذمّ(2/190)
وَقَالَ أَبُو عبد الله بن الأخرم سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى غير مرّة يَقُول حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير وَذكره بملء الْفَم
وَقَالَ دعْلج حَدثنِي فَقِيه أَن أَبَا عبد الله حضر مجْلِس دَاوُد الظاهرى بِبَغْدَاد فَقَالَ دَاوُد لأَصْحَابه حضركم من يُفِيد وَلَا يَسْتَفِيد
وَكَانَ أَبُو عبد الله البوشنجى قوى النَّفس أَشَارَ يَوْمًا إِلَى ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق كيس وَأَنا لَا أَقُول هَذَا لأبى ثَوْر
وَلما توفى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القبانى قدم أَبُو عبد الله للصَّلَاة عَلَيْهِ فصلى وَلما أَرَادَ أَن ينْصَرف قدمت دَابَّته وَأخذ أَبُو عَمْرو الْخفاف بلجامه وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بركابه وَأَبُو بكر الجارودى وَإِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب يسويان عَلَيْهِ ثِيَابه فَمضى وَلم يكلم وَاحِدًا مِنْهُم
وفى لفظ وَلم يمْنَع وَاحِدًا مِنْهُم وَالْمعْنَى هُنَا وَاحِد فَإِن مُرَاد من قَالَ وَلم يكلم أَنه لم يمْنَع
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَضَرنَا مجْلِس البوشنجى وَسَأَلَهُ أَبُو على الثقفى عَن مَسْأَلَة فَأجَاب فَقَالَ لَهُ أَبُو على يَا أَبَا عبد الله كَأَنَّك تَقول فِيهَا بقول أَبى عبيد
فَقَالَ يَا هَذَا لم يبلغ بِنَا التَّوَاضُع أَن نقُول بقول أَبى عبيد
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة وَقد سُئِلَ عَن مَسْأَلَة بعد أَن شيع جَنَازَة أَبى عبد الله لَا أفتى حَتَّى نواريه لحده
وَكَانَ البوشنجى جوادا سخيا وَكَانَ يقدم لسنانيره من كل طَعَام يَأْكُلهُ وَبَات لَيْلَة ثمَّ ذكر السنانير بعد فرَاغ طَعَامه فطبخ فى اللَّيْل من ذَلِك الطَّعَام وأطعمهم
وَقَالَ السَّيِّد الْجَلِيل أَبُو عُثْمَان سعيد بن إِسْمَاعِيل تقدّمت يَوْمًا لأصافح أَبَا عبد الله البوشنجى تبركا بِهِ فَقبض يَده عَنى وَقَالَ لست هُنَاكَ(2/191)
وَقَالَ الْحسن بن يَعْقُوب كَانَ مقَام أَبى عبد الله بنيسابور على الليثية فَلَمَّا انْقَضتْ أيامهم خرج إِلَى بُخَارى إِلَى حَضْرَة إِسْمَاعِيل الْأَمِير فالتمس مِنْهُ بعد أَن أَقَامَ عِنْده بُرْهَة أَن يكْتب أرزاقه بنيسابور
قلت الليثية يَعْقُوب بن اللَّيْث الضفار وَأَخُوهُ عَمْرو وذووهما ملكوا فَارس متغلبين عَلَيْهَا وَبَلغت بهما تنقلات الْأَحْوَال إِلَى أَن بلغا دَرَجَة السلطنة بعد الصَّنْعَة فى الصفر وَجَرت لَهُم أُمُور يطول شرحها
وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت الْحُسَيْن بن الْحسن الطوسى يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول أخذت من الليثية سَبْعمِائة ألف دِرْهَم
قيل مَاتَ أَبُو عبد الله البوشنجى فى غرَّة الْمحرم سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَقيل بل سلخ ذى الْحجَّة سنة تسعين وَدفن من الْغَد وَهُوَ الْأَشْبَه عندى
وَصلى عَلَيْهِ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة
ومولده سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَأحمد ابْن هبة الله وَزَيْنَب بنت كندى قِرَاءَة عَن الْمُؤَيد الطوسى أَن أَبَا عبد الله الفراوى أخبرهُ وَعَن عبد الْمعز الهروى أَن تميما الْمُؤَدب أخبرهُ وَعَن زَيْنَب الشعرية أَن إِسْمَاعِيل بن أَبى قَاسم أخْبرهَا قَالُوا أخبرنَا عمر بن أَحْمد بن مسرور أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن نجيد الزَّاهِد سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى حَدثنَا روح بن صَلَاح المصرى حَدثنَا مُوسَى بن على بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحَسَد فى اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَقَامَ بِهِ وَأحل حَلَاله(2/192)
وَحرم حرَامه وَرجل آتَاهُ الله مَالا فوصل مِنْهُ أقرباءه ورحمه وَعمل بِطَاعَة الله تمنى أَن يكون مثله وَمن تكن فِيهِ أَربع فَلَا يضرّهُ مَا زوى عَنهُ من الدُّنْيَا حسن خَلِيقَة وعفاف وَصدق حَدِيث وَحفظ أَمَانَة
أخبرنَا الْمسند أَبُو حَفْص عمر بن الْحسن المراغى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البخارى إجَازَة أخبرنَا أَبُو أَحْمد عبد الْوَهَّاب بن على بن سكينَة كِتَابَة عَن زَاهِر بن طَاهِر عَن شيخ الْإِسْلَام أَبى عُثْمَان الصابونى قَالَ أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن أَبى نصر الداوودى بمرو حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى بمرو حَدثنَا سليم بن مَنْصُور ابْن عمار حَدثنِي أَبى حَدثنَا يُوسُف بن الصَّباح الفزارى كوفى عَن عبد الله ابْن يُونُس بن أَبى فَرْوَة قَالَ لما أصَاب امْرَأَة الْعَزِيز الْحَاجة قيل لَهَا لَو أتيت يُوسُف فاستشارت فى ذَلِك فَقَالُوا إِنَّا نخافه عَلَيْك قَالَت كلا إنى لَا أَخَاف مِمَّن يخَاف الله فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ فرأته فى ملكه قَالَت الْحَمد لله الذى يَجْعَل العبيد ملوكا بِطَاعَة الله وَالْحَمْد لله الذى يَجْعَل الْمُلُوك عبيدا بمعصيته
قَالَ فَتَزَوجهَا فَوَجَدَهَا بكرا فَقَالَ أَلَيْسَ هَذَا أحسن أَلَيْسَ هَذَا أجمل قَالَت إنى ابْتليت بك بِأَرْبَع كنت أجمل أهل زَمَانك وَكنت أجمل أهل زمانى وَكنت بكرا وَكَانَ زوجى عنينا
قَالَ وَلما كَانَ من أَمر الْإِخْوَة مَا كَانَ كتب يَعْقُوب إِلَى يُوسُف وَهُوَ لَا يعلم أَنه يُوسُف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِلَى عَزِيز آل فِرْعَوْن سَلام عَلَيْك فإنى أَحْمد إِلَيْك الله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإنَّا أهل بَيت مولع بِنَا أَسبَاب الْبلَاء كَانَ جدى إِبْرَاهِيم خَلِيل الله ألْقى فى النَّار فى طَاعَة ربه فَجَعلهَا عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَأمر الله تَعَالَى جدى أَن يذبح أَبى فَفَدَاهُ الله بِمَا فدَاه بِهِ وَكَانَ لى ابْن وَكَانَ من(2/193)
أحب النَّاس إِلَى فَفَقَدته فَأذْهب حزنى عَلَيْهِ نور بصرى وَكَانَ لى آخر من أمه كنت إِذا ذكرته ضممته إِلَى صدرى فَأذْهب عَنى بعض وجدى وَهُوَ الْمَحْبُوس عنْدك فى السّرقَة وإنى أخْبرك أَنى لم أسرق وَلم أَلد سَارِقا فَلَمَّا قَرَأَ يُوسُف الْكتاب بَكَى وَصَاح فَقَالَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا}
وَمن شعره
قَالَ أَبُو عُثْمَان الصابونى أنشدنى أَبُو مَنْصُور بن حمشاد قَالَ أنشدت لأبى عبد الله البوشنجى فى الشافعى رضى الله عَنهُ
(وَمن شعب الْإِيمَان حب ابْن شَافِع ... وَفرض أكيد حبه لَا تطوع)
وإنى حياتى شافعى وَإِن أمت ... فتوصيتى بعدى بِأَن تتشفعوا)
ذكر الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى أَبى عبد الله البوشنجى حَدثنَا عبد الله بن يزِيد الدمشقى حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ رَأَيْت فى المقسلاط وَهُوَ مَوضِع بسوق الدَّقِيق من دمشق صنما من نُحَاس إِذا عَطش نزل فَشرب قَالَ البوشنجى رُبمَا تَكَلَّمت الْعلمَاء على قدر فهم الْحَاضِرين تأديبا وامتحانا فَهَذَا الرجل ابْن جَابر أحد عُلَمَاء الشَّام وَمعنى كَلَامه أَن الصَّنَم لَا يعطش وَلَو عَطش لنزل فَشرب فنفى عَنهُ النُّزُول والعطش
قلت لَكِن قَوْله إِذا عَطش قد يُنَازع فى هَذَا فَإِن صِيغَة إِذا لَا تدخل إِلَّا على المتحقق فلابد وَأَن يكون صُدُور الْعَطش وَالنُّزُول مِنْهُ متحققا وَإِلَّا فَلَا يَصح الْإِتْيَان بِصِيغَة إِذا وَلَو كَانَت الْعبارَة إِن لم يكن اعْتِرَاض وَالْحَاصِل أَن الْمُمْتَنع إِذا فرض جَائِزا ترَتّب عَلَيْهِ جَوَاز مُمْتَنع آخر وَقد ظرف الْقَائِل(2/194)
(وَلَو أَن مَا بى من ضنى وصبابة ... على جمل لم يدْخل النَّار كَافِر)
فَإِن مَعْنَاهُ لَو كَانَ مَا بى من الصبابة بالجمل لضعف ورق وَصَارَ بِحَيْثُ يلج فى سم الْخياط وَلَو ولج فى سم الْخياط لدخل الْكَافِر الْجنَّة على مَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَلَو دخل الْجنَّة لم يدْخل النَّار فوضح أَن مَا بى من الْحبّ لَو كَانَ بالجمل لم يدْخل النَّار كَافِر
وَأَبُو عبد الله البوشنجى هُوَ النَّاقِل أَن الرّبيع ذكر أَن رجلا سَأَلَ الشافعى عَن حَالف قَالَ إِن كَانَ فى كمى دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة فعبدى حر فَكَانَ فِيهِ أَرْبَعَة لَا يعْتق لِأَنَّهُ اسْتثْنى من جملَة مَا فى يَده دَرَاهِم وَهُوَ جمع وَدِرْهَم لَا يكون دَرَاهِم فَقَالَ السَّائِل آمَنت بِمن فوهك هَذَا الْعلم فَأَنْشَأَ الشافعى يَقُول
(إِذا المعضلات تصديننى ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ)
الأبيات الَّتِى سقناها فى الْبَاب الْمَعْقُود ليسير من نظم الشافعى رضى الله عَنهُ
وَهَذِه فَوَائِد ونخب عَن أَبى عبد الله رَحمَه الله
قَالَ الْحَاكِم أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنَا الْحسن بن على بن نصر الطوسى قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى بسمرقند وَسَأَلَهُ أعرابى فَقَالَ لَهُ أى شئ القرطبان قَالَ كَانَت امْرَأَة فى الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهَا أم أبان وَكَانَ لَهَا قرطب والقرطب هُوَ السدر وَكَانَ لَهَا تَيْس فى ذَلِك القرطب وَكَانَت تنزى تيسها بِدِرْهَمَيْنِ وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ نَذْهَب إِلَى قرطب أم أبان ننزى تيسها على معزانا فَكثر ذَلِك فَقَالَت الْعَامَّة قرطبان
قلت وَهَذِه التَّثْنِيَة مِمَّا جَاءَ على خلاف الْغَالِب فَإِن التَّثْنِيَة عِنْد الْعَرَب جعل الِاسْم(2/195)
الْقَابِل دَلِيل اثْنَيْنِ متفقين فى اللَّفْظ غَالِبا وفى الْمَعْنى على رأى بِزِيَادَة ألف فى آخِره رفعا وياء مَفْتُوح مَا قبلهَا جرا ونصبا يليهما نون مَكْسُورَة فتحهَا لُغَة وَقد تضم والحارثيون يلزمون الْألف قَالَ النُّحَاة فَمَتَى اخْتلفَا فى اللَّفْظ لم يجز تثنيتهما وَمَا ورد من ذَلِك يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ
قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان والذى ورد من ذَلِك إِنَّمَا روعى فِيهِ التغليب فَمن ذَلِك القمران للشمس وَالْقَمَر
والعمران لأبى بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا
والأبوان للْأَب وَالأُم وفى الْأَب وَالْخَالَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش}
والأمان للْأُم وَالْجدّة
والزهدمان فى زَهْدَم وكردم ابنى قيس
والعمران لعَمْرو بن حَارِثَة وَزيد بن عَمْرو
والأحوصان الْأَحْوَص بن جَعْفَر وَعَمْرو بن الْأَحْوَص
والمصعبان مُصعب بن الزبير وَابْنه
والبحيران بحير وفراس ابْنا عبد الله بن سَلمَة
والحران الْحر وَأَخُوهُ أَبى
والعجاجان فى العجاج وَابْنه هَذَا جَمِيع مَا أوردهُ شَيخنَا فى شرح التسهيل
وَرَأَيْت الْأَخ سيدى الشَّيْخ الإِمَام أَبَا حَامِد سلمه الله ذكر فى شرح التَّلْخِيص فى الْمعَانى وَالْبَيَان مَا ذكره أَبُو حَيَّان وَزَاد فَقَالَ
والخافقان للمغرب والمشرق وَإِنَّمَا الخافق حَقِيقَة اسْم للمغرب بِمَعْنى مخفوق فِيهِ
والبصرتان لِلْبَصْرَةِ والكوفة
والمشرقان للمشرق وَالْمغْرب(2/196)
والمغربان لَهما أَيْضا
والحنيفان الحنيف وَسيف ابْنا أَوْس بن حميرى
والأقرعان الْأَقْرَع بن حَابِس وَأَخُوهُ مزِيد
والطليحتان طليحة بن خويلد الأسدى وَأَخُوهُ حبال
والخزيميان والربيبان خُزَيْمَة وربيبة من باهلة بن عَمْرو
فَهَذَا مَجْمُوع مَا ذكره الشَّيْخ وَالْأَخ وفاتهما القرطبان كَمَا عرفت
والدحرضان اسْم لماءين يُقَال لأَحَدهمَا الدحرض وَللْآخر وسيع قَالَ الشَّاعِر
(شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض الديلم)
(والأسودان للتمر وَالْمَاء قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الأسودان التَّمْر وَالْمَاء)
والفمان للفم وَالْأنف ذكره الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك والأخوان لأخ وَأُخْت
والأذانان الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَين كل أذانين صَلَاة) أَجمعُوا أَن المُرَاد بِهِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة
والجونان مُعَاوِيَة وَحسان ابْنا الجون الكنديان ذكره أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فى أَوَائِل الْكَامِل بعد نَحْو خمس كراريس مِنْهُ وَأنْشد عَلَيْهِ
(كَأَنَّك لم تشهد لقيطا وحاجبا ... وَعَمْرو بن عَمْرو إِذْ دعوا يال دارم)
(وَلم تشهد الجونين والشعب والصفا ... وشدات قيس يَوْم دير الجماجم)
والعاشقان اسْم للعاشق والمعشوق وَعَلِيهِ قَول الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف(2/197)
(العاشقان كِلَاهُمَا متغضب ... وَكِلَاهُمَا متوجد متحبب)
(صدت مغاضبة وَصد مغاضبا ... وَكِلَاهُمَا مِمَّا يعالج مُتْعب)
(رَاجع أحبتك الَّذين هجرتهم ... إِن المتيم قَلما يتَجَنَّب)
(إِن التباعد إِن تطاول مِنْكُمَا ... دب السلو لَهُ فعز الْمطلب)
أَرَادَ بالعاشقين الْخَلِيفَة وَوَاحِدَة من حظاياه كَانَ وَقع بَينه وَبَينهَا شنآن فتهاجرا فَحدث الْعَبَّاس فى ذَلِك فأنشده هَذِه الأبيات فَقَامَ إِلَيْهَا وصالحها
والأنفان اسْم للأنف والفم ذكره وَأنْشد عَلَيْهِ
(إِذا مَا الْغُلَام الأحمق الْأُم سافنى ... بأطراف أنفيه اشمأز فأنزعا)
وَاعْلَم أَن شَيخنَا أَبَا حَيَّان اسْتشْهد على أَن العمرين اسْم لأبى بكر وَعمر بقول الشَّاعِر
(مَا كَانَ يرضى رَسُول الله فعلهم ... والعمران أَبُو بكر وَلَا عمر)
وَأَنا مَا أحفظ هَذَا الْبَيْت إِلَّا والطيبان أَبُو بكر وَلَا عمر وَالْوَزْن بِهِ أتم
وَاسْتشْهدَ على أَن القمرين اسْم للشمس وَالْقَمَر يَقُول الفرزدق
(أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع)
(وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول إِنَّمَا أَرَادَ بالقمرين النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وبالنجوم الصَّحَابَة وَهَذَا مَا ذكره ابْن الشجرى فى أَمَالِيهِ
وَرَأَيْت فى تَرْجَمَة هَارُون الرشيد أَنه سَأَلَ من حضر مَجْلِسه عَن المُرَاد بالقمرين فى هَذَا الْبَيْت فَأجَاب بِهَذَا الْجَواب نعم أنْشد ابْن الشجرى على القمرين للشمس وَالْقَمَر قَول المتنبى
(واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها ... فأرتنى القمرين فى وَقت مَعًا)(2/198)
وَقَالَ أَبُو عبد الله البوشنجى فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (البذاذة من الْإِيمَان ثَلَاثًا الْبذاء خلاف البذاذة إِنَّمَا الْبذاء طول اللِّسَان برمى الْفَوَاحِش والبهتان يُقَال فلَان بذى اللِّسَان والبذاذة رثاثة الثِّيَاب فى الملبس والمفرش وَذَلِكَ تواضع عَن رفيع الثِّيَاب وهى ملابس أهل الزّهْد
وَقَالَ الْحَاكِم حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد العنبرى حَدثنَا أَبُو عبد الله البوشنجى حَدثنَا النفيلى حَدثنَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم الأزدى قاضى الرى عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ مَا رَأَيْت أَخطب من عَائِشَة وَلَا أعرب لقد رَأَيْتهَا يَوْم الْجمل وثار إِلَيْهَا النَّاس فَقَالُوا يَا أم الْمُؤمنِينَ حدثينا عَن عُثْمَان وَقَتله فاستجلست النَّاس ثمَّ حمدت الله وأثنت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَت أما بعد فَإِنَّكُم نقمتم على عُثْمَان خِصَالًا ثَلَاثًا إمرة الْفَتى وضربة السَّوْط وموقع الغمامة المحماة فَلَمَّا أعتبنا مِنْهُنَّ مصتموه موصى الثَّوْب بالصابون عدوتم بِهِ الْفقر الثَّلَاث عدوتم بِهِ حُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام وَحُرْمَة الْبَلَد الْحَرَام وَحُرْمَة الْخلَافَة وَالله لعُثْمَان كَانَ أَتْقَاكُم للرب وأوصلكم للرحم وأحصنكم فرجا أَقُول قولى هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لى وَلكم
قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا العنبرى وَأَبا بكر مُحَمَّد بن جَعْفَر يَقُولَانِ سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول فى عقب هَذَا الحَدِيث أما قَوْلهَا إمرة الْفَتى فَإِن عُثْمَان ولى الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة بن أَبى معيط لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وعزل سعد بن أَبى وَقاص
وَأما قَوْلهَا ضَرْبَة السَّوْط فَإِن عُثْمَان تنَاول عمار بن يَاسر وَأَبا ذَر بِبَعْض التَّقْوِيم كَمَا يُؤَدب الإِمَام رَعيته
وَأما قَوْلهَا موقع الغمامة المحماة فَإِن عُثْمَان حمى أحماء فى بِلَاد الْعَرَب لإبل الصَّدَقَة وَقد كَانَ عمر حمى أحماء أَيْضا كَذَلِك فَلم يُنكر النَّاس ذَلِك على عمر
فَهَذِهِ الثَّلَاث الَّتِى قالتها عَائِشَة فَلَمَّا استعتبوه مِنْهَا أعتبهم وَرجع إِلَى مُرَادهم وَهُوَ قَوْلهَا مصتموه موص الثَّوْب بالصابون والموص هُوَ الْغسْل والفقر الفرص(2/199)
يُقَال أفقر الصَّيْد إِذا وجد الصَّائِد فرصته وَكَانَ عُثْمَان آمنا أَنهم لَا يعدون عَلَيْهِ فى الشَّهْر الْحَرَام وَأَنَّهُمْ لَا يسْتَحلُّونَ حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى الْمَدِينَة وَكَانَت الثَّالِثَة حُرْمَة الْخلَافَة
قلت وَمَعَ هَذَا لم يشر الشَّاعِر فى قَوْله
(قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا)
إِلَى شئ من الحرمات الثَّلَاث وَلَا حُرْمَة الْإِحْرَام فَإِن عُثْمَان لم يكن أحرم بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا أَرَادَ على مَا ذكر الأصمعى أَنه لم يكن أَتَى محرما يحل عُقُوبَته كَمَا سَنذكرُهُ عَن الأصمعى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة أَبى نصر أَحْمد بن عبد الله الثابتى البخارى فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة
وَقَوْلنَا فى سِيَاق هَذَا السَّنَد سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا وَأَبا بكر يَقُولَانِ سَمِعت أَبَا عبد الله كَذَا هُوَ فى مقتضب تَارِيخ نيسابور لِلْحَافِظِ أبي بكر الحازمى بِخَطِّهِ وَقد كتب كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فَوق سَمِعت صَحَّ وَقد أَجَاد فَإِنَّهُ حاك عَن اثْنَيْنِ قَوْلهمَا فَكل مِنْهُمَا يَقُول سَمِعت فافهمه فَهُوَ دَقِيق
وَيُشبه هَذَا الْأَثر عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فى اجْتِمَاع كثير من غَرِيب اللُّغَة فِيهِ حَدِيث زبان بن قيسور الكلفى وَيُقَال زبان بن قسور قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَازل بوادى الشوحط وَهُوَ عِنْد إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عَن زبان وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد لَيْسَ دون إِبْرَاهِيم بن سعد من يحْتَج بِهِ(2/200)
وَقد سَاقه السهيلى فى الرَّوْض الْألف // بِدُونِ إِسْنَاد //
وَنحن نرى أَن نذْكر حَدِيث زبان بن قيسور فَإِن ابْن الْأَثِير لم يذكرهُ فى نِهَايَة غَرِيب الحَدِيث مَعَ شدَّة تفحصه فَنَقُول
عَن زبان بن قيسور رضى الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَازل بوادى الشوحط فكلمته فَقلت يَا رَسُول الله إِن مَعنا لوبا كَانَت فى عيلم لنا بِهِ طرم وشمع فجَاء رجل فَضرب ميتين فأنتج حَيا وكفنه بالثمام ونحسه فطار اللوب هَارِبا ودلى مشواره فى العيلم فاشتار الْعَسَل فَمضى بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَلْعُون مَلْعُون من سرق شرو قوم فأضر بهم أَفلا تبعتم أَثَره وعرفتم خَبره) قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّه دخل فى قوم لَهُم مَنْعَة وهم جيرتنا من هُذَيْل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صبرك صبرك ترد نهر الْجنَّة وَإِن سعته كَمَا بَين اللقيقة والسحيقة يتسبسب جَريا بِعَسَل صَاف من قذاه مَا تقياه لوب وَلَا مجه نوب) حَدِيث غَرِيب
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أُوتى جَوَامِع الْكَلم فيخاطب كل قوم بلغتهم
واللوب بِضَم اللَّام وَسُكُون الْوَاو النَّحْل قَالَه السهيلى وَحَكَاهُ ابْن سَيّده فى الْمُحكم وأغفله الجوهرى والأزهرى
والعيلم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون آخر الْحُرُوف قَالَ السهيلى هى الْبِئْر وَأَرَادَ بهَا هُنَا وقبة النَّحْل أَو الخلية وَقد يُقَال لموْضِع النَّحْل إِذا كَانَ صدعا فى جبل شيق وَجمعه شيقان(2/201)
والطرم بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان الرَّاء الْعَسَل عَامَّة قَالَه ابْن سَيّده وَغَيره وَحكى الأزهرى عَن اللَّيْث أَنه الشهد
وَقَوله فَضرب ميتين فاستخرج حَيا يُرِيد أورى نَارا من زندين ضربهما فَهُوَ من بَاب الِاسْتِعَارَة شبه الزِّنَاد وَالْحجر بالميتين وَالنَّار الَّتِى تخرج مِنْهُمَا بالحى
والثمام قَالَ الجوهرى نبت ضَعِيف ذُو خوص وَرُبمَا حشى مِنْهُ أُوَسَّد بِهِ خصاص الْبيُوت فَمَعْنَى قَوْله أَنه كَفنه بالثمام أَنه ألْقى ذَلِك النبت على النَّار الَّتِى أوراها حَتَّى صَار لَهَا دُخان وَهُوَ المُرَاد بقوله نحسه قَالَ السهيلى يُقَال لكل دُخان نُحَاس وَلَا يُقَال إيام إِلَّا لدخان النَّحْل خَاصَّة يُقَال آمها يؤومها إِذا دخنها قَالَه أَبُو حنيفَة
وَيُقَال شار الْعَسَل يشوره ويشتاره إِذا اجتناه من خلاياه ومواضعه
والمشوار الْآلَة الَّتِى يقطف بهَا
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سرق شرو قوم) كَذَا هُوَ فى أصل مُعْتَمد بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء وَبعدهَا وَاو لم أجد هَذِه اللَّفْظَة فى كتب اللُّغَة
وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نهر الْجنَّة سعته مَا بَين اللقيقة والسحيقة وكأنهما اسْم موضِعين يعرفهما الْمُخَاطب وألفيتهما كَذَلِك مضبوطين بِضَم أَولهمَا
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صبرك صبرك) أضمر فِيهِ الْفِعْل أى الزم صبرك وأغنى التّكْرَار عَن لُزُوم الْفِعْل كَمَا فى التحذير
ويتسبسب أى يجرى قَالَ الأزهرى يُقَال سبسب إِذا سَار سيرا لينًا فَكَأَنَّهُ استعير لجَرَيَان النَّهر بِاللَّبنِ
والنوب أَيْضا من أَسمَاء النَّحْل وَهُوَ بِضَم النُّون وَإِسْكَان الْوَاو قَالَ أَبُو ذُؤَيْب(2/202)
(إِذا لسعته النَّحْل لم يرج لسعها ... وحالفها فى بَيت نوب عواسل)
أى لم يخف لسعها
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة سميت نوبا لِأَنَّهَا تضرب إِلَى السوَاد
وَمن هَذَا المهيع يُقَال لَهُ بَاب المعاياة وصنف فِيهِ الْفُقَهَاء فَأَكْثرُوا وَرووا أَن رجلا قَالَ لأبى حنيفَة مَا تَقول فى رجل قَالَ إنى لَا أَرْجُو الْجنَّة وَلَا أَخَاف النَّار وآكل الْميتَة وَالدَّم وأصدق الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأبْغض الْحق وأهرب من رَحْمَة الله وأشرب الْخمر وَأشْهد بِمَا لم أر وَأحب الْفِتْنَة وأصلى بِغَيْر وضوء وأترك الْغسْل من الْجَنَابَة وأقتل النَّاس فَقَالَ أَبُو حنيفَة لمن حَضَره مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ هَذَا كَافِر
فَتَبَسَّمَ وَقَالَ هَذَا مُؤمن أما قَوْله لَا أَرْجُو الْجنَّة وَلَا أَخَاف النَّار فَأَرَادَ إِنَّمَا أَرْجُو وأخاف خالقهما
وَأَرَادَ بِأَكْل الْميتَة وَالدَّم السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال
وَبِقَوْلِهِ أصدق الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَول كل مِنْهُم إِن أَصْحَابه لَيْسُوا على شئ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُم
وَبِقَوْلِهِ أهرب من رَحْمَة الله الهروب من الْمَطَر
ويقوله أبْغض الْحق يعْنى الْمَوْت لِأَن الْمَوْت حق لابد مِنْهُ
وبشرب الْخمر شربه فى حَال الِاضْطِرَار
وبحب الْفِتْنَة الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد على مَا قَالَ تَعَالَى {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة}
وبالشهادة على مَا لم ير الشَّهَادَة بِاللَّه وَمَلَائِكَته وأنبيائه وَرُسُله(2/203)
وبالصلاة بِغَيْر وضوء وَلَا تيَمّم الصَّلَاة على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وبترك الْغسْل من الْجَنَابَة إِذا فقد المَاء
وبالناس الَّذين يقتلهُمْ الْكفَّار وهم الَّذين سماهم الله {النَّاس} فى قَوْله {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم}
وروى أَن مُحَمَّد بن الْحسن سَأَلَ الشافعى عَن خَمْسَة زنوا بِامْرَأَة فَوَجَبَ على وَاحِد الْقَتْل وَالْآخر الرَّجْم وَالثَّالِث الْجلد وَالرَّابِع نصف الْحَد وَلم يجب على الْخَامِس شئ
فَقَالَ الشافعى الأول ذمى زنى بِمسلمَة فَانْتقضَ عَهده فَيقْتل
والثانى زَان مُحصن وَالثَّالِث بكر حر وَالرَّابِع عبد وَالْخَامِس مَجْنُون
وروى أَن الشافعى رضى الله عَنهُ سُئِلَ عَن امْرَأَة فى فِيهَا لقْمَة قَالَ زَوجهَا إِن بلعتيها فَأَنت طَالِق وَإِن أخرجتيها فَأَنت طَالِق مَا الْحِيلَة
قَالَ تبلع نصفهَا وَتخرج نصفهَا
وَأَنه جَاءَ رجل إِلَى أَبى حنيفَة رضى الله عَنهُ فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق لَا أكلم امرأتى قبل أَن تكلمنى فَقَالَ وَالْعتاق لَازم لى لَا أُكَلِّمك قبل أَن تكلمنى فَكيف أصنع
فَقَالَ اذْهَبْ فكلمها وَلَا حنث عَلَيْكُمَا
فَذهب إِلَى سُفْيَان الثورى فجَاء سُفْيَان إِلَى أَبى حنيفَة مغضبا فَقَالَ أتبيح الْفروج قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَا ذَاك فَقص لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ كَذَا إِنَّهَا لما قَالَت لَهُ إِن كلمتك فعلى الْعتاق شافهته بالْكلَام فانحلت يَمِينه فَإِذا كلمها بعد لم يَقع الطَّلَاق فَقَالَ سُفْيَان إِنَّك لتكشف مَا كُنَّا عَنهُ غافلين
وَعَن أَبى يُوسُف القاضى قَالَ طلبنى هَارُون الرشيد لَيْلًا فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ إِذا هُوَ جَالس وَعَن يَمِينه عِيسَى بن جَعْفَر فَقَالَ لى إِن عِنْد عِيسَى جَارِيَة وَسَأَلته أَن يَهَبهَا لى فَامْتنعَ وَسَأَلته أَن يَبِيعهَا فَامْتنعَ(2/204)
فَقلت وَمَا مَنعك من بيعهَا أَو هبتها لأمير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ إِن على يَمِينا أَن لَا أبيعها وَلَا أهبها
فَقَالَ الرشيد فَهَل لَهُ فى ذَلِك مخرج
قلت نعم يهب لَك نصفهَا ويبيعك نصفهَا فَيكون لم يَهَبهَا وَلم يبعها
قَالَ عِيسَى فأشهدك أَنى قد وَهبتك نصفهَا وبعتك نصفهَا
فَقَالَ الرشيد بعد ذَلِك أَيهَا القاضى بقيت وَاحِدَة
فَقلت وَمَا هى
فَقَالَ إِنَّهَا أمة ولابد من استبرائها ولابد أَن أطلبها فى هَذِه اللَّيْلَة
فَقلت لَهُ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا فَإِن الْحرَّة لَا تستبرأ فَفعل ذَلِك فعقدت عقده عَلَيْهَا وَأمر لى بِمَال جزيل
وَحَضَرت امْرَأَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أخى مَاتَ وَترك سِتّمائَة دِينَار فَلم أعْط إِلَّا دِينَارا وَاحِدًا
فَقَالَ كأنى بك قد ترك أَخُوك زَوْجَة وَأما وبنتين واثنى عشر أَخا وَأَنت
فَقَالَت نعم كَأَنَّك حَاضر
فَقَالَ أعطوك حَقك للزَّوْجَة ثمن الستمائة وَذَلِكَ خَمْسَة وَسَبْعُونَ دِينَارا وَللْأُمّ السُّدس وَذَلِكَ مائَة دِينَار وللبنتين الثُّلُثَانِ وَذَلِكَ أَرْبَعمِائَة دِينَار وللاثنى عشر أَخا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ دِينَارا وَلَك دِينَار وَاحِد
وَسُئِلَ الْقفال عَن بَالغ عَاقل مُسلم هتك حرْزا وسرق نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ بِوَجْه وَلَا قطع عَلَيْهِ
فَقَالَ رجل دخل فَلم يجد فى الدَّار شَيْئا فَقعدَ فى دن فجَاء صَاحب الدَّار بِمَال وَوَضعه فَخرج السَّارِق وَأَخذه وَخرج فَلَا يقطع لِأَن المَال حصل بعد هتك الْحِرْز(2/205)
وَسُئِلَ بعض الْمَشَايِخ عَن رجل خرج إِلَى السُّوق وَترك امْرَأَته فى الْبَيْت ثمَّ رَجَعَ فَوجدَ عِنْدهَا رجلا فَقَالَ مَا هَذَا قَالَت هَذَا زوجى وَأَنت عبدى وَقد بِعْتُك
فَقَالَ الشَّيْخ هُوَ عبد زوجه سَيّده بابنته وَدخل العَبْد بهَا ثمَّ مَاتَ سَيّده وَوَقعت الْفرْقَة لِأَنَّهَا ملكت زَوجهَا بِالْإِرْثِ ثمَّ إِنَّهَا كَانَت حَامِلا فَوضعت فانقضت الْعدة فَتزوّجت وباعت ذَلِك الزَّوْج لِأَنَّهُ صَار عَبدهَا
وَسُئِلَ آخر عَن رجل نظر إِلَى امْرَأَة أول النَّهَار وهى حرَام عَلَيْهِ ثمَّ حلت ضحوة وَحرمت الظّهْر وحلت الْعَصْر وَحرمت الْمغرب وحلت الْعشَاء وَحرمت الْفجْر وحلت الضُّحَى وَحرمت الظّهْر فَقَالَ هَذَا رجل نظر إِلَى أمة غَيره بكرَة واشتراها ضحوة وَأسْقط الِاسْتِبْرَاء بحيلة فَحلت لَهُ وأعتقها الظّهْر فَحرمت عَلَيْهِ فَتَزَوجهَا الْعَصْر فَحلت فَظَاهر مِنْهَا الْمغرب فَحرمت فَكفر عَن يَمِينه الْعشَاء فَحلت فَطلقهَا عِنْد الْفجْر فَحرمت فَرَاجعهَا ضحوة فَحلت فارتدت الظّهْر فَحرمت
وَلَك أَن تزيد فَتَقول ثمَّ حلت الْعَصْر ثمَّ حرمت الْمغرب حُرْمَة مُؤَبّدَة وَذَلِكَ بِأَن تكون أسلمت الْعَصْر فَبَقيت على الزَّوْجِيَّة ثمَّ لاعنها الْمغرب
وَسُئِلَ آخر عَن امْرَأَة لَهَا زوجان وَيجوز أَن يَتَزَوَّجهَا ثَالِث ويطأها فَقَالَ هَذِه امْرَأَة لَهَا عبد وَأمه زوجت أَحدهمَا بِالْآخرِ فَيصدق أَنَّهَا امْرَأَة لَهَا زوجان وَاللَّام فى لَهَا للْملك وَإِذا جَاءَ ثَالِث حر أَرَادَ نِكَاحهَا فَلهُ ذَلِك
وَسُئِلَ آخر عَن رجل قَالَ لامْرَأَته وهى فى مَاء جَار إِن خرجت من هَذَا المَاء فَأَنت طَالِق وَإِن لم تخرجى فَأَنت طَالِق
فَقَالَ لَا تطلق خرجت أَو لم تخرج لِأَنَّهُ جرى وانفصل نَقله الرافعى فى فروع الطَّلَاق
وَسُئِلَ آخر عَن رجل تكلم كلَاما فى بَغْدَاد فَوَجَبَ على امْرَأَة بِمصْر أَن تعيد صَلَاة سنة(2/206)
فَقَالَ هَذِه جَارِيَته أعْتقهَا بِبَغْدَاد وهى بِمصْر وَلم يبلغهَا الْخَبَر إِلَّا بعد سنة وَكَانَت تصلى مكشوفة الرَّأْس فَإِذا بلغَهَا الْخَبَر يجب عَلَيْهَا إِعَادَة الصَّلَاة لِأَن صَلَاة الْحرَّة مكشوفة الرَّأْس لَا تصح
وفى الرافعى فى رجل قَالَ لامْرَأَته إِن لم أقل لَك مثل مَا تَقُولِينَ لى فى هَذَا الْمجْلس فَأَنت طَالِق فَقَالَت أَنْت طَالِق إِن الْحِيلَة فى عدم وُقُوع الطَّلَاق أَن يَقُول أَنْت تَقُولِينَ أَنْت طَالِق
قلت وَفِيه نظر فَإِن صيغتها أَنْت بِفَتْح التَّاء وصيغته أَنْت بِكَسْرِهَا إِذا أَرَادَ خطابها بِالطَّلَاق فقد يُقَال يَقُول كَمَا قَالَت أَنْت طَالِق بِفَتْح التَّاء وَلَا يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ خطاب الْمُذكر فلعلها قَالَت لَهُ أَنْت طَالِق بِكَسْر التَّاء
49 - مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْمُنْذر بن دَاوُد بن مهْرَان الغطفانى الحنظلى أَبُو حَاتِم الرازى
أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام
ولد سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة
سمع عبيد الله بن مُوسَى وَأَبا نعيم وطبقتهما بِالْكُوفَةِ
وَمُحَمّد بن عبد الله الأنصارى والأصمعى وطبقتهما بِالْبَصْرَةِ
وَعَفَّان وهوذة بن خَليفَة وطبقتهما بِبَغْدَاد
وَأَبا مسْهر وَأَبا الْجمَاهِر مُحَمَّد بن عُثْمَان وطبقتهما بِدِمَشْق(2/207)
وَأَبا الْيَمَان وَيحيى الوحاظى وطبقتهما بحمص
وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وطبقته بِمصْر
وخلقا بالنواحى والثغور
وَتردد فى الرحلة زَمَانا قَالَ ابْنه سَمِعت أَبى يَقُول أول سنة خرجت فى طلب الحَدِيث أَقمت سبع سِنِين أحصيت مَا مشيت على قدمى زِيَادَة على ألف فَرسَخ ثمَّ تركت الْعدَد بعد ذَلِك وَخرجت من الْبَحْرين إِلَى مصر مَاشِيا ثمَّ إِلَى الرملة مَاشِيا ثمَّ إِلَى دمشق ثمَّ إِلَى أنطاكية ثمَّ إِلَى طرسوس ثمَّ رجعت إِلَى حمص ثمَّ مِنْهَا إِلَى الرقة ثمَّ ركبت إِلَى الْعرَاق كل هَذَا وَأَنا ابْن عشْرين سنة
حدث عَنهُ من شُيُوخه الصغار يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَبدَة بن سُلَيْمَان المروزى وَالربيع بن سُلَيْمَان المرادى
وَمن أقرانه أَبُو زرْعَة الرازى وَأَبُو زرْعَة الدمشقى
وَمن أَصْحَاب السّنَن أَبُو دَاوُد والنسائى وَقيل إِن البخارى وَابْن ماجة رويا عَنهُ وَلم يثبت ذَلِك
وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وَابْن صاعد وَأَبُو عوَانَة والقاضى المحاملى وَأَبُو الْحسن على بن إِبْرَاهِيم الْقطَّان صَاحب ابْن ماجة وَخلق كثير
قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم قَالَ لى مُوسَى بن إِسْحَاق القاضى مَا رَأَيْت أحفظ من والدك
وَقَالَ أَحْمد بن سَلمَة الْحَافِظ مَا رَأَيْت بعد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن يحيى أحفظ للْحَدِيث من أَبى حَاتِم وَلَا أعلم بمعانيه
وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم إِمَامًا خُرَاسَان بقاؤهما صَلَاح للْمُسلمين(2/208)
وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبى يَقُول قلت على بَاب أَبى الْوَلِيد الطيالسى من أغرب على حَدِيثا صَحِيحا فَلهُ دِرْهَم وَكَانَ ثمَّ خلق أَبُو زرْعَة فَمن دونه وَإِنَّمَا كَانَ مرادى أَن يلقى على مَا لم أسمع بِهِ فَيَقُولُونَ هُوَ عِنْد فلَان فَأذْهب وأسمعه فَلم يتهيأ لأحد أَن يغرب على حَدِيثا
وَسمعت أَبى يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن يزِيد الأسفاطى قد ولع بالتفسير وبحفظه فَقَالَ يَوْمًا مَا تحفظون فى قَوْله تَعَالَى {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد}
فَسَكَتُوا فَقلت حَدثنَا أَبُو صَالح عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن على بن أَبى طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ضربوا فى الْبِلَاد
وَسمعت أَبى يَقُول قدم مُحَمَّد بن يحيى النيسابورى الرى فألقيت عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا من حَدِيث الزهرى فَلم يعرف مِنْهَا إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث
قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله إِنَّمَا ألْقى عَلَيْهِ من حَدِيث الزهرى لِأَن مُحَمَّدًا كَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فى معرفَة حَدِيث الزهرى قد جمعه وصنفه وتتبعه حَتَّى كَانَ يُقَال لَهُ الزهرى
قَالَ وَسمعت أَبى يَقُول بقيت بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع عشرَة ثَمَانِيَة أشهر فَجعلت أبيع ثيابى حَتَّى نفدت فمضيت مَعَ صديق لى أدور على الشُّيُوخ فَانْصَرف رفيقى بالعشى وَرجعت فَجعلت أشْرب المَاء من الْجُوع ثمَّ أَصبَحت فغدا على رفيقى فطفت مَعَه(2/209)
على جوع شَدِيد وانصرفت جائعا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد غَدا على فَقلت أَنا ضَعِيف لَا يمكننى
قَالَ مَا بك قلت لَا أكتمك مضى يَوْمَانِ مَا طعمت فيهمَا شَيْئا
فَقَالَ قد بقى معى دِينَار فنصفه لَك ونجعل النّصْف الآخر فى الْكِرَاء
فخرجنا من الْبَصْرَة وَأخذت مِنْهُ نصف الدِّينَار
سَمِعت أَبى يَقُول خرجنَا من الْمَدِينَة من عِنْد دَاوُد الجعفرى وصرنا إِلَى الْجَار فَرَكبْنَا الْبَحْر فَكَانَت الرّيح فى وُجُوهنَا فبقينا فى الْبَحْر ثَلَاثَة أشهر وَضَاقَتْ صدورنا وفنى مَا كَانَ مَعنا وَخَرجْنَا إِلَى الْبر نمشى أَيَّامًا حَتَّى فنى مَا تبقى مَعنا من الزَّاد وَالْمَاء فمشينا يَوْمًا لم نَأْكُل وَلم نشرب وَالْيَوْم الثانى كَمثل وَالْيَوْم الثَّالِث فَلَمَّا كَانَ الْمسَاء صلينَا وألقينا بِأَنْفُسِنَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فى الْيَوْم الثَّالِث جعلنَا نمشى على قدر طاقتنا وَكُنَّا ثَلَاثَة أَنا وَشَيخ نيسابورى وَأَبُو زُهَيْر المروروذى فَسقط الشَّيْخ مغشيا عَلَيْهِ فَجِئْنَا نحركه وَهُوَ لَا يعقل فتركناه ومشينا قدر فَرسَخ فضعفت وَسَقَطت مغشيا على وَمضى صاحبى يمشى فَرَأى من بعيد قوما قربوا سفينتهم من الْبر ونزلوا على بِئْر مُوسَى فَلَمَّا عاينهم لوح بِثَوْبِهِ إِلَيْهِم فجاءوه وَمَعَهُمْ مَاء فسقوه وَأخذُوا بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُم ألْحقُوا رَفِيقَيْنِ لى فَمَا شَعرت إِلَّا بِرَجُل يصب المَاء على وجهى ففتحت عينى فَقلت اسقنى فصب من المَاء فى مشْربَته قَلِيلا فَشَرِبت وَرجعت إِلَى نفسى ثمَّ سقانى قَلِيلا وَأخذ بيدى فَقلت(2/210)
ورائى شيخ ملقى فَذهب جمَاعَة إِلَيْهِ وَأخذ بيدى وَأَنا أمشى وَأجر رجلى حَتَّى إِذا بلغت عِنْد سفينتهم وَأتوا بالشيخ وأحسنوا إِلَيْنَا فبقينا أَيَّامًا حَتَّى رجعت إِلَيْنَا أَنْفُسنَا ثمَّ كتبُوا لنا كتابا إِلَى مَدِينَة يُقَال لَهَا راية إِلَى واليهم وزودونا من الكعك والسويق وَالْمَاء فَلم نزل نمشى حَتَّى نفد مَا كَانَ مَعنا من المَاء والقوت فَجعلنَا نمشى جياعا على شط الْبَحْر حَتَّى دفعنَا إِلَى سلحفاة مثل الترس فعمدنا إِلَى حجر كَبِير فضربنا على ظهرهَا فانفلق فَإِذا فِيهِ مثل صفرَة الْبيض فحسيناه حَتَّى سكن عَنَّا الْجُوع حَتَّى وصلنا إِلَى مَدِينَة الرَّايَة وأوصلنا الْكتاب إِلَى عاملها فأنزلنا فى دَاره فَكَانَ يقدم إِلَيْنَا كل يَوْم القرع وَيَقُول لِخَادِمِهِ هاتى لَهُم اليقطين الْمُبَارك فَيقدمهُ مَعَ الْخبز أَيَّامًا فَقَالَ وَاحِد منا أَلا تَدْعُو بِاللَّحْمِ المشئوم فَسمع صَاحب الدَّار فَقَالَ أَنا أحسن بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِن جدتى كَانَت هروية وأتانا بعد ذَلِك بِاللَّحْمِ ثمَّ زودنا إِلَى مصر
سَمِعت أَبى يَقُول لَا أحضر كم مرّة سرت من الْكُوفَة إِلَى بَغْدَاد
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الإيادى يرثى أَبَا حَاتِم من قصيدة
(أنفسى مَالك لَا تجزعينا ... وعينى مَالك لَا تدمعينا)
(ألم تسمعى بكسوف الْعُلُوم ... فى شهر شعْبَان محقا مدينا)
(ألم تسمعى خبر المرتضى ... أَبى حَاتِم أعلم العالمينا)
توفى أَبُو حَاتِم الرازى فى شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَله اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
... .(2/211)
50 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة بن بردزبه
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا رَاء سَاكِنة ثمَّ دَال مَكْسُورَة مُهْملَة ثمَّ زاى سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء ابْن بذذبه بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة ثمَّ ذال ثَانِيَة مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ هَاء هَذَا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله
وَقيل بدل بردزبه الْأَحْنَف وَقيل غير ذَلِك
هُوَ إِمَام الْمُسلمين وقدوة الْمُوَحِّدين وَشَيخ الْمُؤمنِينَ والمعول عَلَيْهِ فى أَحَادِيث سيد الْمُرْسلين وحافظ نظام الدّين أَبُو عبد الله الجعفى مَوْلَاهُم البخارى صَاحب الْجَامِع الصَّحِيح وساحب ذيل الْفضل للمستميح
(علا عَن الْمَدْح حَتَّى مَا يزان بِهِ ... كَأَنَّمَا الْمَدْح من مِقْدَاره يضع)
(لَهُ الْكتاب الذى يَتْلُو الْكتاب هدى ... هذى السِّيَادَة طودا لَيْسَ ينصدع)
(الْجَامِع الْمَانِع الدّين القويم وَسنة ... الشَّرِيعَة أَن تغتالها الْبدع)
(قاصى الْمَرَاتِب دانى الْفضل تحسبه ... كَالشَّمْسِ يَبْدُو سناها حِين ترْتَفع)
(ذلت رِقَاب جَمَاهِير الْأَنَام لَهُ ... فكلهم وَهُوَ عَال فيهم خضعوا)
(لَا تسمعن حَدِيث الحاسدين لَهُ ... فَإِن ذَلِك مَوْضُوع ومنقطع)
(وَقل لمن رام يحكيه اصطبارك لَا ... تعجل فَإِن الذى تبغيه مُمْتَنع)
(وهبك تأتى بِمَا يحْكى شكالته ... أَلَيْسَ يحْكى محيا الْجَامِع البيع)(2/212)
كَانَ وَالِده أَبُو الْحسن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم من الْعلمَاء الورعين
سمع مَالك بن أنس وَرَأى حَمَّاد بن زيد وَصَالح بن الْمُبَارك
وَحدث عَن أَبى مُعَاوِيَة وَجَمَاعَة
روى عَنهُ أَحْمد بن حَفْص وَقَالَ دخلت عَلَيْهِ عِنْد مَوته فَقَالَ لَا أعلم فى جَمِيع مالى درهما من شُبْهَة
قَالَ أَحْمد بن حَفْص فتصاغرت إِلَى نفسى عِنْد ذَلِك
ولد البخارى سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَنَشَأ يَتِيما
وَأول سَمَاعه سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَحفظ تصانيف ابْن الْمُبَارك وحبب إِلَيْهِ الْعلم من الصغر وأعانه عَلَيْهِ ذكاؤه المفرط
ورحل سنة عشر وَمِائَتَيْنِ بعد أَن سمع الْكثير بِبَلَدِهِ من مُحَمَّد بن سَلام البيكندى وَمُحَمّد بن يُوسُف البيكندى وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندى وَهَارُون ابْن الْأَشْعَث وَطَائِفَة
وَسمع ببلخ من مكى بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن بشر الزَّاهِد وقتيبة وَجَمَاعَة
وبمرو من على بن الْحسن بن شَقِيق وعبدان وَجَمَاعَة
وبنيسابور من يحيى بن يحيى وَبشر بن الحكم وَإِسْحَاق وعدة
وبالرى من إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْحَافِظ وَغَيره
وببغداد من شُرَيْح بن النُّعْمَان وَعَفَّان وَطَائِفَة
وبالبصرة من أَبى عَاصِم النَّبِيل وَبدل بن المحبر وَمُحَمّد بن عبد الله الأنصارى وَغَيرهم
وبالكوفة من أَبى نعيم وطلق بن غَنَّام وَالْحسن بن عَطِيَّة وخلاد بن يحيى وَقبيصَة وَغَيرهم(2/213)
وبمكة من الحميدى وَعَلِيهِ تفقه عَن الشافعى
وبالمدينة من عبد الْعَزِيز الأويسى ومطرف بن عبد الله
وبواسط ومصر ودمشق وقيسارية وعسقلان وحمص من خلائق يطول سردهم ذكر أَنه سمع من ألف نفس وَقد خرج عَنْهُم مشيخة وَحدث بهَا وَلم نرها
وفى تَارِيخ نيسابور للْحَاكِم أَنه سمع بالجزيرة من أَحْمد بن الْوَلِيد بن الورتنيس الحرانى وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة الرقى وَعَمْرو بن خَالِد وَأحمد بن عبد الْملك بن وَاقد الحرانى
وَهَذَا وهم فَإِنَّهُ لم يدْخل الجزيرة وَلم يسمع من أَحْمد بن الْوَلِيد إِنَّمَا روى عَن رجل عَنهُ وَلَا من ابْن زُرَارَة إِنَّمَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله الذى يرْوى عَنهُ هُوَ إِسْمَاعِيل بن أَبى أويس وَأما ابْن وَاقد فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد وَعَمْرو بن خَالِد سمع مِنْهُ بِمصْر نبه على هَذَا شَيخنَا الْحَافِظ المزى فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ
وَأكْثر الْحَاكِم فى عد شُيُوخه وَذكر الْبِلَاد الَّتِى دَخلهَا ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا سميت من كل نَاحيَة جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين ليستدل بذلك على عالى إِسْنَاده فَإِن مُسلم بن الْحجَّاج لم يدْرك أحدا مِمَّن سميتهم إِلَّا أهل نيسابور
وَاعْتَرضهُ شَيخنَا الذهبى كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ بِأَنَّهُ أدْرك أَحْمد وَعمر بن حَفْص يعْنى وهما مِمَّن عد الْحَاكِم
ذكر أَبُو عَاصِم العبادى أَبَا عبد الله فى كِتَابه الطَّبَقَات وَقَالَ سمع من الزعفرانى وأبى ثَوْر والكرابيسى
قلت وتفقه على الحميدى وَكلهمْ من أَصْحَاب الشافعى(2/214)
قَالَ وَلم يرو عَن الشافعى فى الصَّحِيح لِأَنَّهُ أدْرك أقرانه والشافعى مَاتَ مكتهلا فَلَا يرويهِ نازلا وروى عَن الْحُسَيْن وأبى ثَوْر مسَائِل عَن الشافعى
قلت وَذكر الشافعى فى موضِعين من صَحِيحه فى بَاب فى الرِّكَاز الْخمس وفى بَاب تَفْسِير الْعَرَايَا من الْبيُوع
ورقم شَيخنَا المزى فى التَّهْذِيب للشافعى بِالتَّعْلِيقِ وَذكر هذَيْن المكانين
حدث البخارى بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَكتب عَنهُ المحدثون وَمَا فى وَجهه شَعْرَة
روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم والترمذى وَمُسلم خَارج الصَّحِيح وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَصَالح بن مُحَمَّد جزرة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس السراج وَأَبُو قُرَيْش مُحَمَّد بن جُمُعَة وَيحيى بن مُحَمَّد بن صاعد وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَخلق
وَآخر من روى عَنهُ الْجَامِع الصَّحِيح مَنْصُور بن مُحَمَّد البزدوى الْمُتَوفَّى سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة
وَآخر من زعم أَنه سَمعه مِنْهُ موتا أَبُو طهير عبد الله بن فَارس البلخى الْمُتَوفَّى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَآخر من روى حَدِيثه عَالِيا خطيب الْموصل فى الدُّعَاء للمحاملى بَينه وَبَينه ثَلَاثَة رجال
وَأما كِتَابه الْجَامِع الصَّحِيح فأجل كتب الْإِسْلَام وأفضلها بعد كتاب الله وَلَا عِبْرَة بِمن يرجح عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم فَإِن مقَالَته هَذِه شَاذَّة لَا يعول عَلَيْهَا(2/215)
قَالَ ابْن عدى سَمِعت الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَزَّار يَقُول رَأَيْت البخارى شَيخا نحيفا لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا
وَقَالَ أَحْمد بن الْفضل البلخى ذهبت عينا مُحَمَّد فى صغره فرأت أمه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا هَذِه قد رد الله على ابْنك بَصَره بِكَثْرَة بكائك أَو دعائك فَأصْبح وَقد رد الله عَلَيْهِ بَصَره
وَعَن جِبْرِيل بن مِيكَائِيل سَمِعت البخارى يَقُول لما بلغت خُرَاسَان أصبت ببصرى فعلمنى رجل أَن أحلق رأسى وأغلفه بالخطمى فَفعلت فَرد الله على بصرى رَوَاهَا غُنْجَار فى تَارِيخه
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم الْوراق قلت للبخارى كَيفَ كَانَ بَدْء أَمرك قَالَ ألهمت حفظ الحَدِيث فى الْمكتب ولى عشر سِنِين أَو أقل وَخرجت من الْكتاب بعد الْعشْر فَجعلت أختلف إِلَى الداخلى وَغَيره فَقَالَ يَوْمًا فِيمَا يقْرَأ على النَّاس سُفْيَان عَن أَبى الزبير عَن إِبْرَاهِيم فَقلت لَهُ إِن أَبَا الزبير لم يرو عَن إِبْرَاهِيم فانتهرنى فَقلت لَهُ ارْجع إِلَى الأَصْل فَدخل ثمَّ خرج فَقَالَ لى كَيفَ يَا غُلَام قلت هُوَ الزبير بن عدى عَن إِبْرَاهِيم فَأخذ الْقَلَم منى وَأَصْلحهُ وَقَالَ صدقت فَقَالَ للبخارى بعض أَصْحَابه ابْن كم كنت قَالَ ابْن إِحْدَى عشرَة سنة
فَلَمَّا طعنت فى سِتّ عشرَة سنة حفظت كتب ابْن الْمُبَارك ووكيع وَعرفت كَلَام هَؤُلَاءِ
ثمَّ خرجت مَعَ أمى وأخى أَحْمد إِلَى مَكَّة فَلَمَّا حججْت رَجَعَ أخى بهَا وَتَخَلَّفت فى طلب الحَدِيث
فَلَمَّا طعنت فى ثمانى عشرَة سنة جعلت أصنف قضايا الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأقاويلهم وَذَلِكَ أَيَّام عبيد الله بن مُوسَى وصنفت كتاب التَّارِيخ إِذْ ذَاك عِنْد قبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/216)
فى الليالى المقمرة وَقل اسْم فى التَّارِيخ إِلَّا وَله عندى قصَّة إِلَّا أَنى كرهت تَطْوِيل الْكتاب
وَقَالَ عمر بن حَفْص الْأَشْقَر كُنَّا مَعَ البخارى بِالْبَصْرَةِ نكتب الحَدِيث ففقدناه أَيَّامًا ثمَّ وَجَدْنَاهُ فى بَيت وَهُوَ عُرْيَان وَقد نفد مَا عِنْده فجمعنا لَهُ الدَّرَاهِم وكسوناه
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد البخارى سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول لقِيت أَكثر من ألف رجل من أهل الْحجاز وَالْعراق وَالشَّام ومصر وخراسان إِلَى أَن قَالَ فَمَا رَأَيْت وَاحِدًا مِنْهُم يخْتَلف فى هَذِه الْأَشْيَاء أَن الدّين قَول وَعمل وَأَن الْقُرْآن كَلَام الله
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سمعته يَقُول دخلت بَغْدَاد ثمانى مَرَّات كل ذَلِك أجالس أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ لى آخر مَا ودعته يَا أَبَا عبد الله تتْرك الْعلم وَالنَّاس وَتصير إِلَى خُرَاسَان فَأَنا الْآن أذكر قَول أَحْمد
وَقَالَ أَبُو بكر الْأَعْين كتبنَا عَن البخارى على بَاب مُحَمَّد بن يُوسُف الفريابى وَمَا فى وَجهه شَعْرَة
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وراق البخارى سَمِعت حاشد بن إِسْمَاعِيل وَآخر يَقُولَانِ كَانَ البخارى يخْتَلف مَعنا إِلَى السماع وَهُوَ غُلَام فَلَا يكْتب حَتَّى أَتَى على ذَلِك أَيَّامًا فَكُنَّا نقُول لَهُ فَقَالَ إنَّكُمَا قد أكثرتما على فاعرضا على مَا كتبتما فأخرجنا إِلَيْهِ مَا كَانَ عندنَا فَزَاد على خَمْسَة عشر ألف حَدِيث فقرأها كلهَا على ظهر قلب حَتَّى جعلنَا نحكم كتبنَا من حفظه ثمَّ قَالَ أَتَرَوْنَ أَنى اخْتلف هدرا وأضيع أيامى فَعرفنَا أَنه لَا يتقدمه أحد
قَالَا فَكَانَ أهل الْمعرفَة يعدون خَلفه فى طلب الحَدِيث وَهُوَ شَاب حَتَّى يغلبوه على نَفسه ويجلسوه فى بعض الطَّرِيق فيجتمع عَلَيْهِ أُلُوف أَكْثَرهم مِمَّن يكْتب عَنهُ وَكَانَ شَابًّا لم يخرج وَجهه(2/217)
قَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وَسمعت سليم بن مُجَاهِد يَقُول كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَقَالَ لى لَو جِئْت قبل لرأيت صَبيا يحفظ سبعين ألف حَدِيث
قَالَ فَخرجت فى طلبه فَلَقِيته فَقلت أَنْت الذى تَقول أَنا أحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ نعم وَأكْثر وَلَا أجيئك بِحَدِيث عَن الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا عرفت مولد أَكْثَرهم ووفاتهم ومساكنهم وَلست أروى حَدِيثا من حَدِيث الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا ولى فى ذَلِك أصل أحفظه حفظا عَن كتاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ غُنْجَار حَدثنَا أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد المقرى حَدثنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن يُوسُف البيكندى سَمِعت على بن الْحُسَيْن بن عَاصِم البيكندى يَقُول قدم علينا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَاجْتَمَعْنَا عِنْده فَقَالَ بَعْضنَا سَمِعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول كأنى أنظر إِلَى سبعين ألف حَدِيث من كتابى
فَقَالَ مُحَمَّد أَو تعجب من هَذَا لَعَلَّ فى هَذَا الزَّمَان من ينظر إِلَى مائتى ألف حَدِيث من كِتَابه
قَالَ وَإِنَّمَا عَنى بِهِ نَفسه
وَقَالَ ابْن عدى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن أَحْمد القومسى سَمِعت مُحَمَّد بن خميرويه يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح وأحفظ مائتى ألف حَدِيث غير صَحِيح
وَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة مَا رَأَيْت تَحت أَدِيم السَّمَاء أعلم بِالْحَدِيثِ من مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البخارى
وَقَالَ ابْن عدى سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون أَن البخارى قدم بَغْدَاد فَاجْتمع أَصْحَاب الحَدِيث فعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا لإسناد هَذَا(2/218)
وَإسْنَاد هَذَا لمتن هَذَا ودفعوا إِلَى كل وَاحِد عشرَة أَحَادِيث ليلقوها على البخارى فى الْمجْلس فَاجْتمع النَّاس وانتدب أحدهم فَقَالَ وَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْعشْرَة فَقَالَ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ حَتَّى فرغ من الْعشْرَة
فَكَانَ الْفُقَهَاء يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ الرجل فهم وَمن كَانَ لَا يدرى قضى عَلَيْهِ بِالْعَجزِ
ثمَّ انتدب آخر فَفعل كَفعل الأول والبخارى يَقُول لَا أعرفهُ إِلَى فرَاغ الْعشْرَة أنفس وَهُوَ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ
فَلَمَّا علم أَنهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فإسناده كَذَا وَكَذَا والثانى كَذَا وَكَذَا وَالثَّالِث إِلَى آخر الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وَفعل بالثانى مثل ذَلِك إِلَى أَن فرغ فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ
وَقَالَ يُوسُف بن مُوسَى المروروذى كنت بِجَامِع الْبَصْرَة إِذْ سَمِعت مناديا يُنَادى يَا أهل الْعلم لقد قدم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى فَقَامُوا فى طلبه وَكنت فيهم فَرَأَيْت رجلا شَابًّا يصلى خلف الأسطوانة فَلَمَّا فرغ أَحدقُوا بِهِ وسألوه أَن يعْقد لَهُم مَجْلِسا للإملاء فأجابهم
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد اجْتمع كَذَا وَكَذَا ألف فَجَلَسَ وَقَالَ يَا أهل الْبَصْرَة أَنا شَاب وَقد سألتمونى أَن أحدثكُم وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيث عَن أهل بلدكم تستفيدون الْكل
حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة بن أَبى رواد بلديكم حَدثنَا أَبى حَدثنَا شُعْبَة عَن مَنْصُور وَغَيره عَن سَالم بن أَبى الْجَعْد عَن أنس أَن أَعْرَابِيًا قَالَ يَا رَسُول الله الرجل يحب الْقَوْم ... الحَدِيث
ثمَّ قَالَ لَيْسَ هَذَا عنْدكُمْ إِنَّمَا عنْدكُمْ عَن غير مَنْصُور وأملى مَجْلِسا على هَذَا النسق(2/219)
قَالَ يُوسُف وَكَانَ دخولى الْبَصْرَة أَيَّام مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب
وَقَالَ الترمذى لم أر أحدا بالعراق وَلَا بخراسان فى معنى الْعِلَل والتاريخ وَمَعْرِفَة الْأَسَانِيد أعلم من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
وَقَالَ إِسْحَاق بن أَحْمد الفارسى سَمِعت أَبَا حَاتِم يَقُول سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم من دخل الْعرَاق وَمُحَمّد بن يحيى أعلم من بخراسان الْيَوْم وَمُحَمّد بن أسلم أورعهم وَعبد الله الدارمى أثبتهم
وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ انْتهى الْحِفْظ إِلَى أَرْبَعَة من أهل خُرَاسَان أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل والدارمى وَالْحسن بن شُجَاع البلخى
وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم كَانَ البخارى أحد الْأَئِمَّة فى معرفَة الحَدِيث وَجمعه وَلَو قلت إنى لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فى الْمُبَالغَة وَالْحسن لرجوت أَن أكون صَادِقا
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا قَالَ قَرَأت على عمر بن القواس أخْبركُم أَبُو الْقَاسِم بن الحرستانى حضورا أخبرنَا جمال الْإِسْلَام أخبرنَا ابْن طلاب أخبرنَا ابْن جَمِيع حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن آدم حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف البخارى قَالَ كنت عِنْد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بمنزله ذَات لَيْلَة فأحصيت عَلَيْهِ أَنه قَامَ وأسرج ليستذكر أَشْيَاء يعلقها فى ليله ثمانى عشرَة مرّة
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم الْوراق كَانَ أَبُو عبد الله إِذا كنت مَعَه فى سفر يجمعنا بَيت وَاحِد إِلَّا فى القيظ أَحْيَانًا فَكنت أرَاهُ يقوم فى لَيْلَة وَاحِدَة خمس عشرَة مرّة إِلَى عشْرين مرّة فى كل ذَلِك يَأْخُذ القداحة فيورى نَارا ويسرج ثمَّ يخرج أَحَادِيث فَيعلم عَلَيْهَا ثمَّ يضع رَأسه وَكَانَ يصلى وَقت السحر ثَلَاث عشرَة رَكْعَة وَكَانَ لَا يوقظنى فى كل مَا يقوم فَقلت لَهُ إِنَّك تحمل على نَفسك فى كل هَذَا وَلَا توقظنى قَالَ أَنْت شَاب وَلَا أحب أَن أفسد عَلَيْك نومك
وَقَالَ الفربرى قَالَ لى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَا وضعت فى الصَّحِيح حَدِيثا إِلَّا اغْتَسَلت قبل ذَلِك وَصليت رَكْعَتَيْنِ(2/220)
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن معقل سمعته يَقُول كنت عِنْد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَقَالَ رجل لَو جمعتم كتابا مُخْتَصرا للسنن فَوَقع ذَلِك فى قلبى فَأخذت فى جمع هَذَا الْكتاب
قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ روى من وَجْهَيْن ثابتين عَن البخارى أَنه قَالَ أخرجت هَذَا الْكتاب من نَحْو سِتّمائَة ألف حَدِيث وصنفته فى سِتّ عشرَة سنة وَجَعَلته حجَّة فِيمَا بينى وَبَين الله
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن معقل سمعته يَقُول مَا أدخلت فى الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ وَتركت من الصِّحَاح لأجل الطول
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم قلت لَهُ تحفظ جَمِيع مَا فى المُصَنّف قَالَ لَا يخفى على جَمِيع مَا فِيهِ وَلَو نشر بعض إسنادى هَؤُلَاءِ لم يفهموا كتاب التَّارِيخ وَلَا عرفوه ثمَّ قَالَ صنفته ثَلَاث مَرَّات
وَقد أَخذه ابْن رَاهَوَيْه فَأدْخلهُ على عبد الله بن طَاهِر فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَلا أريك سحرًا فَنظر فِيهِ عبد الله فتعجب مِنْهُ وَقَالَ لست أفهم تصنيفه
وَقَالَ الفربرى حَدَّثَنى نجم بن الفضيل وَكَانَ من أهل الْفَهم قَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم خرج من قَرْيَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل خَلفه فَإِذا خطا خطْوَة يخطو مُحَمَّد وَيَضَع قدمه على قدمه وَيتبع أَثَره
وَقَالَ خلف الْخيام سَمِعت أَبَا عَمْرو أَحْمد بن نصر الْخفاف يَقُول مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم فى الحَدِيث من أَحْمد وَإِسْحَاق بِعشْرين دَرَجَة وَمن قَالَ فِيهِ شئ
فَعَلَيهِ منى ألف لعنة وَلَو دخل من هَذَا الْبَاب لملئت مِنْهُ رعْبًا
وَقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذى كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عِنْد عبد الله بن مُنِير فَلَمَّا قَامَ من عِنْده قَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله جعلك الله زين هَذِه الْأمة
قَالَ أَبُو عِيسَى اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ(2/221)
وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفرى فى تَارِيخ نسف وَذكر البخارى لَو جَازَ لى لفضلته على من لقى من مشايخه ولقلت مَا لقى بِعَيْنِه مثل نَفسه
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْخَواص رَأَيْت أَبَا زرْعَة كالصبى جَالِسا بَين يدى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يسْأَله عَن علل الحَدِيث
وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْقطَّان سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول كتبت عَن ألف شيخ أَو أَكثر عَن كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف وَأكْثر مَا عندى حَدِيث إِلَّا أذكر إِسْنَاده
قلت فَارق البخارى بُخَارى وَله خمس عشرَة سنة وَلم يره مُحَمَّد بن سَلام البيكندى بعد ذَلِك وَقد قَالَ سليم بن مُجَاهِد كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَقَالَ لَو جِئْت قبل لرأيت صَبيا يحفظ سبعين ألف حَدِيث
فَخرجت حَتَّى لحقته فَقلت أَنْت تحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ نعم وَأكْثر وَلَا أجيبك بِحَدِيث عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَّا عرفت مولد أَكْثَرهم ووفاتهم ومساكنهم وَلست أروى حَدِيثا من حَدِيث الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَّا ولى من ذَلِك أصل أحفظه حفظا عَن كتاب أَو سنة
وَقَالَ بَعضهم كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَدخل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَلَمَّا خرج قَالَ مُحَمَّد بن سَلام كلما دخل على هَذَا الصبى تحيرت والتبس على أَمر الحَدِيث وَلَا أَزَال خَائفًا مَا لم يخرج
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت مُحَمَّد بن يُوسُف يَقُول كنت عِنْد أَبى رَجَاء يعْنى قُتَيْبَة فَسئلَ عَن طَلَاق السَّكْرَان فَقَالَ هَذَا أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن المدينى وَابْن رَاهَوَيْه قد ساقهم الله إِلَيْك وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَكَانَ مَذْهَب مُحَمَّد أَنه إِذا كَانَ مغلوب الْعقل لَا يذكر مَا يحدث فى سكره أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ من أمره شئ(2/222)
وَسمعت عبد الله بن سعيد يَقُول لما مَاتَ أَحْمد بن حَرْب النيسابورى ركب مُحَمَّد وَإِسْحَاق يشيعان جنَازَته فَكنت أسمع أهل الْمعرفَة بنيسابور ينظرُونَ وَيَقُولُونَ مُحَمَّد أفقه من إِسْحَاق
وَعَن الفربرى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام فَقَالَ لى أَيْن تُرِيدُ فَقلت أُرِيد البخارى فَقَالَ أقرأه منى السَّلَام
وَكَانَ البخارى يخْتم الْقُرْآن كل يَوْم نَهَارا وَيقْرَأ فى اللَّيْل عِنْد السحر ثلثا من الْقُرْآن فمجموع ورده ختمة وَثلث ختمة
وَكَانَ يَقُول أَرْجُو أَن ألْقى الله وَلَا يحاسبنى باغتياب أحد
وَكَانَ يصلى ذَات يَوْم فلسعه الزنبور سبع عشرَة مرّة وَلم يقطع صلَاته وَلَا تغير حَاله
وَعَن الإِمَام أَحْمد مَا أخرجت خُرَاسَان مثل البخارى
وَقَالَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدورقى البخارى فَقِيه هَذِه الْأمة
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرازى وَقد خرج البخارى إِلَى الْعرَاق مَا خرج من خُرَاسَان أحفظ مِنْهُ وَلَا قدم الْعرَاق أعلم مِنْهُ
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الْوراق يَقُول سَمِعت أَبَا حَامِد أَحْمد بن حمدون يَقُول سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج وَجَاء إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى فَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ دعنى حَتَّى أقبل رجليك يَا أستاذ الأستاذين ومسند الْمُحدثين وَيَا طَبِيب الحَدِيث فى علله حَدثَك مُحَمَّد بن سَلام حَدثنَا مخلد بن يزِيد الحرانى قَالَ أخبرنَا ابْن جريج قَالَ حَدَّثَنى مُوسَى ابْن عقبَة عَن سُهَيْل بن أَبى صَالح عَن أَبِيه عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ البخارى وَحدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين قَالَا حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج قَالَ حَدَّثَنى مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل بن أَبى صَالح عَن أَبِيه عَن(2/223)
أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى كَفَّارَة الْمجْلس أَن يَقُول إِذا قَامَ من مَجْلِسه (سُبْحَانَكَ رَبنَا وَبِحَمْدِك)
فَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد فى الدُّنْيَا حَدِيثا غير هَذَا إِلَّا أَنه مَعْلُول حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا وهيب حَدثنَا سُهَيْل عَن عون بن عبد الله قَوْله
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا أولى وَلَا نذْكر لمُوسَى بن عقبَة مُسْندًا عَن سُهَيْل وَهُوَ سُهَيْل بن ذكْوَان مولى جوَيْرِية وهم إخْوَة سُهَيْل وَعباد وَصَالح بَنو أَبى صَالح وهم من أهل الْمَدِينَة
وَقَالَ نسج بن سعيد كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى إِذا كَانَ أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان تَجْتَمِع إِلَيْهِ أَصْحَابه فيصلى بهم وَيقْرَأ فى كل رَكْعَة عشْرين آيَة وَكَذَلِكَ إِلَى أَن يخْتم الْقُرْآن وَكَانَ يقْرَأ فى السحر مَا بَين النّصْف إِلَى الثُّلُث من الْقُرْآن فيختم عِنْد السحر فى كل ثَلَاث لَيَال وَكَانَ يخْتم بِالنَّهَارِ فى كل يَوْم ختمة وَيكون ختمة عِنْد الْإِفْطَار كل لَيْلَة وَيَقُول عِنْد كل ختم دَعْوَة مستجابة
وَقَالَ بكر بن مُنِير سَمِعت البخارى يَقُول أَرْجُو أَن ألْقى الله وَلَا يحاسبنى أَنى اغتبت أحدا
قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ يشْهد لهَذِهِ الْمقَالة كَلَامه فى الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِنَّهُ أبلغ مَا يَقُول فِي الرجل الْمَتْرُوك أَو السَّاقِط فِيهِ نظر أَو سكتوا عَنهُ وَلَا يكَاد يَقُول فلَان كَذَّاب وَلَا فلَان يضع الحَدِيث وَهَذَا من شدَّة ورعه
قلت وأبلغ تَضْعِيفه قَوْله فى الْمَجْرُوح مُنكر الحَدِيث
قَالَ ابْن الْقطَّان قَالَ البخارى كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ(2/224)
وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب سُئِلَ الْعَبَّاس بن الْفضل الرازى الصايغ أَيهمَا أحفظ أَبُو زرْعَة أَو البخارى فَقَالَ لقِيت البخارى بَين حلوان وبغداد فَرَجَعت مَعَه مرحلة وجهدت أَن أجئ بِحَدِيث لَا يعرفهُ فَمَا أمكن وَأَنا أغرب على أَبى زرْعَة عدد شعرى
وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن نصر الْخفاف مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم بِالْحَدِيثِ من إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا بِعشْرين دَرَجَة وَمن قَالَ فِيهِ شَيْئا فمنى عَلَيْهِ ألف لعنة
ثمَّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التقى النقى الْعَالم الذى لم أر مثله
وَقَالَ مُحَمَّد بن يَعْقُوب الأخرم سَمِعت أَصْحَابنَا يَقُولُونَ لما قدم البخارى نيسابور استقبله أَرْبَعَة آلَاف رجل على الْخَيل سوى من ركب بغلا أَو حمارا وَسوى الرجالة
وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فى الكنى عبد الله بن الديلمى أَبُو بسر وَقَالَ البخارى وَمُسلم فِيهِ أَبُو بشر بشين مُعْجمَة قَالَ الْحَاكِم وَكِلَاهُمَا أَخطَأ فى علمى إِنَّمَا هُوَ أَبُو بسر وخليق أَن يكون مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَعَ جلالته ومعرفته بِالْحَدِيثِ اشْتبهَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَقله مُسلم من كِتَابه تَابعه على زلته وَمن تَأمل كتاب مُسلم فى الْأَسْمَاء والكنى علم أَنه مَنْقُول من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَا يزِيد عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا مَا يسهل عده وتجلد فى نَقله حق الجلادة إِذْ لم ينْسبهُ إِلَى قَائِله وَكتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فى التَّارِيخ كتاب لم يسْبق إِلَيْهِ وَمن ألف بعده شَيْئا من التَّارِيخ(2/225)
أَو الْأَسْمَاء أَو الكنى لم يسْتَغْن عَنهُ فَمنهمْ من نسبه إِلَى نَفسه مثل أَبى زرْعَة وأبى حَاتِم وَمُسلم وَمِنْهُم من حَكَاهُ عَنهُ فَالله يرحمه فَإِنَّهُ الذى أصل الْأُصُول
وَذكر الْحَاكِم أَبُو أَحْمد كلَاما سوى هَذَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم رَأَيْت أَبَا عبد الله اسْتلْقى على قَفاهُ يَوْمًا وَنحن بفربر فى تصنيف كتاب التَّفْسِير وأتعب نَفسه يَوْمئِذٍ فَقلت إنى أَرَاك تَقول إنى مَا أتيت شَيْئا بِغَيْر علم قطّ مُنْذُ عقلت فَمَا الْفَائِدَة فى الاستلقاء قَالَ أتعبنا أَنْفُسنَا الْيَوْم وَهَذَا ثغر من الثغور خشيت أَن يحدث حدث من أَمر الْعَدو فَأَحْبَبْت أَن أستريح وآخذ أهبة فَإِن غافصنا الْعَدو كَانَ بِنَا حراك وَكَانَ يركب إِلَى الرمى فَمَا أعلم أَنى رَأَيْته فى طول مَا صحبته أَخطَأ سَهْمه الهدف إِلَّا مرَّتَيْنِ وَكَانَ لَا يسْبق
وسمعته يَقُول مَا أردْت أَن أَتكَلّم بِكَلَام فِيهِ ذكر الدُّنْيَا إِلَّا بدأت بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ
قَالَ وَكَانَ لأبى عبد الله غَرِيم قطع عَلَيْهِ مَالا كثيرا فَبَلغهُ أَنه قدم آمل وَنحن بفربر فَقُلْنَا لَهُ ينبغى أَن تعبر وتأخذه بِمَالك فَقَالَ لَيْسَ لنا أَن نروعه
ثمَّ بلغ غَرِيمه فَخرج إِلَى خوارزم فَقُلْنَا ينبغى أَن تَقول لأبى سَلمَة الكشانى عَامل آمل ليكتب إِلَى خوارزم فى أَخذه فَقَالَ إِن أخذت مِنْهُم كتابا طمعوا منى فى كتاب وَلست أبيع دينى بدنياى
فجهدنا فَلم يَأْخُذ حَتَّى كلمنا السُّلْطَان عَن غير أمره فَكتب إِلَى والى خوارزم
فَلَمَّا بلغ أَبَا عبد الله ذَلِك وجد وجدا شَدِيدا وَقَالَ لَا تَكُونُوا أشْفق على من نفسى وَكتب كتابا وَأَرْدَفَ تِلْكَ الْكتب بكتب وَكتب إِلَى بعض أَصْحَابه بخوارزم أَن لَا يتَعَرَّض لغريمه(2/226)
فَرجع غَرِيمه وَقصد نَاحيَة مرو فَاجْتمع التُّجَّار وَأخْبر السُّلْطَان فَأَرَادَ التَّشْدِيد على الْغَرِيم فكره ذَلِك أَبُو عبد الله وَصَالح غَرِيمه على أَن يُعْطِيهِ كل سنة عشرَة دَرَاهِم شَيْئا يَسِيرا وَكَانَ المَال خَمْسَة وَعشْرين ألفا وَلم يصل من ذَلِك إِلَى دِرْهَم وَلَا إِلَى أَكثر مِنْهُ
سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول مَا توليت شِرَاء شئ قطّ وَلَا بَيْعه
قلت فَمن يتَوَلَّى أَمرك فى أسفارك
قَالَ كنت أكفى أَمر ذَلِك
وَذكر بكر بن مُنِير أَنه حمل إِلَى البخارى بضَاعَة أنفذها إِلَيْهِ ابْنه أَحْمد فَاجْتمع بِهِ بعض التُّجَّار فطلبوها مِنْهُ بِرِبْح خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ انصرفوا اللَّيْلَة فَجَاءَهُ من الْغَد تجار آخَرُونَ فطلبوها مِنْهُ بِرِبْح عشرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ إنى نَوَيْت البارحة بيعهَا للَّذين أَتَوا البارحة
قلت وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول مَا ينبغى للْمُسلمِ أَن يكون بِحَالَة إِذا دعى لم يستجب لَهُ
قَالَ وسمعته يَقُول خرجت إِلَى آدم بن أَبى إِيَاس فتخلفت عَنى نفقتى حَتَّى جعلت أتناول الْحَشِيش وَلَا أخبر بذلك أحدا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث آتانى أت لم أعرفهُ فناولنى صرة دَنَانِير وَقَالَ أنْفق على نَفسك
وَسمعت سليم بن مُجَاهِد يَقُول مَا رَأَيْت بعينى مُنْذُ سِتِّينَ سنة أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد فى الدُّنْيَا من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
وَاعْلَم أَن مَنَاقِب أَبى عبد الله كَثِيرَة فَلَا مطمع فى اسْتِيعَاب غالبها والكتب مشحونة بِهِ وَفِيمَا أوردناه مقنع وبلاغ(2/227)
قصَّته مَعَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلى
قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد بن جَابر قَالَ لنا الذهلى لما ورد البخارى نيسابور اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرجل الصَّالح فَاسْمَعُوا مِنْهُ فَذهب النَّاس إِلَيْهِ وَأَقْبلُوا على السماع مِنْهُ حَتَّى ظهر الْخلَل فى مجْلِس الذهلى فحسده بعد ذَلِك وَتكلم فِيهِ
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدى ذكر لى جمَاعَة من الْمَشَايِخ أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل لما ورد نيسابور واجتمعوا عَلَيْهِ حسده بعض الْمَشَايِخ فَقَالَ لأَصْحَاب الحَدِيث إِن مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل يَقُول اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فامتحنوه
فَلَمَّا حضر النَّاس قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فى اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق هُوَ أم غير مَخْلُوق فَأَعْرض عَنهُ وَلم يجبهُ فَأَعَادَ السُّؤَال فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ أعَاد فَالْتَفت إِلَيْهِ البخارى وَقَالَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وأفعال الْعباد مخلوقة والامتحان بِدعَة
فشغب الرجل وشغب النَّاس وَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَقعد البخارى فى منزله
قَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف الفربرى سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول أما أَفعَال الْعباد فمخلوقة فقد حَدثنَا على بن عبد الله حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة حَدثنَا أَبُو مَالك عَن ربعى عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يصنع كل صانع وصنعته) وَسمعت عبيد الله بن سعيد سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول مَا زلت أسمع أَصْحَابنَا يَقُولُونَ إِن أَفعَال الْعباد مخلوقة
قَالَ البخارى حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فَأَما الْقُرْآن المتلو الْمُثبت فى الْمَصَاحِف المسطور الْمَكْتُوب الموعى فى الْقُلُوب فَهُوَ كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق قَالَ الله تَعَالَى {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم}(2/228)
وَقَالَ يُقَال فلَان حسن الْقِرَاءَة وردئ الْقِرَاءَة وَلَا يُقَال حسن الْقُرْآن وَلَا ردئ الْقُرْآن وَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْعباد الْقِرَاءَة لِأَن الْقُرْآن كَلَام الرب وَالْقِرَاءَة فعل العَبْد وَلَيْسَ لأحد أَن يشرع فى أَمر الله بِغَيْر علم كَمَا زعم بَعضهم أَن الْقُرْآن بألفاظنا وألفاظنا بِهِ شئ وَاحِد والتلاوة هى المتلو وَالْقِرَاءَة هى المقروء
فَقيل لَهُ إِن التِّلَاوَة فعل الْقَارئ وَعمل التالى
فَرجع وَقَالَ ظننتهما مصدرين
فَقيل لَهُ هلا أَمْسَكت كَمَا أمسك كثير من أَصْحَابك وَلَو بعثت إِلَى من كتب عَنْك واسترددت مَا أثبت وَضربت عَلَيْهِ
فَزعم أَن كَيفَ يُمكن هَذَا وَقَالَ قلت وَمضى
فَقلت لَهُ كَيفَ جَازَ لَك أَن تَقول فى الله شَيْئا لَا تقوم بِهِ شرحا وبيانا إِذا لم تميز بَين التِّلَاوَة والمتلو فَسكت إِذْ لم يكن عِنْده جَوَاب
وَقَالَ أَبُو حَامِد الأعمشى رَأَيْت البخارى فى جَنَازَة سعيد بن مَرْوَان والذهلى يسْأَله عَن الْأَسْمَاء والكنى والعلل ويمر فِيهِ البخارى مثل السهْم فَمَا أَتَى على هَذَا شهر حَتَّى قَالَ الذهلى أَلا من يخْتَلف إِلَى مَجْلِسه فَلَا يأتينا فَإِنَّهُم كتبُوا إِلَيْنَا من بَغْدَاد أَنه تكلم فى اللَّفْظ ونهيناه فَلم ينْتَه فَلَا تقربوه
قلت كَانَ البخارى على مَا روى وسنحكى مَا فِيهِ مِمَّن قَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق
وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلى من زعم أَن لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع لَا يُجَالس وَلَا يكلم وَمن زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كفر
وَإِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّد بن يحيى وَالْعلم عِنْد الله مَا أَرَادَهُ أَحْمد بن حَنْبَل كَمَا قدمْنَاهُ فى تَرْجَمَة الكرابيسى من النهى عَن الْخَوْض فى هَذَا وَلم يرد مُخَالفَة البخارى وَإِن خَالفه وَزعم أَن لَفظه الْخَارِج من بَين شَفَتَيْه المحدثتين قديم فقد بَاء بِأَمْر عَظِيم وَالظَّن بِهِ خلاف ذَلِك(2/229)
وَإِنَّمَا أَرَادَ هُوَ وَأحمد وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة النهى عَن الْخَوْض فى مسَائِل الْكَلَام وَكَلَام البخارى عندنَا مَحْمُول على ذكر ذَلِك عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فَالْكَلَام فى الْكَلَام عِنْد الِاحْتِيَاج وَاجِب وَالسُّكُوت عَنهُ عِنْد عدم الِاحْتِيَاج سنة
فَافْهَم ذَلِك ودع خرافات المؤرخين وَاضْرِبْ صفحا عَن تمويهات الضَّالّين الَّذين يظنون أَنهم محدثون وَأَنَّهُمْ عِنْد السّنة واقفون وهم عَنْهَا مبعدون وَكَيف يظنّ بالبخارى أَنه يذهب إِلَى شئ من أَقْوَال الْمُعْتَزلَة وَقد صَحَّ عَنهُ فِيمَا رَوَاهُ الفربرى وَغَيره أَنه قَالَ إنى لأستجهل من لَا يكفر الْجَهْمِية
وَلَا يرتاب الْمنصف فى أَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلى لحقته آفَة الْحَسَد الَّتِى لم يسلم مِنْهَا إِلَّا أهل الْعِصْمَة
وَقد سَأَلَ بَعضهم البخارى عَمَّا بَينه وَبَين مُحَمَّد بن يحيى فَقَالَ البخارى كم يعترى مُحَمَّد بن يحيى الْحَسَد فى الْعلم وَالْعلم رزق الله يُعْطِيهِ من يَشَاء
وَلَقَد ظرف البخارى وَأَبَان عَن عَظِيم ذكائه حَيْثُ قَالَ وَقد قَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو الْخفاف إِن النَّاس خَاضُوا فى قَوْلك لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق يَا أَبَا عَمْرو احفظ مَا أَقُول لَك من زعم من أهل نيسابور وقومس والرى وهمذان وبغداد والكوفة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَالْمَدينَة أَنى قلت لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ كَذَّاب فإنى لم أَقَله إِلَّا أَنى قلت أَفعَال الْعباد مخلوقة
قلت تَأمل كَلَامه مَا أذكاه وَمَعْنَاهُ وَالْعلم عِنْد الله إنى لم أقل لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق لِأَن الْكَلَام فى هَذَا خوض فى مسَائِل الْكَلَام وصفات الله الَّتِى لَا ينبغى الْخَوْض فِيهَا إِلَّا للضَّرُورَة ولكنى قلت أَفعَال الْعباد مخلوقة وهى قَاعِدَة مغنية عَن تَخْصِيص هَذِه الْمَسْأَلَة بِالذكر فَإِن كل عَاقل يعلم أَن لفظنا من جملَة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة فألفاظنا مخلوقة(2/230)
لقد أفْصح بِهَذَا الْمَعْنى فى رِوَايَة أُخْرَى صَحِيحَة عَنهُ رَوَاهَا حَاتِم بن أَحْمد بن الكندى قَالَ سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج فَذكر الْحِكَايَة وفيهَا أَن رجلا قَامَ إِلَى البخارى فَسَأَلَهُ عَن اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا
وفى الْحِكَايَة أَنه وَقع بَين الْقَوْم إِذْ ذَاك اخْتِلَاف على البخارى فَقَالَ بَعضهم قَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَقَالَ آخَرُونَ لم يقل
قلت فَلم يكن الْإِنْكَار إِلَّا على من يتَكَلَّم فى الْقُرْآن
فَالْحَاصِل مَا قدمْنَاهُ فى تَرْجَمَة الكرابيسى من أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل وَغَيره من السادات الموفقين نهوا عَن الْكَلَام فى الْقُرْآن جملَة وَإِن لم يخالفوا فى مَسْأَلَة اللَّفْظ فِيمَا نظنه فيهم إجلالا لَهُم وفهما من كَلَامهم فى غير رِوَايَة ورفعا لمحلهم عَن قَول لَا يشْهد لَهُ مَعْقُول وَلَا مَنْقُول وَمن أَن الكرابيسى والبخارى وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة الموفقين أَيْضا أفصحوا بِأَن لَفظهمْ مَخْلُوق لما احتاجوا إِلَى الإفصاح هَذَا إِن ثَبت عَنْهُم الإفصاح بِهَذَا وَإِلَّا فقد نقلنا لَك قَول البخارى أَن من نقل عَنهُ هَذَا فقد كذب عَلَيْهِ
فَإِن قلت إِذا كَانَ حَقًا لم لَا يفصح بِهِ
قلت سُبْحَانَ الله قد أنبأناك أَن السِّرّ فِيهِ تشديدهم فى الْخَوْض فى علم الْكَلَام خشيَة أَن يجرهم الْكَلَام فِيهِ إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَيْسَ كل علم يفصح بِهِ فاحفظ مَا نلقيه إِلَيْك وَاشْدُدْ عَلَيْهِ يَديك
ويعجبنى مَا أنْشدهُ الغزالى فى منهاج العابدين لبَعض أهل الْبَيْت
(إنى لأكتم من علمى جواهره ... كى لَا يرى الْحق ذُو جهل فيفتتنا)
(يَا رب جَوْهَر علم لَو أبوح بِهِ ... لقيل لى أَنْت مِمَّن يعبد الوثنا)
(ولاستحل رجال صَالِحُونَ دمى ... يرَوْنَ أقبح مَا يأتونه حسنا)
(وَقد تقدم فى هَذَا أَبُو حسن ... إِلَى الْحُسَيْن ووصى قبله الحسنا)(2/231)
ذكره النبأ عَن وَفَاته رضى الله عَنهُ
قَالَ ابْن عدى سَمِعت عبد القدوس بن عبد الْجَبَّار السمرقندى يَقُول جَاءَ البخارى إِلَى خزتنك قَرْيَة من قرى سَمَرْقَنْد على فرسخين مِنْهَا وَكَانَ لَهُ بهَا أقرباء ينزل عِنْدهم قَالَ فَسَمعته لَيْلَة وَقد فرغ من صَلَاة اللَّيْل يَقُول فى دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إنى ضَاقَتْ على الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فاقبضنى إِلَيْك
قَالَ فَمَا تمّ الشَّهْر حَتَّى قَبضه الله وقبره بخرتنك
وَعَن عبد الْوَاحِد بن آدم الطواويسى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَابه فَسلمت عَلَيْهِ فَرد على السَّلَام فَقلت مَا وقوفك يَا رَسُول الله فَقَالَ (أنْتَظر مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى) فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام بلغنى مَوته فَنَظَرْنَا فَإِذا هُوَ قد مَاتَ فى السَّاعَة الَّتِى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا صَالح خلف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى يَقُول سَمِعت أَبَا حسان مهيب بن سليم الكرمانى يَقُول مَاتَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل رَحمَه الله عندنَا لَيْلَة الْفطر أول لَيْلَة من شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ بلغ عمره اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة غير ثنتى عشرَة لَيْلَة وَكَانَ مولده فى شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَكَانَ فى بَيت وَحده فوجدناه لم أَصْبَحْنَا وَهُوَ ميت
وَقَالَ بكر بن مُنِير بن خُلَيْد البخارى بعث الْأَمِير خَالِد بن أَحْمد الذهلى متولى بُخَارى إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَن احْمِلْ إِلَى كتاب الْجَامِع والتاريخ وَغَيرهمَا لأسْمع مِنْك
فَقَالَ لرَسُوله أَنا لَا أذلّ الْعلم وَلَا أحملهُ إِلَى أَبْوَاب النَّاس فَإِن كَانَ لَهُ إِلَى شئ مِنْهُ حَاجَة فليحضر فى مسجدى أَو فى دارى وَإِن لم يُعجبهُ هَذَا فَإِنَّهُ سُلْطَان فليمنعنى(2/232)
من الْجُلُوس ليَكُون لى عذر عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة لِئَلَّا أكتم الْعلم فَكَانَ هَذَا سَبَب الوحشة بَينهمَا
وَقَالَ أَبُو بكر بن أَبى عَمْرو البخارى كَانَ سَبَب منافرة البخارى أَن خَالِد بن أَحْمد خَليفَة الظَّاهِرِيَّة ببخارى سَأَلَهُ أَن يحضر منزله فَيقْرَأ الْجَامِع والتاريخ على أَوْلَاده فَامْتنعَ فراسله بِأَن يعْقد مَجْلِسا خَاصّا لَهُم فَامْتنعَ وَقَالَ لَا أخص أحدا فاستعان عَلَيْهِ بحريث بن أَبى الورقاء وَغَيره حَتَّى تكلمُوا فى مذْهبه ونفاه عَن الْبَلَد فَدَعَا عَلَيْهِم فَلم يَأْتِ إِلَّا شهر حَتَّى ورد أَمر الظَّاهِرِيَّة بِأَن يُنَادى على خَالِد فى الْبَلَد فنودى عَلَيْهِ على أتان وَأما حُرَيْث فَابْتلى بأَهْله وَرَأى فِيهَا مَا يجل عَن الْوَصْف وَأما فلَان فَابْتلى بأولاده
رَوَاهَا الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الضبى عَن أَبى بكر هَذَا
وحريث بن أَبى الورقاء من كبار فُقَهَاء الرأى ببخارى
قَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت غَالب بن جِبْرِيل وَهُوَ الذى نزل عَلَيْهِ أَبُو عبد الله يَقُول أَقَامَ أَبُو عبد الله عندنَا أَيَّامًا فَمَرض وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض حَتَّى جَاءَ رَسُول إِلَى سَمَرْقَنْد بِإِخْرَاجِهِ فَلَمَّا وافى تهَيَّأ للرُّكُوب فَلبس خفيه وتعمم فَلَمَّا مَشى قدر عشْرين خطْوَة أَو نَحْوهَا وَأَنا آخذ بعضده وَرجل آخر معى يَقُود الدَّابَّة ليرْكبَهَا فَقَالَ رَحمَه الله أرسلونى فقد ضعفت فَدَعَا بدعوات ثمَّ اضْطجع فَقضى رَحمَه الله فَسَالَ مِنْهُ من الْعرق شئ لَا يُوصف فَمَا سكن مِنْهُ الْعرق إِلَى أَن أدرجناه فى ثِيَابه
وَكَانَ فِيمَا قَالَ لنا وَأوصى إِلَيْنَا أَن كفنونى فى ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة فَفَعَلْنَا ذَلِك
فَلَمَّا دفناه فاح من تُرَاب قَبره رَائِحَة غَالِيَة فدام على ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ علت سوارى بيض فى السَّمَاء مستطيلة بحذاء قَبره فَجعل النَّاس يَخْتَلِفُونَ ويتعجبون
وَأما التُّرَاب فَإِنَّهُم كَانُوا يرفعون عَن الْقَبْر حَتَّى ظهر الْقَبْر وَلم يكن يقدر على حفظ(2/233)
الْقَبْر بالحراس وغلبنا على أَنْفُسنَا فنصبنا على الْقَبْر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الْوُصُول إِلَى الْقَبْر
وَأما ريح الطّيب فَإِنَّهُ تداوم أَيَّامًا كَثِيرَة حَتَّى تحدث أهل الْبَلدة وتعجبوا من ذَلِك
وَظهر عِنْد مخالفيه أمره بعد وَفَاته وَخرج بعض مخالفيه إِلَى قَبره وَأظْهر التَّوْبَة والندامة
قَالَ مُحَمَّد وَلم يَعش غَالب بعده إِلَّا الْقَلِيل وَدفن إِلَى جَانِبه
وَقَالَ أَبُو على الغسانى الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو الْفَتْح نصر بن الْحسن السُّكْنَى السمرقندى قدم علينا بلنسية عَام أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ قحط الْمَطَر عندنَا بسمرقند فى بعض الأعوام فَاسْتَسْقَى النَّاس مرَارًا فَلم يسقوا فَأتى رجل صَالح مَعْرُوف بالصلاح إِلَى قاضى سَمَرْقَنْد فَقَالَ لَهُ إنى قد رَأَيْت رَأيا أعرضه عَلَيْك
قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أرى أَن تخرج وَيخرج النَّاس مَعَك إِلَى قبر الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى ونستسقى عِنْده فَعَسَى الله أَن يسقينا فَقَالَ القاضى نعم مَا رَأَيْت
فَخرج القاضى وَالنَّاس مَعَه واستسقى القاضى بِالنَّاسِ وَبكى النَّاس عِنْد الْقَبْر وتشفعوا بِصَاحِبِهِ فَأرْسل الله تَعَالَى السَّمَاء بِمَاء عَظِيم غزير فَقَامَ النَّاس من أَجله بخرتنك سَبْعَة أَيَّام أَو نَحْوهَا لَا يَسْتَطِيع أحد الْوُصُول إِلَى سَمَرْقَنْد من كَثْرَة الْمَطَر وغزارته وَبَين سَمَرْقَنْد وخرتنك نَحْو ثَلَاثَة أَمْيَال
قلت وَأما الْجَامِع الصَّحِيح وَكَونه ملْجأ للمعضلات ومجربا لقَضَاء الْحَوَائِج فَأمر مَشْهُور وَلَو اندفعنا فى ذكر تَفْصِيل ذَلِك وَمَا اتّفق فِيهِ لطال الشَّرْح(2/234)
ذكر نخب وفوائد ولطائف عَن أَبى عبد الله
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَمن شعر البخارى قَرَأت بِخَط أَبى عَمْرو المستملى وَأنْشد البخارى
(اغتنم فى الْفَرَاغ فضل رُكُوع ... فَعَسَى أَن يكون موتك بغته)
(كم صَحِيح رَأَيْت من غير سقم ... ذهبت نَفسه الصَّحِيحَة قلته)
قَالَ وَأنْشد البخارى
(خَالق النَّاس بِخلق وَاسع ... لَا تكن كَلْبا على النَّاس تهر)
قَالَ وَأنْشد أَبُو عبد الله
(مثل الْبَهَائِم لَا ترى آجالها ... حَتَّى تساق إِلَى المجازر تنحر)
قَالَ وَأنْشد البخارى
(إِن تبْق تفجع بالأحبة كلهم ... وفناء نَفسك لَا أَبَا لَك أفجع)
قلت هَذَا أحسن وَأجْمع من قَول الْقَائِل
(وَمن يعمر يلق فى نَفسه ... مَا يتمناه لأعدائه)
وَمن قَول الطغرائى
(هَذَا جَزَاء امرىء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل)
وهى من قصيدته الَّتِى تسمى لامية الْعَجم وهى هَذِه
(أَصَالَة الرأى صانتنى عَن الخطل ... وَحلية الْفضل زانتنى لَدَى العطل)
(مجدى أخيرا ومجدى أَولا شرع ... وَالشَّمْس رأد الضخى كَالشَّمْسِ فى الطِّفْل)(2/235)
(فى م الْإِقَامَة بالزوراء لَا سُكْنى ... بهَا وَلَا ناقتى فِيهَا وَلَا جملى)
(ناء عَن الْأَهْل صفر الرحل مُنْفَرد ... كالسيف عرى متناه من الْخلَل)
(فَلَا صديق إِلَيْهِ مشتكى حزنى ... وَلَا أنيس لَدَيْهِ مُنْتَهى جذلى)
(طَال اغترابى حَتَّى حن راحلتى ... ورحلها وقرى العسالة الذبل)
(وضج من لغب نضوى وعج لما ... يلقى ركابى ولج الركب فى عذلى)
(أُرِيد بسطة كف أستعين بهَا ... على قَضَاء حُقُوق للعلى قبلى)
(والدهر يعكس آمالى ويقنعنى ... من الْغَنِيمَة بعد الكد بالقفل)
(وذى شطاط كصدر الرمْح معتقل ... لمثله غير هياب وَلَا وكل)
(حُلْو الفكاهة مر الْجد قد مزجت ... بِقُوَّة الْبَأْس مِنْهُ رقة الْغَزل)
(طردت سرح الْكرَى عَن ورد مقلته ... وَاللَّيْل أغرى سوام النّوم بالمقل)
(والركب ميل على الأكوار من طرب ... صَاح وَآخر من خمر الْكرَى ثمل)
(فَقلت أَدْعُوك للجلى لتنصرنى ... وَأَنت تخذلنى فى الْحَادِث الجلل)
(تنام عينى وَعين النَّجْم ساهرة ... وتستحيل وصبغ اللَّيْل لم يحل)
(فَهَل تعين على غى هَمَمْت بِهِ ... والغى يزْجر أَحْيَانًا عَن الفشل)(2/236)
(إنى أُرِيد طروق الْجزع من إضم ... وَقد حماه رُمَاة الحى من ثعل)
(يحْمُونَ بالبيض والسمر اللدان بِهِ ... سود الغدائر حمر الحلى وَالْحلَل)
(فسر بِنَا فى ذمام اللَّيْل مهتديا ... فنفحة الطّيب تهدينا إِلَى الْحلَل)
(فالحب حَيْثُ العدى والأسد رابضة ... حول الكناس لَهَا غَابَ من الأسل)
(نوم ناشئة بالجزع قد سقيت ... نصالها بمياه الغنج والكحل)
(قد زَاد طيب أَحَادِيث الْكِرَام بهَا ... مَا بالكرائم من جبن وَمن بخل)
(تبيت نَار الْهوى مِنْهُنَّ فى كبد ... حرى ونار الْقرى مِنْهُم على القلل)
(يقتلن أنضاء حب لَا حراك بِهِ ... وينحرون كرام الْخَيل وَالْإِبِل)
(يشفى لديغ العوالى فى بُيُوتهم ... بنهلة من غَدِير الْخمر وَالْعَسَل)
(لَعَلَّ إلمامة بالجزع ثَانِيَة ... يدب مِنْهَا نسيم الْبُرْء فى عللى)
(لَا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت ... برشقة من نبال الْأَعْين النجل)
(وَلَا أهاب الصفاح الْبيض تسعدنى ... باللمح من صفحات الْبيض فى الكلل)(2/237)
(وَلَا أخل بغزلان أغازلها ... وَلَو دهتنى أسود الغيل بالغيل)
(حب السَّلامَة يثنى هم صَاحبه ... عَن المعالى ويغرى الْمَرْء بِالْكَسَلِ)
(فَإِن جنحت إِلَيْهِ فَاتخذ نفقا ... فى الأَرْض أَو مصعدا فى الجو فاعتزل)
(ودع غمار العلى للمقدمين على ... ركُوبهَا واقتنع مِنْهُنَّ بالبلل)
(رضَا الذَّلِيل بخفض الْعَيْش مسكنة ... والعز عِنْد رسيم الأينق الذلل)
(فادرأ بهَا فى نحور البيد جافلة ... معارضات مثانى اللجم بالجدل)
(إِن العلى حدثتنى وهى صَادِقَة ... فِيمَا تحدث أَن الْعِزّ فى النَّقْل)
(لَو أَن فى شرف المأوى بُلُوغ علا ... لم تَبْرَح الشَّمْس يَوْمًا دارة الْحمل)
(أهبت بالحظ لَو ناديت مستمعا ... والحظ عَنى بالجهال فى شغل)
(لَعَلَّه إِن بدا فضلى ونقصهم ... لعَينه نَام عَنْهُم أَو تنبه لى)
(أعلل النَّفس بالآمال أرقبها ... مَا أضيق الْعَيْش لَوْلَا فسحة الأمل)
(لم أَرض بالعيش وَالْأَيَّام مقبلة ... فَكيف أرْضى وَقد ولت على عجل)
(غالى بنفسى عرفانى بِقِيمَتِهَا ... فصنتها عَن رخيص الْقدر مبتذل)
(وَعَادَة النصل أَن يزهى بجوهره ... وَلَيْسَ يعْمل إِلَّا فى يدى بَطل)(2/238)
(مَا كنت أوثر أَن يَمْتَد بى زمنى ... حَتَّى أرى دولة الأوغاد والسفل)
(تقدمتنى رجال كَانَ شوطهم ... وَرَاء خطوى لَو أمشى على مهل)
(هَذَا جَزَاء امرىء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل)
(وَإِن علانى من دونى فَلَا عجب ... لى أُسْوَة بانحطاط الشَّمْس عَن زحل)
(فاصبر لَهَا غير محتال وَلَا ضجر ... فى حَادث الدَّهْر مَا يغنى عَن الْحِيَل)
(أعدى عَدوك أدنى من وثقت بِهِ ... فحاذر النَّاس واصحبهم على دخل)
(وَإِنَّمَا رجل الدُّنْيَا وواحدها ... من لَا يعول فى الدُّنْيَا على رجل)
(وَحسن ظَنك بِالْأَيَّامِ معْجزَة ... فَظن شرا وَكن مِنْهَا على وَجل)
(غاض الْوَفَاء وفاض الْغدر وانفرجت ... مَسَافَة الْخلف بَين القَوْل وَالْعَمَل)
(وشان صدقك عِنْد النَّاس كذبهمْ ... وَهل يُطَابق معوج بمعتدل)
(إِن كَانَ ينجع شىء فى ثباتهم ... على العهود فَسبق السَّيْف للعذل)
(يَا واردا سُؤْر عَيْش كُله كدر ... أنفقت صفوك فى أيامك الأول)
(فى م اعتراضك لج الْبَحْر تركبه ... وَأَنت يَكْفِيك مِنْهُ مصة الوشل)
(ملك القناعة لَا يخْشَى عَلَيْهِ وَلَا ... يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْأَنْصَار والخول)
(ترجو الْبَقَاء بدار لَا ثبات لَهَا ... فَهَل سَمِعت بِظِل غير منتقل)
(أيا خَبِيرا على الْأَسْرَار مطلعا ... اصمت ففى الصمت منجاة من الزلل)(2/239)
(قد رشحوك لأمر لَو فطنت لَهُ ... فاربأ بِنَفْسِك أَن ترعى مَعَ الهمل)
فى صَحِيح البخارى عَن الْحسن أَن من عَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان إِذا مَاتَ فصَام عَنهُ ثَلَاثُونَ رجلا فى يَوْم وَاحِد أَجزَأَهُ
فرع غَرِيب
يَقع تَفْرِيعا على القَوْل بِأَنَّهُ يصام عَن الْمَيِّت وَقد ذكره النووى فى شرح الْمُهَذّب وَقَالَ لم أر لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كلَاما قَالَ وَهُوَ الظَّاهِر
وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَالِد فى شرح الْمِنْهَاج إِن مَا قَالَه الْحسن هُوَ الظَّاهِر الذى نعتقده
اسْتدلَّ البخارى على جَوَاز النّظر إِلَى المخطوبة بقول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رضى الله عَنْهَا (رَأَيْتُك فى الْمَنَام يجىء بك الْملك فى سَرقَة من حَرِير فَقَالَ لى هَذِه امْرَأَتك فَكشفت عَن وَجهك الثَّوْب فَإِذا أَنْت هى)
قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وَهَذَا اسْتِدْلَال حسن لِأَن فعل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم واليقظة سَوَاء وَقد كشف عَن وَجههَا
ذكر أَبُو عَاصِم العبادى أَن الساجى قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن الْحُسَيْن عَن الشافعى أَنه قَالَ يكره أَن يَقُول الرجل قَالَ الرَّسُول بل يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَكُون مُعظما انْتهى
وَالْحُسَيْن هُوَ الكرابيسى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البخارى فِيمَا ذكر أَبُو عَاصِم(2/240)
وَرَأَيْت بِخَط ابْن الصّلاح أَحسب أَبَا عَاصِم واهما وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ السلمى
نقلت من خطّ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله قَالَ ابْن بشكوال فى الصِّلَة فى تَارِيخ الأندلس فى تَرْجَمَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبر وَالِد أَبى عمر وَقد جوز البخارى أَن يحدث الرجل عَن كتاب أَبِيه بتبيين أَنه خطه دون خطّ غَيره
قَالَ الْوَالِد قَوْله دون خطّ غَيره إِن كَانَ المُرَاد بتبين أَن لَيْسَ خطّ غَيره فَهُوَ مُوَافق لما قَالَه النَّاس وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه لَا يحدث عَن خطّ غَيره فَغير مَعْرُوف
51 - مُحَمَّد بن عَاصِم بن يحيى أَبُو عبد الله الأصبهانى كَاتب القاضى
رَحل وَأخذ عَن أَصْحَاب الشافعى وَابْن وهب
وَسمع من على بن حَرْب وَسَلَمَة بن شبيب
روى عَنهُ أَحْمد بن بنْدَار والطبرانى وَغَيرهمَا
قَالَ أَبُو الشَّيْخ صنف كتبا كَثِيرَة
توفى سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ(2/241)
52 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مخلد أَبُو الْحُسَيْن الأصبهانى
يعرف بِصَاحِب الشافعى وبوراق الرّبيع بن سُلَيْمَان
نزل مصر وَحدث عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَمُحَمّد بن أَبى بكر المقدمى وهانئ ابْن المتَوَكل وَدَاوُد بن رشيد وَجَمَاعَة
روى عَنهُ ابْن جوصا وَغَيره
توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو نعيم بل بعد ذَلِك
53 - مُحَمَّد بن على البجلى القيروانى
... . .(2/242)
54 - مُحَمَّد بن عقيل الفريابى أَبُو سعيد وَعقيل بِضَم الْعين ثمَّ قَاف مَفْتُوحَة
من أَصْحَاب أَبى إِسْمَاعِيل المزنى وَالربيع بن سُلَيْمَان
حدث بِمصْر عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَدَاوُد بن مِخْرَاق وَجَمَاعَة
وَعنهُ على بن مُحَمَّد المصرى الْوَاعِظ وَأَبُو مُحَمَّد بن الْورْد وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر وَغَيرهم
وَكَانَ من الْفُقَهَاء الشافعيين بِمصْر
توفى بهَا فى صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ البيهقى فى كتاب الْمدْخل أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أخبرنى أَبُو عبد الله الزبير بن عبد الْوَاحِد الْحَافِظ الأسداباذى قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد مُحَمَّد بن عقيل الفريابى يَقُول قَالَ المزنى أَو الرّبيع كُنَّا يَوْمًا عِنْد الشافعى بَين الظّهْر وَالْعصر عِنْد الصحن فى الصّفة والشافعى قد اسْتندَ إِمَّا قَالَ إِلَى الأسطوانة وَإِمَّا قَالَ إِلَى غَيرهَا إِذْ جَاءَ شيخ عَلَيْهِ جُبَّة صوف وعمامة صوف وَإِزَار صوف وفى يَده عكازه قَالَ فَقَامَ الشافعى وَسوى عَلَيْهِ ثِيَابه واستوى جَالِسا قَالَ وَسلم الشَّيْخ وَجلسَ وَأخذ الشافعى ينظر إِلَى الشَّيْخ هَيْبَة لَهُ إِذْ قَالَ لَهُ الشَّيْخ أسأَل
قَالَ الشافعى سل قَالَ أيش الْحجَّة فى دين الله
فَقَالَ الشافعى كتاب الله(2/243)
قَالَ وماذا قَالَ وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وماذا
قَالَ اتِّفَاق الْأمة
قَالَ من أَيْن قلت اتِّفَاق الْأمة
قَالَ من كتاب الله
قَالَ من أَيْن فى كتاب الله
قَالَ فَتدبر الشافعى سَاعَة
فَقَالَ الشَّيْخ قد أجلتك ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَإِن جِئْت بِحجَّة من كتاب الله فى الِاتِّفَاق وَإِلَّا تب إِلَى الله عز وَجل
قَالَ فَتغير لون الشافعى ثمَّ إِنَّه ذهب فَلم يخرج ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن
قَالَ فَخرج إِلَيْنَا فى الْيَوْم الثَّالِث فى ذَلِك الْوَقْت يعْنى بَين الظّهْر وَالْعصر وَقد انتفخ وَجهه ويداه وَرجلَاهُ وَهُوَ مسقام فَجَلَسَ قَالَ فَلم يكن بأسرع من أَن جَاءَ الشَّيْخ فَسلم وَجلسَ فَقَالَ حاجتى
فَقَالَ الشافعى نعم أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الله عز وَجل {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} لَا نصليه على خلاف الْمُؤمنِينَ إِلَّا وَهُوَ فرض
فَقَالَ صدقت وَقَامَ وَذهب
قَالَ الفريابى قَالَ المزنى أَو الرّبيع قَالَ الشافعى لما ذهب الرجل قَرَأت الْقُرْآن فى كل يَوْم وَلَيْلَة ثَلَاث مَرَّات حَتَّى وقفت عَلَيْهِ(2/244)
قلت إِن ثبتَتْ هَذِه الْحِكَايَة فَيمكن أَن يكون هَذَا الشَّيْخ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَقد فهمه الشافعى حِين أَجله واستمع لَهُ وأصغى لإغلاظه فى القَوْل وَاعْتمد إِشَارَته وَسَنَد هَذِه الْحِكَايَة صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ
55 - مُحَمَّد بن على بن الْحسن بن بشر الْمُحدث الزَّاهِد أَبُو عبد الله الْحَكِيم الترمذى
الصوفى صَاحب التصانيف
سمع الْكثير من الحَدِيث بخراسان وَالْعراق
وَحدث عَن أَبِيه وَعَن قُتَيْبَة بن سعيد وَصَالح بن عبد الله الترمذى وَصَالح بن مُحَمَّد الترمذى وعَلى بن حجر السعدى وَيَعْقُوب الدورقى وسُفْيَان بن وَكِيع وَغَيرهم
روى عَنهُ يحيى بن مَنْصُور القاضى وَغَيره من عُلَمَاء نيسابور فَإِنَّهُ حدث بهَا فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
لقى الْحَكِيم أَبُو عبد الله أَبَا تُرَاب النخشبى وَصَحب يحيى بن الْجلاء
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى نفوه من ترمذ وأخرجوه مِنْهَا وشهدوا عَلَيْهِ بالْكفْر وَذَلِكَ بِسَبَب تصنيفه كتاب ختم الْولَايَة وَكتاب علل الشَّرِيعَة وَقَالُوا إِنَّه يَقُول إِن للأولياء خَاتمًا كَمَا أَن للأنبياء خَاتمًا وَإنَّهُ يفضل الْولَايَة على النُّبُوَّة وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ السَّلَام ? < يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء > ? وَقَالَ لولم يَكُونُوا أفضل مِنْهُم لم يغبطوهم فجَاء إِلَى بَلخ فقبلوه بِسَبَب مُوَافَقَته إيَّاهُم على الْمَذْهَب ثمَّ اعتذر السلمى عَنهُ ببعد فهم الفاهمين(2/245)
قلت وَلَعَلَّ الْأَمر كَمَا زعم السلمى وَإِلَّا فَمَا نظن بِمُسلم أَنه يفضل بشرا غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام على الْأَنْبِيَاء
وَمن تصانيف الترمذى كتاب الفروق لَا بَأْس بِهِ بل لَيْسَ فى بَابه مثله يفرق فِيهِ بَين المداراة والمداهنة والمحاجة والمجادلة والمناظرة والمغالبة والانتصار والانتقام وهلم جرا من أُمُور مُتَقَارِبَة الْمَعْنى وَله أَيْضا كتاب غرس الْمُوَحِّدين وَكتاب عود الْأُمُور وَكتاب المناهى وَكتاب شرح الصَّلَاة
56 - مُحَمَّد بن نصر المروزى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبد الله
أحد أَعْلَام الْأمة وعقلائها وعبادها
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد وَنَشَأ بنيسابور وَسكن سَمَرْقَنْد وَكَانَ أَبوهُ مروزيا
سمع مُحَمَّد بن نصر هِشَام بن عمار وَهِشَام بن خَالِد وَالْمُسَيب بن وَاضح وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق وعَلى بن بَحر الْقطَّان وَالربيع بن سُلَيْمَان وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَمْرو بن زُرَارَة وعَلى بن حجر وهدبة وشيبان وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وخلقا
وتفقه على أَصْحَاب الشافعى
روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَمُحَمّد بن الْمُنْذر شكر وَأَبُو عبد الله بن الأخرم وَابْنه إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن نصر وَطَائِفَة(2/246)
قَالَ الْحَاكِم هُوَ الْفَقِيه العابد الْعَالم إِمَام أهل الحَدِيث فى عصره بِلَا مدافعة
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من أعلم النَّاس باخْتلَاف الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فى الْأَحْكَام
وَقَالَ ابْن حزم فى بعض تآليفه أعلم النَّاس من كَانَ أجمعهم للسنن وأضبطهم لَهَا وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بِصِحَّتِهَا وَبِمَا أجمع النَّاس عَلَيْهِ مِمَّا اخْتلفُوا فِيهِ وَمَا نعلم هَذِه الصّفة بعد الصَّحَابَة أتم مِنْهَا فى مُحَمَّد بن نصر المروزى فَلَو قَالَ قَائِل لَيْسَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث وَلَا لأَصْحَابه إِلَّا وَهُوَ عِنْد مُحَمَّد بن نصر لما بعد عَن الصدْق
وَقَالَ أَبُو ذَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف القاضى كَانَ الصَّدْر الأول من مَشَايِخنَا يَقُولُونَ رجال خُرَاسَان أَرْبَعَة ابْن الْمُبَارك وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر المروزى
وَقَالَ أَبُو بكر الصيرفى لَو لم يصنف المروزى إِلَّا كتاب الْقسَامَة لَكَانَ من أفقه النَّاس فَكيف وَقد صنف كتبا سواهَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى صنف مُحَمَّد هَذَا كتبا ضمنهَا الْآثَار وَالْفِقْه وَكَانَ من أعلم النَّاس باخْتلَاف الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فى الْأَحْكَام وصنف كتابا فِيمَا خَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة عليا وَعبد الله رضى الله عَنْهُمَا
وَقَالَ ابْن الأخرم انْصَرف مُحَمَّد بن نصر من الرحلة الثَّانِيَة سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فاستوطن نيسابور وَلم تزل تِجَارَته بنيسابور أَقَامَ مَعَ شريك لَهُ مضَارب وَهُوَ يشْتَغل بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة ثمَّ خرج سنة خمس وَسبعين إِلَى سَمَرْقَنْد فَأَقَامَ بهَا وشريكه بنيسابور وَكَانَ وَقت مقَامه هُوَ الْمُفْتى والمقدم بعد وَفَاة مُحَمَّد ابْن يحيى فَإِن حيكان يعْنى يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى وَمن بعده أقرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ والتقدم
قَالَ ابْن الأخرم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن قُتَيْبَة سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى غير مرّة إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يَقُول سلوا أَبَا عبد الله المروزى
وَقَالَ أَبُو بكر الصبغى فِيمَا أخبرنَا بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْفَقِيه شيخ الشَّافِعِيَّة(2/247)
برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن شيخ الشَّافِعِيَّة تَاج الدّين أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن إِبْرَاهِيم الفزارى فى كِتَابه إِلَى من دمشق وَعمر بن الْحسن المراغى بقراءتى عَلَيْهِ قَالَ الأول أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد بن الْمُسلم القيسى سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الثانى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى سَمَاعا قَالَ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز سَمَاعا قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن ثَابت الْخَطِيب قَالَ أخبرنى مُحَمَّد بن على بن يَعْقُوب الْمعدل قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله النيسابورى قَالَ سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق يَقُول أدْركْت إمامين لم أرزق السماع مِنْهُمَا أَبَا حَاتِم الرازى وَمُحَمّد بن نصر المروزى فَأَما مُحَمَّد بن نصر فَمَا رَأَيْت أحسن صَلَاة مِنْهُ وَلَقَد بلغنى أَن زنبورا قعد على جَبهته فَسَالَ الدَّم على وَجهه وَلم يَتَحَرَّك
وَقَالَ ابْن الأخرم مَا رَأَيْت أحسن صَلَاة من مُحَمَّد بن نصر كَانَ الذُّبَاب يَقع على أُذُنه فيسيل الدَّم وَلَا يذبه عَن نَفسه وَلَقَد كُنَّا نتعجب من حسن صلَاته وخشوعه وهيبته للصَّلَاة كَانَ يضع ذقنه على صَدره فينتصب كَأَنَّهُ خَشَبَة مَنْصُوبَة وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا كَأَنَّمَا فقئ فى وَجهه حب الرُّمَّان وعَلى خديه كالورد ولحيته بَيْضَاء
وَقَالَ السليمانى مُحَمَّد بن نصر إِمَام الْأَئِمَّة الْمُوفق من السَّمَاء
وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الثقفى يَقُول كَانَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد والى خُرَاسَان يصل مُحَمَّد بن نصر فى السّنة بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم ويصله أَخُوهُ إِسْحَاق بِمِثْلِهَا ويصله أهل سَمَرْقَنْد بِمِثْلِهَا فَكَانَ ينفقها من السّنة إِلَى السّنة من غير أَن يكون لَهُ عِيَال فَقيل لَهُ لَو ادخرت لنائبه فَقَالَ سُبْحَانَ الله أَنا بقيت بِمصْر كَذَا وَكَذَا سنة قوتى وثيابى وكاغدى وحبرى وَجَمِيع مَا أنفقهُ على نفسى فى السّنة عشرُون درهما فترى إِن ذهب ذَا لَا يبْقى ذَاك(2/248)
قلت انْظُر حَالَة من لَا فرق بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة عِنْده
أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق الفزارى إِذْنا أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد
ح وَأخْبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن الْحسن بن مزِيد بن أميلة المراغى بقراءتى عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَبُو بكر الْخَطِيب أخبرنَا الجوهرى أخبرنَا ابْن حيويه حَدثنَا عُثْمَان بن جَعْفَر اللبان حَدَّثَنى مُحَمَّد بن نصر قَالَ خرجت من مصر ومعى جَارِيَة لى فركبت الْبَحْر أُرِيد مَكَّة فغرقت فَذهب منى ألفا جُزْء وصرت إِلَى جَزِيرَة أَنا وجاريتي فَمَا رَأينَا فِيهَا أحدا وأخذنى الْعَطش فَلم أقدر على المَاء فَوضعت رأسى على فَخذ جاريتى مستسلما للْمَوْت فَإِذا رجل قد جاءنى وَمَعَهُ كوز فَقَالَ هاه فَشَرِبت وسقيتها ثمَّ مضى فَلَا أدرى من أَيْن جَاءَ وَلَا من أَيْن ذهب
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا زيد بن الْحسن الكندى إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحسن بن عبد السَّلَام أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى قَالَ روى عَنهُ يعْنى مُحَمَّد بن نصر أَنه قَالَ كتبت الحَدِيث بضعا وَعشْرين سنة وَسمعت قولا ومسائل وَلم يكن لى حسن رأى فى الشافعى فَبينا أَنا قَاعد فى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ إِذْ أغفيت إغْفَاءَة فَرَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام فَقلت يَا رَسُول الله أكتب رأى أَبى حنيفَة فَقَالَ (لَا) فَقلت رأى مَالك فَقَالَ (اكْتُبْ مَا وَافق حديثى) فَقلت أكتب رأى الشافعى فطأطأ رَأسه شبه الغضبان وَقَالَ تَقول رأى لَيْسَ هُوَ بالرأى هُوَ رد على من خَالف سنتى)
قَالَ فَخرجت فى أثر هَذِه الرُّؤْيَا إِلَى مصر فَكتبت كتب الشافعى(2/249)
أخبرنَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشافعى إجَازَة والمسند أَبُو حَفْص المراغى بقراءتى قَالَ الأول أخبرنَا أَبُو الْغَنَائِم بن عَلان سَمَاعا وَقَالَ الثانى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح بن المجاور الشيبانى إجَازَة قَالَا أخبرنَا زيد بن الْحسن أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَحْمد بن على الْحَافِظ أخبرنى أَبُو الْوَلِيد الْحسن بن مُحَمَّد الدربندى أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْحَافِظ ببخارى قَالَ سَمِعت أَبَا صَخْر مُحَمَّد بن مَالك السعدى يَقُول سَمِعت أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عبيد الله البلعمى يَقُول سَمِعت الْأَمِير أَبَا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد يَقُول كنت بسمرقند فَجَلَست يَوْمًا للمظالم وَجلسَ أخى إِسْحَاق إِلَى جنبى إِذْ دخل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نصر فَقُمْت لَهُ إجلالا لعلمه فَلَمَّا خرج عاتبنى أخى إِسْحَاق وَقَالَ أَنْت والى خُرَاسَان يدْخل عَلَيْك رجل من رعيتك فتقوم إِلَيْهِ وَبِهَذَا ذهَاب السياسة فَبت تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَنا منقسم الْقلب بذلك فَرَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام كأنى وَاقِف مَعَ أخى إِسْحَاق إِذْ أقبل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بعضدى وَقَالَ يَا إِسْمَاعِيل ثَبت ملكك وَملك بنيك بإجلالك لمُحَمد بن نصر ثمَّ الْتفت إِلَى إِسْحَاق فَقَالَ ذهب ملك إِسْحَاق وَملك بنيه باستخفافه بِمُحَمد بن نصر
حِكَايَة إملاق المحمدين بِمصْر
قَرَأت على أَبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز قلت لَهُ أخْبرك أَبُو الْغَنَائِم الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنت تسمع فَأقر بِهِ أخبرنَا أَبُو الْيمن(2/250)
زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب حَدَّثَنى أَبُو الْفرج مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد الخرجوشى الشيرازى لفظا سَمِعت أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الشيرازى يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد الصحاف السجستانى يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس البكرى من ولد أَبى بكر الصّديق رضى الله عَنهُ يَقُول جمعت الرحلة بَين مُحَمَّد بن جرير وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَمُحَمّد بن هَارُون الرويانى بِمصْر فأرملوا وَلم يبْق عِنْدهم مَا يقوتهم وأضر بهم الْجُوع فَاجْتمعُوا لَيْلَة فى منزل كَانُوا يأوون إِلَيْهِ فاتفق رَأْيهمْ على أَن يستهموا ويضربوا الْقرعَة فَمن خرجت عَلَيْهِ الْقرعَة سَأَلَ لأَصْحَابه الطَّعَام فَخرجت الْقرعَة على مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فَقَالَ لأَصْحَابه أمهلونى حَتَّى أتوضأ وأصلى صَلَاة الْخيرَة فَانْدفع فى الصَّلَاة فَإِذا هم بالشموع وخصى من قبل والى مصر يدق الْبَاب ففتحوا الْبَاب فَنزل عَن دَابَّته فَقَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن نصر فَقيل هُوَ هَذَا فَأخْرج صرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن جرير فَقَالُوا هُوَ ذَا فَأخْرج صرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فَقَالُوا هُوَ هَذَا يصلى فَلَمَّا فرغ من صلَاته دفع إِلَيْهِ الصرة وفيهَا خَمْسُونَ دِينَارا ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن هَارُون وَفعل بِهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ إِن الْأَمِير كَانَ قَائِلا بالْأَمْس فَرَأى فى الْمَنَام خيالا قَالَ إِن المحامد طَوَوْا كشحهم جياعا فأنفذ إِلَيْكُم هَذِه الصرار وَأقسم عَلَيْكُم إِذا نفدت فَابْعَثُوا إِلَى أحدكُم
قلت ابْن نصر وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة من أَرْكَان مَذْهَبنَا وَأما مُحَمَّد بن هَارُون الرويانى فَهُوَ الْحَافِظ أَبُو بكر لَهُ مُسْند مَشْهُور روى عَن أَبى كريب وَبُنْدَار وَهَذِه الطَّبَقَة مَاتَ سنة سبع وثلثمائة(2/251)
وَحكى أَن مُحَمَّد بن نصر كَانَ يتَمَنَّى على كبر سنه أَن يُولد لَهُ ابْن
قَالَ الحاكى فَكُنَّا عِنْده يَوْمًا وَإِذا بِرَجُل من أَصْحَابه قد جَاءَ وساره فى أُذُنه فَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ {الْحَمد لله الَّذِي وهب لي على الْكبر إِسْمَاعِيل} ثمَّ مسح وَجهه بباطن كَفه وَرجع إِلَى مَا كَانَ فِيهِ
قَالَ الحاكى فَرَأَيْنَا أَنه اسْتعْمل فى تِلْكَ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة ثَلَاث سنَن تَسْمِيَة الْوَلَد وَحمد الله على الموهبة وتسميته إِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ ولد على كبر سنه وَقَالَ الله عز وَجل {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده}
قلت كَذَا أسْند هَذِه الْحِكَايَة الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن نصر قصد الثَّلَاث فنستفيد من هَذَا أَنه يسْتَحبّ لمن ولد لَهُ ابْن على الْكبر أَن يُسَمِّيه إِسْمَاعِيل وهى مَسْأَلَة حَسَنَة وأحسب إِسْمَاعِيل هَذَا من خنة بخاء مُعْجمَة ثمَّ نون وهى أُخْت القاضى يحيى بن أَكْثَم كَانَ مُحَمَّد بن نصر قد تزَوجهَا
توفى مُحَمَّد بن نصر بسمرقند فى الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن غَرَائِبه
ذهب إِلَى أَن صَلَاة الصُّبْح تقصر فى الْخَوْف إِلَى رَكْعَة
وَأَنه يُجزئ الْمسْح على الْعِمَامَة
وَنقل فى كِتَابه تَعْظِيم قدر الصَّلَاة عَن بعض أهل الْعلم أَن عِلّة النهى عَن السمر بعد الْعشَاء الْآخِرَة لِأَن مصلى الْعشَاء قد كفرت عَنهُ ذنُوبه بِصَلَاتِهِ فيخشى أَن يكون مِنْهُ الزلة فيتدنس بالذنب بعد الطَّهَارَة
قلت وَعلله آخَرُونَ بِوُقُوع الصَّلَاة الَّتِى هى أفضل الْأَعْمَال خَاتِمَة عمله وَهُوَ قريب من ذَلِك وَآخَرُونَ بِأَن الله قد جعل اللَّيْل سكنا والْحَدِيث يُخرجهُ عَن ذَلِك وَآخَرُونَ(2/252)
بِأَن نَومه يتَأَخَّر فيخاف فَوَات الصُّبْح عَن وَقتهَا أَو عَن أَوله وَآخَرُونَ بخشية من لَهُ تهجد فَوَاته
قلت وَيُمكن أَن يتَعَلَّق بِكُل من هَذِه الْمعَانى بِجَوَاز اجتماعها وَلَا يُمكن أَن يقْتَصر على وَاحِد من التعليلين الْأَخيرينِ لِئَلَّا يلْزم اخْتِصَاص الْكَرَاهَة بِمن يخْشَى فَوَات الصُّبْح واختصاصهما بِمن لَهُ تهجد يخْشَى فَوَاته
حَدِيث رفع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
هَذَا الحَدِيث كثر ذكره على أَلْسِنَة الْفُقَهَاء والأصوليين وتكلمت عَلَيْهِ قَدِيما فِيمَا كتبته على أَحَادِيث منهاج البيضاوى ثمَّ وقفت على كتاب اخْتِلَاف الْفُقَهَاء للْإِمَام مُحَمَّد بن نصر وَهُوَ مُخْتَصر يذكر فِيهِ خلافيات الْعلمَاء وَيبدأ فى كل مَسْأَلَة بِذكر سُفْيَان الثورى فَأَبْصَرت فِيهِ فى بَاب طَلَاق الْمُكْره وعتاقه مَا نَصه ويروى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (رفع الله عَن هَذِه الْأمة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا أكْرهُوا عَلَيْهِ) إِلَّا أَنه // لَيْسَ لَهُ إِسْنَاد // يحْتَج بِمثلِهِ انْتهى
فاستفدت من هَذَا أَن لهَذَا اللَّفْظ // إِسْنَادًا وَلكنه لَا يثبت //
وَقد وَقع الْكَلَام فى هَذَا الحَدِيث قَدِيما بِدِمَشْق وَبهَا الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح شيخ الشَّافِعِيَّة ثمَّ إِذْ ذَاك وَبَالغ فى التنقيب عَنهُ وسؤال الْمُحدثين وَذكر فى تعليقته على التَّنْبِيه فى كتاب الصَّلَاة قَول النووى فى زِيَادَة الرَّوْضَة فى كتاب الطَّلَاق فى الْبَاب السَّادِس فى تَعْلِيق الطَّلَاق إِنَّه حَدِيث حسن
قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين وَلم أجد هَذَا اللَّفْظ مَعَ شهرته ثمَّ ذكر أَن فى كَامِل ابْن عدى فى تَرْجَمَة جَعْفَر بن فرقد من حَدِيثه عَن أَبِيه عَن الْحسن عَن أَبى بكرَة(2/253)
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع الله عز وَجل عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ) وجعفر بن جسر وَأَبوهُ ضعيفان
قلت ثمَّ وجد رفيقنا فى طلب الحَدِيث شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الهادى الحنبلى الحَدِيث بِلَفْظِهِ فى رِوَايَة أَبى الْقَاسِم الْفضل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد التميمى الْمُؤَذّن الْمَعْرُوف بأخى عَاصِم فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد حَدثنَا مُحَمَّد بن مصفى حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الأوزاعى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ)
لَكِن ابْن ماجة روى فى سنَنه الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ غَيره فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن مصفى الحمصى عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الأوزاعى عَن عَطاء ابْن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله وضع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) وَلَفظ الْوَضع وَالرَّفْع متقاربان فَلَعَلَّ أحد الراويين روى بِالْمَعْنَى
وَسُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل عَن الحَدِيث فَقَالَ لَا يَصح وَلَا يثبت إِسْنَاده
قلت وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله تجَاوز لى عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا أكْرهُوا عَلَيْهِ) كَذَا رَوَاهُ الطبرانى من حَدِيث الأوزاعى عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس
وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمر فى الحَدِيث وَإِن تعدّدت أَلْفَاظه كَمَا قَالَ الإمامان أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد ابْن نصر إِنَّه غير ثَابت وَذكر الْخلال من الْحَنَابِلَة فى كتاب الْعلم أَن أَحْمد قَالَ(2/254)
من زعم أَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان مَرْفُوع فقد خَالف كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله أوجب فى قتل النَّفس فى الْخَطَأ الْكَفَّارَة
قلت وَلَا محمل لهَذَا الْكَلَام إِلَّا أَن يُقَال أَرَادَ بِهِ من زعم ارتفاعهما على الْعُمُوم فى خطاب الْوَضع وخطاب التَّكْلِيف وَإِلَّا فَقَائِل هَذَا الْمقَالة أشبه بوفاق الْإِجْمَاع
57 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد البلدى
نقل الغزالى فى الْوَسِيط أَنه روى عَن المزنى عَن الشافعى أَنه رَجَعَ عَن تنجيس شعر الآدمى
وَقد سبق الغزالى إِلَى هَذَا النَّقْل أَبُو عَاصِم العبادى والقاضى الماوردى وجماعات
وَالرجل مَعْرُوف الِاسْم بَين الْمُتَقَدِّمين لَا ينبغى إِنْكَاره غير أَن تَرْجَمته عزيزة لم أَجدهَا إِلَى الْآن كَمَا فى النَّفس
وَقد ذكره العبادى فى الطَّبَقَة الثَّانِيَة فى المقلين المنفردين بروايات وسيأتى مَا يُؤَيّد رِوَايَته فَإنَّا إِن شَاءَ الله سنذكر فى الطَّبَقَة الثَّالِثَة فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى جَعْفَر قَوْله سَمِعت ابْن أَبى هُرَيْرَة يَقُول سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الأنماطى يَقُول إِن أَبَا إِبْرَاهِيم المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول قبل وَفَاته بِشَهْر إِن الشّعْر لَا يَمُوت بِمَوْت ذَات الرّوح فقد تَابع الأنماطى البلدى وَهَذِه مُتَابعَة جَيِّدَة لم أجد فى الْبَاب مثلهَا(2/255)
58 - إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن بشر الحربى أَبُو إِسْحَاق
الْفَقِيه الْحَافِظ
ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة
وَسمع هَوْذَة بن خَليفَة وَأَبا نعيم وَعبد الله بن صَالح العجلى وَعَاصِم بن على وَعَفَّان وَأَبا سَلمَة التبوذكى ومسدد بن مسرهد وَأَبا عبيد الْقَاسِم بن سَلام وشعيث بن مُحرز وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن صاعد وَأَبُو بكر النجاد وَأَبُو بكر الشافعى وَعبد الرَّحْمَن بن الْعَبَّاس المخلص وَخلق آخِرهم موتا أَبُو بكر القطيعى
أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل
قَالَ الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا فى الْعلم وإماما فى الزّهْد عَارِفًا بالفقه بَصيرًا بِالْأَحْكَامِ حَافِظًا للْحَدِيث مُمَيّزا لعلله قيمًا بالأدب جماعا للغة صنف غَرِيب الحَدِيث وكتبا كَثِيرَة
أَصله من مرو
وَكَانَ يَقُول أجمع عقلاء كل أمة أَنه من لم يجر مَعَ الْقدر لم يتهنأ بعيشه
قَالَ وقميصى أنظف قَمِيص وإزارى أوسخ إِزَار مَا حدثت نفسى بِأَنَّهُمَا يستويان(2/256)
قطّ وفرد عُقبى صَحِيح وَالْآخر مَقْطُوع وَلَا أحدث نفسى أَنى أصلحها وَلَا شَكَوْت لأهلى وأقاربى حمى أَجدهَا ولى عشر سِنِين أبْصر بفرد عين مَا أخْبرت بِهِ أحدا وأفنيت من عمرى ثَلَاثِينَ سنة بِرَغِيفَيْنِ إِن جاءتنى بهما أمى أَو أختى وَإِلَّا بقيت جائعا إِلَى اللَّيْلَة الثَّانِيَة وأفنيت ثَلَاثِينَ سنة برغيف فى الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِن جاءتنى بِهِ امرأتى أَو بناتى وَإِلَّا بقيت جائعا والآن آكل نصف رغيف وَأَرْبع عشرَة تَمْرَة وَقَامَ إفطارى فِي رَمَضَان هَذَا بدرهم ودانقين وَنصف
قَالَ السلمى سَأَلت الدارقطنى عَن إِبْرَاهِيم الحربى فَقَالَ كَانَ يُقَاس بِأَحْمَد ابْن حَنْبَل فى زهده وَعلمه وورعه
وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت مُحَمَّد بن صَالح القاضى يَقُول لَا نعلم أَن بَغْدَاد أخرجت مثل إِبْرَاهِيم فى الْأَدَب وَالْفِقْه والْحَدِيث والزهد
وَقَالَ أَبُو بكر الشافعى سَمِعت إِبْرَاهِيم الحربى يَقُول عندى عَن على بن المدينى قمطر وَلَا أحدث عَنهُ بشىء لأنى رَأَيْته بالمغرب وَنَعله بِيَدِهِ مبادرا فَقلت إِلَى أَيْن قَالَ ألحق الصَّلَاة مَعَ أَبى عبد الله قلت من أَبُو عبد الله قَالَ ابْن أَبى دؤاد
قلت نقم عَلَيْهِ اقْتِدَاؤُهُ بِابْن أَبى دؤاد الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن وَقد كَانَ ابْن المدينى مِمَّن يَقُول بذلك فَإِنَّمَا نقم عَلَيْهِ فى الْحَقِيقَة نفس الْبِدْعَة وَأَنا أَنْقم عَلَيْهِ مَعَ الْبِدْعَة مبادرته وسعيه وَالسّنة أَن يأتى الصَّلَاة وَهُوَ يمشى وَعَلِيهِ السكينَة وَلَا يَأْتِيهَا وَهُوَ يسْعَى
توفى الحربى فى ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذكره فى الْحَنَابِلَة أولى من ذكره فى الشَّافِعِيَّة(2/257)
59 - إِسْحَاق بن مُوسَى بن عمرَان الإسفراينى الْفَقِيه الزَّاهِد أَبُو يَعْقُوب صَاحب المزنى وَالربيع
تفقه على المزنى وَسمع الْمَبْسُوط مَعَ الرّبيع
وَسمع من قُتَيْبَة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وعَلى بن حجر وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف البلخى وجبارة بن الْمُغلس وَهِشَام بن عمار وَخلق بالعراق وَالشَّام ومصر
روى عَنهُ مُؤَمل بن الْحسن وَأَبُو عوَانَة وَمُحَمّد بن عَبدك وَمُحَمّد بن الأخرم وَجَمَاعَة
وَكَانَ فَقِيها مُحدثا زاهدا ورعا
ذكره الْحَاكِم وَذكر أَن كنية وَالِده أَبُو عمرَان فَلذَلِك رُبمَا قيل إِسْحَاق بن أَبى عمرَان
وَقَالَ أعنى الْحَاكِم كَانَ أحد أَئِمَّة الشافعيين والرحالة فى طلب الحَدِيث توفى بإسفراين سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
قلت هُنَا فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن شَيخنَا الذهبى قَالَ إِن هَذَا الشَّيْخ هُوَ وَالِد أَبى عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يزِيد وَإنَّهُ يظنّ أَن الْحَاكِم وهم فى تَسْمِيَة أَبِيه بمُوسَى بن عمرَان
قَالَ وَقد ذكر أَن أَبَا عوَانَة روى عَنهُ وَمَا بَين أَنه وَلَده وَمَا ذكر فى تَارِيخه تَرْجَمَة أُخْرَى لوالد أَبى عوَانَة وَقد رَأَيْت أَنا فى صَحِيح أَبى عوَانَة رِوَايَته عَن أَبِيه إِسْحَاق بن أَبى عمرَان فَهُوَ أَبوهُ وَالله أعلم هَذَا كَلَام شَيخنَا الذهبى(2/258)
وَالثَّانيَِة أَن الذهبى قَالَ عقيب هَذِه التَّرْجَمَة إِسْحَاق بن أَبى عمرَان أَبُو يَعْقُوب اليحمدى الإستراباذى هُوَ إِسْحَاق بن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الشافعى الْفَقِيه أَيْضا سمع قُتَيْبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَهِشَام بن عمار وحرملة وطبقتهم بخراسان وَالشَّام ومصر وَالْعراق روى عَنهُ أَبُو نعيم بن عدى ووالد عبد الله بن على بن الْقطَّان ذكره حَمْزَة فى تَارِيخ جرجان انْتهى كَلَام شَيخنَا الذهبى
والذى يَقع لى أَنَّهُمَا وَاحِد وَلَيْسَ هُوَ وَالِد أَبى عوَانَة بل غَيره هَذَا إِسْحَاق ابْن مُوسَى وَرُبمَا قيل ابْن أَبى عمرَان ووالد أَبى عوَانَة غَيره
وَقَول شَيخنَا الذهبى مَا ظَفرت لَهُ بِرِوَايَة عَن إِسْحَاق بن أَبى عمرَان لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون هُوَ أَبَاهُ فَإِن أَبَا عوَانَة لم يستوعب فى مُسْنده شُيُوخه هَذَا إِن صَحَّ أَنه لم يذكر فى كِتَابه إِسْحَاق بن أَبى عمرَان
فَإِن قلت لَا شكّ أَن رِوَايَته عَن أَبِيه وَعدم رِوَايَته عَن إِسْحَاق بن أَبى عمرَان قرينَة
قلت لَكِن ذكر الْحَاكِم لأبى عوَانَة فى الروَاة عَن هَذَا الشَّيْخ من غير تَنْبِيه عَنهُ على أَنه وَلَده قرينَة فى أَنه غَيره أقوى من تِلْكَ مَعَ مَا يَنْضَم إِلَيْهَا من أَن أَبَا عوَانَة نَفسه أَخذ عَن المزنى وَالربيع على أَن الْحَال مُحْتَمل والخطب فِيهِ يسير
وَأما تَفْرِقَة شَيخنَا بَين إِسْحَاق بن مُوسَى بن عمرَان وَإِسْحَاق بن أَبى عمرَان فَلَا أَحْسبهُ إِلَّا وهما وَمَا أرى إِلَّا أَنَّهُمَا وَاحِد وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى(2/259)
60 - الْجُنَيْد بن مُحَمَّد بن الْجُنَيْد أَبُو الْقَاسِم النهاوندى الأَصْل البغدادى القواريرى الخزاز
سيد الطَّائِفَة ومقدم الْجَمَاعَة وَإِمَام أهل الْخِرْقَة وَشَيخ طَريقَة التصوف وَعلم الْأَوْلِيَاء فى زَمَانه وبهلوان العارفين
تفقه على أَبى ثَوْر وَكَانَ يُفْتى بحلقته وَله من الْعُمر عشرُون سنة
وَسمع الحَدِيث من الْحسن بن عَرَفَة وَغَيره
واختص بِصُحْبَة السرى السقطى والْحَارث بن أَسد المحاسبى وأبى حَمْزَة البغدادى
قَالَ جَعْفَر الخلدى لم نر فى شُيُوخنَا من اجْتمع لَهُ علم وَحَال غير الْجُنَيْد إِذا رَأَيْت علمه رجحته على حَاله وَإِذا رَأَيْت حَاله رجحته على علمه
وَعَن أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه تكلم يَوْمًا فأعجب بِهِ بعض الْحَاضِرين فَقَالَ ابْن سُرَيج هَذَا ببركة مجالستى لأبى الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الكعبى الْمُتَكَلّم المعتزلى مَا رَأَتْ عيناى مثله كَانَ الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة مَعَانِيه والمتكلمون لعلمه(2/260)
قَالَ الخلدى قَالَ الْجُنَيْد ذَات يَوْم مَا أخرج الله إِلَى الأَرْض علما وَجعل لِلْخلقِ إِلَيْهِ سَبِيلا إِلَّا وَقد جعل لى فِيهِ حظا ونصيبا
قَالَ الخلدى وبلغنى أَن الْجُنَيْد كَانَ فى سوقه وَكَانَ ورده فى كل يَوْم ثَلَاثمِائَة رَكْعَة وَثَلَاثِينَ ألف تَسْبِيحَة
قَالَ وسمعته يَقُول مَا نزعت ثوبى للْفراش مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة
قَالَ وَكَانَ الْجُنَيْد عشْرين سنة لَا يَأْكُل إِلَّا من الْأُسْبُوع إِلَى الْأُسْبُوع وَيصلى كل لَيْلَة أَرْبَعمِائَة رَكْعَة
قَالَ أَبُو الْحسن المحلبى قلت للجنيد مِمَّن اسْتَفَدْت هَذَا الْعلم قَالَ من جلوسى بَين يدى الله تَعَالَى ثَلَاثِينَ سنة تَحت تِلْكَ الدرجَة وَأَوْمَأَ إِلَى دَرَجَة فى دَاره
قَالَ إِسْمَاعِيل بن نجيد كَانَ الْجُنَيْد يجىء كل يَوْم إِلَى السُّوق فَيفتح حانوته فيدخله ويسبل السّتْر وَيصلى أَرْبَعمِائَة رَكْعَة ثمَّ يرجع إِلَى بَيته
قَالَ على بن مُحَمَّد الحلوانى حَدَّثَنى خير قَالَ كنت جَالِسا يَوْمًا فى بيتى فخطر لى خاطر أَن أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بِالْبَابِ اخْرُج إِلَيْهِ فنفيت ذَلِك عَن قلبى وَقلت وَسْوَسَة فَوَقع لى خاطر ثَان فنفيته فَوَقع خاطر ثَالِث فَعلمت أَنه حق وَلَيْسَ بوسوسة ففتحت الْبَاب فَإِذا أَنا بالجنيد قَائِم فَسلم على وَقَالَ يَا خير أَلا خرجت مَعَ الخاطر الأول
قَالَ أَبُو عَمْرو بن علوان خرجت يَوْمًا إِلَى سوق الرحبة فى حَاجَة فَوَقَعت عينى(2/261)
على امْرَأَة مسفرة من غير تعمد فألححت بِالنّظرِ فاسترجعت واستغفرت الله وعدت إِلَى منزلى فَقَالَت لى عَجُوز يَا سيدى مالى أرى وَجهك أسود
فَأخذت الْمرْآة فَنَظَرت فَإِذا وجهى أسود فَرَجَعت إِلَى سرى أنظر من أَيْن دهيت فَذكرت النظرة فانفردت فى مَوضِع أسْتَغْفر الله وأسأله الْإِقَالَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا فخطر فى قلبى أَن زر شيخك الْجُنَيْد فانحدرت إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا جِئْت الْحُجْرَة الَّتِى هُوَ فِيهَا طرقت الْبَاب فَقَالَ لى ادخل يَا أَبَا عَمْرو وتذنب فى الرحبة ونستغفر لَك بِبَغْدَاد
قَالَ أَبُو بكر الْعَطَّار حضرت الْجُنَيْد عِنْد الْمَوْت فى جمَاعَة من أَصْحَابنَا فَكَانَ قَاعِدا يصلى ويثنى رجله كلما أَرَادَ أَن يسْجد فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى خرجت الرّوح من رجله فَثقلَتْ عَلَيْهِ حركتها فَمد رجلَيْهِ وَقد تورمتا فَرَآهُ بعض أصدقائه فَقَالَ مَا هَذَا يَا أَبَا الْقَاسِم قَالَ هَذِه نعم الله أكبر فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد الجريرى لَو اضطجعت قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد هَذَا وَقت يُؤْخَذ مِنْهُ الله أكبر فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ
وَعَن الْجُنَيْد أرقت لَيْلَة فَقُمْت إِلَى وردى فَلم أجد مَا كنت أجد من الْحَلَاوَة فَأَرَدْت النّوم فَلم أقدر فَأَرَدْت الْقعُود فَلم أطق ففتحت الْبَاب وَخرجت فَإِذا رجل ملتف فى عباءة مطروح على الطَّرِيق فَلَمَّا أحس بى رفع رَأسه وَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم إِلَى السَّاعَة
فَقلت يَا سيدى من غير موعد
فَقَالَ بلَى سَأَلت محرك الْقُلُوب أَن يُحَرك لى قَلْبك
فَقلت مَا حَاجَتك
فَقَالَ مَتى يصير دَاء النَّفس دواها(2/262)
فَقلت إِذا خَالَفت هَواهَا صَار داؤها دواها
فَأقبل على نَفسه فَقَالَ اسمعى قد أَجَبْتُك بِهَذَا الْجَواب سبع مَرَّات فأبيت إِلَّا أَن تسمعيه من الْجُنَيْد فقد سَمِعت وَانْصَرف عَنى وَلم أعرفهُ وَلَا وقفت عَلَيْهِ
وَقَالَ كنت جَالِسا فى مَسْجِد الشونيزية أنْتَظر جَنَازَة أصلى عَلَيْهَا وَأهل بَغْدَاد على طبقاتهم جُلُوس ينتظرون الْجِنَازَة فَرَأَيْت فَقِيرا عَلَيْهِ أثر النّسك يسْأَل النَّاس فَقلت فى نفسى لَو عمل هَذَا عملا يصون بِهِ نَفسه كَانَ أجمل بِهِ فَلَمَّا انصرفت إِلَى منزلى وَكَانَ لى شئ من الْورْد بِاللَّيْلِ من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة والبكاء فَثقلَتْ على جَمِيع أورادى فسهرت وَأَنا قَاعد فغلبتنى عيناى فَرَأَيْت ذَلِك الْفَقِير وَقد جَاءُوا بِهِ ممدودا على خوان وَقَالُوا لى كل لَحْمه فقد اغْتَبْته
فكشف لى عَن الْحَال وَقلت مَا اغْتَبْته إِنَّمَا قلت شَيْئا فى نفسى
فَقيل لى مَا أَنْت مِمَّن يرضى مِنْك بِمثل هَذَا اذْهَبْ إِلَيْهِ واستحله
فَأَصْبَحت وَلم أزل أتردد حَتَّى رَأَيْته فى مَوضِع يلتقط من أوراق البقل فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ تعود يَا أَبَا الْقَاسِم فَقلت لَا
فَقَالَ غفر الله لنا وَلَك
وَمن كَلَام الْجُنَيْد رَحمَه الله
الطَّرِيق إِلَى الله عز وَجل مسدود على خلقه إِلَّا على المقتفين آثَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ الله عز وَجل {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَقَالَ لَوْلَا أَنه يرْوى أَنه يكون فى آخر الزَّمَان زعيم الْقَوْم أرذلهم مَا تَكَلَّمت عَلَيْكُم(2/263)
وَقَالَ أضرّ مَا على أهل الديانَات الدَّعَاوَى
وَقَالَ الْمُرُوءَة احْتِمَال زلل الإخوان
وَقيل لَهُ كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله فَقَالَ تَوْبَة تحل الْإِصْرَار وَخَوف يزِيل الْغرَّة ورجاء مزعج إِلَى طَرِيق الْخيرَات ومراقبة الله فى خواطر الْقُلُوب
وَقَالَ لَيْسَ بشنيع مَا يرد على من الْعَالم لأنى قد أصلت أصلا وَهُوَ أَن الدَّار دَار غم وهم وبلاء وفتنة وَأَن الْعَالم كُله شَرّ وَمن حكمه أَن يتلقانى بِكُل مَا أكره وَإِن تلقانى بِمَا أحب فَهُوَ فضل وَإِلَّا فَالْأَصْل الأول
وَقَالَ الزّهْد خلو الْقلب عَمَّا خلت مِنْهُ الْيَد واستصغار الدُّنْيَا ومحو آثارها من الْقلب
وَقَالَ الْخَوْف توقع الْعقُوبَة مَعَ مجارى الأنفاس
وَقَالَ الْخُشُوع تذلل الْقُلُوب لعلام الغيوب
وَقَالَ التَّوَاضُع خفض الْجنَاح ولين الْجَانِب
وَقَالَ وَسَأَلَهُ جمَاعَة أنطلب الرزق فَقَالَ إِن علمْتُم أى مَوضِع هُوَ فاطلبوه
قَالُوا نسْأَل الله فِيهِ قَالَ إِن علمْتُم أَنه ينساكم فذكروه فَقَالُوا أندخل الْبَيْت ونتوكل فَقَالَ التجربة شكّ فَقَالُوا فَمَا الْحِيلَة قَالَ ترك الْحِيلَة
وفى بعض الْكتب نِسْبَة هَذِه الْحِكَايَة إِلَى الْخَواص
وَقَالَ الْيَقِين اسْتِقْرَار الْعلم الذى لَا يتقلب وَلَا يحول وَلَا يتَغَيَّر فى الْقلب
وَقَالَ أَيْضا الْيَقِين ارْتِفَاع الريب فى مشْهد الْغَيْب فَعرف الْيَقِين بتعريفين وسيأتى عَنهُ أَيْضا للشكر تعريفان وَالْكل حق صَحِيح
وَقَالَ الْمسير من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة سهل هَين على الْمُؤمن وهجران الْخلق فى جنب الْحق شَدِيد والمسير من النَّفس إِلَى الله صَعب شَدِيد وَالصَّبْر مَعَ الله تَعَالَى أَشد(2/264)
وَقَالَ الصَّبْر تجرع المرارة من غير تعبيس
وَقَالَ من تحقق فى المراقبة خَافَ على فَوت حَظه من الله تَعَالَى
وَقَالَ وَقد قَالَ الشبلى يَوْمًا بَين يَدَيْهِ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَوْلك ذَا ضيق صدر وَهُوَ ترك للرضا بِالْقضَاءِ وَالرِّضَا رفع الِاخْتِيَار
وَقيل لَهُ مَا للمريد فى مجاراة الحكايات فَقَالَ الحكايات جند من جنود الله يقوى بهَا قُلُوب المريدين فَسئلَ على ذَلِك شَاهدا فَقَالَ قَوْله تَعَالَى {وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك}
وَقيل لَهُ مَا الْفرق بَين المريد وَالْمرَاد فَقَالَ المريد تتولاه سياسة الْعلم وَالْمرَاد تتولاه رِعَايَة الْحق لِأَن المريد يسير وَالْمرَاد يطير وَأَيْنَ السائر من الطَّائِر
وَقَالَ الْإِخْلَاص سر بَين الله وَعَبده وَلَا يُعلمهُ ملك فيكتبه وَلَا شَيْطَان فيفسده وَلَا هوى فيميله
وَقَالَ الصَّادِق يتقلب فى الْيَوْم أَرْبَعِينَ مرّة والمرائى يثبت على حَالَة وَاحِدَة أَرْبَعِينَ سنة
وَسُئِلَ عَن الْحيَاء فَقَالَ رُؤْيَة الآلاء ورؤية التَّقْصِير يتَوَلَّد مِنْهُمَا حَالَة تسمى الْحيَاء
وَقَالَ الفتوة كف الْأَذَى وبذل الندى
وَقَالَ لَو أقبل صَادِق على الله ألف ألف سنة ثمَّ أعرض عَنهُ لَحْظَة كَانَ مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله
قلت وَالنَّاس يستشكلون هَذِه الْكَلِمَة ويتطلبون تقريرها وَسَأَلت عَنْهَا بعض العارفين بالتصوف فَقَالَ مَعْنَاهَا يظْهر بِضَرْب مثل وَهُوَ أَن الغواص إِذا غاص فى الْبَحْر منقبا على نَفِيس الْجَوَاهِر إِلَى أَن قَارب قراره وَكَاد يحظى بمراده أعرض وَترك كَانَ مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله وَكَذَلِكَ من أقبل على الْحق ألف ألف سنة ثمَّ أعرض فَتلك(2/265)
اللحظة الَّتِى أعرض فِيهَا لَو لم يعرض نتيجة عمل ألف ألف سنة فَلَمَّا أعرض فَاتَتْهُ تِلْكَ النتيجة الَّتِى هى غَايَة عمل ألف ألف سنة فَظهر أَن مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت جدى إِسْمَاعِيل بن نجيد يَقُول دخل أَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء على الْجُنَيْد وَهُوَ فى النزع فَسلم فَلم يرد عَلَيْهِ ثمَّ رد عَلَيْهِ بعد سَاعَة وَقَالَ اعذرنى فإنى كنت فى وردى ثمَّ حول وَجهه إِلَى الْقبْلَة وَكبر وَمَات
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الجريرى كنت وَاقِفًا على رَأس الْجُنَيْد فى وَقت وَفَاته وَكَانَ يَوْم جُمُعَة وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فَقلت يَا أَبَا الْقَاسِم ارْفُقْ بِنَفْسِك فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا رَأَيْت أحدا أحْوج إِلَيْهِ منى فى هَذَا الْوَقْت وَهُوَ ذَا تطوى صحيفتى
وَيُقَال كَانَ نقش خَاتم الْجُنَيْد إِذا كنت تَأمله فَلَا تأمنه
وَكَانَ يَقُول مَا أَخذنَا التصوف من القال والقيل وَلَكِن عَن الْجُوع وَترك الدُّنْيَا وَقطع المألوفات
قَالَ أَبُو سهل الصعلوكى سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المرتعش يَقُول قَالَ الْجُنَيْد كنت بَين يدى السرى السقطى أَلعَب وَأَنا ابْن سبع سِنِين وَبَين يَدَيْهِ جمَاعَة يَتَكَلَّمُونَ فى الشُّكْر فَقَالَ يَا غُلَام مَا الشُّكْر
فَقلت أَن لَا تعصى الله بنعمه
فَقَالَ أخْشَى أَن يكون حظك من الله لسَانك
قَالَ الْجُنَيْد فَلَا أَزَال أبكى على هَذِه الْكَلِمَة الَّتِى قَالَهَا لى
وَعَن الْجُنَيْد الشُّكْر أَن لَا ترى نَفسك أَهلا للنعمة
وَعَن الْجُنَيْد أَعلَى دَرَجَة الْكبر أَن ترى نَفسك وَأَدْنَاهَا أَن تخطر ببالك يعْنى نَفسك
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر الورثانى قَالَ سَمِعت مُحَمَّد(2/266)
ابْن عبد الْعَزِيز يَقُول سُئِلَ الْجُنَيْد عَمَّن لم يبْق عَلَيْهِ من الدُّنْيَا إِلَّا مِقْدَار مص نواة فَقَالَ الْمكَاتب عبد مَا بقى عَلَيْهِ دِرْهَم
وَمن كَلَام الْجُنَيْد بَاب كل علم نَفِيس جليل بذل المجهود وَلَيْسَ من عبد الله ببذل المجهود كمن طلبه من طَرِيق الْجُود
وَقَالَ إِن الله يخلص إِلَى الْقُلُوب من بره حسب مَا خلصت الْقُلُوب بِهِ إِلَيْهِ من ذكره فَانْظُر مَاذَا خالط قَلْبك
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الزجاجى سَأَلت الْجُنَيْد عَن الْمحبَّة فَقَالَ تُرِيدُ الْإِشَارَة فَقلت لَا قَالَ تُرِيدُ الدَّعْوَى قلت لَا قَالَ فأيش تُرِيدُ قلت عين الْمحبَّة فَقَالَ أَن تحب مَا يحب الله فى عباده وَتكره مَا يكره فى عباده
وَسُئِلَ عَن قرب الله تَعَالَى فَقَالَ قريب لَا بالتلاق بعيد لَا بافتراق
وَقَالَ مكابدة الْعُزْلَة أيسر من مداراة الْخلطَة
توفى الْجُنَيْد يَوْم السبت فى شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَتِسْعين
قَالَ الخلدى رَأَيْته فِي النّوم فَقلت مَا فعل الله بك فَقَالَ طاحت تِلْكَ الإشارات وَغَابَتْ تِلْكَ الْعبارَات وفنيت تِلْكَ الْعُلُوم ونفدت تِلْكَ الرسوم وَمَا نفعنا إِلَّا ركيعات كُنَّا نركعها فى السحر
ذكر شئ من الرِّوَايَة عَنهُ
وَقد ذكر أَنه لم يحدث إِلَّا بِحَدِيث وَاحِد حدّثنَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر إملاء قَالَ أخبرنَا أَبُو الْفَتْح يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن المجاور إِذْنا أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز الْمَعْرُوف بِابْن زُرَيْق أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن ثَابت الْخَطِيب(2/267)
أخبرنَا أَبُو سعيد المالينى أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عمر بن مُحَمَّد بن مقبل أخبرنَا جَعْفَر الخلدى حَدثنَا جُنَيْد بن مُحَمَّد
ح وَأخْبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا القاضى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم سَمَاعا أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى أخبرنَا أَبُو طَاهِر السلفى أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحسن ابْن زَكَرِيَّا الصوفى فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن على بن الْحسن الطريثيثى حَدثنَا أَبُو سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَفْص بن الْخَلِيل الهروى لفظا أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عمر بن مُحَمَّد بن مقبل حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن نصير أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة
ح وبإسنادنا الْمَشْهُور إِلَى ابْن عَرَفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير الكوفى عَن عَمْرو ابْن قيس الملائى عَن عَطِيَّة عَن أَبى سعيد الخدرى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله) ثمَّ قَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين}
قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب لَا يعرف للجنيد غير هَذَا الحَدِيث
قَالَ أَبُو الْفرج ابْن الجوزى وَقد رَأَيْت لَهُ حَدِيثا آخر
قلت أخبرناه أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ عَن أَبى الْحسن ابْن البخارى عَن أَبى الْفرج عبد الرَّحْمَن بن على بن مُحَمَّد بن الجوزى أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الباقى أخبرنَا رزق الله بن عبد الْوَهَّاب أخبرنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى حَدثنَا أَحْمد بن عَطاء الصوفى حَدثنَا مُحَمَّد بن على بن الْحُسَيْن قَالَ سُئِلَ الْجُنَيْد عَن الفراسة فَقَالَ حَدثنَا الْحسن بن(2/268)
عَرَفَة حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ كنت أرعى غنما لعقبة بن أَبى معيط وَذكر الحَدِيث وَقَالَ فى آخِره قَالَ لى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك غليم معلم)
أخبرنَا الْمسند أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْغَنَائِم الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان القيسى سَمَاعا عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن زُرَيْق الشيبانى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على البغدادى حَدثنَا مُحَمَّد بن المظفر بن السراج من حفظه قَالَ سَمِعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدى يَقُول قَالَ لى أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله اطراح هَذِه الْأمة من الْمُرُوءَة والاستئناس بهم حجاب عَن الله تَعَالَى والطمع فيهم فقر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر بن أَبى مُحَمَّد النابلسى الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أقضى الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم النابلسى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الشَّيْخ تقى الدّين أَبُو على الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى سَمَاعا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلفى سَمَاعا
ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى إجازات أخبرنى أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن أخبرنَا والدى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد المالينى سمعتت أَبَا الْوَزير على بن إِسْمَاعِيل الصوفى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن المنصورى يَقُول سَأَلت الْجُنَيْد مَتى يسْتَوْجب العَبْد أَن يُقَال لَهُ عَاقل قَالَ سَمِعت سريا يَقُول هُوَ أَن لَا يظْهر فى جوارحه شئ قد ذمه مَوْلَاهُ
وَبِه إِلَى المالينى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم يُوسُف بن يحيى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَدْعُو بموضعك فى قُلُوب العارفين دلنى على رضاك وَأخرج من قلبى مَالا ترضاه وأسكن فى قلبى رضاك(2/269)
وَبِه قَالَ سَمِعت عُثْمَان بن عبد الله الزنجى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْيَقِين مَا هُوَ فَقَالَ ترك مَا ترى لما لَا ترى
وَبِه قَالَ سمع أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن زيزى يَقُول قلت للجنيد من أصحب بعْدك قَالَ اصحب بعدى من تأمنه سر الله فِيك
وَبِه قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن على بن أَحْمد بن قرقر يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن على بن مُحَمَّد السيروانى يَقُول سَمِعت أَبَا عَمْرو ابْن علوان يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَقُول حضرت إملاك بعض الأبدال من النِّسَاء بِبَعْض الأبدال من الرِّجَال فَمَا كَانَ فى جمَاعَة من حضر إِلَّا من ضرب بِيَدِهِ إِلَى الْهَوَاء فَأخذ شَيْئا وَطَرحه من در وَيَاقُوت وَمَا أشبهه قَالَ أَبُو الْقَاسِم فَضربت بيدى فَأخذت زعفرانا وطرحته فَقَالَ لى الْحَضَر مَا كَانَ فى الْجَمَاعَة من أهْدى مَا يصلح للعرس غَيْرك
وَبِه قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد سَمِعت إِبْرَاهِيم بن دَاوُد البردعى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول نِهَايَة الصابر فى حَال الصَّبْر حمل الْمُؤَن لله حَتَّى تنقضى أَوْقَات الْمَكْرُوه
وَبِه قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم يُوسُف بن يحيى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد يَدْعُو إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان أَن يَدْعُو لَهُ جمع الله همك وَلَا شتت سرك وقطعك عَن كل قَاطع يقطعك عَنهُ ووصلك إِلَى كل وَاصل يوصلك إِلَيْهِ وَجعل غناهُ فى قَلْبك وشغلك بِهِ عَمَّن سواهُ ورزقك أدبا يصلح لمجالسته وَأخرج من قَلْبك مَالا يرضى وأسكن فى قَلْبك رِضَاهُ ودلك عَلَيْهِ من أقرب الطّرق(2/270)
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن أَبى عبد الله بن حَمَّاد بن العسقلانى وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن حمد بن كَامِل ابْن عمر المقدسى سَمَاعا قَالَا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن منينا وَعبد الْوَهَّاب بن سكينَة إجَازَة قَالَا أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى القاضى أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن الأهوازى قَالَ سَمِعت أَبَا حَاتِم الطبرى يَقُول سُئِلَ الْجُنَيْد رَحمَه الله تَعَالَى عَن التصوف فَقَالَ اسْتِعْمَال كل خلق سنى وَترك كل خلق دنى
وَبِه إِلَى الْخَطِيب أخبرنَا بكران بن الطّيب الجرجرائى حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول لَا تكون من الصَّادِقين أَو تصدق مَكَانا لَا ينجيك إِلَّا الْكَذِب فِيهِ
أخبرنَا الْمسند عز الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن ضِيَاء الدّين أَبى الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن عمر بن الحموى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن البخارى أخبرنَا أَبُو حَفْص بن طبرزد أخبرنَا القاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى أخبرنَا أَبُو حَفْص هناد بن إِبْرَاهِيم أَبُو المظفر القاضى النسفى قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الفارسى يَقُول كَانَ الْجُنَيْد بَات لَيْلَة الْعِيد فى مَوضِع غير الْموضع الذى كَانَ يعتاده فى الْبَريَّة فَلَمَّا أَن صَار وَقت السحر إِذا بشاب ملتف فى عباءة وَهُوَ يبكى وَيَقُول
(بِحرْمَة غربتى كم ذَا الصدود ... أَلا تعطف على أَلا تجود)
(سرُور الْعِيد قد عَم النواحى ... وضرى فى ازدياد لَا يبيد)
(فَإِن كنت اقترفت خلال سوء ... فعذرى فى الْهوى أَن لَا أَعُود)(2/271)
أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو بكر إِسْمَاعِيل بن الأنماطى وَأُخْته رقية وَغَيرهمَا حضورا عَن أَبى بكر بن أَبى سعد الصفار أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامى أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُؤَذّن أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله ابْن باكويه أخبرنَا نصر بن أَبى نصر أخبرنَا جَعْفَر بن نصير قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد قَالَ حججْت على الْوحدَة فجاورت بِمَكَّة فَكنت إِذا جن اللَّيْل دخلت الطّواف فَإِذا بِجَارِيَة تَطوف وَتقول
(أَبى الْحبّ أَن يخفى وَكم قد كتمته ... فَأصْبح عندى قد أَنَاخَ وطنبا)
(إِذا اشْتَدَّ شوقى هام قلبى بِذكرِهِ ... فَإِن رمت قربا من حبيبى تقربا)
(ويبدو فأفنى ثمَّ أحيى بِهِ لَهُ ... ويسعدنى حَتَّى ألذ وأطربا)
قَالَ فَقلت لَهَا يَا جَارِيَة أما تتقين الله فى مثل هَذَا الْمَكَان تتكلمين بِمثل هَذَا الْكَلَام فالتفتت إِلَى وَقَالَت يَا جُنَيْد
(لَوْلَا التقى لم ترنى ... أَهجر طيب الوسن)
(إِن التقى شردنى ... كَمَا ترى عَن وطنى)
(أفر من وجدى بِهِ ... فحبه هيمنى)
ثمَّ قَالَت يَا جُنَيْد تَطوف بِالْبَيْتِ أم بِرَبّ الْبَيْت فَقلت أَطُوف بِالْبَيْتِ فَرفعت طرفها إِلَى السَّمَاء وَقَالَت سحانك مَا أعظم مشيئتك فى خلقك خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار ثمَّ أنشأت تَقول
(يطوفون بالأحجار يَبْغُونَ قربَة ... إِلَيْك وهم أقسى قلوبا من الصخر)
(وتاهوا فَلم يدروا من التيه من هم ... وحلوا مَحل الْقرب فى بَاطِن الْفِكر)
(فَلَو أَخْلصُوا فى الود غَابَتْ صفاتهم ... وَقَامَت صِفَات الود للحق بِالذكر)(2/272)
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل القارى إجَازَة أخبرنَا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم القشيرى سَمَاعا عَلَيْهِ إملاء قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا سعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الصفار قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن السلمى قَالَ سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله قَالَ سَمِعت أَبَا عمر الأنماطى قَالَ قَالَ رجل للجنيد على مَاذَا يتأسف الْمُحب من أوقاته فَقَالَ على زمَان بسط أورث قبضا أَو زمَان أنس أورث وَحْشَة ثمَّ أنشأ يَقُول
(قد كَانَ لى مشرب يصفو بقربكم ... فكدرته يَد الْأَيَّام حِين صفا)
وَبِه إِلَى هبة الرَّحْمَن القشيرى أخبرنَا أَبُو صَالح أَحْمد بن عبد الْملك الْمُؤَذّن أخبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد الأصبهانى قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن على بن هَارُون بن مُحَمَّد وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد يَقُولَانِ سمعنَا أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد ابْن مُحَمَّد غير مرّة يَقُول طريقنا مضبوط بِالْكتاب وَالسّنة من لم يحفظ الْقُرْآن وَلم يكْتب الحَدِيث وَلم يتفقه لَا يقْتَدى بِهِ
وأخبرناه أَيْضا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن أَحْمد الخلاطى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم بن أَبى الْقَاسِم أخبرنَا والدى أخبرنَا أَبُو الْفضل عبد الله بن أَحْمد الطوسى أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن عبد الرَّزَّاق الزعفرانى البغدادى قِرَاءَة عَلَيْهِ فى الْمحرم سنة سبع وَخَمْسمِائة قيل لَهُ أخْبركُم أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن على بن عبد الله الْحَافِظ الصقلى أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن هَارُون بن مُحَمَّد وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد قَالَا سمعنَا أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد رَحمَه الله يَقُول تفقهت على مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث كأبى عبيد وأبى ثَوْر وصحبت الْحَارِث(2/273)
المحاسبى وسرى بن الْمُغلس رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَذَلِكَ كَانَ سَبَب فلاحى إِذْ علمنَا هَذَا مضبوط بِالْكتاب وَالسّنة وَمن لم يحفظ الْقُرْآن وَيكْتب الحَدِيث ويتفقه قبل سلوكه فَإِنَّهُ لَا يجوز الِاقْتِدَاء بِهِ
أخبرنَا الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة
ح وَأخْبرنَا يحيى بن يُوسُف المصرى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا عبد الْوَهَّاب بن ظافر بن رواج قَالَ ابْن جمَاعَة سَمَاعا وَقَالَ شَيخنَا إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلفى أخبرنَا أَبُو الْحسن العلاف أخبرنَا أَبُو الْحسن الحمامى حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن جَعْفَر الختلى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم بن بكير قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول بنى أمرنَا هَذَا على أَربع لَا نتكلم إِلَّا عَن وجود وَلَا نَأْكُل إِلَّا عَن فاقة وَلَا ننام إِلَّا عَن غَلَبَة وَلَا نسكت إِلَّا عَن خشيَة
ذكر نخب وفوائد عَن أَبى الْقَاسِم رَحمَه الله)
هَل الْأَفْضَل للمحتاج أَن يَأْخُذ من الزَّكَاة أَو صَدَقَة التَّطَوُّع قَالَ الغزالى فى الْإِحْيَاء اخْتلف فِيهِ السّلف وَكَانَ الْجُنَيْد والخواص وَجَمَاعَة يَقُولُونَ الْأَخْذ من الصَّدَقَة أفضل لِئَلَّا يضيق على الْأَصْنَاف وَلِئَلَّا يخل بِشَرْط من شُرُوطهَا وَقَالَ آخَرُونَ الزَّكَاة أفضل لِأَنَّهَا إِعَانَة على وَاجِب وَلَو ترك أهل الزَّكَاة أَخذهَا أثموا وَلِأَن الزَّكَاة لَا منَّة فِيهَا
قَالَ الغزالى وَالصَّوَاب أَنه يخْتَلف بالأشخاص فَإِن عرض لَهُ شُبْهَة فى اسْتِحْقَاقه لم يَأْخُذ الزَّكَاة وَإِن قطع باستحقاقه ينظر إِن كَانَ الْمُتَصَدّق إِن لم يَأْخُذهَا هَذَا لم يتَصَدَّق(2/274)
فليأخذ الصَّدَقَة فَإِن إِخْرَاج الزَّكَاة لابد مِنْهُ وَإِن كَانَ لابد من إِخْرَاج تِلْكَ الصَّدَقَة يُخَيّر قَالَ وَأخذ الزَّكَاة أَشد فى كسر النَّفس
61 - الْحَارِث بن أَسد المحاسبى أَبُو عبد الله
علم العارفين فى زَمَانه وأستاذ السائرين الْجَامِع بَين علمى الْبَاطِن وَالظَّاهِر شيخ الْجُنَيْد
وَيُقَال إِنَّمَا سمى المحاسبى لِكَثْرَة محاسبته لنَفسِهِ
قَالَ ابْن الصّلاح ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور فى الطَّبَقَة الأولى فِيمَن صحب الشافعى وَقَالَ كَانَ إِمَام الْمُسلمين فى الْفِقْه والتصوف والْحَدِيث وَالْكَلَام وَكتبه فى هَذِه الْعُلُوم أصُول من يصنف فِيهَا وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر متكلمى الصفاتية
ثمَّ قَالَ لَو لم يكن فِي أَصْحَاب الشافعى فى الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَالْقِيَاس والزهد والورع والمعرفة إِلَّا الْحَارِث المحاسبى لَكَانَ مغبرا فى وُجُوه مخالفيه وَالْحَمْد لله على ذَلِك
قَالَ ابْن الصّلاح صحبته للشافعى لم أر أحدا ذكرهَا سواهُ وَلَيْسَ أَبُو مَنْصُور من أهل هَذَا الْفَنّ فيعتمد فِيمَا تفرد بِهِ والقرائن شاهدة بانتفائها
قلت إِن كَانَ أَبُو مَنْصُور صرح بِأَنَّهُ صحب الشافعى فالاعتراض عَلَيْهِ لائح وَإِلَّا فقد يكون أَرَادَ بالطبقة الأولى من عاصر الشافعى وَكَانَ فى طبقَة الآخذين عَنهُ وَقد ذكره فى الطَّبَقَة الأولى أَيْضا أَبُو عَاصِم العبادى وَقَالَ كَانَ مِمَّن عاصر الشافعى وَاخْتَارَ مذْهبه وَلم يقل كَانَ مِمَّن صَحبه فَلَعَلَّ هَذَا الْقدر مُرَاد أَبى مَنْصُور(2/275)
روى الْحَارِث عَن يزِيد بن هَارُون وطبقته
روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس بن مَسْرُوق وَأحمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار الصوفى وَالشَّيْخ الْجُنَيْد وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج وَأَبُو على الْحُسَيْن بن خيران الْفَقِيه وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب لَهُ كتب كَثِيرَة فى الزّهْد وأصول الدّيانَة وَالرَّدّ على الْمُعْتَزلَة والرافضة
قلت كتبه كَثِيرَة الْفَوَائِد جمة الْمَنَافِع وَقَالَ جمع من الصُّوفِيَّة إِنَّهَا تبلغ مائتى مُصَنف
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف اقتدوا بِخَمْسَة من شُيُوخنَا وَالْبَاقُونَ سلمُوا إِلَيْهِم أَحْوَالهم الْحَارِث بن أَسد المحاسبى والجنيد بن مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد رُوَيْم وَأَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء وَعَمْرو بن عُثْمَان المكى لأَنهم جمعُوا بَين الْعلم والحقائق
وَقَالَ جَعْفَر الخلدى سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول كنت كثيرا أَقُول لِلْحَارِثِ عزلتى أنسى فَيَقُول كم تَقول أنسى وعزلتى لَو أَن نصف الْخلق تقربُوا منى مَا وجدت بهم أنسا وَلَو أَن نصف الْخلق الآخر نأوا عَنى مَا استوحشت لبعدهم
قَالَ وَسمعت الْجُنَيْد يَقُول كَانَ الْحَارِث كثير الضّر فاجتاز بى يَوْمًا وَأَنا جَالس على بابنا فَرَأَيْت على وَجهه زِيَادَة الضّر من الْجُوع فَقلت لَهُ يَا عَم لَو دخلت إِلَيْنَا نلْت من شئ من عندنَا وعمدت إِلَى بَيت عمى وَكَانَ أوسع من بيتنا لَا يَخْلُو من أَطْعِمَة فاخرة لَا يكون مثلهَا فى بيتنا سَرِيعا فَجئْت بأنواع كَثِيرَة من الطَّعَام فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَمد يَده فَأخذ لقْمَة فَرَفعهَا إِلَى فِيهِ فرأيته يعلكها وَلَا يزدردها ثمَّ وثب وَخرج وَمَا كلمنى فَلَمَّا كَانَ الْغَد لَقيته فَقلت لَهُ يَا عَم سررتنى ثمَّ نغصت على قَالَ يَا بنى أما الْفَاقَة فَكَانَت شَدِيدَة وَقد اجتهدت فى أَن أنال من الطَّعَام الذى قَدمته إِلَى وَلَكِن بينى وَبَين الله عَلامَة إِذا لم يكن الطَّعَام مرضيا ارْتَفع إِلَى أنفى مِنْهُ زفرَة فَلم تقبله نفسى فقد رميت بِتِلْكَ اللُّقْمَة فى دهليزكم(2/276)
وفى رِوَايَة أُخْرَى كَانَ إِذا مد يَده إِلَى طَعَام فِيهِ شُبْهَة تحرّك لَهُ عرق فى أُصْبُعه فَيمْتَنع مِنْهُ
وَقَالَ الْجُنَيْد مَاتَ أَبُو الْحَارِث يَوْم مَاتَ وَإِن الْحَارِث لمحتاج إِلَى دانق فضَّة وَخلف أَبوهُ مَالا كثيرا وَمَا أَخذ مِنْهُ حَبَّة وَاحِدَة وَقَالَ أهل ملتين لَا يتوارثان وَكَانَ أَبوهُ رَافِضِيًّا
وَقَالَ أَبُو على بن خيران الْفَقِيه رَأَيْت الْحَارِث بِبَاب الطاق فى وسط الطَّرِيق مُتَعَلقا بِأَبِيهِ وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ يَقُول أمى طَلقهَا فَإنَّك على دين وهى على دين غَيره
وَهَذَا من الْحَارِث بِنَاء على القَوْل بتكفير الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّهُ كَانَ يرى ذَلِك وَأما الْحِكَايَة الْمُتَقَدّمَة فى أَنه لم يَأْخُذ من مِيرَاث أَبِيه فَلَعَلَّهُ ترك الْأَخْذ من مِيرَاثه ورعا لِأَنَّهُ فى مَحل الْخلاف إِذْ فى تَكْفِير الْقَدَرِيَّة خلاف وفى نفى التَّوَارُث بِنَاء على التَّكْفِير أَيْضا خلاف وَابْن الصّلاح جعل عدم أَخذه من مِيرَاث أَبِيه دَلِيلا مِنْهُ على أَنه يَقُول بالتكفير وَفِيه نظر لاحْتِمَال أَنه فعل ذَلِك ورعا وَقد صرح بَعضهم بذلك وَبِأَن الله عوضه عَن ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ لَا يدْخل بَطْنه إِلَّا الْحَلَال الْمَحْض كَمَا تقدم
وَأما حمله أَبَاهُ على أَن يُطلق امْرَأَته فصريح فى أَنه كَانَ يرى التَّكْفِير إِذْ لَا مَحل للورع هُنَا
وَقيل أنْشد قَوَّال بَين يدى الْحَارِث هَذِه الأبيات
(أَنا فى الغربة أبكى ... مَا بَكت عين غَرِيب)
(لم أكن يَوْم خروجى ... من بلادى بمصيب)
(عجبا لى ولتركى ... وطنا فِيهِ حبيبى)
فَقَامَ يتواجد ويبكى حَتَّى رَحمَه كل من حَضَره
وروى الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملى القاضى قَالَ قَالَ أَبُو بكر بن هَارُون بن المجدر(2/277)
سَمِعت جَعْفَر ابْن أخى أَبى ثَوْر يَقُول حضرت وَفَاة الْحَارِث فَقَالَ إِن رَأَيْت مَا أحب تبسمت إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك تنسمتم فى وجهى قَالَ فَتَبَسَّمَ ثمَّ مَاتَ
قَوْله تنسمتم فى وجهى بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا نون ثمَّ سين ضبطناه لِئَلَّا يتصحف
توفى الْحَارِث سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
ذكر الْبَحْث عَمَّا كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام أَحْمد
أول مَا نقدمه أَنه ينبغى لَك أَيهَا المسترشد أَن تسلك سَبِيل الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الماضين وَأَن لَا تنظر إِلَى كَلَام بَعضهم فى بعض إِلَّا إِذا أَتَى ببرهان وَاضح ثمَّ إِن قدرت على التَّأْوِيل وتحسين الظَّن فدونك وَإِلَّا فَاضْرب صفحا عَمَّا جرى بَينهم فَإنَّك لم تخلق لهَذَا فاشتغل بِمَا يَعْنِيك ودع مَالا يَعْنِيك وَلَا يزَال طَالب الْعلم عندى نبيلا حَتَّى يَخُوض فِيمَا جرى بَين السّلف الماضين وَيقْضى لبَعْضهِم على بعض فإياك ثمَّ إياك أَن تصغى إِلَى مَا اتّفق بَين أَبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى أَو بَين مَالك وَابْن أَبى ذِئْب أَو بَين أَحْمد بن صَالح والنسائى أَو بَين أَحْمد ابْن حَنْبَل والْحَارث المحاسبى وهلم جرا إِلَى زمَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ تقى الدّين بن الصّلاح فَإنَّك إِن اشتغلت بذلك خشيت عَلَيْك الْهَلَاك فالقوم أَئِمَّة أَعْلَام ولأقوالهم محامل رُبمَا لم يفهم بَعْضهَا فَلَيْسَ لنا إِلَّا الترضى عَنْهُم وَالسُّكُوت عَمَّا جرى بَينهم كَمَا يفعل فِيمَا جرى بَين الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم
إِذا عرفت ذَلِك فَاعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ كَانَ شَدِيد النكير على من يتَكَلَّم فى علم الْكَلَام خوفًا أَن يجر ذَلِك إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَا شكّ أَن السُّكُوت عَنهُ مَا لم تدع إِلَيْهِ الْحَاجة أولى وَالْكَلَام فِيهِ عِنْد فقد الْحَاجة بِدعَة وَكَانَ الْحَارِث قد تكلم فى شئ من مسَائِل الْكَلَام
قَالَ أَبُو الْقَاسِم النصراباذى بلغنى أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل هجره بِهَذَا السَّبَب(2/278)
قلت وَالظَّن بِالْحَارِثِ أَنه إِنَّمَا تكلم حِين دعت الْحَاجة وَلكُل مقصد وَالله يرحمهما
وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى أخبرهُ قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج يَقُول قَالَ لى أَحْمد بن حَنْبَل بلغنى أَن الْحَارِث هَذَا يكثر الْكَوْن عنْدك فَلَو أحضرته مَنْزِلك وأجلستنى من حَيْثُ لَا يرانى فَأَسْمع كَلَامه فقصدت الْحَارِث وَسَأَلته أَن يحضرنا تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَن يحضر أَصْحَابه فَقَالَ فيهم كَثْرَة فَلَا تزدهم على الْكسْب وَالتَّمْر فَأتيت أَبَا عبد الله فأعلمته فَحَضَرَ إِلَى غرفَة واجتهد فى ورده وَحضر الْحَارِث وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا ثمَّ صلوا الْعَتَمَة وَلم يصلوا بعْدهَا وقعدوا بَين يدى الْحَارِث لَا ينطقون إِلَى قريب نصف اللَّيْل ثمَّ ابْتَدَأَ رجل مِنْهُم فَسَأَلَ عَن مَسْأَلَة فَأخذ الْحَارِث فى الْكَلَام وَأَصْحَابه يَسْتَمِعُون كَأَن على رؤوسهم الطير فَمنهمْ من يبكى وَمِنْهُم من يحن وَمِنْهُم من يزعق وَهُوَ فى كَلَامه فَصَعدت الغرفة لأتعرف حَال أَبى عبد الله فَوَجَدته قد بَكَى حَتَّى غشى عَلَيْهِ فَانْصَرَفت إِلَيْهِم وَلم تزل تِلْكَ حَالهم حَتَّى أَصْبحُوا وذهبوا فَصَعدت إِلَى أَبى عبد الله فَقَالَ مَا أعلم أَنى رَأَيْت مثل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَلَا سَمِعت فى علم الْحَقَائِق مثل كَلَام هَذَا الرجل وَمَعَ هَذَا فَلَا أرى لَك صحبتهم ثمَّ قَامَ وَخرج وفى رِوَايَة أُخْرَى أَن أَحْمد قَالَ لَا أنكر من هَذَا شَيْئا
قلت تَأمل هَذِه الْحِكَايَة بِعَين البصيرة وَاعْلَم أَن أَحْمد بن حَنْبَل إِنَّمَا لم ير لهَذَا الرجل صحبتهم لقصوره عَن مقامهم فَإِنَّهُم فى مقَام ضيق لَا يسلكه كل أحد فيخاف على سالكه وَإِلَّا فَأَحْمَد قد بَكَى وشكر الْحَارِث هَذَا الشُّكْر وَلكُل رأى واجتهاد حشرنا الله مَعَهم أَجْمَعِينَ فى زمرة سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم(2/279)
ذكر شىء من الرِّوَايَة عَن الْحَارِث
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر النابلسى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أقضى الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم النابلسى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الشَّيْخ تقى الدّين أَبُو على الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى سَمَاعا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد السلفى سَمَاعا عَلَيْهِ
ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى أخبرنى الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ من أصل سَمَاعه بِمَدِينَة السَّلَام فى ذى الْقعدَة سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن الطريشيثى الصوفى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله المالينى لفظا أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الشمشاطى حَدثنَا أَحْمد بن الْقَاسِم بن نصر أخبرنَا الْحَارِث بن أَسد المحاسبى الْعَنزي أخبرنَا يزِيد بن هَارُون عَن شُعْبَة عَن الْقَاسِم بن أَبى بزَّة عَن عَطاء الكيخارانى أَو الخراسانى عَن أم الدَّرْدَاء عَن أَبى الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أثقل مَا يوضع فى ميزَان العَبْد يَوْم الْقِيَامَة حسن الْخلق)
أخبرنَا الشَّيْخ الْمسند تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أَبى الْيُسْر قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا جدى أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا عبد اللَّطِيف بن إِسْمَاعِيل بن أَبى سعد النيسابورى(2/280)
ح وَأخْبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن الحموى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن البخارى أخبرنَا ابْن طبرزد
ح وَأخْبرنَا الْوَالِد تغمده الله برحمته قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطى الْحَافِظ أخبرنَا يُوسُف بن خَلِيل الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الأزجى أخبرنَا أَبُو طَالب اليوسفى قَالَ النيسابورى وَابْن طبرزد أخبرنَا القاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى قَالَ سَمِعت وَقَالَ اليوسفى قَالَ النيسابورى أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن على الجوهرى سَمِعت أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكرى يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَسْرُوق يَقُول سَمِعت حارثا المحاسبى يَقُول ثَلَاثَة أَشْيَاء عزيزة أَو مَعْدُومَة حسن الْوَجْه مَعَ الصيانة وَحسن الْخلق مَعَ الدّيانَة وَحسن الإخاء مَعَ الْأَمَانَة
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا ابْن السّلم أخبرنَا الأوقى أخبرنَا السلفى أخبرنى الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن بن زَكَرِيَّا الصوفى فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن على بن الْحُسَيْن الطريثيثى الصوفى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَفْص بن خَلِيل الهروى المالينى لفظا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن بنت أَبى حَفْص النسائى أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الملطى أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى شيخ قَالَ قَالَ لى أَحْمد بن الْحسن الأنصارى سَأَلت الْحَارِث المحاسبى عَن الْعقل فَقَالَ هُوَ نور الغريزة مَعَ التجارب يزِيد ويقوى بِالْعلمِ والحلم
قلت هَذَا الذى قَالَه الْحَارِث فى الْعقل قريب مِمَّا نقل عَنهُ أَنه غريزة يَتَأَتَّى بهَا دَرك الْعُلُوم وسنتكلم عَن ذَلِك(2/281)
وَمن كَلِمَات الْحَارِث والفوائد عَنهُ
أصل الطَّاعَة الْوَرع وأصل الْوَرع التَّقْوَى وأصل التَّقْوَى محاسبة النَّفس وأصل محاسبة النَّفس الْخَوْف والرجاء وأصل الْخَوْف والرجاء معرفَة الْوَعْد والوعيد وأصل معرفَة الْوَعْد والوعيد دَاء عَظِيم الْجَزَاء وأصل ذَلِك الفكرة وَالْعبْرَة وأصدق بَيت قالته الْعَرَب قَول حسان بن ثَابت الأنصارى رضى الله عَنهُ
(وَمَا حملت من نَاقَة فَوق كورها ... أعز وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد)
قلت وَهَذَا حق وَنَظِير هَذَا الْبَيْت فى الصدْق قَول حسان أَيْضا
(وَمَا فقد الماضون مثل مُحَمَّد ... وَلَا مثله حَتَّى الْقِيَامَة يفقد)
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدق كلمة قَالَهَا لبيد
(أَلا كل شىء مَا خلا الله بَاطِل ... )
ذَاك أصدق كَلِمَات لبيد نَفسه فَلَا ينافى هَذَا
وَقَالَ الْحَارِث الْعلم يُورث المخافة والزهد يُورث الرَّاحَة والمعرفة تورث الْإِنَابَة وَخيَار هَذِه الْأمة الَّذين لَا تشغلهم آخرتهم عَن دنياهم وَلَا دنياهم عَن آخرتهم وَمن حسنت مُعَامَلَته فى ظَاهره مَعَ جهد بَاطِنه وَرثهُ الله الْهِدَايَة إِلَيْهِ لقَوْله عز وَجل {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ}
وَقَالَ حسن الْخلق احْتِمَال الْأَذَى وَقلة الْغَضَب وَبسط الرَّحْمَة وَطيب الْكَلَام وَلكُل شىء جَوْهَر وجوهر الْإِنْسَان الْعقل وجوهر الْعقل الصَّبْر وَالْعَمَل بحركات الْقُلُوب فى مطالعات الغيوب أشرف من الْعَمَل بحركات الْجَوَارِح(2/282)
وَقَالَ إِذا أَنْت لم تسمع نِدَاء الله فَكيف تجيب دَعَاهُ وَمن اسْتغنى بشىء دون الله جهل قدر الله والظالم نادم وَإِن مدحه النَّاس والمظلوم سَالم وَإِن ذمه النَّاس والقانع غنى وَإِن جَاع والحريص فَقير وَإِن ملك وَمن لم يشْكر الله تَعَالَى على النِّعْمَة فقد استدعى زَوَالهَا
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى تَعْرِيف الْعقل وَمَا حوم عَلَيْهِ أحد من عُلَمَائِنَا غير الْحَارِث المحاسبى فَإِنَّهُ قَالَ الْعقل غريزة يَتَأَتَّى بهَا دَرك الْعُلُوم وَلَيْسَت مِنْهَا انْتهى
وَقد ارتضى الإِمَام كَلَام الْحَارِث هَذَا كَمَا ترى وَقَالَ عَقِيبه إِنَّه صفة إِذا ثبتَتْ يَتَأَتَّى بهَا التَّوَصُّل إِلَى الْعُلُوم النظرية ومقدماتها من الضروريات الَّتِى هى من مُسْتَند النظريات انْتهى
وَهُوَ مِنْهُ بِنَاء على أَن الْعقل لَيْسَ بِعلم والمعزو إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى أَنه الْعلم
وَقَالَ القاضى أَبُو بكر إِنَّه بعض الْعُلُوم الضرورية
وَالْإِمَام حكى فى الشَّامِل مقَالَة الْحَارِث هَذِه الَّتِى استحسنها هُنَا وَقَالَ إِنَّا لَا نرضاها ونتهم فِيهَا النقلَة عَنهُ
ثمَّ قَالَ وَلَو صَحَّ النَّقْل عَنهُ فَمَعْنَاه أَن الْعقل لَيْسَ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَهُوَ إِذا أطلق الْمعرفَة أَرَادَ بهَا معرفَة الله فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعقل بِنَفسِهِ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَلكنه غريزة وعنى بالغريزة أَنه عَالم لأمر جبل الله عَلَيْهِ الْعَاقِل ويتوصل بِهِ إِلَى معرفَة الله انْتهى كَلَامه فى الشَّامِل
وَالْمَنْقُول عَن الْحَارِث ثَابت عَنهُ وَقد نَص عَلَيْهِ فى كتاب الرِّعَايَة وَكَأن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نظر كَلَام الْحَارِث بعد ذَلِك ثمَّ لَا حت لَهُ صِحَّته بَعْدَمَا كَانَ لَا يرضاه
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ فى ارتضاء مَذْهَب الْحَارِث واعتقاده مَا ينْتَقد وَلَا يلْزمه قَول بالطبائع وَلَا شىء من مقالات الفلاسفة كَمَا ظَنّه بعض شرَّاح كتاب الْبُرْهَان وَقد قَررنَا هَذَا(2/283)
فى غير هَذَا الْموضع وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِنَّه أَرَادَ معرفَة الله مَمْنُوع فقد قدمنَا عَن الْحَارِث بِالْإِسْنَادِ قَوْله إِنَّه نور الغريزة يقوى وَيزِيد بالتقوى نعم الْحَارِث لَا يُرِيد بِكَوْنِهِ نورا مَا تدعيه الفلاسفة
62 - دَاوُد بن على بن خلف أَبُو سُلَيْمَان البغدادى الأصبهانى
إِمَام أهل الظَّاهِر
ولد سنة مِائَتَيْنِ وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
وَكَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وهداتهم وَله فى فَضَائِل الشافعى رَحمَه الله مصنفات
سمع سُلَيْمَان بن حَرْب والقعنبى وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَمُحَمّد بن كثير العبدى ومسددا وَأَبا ثَوْر الْفَقِيه وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه رَحل إِلَيْهِ إِلَى نيسابور فَسمع مِنْهُ الْمسند وَالتَّفْسِير وجالس الْأَئِمَّة وصنف الْكتب
قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا ورعا ناسكا زاهد وفى كتبه حَدِيث كثير لَكِن الرِّوَايَة عَنهُ عزيزة جدا روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وزَكَرِيا الساجى ويوسف بن يَعْقُوب الداودى الْفَقِيه وعباس بن أَحْمد الْمُذكر وَغَيرهم
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَأخذ الْعلم عَن إِسْحَاق(2/284)
وأبى ثَوْر وَكَانَ زاهدا متقللا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب كَانَ دَاوُد عقله أَكثر من علمه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَقيل كَانَ فى مَجْلِسه أَرْبَعمِائَة صَاحب طيلسان أَخْضَر وَكَانَ من المتعصبين للشافعى صنف كتابين فى فضائله وَالثنَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بِبَغْدَاد وَأَصله من أصفهان ومولده بِالْكُوفَةِ ومنشأه بِبَغْدَاد وقبره بهَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن الْمُبَارك المستملى رَأَيْت دَاوُد بن على يرد على إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمَا رَأَيْت أحدا قبله وَلَا بعده يرد عَلَيْهِ هَيْبَة لَهُ
وَقَالَ عمر بن مُحَمَّد بن بجير سَمِعت دَاوُد بن على يَقُول دخلت على إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه وَهُوَ يحتجم فَجَلَست فَرَأَيْت كتاب الشافعى فَأخذت أنظرفصاح أيش تنظر فَقلت {معَاذ الله أَن نَأْخُذ إِلَّا من وجدنَا متاعنا عِنْده} فَجعل يضْحك ويتبسم
وَقَالَ سعيد البردعى كُنَّا عِنْد أَبى زرْعَة فَاخْتلف رجلَانِ فى أَمر دَاوُد والمزنى وَالرجلَانِ فضلك الرازى وَابْن خرَاش فَقَالَ ابْن خرَاش دَاوُد كَافِر وَقَالَ فضلك المزنى جَاهِل فَأقبل عَلَيْهِمَا أَبُو زرْعَة فوبخهما وَقَالَ مَا وَاحِد مِنْكُمَا لَهُ بِصَاحِب ثمَّ قَالَ نرى دَاوُد هَذَا لَو اقْتصر على مَا يقْتَصر عَلَيْهِ أهل الْعلم لظَنَنْت أَنه يكمد أهل الْبدع بِمَا عِنْده من الْبَيَان والأدلة وَلكنه تعدى لقد لقد قدم علينا من نيسابور فَكتب إِلَى مُحَمَّد بن رَافع(2/285)
وَمُحَمّد بن يحيى وَعمر بن زُرَارَة وحسين بن مَنْصُور ومشيخة نيسابور بِمَا أحدث هُنَاكَ فكتمت ذَلِك لما خفت من عواقبه وَلم أَبَد لَهُ شَيْئا فَقدم بَغْدَاد وَكَانَ بَينه وَبَين صَالح بن أَحْمد حسن فَكلم صَالحا أَن يتلطف لَهُ فى الاسْتِئْذَان على أَبِيه فَأتى وَقَالَ سألنى رجل أَن يَأْتِيك قَالَ مَا اسْمه قَالَ دَاوُد قَالَ ابْن من قَالَ هُوَ من أهل أَصْبَهَان وَكَانَ صَالح يروغ عَن تَعْرِيفه فَمَا زَالَ أَبوهُ يفحص حَتَّى فطن بِهِ فَقَالَ هَذَا قد كتب إِلَى مُحَمَّد بن يحيى فى أمره أَنه زعم أَن الْقُرْآن مُحدث فَلَا يقربنى قَالَ إِنَّه ينتفى من هَذَا وينكره قَالَ مُحَمَّد بن يحيى أصدق مِنْهُ لَا تَأذن لَهُ
قَالَ الْخلال أخبرنَا الْحُسَيْن بن عبد الله قَالَ سَأَلت المروزى عَن قصَّة دَاوُد الأصبهانى وَمَا أنكر عَلَيْهِ أَبُو عبد الله فَقَالَ كَانَ دَاوُد خرج إِلَى خُرَاسَان إِلَى ابْن رَاهَوَيْه فَتكلم بِكَلَام شهد عَلَيْهِ أَبُو نصر بن عبد الْمجِيد وَآخر شَهدا عَلَيْهِ أَنه قَالَ إِن الْقُرْآن مُحدث فَقَالَ لى أَبُو عبد الله بن دَاوُد بن على لَا فرج الله عَنهُ
قلت هَذَا من غلْمَان أَبى ثَوْر قَالَ جاءنى كتاب مُحَمَّد بن يحيى النيسابورى أَن دَاوُد الأصبهانى قَالَ ببلدنا إِن الْقُرْآن مُحدث
قَالَ المروزى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم النيسابورى أَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لما سمع كَلَام دَاوُد فى بَيته وثب عَلَيْهِ إِسْحَاق فَضَربهُ وَأنكر عَلَيْهِ
قَالَ الْخلال سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَدَقَة سَمِعت مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صبيح سَمِعت دَاوُد الأصبهانى يَقُول الْقُرْآن مُحدث ولفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق
أخبرنَا سعيد بن أَبى مُسلم سَمِعت مُحَمَّد بن عَبدة يَقُول دخلت إِلَى دَاوُد فَغَضب على أَحْمد بن حَنْبَل فَدخلت عَلَيْهِ فَلم يكلمنى فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَبَا عبد الله إِنَّه رد عَلَيْهِ مَسْأَلَة قَالَ وَمَا هى
قَالَ قَالَ الْخُنْثَى إِذا مَاتَ من يغسلهُ فَقَالَ دَاوُد يغسلهُ الخدم فَقَالَ مُحَمَّد بن عَبدة(2/286)
الخدم رجال وَلَكِن ييمم فَتَبَسَّمَ أَحْمد وَقَالَ أصَاب أصَاب مَا أَجود مَا أَجَابَهُ
قلت لَيْسَ فى جَوَاب دَاوُد فى مَسْأَلَة الْخُنْثَى مَا هُوَ بَالغ فى النكرَة وفى مَذْهَبنَا وَجه أَنه ييمم وَآخر أَنه يشترى من تركته جَارِيَة لتغسله وَالصَّحِيح أَنه يغسلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا للضَّرُورَة واستصحابا لحكم الصغر
فَقَوْل دَاوُد يغسلهُ الخدم لَيْسَ بِبَعِيد فى الْقيَاس أَن يذهب إِلَيْهِ ذَاهِب وَلَا وَاصل إِلَى أَن يَجْعَل مِمَّا يضْحك مِنْهُ
وَقد كَانَ دَاوُد مَوْصُوفا بِالدّينِ المتين قَالَ القاضى المحاملى رَأَيْت دَاوُد بن على يصلى فَمَا رَأَيْت مُسلما يُشبههُ فى حسن تواضعه
قَالَ ابْن كَامِل توفى دَاوُد فى رَمَضَان سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ
ذكر شئ من الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أَنبأَنَا ابْن سَلامَة عَن اللبان عَن الشرويى أخبرنَا عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد أَبُو نصر الشيرازى قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن حمكويه الْمُفَسّر الرويانى بآمل أخبرنَا والدى أخبرنَا أَبُو تُرَاب على بن عبد الله بن الْقَاسِم البصرى بالدينور حَدثنَا دَاوُد بن على بن خلف البغدادى الْمَعْرُوف بالأصبهانى حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة حَدثنَا بشر بن السرى حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن ابْن أَبى ليلى عَن صُهَيْب عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة إِن لكم عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه فَيَقُولُونَ ألم تثقل موازيننا) الحَدِيث
قلت كَذَا أورد شَيخنَا الذهبى بعض الحَدِيث على عَادَته فى كثير من الْأَوْقَات وَأَنا لَا أحب ذَلِك(2/287)
وعندى أَنه لَا يجوز رِوَايَته بِكَمَالِهِ وَإِنَّمَا يرْوى مِنْهُ مَا صرح بِهِ فَلهَذَا اتبعته واقتصرت على الْقدر الذى ذكره مِنْهُ وَلَو قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر بن الْخطاب بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لما قلت إِلَّا قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم أقل قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ) وَلَو قلت ذَلِك لَكُنْت كَاذِبًا على عَلْقَمَة فَإِنَّهُ لم يقل لى ذَلِك بل لَو قلت إِن عَلْقَمَة حَدَّثَنى بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالْحَالة هَذِه لكذبت عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يحدثنى بِهِ فَافْهَم وَاحْترز وراقب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كذب على مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار)
فَإِن قلت قد نقل الْخَطِيب أَن أَبَا بكر الإسماعيلى سُئِلَ عَمَّن قَرَأَ إِسْنَاد الحَدِيث على الشَّيْخ ثمَّ قَالَ وَذكر الحَدِيث هَل يجوز أَن يحدث بِجَمِيعِهِ فَقَالَ أَرْجُو أَن يجوز وَذكر قَرِيبا مِنْهُ عَن أَبى على الزجاجى الطبرى
قلت أفتى الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق فى الْمسَائِل الحديثية الَّتِى سَأَلَهُ عَنْهَا الْحَافِظ أَبُو سعد بن عَلَيْك بِأَن هَذَا لَا يجوز وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَح عندى
وَمن حَدِيث دَاوُد
مَا رَوَاهُ أَبُو بكر مُحَمَّد ابْنه عَنهُ قَالَ حَدَّثَنى سُوَيْد بن سعيد قَالَ حَدَّثَنى على ابْن مسْهر عَن أَبى يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من عشق فعف فكتم فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد)
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَنا أتعجب من هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ لم يحدث بِهِ عَن سُوَيْد ابْن سعيد ثِقَة وَدَاوُد وَابْنه ثقتان(2/288)
وَمن حَدِيث دَاوُد أَيْضا من آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه وَمن كنت خَصمه خصمته يَوْم الْقِيَامَة
رَوَاهُ الْخَطِيب فى تَرْجَمَة دَاوُد وَالْحمل فِيهِ على الراوى عَنهُ الْعَبَّاس بن أَحْمد بن الْمُذكر
ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء فى أَن دَاوُد وَأَصْحَابه هَل يعْتد بخلافهم فى الْفُرُوع
الذى تحصل لى فِيهِ من كَلَام الْعلمَاء ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ مَا ذكر الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى أَنه الصَّحِيح من مَذْهَبنَا وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر آخرا
والثانى عدم اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ رأى الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى وَنَقله عَن الْجُمْهُور حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُور إِنَّهُم يعْنى نفاة الْقيَاس لَا يبلغون رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَلَا يجوز تقليدهم الْقَضَاء وَإِن ابْن أَبى هُرَيْرَة وَغَيره من الشافعيين لَا يعتدون بخلافهم فى الْفُرُوع
وَهَذَا هُوَ اخْتِيَار إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعَزاهُ إِلَى أهل التَّحْقِيق فَقَالَ والمحققون من عُلَمَاء الشَّرِيعَة لَا يُقِيمُونَ لأهل الظَّاهِر وزنا وَقَالَ فى كتاب أدب الْقَضَاء من النِّهَايَة كل مَسْلَك يخْتَص بِهِ أَصْحَاب الظَّاهِر عَن القياسيين فَالْحكم بحسنه مَنْصُوص
قَالَ وبحق قَالَ حبر الْأُصُول القاضى أَبُو بكر إنى لَا أعدهم من عُلَمَاء الْأمة وَلَا أبالى بخلافهم وَلَا وفاقهم
وَقَالَ فى بَاب قطع الْيَد وَالرجل فى السّرقَة كررنا فى مَوَاضِع فى الْأُصُول وَالْفُرُوع أَن أَصْحَاب الظَّاهِر لَيْسُوا من عُلَمَاء الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا هم نقلة إِن ظَهرت الثِّقَة
انْتهى(2/289)
وَالثَّالِث أَن قَوْلهم مُعْتَبر إِلَّا فِيمَا خَالف الْقيَاس الجلى
قلت وَهُوَ رأى الشَّيْخ أَبى عَمْرو بن الصّلاح
وسماعى من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَن الذى صَحَّ عِنْده عَن دَاوُد أَنه لَا يُنكر الْقيَاس الجلى وَإِن نقل إِنْكَاره عَنهُ ناقلون قَالَ وَإِنَّمَا يُنكر الخفى فَقَط
قَالَ ومنكر الْقيَاس مُطلقًا جليه وخفيه طَائِفَة من أَصْحَابه زعيمهم ابْن حزم
قلت ووقفت لداود رَحمَه الله على رِسَالَة أرسلها إِلَى أَبى الْوَلِيد مُوسَى بن أَبى الْجَارُود طَوِيلَة دلّت على عَظِيم مَعْرفَته بالجدل وَكَثْرَة صناعته فى المناظرة وقصدى من ذكرهَا الْآن أَن مضمونها الرَّد على أَبى إِسْمَاعِيل المزنى رَحمَه الله فى رده على دَاوُد إِنْكَار الْقيَاس وشنع فِيهِ على المزنى كثيرا وَلم أجد فى هَذَا الْكتاب لَفْظَة تدل على أَنه يَقُول بشئ من الْقيَاس بل ظَاهر كَلَامه إِنْكَاره جملَة وَإِن لم يُصَرح بذلك وَهَذِه الرسَالَة الَّتِى عندى أصل صَحِيح قديم أعتقده كتب فى حُدُود سنة ثَلَاثمِائَة أَو قبلهَا بِكَثِير ثمَّ وقفت لداود رَحمَه الله على أوراق يسيرَة سَمَّاهَا الْأُصُول نقلت مِنْهَا مَا نَصه
وَالْحكم بِالْقِيَاسِ لَا يجب وَالْقَوْل بالاستحسان لَا يجوز انْتهى
ثمَّ قَالَ وَلَا يجوز أَن يحرم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيحرم محرم غير مَا حرم لِأَنَّهُ يُشبههُ إِلَّا أَن يوقفنا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عِلّة من أجلهَا وَقع التَّحْرِيم مثل أَن يَقُول حرمت الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا مكيلة واغسل هَذَا الثَّوْب لِأَن فِيهِ دَمًا أَو اقْتُل هَذَا إِنَّه أسود يعلم بِهَذَا أَن الذى أوجب الحكم من أَجله هُوَ مَا وقف عَلَيْهِ وَمَا لم يكن ذَلِك فالبعيد وَاقع بِظَاهِر التَّوْقِيف وَمَا جَاوز ذَلِك فمسكوت عَنهُ دَاخل فى بَاب مَا عفى عَنهُ انْتهى
فَكَأَنَّهُ لَا يُسمى مَنْصُوص الْعلَّة قِيَاسا وَهَذَا يُؤَيّد مَنْقُول الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ قريب من نقل الآمدى
فالذى أرَاهُ الِاعْتِبَار بِخِلَاف دَاوُد ووفاقه نعم للظاهرية مسَائِل لَا يعْتد بِخِلَافِهِ فِيهَا لَا من حَيْثُ إِن دَاوُد غير أهل للنَّظَر بل لخرقه فِيهَا إِجْمَاعًا تقدمه وعذره أَنه لم يبلغهُ(2/290)
أَو دَلِيلا وَاضحا جدا وَذَلِكَ كَقَوْلِه فى التغوط فى المَاء الراكد وَقَوله لَا رَبًّا إِلَّا فى السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَغير ذَلِك من مسَائِل وجهت سِهَام الملام إِلَيْهِم وأفاضت سَبِيل الإزراء عَلَيْهِم
وَوَقع فى كَلَام القاضى الْحُسَيْن شئ موهم نَقله عَنهُ ابْن الرّفْعَة فى الْكِفَايَة بِعِبَارَة تزيد إيهاما ففهمه الطّلبَة عَن ابْن الرّفْعَة فهما يزِيد على مَدْلُوله فَصَارَ غَلطا على غلط وَذَلِكَ أَن ابْن الرّفْعَة ذكر فى الْكِفَايَة فى بَاب صَلَاة الْمُسَافِر بَعْدَمَا حكى أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكر أَن الْمُحَقِّقين لَا تقيم لمَذْهَب أهل الظَّاهِر وزنا مَا نَصه وَفِيه نظر فَإِن القاضى الْحُسَيْن نقل عَن الشافعى أَنه قَالَ فى الْكِتَابَة وإنى لَا أمتنع عَن كِتَابَة عبد جمع الْقُوَّة وَالْأَمَانَة وَإِنَّمَا استحبه لِلْخُرُوجِ من الْخلاف فَإِن دَاوُد أوجب كِتَابَة من جمع الْقُوَّة على الْكسْب وَالْأَمَانَة من العبيد وَدَاوُد من أهل الظَّاهِر وَقد أَقَامَ الشافعى لخلافه وزنا وَاسْتحبَّ كِتَابَة من ذكره لأجل خِلَافه انْتهى
ففهم الطّلبَة مِنْهُ أَن هَذِه الْجُمْلَة كلهَا من نَص الشافعى من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى قَوْله من العبيد وقرءوا إِنَّمَا أستحب لِلْخُرُوجِ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْحَاء فعل مضارع للمتكلم وَلَيْسَت هَذِه الْعبارَة فى النَّص وَلَا يُمكن ذَلِك فَإِن دَاوُد بعد الشافعى
وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله على حَاشِيَة الْكِفَايَة عِنْد قَوْله وَالْأَمَانَة قبيل قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ مَا نَصه هُنَا انْتهى كَلَام الشافعى وَإِنَّمَا استحبه القاضى الْحُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء فى اسْتحبَّ وَلَا يحسن أَن يُرَاد بِالْخِلَافِ خلاف دَاوُد فَإِن دَاوُد بعد الشافعى وَلَعَلَّ مُرَاد القاضى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَلَا يلْزم أَن يكون الشافعى أَقَامَ لخلاف دَاوُد وَحده وزنا انْتهى كَلَام الْوَالِد
وَأَقُول من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى وَالْأَمَانَة هُوَ النَّص كَمَا نبه عَلَيْهِ(2/291)
الشَّيْخ الإِمَام وَمن قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ إِلَى قَوْله من العبيد هُوَ كَلَام القَاضِي حُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح حاء اسْتحبَّ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْوَالِد وَلَا شكّ أَنه توهم أَن الشافعى رَاعى خلاف دَاوُد فَأجَاب الشَّيْخ الإِمَام عَنهُ بِأَنَّهُ رَاعى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ لَا أَنه نظر فى خُصُوص ذَلِك لعدم إِمْكَان ذَلِك فَإِن دَاوُد مُتَأَخّر عَنهُ وَمن قَوْله وَدَاوُد إِلَى قَوْله لأجل خِلَافه هُوَ كَلَام ابْن الرّفْعَة ذكره كَمَا نرى ردا على الإِمَام فى نَقله أَن الْمُحَقِّقين لَا يُقِيمُونَ لَهُ وزنا فنقضى عَلَيْهِ بِأَن إِمَام الْمُحَقِّقين وَهُوَ الشافعى أَقَامَ لداود وزنا حَيْثُ اعْتبر خِلَافه وَأثبت لأَجله حكما شَرْعِيًّا وَهُوَ اسْتِحْبَاب الْكِتَابَة وَهُوَ أَشد إيهاما إِذْ يكَاد يُصَرح بِأَن الشافعى نظر خلاف دَاوُد بِخُصُوصِهِ
وَلابْن الرّفْعَة عذر وَعَن كَلَامه جَوَاب كِلَاهُمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام فى هَذِه الْحَاشِيَة
أما عذره فَإِن مُرَاده الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَصحت نسبته لداود بِهَذَا الِاعْتِبَار
وَأما جَوَابه فَإِنَّهُ لَا يكون قد اعْتبر مَذْهَب دَاوُد لخصوصه بل إِنَّمَا اعْتبر مذهبا دَاوُد مُوَافق لَهُ وَالله أعلم
وعَلى هَذَا الْحمل قَول ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى الْمُصراة قَالَ دَاوُد بِإِثْبَات الْخِيَار فى الْإِبِل وَالْغنم لأجل الْخَبَر وَلم يُثبتهُ فى الْبَقر لعدم وُرُود النَّص فِيهَا ومخالفته هى الَّتِى أحوجت الشافعى إِلَى آخر مَا ذكره فَالْمُرَاد بِهِ مُخَالفَة الْمَذْهَب الذى ذهب إِلَيْهِ دَاوُد
وَنَظِيره قَول الإِمَام فى النِّهَايَة فى كتاب اخْتِلَاف الْحُكَّام والشهادات لَا يجب الْإِشْهَاد إِلَّا على عقد النِّكَاح وفى الرّجْعَة قَولَانِ وَأوجب دَاوُد الْإِشْهَاد وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الشافعى بِأَن قَالَ الله تَعَالَى أثبت الْإِشْهَاد إِلَى آخر مَا ذكره وَقد يُوهم أَن الشافعى(2/292)
احْتج على دَاوُد نَفسه وَلَيْسَ كَذَلِك بل مَعْنَاهُ أَنه احْتج على الْمَذْهَب الذى ذهب إِلَيْهِ دَاوُد وَإِلَّا فإمام الْحَرَمَيْنِ لَا يخفى عَلَيْهِ تَأَخّر دَاوُد عَن عصر الشافعى وَقد قَالَ فى النِّهَايَة فى الظِّهَار فى بَاب مَا يُجزئ من الْعُيُون فى الرّقاب بعد مَا حكى أَن دَاوُد قَالَ يُجزئ كل رَقَبَة وَقد قَالَ الشافعى لم أعلم أَن أحدا مِمَّن مضى من أهل الْعلم وَلَا ذكر لى وَلَا بقى أحد إِلَّا يقسم الْعُيُوب يعْنى إِلَى مجزئ وَغير مجزئ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا دَاوُد نَشأ بعده وعندى أَنه لَو عاصره لما عده من الْعلمَاء انْتهى
وَمن مسَائِل دَاوُد الَّتِى خرجها على أصولنا
قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى من اخْتِيَار أَبى سُلَيْمَان أَنه إِذا قَالَ رجل لامرأتين إِذا ولدتما ولدا فعبدى حر يجب أَن تَلد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ولدا وَهُوَ اخْتِيَار بعض أَصْحَابنَا وَاخْتِيَار المزنى أَيَّتهمَا ولدت عتق وَاخْتِيَار غَيره أَنه محَال
قلت قَول المزنى غَرِيب
قَالَ أَبُو عَاصِم وَمن اخْتِيَاره أَن الْجُمُعَة تصلى فى مَسَاجِد العشائر كَقَوْل أَبى ثَوْر
63 - سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن إِسْحَاق بن بشير بن شَدَّاد بن عَمْرو بن عمرَان الإِمَام الْجَلِيل أَبُو دَاوُد السجستانى الأزدى صَاحب السّنَن
من سجستان الإقليم الْمَعْرُوف المتاخم لبلاد الْهِنْد وَوهم ابْن خلكان فَقَالَ سجستان قَرْيَة من قرى الْبَصْرَة(2/293)
ولد سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
سمع من سَعْدَوَيْه وَعَاصِم بن على والقعنبى وَسليمَان بن حَرْب وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن رَجَاء وأبى الْوَلِيد وأبى سَلمَة التبوذكى وَالْحسن بن الرّبيع البورانى وَأحمد بن يُونُس اليربوعى وَصَفوَان بن صَالح وَهِشَام بن عمار وقتيبة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وأبى جَعْفَر النفيلى وَأحمد بن أَبى شُعَيْب وَيزِيد بن عبد ربه وَخلق بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَالشَّام ومصر والثغور
روى عَنهُ الترمذى والنسائى وَابْنه أَبُو بكر بن أَبى دَاوُد وَأَبُو على اللؤلؤى وَأَبُو بكر بن داسة وَأَبُو سعيد بن الأعرابى وعَلى بن الْحسن بن العَبْد وَأَبُو أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس وَأَبُو سَالم مُحَمَّد بن سعيد الجلودى وَأَبُو عَمْرو أَحْمد بن على وَهَؤُلَاء السَّبْعَة رووا عَنهُ سنَنه وَلابْن الأعرابى فِيهِ فَوت
وَأَبُو عوَانَة الإسفراينى الْحَافِظ وَأَبُو بكر الْخلال وَأَبُو بشر الدولابى وَمُحَمّد بن مخلد وعبدان الأهوازى وزَكَرِيا الساجى وَإِسْمَاعِيل الصفار وَمُحَمّد بن يحيى الصولى وَأَبُو بكر النجاد وَخلق
وَكتب عَنهُ الإِمَام أَحْمد حَدِيث العتيرة وَأحمد شَيْخه وَيُقَال إِنَّه عرض عَلَيْهِ كتاب السّنَن فَاسْتَحْسَنَهُ(2/294)
قَالَ أَبُو بكر الصغانى أَلين لأبى دَاوُد الحَدِيث كَمَا أَلين لداود عَلَيْهِ السَّلَام الْحَدِيد وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم الحربى
وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ خلق أَبُو دَاوُد فى الدُّنْيَا للْحَدِيث وفى الْآخِرَة للجنة مَا رَأَيْت أفضل مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو بكر بن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته كتاب السّنَن جمعت فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته
قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تَعَالَى وَقد وفى بذلك فَإِنَّهُ بَين الضعْف الظَّاهِر وَسكت عَن الضعْف الْمُحْتَمل فَمَا سكت عَنهُ لَا يكون حسنا عِنْده ولابد بل قد يكون مِمَّا فِيهِ ضعف انْتهى
وَقَالَ زَكَرِيَّا الساجى كتاب الله أصل الْإِسْلَام وَكتاب أَبى دَاوُد عهد الْإِسْلَام
وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين الهروى فى تَارِيخ هراة أَبُو دَاوُد السجستانى كَانَ أحد حفاظ الْإِسْلَام لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلله وَسَنَده فى أعلا دَرَجَة النّسك والعفاف وَالصَّلَاح والورع من فرسَان الحَدِيث
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَبُو دَاوُد إِمَام أهل الحَدِيث فى عصره بِلَا مدافعة
وَقَالَ أَبُو بكر الْخلال أَبُو دَاوُد الإِمَام الْمُقدم فى زَمَانه لم يسْبق إِلَى مَعْرفَته بتخريج الْعُلُوم وبصره بمواضعه رجل ورع مقدم
وَقَالَ الخطابى حَدَّثَنى عبد الله بن مُحَمَّد المسكى حَدَّثَنى أَبُو بكر بن جَابر خَادِم أَبى(2/295)
دَاوُد قَالَ كنت مَعَ أَبى دَاوُد بِبَغْدَاد فَصليت الْمغرب فجَاء الْأَمِير أَبُو أَحْمد الْمُوفق فَدخل فَأقبل عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَا جَاءَ بالأمير فى مثل هَذَا الْوَقْت فَقَالَ خلال ثَلَاث قَالَ وَمَا هى قَالَ تنْتَقل إِلَى الْبَصْرَة فتتخذها وطنا لترحل إِلَيْك طلبة الْعلم فتعمر بك فَإِنَّهَا قد خربَتْ وَانْقطع عَنْهَا النَّاس لما جرى عَلَيْهَا من محنة الزنج قَالَ هَذِه وَاحِدَة قَالَ وتروى لأولادى السّنَن فَقَالَ نعم هَات الثَّالِثَة قَالَ وَتفرد لَهُم مَجْلِسا فَإِن أَوْلَاد الْخُلَفَاء لَا يَقْعُدُونَ مَعَ الْعَامَّة قَالَ أما هَذِه فَلَا سَبِيل إِلَيْهَا لِأَن النَّاس فى الْعلم سَوَاء
قَالَ ابْن جَابر فَكَانُوا يحْضرُون ويقعدون وَبينهمْ وَبَين الْعَامَّة ستر
قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تفقه أَبُو دَاوُد بِأَحْمَد بن حنل ولازمه مُدَّة قَالَ وَكَانَ يشبه بِهِ كَمَا كَانَ أَحْمد يشبه بشيخه وَكِيع وَكَانَ وَكِيع يشبه بشيخه سُفْيَان وَكَانَ سُفْيَان يشبه بشيخه مَنْصُور وَكَانَ مَنْصُور يشبه بشيخه إِبْرَاهِيم وَكَانَ إِبْرَاهِيم يشبه بشيخه عَلْقَمَة وَكَانَ عَلْقَمَة يشبه بشيخه عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ
قَالَ شَيخنَا الذهبى وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يشبه عبد الله بن مَسْعُود بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى هَدْيه ودله
قلت أما أَنا فَمن ابْن مَسْعُود أسكت وَلَا أَسْتَطِيع أَن أشبه أحدا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى شئ من الْأَشْيَاء وَلَا أستحسنه وَلَا أجوزه وَغَايَة مَا تسمح بِهِ نفسى أَن أَقُول وَكَانَ عبد الله يقْتَدى برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تنتهى إِلَيْهِ قدرته وموهبته من الله عز وَجل لَا فى كل مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك لَيْسَ لِابْنِ مَسْعُود وَلَا للصديق وَلَا لمن اتَّخذهُ الله خَلِيلًا حشرنا الله فى زمرتهم
توفى أَبُو دَاوُد فى سادس عشر شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ(2/296)
64 - عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عِيسَى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد المروزى الزَّاهِد الجنوجردى
وجنوجرد بِضَم الْجِيم وَالنُّون ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ دَال مُهْملَة قَرْيَة من قرى مرو
كَانَ إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث فى عصره بمرو وَهُوَ الذى أظهر بهَا مَذْهَب الشافعى وَعَلِيهِ تفقه أَبُو إِسْحَاق المروزى
سمع قُتَيْبَة بن سعيد وعَلى بن حجر وَأَبا كريب وَبُنْدَار وَجُوَيْرِية وَالربيع المرادى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود الجحدرى وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَعبد الله بن مُنِير وَطَائِفَة بخراسان وَالْعراق والحجاز
روى عَنهُ عمر بن علك وَأَبُو الْعَبَّاس الدغولى وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَآخَرُونَ
رَحل إِلَى مصر وتفقه على أَصْحَاب الشافعى وبرع فى الْمَذْهَب وَكَانَ يضْرب الْمثل باسمه فى الْحِفْظ والزهد وَكَانَ مُقيما بمرو وَإِلَيْهِ مرجع الْفَتْوَى بهَا بعد أَحْمد بن سيار
صنف الْمُوَطَّأ وَغير ذَلِك
قَالَ فِيهِ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد إِنَّه الإِمَام الزَّاهِد الْحَافِظ إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث فى عصره بمرو وَهُوَ أول من حمل مُخْتَصر المزنى إِلَى مرو وَقَرَأَ علم الشافعى على المزنى وَالربيع وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للْحَدِيث
وَبِسَنَد أبي بكر بن السمعانى أَنه لما خرج إِلَى الْحَج وَبلغ نيسابور أَخذ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة ينفذ إِلَيْهِ برقاع الْفَتَاوَى وَيَقُول أَنا لَا أفتى ببلدة أستاذى فِيهَا(2/297)
قَالَ أَبُو بكر بن السمعانى وَمِمَّنْ تخرج على عَبْدَانِ فى الْفِقْه من المراوزة أَبُو بكر ابْن مُحَمَّد بن مَحْمُود المحمودى وَأَبُو الْعَبَّاس السيارى وَأَبُو إِسْحَاق الخالداباذى الْمَعْرُوف بالمروزى صَاحب الشَّرْح
وبإسناده عَن بعض الْمَشَايِخ اجْتمع فى عَبْدَانِ أَرْبَعَة أَنْوَاع من المناقب الْفِقْه والإسناد والورع وَالِاجْتِهَاد انْتهى
قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا نعيم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الغفارى بمرو يَقُول سَمِعت عَبْدَانِ بن مُحَمَّد الْحفاظ يَقُول ولدت سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ لَيْلَة عَرَفَة فى ذى الْحجَّة
قَالَ أَبُو سعد بن السمعانى اسْم عَبْدَانِ عبيد الله وَإِن عَبْدَانِ لقب قَالَ وعبدان هُوَ الذى أظهر مَذْهَب الشافعى بمرو بعد أَحْمد بن سيار فَإِن أَحْمد بن سيار حمل كتب الشافعى إِلَى مرو وأعجب بهَا النَّاس فَنظر فى بَعْضهَا عَبْدَانِ وَأَرَادَ أَن ينسخها فَمنعهَا أَحْمد بن سيار عَنهُ فَبَاعَ ضَيْعَة لَهُ بجنوجرد وَخرج إِلَى مصر وَأدْركَ الرّبيع وَغَيره من أَصْحَاب الشافعى وَنسخ كتبه وَأدْركَ من الْمَشَايِخ وَالْفُقَهَاء مَا لم يدْرك غَيره وَحمل عَنْهُم ورحل إِلَى الشَّام وَالْعراق وَكتب عَن أهل مصر وَرجع إِلَى مرو وَكَانَ أَحْمد بن سيار فى الْأَحْيَاء فَدخل عَلَيْهِ مُسلما ومهنئا بالقدوم فَاعْتَذر أَحْمد بن سيار من منع الْكتب عَنهُ فَقَالَ عَبْدَانِ لَا تعتذر فَإِن لَك منَّة على فى ذَلِك وَذَلِكَ أَنَّك لَو دفعت إِلَى الْكتب كنت اقتصرت على ذَلِك وَمَا كنت أخرج إِلَى مصر وَلَا كنت أدْرك أَصْحَاب الشافعى ففرح بذلك أَحْمد بن سيار
قَالَ أَبُو نعيم توفى عَبْدَانِ لَيْلَة عَرَفَة أَيْضا فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
قلت صَحَّ كَذَا مولده لَيْلَة عَرَفَة ووفاته لَيْلَة عَرَفَة(2/298)
65 - عبد الله بن سعيد وَيُقَال عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد بن كلاب الْقطَّان
أحد أَئِمَّة الْمُتَكَلِّمين وكلاب مثل خطَّاف لفظا وَمعنى بِضَم الْكَاف وَتَشْديد اللَّام لقب بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لقُوته فى المناظرة يجتذب من يناظره كَمَا يجتذب الْكلاب الشئ
فَإِن قلت كَيفَ قيل ابْن كلاب وَهُوَ على هَذَا كلاب لَا ابْن كلاب قلت كَمَا يُقَال ابْن بجدة الشئ وَأَبُو عذرته وأنحاء ذَلِك
ذكره أَبُو عَاصِم العبادى فى طبقَة أَبى بكر الصيرفى وَلم يزدْ على أَنه من الْمُتَكَلِّمين
وَذكره ابْن النجار فى تَارِيخ بَغْدَاد ذكر من لَا يعرف حَاله فَقَالَ ذكره مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق النديم فى كتاب الفهرست وَقَالَ إِنَّه من أَئِمَّة الحشوية وَله مَعَ عباد بن سُلَيْمَان مناظرات وَكَانَ يَقُول إِن كَلَام الله هُوَ الله وَكَانَ عباد يَقُول إِنَّه نصرانى بِهَذَا القَوْل ثمَّ ذكر كلَاما قبيحا
ثمَّ ذكر ابْن النجار بِإِسْنَادِهِ حِكَايَة طَوِيلَة بَين ابْن كلاب وَالشَّيْخ الْجُنَيْد رَحمَه الله زعم أَنَّهَا اتّفقت بَينهمَا شبه المناظرة وَرَأَيْت بِخَط شَيخنَا الذهبى على حَاشِيَة كتاب ابْن النجار بِإِزَاءِ هَذِه الْحِكَايَة مَا نَصه لَا يَصح فَإِن ابْن كلاب لَهُ ذكر فى زمَان أَحْمد بن حَنْبَل فَكيف يتم لَهُ هَذَا مَعَ الْجُنَيْد انْتهى وَالْأَمر كَمَا قَالَ
ووفاة ابْن كلاب فِيمَا يظْهر بعد الْأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ بِقَلِيل
وَلَيْسَ مَا ذكره ابْن النجار من شَأْنه وَلَا هُوَ من أهل هَذِه الصِّنَاعَة فَمَاله وَلها وَأما مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم فقد كَانَ فِيمَا أَحسب معتزليا وَله بعض الْمَسِيس بصناعة الْكَلَام وَعباد بن سُلَيْمَان من رُءُوس الاعتزال فَإِنَّمَا يذكر مَا يذكرهُ تشنيعا على ابْن(2/299)
كلاب وَابْن كلاب على كل حَال من أهل السّنة وَلَا يَقُول هُوَ وَلَا غَيره مِمَّن لَهُ أدنى تَمْيِيز إِن كَلَام الله هُوَ الله إِنَّمَا ابْن كلاب مَعَ أهل السّنة فى أَن صِفَات الذَّات لَيست هى الذَّات وَلَا غَيرهَا ثمَّ زَاد هُوَ وَأَبُو الْعَبَّاس القلانسى على سَائِر أهل السّنة فذهبا إِلَى أَن كَلَامه تَعَالَى لَا يَتَّصِف بِالْأَمر والنهى وَالْخَبَر فى الْأَزَل لحدوث هَذِه الْأُمُور وَقدم الْكَلَام النفسى وَإِنَّمَا يَتَّصِف بذلك فِيمَا لَا يزَال فألزمهما أَئِمَّتنَا أَن يكون الْقدر الْمُشْتَرك مَوْجُودا بِغَيْر وَاحِد من خصوصياته
فَهَذِهِ هى مقَالَة ابْن كلاب الَّتِى ألزمهُ فِيهَا أَصْحَابنَا وجود الْجِنْس دون النَّوْع وَهُوَ غير مَعْقُول وهى الَّتِى لَعَلَّ عبادا قَالَ لَهُ فِيهَا مَا قَالَ مَعَ أَن مَا قَالَه عباد لَا يلْزمه وَإِنَّمَا عباد يَقُول ذَلِك كَمَا يَقُول سَائِر الْمُعْتَزلَة للصفاتية أعنى مثبتى الصِّفَات لقد كفرت النَّصَارَى بِثَلَاث وكفرتم بِسبع وَهُوَ تشنيع من سُفَهَاء الْمُعْتَزلَة على الصفاتية مَا كفرت الصفاتية وَلَا أشركت وَإِنَّمَا وحدت وأثبتت صِفَات قديم وَاحِد بِخِلَاف النَّصَارَى فَإِنَّهُم أثبتوا قدما فَأنى يستويان أَو يتقاربان
وَرَأَيْت الإِمَام ضِيَاء الدّين الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين الرازى قد ذكر عبد الله ابْن سعيد فى آخر كِتَابه غَايَة المرام فى علم الْكَلَام فَقَالَ وَمن متكلمى أهل السّنة فى أَيَّام الْمَأْمُون عبد الله بن سعيد التميمى الذى دمر الْمُعْتَزلَة فى مجْلِس الْمَأْمُون وَفَضَحَهُمْ ببيانه وَهُوَ أَخُو يحيى بن سعيد الْقطَّان وَارِث علم الحَدِيث وَصَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل انْتهى
وكشفت عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان هَل لَهُ أَخ اسْمه عبد الله فَلم أتحقق إِلَى الْآن شَيْئا وَإِن تحققت شَيْئا ألحقته إِن شَاءَ الله(2/300)
66 - عُثْمَان بن سعيد بن بشار أَبُو الْقَاسِم الأنماطى الْأَحول
صَاحب المزنى وَالربيع
وَقد وهم العبادى فى كِتَابه فَزعم أَنه الحكم بن عَمْرو وَأَن لِأَصْحَابِنَا آخر يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن بشار وَلَيْسَ بأبى الْقَاسِم
قَالَ ابْن الصّلاح وَأَحْسبهُ مر بِهِ ذكر أَبى الْقَاسِم الحكم بن عَمْرو من رُوَاة الحَدِيث فَاعْتقد أَنه صاحبنا
قَالَ الْخَطِيب أَبُو الْقَاسِم الْأَحول الأنماطى كَانَ أحد الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشافعى وَحدث عَن المزنى وَالربيع
روى عَنهُ أَبُو بكر الشافعى وروى أَن ابْن المنادى قَالَ كَانَ للنَّاس فِيهِ مَنْفَعَة
قلت هُوَ الذى اشتهرت بِهِ كتب الشافعى بِبَغْدَاد وَعَلِيهِ تفقه شيخ الْمَذْهَب أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج
قَالَ أَبُو عَاصِم الأنماطى لأهل بَغْدَاد كأبى بكر بن إِسْحَاق لأهل نيسابور فَإِنَّهُ أول من حمل إِلَيْهَا علم المزنى
قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ مشابهته لأبى بكر بن إِسْحَاق فى هَذَا الْقدر وَإِلَّا فَابْن إِسْحَاق أجل قدرا وَأَرْفَع خطرا وأوسع علما فِيمَا يظْهر لنا نعم للأنماطى جلالة بِمن أَخذ عَنهُ فقد حمل عَنهُ الْعلم أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأَبُو سعيد الإصطخرى وَأَبُو على ابْن خيران وَمَنْصُور التميمى وَأَبُو حَفْص بن الْوَكِيل البابشامى وَهَذِه الطَّبَقَة الْعليا وَلم يحصل لأبى بكر بن إِسْحَاق مثل هَؤُلَاءِ التلامذة(2/301)
مَاتَ الأنماطى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَحكى أَن أَبَا سعيد الإصطخرى سَأَلَ الأنماطى فَقَالَ لَهُ النَّص آكِد أم الِاجْتِهَاد
فَقَالَ النَّص
فَقَالَ أليسى قد نَص النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الشّعير وَلم ينص على الْبر أَفَرَأَيْت لَو كَانَ قوته برا أَيجوزُ لَهُ إِخْرَاج الشّعير
فَقَالَ لَا يجوز ذَلِك
فَقَالَ قد قدمت الِاجْتِهَاد على النَّص
فَدخل ابْن سُرَيج فَأخْبرهُ بِمَا جرى فَقَالَ إِن النَّص يقدم على اجْتِهَاد مُحْتَمل فَأَما إِذا كَانَ مَا وَقع عَلَيْهِ النَّص تَنْبِيها على مَا هُوَ أَعلَى قدم عَلَيْهِ كالضرب مَعَ التأفيف كَذَلِك قصد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك إِلَى بَيَان مَا يلْزمهُم أَن يخرجُوا فى يَوْم الْفطر وَجعل ذَلِك قوتا فَإِذا اقتات الْإِنْسَان برا لم يجز لَهُ أَن يخرج شَعِيرًا بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ أَعلَى مِنْهُ
67 - عُثْمَان بن سعيد بن خَالِد بن سعيد السجستانى الْحَافِظ أَبُو سعيد الدارمى
مُحدث هراة وَأحد الْأَعْلَام الثِّقَات وَمن ذكره العبادى فى الطَّبَقَات قَائِلا الإِمَام فى الحَدِيث وَالْفِقْه أَخذ الْأَدَب عَن ابْن الأعرابى وَالْفِقْه عَن البويطى والْحَدِيث عَن يحيى بن معِين
قلت كَانَ الدارمى وَاسع الرحلة طوف الأقاليم ولقى الْكِبَار(2/302)
سمع أَبَا الْيَمَان الحمصى وَيحيى الوحاظى وحيوة بن شُرَيْح بحمص
وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وَعبد الْغفار بن دَاوُد الحرانى ونعيم بن حَمَّاد وطبقتهم بِمصْر
وَسليمَان بن حَرْب ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التبوذكى وخلقا بالعراق
وَهِشَام بن عمار وَطَائِفَة بِدِمَشْق
روى عَنهُ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحيرى ومؤمل بن الْحسن الماسرجسى وَأحمد بن مُحَمَّد الأزهرى وَأَبُو النَّضر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوسى الْفَقِيه وحامد الرفا وَأحمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس الطرائفى وَخلق
وَمن مشايخه فى الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وعَلى بن المدينى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن معِين وَشَيْخه فى الْفِقْه البويطى
قَالَ أَبُو الْفضل يَعْقُوب الهروى القراب مَا رَأينَا مثل عُثْمَان بن سعيد وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه
وَعَن عُثْمَان الدارمى من لم يجمع حَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان وَمَالك وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة فَهُوَ مُفلس فى الحَدِيث يَعْنِي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْحفاظ فى الْعلم
قَالَ شَيخنَا الذهبى وَلَا ريب أَن من حصل علم هَؤُلَاءِ وأحاط بمروياتهم فقد حصل على ثلثى السّنة أَو نَحْوهَا
توفى الدارمى رَحمَه الله فى ذى الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ الذهبى وَوهم من قَالَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ(2/303)
وللدارمى كتاب فى الرَّد على الْجَهْمِية وَكتاب فى الرَّد على بشر المريسى ومسند كَبِير وَهُوَ الذى قَامَ على مُحَمَّد بن كرام الذى تنْسب إِلَيْهِ الكرامية وطردوه عَن هراة
وَكَانَ من خبر ابْن كرام هَذَا وَهُوَ شيخ سجستانى مجسم أَنه سمع يَسِيرا من الحَدِيث وَنَشَأ بسجستان ثمَّ دخل خُرَاسَان وَأكْثر الِاخْتِلَاف إِلَى أَحْمد بن حَرْب الزَّاهِد ثمَّ جاور بِمَكَّة خمس سِنِين ثمَّ ورد نيسابور وَانْصَرف مِنْهَا إِلَى سجستان وَبَاعَ مَا كَانَ يملكهُ وَعَاد إِلَى نيسابور وباح بالتجسيم وَقَالَ إِن الْإِيمَان بالْقَوْل كَاف وَإِن لم يكن مَعَه معرفَة بِالْقَلْبِ وَكَانَ من إِظْهَار التنسك والتأله والتعبد والتقشف على جَانب عَظِيم فافترق النَّاس فِيهِ على قَوْلَيْنِ مِنْهُم المعتقد وَمِنْهُم المنتقد وعقدت لَهُ مجَالِس سُئِلَ فِيهَا عَمَّا يَقُوله فَكَانَ جَوَابه أَنه إلهام يلهمه الله ثمَّ إِن الْأَمِير مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبيد الله بن طَاهِر حَبسه بنيسابور مُدَّة
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَكَانَ يغْتَسل كل يَوْم جُمُعَة ويتأهب لِلْخُرُوجِ إِلَى الْجَامِع ثمَّ يَقُول للسجان أتأذن لى فى الْخُرُوج فَيَقُول لَا فَيَقُول اللَّهُمَّ إنى بذلت مجهودى وَالْمَنْع من غيرى ثمَّ إِنَّه أخرج من نيسابور فى سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ بعد أَن مكث بالسجن ثَمَان سِنِين وَتوفى بِبَيْت الْمُقَدّس سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل توفى بزغر وَحمل إِلَى بَيت الْمُقَدّس
قَالَ الْحَاكِم لقد بلغنى أَنه كَانَ مَعَه جمَاعَة من الْفُقَرَاء وَكَانَ لِبَاسه مسك ضَأْن مدبوغ غير مخيط وعَلى رَأسه قلنسوة بَيْضَاء وَقد نصب لَهُ دكان من لبن وَكَانَ يطْرَح لَهُ قِطْعَة فرو فيجلس عَلَيْهَا فيعظ وَيذكر وَيحدث قَالَ وَقد أثنى عَلَيْهِ فِيمَا بلغنى ابْن خُزَيْمَة وَاجْتمعَ بِهِ غير مرّة وَكَذَلِكَ أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن الْحَاكِم وهما إِمَامًا الْفَرِيقَيْنِ
قلت يعْنى الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة(2/304)
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس السراج شهِدت أَبَا عبد الله البخارى وَدفع إِلَيْهِ كتاب من مُحَمَّد بن كرام سَأَلَهُ عَن أَحَادِيث مِنْهَا الزهرى عَن سَالم عَن أَبِيه رَفعه الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص فَكتب على ظهر كِتَابه من حدث بِهَذَا اسْتوْجبَ الضَّرْب الشَّديد وَالْحَبْس الطَّوِيل
قلت وَصَاحب سجستان هُوَ الذى نَفَاهُ وَلم يكن قصد الساعين عَلَيْهِ إِلَّا إِرَاقَة دَمه وَإِنَّمَا صَاحب سجستان هاب قَتله لما رأى عَلَيْهِ من مخايل الْعِبَادَة والتقشف وَلَقَد افْتتن بِهِ خلق كثير وَهُوَ عندنَا فى مَكَان الْمَشِيئَة لله أَن يغْفر لَهُ وَأَن يؤاخذه فَإِنَّهُ مُبْتَدع لَا محَالة
وَاعْلَم أَن كراما على مَا هُوَ الْمَشْهُور بتَشْديد الرَّاء ورأيتها كَذَلِك مضبوطة بِخَط شَيخنَا الذهبى وَكنت أسمع الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يحْكى أَن الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل قَرَأَ مرّة بِحَضْرَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر جُزْءا وَفِيه ذكر مُحَمَّد بن كرام فَقَالَ كرام وخفف لَهُ الرَّاء فَرد عَلَيْهِ بعض الْحَاضِرين فَقَالَ لَا إِنَّمَا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ فقد قَالَ الشَّاعِر
(الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)
قَالَ الْوَالِد فَظن الْحَاضِرُونَ أَن الشَّيْخ صدر الدّين وضع هَذَا الْبَيْت على البديهة وَأَنه لَا أصل لَهُ هَذَا مَا كَانَ يحكيه لنا الْوَالِد ثمَّ رَأَيْت أَنا بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح فى مجاميعه أَن مُحَمَّد بن كرام بِالتَّخْفِيفِ وَأَن أَبَا الْفَتْح البستى أنْشد
(إِن الَّذين نجلهم لم يتقدوا ... بِمُحَمد بن كرام غير كرام)
(الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)
فَأريت ذَلِك للوالد فأعجبه وسر بِهِ سُرُورًا كثيرا ثمَّ رَأَيْت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بعينهما منسوبين إِلَى قائلهما البستى فى كتاب اليمينى فى سيرة السُّلْطَان يَمِين الدولة مَحْمُود بن سبكتكين(2/305)
وَمن غرائب أَبى سعيد الدارمى وفوائده
قَالَ أَبُو عَاصِم إِن أَبَا سعيد ذهب إِلَى أَن الثَّعْلَب حرَام أكله وروى فِيهِ خَبرا
قَالَ وروى عَن بُرَيْدَة بن سُفْيَان أَن أهل مَكَّة وَالْمَدينَة يسمون النَّبِيذ خمرًا وَهَكَذَا رَوَاهُ على بن عبد الله المدينى انْتهى
قلت قَوْله بِتَحْرِيم الثَّعْلَب // غَرِيب //
وَالْخَبَر الذى أَشَارَ إِلَيْهِ أوردهُ عُثْمَان بن سعيد الْمَذْكُور فى كتاب الْأَطْعِمَة من تأليفه وَلَفظه عَن عبد الرَّحْمَن السلمى قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فى الذِّئْب قَالَ وَيَأْكُل ذَلِك أحد قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فى الثَّعْلَب قَالَ وَيَأْكُل ذَلِك أحد
قَالَ أَبُو سعيد وَهَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ بِذَاكَ القوى غير أَن الذِّئْب والثعلب دخلا فى نهى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل ذى نَاب من السبَاع فلأجل ذَلِك لَا يجوز أكلهما
68 - عَسْكَر بن الْحصين وَقيل عَسْكَر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الشَّيْخ أَبُو تُرَاب النخشبى
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء وَفتح الشين المعجمتين وفى آخرهَا الْبَاء الْمُوَحدَة نسية إِلَى نخشب بَلْدَة من بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر عربت فَقيل لَهَا نسف
كَانَ شيخ عصره بِلَا مدافعة جمع بَين الْعلم وَالدّين زاهدا ورعا متقشفا متقللا متوكلا متبتلا(2/306)
صحب حاتما الْأَصَم إِلَى أَن مَاتَ وَخرج إِلَى الشَّام وَكتب الْكثير من الحَدِيث وَنظر فى كتب الشافعى وتفقه على مذْهبه
وَحدث عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير ونعيم بن حَمَّاد وَأحمد بن نصر النيسابورى وَغَيرهم
روى عَنهُ أَحْمد بن الْجلاء وَأَبُو بكر بن أَبى عَاصِم وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَآخَرُونَ
قَالَ الدقى فِيمَا رَوَاهُ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ سَمِعت أَبَا عبد الله بن الْجلاء يَقُول لقِيت سِتّمائَة شيخ مَا رَأَيْت فيهم مثل أَرْبَعَة أَوَّلهمْ أَبُو تُرَاب
قَالَ ابْن الصّلاح وَالثَّلَاثَة الْآخرُونَ أَبوهُ يحيى الْجلاء وَأَبُو عبيد البسرى وَذُو النُّون المصرى رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وروى الْخَطِيب أَن أَبَا تُرَاب قَالَ مَا تمنت على نفسى قطّ إِلَّا مرّة تمنت على خبْزًا وبيضا وَأَنا فى سفرة فعدلت من الطَّرِيق إِلَى قَرْيَة فَلَمَّا دخلت وثب إِلَى رجل فَتعلق بى وَقَالَ إِن هَذَا كَانَ مَعَ اللُّصُوص قَالَ فبطحونى فضربونى سبعين جلدَة فَوقف علينا رجل فَصَرَخَ هَذَا أَبُو تُرَاب فأقامونى وَاعْتَذَرُوا إِلَى وأدخلنى الرجل منزله وَقدم إِلَى خبْزًا وبيضا فَقلت كلهما بعد سبعين جلدَة
وروى بِسَنَدِهِ إِلَى أَبى عبد الله ابْن الْجلاء قَالَ قدم أَبُو تُرَاب مرّة مَكَّة فَقلت لَهُ يَا أستاذ أَيْن أكلت فَقَالَ جِئْت بفضولك أكلت أَكلَة بِالْبَصْرَةِ وأكلة بالنباج وأكلة عنْدكُمْ(2/307)
وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا إِلَى أَبى تُرَاب قَالَ وقفت خمْسا وَخمسين وَقْفَة فَلَمَّا كَانَ من قَابل رَأَيْت النَّاس بِعَرَفَات مَا رَأَيْت قطّ أَكثر مِنْهُم وَلَا أَكثر خشوعا وتضرعا فأعجبنى ذَلِك فَقلت اللَّهُمَّ من لم تتقبل حجَّته من هَذَا الْخلق فَاجْعَلْ ثَوَاب حجتى لَهُ وأفضنا من عَرَفَات وبتنا بِجمع فَرَأَيْت فى الْمَنَام هاتفا يَهْتِف بى تتسخى علينا وَأَنا أسخى الأسخياء وعزتى وجلالى مَا وقف هَذَا الْموقف أحد قطّ إِلَّا غفرت لَهُ فانتبهت فَرحا بِهَذِهِ الرُّؤْيَا فَرَأَيْت يحيى بن معَاذ الرازى وقصصت عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فَقَالَ إِن صدقت رُؤْيَاك فَإنَّك تعيش أَرْبَعِينَ يَوْمًا
قَالَ الراوى فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد وَأَرْبَعين جَاءُوا إِلَى يحيى بن معَاذ الرازى فَقَالُوا إِن أَبَا تُرَاب مَاتَ فَغسله وكفنه
وَعَن يُوسُف بن الْحُسَيْن كنت مَعَ أَبى تُرَاب بِمَكَّة فَقَالَ أحتاج إِلَى كيس دَرَاهِم فَإِذا رجل قد صب فى حجره كيس دَرَاهِم فَجعل يفرقها على من حوله وَكَانَ فيهم فَقير يتَرَاءَى لَهُ أَن يُعْطِيهِ شَيْئا فَمَا أعطَاهُ شَيْئا فنفدت الدَّرَاهِم وَبقيت أَنا وَأَبُو تُرَاب وَالْفَقِير فَقَالَ لَهُ تراءيت لَك غير مرّة فَلم تعطنى شَيْئا فَقَالَ لَهُ أَنْت لَا تعرف الْمُعْطى
وَعَن يُوسُف بن الْحُسَيْن صَحِبت أَبَا تُرَاب النخشبى خمس سِنِين وَحَجَجْت مَعَه على غيرطريق الجادة وَرَأَيْت مِنْهُ فى السّفر عجائب يقصرلسانى عَن شرح جَمِيعهَا غير أَنا كُنَّا مارين فَنظر إِلَى يَوْمًا وَأَنا جَائِع وَقد تورمت رجلاى وَأَنا أمشى بِجهْد فَقَالَ لى مَالك لَعَلَّك جعت قلت نعم قَالَ ولعلك أَسَأْت الظَّن بِرَبِّك قلت نعم قَالَ ارْجع إِلَى رَبك قلت وَأَيْنَ هُوَ قَالَ حَيْثُ خلفته فَقلت هُوَ معى فَقَالَ إِن كنت صَادِقا فَمَا هَذَا الْهم الذى أرى عَلَيْك قَالَ فَرَأَيْت الورم قد سكن والجوع قد ذهب ونشطت حَتَّى كدت أسبقه قَالَ أَبُو تُرَاب اللَّهُمَّ إِن عَبدك قد أقرّ لَك بالآفة فأطعمه وَنحن بَين جبال لَيْسَ فِيهَا مَخْلُوق فَانْتَهَيْنَا إِلَى رابية فَإِذا كوز مَاء ورغيف(2/308)