بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله بارىء النسم مبيد الْأُمَم باعث الرمم المنزه عَن الفناء والعدم وأصلي على سيدنَا مُحَمَّد سيد الْعَرَب والعجم الْمَبْعُوث بأشرف الْأَخْلَاق والشيم صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَشرف وكرم
وَبعد فَإِن أولى مَا أتحف بِهِ الطَّالِب اللبيب وَدون للأديب الأريب التَّعْرِيف بِحَال من جعل تَقْلِيده بَينه وَبَين الله حجَّة وَاتخذ اقتفاء هَدْيه فِي الْحَلَال وَالْحرَام أوضح محجة ثمَّ حَال الراوة عَنهُ والناقلين عَنْهُم والمجتهدين فِي مذْهبه والقائمين على أُصُوله والمفتين على قَوَاعِده والمدونين لمسائله وتمييز درجاتهم فِي الْعلم والفهم وَالدّين والورع والتعريف بثقاتهم وَشَهَادَة أهل الْعلم فيهم وَفِي مؤلفاتهم فشرف الْعلم بِهَذَا الْفَنّ مَعْلُوم وَالْجهل بِهِ مَذْمُوم وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا قيل فِيهِ علم لَا ينفع وجهالة لَا تضر فَإِن ذَلِك مقول فِي علم الْأَنْسَاب وَهُوَ فن غير هَذَا وَقد ذكرت فِي هَذَا الْمَجْمُوع الْوَجِيز مشاهير الروَاة وأعيان الناقلين للْمَذْهَب والمؤلفين فِيهِ وَمن تخرج بِهِ أحد من الْمَشَاهِير وَجَمَاعَة من حفاظ الحَدِيث وأضربت عَن ذكر غير الْمَشَاهِير إيثاراً للاختصار لِأَن الْإِحَاطَة بهم متعذرة وَاسْتِيفَاء من يُمكن ذكره يخرج عَن الْمَقْصُود وَذكرت جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين مِمَّن لم يبلغ دَرَجَة الْأَئِمَّة المقتدى بهم قصدا للتعريف بحالهم لكَوْنهم قصدُوا التَّأْلِيف وَلِأَن لكل زمَان رجَالًا وَكَذَلِكَ ذكرت بعض الروَاة الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين لكَوْنهم من مشاهير أهل زَمَاننَا وَلم يَقع تَرْتِيب أسمائهم فِي هَذَا التَّأْلِيف على الْوَجْه الْمَطْلُوب بل وَقع فيهم تَقْدِيم وَتَأْخِير من غيرقصد وَذكرت الْعذر عَن ذَلِك فِي آخر الْأَسْمَاء وبدأت بمقدمة تشْتَمل على تَرْجِيح مَذْهَب مَالك وَالْحجّة فِي وجوب تَقْلِيده مُلَخصا من كَلَام الامام أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى بن رَحمَه الله فِي مُقَدّمَة كِتَابه الْمُسَمّى بالمدارك وأتبعت ذَلِك بِذكر الإِمَام مَالك بن أنس رضى الله عَنهُ والتعريف بنبذة يسيرَة من أَحْوَاله وَمن أَرَادَ الْوُقُوف على شِفَاء الغليل فَعَلَيهِ بِمَا ذكره القَاضِي عِيَاض فِي المدارك وقدمت على ذَلِك كُله ذكر من اشْتَمَل عَلَيْهِم هَذَا التَّأْلِيف مُرَتبا على حُرُوف المعجم ليسهل الْكَشْف عَن الْمَطْلُوب وسميته الديباج الْمَذْهَب فِي أَعْيَان عُلَمَاء الْمَذْهَب وَالله ينفع بِهِ ويجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم إِنَّه سميع مُجيب
حرف الْألف
من اسْمه أَحْمد أبومصعب أَحْمد بن عَوْف الزُّهْرِيّ أَحْمد بن الْمعدل أَحْمد بن صَالح يعرف بِابْن الطَّبَرِيّ أَحْمد بن لبدة ابْن أخي سَحْنُون أَحْمد بن سُلَيْمَان بن أبي الرّبيع البيري أَحْمد بن الْوَلِيد بن عبد الْحق بن عبد الْجَبَّار أَحْمد بن معتب بن أبي(1/2)
الْأَزْهَر أَحْمد بن مُحَمَّد الشهير بِحَمْد يس الْقطَّان أَحْمد بن مُوسَى بن مخلد أَحْمد بن وازن الصَّواف أَحْمد بن مُوسَى بن جرير الْعَطَّار أَحْمد بن على بن حميد التَّمِيمِي أَحْمد بن يحيى ابْن قَاسم بن عمر أَحْمد بن مَرْوَان يعرف بِابْن الرصافي أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّيَالِسِيّ أَحْمد ابْن مَرْوَان الْمَعْرُوف بالمالكي أَحْمد بن موسي بن عِيسَى الصَّدَفِي يعرف بِابْن الزيات أَحْمد ابْن الْحَارِث بن مِسْكين القَاضِي أَحْمد بن حذافة من أهل بصرة الْعَرَب أَحْمد بن يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ أَحْمد بن خَالِد بن وهب بن خَالِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب أَحْمد بن بيطرقرطبي أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن شبطون اللَّخْمِيّ أَحْمد بن بشير يعرف بِابْن الأغبش أَحْمد بن نصر بن زِيَاد الهواري أَحْمد بن خَالِد يعرف بِابْن الْحباب أَحْمد بن عبد الله بن قتبة بن مُسلم الدينَوَرِي أَحْمد بن مُحَمَّد بن زيد الْقزْوِينِي أَبُو سعيد أَحْمد بن زَكَرِيَّا بن فَارس اللّغَوِيّ أَحْمد بن نصر الدَّاودِيّ أَحْمد بن عمر بن عبد الله بن السَّرْح أَحْمد بن ملول التنوخي أَحْمد بن أبي سُلَيْمَان يعرف بالصواف أَحْمد بن خَالِد الأندلسي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عجلَان أَحْمد ابْن ميسر أَحْمد بن أَحْمد بن زِيَاد أَحْمد بن فتح الرقادى يعرف بِابْن شعبون أَحْمد بن بَقِي بن مخلد أَحْمد بن دُحَيْم بن خَلِيل أَحْمد بن عبد الله بن عبد الْمُؤمن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْبر أَحْمد بن سعيد الْهِنْدِيّ أَحْمد بن أبي يعلي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الدهان أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد أَبُو جَعْفَر الْأَزْدِيّ الْمصْرِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَامع أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو يعلي الْعَبْدي الْبَصْرِيّ أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد الباغاني المقرى أَحْمد بن عبد الْملك الاشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن المكوي أَحْمد بن عفيف أَبُو عمر الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن حكم العاملي عرف بِابْن اللبان أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْخَولَانِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو عمر بن الْقطَّان الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو عمر الطلمنكي أَحْمد بن مغيث الطليطلي أَحْمد بن مُحَمَّد بن رزق الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن سُلَيْمَان ابْن خلف الْبَاجِيّ أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسْعدَة أَبُو جَعْفَر العامري أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن ورد التَّمِيمِي أَحْمد بن عبد الْحق أَبُو جَعْفَر المالقي أَحْمد بن قَاسم يعرف بالقباب الفاسي أَحْمد بن مُحَمَّد بن جزى أَحْمد بن ابراهيم بن الزبير أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن أبي الْقَاسِم يعرف بِابْن ودَاعَة أَحْمد بن عَليّ أَبُو جَعْفَر يعرف بِابْن الباذش أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد القاهر يكني أَبَا عمر أَحْمد بن مُحَمَّد يعرف بالعشاب وبابن الرومية أَحْمد بن الْحُسَيْن يعرف بِابْن الزيات الْخَطِيب أَحْمد بن ابراهيم يعرف بِابْن صَفْوَان أَحْمد بن أَحْمد بن صَدَقَة السّلمِيّ الغرناطي أَحْمد بن أَحْمد يعرف بِابْن الْقصير أَحْمد بن أَحْمد بن رشد الْقُرْطُبِيّ أَحْمد ابْن أَحْمد بن الْقصير وَالِد الْمُتَقَدّم ذكره أَحْمد بن ابراهيم بن زرقون الاشبيلي أَحْمد بن ابراهيم أَبُو الْقَاسِم المرسي أَحْمد بن الْحسن بن أبي الأخطل الطليطلي أَحْمد بن بشير الغرناطي أَحْمد بن حسن بن عمر الْحَضْرَمِيّ ثمَّ الْمرَادِي أَحْمد بن جرير بن سُلَيْمَان البلنسي أَحْمد بن طَاهِر بن رهيص أَحْمد بن عبد الله بن خيرة البلنسي أَحْمد بن خلف بن وُصُول أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن خَمِيس الآزدي أَحْمد بن طَلْحَة بن أبي عَطِيَّة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن ادريس التجبي أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن الْمَدْعُو بحميد أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مضى اللَّخْمِيّ الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن عبد الله بن عميرَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ(1/3)
أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن فهر السّلمِيّ أَحْمد بن عبد الصَّمد بن أبي عُبَيْدَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الصَّقْر أَحْمد بن عبد الْملك أَبُو الْعَبَّاس بن أبي حَمْزَة أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن زرقون أَحْمد بن عبد الْعَزِيز أَبُو الْعَبَّاس الْأَصْفَر أَحْمد ابْن عمر بن خلف بن قيلان أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عَتيق بن جرح البلنسي أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشيد الْقُرْطُبِيّ أَحْمد بن عَليّ بن هَارُون السَّلمَانِي أَحْمد بن مُحَمَّد سَاعَة أَبُو جَعْفَر القيجاطي أَحْمد بن اللَّيْث الانهري أَحْمد بن مُحَمَّد بن ماسويه الْحداد الانصاري أَحْمد بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو الْقَاسِم الحوفي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحجري أَبُو الْعَبَّاس البلنسي أَحْمد بن مُحَمَّد بن سيد أَبِيه الزُّهْرِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْعَبَّاس الشاوي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك أَبُو الْعَبَّاس الثَّعْلَبِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي حَمْزَة أَحْمد بن مُحَمَّد الجياني أَبُو جَعْفَر الميلوط أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسْعدَة العامري أَحْمد بن أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن وَاجِب ابْن عمر الْمُتَقَدّم أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن بيطر التجِيبِي الْقُرْطُبِيّ أَبُو جَعْفَر بن الْحَاج أَحْمد بن أبي الْحسن أَبُو الْخطاب بن وَاجِب أَحْمد بن مُنْذر بن جهور أَبُو الْعَبَّاس الاشبيلي أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد أَبُو الْعَبَّاس بن الجدوي أَحْمد بن مَسْعُود بن أبي الْخِصَال بن فرج أَحْمد بن أبي مُحَمَّد هَارُون أَبُو عمر بن عَاتٍ النفزي أَحْمد بن وليد بن مُحَمَّد بن وليد أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن إِدْرِيس شهَاب الدّين الصنهاجي الْقَرَافِيّ أَحْمد بن عبد الله عرف بِابْن الْبَاجِيّ أَبَا عمر أَحْمد بن عمر أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ عرف بِابْن المزين أَحْمد بن على الْمَعْرُوف بالقسطلاني أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَلامَة أَبُو الْحُسَيْن الإسكندري أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم ابْن عَطاء الله الاسكندري صَاحب الحكم أَحْمد بن معد أَبُو الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالاقليشي أَحْمد بن مُحَمَّد القَاضِي نَاصِر الدّين بن الْمُنِير أَحْمد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن كَمَال الدّين بن الْمَنْصُور أَحْمد بن يُوسُف شرف الدّين التيفاشي أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن الغماز أَحْمد ابْن سَلامَة بن أَحْمد بن سَلامَة الاسكندري أَحْمد بن اسماعيل الْبَغْدَادِيّ الْمقري هُوَ التادلي أَحْمد بن أَحْمد الغبريني البجائي أَحْمد بن أبي الْحجَّاج يُوسُف الفِهري اللبلي أَحْمد بن جَعْفَر الزُّهْرِيّ يعرف بالاشيدي أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس بن ادريس البجائي أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن التادلي الْقَابِسِيّ أَحْمد بن عمر بن هِلَال الاسكندري أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المخلطة الاسكندري أَحْمد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ
من اسْمه إِبْرَاهِيم من أَصْحَاب مَالك من الطَّبَقَة الوسطي ابراهيم بن حبيب من أَصْحَاب مَالك رَحمَه الله ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو اسحاق البرقي الْمصْرِيّ ابراهيم بن حُسَيْن أَبُو اسحاق بن مرتنسل ابراهيم بن مُحَمَّد بن بَان يعرف بِابْن الْقَزاز الْقُرْطُبِيّ ابراهيم بن حَمَّاد ابْن أخي القَاضِي اسماعيل ابراهيم بن أَحْمد اسحاق السبائي ابراهيم بن أَحْمد أَبُو اسحاق الجينياني ابراهيم بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن حُسَيْن يعرف بِابْن البردون ابراهيم بن عبد الصَّمد أَبُو الطَّاهِر بن بشير ابراهيم بن عبد الله أَبُو اسحق القلانسي ابراهيم أَبُو اسحاق التّونسِيّ ابراهيم بن مُحَمَّد أَبُو اسحاق الدينَوَرِي ابراهيم بن حُسَيْن بن عبد الرفيع التّونسِيّ ابراهيم بن جَعْفَر أَبُو اسحاق اللواتي ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن يعرف بِابْن أبي يحيى ابراهيم بن مَسْعُود بن دهاق يعرف بِابْن الْمَرْأَة ابراهيم بن عجنيس بن أَسْبَاط الكلَاعِي ابراهيم بن مُحَمَّد بن عبيد يسر النفزي الغرناطي ابراهيم بن أَحْمد أَبُو(1/4)
اسحاق الْجَزرِي إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان أَبُو الْقَاسِم بن الْوزان إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْقَيْسِي الصفاقسي
من اسْمه اسماعيل اسماعيل بن أبي أويس ابْن عَم مَالك بن أنس اسماعيل بن اسحاق القَاضِي الْبَغْدَادِيّ اسماعيل بن اسحاق يعرف بِابْن الطَّحَّان اسماعيل ابْن هَارُون أَبُو الْوَلِيد الزقاء اسماعيل بن مكي عرف بِابْن الطَّاهِر بن عَوْف
من اسْمه اسحاق اسحاق بن ابراهيم بن ميسرَة أَبُو ابراهيم التجِيبِي اسحاق بن الْفُرَات أَبُو نعيم التجِيبِي
من اسْمه أصبغ أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أصبغ بن خَلِيل الْقُرْطُبِيّ يكنى أَبَا الْقَاسِم أصبغ بن الْفرج الْقُرْطُبِيّ
من اسْمه أَيُّوب أَيُّوب بن سُلَيْمَان أَبُو صَالح الْقُرْطُبِيّ أَيُّوب بن أَحْمد بن رَشِيق
الافراد فِي حرف الالف أبان بن يحيى بن دِينَار أَسد بن الْفُرَات أَشهب بن عبد الْعَزِيز ادريس بن عبد الْملك أَبُو الْمُعَلَّى أسلم بن عبد الْعَزِيز أَبُو الْجَعْد الاندلسي وَمن الكنى أَبُو أَحْمد بن جزى الكلبى أَبُو الْقَاسِم بن أبي بكر يعرف بِابْن زيتون أَبُو الْحُسَيْن بن أبي بكرَة الْكِنْدِيّ أَبُو حَاتِم الضَّرِير وَمِمَّنْ عرف بِأَبِيهِ أَبُو سميدة الاشبيلي
حرف الْبَاء
من الافراد بشر بن الْعَلَاء العشيري البهلول بن رَاشد وَمن الكنى أَبُو بكر ابْن علوِيَّة الابهري
حرف الثَّاء
من اسْمه ثَابت ثَابت بن حزم أَبُو الْقَاسِم الْعَوْفِيّ ثَابت بن عبد الله بن ثَابت أَبُو الْحسن الْعَوْفِيّ
حرف الْجِيم
جَعْفَر بن مُحَمَّد أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ جبلة بن حمود بن عبد الرَّحْمَن جحاف ابْن نمير البلنسي
حرف الْحَاء
من اسْمه حسن حسن بن عبد الله بن مذْحج الزبيدِيّ حسن بن مُحَمَّد الْخَولَانِيّ أَبُو الْحُسَيْن المكانشي الْحسن بن عمر أَبُو الْقَاسِم الاشبيلي
من اسْمه الْحُسَيْن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الجذامي المالقى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن فيره عرف بِابْن سكرة الْحُسَيْن أَبُو عَليّ الغساني الجياني الْحُسَيْن عَتيق بن الْحُسَيْن بن رَشِيق الْحُسَيْن بن أبي الْقَاسِم النبيلي
من اسْمه حبيب حبيب بن نصر التَّمِيمِي حبيب بن الرّبيع مولى أَحْمد بن أبي سُلَيْمَان
من اسْمه الْحَارِث الْحَارِث بن أَسد القفصي الْحَارِث بن مِسْكين أَبُو عمر
أَسمَاء مُفْردَة حَمَّاد بن اسحاق أَخُو القَاضِي اسماعيل حمديس بن ابراهيم اللَّخْمِيّ القفصي حماس بن مَرْوَان الْهَمدَانِي حَاتِم بن مُحَمَّد عرف بِابْن الطرابلسي يكنى بَابي الْقَاسِم حيدرة بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن حيدرة
وَمِمَّنْ شهر بكنيته أَبُو الحكم الْمَعْرُوف باليزيدي الْمدنِي
حرف الْخَاء
من اسْمه خلف خلف بن سعيد ابْن أخي هِشَام خلف أَبُو الْقَاسِم البراذغي خلف بن مسلمة بن عبد الغفور خلف بن سعيد الازدي خلف بن أَحْمد أَبُو بكر المزجوى خلف أَبُو الْقَاسِم بن بهْلُول عرف بِالْبرِّ بلَى خلف بن عبد الْملك بن بشكوال خلف بن قَاسم الْمَعْرُوف بِابْن الدّباغ خلف بن أَحْمد بن بطال الْبكْرِيّ
الافراد الْخضر بن أَحْمد بن الْخضر بن الْعَافِيَة خَلِيل بن اسحاق الجندي الْمصْرِيّ
حرف الدَّال
دَاوُد بن جَعْفَر الصَّغِير دلف بن جحدر أَبُو بكر الشبلي الصُّوفِي
حرف الرَّاء
روح أَبُو الزِّنْبَاع بن فرج زَيْدَانَ بن اسماعيل بن زَيْدَانَ الوَاسِطِيّ رزين ابْن مُعَاوِيَة أَبُو الْحسن الْعَبدَرِي(1/5)
حرف الزاى
زَكَرِيَّا أَبُو يحيى الْوَقار زِيَادَة بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الله يلقب بشبطون الزبير بن بكار بن عبد الله بن مُصعب زُرَارَة بن أَحْمد القَاضِي
حرف السِّين
من اسْمه سُلَيْمَان سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن سَالم يعرف بِابْن الكمالة سُلَيْمَان بن دَاوُد بن حَمَّاد بن أخي رشدين سُلَيْمَان بن عمرَان الافريقي سُلَيْمَان بن بيطر سُلَيْمَان بن بطال أَبُو أَيُّوب البطليوسي سُلَيْمَان القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ سُلَيْمَان بن سَالم الكلَاعِي سُلَيْمَان بن عبد الْوَاحِد الْهَمدَانِي
من اسْمه سعيد سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أَحْمد بن عبد ربه سعيد بن ابراهيم بن عِيسَى سعيد بن مُحَمَّد العقباني الافراد سعد المغافري سعيد بن عُثْمَان الاعتاقي سعيد بن حمير الرعيني سعيد أَبُو عُثْمَان بن قحلون سعد بن معَاذ الجياني سهل بن مُحَمَّد بن سهل بن مَالك الْأَزْدِيّ سَلمُون بن على الْكِنَانِي سراج بن عبد الْملك بن سراج سَنَد بن عنان الازدي
حرف الشين
شبطون بن عبد الله الطليطلي شبيب بن ابراهيم بن حيدرة شَجَرَة بن عِيسَى الْمعَافِرِي
حرف الصَّاد
صَالح هُوَ أَبُو مُحَمَّد صَالح شيخ الْمغرب فِي وقته
حرف الطَّاء
طليب بن كَامِل اللَّخْمِيّ طَلْحَة بن أَحْمد بن غَالب بن تَمام بن عَطِيَّة
حرف الْعين
من اسْمه عبد الله عبد الله بن الْمُبَارك عبد الله بن نَافِع الْمَعْرُوف بالصائغ عبد الله بن نَافِع الْأَصْغَر الزبيدِيّ عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن وهب عبد الله بن عبد الحكم عبد الله بن أبي حسان الْيحصبِي عبد الله بن هِشَام عرف بِابْن الحجار عبد الله بن طَالب القَاضِي عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد عبد الله أَبُو الْعَبَّاس الابياني عبد الله أَبُو مُحَمَّد الاصيلي عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن البتال عبد الله أَبُو مُحَمَّد ابْن يحيى بن دحون عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن غَالب الْهَمدَانِي عبد الله بن مَالك أَبُو مَرْوَان الْقُرْطُبِيّ عبد الله بن حنين ابْن أخي ربيع عبد الله بن أَحْمد بن يَرْبُوع عبد الله أَبُو مُحَمَّد الشقاق عبد الله بن أَيُّوب بن صروج عبد الله الشتنجالي أَبُو مُحَمَّد بن سعيد عبد الله بن طَلْحَة الْمحَاربي عبد الله بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مرتيل عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي دليم الْقُرْطُبِيّ عبد الله بن سُلَيْمَان بن حوط الله عبد الله بن مُحَمَّد بن السَّيِّد النَّحْوِيّ عبد الله بن مُحَمَّد المسيلي عبد الله بن نجم بن شَاس عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو الْوَلِيد الْقرظِيّ عبد الله بن أبي أَحْمد بن متجل الغافقي عبد الله بن اسحاق بن التبَّان عبد الله بن مُحَمَّد أبي زمنين عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن فَرِحُونَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الشرمساحي عبد الله ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن الْعَبدَرِي عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حزم عبد الله بن مُحَمَّد بن هَارُون الطَّائِي الْقُرْطُبِيّ
من اسْمه عبيد الله أَبُو الْقَاسِم البرقي عبيد الله أَبُو الْقَاسِم ابْن الْجلاب عبيد الله أَبُو الْحسن بن الْمثنى الْكَرَابِيسِي عبيد الله بن يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ يكنى أَبَا مَرْوَان
من اسْمه عبد الرَّحْمَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَبُو زيد شيخ الْمَالِكِيَّة عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم العتقي عبد الرَّحْمَن أَبُو زيد بن ابراهيم بن يزِيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الله أَبُو الْقَاسِم الْجَوْهَرِي عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى الهواري عبد الرَّحْمَن بن جَعْفَر الدمياطي عبد الرَّحْمَن بن عمر أَبُو زيد بن أبي الْغمر عبد الرَّحْمَن بن دِينَار عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن(1/6)
مدراج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد القَاضِي بن الْحصار وَيعرف بِابْن بشير عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحِيم بن الْعَجُوز عبد الرَّحْمَن بن الْمطرف بن سَلمَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْعَجُوز عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن فطيس عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عتاب عبد الرَّحْمَن أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي شَارِح السِّيرَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ عبد الرَّحْمَن أَبُو الْقَاسِم اللبيدي عبد الرَّحْمَن أَبُو الْمطرف القنازعي عبد الرَّحْمَن أَبُو زيد ابْن الامام عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد يعرف بِابْن الْقصير
من اسْمه عبد الرَّحِيم عبد الرَّحِيم بن أَشْرَس عبد الرَّحِيم بن أَحْمد بن الْعَجُوز
من اسْمه عبد الْملك عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عبد الْملك بن حبيب عبد الْملك بن العَاصِي أَبُو مَرْوَان الْقُرْطُبِيّ عبد الْملك بن سراج أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن أَحْمد بن عبد الْملك بن الْأَصْبَغ عبد الْملك بن ميسرَة الْيحصبِي عبد الْملك يعرف بزونان عبد الْملك بن مَرْوَان قَاضِي الْمَدِينَة عبد الْملك بن سالج عبد الْملك بن أَحْمد بن رستم الاسكندري
من اسْمه عبد الْوَهَّاب عبد الْوَهَّاب بن نصر الْبَغْدَادِيّ
من اسْمه عبد السَّلَام عبد السَّلَام الامام سَحْنُون
من اسْمه عبد الحكم عبد الحكم ابْن عبد الله بن عبد الحكم
من اسْمه عبد الْحَكِيم عبد الْحَكِيم بن أبي الْحسن بن عبد الْملك
من اسْمه عبد الْخَالِق عبد الْخَالِق أَبُو الْقَاسِم بن شبلون عبد الْخَالِق أَبُو الْقَاسِم السيوري
من اسْمه عبد الْعَزِيز عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة أَبُو تَمام عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن يعرف بالغراب عبد الْعَزِيز بن أبي الْقَاسِم يعرف بالدروال أَسمَاء مُتَفَرِّقَة عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله الاسكندري عبد الْغَنِيّ أَبُو مُحَمَّد يعرف بالغسال عبد الْوَارِث أَبُو الْأَزْهَر بن مغيث عَنْبَسَة أَبُو خَارِجَة بن خَارِجَة الغافقي عِيَاض أَبُو الْفضل القَاضِي عِيَاض بن مُحَمَّد بن عِيَاض حفيد القَاضِي عِيَاض عبد الأعلى أَبُو مسْهر بن مسْهر الغساني عبد الْأَعْلَى أَو وهب بن وهب بن عبد الرَّحْمَن عبد الْأَعْلَى بن مُعلى الْخَولَانِيّ عبد الْوَدُود ابْن سُلَيْمَان
من اسْمه عبد الحميد عبد الحميد الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ عبد الحميد بن أبي الدُّنْيَا الصَّدَفِي الطرابلسي
من اسْمه عبد الْحق عبد الْحق بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الصّقليّ عبد الْحق غَالب بن عَطِيَّة الامام الْمُفَسّر عبد الْحق بن عبد الرَّحْمَن يعرف بِابْن الْخَرَّاط صَاحب الْأَحْكَام وَالْعَاقبَة وَمن الافراد عبد الْوَاحِد بن الْمُنِير ابْن أخي القَاضِي نَاصِر الدّين عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن أبي السداد
من اسْمه عيسي عِيسَى بن دِينَار أَخُو عبد الرَّحْمَن عيسي ابْن مِسْكين عِيسَى أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل عيسي بن الرّوح بن مَسْعُود الزواوي عِيسَى بن مخلوف المغيلي
من اسْمه عمر عمر أَبُو الْحسن ابْن قَاضِي الْقُضَاة بن أبي عمر بن حَمَّاد عمر ابْن مُحَمَّد أَبُو على الشلو بَين عرف بالفا كهي عمر بن عبد النُّور يعرف بِابْن الحكار عمر ابْن عَليّ بن قداح التّونسِيّ عمر بن سَالم عرف بتاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ
من اسْمه عُثْمَان عُثْمَان بن الحكم الجذامي عُثْمَان بن عيسي التجِيبِي يعرف بِابْن رَافع رَأسه عُثْمَان بن مَالك الفاسي عُثْمَان بن أبي بكر الصَّدَفِي يعرف بالصفاقسي عُثْمَان بن سعيد يعرف بِابْن الصَّيْرَفِي هُوَ أَبُو عمر الداني وَيعرف أَيْضا بِابْن الضَّابِط عُثْمَان أَبُو عمر بن الْحَاجِب عُثْمَان بن عَليّ ابْن دعمون الغرناطي
من اسْمه على على بن زِيَاد أَبُو الْحسن السكندري على بن زِيَاد التّونسِيّ أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن عبيد الطليطلي على بن اسماعيل أَبُو الْحسن(1/7)
الْأَشْعَرِيّ على أَبُو الْحسن بن مسرور الدّباغ على أَبُو الْحسن بن ميسرَة الْعِرَاقِيّ على ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَصْرِيّ على بن أَحْمد بن الْحسن بن الْقصار على أَبُو الْحسن يعرف بِابْن زكرون على بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن بن الْقَابِسِيّ على بن الْحسن بن مُحَمَّد الفِهري على أَبُو الْحسن اللَّخْمِيّ الريغي على أَبُو الْحسن بن الْقَاسِم الطافي على بن اسماعيل يعرف بِابْن سَيّده اللّغَوِيّ على أَبُو سعيد بن عبد ربه على بن أَحْمد بن حسن الْمذْحِجِي الْحَافِظ على أَبُو الْحسن بن خلف بن الباذش على بن أَحْمد بن يُوسُف الغساني عَليّ بن عمر الْكِنَانِي القيجاطي على بن مُحَمَّد الفزازي يعرف بِابْن المعرى عَليّ بن مُوسَى بن عبد الْملك بن سعيد يعرف بِابْن سعيد على بن ابراهيم يعرف بِابْن القفاص عَليّ بن سُلَيْمَان الزهراوي على بن أَحْمد بن سُلَيْمَان النفزي على بن صَالح الطرطوشي يعرف بِابْن عز النَّاس على بن أَحْمد بن مَرْوَان الغساني على بن اسماعيل أَبُو الْحسن الابياري على بن الشَّيْخ أبي الْحسن الصَّغِير على بن عبد الله بن أبي سطر الْمعَافِرِي الاسكندري على بن مُحَمَّد ابْن الْمُنِير أَخُو القَاضِي نَاصِر الدّين على بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ أَسمَاء مُفْردَة فِي حرف الْعين عمر بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْفرج الْبَغْدَادِيّ الْعَبَّاس بن عيسي أَبُو الْفضل المحاسبي عمر بن مُحَمَّد بن برجا الْأنْصَارِيّ عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْفرس عبيد بن أَحْمد هُوَ الشَّيْخ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ عقيل بن عَطِيَّة الْقُضَاعِي
حرف الْغَيْن
الْغَازِي بن قيس أَبُو مُحَمَّد الْقُرْطُبِيّ غَالب بن عَطِيَّة الْمحَاربي
حرف الْفَاء
فضل بن سَلمَة الْجُهَنِيّ الْفضل بن عبد الرَّحْمَن بن مسْعدَة العامري فرج بن قَاسم بن لب أَبُو سعيد الأندلسي
حرف الْقَاف
من اسْمه قَاسم قَاسم بن مُحَمَّد بن قَاسم بن سيارالقرطبي قَاسم بن ثَابت بن حزم أَبُو مُحَمَّد قَاسم بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن رَافع رَأسه قَاسم بن فيرة الشاطبي الْمنْقري قَاسم الجبيري بن خلف بن جُبَير قَاسم بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن الشَّاط
أَسمَاء مُفْردَة أَبُو الْقَاسِم بن القيرواني قرعوس بن الْعَبَّاس بن قرعوس
حرف الْمِيم
من اسْمه مُحَمَّد مُحَمَّد بن ابراهيم بن دِينَار الْجُهَنِيّ مُحَمَّد بن سَلمَة بن مُحَمَّد بن هِشَام مُحَمَّد بن ادريس الامام الشَّافِعِي مُحَمَّد بن وَاقد الْوَاقِدِيّ مُحَمَّد أَبُو ثَابت بن عبد الله بن أبي زيد مُحَمَّد بن خَالِد بن مرتيل مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْمَوَّاز مُحَمَّد ابْن عبد الله بن أبي زرْعَة البرقي مُحَمَّد بن شبيب أَبُو يُوسُف التّونسِيّ مُحَمَّد أَبُو بكر بن أبي يحيى بن زَكَرِيَّا الْوَقار مُحَمَّد بن سَحْنُون مُحَمَّد بن ابراهيم بن عَبدُوس مُحَمَّد الْعُتْبِي مُحَمَّد بن عجلَان مُحَمَّد بن أصْبع بن الْفرج مُحَمَّد بن وضاح مُحَمَّد قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عمر بن حَمَّاد مُحَمَّد أَبُو عبد الله البرنكاني مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن بكير مُحَمَّد أَبُو الطّيب بن مُحَمَّد بن رَاهَوَيْه مُحَمَّد أَبُو بكر بن الجهم بن الْوراق مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن بسطَام مُحَمَّد أَبُو بكر يعرف بِابْن الْخلال مُحَمَّد بن قيطس البيري مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عمر بن لبَابَة مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن أَحْمد التسترِي مُحَمَّد بن سَابق مُحَمَّد أَبُو بكر بن اللباد مُحَمَّد أَبُو اسحاق بن شعْبَان مُحَمَّد بن يحيى بن لبَابَة مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي دليم مُحَمَّد أَبُو الْعَرَب مُحَمَّد بن عمر بن سعيد بن عيشون مُحَمَّد ابْن أَحْمد البديوي مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الشَّيْخ أبي بكر الْأَبْهَرِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن عيشون(1/8)
مُحَمَّد أَبُو بكر النعالي مُحَمَّد بن رَبَاح بن صاعد مُحَمَّد أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن السّلم مُحَمَّد بن أبان ابْن عِيسَى بن دِينَار مُحَمَّد بن مُجَاهِد بن وليد الْأمَوِي مُحَمَّد بن حَارِث الْخُشَنِي مُحَمَّد ابْن سعيد الموثق يعرف بِابْن الْمَوَّاز مُحَمَّد أَبُو بكر يعرف بِابْن القويطية مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن مُحَمَّد بن تليد مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عبد الله الزبيدِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْوَلِيد المعيطي مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطروح الْأَعْرَج مُحَمَّد بن غَالب أَبُو عبد الله بن الصفار مُحَمَّد بن اسباط مُحَمَّد أَبُو بكر بن الطّيب الامام الباقلاني مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن يحيى بن يحيى مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن أسيد بن أبي صفرَة مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله بن الْعَطَّار مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر يعرف بالأبهري الصَّغِير مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن أبي زمنين مُحَمَّد أَبُو بكر بن خويزمنداد مُحَمَّد بن سُفْيَان الهواري المغربي مُحَمَّد أَبُو بكر بن موهب الْمَعْرُوف بالثفتري مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن الْحذاء مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن بشكوال مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن سعدون الغوري مُحَمَّد أَبُو الْفضل بن عمروس الْبَزَّار مُحَمَّد أَبُو بكر بن يُونُس الصّقليّ مُحَمَّد القَاضِي أَبُو عبد الله بن المرابط مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن فرج مولى ابْن الطلاع مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن أَيمن بن خَليفَة مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عتاب مُحَمَّد بن الْوَلِيد الشَّيْخ أَبُو بكر الطرطوشي مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو عبد الله الامام الْمَازرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن رشد مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الصَّدَفِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن أَحْمد بن رشد الْحَفِيد مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو عبد الله بن الْفرس مُحَمَّد بن أبي عبد الله بن زرقون ابْن الْمُتَقَدّم ذكره مُحَمَّد بن ابراهيم الْمَعْرُوف بِابْن شقّ اللَّيْل مُحَمَّد بن يُوسُف بن سَعَادَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر يكنى أَبَا عبد الله قَاضِي فاس مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض مُحَمَّد بن أَحْمد الحسني السبتي مُحَمَّد بن حزب الله أَبُو عيشون مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جزى الغرناطي مُحَمَّد بن سعيد أَبُو عبد الله الطّراز مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن مُحَمَّد السيار الْبَيَانِي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْقَاسِم يعرف بِابْن حفيد الْأمين مُحَمَّد بن أَحْمد بن دَاوُد عرف بِابْن الكماد مُحَمَّد بن ابراهيم عرف بالدباغ الأشبيلي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو بكر بن حفيد الْأمين مُحَمَّد أَبُو الحكم مُحَمَّد بن حُسَيْن يكنى أَبَا عبد الله يعرف بِابْن الْحَاج مُحَمَّد ابْن حَكِيم بن مُحَمَّد بن بَاقٍ الجذامي مُحَمَّد بن عَليّ بن الفخار الجذامي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ادريس أَبُو بكر القلاوسي مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْجد الفِهري مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البسيلي الكرشوطي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَرْزُوق العجبني مُحَمَّد بن سعدون البدوي مُحَمَّد بن عمر الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن رشيد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مقَالَة التميري مُحَمَّد بن جَابر أَبُو عبد الله الودآشي مُحَمَّد بن خلف بن مُوسَى الاوسي مُحَمَّد بن سُفْيَان أَبُو عبد الله القيرواني مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد السَّلَام الغساني مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي الطَّاهِر الداهلي مُحَمَّد بن عَليّ الْمحَاربي الغرناطي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو بكر القبتوري مُحَمَّد ابْن لطيف الْبَزَّار الافريقي مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة أَبُو بكر المرواني بن الاحمر مُحَمَّد بن سعيد السّري أَبُو عبد الله الاموي مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَمَام الْحَرَّانِي ابْن أبي الاصبع مُحَمَّد بن مِسْكين أَخُو عِيسَى بن مِسْكين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْقُرْطُبِيّ الْمُفَسّر مُحَمَّد بن يحيى الاسلمي الاسكندري مُحَمَّد بن رشيد أَبُو زَكَرِيَّا الافريقي مُحَمَّد بن أَشهب بن عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن(1/9)
صَالح الْمَعْرُوف بِابْن الْحسن بن أم شبيان مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبُو عبد الله بن شبْل مُحَمَّد بن بطال ابْن وهب بن عبد الاعلى مُحَمَّد بن مسور بن عمر الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم أَبُو عبد الله اليقوري مُحَمَّد بن يحيى المغافري مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح ابْن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان بن سومر الزواوي قَاضِي دمشق مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن أَبُو عبد الله الْحَافِظ مُحَمَّد بن أبي بكر قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين الاخائي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مفرج الْقُرْطُبِيّ الْحَافِظ مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْعَبدَرِي بن الْحَاج مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن رَشِيق قَاضِي الاسكندرية مُحَمَّد بن عبد الله بن خيرة أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْعَبَّاس بن الغماز مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن جميل الربعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن قيس أَبُو مُحرز الْكِنَانِي مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن سمحان الشريشي مُحَمَّد بن عمرَان بن حزم الشريف الكركي مُحَمَّد بن وَهبة الله بن شكر قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد التّونسِيّ الشهير بِابْن القوبع مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن سعيد بن عَائِذ الْمعَافِرِي مُحَمَّد بن عبد الله بن رَاشد الْبكْرِيّ مُحَمَّد بن عبد الْملك أَبُو عبد الله قَاضِي مراكش مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد النُّور الْحميدِي التّونسِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَسْعُود يعرف بِابْن الْمُفَسّر النجاري مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الورغمي التّونسِيّ مُحَمَّد بن مَيْمُون بن عمر الإفْرِيقِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن الْيحصبِي البروني مُحَمَّد بن عبد السَّلَام قَاضِي الْجَمَاعَة بتونس مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن مهْدي الْحَافِظ ابْن رَاشد
من اسْمه موسي مُوسَى أَبُو قُرَّة بن طَارق السكْسكِي مُوسَى أَبُو الاسود الْمَعْرُوف بِابْن الْقطَّان مُوسَى بن عِيسَى أَبُو عمرَان الفاسي مُوسَى بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالوتد
اسْم مُفْرد مَرْوَان أَبُو عبد الْملك الْبونِي شَارِح الْمُوَطَّأ رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه مطرف مطرف بن عبد الله ابْن أُخْت مَالك بن أنس رَحمَه الله مطرف ابْن عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم الْقُرْطُبِيّ
من اسْمه مكي أَبُو مُحَمَّد بن أبي طَالب الْقَيْسِي مكي بن عَوْف مؤلف العوفية
الافراد فِي حرف الْمِيم الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي معز بن عِيسَى الْقَزاز الْمدنِي مِسْكين بن عبد الْعَزِيز هُوَ الامام أَشهب محسن هُوَ القَاضِي أَبُو الْعَلَاء الْبَغْدَادِيّ الْمُهلب بن أبي صفرَة أَبُو الْقَاسِم مُسلم بن عَليّ بن عبد الله الدِّمَشْقِي
حرف الْهَاء
افراد هِشَام بن أَحْمد بن هِشَام الغرناطي هَاشم بن خَالِد الانصاري التسترِي هَارُون بن عبد الله بن الزُّهْرِيّ الْعَوْفِيّ
حرف الْوَاو
وهب بن ميسرَة بن مفرج التَّمِيمِي
حرف الْيَاء
يحيى بن يحيى بن بكير التَّمِيمِي النَّيْسَابُورِي يحيى بن عمر البلوي الأندلسي يحيى بن يحيى بن كثير اللَّيْثِيّ يحيى بن اسحاق بن يحيى اللَّيْثِيّ يعرف بالدقيقة يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن ربيع الْأَشْعَرِيّ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا الْحَافِظ يحيى بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الغساني القليعي يحيى ابْن عبد الله بن عِيسَى بن سلمي الْهَمدَانِي المغيلي يحيى بن على بن مُحَمَّد ابو بكر الجدلي يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز يعرف بِابْن الْجَوَاز يحيى بن عبد الله بن يحيى يكنى أَبَا عبد الله ابْن يحيى بن زَكَرِيَّا بن ابراهيم بن مزين يحيى وَأَخُوهُ أَحْمد ابْنا مُحَمَّد بن عجلَان يحيى بن مُوسَى الرهوني شَارِح ابْن الْحَاجِب الاصلي
من اسْمه يَعْقُوب يَعْقُوب بن شيبَة بن الصلب(1/10)
يَعْقُوب بن يُوسُف بن جزي الكليثي
من اسْمه يُوسُف يُوسُف أَبُو عمر المغامي يُوسُف أَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ يُوسُف بن الْحسن بن أبي الْأَحْوَص يُوسُف بن مُوسَى ابْن سُلَيْمَان الجذامي يُوسُف بن مُحَمَّد بن حمامة الصنهاجي يُوسُف بن يَعْقُوب بن عمر القَاضِي اسماعيل يُوسُف بن مُحَمَّد يعرف بِابْن الدارس يُوسُف بن يَعْقُوب بن عمر القَاضِي اسماعيل
وَمن الافراد فِي حرف الْيَاء يُونُس بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن مغيث وَهنا انتهي جمعهم رَحِمهم الله ورضى عَنْهُم
يَقُول مُؤَلفه ابراهيم بن عَليّ بن فَرِحُونَ الْيَعْمرِي لطف الله بِهِ ووفقة لما يرضيه
اشْتَمَل هَذَا التَّأْلِيف على أزيدمن سِتّمائَة وَثَلَاثِينَ اسْما من الْأَعْيَان والمشاهير من الْفُقَهَاء والحفاظ للْحَدِيث وأكابر الروَاة وَغَيرهم من المؤلفين مِمَّن لم يبلغ دَرَجَة من قصدنا ذكرهم لَكِن ذَكَرْنَاهُمْ للتعريف بحالهم وزمانهم وَأخْبرنَا عَن ذكر كثير من الْعلمَاء مِمَّن لم يشْتَهر شهرة هَؤُلَاءِ وَلم يكن لَهُ تأليف وَلَا تخرج بِهِ أحد من الْمَشَاهِير لِأَن اسْتِيفَاء ذكر فُقَهَاء الْمَذْهَب لَا يحاط بهم وَوَقع ترتيبهم فِي هَذَا التَّأْلِيف على عجل وَلم يسع الْوَقْت ترتبيهم على مَا يجب فان فيهم مَا يجب تَقْدِيم بَعضهم على بعض وَوَقع ذَلِك على غير قصد التَّحْصِيل وعَلى نِيَّة ترتيبهم وَالله الْمُسْتَعَان على ذَلِك ولنبدأ بمقدمة فِي تَرْجِيح مَذْهَب مَالك رَحمَه الله
بَاب فِي تَرْجِيح مَذْهَب مَالك رَحمَه الله
قَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله اعْلَم وفقنا الله وَإِيَّاك أَن حكم المتعبد بأوامر الله ونواهيه المتشرع بشريعة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب معرفَة مَا يتعبد بِهِ وَمَا يَأْتِيهِ ويذره وَيجب عَلَيْهِ وَيحرم وَيُبَاح لَهُ ويرغب فِيهِ من كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهما الأصلان اللَّذَان لَا تعرف الشَّرِيعَة إِلَّا من قبلهمَا ثمَّ إِجْمَاع الْمُسلمين مُرَتّب عَلَيْهِمَا فَلَا يَصح أَن يُؤْخَذ وَينْعَقد إِلَّا عَنْهُمَا إِمَّا من نَص عرفوه ثمَّ تركُوا نَقله أَو من اجْتِهَاد مَبْنِيّ عَلَيْهِمَا على القَوْل بِصِحَّة الْإِجْمَاع من طَرِيق الِاجْتِهَاد وَهَذَا كُله لَا يتم إِلَّا بعد تَحْقِيق الْعلم بذلك وَمَعْرِفَة الْأَدِلَّة الموصلة اليه من نقل وَنظر وَجمع وَحفظ وَعلم مَا صَحَّ من السّنَن واشتهر وَمَعْرِفَة كَيفَ تفهم من علم ظواهر الالفاظ وهوعلم الهعربية والفقة وَعلم معانيهما ومعاني موارد الشَّرْع ومقاصده وَنَصّ الْكَلَام وَظَاهره وفحواه وَسَائِر مناهجه وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِعلم أصُول الْفِقْه وَهَذَا كُله يحْتَاج الى مهلة والتعبد لَا زم لحينه ثمَّ الْوَاصِل إِلَى طَرِيق الِاجْتِهَاد قَلِيل وَأَقل من الْقَلِيل بعد الصَّدْر الأول وَالسَّلَف الصَّالح وَإِذا كَانَ هَذَا فَلَا بُد لمن لم يبلغ هَذِه الْمنزلَة من الْمُكَلّفين أَن يلتقي مَا يتعبد بِهِ وكلف من وظائف شَرِيعَته مِمَّن يَنْقُلهُ لَهُ ويعرفه بِهِ واثقابه فِي نَقله وَعلمه وَهَذَا هُوَ التَّقْلِيد ودرجة عوام النَّاس بل أَكْثَرهم وَإِذا كَانَ هَذَا فَالْوَاجِب تَقْلِيد الْعَالم الموثوق بِهِ فِي ذَلِك فَإِذا كثر الْعلمَاء فالأعلم وَهَذَا حَظّ الْمُقَلّد من الِاجْتِهَاد لدينِهِ وَلَا يتْرك الْمُقَلّد الأعلم ويعدل إِلَى غَيره وان كَانَ مُسْتقِلّا بِالْعلمِ فيسئل حِينَئِذٍ عَمَّا لَا يعلم حتي يُعلمهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالإقتداء بالخلفاء بعده وَأَصْحَابه وَقد بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه فِي النَّاس ليفقهوهم فِي الدّين ويعلموهم مَا كتب عَلَيْهِم وَإِذا كَانَ هَذَا الْأَمر لَازِما فَأولى من قَلّدهُ الْعَاميّ الْجَاهِل والطالب المسترشد والمتفقه فِي دين الله فُقَهَاء أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين أخذُوا عَنهُ الْأَمر وَعَلمُوا أَسبَاب نزُول(1/11)
الْأَوَامِر والنواهي وشاهدوا قَرَائِن الْأُمُور وثاقبوا فِي أَكْثَرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستفسروه عَنْهَا مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ من صفة الْعلم وَمَعْرِفَة مَعَاني الْكَلَام وتنوير الْقُلُوب وانشراح الصُّدُور فَكَانُوا أعلم الْأمة بِلَا مرية وأولاهم بالتقليد لكِنهمْ لم يتكلموا من النَّوَازِل إِلَّا فِي الْيَسِير مِمَّا وَقع وَلَا تفرعت عَنْهُم الْمسَائِل وَلَا من الشَّرْع إِلَّا فِي قَوَاعِد ووقائع وَكَانَ أَكثر اشتغالهم بِالْعَمَلِ بِمَا عمِلُوا والذب عَن حوزة الدّين وتوطين شَرِيعَة الْمُسلمين ثمَّ بَينهم فِي الِاخْتِلَاف فِي بعض مَا تكلمُوا فِيهِ مِمَّا يلقِي الْمُقَلّد فِي حيرة ويحوجه إِلَى نظر وَتوقف وَإِنَّمَا جَاءَ التَّفْرِيع وَبسط الْكَلَام فِيمَا يتَوَقَّع وُقُوعه بعدهمْ فجَاء التابعون فنظروا فِي اخْتلَافهمْ وبنوا على أصولهم ثمَّ جَاءَ من بعدهمْ من الْعلمَاء من أَتبَاع التَّابِعين والوقائع قد كثرت والفتاوى قد تشعبت فَجمعُوا أقاويل الْجَمِيع وحفظوا فقههم وَبَحَثُوا عَن اخْتلَافهمْ واتفاقهم وحذرواانتشار الْأَمر وَخُرُوج الْخلاف عَن الضَّبْط فاجتهدوا فِي جمع السّنَن وَضبط الْأَحْوَال وسئلوا فَأَجَابُوا ومهدوا الْأُصُول وفرعوا عَلَيْهَا النَّوَازِل وَوَضَعُوا التصانيف وفرقوها وقاسوا على مَا بَلغهُمْ مَا يشبه فالمتعين على الْمُقَلّد أَن يرجع فِي التَّقْلِيد لهَؤُلَاء لإحكامهم النّظر فِي مَذَاهِب من تقدمهم وكفايتهم ذَلِك لمن جَاءَ بعدهمْ لَكِن تَقْلِيد جَمِيعهم لَا يتَّفق فِي أَكثر النَّوَازِل لاختلافهم فِي الْأُصُول الَّتِي بنوا عَلَيْهَا وَلَا يصلح أَن يُقَلّد الْمُقَلّد من شَاءَ مِنْهُم على الشُّهْرَة أوعلى مَا وجد عَلَيْهِ أهل قطره فحظه هُنَا من الِاجْتِهَاد أَن ينظر فِي أعلمهم وَيعرف الأولى بالتقليد من جُمْلَتهمْ حَتَّى يركن فِي أَعماله إِلَى فتواه وَلَا يحل لَهُ أَن يعدو فِي استفتائه إِلَى من لَا يرى مذْهبه وَلذَلِك يلْزم هَذَا طلب الْعلم فِي باديته فِي درس مَا أَصله الأعلم من هَؤُلَاءِ وفرعه والاهتداء بنظرة اذلو ابْتَدَأَ الطَّالِب يطْلب فِي كل مسئلة الْوُقُوف على الْحق مِنْهَا بطرِيق الِاجْتِهَاد لعسر عَلَيْهِ ذَلِك اذلا يتَّفق إِلَّا بعد جمع خصاله كَمَا تقدم وَإِذا اجْتمعت خصاله كَانَ حنيئذ من الْمُجْتَهدين لَا من المقلدين فَإِذا تقررت هَذِه الْمُقدمَة فَنَقُول قد وَقع إِجْمَاع الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض على تَقْلِيد هَذَا النمط واتباعهم ودرس مذاهبهم دون من قبلهم مَعَ الِاعْتِرَاف بِفضل من قبلهم وَسَبقه ومزيد عَامه لَكِن لعلل الَّتِي قدمنَا ثمَّ اخْتلفت الآراء فِي تعْيين الْمُقَلّد مِنْهُم على مَا نذكرهُ فغلب كل مَذْهَب على جِهَة فمالك بن أنس رَحمَه الله بِالْمَدِينَةِ وَأَبُو حنيفه الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَالْحسن الْبَصْرِيّ بِالْبَصْرَةِ وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وَالشَّافِعِيّ بِمصْر وَأحمد بن حَنْبَل بعده بِبَغْدَاد وَكَانَ لأبي ثَوْر هُنَاكَ أَتبَاع أَيْضا ثمَّ نَشأ بِبَغْدَاد أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَدَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ فألفا الْكتب واختارا فِي الْمَذْهَب على رَأْي أهل الحَدِيث واطرح دَاوُد مِنْهَا الْقيَاس وَكَانَ لكل وَاحِد مِنْهُم أَتبَاع وسرت جَمِيع هَذِه الْمذَاهب فغلب مَذْهَب مَالك رَحمَه الله أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة ومصر وَمَا والاها لَا هامن بِلَاد أفريقية والأندلس وصقلية وَالْمغْرب الْأَقْصَى إِلَى بِلَاد من أسلم من السودَان إِلَى وقتنا هَذَا وَظهر بِبَغْدَاد ظهوراً كثيرا وَضعف فِيهَا بعد أَرْبَعمِائَة سنة وَضعف بِالْبَصْرَةِ بعد خَمْسمِائَة سنة وَغلب فِي بِلَاد خُرَاسَان على قزوين وأبهر وَظهر بنيسابور أَولا وَكَانَ بهَا وبغيرها لَهُ أَئِمَّة ومدرسون يَأْتِي ذكرهم وَكَانَ بِبِلَاد فَارس وانتشر بِالْيمن وَكثير من بِلَاد الشَّام وَغلب مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله على الْكُوفَة وَالْعراق وَمَا وَرَاء النَّهر وكثيرمن بِلَاد خُرَاسَان إِلَى وقتنا هَذَا وَظهر بأفريقية ظُهُور كثيرا إِلَى قريب من أَرْبَعمِائَة عَام فَانْقَطع مِنْهَا وَدخل مِنْهُ شَيْء مَا ولاءها من الغرب(1/12)
قَدِيما بِجَزِيرَة الأندلس وبمدينة فاس وَغلب مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ رَحمَه الله على الشَّام وعَلى جَزِيرَة الأندلس إِلَى أَن غلب عَلَيْهَا مَذْهَب مَالك بعد الْمِائَتَيْنِ فَانْقَطع وَأما مَذْهَب الْحسن وَالثَّوْري فَلم يكثروا أتباعهما وَلم يطلّ تقليدهما وَانْقطع مَذْهَبهمَا عَن قريب وَأما الشَّافِعِي رَحمَه الله فكثروا اتِّبَاعه وَظهر مذْهبه ظُهُور مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة قبله وَكَانَ أَولا ظُهُوره بِمصْر وَكثر أَصْحَابه بهَا مَعَ الْمَالِكِيَّة ثمَّ بالعراق وبغداد وَغلب عَلَيْهَا وعَلى كثير من بِلَاد خُرَاسَان وَالشَّام واليمن إِلَى وقتنا هَذَا وَدخل وَرَاء النَّهر وبلاد فَارس وَدخل شَيْء مِنْهُ أفريقية والأندلس بِأخرَة بعد ثَلَاثمِائَة وَأما مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله فَظهر بِبَغْدَاد ثمَّ انْتَشَر بِكَثِير من بِلَاد الشَّام وَغَيرهَا وَضعف الْآن وَأما أَصْحَاب الطَّبَرِيّ وَأبي ثَوْر فَلم يكثروا وَلَا طَالَتْ مدتهم وَانْقطع أَتبَاع أبي ثَوْر بعد ثَلَاثمِائَة وَأَتْبَاع الطَّبَرِيّ بعد أَرْبَعمِائَة وأماداود فَكثر أَتْبَاعه وانتشر بِبِلَاد بَغْدَاد وبلاد فَارس مذْهبه وَقَالَ بِهِ قوم قَلِيل باقريقية والأندلس وَضعف الْآن فَهَؤُلَاءِ الَّذين وَقع إِجْمَاع النَّاس على تقليدهم مَعَ الِاخْتِلَاف فِي أعيانهم واتفاق الْعلمَاء على اتباعهم والاقتداء بمذاهبهم ودرس كتبهمْ والتفقه على مآخذهم وَالْبناء على قواعدهم والتفريع على أصولهم دون غَيرهم لمن تقدمهم أَو عاصرهم لعلل الَّتِي ذَكرنَاهَا وَصَارَ النَّاس الْيَوْم فِي أقطار الارض على خَمْسَة مَذَاهِب مالكية وحنبلية وشافعية وحنفية وداودية وهم المعرفون بالظاهرية فَحق على طَالب الْعلم ومريد تَعْرِيف الصَّوَاب وَالْحق أَن يعرف أولاهم بالتقليد ليعتمد على مذْهبه ويسلك فِي التفقه سَبيله وَهَا نَحن نبين أَن مَالِكًا هوذاك لجمعه أدوات الْإِمَامَة وتحصيله وَجه الِاجْتِهَاد وَكَونه أَحَق أهل وقته على شهرتهم لَهُ بذلك وتقديمه وَهُوَ الْقدْوَة وَالنَّاس اذا ذَاك نَاس وَالزَّمَان زمَان ثمَّ الاثر الْوَارِد فِي عَالم الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ دَاره ثمَّ الْمُوَافقَة أَحْوَاله الْحَال الَّتِي فِي الحَدِيث وَتَأْويل السّلف الصَّالح أَنه المُرَاد بِهِ ونفصل الْكَلَام فِي ذَلِك على فصلين
الْفَصْل الأول
مُعْتَمدَة النَّقْل وَفِيه ترجيحان التَّرْجِيح الاول وهوالاثر الْمَشْهُور الصَّحِيح الْمَرْوِيّ عَن الثِّقَات مِنْهُم سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن جريح عَن أبي الزبير عَن صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُوشك أَن تضرب النَّاس أكباد الابل وَفِي طلب الْعلم وَفِي رِوَايَة يَلْتَمِسُونَ الْعلم فَلَا يَجدونَ عَالما أعلم وَفِي رِوَايَة أفقه من عَالم الْمَدِينَة وَفِي الرِّوَايَة من عَالم بِالْمَدِينَةِ وَفِي بَعْضهَا آباط الْإِبِل مَكَان أكباد الابل وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن جريج مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج أَيْضا مُسْندًا وهوثقة مَأْمُون وَهَذَا الطَّرِيق أشهر طرقه وَرِجَاله ثِقَات مشاهير خرج عَنْهُم البُخَارِيّ وَمُسلم وَأهل الصَّحِيح وَرَوَاهُ أَيْضا المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَنْقَضِي السَّاعَة حَتَّى يضْرب النَّاس أكباد الْإِبِل من كل نَاحيَة إِلَى عَالم الْمَدِينَة يطْلبُونَ علمه وخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ فِي مُصَنفه مَرْفُوعا إِلَى أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم يضْربُونَ أكباد الابل وَيطْلبُونَ الْعلم وَلَا يَجدونَ عَالما أعلم من عَالم الْمَدِينَة وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ آخر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج نَاس من الْمشرق وَالْمغْرب فِي طلب الْعلم فَلَا يَجدونَ عَالما من أعلم من عَالم الْمَدِينَة أَو عَالم أهل الْمَدِينَة وَذكر ابْن حبيب عَن جَابر بن عبد الله(1/13)
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَنْقَطِع الدُّنْيَا حَتَّى يكون عَالم بِالْمَدِينَةِ تضرب إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل لَيْسَ على ظهر الأَرْض أعلم مِنْهُ قَالَ سُفْيَان نرى أَن المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث مَالك بن أنس وَفِي رِوَايَة عَنهُ كنت أَقُول هُوَ ابْن الْمسيب حَتَّى قلت كَانَ فِي زمَان ابْن الْمسيب سُلَيْمَان وَسَالم وَغَيرهمَا ثمَّ أَصبَحت الْيَوْم أَقُول إِنَّه مَالك وَذَلِكَ أَنه عَاشَ حَتَّى لم يبْق لَهُ نَظِير بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن سُفْيَان رَوَاهُ عَنهُ ابْن مهْدي وَيحيى بن سعيد وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَالزُّبَيْر بن بكار وَإِسْحَاق بن اسرائيل وذؤيب بن عماية السَّهْمِي وَغَيرهم كلهم سَمعه يَقُول فِي تَفْسِير الحَدِيث هُوَ مَالك أَو أَظُنهُ أَو أَحْسبهُ أَو كَانُوا يرونه قَالَ ابْن مهْدي يَعْنِي سُفْيَان بقول أَو كَانُوا يرونه التَّابِعين قَالَ القَاضِي أَبُو عبد الله التسترِي فِي قَوْله كَانُوا يرونه هُوَ أَخْبَار عَن غَيره من نَظَائِره وَمِمَّنْ هُوَ فَوْقه قَالَ وَقد جَاءَت هَذِه الْأَحَادِيث بلفظين أَحدهمَا من عَالم الْمَدِينَة وَالثَّانِي من عَالم بِالْمَدِينَةِ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا معنى صَحِيح فَأَما قَوْله من عَالم بِالْمَدِينَةِ فإشارة إِلَى رجل بِعَيْنِه يكون بهالا بغَيْرهَا وَلَا يعلم أحد انْتهى إِلَيْهِ علم أهل الْمَدِينَة وَأقَام بهَا وَلم يخرج عَنْهَا وَلَا استوطن سواهَا فِي زمَان مَالك مجتمعا عَلَيْهِ الا مالكاولا أفتى بِالْمَدِينَةِ وَحدث بهَا نيفاً وَسِتِّينَ سنة أحد من علمائها يَأْخُذ عَنهُ أهل الْمشرق وَالْمغْرب ويضربون إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل غَيره وَأما رِوَايَة عَالم الْمَدِينَة فقد ذكر مُحَمَّد بن اسحاق المَخْزُومِي تَأْوِيل ذَلِك مَا دَامَ الْمُسلمُونَ يطْلبُونَ الْعلم فَلَا يَجدونَ أعلم من عَالم الْمَدِينَة كَانَ بهَا أَو بغَيْرهَا فَيكون على هَذَا سعيد بن الْمسيب لِأَنَّهُ النِّهَايَة فِي وقته ثمَّ من بعده غَيره مِمَّن هُوَ مثله من شُيُوخ مَالك ثمَّ بعدهمْ مَالك ثمَّ بعده من قَامَ بِعِلْمِهِ وَكَانَ أعلم أَصْحَابه بِهِ بمذهبه ثمَّ هَكَذَا مَا دَامَ للْعلم طَالب وَالْمذهب أهل الْمَدِينَة إِمَام وَيجوز على هَذَا أَن يُقَال هُوَ ابْن شهَاب فِي وقته والعمري فِي وقته وَمَالك فِي وقته ثمَّ إِذا اجْتمعت اللفظتان اخْتصَّ مَالك بقوله من عَالم بِالْمَدِينَةِ وَدخل فِي جملَة عُلَمَاء أهل الْمَدِينَة باللفظة الْأُخْرَى وَقَالَ ابْن جريج وَعبد الرَّزَّاق فِي تَأْوِيل الحَدِيث نَحْو قَول سُفْيَان نرى أَن المُرَاد بِهِ مَالك وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة إِذا اعْتبرت كَثْرَة من روى عَن مَالك من الْعلمَاء مِمَّن تقدمه أَو عاصره أَو تَأَخّر عَنهُ على اخْتِلَاف طبقاتهم وأقطارهم وَكَثْرَة الرحلة إِلَيْهِ والاعتماد فِي وقته عَلَيْهِ دلّ بِغَيْر مرية أَنه المُرَاد بِالْحَدِيثِ إِذْ لم يُوجد لغيره من عُلَمَاء الْمَدِينَة مِمَّن تقدمه أَو جَاءَ بعده من الروَاة والآخذين الا بعض من وجدنَا وَقد جمع الروَاة عَنهُ غير وَاحِد وَبلغ بهم بَعضهم فِي تَسْمِيَة من علم بالرواية عَنهُ سوى من لم يعلم ألفي راو وَاجْتمعَ من مجموعهم زَائِد على الالف وثلاثمائة وَيدل كَثْرَة الْقَصْد لَهُ على كَونه أعلم أهل وقته وَهُوَ الْحَال وَالصّفة الَّتِي أنذر بهَا رَسُول الله صلي الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك لم يسترب السّلف أَنه هُوَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ وعد هَذَا الْخَبَر من معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب مَا مَعْنَاهُ إِنَّه لَا ينازعنا فِي هَذَا الحَدِيث أحد من أَرْبَاب الْمذَاهب إِذْ لَيْسَ مِنْهُم من لَهُ إِمَام من أهل الْمَدِينَة فَيَقُول المُرَاد بِهِ امام وَنحن ندعي أَنه صاحبنا بِشَهَادَة السّلف لَهُ وَبِأَنَّهُ إِذا أطلق بَين أهل الْعلم قَالَ عَالم الْمَدِينَة وامام دَار الْهِجْرَة فَالْمُرَاد بِهِ مَالك دون غَيره من علمائها كَمَا إِذا قيل قَالَ الْكُوفِي فَالْمُرَاد بِهِ أَبُو حنيفَة دون سَائِر فُقَهَاء الْكُوفَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل رضى الله عَنهُ فَوجه احتجاجنا بِهَذَا الحَدِيث من ثَلَاثَة أوجه الْوَجْه الأول تَأْوِيل السّلف أَن المُرَاد بِهِ مَالك وَمَا كَانُوا لِيَقُولُوا ذَلِك إِلَّا من تَحْقِيق الْوَجْه الثَّانِي أَنَّك إِذا اعْتبرت مَا أوردناه ونورده من(1/14)
شَهَادَة السّلف الصَّالح لَهُ وإجماعهم على تَقْدِيمه ظهر انه المُرَاد بذلك اذ لم يحصل بالأوصاف الَّتِي فِيهِ لغيره وَلَا أطبقوا على هَذِه الشُّهْرَة لسواء الْوَجْه الثَّالِث هُوَ مَا نبه عَلَيْهِ بعض الشُّيُوخ من أَن طلبة الْعلم لم يضْربُوا أكباد الْإِبِل من مشرق الأَرْض وغربها إِلَى عَالم وَلَا رحلوا إِلَيْهِ من الْآفَاق رحلتهم إِلَى مَالك فَالنَّاس أَكيس من أَن يمدحوا رجلا من غير أَن يَجدوا آثَار إِحْسَان
التَّرْجِيح الثَّانِي انه اذا اعْتبر فِي هَذَا الْفَصْل النقلي وَالْمُعْتَمد فِيهِ مُجَرّد تَقْلِيد السالف وأئمة الْمُسلمين وَالِاعْتِرَاف لمَالِك بِأَنَّهُ أعلم أهل وقته وامامهم وتقليدهم إِيَّاه وإقتداؤهم بِهِ على رسوخ كثير مِنْهُم فِي الْعلم وترجيحهم مذْهبه على مَذْهَب غَيره وسنورد هُنَا لمعا من ذَلِك تومىء الى مَا وَرَاءَهَا قَالَ ابْن هُرْمُز شَيْخه إِنَّه عَالم النَّاس وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لما بلغته وَفَاته مَا ترك على الأَرْض مثله وَقَالَ مَالك إِمَام وَمَالك عَالم أهل الْحجاز وَمَالك حجَّة فِي زَمَانه وَمَالك سراج الامة وَإِنَّمَا كُنَّا نتبع آثَار مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي مَالك أستاذي وَعنهُ أخذت الْعلم وَمَا أحد أَمن عَليّ من مَالك وَجعلت مَالِكًا حجَّة بيني وَبَين الله وَإِذا ذكر الْعلمَاء فمالك النَّجْم الثاقب وَلم يبلغ أحد مبلغ مَالك فِي الْعلم لحفظه وإتقانه وصيانته وَقَالَ الْعلم يَدُور على ثَلَاثَة مَالك وَاللَّيْث وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه كَانَ إِذا ذكره قَالَ عَالم أهل الْمَدِينَة وعالم الْعلمَاء ومفتي الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ بَقِيَّة بن الْوَلِيد مَا بَقِي على وَجه الأَرْض أعلم بِسنة مَاضِيَة وَلَا بَاقِيَة من مَالك وَقدمه ابْن حَنْبَل على الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَحَمَّاد وَالْحكم فِي الْعلم وَقَالَ هُوَ إِمَام فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَسُئِلَ عَمَّن يُرِيد أَن يكْتب الحَدِيث وَينظر فِي الْفِقْه حَدِيث من يكْتب وَفِي رَأْي من ينظر فَقَالَ حَدِيث مَالك ورأي مَالك وَقَالَ ابْن معِين مَالك من حجج الله تَعَالَى عَن خَاتِمَة من إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين مُجْتَمع على فَضله وَقَالَ حميد بن الْأسود كَانَ إِمَام النَّاس عِنْدَمَا بعد عمر رضى الله عَنهُ زيد بن ثَابت وَبعده عبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُمَا قَالَ على بن الْمدنِي وَأخذ على زيد مِمَّن كَانَ يتبع رَأْيه أحد وَعِشْرُونَ رجلا ثمَّ صَار علم هَؤُلَاءِ كلهم إِلَى مَالك وَقَالَ حميد أَيْضا مَا تقلد أهل الْمَدِينَة بعد زيد بن ثَابت كَمَا تقلدوا قَول مَالك وَقد اعْترف لَهُ بالامامة يحي بن سعيد شَيْخه وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك وَجَمَاعَة من هَذَا النمط وَمن بعدهمْ كالبخاري وَابْن عبد الحكم وَأبي زرْعَة الرَّازِيّ وَمن لَا يعد كَثْرَة وَقَالَ عَتيق بن يَعْقُوب مَا اجْتمع أحد بِالْمَدِينَةِ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا على أبي بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا وَمَات مَالك وَمَا نعلم أحدا من أهل الْمَدِينَة إِلَّا أجمع عَلَيْهِ
الْفَصْل الثَّانِي
فِي تَرْجِيحه من طَرِيق الِاعْتِبَار وَالنَّظَر وَفِي ذَلِك اعتبارات الأول جمعه لدرجات الِاجْتِهَاد فِي عُلُوم الشَّرِيعَة من كتب السّنة ومسائل الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف وَهَذَا مِمَّا لَا يُنكره مُوَافق وَلَا مُخَالف الامن طبع على قلبه التعصب وَأَنه الْقدْوَة فِي السّنَن وَأول من ألف فأجاد ورتب الْكتب والأبواب وَضم الأشكال وَأول من تكلم فِي الْغَرِيب من الحَدِيث وَشرح فِي الْمُوَطَّأ كثيرا مِنْهُ فقد قَالَ الْأَصْمَعِي أَخْبرنِي مَالك أَن الِاسْتِجْمَار هِيَ الاستطابة وَلم أسمعهُ إِلَّا من مَالك وَله فِي تَفْسِير الْقُرْآن كَلَام كثير قد جمع وَتَفْسِير مَرْوِيّ وَقد جمع أَبُو مُحَمَّد مكي مصنفاً فِيمَا رُوِيَ عَنهُ من التَّفْسِير وَالْكَلَام فِي مَعَاني الْقُرْآن وَأَحْكَامه مَعَ تجويده لَهُ وَضَبطه حُرُوفه وَرِوَايَته عَن نَافِع قَالَ البهلول بن رَاشد مَا رَأَيْت أسْرع بَيَانا من كَلَام مَالك بن أنس(1/15)
مَعَ مَعْرفَته بالمعمول بِهِ من الحَدِيث والمتروك وسيرة الرِّجَال وَصِحَّة حفظه إِلَى مَا يُؤثر عَنهُ من الْأَخْذ فِي سَائِر الْعُلُوم كرسالته الى ابْن وهب فِي الرَّد على أهل الْأَهْوَاء وَكَقَوْلِه جالست ابْن هُرْمُز ثَلَاث عشرَة سنة ويروي سِتّ عشرَة سنة فِي علم لم أبثه لأحد من النَّاس وتأليفه فِي الْأَوْقَات والنجوم واشارته الى مَأْخَذ الْعلم وأصوله الَّتِي اتخذها أهل الْأُصُول من أَصْحَابه معالم وَغَيره مِمَّن ذكرنَا لم يجمع هَذَا الْجمع أما أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَمُسلم لَهما حسن الِاعْتِبَار وتدقيق النّظر وَالْقِيَاس وجودة الْفِقْه والإمامة فِيهِ لَكِن لَيْسَ لَهما إِمَامَة فِي الحَدِيث وَضعفهمَا فِيهِ أهل الصَّنْعَة وَهَذَا أهل الحَدِيث لم يخرجُوا عَنْهُمَا فِيهِ حرفا وَلَا لَهما فِي أَكثر مصنفاته ذكر وان كَانَ الشَّافِعِي مُتبعا للْحَدِيث ومفتشا على السّنَن لَكِن بتقليد غَيره وَقد كَانَ يَقُول لِابْنِ مهْدي وَابْن حَنْبَل أَنْتُمَا أعلم بِالْحَدِيثِ مني فَمَا صَحَّ عندكما مِنْهُ فعرفاني بِهِ وَلَا سَبِيل الى انكارا إمامتهما فِي الْفِقْه وَللشَّافِعِيّ فِي تَقْرِير الْأُصُول وترتيب الادلة مالم يسْبقهُ إِلَيْهِ من قبله وَكَانَ النَّاس عَلَيْهِ فِيهِ عيالا مَعَ التفنن فِي علم لِسَان الْعَرَب وكل ميسر لما خلق لَهُ كَمَا أَن أَحْمد وَدَاوُد من العارفين بِالْحَدِيثِ وَلَا يُنكر امامه أحد مِنْهُمَا فِيهِ لَكِن لَا يسلم لَهما الْإِمَامَة فِي الْفِقْه وَلَا جودة النّظر فِي مأخذه مَعَ أَن دَاوُد نهج اتِّبَاع الظَّاهِر وَنفى الْقيَاس فَخَالف السّلف وَالْخلف وَمَا مضى عَلَيْهِ عمل الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم فَمن بعدهمْ حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء إِن مذْهبه بِدعَة ظَهرت وَلَيْسَ بقصير من قصر مِنْهُم فِي فن بِالَّذِي يسْقط رتبته عَن الآخر وَلكُل وَاحِد مِنْهُم من المناقب والفضائل مَا حشيت بِهِ الصُّحُف لَكِن نقص ركن عَن الِاجْتِهَاد يخل بِهِ على كل حَال الِاعْتِبَار الثَّانِي الِالْتِفَات الى مَأْخَذ الْجَمِيع فِي فقهم ونظرهم على الْجُمْلَة فِي علمهمْ اذا تَخْصِيصه فِي أَخذ النَّوَازِل لَا يدْرك صَوَابه إِلَّا المستقل بِالْعلمِ وَحسب الْمُهْتَدي أَن يلوح لَهُ بتلويح يفهمهُ وَهُوَ أَنا قد ذكرنَا خِصَال الِاجْتِهَاد ثمَّ ترتيبها على مَا يُوجب الْعقل وَيشْهد لَهُ الشَّرْع تَقْدِيم كتاب الله عزوجل على تَرْتِيب أدلته فِي الوضوح من تَقْدِيم نصوصه ثمَّ ظواهره ثمَّ مفهوماته ثمَّ كَذَلِك السّنة على تَرْتِيب متواترها ومشهورها وآحادها ثمَّ تَرْتِيب نصوصها وظواهرها ومفهومها ثمَّ الْإِجْمَاع عِنْد عدم الْكتاب ومتواتر السّنة وَعند عدم هَذِه الْأُصُول كلهَا الْقيَاس عَلَيْهَا والاستنباط مِنْهَا إِذْ كتاب الله مَقْطُوع بِهِ وَكَذَلِكَ متواتر السّنة وَكَذَلِكَ النَّص مَقْطُوع بِهِ فَوَجَبَ تَقْدِيم ذَلِك كُله ثمَّ الظَّوَاهِر ثمَّ الْمَفْهُوم فِي دُخُول الِاحْتِمَال فِي مَعْنَاهَا ثمَّ أَخْبَار آحَاد عِنْد عدم الْكتاب والمتواتر مِنْهَا وَهِي مُقَدّمَة على الْقيَاس لاجماع الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم عَليّ الْفَصْلَيْنِ وتركهم نظرا أنفسهم مَتى بَلغهُمْ خبر الثِّقَة وامتثالهم مُقْتَضَاهُ دون خلاف مِنْهُم فِي ذَلِك ثمَّ الْقيَاس أَحْرَى عِنْد عدم الْأُصُول على مَا مضى عَلَيْهِ عمل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمن بعدهمْ من السّلف المرضيين وعَلى مذاهبهم أَجْمَعِينَ وَأَنت إِذا نظرت لأوّل وهلة مُنَازع هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة ومآخذهم فِي الْفِقْه واجتهادهم فِي الشَّرْع وجدت مَالِكًا رَحمَه الله ناهجاً فِي هَذِه الْأُصُول مناهجها مُرَتبا لَهَا مراتبها ومداركها مقدما كتاب الله عز وَجل على الْآثَار ثمَّ مقدما لَهَا عَليّ الْقيَاس وَالِاعْتِبَار تَارِكًا مِنْهَا مَا لم يتحمله الثِّقَات العارفون بِمَا يحملونه أَو مَا يحملونه أَو مَا وجد الْجُمْهُور والجم الْغَفِير من أهل الْمَدِينَة قد عمِلُوا بِغَيْرِهِ وخالفوه ثمَّ كَانَ من وُقُوفه فِي المشكلات وتحريه عَن الْكَلَام فِي المعوصات مَا سلك بِهِ سَبِيل السّلف الصَّالح وَكَانَ يرجح الِاتِّبَاع وَيكرهُ الابتداع وَالْخُرُوج عَن سنَن الماضين(1/16)
بَاب فِي نسب
مَالك حكى الزبير بن بكار عَم اسماعيل بن أبي أويس أَن الإِمَام مَالك بن أنس بن مَالك بن أبي عَامر بن عَمْرو بن غيمان بن خثيل بن عَمْرو بن الْحَارِث وَهُوَ ذُو أصبح كَذَا هُوَ غيمان بالغين الْمُعْجَمَة مَفْتُوحَة وَالْيَاء بِاثْنَيْنِ من أَسْفَل سَاكِنة ذكره غير وَاحِد وَكَذَا قيد الْأَمِير أَبُو نصر ابْن مَاكُولَا وَحَكَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وخثيل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة مَضْمُومَة وثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة وياء بِاثْنَيْنِ من أَسْفَل سَاكِنة كَذَا قَيده الْأَمِير أَبُو نصر وَحَكَاهُ عَن مُحَمَّد بن سعيد عَن أبي بكر بن أبي أويس وَقَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ جثيل بِالْجِيم وَحَكَاهُ عَن الزبير وَأما من قَالَ عُثْمَان بن جميل أَو ابْن حَنْبَل فقد صحف وَأما ذُو أصبح فقد اخْتلف فِي نسبه اخْتِلَافا كثيرا وَلَا خلاف أَنه من ولد قحطان قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل لم يخْتَلف عُلَمَاء النّسَب فِي نسب مَالك هَذَا واتصاله بِذِي أصبح إِلَّا مَا ذكر عَن أبي اسحق وَبَعْضهمْ من أَنه مولى لبني تيم وَهُوَ وهم لَهُ سَبَب وَذَلِكَ لما كَانَ بَين سلفه وَبينهمْ من حلف على الْأَشْهر من صهر أَو مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر لَا أعلم أَن أحدا أنكر أَن مَالك بن أنس وَمن وَلَده كَانُوا حلفاء لبني تيم بن مرّة وَلَا خلاف فِيهِ الا مَا ذكر عَن أبي إِسْحَاق أَنه من مواليهم قَالَ وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب انه قَالَ حَدثنِي نَافِع ابْن مَالك مولى التيميين وَهَذَا اعتده لَا يَصح عَن ابْن شهَاب قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل قَول ابْن شهَاب هَذَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أول كتاب الصّيام وَصرف الْمولى فِي لِسَان الْعَرَب يَعْنِي الْحلف والتناصر مَعْرُوف فَلَعَلَّهُ مَا أَرَادَ ابْن شهَاب وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عبد الْملك ابْن صَالح مَالك من ذِي أصبح مولى لقريش وَقَالَ الزبير بن بكار عداد فِي بني تيم بن مرّة وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه لما بلغَة قَول ابْن شهَاب هَذَا قَالَ ليته لم يرو عَنهُ شَيْئا قَالَ أَبُو سُهَيْل عَم مَالك نَحن قوم من ذِي أصبح قدم جدنا الْمَدِينَة فَتزَوج فِي التيميين فَكَانَ مَعَهم ونسبنا إِلَيْهِم وَقَالَ الرّبيع بن مَالك أَخُو أبي سُهَيْل عَن أَبِيه قَالَ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن عبد الله التَّيْمِيّ ابْن أخي طَلْحَة وَنحن بطرِيق مَكَّة يَا مَالك هَل لَك إِلَى مَا دَعَانَا إِلَيْهِ غَيْرك مَا بَيناهُ أَن يكون دمنا دمك وهدمنا هدمك مَا بل بحرصوفه فأحبته إِلَى ذَلِك وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه لم يجبهُ وَقَالَ لَهُ لَا حَاجَة لي بِهِ وَالْأول أصح وَأشهر والْآثَار فِي هَذِه كَثِيرَة متشعبة
وَأما أمه فَقَالَ الزبير هِيَ الغالية بنت شريك بن عبد الرَّحْمَن بن شريك الازدية وَقَالَ ابْن عَائِشَة انها طَلْحَة مولاة عبد الله بن معمر وَقد قَالَ ابْن عمرَان التَّمِيمِي مَا بَيْننَا وَبَينه نسب إِلَّا أَن أمه مولاة لِعَمِّي عُثْمَان بن عبد الله وَالله أعلم
بَاب ذكر آله وبنيه
ذكر القَاضِي بكر بن الْعَلَاء الْقشيرِي أَن أَبَا عَامر بن عَمْرو جد أبي مَالك رَحمَه الله من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَشهد الْمَغَازِي كلهَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلا بَدْرًا وَابْنه مَالك جد مَالك كنيته أَبُو أنس من كبار التَّابِعين ذكره غير وَاحِد يروي عَن عمر وَطَلْحَة وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَحسان بن ثَابت رضى الله عَنْهُم وَهُوَ أحد الْأَرْبَعَة الَّذين حملُوا عُثْمَان رضى الله عَنهُ لَيْلًا الى قَبره وغسلوه وكفنوه وَكَانَ جدنا طَلْحَة يروي عَنهُ بنوه أنس وَأَبُو سهل نَافِع وَالربيع مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَة وَذكر أَبُو مُحَمَّد الضراب أَن عُثْمَان رضى الله عَنهُ أغزاه أفريقية فَفَتحهَا وروى التسترِي مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي أَنه كَانَ مِمَّن يكْتب(1/17)
الْمَصَاحِف حِين جمع عُثْمَان رضى الله عَنهُ الْمَصَاحِف وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رضى الله عَنهُ يستشيره وَقد ذكر ذَلِك مَالك فِي جَامع موطئِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاق بن شعْبَان روى مَالك عَن أَبِيه عَن جده عَن عمر رضى الله عَنهُ حَدِيث الْغسْل واللباس
أَوْلَاده كَانَ لمَالِك رضى الله عَنهُ ابْنَانِ يحيى وَمُحَمّد وَابْنَة اسْمهَا فَاطِمَة زوج ابْن أُخْته وَابْن عَمه إِسْمَاعِيل بن أبي أويس قَالَ ابْن شعْبَان وَيحيى بن مَالك يروي عَن أَبِيه نُسْخَة من الْمُوَطَّأ وذكرانه تروى عَنهُ بِالْيمن روى عَنهُ مُحَمَّد بن مسلمة وَابْنه مُحَمَّد قدم مصر وَكتب عَنهُ حدث عَنهُ الْحَرْث بن مِسْكين وَقَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر كَانَ لمَالِك رَحمَه الله أَرْبَعَة بَنِينَ يحيى وَمُحَمّد وَحَمَّاد وَأم الْبَنِينَ فَأَما يحيى وَأم الْبَنِينَ فَلم يوص بهما إِلَى أحد وَأوصى بالآخرين إِلَى إِبْرَاهِيم بن حبيب رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ الزبيرِي كَانَت لمَالِك ابْنة تحفظ علمه يَعْنِي الْمُوَطَّأ وَكَانَت تقف خلف الْبَاب فاذا غلط القارىء نقرت الْبَاب فيفطن فَينْظر مَالك فَيرد عَلَيْهِ وَكَانَ ابْنه مُحَمَّد يَجِيء وَهُوَ يحدث وعَلى يَده باشق ونعل كيساني وَقد أرْخى سراويله عَلَيْهِ فيلتفت مَالك إِلَى أَصْحَابه وَيَقُول إِنَّمَا الْأَدَب أدب الله هَذَا ابْني وَهَذِه ابْنَتي قَالَ الْقَرَوِي كُنَّا نجلس عِنْده وَابْنه يحيى يدْخل وَيخرج وَلَا يقعده فَيقبل علينا وَيَقُول أَن مِمَّا يهون عَليّ أَن هَذَا الشَّأْن لَا يُورث وان أحد لم يخلف أَبَاهُ ومجلسه إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَكَانَ لمُحَمد هَذَا ابْن اسْمه أَحْمد سمع من جده مَالك ذكره أَبُو عبد الله بن مفرج الْقُرْطُبِيّ فِي رُوَاة مَالك وَأَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ البرقاني الْحَافِظ فِي كِتَابه فِي الضُّعَفَاء الَّذين اتّفق رَأْيه وَرَأى مَنْصُور بن جمعان مَعَ أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ على تَركهم توفى أَحْمد هَذَا سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
بَاب فِي مولد مَالك وَمُدَّة عمله وَصفَة خلقه ومنشئه وأدبه وعقله وَحسن معاشرته ومطعمه ومشربه بِهِ وملبسه وحليته ومسكنه وَغير شَيْء من شمائله رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ
اخْتلف فِي مولده اخْتِلَافا كثيرا فالأشهر قَول يحيى بن بكير أَنه سنة ثَلَاث وَتِسْعين من الْهِجْرَة وَقَالَ ابْن عبد 2 الحكم سنة أَربع وَتِسْعين وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَقَالَ غَيره فِي خلَافَة الْوَلِيد قَالَ غَيرهمَا فِي ربيع الأول مِنْهَا وَقَالَ أَبُو مسْهر سنة تسعين وَقيل سنة سِتّ وَقيل سنة سبع وَقَالَ الشِّيرَازِيّ سنة خمس وَتِسْعين وَاخْتلف أَيْضا فِي حمل أمه بِهِ فَقَالَ ابْن نَافِع الصَّائِغ والواقدي ومعن وَمُحَمّد بن الضَّحَّاك حملت بِهِ أمه ثَلَاث سِنِين وَقَالَ نَحوه بكار بن عبد الله الزبيدِيّ وَقَالَ بِصِحَّتِهِ وَالله أعلم قَالَ ابْن الْمُنْذر وَهُوَ الْمَعْرُوف وروى عَن الْوَاقِدِيّ أَيْضا أَنَّهَا حملت بِهِ سنتَيْن وَقَالَهُ عطاف بن خَالِد
فصل فِي صفته
وَوَصفه غير وَاحِد من أَصْحَابه مِنْهُم مطرف وَإِسْمَاعِيل وَالشَّافِعِيّ وَبَعْضهمْ يزِيد على بعض قَالُوا كَانَ طَويلا جسيماً عَظِيم الهامة أَبيض الرَّأْس واللحية شَدِيد الْبيَاض الى الصُّفْرَة أعين حسن الصُّورَة أصلع وَلَا يحفيه يرى حَلقَة من الْمثلَة صَدره ذَات سَعَة وَطول وَكَانَ يَأْخُذ أَطْرَاف شَاربه وَلَا يحلقه وَلَا يحفيه وَيرى حلقه من الْمثلَة وَكَانَ يتْرك لَهُ سبلتين طويلتين ويحتج بفتل عمر رَضِي الله عَنهُ لشاربه إِذا أهمه أَمر وَوَصفه أَبُو حنيفَة أَنه أشقر أَزْرَق وَقَالَ مُصعب الزبيرِي كَانَ مَالك من أحسن النَّاس وَجها وأحلاهم عينا وأنقاهم بَيَاضًا وأتمهم طولا فِي جودة بدن وَقَالَ بَعضهم كَانَ ربعَة وَالْأول أشهر وَقَالَ غَيره دخلت على مَالك فرأيته فِي إِزَار وَكَانَ فِي أُذُنَيْهِ كبركأنهما كفا إِنْسَان أَو دون ذَلِك وَقَالَ الحكم بن عبد الله ذخلت مَسْجِدا الْمَدِينَة فَإِذا بِمَالك(1/18)
وَله شَعْرَة قد فرقها وَقَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي رَأَيْته مضموم الشّعْر وَلم يكن يخضب ويحتج بعلي رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ وروى ابْن وهب أَنه رأى مَالِكًا يخضب بِالْحِنَّاءِ وروى نَحوه عبد الرَّحْمَن بن وَاقد وَلم يقل بِالْحِنَّاءِ قَالَ الْوَاقِدِيّ عَاشَ مَالك تسعين سنة لم يخضب شَبيه وَلَا دخل الْحمام وَفِي رِوَايَة وَلَا حلق قَفاهُ
فصل فِي لِبَاسه
قَالَ ابْن وهب رَأَيْت على مَالك ريطة عدنية مصبوغة بمشق خَفِيف وَقَالَ لنا هُوَ صبغ أحبه وَلَكِن أَهلِي أَكْثرُوا زعفرانها فتركته وَقَالَ لنا مَا أدْركْت أحدا يلبس هَذِه الثِّيَاب الرقَاق وَإِنَّمَا كَانُوا يلبسُونَ الصفاق الاربيعة فَإِنَّهُ كَانَ يلبس مثل هَذَا وَأَشَارَ إِلَى قَمِيص عَلَيْهِ عدني رَقِيق قَالَ الزبيرِي كَانَ مَالك يلبس الثِّيَاب المدينية الْجِيَاد والخراسانية والمصرية المترفعة الْبيض ويتطيب بِطيب جيد وَيَقُول مَا أحب لأحد أنعم الله عَلَيْهِ إِلَّا أَن يرى أثر نعْمَته عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول أحب للقارىء أَن يكون أَبيض الثِّيَاب وَقَالَ مُحَمَّد بن الضَّحَّاك كَانَ مَالك جميل الْوَجْه نقي الثَّوْب رَقِيقه يكره اخْتِلَاف اللبوس وَقَالَ خَالِد بن خرَاش رَأَيْت على مَالك طيلساناً طرازياً وقلنسوة متركه وثياباً مروية جياداً وَفِي بَيته وسائد وَأَصْحَابه عَلَيْهَا قعُود فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله أَشَيْء أحدثته أم وجدت النَّاس عَلَيْهِ قَالَ رَأَيْت النَّاس عَلَيْهِ قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم كَانَ مَالك لَا يلبس الْخَزّ وَلَا يرى لبسه ويلبس الْبيَاض قَالَ بشر بن الْحَارِث دخلت على مَالك فَرَأَيْت عَلَيْهِ طيلسلنا يساوى خَمْسمِائَة قد وَقع جنَاحه على عَيْنَيْهِ أشبه شَيْء بالملوك قَالَ أَشهب كَانَ مَالك إِذا اعتم جعل مِنْهَا تَحت ذقنه وأسدل طرفها بَين كَتفيهِ قَالَ ابْن أبي أويس مَا رَأَيْت فِي ثوب مَالك حيراقط قَالَ أَشهب كَانَ مَالك اذا اكتحل لضروة جلس فِي بَيته وَكَانَ يكرههُ إِلَّا لعِلَّة وَقَالَ ابْن نَافِع الْأَكْبَر ومطرف وَإِسْمَاعِيل كَانَ خَاتم مَالك الَّذِي مَاتَ وَهُوَ فِي يَده فضَّة فصه حجر أسود نقشه سطران فيهمَا حسبي الله وَنعم الْوَكِيل بِكِتَاب جليل وَكَانَ يحْبسهُ فِي يسَاره وَكَانَ إِذا تَوَضَّأ حوله فِي يَمِينه وَسَأَلَهُ مطرف عَن اخْتِيَاره لما نقش فِيهِ فَقَالَ سَمِعت الله يَقُول {وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} إِلَى آخر الْآيَة قَالَ مطرف فحولت خَاتمِي وصيرنه كَذَلِك قَالَ أَحْمد بن صَالح كَانَ مَالك قَلِيل الْمَشْي يظْهر التجمل ضيق الْأَمر وَلم يكن لَهُ منزل كَانَ يسكن بكرَاء إِلَى أَن مَاتَ رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ غَيره وَكَانَ على بَابه مَكْتُوب مَا شَاءَ الله فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله} الْآيَة وَالْجنَّة الدَّار وَكَانَت دَاره الَّتِي ينزلها بِالْمَدِينَةِ دَار عبد الله بن مَسْعُود وَكَانَ مَكَانَهُ من الْمَسْجِد مَكَان عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يوضع فِيهِ فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعْتكف كَذَا قَالَ الأوسي وَقَالَ مُصعب كَانَ يجلس عِنْد نَافِع مولى ابْن عمر فِي الرَّوْضَة حَيَاة نَافِع وَبعد مَوته وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس كَانَ لمَالِك كل يَوْم فِي لَحْمه دِرْهَمَانِ وَكَانَ يَأْمر خبازه سَلمَة فِي كل يَوْم جُمُعَة أَن يعْمل ولعياله طَعَاما كثيرا قَالَ مطرف لَو لم يجد كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ يبْتَاع بهما لَحْمًا إِلَّا أَن يَبِيع فِي ذَلِك بعض مَتَاعه لفعل وَقَالَ ابْن أبي حَازِم قلت لمَالِك ماشرابك يَا أَبَا عبد الله قَالَ فِي الصَّيف السكر وَفِي الشتَاء الْعَسَل وَقَالَ ابْنه مُحَمَّد كَانَت عَمَّتي مَعَه فِي منزله تهىء لَهُ فطره وخبزا وزيتاً وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره ضيق الْحَال ثمَّ انْقَلب حَاله وَمَا يَأْتِي من اخْتِلَاف أَحْوَاله إِنَّمَا كَانَ لاخْتِلَاف الْأَوْقَات قَالَ ابْن الْقَاسِم كَانَ لمَالِك أَرْبَعمِائَة دِينَار يتجر لَهُ بهَا فَمِنْهَا كَانَ قوام عيشه وَكَانَ ربيعَة إِذا جَاءَ مَالك يَقُول جَاءَ الْعَاقِل وَاتَّفَقُوا(1/19)
أَنه كَانَ أَعقل أهل زَمَانه وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ مَالك مَا جالست سَفِيها قطّ وَهَذَا أَمر لم يسلم مِنْهُ غَيره وَلَا فِي فَضَائِل الْعلمَاء أجل من هَذَا وَذكر يَوْمًا شَيْئا فَقيل لَهُ من حَدثَك بِهَذَا فَقَالَ إِنَّا لم نجالس السُّفَهَاء وَكَانَ أعظم الْخلق مُرُوءَة وَأَكْثَرهم سمتا كثيرا الصمت قَلِيل الْكَلَام متحفظاً بِلِسَانِهِ من أَشد النَّاس مداراة للنَّاس واستعمالاً للإنصاف وَكَانَ يَقُول فِي الْإِنْصَاف لم أجد فِي النَّاس أقل مِنْهُ فَأَرَدْت المداومة عَلَيْهِ وَكَانَ إِذا أصبح لبس ثِيَابه وتعمم وَلَا يرَاهُ أحد من أَهله وَلَا أصدقائه إِلَّا كَذَلِك وَمَا أكل قطّ وَلَا شرب حَيْثُ يرَاهُ النَّاس وَلَا يضْحك وَلَا يتَكَلَّم فيمالا يُعينهُ وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا مَعَ أَهله وَولده وَيَقُول فِي ذَلِك مرضاة لِرَبِّك ومثراة فِي مَالك ومنسأة فِي أَجلك وَقد بَلغنِي ذَلِك عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ عبد الله بن عبد الحكم هيأ مَالك دَعْوَة للطلبة وَكنت فيهم فمضينا إِلَى دَاره فَلَمَّا دَخَلنَا قَالَ هَذَا المستراح وَهَذَا المَاء ثمَّ دَخَلنَا الْبَيْت فَلم يدْخل مَعنا وَدخل بعد ذَلِك فأتينا بِالطَّعَامِ وَلم يُؤْت بِالْمَاءِ قبله لغسل أَيْدِينَا ثمَّ أَتَى بعد فَلَمَّا خرج النَّاس سَأَلته فَقَالَ أما إعلامي بالمستراح وَالْمَاء فَإِنَّمَا دعوتكم لأبركم وَلَعَلَّ أحدكُم يُصِيبهُ بَوْل أَو غَيره فَلَا يدْرِي أَيْن يذهب وَأما تركي الدُّخُول مَعكُمْ للبيت فلعلي أَقُول هنها أَبَا فلَان وَهَاهُنَا أَبَا فلَان وَقد يسيء بَعْضكُم فيظن أَنِّي تركته بغضاً فِيهِ فتركتكم حَتَّى أَخَذْتُم مجالسكم وَدخلت عَلَيْكُم وَأما تركي المَاء قبل الطَّعَام فَإِن الْوضُوء قبله من سنة اللأعاجم وَأما بعده فقد جَاءَ فِي ذَلِك حَدِيث قَالَ الشَّافِعِي سُئِلَ مَالك عَن الصُّورَة فِي الْبَيْت فَقَالَ لَا يَنْبَغِي فَقَالَ لَهُ رجل عراقي هوذا فِي بَيْتك صُورَة فَقَالَ أَنا سَاكن فِيهِ مُنْذُ كَذَا مَا رَأَيْتهَا قُم فحكها فَأخذ منسأة فلف عَلَيْهَا خرقَة ثمَّ حكها
بَاب فِي ابْتِدَاء طلبه للْعلم وَصَبره عَلَيْهِ وتحريه فِيمَن يَأْخُذ عَنهُ وَشَهَادَة أهل الْعلم وَالصَّلَاح لَهُ بِالْإِمَامَةِ فِي الْعلم بِالْكتاب وَالسّنة وتحريه فِي الْعلم والفتايا وتوقيره حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ مطرف قَالَ مَالك قلت لأمي أذهب فأكتب الْعلم فَقَالَت تعال فالبس ثِيَاب الْعلم فالبستني ثيابًا مشمرة وَوضعت الطَّوِيلَة على رَأْسِي وعممتني فَوْقهَا ثمَّ قَالَت اذْهَبْ فَاكْتُبْ الْآن وَكَانَت تَقول اذْهَبْ إِلَى ربيعَة فتعلم من أدبه قبل علمه وَقَالَ ابْن الْقَاسِم أفْضى بِمَالك طلب الْعلم إِلَى أَن نقض سيف بَيته فَبَاعَ خشبه ثمَّ مَالَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بعد قَالَ مَالك كَانَ لي أَخ فِي سنّ بن شهَاب فَألْقى أبي يَوْمًا علينا مسئلة فَأصَاب أخي وأخطأت فَقَالَ لي أبي ألهتك الْحمام عَن طلب الْعلم فَغضِبت وانقطعت إِلَى ابْن هُرْمُز سبع سِنِين وَفِي رِوَايَة ثَمَان سنمين لم أخلطه بِغَيْرِهِ وَكنت أجعَل فِي كمي تَمرا اوأنا وَله صبايانه وَأَقُول لَهُم إِن سألكم أحد عَن الشَّيْخ فَقولُوا مَشْغُول وَكَانَ قد اتخذ تباناً محشواً للجلوس على بَاب بن هُرْمُز يَتَّقِي بِهِ برد حجر هُنَاكَ وَقيل بل برد صحن الْمَسْجِد وَفِيه كَانَ يجلس ابْن هُرْمُز قَالَ مَالك إِن كَانَ الرجل ليختلف للرجل ثَلَاثِينَ سنة يتَعَلَّم مِنْهُ فَكُنَّا نظن انه يُرِيد نَفسه مَعَ ابْن هُرْمُز وَكَانَ ابْن هُرْمُز استحلفه أَن لَا يذكر اسْمه فِي حَدِيث وَقَالَ كنت آتى نَافِعًا نصف النَّهَار وَمَا تُظِلنِي الشّجر من الشَّمْس أتحين خُرُوجه فَإِذا خرج أَدَعهُ سَاعَة كَأَنِّي لم أره ثمَّ أتعرض لَهُ فَأسلم عَلَيْهِ وأدعه حَتَّى إِذا دخل البلاط أَقُول لَهُ كَيفَ قَالَ بن عمر فِي كَذَا وَكَذَا فيحيينى ثمَّ أحبس عَنهُ وَكَانَ فِيهِ حِدة وَكنت آتِي بن هُرْمُز من بكرَة فَمَا أخرج من بَيته حَتَّى اللَّيْل وَقَالَ الْيَزنِي رَأَيْت مَالِكًا فِي حَلقَة ربيعَة وَفِي أُذُنه شنف وَهَذَا يدل على ملازمته الطّلب من صغره وَكَانَ يَقُول(1/20)
كتبت بيَدي مائَة ألف حَدِيث وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ حَدثنِي ابْن شهَاب أَرْبَعِينَ حَدِيثا ونيفا مِنْهَا حَدِيث السَّقِيفَة فَحفِظت ثمَّ قلت أعدهَا على فَانِي نسيت النيف فَأبى فَقلت أما كنت تحب أَن يُعَاد عَلَيْك قَالَ بلَى فَأَعَادَ فَإِذا هُوَ كَمَا حفظت وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب قَالَ لَهُ مَا استفهمت عَالما قطّ ثمَّ اسْترْجع وَقَالَ سَاءَ حفظ النَّاس لقد كنت آتِي سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَالقَاسِم وَأَبا سَلمَة وحميداً وسالماً وعد جمَاعَة فأدور عَلَيْهِم أسمع من كل وَاحِد من الْخمسين حَدِيثا إِلَى الْمِائَة ثمَّ أنصرف وَقد حفظته كُله من غير أَن أخلط حَدِيث هَذَا بِحَدِيث لهَذَا وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لقد ذهب حفظ النَّاس مَا اسْتوْدعت قلبِي شَيْئا قطّ فَنسيته قَالَ ابْن أبي أويس سَمِعت مَالِكًا يَقُول إِن هَذَا الْعلم دين فانظروا عَمَّن تأخذونه لقد أدْركْت سبعين مِمَّن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد هَذِه الأساطين وَأَشَارَ إِلَى الْمَسْجِد فَمَا أخذت عَنْهُم شَيْئا وَإِن أحدهم لَو ائْتمن على بَيت مَال كَانَ أَمينا إِلَّا أَنهم لم يَكُونُوا من أهل هَذَا الشَّأْن قَالَ ابْن عُيَيْنَة مَا رَأَيْت أحدا أَجود أَخذ للْعلم من مَالك وَمَا كَانَ أَشد انتقاءه للرِّجَال وَالْعُلَمَاء وَقَالَ مَالك رَأَيْت أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ بِمَكَّة حجَّتَيْنِ فَمَا كتبت عَنهُ ورأيته فِي الثَّالِثَة قَاعِدا فِي فنَاء زَمْزَم فَكَانَ إِذا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبكي حَتَّى أرحمه فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك كتبت عَنهُ وَقَالَ سُفْيَان بن عيينه دارت مسئلة فِي مجْلِس ربيعَة فَتكلم فِيهَا ربيعَة فَقَالَ مَالك مَا تَقول يَا أَبَا عُثْمَان فَقَالَ ربيعَة أَقُول فَلَا تَقول وَأَقُول إِذْ لَا تَقول وَأَقُول فَلَا تفقه مَا أَقُول وَمَالك سَاكِت فَلم يجب بِشَيْء وَانْصَرف فَلَمَّا رَاح إِلَى الظّهْر جلس وَحده وَجلسَ إِلَيْهِ قوم فَلَمَّا صلى الْمغرب اجْتمع إِلَى مَالك خَمْسُونَ أَو أَكثر فَلَمَّا كَانَ من الْغَد اجْتمع إِلَيْهِ خلق كثير قَالَ فَجَلَسَ للنَّاس وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَعرفت لَهُ الْإِمَامَة وبالناس حَيَاة إِذْ ذَاك قَالَ ابْن عبد الحكم أفتى مَالك مَعَ يحيى بن سعيد وَرَبِيعَة وَنَافِع وَقَالَ مُصعب كَانَ لمَالِك حَلقَة فِي حَيَاة نَافِع أكبر من حَلقَة نَافِع وَقَالَ مَالك بعث إِلَيّ الْأَمِير فِي الحداثة أَن أحضر الْمجْلس فتأخرت حَتَّى رَاح ربيعَة فأعلمته وَقلت لم أحضر حَتَّى أستشيرك فَقَالَ لي ربيعَة نعم قيل لَو لم يقل لَك أحضر لم تحضر قَالَ لم أحضر ثمَّ قَالَ لاخير فِيمَن يرى نَفسه بِحَالَة لَا يرَاهُ النَّاس لَهَا أَهلا قَالَ مَالك وَلَيْسَ كل من أحب أَن يجلس فِي الْمَسْجِد للْحَدِيث والفتيا جلس حَتَّى يشاور فِيهِ أهل الصّلاح وَالْفضل وَأهل الْجِهَة من الْمَسْجِد فَإِن رَأَوْهُ أَهلا لذَلِك جلس وَمَا جَلَست حَتَّى شهد لي سَبْعُونَ شَيخا من أهل الْعلم أَنِّي مَوضِع لذَلِك وَسَأَلَهُ رجل عَن مسئلة فبادره ابْن الْقَاسِم فأفتاه فَأقبل عَلَيْهِ مَالك كالمغضب وَقَالَ لَهُ جسرت على أَن تُفْتِي يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن يكررها عَلَيْهِ مَا أَفْتيت حَتَّى سَأَلت أَنا هَل للفتيا مَوضِع فَلَمَّا سكن غَضَبه قيل لَهُ من سَأَلت قَالَ الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة الرَّأْي قَالَ ابْن الْقَاسِم قَالَ مَالك كُنَّا نجلس إِلَى ربيعَة أَرْبَعِينَ معتماً سوى من لَا يعتم مَا نَدْرِي مِنْهُم إِلَّا أَرْبَعَة أما أحدهم فَغلبَتْ عَلَيْهِ الْمُلُوك يَعْنِي ابْن الْمَاجشون وَفِي رِوَايَة شغل بالأغاليط أَو نَحْو هَذَا وَأما الآخر فَمَاتَ يَعْنِي كثير بن فرقد وَأما الثَّالِث فَقرب نَفسه يَعْنِي عبد الرَّحْمَن بن عَطاء وَسكت عَن الرَّابِع فَعلمنَا أَنه يَعْنِي نَفسه
بَاب شَهَادَة أهل الْعلم وَالصَّلَاح لَهُ بِالْإِمَامَةِ فِي الْعلم بِالْكتاب وَالسّنة والتقدم فِي الْفِقْه والصدق والثبات فِي الْأَمر وَالْقَوْل فِي مراسيله وتوثيقه وَإِجْمَاع النَّاس عَلَيْهِ واقتداء الأكابر بِهِ
قَالَ ابْن هُرْمُز لجاريته يَوْمًا من بِالْبَابِ فَلم تَرَ إِلَّا مَالِكًا فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ ادعيه فانه عَالم(1/21)
النَّاس وَقَالَ بَعضهم سَمِعت بَقِيَّة بن الْوَلِيد فِي جمَاعَة مِمَّن يطْلب الحَدِيث ومشيخة من أهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ مَا بَقِي على ظهرهَا يَعْنِي الأَرْض أعلم بِسنة مَاضِيَة وَلَا بَاقِيَة مِنْك يَا مَالك وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم إِذا انْفَرد مَالك بقول لم يقلهُ غَيره فَقَوله حجَّة يُوجب الِاخْتِلَاف لانه امام فَقيل لَهُ الشَّافِعِي قَالَ لَا وَقَالَ ابْن مهْدي مَا بَقِي على وَجه الأَرْض آمن على حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَالك وَقَالَ يحيى بن عبد الله لأبي زرْعَة فِي حَدِيث مَالك لَيْسَ هَذَا زعزعة عَن زَوْبَعَة انما يرفع السّتْر وَينظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُم وَقَالَ أَبُو دَاوُد أصح حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا ثمَّ مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه ثمَّ مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ لم يذكر شَيْئا عَن غير مَالك وَقَالَ مَرَاسِيل مَالك أصح من مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب وَمن مَرَاسِيل الْحسن وَمَالك أصح النَّاس مُرْسلا وَقَالَ سُفْيَان إِذا قَالَ مَالك بَلغنِي فَهُوَ إِسْنَاد قوي وَقَالَ مطروح بن سَاكن جلس ابْن شهَاب وَرَبِيعَة وَمَالك فألقي ابْن شهَاب مسئلة فَأجَاب فِيهَا ربيعَة وَسكت مَالك فَقَالَ ابْن شهَاب لم لَا تجيب قَالَ قد أجَاب الاستاذ أَو نَحوه فَقَالَ ابْن شهَاب مَا نفترق حَتَّى تجيب فَأجَاب بِخِلَاف جَوَاب ربيعَة قَالَ ابْن شهَاب ارْجعُوا بِنَا إِلَى قَول مَالك قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ الشَّافِعِي قَالَ لي مُحَمَّد بن الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا أَيهمَا أعلم صاحبنا أم صَاحبكُم يَعْنِي أَبَا حنيفَة ومالكاً رضى الله عَنْهُمَا فَقَالَ قلت على الْإِنْصَاف قَالَ نعم قَالَ قلت فأنشدك الله من أعلم بِالْقُرْآنِ صاحبنا أم صَاحبكُم قَالَ اللَّهُمَّ صَاحبكُم قَالَ قلت فأنشدك الله من أعلم بأفاويل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُتَقَدِّمين صاحبنا أم صَاحبكُم قَالَ اللَّهُمَّ صَاحبكُم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَلم يبْق إِلَّا الْقيَاس وَالْقِيَاس لَا يكون إِلَّا على هَذِه الْأَشْيَاء فعلى أَي شَيْء نقيس وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ مَالك يَأْتِي الْمَسْجِد وَيشْهد الصَّلَوَات وَالْجُمُعَة والجنائز وَيعود المرضى وَيَقْضِي الْحُقُوق وَيجْلس فِي الْمَسْجِد فيجتمع إِلَيْهِ أَصْحَابه ثمَّ ترك الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد فَكَانَ يُصَلِّي وينصرف إِلَى مَجْلِسه وَترك حُضُور الْجَنَائِز فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابهَا فيعزيهم ثمَّ ترك ذَلِك كُله فَلم يكن يشْهد الصَّلَوَات فِي الْمَسْجِد وَلَا الْجُمُعَة وَلَا يَأْتِي أحدا يعزيه وَلَا يقْضِي لَهُ حَقًا وَاحْتمل النَّاس لَهُ ذَلِك حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ وَكَانَ رُبمَا قيل لَهُ فِي ذَلِك فَيَقُول لَيْسَ كل النَّاس يقدر أَن يتَكَلَّم بِعُذْرِهِ وَقَالَ جَعْفَر الفرباني لَا أعلم أحدا روى عَنهُ الْأَئِمَّة والجلة مِمَّن مَاتَ قبله بدهر طَوِيل إِلَّا مَالِكًا فيحيى بن سعيد مَاتَ قبله بِخمْس وَثَلَاثِينَ سنة وَابْن جريج بِثَلَاثِينَ وَالْأَوْزَاعِيّ بِعشْرين وَالثَّوْري بثمان عشرَة وَشعْبَة بِسبع عشرَة قَالَ غَيره وَأَبُو حنيفَة بِثَلَاثِينَ وَهِشَام بِأَكْثَرَ من ذَلِك وَقَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ لَا أعلم أحدا تقدم أَو تَأَخّر اجْتمع لَهُ مَا اجْتمع لما لَك وَذَلِكَ أَنه روى عَنهُ رجلَانِ حَدِيثا وَاحِدًا بَين وفاتيهما نَحْو من مائَة وَثَلَاثِينَ سنة مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ شَيْخه توفّي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وَأَبُو حذافة السَّهْمِي توفّي بعد الْخمسين والمائتين رويا عَنهُ حَدِيث الفريعة بنت مَالك فِي سُكْنى الْمُعْتَدَّة
بَاب صفة مَجْلِسه ونشره للْعلم وتوقيره حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتحريمه فِي الْعلم والفتيار والْحَدِيث
قَالَ الْوَاقِدِيّ وَغَيره كَانَ مَجْلِسه مجْلِس وقار وحلم وَكَانَ رجلا مهيباً نبيلاً لَيْسَ فِي مَجْلِسه شَيْء من المراء واللغط وَلَا رفع صَوت إِذا سُئِلَ عَن شَيْء فَأجَاب سائله لم يقل لَهُ من(1/22)
أَيْن رَأَيْت هَذَا وَكَانَ الغرباء يسألونه عَن الحَدِيث والحديثين فَيُجِيبهُمْ الفئة بعد الفئة وَرُبمَا أذن لبَعْضهِم فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ كَاتب قد نسخ كتبه يُقَال لَهُ حبيب يقْرَأ للْجَمَاعَة فَلَيْسَ أحد مِمَّن حضر يدنو مِنْهُ وَلَا ينظر فِي كِتَابه وَلَا يَسْتَفْهِمهُ هَيْبَة وإجلالاً وَكَانَ حبيب إِذا أَخطَأ فتح عَلَيْهِ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك قَلِيلا وَلم يكن يقْرَأ كتبه على أحد وَكَانَ كسلطان لَهُ حَاجِب يَأْذَن عَلَيْهِ فَإِذا اجْتمع النَّاس بِبَابِهِ أَمر آذنه فَدَعَاهُمْ فَحَضَرَ أَولا أَصْحَابه فَإِذا فرغ من يحضر أذن للعامة وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من سَماع أَصْحَاب مَالك أَنهم كَانُوا يقرؤن عَلَيْهِ إِلَّا يحيى بن بكير ذكر أَنه سمع الْمُوَطَّأ من مَالك أَربع عشرَة مرّة وَزعم أَن أَكْثَرهَا بِقِرَاءَة مَالك وَبَعضهَا بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَعُوتِبَ مَالك فِي تَقْدِيمه أَصْحَابه فَقَالَ أَصْحَابِي جيران رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن حبيب وَكَانَ اذا جَالس جلْسَة لم يتَحَوَّل عَنْهَا حَتَّى يقوم وَقَالَ مطرف كَانَ مَالك إِذا أَتَاهُ النَّاس خرجت إِلَيْهِم الْجَارِيَة فَتَقول لَهُم يَقُول لكم الشَّيْخ تُرِيدُونَ الحَدِيث أَو الْمسَائِل فَإِن قَالُوا الْمسَائِل خرج إِلَيْهِم وأفتاهم وَإِن قَالُوا الحَدِيث قَالَ لَهُم اجلسوا وَدخل مغتسله فاغتسل وتطيب وَلبس ثيابًا جدداً وتعمم وَوضع على رَأسه طَوِيلَة وتلقى لَهُ المنصة فَيخرج إِلَيْهِم وَعَلِيهِ الْخُشُوع وَيُوضَع عود فَلَا يزَال يتبخر حَتَّى يفرغ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَا يُوسع لأحد فِي حلقته وَلَا يرفعهُ يَدعه يجلس حَيْثُ انْتهى بِهِ الْمجْلس وَيَقُول إِذا جلس للْحَدِيث ليلني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى
فصل فِي توقيره حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك كنت عِنْد مَالك وَهُوَ يحدثنا حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلدغته عقرب بست عشرَة مرّة وَمَالك يتَغَيَّر لَونه ويصفر وَلَا يقطع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغ من الْمجْلس وتفرق النَّاس قلت يَا أَبَا عبد الله لقد رَأَيْت الْيَوْم مِنْك عجبا فَقَالَ نعم إِنَّمَا صبرت إجلالاً لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مُصعب الزبير كَانَ حبيب يقْرَأ لنا كل عَشِيَّة من ورقتين إِلَى ورقتين وَنصف لَا يبلغ ثَلَاثًا
فصل فِي تحريه فِي الْفتيا
قَالَ ابْن الْقَاسِم سَمِعت مَالِكًا يَقُول إِنِّي لأفكر فِي مسئلة مُنْذُ بضع عشرَة سنة مَا اتّفق لي فِيهَا رأى الْآن وَكَانَ يَقُول رُبمَا وَردت على المسئلة فأسهر فِيهَا عَامَّة لَيْلَتي وَقَالَ ابْن عبد الحكم كَانَ مَالك إِذا سُئِلَ عَن المسئلة قَالَ للسَّائِل انْصَرف حَتَّى أنظر فَيَنْصَرِف ويتردد فِيهَا فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِك فبكي وَقَالَ إِنِّي أَخَاف أَن يكون لي من الْمسَائِل يَوْم وَأي يَوْم وَقَالَ ابْن وهب سمعته عِنْدَمَا يكثر عَلَيْهِ بالسؤال يكف وَيَقُول حسبكم من أَكثر أَخطَأ وَكَأن يعيب كَثْرَة ذَلِك وَكَانَ يَقُول من أحب أَن يُجيب عَن مسئلة فليعرض نَفسه على الْجنَّة وَالنَّار وَكَيف يكون خلاصه فِي الْآخِرَة ثمَّ يُجيب وَقَالَ مَا شَيْء أَشد عَليّ من أَن أسئل عَن مسئلة من الْحَلَال وَالْحرَام لِأَن هَذَا هُوَ الْقطع فِي حكم الله وَلَقَد أدركنا أهل الْعلم ببلدنا وان أحدهم اذا سُئِلَ عَن المسئلة كَأَنَّمَا الْمَوْت أشرف عَلَيْهِ وَقَالَ مُوسَى بن دَاوُد مَا رَأَيْت أحدا من الْعلمَاء أَكثر أَن يَقُول لَا أحسن من مَالك وَقَالَ الْهَيْثَم بن جميل شهِدت مَالِكًا سُئِلَ عَن ثَمَان وَأَرْبَعين مسئلة فَقَالَ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا لَا أَدْرِي وَكَانَ يَقُول يَنْبَغِي أَن يُورث الْعَالم جلساءه قَول لَا أَدْرِي حَتَّى يكون ذَلِك أصلا فِي أَيْديهم يفزعون إِلَيْهِ فَإِذا سُئِلَ أحدهم عَمَّا لَا يدْرِي قَالَ لَا أَدْرِي وَسُئِلَ رَحمَه الله تَعَالَى عَن الْأَحَادِيث يقدم فِيهَا وَيُؤَخر(1/23)
وَالْمعْنَى وَاحِد فَقَالَ أماما كَانَ من لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَنْبَغِي للمرء أَن يَقُول إِلَّا كَمَا جَاءَ وَأما لفظ غَيره فَإِذا كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا فَلَا بَأْس قيل لَهُ فَحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزدْ فِيهِ الْوَاو وَالْألف وَالْمعْنَى وَاحِد فَقَالَ أَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَلما مَاتَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى خرجت كتبه فأصيب فِيهَا فناديق عَن ابْن عمر رضى الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ مِنْهُ شَيْء الا حديثين قَالَ ابْن وهب قَالَ مَالك سَمِعت من ابْن شهَاب أَحَادِيث كَثِيرَة مَا حدث بهَا قطّ وَلَا أحدث بهَا وَقَالَ ابْنه لما دفنا مَالِكًا دَخَلنَا منزله فأخرجنا كتبه فَإِذا فِيهَا سبع قناديق من حَدِيث ابْن شهَاب ظُهُورهَا وبطونها ملاى وَعِنْده قناديق أَو صناديق من حَدِيث فَجعل النَّاس يقرؤن وَيدعونَ وَيَقُولُونَ رَحِمك الله يَا أَبَا عبد الله لقد جالسناك الدَّهْر الطَّوِيل فَمَا رَأَيْنَاك ذَاكِرًا لنا بِشَيْء مِمَّا قرأناه وَقَالَ الشَّافِعِي كَانَ مَالك إِذا شكّ فِي الحَدِيث طَرحه كُله وَقَالَ أَشهب رَآنِي مَالك أكتب جَوَابه فِي مسئلة فَقَالَ لَا تَكْتُبهَا فَإِنِّي لَا أَدْرِي أثبت عَلَيْهَا أم لَا وَقَالَ أَيْضا رَأَيْت فِي النّوم قَائِلا يَقُول لي لقد لزم مَالك كلمة عِنْد فتواه لَو ردَّتْ عَلَيْهِ الْجبَال لقلعها وَذَلِكَ ماا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ ابْن أبي أويس ماكان يتهيأ لأحد بِالْمَدِينَةِ أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا حَبسه مَالك فِي الْحَبْس فَإِذا سُئِلَ فِيهِ قَالَ يصحح مَا قَالَ ثمَّ يخرج وَلَقَد كَانَ ابْن كنَانَة وَابْن أبي حَازِم والدراوردي وَغَيرهم سمعُوا مَعَ مَالك من مَشَايِخ وَتركُوا الحَدِيث عَنْهُم هَيْبَة لَهُ حَتَّى مَاتَ فَفَشَا ذَلِك فيهم وَقَالَ ابْن حَنْبَل كَانَ مَالك مهيباً فِي مَجْلِسه لَا يرد عَلَيْهِ اعظاما وَمَا كَانَ الثَّوْريّ فِي مَجْلِسه فَلَمَّا رأى إجلال النَّاس لَهُ وإجلاله للْعلم أنْشد ... يَأْبَى الْجَواب فَمَا يُرَاجع هَيْبَة ... فالسائلون نواكسوا الأذقان
أدب الْوَقار وَعز سُلْطَان التقى ... فَهُوَ المهيب وَلَيْسَ ذَا سُلْطَان ...
قَالَ بشر الحافي إِن من زِينَة الدُّنْيَا أَن يَقُول الرجل حَدثنَا مَالك وَقَالَ العقبي مَا أَحسب بلغ مَالك مَا بلغ الابسريرة بَينه وَبَين الله تَعَالَى رَأَيْته يُقَام بَين يَدَيْهِ الرجل كَمَا يُقَام بَين يَدي الْأَمِير
ذكر اتِّبَاعه السّنَن وكراهته المحدثات
كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثيرا مَا يتَمَثَّل ... وخيرامور الدّين مَا كَانَ سنة ... وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع ... قَالَ ابْن حَنْبَل رَحمَه الله مَالك أتبع من سُفْيَان وَإِذا رَأَيْت الرجل يبغض مَالِكًا فَاعْلَم أَنه مُبْتَدع وَكَانَ مَالك يَقُول المراء والجدال فِي الْعلم يذهب بِنور الْعلم من قلب العَبْد وَقيل لَهُ الرجل لَهُ علم بِالسنةِ أيجادل عَنْهَا قَالَ لَا وَلَكِن ليخبرنا بِالسنةِ فان قبل مِنْهُ والاسكت قَالَ ابْن وهب وَسمعت مَالِكًا يَقُول إِذا جَاءَهُ أحد من أهل الْأَهْوَاء أما أَنا فعلى بَيِّنَة من رَبِّي وَأما أَنْت فشاك فَاذْهَبْ إِلَى شَاك مثلك فخاصمه ثمَّ قَرَأَ {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله} الْآيَة وَكَانَ يَقُول إِذا ذكر عِنْده أحد مِنْهُم قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر بعده سنناً الْأَخْذ بهَا اتِّبَاع لكتاب الله تَعَالَى واستكمال لطاعة الله وَقُوَّة على دين الله لَيْسَ لأحد بعد هَؤُلَاءِ تبديلها وَلَا النّظر فِي شَيْء خالفها من اهْتَدَى بهَا فَهُوَ مهتد وَمن استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن تَركهَا اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وولاه الله مَا تولى وأصلاه جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً وَكَانَ مَالك إِذا حدث بهَا ارتج سُرُورًا وجاءه رجل من أهل الْمغرب فَقَالَ إِن الْأَهْوَاء كثرت ببلادنا فَجعلت على نَفسِي إِن أَنا رَأَيْتُك أَن آخذ بِمَا تَأْمُرنِي بِهِ فوصف(1/24)
لَهُ مَالك رَحمَه الله شرائع الْإِسْلَام الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج ثمَّ قَالَ خُذ بِهَذَا وَلَا تخاصم أحدا
فصل من وَصَايَاهُ وآدابه رَضِي الله عَنهُ
سُئِلَ رَحمَه الله عَن طلب الْعلم أفريضة هُوَ قَالَ لَا وَلَكِن يطْلب مَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يطْلب الأغاليط والإكثار وَقَالَ من إدالة الْعلم أَن تجيب كل من سَأَلَك وَلَا يكون إِمَامًا من حدث بِكُل مَا سمع وَمن إدالة الْعلم أَن تنطق بِهِ قبل أَن تسئل عَنهُ وَقَالَ فِي سَماع أَشهب وَابْن وهب وَابْن الْقَاسِم من صدق فِي حَدِيثه متع بعقله وَلم يصبهُ مَا يُصِيب النَّاس من الْهم وَالْخَوْف وَقَالَ طلب الرزق فِي شهبه أحسن من الْحَاجة إِلَى النَّاس
بَاب فِي ذكر الْمُوَطَّأ وتأليفه إِيَّاه
روى أَبُو مُصعب أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور قَالَ لمَالِك ضع للنَّاس كتابا أحملهم عَلَيْهِ فَكَلمهُ مَالك فِي ذَلِك فَقَالَ ضَعْهُ فَمَا أحد الْيَوْم أعلم مِنْك فَوضع الْمُوَطَّأ فَلم يفرغ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو جَعْفَر وَفِي رِوَايَة أَن الْمَنْصُور وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله ضع هَذَا الْعلم وَدون كتابا وجنب فِيهِ شَدَائِد عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَرخّص عبد الله ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا وشواذ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ واقصد أواسط الْأُمُور وَمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة وَالْأَئِمَّة وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ لَهُ اجْعَل هَذَا الْعلم علما وَاحِد فَقَالَ لَهُ إِن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفَرقُوا فِي الْبِلَاد فَأفْتى كل فِي مصره بِمَا رأى فلأهل الْمَدِينَة قَول وَلأَهل الْعرَاق قَول تعدوا فِيهِ طورهم فَقَالَ أما أهل الْعرَاق فلست أقبل مِنْهُم صرفا وَلَا عدلا وَإِنَّمَا الْعلم علم أهل الْمَدِينَة فضع للنَّاس الْعلم وَفِي رِوَايَة عَن مَالك فَقلت لَهُ أَن أهل الْعرَاق لَا يرضون علمنَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَر نضرب عَلَيْهِ عامتهم بِالسَّيْفِ ونقطع عَلَيْهِ ظُهُورهمْ بالسياط وَرُوِيَ أَن الْمهْدي قَالَ لَهُ ضع كتابا أحمل الْأمة عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَالك أما هَذَا الصقع فقد كفيته يَعْنِي الْمغرب وَأما الشَّام فَفِيهِ الْأَوْزَاعِيّ وَأما أهل الْعرَاق ففيهم أهل الْعرَاق قَالَ عَتيق الزبيدِيّ وضع مَالك الْمُوَطَّأ على نَحْو من عشرَة آلالف حَدِيث فَلم يزل ينظر فِيهِ كل سنة وَيسْقط مِنْهُ حَتَّى تَقِيّ هَذَا وَلَو بَقِي قليلالأ سقطه كُله وَقَالَ ابْن أبي أويس قيل لمَالِك قَوْلك فِي الْكتاب الْأَمر الْمُجْتَمع عَلَيْهِ وَالْأَمر عندنَا وببلدنا وَأدْركت أهل الْعلم وَسمعت بعض أهل الْعلم فَقَالَ مَا أَكثر مَا فِي الْكتاب فَرَأى فلعمري مَا هُوَ بِرَأْي وَلَكِن سَماع من غير وَاحِد من أهل الْعلم وَالْفضل وَالْأَئِمَّة المهتدى بهم الَّذين أخذت عَنْهُم وهم الَّذين كَانُوا يَتَّقُونَ الله تَعَالَى فَكثر على فَقلت رَأْي وَذَلِكَ رَأْي اذا كَانَ رَأْيهمْ رَأْي الصَّحَابَة الَّذين أَدْركُوهُم عَلَيْهِ وأدركتهم أَنا على ذَلِك فَهَذَا وراثة توارثوها قرنا عَن قرن إِلَى زَمَاننَا وَمَا كَانَ رَأيا فَهُوَ رَأْي جمَاعَة مِمَّن تقدم من الْأَئِمَّة وَمَا كَانَ فِيهِ الْأَمر الْمُجْتَمع عَلَيْهِ فَهُوَ مَا اجْتمع عَلَيْهِ من قَول أهل الْفِقْه وَالْعلم لم يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَمَا قلت الْأَمر عندنَا فَهُوَ مَا عمل بِهِ النَّاس عندنَا وَجَرت بِهِ الْأَحْكَام وعرفه الْجَاهِل والعالم وَكَذَلِكَ مَا قلت فِيهِ ببلدنا وَمَا قلت فِيهِ بعض أهل الْعلم فَهُوَ شَيْء استحسنته من قَول الْعلمَاء وَأما مالم أسمع مِنْهُم فاجتهدت وَنظرت على مَذْهَب من لَقيته حَتَّى وَقع ذَلِك موقع الْحق أَو قر ببامنه حَتَّى لَا يخرج عَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة وآرائهم وان لم أسمع ذلكبعينه فنسب الرَّأْي الي بعد الِاجْتِهَاد مَعَ السّنة وَمَا مضى عَلَيْهِ عمل أهل الْعلم المقتدى بهم وَالْأَمر الْمَعْمُول بِهِ عندنَا مُنْذُ لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأَئِمَّة الرَّاشِدين مَعَ من لقِيت فَذَلِك رَأْيهمْ مَا خرجت إِلَى غَيره وَقَالَ صَفْوَان بن عمر عرضنَا على مَالك الْمُوَطَّأ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ كتاب ألفته فِي أَرْبَعِينَ سنة أخذتموه فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا قل مَا تتفقهون فِيهِ قَالَ غَيره أول(1/25)
من عمل الْمُوَطَّأ عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عمله كلَاما بِغَيْر حَدِيث فَلَمَّا رَآهُ مَالك قَالَ مَا أحسن مَا عمل وَلَو كنت أَنا لبدأت بالآثار ثمَّ شددت بالْكلَام ثمَّ عزم على تصنيف الْمُوَطَّأ فَعمل من كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمئِذٍ من الْعلمَاء الموطآت فَقيل لمَالِك شغلت نَفسك بِعَمَل هَذَا الْكتاب وَقد شركك فِيهِ النَّاس وَعمِلُوا أَمْثَاله فَقَالَ ايتوني بِهِ فَنظر فِيهِ ثمَّ نبذه وَقَالَ لتعلمن مَا أُرِيد بِهِ وَجه الله تَعَالَى قَالَ فَكَأَنَّمَا ألقيت تِلْكَ الْكتب فِي الْآبَار قَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد ابْن أسلم وضع مَالك الْمُوَطَّأ وَجعل أَحَادِيث زيد فِي آخر الْأَبْوَاب فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّهَا كالشرح لما قبلهَا وَقَالَ أَبُو زرْعَة لَو حلف رجل بِالطَّلَاق على أَحَادِيث مَالك الَّتِي فِي الْمُوَطَّأ أَنَّهَا صِحَاح كلهَا لم يَحْنَث وَلَو حلف على حَدِيث غَيره كَانَ حانثا وَمِمَّا فِي الْمُوَطَّأ من الشّعْر فَمن ذَلِك قَول سعدون الوارجيني رَحمَه الله تَعَالَى ... أَقُول لمن يروي الحَدِيث وَيكْتب ... ويسلك سَبِيل الْفِقْه فِيهِ وَيطْلب
إِذا أَحْبَبْت أَن تدعى لدي النَّاس عَالما ... فَلَا تعد مَا تحوي من الْعلم يثرب
أتترك دَارا كَانَ بَين بيوتها ... يروح وَيَغْدُو جِبْرَائِيل المقرب
وَمَات رَسُول الله فِيهَا وَبعده ... بسنته أَصْحَابه قد تأدبوا ... وَفرق شَمل الْعلم فِي تابعيهمو ... فَكل امريء مِنْهُم لَهُ فِيهِ مَذْهَب
فخلصه بالسبك للنَّاس مَالك ... وَمِنْه صَحِيح فِي المجس وأجرب
فبادر موطأ مَالك قبل مَوته ... فَمَا بعده إِن فَاتَ للحق مطلب
ودع للموطأ كل علم تريده ... فان الموطأالشمس والغير كَوْكَب
وَمن لم يكن كتب الموطأببيته ... فَذَاك من التَّوْفِيق بَيت مخيب
جزى الله عَنَّا فِي موطاه مَالِكًا ... بِأَفْضَل مَا يجزى اللبيب الْمُهَذّب
لقد فاق أهل الْعلم حَيا وَمَيتًا ... فَصَارَت بِهِ الْأَمْثَال فِي النَّاس تضرب
فَلَا زَالَ يسْقِي قَبره كل عَارض ... بمندفق ظلت عزاليه تسكب ...
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى ... إِذا ذكرت كتب الْعُلُوم فحيهل ... بكتب الْمُوَطَّأ من تصانيف مَالك
أصح أَحَادِيث وَأثبت حجَّة ... وأوضحها فِي الْفِقْه نهجاً لسالك
عَلَيْهِ مُضِيّ الاجماع من كل أمة ... على رغم خيشوم الحسود المماحك
فَعَنْهُ فَخذ علم الدّيانَة خَالِصا ... وَمِنْه استفد شرع النَّبِي الْمُبَارك
وَشد بِهِ كف الضنانة مهتدي ... فَمن حاد عَنهُ هَالك فِي الهوالك ...
فصل
وَأما من اعتنى بالْكلَام على حَدِيثه وَرِجَاله والتصنيف فِي ذَلِك فعدد كثير من المالكيين وَغَيرهم وعد القَاضِي مِنْهُم نَحوا من تسعين رجلا تركت تسميتهم وَتَسْمِيَة كتبهمْ اختصاراً
بَاب ذكر تآليف مَالك غير الْمُوَطَّأ
اعْلَم أَن لمَالِك رَحمَه الله أوضاعاً شريفة مروية عَنهُ أَكْثَرهَا بأسانيد صَحِيحَة فِي غير فن من الْعلم لَكِنَّهَا لم يشْتَهر عَنهُ مِنْهَا وَلَا واظب على إسماعه وَرِوَايَته غير الْمُوَطَّأ مَعَ حذفه مِنْهُ وتلخيصه لَهُ شَيْئا بعد شَيْء وَسَائِر تآليفه إِنَّمَا رَوَاهَا عَنهُ من كتب بهَا اليه أوسأله إِيَّاهَا فَمن أشهرها فِي هَذَا(1/26)
الْبَاب رسَالَته فِي الْقدر وَالرَّدّ على الْقَدَرِيَّة وَهُوَ خِيَار الْكتب الدَّالَّة على سَعَة علمه وَمِنْهَا كِتَابه فِي النُّجُوم وحساب مدَار الزَّمَان ومنازل الْقَمَر وَهُوَ كتاب جيد مُفِيد جدا قد اعْتمد عَلَيْهِ النَّاس فِي هَذَا الْبَاب وجعلوه أصلا وَمن ذَلِك رسَالَته فِي الْأَقْضِيَة كتب بهَا إِلَى بعض الْقُضَاة عشرَة أَجزَاء ورسالته إِلَى أبي غَسَّان مُحَمَّد بن الْمطرف وَهُوَ ثِقَة من كبراء أهل الْمَدِينَة قَرِيبا لمَالِك وَهِي فِي الْفَتْوَى مَشْهُورَة ورسالته الْمَشْهُورَة إِلَى هَارُون الرشيد فِي الْآدَاب والمواعظ حدث بهَا فِي الاندلس أَولا ابْن حبيب عَن رِجَاله عَن مَالك وَحدث بهَا آخر أَبُو جَعْفَر بن عون الله وَالْقَاضِي وَأَبُو عبد الله بن مفرج عَن أَحْمد بن زيدونه الدِّمَشْقِي وَقد أنكرها غير وَاحِد مِنْهُم أصبغ بن الْفرج وَحلف مَا هِيَ من وضع مَالك وَكتابه فِي التَّفْسِير لغريب الْقُرْآن الَّذِي يرويهِ عَنهُ خَالِد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي وَذكر الْخَطِيب أَبُو بكر فِي تَارِيخه الْكَبِير عَن أبي الْعَبَّاس السراج النَّيْسَابُورِي أَنه قَالَ هَذِه سَبْعُونَ ألف مسئلة لمَالِك وَأَشَارَ إِلَى كتب منضدة عِنْده كتبهَا قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض فِي جواباته فِي أسمعة أَصْحَابه الَّتِي عِنْد الْعِرَاقِيّين وَقد نسب إِلَى مَالك أَيْضا كتاب يُسمى كتاب السّير من رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَنهُ وَمِنْهَا رسَالَته إِلَى اللَّيْث بن سعد فِي إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَهِي مَشْهُورَة متداولة بَين الْعلمَاء
فصل من أخباره مَعَ الْمُلُوك
قَالَ مَالك رَحمَه الله حق على كل مُسلم أَو رجل جعل الله فِي صَدره شَيْئا من الْعلم وَالْفِقْه أَن يدْخل إِلَى كل ذِي سُلْطَان يَأْمُرهُ بِالْخَيرِ وينهاه عَن الشَّرّ ويعظه حَتَّى يتَبَيَّن دُخُول الْعَالم على غَيره لِأَن الْعَالم إِنَّمَا يدْخل على السُّلْطَان لذَلِك فَإِذا كَانَ فَهُوَ الْفَصْل الَّذِي لَا بعده فضل وَدخل يَوْمًا على الرشيد فحثه على مصَالح الْمُسلمين وَقَالَ لَهُ لقد بَلغنِي أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ فِي فَضله وَقدمه ينْفخ لَهُم عَام الرَّمَادَة النَّار تَحت الْقُدُور حَتَّى يخرج الدُّخان من تَحت لحيته رَضِي الله عَنهُ وَقد رَضِي النَّاس مِنْكُم بِدُونِ هَذَا قَالَ يعِيش بن هِشَام الخابور كنت عِنْد مَالك اذا أَتَاهُ رَسُول الْمَأْمُون وَقيل الرشيد وَهُوَ الصَّحِيح ينهاة وَأَن يحدث بِحَدِيث مُعَاوِيَة فِي السّفر جلّ فتلامالك قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات} الْآيَة ثمَّ قَالَ وَالله لأخبرن بهَا فِي هَذِه الْعَرَصَة حَدثنَا نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدي اليه سفرجل فاعطى أَصْحَابه وَاحِدَة وَاحِدَة وَأعْطى مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ثَلَاث سفرجلات وَقَالَ القني بِهن فِي الْجنَّة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السفرجل يذهب صَحا الْقلب قَالَ القَاضِي عِيَاض لم يدْرك مَالك أَيَّام الْمَأْمُون وَذكر الْمَأْمُون هُنَا وهم وَلما قدم الْمَدِينَة الْمهْدي جَاءَهُ النَّاس مُسلمين عَلَيْهِ فَلَمَّا أخذُوا مجَالِسهمْ اسْتَأْذن مَالك رَحمَه الله فَقَالَ النَّاس الْيَوْم يجلس مَالك آخر النَّاس فَلَمَّا دنا وَنظر ازدحام النَّاس قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَيْن يجلس شيخك مَالك فناداه عِنْدِي يَا أَبَا عبد الله فتخطى النَّاس حَتَّى وصل إِلَيْهِ فَرفع الْمهْدي ركبته الْيُمْنَى وَأَجْلسهُ ثمَّ أَتَى الْمهْدي بالطشت والإبريق فَغسل يَده ثمَّ قَالَ للغلام قدمه إِلَى أبي عبد الله فَقَالَ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ هَذَا من الْأَمر الْمَعْمُول بِهِ ارْفَعْ يَا غُلَام فَأكل مَالك رَحمَه الله غير متوضىء وَذكر قصَّته مَعَه فِي الْمُوَطَّأ
فصل فِي محنته رَضِي الله عَنهُ
قَالَ الطَّبَرِيّ اخْتلف فِيمَن صرب مَالِكًا وَفِي السَّبَب(1/27)
فِي ضربه وَفِي خلَافَة من ضرب فالأشهر أَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان هُوَ الَّذِي ضربه فِي ولَايَته الأولى بِالْمَدِينَةِ وَأما سَبَب ضربه رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِن أَبَا جَعْفَر نَهَاهُ عَن الحَدِيث لَيْسَ على مستكره طَلَاق ثمَّ دس إِلَيْهِ من يسْأَله عَنهُ فَحدث بِهِ على رُؤْس النَّاس وَقيل إِن الَّذِي نَهَاهُ كَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَقيل إِنَّه سعي بِهِ إِلَى جَعْفَر وَقيل لَهُ لَا يرى أَيْمَان بيعتكم بِشَيْء فَإِنَّهُ يَأْخُذ بِحَدِيث ثَابت بن الْأَحْنَف فِي طَلَاق الْمُكْره أَنه لَا يجوز وَذكر عَنهُ أَنه أفتى عِنْد قيام مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن الْعلوِي الْمُسَمّى الْمهْدي بِأَن بيعَة أبي جَعْفَر لَا تلْزم لِأَنَّهَا على الْإِكْرَاه على هَذَا أَكثر الروَاة وَخَالف ذَلِك كُله ابْن بكير وَقَالَ مَا ضرب إِلَّا فِي تَقْدِيمه عُثْمَان على عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فسعى بِهِ الطالبيون حَتَّى ضرب فَقيل لِابْنِ بكير خَالَفت أَصْحَابك فَقَالَ أَنا أعلم من أَصْحَابِي وَأما فِي خلَافَة من ضرب فالأشهر أَن ذَلِك كَانَ فِي أَيَّام أبي جَعْفَر وَقيل إِن هَذَا كُله كَانَ فِي أَيَّام الرشيد وَالْأول أصح وَاخْتلف أَيْضا فِي مِقْدَار ضربه من ثَلَاثِينَ إِلَى مائَة ومدت يَدَاهُ حَتَّى انْحَلَّت كتفاه وَبَقِي بعد ذَلِك مُطَابق الْيَدَيْنِ لَا يَسْتَطِيع أَن يرفعهما وَلَا أَن يُسَوِّي رِدَاءَهُ قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَلما حج الْمَنْصُور أقاد مَالِكًا من جَعْفَر بن سُلَيْمَان وأرسله إِلَيْهِ ليقتص مِنْهُ فَقَالَ أعوذ بِاللَّه وَالله مَا ارْتَفع مِنْهَا سَوط عَن جسمي إِلَّا وَأَنا أجعله فِي حل من ذَلِك الْوَقْت لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل إِنَّه لما ضرب حمل مغشي عَلَيْهِ فَدخل النَّاس عَلَيْهِ فأفاق وَقَالَ أشهدكم أَنِّي قد جعلت ضاربي فِي حل وَقَالَ الدَّرَاورْدِي سمعته يَقُول حِين ضربه اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُم فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ قَالَ مُصعب وَكَانَ ضربه سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله مَا كَانَ عَليّ يَوْم ضربت أَشد من شعر كَانَ فِي صَدْرِي وَكَانَ فِي إزَارِي خرق ظَهرت مِنْهُ فَخذي فَجعلت الله أَن أستجد الْإِزَار وَأَن لَا أترك عَليّ شعرًا وَكَانَ رَحمَه الله يَقُول ضربت فِيمَا ضرب بِهِ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَرَبِيعَة بن الْمسيب وَيذكر قَول عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ مَا أغبط أحدا لم يصبهُ فِي هَذَا الْأَمر أَذَى قَالَ الجياني مَا زَالَ مَالك بعد ذَلِك الضَّرْب فِي رفْعَة من النَّاس واعظام حَتَّى كَانَ تِلْكَ الاسواط حلى حلي بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
بَاب ذكر وَفَاته واحتضاره وَتركته رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
اخْتلف فِي تَارِيخ وَفَاته وَالصَّحِيح أَنَّهَا كَانَت يَوْم الْأَحَد لتَمام اثْنَيْنِ وَعشْرين يَوْمًا من مَرضه فِي ربيع الأول سنة تسع وَسبعين وَمِائَة فَقيل لعشر مَضَت وَقيل لأَرْبَع عشرَة ولثلاث عشرَة ولإحدى عشرَة وَقيل لثنتي عشرَة من رَجَب وَقَالَ حبيب كَاتبه ومطرف سنة ثَمَانِينَ وَحكي عَن أبن سَحْنُون ثَمَان وَتِسْعين وَهُوَ وهم وَاخْتلف على هَذَا وعَلى الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي مولده فِي مِقْدَار سنه من أَربع وَثَمَانِينَ إِلَى اثْنَيْنِ وَتِسْعين قَالَ بكر بن بن سُلَيْمَان الصَّواف دَخَلنَا على مَالك بن أنس فِي العشية الَّتِي قبض فِيهَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا عبد الله كَيفَ نجدك قَالَ مَا أَدْرِي كَيفَ أَقُول لكم إِلَّا أَنكُمْ ستعاينون غَدا من عَفْو الله مَا لم يكن فِي حِسَاب ثمَّ مَا برحنا حَتَّى أغمضناه رَحمَه الله وَقيل إِنَّه تشهد ثمَّ قَالَ لله الْأَمر من قبل وَمن بعد وَرَأى عمر بن يحيى بن سعيد فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا مَالك قَائِلا يَقُول ... لقد أصبح الْإِسْلَام زعزع رُكْنه ... غَدَاة ثوى الْهَادِي لَدَى ملحد الْقَبْر
إِمَام الْهدى مَا زَالَ للْعلم صائناً ... عَلَيْهِ سَلام الله فِي آخر الدَّهْر ...(1/28)
قَالَ فانتبهت وكتبت الْبَيْتَيْنِ فِي السراج وَإِذا بصارخة على مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وغسله ابْن كنَانَة وَابْن أبي الزبير وَابْنه يحيى وكاتبه حبيب يصبَّانِ عَلَيْهِ المَاء وأنزله فِي قَبره جمَاعَة وَأوصى أَن يُكفن فِي ثِيَاب بيض وَيصلى عَلَيْهِ فِي مَوضِع الْجَنَائِز فصلى عَلَيْهِ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَكَانَ خَليفَة لِأَبِيهِ على الْمَدِينَة وَمَشى فِي جنَازَته وَحمل نعشه وَبلغ كَفنه خَمْسَة دَنَانِير قَالَ ابْن الْقَاسِم مَاتَ مَالك عَن مائَة عِمَامَة فضلا عَن سواهَا قَالَ ابْن أبي أويس بيع مَا فِي منزل مَالك يَوْم مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى من مصنفات وبرادع وَبسط ومخاد محشوة بريش وَغير ذَلِك مَا ينيف على خَمْسمِائَة دِينَار وَقَالَ غَيره خلف مَالك خَمْسمِائَة زوج نعل وَلَقَد اشْتهى يَوْمًا كسَاء قرمزيا فَمَا بَات إِلَّا وَعِنْده مِنْهَا سَبْعَة بعثت إِلَيْهِ وَأهْدى لَهُ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي هَدِيَّة وجدت بِخَط مَشَايِخنَا الثِّقَات أَنه بَاعَ من فَضلهَا بِثَمَانِينَ ألفا قَالَ أَبُو عمر ترك من الناض ألفي دِينَار وسِتمِائَة دِينَار وَتِسْعَة وَعشْرين دِينَارا وَألف دِرْهَم فَاجْتمع من تركته ثَلَاثَة آلالف دِينَار وسِتمِائَة دِينَار ونيف وَأنْشد الزبيرِي لابي الْمعَافى أَو ابْن الْمعَافى يرثي مَالِكًا رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ ... الا قل لقوم سرهم فقدمالك ... أَلا إِن فقد الْعلم إِذْ مَاتَ مَالك
وَمَالِي لَا أبْكِي على فقد مَالك ... إِذْ أعز مَفْقُود من النَّاس مَالك
وَمَالِي لَا أبْكِي على فقد مَالك ... وَفِي فَقده سدت عَليّ المسالك ...
بَاب فِي مشاهير الروَاة عَن مَالك رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ من شُيُوخه الَّذين تعلم مِنْهُم وروى عَنْهُم
وأفرادنا هَذَا الْبَاب لتبيين عَظِيم مَنْزِلَته فِي وقته وَعند تَمام هَذَا الْبَاب نرْجِع إِلَى ذكر الطَّبَقَات الْمَقْصُودَة على مَا شرطناه فِي أول الْكتاب وَالَّذِي عِنْد القَاضِي عِيَاض من مشاهير من روى عَنهُ وَصحت رِوَايَته واشتهرت من شُيُوخه ثمَّ من أقرانهم الَّذين شاركوه فِي شُيُوخه ثمَّ من صغرت أسنانهم عَنْهُم تنيف على ألف اسْم وَصُورَة مَا ذكر بعد أَن فرغ من عدتهمْ فَهَذِهِ تنيف على ألف اسْم وَتَركنَا كثيرا مِمَّن لم يشْتَهر بذلك أَو من جهل وَلم يعرف من هُوَ أَو لم يذكر لَهُ رِوَايَة الاحكاية حَاله أَو وصف قصَّة أَو ذكر فِي رِوَايَة وَلم تصح رِوَايَته عَنهُ فَمِمَّنْ روى عَنهُ من شُيُوخه من التَّابِعين مُحَمَّد بن مُسلم بن عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ مَاتَ قبل مَالك بِخمْس وَخمسين سنة أَبُو الْأسود يَتِيم عُرْوَة مَاتَ قَرِيبا من وَفَاة الزُّهْرِيّ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ توفّي قبل مَالك بتسع وَأَرْبَعين سنة ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن توفّي قبل مَالك بست وَثَلَاثِينَ سنة يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ توفّي قبل مَالك بِثَلَاث وَأَرْبَعين سنة مُوسَى بن عقبَة توفّي قبل بثمان وَثَلَاثِينَ سنة وَذكر أَبُو مُحَمَّد الضراب أَن مِمَّن روى عَن مَالك من شُيُوخه التَّابِعين هِشَام بن عُرْوَة من غير التَّابِعين نَافِع ابْن أبي نعيم الْقَارِي مُحَمَّد بن عجلَان سَالم بن أبي أُميَّة أَبُو النَّضر مولى عمر بن عبد الله وَجَمَاعَة من غير هَؤُلَاءِ من أكَابِر التَّابِعين من مُتَأَخّر شُيُوخه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عبد الْملك بن جريج مُحَمَّد بن اسحق صَاحب الْمَغَازِي توفى قبله بِثَلَاثِينَ سنة ذكر أَبُو مُحَمَّد الصَّواف أَن مَالِكًا روى عَنهُ وَفِيه نظر سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش وَخلق غير هَؤُلَاءِ
وَمن أقرانه من الْأَئِمَّة الْمَشَاهِير
سُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ الاوزاعي أَبُو أسحق الفزازي حَمَّاد بن سَلمَة بَصرِي حَمَّاد بن زيد بَصرِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة مكي(1/29)
الإِمَام أَبُو حنيفَة كُوفِي توفّي قبله بِثَلَاثِينَ سنة ابْنه حَمَّاد أَبُو يُوسُف القَاضِي الْحَنَفِيّ شريك بن عبد الله القَاضِي ابْن لَهِيعَة الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن الْحسن التل إِسْمَاعِيل بن أبي كثير الفارضي مدنِي وَتركت من هَؤُلَاءِ خلقا كثيرا لعدم التَّطْوِيل وَمن طبقه أخري بعد هَؤُلَاءِ الصغيره بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي مدنِي الإِمَام مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي عبد الله ابْن الْمُبَارك عراقي مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب الإِمَام أبي حنيفَة عراقي أَبُو قُرَّة مُوسَى ابْن طَارق القَاضِي من الْحجاز الْوَلِيد بن مُسلم فَهَذِهِ نبذة ذكرتها من ألف روا ذكرهم القَاضِي عِيَاض قَالَ وَإِنَّمَا ذكرت الْمَشَاهِير وَتركت من الروَاة كثيرا وَبِهَذَا يتَبَيَّن عَظِيم قدره رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ آمين
بَاب الْألف
من اسْمه أَحْمد
من الطَّبَقَة الصُّغْرَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
أَحْمد أَبُو مُصعب بن أبي بكر وَاسم أبي بكر الْقَاسِم بن الْحَارِث بن زُرَارَة بن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ روى عَن مَالك الْمُوَطَّأ وَغَيره وتفقه بِأَصْحَابِهِ الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وروى عَن الدراوردى وَغَيرهمَا وَله مُخْتَصر فِي قَول مَالك الْمَشْهُور كَذَا فِي المدارك ولى قَضَاء الْمَدِينَة والكوفة كَانَ من أعلم أهل الْمَدِينَة رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ يَا أهل الْمَدِينَة لَا تزالون ظَاهِرين على أهل الْعرَاق مَا دمت لكم روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم والذهبي وَإِسْمَاعِيل القَاضِي والرازيان وَغَيرهم وَهُوَ صَدُوق من أهل الثِّقَة فِي الحَدِيث مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وعاش سبعين سنة
أَحْمد بن الْمعدل من الطَّبَقَة الأولى الَّذين انْتهى إِلَيْهِم فقه مَالك مِمَّن لم يره وَلم يسمع مِنْهُ من أهل الْعرَاق هُوَ أَحْمد بن المعذل بن غيلَان بن الحكم الْعَبْدي يكنى أَبَا الْفضل بَصرِي وأجلهم من الْكُوفَة هُوَ الْفَقِيه الْمُتَكَلّم من أَصْحَاب عبد الْملك بن الْمَاجشون وَمُحَمّد بن مسلمة كَانَ ورعاً مُتبعا للسّنة قَالَ القَاضِي عِيَاض وَسمع أَيْضا من إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَبشر بن عمر وَغَيرهمَا وَعَلِيهِ تفقه جمَاعَة من كبار الْمَالِكِيَّة كإسماعيل بن إِسْحَاق القَاضِي وأخيه حَمَّاد وَيَعْقُوب بن شبية وَسمع مِنْهُ ابْنه مُحَمَّد وَأحمد وَعبد الْعَزِيز بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ وَغَيرهم قَالَ أَبُو عمر الصَّدَفِي هُوَ ثِقَة وَأثْنى عَلَيْهِ أَبُو حَاتِم وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ أَحْمد بن المعذل مالكي الْمَذْهَب يعد فِي زهاد أهل الْبَصْرَة وعلمائها وَقَالَ أَبُو خَليفَة الْفضل ابْن الْحباب الجُمَحِي القَاضِي لأبي بكر النقاش أحمدنا يعْنى ابْن الْمعدل أفضل من أحمدكم يعْنى ابْن حَنْبَل قيل وَكَانَ ابْن الْمعدل من الْعلمَاء الأدباء الفصحاء النظار فَقِيها بِمذهب مَالك ذَا فضل وروع وَدين وَعبادَة نبيلاً لَهُ أشعار ملاح وَكَانَ أَخُوهُ عبد الصَّمد يُؤْذِيه ويهجوه فَكَانَ أَحْمد يَقُول لَهُ أَنْت كالأصبع الزَّائِدَة إِن تركت شانت وَإِن قطعت آلمت فَأَجَابَهُ عبد الصَّمد ... أطَاع الْفَرِيضَة وَالسّنة ... فتاه على الْأنس وَالْجنَّة
كَأَن لنا النَّار من دونه ... وأفرده الله بِالْجنَّةِ
وَينظر نحوي إِذا زرته ... بِعَين حماة إِلَى كنة ... وَكَانَ أَحْمد من الأبهة والتمسك بالمنهاج والتجنب للعيب وَعدم التَّعَرُّض لما فِي أَيدي النَّاس والزهد فِيهِ على غَايَة وَكَانَ من أفْصح النَّاس وأبلغهم وأنسكهم وأصمتهم حَتَّى كَانَ بِنسَب بذلك(1/30)
إِلَى الْكبر وَكَانَ يُسمى الراهب لفقهه ونسكه لم يكن لمَالِك بالعراق أرفع مِنْهُ وَلَا أَعلَى دَرَجَة وَلَا أبْصر بمذاهب أهل الْحجاز مِنْهُ وَقَالَ أَحْمد بن المعذل دخلت الْمَدِينَة فتحملت على عبد الْملك بن الْمَاجشون بِرَجُل ليصحبني ويعتني بِي فَلَمَّا فاتحني قَالَ مَا تحْتَاج أَنْت إِلَى شَفِيع مَعَك من الْحذاء والسقاء مَا تَأْكُل بِهِ لب الشّجر وتشرب بِهِ صفو المَاء وَكَانَ يذهب إِلَى الْبَادِيَة وَيكْتب عَن الْأَعْرَاب وَقيل إِنَّه توفّي وَقد قَارب الْأَرْبَعين سنة قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي أول المدارك كثير من يَقُول أَحْمد بن الْمعدل بدال مُهْملَة وَصَوَابه بِمُعْجَمَة
أَحْمد بن صَالح يعرف بِابْن الطَّبَرِيّ يكنى بِأبي جَعْفَر من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا رَحمَه الله سمع من ابْن وهب وَغَيره قَالَ أَبُو عمر الْمقري كَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وَأخذ الْقِرَاءَة عَن ورش وقالون كتب لَهُ أَحْمد بن حَنْبَل والذهلي وَخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَغَيرهم وَهُوَ ثِقَة ثَبت مَأْمُون صَاحب سنة إِمَام مجمع على ثقته فَقِيه نظار أحد الْأَئِمَّة الْحفاظ الْمُتَّقِينَ قَالَ القَاضِي عِيَاض وَكَانَ يرى فِي الْجنب أَنه إِذا لم يقدر على الطُّهْر بِالْمَاءِ من برد خوف على نَفسه انه يتوظأ وَيُصلي وَيجزئهُ على مَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ فَتَوَضَّأ وَصلى بهم وَلم يقل بِهَذَا الرَّأْي أحد من فُقَهَاء الْأَمْصَار سوى طَائِفَة مِمَّن ينتحل الحَدِيث لهَذَا الحَدِيث وَلِأَن الْوضُوء عِنْدهم فَوق التَّيَمُّم توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ مولده بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة قَالَه أَبُو عَمْرو والمقرى وَمن أهل أفريقية من الطَّبَقَة الثَّانِيَة
أَحْمد بن لبدة أَبُو جَعْفَر ابْن أخي سَحْنُون ولبدة أَخُو سَحْنُون سمع من عَمه ثِقَة أَخذ النَّاس عَنهُ وَكَانَ وجيهاً ذَا فضل وَلم يكن لَهُ ظُهُور الْفِقْه هُنَاكَ إِلَّا أَنه قَامَ لَهُ جاه فِي الْبَلَد بعد موت سَحْنُون بمكانه مِنْهُ توفى سنة أحدى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن سُلَيْمَان بن أبي الرّبيع البيري أحد السَّبْعَة الَّذين كَانُوا بأفريقية فِي وَقت وَاحِد من رُوَاة سَحْنُون روى عَن يحيى بن يحيى وَسعد بن حسان والْحَارث بن مِسْكين وَسَحْنُون كَانَ فَقِيها حَافِظًا توفّي بألبيرة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن الْوَلِيد بن عبد الْخَالِق بن عبد الْجَبَّار من ذُرِّيَّة قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ طليطلي من أَصْحَاب يحيى وَعِيسَى ونظرائهم ولقى سحنوناً وَولي قَضَاء طليطلة وجيان وبيته بَيت جلالة وَفضل هُوَ قَاض ابْن قَاض ابْن قَاض ابْن قَاضِي أَرْبَعَة على نسق كلهم ولي قَضَاء طليطلة ذكره بن حَارِث
أَحْمد بن معتب بن الْأَزْهَر بن جَعْفَر من الثَّالِثَة مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل أفريقية سمع من سَحْنُون وَهُوَ من فُقَهَاء أَصْحَابه وَسمع من أبي الْحسن الْكُوفِي ولقى إِسْمَاعِيل القَاضِي قَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ ثِقَة ثبتاً نبيلاً عَالما بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال حسن التَّقْيِيد سمع مِنْهُ النَّاس قَالَ ابْن حَارِث كَانَ نبيلاً فَاضلا صَحِيح الْيَقِين بِاللَّه وَكَانَ من الْعباد لَهُ نسك وخشوع وزهد توفّي فِي الْقعدَة سنة سبع وَتِسْعين وَيُقَال سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ
احْمَد بن مُحَمَّد الاشعري حمد يس الْقطَّان يُقَال إِنَّه من ذُرِّيَّة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ من أَصْحَاب سَحْنُون ورحل فلقي أَبَا مُصعب وَأَصْحَاب ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب كَانَ علما فِي الْفضل ومثلاً فِي الْخَيْر مَعَ شدَّة فِي مَذَاهِب أهل السّنة وَكَانَ ورعاً ثِقَة مَأْمُونا يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْعِبَادَة مجانباً لأهل الْأَهْوَاء والسلاطين توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن سَحْنُون مولده فِي رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن مُوسَى بن مخلد(1/31)
من الْعَجم يَنْتَهِي إِلَى غافق وَيُقَال لَهُ عيشون كنيته أَبُو عَاشر شيخ صَالح ثِقَة فَقِيه زاهد متعبد فَاضل ورع ضَابِط صَحِيح الْكتاب حسن التَّقْيِيد عَالم بكتبه مَعْدُود فِي كبار أَصْحَاب سَحْنُون وَعَلِيهِ اعْتمد سمع مِنْهُ وَمن ابْن رمح وَأبي اسحاق البرقي وَغَيرهم سمع مِنْهُ أَبُو الْعَرَب وَأَبُو الْقَاسِم بن تَمام وَعبد الله بن مسرور وَغير وَاحِد من الجلة وَكَانَ مجاب الدعْوَة مسئلة وَسُئِلَ عَن التِّجَارَة فِي الْقَمْح وحكرته فأباح ذَلِك فِي وَقت كثرته ورخصه وَمنعه فِي وَقت غلائه إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ للقوت وَقَالَ هَذَا بِخِلَاف الزَّيْت يُرِيد إِبَاحَته فِي كل وَقت وَاحْتج بِأَن ابْن الْمسيب كَانَ يحتكر الزَّيْت وَيقطع لَهُ وَلغيره بِأَنَّهُ مُؤمن عِنْد الله على رَأْي مُحَمَّد بن سَحْنُون وَمن قَالَه قبله توفّي فِي صفر سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ مولده سنة سبع وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن وزان الصَّواف أَبُو جَعْفَر سمع من سَحْنُون وَغَيره وَكَانَ يُسمى جَوْهَرَة أَصْحَاب سَحْنُون قَالَ ابْن حَارِث كَانَ فَاضلا مُتَقَدما وعابداً مُجْتَهدا مستجاب الدعْوَة فَقِيها عَالما بالفقه والمناضرة عَلَيْهِ ثِقَة حسن الْعقل توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مولده سنة ثَلَاث ونسعين وَمِائَة
أَحْمد بن مُوسَى بن جرير الْأَزْدِيّ الْعَطَّار كنيته أَبُو دَاوُد وَهُوَ من كبار أَصْحَاب سَحْنُون كَانَ ثِقَة صَالحا سمع من سَحْنُون وَمن يحيى بن سَلام وَأبي خَارِجَة وَمُعَاوِيَة الصمادحي وَأسد ابْن الْفُرَات وَأخذ عَنهُ النَّاس وَفِي كتبه خطأ وتصحيف توفى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَتِسْعين سنة مولده سنة ثَلَاث وَقيل اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
أَحْمد بن عَليّ بن حميد التَّمِيمِي أَبُو الْفضل قَالَ الْمَالِكِي كَانَ من أهل الْفضل وَالدّين وَالْفِقْه ورعاً متواضعاً ضابطاً لكتبه عَارِفًا بِمَا فِيهَا سمع من سَحْنُون وَأسد وَاعْتمد على سَحْنُون وَكَانَ كثير الْكتب صحيحها وَاسع الرِّوَايَة تَارِكًا للشبهات ترك فِي مَال أَبِيه أَكثر من ألف دِينَار فَسئلَ فَقَالَ كَانَ فِي تِجَارَته فَكَرِهته لما جَاءَ فِيهِ عَن أهل الْعلم توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَيُقَال إِحْدَى وَسِتِّينَ
أَحْمد بن يحيى بن قَاسم سمع من ابْن خَالِد وَغَيره يكنى أَبَا عمر فَقِيه عَالم بَصِير بالمسائل والدقائق توفّي سنة عشر وثلاثمائة
أَحْمد بن مَرْوَان من أهل قرطبة يعرف بِابْن الرصافي سمع من يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وَابْن حبيب وَكَانَ كثير الْجمع للْحَدِيث والرأي حَافِظًا روى من ذَلِك وَقيل هُوَ الَّذِي روى المستخرجة للعتبي وَقيل هُوَ الَّذِي أعَان الْعُتْبِي على تأليفها توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّيَالِسِيّ من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من أهل الْعرَاق ويكنى أَبَا الْعَبَّاس من أَصْحَاب القَاضِي إِسْمَاعِيل أَخذ عَنهُ أَبُو الْفرج والبغدادي وَذكره أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ فِي كِتَابه وَهُوَ من كبار أَئِمَّة المالكين البغدادين
أَحْمد بن مَرْوَان بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمالكي أَبُو بكر من أهل مصر من هَذِه الطَّبَقَة وَقيل فِي نسبه أَحْمد بن جَعْفَر بن مَرْوَان بن مُحَمَّد القَاضِي الدينَوَرِي يعرف بالمالكي وبالخياش نزل مصر وَبهَا مَاتَ أَخذ عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي وَيحيى بن معِين وَصَالح ابْن أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي مُحَمَّد بن قُتَيْبَة وعَلى بن عبد الْعَزِيز وَابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيرهم وَغلب عَلَيْهِ الحَدِيث حدث بِبَغْدَاد وبمصر روى عَنهُ النَّاس كثيرا وروى عَنهُ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الضراب وَأَبُو بكر الْهِنْدِيّ وَأَبُو الْقَاسِم السيوري وَغَيرهم ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَألف كتابا فِي فَضَائِل مَالك وكتاباً فِي الرَّد على الشَّافِعِي وَكتاب المجالسة توفّي فِي صفر سنه ثَمَان وَتِسْعين(1/32)
وَمِائَتَيْنِ وَسنة وَأَرْبع وَثَمَانُونَ سنة
أَحْمد بن مُوسَى بن عِيسَى بن صَدَقَة الصَّدَفِي مَوْلَاهُم من أهل مصر يكنى أَبَا بكر يعرف بالزيات فَقِيه مَشْهُور بِمصْر من أَصْحَاب مُحَمَّد بن عبد الحكم قَالَ الْأَمِير هُوَ فَقِيه حدث بكتب الْفِقْه عَنهُ أَبُو إِسْحَاق بن القوطي توفّي بِمصْر سنة سِتّ وثلاثمائة
أَحْمد بن الْحَارِث بن مِسْكين القَاضِي يكنى أَبَا بكر مصري جلس مجْلِس أَبِيه بعده بِجَامِع الْفسْطَاط وَأخذ النَّاس عَنهُ حدث عَن أَبِيه وَعَن أبي الطَّاهِر وَأنكر الطَّحَاوِيّ عَلَيْهِ رِوَايَته عَن أَبِيه توفى سنة احدى عشرَة وثلاثمائة مولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد ابْن حذافة من أهل الْبَصْرَة بصرة الْعَرَب كَانَ فَقِيها من نمط أبي هَارُون عمرَان الْعمريّ وَكَانَ سَمَاعه مَعَه ابْن ميسر وَابْن أبي مطر وَابْن اللباد وَفضل بن سَلمَة
أَحْمد بن يحيى بن يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ ثَلَاثَة فِي نسق يكنى أَبَا الْقَاسِم من أهل غرناطة رفيع الْبَيْت فِي الْعلم والجاه يعرف بالتائه سمع من ابْن وضاح وَعَمه عبيد الله وشوور مَعَ هَذِه الطَّبَقَة وَلذَلِك سمي بالتائه فعاجلته الْمنية كَانَ عَالما بالفقه متصرفاً فِي كثير من الْعُلُوم أديباً مفتياً شَاعِرًا مجوداً ذَا عناية وَفهم حسن مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين قبيل عَمه عبد الله بِسنة وَهُوَ ابْن سبع وَأَرْبَعين سنة
أَحْمد بن خَالِد بن وهب بن خَالِد أَبُو بكر من أهل الأندلس روى عَن أَبِيه وَابْن وضاح وَابْن صَالح وَابْن حميد وشوور توفى بعد ثَلَاثِينَ وثلاثمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب من أهل قرطبة يكنى أَبَا الْوَلِيد سمع من أَبِيه وَعبيد الله بن يحيى بن يحيى وَكَانَ بَصيرًا بِالشُّرُوطِ مُمَيّزا بالفتوى على مَذْهَب مَالك نبيلا ظريفا توفّي سنة إِحْدَى وثلاثمائة
أَحْمد بن بيطر قرطبي مولى مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطروح مولى عتاقة وَقيل مولى الْأَمِير مُحَمَّد وَقيل غير ذَلِك وَقيل فِيهِ أَحْمد بن عبد الله بن بيطر وبيطر أَبوهُ هُوَ الْمُعْتق طلب أَحْمد هَذَا الْعلم فَسَاد فِيهِ وَهُوَ من نجباء أَبنَاء الموالى سمع من ابْن وضاح وَابْن الْقَزاز وَابْن هِلَال وَابْن مطروح ورحل فَسمع من عَليّ بن عبد الله وَأبي يَعْقُوب الإبلي كَانَ حَافِظًا للفقه عَاقِلا للشروط مشاوراً فِي الْأَحْكَام مُتَقَدما للْفَتْوَى بحفظه للفقه وورعه وصلابته فِي الْحق وَقيل إِنَّه كَانَ قَلِيل الْعلم والفهم انْظُر تَارِيخ ابْن عبد الْبر قَالَ ابْن حزم كَانَ ذَا سمت وَهدى لم يكن من شَأْنه الْجمع وَالرِّوَايَة كَانَ صَاحب فقه ومسائل توفّي فِي الطَّاعُون سنة ثَلَاث وثلاثمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن بن شبطون اللَّخْمِيّ من بيُوت الْعلم بقرطبة وَالْجَلالَة يعرف بالحبيب ولي قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة يكنى أَبَا الْقَاسِم سمع من ابْن وضاح وَغَيره وَأَبوهُ أَيْضا وَعَمه وليا الْقَضَاء قبل هَذَا كَانَ أكمل النَّاس أدباً وَأكْرمهمْ عناية وأقضاهم للْحَاجة بِمَالِه وجاهه لم يزل نبيها عِنْد الكبراء شاوره الْأَمِير مُحَمَّد مَعَ الْفُقَهَاء وأرسله الْأَمِير الْمُنْذر للاستسقاء بِالنَّاسِ فتيسر لَهُ أَن سقِِي النَّاس وهم فِي الْمصلى فتيمنوا بِهِ وَكَانَ من أهل الوجد والغنى ذكر أَنه ألف كتاب الْأَقْضِيَة فَوضع مِنْهَا عشرَة أَجزَاء مَشْهُورَة فِيهَا لمن نظر وَبَالغ من الْمعرفَة ودربة على الْحُكُومَة وَلَا بَأْس بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْعلم أَرَادَ بذلك الِاسْتِغْنَاء عَن شيخ الْفُقَهَاء إِذْ ذَاك مُحَمَّد بن لبَابَة إِذْ كَانَ مَا بَينه وَبَينه غير صَالح وَكَانَ الحبيب شرِيف الهمة توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وثلاثمائة وَهُوَ يتقلد الصَّلَاة وَالْقَضَاء مَعًا رَحمَه الله
أَحْمد بن ميسر بن مُحَمَّد بن اسماعيل يعرف بِابْن الأغبش أَبُو عمر قرطبي سمع ابْن وضاح والخشني ومطرف بن(1/33)
قيس وَعبد الله بن يحيى وطاهر بن عبد الْعَزِيز فَتقدم فِي معرفَة لِسَان الْعَرَب ولغاتها مشاور فِي الاحكام يمِيل إِلَى النّظر وَالْحجّة رُبمَا أفتى بِمذهب مَالك حفظا حسنا واعتنى بكتب الشَّافِعِي وَكَانَ يمِيل إِلَيْهِ وَكَانَ إِذا استفتى رُبمَا يَقُول أما مَذْهَب أهل بلدنا فَكَذَا وَأما الَّذِي أرَاهُ فَكَذَا شرِيف النَّفس قَلِيل الِاخْتِلَاف إِلَى أهل الدُّنْيَا توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَقيل سنة سبع وَعشْرين
أَحْمد بن جَعْفَر بن نصر بن زِيَاد الهواري من أهل أفريقية من هَذِه الطَّبَقَة أَعنِي الرَّابِعَة أَخذ عَن ابْن عَبدُوس وَابْن سَحْنُون وَيحيى بن سَلام وحماس القَاضِي وَأحمد بن لبدة وَيحيى بن عمر والعامي سمع مِنْهُ ابْن حَارِث وَأحمد بن حزم وَغَيرهمَا من الْقرَوِيين والاندلسيين وَعَلِيهِ تفقه أَكثر الْقرَوِيين مسئلة وَسُئِلَ أَحْمد بن نصر عَن زَوْجَيْنِ ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه أَنه عذبوط وَأَن الْحَدث الَّذِي يُوجد فِي فراشهما من الآخر فَأمر أَن يطعم أَحدهمَا فقوساً وَالْآخر تينا فَيعرف بذلك الْعَيْب مِمَّن هُوَ مئسلة وَسُئِلَ عَن امْرَأَة سقت زَوجهَا فأجذمته فاضطرب عُلَمَاء القيروان فِيهَا فَقَالَ لَهُم أَحْمد بن نصر المسئلة فِي الْمُدَوَّنَة فِي السن إِذا ضربهَا رجل فاسودت أَو اخضرت فقد تمّ عقلهَا وَوَجَبَت الدِّيَة فِيهَا لِأَن المُرَاد مِنْهَا بياضها وجمالها فاذا اسودت أَو اخضرت فقد ذهب جمَالهَا فَكَذَلِك الْإِنْسَان إِذا تجذم فقد زَالَ حسنه وجماله وَوَجَبَت فِيهِ الدِّيَة كَانَ عَالما مُتَقَدما بأصول الْعلم حاذقاً بالمناظرة فِيهِ مَلِيًّا بالشواهد وَالنَّظَر حسن الْحِفْظ فَقِيه الصَّدْر جيد القريحة حسن الْكَلَام فِي علم الْفَرَائِض والوثائق وَيكْتب ويحسب صَحِيح الْمَذْهَب شَدِيد التَّوَاضُع سليم الْقلب بَعيدا من التصنع وَكَانَ لَا ينظر وَلَا يتَصَرَّف فِي شَيْء من الْعلم غير مَذْهَب مَالك فَإِذا تكلم فِيهِ كَانَ فائقاً راسخاً فِي الْمَذْهَب حَاضر الْجَواب وَكَانَ قَلِيل الْكتب علمه فِي صَدره من الْفُقَهَاء المبرزين والحفاظ الْمَعْدُودين لَا يدانيه فِي ذَلِك أحد فِي زَمَانه ثِقَة ثَبت مَأْمُون فَقِيه صَالح توفّي رَحمَه الله فِي ربيع الاول سنة تسع عشرَة وثلاثمائة مولده سنة سِتّ أَو خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ أَبُو ميسرَة الْفَقِيه سرا فِي دَاره فِي خَاصَّة أَصْحَابه خوفًا مِمَّن يصلى عَلَيْهِ من قُضَاة الْوَقْت وَفِي المالكين من يشْتَبه بِهِ وَهُوَ أَحْمد بن نصر الأودي مُتَأَخّر يَأْتِي ذكره وَمن أهل الأندلس
أَحْمد بن خَالِد بن يزِيد بن مُحَمَّد بن سَالم بن سُلَيْمَان يعرف بِابْن الْحباب بباءين بموحده من أَسْفَل كَانَ يَبِيع الْحباب يكني أَبَا عَمْرو قرطبي سمع ابْن وضاح وقاسم بن مُحَمَّد والخشني وَابْن زِيَاد وَإِبْرَاهِيم بن قَاسم وَجَمَاعَة سواهُم ورحل فجاور بِمَكَّة وَدخل الْيمن وإقريطش وأفريقية وَسمع من عَليّ بن عبد الْعَزِيز والقراطيسى وَيحيى ابْن عمر وَمُحَمّد بن عَليّ الصَّائِغ وَأحمد بن عَمْرو الْمَالِكِي كَانَ بالندلس إِمَام وقته غير مدافع فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالْعِبَادَة ضابطاً متقناً خيرا فَاضلا ورعاً منقبضاً متقشفاً جمع علوماً جمة حَافِظًا عَالما قَالَ أَبُو عمر بن عبد الله لم يكن بالأندلس أفقه مِنْهُ وَمن قَاسم بن مُحَمَّد بن قَاسم وَقَالَ ابْن أبي الفوارس وَسُئِلَ أَيْن كَانَ قَاسم بن أصبغ من أَحْمد بن خَالِد فَقَالَ كَانَ يَوْم من أَيَّام أَحْمد أَكثر من عمر قَاسم وَجعل يثني عَلَيْهِ ويصفه بِالْخَيرِ وَالدّين وَغلب عَلَيْهِ آخر عمره نشر الْعلم وَكَانَت أمه ترى وَهِي حَامِل بِهِ من يَقُول لَهَا فِي بَطْنك نُطْفَة تضيء مِنْهَا الدُّنْيَا وَسمع مِنْهُ عَالم كثير وَألف مُسْند حَدِيث مَالك وَكتاب فَضَائِل الْوضُوء وَالصَّلَاة وَحمد الله وخوفه(1/34)
وَكتاب الْإِيمَان وَكتاب بعض قصَص الْأَنْبِيَاء وَلم يزل على الانقباض وَالْعِبَادَة وَلُزُوم بَيته وَنشر الْعلم إِلَى أَن توفّي فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ منتصف جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة مولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الْعرَاق ثمَّ من آل حَمَّاد بن زيد
أَحْمد بن عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة بن مُسلم الدينَوَرِي الاصل الْبَغْدَادِيّ النشأة أَبُو جَعْفَر كَانَ مالكي الْمَذْهَب من أهل الْعلم وَالْحِفْظ لكتب أَبِيه والاتفان وَسمعت مِنْهُ كتب أَبِيه من حفظه وَكَانَ يحفظها كَمَا يحفظ الْقُرْآن وَيرد فِيهَا من حفظه النقطة والشكلة وَمَا مَعَه نُسْخَة كَانَ أَبوهُ أَبُو مُحَمَّد حفظه إِيَّاهَا فِي اللَّوْح وعدتها أحد وَعِشْرُونَ مصنفاً كتاب الْمُشكل وَكتاب مَعَاني الْقُرْآن وَكتاب غَرِيب الحَدِيث وَكتاب عُيُون الْأَخْبَار وَكتاب مُخْتَلف الحَدِيث وَكتاب الْفِقْه وَكتاب المعارف وَكتاب أَعْلَام النُّبُوَّة وَكتاب الْعَرَب والعجم وَكتاب الأثواء وَكتاب الْبشر وَكتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء وَكتاب مَعَاني الشّعْر وَكتاب اصلاح الْغَلَط وَكتاب آدَاب الْكتاب وَكتاب الْأَبْنِيَة وَكتاب النَّحْو وَكتاب الْمسَائِل وَكتاب القراآت سمع مِنْهُ خلق كثير عَظِيم من الجلة بالعراق ومصر كأحمد بن وَلَا وابي أبي جَعْفَر النّحاس وَأبي عَاصِم المظفر بن أَحْمد وَأبي عَليّ الغلال وَغَيرهم من جلة أهل الأدرب والرواة وَكَانَ مَجْلِسه محشواً بعيون النَّاس وأعيان النبهاء وَلم يكن عِنْده حَدِيث إِلَّا مَا فِي كتب أَبِيه وَولي قَضَاء مصر سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة وردهَا وَقد لبس السوَاد وَحكم فِي جَامعهَا وَتُوفِّي فِي ربيع الأول سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين بِمصْر بعد صرفه وَكَانَت ولَايَته الْقَضَاء بِمصْر ثَلَاثَة أشهر وَمن الطَّبَقَة السَّابِعَة من أهل الْعرَاق
أَحْمد بن زيد الْقزْوِينِي أَبُو سعيد تفقه بالأبهري وَهُوَ من كبار أَصْحَابه وتفقه أَيْضا على أبي بكر بن علوِيَّة الْأَبْهَرِيّ وَكَثِيرًا مَا يفرق بَينهمَا فِي كِتَابه فَيَقُول فِي أبي صَالح الْأَبْهَرِيّ قَالَ ابْن الصَّالح أَبُو بكر وَقد ظن القَاضِي أَبُو الْوَلِيد أَن الصَّالِحِي غير الْأَبْهَرِيّ فَقَالَ الصَّالِحِي مَجْهُول قَالَ الشِّيرَازِيّ وصنف فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَكَانَ زاهداً عَالما بِالْحَدِيثِ وَقد سمع من أبي زيد الْمروزِي وَرَأَيْت ذَلِك بِخَط الْأصيلِيّ فِي كِتَابه وَله كتاب الْمُعْتَمد فِي الْخلاف نَحْو مائَة جُزْء وَهُوَ من أهذب كتب الْمَالِكِيَّة وَله كتاب الإلحاف فِي مسَائِل الْخلاف
أَحْمد بن زَكَرِيَّا بن فَارس اللّغَوِيّ أَبُو الْحُسَيْن كَانَ إِمَامًا فِي رجال خُرَاسَان غلب عَلَيْهِ علم النَّحْو ولسان الْعَرَب فشهر بِهِ روى عَنهُ أَبُو ذَر وَالْقَاضِي أَبُو زرْعَة فَقِيه مالكي وَله شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَكتاب فِي اللُّغَة وَكَانَ أديباً شَاعِرًا توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ومولده سنة سِتّ وَقيل ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَمن أهل أفريقية
أَحْمد بن نصر الدَّاودِيّ الْأَسدي أَبُو جَعْفَر من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة بالمغرب كَانَ بطرابلس وَبهَا أصل كِتَابه فِي شرح الْمُوَطَّأ ثمَّ انْتقل إِلَى تلمسان وَكَانَ فَقِيها فَاضلا متقنا مؤلفا مجيدا مجيداً لَهُ حَظّ من اللِّسَان والْحَدِيث وَالنَّظَر ألف كِتَابه النامي فِي شرح الْمُوَطَّأ والواعي فِي الْفِقْه والنصحية فِي شرح البُخَارِيّ والإيضاح فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة وَغير ذَلِك وَكَانَ درسه وَحده لم يتفقه فِي أَكثر علمه على إِمَام مَشْهُور وَإِنَّمَا وصل بإدراكه حمل عَنهُ أَبُو عبد الْملك الْبونِي وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أبي زيد توفّي بتلمسان سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وقبره عِنْد بَاب الْعقبَة
أَحْمد بن عمر بن عبد الله بن السَّرْح يكنى أَبَا الطَّاهِر من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من أهل(1/35)
الْعرَاق ثمَّ من أهل مصر وَكَانَ سرح جده أندلسياجل رِوَايَته عَن ابْن وهب وَسمع من ابْن عُيَيْنَة وعيره وَرُوِيَ عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو دَاوُد السّخْتِيَانِيّ وَخرج لَهُ مُسلم وَكَانَ صَدُوقًا ثِقَة فَقِيها وَشرح موطأ ابْن وهب توفّي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ ومولده سنة سبعين وَمِائَة
اأحمد بن ملول تنوخي يكنى أَبَا بكر من أهل توزر سمع من سَحْنُون ورحل فِي طلب الحَدِيث ثِقَة مَأْمُون سمع مِنْهُ نَاس كثير من الْأَعْيَان كالأكنافي وَغَيره كَانَ فَقِيها عَالما حسن المناظرة وناظر مُحَمَّد بن عبد الحكم بِمصْر وَألف تآليف كَثِيرَة
أَحْمد بن أبي سُلَيْمَان وَاسم أَبِيه دَاوُد وَيعرف بالصواف يكنى بِأبي جَعْفَر من الطَّبَقَة الثَّالِثَة من إفريقية من مقدمي رجال سَحْنُون سمع من الْكِبَار وَسمع مِنْهُ الْأَعْيَان أَبُو الْعَرَب مُحَمَّد وَغَيره وَكَانَ حَافِظًا للفقه مقدما فِيهِ مَعَ ورع فِي دينه أحد كبار الْمَالِكِيَّة ووجوههم وَذكره أَبُو الْعَرَب وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء طَويلا صحب سَحْنُون عشْرين سنة وَكَانَ يَقُول للمشتغلين أَنا حبس وكتبي حبس وَله أشعار كَثِيرَة فَمِنْهَا ... سألبس للفقر ثوباجميلا ... وأفتل للصب حبلاً طَويلا
وأصبر بالرغم لَا بِالرِّضَا ... أخْلص نَفسِي قَلِيلا قَلِيلا ... وَذكر أَنه ألف للصاحب بن عبادكتابا سَمَّاهُ كتاب الْحجر وَوَجهه للصاحب فَقَالَ الصاحب ردوا الْحجر من حَيْثُ جَاءَ ثمَّ قبله وَوَصله عَلَيْهِ وَله رِسَالَة مَشْهُورَة حشنة طَوِيلَة كتب بهَا إِلَى بعض الْكتاب فِي شَأْن الحماسة ذكرهَا الثعالبي قلت وَمن وفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان قَالَ رَحمَه الله كَانَ أَبُو الْحُسَيْن
أَحْمد بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن حبيب الرَّازِيّ اللّغَوِيّ إِمَامًا فِي عُلُوم شَتَّى وخصوصاً اللُّغَة فَإِنَّهُ أتقنها وَألف كتاب الْمُجْمل فِي اللُّغَة وَهُوَ على اختصاره جمع شَيْئا كثيرا وَله كتاب حلية الْفُقَهَاء وَله رسائل أنيقة ومسائل فِي اللُّغَة يعايا بهَا الْفُقَهَاء وَمِنْه اقتبس الحريري صَاحب المقامات ذَلِك الأسلوب وَوضع الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فِي المقامة الطيبية وَهِي مائَة مسئلة وَكَانَ مُقيما بهمدان وَعَلِيهِ اشْتغل بديع الزَّمَان الْهَمدَانِي صَاحب المقامات وَله أشعار جَيِّدَة مِنْهَا قَوْله ... اسْمَع مقَالَة نَاصح ... جمع النصحية والمقة
إياك وَاحْذَرْ أَن تبيت ... من الثِّقَات على ثِقَة
إِذا كنت فِي حَاجَة مُرْسلا ... وَأَنت بهَا كلف مغرم
فَأرْسل حكيماً وَلَا توصه ... وَذَاكَ الْحَكِيم هُوَ الدِّرْهَم
مرت بِنَا هيفاء مجدولة ... تركية تنتمي لتركي
ترنو بِطرف فاتر فا ... تن أَضْعَف من حجَّة نحوي ... وَله ... سقِِي هَمدَان الْغَيْث لست بقائل ... سوى ذَا وَفِي الأحشاء نارتضرم
وَمَالِي لَا أصغي بأذني لبلدة ... أفدت بهَا نِسْيَان مَا كنت أعلم
نسيت الَّذِي أحسنته غير أنني ... مَدين وَمَا فِي جَوف بَيْتِي دِرْهَم ... وَله أشعار كَثِيرَة حَسَنَة توفّي سنة تسعين وثلاثمائة وَقيل سنة سبع وَخمسين وَمن أشعاره ... وَقَالُوا كَيفَ حالك قلت خير ... تقضى حَاجَة ويفوت حَاج
إِذا ازدحمت هموم الصَّدْر قُلْنَا ... عَسى يَوْمًا يكون لَهُ انفراج ...(1/36)
.. نديمي هرتي وأنيس نَفسِي ... دفاتري ومعشوقي السراج ... وَكَانَ رَحمَه الله يُفْتِي فِي الَّذِي يفتح حوانيت فِي الشَّارِع قبالة دَار رجل أَنه يمْنَع
أَحْمد بن خَالِد من الأندلس من فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة تفقه بسحنون وشيوخ الْمغرب وَأَحْيَا الله بِهِ أهل الأندلس وانتفعوا بِهِ ألف كتاب الْعِبَادَة وَكتاب الصَّلَاة فِي النَّعْلَيْنِ وَكتاب النّظر إِلَى الله تَعَالَى ورسالة السّنة وَغير ذَلِك
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عجلَان من أهل سرقسطة سمع من سَحْنُون كَانَ فَقِيها روى عَنهُ مُحَمَّد بن تليد ولي قَضَاء بَلَده وَكَانَ من أهل الْعلم وَكَانَت لَهُ رحْلَة
أَحْمد بن ميسر من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من أهل مصر هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن خَالِد بن ميسر أَبُو بكر إسكندراني يروي عَن مُحَمَّد بن الْمَوَّاز وَعَن مطروح بن شَاكر عَن مَالك وَغَيرهمَا اليه انْتَهَت الرِّئَاسَة بِمصْر بعد ابْن الْمَوَّاز وهوراوي كتبه كَانَ فِي الْفِقْه يوازي ابْن الْمَوَّاز وَألف كتاب الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار كَانَ فَقِيها عَالما روى عَنهُ الْكِبَار كَابْن سعيد بن مخلون وَابْن هروز الْعمريّ الْبَصْرِيّ ببصرة فَارس توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة قلت وميسر بِكَسْر السِّين غلط وَالصَّوَاب فتحهَا ذكره القَاضِي عِيَاض أول كِتَابه
أَحْمد بن أَحْمد بن زِيَاد الْفَارِسِي أَبُو جَعْفَر من أهل اأفريقية صحب ابْن عَبدُوس وَابْن مِسْكين القَاضِي وَغَيرهمَا من الْكِبَار سمع مِنْهُ ابْن حَارِث وَأَبُو الْعَرَب وَخلق كثير كَانَ من أهل الْعلم عَالما بالوثائق وضع فِيهَا عشرَة أَجزَاء كَانَ فَقِيها نبيلاً ثِقَة مذْهبه النّظر وَلَا يرى التَّقْلِيد توفّي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة
أَحْمد بن فتح الرقادي يعرف بِابْن شفون لجرح أثر بشفتيه من جَمَاهِير الْمُتَكَلِّمين والنظار بالقيروان وَكَانَ يذهب مَذْهَب الجدل والمناظرة والذب عَن أهل السّنة وَمذهب أهل الْمَدِينَة وَهُوَ من مشاهير الْمُتَكَلِّمين والنظار بالقيروان وَله تآليف حسان فِي هَذَا الْبَاب توفّي سنة عشروثلاثمائة وَمن أهل الأندلس
أَحْمد بن بَقِي بن مخلد من أهل قرطبة يكنى أَبَا عبد الله سمع من أَبِيه وَكَانَ زاهد فَاضلا مشاوراً فِي الْأَحْكَام ولي قَضَاء الْجَمَاعَة مَعَ الصَّلَاة وَالْخطْبَة كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ عَالما بتفسيره وعلومه قوي الْمعرفَة باخْتلَاف الْعلمَاء فِيهِ وَكَانَ احْمَد بن عبدربه يعده من عجائب الدُّنْيَا كَانَ نَسِيج وَحده جَامعا للخلال الرفيعة مُنْفَردا بهَا توفّي سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة
أَحْمد بن دُحَيْم ابْن خَلِيل من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من الأندلس قرطبي يكنى أَبَا عمر سمع من الاحنافي وَابْن لبَابَة وَابْن الاعراب وَالْبَغوِيّ وَابْن صاعد وَغَيرهم من آفَاق الْبِلَاد وَسمع من جمَاعَة من الْكِبَار كالمعيطي وَابْن السَّلِيم القَاضِي وَغَيرهمَا وَكَانَ معتنياً بالآثار جَامعا للسنن من أهل الْحِفْظ وَالرِّوَايَة مَشْهُورا بِالْعلمِ تقياً فَقِيها حَافِظًا لمَذْهَب مَالك ولي الشورى ثمَّ قَضَاء طليطلة ثمَّ قَضَاء ألبيرة وَغَيرهمَا توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى أَبُو عبد الْملك قرطبي طلب الْعلم كثيرا واعتنى بِهِ أَخذ عَن شُيُوخ الأندلس وعول على ابْن لبَابَة وَأخذ عَن الجلة فاتسع فِي الرِّوَايَة والدراية وَكَانَ بَصيرًا بِالْحَدِيثِ حَافِظًا للرأي فَقِيها وَألف تَارِيخا مَشْهُورا كَانَ متصرفاً فِي فنون الْعلم توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن يكنى أَبَا بكر من الطَّبَقَة السَّادِسَة من الْحجاز سكن مَكَّة روى عَن الجلة من الْكِبَار وَحدث عَنهُ جمَاعَة(1/37)
من الْأَعْيَان مِنْهُم أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وَابْن جَهْضَم وَغَيرهمَا كَانَ من الْمُتَكَلِّمين على مَذْهَب أهل السّنة وَدخل الْعرَاق وَأخذ عَن الشُّيُوخ بهَا وَسكن آخرا القيروان وَصَحب أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد وَغَيره من الْأَئِمَّة وناظرهم وذاكرهم وذاكروه وأثنوا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ النَّاس وَله بهَا أَخْبَار مَعْرُوفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ
أَحْمد بن سعيد بن ابراهيم الْهَمدَانِي الْمَعْرُوف بِابْن الْهِنْدِيّ قَالَ ابْن حَيَّان كَانَ وَاحِد عصره فِي علم الشُّرُوط أقرّ لَهُ بذلك فُقَهَاء الاندلس طراوله فِي ذَلِك كتاب مُفِيد جَامع يحتوي على علم كثير وَعَلِيهِ اعْتِمَاد الموثقين والحكام بالأندلس وَالْمغْرب سلك فِيهِ الطَّرِيق الْوَاضِح توفّي سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة
أَحْمد بن أبي يعلى من أهل الْعرَاق ثمَّ من أهل حَمَّاد سمع من شُيُوخ آله وَمن جمَاعَة كَثِيرَة من الْأَعْيَان وروى عَنهُ أَبُو عمر الطلمنكي وَأَبُو عمر الْبَاجِيّ وَابْنه أَبُو عبد الله وَألف كتاب اللّقطَة وَكتاب الْحجَّة فِي الْقبْلَة وَكتاب الرَّد على الشَّافِعِي وَحدث بتصانيف القَاضِي إِسْمَاعِيل وَكَانَ فَقِيها عَالما وَكَانَ آخر من رُوِيَ عَنهُ الْعلم من آل حَمَّاد بن زيد وَقد أَقَامَ الْعلم فِي هَذَا الْبَيْت نَحْو أَرْبَعمِائَة سنة أَحْمد بن عمر بن احْمَد الدهان من غير آل حَمَّاد بَصرِي من ائمة الْمَالِكِيَّة الْمَشْهُورين وَله كتب فِي بعض كتاب الشَّافِعِي رده على مَالك سِتَّة أَجزَاء وَغير ذَلِك من التآليف روى عَن ابْن شاهين عَم مُصعب الزبيرِي رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَامع الْبَصْرِيّ مَعْدُود فِي أَئِمَّة مالكية أهل الْمشرق والمتأخرين لَهُ كتاب فِي الْوَصَايَا اقتضبه من الْمَبْسُوط وَسَماهُ بذلك وروى عَنهُ النَّاس
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد أَبُو جَعْفَر الْأَزْدِيّ كَانَ فَقِيها مالكياً وَله كتاب فِي إِثْبَات الكرامات وَالرَّدّ على من أنكرها مَوْصُوفا بِحِفْظ الْمَذْهَب
احْمَد بن عَليّ بن احْمَد الباغاني المقرى من الطَّبَقَة السَّابِعَة من الأندلس يكنى أَبَا الْعَبَّاس الْحَافِظ كَانَ بحراً من بحار الْعلم وَله تآليف فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَقدم للشورى بعد موت بن المكوي وَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْن عتاب وناهيك بِهِ مزية وَكَانَ بن عتاب يستحسن كِتَابه فِي الْأَحْكَام توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ قلت الباغاني بِالْبَاء الْمُوَحدَة والغين العجمة وَالنُّون قَالَ صَاحب الصِّلَة كَانَ من أهل الْحِفْظ وَالْعلم والفهم وَكَانَ فِي حفظه آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكَانَ بحراً من بحور الْعلم وَكَانَ لَا نَظِير لَهُ فِي علم الْقُرْآن قِرَاءَته وَإِعْرَابه وَأَحْكَامه وناسخه ومنسوخه وَكتابه فِي أَحْكَام الْقُرْآن نحا فِيهِ نَحْو حسنا وَهُوَ على مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة
أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو يعلى الْعَبْدي من الْبَصْرَة إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْبَصْرَةِ وَصَاحب تدريسهم ومار فتياهم وَذُو التآليف فِي وقته أَخذ عَن أبي الْحسن وَهَارُون التَّمِيمِي قَالَ أَبُو عَليّ الصَّدَفِي كَانَ مَشْهُورا بتقدم وإمامة وَصَلَاح وَكَانَ يملي على كل جُمُعَة فِي جَامع الْبَصْرَة وعَلى رَأسه مستمليان يسمعان النَّاس مَا يمليه سمع مِنْهُ أَبُو عَليّ الصَّدَفِي وَالْقَاضِي أَبُو بكر السبتي النفزاوي عَالم عَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد بن عفيف أَبُو عمر قرطبي من أهل الأندلس سمع من ابْن سليم وَابْن زرب وَابْن مرطال والزبيدي وَابْن الْقُوطِيَّة وَغَيرهم وبرع فِي الْفِقْه والوثائق وَلم يكن فِي عصره أعلم مِنْهُ بهَا حدث عَنهُ الدلائي وَغَيره وَكَانَ يعظ النَّاس فِي مَجْلِسه عَارِفًا بِالْخَيرِ وَالشعر وَله تآليف فِي علم الشُّرُوط حسن مُفِيد وَألف كتاب المعلمين وَكتاب الِاخْتِلَاف فِي عُلَمَاء الاندلس وَله كتاب سَمَّاهُ بِكِتَاب الجبائر وَله شعر حسن(1/38)
وَتَوَلَّى قَضَاء لورقة فحمدت سيرته بهَا توفّي سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الطَّبَقَة السَّابِعَة من أهل الأندلس
أَحْمد بن عبد الْملك الإشبيلي أَبُو عمر الْمَعْرُوف بِابْن المكوي مولى بني أُميَّة شيخ الأندلس فِي وقته تفقه بِأبي إِبْرَاهِيم وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْفِقْه فِي الأندلس حَتَّى صَار فِيهَا بِمَنْزِلَة يحيى بن يحيى واعتلى على الْفُقَهَاء ونفذت الْأَحْكَام بِرَأْيهِ وَكَانَ لَا يداهن السُّلْطَان وَلَا يدع قَول الْحق الْقَرِيب والبعيد عِنْده فِي الْحق سَوَاء وَكَانَ أحفظ النَّاس لقَوْل مَالك وَأَصْحَابه وَجمع للْحَاكِم أَمِير الْمُؤمنِينَ كتابا جميلاً فِي رَأْي مَالك سَمَّاهُ كتاب الِاسْتِيعَاب وَكَانَ جمعه لَهُ مَعَ أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله الْقرشِي العبطي وَرفع الى الْحَاكِم فوصلهما بجائرة كَبِيرَة وقدمهما للشورى وانتفع النَّاس بِهِ رَحْمَة الله عَلَيْهِ سمع أَبُو مُحَمَّد بن الشقاق على قَبره يَقُول رَحِمك الله أَبَا عمر فَلَقَد فضحت الْفُقَهَاء فِي حياتك بِقُوَّة حفظك ولتفضحنهم بعد مماتك أشهداني مَا رَأَيْت قطّ أحفظ السّنة مِنْك وَلَا علم أحد من وُجُوهًا مَا علمت وَكَانَ ابْن زرب على تقدمه وَعلمه يَقُول يَا أَصْحَابنَا الْحق خير مَا قيل أَبُو عمر وَالله أحفظ منا كلنا وَتوفى رَحمَه أول انبعاث الْفِتْنَة البربرية بقرطبة سنة إِحْدَى واربعمائة
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل افريقة
احْمَد ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْخَولَانِيّ أَبُو بكر من أهل القيروان وَشَيخ فقائها فِي وقته مَعَ صَاحبه أبي عمرَان الفاسي وَكَانَ أَبُو بكر فَقِيها حَافِظًا دينا تفقه بِأبي مُحَمَّد وَأبي الْحسن وَسمع مِنْهُمَا وَمن شُيُوخ غَيرهمَا من أفريقية وَسمع بِمصْر من الْقفال وَغَيره وتفقه عَلَيْهِ خلق كثير كَأبي الْقَاسِم بن مُحرز وَأبي اسحق التّونسِيّ وَأبي الْقَاسِم السيوري وَأبي حَفْص الْعَطَّار وَأبي مُحَمَّد عبد الْحق وَغَيرهم وَحَازَ الذّكر ورياسة الدّين فِي الْمغرب مَعَ صَاحبه فِي وقته حَتَّى لم يكن لأحد مَعَهُمَا فِي الْمغرب اسْم يعرف وَتُوفِّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن أهل الأندلس
أَحْمد بن حكم الْعَامِل عرف بِابْن اللبان من أهل قرطبة يكنى أَبَا عمر وَكَانَ وَاسع الْعلم مَشْهُور الطّلب وَالرِّوَايَة ولي الشورى بقرطبة بعد أَخِيه يحيى ثمَّ استقضاه مُحَمَّد بن أبي عَامر بحاضرة طليطلة فَمَاتَ وَهُوَ يتولاها رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي عبد الله ابْن عِيسَى الْمعَافِرِي أَبُو عمر الطلمنكي أَصله من طلمنكه بِفَتْح الطَّاء وَاللَّام وَالْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الْكَاف وهاء سَاكِنة من ثغر الأندلس الشَّرْقِي وَسكن قرطبة فَسمع من القلعي وَابْن عون الله وَغَيرهمَا ورحل إِلَى الْمشرق فلقي جمَاعَة الدمياطي وَابْن غلبون وَأَبا الْقَاسِم الْجَوْهَرِي وَغَيرهم وَغلب عَلَيْهِ الْقُرْآن والْحَدِيث وَله تآليف جليلة ككتاب الدَّلِيل إِلَى معرفَة الْجَلِيل مائَة جُزْء وَكتابه فِي تَفْسِير الْقُرْآن نَحْو هَذَا وَكِتَابَة فِي الْوُصُول إِلَى معرفَة الْأُصُول وَكتاب الْبَيَان فِي إِعْرَاب الْقُرْآن وفضائل مَالك وَرِجَال الْمُوَطَّأ وَالرَّدّ على أبي مَسَرَّة ورسالة فِي أصُول الديانَات الي أهل أشبونة وَهِي جَيِّدَة وَغير ذَلِك من تآليفه سكن قرطبة وأقرأ بهَا ثمَّ سكن المرية ثمَّ مرسية ثمَّ سرقسطة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلْدَة طلمنكه فَبَقيَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة قلت وَمن كتاب الصِّلَة لأبي الْقَاسِم بن بشكوال فِي تَرْجَمَة طَوِيلَة وَذكر شُيُوخه كَانَ رَحمَه الله أحد الْأَئِمَّة فِي علم الْقُرْآن لعَظيم قِرَاءَته وَإِعْرَابه وَأَحْكَامه وناسخه ومنسوخه ومعانيه وَكَانَت لَهُ عناية كَامِلَة بِالْحَدِيثِ وَنَقله وَرِوَايَته وَضَبطه وَمَعْرِفَة رِجَاله وَحَمَلته حَافِظًا للسّنة جَامعا لَهَا إِمَامًا فِيهَا عَارِفًا بأصول الديانَات مظْهرا للكرامات(1/39)
على هدي وَسنة وَكَانَ سَيْفا مُجَردا على أهل الْأَهْوَاء والبدع قامعاً لَهُم غيوراً على السّنة شَدِيدا فِي ذَات الله عزوجل وَأخْبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن نقرالحجازي قَالَ خرج علينا أَبُو عمر الطلمنكي يَوْمًا وَنحن نَقْرَأ عَلَيْهِ فَقَالَ اقرؤا وَأَكْثرُوا فَإِنِّي لَا أتجاوز هَذَا الْعَام فَقلت وَلم قَالَ رَأَيْت البارحة منشدا ينشدني ... اغتنموا البربشيخ ثوى ... بفقده السوقة وَالصَّيْد
قد ختم الْعُمر بعيد مضى ... لَيْسَ لَهُ من بعده عيده ... قَالَ فَتوفي فِي ذَلِك الْعَام رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من أهل الأندلس
أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عِيسَى بن هِلَال أَبُو مُحَمَّد بن الْقطَّان قرطبي بعيد الصيت فِي فقهائها وَعَلِيهِ وعَلى مُحَمَّد بن عتاب دارت الْفَتْوَى بهَا إِلَى أَن فرق الْمَوْت بَينهمَا وَكَانَ مَا بَينهمَا متباعد الا يكَاد يُوَافقهُ فِي شسء اذ كَانَ يقدم عَلَيْهِ ابْن عتاب لسنه وَكَانَ ابْن عتاب يقوفه بتفننه وَثُبُوت مَعْرفَته ويفوقه ابْن الْقطَّان ببيانه وَقُوَّة حفظه وجودة استنباطه وَكَانَ عَالما بِالشُّرُوطِ بعقدها تفقه بِأبي مُحَمَّد بن دحون وَابْن الشقاق وَابْن حرمل وَسمع القَاضِي يُونُس وشوور فِي أَيَّام القَاضِي ابْن بشير وَكَانَ أحفظ للْمُدَوّنَة والمستخرجة وَأخْبرنَا النَّاس بالتهدي إِلَى مكنونها وَأبْصر أَصْحَابه بطرق الْفتيا والرأي وَكَانَ يُنكر المناكر وَيكسر اللَّهْو وَكَانَ أَبوهُ زاهدا وبابي مُحَمَّد تفقه القرطبيون ابْن مَالك وَمولى الطلاع وَابْن حمدين وَابْن زرق وقمطهم وَتُوفِّي بباغة وَقد خرج من قرطبة يُرِيد المرية للاستحمام فِي حمتها لفالج أَصَابَهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف ذِي الْقعدَة سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
أَحْمد بن مغيث أَبُو جَعْفَر كَبِير طليطلة وفقيهها كَانَ عَالما حَافِظًا أدبيا تفقه بن زهر وَابْن رَافع رَأسه وَابْن الفخار وَغَيرهم توفّي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَولد سنة سِتّ واربعمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن زرق أَبُو جَعْفَر الْأمَوِي قرطبي جليل من أهل الْفِقْه والمسائل تفقه بِابْن الْقطَّان وانتفع بِهِ وَبِغَيْرِهِ من شُيُوخ قرطبة وَولي الشورى بقرطبة وَكَانَ حَافِظًا ذَاكِرًا تفقه عَلَيْهِ القرطبيون وَخرج بِهِ جمَاعَة جلة كَأبي الْوَلِيد بن رشد وَصَاحبه أبي الْقَاسِم أصبغ بن مُحَمَّد وأبى الْوَلِيد هِشَام بن أَحْمد وَأبي عبد الله بن الْجراح وَأبي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر المرسي وَكَانَ رَحمَه الله مُخْتَصرا فِي شَأْنه وملبسه وَمَا فرق السُّوق وَكَانَ صهر ابْن عتاب على ابْنَته مَاتَ فَجْأَة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة ولد سنة سبع وَعشْرين
أَحْمد بن سُلَيْمَان بن خلف الْبَاجِيّ أَبُو الْقَاسِم ابْن القَاضِي أبي الْوَلِيد كَانَ أَبُو الْقَاسِم من أهل الدّين وَالْفضل غلب عَلَيْهِ علم الْأُصُول وَالْخلاف تفقه على أَبِيه وَخَلفه فِي حلقته بعد وَفَاته وَأخذ عَنهُ جلة من أَصْحَاب أَبِيه كَأبي عَليّ الصدقي وَحدث عَنهُ الجياني وَأذن لَهُ أَبوهُ فِي إصْلَاح كتبه فِي الْأُصُول فتتبعها وَألف كِتَابه معيار النّظر وَكتاب سر النّظر وَكتاب الْبُرْهَان على أَن أول الْوَاجِبَات الْإِيمَان وتخلى عَن تَرِكَة أَبِيه وَكَانَت وَاسِعَة ورحل إِلَى الْمشرق وَدخل بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا سنتَيْن أَو نَحْوهمَا لَهُ تحول الى الْبَصْرَة ثمَّ اسْتَقر فِي بَعْص جزائر الْيمن ثمَّ حج فَمَاتَ بجدة بعد مُنْصَرفه من الْحَج فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الرَّحْمَن بن مسْعدَة العامري يكنى أَبَا جَعْفَر من أهل غرناطة كَانَ صَدرا جَلِيلًا فَقِيها مضطلعاً من أهل النّظر السديد والبحث الْأَصِيل حَافِظًا للمسائل مشاركاً فِي كثير من(1/40)
الْفُنُون جزالا مهيباً جَارِيا على سنَن سلفه ختم سِيبَوَيْهٍ تفقهاً وَاسْتظْهر كتاب التَّلْقِين وَحفظ كتاب الْأَحْكَام فِي الحَدِيث وقرأأصول الْفِقْه وَشرح كتاب الْمُسْتَصْفى شرحاً حسنا وَقَرَأَ الْإِرْشَاد وَالنِّهَايَة وَكَانَ صَدرا فِي الْفَرَائِض والحساب وَألف تَارِيخ قومه وقرايته وَولي الْقَضَاء بمواضع كَثِيرَة من الأندلس وَقَرَأَ على قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْحسن بن أبي عَامر بن ربيع وعَلى القَاضِي أبي عَامر يحنى بن عبد الْمُنعم الخزرجي وعَلى الرِّوَايَة أَبى الْوَلِيد الْعَطَّار وعَلى أبي اسحق ابراهيم بن الْحسن وعَلى أبي عَليّ بن أبي الْأَحْوَص وَغَيرهم توفى عَام تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن إِدْرِيس بن عبد الله بن ورد التَّمِيمِي من أهل المرية يكنى أَبَا الْقَاسِم وَيعرف بِابْن ورد قَالَ الملاحي من جلة الْفُقَهَاء الْمُحدثين وَقَالَ ابْن الزبير كَذَلِك وَزَاد أَنه كَانَ موفور الْحَظ من الادب والنخو والتاريخ مُتَقَدما فِي علم الْأُصُول وَالتَّفْسِير حَافِظًا متفننا انْتَهَت الرياسة اليه فِي مَذْهَب مَالك وَإِلَى القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فِي وقتهما لم يتقدمهما بالأندلس أحد فِي ذَلِك بعد وَفَاة القَاضِي أبي الْوَلِيد بن رشد وَنقل أَن أَبَا عمر بن عَاتٍ قَالَ حدثت أَن القَاضِي أَبَا بكر بن الْعَرَبِيّ اجْتمع بِابْن ورد وسهرا وأخذا فِي التناظر والتذاكر فَكَانَا عجبا يتَكَلَّم أَبُو بكر فيظن السَّامع أَنه مَا ترك شَيْئا إِلَّا أَتَى بِهِ ثمَّ يجِيبه أَبُو الْقَاسِم بأبدع جَوَاب ينسى السَّامع مَا سمع قبله وَكَانَ أعجوبتي دهرهما وَكَانَ لَهُ مجْلِس يتَكَلَّم فِيهِ على الصَّحِيحَيْنِ ويخص الا خَمْسَة بالتفسير روى عَنهُ أبي عَليّ الغساني وَأبي الْحُسَيْن بن سراج وَأبي بكر بن سَابق الصّقليّ وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن فرج الْمَعْرُوف بِابْن الْعَسَّال الزَّاهِد وَغَيرهم وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وخمسائة
أَحْمد بن عبد الْحق الجدلي من أهل مالقة يكنى أَبَا جَعْفَر وَيعرف بِابْن عبد الْحق كَانَ من صُدُور أهل الْعلم وَالْيَقِين فِي بِلَاد الأندلس نَسِيج وَحده فِي الْوَقار والحصافة والتزام الطَّرِيقَة المقلى جم التَّحْصِيل سديد النّظر عَارِفًا بالفروع وَالْأَحْكَام مشاركاً فِي فنون من أصُول وطب وأدب متقن للقراآت امام فِي الوثائق تصدر للإقراء بِبَلَدِهِ على وفور أهل الْعلم بِهِ فَكَانَ سَابق الحلبة وضاح المطية وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمواضع فحمدت سيرته واشتهرت نزاهته قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي عبد الله بن بكر وعَلى أبي مُحَمَّد بن أَيُّوب وَأبي الْقَاسِم بن دِرْهَم وَأبي الْقَاسِم بن العريف وَغَيرهم مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة توفى عَام خَمْسَة وَسبعين وَسَبْعمائة وَسَبْعمائة
أَحْمد ابْن قَاسم بن عبد الرَّحْمَن الجذامي يكنى أَبَا الْعَبَّاس وبعرف بالقباب قَالَ ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة هَذَا الرجل صدر من صُدُور عدُول الحضرة الفاسية وناهض عشهم فَقِيه نبيل مدرك جيد النّظر شَدِيد الْفَهم ولي الْقَضَاء بجبل الْفَتْح متصفاً فِيهِ بجزالة وانتهاض وَحج وَاجْتمعت بِهِ فِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَله شرح مسَائِل ابْن جمَاعَة فِي الْبيُوع شرحاً مُفِيدا وَذكر لي بعض الطّلبَة أَنه شرح قَوَاعِد الْإِسْلَام للْقَاضِي عِيَاض وَتُوفِّي رَحمَه الله بعد الثَّمَانِينَ وَسَبْعمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن جزى أصالته شهيرة وَكَانَ من أهل الْفضل والنزاهة وَرشح إِلَى رتب سلفه لَهُ مُشَاركَة حَسَنَة فِي فنون من فقه وعربية وأدب وَرِوَايَة وَحفظ وشعره جيد قَرَأَ على وَالِده أبي الْقَاسِم وتفقه بِهِ وَقَرَأَ على غَيره من معاصري أَبِيه وَولي قَضَاء غرناطة وَغَيرهَا وَله تَقْيِيد فِي الْفِقْه على كتاب وَالِده الْمُسَمّى بالقوانين الْفِقْهِيَّة ورجز(1/41)
فِي الْفَرَائِض يتَضَمَّن الْعَمَل مولده سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة قَالَ ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة وَهُوَ الْآن بِالْحَيَاةِ
أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الزبير بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الزبير الثَّقَفِيّ يكنى أَبَا جَعْفَر كَانَ خَاتِمَة الْمُحدثين وصدور الْعلمَاء والمقرئين نَسِيج وَحده فِي نشر التَّعْلِيم وَالصَّبْر على التسميع والملازمة للتدريس كثير الْخُشُوع والخشية مسترسل الْعبْرَة صليباً فِي الْحق شَدِيدا على أهل الْبدع ملازماً للسّنة مهيباً جزلاً مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة بالأندلس فِي صناعَة الْعَرَبيَّة وتجويد الْقُرْآن وَرِوَايَة الحَدِيث إِلَى الْمُشَاركَة فِي الْفِقْه وَالْقِيَام على التَّفْسِير والخوض فِي الْأَصْلَيْنِ أَخذ عَن الجلة مِنْهُم أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن خَدِيجَة وَالرِّوَايَة أَبُو الْحسن الحفار والخطيب أَبُو الْمجد أَحْمد بن الْحُسَيْن الْحَضْرَمِيّ القَاضِي أَبُو الْخطاب بن خَلِيل وَأَبُو الْحُسَيْن بن السراج وَأَبُو عمر بن حوط الله وَأَبُو الْعَبَّاس بن فربون السّلمِيّ وَالْإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي وشيوخه نَحْو الأربعمائة وتآليفه حَسَنَة منهاصلة الصِّلَة البشكوالية وملاك التَّأْوِيل فِي الْمُتَشَابه اللَّفْظ من التَّنْزِيل غَرِيب فِي مَعْنَاهُ والبرهان فِي تَرْتِيب سور الْقُرْآن وَشرح الْإِشَارَة للباجي فِي الْأُصُول وسبيل الرشاد فِي فضل الْجِهَاد وردع الْجَاهِل عَن اعتساف المجاهل فِي الرَّد على الشودية وَهُوَ كتاب جليل الْقدر ينبىء عَن تفنن وإطلاع وَغير ذَلِك ولد بجيان عَام سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وَتوفى عَام ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة
أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن خلف الْأنْصَارِيّ من أهل غرناطة يكنى أَبَا جَعْفَر وَيعرف بِابْن الباذش أَصله من جيان من بَيت خيرية وتصاون امام فِي المغربين رِوَايَة مكثر متفنن فِي علم القراآت متبحر عَارِف بالأدب وَالْإِعْرَاب عَارِف بِالْأَسَانِيدِ نقاد لَهَا لَا يكَاد أحد من أهل زَمَانه وَلَا مِمَّن أَتَى بعده أَن يبلغ دَرَجَته فِي ذَلِك تفقه بِأَبِيهِ الامام أَبى الْحُسَيْن وَأخذ القراآت على أبي الْقَاسِم خلف بن إِبْرَاهِيم بن النّحاس وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَليّ الغساني وَأَبُو عَليّ الصَّدَفِي وَغَيرهم من الْأَئِمَّة الجلة وَخلف الغساني فِي الْإِمَامَة روى عَنهُ أَبُو خَالِد رِفَاعَة وَأَبُو عَليّ القلعي وَابْنه أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُنعم وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ وَغَيرهم ألف كتاب الْإِقْنَاع فِي القراآت لم يألف فِي بَابه مثله وَكتاب الطّرق المتداولة القراآت وأتقنه كل الإتقان وَألف غير ذَلِك مولده سنة احدى وَتِسْعين واربعمائة توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن أبي الْقَاسِم بن يحيى بن ودَاعَة النفزي يكنى أَبَا جَعْفَر وَيعرف بِابْن ودَاعَة من أهل رندة وَكَانَ من أهل الْفضل وَالدّين والمروءة والعفة والاشتغال بِالْقدرِ الَّذِي قسم الله لَهُ من الْعلم خطب بِبَلَدِهِ وَورد مالقة وَأخذ عَمَّن كَانَ بهَا من الشُّيُوخ وَله تأليف لم يسْبق إِلَيْهِ فِيمَا علمت وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدِيثا عَن أَرْبَعِينَ امْرَأَة من الصَّحَابَة عرضه على شَيخنَا أبي عبد الله الطنجالي وَاسْتَحْسنهُ وَله كتاب الضاحي فِي حكم الْأَضَاحِي توفّي عَام ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْجَلِيل مفرج يكنى أَبَا الْعَبَّاس وكناه ابْن فرتون أَبَا جَعْفَر يعرف بالعشاب وبابن الرومة وَهُوَ أشهرها وألصقها بِهِ كَانَ نَسِيج وَحده وفريد دهره وغرة جنسه اماما فِي الحَدِيث حَافِظًا نافدا وتفقه طَويلا على أبي الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زرقون فِي مَذْهَب مَالك وَكَانَ أعجوبة الزَّمَان فِي عصره وَمَا قبله وَبعد فِي علم النَّبَات وتمييز العشب وتحليلها وَإِثْبَات أعيانها على الِاخْتِلَاف أطوارها بمنابت الْمشرق(1/42)
وَالْمغْرب لَا مدافع لَهُ فِي ذَلِك وَلَا مُنَازع حجَّة لَا ترد وَلَا تدفع قَالَ ابْن عبد الْملك امام الْعَرَب قاطبة جال فِي الأندلس ومغرب العدوة واستوعب الْمَشْهُورَة من أفريقية ومصر وَالشَّام والحجاز وَالْعراق حَتَّى صَار أوحد عصره فِي ذَلِك فَرد الايجاريه فِيهِ أحد من أهل ذَلِك الشَّأْن وبرنامج مرويانه يشْتَمل على مئين عديدة مرتبَة أَسمَاؤُهُم على الْبِلَاد العراقية وَغَيرهَا توفّي بإشبيلية سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَله تصانيف حَدِيثِيَّةٌ
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد القاهر يكنى أَبَا عمر قَالَ ابْن الزبير كَانَ من أهل الْخَيْر وَالْفضل والتصاون والانقباض روى بقرطبة عَن مُحَمَّد بن لبَابَة وَأحمد بن خَالِد وَأسلم بن عبد الْعَزِيز وَأحمد بن بَقِي وَغَيرهم وَسمع أَيْضا بألبيرة من مُحَمَّد بن قيطس وَأحمد بن مَنْصُور ورحل إِلَى الْمشرق فِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة فَأخذ عَن أبي جَعْفَر الْعقيلِيّ وَابْن الْأَعرَابِي وَأبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَغَيرهم وَله تأليف فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الاقتصاد وتأليف فِي الزّهْد سَمَّاهُ الاستبصار وَجمع مشيخته فِي برنامج حافل مولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَتوفى سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة
أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن صَفْوَان من أهل مالقة يكنى أَبَا جَعْفَر وَيعرف بِابْن صَفْوَان بَقِيَّة من أَعْلَام أدباء هَذَا الْقطر وَصدر من صُدُور كِتَابه ومشيخة طلبته امام فِي الْفَرَائِض والحساب والادب والتوثيق ذَاكِرًا للتاريخ واالغة مشاركا فِي الفلسفة والتصوف كلف بالعلوم الإلهية آيَة من آيَات الله عز وَجل فِي فك الْمَعْنى لَا يجاريه فِي ذَلِك أحد مِمَّن تقدمه كثير الدؤب وَالنَّظَر وَالتَّقْيِيد والتصنيف على كلال الْجَوَارِح وعائق الكبرة وَله شعر قَرَأَهُ على الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد الْبَاهِلِيّ وعَلى القَاضِي أبي عبد الله بن عبد الْملك المؤرخ وَأبي الْعَبَّاس بن الْبناء وَألف كتبا مِنْهَا مطلع هِلَال الْأَنْوَار الإلهية وبغية المستفيد وَشرح كتاب الْقرشِي فِي الْفَرَائِض لَا نَظِير لَهُ وَله تقاييد كَثِيرَة وديوان شعر رائق فَمن ذَلِك قَوْله ... قدمت بِمَا سر النُّفُوس اجتلاؤه ... فهنيت مَا عَم الْجَمِيع صفاؤه
قدومًا بِخَير وافر وعناية ... وَعز مشيد بالمعالي بِنَاؤُه
ورفعة قدر لايداني محلهَا ... رفيع وان ضاها السماك اعتلاؤه
وفيا وَاحِدًا أغنت عَن الْجمع ذَاته ... وَقَامَ بأعباء الْأُمُور عناؤه
وَقد جَاءَنِي دَاعِي السرُور مُؤديا ... لحق هناء فرض عين أَدَاؤُهُ ... وَمِنْهَا أَيْضا ... وَقَالُوا الْمَوْت حتم على الورى ... يُدِير صَغِير كأسه وكبير
فَلَا تنتسم ريح ارتياح لفقده ... فَإنَّك عَن قصد السَّبِيل تجور
فَقلت بلَى حكم الْمنية شَامِل ... وكل إِلَى رب الْعباد يصير
وَلَكِن لتقديم الأعادي إِلَى الردى ... نشاط يعود الْقلب مِنْهُ سرُور
وَأمن ينَام الْمَرْء فِي برد ظله ... ولاحية للحقد ثمَّ تثور
وحسبي بَيت قَالَه شَاعِر مضى ... غَدا مثلا فِي الْعَالمين يسير
وَإِن بَقَاء الْمَرْء بعد عدوه ... وَلَو سَاعَة من ع 4 مره لكثير ... مولده فِي سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة
أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الزيات الكلَاعِي من أهل بلش مالقة يكنى أَبَا جَعْفَر وَيعرف بِابْن الزيات الْخَطِيب المتصوف الشهير كَانَ جليل الْقدر(1/43)
عَظِيم الْوَقار كثير الْعِبَادَة حسن الْخلق والخلق كثير الغاشية صبوراً على الإفادة وَاضح الْبَيَان فَارس المنابر إِلَى التفنن فِي كثير من المآخذ العلمية والرياسة فِي تجويد الْقُرْآن والمشاركة فِي الْفِقْه والعربية وَالْعرُوض والمماسة فِي الْأَصْلَيْنِ وَالْحِفْظ للتفسير والخوض فِي الادب يحمل الْعلم عَن جملَة مِنْهُم خَاله أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عَليّ بن الْحَاج المذجحي وَأَبُو على الْحُسَيْن بن أبي الْأَحْوَص الفِهري والخطيب الْعرف الرباني أَبُو الْحسن فضل بن فَضِيلَة المعامري أَخذ عَنهُ طَرِيق الصُّوفِيَّة وَمِنْهُم أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى وَأَبُو جَعْفَر بن الزبير وَأَبُو جَعْفَر بن الطباع والأستاذ النَّحْوِيّ أَبُو الْحسن بن الصَّائِغ والامام أَبُو الْحُسَيْن بن أبي الرّبيع وَأَبُو اسحق الغافقي وَغَيرهم وتصانيفه كَثِيرَة مِنْهَا تَخْلِيص الدّلَالَة فِي تَلْخِيص الرسَالَة وقصيدته الْمُسَمَّاة بالْمقَام المخزون فِي الْكَلَام الْمَوْزُون والعقيدة الْمُسَمَّاة بالمشرب الصفي فِي الأرب الأوفي وَكِلَاهُمَا ينيف على الْألف ونظم السلوك فِي رسم الْمُلُوك والمجتني النَّضِير والمقتنى الخطير والعبارة الوجيزة على الْإِشَارَة العزيزة واللطائف الروحانية والعوارف الربانية وَمِنْهَا أس مبْنى الْعلم وَرَأس معنى الْحلم فِي مُقَدمَات علم الْكَلَام ولذات المستمع فِي القراآت السَّبع نظما وَوصف نفائس اللآلى وَوصف عرائس الْمَعَالِي فِي النَّحْو وَقَاعِدَة الْبَيَان وضابطة اللِّسَان فِي الْعَرَبيَّة ولهجة اللافظة وبهجة الْحَافِظ والارجوزة الْمُسَمَّاة بقرة عين الْمسَائِل وبغية نفس الآمل فِي اخْتِصَار السِّيرَة النَّبَوِيَّة والوصايا النظامية فِي القوافي الثلاثية وَكتاب عدَّة الدَّاعِي وعمدة الواعي وَكتاب عوارف الْكَرم وصلات الْإِحْسَان فِي التَّعْرِيف بِمَا حواه لطيف الحكم من خلق الْإِنْسَان وَكتاب جَوَامِع الْآثَار والغايات فِي صوادع العبر والآيات والصفحة الوسيمية والمنحة الجسمية تشْتَمل على أَربع قَوَاعِد اعتقادية وأصولية وفروعية وتحقيقية وَكتاب شرف المهارق فِي اخْتِصَار كتاب الْمَشَارِق وشذور الذَّهَب فِي صُدُور الْخطب وَفَائِدَة الْمُلْتَقط وعائدة المغتبط وَكتاب عودة المحق وتحفة الْمُسْتَحق مولده فِي حُدُود تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَتوفى فِي عَام ثَمَانِيَة وَعشْرين وَسَبْعمائة
أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد بن محمدالأزدي من أهل غرناطة يعرف بِابْن الْقصير روى عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَابْن أبي الْخِصَال وَأبي مُحَمَّد عبد الْحق بن عَطِيَّة وَكَانَ مُحدثا فَقِيها عَاقد الشُّرُوط أدبيا حَافِظًا توفى قبل الثَّمَانِينَ وخمسائة
أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الله بن صَدَقَة السّلمِيّ من أهل أقليم غرناطة يكنى أَبَا جَعْفَر روى عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وصحبة وَكَانَ رِوَايَة للْحَدِيث عَالما بالفقه وأصوله توفّي فِي شَوَّال سنة تسع وَخمسين وخمسائة
أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بِابْن الْقصير وَهُوَ وَالِد الْمُتَقَدّم ذكره لَهُ أجَازه من ابْن الْأَصْبَغ بن سهل وَأبي بكر بن سَابق الصّقليّ وَأبي عَليّ الغساني وَأبي مُحَمَّد بن عتاب وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال وَجَمَاعَة من الْكِبَار وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا مُتَقَدما فِي أهل الشورى واستقضي بواد آش وَتُوفِّي بغرناطة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الله بن رَاشد قرطبي والدأبي الْوَلِيد كَانَ من أهل الْعلم وَالْجَلالَة وَالْعَدَالَة كَانَ حَيا سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
أَحْمد بن ابراهيم بن أَحْمد أَبُو الْقَاسِم موسي روى عَن أبي الْعَبَّاس العذري وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا(1/44)
استقضي بشلب وَتُوفِّي قَاضِيا بهَا سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة ومولده سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
أَحْمد بن ابراهيم بن زرقون إشبيلي لَهُ مُخْتَصر فِي الْفِقْه سَمَّاهُ النهج السانك فِي تقريب مَذْهَب مَالك يكون فِي حجم تلقين القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب
أَحْمد بن بشير بِالْبَاء الموحده مَفْتُوحَة وشين مُعْجمَة مَكْسُورَة وياء وَرَاء غرناطي أَبُو الْعَبَّاس روى عَنهُ أَبُو الْحسن أَحْمد بن الباذش وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْفرس وَكَانَ من أهل الْمعرفَة بِعلم الْكَلَام وَله فِيهِ عقيدة جميلَة مفيدة ومتقدماً فِي علمي الْحساب والفرائض وصنف فيهمَا كتابا مُفِيدا استحسنه النَّاس واستعملوه
أَحْمد بن الْحسن بن أبي الأخطل طليطلي أَبُو جَعْفَر لَهُ رحْلَة حج فِيهَا وروى بِمَكَّة شرفها الله عَن كَرِيمَة المروزية وَرُوِيَ عَنهُ وَكَانَ من أهل الْحِفْظ للفظ وَالذكر للمسائل واستقضي
أَحْمد بن جرير بن سُلَيْمَان بلنسي روى عَن أبي بَحر سُفْيَان بن العَاصِي الْأَسدي وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي الْحجَّاج بن عَليّ الْقُضَاعِي وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للمسائل بَصيرًا بِعقد الشُّرُوط ذَا عناية بِرِوَايَة الحَدِيث وحظ من قرض الشّعْر وَكتب بِخَطِّهِ علما كثيرا وَكَانَت فِيهِ لثغه توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة أَو نَحْوهَا
أَحْمد ابْن حُسَيْن بن عمر الْحَضْرَمِيّ ثمَّ الْمرَادِي غرناطي أَبُو الْمجد من ذُرِّيَّة الإِمَام أبي بكر الْمرَادِي الأصولي روى عَن أَبِيه وَأبي عبد الله بن عِيَاض وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا ذَاكِرًا للنوازل بَصيرًا بالفتوى مُتَقَدما فِي علم اتلكلام وأصول الْفِقْه سنياً فَاضلا متين الدّين صناع الندى جيدا خطب زَمَانا بِجَامِع قَصَبَة غرناطة الْقَدِيمَة وكف بَصَره فِي آخر عمره مولده بغرناطة سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بهَا عقب شَوَّال سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة
أَحْمد بن خلف بن وُصُول ترجالي بتاء مَضْمُونَة وَرَاء سَاكِنة وجيم وَألف وَلَام كَانَ فَقِيها حَافِظًا مشاوراً وَله فِي الْأَحْكَام تصنيف جُزْء حسن
أَحْمد بن طَاهِر بن عِيسَى بن رصيص داني شارقي الأَصْل روى بِبَلَدِهِ عَن أبي دَاوُد المَقْبُري وَكتب الحَدِيث بِهِ ودرس الْفِقْه ثمَّ تجول فِي الاندلس فِي لِقَاء الشُّيُوخ وَالْأَخْذ عَنْهُم فروى بمرسية عَن أبي عَليّ الصَّدَفِي وبالمرية عَن أبي عَليّ الغساني وَأبي مُحَمَّد الْعَسَّال وَابْن الْخياط وخلائق ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَأَسْمع بِهِ وَحدث روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس بن أبي قُرَّة أَبُو الْفضل عِيَاض لقِيه بسبته سمع مِنْهُ فَوَائِد وَأَبُو مُحَمَّد الأقليشي وَأَبُو عَليّ الرشاطي وَأَبُو الْوَلِيد الدّباغ وَكَانَ مُحدثا ضابطاً حسن التَّقْيِيد ذَا أصُول عتيقة وعناية بلقاء الْمَشَايِخ ورعاً فَاضلا عَالما بالمسائل تلقد بدانية ولَايَة خطة الشورى وَأفْتى بهَا نيفاً وَعشْرين سنة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَامْتنعَ وَله على الْمُوَطَّأ تصنيف سَمَّاهُ الانباء ضاهى بِهِ أَطْرَاف الصَّحِيحَيْنِ لأبي مَسْعُود إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله الدِّمَشْقِي وَعرضه على شَيْخه أبي عَليّ الصَّدَفِي فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمر ببسطه فَزَاد فِيهِ ووقفت عَلَيْهِ وَله أَيْضا مَجْمُوع فِي رجال مُسلم بن الْحجَّاج وَقَالَ أَبُو الْفضل عِيَاض وَكَانَ علم الحَدِيث أغلب عَلَيْهِ ويميل فِي فقهه إِلَى الظَّاهِر ولد سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة قَالَه أَبُو الْقَاسِم بن حُبَيْش وَقد غلط أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال فِي وَفَاته تَابعا فِي ذَلِك أَبَا الْفضل عياضاً حَيْثُ جعلاها فِي نَحْو الْعشْرين وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن طَلْحَة بن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَاهِر من بني عَطِيَّة الْمحَاربي غرناطي أَبُو جَعْفَر روى عَن أبي بكر عَم أَبِيه غَالب(1/45)
ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة وَابْن الْعَرَبِيّ وَابْن عَم أَبِيه أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة وَابْن الباذش وَيُونُس بن مُحَمَّد بن مغيث وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها جَلِيلًا اسْتشْهد فِي دُخُول اللمتونيين غرناطة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن خيرة بلنسي أَبُو جَعْفَر كَانَ فَقِيها حَافِظًا مَعْلُوم الذكاء مَشْهُور الْفضل
أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن الْأنْصَارِيّ أَبُو بكر الْمَدْعُو بحميد وَظن بعض النَّاس أَنه اسْمه فَذكره فِي بَاب الْحَاء وَإِنَّمَا هُوَ شهرة عرف بهَا وَهُوَ وَالِد الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد بن الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ مَا لَقِي وَشهر فِي مَا لقة بالقرطبي روى عَن أبي الْحسن بن مُحَمَّد الشارقي وَأكْثر عَنهُ وَأبي الْخطاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن وَاجِب وَأبي زيد مُحَمَّد بن على وَحميد وَأبي عبد الله بن عَليّ بن عَسْكَر وَقَرَأَ على ابْن عَسْكَر جَمِيع كِتَابه الْمَشْرُوع الروي فِي منزع كتاب الْهَرَوِيّ فِي شَوَّال عَام أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَهُوَ فِي سِتَّة أَجزَاء وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من مَشَايِخ الْمغرب والمشرق مِنْهُم أَبُو عمر بن الصّلاح وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو إِسْحَاق البلفيقي وَشَيخنَا أَبُو جَعْفَر بن الزبير وَغَيرهمَا كثيرا وَكَانَ مقرئاً مجوداً فَقِيها حَافِظًا مُحدثا ضابطاً حسن التَّقْيِيد نحوياً ماهراً أدبياً كَاتبا بارعاً شَاعِرًا محسناً أنيق الْخط متين الدّين صَادِق الْوَرع سريع الْعبْرَة كثير الْبكاء معرضًا عَن الدُّنْيَا وزخرفها وَلَا يضْحك إِلَّا تبسماً إِن ندر ذَلِك مِنْهُ ثمَّ يعقبه بالبكاء وَالِاسْتِغْفَار مقتصداً فِي مطعمه وملبسه معاناً على ذَلِك مؤيداً من الله تَعَالَى اقتفى آثَار شَيْخه أبي مُحَمَّد بن عَطِيَّة حَتَّى بلغ من الْعلم رُتْبَة لم يزاحم عَلَيْهَا أَقرَأ بِبَلَدِهِ الْقُرْآن ودرس الْفِقْه وأسمع الحَدِيث وتأدب بِالْعَرَبِيَّةِ ورحل الى الْمشرق قَاصِدا الْحَج لما وصل إِلَى مصر عظم فِيهَا صيته وَشهر فَضله عِنْد أَهلهَا وَتعذر عَلَيْهِ النّفُوذ إِلَى الْحَج وَمرض بهَا واستزاره سُلْطَان مصر يَوْمئِذٍ متبركاً بِهِ فصده عَن لِقَائِه وَلم يزل يلح عَلَيْهِ إِلَى أَن أذن لَهُ وَعرض عَلَيْهِ جَائِزَة سنية فَامْتنعَ من قبُولهَا الْبَتَّةَ وَتُوفِّي وَلم يحجّ وَدفن بروضة أبي بكر الخزرجي وَحضر جنَازَته السُّلْطَان وَخلق لَا يُحصونَ كَثْرَة متبركين بِهِ وَذَلِكَ فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة ومولده سنة سبع وسِتمِائَة وَمن شعره ... ابخل بِدينِك إِن أردْت سَلامَة ... وابخل بِمَالك ام أردْت هَلَاكًا
بخل وبخل والسلامة والردى ... ضماهما عجبا لذا ولذاكا ... لَهُ ... أَلا قف بِبَاب الْجُود واقرعه مدمناً 2 ... تَجدهُ مَتى مَا جِئْته غير مرتج
وَقل عبد سوء خوفته ذنُوبه ... فَمد إِلَيْكُم ضارعاً كف مرتج ... وشعره كثير فِي طَريقَة الزّهْد وَالْحكم وَمَا يشبه ذَلِك وَلم يكن يسامح نَفسه فِي نظم نسيب
أَحْمد بن عبد الله بن خَمِيس الْأَزْدِيّ بلنسي أَبُو جَعْفَر روى عَن صهره أبي الْحسن بن هُذَيْل وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي عبد الله يُوسُف بن سَعَادَة وَكَانَ حَافِظًا للفقه عَارِفًا بأصوله نحوياً أدبياً مجيداً فِي نظم الْكَلَام ونثره توفى بجزائر بني وعناء سنة تسع أَو ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن عبد الله بن عميرَة روى عَن أبي الْخطاب أَحْمد بن وَاجِب وَأبي عَليّ الشلوبين وَأبي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حوط الله وَجَمَاعَة كَثِيرَة وروى عَنهُ جمَاعَة وَكَانَ شَدِيد الْعِنَايَة بشأن الرِّوَايَة ثمَّ تفنن فِي الْعُلُوم وَنظر فِي المقولات وأصول الْفِقْه وَمَال إِلَى الْأَدَب فبرع فِيهِ واستقضي بأعمال كَثِيرَة وَلما قدم تونس مَال صُحْبَة الصَّالِحين وَله نظم كثير فَمن ذَلِك(1/46)
.. بايعونا موتَة هِيَ عِنْدِي ... كالمصراة بيعهَا بالخداع
فسأقضي بردهَا ثمَّ أَقْْضِي ... مَعهَا من ندامتي ألف صَاع ... وَله ... عِنْدِي يدلك بعد أُخْرَى قررت ... من ودك الذخر الْمعد لما دها
والدهر عَن حظي سَهَا أفينبغي ... من ذِي الْيَدَيْنِ سُكُوته عَمَّن سَهَا ... وَله ... فعل امرىء دلّ على عقله ... وَالْفرع مَنْسُوب إِلَى أَصله
إِن الَّذِي يكرم فِي جنسه ... هُوَ الَّذِي يكرم فِي فَصله
والمرء لَا يشْكر عَن بغية ... ولنما يشْكر عَم عقله
وَالْخَيْر وَالشَّر لهَذَا وَلذَا ... أهل يَوْم الْخَيْر من أَهله
لَا يتْرك اللَّازِم ملزومه ... والشخص لَا يَنْفَكّ عَن ظله
وكل مَقْصُور على شِيمَة ... لَا بُد أَن تظهر فِي فعله
وَالنَّاس أشتات فِي الطَّبْع مَا ... قد يعْطف الشكل إِلَى شكله
مَا خطو من يعدو بِهِ سابح ... كخطو من يعدو على رجله ... وَله رسائل مُشْتَمِلَة على نظم ونثركتب بهَا إِلَى الْمُلُوك والرؤساء مُشْتَمِلَة على التزامات أدبية لَطِيفَة وَله تأليف فِي كائنة ميورقة وَله رد على الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كِتَابه المعالم فِي أصُول الْفِقْه ورد على كَمَال الدّين أبي مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم السماكي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالتبيان فِي علم الْبَيَان وَسَماهُ بالتنبيهات على مَا فِي الْبَيَان من التمويهات وَغير ذَلِك من التَّعَالِيق والتقاييد وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن إِدْرِيس التجِيبِي مرسي أَبُو جَعْفَر وَأَبُو الْعَبَّاس تفقه على أَبِيه وَأبي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر وروى عَن أبي الْحسن بن مفرج الصّقليّ وَغَيره وَأخذ بِمَكَّة المشرفة عَن أبي عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ ورحل إِلَى بَلَده فَأَسْمع بهَا الحَدِيث ودرس الْفِقْه وروى عَنهُ أَبُو الْخطاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن وَاجِب وَأَبُو ذَر مُصعب وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للمسائل ومدرسا مشاوراً بَصيرًا بالفتوى فِي النَّوَازِل مُتَقَدما فِي علم الْأَحْكَام والشروط مشاركاً فِي عُلُوم الْقُرْآن والْآثَار ذَا حَظّ من الْأَدَب قديم النجابة قَرَأَ على أَبِيه الْمُوَطَّأ رِوَايَة أبي مُصعب من حفطه وَهُوَ لم يكمل ثَلَاث عشرَة سنة وَولي الْأَحْكَام بِبَلَدِهِ سِنِين عديدة بعد أَن ولي قَضَاء شاطبة ثمَّ صرف مَحْمُود السِّيرَة مَعْرُوف التَّوَاضُع والنزاهة ثمَّ قلد الْقَضَاء ببلدة واستمرت ولَايَته مشكور الطَّرِيقَة مرضِي الْأَحْوَال إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وهوابن سبعين وَوهم ابْن سُفْيَان فِي وَفَاته
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن فهر السّلمِيّ مروى أَبُو عمر كَانَ فَقِيها حَافِظًا واستقضي فَعرف بِالْعَدَالَةِ وَإِقَامَة الْحق والجزالة
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مضاء بن مهند بن عُمَيْر اللَّخْمِيّ قرطبي جياني الأَصْل قَدِيما أَبُو جَعْفَر وَأَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو الْقَاسِم والأخيرة قَليلَة أَكثر عَن شُرَيْح وتلا بِقِرَاءَة الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ وَأكْثر عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي جَعْفَر ابْن عبد الرَّحْمَن البطروجي وَأبي عبد الله جَعْفَر حفيد مكي وَأبي مُحَمَّد بن المناصف وَأبي مُحَمَّد ابْن عَليّ الرشاطي وَعبد الْحق بن عَطِيَّة وَلَقي بسبتة أَبَا الْفضل عياضاً وَكلهمْ أجَاز لَهُ وَغَيرهم كثيرا وتأدب فِي الْعَرَبيَّة بِأبي بكر بن سُلَيْمَان بن سَحْنُون وَأبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن الرمال(1/47)
ودرس عِنْده كتاب سِيبَوَيْهٍ وَأَبُو الْقَاسِم بن بشكوال من شُيُوخه أَيْضا وروى عَنهُ خلائق مِنْهُم أَبُو بكر بن الشراط وَمُحَمّد بن عبد الله الْقُرْطُبِيّ وَمُحَمّد بن عبد النُّور وَأَبُو الْحسن بن قرطال وَأَبُو مُحَمَّد البلوي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن سعيد بن زرقون وَبَنُو حوط الله أَبُو سُلَيْمَان وَأَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد وَعمر بن مُحَمَّد بن الشلوبين وخلائق لَا يُحصونَ كَثْرَة من جلة أهل عصره وَكَانَ مقرئاً مجوداً مُحدثا مكثراً قديم السماع وَاسع الرِّوَايَة عاليها ضابطاً لما يحدث بِهِ ثِقَة فِيمَا يأثره نَشأ منقطاً إِلَى طلب الْعلم وعني أَشد الْعِنَايَة بلقاء الشُّيُوخ وَالْأَخْذ عَنْهُم فَكَانَ أحد من ختمت بِهِ الْمِائَة السَّادِسَة من أَفْرَاد الْعلمَاء وأكابرهم ذَاكر الْمسَائِل الْفِقْه عَارِفًا بأصوله مُتَقَدما فِي علم الْكَلَام ماهراً فِي كثير من عُلُوم الْأَوَائِل كالطب والحساب والهندسة ثاقب الذِّهْن متوقد الذكاء متين الدّين طَاهِر الْعرض حَافِظًا اللُّغَات بَصيرًا بالنحو مُخْتَارًا فِيهِ مُجْتَهدا فِي أَحْكَام الْعَرَبيَّة مُنْفَردا فِيهَا بآراء ومذاهب شَذَّ بهَا عَن مألوف أَهلهَا وصنف فِيمَا كَانَ يَعْتَقِدهُ مِنْهَا كِتَابه الْمشرق الْمَذْكُور وتنزيه الْقُرْآن عَمَّا لَا يَلِيق بِالْبَيَانِ وَقد ناقضه فِي هَذَا التَّأْلِيف أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد بن خروف ورد عَلَيْهِ بِكِتَاب سَمَّاهُ تَنْزِيه أَئِمَّة النَّحْو عَمَّا نسب إِلَيْهِم من الْخَطَأ والسهو وَذكر أَنه لما بلغه مناقضة ابْن خروف لَهُ قَالَ نَحن لَا نبالي بالكباش النطاحة وتعارضنا أَبنَاء الخرفان وَكَانَ بارعاً فِي التصريف من الْعَرَبيَّة كَاتبا بليغاً شَاعِرًا مجيداً متحققاً فِي مَعْقُول ومنقول غير أَنه أُصِيب بفقد سمعته عِنْد اسْتِيلَاء الرّوم دمرهم الله على المرية وَكَانَ كريم الْأَخْلَاق حسن اللِّقَاء جميل الْعشْرَة لم ينطو قطّ على إحْنَة لمُسلم عفيف اللِّسَان صَادِق اللهجة نزيه الهمة كَامِل الْمُرُوءَة حسن الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم على تفاريعها وَلم يزل مدرساً للعلوم ناشراً مَا لَدَيْهِ من المعارف واستقضي ببجاية وقلد بمراكش أَيْضا قَضَاء الْجَمَاعَة واستقضي بفاس ثمَّ دخل إِلَى الأندلس وتفرع لَا فادة الْعلم صَابِرًا محتسباً مُمكنا طلابه مِنْهُ إِلَى أَن توفّي عَفا الله عَنهُ بإشبيلية سنة ثِنْتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومولده بقرطبة سنة إِحْدَى عشرَة وَقيل ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة وَهُوَ أصح
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن الصَّقْر الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو الْعَبَّاس أَصله من الثغر الْأَعْلَى من سرقسطة ثمَّ تحول إِلَى سبتة ثمَّ إِلَى فاس وَأقَام بهَا ثمَّ استوطن مراكش بعد رحلته إِلَى الأندلس قَرَأَ بالسبع على أبي الْعَبَّاس بن قبرة بن مفضل الْيحصبِي وَقَرَأَ على غَيره من مَشَايِخ الْقرى روى عَن أبي إِسْحَاق بن أبي الْفضل الْيحصبِي بن صَوَاب وَأبي بَحر سُفْيَان بن العَاصِي وَأبي بكر غَالب بن عَطِيَّة وَابْن أغلب وَأكْثر عَنهُ وَابْن الْعَرَبِيّ وَيحيى بن عبد الله التجِيبِي وَأبي جَعْفَر ابْن الباذش وتولج مَعَه وَأبي عبد الله بن أَحْمد بن وضاح وَابْن عمر الزبيدِيّ وَأبي الْفضل عِيَاض ولازمه وَأبي الْقَاسِم خلف بن بشكوال وَأبي عَليّ سبط أبي عمر بن عبد الْبر وَعبد الْحق بن عَطِيَّة بغرناطة وشيوخه كَثِيرُونَ روى عَنهُ ابْنه أَبُو عبد الله وَأَبُو مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب الْقُضَاعِي وَغَيرهمَا وَكَانَ مُحدثا مكثراً ثِقَة ضابطاً مقرئاً مجوداً حَافِظًا للفقه ذَاكِرًا لمسائله عَارِفًا بأصوله مُتَقَدما فِي علم الْكَلَام عاقداً للشروط بَصيرًا بعللها حاذقاً بِالْأَحْكَامِ كَاتبا بليغاً شَاعِرًا محسناً آنق أهل عصره خطا وَكتب من دواوين الْعلم ودفاتره مَا لايحصى كَثْرَة وَاشْتَدَّ كلفه بِالْعلمِ وحرصه عَلَيْهِ وتواضع فِي التماسه شغفاً بِهِ فَأَخذه عَن الْكَبِير(1/48)
وَالصَّغِير والنظير واستكثر من ذَلِك حَتَّى اتسعت رِوَايَته وجلنت معارفه واستقصي بغرناطة فحمدت سيرته وشكر عدله وشهرت نزاهته وَفِي رحلته إِلَى مراكش عرفه أحد سراة لمتونة وَكَانَ اللمتوني حِينَئِذٍ عَامل دكالة فَرغب مِنْهُ أَن يَنْقَطِع إِلَى صحبته وَيخرج مَعَه إِلَى عمالته ذَلِك الْعَام وَضمن لَهُ أَن يُعْطِيهِ ألف دِينَار ذَهَبا مرابطية فَامْتنعَ من ذَلِك وَقَالَ وَالله لَو أَعْطَيْتنِي ملْء الأَرْض على أَن أخرج عَن طريقتي وأفارق ديني من خدمَة أهل الْعلم ومداخلة الْفُقَهَاء والانخراط فِي سلكهم مَا رضيت فَعجب اللمتوني من علو همته وَرغب فِي صحبته على مَا أَرَادَهُ وَتَوَلَّى أَحْكَام مراكش وَالصَّلَاة بمسجدها مُدَّة ثمَّ أَحْكَام بلنسية فَكَانَ بهَا قَاضِيا وَلما صَار الْأَمر إِلَى أبي يَعْقُوب عبد الْمُؤمن ألزمهُ خدمَة الخزانة الْعَالِيَة وَكَانَت عِنْدهم من الخطط الجليلة الَّتِي لَا يعين لَهَا إِلَّا علية أهل الْعلم وأكابرهم وَكَانَت مواهب عبد الْمُؤمن لَهُ جزيلة وأعطياته مترادفة وَصلَاته مُتَوَالِيَة وَرُبمَا وَصله فِي الْمرة الْوَاحِدَة بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَلَا يثبت عِنْده مِنْهَا شَيْء وَلَا يقتني مِنْهَا درهما بل يصرفهُ فِي المحاويج من معارفه وَأَهله والضعفاء وَالْمَسَاكِين من غَيرهم مَا اكْتسب شَيْئا قطّ من عرض الدُّنْيَا وَلَا وضع مَدَرَة على أُخْرَى مقنعا باليسير رَاضِيا بالدون من الْعَيْش مَعَ الهمة الْعلية وَالنَّفس الأبية على هَذَا قطع عمره إِلَى أَن فَارق الدُّنْيَا وَلم تكن همته مصروفة إِلَّا إِلَى الْعلم وأسبابه فاقتنى من الْكتب جملَة وافرة سوى مَا نسخ بِخَطِّهِ الرَّائِق وامتحن فِيهَا مَرَّات بضروب من الْحَوَائِج كالغرق والنهب بغرناطة فِي الْفِتْنَة الكائنة بهَا وَكَذَلِكَ نهبت كتبه بمراكش حِين دَخلهَا عبد الْمُؤمن وَكَانَ مَعَه عِنْد توجهه إِلَى مراكش خَمْسَة أحمال كتب وَجمع مِنْهَا بمراكش شَيْئا(1/49)
عَظِيما وَله تصانيف مفيدة تدل على إداركه وجودة تَحْصِيله وإشرافه على فنون من المعارف كشرحه الشهَاب فَإِنَّهُ أبدع فِيهِ مَا شَاءَ وَمن شعره قَوْله ... إلهي لَك الْملك الْعَظِيم حَقِيقَة ... وَمَا للورى مهما نعت نقير
تجافى بَنو الدُّنْيَا مَكَاني فسرني ... وَمَا قدر مَخْلُوق جداه حقير
وَقَالُوا فَقير وَهُوَ عِنْدِي جلالة ... نعم صدقُوا أَنِّي اليك فَقير ... قَوْله ... أَرض الْعَدو بِظَاهِر متصنع ... إِن كنت مُضْطَرّا إِلَى استرضاءه
كم من فَتى ألْقى بثغر باسم ... وجوانحي تتقد من بغضائه ... وشعره كثير وَكله سَلس القادة على جودة الطَّبْع ولد بالمرية فِي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بمراكش فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَلم يخلف رَحمَه الله لَا دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة وَلَا عقار وَلَا ثيابًا إِلَّا أَشْيَاء لَا قدر لقيمتها لما كَانَ عَلَيْهِ من الْمُوَاسَاة وَالصَّدَََقَة والإيثار رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْعَبَّاس ابْن الشَّيْخ روى عَن أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن حُبَيْش وَكَانَ فَقِيها ذَاكِرًا بَصيرًا بنوازل الاحكام واستقضى
أَحْمد ابْن عبد الرَّحِيم قرطبي كَانَ حيسوبيا فرضيا ماهرا فِي الْفتيا وصنف فيهمَا وَله رحْلَة الي الْمشرق
أَحْمد بن عبد الصَّمد بن أبي عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء بِوَاحِدَة بعْدهَا يَاء الْأنْصَارِيّ الخزرجي ينتسب إِلَى سعد بن عبَادَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرطبي سكن غرناطة مُدَّة وبجاية أُخْرَى ثمَّ استوطن مَدِينَة فاس أَبُو جَعْفَر روى عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن البطروجي وَأبي عبد الله جَعْفَر حفيد مكي(1/50)
وَأبي مَسْعُود بن أبي الْخِصَال وَأبي الْقَاسِم بن ورد وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْحسن بن عَتيق وأبوسليمان وَأَبُو مُحَمَّد ابْنا حوط الله وَله تصانيف مفيدة كِتَابَة آفَاق الشموس فِي الْأَقْضِيَة النَّبَوِيَّة ومختصره إشراق الشموس وَذكر أَنه سَمَّاهُ آفَاق الشموس وأعلاق النُّفُوس وَله نفس الصَّباح فِي غَرِيب الْقُرْآن وناسخه ومنسوخه وَحسن المرتفق فِي بَيَان مَا عَلَيْهِ الْمُتَّفق فِيمَا بعد الْفجْر وَقبل الشَّفق وَقصد السَّبِيل فِي معرفَة آيَات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومقام الْمدْرك فِي إفحام الْمُشرك وقامع هامات الصلبان ورواتع رياض الْإِيمَان يرد بِهِ على بعض القسيسين بطليطلة وَكَانَ ذَلِك من أحفل مَا ألف فِي مَعْنَاهُ إِلَى غير ذَلِك من الْأَجْوِبَة عَن الْمسَائِل الَّتِي كَانَت ترد عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم بن بَقِي يكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ وَيَقُول بفضله وَلما قدم مَدِينَة فاس الْتزم إسماع الحَدِيث والتكلم على مَعَانِيه بِجَامِع الْقرَوِيين وَاسْتمرّ على ذَلِك صَابِرًا محتسباً ونفع الله بِهِ خلقا كثيرا وامتحن بالأسر سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ خلصه الله عز وَجل وَتُوفِّي بفاس فِي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ومولده سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْأَصْفَر سمع من أبي الْحسن بن مُحَمَّد بن هُذَيْل وَأبي عَليّ الصَّدَفِي وَكَانَ من أهل الذكاء والفهم مَوْصُوفا بالتيقظ والدهاء وَقدم للشورى بمرسية وَولي الْقَضَاء بشاطبة وأضيف إِلَيْهِ قَضَاء أَو ريولة ودرس الْفِقْه على الطَّرِيقَة القرطبية وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للمسائل درباً بالفتوى فِي النَّوَازِل وَتُوفِّي فِي محرم سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن عبد الْملك بن مُوسَى بن عبد الْملك أَبُو الْعَبَّاس بن أبي حَمْزَة روى عَن أَبِيه وتفقه بِهِ وبأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وبأبي هِشَام بن أَحْمد بن وضاح وَسمع من لفظ(1/51)
أبي الْحسن بن خلف بن بطال شَرحه صَحِيح البُخَارِيّ وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس بن عمر العذري وَأَبُو عمر يُوسُف بن عبد الله بن عبد الْبر ولقيه وَأَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ روى عَنهُ ابْن الدّباغ وَغَيره وَكَانَ من بَيت علم وأصالة وَحسب وجلالة وَكَانَ مُحدثا راوية فَقِيها حَافِظًا مشاوراً ماهراً فِي علم الْعَرَبيَّة ذَاكِرًا للآداب حاشداً للغات مشرفاً على علم التواريخ مُتَقَدما فِي ذَلِك كُله وَتوفى رَحمَه الله سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن عَتيق بن الْحسن بن زِيَاد بن فرج بلنسي مَرْوِيّ الأَصْل أَبُو جَعْفَر وَأَبُو الْعَبَّاس الذَّهَبِيّ تَلا بالسبع على ابْن عبد الله بن جَعْفَر بن حميد وروى عَن أبي جَعْفَر بن مضايز وَأبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الطَّاهِر ابْن عَوْف وَكَانَ أعلم أهل زَمَانه بالعلوم الْقَدِيمَة ماهر فِي الْعَرَبيَّة وافر الْحَظ من الْأَدَب متحققاً بأصول الْفِقْه ثاقب الذِّهْن متوقد الخاطر غواصاً على دقائق الْمعَانِي بارع الاستنباط وَقدمه الْمَنْصُور للشورى وَالْفَتْوَى فِي القضايا الشَّرْعِيَّة وَكَانَت الْفَتْوَى فِي نَوَازِل الْأَحْكَام تصدر عَنهُ فتبلغ القَاضِي الْحَافِظ أَبَا الْعَبَّاس بن جَوْهَر الْحصار فينسب كل فَتْوَى إِلَى قَائِلهَا من أهل الْمَذْهَب وَكثر ذَلِك مِنْهُمَا فأنهى ذَلِك إِلَى أبي جَعْفَر فَقَالَ مَا أعلم من قَالَ بِتِلْكَ الْأَقْوَال الَّتِي أفتى بهَا وَلَكِنِّي أراعي أصُول الْمَذْهَب فأفتي بِمَا تَقْتَضِيه وتدل عَلَيْهِ وَكَانَ يقْضى الْعجب من حذق أبي جَعْفَر وإداركه وجودة استنباطه وَمن حفظ أبي الْعَبَّاس واشراقة على أَقْوَال الْفُقَهَاء وَحُضُور ذكره إِيَّاهَا وَكَانَ الْعجب من أبي جَعْفَر أَكثر وَقد قيد عَنهُ من أجوبته على الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا الْكثير الْحسن البديع وَتُوفِّي بتلمسان سنة إِحْدَى وسِتمِائَة
أَحْمد ابْن على بن احْمَد بن زرقون بالراء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا أَبُو الْعَبَّاس الداخلي الي(1/52)
الأندلس من نَاحيَة القيروان كَانَ مقرئاً معبراً مُحدثا فَقِيها مشاوراً نحوياً عددياً استقضي فحمدت سيرته واشتدت وطأته على أهل الْفساد والدعارة ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء ولازم إسماع الحَدِيث والإقراء توفّي بالجزيرة الخضراء سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
احْمَد ابْن على بن مُحَمَّد بن هَارُون السمالي ترجالي الأَصْل أَبُو الْعَبَّاس من بَيت هَارُون بن مسيرَة كَانَ من أحد شُيُوخ أهل الْعلم عني طَويلا براوية الحَدِيث ولقاء حَملته وَكثر تهممه بتقييد الْعلم وتخليد التواريخ وَله تعاليق وفوائد شهِدت بطول إكبابه على خدمَة الْعلم وَكَانَ مَعَ ذَلِك فَقِيها حَافِظًا عاقداً للشروط بَصيرًا بهَا مُمَيّزا فِي الْمعرفَة بعللها والضبط لأحكامها وَكَانَ أكبر الْعَاقِدين بن للشروط بمراكش مكبراً عِنْد الْخَاصَّة والعامة مَعْرُوف الْقدر وَالْجَلالَة عِنْد الْقُضَاة والرؤساء مستمراً على ذَلِك إِلَى أَن توفّي بهَا سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقد ناهز الثَّمَانِينَ
أَحْمد بن عمر بن خلف أَبُو جَعْفَر بن قيلان وَكَانَ لَهُ عناية براوية الحَدِيث ولقاء رِجَاله وَكَانَ فَقِيها مشاوراً تَدور عَلَيْهِ فتيا بَلَده ودرس الْفِقْه وأسمع الحَدِيث زَمَانا طَويلا توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن اللَّيْث الأنسري بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة وسين مُهْملَة مَفْتُوحَة وَرَاء مُهْملَة قرطبي أَبُو عمر أَخذ عَن ابْن المكوي واختص بِهِ ولازمه طَويلا وَكَانَ حَافِظًا للفقه مُتَقَدما فِي الْمعرفَة بِهِ
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد ابْن رشد قرطبي أَبُو الْقَاسِم روى عَن أَبِيه أبي الْوَلِيد الْحَفِيد وَأبي الْقَاسِم بن بشكوال روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن الطيلسان وَكَانَ من بَيت علم وجلالة ونباهة وَحسب فِي بَلَده فَقِيها حَافِظًا بَصيرًا بالاحكام يقظانا ذكي الذِّهْن سري الهمة كريم الطَّبْع حسن الْخلق ولى الْقَضَاء فحمدت سيرته وَتوفى سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو الْقَاسِم(1/53)
الحوفي إشبيلي أَصله من حوف مصر روى قِرَاءَة أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَلم يجز لَهُ وَأَجَازَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد بن عتاب من الاندلس وَمن أهل الْمشرق وَأَبُو الطَّاهِر السلَفِي وقاضي الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو المظفر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ روى عَنهُ أَبُو سُلَيْمَان وَأَبُو مُحَمَّد ابْنا حوط الله وَغَيرهمَا كثيرا وَكَانَ من بَيت علم وعدالة فَقِيها حَافِظًا حَاضرا لذكر للمسائل بَصيرًا بِعقد الشُّرُوط فرضياً ماهراً وَله فِي الْفَرَائِض تصانيف كَبِير ومتوسط ومختصر وكل ذَلِك مِمَّا بلغ فِي إجادته الْغَايَة تحصيلاً لعلمها وتقريبا لأغراضها وَضبط لأصولها وتيسيراً على ملتمسها واستقضي باشبيلية مرَّتَيْنِ فشمكرت سيرته فِي أَحْكَامه وسلك سَبِيل النزاهة وَالْعدْل والجزالة وَاشْتَدَّ بأسه على أهل الشَّرّ وَيُقَال إِنَّه لم يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا وَإنَّهُ كَانَ يعِيش أَيَّام قَضَائِهِ من صيد السّمك مرّة فِي الاسبوع يَبِيعهُ ويقتات ثمنه حَتَّى خلصه الله عز وَجل من الْقَضَاء توفّي فِي شعْبَان من سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَمَّاعَة الْأنْصَارِيّ أَبُو جَعْفَر القيجاطي تجول فِي بِلَاد الأندلس طَالبا للْعلم فَحصل وَرُوِيَ عَنهُ وَكَانَ مقرئاً مجوداً فَقِيها حَافِظًا أَقرَأ بغرناطة دهراً واستقضي بِبَعْض جهاتها وَتُوفِّي سنة عشر وسِتمِائَة وَدفن بغرناطة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن سيد أَبِيه الزُّهْرِيّ اشبيلي بطليوس الأَصْل أَبُو الْقَاسِم روى عَن أبي الْحسن بن شُرَيْح وَكَانَ عاقداً للشروط مُتَقَدما فِي الْبَصَر مبرزاً فِي الْعَدَالَة وصنف فِي الوثائق مصنفاً نَافِعًا مُجَردا من الْفِقْه وَهُوَ مَشْهُور متداول بَين النَّاس استجادة لَهُ وَكَانَ حَيا سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خَلِيل بن قاسوية بن حمد بن الانصاري ابْن الْحداد أَصله من نَاحيَة بلنسية لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أدّى(1/54)
فِيهَا فَرِيضَة الْحَج وتجول فِي بِلَاد الْمشرق الاقصي طَالبا للْعلم بالموصل بَغْدَاد وَاسِط وبلاد فَارس وخراسان وَعَاد إِلَى مصر سنة سبع وَسِتِّينَ قفل إِلَى بَلْدَة وَلَقي القَاضِي أَبَا الْأَصْبَغ عِيسَى بن سهل بطنجة وناظره فِي مسَائِل من الْعلم عويصة دلّت على تبحره فِي الْعلم واتساع بَاعه فِيهِ وأدته إِلَى وضع رِسَالَة سَمَّاهَا رِسَالَة الامتحان لمن برز فِي علم الشَّرِيعَة وَالْقُرْآن خَاطب بهَا أَبَا الْأَصْبَغ الْمَذْكُور وَسَأَلَهُ الْجَواب عَن تِلْكَ الْمسَائِل الَّتِي وَقعت بَينهمَا المناظرة فِيهَا
احْمَد ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ أَبُو الْعَبَّاس الشارقي من نَاحيَة بلنسية لَهُ رحْلَة روى فِيهَا بِمَكَّة عَن كَرِيمَة المروزية وَحج وَسمع الحَدِيث وَدخل الْعرَاق وبلاد فَارس والأهواز ومصر ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمغرب وَسكن سبتة ومدينة فاس وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها فَاضلا واعظاً كثير الذّكر وَالْعَمَل والبكاء وَألف كتابا مُخْتَصرا نبيلاً مُفِيدا فِي أَحْكَام الصَّلَاة وَتُوفِّي قَرِيبا من سنة خَمْسمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحجري بِفَتْح الْجِيم بلنسي أَبُو الْعَبَّاس بن نمارة روى عَن أبي عَليّ الصَّدَفِي وَابْن سعدون وابي الْوَلِيد هِشَام بن أَحْمد الولشي وَغَيرهم وَله رحْلَة حج فِيهَا وَعَاد إِلَى بَلَده وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا وصنف فِي الْفِقْه مُخْتَصرا مقربا وَكَانَ حَيا سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُوسَى بن عبد الْملك بن أبي حَمْزَة أَبُو الْقَاسِم النجيب بن أبي حَمْزَة روى عَن قرينه القَاضِي أبي بكر بن أَحْمد بن أبي حَمْزَة وهوالذي كَانَ يَدعُوهُ بالنجيب فغلب عَلَيْهِ وَعَن أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن حُبَيْش وَغَيرهمَا وَكَانَ مشاركاً فِي الْفِقْه وأصوله وَعلم الْكَلَام واستقضي فِي جِهَات عديدة وَتُوفِّي قَاضِيا سنة عشر وسِتمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك الثَّعْلَبِيّ أَبُو الْعَبَّاس روى عَن أبي الْحسن شُرَيْح وَكَانَ من جلة الْفُقَهَاء حَافِظًا مشاوراً
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مسْعدَة العامري غرناطي أَبُو جَعْفَر(1/55)
كَانَ من جلة الْفُقَهَاء ونبهاء النبلاء بارع الْأَدَب بارعاً فِي الْعَرَبيَّة كَاتبا مجيداً مطبوعاً مَشْهُور الْإِحْسَان وَله رِوَايَة فِي الحَدِيث وَله منظوم ومنثور توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِمَدِينَة فاس
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الانصاري جياني أَبُو جَعْفَر الميلوط روى وأسمع وَرُوِيَ عَنهُ وَكَانَ سرياً فَاضلا وافر الْعقل متين الدّين مقرئاً مجوداً فَقِيها نحويا ماهرا وَله شرحا حسن على الْمُوَطَّأ وَتوفى بالاسكندرية بِهِ قَاصِدا الْحَج سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة
أَحْمد بن أبي الْحسن مُحَمَّد بن عمر بن وَاجِب أَبُو الْخطاب كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من أعظم النَّاس عناية بالرواية ولقاء الشُّيُوخ وَأَجَازَ لَهُ ابْن الْعَرَبِيّ والسلفي وَابْن بشكوال وَابْن سعيد بن زرقون وَأَبُو عبد الرَّحِيم بن الْفرس وَأَبُو يُوسُف بن سَعَادَة وَابْن حُبَيْش وخلائق وَرُوِيَ عَنهُ وَكَانَ فَاضلا كَامِل الاشغال بِعلم الحَدِيث حَافِظًا لَهُ متسع الرِّوَايَة حَرِيصًا على الإفادة والاستفادة وافر الْحَظ من علم الْعَرَبيَّة وَالْأَدب والتاريخ وَالنّسب مَعَ الدّين المتين وَكَانَ شهير الْبَيْت رفيع الْقدر واستقضي بشاطبة وبلنسية فحمدت فيهمَا سيرته وَعرف بِالْعَدَالَةِ وَإِقَامَة الْحق والصدع بِهِ وردع المفسدين وإعلاء الْمَظْلُوم على الظَّالِم توفى سنة أَربع وَعشرَة وسِتمِائَة ولد سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن وَاجِب بن عمر الْمُتَقَدّم أَبُو الْخطاب الْمَذْكُور قيسي بلنسي أَبُو الْحسن وَأَبُو على روى عَن ابْن عَمه أبي الْخطاب الْمَذْكُور وَعَن قرينه أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن وَاجِب وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الطَّاهِر السلَفِي وخلائق وأسمع وَرُوِيَ عَنهُ وَكَانَ فَقِيها جَلِيلًا خَطِيبًا عاقداً للشروط كثير الاعتناء بِالْحَدِيثِ وَرِوَايَته بَصيرًا بِهِ ثِقَة فِيمَا ينْقل واستقضي وَشهر بِالْعَدَالَةِ توفّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ(1/56)
وسِتمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سعيد أَبُو الْعَبَّاس بن الجروي الْأنْصَارِيّ وادآشي روى عَن أبي بَحر سُفْيَان بن العَاصِي وَأبي بكر بن غَالب بن عَطِيَّة وَأبي الْحسن شُرَيْح وَأبي على الصَّدَفِي وَابْن حَيْوَة وَعبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة وَأبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد وَأَجَازَهُ الْمَازرِيّ روى عَنهُ أَبُو الْخطاب بن وَاجِب وَعبد الْمُنعم بن الْفرس وَجَمَاعَة أجلاء فضلاء وَكَانَ فَقِيها عَالما بأصول الْفِقْه وَعلم الْكَلَام مقرئاً مجوداً حسن الْقيام على تَفْسِير الْقُرْآن مُحدثا راوية مكثراً حسن الْمُشَاركَة فِي كثير من فنون الْعلم يغلب عَلَيْهِ حفظ اللُّغَة والادب مقدما فِي كل مَا ينتحل موفورا الْحَظ من علم الْعَرَبيَّة يقْرض يَسِيرا من الشّعْر واستقضي بِبَلَدِهِ فَشكر توفّي سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بيطرالتجيبي قرطبي أَبُو جَعْفَر بن الْحَاج روى عَن أبي الْقَاسِم بن بشكوال وَغَيره وَكَانَ من الْعلمَاء الْفُضَلَاء الحسباء شهير الْبَيْت نبيه الْقدر سري الهمة توفّي بقرطبة عَام أَرْبَعَة عشر وسِتمِائَة(1/57)
أَحْمد بن مَسْعُود بن أبي الْخِصَال خلصة الغافقي شقوري سكن قرطبة كَانَ من أهل الْحِفْظ للفقه والتقدم فِي الْبَصَر بالمسائل والمعرفة بالنوازل وَتَوَلَّى خطة الْأَحْكَام زَمنا واتسم بجودة النّظر فِيهَا
أَحْمد بن مُنْذر بن جهور إشبيلي أَبُو الْعَبَّاس وَكَانَ مقرئاً بالسبع مُتَقَدما فِي الصّلاح مَوْصُوفا بالزهد فَقِيها على مَذْهَب مَالك قَائِما عَلَيْهِ وَكَانَ مجْلِس تدريسه فِي نِهَايَة الْوَقار كَأَنَّمَا على رُءُوس حاضريه الطير سكينَة وهيبة وَكَانَ مَقْصُودا للدُّعَاء مَشْهُورا بإجابته وَألف فِي رِوَايَة ورش عَن نَافِع تأليفاً حسنا توفّي بإشبيلية فِي سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة
أَحْمد ابْن وليد بن مُحَمَّد بن مَرْوَان أَبُو جَعْفَر بن أبي حَمْزَة روى عَن أَبِيه وتفقه بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَكَانَ من بَيت علم وجلالة وَدين معرضًا عَن الدُّنْيَا كثيرا الْعَمَل يتَصَدَّق بجل مَاله إِلَّا مَا يُقيم أوده وَله فِي الْفِقْه فَتَاوَى حفظت عَنهُ وتزهد ورحل إِلَى الْمشرق فَأدى فرض الْحَج وَلما قفل إِلَى بَلَده أقبل على نشر الْعلم وبثه وتدريسه إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن(1/58)
هَارُون بن أَحْمد أَبُو عمر بن عَاتٍ النفزي شاطبي سمع بالأندلس على الْحَافِظ أبي مُحَمَّد أَبِيه وَأبي الْحسن بن مُحَمَّد بن هُذَيْل وَأبي يُوسُف بن سَعَادَة وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْخطاب بن وَاجِب وَأَبُو الْقَاسِم بن بشكوال ورحل إِلَى الْمشرق فلقي عبد الْحق الإشبيلي بن الْخَرَّاط وبالإسكندرية أَبَا الطَّاهِر السلَفِي وَلَقي أَبَا الْقَاسِم بن العريف وخلائق بِمصْر وَغَيرهَا وَمن شُيُوخ مَكَّة أَبَا مُحَمَّد عبد الدَّائِم الْعَسْقَلَانِي وبدمشق من ابْن عَسَاكِر أبي الْقَاسِم وبالموصل من أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْجَوْزِيّ والكاتبة شهرة وَمن لَا يُحْصى كَثْرَة وَقد ضمن ذكرهم وَجُمْلَة صَحِيحَة من مروياته برنامجيه الْمُسَمّى أَحدهمَا بالنزهة والتعريف بشيوخ الوجهة وهوكتاب جليل جَامع وَالْآخر بريحانة النَّفس وراحة الْأَنْفس فِي ذكر شُيُوخ الأندلس وروى عَنهُ عَالم كثير كَأبي الْحسن بن الْقطَّان وَأبي الْحسن صاعد وَأبي الْخطاب بن وَاجِب الْمُتَقَدّم ذكره وَأَبُو الْعَبَّاس بن سيد النَّاس وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن برطلة وَأَبُو بكر بن مسدي وناس من(1/59)
أكَابِر الْمُحدثين وَجلة الْحفاظ المسندين للْحَدِيث وَالْأَدب بِلَا مدافعة يسْرد الْأَسَانِيد والمتون ظَاهر فَلَا يخل بِشَيْء مِنْهَا ثِقَة عدلا مَأْمُونا مرضياً متوسط الطَّبَقَة فِي حفظ فروع الْفِقْه وَمَعْرِفَة الْمسَائِل إِذْ لم يعن بذلك عنايته بِغَيْرِهِ وَكَانَ أهل شاطبة يفاخرون بأبوي عمر بن عبد الْبر وَابْن عَاتٍ وَكَانَ على سنَن الصَّالِحين فِي الانقباض ونزاهة الْكَلَام ومتانة الدّين وَأكل الحشف ولباس الخشن وَلُزُوم التقشف والزهد فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو عَامر بن نَذِير لازمته مُدَّة سِتَّة أشهر فَلم أر أحفظ مِنْهُ وَحَضَرت لسَمَاع الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ مِنْهُ فَكَانَ يقْرَأ من كل وَاحِد من الْكِتَابَيْنِ نَحْو عشرَة أوراق عرضا بِلَفْظِهِ كل يَوْم لَا يتَوَقَّف فِي شَيْء من ذَلِك وَقَالَ ابْن مسدي كَانَ يستظهر عدَّة كتب وَحضر مجْلِس السُّلْطَان بمراكش فتذاكروا علم الْكَلَام فَانْقَطع عَن الْمجْلس وَحفظ فِيهِ نَحوا من مِائَتي ورقة ثمَّ رَجَعَ يذاكرهم وَكَانَ مهيباً وقوراً وَكَانَ ذَا حَظّ وافر من الْأَدَب قَائِلا يجيد الْكَلَام نظما ونثروا وَله تصانيف وفقد رَحمَه الله(1/60)
وقْعَة الْعقَاب من نَاحيَة جيان فَلم يُوجد حَيا وَلَا مَيتا سنة تسع وسِتمِائَة وَهَذِه الْوَقْعَة هِيَ السَّبَب الْأَقْوَى فِي تَخْفيف الرّوم بِلَاد الأندلس حَتَّى استولوا على معظمها وأفضى الْحَال إِلَى خلائها من أهل الْملَّة الحنيفة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَمَا نقلته من غير كتاب الذيل والتكملة من تعاليق شَيخنَا الشَّيْخ عفيف الدّين المطري وَمن تَارِيخ مصر لقطب الدّين رَحمَه الله
أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن اللَّخْمِيّ الإشبيلي عرف بِابْن الْبَاجِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم بَينهمَا ألف يكنى أَبَا عمر روى عَن أبي الْحسن أَحْمد بن عبد الله بن حميد بن رزين ذكره الْخَولَانِيّ وَقَالَ كَانَ من أهل الْعلم وَلم تَرَ عَيْني مثله فِي الْمُحدثين سمتاً ووقاراً سمع من أَبِيه أبي مُحَمَّد جَمِيع رِوَايَته وَمن غَيره ورحل إِلَى الْمشرق مَعَ أَبِيه ولقيا شُيُوخًا اجلة هُنَاكَ وكتبا كثيرا وحجا وانصرفا وبقيا بإشبيلة زَمَانا واستقضي أَبُو عمر بهَا وَلم تطل مدَّته ثمَّ رَحل إِلَى قرطبة فاستوطنها وَكَانَ فقهيا مبجلاً وأسمع النَّاس فِيهَا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو عمر بن عبد الْبر كتاب السّنَن(1/61)
للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو عمر كَانَ يحفظ غريبي الحَدِيث لأبي عبيد وَابْن قُتَيْبَة حفظا حسنا وشاوره القَاضِي ابْن أبي الفوارس وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة بِبَلَدِهِ إشبيلية وَجمع لَهُ أَبوهُ علم الأَرْض فَلم يحْتَج إِلَى أحد إِلَّا أَنه رَحل مُتَأَخِّرًا وَلَقي فِي رحلته أَبَا بكر بن مساهل وَأَبا الْعَلَاء بن ماهان وَأَبا مُحَمَّد بن الضراب وَغَيرهم وَكَانَ إِمَام عصره وفقيه وقته لم أر فِي الأندلس مثله وَحدث عَنهُ أَيْضا أَبُو عمر بن الْحذاء وَقَالَ هُوَ رَحل الى قرطبة وَكَانَ فقيا جَلِيلًا فِي مَذْهَب مَالك ورث الْعلم وَالْفضل وَتُوفِّي بقرطبة سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة
أَحْمد بن ادريس الْقَرَافِيّ هُوَ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن يلين الصنهاجي البهفشيمي البهنسي الْمصْرِيّ الإِمَام الْعَلامَة وحيد دهره وفريد عصره أحد الْأَعْلَام الْمَشْهُورين والائمة المذكرين انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْفِقْه على مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وجد فِي طلب الْعُلُوم فَبلغ الْغَايَة القصوى فَهُوَ الإِمَام الْحَافِظ وَالْبَحْر(1/62)
اللافظ المفوه المنطيق والآخذ بأنواع الترصيع والتطبيق دلّت مصنفاته على غزارة فَوَائده وأعربت عَن حسن مقاصده جمع فأوعى وفَاق أضرابه جِنْسا ونوعاً كَانَ إِمَامًا بارعاً فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعلوم الْعَقْلِيَّة وَله معرفَة بالتفسير وَتخرج بِهِ جمع من الْفُضَلَاء وَأخذ كثيرا من علومه عَن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الملقب بسُلْطَان الْعلمَاء عز الدّين بن عبد السَّلَام الشَّافِعِي وَأخذ عَن الإِمَام الْعَلامَة شرف الدّين مُحَمَّد بن عمرَان الشهير بالشريف الكركي وَعَن قَاضِي الْقَضَاء شمس الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد الادريسي سمع عَلَيْهِ مُصَنفه كتاب وُصُول ثَوَاب الْقُرْآن كَانَ أحسن من ألْقى الدُّرُوس وحلي من بديع كَلَامه نحور الطروس إِن عرضت حَادِثَة فبحسن تَوْضِيحه تَزُول وبعزمته تحول فلفقده لِسَان الْحَال يَقُول ... حلف الزَّمَان ليَأْتِيَن بِمثلِهِ ... حنثت يَمِينك يَا زمَان فَكفر ...(1/63)
سَارَتْ مصنفاته مسير الشَّمْس ورزق فِيهَا الْحَظ السَّامِي عَن اللَّمْس مباحثه كالرياض المونقة والحدائق الْمعرفَة تنزه فِيهَا الأسماع دون الْأَبْصَار ويجني الْفِكر مَا بهَا من أزهار وأثمار كم حرر منَاط الأشكال وفَاق أضرابه النظراء والأشكال وَألف كتبا مفيدة انْعَقَد على كمالها لِسَان الْإِجْمَاع وتشنفت بسماعها الأسماع مِنْهَا كتاب الذَّخِيرَة فِي الْفِقْه من أجل كتب الْمَالِكِيَّة وَكتاب الْقَوَاعِد الَّذِي لم يسْبق إِلَى مثله وَلَا أَتَى أحد بعده بشبهه وَكتاب شرح التَّهْذِيب وَكتاب شرح الْجلاب وَكتاب شرح محصول الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَكتاب التعليقات على الْمُنْتَخب وَكتاب التَّنْقِيح فِي أُصُوله الْفِقْه وَهُوَ مُقَدّمَة الذَّخِيرَة وَشَرحه كتاب مُفِيد وَكتاب الْأَجْوِبَة الفاخرة عَن الأسئلة الْفَاجِرَة فِي الرَّد على أهل الْكتاب وَكتاب الأمنية فِي إِدْرَاك النِّيَّة وَكتاب الِاسْتِغْنَاء فِي أَحْكَام الِاسْتِثْنَاء وَكتاب الإحكام فِي الْفرق بَين الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام اشْتَمَل على فَوَائِد عزيرة وَكتاب(1/64)
اليواقيت فِي أَحْكَام الْمَوَاقِيت وَكتاب شرح الْأَرْبَعين لعز الدّين الرَّازِيّ فِي أصُول الدّين وَكتاب الانفاد فِي الِاعْتِقَاد وَكتاب المنجيات والموبقات فِي الْأَدْعِيَة وَمَا يجوز مِنْهَا وَمَا يكره وَمَا يحرم وَكتاب الإبصار فِي مدركات الْأَبْصَار وَكتاب الْبَيَان فِي تَعْلِيق الْأَيْمَان وَكتاب الْعُمُوم وَرَفعه وَكتاب الاجوبة عَن الاسئلة الْوَارِدَة على خطب ابْن نباتة وَكتاب الِاحْتِمَالَات المرجوحة وَكتاب البارز للكفاح فِي الميدان وَغير ذَلِك قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ابْن عَدْلَانِ الشَّافِعِي أَخْبرنِي خَالِي الْحَافِظ شيخ الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية أَن شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ حرر أحد عشر علما فِي ثَمَانِيَة أشهر أَو قَالَ ثَمَانِيَة عُلُوم فِي أحد عشر شهرا وَذكر عَن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين بن شكر قَالَ أجمع الشَّافِعِيَّة والمالكية على أَن أفضل أهل عصرنا بالديار المصرية ثَلَاثَة الْقَرَافِيّ بِمصْر الْقَدِيمَة وَالشَّيْخ نَاصِر الدّين بن مُنِير بالإسكندرية وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ المعزية وَكلهمْ مالكية خلا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فانه(1/65)
جمع بَين المذهبين قَالَ أَبُو عبد الله بن رشيد وَذكر لي بعض تلامذته أَن سَبَب شهرته بالقرافي أَنه لما أَرَادَ الْكَاتِب أَن يثبت اسْمه فِي بَيت الدَّرْس كَانَ حِينَئِذٍ غَائِبا فَلم يعرف اسْمه وَكَانَ إِذا جَاءَ للدرس يقبل من جِهَة القرافة فَكتب الْقَرَافِيّ فمرت عَلَيْهِ هَذِه النِّسْبَة وَذكر بَعضهم أَن أَصله من البهنسا وَتُوفِّي رَحمَه الله بدير الطين فِي جُمَادَى الْأَخِيرَة عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَدفن بالقرافة ويلين بياء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة وَلَام مُشَدّدَة مَكْسُورَة وياء سَاكِنة مثناة من تَحت وَنون سَاكِنة والبهفشيمي بِالْبَاء الموحده الْمَفْتُوحَة وَالْهَاء المجزومة وَالْفَاء الفتوحة والشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت الساكنة وَلم أَقف على معنى هَذِه النِّسْبَة ولعلها قَبيلَة من قبائل صنهاجة وَكَانَ الْقَرَافِيّ رَحمَه الله كثيرا مَا يتَمَثَّل ... وَإِذا جَلَست إِلَى الرِّجَال وأشرقت ... فِي جو باطنك الْعُلُوم الشرد
فاحذر مناظرة الحسود فَإِنَّمَا ... تغتاط أَنْت ويستفيد ويجحد ...(1/66)
وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بقول مُحي الدّين الْمَعْرُوف بحافى رَأسه ... عتبت على الدُّنْيَا لتقديم جَاهِل ... وَتَأْخِير ذِي علم فَقَالَت خُذ العذرا
بَنو الْجَهْل أبنائي وكل فَضِيلَة ... فأبناؤها أَبنَاء ضرتي الْأُخْرَى ...
أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله أَبُو الْعَبَّاس الْقَيْسِي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن الْقُسْطَلَانِيّ نِسْبَة إِلَى قسطلينة من إقليم أفريقية كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة قَرَأَ على الْفَقِيه أبي مَنْصُور الْمَالِكِي وَالْمذهب على خَاله القَاضِي الربعِي الْحسن بن أبي بكر بن الْحسن العسطلان ودرس فِي مَوْضِعه بعد وَفَاته وَصَحب الشَّيْخ الزَّاهِد أَبَا عبد الله الْقرشِي واختص بخدمته وَدون كَلَامه وانتفع بِصُحْبَتِهِ وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق وَولي التدريس بمدرسة الْمَالِكِيَّة بِمصْر وَسمع بِمصْر من الْعَلامَة أبي مُحَمَّد عبد الله بن بري وَغَيره وَسمع بِمَكَّة من يُونُس القاسمي وَجَمَاعَة كَثِيرَة من الْفُضَلَاء وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ كَانَ قد جمع الْفِقْه(1/67)
والزهد وَكَثْرَة الإيثار مَعَ الْإِكْثَار والانقطاع التَّام مَعَ مُخَالطَة النَّاس وَقَالَ غَيره كَانَ من مشاهير الشُّيُوخ والزهاد وأعيان الْفُقَهَاء عديم النظير فِي وقته وَله شعر حسن توفّي بِمَكَّة لَيْلَة الاحد مستهل جُمَادَى الاخيرة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة من تَارِيخ مصر للقطب عبد الْكَرِيم
أَحْمد بن عمر بن إِبْرَاهِيم بن عمر أَبُو الْعَبَّاس الْأنْصَارِيّ الأندلسي ثمَّ الْقُرْطُبِيّ الْمَالِكِي الْفَقِيه عرف بِابْن المزين بالزاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا يَاء مثناة من تَحت وَنون يلقب بضياء الدّين من أَعْيَان فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة نزل الْإسْكَنْدَريَّة واستوطنها ودرس بهَا وَكَانَ من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين وَالْعُلَمَاء المعروفين جَامعا لمعْرِفَة عُلُوم مِنْهَا علم الحَدِيث وَالْفِقْه والعربية وَغير ذَلِك وَله على كتاب صَحِيح مُسلم شرح أحسن فِيهِ وأجاد سَمَّاهُ الْمُفْهم وَاخْتصرَ صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَسمع الحَدِيث من مَشَايِخ الْمغرب فلقي بفاس أَبَا الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن الملجوم الْأَزْدِيّ وَسمع بتلمسان من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن التجِيبِي وَمن قاضيها أبي مُحَمَّد(1/68)
عبد الله بن سُلَيْمَان حوط الله ونسبته من عبد الْحق بن مُحَمَّد بن عبد الْحق الخزرجي وَغَيرهم وروى عَن أبي الْأَصْبَغ بن الدّباغ كتب عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن يحيى الْقرشِي وَذكره فِي مُعْجم شُيُوخه وَقَالَ اجْتمعت بِهِ وَأخذت عَنهُ شَيْئا وَلم أتحققه الْآن وَقَالَ الدمياطي وَاخْتصرَ الصَّحِيحَيْنِ وشرحهما وَذكر لنا أَنه سمع من القَاضِي أبي الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد اليحصي وَأبي مُحَمَّد بن حوط الله الْمُوَطَّأ قَالَ الدمياطي وَحدثنَا بِهِ عَن أبي الْقَاسِم خلف بن بشكوال وَذكره الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن فرج الْقُرْطُبِيّ فِي شُيُوخه وَحدث عَنهُ وَقَالَ غَيره رَحل أَبُو الْعَبَّاس مَعَ أَبِيه من الأندلس فِي سنّ الصغر فَسمع كثيرا بِمَكَّة وَالْمَدينَة والقدس ومصر والإسكندرية وَغَيرهَا من الْبِلَاد وَكَانَ يشار إِلَيْهِ بالبلاغة وَالْعلم والتقدم فِي علم الحَدِيث وَالْفضل التَّام وَأخذ عَنهُ النَّاس من أهل الْمشرق وَالْمغْرب ومولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة على الصَّحِيح وَتُوفِّي بالإسكندرية فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَعشْرين(1/69)
وسِتمِائَة وَفِي كتاب الذيل والتكلمة لقَاضِي الْجَمَاعَة أبي عبد الله مُحَمَّد الْملك المراكشي أَنه توفّي سنة سِتّ وَخمسين فَانْظُرْهُ
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو الْفضل بن أبي عبد الله بن مُحَمَّد الجذامي الاسكندري الإِمَام الْمُتَكَلّم الشاذلي كَانَ جَامعا لأنواع الْعُلُوم من تَفْسِير وَحَدِيث وَنَحْو وأصول وَفقه وَغير ذَلِك وَله تآليف مفيدة مِنْهَا التَّنْوِير فِي إِسْقَاط التَّدْبِير وَالْحكم كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى متكلماً على طَريقَة أهل التصوف واعظاً انْتفع بِهِ خلق كثير وسلكوا طَرِيقه وَكَانَ شاذلي الطَّرِيقَة ينتمي للشَّيْخ أبي الْحسن الشاذلي وَأخذ طَرِيقه عَن أبي الْعَبَّاس المرسي رَحمَه الله عَن الشَّيْخ أبي الْحسن رَحمَه الله وَكَانَ أعجوبة زَمَانه فِي كَلَام التصوف وَله نظم حسن فِي الْوَعْظ توفّي رَحمَه الله بِالْقَاهِرَةِ سنة تسع وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة وقبره مَشْهُور يزار وَمن تَارِيخ مصر للقطب عبد الْكَرِيم أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَلامَة أَبُو الْحسن الإسكندري الْفَقِيه الْمَالِكِي كَانَ من رُؤَسَاء(1/70)
الْمَالِكِيَّة ودرس بمدرسة بني حَدِيد وَأفْتى وَولي الْوكَالَة السُّلْطَانِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة توفّي رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة من تَارِيخ مصر أَيْضا للقطب
أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن مَنْصُور بن أبي الْقَاسِم بن مُخْتَار بن أبي بكر بن عَليّ أَبُو الْعَبَّاس المنعوت نَاصِر الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الْمُنِير الجروي الجذامي الاسكندري كَانَ إِمَامًا بارعاً برع فِي الْفِقْه ورسخ فِيهِ وَفِي الْأَصْلَيْنِ والعربية وفنون شَتَّى وَله الْيَد الطُّولى فِي علم النّظر وَعلم البلاغة والانشاء وَكَانَ متبحرا فِي الْعُلُوم موفقا فِيهَا لَهُ الباع الطَّوِيل فِي علم التَّفْسِير والقراآت كَانَ عَلامَة الْإسْكَنْدَريَّة وفاضلها وَكَانَ مدرساً وَولي الاحباس والمساجد ديوَان النّظر ثمَّ ولي الْقَضَاء نِيَابَة عَن القَاضِي ابْن التنسي فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة ثمَّ ولي الْقَضَاء اسْتِقْلَالا وخطابتها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين ثمَّ عزل عَن ذَلِك ثمَّ ولي ثمَّ عزل وَكَانَ خَطِيبًا مصقعاً سمع من أَبِيه وَمن أبي بَحر عبد الْوَهَّاب بن رواح بن أسلم الطوسي سَمَاعه من السّلمِيّ قَالَ ابْن قرمس وَخرجت(1/71)
لَهُ مشيخته وقرأتها عَلَيْهِ وتفقه بِجَمَاعَة اخْتصَّ مِنْهُ الْأَمَام الْعَلامَة وجمال الدّين أبي عَمْرو بن الْحَاجِب وتفنن فِيهِ وَلأبي عَمْرو بن الْحَاجِب فِيهِ ... لقد سئمت حَياتِي الْيَوْم لَوْلَا ... مبَاحث سَاكن الْإسْكَنْدَريَّة
كأحمد سبط أَحْمد حِين يَأْتِي ... بِكُل غَرِيبَة كالعبقرية
تذكرني مباحثه زَمَانا ... وإخواناً لقيتهم سَرِيَّة
زَمَانا كَانَ لَا يباري فِيهِ ... مدرسنا وتغبطنا الْبَريَّة
مضوا فكأنهم إِمَّا مَنَام ... وَإِمَّا صبحة أضحت عَشِيَّة ... وَقَوله سبط أَحْمد أَشَارَ بِهِ إِلَى جده لأمه وَهُوَ كَمَال الدّين الإِمَام أَحْمد بن فَارس وَذكر أَن الشَّيْخ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام قَالَ الديار المصرية تفتخر برجلَيْن فِي طرفيها ابْن دَقِيق الْعِيد بقوص وَابْن الْمُنِير بالإسكندرية وَله تآليف حَسَنَة مفيدة مِنْهَا تَفْسِير الْقُرْآن سَمَّاهُ(1/72)
الْبَحْر الْكَبِير فِي نخب التَّفْسِير وَاعْترض عَلَيْهِ فِي هَذِه التَّسْمِيَة بِأَن الْبَحْر الْكَبِير مالح وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَنَّهُ مَحل الْعَجَائِب والدر وَمِنْهَا كتاب الانتصاف من الْكَشَّاف أَلفه فِي عنفوان الشبيبة وَكتب لَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام بالثناء عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّيْخ شمس الدّين الخسر وشاهى شيخ الشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ وَغَيرهمَا من الْعلمَاء وَكتاب المقتفى فِي آيَات الْإِسْرَاء وَهُوَ كتاب نَفِيس فِيهِ فَوَائِد جليلة واستنباطات حَسَنَة وَله اخْتِصَار التَّهْذِيب من أحسن مختصراته وَله على تراجم البُخَارِيّ مناسبات وَله ديوَان خطب مَشْهُور بديع وَله مَنَاقِب الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الغباري وَله شعر لطيف وَذكر فِي ديباجة تَفْسِيره أَنه لم يجْتَمع بِأبي عَمْرو بن الْحَاجِب حَتَّى حفظ مُخْتَصره فِي الْفِقْه ومختصره فِي الْأُصُول وَأَجَازَهُ ابْن الْحَاجِب بالإفتاء والمنير بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وياء مثناة من تَحت مُشَدّدَة مَكْسُورَة توفّي فِي أول ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَدفن بتربة وَالِده عِنْد الْجَامِع الغربي(1/73)
رَحمَه الله تَعَالَى ومولده سنة عشر وسِتمِائَة وَمن تَارِيخ مصر للقطب وَغَيره
أَحْمد بن معد أَبُو الْعَبَّاس التجِيبِي الإسكندري الْمَعْرُوف بالاقليشي بِالْقَافِ الْمُعْجَمَة وَبعد اللَّام يَاء مثناة من تَحت وشين مُعْجمَة أصل أَبِيه من أقليش مَدِينَة بالأندلس وَسكن دانية وَبهَا ولد وَنَشَأ وَسمع من جمَاعَة من الْكِبَار الجلة مِنْهُم أَبُو الْحسن بن طَارق وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ والصدفي والغساني وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عَطِيَّة وَأَبُو الْعَبَّاس بن العريف وَأَبُو مُحَمَّد البطليوسى وَكَانَ متفنناً فِي عُلُوم شَتَّى عَالما عَاملا متصوفاً شَاعِرًا مَعَ التَّقَدُّم فِي الصّلاح والزهد والورع والإعراض عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا والإقبال على الْعلم وَالْعِبَادَة وَله تصانيف كَثِيرَة حَسَنَة وَمن مصنفاته فِي الحَدِيث كتاب النَّجْم وَكتاب الْكَوْكَب وَكتاب الْغرَر من كَلَام سيد الْبشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب حلى الْأَوْلِيَاء فِي عدَّة أسفار وَغير ذَلِك وَاخْتلف فِي وَفَاته وَفِي محلهَا فَقيل بِمَكَّة وَقيل بقوص وَذَلِكَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَقيل غير ذَلِك
أَحْمد بن(1/74)
يُوسُف بن أَحْمد بن أبي بكر بن حمدون بن حجاج بن مَيْمُون بن سُلَيْمَان بن سعد الْقَيْسِي الإِمَام الْعَلامَة شرف الدّين القفصي التيفاشي سمع بِبَلَدِهِ من أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن جَعْفَر الْمَقْدِسِي واشتغل بالأدب وعلوم الْأَوَائِل وبرع فِي ذَلِك كُله وَقدم الديار المصرية وَهُوَ صَغِير فَقَرَأَ بهَا وتفنن على الْعَلامَة موفق الدّين عبد اللَّطِيف أبي يُوسُف الْبَغْدَادِيّ ورحل إِلَى دمشق واشتغل بهَا على الْعَلامَة تَاج الدّين الْكِنْدِيّ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده وَولي قضاءها ثمَّ بعد ذَلِك رَجَعَ إِلَى ديار مصر وَالشَّام وَكَانَ فَاضلا بارعاً لَهُ شعر حسن ونثر جيد ومصنفات عديدة فِي فنون مولده بتيفاش فِي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وتيفاش بتاء مثناة من فَوق ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ فَاء ثمَّ ألف وشين مُعْجمَة قَرْيَة من قرى قفصة كتب عَنهُ الْحَافِظ ابْن حَدِيد وَابْن الصَّابُونِي وَغَيرهمَا وَدفن بمقبرة بَاب النَّصْر أَحْمد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الإِمَام الْعَلامَة مفتي الْفرق ركن الشَّرِيعَة كَمَال الدّين(1/75)
أبي الْمَنْصُور طَاهِر بن الْحُسَيْن بن مائد الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمَالِكِي القَاضِي الْفَقِيه الْمُفْتِي الْعَارِف بهاء الدّين أبي عبد الله بن الصاحب الْوَزير الْعَلامَة جمال الدّين أبي الْحسن كَانَ نَائِب الحكم بِمصْر ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بهَا وَأفْتى وَتقدم ومولده بمنى سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة
أَحْمد بن سَلامَة بن أَحْمد بن سَلامَة بن يُوسُف ابْن عَليّ بن عبد الدَّائِم البلوي الْقُضَاعِي الإسكندري الْمَالِكِي الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام المحروس كَانَ من أوعية الْعلم أصولاً وفروعاً وَمن سروات الرِّجَال سوددا وحشمة وَمن خيارالحكام عفة وصرامة مَعَ الدّيانَة والدارية وَالْوَقار وَكَانَ من أنظر الْفُقَهَاء وأوسعهم علما ولي قَضَاء دمشق ثَمَانِيَة عشر شهرا بعد القَاضِي جمال الدّين الزواوي توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن سعيد ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن مكنف الخزرجي الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الغماز البلنسي الأندلسي الشَّيْخ(1/76)
الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة بتونس كَانَ مَوْصُوفا بِالْعلمِ والفضائل والرئاسة ولي قَضَاء الْجَمَاعَة نَحْو سبع ولايات فحمدت فِيهَا سيرته وَتُوفِّي وَهُوَ على ولَايَته واعتنى بلقاء رجال الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ خلائق من أهل الْمغرب والمشرق كَانَ فَقِيها فَاضلا دينا حسن الْخلق مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ والنزاهة روى عَن جمَاعَة من الجلة مِنْهُم الْحَافِظ أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن سَالم الكلَاعِي والفقيه المقرىء أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَسْعُود الْأَزْدِيّ الشاطبي ابْن صَاحب الصَّلَاة والفقيه الْمُحدث أَبُو الْحسن ابْن خيرة البلنسي والفقيه الْمُحدث المقرىء أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن السراج والفقيه الْعَالم أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد اللَّخْمِيّ العزفي السبتي وَكتب لَهُ جمَاعَة من عُلَمَاء الْمشرق مِنْهُم مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يس بن مُحَمَّد الدمياطي عرف بِابْن قفل وَالْإِمَام الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الْأنْصَارِيّ الْقُرْطُبِيّ وَأحمد بن قيمان بن عبد الله وَأحمد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد الْمرْجَانِي الإسكندري المغربي وَإِبْرَاهِيم بن طرخان السنجاري وَإِسْمَاعِيل بن(1/77)
عبد الْوَاحِد الْعَسْقَلَانِي وَإِسْحَاق بن أبي بكر الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ وَعز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام السّلمِيّ وَعبد الْوَهَّاب بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن سبط الْحَافِظ أبي الطَّاهِر السلَفِي وَعبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ زكي الدّين الإِمَام الْحَافِظ وَالْإِمَام الْحَافِظ عَليّ بن وهب بن مُطِيع القوصي الشهير بِابْن دَقِيق الْعِيد وَسليمَان بن خَلِيل الْمَكِّيّ إِمَام الْمقَام وخطيب الْحرم وَيحيى بن عبد الله أَبُو الْحسن الْعَطَّار رشيد الدّين الْحَافِظ وَيَعْقُوب بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الطَّبَرِيّ وعَلى بن أَحْمد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ وَغير هَؤُلَاءِ نَحْو الْمِائَة من الْمَشَاهِير وَمن شعره ... يَا منفق الْعُمر فِي حرص وَفِي طمع ... إِلَى مَتى قد تولى وانقضى الْعُمر
الى مَتى ذَا التمادى فِي الضلال أما ... تثنيك موعظة لَو ينفع الذّكر
بَادر متاباً عَسى ماكان من زلل ... وَمَا اقترفت من الآثام يغْتَفر ...(1/78)
.. وجنب الْحِرْص واتركه فَمَا أحد ... ينَال بالحرص مالم يُعْطه الْقدر
وَلَا تؤمل لما ترجو وتحذره ... من لَيْسَ فِي كَفه نفع وَلَا ضَرَر
وفوض الْأَمر للرحمن مُعْتَمدًا ... عَلَيْهِ فِي كل مَا تَأتي وَمَا نذر
وَاحْذَرْ هجوم المنايا واستعد لَهَا ... مادام يمكنك الإعداد والحذر ... وَمن نظمه أَيْضا ... وَقَالُوا أما تخشى ذنوباً أتيتها ... وَلم تَكُ ذَا جهل فَتعذر بِالْجَهْلِ
فَقلت لَهُم هبني كَمَا قد ذكرتكم ... تجاوزت فِي قولي وأسرفت فِي فعلي
أما فِي رضَا مولى وصفحه ... رَجَاء ومسلاة لمقترف مثلي ... مولده سنة تسع وسِتمِائَة عَام الْعقَاب وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة ورثي بقصائد فرائد تولى جمعهَا فِي دفتر تِلْمِيذه أَبُو الْحسن التجاني
أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الله الغبريني البجائي الامام(1/79)
الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة ببجاية توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة أَربع وسِتمِائَة
أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الْبَغْدَادِيّ مولداً الْأَصْبَهَانِيّ تأصلاً الملقب شمس الدّين الْمَعْرُوف بالمقرىء كَانَ فَقِيها متفنناً لَهُ منسك فِي الْحَج وَله فِي الْعَرَبيَّة عقد الدُّرَر ونظم عوامل الْجِرْجَانِيّ وَكتاب فِي التَّارِيخ وديوان فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله غير ذَلِك من التآليف
أَحْمد بن أبي جَعْفَر الزُّهْرِيّ يعرف بِابْن الْأَثِير من أهل سرقسطة يكنى أَبَا إِسْحَاق وَكَانَ فَقِيها عَالما حَافِظًا للرأي وَاخْتصرَ كتاب أبي مُحَمَّد بن أبي زيد فِي الْمُدَوَّنَة وَله رحْلَة الى الْمشرق لقى فِيهَا ابْن غلبون وَأخذ عَنهُ توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة مولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة
أَحْمد بن أبي الْحجَّاج يُوسُف بن عَليّ الفِهري اللبلي يكنى أَبَا جَعْفَر كَانَ إِمَامًا فَاضلا نحوياً لغوياً راوية أَخذ عَن أبي إِسْحَاق ابراهيم ابْن مُحَمَّد البطليوسي عرف بالأعلم وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن لب بن جبورة الشاطبي وَأبي الْحسن(1/80)
على بن حَامِد اللَّخْمِيّ عرف بالذابح والفقيه أبي على عمر بن الْأَزْدِيّ عرف بالشلوبين وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد الأشبيلي عرف بِابْن السراج ورحل إِلَى الْمشرق وَأخذ عَن الْأَئِمَّة كشمس الدّين عبد الحميد الخسر وشاهي ورشيد الدّين الْعَطَّار وَغَيرهم كثيرا وَله تآليف مِنْهَا الْبَاب تحفة الْمجد الصَّرِيح فِي شرح كتاب الفصيح وَكتاب رفع التلبيس عَن حَقِيقَة التَّجْنِيس وَكتاب بغية الآمال فِي معرفَة النُّطْق بِجَمِيعِ مستقبلات الْأَفْعَال وَله العقيدة الفهرية وَله فهرست ألفها فِي ذكر رواياته وَأَسْمَاء شُيُوخه مولده عَام ثَلَاثَة عشر وسِتمِائَة بليلة من أَعمال إشبيلية وَتُوفِّي فِي تونس عَام أحد وَتِسْعين وسِتمِائَة
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن التادلي الفاسي كَانَ فَقِيها فَاضلا متفنناً إِمَامًا فِي أصُول الْفِقْه مشاركاً فِي الْأَدَب والعربية والْحَدِيث مستحضراً للفقه لَهُ شرح على رِسَالَة ابْن أبي زيد بيض نصفه فِي ثَلَاثَة أسفار كبار وَتُوفِّي وَالنّصف الثَّانِي فِي مسودته فِي سفر وَاحِد وَله شرح عُمْدَة الْأَحْكَام فِي الحَدِيث شرحاً حسنا وَله على التَّنْقِيح للقرافي تَقْيِيد مُفِيد ورحل إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فاستوطنها وَولي نِيَابَة الْقَضَاء بهَا وَكَانَ صَدرا فِي الْعلمَاء ذَا عفة وَدين وصيانة وَعبادَة توفّي بِالْمَدِينَةِ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
أَحْمد بن إِدْرِيس البجائي يكنى أَبَا الْعَبَّاس كَانَ وَاحِد قطره فِي حفظ مَذْهَب مَالك متفنناً فِي المعارف والعلوم جمع بَين الْعلم الغزير وَالدّين المتين وَتخرج بَين يَدَيْهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ عبد الرَّحْمَن الوغليسي ونظرائه وَكَانَ يُطلق عَلَيْهِ فَارس السَّجَّاد لِكَثْرَة صلَاته وَكَانَ كثيرا الصَّوْم وَالصَّدَََقَة أَعماله كلهَا سرا وَكَانَ على طَريقَة السّلف الصَّالح فِي الِاتِّبَاع كثير التَّوَاضُع جميل الْعشْرَة صبوراً على الِاشْتِغَال حسن التَّعْلِيم ورحل وَحج وَاجْتمعت بِهِ فِي مَكَّة المشرفة فرأيته رجلا عَالما مهيبا وقورا وَله تَعْلِيق على بُيُوع الْآجَال(1/81)
من مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وغيرذلك وَكَانَت وَفَاته بعد السِّتين وَسَبْعمائة وَلم أحقق تَارِيخ وَفَاته
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الشهير بِابْن المخلطة هُوَ قَاضِي الْقُضَاة فَخر الدّين مولده بثغر الْإسْكَنْدَريَّة فِي عَام سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة كَانَ فَاضلا فِي مَذْهَب مَالك إِمَامًا فِي الْأُصُول والعربية رَحل إِلَى الشَّام وَسمع من الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمُزنِيّ وشمس الدّين الذَّهَبِيّ وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْأُصُول على شيخ الْفَنّ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ والعربية على القَاضِي عماد الدّين أبي الْحسن الْكِنْدِيّ وعَلى أثير الدّين أبي حَيَّان وتفقه بِالْإِمَامِ أبي حَفْص عمر بن قداح تلميذ أبي مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله وَولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة مرَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة وفيهَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد بن عمر بن على بن هِلَال الربيعي نِسْبَة إِلَى ربيعَة الْفرس بن نزار بن معد بن عدنان إِمَام عَالم فَاضل متفنن فِي عُلُوم شَتَّى كَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه والأصلين والعربية والمعاني وَالْبَيَان سمع الحَدِيث على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن كرام وَغَيره وتفقه بقاضي الْقُضَاة فَخر الدّين ابْن المخلطة الْمُتَقَدّم ذكره وبسراج الدّين عمر بن عَليّ المراكشي وزين الدّين أبي أَحْمد عبد الْملك بن رستم الاسكندري وَأخذ الْأُصُول عَن الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ والعربية عَن الشَّيْخ أثير الدّين أبي حبَان الأندلسي ورحل من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ بهَا الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الله المنوفي وَالْإِمَام شرف الدّين أبي مُوسَى عَليّ الزواوي وقاضي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين الاخناي وَشرف الدّين عِيسَى المغيلي وَغَيرهم وَذكر طَرِيق اتِّصَاله فِي الْفِقْه إِلَى مَالك بن أنس وَذَلِكَ أَنه تفقه بقاضي الْقُضَاة فَخر الدّين بن المخلطة وفخر الدّين تفقه بِجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو حَفْص عمر بن فراج الإسكندري وَابْن فراج تفقه(1/82)
بِجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله الاسكندري وتفقه ابْن عَطاء الله بِجَمَاعَة مِنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو بكر الطرطوشي وتفقه الطرطوشي بِجَمَاعَة مِنْهُم القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وتفقه الْبَاجِيّ بِجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو طَالب مكي وتفقه مكي بِجَمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وتفقه ابْن أبي زيد بِجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر ابْن اللباد وتفقه ابْن اللباد بِجَمَاعَة مِنْهُم يحيى ابْن عمر وتفقه ابْن عمر بِجَمَاعَة مِنْهُم سَحْنُون وتفقه سَحْنُون على ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وتفقه ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب على مَالك بن أنس وَمَالك يرْوى عَن جمَاعَة مِنْهُم نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَله تآليف عديدة مِنْهُ شرح ابْن الْحَاجِب الفقهي فِي ثَمَانِيَة أسفار كبار وَكَانَ قد شرحا مطولا ثمَّ تَركه فَلم يكلمهُ لطوله وَله على مُخْتَصر بن الْحَاجِب الْأَصْلِيّ شرحان وَله شرح على كِفَايَة ابْن الْحَاجِب فِي الْعَرَبيَّة لم يكمله وَله تأليف مُسْتَقل على الأشكال الْأَرْبَعَة الَّتِي فِي مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الْأَصْلِيّ سَمَّاهُ رفع الْإِشْكَال عَمَّا فِي الْمُخْتَصر من الأشكال وَله تَفْسِير آيَة الْكُرْسِيّ أَتَى فِيهِ بفوائد كَثِيرَة ولقيته بِدِمَشْق فِي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَأخذ عَنهُ ابْني مُحَمَّد أَبُو الْيمن وَكَانَ مَعَ مَجْمُوع فضائله خامل الذّكر كثير الْعُزْلَة عَن أهل المناصب بل عَن النَّاس مَا عدا خَواص طلبته توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة
من اسْمه إِبْرَاهِيم من أَصْحَاب مَالك من الطَّبَقَة الْوُسْطَى
إِبْرَاهِيم بن حبيب قَالَ قَاسم بن أصبغ هُوَ ثِقَة من أَصْحَاب مَالك وَهُوَ وَصِيّ مَالك رَضِي الله عَنهُ
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن العاصى أَبُو اسحق البرقي من أهل مصر من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا كَانَ صَاحب حَلقَة أصبغ معدوداً فِي فُقَهَاء مصر يرْوى عَن أَشهب وَابْن وهب وَأخذ النَّاس عَنهُ بِمصْر كثيرا لَهُ سَماع ومجالس رَوَاهَا عَن أَشهب(1/83)
جملَة عَنهُ توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن خَالِد بن مرتيل كَانَ خيرا فَقِيها يكنى أَبَا اسحق عَالما بالتفسير لَهُ رحْلَة لَقِي فِيهَا عَليّ بن معبد وَعبد الْملك هِشَام ومطرف بن عبد الله وَلَقي سحنونا وروى عَنهُ مَذْكُور فِي الْمَالِكِيَّة عَالم بالفقه بَصِير بِالْحجَّةِ كَانَ يناظر يحيى بن مزين وَيحيى بن يحيى كَانَ صلباً فِي حكمه عدلا وَله تأليف فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَكَانَ يذهب فِي الشَّاة إِذا بقر بَطنهَا وَلم يطْمع فِي حَيَاتهَا وَأدْركت ذكاتها أَنَّهَا تُؤْكَل وحاج فِي ذَلِك سحنونا وأعجب ابْن لبَابَة ذَلِك وَحكى أَنه مَذْهَب إِسْمَاعِيل القَاضِي وَكَانَ يذهب إِلَى النّظر وَترك التَّقْلِيد وَحكى إِبْرَاهِيم عَن مطرف بن عبد الله لَيْسَ فِي الكرسنة زَكَاة لِأَنَّهَا علف وَكَانَت وَفَاته سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي رَمَضَان
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة الَّذين ذكرُوا فِي الثَّانِيَة من أهل الأندلس
ابراهيم بن مُحَمَّد بن بَان يعرف بِابْن الغزاز قرطبي يكنى أَبَا اسحق فَقِيه عَالم ورع زاهد فَاضل حَافظ للفقه بَصِير بِالْحَدِيثِ مقرىء لِلْقُرْآنِ رَأس فِيهِ سمع من يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وَأبي زيد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم ورحل فَسمع من يحيى بن بكير وَأبي الطَّاهِر بن السراج وَأبي زيد ابْن أبي الْغمر وَسَحْنُون وَغَيرهم وَأخذ القراآت عَن عبد الصَّمد بن الْقَاسِم سمع مِنْهُ النَّاس قَالَ ابْن دَيْلَم كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب متقناً لَهُ رُبمَا قُرِئت عَلَيْهِ المدونه والا سَمعه ظَاهرا فَيرد الْوَاو وَالْألف بفهمه رَأْي مَالك وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْحِفْظ والزهد والانقباض قَالَ ابْن لبَابَة لم يكن عِنْده من الْفِقْه أَكثر من الْحِفْظ دون فطنة وَلَا معرفَة بِهِ وَانْظُر فِي تَارِيخ ابْن عبد الْبر توفّي وَدفن بطليطلة لَيْلَة الْخَمِيس لثمانية أَيَّام مضين من شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة من(1/84)
أهل الْعرَاق ثمَّ من آل حَمَّاد بن زيد
ابراهيم بن حَمَّاد بن اسحاق ابْن أخي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق كنيته أَبُو إِسْحَاق تفقه باسماعيل وروى كتبه وروى عَن أَبِيه حَمَّاد وَمُحَمّد بن يحيى الخيشي وَالْعَبَّاس بن مزِيد وَزيد بن أخرم والرمادي وجعفر الْفرْيَابِيّ وَأبي الطَّاهِر وَأبي قلَابَة وَأبي ابراهيم الْأَزْهَرِي وَابْن منيع وَجَمَاعَة غَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَابْن الجهم وَأَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو حَفْص بن شاهين وَغَيرهم وَألف اتِّفَاق الْحسن وَمَالك وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا فَاضلا توفّي فِي محرم سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة وَقيل أول صفر وَقد زَاد على اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة شهوراً وَدفن إِلَى جَانب قبر عَمه إِسْمَاعِيل ومولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقيل فِي رَجَب سنة أَرْبَعِينَ وَقيل إِن وَفَاته سنة تسع وَعشْرين
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد أَبُو إِسْحَاق السبائي أحد الْعلمَاء العاملين وَمن أَوْلِيَاء الله الْمَعْدُودين الَّذين ينزل بدعائهم الْقطر وَتظهر لَهُم الْبَرَاهِين صحب أَبَا جَعْفَر أَحْمد بن نصر وَأَبا الْبشر مطر بن بشار وَأَبا جَعْفَر القصري وَغَيرهم من أهل الْعلم وَأخذ عَنْهُم علما كثيرا وَصَحب جمَاعَة من المتعبدين وَكَانَ يدْرِي الْعلم دراية حَسَنَة وَكَانَ الْعلمَاء يتذاكرون بِحَضْرَتِهِ وبمجلسه كَأبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَهُوَ الْملقى عَلَيْهِم وَأبي الْقَاسِم بن شبلون والقابسي وَغَيرهم فَإِذا تنازعوا فصل مَا بَينهم فيرجعون إِلَيْهِ ويستشيرونه فِي جَمِيع أُمُورهم وَكَانَ أهل الْعلم فِي القيروان اذا نزلت الحوداث والمعضلات يقتدون بِهِ فَإِن أغلق بَابه فعلوا مثله وَإِن فتحُوا بَابه فعلوا مثله وَإِن تكلم تكلمُوا لتقدمه عَنْهُم ومكانته من الْعلم وَالْعقل والمعرفة وَكَانَ أَبُو جَعْفَر بن نصر الْفَقِيه يَقُول لَو وزن إِيمَان أبي اسحق بايمان الْمغرب لرجحهم كَانَ مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالصَّلَاح وَالْعِبَادَة وَالِاجْتِهَاد كثير الْوَرع وقافا عَن الشهبات رَقِيق الْقلب غزيرا الدمعة مجاب الدعْوَة متواضعاً(1/85)
حسن الاخلاق حميد الْأَدَب طلق الْوَجْه مباينالأهل الْبدع شَدِيد الغلظة عَلَيْهِم وَكَانَ خبزه السميد فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ لَو علمت أَن الْجَوْهَر يزِيد فِي عَقْلِي وقدرت عَلَيْهِ لسحقته وأكلته فَإِنِّي لَا أجد نَفسِي تصلح إِلَّا إِذا أكلت طيبا وَكَانَ يَقُول اتّجر بِالْعلمِ وكل والبس الْوَرع وَقَالَ بَعضهم كُنَّا إِذا دَخَلنَا عَلَيْهِ عَقدنَا التَّوْبَة مَخَافَة أَن ينطقه الله فِينَا بِشَيْء توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة مولده سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَليّ بن أسلم أَبُو اسحق الجبتياني الْبكْرِيّ من بكر بن وَائِل أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وأبدال أَوْلِيَاء الله الصَّالِحين وَقد جمع الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم اللبيدي وَأَبُو بكر الْمَالِكِي من أخباره وسيره كثيرا وَكَانَ سلفه من أهل الخطط بالقيروان وَكَانَ من أعلم النَّاس باخْتلَاف الْعلمَاء عَالما بِعِبَارَة الرُّؤْيَا وَيعرف حظاً من اللُّغَة والعربية حسن الْقِرَاءَة لِلْقُرْآنِ بِحسن تَفْسِيره وَإِعْرَابه وناسخه ومنسوخه لم يتْرك حَظه من دارسة الْعلم بِاللَّيْلِ إِلَّا عِنْد ضعفه قبل مَوته بِقَلِيل وَكَانَ لَا يُفْتِي إِلَّا لِأَن يسمع أحدا يتَكَلَّم بِمَا لَا يجوز فَيرد عَلَيْهِ أَو يرى من يخطيء فِي صلَاته فَيرد عَلَيْهِ سَاكِنا أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ يَقُول الجبتياني إِمَام يقْتَدى بِهِ وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد يعظم شَأْنه وَيَقُول طَرِيق أبي إِسْحَاق خَالِيَة لَا يسلكها أحد فِي الْوَقْت وَكَانَ أَبُو اسحاق قَالَ مَا يتَغَيَّر على أحد فيفلح وَكَانَ اذارىء ذكر الله تَعَالَى من هيبته قد جف جلده على عظمه واسود لَونه كثير الصمت قَلِيل الْكَلَام فَإِذا تكلم نطق بالحكمة وَكَانَ قَلما يتْرك ثَلَاث كَلِمَات جَامِعَة للخير وَهِي اتبع لَا تبتدع اتضع لَا ترْتَفع من ورع لم يَتَّسِع وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد سَبْعَة كلهم خير تَقِيّ توفّي رَحمَه الله سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وسنه تسعون سنة وَمَا وجد لَهُ من الدُّنْيَا قَلِيل وَلَا كثير غير أَمْدَاد شعير فِي(1/86)
قلَّة مَكْسُورَة
إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد الشَّيْخ أَبُو الطَّاهِر بن بشير التنوحي كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا عَالما مفتياً جَلِيلًا فَاضلا ضابطا متفنا حَافِظًا للْمَذْهَب إِمَامًا فِي أصُول الْفِقْه والعربية والْحَدِيث من الْعلمَاء المبرزين فِي الْمَذْهَب المترفعين عَن دَرَجَة التَّقْلِيد إِلَى رُتْبَة الِاخْتِيَار وَالتَّرْجِيح وَقد ذكر فِي كِتَابه التَّنْبِيه أَن من أحَاط بِهِ علما ترقى عَن دَرَجَة التَّقْلِيد وَله كتاب الْأَنْوَار البديعة إِلَى أسرار الشَّرِيعَة كتاب جَامع من الْأُمَّهَات وَله التَّنْبِيه على مبادىء التَّوْجِيه وَكتاب التذهيب على التَّهْذِيب وَكتاب مُخْتَصر يحفظه المبتدئون وَكَانَ بَينه وَبَين أبي الْحسن اللَّخْمِيّ قرَابَة وَتعقبه فِي كثير من الْمسَائِل ورد عَلَيْهِ اختياراته الْوَاقِعَة فِي كتاب التَّبْصِرَة وتحامل عَلَيْهِ فِي كثير مِنْهَا وَذَلِكَ بَين لمن وقف على كِتَابه التَّنْبِيه وَكَانَ رَحمَه الله يستنبط أَحْكَام الْفُرُوع من قَوَاعِد أصُول الْفِقْه وعَلى هَذَا مَشى فِي كِتَابه التَّنْبِيه وَهِي طَريقَة نبه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد أَنَّهَا غير مخلصة وَأَن الْفُرُوع لَا يطرد تخريجها على الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة وذكرأنه قتل شَهِيدا قَتله قطاع الطَّرِيق فِي عقبَة وقبره بهَا مَعْرُوف وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته غير أَنه ذكر فِي تأليفه الْمُخْتَصر أَنه أكمله فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الضَّبِّيّ أَبُو إِسْحَاق مَوْلَاهُم يعرف بِابْن البردون ذُو رِوَايَة وأدوات وَتصرف وَمن نظار فُقَهَاء الْمَدَنِيين بالقيروان كَانَ تلميذاً لسَعِيد بن الْحداد ذَا أهبة نبيلة وَكَانَ يَقُول إِنِّي أَتكَلّم فِي تِسْعَة عشر فَنًّا كَانَ عَالما بالذب عَن مَذْهَب مَالك فَقِيها عَالما بارعاً فِي الْعلم يذهب مَذْهَب الْحجَّة وَالنَّظَر لم يكن فِي فتاة القيروان أقوى على الْحجَّة والمناظرة مِنْهُ سمع من عِيسَى بن مِسْكين وَمُحَمّد بن مُحَمَّد وجبلة بن حمود وَسَعِيد بن إِسْحَاق وَغَيرهم من(1/87)
رجال سَحْنُون ضرب بالسياط هُوَ وَآخر من أَصْحَابه يعرف بِابْن بكر بن هُذَيْل من الْمَدَنِيين أَيْضا المتقنين وَكَانَا من الْعلمَاء الخاشعين الورعين وَضرب ابْن البردون وَقتل ابْن هُذَيْل ثمَّ قتل ابْن البردون ثمَّ ربطت أجسادهما بالحبال وجذبهما البغال مكشوفين فِي القيروان وصلبا نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أنزلا ودفنا
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من أهل الْحجاز
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عُثْمَان الدينَوَرِي أَبُو إِسْحَاق نزل مَكَّة ولزمها حدث عَن أبي بكر بن دَاوُد وَعبد الله بن وهب الدينَوَرِي وَابْن صاعد وَأبي الْحسن النهاوند وَالْبَغوِيّ وَغَيرهم فَقِيه مالكي حدث عَنهُ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو عبد الله بن الْحذاء وعبدوس بن مُحَمَّد وَأَبُو بكر الصّقليّ وَأَبُو عمر بن سعدى ومحرز العابد وَأَبُو بكر الْخَولَانِيّ وَغَيرهم وَكَانَ عِنْده حَدِيث قَالَ أَبُو عبد الله بن الْحذاء لَقيته بِمَكَّة سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَتركته حَيا وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ سنة وَكَانَ فَقِيها ورعاً منقبضاً خيرا من جلة الْعلمَاء وَذكره أَبُو ذَر فِي مُعْجَمه وَقَالَ ثِقَة
وَمن أهل أفريقية
إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَبُو إِسْحَاق الزبيدِيّ الْمَعْرُوف بالقلانسي رجل صَالح فَقِيه فَاضل عَالم بالْكلَام وَالرَّدّ على الْمُخَالفين لَهُ فِي ذَلِك تآليف حَسَنَة وَله كتاب فِي الْإِمَامَة وَالرَّدّ على الرافضة سمع من فرات بن مُحَمَّد وحماس بن مَرْوَان والمغامي وَمُحَمّد بن عبَادَة السُّوسِي وَخلق كثير روى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن سعيد وَأَبُو جَعْفَر الدَّاودِيّ وَغَيرهمَا امتحن على يَد أبي الْقَاسِم بن عبد الله الرافضي ضربه سَبْعمِائة سَوط وحبسه أَرْبَعَة أشهر بِسَبَب تأليفه كتابا فِي الْإِمَامَة وَقيل بِسَبَب كتاب الْإِمَامَة الَّذِي أَلفه ابْن سَحْنُون توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَخمسين وَقيل سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة التَّاسِعَة من أهل أفريقية إِبْرَاهِيم بن حسن بن إِسْحَاق التّونسِيّ تفقه بِأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأبي عمرَان الفاسي ودرس الاصوال أزدى وَكَانَ جَلِيلًا(1/88)
فَاضلا عَالما إِمَامًا وَبِه تفقه جمَاعَة من أهل إفريقية عبد الْحق وَغَيره وَله شُرُوح حَسَنَة وتعاليق مستعملة متنافس فِيهَا على كتاب ابْن الْمَوَّاز والمدونة وَفِيه يَقُول عبد الْجَلِيل الديباجي ... حَاز الشرفين من علم وَمن عمل ... وقلما يتأنى الْعلم وَالْعَمَل ... وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول فِي التدمية إِنَّهَا لَا تجب حَتَّى يكون بالمجروح جرح لَا يَفْعَله أحد بِنَفسِهِ وَتُوفِّي أَبُو إِسْحَاق مُبْتَدأ الْفِتْنَة بالقيروان وَمن أهل سبتة
إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر الْفَقِيه المشاور أَبُو إِسْحَاق اللواتي شيخ صَالح من أهل الدّين وَالْفضل وَالْعقل أَخذ عَن شُيُوخ سبتة وَاقْتصر على الْفَقِيه أبي الْأَصْبَغ ولازمه وَكتب لَهُ فِي قَضَائِهِ فِي طنجة وَمَشى مَعَه إِلَى غرناطة فَكتب لَهُ بهَا وَكَانَ مُخْتَصًّا بِهِ سمع مِنْهُ جَمِيع كتبه وَحدث بهَا عَنهُ أَخذ عَنهُ وَسمع مِنْهُ وَصَحبه وَأخذ هُوَ عَن أبي الْفضل أَشْيَاء وَكَانَ أَبُو الْفضل يثني عَلَيْهِ خيرا ويصفه بِالْعلمِ وَكَانَ بَصيرًا بِالشُّرُوطِ والوثائق وَلم يكن فِي عصره من هُوَ أقوم عَلَيْهَا شاوره قَاضِي الْجَمَاعَة أَبُو مُحَمَّد وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَاق بن يَرْبُوع وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن توفّي وَكَانَ يدرس الْمُوَطَّأ ويتفقه فِيهِ ألف مُخْتَصر ابْن أبي زمنين على الْوَلَاء نحا فِيهِ بِأَحْسَن رُتْبَة وَكَانَ عَاقِلا مهيباً كثير الْوَقار لَا يتَكَلَّم أحد فِي مَجْلِسه الا مسئلة علم أَو كَلَام فِيهِ مَنْفَعَة توفى فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة فِي جُمَادَى الأولى
إِبْرَاهِيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعِي التّونسِيّ قَاضِي الْقُضَاة بتونس يكنى أَبَا إِسْحَاق كَانَ عَلامَة وقته ونادرة زَمَانه ألف كتاب معِين الْحُكَّام فِي مجلدين وَهُوَ كتاب كثير الْفَائِدَة غزير الْعلم نحا فِيهِ إِلَى اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَله الرَّد على ابْن حزم فِي اعتراضه على مَالك رَحمَه الله فِي أَحَادِيث خرجها فِي الْمُوَطَّأ وَلم يقل بهَا وَله اخْتِصَار أجوبة القَاضِي أبي الْوَلِيد بن رشد إِلَى غير ذَلِك من أوضاعه وتآليفه روى عَن أبي الْفضل وَسمع عَن أبي عمر وَعُثْمَان بن سُفْيَان التَّمِيمِي أبي الشقر وَلَقي أَبَا مُحَمَّد بن الهجام وَالْقَاضِي أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار السُّوسِي وَجَمَاعَة الأندلس القادمين على مَدِينَة تونس توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي شهر رَمَضَان عَن تسع وَتِسْعين سنة وَأشهر رَحمَه الله تَعَالَى ذكره الذَّهَبِيّ فِي العبر
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ من أهل غرناطة يكنى أَبَا إِسْحَاق وَيعرف بحنكالش كَانَ فَقِيها أدبياً نبيلاً عَارِفًا بالفقه حَافِظًا لَهُ عَارِفًا بالوثائق نقاداً لَهَا وَولي قَضَاء ميورقة وَله تآليف قَالَ ابْن جَعْفَر ابْن الزبير هُوَ صَاحب الوثائق المختصرة وَألف فِي الْفِقْه كتبا مِنْهَا كِتَابه الْمُسَمّى بِكِتَاب الشُّرُوط والتمويه مِمَّا لَا غنى عَنهُ لكل فَقِيه وَكتابه الْمُسَمّى بأجوبة الْحُكَّام فِيمَا يَقع للعوام من نَوَازِل الْأَحْكَام روى عَنهُ أَبُو بكر عَتيق بن الْعَبدَرِي وَلم يذكر الْمُؤلف وَفَاته وَذكره أَبُو جَعْفَر بن الزبير وَتقدم ذكر أبي جَعْفَر فِيمَن اسْمه أَحْمد فَعلم أَنه مُتَأَخّر عَن ابْن الزبير
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر المتولى من أهل تيزى يكنى أَبَا سَالم وَيعرف بِابْن أبي يحيى كَانَ هَذَا الرجل قيمًا على التَّهْذِيب ورسالة بن أبي زيد حسن الإقراء لَهما وَله عَلَيْهِمَا تقييدان نبيلان قيدهما أَيَّام قِرَاءَته إيَّاهُمَا على أبي الْحسن الصَّغِير قَالَ الْمُؤلف حضرت مجالسه بمدرسة عدوة الأندلس من فاس وَلم أر فِي متصدري مدَّته أحسن تدريساً مِنْهُ كَانَ فصيح اللِّسَان سهل الْأَلْفَاظ موفياً حُقُوقهَا وَكَانَ مَجْلِسه وَقفا على التَّهْذِيب والرسالة وَكَانَ مَعَ(1/89)
ذَلِك سَمحا فَاضلا حسن اللِّقَاء امتحن بِصُحْبَة السُّلْطَان فَصَارَ يَسْتَعْمِلهُ فِي الرسائل فَانْصَرف فِي ذَلِك حَظّ كَبِير من عمره لَا فِي رَاحَة وَلَا فِي نصيب الْآخِرَة وَهَذِه سنة الله فِيمَن خدم الْمُلُوك ملتفتاً إِلَى مَا يعطونه لاالى مَا يَأْخُذُونَ من عمره وراحته لطف الله بِنَا وبمن ابتلى بذلك وخلصنا خلاصاً جميلاً وَذكره ابْن الْخَطِيب فِي كِتَابه الْمُسَمّى عَائِد الصِّلَة فَقَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الْحَافِظ القادي من صُدُور الْمغرب لَهُ مُشَاركَة فِي الْعلم وتبحر فِي الْفِقْه كَانَ وجيهاً عِنْد الْمُلُوك وَاسْتعْمل فِي السفارة وَكَانَ حسن الْعَهْد مليح الْمجَالِس كريم الطَّبْع قيد على الْمُدَوَّنَة بِمَجْلِس شَيْخه القَاضِي أبي الْحسن كتابا مُفِيدا وَضم أجوبته على الْمسَائِل فِي سفر وَشرح كتاب الرسَالَة شرحاً عَظِيم الإفادة ولازم أَبَا الْحسن الصَّغِير وَهُوَ كَانَ قاريء كتب الْفِقْه عَلَيْهِ وَجل انتفاعه فِي التفقه بِهِ وروى عَن أبي زَكَرِيَّا بن ياسين قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ إِلَّا كتاب الْمكَاتب وَكتاب الدِّيَة فانه سَمعه فِي قِرَاءَة الْغَيْر وروى عَن أبي عبد الله بن رشيد قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ وشفاء عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى وَعَن أبي الْحسن بن عبد الْجَلِيل السدراني قَرَأَ عَلَيْهِ الْأَحْكَام الصُّغْرَى لعبد الْحق وَأبي الْحسن بن سُلَيْمَان قَرَأَ عَلَيْهِ رِسَالَة ابْن أبي زيد وفلج فِي آخر عمره فالتزم منزله بفاس يزوره السُّلْطَان فَمن دونه وَتُوفِّي بعد عَام ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن دهان الأوسي يكنى أَبَا إِسْحَاق وَيعرف بِابْن الْمَرْأَة كَانَ مُتَقَدما فِي علم الْكَلَام حَافِظًا ذَاكِرًا للْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والتاريخ وَغير ذَلِك وَكَانَ الْكَلَام أغلب عَلَيْهِ فصيح اللِّسَان والقلم ذَاكِرًا لكَلَام أهل التصوف يطرز مجالسه بأخبارهم قَالَ أَبُو جَعْفَر ابْن الزبير وَكَانَ صَاحب حيل وفوارج مستطرفة مطلعاً على أَشْيَاء غَرِيبَة من الْخَواص وَغَيرهَا فتن بهَا بعض الجهلة واطلع كثيرا مِمَّن قَصده على ذَلِك ونافره الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو بكر ابْن المرابط بِسَبَب مَا شهد من ذَلِك وَألف شرح كتاب الْإِرْشَاد لأبي الْمَعَالِي وَشرح الْأَسْمَاء الحسني وَألف جزأ فِي إِجْمَاع الْفُقَهَاء وَشرح محَاسِن الْمجَالِس لأبي الْعَبَّاس بن العريف وَألف غير ذَلِك وتآليفه نافعة فِي أَبْوَابهَا حسن الرصف والمباني روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْحق ابْن برطلة وَغَيره وَتُوفِّي بعد سنة عشر وسِتمِائَة
إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن عبد الله بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ تلمساني وقشي الأَصْل نزيل سبتة يكنى أَبَا إِسْحَاق وَيعرف بالتلمساني كَانَ فَقِيها عَارِفًا بِعقد الشُّرُوط مبرزاً فِي الْعدَد والفرائض أدبياً شَاعِرًا محسناً ماهراً فِي كل مَا يحاول ونظم فِي الْفَرَائِض وَهُوَ ابْن عشْرين سنة أرجوزة محكمَة بعملها ضابطة عَجِيبَة الْوَضع قَالَ ابْن عبد الْملك وخبرت عقله فِي تكراري عَلَيْهِ تيقظاً وَحُضُور ذكر وتواضعاً وَحسن إقبال واشتغالاً بِمَا يُعينهُ فِي أَمر معاشه وتخاملا فِي هَيئته ولباسه قَالَ ابْن الزبير كَانَ أدبياً فَاضلا لغوياً إِمَامًا فِي الْفَرَائِض لَقِي أَبَا بكر بن مُحرز وَأَجَازَ لَهُ وَكتب إِلَيْهِ مجيزاً أَبُو الْحسن بن طَاهِر الدباج وَأَبُو عَليّ الشلوبين وَلَقي بسبتة أَبَا الْعَبَّاس عَليّ بن عُصْفُور الهواري وَأَبا الْمطرف أَحْمد بن عبد الله بن عميرَة وَسمع عَليّ أبي يَعْقُوب يُوسُف بن مُوسَى المحاسني الْقَارِي روى عَنهُ الْكثير مِمَّن عاصره كَأبي عبد الله بن عبد الملك وَغَيره وَله تآليف مِنْهَا الأرجوزة الشهيرة فِي الْفَرَائِض لم يصنف فِي فنها مثلهَا ومنظوماته فِي السّير وأمداح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك العشرات على أوزان الْمغرب وقصيدته فِي المولد الْكَرِيم وَله مقَالَة فِي علم الْعرُوض(1/90)
الدوبتي وَله شعر مِنْهُ ... الْغدر فِي النَّاس شِيمَة سلفت ... قد طَال بَين الورى تصرفها
مَا كل من قد سرت لَهُ نعم ... مِنْك يرى قدرهَا ويعرفها
بل رُبمَا أعقب الْجَزَاء بهَا ... مضرَّة عز مِنْك مصرفها
أما تري الشَّمْس كَيفَ تعطف بِالنورِ ... على الْبَدْر وَهُوَ يكسفها ... مولده بتلمسان سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبيد بن مَحْمُود النفزي غرناطي يكنى أَبَا اسحق خَاتِمَة الرِّجَال بالأندلس وَشَيخ أهل المجاهدات وأرباب الْمُعَامَلَات صَادِق الاحوال شرِيف الْمُعَامَلَات مأنور الاخلاص مَشْهُورا الكرامات وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا ذَاكِرًا اللُّغَات وَالْأَدب نحوياً ماهراً درس ذَلِك كُله أول أمره غلب عَلَيْهِ التصوف فشهر بِهِ وصنف فِيهِ التصانيف المفيدة أَخذ القراآت عَن الْخَطِيب أبي عبد الله الْحَضْرَمِيّ وَأبي الْكَرم أجودى بن عبد الرَّحْمَن والْحَدِيث عَن أبي الْحسن على بن عمر الوادآشي وَأبي مُحَمَّد سُلَيْمَان بن حوط الله والنحو واللغة عَن ابْن يَرْبُوع وَغَيره ورحل وَحج وجاور وتكرر وَلَقي هُنَاكَ غير وَاحِد من صُدُور الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم وروى عَنهُ خلق لَا يُحصونَ كَثْرَة مِنْهُم أَحْمد بن عبد الْمجِيد بن هُذَيْل الغساني وَأَبُو جَعْفَر بن الزبير وَغَيره وَألف فِي طَرِيقه التصوف وَغَيرهَا تصانيف مفيدة مِنْهَا مواهب الْعُقُول وحقائق النقول والغيرة المذهلة عَن الْحيرَة والتفرقة وَالْجمع والرحلة المعنوية وَمِنْهَا الْوَسَائِل فِي الْفِقْه والمسائل وَغير ذَلِك وَله من قصيدة ... يضيق على وجدي الفضاء ... ويسليني من النَّاس العناء
يامن أنامله كالمزن هاطلة ... وجود كفيه أجْرى من مجاريها
سفينة الْفقر فِي بَحر الرجا وقفت ... فَامْنُنْ على برِيح مِنْك يجريها
بِحَق من خلق الْإِنْسَان من علق ... انْظُر إِلَى رقعتي وافهم مَعَانِيهَا
إِنِّي فَقير مِسْكين بِلَا سَبَب ... سوى حُرُوف من الْقُرْآن أتوها
لَا يعرف الشوق الامن يكابده وَلَا الصبابة إِلَّا من يعانيها ... مولده بجيان سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة
إِبْرَاهِيم بن عجنس بن أَسْبَاط الكلَاعِي الزبادي الأندلسي من أهل وشقة كَانَ أحد الْحفاظ للفقه اختصر الْمُدَوَّنَة وَله رحْلَة سمع فِيهَا من يُوسُف بن عبد الْأَعْلَى توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وعجنس بِعَين مُهْملَة وجيم مَفْتُوحَة وَنون مَفْتُوحَة مُشَدّدَة وسين مُهْملَة والزبادي بالزاي الْمُعْجَمَة وباء مُوَحدَة نِسْبَة الى زباد مَوضِع بالغرب ذكره السَّمْعَانِيّ وشقة بالشين العجمة وَالْقَاف بلد بالأندلس
إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان أَبُو الْقَاسِم بن الْوزان شيخ الْمغرب فِي النَّحْو واللغة حفظ كتاب سِيبَوَيْهٍ وَالْمُصَنّف الْغَرِيب وَكتاب الْعين واطلاح الْمنطق وَأَشْيَاء كَثِيرَة توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلثمائة
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْجَزرِي يكنى أَبَا اسحق هُوَ الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام الْعَالم المتفنن فِي أَنْوَاع المعارف شيخ الشُّيُوخ وَبَقِيَّة أهل الرسوخ ذُو التصانيف الْكَثِيرَة والمعارف الغزيرة أَخذ عَن عُلَمَاء أفريقية ونجبائها(1/91)
عُلُوم الْعَرَبيَّة وَالْبَيَان وأصوال الدّين وأصول الْفِقْه والمنطق والجدل وَغير ذَلِك وَكَانَ يضْرب فِي كثير من الْعُلُوم بِنَصِيب وافر وَله فِي ذَلِك تصانيف وتعاليق غير أَنه لم يُخرجهَا من مسوداتها ولرداءة خطه ودقته لم يُخرجهَا غَيره مِنْهَا كَيْفيَّة السباحة فِي بحري البلاغة والفصاحة وَرفع الْمَظَالِم عَن كتاب المعالم وَكتاب إِيضَاح غوامض الْإِيضَاح وَكتاب الْمنْهَج الْمغرب فِي الرَّد على المعرب وَكتاب تقصي الْوَاجِب فِي الرَّد على ابْن الْحَاجِب وَكتاب تَحْرِير الْقَوَاعِد الكلامية فِي تَقْرِير الْقَوَاعِد الإسلامية ومنتهى الغايات فِي شرح الْآيَات والإغراب فِي ضبط عوامل الْإِعْرَاب وإنجاز الْبُرْهَان فِي بَيَان إعجاز الْقُرْآن وتحرير الدلالات فِي إِثْبَات النبوات وترغيب الْعباد فِي الحض على الْجِهَاد والقوانين الجلية فِي الاصطلاحات الجدلية والتنبيه على مَا زخرف من التمويه فِي علم الْبَيَان المطلع على إعجاز الْقُرْآن وَله حَظّ من النّظم أَخذ عَن الْأُسْتَاذ أبي عبد الله الرندي وَأبي عبد الله بن عوَانَة وَأبي عبد الله بن علالة وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن جزي وَغَيرهم والجزري بِالْجِيم وَالزَّاي الْمُعْجَمَة الساكنة وَالرَّاء الْمُهْملَة
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم الْقَيْسِي الصفاقسي الْعَلامَة الوحيد الصِّنْف المتفنن وَكَانَ أَخُوهُ شمس الدّين مُحَمَّد قَاضِيا عَالما متفنناً وَمن تآليفهما إِعْرَاب الْقُرْآن الْكَرِيم وَهُوَ من أجل كتب الأعاريب وأكثرها فَائِدَة جدره من الْبَحْر الْمُحِيط للْإِمَام الْعَالم الْعَلامَة أثير الدّين أبي حَيَّان وَمن إِعْرَاب أبي الْبَقَاء وَغير ذَلِك تفقها وتفننا بِالْإِمَامِ الْعَلامَة أبي فَارس عبد الْعَزِيز الْمَعْرُوف بالدزوال وَقد ذكرته فِي حرف الْعين توفّي برهَان الدّين سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
من اسْمه إِسْمَاعِيل من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
اسماعيل ابْن أبي أويس أَبُو عبد الله بن عَم الامام مَالك بن أنس وَابْن أُخْته وَزوج ابْنَته
سمع أَبَاهُ وأخاه وخاله مَالِكًا وَجَمَاعَة روى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم إِسْمَاعِيل القَاضِي وَابْن حبيب وَابْن وضاح خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم مَحَله الصدْق لَا بَأْس بِهِ وَكَانَ مغفلاً توفّي إِسْمَاعِيل سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَسَيَأْتِي أَخُوهُ عبد الحميد فِي حرفه
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة الَّذين ذكرُوا فِي الثَّانِيَة مِمَّن انْتهى إِلَيْهِم فقه مَالك مِمَّن لم يره وَلم يسمع مِنْهُ والتزموا مذْهبه من أهل الْعرَاق والمشرق ثمَّ من آل حَمَّاد بن زيد أَئِمَّة هَذَا الْمَذْهَب وأعلامه بالعراق
إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي ولنبدأ أقبل ذكره بِشَيْء من خبر آل حَمَّاد بن زيد على الْجُمْلَة وجلالة أقدارهم وأقوام مِنْهُم يذكرُونَ فِي هَذَا الْكتاب كَانَت هَذِه البيتة على كَثْرَة رجالها وشهرة أعلامها من أجل بيُوت الْعلم بالعراق وَأَرْفَع مَرَاتِب السؤدد فِي الدّين وَالدُّنْيَا وهم نشرُوا هَذَا الْمَذْهَب هُنَاكَ وعنهم اقتبس فَمنهمْ من أَئِمَّة الْفِقْه ومشيخة الحَدِيث عدَّة كلهم جلة وَرِجَال سنة رُوِيَ عَنْهُم فِي أقطار الأَرْض وانتشر ذكرهم مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَتردد الْعلم فِي طبقاتهم وبيتهم نَحْو ثلثمِائة عَام من زمن جدهم الإِمَام حَمَّاد بن زيد وأخيه سعيد ومولدها فِي نَحْو الْمِائَة إِلَى وَفَاة آخر من وصف مِنْهُم بِعلم وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن أبي يعلى ووفاته قرب أَرْبَعمِائَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد الفرعاني التاريخي لَا نعلم أحدا من أهل الدُّنْيَا بلغ آل حَمَّاد بن زيد وَقَالَ بَنو حَمَّاد من الدُّنْيَا مزية ومنزلة رفيعة وَلنْ يبلغ أحد مِمَّن تقدم من الْقُضَاة مَا بلغُوا من اتِّخَاذ الْمنَازل والضياع وَالْكِسْوَة والآلة ونفاذ الْأَمر فِي جَمِيع الْآفَاق وحسبك ان لَهُم ببادروبا سِتّمائَة بُسْتَان غير مَا لَهُم بِالْبَصْرَةِ(1/92)
وَغَيرهم وَكَانَ فيهم على اتساع الدُّنْيَا لَهُم رجال صدق وَخير وأبهة وورع وَعلم وَفضل وَيَأْتِي من خبرهم فِي الطَّبَقَات والحروف مَا يدل على مكانتهم من الدّين وَالدُّنْيَا هُوَ أَبُو اسحاق اسماعيل ابْن إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم بن لامك الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ مولي آل جرير ابْن حَازِم أَصله من الْبَصْرَة بهَا نَشأ واستوطن بَغْدَاد وَسمع مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَسليمَان بن حَرْب الواشحي وحجاج بن منهال الانماطي ومسددا والمعنبي وَأَبا الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَسمع أَيْضا من أَبِيه وَنصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَأبي بكر بن أبي شبية وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ وَجَمَاعَة غَيرهم وتفقه بِابْن الْمعدل وَكَانَ يَقُول أَفْخَر على النَّاس برجلَيْن بِالْبَصْرَةِ ابْن الْمعدل يعلمني الْفِقْه وَابْن الْمَدِينِيّ يعلمني الحَدِيث روى عَنهُ مُوسَى بن هَارُون وَعبد الله بن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَيحيى بن صاعد وَابْن عَمه يُوسُف بن يَعْقُوب وَابْنه أَبُو عمر القَاضِي وَأَخُوهُ وَإِبْرَاهِيم بن عرفقة نفطويه وَابْن الْأَنْبَارِي والمحاملي وَجَمَاعَة وَغَيرهم وَمِمَّنْ تفقه وروى عَنهُ وَسمع مِنْهُ ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد وابنا بكير وَالنَّسَائِيّ وَابْن المنتاب وَأَبُو بشر الدولابي وَأَبُو الْفرج القَاضِي وَأَبُو بكر بن الجهم وَبكر الْقشيرِي وَالْفِرْيَابِي وَابْن مُجَاهِد الْمقري وَيحيى بن عمر الأندلسي وقاسم بن أصبغ الأندلسي وَخلق عَظِيم وَبِه تفقه أهل الْعرَاق من الْمَالِكِيَّة ذكر ثَنَاء النَّاس عَلَيْهِ ومكانته من الْإِمَامَة فِي الْعُلُوم قَالَ أَبُو بكر بن الْخَطِيب كَانَ إِسْمَاعِيل فَاضلا عَالما متفنناً فَقِيها على مَذْهَب مَالك شرح مذْهبه ولخصه وَاحْتج لَهُ وصنف الْمسند وكتباً عدَّة من عُلُوم الْقُرْآن وَجمع حَدِيث مَالك وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كَانَ إِسْمَاعِيل جمع الْقُرْآن وَعلم الْقُرْآن والْحَدِيث وآثار الْعلمَاء وَالْفِقْه وَالْكَلَام والمعرفة بِعلم اللِّسَان وَكَانَ من نظراء الْمبرد فِي علم كتاب سِيبَوَيْهٍ وَكَانَ الْمبرد يَقُول لَوْلَا اشْتِغَاله برئاسة الْفِقْه وَالْقَضَاء لذهب برئاستنا فِي النَّحْو وَالْأَدب وَحمل من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد وَعنهُ انْتَشَر مَذْهَب مَالك بالعراق وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد القَاضِي إِسْمَاعِيل شيخ الْمَالِكِيَّة فِي وقته وَإِمَام تَامّ الْإِمَامَة يقْتَدى بِهِ وانضاف إِلَى ذَلِك علمه بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ ألف فِيهِ كتبا ككتاب أَحْكَام الْقُرْآن وَهُوَ كتاب لم يسْبق الى مثله وَكتابه فِي القراآت وَهُوَ كتاب جليل الْقدر عَظِيم الْخطر وَكتاب فِي مَعَاني الْقُرْآن وَهَذَانِ الكتابان شهد بتفضيله فيهمَا الْمبرد وَقَالَ نصر بن عَليّ لَيْسَ فِي آل حَمَّاد بن زيد أفضل من إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَفُلَان وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَذكر من بلغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد وَجمع اليه من الْعُلُوم فَقَالَ وَلم تحصل هَذِه الدرجَة بعد مَالك إِلَّا لإسماعيل القَاضِي وَذكره أَبُو عمر والداني فِي طَبَقَات الْقُرَّاء فَقَالَ أَخذ الْقِرَاءَة عَن قالون وَله فِيهِ حرف عَن غَيره قيل لإسماعيل لم جَازَ التبديل على أهل التوارة وَلم يجز على الْقُرْآن فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى فِي أهل التوارة {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} فَوكل الْحِفْظ اليهم وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآن {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَلم يجز التبديل عَلَيْهِم فَذكر ذَلِك للمحاملي فَقَالَ مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن ابْن وضاح الأندلسي وَمر إِسْمَاعِيل بالمبرد فَوَثَبَ إِلَيْهِ وَقبل يَده وأنشده ... فَلَمَّا بصرنا بِهِ مُقبلا ... حللنا الحبا وابتدرنا الْقيام
فَلَا تنكرن قيامي لَهُ ... فَإِن الْكَرِيم يجل الْكِرَام ...(1/93)
وَأنْشد إِسْمَاعِيل ... لَا تعتبن على النوائب ... فالدهر يرغم كل عَاتب
واصبر على حدثاته ... إِن الْأُمُور لَهَا عواقب
وَلكُل صَافِيَة قذى ... وَلكُل خَالِصَة شوائب
كم فُرْجَة مطوية ... لَك بَين أثْنَاء النوائب ... وَذكر بَعضهم مِنْهَا ... ومسرة قد أَقبلت ... من حَيْثُ تنْتَظر المصائب
فاعجب لما هُوَ كَائِن ... إِن الزَّمَان أَبُو الْعَجَائِب ... وَقيل إِن هَذَا الْبَيْت الْأَخير هُوَ لأبي البركات أَيمن بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ وَقَالَ إِسْمَاعِيل مَا عرض لي هم فادح فَذكرت هَذِه الْآيَات إِلَّا رَجَوْت من روح الله عز وَجل مَا يحل عقالي وينعم بالى ثمَّ نزُول عَاقِبَة مَا أحذره إِلَى فَاتِحَة مَا أوثره ولي إِسْمَاعِيل قَضَاء بَغْدَاد وجمعت لَهُ فِي وَقت وَلم تجمتع لأحد قبله وأضيف اليه قَضَاء الْمَدَائِن والنهروانات وَولى قَضَاء أخيرا ذكر هَذَا ابْن حَارِث وَحده وَقَالَ أَبُو عَمْرو الداني ولي إِسْمَاعِيل الْقَضَاء اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة قلت وَمن تَارِيخ ابْن الْخَطِيب أَقَامَ إِسْمَاعِيل على الْقَضَاء نيفاً وَخمسين سنة مَا عزل الاسنتين وَفِي ذَلِك خلاف فَائِدَة دخل عبدون بن صاعد الْوَزير وَكَانَ نَصْرَانِيّا على إِسْمَاعِيل القَاضِي فَقَامَ لَهُ رحب بِهِ فَرَأى إِنْكَار الشُّهُود وَمن حَضَره فَلَمَّا خرج قَالَ لَهُم قد علمت إنكاركم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} الْآيَة وَهَذَا الرجل يقْضِي حوائج الْمُسلمين وَهُوَ سفير بَيْننَا وَبَين المعتضد وَهَذَا من البرفسكت الْجَمَاعَة وَكَانَ رَحمَه الله عفيفا صلبا فطناً وَأما سداد إِسْمَاعِيل فِي الْقَضَاء وَحسن مذْهبه فِيهِ سهولة الْأَمر عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ يلتبس على غَيره فشهرته تغني عَن ذكره وَكَانَ شَدِيدا على أهل الْبدع يرى استتابتهم حَتَّى أَنهم تحاموا بَغْدَاد فِي أَيَّامه وَأخرج دَاوُد بن عَليّ من بَغْدَاد إِلَى الْبَصْرَة لاحداثة مَعَه الْقيَاس وَكَانَ يَقُول من لم تكن لَهُ فراسة لم يكن لَهُ أَن بلَى الْقَضَاء وَقيل لَهُ أَلا تؤلف كتابا فِي آدَاب الْقَضَاء فَقَالَ اعْدِلْ وَمد رجليك فِي مجْلِس الْقَضَاء وَهل أدب غير الْإِسْلَام قَالَ أَبُو طَالب الْمَكِّيّ كَانَ إِسْمَاعِيل من عُلَمَاء الدُّنْيَا وسَادَة الْقُضَاة وعقلانهم ذكر تآليفه ووفاته تآليفه رَحمَه الله كَثِيرَة مفيدة أصُول فِي فنونها فَمِنْهَا موطؤه وَكتاب فِي القراآت وَكتاب أَحْكَام الْقُرْآن وَكتاب مَعَاني الْقُرْآن وَإِعْرَابه خَمْسَة وَعِشْرُونَ جزأ وَكتاب الرَّد على مُحَمَّد بن الْحسن مِائَتَا جُزْء وَلم يتم وَكتابه فِي الرَّد على أبي حنيفَة وَكتابه فِي الرَّد على الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة الْخمس وَغَيره وَكتاب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه ومختصره وَكتاب الْأَمْوَال والمغازي وَكتاب الشَّفَاعَة وَكتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب الْفَرَائِض مُجَلد وزيادات الْجَامِع من الْمُوَطَّأ أَرْبَعَة أَجزَاء وَله كتاب كَبِير عَظِيم يُسمى شَوَاهِد الْمُوَطَّأ فِي عشر مجلدات وَذكر أَنه خَمْسمِائَة جُزْء وَكتاب مُسْند يحيى بن يزِيد الْأنْصَارِيّ ومسند حَدِيث ثَابت الْبنانِيّ ومسند حَدِيث مَالك بن أنس ومسند حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ومسند حَدِيث أبي هُرَيْرَة وجزء حَدِيث أم زرع وَكتاب الْأُصُول وَكتاب الِاحْتِجَاج(1/94)
بِالْقُرْآنِ مجلدان وَكتاب السّنَن وَكتاب الشُّفْعَة وَمَا روى فِيهَا من الْآثَار ومسئلة الْمَنِيّ يُصِيب الثَّوْب وَكتاب الْمعَانِي الْمَذْكُور كَانَ ابتدأه أَبُو الْقَاسِم بن سَلام بلغ فِيهِ إِلَى الْحَج أَو الْأَنْبِيَاء ثمَّ تَركه فَلم يكمله وَذَلِكَ أَن ابْن حَنْبَل كتب إِلَيْهِ بَلغنِي أَنَّك تؤلف كتابا قي القراآت أَقمت فِيهِ الْفراء وَأَبا عبيد أَئِمَّة يحْتَج بهما فِي مَعَاني الْقُرْآن فَلَا تفعل فَأَخذه إِسْمَاعِيل وَزَاد فِيهِ زِيَادَة وانْتهى إِلَى حَيْثُ انتهي أَبُو عبيد وَذكر أَنه توفّي فَجْأَة وَقت صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لثمان بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَعبد الي ابْنه الْحسن والى ابْن عَمه يُوسُف بن يَعْقُوب وَصلى عَلَيْهِ ابْن عَمه يُوسُف وَورث خطته من الْإِمَامَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا بَنو عَمه مولده سنة مِائَتَيْنِ وَتوفى وهوابن اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْقَيْسِي ثمَّ الْمصْرِيّ رفع نسبه إِلَى قيس بن غيلَان من مصر يكنى أَبَا الْقَاسِم وَيعرف بِابْن الطَّحَّان قرطبي كَانَ من أهل الْفِقْه والْحَدِيث غلب عَلَيْهِ الحَدِيث وَله فِي الْمُدَوَّنَة اخْتِصَار مَعْرُوف ووكان عَالما بالآثار وَالسّنَن حَافِظًا للْحَدِيث وَرِجَاله وأخبارهم حسن الحاكية كثير الْفَائِدَة يعْتَمد النَّاس عَلَيْهِ فِي أُمُورهم سمع من قَاسم بن أصبغ وَابْن الْخُشَنِي والرعيني وَابْن دُحَيْم وَابْن أبي دلهم وَابْن الْأَحْمَر وَابْن مطرف وَأحمد بن حزم وخَالِد بن سعد وَحسان بن عبد الله الأستجي وَغَيرهم وَكَانَ أَكثر وقته تصنيفاً فِي الحَدِيث والتواريخ وَخرج فِي غير نوع من المصنفات سمع كثيرا وانتفع بِهِ أهل الكور لِصَبْرِهِ على الْمُوَاظبَة على الْجُلُوس كَانَ يعْقد الشُّرُوط ويفني وَكَانَ فتياه بِمَا ظهر لَهُ من الحَدِيث توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ مولده سنة خمس وثلاثمائة
وَمن أهل إشبيلية
إِسْمَاعِيل بن هَارُون بن على اللَّخْمِيّ اشبيلي أَبُو الْوَلِيد الْمُزنِيّ رُوِيَ عَن أبي بكر بن العرفق وَيحيى بن مُوسَى بن عبد الله التوزالي وَأبي الْحسن شُرَيْح وَكَانَ فَقِيها بَصيرًا بالفتوى والنوزال إِمَامًا مشاوراً كثير الذّكر للمسائل وَمن أهل الْإسْكَنْدَريَّة أَبُو الطَّاهِر بن عَوْف هُوَ الامام صدر الدّين
إِسْمَاعِيل بن مكي بن إِسْمَاعِيل بن عِيسَى بن عَوْف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن عبد الْملك بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن حميد بن عبد الرحمن بن عَوْف صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ قَالَ أَبُو الْحسن على بن الْحِمْيَرِي هَكَذَا كتب لي نسبه بِخَطِّهِ قَالَ وَكَانَ ابْن عَوْف رَحمَه الله تَعَالَى إِمَام عصره وفريد دهره فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَعَلِيهِ مدَار الْفَتْوَى وَجمع إِلَى ذَلِك الْوَرع والزهد وَكَثْرَة الْعِبَادَة والتواضع التَّام ونزاهة النَّفس وَذكره الْحَافِظ الْعَلامَة وحيد الدّين أَبُو المظفر مَنْصُور بن سليم فَقَالَ كَانَ من الْعلمَاء الْأَعْلَام ومشايخ الاسلام ظَاهر الْوَرع وَالْفَتْوَى كتب عَنهُ الْحَافِظ السلَفِي وروى عَنهُ الْحَافِظ شرف الدّين بن الْمَقْدِسِي وَبَيت ابْن عَوْف بثغر الْإسْكَنْدَريَّة بَيت كَبِير شهير بِالْعلمِ كَانَ فِيهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن هِلَال سَمِعت أَنه اجْتمع سَبْعَة فِي وَقت وَاحِد وَكَانُوا إِذا دخلُوا على الامام أبي سَنَد بن عنان مؤلف كتاب الطّراز يَقُول أَهلا بالفقهاء السَّبْعَة تَشْبِيها لَهُم بالفقهاء السَّبْعَة أَئِمَّة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قَالَ وَسمعت القَاضِي فَخر الدّين أَبَا الْعَبَّاس بن الربعِي يَقُول إِن ولد أبي الطَّاهِر بن عَوْف هُوَ مؤلف شرح التَّهْذِيب الْمَعْرُوف بالعوفية قَالَ ابْن هِلَال وَهُوَ نَفِيس الدّين أَبُو الْحرم مكي ألف شرحا عضيما على(1/95)
التَّهْذِيب لأبي سعيد البرادعي وعدة مجلداته سِتَّة وَثَلَاثُونَ مجلداً وَكَانَ يُقَيِّدهُ على دروسه الَّتِي كَانَ يلقيها فِي الْمدرسَة العوفية وَكَانَ يحضر عِنْده ويتحرر بَينهم بحوث فيكتبها فِي الْحَوَاشِي فكمل على هَذَا الْحَال وَلما قدم من الْمغرب ابْنا الإِمَام أبي زيد وَأَخُوهُ نسخاه وأنفقا فِي نُسْخَة مَالا عَظِيما وَهُوَ الْآن فِي خزانَة سُلْطَان فاس بالمغرب بِهِ نُسْخَة وقف وَهِي الَّتِي بِخَط الْمُؤلف أخذت فِي تَرِكَة بيبرس الْجِدَار نَائِب السلطنة بالثغر المحروس لما عزل وبيعت بِالْقَاهِرَةِ المحروسة فاشتراها قَاضِي الْقُضَاة الأخنائي الْمَالِكِي وهوكتاب نَفِيس إِلَى الْغَايَة ووقفت على مجلدة قد نسخت مِنْهَا قيل إِنَّهَا من تجزئة خمسين مجلداً فِي أسفار كبار فعددت خَمْسَة كراريس وَنصفا فِي مسطرة سَبْعَة وَعشْرين سطراً فِي الْكَلَام على سُجُود التِّلَاوَة فَقَط قَالَ ابْن هِلَال وَرَأَيْت لأبي الْحرم الْمَذْكُور شرح الْجلاب فِي عشر مجلدات وَهُوَ بِخَطِّهِ رَحمَه الله وَقد اشْتَمَل على فقه جيد وتوجيه حسن ولنرجع الي تَتِمَّة تَرْجَمَة ابْن عَوْف وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب يعظم ابْن عَوْف ويراسله ويستفتيه وَقيل إِنَّه كَانَ السَّبَب فِي تَجْدِيد الصَّادِر بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ شَيْء وظفه السُّلْطَان على تجار النَّصَارَى اذ اصدر وامن الْإسْكَنْدَريَّة زَائِدا على الْعشْر رتبه لفقهاء الثغر دَنَانِير تصرف فِي كل شهر وَجعل لَهُ نَاظرا وشهوداً أوقفهُ عَلَيْهِم وعَلى ذُرِّيتهمْ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو الطَّاهِر بن عَوْف ربيب الإِمَام أبي بكر الطرطوشي وَقيل إِن خَالَته كَانَت تَحت الطرطوشي وَعَلِيهِ تفقه وَبِه انْتفع فِي عُلُوم شَتَّى وَله مصنفات قَالَ ابْن هِلَال رَأَيْت لَهُ مجلداً فِي الرَّد على الْمُنْتَصر وَهُوَ رجل يَدعِي الْعلم وَلَيْسَ من أَهله صنف كُنَّا باسماه الفاضح واعتقد أَنه نقض بِهِ الشَّرِيعَة المحمدية وَادّعى فِيهَا تناقضاً فِي الْأَحْكَام وَكَانَ جَاهِلا مُصحفا فَمَا صحف قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور بقوله خمرة طيبَة وَقَالَ انْظُر كَيفَ يَقُول خمرة طيبَة وَهُوَ يحرم شرب الْخمر وصنف الإِمَام الرَّازِيّ ردا سَمَّاهُ قطع لِسَان البائح وللشيخ أبي الطَّاهِر تذكرة التَّذْكِرَة فِي أصُول الدّين وَغير ذَلِك من التآليف وانتفع بِهِ النَّاس وَعمر مولده سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة توفى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَله سِتّ وَتسْعُونَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه إِسْحَاق من الطَّبَقَة الْخَامِسَة الَّذين انْتهى إِلَيْهِم فقه مَالك والتزموا مذْهبه مِمَّن لم يره وَلم يسمع مِنْهُ من أهل الأندلس
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مَسَرَّة أَبُو إِبْرَاهِيم التجِيبِي مَوْلَاهُم يُقَال إِنَّه مولى بني هِلَال التجيبيين من أهل طليطلة كَانَ هُوَ طليطلي الأَصْل وَسكن قرطبة لطلب الْعلم ثمَّ استوطنها سمع بِبَلَدِهِ من وسيم وَعُثْمَان بن يُونُس ووهب بن عِيسَى وَابْن أبي تَمام وبقرطبة من أبي الْوَلِيد وَابْن لبَابَة وَأسلم بن خَالِد وَابْن أَيمن وَمُحَمّد بن قَاسم وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم وَأكْثر أَخذه عَن ابْن لبَابَة وَابْن خَالِد وَبِهِمَا تفقه كَانَ خيرا فَاضلا دينا ورعاً مُجْتَهدا عابداً من أهل الْعلم والفهم وَالْعقل وَالدّين المتين والزهد والتقشف والبعد من السُّلْطَان لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم حَافِظًا للفقه على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه مُتَقَدما فِيهِ صَدرا فِي الْفَتْوَى وَكَانَ يناظر عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَحدث وَسمع مِنْهُ جمَاعَة وَكَانَ وقوراً مهيباً وَلم يكن لَهُ بِالْحَدِيثِ كَبِير علم وَلم يكن فِي عصره أبين مِنْهُ خيرا وَلَا أكمل ورعاً من الْمَشَاهِير فِي الْجمع وَالْعلم وَالْحِفْظ مُطَاعًا صلباً فِي الْحق لم يكن يتَكَلَّم فِي الْعلم مَعَ اصحابه بالتسهيل بالتسهيل من الراسخين فِي الْعلم وَله كتاب النصائح الْمَشْهُور وَكتاب(1/96)
معالم الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَكَانَ الْحَاكِم أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعظما لَهُ وَكَانَ قَلِيل الهيبة للملوك متصرفاً مَعَ الْحق حَيْثُمَا تصرف وَتُوفِّي إِسْحَاق بطليطلة لَيْلَة الْجُمُعَة فِي رَجَب لعشر بَقينَ مِنْهُ سنة اثْنَيْنِ وَقيل أَربع وَخمسين وثلاثمائة وسنه خمس وَتسْعُونَ سنة وَرَأى قبل مَوته سنة إِحْدَى وَخمسين أَنه مَاتَ وَأَن الْمَلَائِكَة تتوفاه فَخرجت رُؤْيَاهُ على وَجههَا
إِسْحَاق بن الْفُرَات أَبُو نعيم التجِيبِي صَاحب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مَا رَأَيْت بِمصْر أعلم باخْتلَاف النَّاس من اسحق بن الْفُرَات وَقد روى إِسْحَاق عَن حميد بن هانىء وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهمَا توفّي قَاضِيا بِمصْر فِي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ
من اسْمه أصبغ من الطَّبَقَة الأولى الَّذين انْتهى إِلَيْهِم فقه مَالك والتزموا مذْهبه مِمَّن لم يره وَلم يسمع مِنْهُ أهل مصر
أصبغ بن الْفرج بن سعيد بن نَافِع مولى عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان يكنى أَبَا عبد الله سكن الْفسْطَاط روى عَن الراوردى وَيحيى بن سَلام وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَغَيرهم وَكَانَ قد رَحل إِلَى الْمَدِينَة ليسمع من مَالك فَدَخلَهَا يَوْم مَاتَ وَصَحب ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وَسمع مِنْهُم وتفقه مَعَهم كَانَ فَقِيه الْبَلَد ماهراً فِي فقهه طَوِيل اللِّسَان حسن الْقيَاس نظاراً من أفقه الطَّبَقَة وَهُوَ أجل أَصْحَاب ابْن وهب صَدُوق ثِقَة كَانَ كَاتب ابْن وهب وأخص النَّاس بِهِ روى عَنهُ الذَّهَبِيّ وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن أَسد الْخُشَنِي وَابْن وضاح وَسَعِيد بن حسان وَغَيرهم وَعَلِيهِ تفقه ابْن الْمَوَّاز وَابْن حبيب وَأَبُو زيد الْقُرْطُبِيّ وَابْن مزين وَغَيرهم وَقيل لأَشْهَب من لنا بعْدك قَالَ أصبغ بن الْفرج وَقَالَ ابْن وهب لَوْلَا أَن ان تكون بِدعَة لسورناك ياأصبغ كَمَا تسور الْمُلُوك فرسانها قَالَ ابْن اللباد مَا انْفَتح لي طَرِيق الْفِقْه إِلَّا من أصُول أصبغ وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون مَا أخرجت مصر مثل أصبغ قيل لَهُ وَلَا ابْن الْقَاسِم قَالَ وَلَا ابْن الْقَاسِم كلفاً مِنْهُ بِهِ وَكَانَ يستفتى مَعَ أَشهب وَغَيره من شُيُوخه وَقَالَ ابْن معِين كَانَ أصبغ من أعلم خلق الله كلهم بِرَأْي مَالك يعرفهَا مَسْأَلَة مَسْأَلَة وَمَتى قَالَهَا وَمن خَالفه فِيهَا وَله تآليف حسان ككتاب الْأُصُول لَهُ عشرَة أَجزَاء وَتَفْسِير غَرِيب الْمُوَطَّأ وَكتاب آدَاب الصّيام وَكتب سَمَاعه من ابْن الْقَاسِم اثْنَان وَعِشْرُونَ كتابا وَكتاب الْمُزَارعَة وَكتاب آدَاب الْقَضَاء وَكتاب الرَّد على أهل الْأَهْوَاء وَقَالَ أصبغ أَخذ ابْن الْقَاسِم يَوْمًا بيَدي وَقَالَ أَنا وَأَنت فِي هَذَا الْأَمر سَوَاء فَلَا تَسْأَلنِي عَن الْمسَائِل الصعبة بِحَضْرَة النَّاس وَلَكِن بيني وَبَيْنك حَتَّى أنظر وَتنظر وَتُوفِّي أصبغ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو نصر الكلاباذي توفّي سنة أَربع ومولده بعد الْخمسين وَمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة من أهل الأندلس
أصبغ بن خَلِيل قرطبي يكنى أَبَا الْقَاسِم سمع بالأندلس من الفارابي وَعِيسَى وَيحيى بن مُضر وَمُحَمّد بن عِيسَى الْأَعْمَش وَيحيى بن يحيى ورحل فَسمع من أصبغ وَسَحْنُون حدث عَنهُ أَحْمد بن خَالِد وَابْن أَيمن وَمُحَمّد بن قَاسم وقاسم بن أصبغ كَانَ بَصيرًا بالوثائق والشروط ذَا فقه حسن عَالما فَقِيها ورعاً فطناً بالمسائل وَالْفِقْه حسن القريحة وَالْقِيَاس والتمييز من الْحفاظ للرأي على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه فَقِيها دارت عَلَيْهِ الْفتيا خمسين عَاما وَطَالَ عمره وَكَانَ الا كنافي يثني عَلَيْهِ توفى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وعمره ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة
أصبغ ابْن الْفرج بن الْفَارِس الطَّائِي أَبُو الْقَاسِم قرطبي أحد أكَابِر عُلَمَاء قرطبة وزعماء الْمُفْتِينَ بهَا(1/97)
كَانَ فَقِيها جَلِيلًا بَصيرًا بِرَأْي مَالك وَأَصْحَابه عَارِفًا بِعلم الوثائق وَلَقي النَّاس بالمشرق وَولي الْقَضَاء فحمدت سيرته توفّي سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة وَذكر ابْن بشكوال أَنه توفّي سنة أَرْبَعمِائَة
من اسْمه أَيُّوب
أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن صَالح بن هشيم الْمعَافِرِي أَبُو صَالح الْقُرْطُبِيّ كَانَ فَقِيها حَافِظًا مفتيا دارت الشورى عَلَيْهِ وعَلى صَاحبه ابْن لبَابَة فِي أيامهما سمع من الْعُتْبِي وَغَيره توفى سنة احدى وثلاثمائة ذكره ابْن سهل فِي أَحْكَامه أَيُّوب بن أَحْمد بن رَشِيق الثَّعْلَبِيّ مَوْلَاهُم كَانَ سكن شاطبة كنيته أَبُو الْقَاسِم هُوَ جد عبد الْعَزِيز بن مكي بن أَيُّوب كَانَ فَقِيها حَافِظًا أدبياً شَاعِرًا صنف فِي النَّفَقَات والحضانات تأليفاً حسنا
الْأَفْرَاد فِي حرف الْألف
أبان بن عِيسَى بن دِينَار من أهل الأندلس من الطَّبَقَة الثَّانِيَة الَّذين لم يرَوا مَالِكًا وَسَتَأْتِي نسبته فِي حرف عِيسَى سكن قرطبة يكنى أَبَا الْقَاسِم سمع من أَبِيه ورحل فلقي سحنوناً وَعلي بن معبد وَغَيرهمَا وَسمع بِالْمَدِينَةِ من ابْن كنَانَة وَابْن الْمَاجشون ومطرف وروى عَنهُ مُحَمَّد ابْن وضاح وقاسم بن وَمُحَمّد بن لبَابَة وَكَانَ فَقِيها وَغلب عَلَيْهِ الزّهْد والورع وشوور بقرطبة مَعَ ابْن حبيب وَأصبغ بن خَلِيل وَعبد الْأَعْلَى بن وهب ولي قَضَاء طليطلة سُئِلَ أبان عَمَّن لَهُ غرفَة أَرَادَ أَن يفتح لَهَا بَابا على مَقْبرَة فَقَالَ لَا يجوز أَن يَفْتَحهُ على مَقْبرَة الْمُسلمين وَسمع مِنْهُ أَبُو صَالح والاكنافي وَابْن حميد وَمُحَمّد بن غَالب الصفار وطبقتهم مِمَّن بعدهمْ قَالَ الاكنافي لم أر أحد اولا سَمِعت فِي الدُّنْيَا بِمن كَانَ لَهُ هبية أبان بن عِيسَى توفّي يَوْم الْجُمُعَة نصف ربيع الاخير سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل افريقية
أَسد ابْن الْفُرَات ابْن سِنَان مولى بني سليم بن قيس كنيته أَبُو عبد الله أَوله من نيسابور وَولد بحران من ديار أبي بكر قدم أَبوهُ وَأمه حَامِل بِهِ ثمَّ تعلم الْقُرْآن ثمَّ اخْتلف إِلَى عَليّ بن زِيَاد بتونس فَلَزِمَهُ تعلم مِنْهُ وتفقه بِهِ ثمَّ إِلَى الْمشرق فَسمع من مَالك موطأه وَغَيره ثمَّ ذهب إِلَى الْعرَاق فلقي أَبَا يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَأسد بن عَمْرو وَكتب عَن هشيم وَيحيى بن أبي زَائِدَة وَأبي بكر بن عَيَّاش وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ أَبُو يُوسُف موطأ مَالك وتفقه أَسد أَيْضا بأصحاب أبي حنيفَة قَالَ سَحْنُون عَلَيْكُم بالمدونة فَإِنَّهَا كَلَام رجل صَالح وَرِوَايَته وَكَانَ يَقُول انما الْمُدَوَّنَة من الْعلم نمنزلة أم الْقُرْآن تجزى فِي الصَّلَاة عَن غَيرهَا وَلَا يجزى غَيرهَا عَنْهَا أفرغ الرِّجَال فِيهَا عُقُولهمْ وشرحوها وبينوها فَمَا اعْتكف أحد على الْمُدَوَّنَة ودراستها إِلَّا عرف فِي ورعه وزهده وَمَا عَداهَا أحد إِلَى غَيرهَا الاعرف ذَلِك فِيهِ وَكَانَ أَسد ثِقَة لم يزن ببدعة وَكَانَ يَقُول أَنا أَسد وَهُوَ خير الْوَحْش وَأبي الْفُرَات وَهُوَ خير الْمِيَاه وجدي سِنَان وهوخير السِّلَاح وَكَانَت وَفَاة أَسد فِي حِصَار سرقوسة من غَزْوَة صقلية وَهُوَ أَمِير الْجَيْش وقاضيه سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة أَربع عشرَة وقبره ومسجده بصقلية مولده سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة بحران وَقيل سنة ثَلَاث وَقيل سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين وَكَانَ قدومه من الْمشرق سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
أَشهب بن عبد الْعَزِيز بن دَاوُد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عمر الْقَيْسِي العامري الْجَعْدِي من ولد جعدة بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر اسْمه مِسْكين وَهُوَ من أهل مصر من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك وَأَشْهَب لقب روى عَن مَالك وَاللَّيْث والفضيل(1/98)
ابْن عِيَاض وَجَمَاعَة غَيرهم روى عَنهُ بَنو عبد الْكَرِيم والْحَارث بن مِسْكين وَسَحْنُون بن سعيد وَجَمَاعَة وَقَرَأَ على نَافِع وتفقه بِمَالك والمدنيين والمصريين قَالَ الشَّافِعِي مَا رَأَيْت أفقه من أَشهب وانتهت اليه الرِّئَاسَة بِمصْر بعد ابْن الْقَاسِم وَسُئِلَ سَحْنُون عَن ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب أَيهمَا أفقه فَقَالَ كَانَا كفرسي رهان وَرُبمَا وفْق هَذَا وخذل هَذَا وَرُبمَا خذل هَذَا ووفق هَذَا وَقَالَ حَدثنِي المتحري فِي سَمَاعه أَشهب وَمَا كَانَ أصدقه وأخوفه لله وَقَالَ كَانَ ورعاً فِي سَمَاعه وَعدد كتب سَمَاعه عشرُون كتابا وَقَالَ ابْن عبد الْبر لم يدْرك الشَّافِعِي بِمصْر من أَصْحَاب مَالك إِلَّا أَشهب وَابْن عبد الحكم وَأخذ عَن الشَّافِعِي هُوَ وَابْن عبد الحكم وَولد أَشهب سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَقيل سنة خمسين وَمِائَة وَتُوفِّي بِمصْر سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ بعد الشَّافِعِي بِثمَانِيَة عشر يَوْمًا
إِدْرِيس بن عبد الْملك بن أدريس أبي الْعَلَاء الانصاري الْمَالِكِي الإسكندري ذكره أَبُو المظفر مَنْصُور بن سليم فِي تَارِيخ الاسكندرية وَذكره عِيسَى ابْن عبد الْعَزِيز اللَّخْمِيّ فِي فهرسته وَقَالَ إِنَّه اختصر الْجلاب فِي الْفِقْه رَحمَه الله تَعَالَى
أسلم ابْن عبد الْعَزِيز الْأمَوِي الأندلسي الْمَالِكِي أَبُو الْجَعْد كَانَ نبيلاً رَئِيسا كَبِير الشَّأْن رَحل فَسمع من يُونُس بن عبد الْأَعْلَى والمزني وَصَحب تَقِيّ الدّين بن مخلد وَصَحبه طَويلا ورحل إِلَى الْمشرق سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فلقي بِمصْر الْمُزنِيّ الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن عبد الحكم وَيُونُس وَالربيع وَغَيرهم وَولي الْقَضَاء بالأندلس فَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة من عُيُون الْقُضَاة فِي إِيثَار الْحق ونفوذه وَكَانَ صَارِمًا لَا مواراة عِنْده ثمَّ استعفى فأعفي بعد أَن كف بَصَره وَكَانَ رفيع الدرجَة فِي الْعلم وعلو الهمة فِي الدِّرَايَة وَبعد الرحلة فِي طلب الْعلم ولقاء أَهله توفّي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة وَهُوَ فِي عشر التسعين
من يعرف بكنيته
أَبُو أَحْمد بن جزي الْكَلْبِيّ كَانَ شَيخا جَلِيلًا ورعاً زاهداً عابداً متقللاً من الدُّنْيَا وَكَانَ فَقِيها مُفَسرًا وَله تَفْسِير الْقُرْآن الْعَزِيز توفّي فِي حُدُود الْعشْرين وسِتمِائَة
أَبُو أَحْمد بن أبي بكر بن مُسَافر بن أبي بكر بن أَحْمد بن عبد الرفيع اليمني الْمَالِكِي الشهير بِابْن زيتون قَاضِي الْجَمَاعَة بتونس الْفَقِيه الأصولي الْعَلامَة الملقب تَقِيّ الدّين ويكنى أَيْضا بِأبي الْفضل ولي قَضَاء تونس مرَّتَيْنِ وَذكره الغرناطي فِي طبقاته وَقَالَ فِي نسبته واسْمه أَبُو الْقَاسِم تفقه بِمَدِينَة تونس على أبي عبد الله السُّوسِي وَابْن الْقَاسِم بن المرأس وَغَيرهمَا ورحل إِلَى الْمشرق رحلتين الأولى فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة أَخذ فِيهَا عَن شمس الدّين الخسر وشاهي أَخذ عَنهُ الْأَصْلَيْنِ وسراج الدّين الأرموي وَعز الدّين بن عبد السَّلَام الشَّافِعِي وفخر الدّين البندهي وَسمع الحَدِيث من الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَجَمَاعَة غَيره وَحج وَرجع إِلَى تونس بِعلم كثير وَرِوَايَة وَاسِعَة ثمَّ رَحل ثَانِيَة سنة سِتّ وَخمسين فَأَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ وبمدرسة الصاحب بن شكر ثمَّ حج وَرجع إِلَى تونس فولي بهَا قَضَاء الْقُضَاة وَعظم مَحَله ونبل قدره وانتفع النَّاس بِهِ كَانَ إِمَامًا عَالما ذَا فضل وَدين حسن الْخلق والخلق قَالَ أَبُو عبد الله بن رشيد كَانَ أَبُو الْقَاسِم مِمَّن أعز الْعلم وصان نَفسه عَن الضعة والابتذال وأعانه على ذَلِك الْجدّة وسعة الْحَال وَكَانَ المفزع إِلَيْهِ فِي الْفتيا بتونس وَهُوَ أول من أظهر تآليف فَخر الدّين بن الْخَطِيب الْأُصُولِيَّة بإقرائه إِيَّاهَا بِمَدِينَة تونس قَالَه الشَّيْخ عفيف الدّين عَن(1/99)
الشَّيْخ أبي الطّيب النفزاوي وَكَانَ مَجْلِسه يغص بصدور طلاب الْعلم وَكَانَ مهيباً وقوراً مولده فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة وَتُوفِّي بتونس سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة
أَبُو الْحُسَيْن ابْن أبي بكر بن أبي الْحُسَيْن الْكِنْدِيّ الإسكندري قَاضِي الْقُضَاة وَشَيخ الْعلمَاء وحيدر عصره وفريد زَمَانه سمع من شرف الدّين الدمياطي وَحدث وصنف وَأفْتى ودرس وانتفع بِهِ النَّاس مولده سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة توفّي بالاسكندرية احدى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
ابو حَاتِم الضريري كَانَ ذَا مُشَاركَة فِي الْفِقْه وَالْأَدب ورجز مُخْتَصر أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن عبيد الطليطلي فِي الْفِقْه وأكمله فِي أرجوزة مزدوجة وَمن حرف الْألف أَيْضا من عرف بِأَبِيهِ
ابو سميرة إشبيلي ذكره وَأَبُو الْعَبَّاس بن هَارُون لَهُ تصانيف كَثْرَة ومقيدات جمة وَهُوَ أحد شُهُود إشبيلية وَكَانَ شَيخا أَصمّ شَدِيد الصمم مَوْصُوفا بِعظم اللِّحْيَة
حرف الْبَاء
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة الَّذين انْتهى اليهم فقه مَالك وَلم يوره وَلم يسمعوا مِنْهُ والتزموا مذْهبه من الْعرَاق
بكر بن الْعَلَاء الْقشيرِي هُوَ بكر بن الْعَلَاء بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن الْوَلِيد كنيته أَبُو الْفضل وَأمه من ولد عمرَان بن حُصَيْن صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة وانتقل إِلَى مصر وَهُوَ من كبار فُقَهَاء المالكيين رِوَايَة للْحَدِيث مَذْكُور فِيهَا أَصْحَاب إِسْمَاعِيل وَقيل إِنَّه لم يدْرك إِسْمَاعِيل وَلَا سمع مِنْهُ وَقد حدث بكر عَن إِسْمَاعِيل فِي كتبه بِالْإِجَازَةِ وَلَا يبعد سَمَاعه من اسماعيل اذ قد أركه بِالسِّنِّ كَمَا ترَاهُ فِي وَفَاته وسنه وَسمع من كبار أَصْحَاب اسماعيل وَغَيرهم كَابْن خشنام والبرنكاني وَالْقَاضِي أبي عمر وَإِبْرَاهِيم بن حَمَّاد وجعفر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ وروى عَن مُحَمَّد بن صَالح الطَّبَرِيّ وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم وَسَعِيد ابْن عبد الرَّحْمَن الْكَرَابِيسِي وَأبي خَليفَة الجُمَحِي وَغَيرهم من أَئِمَّة الْفِقْه والْحَدِيث حدث عَنهُ من لَا يعد كَثْرَة من المصريين والأندلسيين والقرويين وَغَيرهم وَمِمَّنْ حدث عَنهُ ابْن عزاك والمعالي وَأَبُو مُحَمَّد النّحاس وَابْن مفرج وَابْن عيشون وَأحمد بن ثَابت وَابْن عون الله وَغَيرهم كَانَ بكر من كبار الْفُقَهَاء المالكين بِمصْر وتقلد أعمالاً للْقَضَاء وَكَانَ راوية للْحَدِيث عَالما بِمَالِه من الْعِلَل وَخرج من الْعرَاق لأمر اضطره فَنزل مصر قبل الثَّلَاثِينَ والثلاثمائة وَأدْركَ فِيهَا رئاسة عَظِيمَة وَكَانَ قد ولي الْقَضَاء بِبَعْض نواحي الْعرَاق وَعَزاهُ أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي فِي شُيُوخ المالكيين الَّذين لَقِيَهُمْ وانتمى إِلَيْهِم وَألف بكر كتبا جليلة مِنْهَا كتاب الْأَحْكَام الْمُخْتَصر من كتاب إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ وَكتاب الرَّد على الْمُزنِيّ وَكتاب الا شربة وَهُوَ بعض كتاب الطَّحَاوِيّ وَكتاب أصُول الْفِقْه وَكتاب الْقيَاس وَكتاب الرَّد على الْقَدَرِيَّة وَكتاب من غلط فِي التَّفْسِير والْحَدِيث ومسئلة الرَّضَاع ومسئلة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ورسالة إِلَى من جهل مَحل مَالك بن أنس فِي الْعلم وَكتاب مَأْخَذ الْأُصُول وَكتاب تَنْزِيه الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَكتاب مَا فِي الْقُرْآن من دَلَائِل النُّبُوَّة وَغير ذَلِك وَذكر أَن بكر وَقَالَ احْتبسَ بولِي وَأَنا صبي نَحْو سَبْعَة أَيَّام فَأتى بِي وَالِدي إِلَى سهل التسترِي ليدعو لي فَمسح بِيَدِهِ على بَطْني فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرجنَا بلت على عنق الْغُلَام وَتُوفِّي بِمصْر لَيْلَة السبت لسبع بَقينَ من ربيع الأول سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ سنة بأشهر وَدفن بالمقطب
البهلول بن رَاشد أَبُو عَمْرو من أهل القيروان من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك كَانَ(1/100)
ثِقَة مُجْتَهدا ورعاً مستجاب الدعْوَة كَانَ عِنْده علم كثير سمع من مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهم سمع مِنْهُ سَحْنُون وَيحيى بن سَلام وَجَمَاعَة رُوِيَ عَنهُ القعني عبد الله بن مسلمة وَقَالَ هُوَ وتد من أوتاد الْمغرب وَنظر إِلَيْهِ مَالك فَقَالَ هَذَا عَابِد مولده سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَقيل ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
من لم يعرف بِغَيْر كنيته من الطَّبَقَة السَّادِسَة الَّذين انْتهى إِلَيْهِم فقه مَالك مِمَّن لم يره وَلم يسمع مِنْهُ والتزموا مذْهبه من الْعرَاق من غير آل حَمَّاد بن زيد
أَبُو بكر بن علوِيَّة الْأَبْهَرِيّ أَخذ عَنهُ أَبُو سعيد الْقزْوِينِي وتفقه بِهِ وَنقل من كَلَامه كثيرا فِي كتبه وَله كتاب فِي مسَائِل الْخلاف وَكَانَ من الْفُقَهَاء النظار الْمُحَقِّقين وَجلة أَئِمَّة المالكيين قَالَ أَبُو سعيد الْقزْوِينِي ذكر شَيخنَا ابو بكر بن علوِيَّة مسئلة النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة فَقَالَ لم ينص على هَذِه المسئلة مَالك قَالَ وَذكر ابْن الْمَوَّاز عَن ابْن الْقَاسِم انه سُئِلَ عَنْهَا(1/101)
قَالَ مَالك فِي البيع إِذا قَالَ وهبت مِنْك بِثمن كَذَا أَنه بِمَنْزِلَة بِعْتُك فَكَذَلِك النِّكَاح مَعَ ذكر الصَدَاق قَالَ الْقزْوِينِي فَقلت لَهُ فَلَو قَالَ بعتكها أَو أجرتكها أَو ملكتها أَو أبحتها أَو حللتها أَو خُذْهَا إِلَيْك وَمَا أشبه ذَلِك قَالَ لَيْسَ فِيهِ نَص وَالَّذِي علل بِهِ أَصْحَابنَا يُوجب أَن يكون الْبَاب وَاحِدًا وَيجوز وَيَقَع بِهِ العقد مَتى ذكر الصَدَاق لَا نهما مختصان بِهَذَا
حرف الثَّاء
من اسْمه ثَابت من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من أهل الأندلس
ثَابت بن حزم بن عبد الرَّحْمَن بن مطرف بن سُلَيْمَان بن يحيى الْعَوْفِيّ السَّرقسْطِي أَبُو الْقَاسِم سمع بالاندلس من ابْن وضاح والخشني وَعبد الله بن ميسرَة وَمُحَمّد بن الْغَاز وَغَيرهم ورحل مَعَ ابْنه قَاسم فَسمع بِمَكَّة من ابْن الْجَارُود وَمُحَمّد بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأحمد بن حَمْزَة وبمصر من الْبَزَّار وَالنَّسَائِيّ عَالم متفنن بَصِير بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه والنحو والعربية وَالشعر قيل إِنَّه استقضي بِبَلَدِهِ ولثابت كتاب الدَّلَائِل فِي شرح مَا أغفل أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة من غَرِيب الحَدِيث وناهيك بِهِ إتقاناً وَكَانَ الَّذِي ابتدأه ابْنه قَاسم فَمَاتَ قبل إكماله فتممه أَبوهُ قَالَ أَبُو عَليّ القالي مَا أعلم أَنه وضع بالأندلس مثل كتاب الدَّلَائِل قَالَ ابْن الفرضي وَلَو قَالَ أَبُو عَليّ مَا وضع بالشرق مثله مَا أبعد وَكَانَ ثَابت كثير الْخَيْر والمثل قد اعتنى باللغة والعربية وَتُوفِّي ثَابت بسرقسطة فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث عشرَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وثلاثمائة وَهُوَ ابْن خمس وَتِسْعين سنة مولده سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ
ثَابت بن عبد الله بن ثَابت الْعَوْفِيّ يكنى أَبَا الْحسن كَانَ من أهل الْعلم وَالْعَمَل بارعا فِي الْفِقْه متضلعا من الاحكام ولي الْقَضَاء بسرقسطة وَخرج عَنْهَا عِنْد تغلب الْعدَد عَلَيْهَا فاستوطن قرطبة وَمن تصانيفه كتاب الدَّلَائِل وَهُوَ كتاب شهير توفّي بغرناطة سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
حرف الْجِيم
من اسْمه جَعْفَر من الطَّبَقَة الَّذين ذكرُوا فِي الثَّانِيَة من أهل الْعرَاق
جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحسن بن المستفاض أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ قَاضِي الدينور أحد أوعية(1/102)
الْعلم وَمن أهل الْمعرفَة والفهم طوف شرقاً وغرباً وَلَقي أَعْلَام الْمُحدثين فِي كل بلد وَسمع بخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَالْعراق والحجاز ومصر وَالشَّام والجزيرة واستوطن بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم هدبة بن خَالِد وَمُحَمّد بن حسان وَعبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد والجحدري وَابْن الْمَدِينِيّ وَبُنْدَار وَابْن الْمثنى ومنجاب وَأَيوب وكريب وَأَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شبية وَإِسْحَاق والقواريري وَأَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَأحمد بن سُلَيْمَان ليجار وَأَبُو بكر الشَّافِعِي وَخلق كثير وَكَانَ ثِقَة ثبتاً حجَّة وَذكر فِي الْمَالِكِيَّة وَله كتاب مَنَاقِب مَالك وَكتاب السّنَن وحرز من حضر مَجْلِسه لسَمَاع نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا وَكَانَ المستملون ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر وَكَانَ فِي مَجْلِسه مِمَّن يكْتب من أَصْحَاب الحَدِيث نَحْو عشرَة آلَاف إِنْسَان سوى من لَا يكْتب وَكَانَ مَأْمُونا موثوقاً بِهِ مكثراً ومولده سنة سبع وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وثلاثمائة
وَمن الْأَفْرَاد فِي حرف الْجِيم من الطَّبَقَة الثَّالِثَة من أهل افريقية
جبلة ابْن حمود بن عبد الرَّحْمَن بن جبلة الصَّدَفِي أَبُو يُوسُف أسلم جده على يَد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ سمع من سَحْنُون وَعون وَأبي إِسْحَاق البرقي وَدَاوُد بن يحيى وَغَيرهم من المصريين والافريقين وَله ثَلَاثَة أَجزَاء مجَالِس عَن سَحْنُون وَرِوَايَة عَنهُ وروى عَن سَحْنُون الْمُدَوَّنَة وَرِوَايَته فِيهَا مَعْلُومَة روى عَنهُ أَبُو الْعَرَب وَهبة الله بن أبي عقبَة وَعبد لله بن سعد وَكَانَ من أهل الْخَيْر الْبَين وَالْعِبَادَة الظَّاهِرَة والورع والزهد وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ النّسك والزهد قَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ صَالحا ثِقَة زاهداً سمع مِنْهُ النَّاس وَكَانَ سيد أهل زَمَانه وأزهدهم وَقَالَ فِيهِ سَحْنُون إِن عَاشَ هَذَا الشَّاب فسيكون لَهُ نبأ وَمَا ذكر الدُّنْيَا قطّ بمدح ولاذم وَكَانَ من أفضل رجال سَحْنُون وَقد علاهم فِي الزّهْد وَكَانَ أَبوهُ من أهل الْأَمْوَال وصحبة السُّلْطَان فنابذه فِي حَيَاته وتبرأ من تركته بعد مماته وَكَانَت لَهُ همة يتيه بهَا على الْخُلَفَاء وَقَالَ مُوسَى الْقطَّان لَو فاخرنا بَنو اسرائيل بعبادهم وزهادهم لفاخرناهم بِهِ وَقَالَ بَعضهم اشْتهيت تينا أَخْضَر وَلَيْسَ فِي زَمَانه فَذكرت ذَلِك لَهُ فَمد يَده فِي قلَّة فَأخْرج لي خمس تينات خضرًا وَكَانَ يَأْتِيهِ الْخضر وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَلم يكن بَصيرًا بِأَمْر دُنْيَاهُ وَلَا مشتغلاً بِشَيْء من أَخْبَارهَا من البله عَن ذَلِك إِنَّمَا شغله الْعِبَادَة وَالْخَيْر توفّي فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَحْنُون فِي مصلى الْعِيد لِكَثْرَة من اجْتمع من النَّاس ومولده سنة عشر وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الأندلس
جحاف بن يمن كَبِير بلنسية ذُو الْبَيْت النبيه فِيهِ من الْعلم وَالْجَلالَة إِلَى وقتنا هَذَا يكنى أَبَا جَعْفَر مَذْكُورا بالفقه مَوْصُوف بِالْعلمِ ولي قَضَاء بَلَده وَعَلِيهِ كَانَ مدَار فتواه أثنى عَلَيْهِ أَبُو حَارِث وَاسْتشْهدَ رَحمَه الله فِي غَزْوَة الخَنْدَق وَهُوَ على قَضَائِهِ سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة
حرف الْحَاء
من اسْمه حسن من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من الاندلس مِمَّن انْتهى اليه فقه مَالك مِمَّن لم يره وَالْتزم مذْهبه
حسن بن عبد الله بن مذْحج بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بشر الزبيدِيّ أَبُو الْقَاسِم إشبيلي وَالِد أبي بكر النَّحْوِيّ سمع بِبَلَدِهِ من ابْن جُنُوده وبقرطبة من طَاهِر وَعبيد الله ورحل فلقي بِمَكَّة عبد الله بن الْجَار ودوا بن المقرى والجرجاني كَاتب أبي عَليّ بن عبد الْعَزِيز وَجَمَاعَة(1/103)
وَكَانَ يُفْتِي بموضعه وَألف كتابا فِي فَضَائِل مَالك وَتَوَلَّى صَلَاة بَلَده وَأَحْكَامه لم يكن لَهُ بصر بِالْحَدِيثِ على كَثْرَة رِوَايَته وَكَانَ شَيخا طَاهِرا حدث عَنهُ الْبَاجِيّ وَغَيره توفّي سنة ثَمَان عشرَة وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل أفريقية
حسن بن مُحَمَّد بن حسن الْخَولَانِيّ أَبُو الْحسن الكانشي رجل صَالح فَاضل فَقِيه مَشْهُور بِالْعلمِ متعبد مُجْتَهد ورع خَائِف رَقِيق الْقلب كثير النِّيَاحَة والبكاء سمح كثير الْمَعْرُوف بَاعَ ضيَاعه كلهَا وَتصدق بهَا صارم فِي مذْهبه مُجَانب لأهل الْأَهْوَاء وَمن يُخَالف أهل الْمَدِينَة وَكَانَ الأبياني إِذا ذكره قَالَ ذَلِك الْعَالم حَقًا كَانَ من الْعَالمين الله وبأمره سكن المنستير سمع من عِيسَى بن مِسْكين وَيحيى بن عمر وَأحمد ابْن زيد وَأبي اسحق بن شعْبَان وَكَانَ يحسن الْعَرَبيَّة والنحو واللغة وَشعر الْعَرَب واعتماده فِي رِوَايَته عَن عِيسَى بن مِسْكين اجْتمع على فَضله المؤالف والمخالف سمع مِنْهُ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن شبلون وَأَبُو الْحسن اللواتي وَأَبُو على التمودي وَأَبُو عبد الله بن لطيف وَكثير من أهل هَذَا الْعلم ورحل النَّاس اليه من اللآفاق وَكَانَ يَقُول وَعزَّتك وجلالك مَا عصيتك اسْتِخْفَافًا بحقك وَلَا جحُودًا لربو بَيْتك لَكِن حضرني جهلي وَغَابَ عني حلمي واستفزني عدوي وَإِنِّي عَلَيْهَا يَا إلهي لنَادِم وَقَالَ الْقَابِسِيّ مَا رَأَيْت أخير من أبي الْحُسَيْن وَكَانَ إِذا أعجبه شَيْء من صَاحبه قَالَ وَالله لأشكرنك فِي نَفسك فَيُقَال لَهُ بِمَاذَا فَيَقُول بِحسن الثَّنَاء عَلَيْك فَقيل لَهُ فَأَيْنَ الحَدِيث فِي ذَلِك احثوا التُّرَاب فِي وُجُوه المداحين فَيَقُول قد قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّمَا ذَلِك إِذا مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَإِلَّا فَوَاجِب مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا يجْرِي من حسن أَفعاله وَكَانَ يَقُول أَبَت الْحِكْمَة أَن تنطق على لِسَان من يَأْكُل حَتَّى يشْبع وَمن يحب الدارهم وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَكَانَ يَقُول أَرِنِي من قَصده فخبية أَرِنِي من توكل عَلَيْهِ فأضاعه أَرِنِي من أطاعه فأضاعه إِذن لَا ترَاهُ أبدا وَكَانَ رَحمَه الله ينشد ... يَا رب كن لي وليا ... بالصنع حَتَّى أطعيك
لَئِن ذممت صنيعي ... لقد حمدت صنيعك
إِن كنت أعصيك فَانِي ... أحب فِيك مطعيك ... توفّي رَحمَه الله سنة سبع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَهُوَ ابْن مائَة وثمان سِنِين بالمنستير الْحسن بن عمر بن الْحسن بن عمر الإشبيلي من أهل إشبيلية يكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ من سروات النَّاس وَذَوي الْحسب روى عَن أَبِيه وَعَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَاجِيّ وَأبي عبد الله بن مَنْظُور وَأبي بكر بن مَنْظُور ورحل إِلَى الْمشرق فَسمع بالإسكندرية ومصر من عُلَمَاء وقته وَكَانَ فَقِيها مشاراً اليه بِبَلَدِهِ يُحَال الرِّوَايَة رَحل النَّاس إِلَيْهِ وسمعوا مِنْهُ روى عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن الْجد الفِهري ونفيه وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عَطِيَّة الْمحَاربي وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة
من اسْمه الْحُسَيْن
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن الجذامي من أهل مالقة يكنى أَبَا عَليّ من أَعْيَان مالقة وعلمائها وقضاتها وَهُوَ حد بني الْحُسَيْن المالقين بَيته بَيت قَضَاء وَعلم وجلالة لم يزَالُوا يأْتونَ ذَلِك كَابِرًا عَن كَابر وَهُوَ من أهل الدّين وَالْفضل وَالْعَدَالَة استقضي بغرناطة توفّي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَوهم من قَالَ إِنَّه من أهل البيرة
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن فيرة بن حيون أَبُو عَليّ الصَّدَفِي الْمَعْرُوف بِابْن سكرة السَّرقسْطِي من أَهلهَا إِمَام عصره فِي علم الحَدِيث وَآخر أئمته فِي الأندلس كَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وَأَسْمَاء رِجَاله وَعلله وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه(1/104)
مولده بسرقسطة وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن على أبي الْحسن بن مُحَمَّد صَاحب أبي عمر والداني وَقَرَأَ على غَيره من قراء الْعرَاق وَسمع من خلائق من الْأَئِمَّة يطول ذكرهم وَلَا يحْتَمل هَذَا الْمُخْتَصر تعدادهم مِنْهُم أَبُو عمر بن عبد الْبر والدولابي وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ بالمغرب وَسمع بِمصْر من أبي الْحسن الخلعي وَأحمد بن يحيى بن الْجَارُود وبمكة المشرفة من أبي عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وَسمع من الشَّيْخ أبي بكر الطرطوشي وَسمع بِبَغْدَاد من أبي يعلى الْمَالِكِي وَأقَام بِبَغْدَاد خمس سِنِين حَتَّى علق عَن أبي بكر الشَّاشِي الْفَقِيه الشَّافِعِي تعليقته الْكُبْرَى فِي مسَائِل وَسمع من أبي الفوارس مُحَمَّد بن أَحْمد الريني وَمن أبي الْمَعَالِي الإِسْفِرَايِينِيّ وَأبي عبد الله الْحسن بن بن مُحَمَّد النِّعَال وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي وَغَيرهم من نمط من ذَكرْنَاهُ خلقا كثيرا وَكَانَ الْفَوَائِد غزير الْعلم وَأخذ النَّاس عَنهُ علما كثيرا وَحدث بِبَغْدَاد وعني بِالْحَدِيثِ والضبط وَحفظ أَسمَاء الرِّجَال وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْعلمِ وَالدّين والعفة والصدق ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس وَاسْتقر بمدرسة مرسية ورحل إِلَيْهِ النَّاس وقلد الْقَضَاء بِطَلَب أهل مرسية لذَلِك فأجاد السِّيرَة وَأقَام الْحق إِلَى أَن عزل نَفسه واختفى فَلم يُوقع لَهُ على خبر فرق لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ وأعفاه سمع مِنْهُ القَاضِي عِيَاض وَاعْتمد عَلَيْهِ وَأَبُو مُحَمَّد بن عِيسَى وَأَبُو عَليّ بن سهل وَكثير من أهل الأندلس وَأَجَازَ لأبي الطَّاهِر السلَفِي وَأبي الْقَاسِم بن بشكوال وَقَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ بن سكرة لبَعض الْفُقَهَاء خُذ الصَّحِيح فاذكر أَي متن أردْت أذكر لَك سَنَده أَو أَي سَنَد أردْت أذكر لَك مَتنه مولده سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وفيرة اسْم جده وَهُوَ اسْم عجمي بلغَة أعاجم الأندلس وَمَعْنَاهُ الْحَدِيد وَهُوَ بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة وَضمّهَا وحيون بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا يَاء مثناة من تَحت مُشَدّدَة مَضْمُومَة وَهُوَ اسْم مصغر من يحيى وسكرة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وكاف مَفْتُوحَة مُشَدّدَة بعْدهَا وَرَاء مُهْملَة ثمَّ هَاء سَاكِنة الْحُسَيْن أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الغساني الْمَعْرُوف بالجياني قرطبي إِمَام عصره فِي الحَدِيث رَأس فِيهِ أهل عصره وَحَازَ السَّبق لعرفته بِرِجَالِهِ وَصَحِيحه وسقيمة ولغته وبرع فِي إتقانه وَضَبطه حَتَّى لم يكن فِي عصره أتقن مِنْهُ رَحل النَّاس إِلَيْهِ من كل قطر وَمَكَان أَخذ عَن أبي عمر بن عبد الْبر وعَلى الولابي وحاتم بن مُحَمَّد وَأبي عمر بن الْحذاء القَاضِي وَأبي مَرْوَان الطبني وَأبي عبد الله بن عَاتٍ وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَابْن سراج وَلم يكن لَهُ رحْلَة سمع مِنْهُ جمَاعَة من أهل الأندلس وَغَيرهم وَسمع عَلَيْهِ من سبتة القَاضِي أَبُو عبد الله بن عيسي التَّمِيمِي وَجَمَاعَة وَألف كتاب تَقْيِيد المهمل حدث عَنهُ القَاضِي عِيَاض اجازة توفى سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
الْحُسَيْن بن عَتيق بن الْحُسَيْن بن رَشِيق المنعوت بالجمال كنيته أَبُو عَليّ بن أبي الْفَضَائِل الربعِي سمع بِمصْر من وَالِده وبالإسكندرية من أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عَوْف سمع مِنْهُ الحافظان أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ وَأَبُو الْحسن الرشيد الْمُحدث وَكَانَ فَقِيها بِمذهب مَالك ودرس بِمصْر وَأفْتى وصنف وانتفع بِهِ النَّاس وتخرجوا بِهِ وَكَانَ من الْعلمَاء الورعين وَكَانَ شيخ الْمَالِكِيَّة فِي وقته وَعَلِيهِ مدَار الْفَتْوَى فِي الْفِقْه بالديار المصرية وَكَانَ عَالما بأصول الدّين وأصول الْفِقْه وَالْخلاف وَغير ذَلِك وَكَانَ صليباً فِي دينه ورعاً متقللاً من الدُّنْيَا صبوراً على إِلْقَاء الدُّرُوس وخدمة الْعلم وتلاوة الْقُرْآن لَيْلًا وَنَهَارًا مولده سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بِمصْر سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة(1/105)
الْحُسَيْن بن أبي الْقَاسِم الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بالنبلي الملقب بعز الدّين قَاضِي الْقُضَاة بِبَغْدَاد ذُو التصانيف المفيدة كَانَ إِمَامًا فَاضلا نحوياً لغوياً إِمَامًا فِي الْفِقْه صَدرا فِي علومه وَكَانَ مدرس الطَّائِفَة الْمَالِكِيَّة فِي الْمدرسَة المستنصرية بعد سراج الدّين عمر الشرمساحي وَكَانَ يدعى قَاضِي قُضَاة الممالك وَكَانَ صَارِمًا مهيباً شهماً أَخذ عَنهُ الْعلم الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ صَاحب التصانيف المفيدة وَأخذ عَنهُ من عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة عَالم زَمَانه الشَّيْخ قوام الدّين أَبُو حنيفَة أَمِير كَاتب أبي مُحَمَّد بن غَازِي الاتقاني التركستاني ألف عز الدّين النبلي كتاب الْهِدَايَة فِي الْفِقْه وَاخْتصرَ كتاب ابْن الْجلاب اختصاراً حسنا اشْتغل النَّاس بِهِ وَله كتاب مسَائِل الْخلاف وَكتاب الإمهاد فِي أصُول الْفِقْه وتأليف فِي الطِّبّ وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة من أَعمال الْعرَاق تسمي النبل بِكَسْر النُّون واسكان الْبَاء الموحد من تَحت توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة
من اسْمه حبيب
حبيب بن نصر بن سهل التَّمِيمِي من أَصْحَاب سَحْنُون وَعنهُ عَامَّة رِوَايَته يكنى أَبَا نصر كَانَ من أَبنَاء الْجند القادمين من إفريقية كَانَ فَقِيها ثِقَة حسن الْكتاب وَالتَّقْيِيد سمع من سَحْنُون وَعون بن عبد الْعَزِيز بن يحيى الْمَدِينِيّ وَغَيرهم كَانَ نبيلا فِي نَفسه وَقد أَدخل ابْن سَحْنُون سؤالاته لسَحْنُون فِي كِتَابه وَكَانَ جيد النّظر وَله كتاب فِي مسَائِل لسَحْنُون سَمَّاهُ بالأقضية توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي رَمَضَان وسنه سِتّ وَثَمَانُونَ سنة ولد سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من الطَّبَقَة الثَّالِثَة مِمَّن لم يرمالكا من أهل إفريقية
حبيب بن الرّبيع مولى أَحْمد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه كَانَ فَقِيها عابداً يكنى أَبَا الْقَاسِم وَقيل أَبَا نصر يرْوى عَن مَوْلَاهُ أَحْمد وَيحيى بن عمر والمغامي وحماس وَأبي دَاوُد الْعَطَّار وَعبد الْجَبَّار وَأبي عَيَّاش ويحي بن عبد الْعَزِيز وَابْن بسطَام وَابْن الْحداد وَعبد الرَّحْمَن الْوَزير وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَابْن ادريس وعَلى بن اسحاق وَجَمَاعَة كَانَ فَقِيها عَالما يمِيل إِلَى الْحجَّة عَالما بكتبه حسن الْأَخْلَاق باراً سَمحا وَكَانَ حبيب يَقُول قَالَ لي مولَايَ أَحْمد من نظمه ... الصَّبْر جَارك فاستفد بجواره ... عِنْد الْحَوَادِث والمهم النَّازِل
فلتحمدن جواره متعجلاً ... ولتعطين ثَوَابه فِي الاجل ... مسئلة وَأفْتى حبيب فِيمَن دفن فَأَكله السَّبع أَن كَفنه لوَرثَته وَقَالَ غَيره لَا يُورث كمن لَا وَارِث لَهُ وَتوفى سنة تسع وثلاثمائة وَهُوَ ابْن نَيف وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ مَعْدُود فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل أفريقية
من اسْمه الْحَارِث
الْحَارِث بن أَسد من أهل قفصة من الأخيار المستجابي الدعْوَة أَخذ عَن مَالك بن أنس روى عَنهُ البهلول بن رَاشد وَغَيره قَالَ الْحَارِث لما أردنَا وادع مَالك دخلت عَلَيْهِ أَنا وَابْن الْقَاسِم وَابْن وهب فَقَالَ لَهُ ابْن وهب أوصني فَقَالَ لَهُ اتَّقِ الله وَانْظُر عَمَّن تنقل وَقَالَ لِابْنِ الْقَاسِم اتَّقِ الله وانشر مَا سَمِعت وَقَالَ لي اتَّقِ الله وَعَلَيْك بِتِلَاوَة الْقُرْآن قَالَ الْحَارِث لم يرني أَهلا للْعلم فَكَانَ يستفتى فَلَا يُفْتِي وَيَقُول لم يرني مَالك أَهلا للْعلم وَهُوَ من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك وَلَيْسَ هُوَ الْحَارِث بن أَسد المحاسبي صَاحب التصانيف
الْحَارِث بن(1/106)
مِسْكين أَبُو عَمْرو بن مُحَمَّد بن يُوسُف مولى مُحَمَّد بن زِيَاد بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان سمع من ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وَدون أسمعتهم وبوبها وبهم تفقه وعد فِي أكَابِر أَصْحَابهم وَله كتاب فِيمَا اتّفق عَلَيْهِ رَأْيهمْ الثَّلَاثَة وَرَأى اللَّيْث وروى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة حدث بِبَغْدَاد وبمصر روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْنه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن وضاح وعبد الله ابْن أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهم وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يثني عَلَيْهِ خيرا وَقَالَ ابْن معِين لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن وضاح هُوَ ثِقَة الثِّقَات وَكَانَ فَقِيها ورعاً زاهدا وصدوق اللهجة وَكَانَ عدلا فِي قَضَائِهِ بِمصْر مَحْمُود السِّيرَة وَهدم مَسْجِدا كَانَ قد بناه خراساني بَين الغفور بِنَاحِيَة المقطب فِي الصَّحرَاء وَكَانَ يجْتَمع فِيهِ للْقِرَاءَة والقصص وَالتَّعْبِير وَبِهَذَا أفتى يحيى بن عمر فِي كل مَسْجِد بني نَائِيا عَن الْقرْيَة حَيْثُ لَا يُصَلِّي فِيهِ أهل الْقرْيَة وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِيهِ من ينتابه وَبِذَلِك أفتى فِي مَسْجِد السبت فِي القيروان وبمثله أفتى أَبُو عمرَان فِي الْمَسْجِد الَّذِي بني فِي جبل فاس قَالَ مُحَمَّد ابْن عبد الحكم قَالَ لي ابْن أبي دَاوُد لقد قَامَ حارثكم مقَام الْأَنْبِيَاء وَكَانَ ابْن أبي دَاوُد يحسن ذكره ويعظمه جدا وَيكْتب بالوصاة توفّي الْحَارِث سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وسنه خمس وَتسْعُونَ سنة مولده سنة أَربع وَخمسين وَقيل سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة
الْأَسْمَاء المفردة من الثَّالِثَة الَّذين ذكرُوا فِي الثَّانِيَة مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من الْعرَاق من آل حَمَّاد بن زيد
حَمَّاد بن إِسْحَاق أَخُو إِسْمَاعِيل القَاضِي شقيقه كنيته أَبُو إِسْمَاعِيل سمع من شُيُوخ أَخِيه أبي مُصعب الزُّهْرِيّ والمعني وَغَيرهمَا وَذكر أَنه سمع إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَإِسْحَاق الْقَرَوِي وَغَيرهمَا تفقه بِابْن المعذل وبرع وَتقدم فِي الْعلم روى عَنهُ ابْنه أَزْهَر وَغَيره وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا المهادنة وَكتاب الرَّد على الشَّافِعِي وَكَانَت لَهُ مكانة عِنْد بني الْعَبَّاس وَقَالَ رَحمَه الله(1/107)
إِنِّي لأستعين بِكَلِمَة مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد فتياه وَهِي مَا شَاءَ الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه إِذا صَعب على المسئلة فاذا قلتهَا انْكَشَفَ لي وَجَرت عَلَيْهِ محنة وَضرب بالسياط وَتُوفِّي حَمَّاد سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الاسماء المفردة
حمديس من الثَّالِثَة مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل افريقية
حمديس بن إِبْرَاهِيم بن أبي مُحرز اللَّخْمِيّ من أهل قفصة نزل مصر وَبهَا توفّي فَقِيه ثِقَة سمع من ابْن عَبدُوس وَمُحَمّد بن عبد الحكم وَيُونُس الصَّدَفِي وَله فِي الْفِقْه كتاب مَشْهُور فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة روى عَنهُ مُؤَمل بن يحيى وَالنَّاس توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرَّابِعَة من افريقة
حماس بن مَرْوَان بن سماك الْهَمدَانِي كنيته أَبُو الْقَاسِم القَاضِي مَعْدُود فِي أَصْحَاب سَحْنُون سمع مِنْهُ صَغِيرا كَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ مَعَ خَالِد بن علاقَة وَيُقَال إِنَّه لم يكمل مِنْهُ سَماع الْمُدَوَّنَة وَقيل بل بَقِي عَلَيْهِ مِنْهَا النِّكَاح الثَّانِي فَقَط وَسمع بِمصْر من مُحَمَّد بن عبد الحكم وَغَيره وبإفريقية من سَحْنُون وَحَمَّاد السجلماسي وَأبي الْحسن الْكُوفِي وَابْن عَبدُوس وتفقه بِابْن عَبدُوس وَكَانَ صَالحا ثِقَة مَأْمُونا ورعا عدلا فِي حكمه بقيه الْبدن بارعا فِي الْفِقْه وَكَانَ الْفِقْه أكبر شَأْنه سمع مِنْهُ النَّاس أَبُو الْعَبَّاس بن زيان وَأَبُو الْعَرَب وَأَبُو مُحَمَّد بن خيران وَكَانَ جيد القريحة اخْتلف إِلَى سَحْنُون فِي الصغر فَلَمَّا مَاتَ واظب بن عَبدُوس فَانْتَفع بِهِ فَكَانَ بعده من أفقه أَصْحَابه وأفقه أهل القيروان عَالما أستاذاً حاذقاً بأصول علم مَالك وَأَصْحَابه جيد الْكَلَام عَلَيْهِ يَحْكِي من مَعَانِيه ابْن عَبدُوس حَتَّى لقد قَالَ الْقَائِل كَانَ الِاسْم فِي ذَلِك الْوَقْت ليحيى بن عمر وَالْفِقْه لحماس وَكَانَ بَعضهم يَقُول لما دخل حماس حَلقَة مُحَمَّد بن عبد الحكم وَابْن عبد الحكم لَا يعرفهُ وَتكلم حماس فصرف إِلَيْهِ ابْن عبد الحكم وَجهه ثمَّ أَرَادَهُ فِي الْكَلَام ثمَّ سَأَلَهُ ابْن عبد الحكم عَن مسالة من الْجراح فَأَجَابَهُ ثمَّ سَأَلَهُ عَن أُخْرَى فَأجَاب وجود فَقَالَ ابْن عبد الحكم يُمكن ان يتكون حماس بن مَرْوَان قَالَ نعم فَعَاتَبَهُ إِذْ لم يقْصد إِلَيْهِ ثمَّ قربه وأكرمه فَقَالَ لُقْمَان(1/108)
ابْن يُوسُف لما قدم علينا يحيى بن عمر من الْمشرق وَأَتَاهُ بعض أَصْحَابنَا فَقَالَ لَهُ ان لنا حَلقَة تَجْتَمِع فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة أَصْحَابنَا فَلَو تفضلت وحضرتهم فترى كَيفَ هم فَأَجَابَهُ وأتى مَعَه يحيى إِلَى الْقَوْم فأكرموه وَجلسَ مَعَهم وَفِي الْقَوْم حماس بن مَرْوَان وَابْن أبي فيرون وسور وَابْن أُخْت جَامع وَمُحَمّد بن بسطَام فَأخذ مُحَمَّد بن بسطَام يسْأَل عَن تفسيرات مُحَمَّد بن عَبدُوس الَّتِي ألفها فِي الشُّفْعَة وَالْقسم وَأَشْبَاه ذَلِك وحماس بن مَرْوَان يُجيب وَبَاقِي الْقَوْم يتَكَلَّم كل وَاحِد مِنْهُم بِمَا تهَيَّأ لَهُ وَيحيى بن عمر سَاكِت فَلَمَّا انْقَضى مجلسهم وَقَامَ يحيى بن عمر فَسَأَلَهُ الرجل الَّذِي جَاءَ بِهِ كَيفَ رَأَيْت أصلحك الله أَصْحَابنَا فَقَالَ مَا تركت فِي بَغْدَاد من يتَكَلَّم فِي الْفِقْه بِمثل هَذَا الْكَلَام وَلما حَضرته الْوَفَاة أَمر ابْنه أَن يَبِيع كتبه فِي كَفنه وَيُقَال إِنَّه خرج لَيْلَة من بَيته وَابْنه سَالم لم يتهجد فِي بَيته والعجوز فِي بَيتهَا تقْرَأ وتركع وتبكي وَالْخَادِم يُصَلِّي فَوقف فِي القاعة وَقَالَ يَا آل حماس أَلا هَكَذَا فكونوا وَكَانَ يزوره أَبُو الْعَبَّاس الْخضر ولاه الْأَمِير زِيَادَة الله بن الْأَغْلَب قَضَاء إفريقية وَقَالَ لَهُم وليت حماس بن مَرْوَان لرقته رَحمته وطهارته وَعلمه بِالْكتاب وَالسّنة وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ فرضيته الْخَاصَّة والعامة وسرت بِهِ وَجمع الله بِهِ الْقُلُوب النافرة والكلمات الْمُخْتَلفَة وَفَرح بِهِ أهل السّنة وَكَانَ فِي القيروان لولايته فَرح شَدِيد وَكَانَ من أفضل الْقُضَاة وأعدلهم وَكَانَ حسن الفطنة وَالنَّظَر وَمن أهل الدّين وَالْفضل وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام حق ظَاهر وَسنة فَاشِية وَعدل قَائِم وَلم يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وثلاثمائة مولده سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
حَاتِم ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِي الْقُرْطُبِيّ عرف بِابْن الطرابلسي يكنى أَبَا الْقَاسِم أَصله من طرابلس الشَّام روى بقرطبة عَن أبي بكر التجِيبِي وَالْقَاضِي بن الْمطرف بن فطيس وَمُحَمّد بن عمر الفخار وَابْن عمر الطلمنكي وَصَحب أَبَا الْحسن الْقَابِسِيّ الإِمَام وانتفع بِهِ(1/109)
وَسمع عَلَيْهِ أَكثر رِوَايَته ورحل إِلَى مَكَّة وَسمع بهَا من الْمَشَايِخ هَذَا الشَّأْن ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمغرب وَصَحب أَبَا عمرَان الفاسي وَغَيره من نظرائه وَجمع علما كثيرا قَالَ ابْن بشكوال كَانَ ثِقَة فِيمَا يرويهِ وَكَانَ قد عني بتقييد الْعلم وَضَبطه وَأخذ عَنهُ الْكِبَار وَالصغَار لطول عمره ودعي إِلَى قَضَاء قرطبة فَأبى وَكَانَ من المشاورين وَقَالَ ابْن الْقَاسِم حَاتِم بن مُحَمَّد هَذَا كُنَّا عِنْد أبي الْحسن الْقَابِسِيّ نَحْو ثَمَانِينَ رجلا من طلبة الْعلم وَكُنَّا فِي علية فَصَعدَ علينا الشَّيْخ يَوْمًا وَقد شقّ عَلَيْهِ الصعُود فَقَامَ قَائِما وتنفس الصعداء وَقَالَ وَالله لقد قطعْتُمْ أَبْهَري فَقَالَ لَهُ رجل أندلسي نسْأَل الله أَن يُحْيِيك لنا أَيهَا الشَّيْخ ثَلَاثِينَ سنة فَقَالَ ثَلَاثُونَ كثير ثمَّ أنْشد ... سئمت تكاليف الْحَيَاة وَمن يَعش ... ثَمَانِينَ حولا لَا أبالك يسأم ... فَقُلْنَا أصلحك الله وانتهت إِلَى الثَّمَانِينَ فَقَالَ دَخَلتهَا بشهرين أَو نَحْوهمَا ثمَّ توفّي الشَّيْخ بعد شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة ومولد حَاتِم هَذَا سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة وَتُوفِّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
حيدرة بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الملك بن حيدرة التّونسِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا فِي مَذْهَب مَالك حَافِظًا حمل القراآت عَن أبي الْعَبَّاس البطروني وَسمع من أبي عبد الله بن حبَان والفقيه المعمر أبي عبد الله بن هرون الْقُرْطُبِيّ والفقيه الْمُحدث أبي عبد الله الْقَيْسِي الْأَزْدِيّ وَأبي عبد الله اللبيدي وَانْفَرَدَ بشيخوخة الْعلم بعد أبي عبد الله بن عبد السَّلَام وَولي قَضَاء الْجَمَاعَة بتونس وَكَانَ يستحضر ابْن يُونُس فِي الْفِقْه رَحمَه الله تَعَالَى
وَمِمَّنْ شهر بكنيته من الْأَفْرَاد من الثَّالِثَة مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل الْمَدِينَة
أَبُو الحكم الْمَعْرُوف بالبربري الْمدنِي كَانَ من أَصْحَاب عبد الْملك بن الْمَاجشون مَشْهُورا بكنيته روى عَنهُ القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي الْمَبْسُوط رَحمَه الله تَعَالَى
حرف الْخَاء
من اسْمه خلف من السَّادِسَة مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل افريقة
خلف أَبُو(1/110)
سعيد بن عمر وَقيل عُثْمَان بن عمر وَقيل عُثْمَان بن خلف الْمَعْرُوف بِابْن أخي هِشَام الْخياط من أهل القيروان تفقه بِابْن نصر وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْقَاسِم الطوري وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن القصري وَأبي بكر بن اللباد وَغَيرهم وَعنهُ تفقه أَكثر الْقرَوِيين وَكَانَ شيخ الْفُقَهَاء وامام أهل الْعِفَّة والورع وَلم يكن عِنْده رِيَاء وَلَا تصنع وَكَانَ يجْتَمع هُوَ وَأَبُو الْأَزْهَر بن معتب وَأبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَابْن شبلون وَابْن التبَّان والقابسي وَجَمَاعَة ذَكَرْنَاهُمْ ونذكرهم فِي جَامع القيروان للتفقه عِنْدَمَا ظهر ابْن أبي زيد على بني عبيد أَخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم خلف ابْن تَمِيم الهواري وعتيق بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ قَالَ الْمَالِكِي كَانَ يعرف بمعلم الْفُقَهَاء لم يكن فِي وقته أحفظ مِنْهُ اخْتَلَط علم الْحَلَال وَالْحرَام بِلَحْمِهِ وَدَمه وَمَا اخْتلف النَّاس فِيهِ وَمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ عَالما بنازل الْأَحْكَام حَافِظًا بارعاً فراجاً للكرب مَعَ تواضع ورقة قلب وَسُرْعَة دمعة وخالص نِيَّة وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد من أحفظ أصحابكم فَقَالَ أَبُو سعيد أحفظهم بِخِلَاف النَّاس وَقَالَ ابْن شبلون مَا أَخذ على أبي سعيد مسئلة خطأ قطّ وَقَالَ ابْن أبي زَيْدَانَ أَبَا سعيد سعيد لَيْسَ يلقى الله بِمثل ذرة من رِيَاء وَكَانَ أَبُو سعيد يَقُول من دارى النَّاس مَاتَ شَهِيدا وَسُئِلَ عَن الكرامات فَقَالَ مَا ينكرها إِلَّا صَاحب بِدعَة وَصحح انقلاب الْأَعْيَان فِيهَا وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة لسبع خلون خلون من صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة وَقيل سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي ابْن الْكُوفِي وأمير إفريقية الْمَعْرُوف ببلقيس وَجَمِيع عسكره وَأهل القيروان كَافَّة مولده سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ورثى بمراث مِنْهَا قَول ابْن مَازِن يرثيه من قصيدته ... لقد فجع الورى شرقاً وغرباً ... ببحر من بحور الْعلم طامي ... بِمن قد كَانَ بِعلم وَدين ... عَن الْإِسْلَام فِي الدُّنْيَا يحامي ...(1/111)
.. رأى الدُّنْيَا بِعَين النَّقْص لما ... رأى مَا دَامَ لَيْسَ بِذِي دوَام
وابصر كلما فِيهَا حطاماً ... فصان النَّفس عَن جمع الحطام ...
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل إفريقية خلف بن أبي الْقَاسِم أَبُو الْقَاسِم الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بالبراذعي يكنى بِأبي سعيد من كبار أَصْحَاب أبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَأبي الْحسن الْقَابِسِيّ من حفاظ الْمَذْهَب لَهُ فِيهِ تآليف مِنْهَا كتاب التَّهْذِيب فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة اتبع فِيهِ طَريقَة انتصار أبي مُحَمَّد إِلَّا أَنه سَاقه على نسق الْمُدَوَّنَة وَحذف مَا زَاده أَبُو مُحَمَّد وَقد ظَهرت بركَة هَذَا الْكتاب على طلبة الْفِقْه وسمعوا بدراسته وَحفظه وَعَلِيهِ معول النَّاس بالمغرب والأندلس على أَن أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق قد ألف كتابا انتقد عَلَيْهِ فِيهِ أَشْيَاء أحالها فِي الِاخْتِصَار عَن مَعْنَاهَا وَلم يتبع فِيهَا أَلْفَاظ الْمُدَوَّنَة قَالَ عِيَاض وَأَنا أَقُول إِن البراذعي مَا أَدخل مَا أَخذ عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا كَمَا نَقله أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَمن تآليفه أَيْضا كتاب التَّمْهِيد لمسائل الْمُدَوَّنَة على صفة اخْتِصَار أبي مُحَمَّد وزياداته وَلَقَد ذكر لي بعض من كاشفته من فقائنا أَن البراذعي لما تمم كتاب التَّمْهِيد جَاءَ بعض الطّلبَة ليسمعه عَلَيْهِ فَلَمَّا تمّ الصَّدْر بِالْقِرَاءَةِ أغلق كِتَابه فَقَالَ لَهُ البراذعي اقْرَأ فَقَالَ قد سمعته على أبي مُحَمَّد وَهل زِدْت فِي الْمُخْتَصر أَكثر من الصَّدْر وَمن تآليفه كتاب الشَّرْح والتمامات لمسائل الْمُدَوَّنَة أَدخل فِيهِ كَلَام شيوخها الْمُتَأَخِّرين على الْمسَائِل وَله كتاب اخْتِصَار الْوَاضِحَة وَلم تحصل لَهُ رياسة بالقيروان وَكَانَ مبغضاً عِنْد أَصْحَابه لصحبته لسلاطين القيروان الَّذين كَانُوا يتبرؤن مِنْهُم وَيُقَال إِن فُقَهَاء القيروان أفتوا بطرح كتبه وَلَا تقْرَأ ورخصوا فِي التَّهْذِيب لاشتهار مسَائِله وَيُقَال إِن هجرانهم لَهُ أَنه وجد بِخَطِّهِ فِي ذكر بني عبيد يتَمَثَّل بِالْبَيْتِ الْمَشْهُور ... أُولَئِكَ قوم ان بنوا أَحْسنُوا الْبَنَّا ... وان واعدواأوفوا وَإِن عقدوا شدوا ...(1/112)
وَيُقَال لحقه دُعَاء الشَّيْخ أبي مُحَمَّد لِأَنَّهُ كَانَ ينقصهُ وَيُطَالب مثالبه فدعاء عَلَيْهِ فلفظته القيروان وَلم يسْتَقرّ بهَا قراره فَخرج إِلَى صقلية وَقصد أميرها فحصلت لَهُ عِنْده مكانة وَعِنْده ألف كتبه الْمَذْكُورَة وَكَانَ مِمَّن لَهُ دنيا وطارت هَذِه الْكتب بصقلية وَذكر أَن المناظرة فِي جَمِيع حلق بلدانها إِنَّمَا كَانَت بِكِتَاب البراذعي التَّهْذِيب
خلف بن مسلمة بن عبد الغفور أقليشي فَقِيه حَافظ يكنى أَبَا الْقَاسِم ولي قَضَاء بَلَده وروى عَن القَاضِي زَكَرِيَّا بن غَالب وَغَيره وَألف كتاب الِاسْتِغْنَاء فِي آدَاب الْقَضَاء عَظِيم الْفَائِدَة نَحْو خمسين جزأ وَمن الاندلس خلف ابْن سعيد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الإشبيلي رجل صَالح رَحل وَحج وتنسك وتقشف وَأفْتى سمع من أبي مُحَمَّد الْبَاجِيّ وَغَيره وَسمع مِنْهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر خلف بن أَحْمد بن خلف أَبُو بكر الرهوني طليطلي فَقِيه أَخذ عَن أبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَحدث عَنهُ بكتبه سمع مِنْهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الطرابلسي وَأَبُو مُحَمَّد الشارقي وَأَبُو جَعْفَر بن مغيث وتفقه بِهِ أهل طليطلة
وَمن الْعَاشِرَة من أهل الاندلس
خلف أَبُو الْقَاسِم مولى يُوسُف ابْن بهْلُول البلنسي الْمَعْرُوف بالبرالي وَقع بِخَط ابْن بشكوال البريلي بِإِسْكَان الرَّاء وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَضَبطه بَعضهم بِكَسْر الْبَاء الموحيه وَالرَّاء الساكنة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من عمل بلنسية مفتي بلنسية فِي وقته وعظيمها وَمن أهل الْعلم وَالْجَلالَة وَله كتاب فِي شرح الْمُدَوَّنَة واختصارها سَمَّاهُ التَّقْرِيب اسْتَعْملهُ الطّلبَة فِي المناظرة وانتفعوا بِهِ عول فِيهِ على نقل ابْن أبي زمنين فِي لفظ الْمُدَوَّنَة وَأخذ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْهَام فِي النَّقْل ذكر أَنه لما أكمل خلف كِتَابه دخلت مِنْهُ نُسْخَة صقلية وَعبد الْحق بهَا فَلَمَّا قَرَأَهُ وَنظر فِيهِ إِلَى أَقْوَاله وَمَا أدخلهُ فِيهِ من كتاب استحسنه وَأَرَادَ شِرَاءَهُ فَلم يَتَيَسَّر لَهُ ثمنه فَبَاعَ حوائج من دَاره وَاشْتَرَاهُ فغلا الْكتاب وتنافس فِيهِ النَّاس عِنْد ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن أَحْمد الْفَقِيه يَقُول من أَرَادَ أَن يكون(1/113)
فَقِيها من ليلته فَعَلَيهِ بِكِتَاب البربلي وروى عَن أبي مُحَمَّد بن المكوى وَابْن العطاري والاصيلي وَكَانَ مقدما فِي الوثائق توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
خلف بن عبد الْملك بن مَسْعُود ابْن مُوسَى بن بشكوال الْأنْصَارِيّ من أهل قرطبة كنيته أَبُو الْقَاسِم صَاحب التَّارِيخ الَّذِي وصل بِهِ كتاب ابْن الفرضي بَقِيَّة الْمسند بقرطبة وَالْمُسلم لَهُ فِي حفظ أَخْبَارهَا وَمَعْرِفَة رجالها سمع بهَا أَبَاهُ وَأَبا مُحَمَّد بن عتاب وَأكْثر عَنهُ وَعَلِيهِ معوله فِي رِوَايَته وَأَبا الْوَلِيد بن رشد وَابْن الْمُلُوك وَابْن مغيث وَالْقَاضِي أَبَا بكر بن الْعَرَبِيّ وَابْن يَرْبُوع وَغَيرهم كثيرا من الشُّيُوخ الجلة الْمُتَقَدِّمين كَانَ رَحمَه الله متسع الرِّوَايَة شَدِيد الْعِنَايَة بهَا عَارِفًا بوجوهها حجَّة فِيمَا يرويهِ ويسنده مُقَلدًا فِيمَا يلقيه ويسمعه مقدما على أهل وقته فِي هَذَا الشَّأْن كتب بِخَطِّهِ علما كثيرا وَأسْندَ عَن شُيُوخه نيفاً وَأَرْبَعمِائَة كتاب مَا بَين كَبِير وصغير عمر طَويلا فَرَحل النَّاس إِلَيْهِ وَأخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ كَانَ مَوْصُوفا بالصلاح وسلامة الْبَاطِن وَصِحَّة التَّوَاضُع وَصدق الصَّبْر للراحلين إِلَيْهِ لين الْجَانِب وطويل الِاحْتِمَال فِي الْكَثْرَة للإسماع رَجَاء المثوبة وَألف خمسين تأليفاً فِي أَنْوَاع مُخْتَلفَة مِنْهَا كتاب الغوامض والمبهمات فِي اثنى عشر جزأ وَكتاب الْفَوَائِد المنتخبة وَكتاب الصِّلَة الَّذِي اتسعت فَائِدَته وعظمت منفعَته إِلَى غير ذَلِك من تآليفه وَولي بإشبيلية قَضَاء بعض جهاتها لأبي بكر الْعَرَبِيّ وَأما من سمع مِنْهُ وروى عَنهُ فَلَا يُحصونَ كَثْرَة توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة اه كَلَام ابْن الْأَبَّار فِي كتاب التكملة لَهُ قَالَ صَاحب الوفيات وبشكوال بِضَم الْبَاء الموحيه وَضم الْكَاف قَالَ ونسج كتاب الغوامض والمبهمات على منوال الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ ذكر فِيهِ من جَاءَ ذكره فِي الحَدِيث وعينه
خلف بن قَاسم بن سهل وَيُقَال سهلون بن مُحَمَّد بن يُونُس الْمَعْرُوف بِابْن الدّباغ أَبُو الْقَاسِم الْأَزْدِيّ الْقُرْطُبِيّ الْحَافِظ سمع بقرطبة من أَحْمد بن يحيى بن الشامة(1/114)
وَمُحَمّد بن هِشَام الْقَرَوِي وَمُحَمّد بن مُعَاوِيَة القريشي وبمصر من حَمْزَة الْكِنَانِي وَالْحسن ابْن رَشِيق وَأبي مُحَمَّد بن الْورْد وَأبي السكن وَغَيرهم وَسمع بِدِمَشْق وبمكة وبالرملة وَألف كتبا حسانا وَخرج مُسْند حَدِيث مَالك ومسند حَدِيث شُعْبَة وعدة شُيُوخه الَّذين كتب عَنْهُم مِائَتَان وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ شَيخا روى عَنْهُم جمَاعَة من الْكِبَار مِنْهُم أَبُو عمر بن عبد الْبر وَأَبُو عمر والداني وَأَبُو الْوَلِيد الفرضي وَغَيرهم توفّي بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة
خلف ابْن أَحْمد بن بطال أَبُو الْقَاسِم الْبكْرِيّ من أهل بلنسية روى عَن أبي عبد الله بن الفخار وَغَيره من الْمَشَايِخ الجلة رُوِيَ عَنهُ أَبُو دَاوُد المقرى وَأَبُو بَحر الْأَسدي كَانَ فَقِيها أصولياً من أهل النّظر والاحتجاج بِمذهب مَالك وَله مؤلفات حسان استقضي بِبَعْض نواحي بلنسية ورحل وَحج وَتردد بالمشرق نَحْو أَرْبَعَة أَعْوَام طَالبا للْعلم وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
خلف بن أَحْمد بن الْخضر بن أبي الْعَافِيَة من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ رَحمَه الله صَدرا من صُدُور الْقُرَّاء أهل النّظر وَالتَّقْيِيد والعكوف على الطّلب مضطلعاً بمسائل الْأَحْكَام مهتدياً لمظنات النُّصُوص نسخ بِيَدِهِ الْكثير وَقيد على الْمسَائِل حَتَّى عرف فَضله واستشاره االناس فِي المشكلات وَكَانَ بَصيرًا بِعقد الشُّرُوط ظريف الْخط بارع الْأَدَب شَاعِرًا مكثراً مصيباً غَرَض الإجادة وَولي الْقَضَاء فِي مَوَاضِع نبيهة توفّي عَام خَمْسَة وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة خَلِيل بن إِسْحَاق الجندي كَانَ رَحمَه الله صَدرا فِي عُلَمَاء الْقَاهِرَة مجمعا على فَضله وديانته أستاذاً ممتعاً من أهل التَّحْقِيق ثاقب الذِّهْن أصيل الْبَحْث مشاركاً فِي فنون من الْعَرَبيَّة والْحَدِيث والفرائض فَاضلا فِي مَذْهَب مَالك صَحِيح النَّقْل تخرج بَين يَدَيْهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء وتفقه بِالْإِمَامِ الْعَالم الْعَامِل أبي مُحَمَّد عبد الله المنوفى أحد شُيُوخ مصر علما وَعَملا وَتخرج بالشيخ عبد الله أَئِمَّة فضلاء توفّي رَحمَه الله فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة(1/115)
بالطاعون وَكَانَ الشَّيْخ خَلِيل من جملَة أجناد الْحلقَة المنصورة يلبس زِيّ الْجند المتقشفين ذادين وَفضل وزهد وانقباض عَن أهل الدُّنْيَا جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَأَقْبل على نشر الْعلم فنفع الله بِهِ الْمُسلمين ألف شرح جَامع الْأُمَّهَات لِابْنِ الْحَاجِب شرحاً حسنا وضع الله عَلَيْهِ الْقبُول وَعَكَفَ النَّاس على تَحْصِيله ومطالعته وَسَماهُ التَّوْضِيح وَألف مُخْتَصر فِي الْمَذْهَب قصد فِيهِ إِلَى بَيَان الْمَشْهُور مُجَردا عَن الْخلاف وَجمع فِيهِ فروعاً كَثِيرَة جدا مَعَ الإيجاز البليغ وَأَقْبل عَلَيْهِ الطّلبَة ودرسوه وَكَانَت مقاصده جميلَة رَحمَه الله تَعَالَى وجاور بِمَكَّة وَحج وَاجْتمعت بِهِ فِي الْقَاهِرَة وَحَضَرت مَجْلِسه يقرى فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية وَله منسك وتقاييد مفيدة
حرف الدَّال
من الطَّبَقَة الوسطي من أَصْحَاب مَالك من أهل الأندلس
دَاوُد بن جَعْفَر بن الصَّغِير وَيُقَال ابْن أبي الصَّغِير مولى تَمِيم قرطبي سمع من مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَمُعَاوِيَة بن صَالح وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وروى عَنهُ من الأندلسيين حُسَيْن بن عَاصِم والأعشى وَمُحَمّد بن وضاح وَغَيرهم قَالَ ابْن وضاح وروى هُوَ عني قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الْمُؤمن حسن المعونة قَلِيل الْمُؤْنَة وَكَانَ فَاضلا وَهُوَ جد بني الصَّغِير بالأندلس رَحمَه الله تَعَالَى
دلف بن جحدر أَبُو بكر الشبلي الصُّوفِي اخْتلف فِي اسْمه فَقيل دلف بن جحدر وَيُقَال اسْمه جَعْفَر بن يُونُس حكى ذَلِك كُله أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي طبقاته وَقَالَ كَذَا وجدت على قَبره بِبَغْدَاد مَكْتُوبًا يَعْنِي القَوْل الْأَخير وَقيل فِي اسْمه غير هَذَا هُوَ الشبلي شيخ الصُّوفِيَّة وَإِمَام أهل علم الْبَاطِن وَذُو الانباء البديعة والاشارات الغربية وَأحد المتصرفين فِي عُلُوم الشَّرِيعَة أَصله خراساني من مَدِينَة أشروسة من قَرْيَة يُقَال لَهَا شبلية ومنشؤه بِبَغْدَاد كَانَ عَالما فَقِيها على مَذْهَب مَالك وَكتب الحَدِيث الْكثير وَصَحب الْجُنَيْد وَمن فِي عصره من الْمَشَايِخ وَصَارَ أوحد الْوَقْت حَالا وعلماً وَأسْندَ الحَدِيث روى عَن مُحَمَّد بن مهْدي الْبَصْرِيّ روى عَنهُ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَأَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو سهل الصعلوكي وَالْحُسَيْن بن أَحْمد الصفار وَجَمَاعَة غَيرهم وَكَانَ مَشَايِخ الْعرَاق يَقُولُونَ عجائب بَغْدَاد ثَلَاثَة فِي التصوف اشارات الشبلي ونكت الْمُرْتَهن وحكايات جَعْفَر الجلدي وَقد ألف فِي فضائله أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو بكر المطوعي قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ لم أر فِي الصُّوفِيَّة أعلم من الشبلي وَقَالَ الْجُنَيْد هُوَ عين من عُيُون الله وَقَالَ لكل قوم تَاج وتاج هَؤُلَاءِ الْقَوْم الشبلي رَضِي الله عَنهُ وَسُئِلَ عَن معنى قَوْله عز وَجل {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ الرَّحْمَن لم يزل وَالْعرش مُحدث وَالْعرش بالرحمن اسْتَوَى وَكَانَت مجاهدته فِي بدايته فَوق الْحَد وَدخل الشبلي يَوْمًا على عَليّ بن عِيسَى الْجراح الْوَزير وَعِنْده ابْن مُجَاهِد الْمقري فَقَالَ ابْن مُجَاهِد للوزير سأسكته السَّاعَة وَكَانَ من شَأْن الشبلي إِذا لبس شَيْئا خرق فِيهِ موضعا فَلَمَّا جلس قَالَ لَهُ ابْن مُجَاهِد ياأبا بكر أَيْن فِي الْعلم إِفْسَاد مَا ينْتَفع بِهِ فَقَالَ الشبلي أَيْن فِي(1/116)
الْعلم فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والاعناق فَسكت ابْن مُجَاهِد فَقَالَ لَهُ ابْن الْجراح أردْت أَن تسكته فأسكتك ثمَّ قَالَ الشبلي قد أجمع النَّاس انك مقرى الْوَقْت أَيْن فِي الْقُرْآن الحبيب لَا يعذب حَبِيبه فَسكت ابْن مُجَاهِد وَقَالَ قل ياأبا بكر فَقَالَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم} الْآيَة كَأَنِّي مَا سَمعتهَا قطّ وَكَانَ الشبلي يَقُول إِنَّمَا يحفظ هَذَا الْجَانِب بِي يَعْنِي من الديلم فَمَاتَ يَوْم الْجُمُعَة وعبرت الديلم إِلَى الْجَانِب الغربي يَوْم السبت وَقَالَ الشبلي كتبت الحَدِيث عشْرين سنة وجالست الْفُقَهَاء عشْرين سنة وَكَانَ يتفقه بِمَالك قَالَ وَخلف أبي سِتِّينَ ألف دِينَار سوى الضّيَاع وَالْعَقار فأنفقتها كلهَا ثمَّ قعدت مَعَ الْفُقَرَاء لَا أرجع إِلَى مأوى وَلَا أستظهر بعلوم وَكَانَ يَقُول يَا دَلِيل المتحزين زِدْنِي تحيراً يَعْنِي فِي عَظمته وجلاله وَقَالَ بَعضهم دخلت على الشبلي وَقد هاج وَهُوَ يَقُول ... على بعْدك لَا يصبر من عَادَته الْقرب ... لَا يُقَوي على حبك من تيمه الْحبّ ... فَإِن لم ترك الْعين فقد يبصرك الْقلب وَقَالَ لَهُ رجل ادْع الله لي فَقَالَ ... مضى زمن وَالنَّاس يستشفعون بِي ... فَهَل لي إِلَى سعدى الْغَدَاة شَفِيع ... وَقيل لَهُ تراك جسيماً بديناً والمحبة تفني فَأَنْشد ... أحب قلبِي وَمَا درى بِهِ بدني ... وَلَو درى الْحبّ مَا أَقَامَ فِي السّمن ... وريء خَارِجا من الْمَسْجِد فِي يَوْم عيد وهويقول ... اذا كنت لي عيداً ... فَمَا أصنع بالعيد
جرى حبك فِي قلبِي ... كجري المَاء فِي الْعود ... وَسُئِلَ عَن الزّهْد فَقَالَ تَحْويل الْقلب من الْأَشْيَاء إِلَى رب الْأَشْيَاء وَقَالَ التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك وَسُئِلَ عَن الدُّنْيَا فَقَالَ قدر يغلى وَحشر يملي وَمَات الشبلي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة يَوْم الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من الشَّهْر وسنه سبع وَثَمَانُونَ سنة وَدفن فِي مَقْبرَة الخيزران بِبَغْدَاد وقبره بهَا مَعْرُوف رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
حرف الرَّاء
من الطَّبَقَة الثَّالِثَة الْمَذْكُورين فِي الأولى مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل مصر
روح أَبُو الزِّنْبَاع بن الْفَرح بن عبد الرَّحْمَن الْقطَّان مولى الزبير بن الْعَوام صَاحب أبي زيد بن أبي الْغمر سمع عَمْرو بن خَالِد وَسَعِيد بن غفير وَأَبا مُصعب وَغَيرهم عَالم فَقِيه بِمذهب مَالك وَعنهُ أَخذ أَبُو الذّكر الْفَقِيه كَانَ أوثق النَّاس فِي زَمَانه وَرَفعه الله بِالْعلمِ وَله رِوَايَة فِي الْقرَاءَات عَن يحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ روى عَنهُ مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْهَيْثَم وَمُحَمّد بن سعيد وَمُحَمّد بن شاهين وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْحلْوانِي وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة من أفريقية
ريدان بن إِسْمَاعِيل بن ريدان الوَاسِطِيّ الْأَزْدِيّ ثِقَة من أَصْحَاب(1/117)
سَحْنُون وَغَيره وَسكن سوسة رَحل إِلَى الْمشرق فَسمع من هَاشم بن عمار الدِّمَشْقِي وَابْن أبي الْحوَاري وَسَلَمَة بن شبيب وَعبد الْوَارِث بن غياث والوليد بن شُجَاع وَغَيرهم وَتُوفِّي بسوسة سنة اثْنَيْنِ أَو ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة تسعين مولده سنة عشر وَمِائَتَيْنِ حدث عَنهُ ابْن اللباد وَأَبُو الْعَرَب كَانَ يُقَال إِنَّه أحد الأبدال نفع الله بِهِ
رزين بن مُعَاوِيَة بن عمار أَبُو الْحسن الْعَبدَرِي الأندلسي سرقسطي جاور بِمَكَّة أعواماً وَحدث بهَا عَن أبي مَكْتُوم عِيسَى بن أبي ذَر الْهَرَوِيّ وَغَيرهم ذكره السلَفِي وَقَالَ شيخ عَالم وَلكنه نَازل الْإِسْنَاد وَله تآليف مِنْهَا كتاب جمع فِيهِ مَا فِي الصِّحَاح الْخَمْسَة والموطأ وَكتاب فِي أَخْبَار مَكَّة وَقَالَ ابْن بشكوال كَانَ رجلا صَالحا عَالما فَاضلا عَالما بِالْحَدِيثِ وَغَيره توفّي بِمَكَّة سنة خمس وَعشْرين وَقيل سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ إِمَام الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة ذكره ابْن الْحباب والفاسي فِي العقد الثمين
حرف الزَّاي
من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل مصر
زَكَرِيَّا أَبُو يحيى الْوَقار بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله من موَالِي قُرَيْش مصري وَقيل هُوَ من موَالِي عبد الدَّار وروى عَن ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وَغَيرهم وَكَانَ مُخْتَصًّا بِابْن وهب قدم إفريقية سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ إِذا حدث عَن ابْن وهب يَقُول حَدثنِي سَيِّدي ابْن وهب قَالَ فِي حَدِيث يحيى لين وَانْقِطَاع وَسمع عَلَيْهِ بإفريقية ثمَّ انْصَرف الى مصر وَكَانَ يلقب باليرطبخ وَقَرَأَ الْقُرْآن على نَافِع الْمدنِي وَعنهُ أَخذ أَبُو عبد الرَّحْمَن المقرى حرف نَافِع واستوطن طرابلس قَالَ أَبُو عمر والداني أَبُو يحيى يلقب باليرطبخ مقرىء روى الْقِرَاءَة عرضا عَن نَافِع بن أبي نعيم روى عَنهُ الْقِرَاءَة مُحَمَّد بن غوث الْقَرَوِي وَقَالَ أَبُو يحيى هَذَا مَجْهُول قَالَ عِيَاض أَبُو يحيى هَذَا الْمَجْهُول عِنْد أبي عَمْرو هُوَ أَبُو يحيى الْوَقار وَلم يذكر أَبُو عَمْرو الْوَقار جملَة وَأرَاهُ لم يبلغهُ أَو لم يعلم ان اليرطبخ هُوَ الْوَقار وَقد بَين أَبُو الْعَرَب وَابْن حَارِث ذَلِك بِحَمْد الله تَعَالَى وَكَانَ فَقِيها صَاحب عجائب لم يكن بالمحمود فِي رِوَايَته وعده أَبُو الْقَاسِم الشِّيرَازِيّ فِي صغَار الآخذين عَن مَالك وَلَا أرَاهُ يَصح وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ بِمصْر وَقيل سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَقتل العجمة بالخرس وَالْوَقار بتَخْفِيف الْقَاف كَذَا سمعته مِمَّن لَقيته من الشُّيُوخ
وَمن الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من الأندلس
زِيَاد أَبُو عبد الله بن عبد الرَّحْمَن قرطبي يلقب بشبطون جد بني زِيَاد بهَا قيل إِنَّه من ولد حَاطِب ابْن أبي بلعته سمع من مَالك الْمُوَطَّأ وَله عَنهُ فِي الْفَتَاوَى كتاب سَماع مَعْرُوف بِسَمَاع زِيَاد وَسمع من مُعَاوِيَة بن صَالح القَاضِي وَكَانَ صهر زِيَاد على ابْنَته ويروي عَن جمَاعَة مِنْهُم اللَّيْث بن سعد وَعبد الله بن عمر الْعمريّ وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهم وَكَانَ زِيَاد أول من أَدخل الأندلس موطأ مَالك متفقهاً بِالسَّمَاعِ عَنهُ ثمَّ تلاه يحيى بن يحيى وَكَانَ أهل الْمَدِينَة يسمون زياداً فَقِيه الأندلس وَكَانَت لَهُ إِلَى مَالك رحلتان وَكَانَ وَاحِد زَمَانه زهدا وورعا توفى سنة ثَلَاث(1/118)
وَقيل أَربع وَقيل تسع وَتِسْعين وَمِائَة ونجب وَلَده بقرطبة وَكَانَ فيهم عدَّة من أهل الْجَلالَة وَالْفضل وَالْقَضَاء وَالْعلم وَالْخَيْر
وَمن الطَّبَقَة الصُّغْرَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
الزبير بن بكار بن عبد الله أبي مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام مدنِي يروي عَن مَالك وَأَبِيهِ وَعَمه كنيته أَبُو عبد الله هُوَ من أهل الْعلم قَالَ عَمه مُصعب بن عبد الله لي بِالْمَدِينَةِ ابْن أَخ ان بلغ أحد منا فسيبلغ يُعينهُ كَانَ الزبير عَلامَة قُرَيْش فِي وقته فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأَدب وَالشعر وَالْخَبَر وَالنّسب وَهَذَا الْبَاب هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ وَله فِيهِ كتاب جمهرة أَنْسَاب قُرَيْش وَغير ذَلِك ولي قَضَاء مَكَّة وَبهَا توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
زُرَارَة بن أَحْمد القَاضِي بالمهدية كَانَ من الْعلمَاء باخْتلَاف الْمذَاهب توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة ذكره إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم الْمَعْرُوف بِابْن الدَّقِيق فِي تَارِيخ إفريقية
حرف السِّين
من اسْمه سُلَيْمَان من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب سمع يحيى بن سعيد وَزيد بن أسلم وعبد الله بن دِينَار وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن إِدْرِيس وَابْن وهب يحيى بن يحيى االنيسابوري وَأَشْهَب وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهم وَهُوَ ثِقَة وَخرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَهُوَ مَعْدُود فِي الطَّبَقَة الَّتِي صَار إِلَيْهَا الْفِقْه بِالْمَدِينَةِ بعد طبقَة مَالك وَهُوَ من أجل أَصْحَابه وأخصهم بِهِ وَولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد للرشيد وَتوفى وهوعليه وَصلي عَلَيْهِ الرشيد وَذَلِكَ سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة قبل وَفَاة مَالك بِثَلَاث سِنِين
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة من إفريقية
سُلَيْمَان بن سَالم الْقطَّان أَبُو الرّبيع القَاضِي مَعْرُوف بِابْن الكحالة مولى لغسان من أَصْحَاب سَحْنُون سمع من سَحْنُون وَابْنه وَعون والجعدي وَابْن رزين وَغَيرهم وَدخل الْمَدِينَة فَحدث عَم مُحَمَّد بن مَالك بن أنس بحكاية عَن أَبِيه سمع مِنْهُ أَبُو الْعَرَب وَغَيره وَقَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ ثِقَة كثيرا الْكتب والشيوخ حسن الْأَخْلَاق باراً بطلبة الْعلم أدبيا كَرِيمًا سمع مِنْهُ فِي حَيَاة ابْن سَحْنُون وَكَانَ الْأَغْلَب عَلَيْهِ الرِّوَايَة وَالتَّقْيِيد وَله تأليف فِي الْفِقْه يعرف بِكِتَاب السليمانية مُضَافَة إِلَيْهِ ولاه ابْن طَالب قَضَاء باجة ثمَّ ولي قَضَاء صقلية فَخرج إِلَيْهَا وَنشر بهَا علما كثيرا وَعنهُ انْتَشَر مَذْهَب مَالك بهَا وَلم يزل عَلَيْهَا قَاضِيا إِلَى أَن مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
سُلَيْمَان بن دَاوُد بن حَمَّاد ابْن أخي رشد بن أَبُو الرّبيع الْمصْرِيّ الرشيد بني يعرف بالأفطس روى عَن إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد الْخَولَانِيّ مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ وَعَن إِدْرِيس بن يحيى الْخَولَانِيّ وَعَن أَبِيه دَاوُد وعبد الله بن نَافِع الصَّائِغ وعبد الله بن وهب وَابْن الْمَاجشون وَيحيى بن عبد الله بن بكير وَأَشْهَب بن عبد الْعَزِيز وَأصبغ بن عبد الْعَزِيز بن بكار وروى أَيْضا عَن الإِمَام الشَّافِعِي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة وَمُحَمّد بن أبان بن حبيب وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَاهِلِيّ وَكَانَ فَقِيها مالكياً وَورث من وَالِده عشرَة آلَاف دِينَار ففرقها وَأصْبح كواحد من أَصْحَابه قَالَ أَبُو عبد الله الْآجُرِيّ ذكر لأبي دَاوُد أَبُو الرّبيع هَذَا فَقَالَ قل من رَأَيْت مثله فِي فَضله ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَتوفى بِمصْر سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ومناقبه عديدة
سُلَيْمَان بن عمرَان الإفْرِيقِي قَاضِي إفريقية يروي عَن أَسد بن الْفُرَات توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من الاندلس
سُلَيْمَان بن بيطر بن سُلَيْمَان بن بيطر بن ربيع الْكَلْبِيّ أَبُو أَيُّوب قرطبي كَانَ رجلا(1/119)
صَالحا حَافِظًا للمسائل تفقه بِابْن زرب وَسمع أَبَا عِيسَى وَابْن القويطية وَاخْتصرَ كتاب الْمَدِينَة لعبد الرَّحْمَن بن دِينَار اختصاراً حسنا توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة سُلَيْمَان بن بطال بن أَيُّوب بطليوس وانتقل إِلَى إلبيرة وَبهَا مَاتَ يعرف بالتلمس كَانَ مقدما فِي أهل الْعلم والفهم وَالشعر وَالْأَدب وَكَانَ أَولا كثير الشّعْر مَشْهُورا وَمَال آخرا إِلَى الزّهْد والورع والانقباض قَالَ أَبُو عَليّ الغساني أَبُو أَيُّوب هَذَا من جلة الْعلمَاء أكبر النبلاء وَكَانَ صديقا لأبي عبد الله بن أبي زمنين وَله كتاب فِي مسَائِل الْأَحْكَام سَمَّاهُ الْمقنع عَلَيْهِ مدَار الْمُفْتِينَ والحكام وَكتاب فِي الزّهْد سَمَّاهُ الموقظ روى عَنهُ ابْن عبد الْبر وَله كتاب الدَّلِيل إِلَى طَاعَة الْجَلِيل وَكتاب أدب الهموم وعَلى تَسْمِيَة كِتَابه سمى الطلمنكي كِتَابه توفّي عَام اثْنَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَقيل سنة أَربع
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة
سُلَيْمَان القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن خلف بن سعد بن أَيُّوب بن وَارِث الْبَاجِيّ أصلهم من بطليوس ثمَّ انتقلوا إِلَى باجة أَعنِي باجة الأندلس وَثمّ باجة أُخْرَى بِمَدِينَة إفريقية وباجة أُخْرَى بِبِلَاد أَصْبَهَان بالعجم أَخذ بالأندلس عَن أبي الْأَصْبَغ وَأبي مُحَمَّد مكي وَأبي شَاكر وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل وَغَيرهم ورحل سنة سِتّ وَعشْرين فَأَقَامَ بالحجاز مَعَ أبي ذَر ثَلَاثَة أَعْوَام وَحج أَربع حجج وَسمع ثمَّ من المطوعي وَأبي بكر بن سحتوية وَابْن مُحرز وَابْن مَحْمُود الوارق ورحل إِلَى بَغْدَاد فاقام ثَلَاثَة أَعْوَام يدرس الْفِقْه وَيسمع الحَدِيث سمع من الْفُقَهَاء كَأبي الْفضل بن عروس إِمَام الْمَالِكِيَّة وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي وَأبي عبد الله الدَّامغَانِي والصيمري وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء وَدخل أَبُو الْوَلِيد الشَّام وَسمع بهَا من السمسار ونظرائه وَدخل الْموصل فَأَقَامَ بهَا عَاما يدرس على السناني الْأُصُول وَسمع بِمصْر من أبي مُحَمَّد بن الْوَلِيد وَغَيره قَالَ صَاحب الوفيات ورحل أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ إِلَى الْمشرق سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ مقَامه فِي الْمشرق نَحْو ثَلَاثَة عشر عَاما وروى عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب وروى الْخَطِيب أَيْضا عَنهُ قَالَ الْخَطِيب وأنشدني أَبُو الْوَلِيد لنَفسِهِ ... إِذا كنت أعلم علما يَقِينا ... بِأَن جَمِيع حَياتِي كساعه
فَلم لَا أكون ضنيناً بهَا ... وأنفقها فِي صَلَاح وطاعه ... وَقيل إِنَّه ولي قَضَاء حلب وَأخذ عَنهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر صَاحب الِاسْتِيعَاب وَبَينه وَبَين أبي مُحَمَّد بن حزم مناظرات وفصول يطول شرحها قَالَ القَاضِي عِيَاض وَحَازَ الرِّئَاسَة بالأندلس فَسمع مِنْهُ خلق كثير وتفقه عَلَيْهِ خلق وَمِمَّنْ تفقه عَلَيْهِ أَبُو بكر الطرطوشي وَالْقَاضِي ابْن شبرين وَسمع مِنْهُ من أهل الأندلس الحافظان أَبُو عَليّ الجياني والصدفي وَالْقَاضِي أَبُو الْقَاسِم الْمعَافِرِي والسبتي وَابْن أبي جَعْفَر المرسي وَغَيرهم وَكَانَ فِي رحلته وَأول وُرُوده الأندلس مقلاً فِي دُنْيَاهُ حَتَّى احْتَاجَ فِي سيره إِلَى الْقَصْد بِشعرِهِ وآجر نَفسه بِبَغْدَاد مُدَّة مقَامه لحراسة درب فَكَانَ يَسْتَعِين بإجارته على نَفَقَته وَلما ورد الأندلس أول وُرُوده كَانَ يتَوَلَّى ضرب ورق الذَّهَب للغزل والأبرار ويعقد الوثائق وَقيل إِنَّه يخرج للإقراء وَفِي يَده أثر المطرقة إِلَى أَن فَشَا علمه وشهرت تآليفه فَعرف حَقه وَعظم جاهه وَقرب من الرؤساء واستعملوه فِي الْأَمَانَات وَالْقَضَاء وأجزلوا صلَاته فاتسعت حَاله وَكثر كَسبه حَتَّى مَاتَ عَن مَال وافر كثير وَكَانَ يَسْتَعْمِلهُ الرؤساء فِي الرُّسُل بَينهم وَيقبل جوائزهم وهم لَهُ على غَايَة الْبر الاكرام وَولي قَضَاء(1/120)
مَوَاضِع من الأندلس تصغر عَن قدره كأريولة وَشبههَا قلت كتاب الصِّلَة لِابْنِ بشكوال قَالَ ابْن بشكوال وَأَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ سَمِعت القَاضِي أَبَا عَليّ بن سكرة يَقُول فِي القَاضِي أبي الْوَلِيد مَا رَأَيْت مثله وَلَا رَأَيْت على سمعته وهيبته وتوقير مَجْلِسه مثله وَقَالَ هُوَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين قَالَ ابْن بسام بَلغنِي عَن الْفَقِيه أبي مُحَمَّد بن حزم أَنه كَانَ يَقُول لم يكن لأَصْحَاب الْمَذْهَب الْمَالِكِي بعد القَاضِي عبد الْوَهَّاب مثل أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَنقل بَعضهم إِن أَبَا الْوَلِيد لما ورد إِلَى الأندلس وجد بهَا ابْن حزم الظَّاهِرِيّ وَلم يكن فِي الأندلس من يشْتَغل بِعِلْمِهِ فقصرت أَلْسِنَة فقهائها عَن مجادلته وَاتبعهُ جمَاعَة على رَأْيه واحتل بِجَزِيرَة ميورقة فرأس بهَا وَاتبعهُ أَهلهَا فَلَمَّا وصل أَبُو الْوَلِيد تكلم فِي ذَلِك فَرَحل إِلَيْهِ وناظره وأبطل كَلَامه وَله مَعَه مجَالِس كَثِيرَة قيدت بأيدي النَّاس وَلما تكلم أَبُو الْوَلِيد فِي حَدِيث البُخَارِيّ الْمَرْوِيّ فِي عمْرَة الْقَضَاء وَالْكِتَابَة إِلَى قُرَيْش وَذكر قَول من قَالَ بِظَاهِر اللَّفْظ أنكر عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الصَّائِغ الزَّاهِد وكفره بإجازته الْكتب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتكلم فِي ذَلِك من لم يفهم الْكَلَام حَتَّى أطْلقُوا عَلَيْهِ اللَّعْن فَلَمَّا رأى ذَلِك ألف رسَالَته الْمُسَمَّاة بتحقيق الْمَذْهَب بَين فِيهَا المسئلة لم يفهمها وَأَنَّهَا لَا تقدح فِي المعجزة كَمَا لَا تقدح الْقِرَاءَة فِي ذَلِك فوافقه أهل التَّحْقِيق باسرار الْعلم وَكتب بهَا الشُّيُوخ صقلية فأنكروا على الصَّائِغ ووافقوا أَبَا الْوَلِيد على مَا ذكره قلت وَذكره القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب القاصم والعواصم لَهُ بعد ذكره ماوقع فِي الغرب من الْفِتَن فَقَالَ عطفنا عنان القَوْل إِلَى مصائب نزلت بالعلماء فِي طَرِيق الْفَتْوَى لما كثرت الْبدع وَذهب الْعلمَاء وتعاطت المبتدعة منصب الْفُقَهَاء وتعلقت بهم أطماع الْجُهَّال فَقَالُوا بِفساد الزَّمَان ونفوذ وعد الصَّادِق فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا وَبقيت الْحَال هَكَذَا فَمَاتَتْ الْعُلُوم إِلَّا عِنْد آحَاد النَّاس واستمرت الْقُرُون على موت الْعلم وَظُهُور الْجَهْل وَذَلِكَ بقدرة الله تَعَالَى وَجعل الْخلف مِنْهُم يتبع السّلف حَتَّى آلت الْحَال إِلَى أَن ينظر فِي قَول مَالك وكبراء أَصْحَابه وَيُقَال قد قَالَ فِي هَذِه المسئلة أهل قرطبة وَأهل طلمنكة وَأهل صلبوة وَأهل طليطلة وَصَارَ الصَّبِي إِذا عقل وسلكوا بِهِ أمثل طَريقَة لَهُم علموه كتاب الله تَعَالَى ثمَّ نقلوه إِلَى الْأَدَب ثمَّ إِلَى الْمُوَطَّأ ثمَّ إِلَى الْمُدَوَّنَة ثمَّ إِلَى وثائق ابْن الْعَطَّار ثمَّ الى احكام ابْن سهل ثمَّ يُقَال قَالَ فلَان الطليطلي وَفُلَان المخريطي وَابْن مغيث لَا أغاث يَدَاهُ فَيرجع الْقَهْقَرِي وَلَا يزَال الى وَرَاء وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى من بطَائفَة تَفَرَّقت فِي ديار الْعلم وَجَاءَت بلباب مِنْهُ كَالْقَاضِي أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ فرشوا من مَاء الْعلم على هَذِه الْقُلُوب الْميتَة وعطر أنفاس الْأمة الذفرة لَكَانَ الدّين قد ذهب وَلَكِن تدارك الْبَارِي سُبْحَانَهُ بقدرته ضَرَر هَؤُلَاءِ بنفع هَؤُلَاءِ وتماسكت الْحَال قَلِيلا وَالْحَمْد لله تَعَالَى هَذِه نبذة من كَلَامه وَلأبي الْوَلِيد تآليف مَشْهُورَة مِنْهَا كتاب الِاسْتِيفَاء فِي شرح الْمُوَطَّأ كتاب حفيل كثير الْعلم لَا يدْرك مَا فِيهِ إِلَّا من بلغ دَرَجَة أبي الْوَلِيد فِي الْعلم وَكتاب المنتفى فِي شرح الْمُوَطَّأ وَهُوَ اخْتِصَار الا ستيفاء ثمَّ اختصر المنتفى فِي كتاب سَمَّاهُ الايماء قدر ربع المنتفى وَكتاب السراج فِي علم الْحجَّاج وَكتاب مسَائِل الْخلاف(1/121)
لم يتم وَكتاب المقتبس من علم مَالك بن أنس لم يتم وَكتاب الْمُهَذّب فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة وَكتاب شرح الْمُدَوَّنَة وَكتاب اخْتِلَاف الْمُوَطَّأ ومسئلة اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي الصَدَاق وَكتاب مُخْتَصر الْمُخْتَصر فِي مسَائِل الْمُدَوَّنَة وَكتاب إحكام الْفُصُول فِي أَحْكَام الْأُصُول وَكتاب الْحُدُود فِي أصُول الْفِقْه وَكتاب الاشارة فِي أصُول الْفِقْه وَكتاب تبين الْمِنْهَاج وَكتاب التَّشْدِيد إِلَى معرفَة طَرِيق التَّوْحِيد وَكتاب تَفْسِير الْقُرْآن لم يكمل وَكتاب فرق الْفُقَهَاء قَالَ ابْن هِلَال رَأَيْته فِي الْإسْكَنْدَريَّة وَكتاب النَّاسِخ والمنسوخ لم يتم وَكتاب السّنَن فِي الرَّقَائِق والزهد والوعظ وَكتاب التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح لمن خرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَكتاب فِي مسح الرَّأْس وَكتاب فِي غسل الرجلَيْن وَكتاب النصحية لِوَلَدَيْهِ ورسالته الْمُسَمَّاة بتحقيق الْمَذْهَب وَله غير ذَلِك توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بالمرية سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَجَب وَدفن بالرباط على ضفة الْبَحْر وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْقَاسِم مولده سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة
سُلَيْمَان ابْن مُوسَى بن سَالم بن حسان بن سُلَيْمَان يكنى أَبَا الرّبيع وَيعرف بِابْن سَالم الكلَاعِي الْحِمْيَرِي كَانَ بَقِيَّة الأكابر من أهل الْعلم بصقع الأندلس الشَّرْقِي حَافِظًا للْحَدِيث مبرزاً فِي نَقده تَامّ الْمعرفَة بِطرقِهِ ضابطاً لأحكام أسانيده ذَاكِرًا لرجاله رياناً من الْأَدَب كَاتبا خَطِيبًا بليغاً خطب بِجَامِع بلنسية واستقضي فَعرف بِالْعَدْلِ وَالْجَلالَة وَكَانَ من أولي الْعَزْم والبسالة والإقدام يحضر الْغَزَوَات ويباشر بِنَفسِهِ الْقِتَال ويبلي الْبلَاء الْحسن آخرهَا الْغَزْوَة الَّتِي اسْتشْهد فِيهَا روى عَن أبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأكْثر عَنهُ وَأبي عبد الله بن زرقون وَأبي عبد الله بن حميد وَأبي بكر بن الْجد وَأبي مُحَمَّد بن نونه وَأبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن الْفرس وَأبي بكر بن أبي حَمْزَة وَأبي الْحسن بن كوثر وَأبي خَالِد بن رِفَاعَة وَأبي عبد الله بن الفخار وَأبي مُحَمَّد الصَّدَفِي وَأبي الْعَبَّاس بن مضى وَأبي الْقَاسِم بن سمحون وَأبي عبد الْحق الْأَزْدِيّ وَأبي الطَّاهِر بن عَوْف الإسكندري وَغَيرهم من أهل الْمشرق وَالْمغْرب روى عَنهُ أَبُو عبد الله بن حزب الله وَأَبُو الْحُسَيْن بن عبد الْملك بن مفوز وَابْن الْأَبَّار وَابْن الْمواق وَابْن الغماز وَأَبُو مُحَمَّد بن برطلة وَأَبُو جَعْفَر الطنجالي وَأَبُو الْحجَّاج بن حكم وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم وَله تآليف مِنْهَا مِصْبَاح الظلام فِي الحَدِيث وَالْأَرْبَعُونَ عَن أَرْبَعِينَ شَيخا لأربعين من الصَّحَابَة والابعون السباعية والسباعيات من حَدِيث الصَّدَفِي وَحلية الأمالي فِي الموافقات الموَالِي وتحفة الْوَارِد ونخبة الرائد ولمسلسلة والاشادات وَكتاب الاكتفافي مغازي الْمُصْطَفى وَالثَّلَاثَة الْخُلَفَاء وميدان السَّابِقين وَحلية الصَّادِقين المصدقين فِي عرض كتاب الِاسْتِيعَاب وَلم يكمله والمعجم فِيمَن وَافَقت كنيته كنية زَوجته من الصَّحَابَة رضى الله عَنهُ والأعلام بأخبار البُخَارِيّ والمعجم فِي مشيخة أبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وبرنامج فِي رواياته وجنى الرطب فِي سيء الْخطب ونكتة الْأَمْثَال ونفثة السحر الْحَلَال وَجهد النصيح فِي مُعَارضَة الْمقري فِي خطْبَة الفصيح وامتثال المنال فِي ابتداع الحكم واختراع الْأَمْثَال ومعارضة الْقلب العليل ومنابذة الأمل الطَّوِيل بطريقة أبي عَليّ الْمقري فِي ملقي السَّبِيل ومجاز فتيا اللّحن للاحن الممتحن يشْتَمل على مائَة مسئلة ملغزة وَفِي نتيجة الْحبّ الصميم وَزَكَاة المنظوم والمنثور والصحف المنتشرة فِي الْقطع(1/122)
المعشرة وديوان رسائل وديوان شعره وَمن نظمه رَحمَه الله تَعَالَى ... أحن إِلَى نجد وَمن حل فِي نجد ... وَمَا الَّذِي يُغني حنيني أَو يجدي
وَقد أوطنوها وادعين وخلفوا ... محبهم رهن الصبابة والوجد
وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض حَتَّى كَأَنَّهَا ... وشاح بخصر أَو سوار على زندي
إِلَى الله أَشْكُو مَا أُلَاقِي من الجوى كَأَنَّهَا ... وَبَعض الَّذِي لاقيته من جوى يردي
فِرَاق أخلاء وَصد أحبة ... كَأَن صروف الدَّهْر كَانَت على وعدي
ليَالِي نجني الاسر من شجر المنا ... ونقطف زهر الْوَصْل من شجر الصد ... وَمِنْهَا ... أتعلم مَا يلقى الْفُؤَاد لبعدكم ... أَلا مذ نأيتم لَا نعيد وَلَا نبدي
عَسى الله أَن يدني السرُور بقربكم ... فيبدو منا الشمل مُنْتَظم العقد
(وَله أَيْضا)
أمولى الموَالِي لَيْسَ غَيْرك لي مولى ... وَمَا أحد يَا رب مِنْك بذا أولى
تبرأت من حَولي إِلَيْك وقوتي ... فَكُن قوتي فِي مطلبي وَكن الحلولا
وهب لي الرِّضَا مَالِي سوى ذَاك مبتغى ... وَلَو لقِيت نَفسِي على نيله الهولا ... اسْتشْهد رَحمَه الله تَعَالَى فِي غزَاة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة مولده بِخَارِج مرسية سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
سُلَيْمَان بن عبد الْوَاحِد بن عِيسَى بن سُلَيْمَان الْهَمدَانِي من أهل غرناطة يكنى أَبَا الرّبيع كَانَ حَافظ بَلَده عرض كتاب ابْن زيد الْكَبِير وَكَانَ يحفظه وَعرض الْمُدَوَّنَة على القَاضِي أبي مُحَمَّد بن سماك وَلَقي جملَة من الشُّيُوخ وَألف فِي الْعِفَّة كتابا حسنا فِي تِسْعَة أسفار سَمَّاهُ بالمسائل الْمَجْمُوعَة على التَّهْذِيب للبرادعي توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
من اسْمه سعيد من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن رأى مَالِكًا من أهل مصر
سعيد بن عبد الله بن سعد الْمعَافِرِي أَبُو عمر وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو عُثْمَان من كبار أَصْحَاب مَالك سمع مِنْهُ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن وهب وَغَيرهم وَبِه تفقه ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَهُوَ ثِقَة فَاضل مَأْمُون توفّي بالإسكندرية سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة مسئلة ذكر سعيد هَذَا عَن مَالك قَالَ لَيْسَ على الْفَقِيه ضِيَافَة وَلَا مكافة يُرِيد عَن هَدِيَّة وَلَا شَهَادَة بَين اثْنَيْنِ
سعيد بن عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد التجِيبِي مَوْلَاهُم الْمَعْرُوف بالأعناقي وَيُقَال العناقي أَيْضا بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا قرطبي سمع من ابْن وضاح وَصَحبه وَمن ابْن مزين والخشنبي وَابْن أبان وَغَيرهم ورحل فلقي خضر بن مَرْزُوق بن عبد الحكم وَيُونُس والْحَارث بن مِسْكين وَأحمد بن صَالح وَابْن السكرِي الْحَافِظ وَغَيرهم وانتفع ابْن وضاح بالأعناقي كثيرا فِي ضبط حُرُوف كَثِيرَة فِي الحَدِيث وَالرِّجَال وَكَانَ أَصْحَابه يصححون كتبهمْ مَعَه وَحِينَئِذٍ تطيب نُفُوسهم بالرواية كَانَ ورعاً زاهد عَالما بِالْحَدِيثِ بَصيرًا بعلله منقبضاً عَن أهل الدُّنْيَا حدث عَنهُ أَحْمد بن خَالِد وَمُحَمّد بن عبد الْملك بن أَيمن وَمُحَمّد بن قَاسم وَابْن زيد الْقُرْطُبِيّ وَغلب عَلَيْهِ الحَدِيث وَالرِّوَايَة أكثرمن علم الْفِقْه وَتوفى سنة خمس وثلثمائة مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
سعيد بن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرعيني يكنى أَبَا عُثْمَان قرطبي وَقيل حميد بن مَرْوَان ابْن سَالم الموَالِي يكنى بِأبي زيد سمع من ابْن أبي زيد بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن خَالِد وَيحيى ابْن هَارُون ورحل فَسمع من يُونُس وَمُحَمّد بن عبد الحكم وَابْن أخي ابْن وهب وَإِبْرَاهِيم بن(1/123)
مَرْوَان وَنصر بن مَرْزُوق والمزني ونظرائهم كَانَ عَالما فَقِيها فَاضلا ورعاً مقدما فِي الشورى روى عَنهُ ابْن النشاط والأعناقي وَابْن أَيمن وَابْن عبَادَة وَغَيرهم وَكَانَ مستحاب الدعْوَة توفى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلثمائة مولده سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
سعيد بن مخلوف بن سعيد أَبُو عُثْمَان مُحدث الأندلس أَصله من البيرة وَسكن بجاية سمع بقرطبة من تَقِيّ الدّين بن مخلد وَمُحَمّد بن وضاح وَإِبْرَاهِيم بن قَاسم بن مطرف بن قيس ويوسف بن يحيى المغامي الْأَزْدِيّ وَأخذ عَنهُ الْعلم ورحل إِلَى الْمشرق فلقي فِي رحلته أَبَا عبد الرحمن النَّسَائِيّ وَأخذ الْفِقْه عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ميسر فَقِيه الاسكندرية وَذكره ابْن الفرضي وَأثْنى عَلَيْهِ وَطَالَ عمره فَاحْتَاجَ النَّاس إِلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِرِوَايَة كتب عبد الملك بن حبيب الْوَاضِحَة وَغَيرهَا وَكَانَ آخر من روى عَن يُوسُف المغامي وَكَانَ يرحل إِلَيْهِ للسماع من قرطبة وَغَيرهَا وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ مُحَمَّد بن أبي زمنين توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلثمائة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة
سعيد بن أَحْمد بن عبد ربه أَبُو عُثْمَان سمع من ابْن لبَابَة وَالْقَاضِي أسلم وَابْن خَالِد وَابْن أَيمن وَابْن قَاسم كَانَ فَقِيها عَالما أديباً حَافِظًا للفقه مقدما فِي الْفتيا مشاوراً فِي الْأَحْكَام ثِقَة بَصيرًا بالأدب حاذقاً فِي الطِّبّ وَكَانَ مذْهبه فِي مداواة الحميات بالبوارد أَن يخلط مَعهَا شَيْئا من الْأَشْيَاء الحارة لتغوصها فِي الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة قَالَ القَاضِي عِيَاض وَتَبعهُ على ذَلِك حذاق الْأَطِبَّاء توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة وَقيل سنة سِتّ وَخمسين
سعيد بن إِبْرَاهِيم بن عِيسَى بن دَاوُد الْحِمْيَرِي من أهل مالقة يكنى أَبَا عُثْمَان وَيعرف بِابْن عِيسَى كَانَ من جلة الْعلمَاء وسراة الْفُضَلَاء حَافِظًا للفقه والْحَدِيث مشاركاً فِي الْعَرَبيَّة وَالْأَدب صَدُوقًا متحرياً حجَّة فِيمَا يَنْقُلهُ حسن التَّعْلِيم مهيباً وقوراً مبرزاً فِي معرفَة طرق الحَدِيث مضطلعاً بالرواية والمسندين وأحوالهم وَحج ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده وَقد حصل رِوَايَة كَثِيرَة وَلَقي أَئِمَّة وَتقدم للخطابة والإمامة والإكراء بِبَلَدِهِ فَعظم الِانْتِفَاع بِهِ تفقه على أبي مُحَمَّد الْبَاهِلِيّ فِي كتب الْفُرُوع وَالْأُصُول والعربية وروى عَن أبي عبد الله بن عَيَّاش الْمقري الْقُرْطُبِيّ وَقَرَأَ على أبي بكر بن عُبَيْدَة وَأبي الْقَاسِم القتبورى وَلَقي بتونس الراوية أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن هَارُون الطَّائِي وبالإسكندرية شهَاب الدّين الابرقوهي وَأكْثر عَنهُ وَلَقي شرف الدّين أَبَا عبد الرحمن الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ وزكى الدّين بيبرس السلحدار الظَّاهِرِيّ وَشرف الدّين الدمياطي وَأكْثر عَنهُ وَأخذ عَنهُ الْكثير من تآليفه فَأدْخلهَا الأندلس وَلَقي شهدة بنت مكين الدّين بن عبد العظيم روى عَنهُ الْخَطِيب أَبُو جَعْفَر الطنجالي وَأَبُو مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن فرتون وَغَيرهم رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَرْزُوق أَنه صنف كتابا فِي الصَّحَابَة استدرك فِيهِ على من تقدمه من المصنفين فِي أَخْبَار الصَّحَابَة توفّي بمالقة فِي سنة تسع وَسَبْعمائة
سعيد بن مُحَمَّد العقباني التلمساني هُوَ إِمَام عَالم فَاضل فَقِيه فِي مَذْهَب مَالك متفنن فِي الْعُلُوم سمع من ابنى الإِمَام أبي زيد وَأبي مُوسَى وَنَفَقَة بهما وَأخذ الْأُصُول عَن أبي عبد الله الاباى وَغَيره وصدراته فِي الْعلم ومشهورة ولي قَضَاء الْجَمَاعَة ببجاية فِي أَيَّام السُّلْطَان أبي عنان وَالْعُلَمَاء يَوْمئِذٍ متوافرون وَولي قَضَاء تلمسان وَله فِي ولَايَة الْقَضَاء مُدَّة تزيد على أَرْبَعِينَ سنة وَله تآليف مِنْهَا شرح الحوفي فِي الْفَرَائِض لم يؤلف عَلَيْهِ مثله وَله شرح الْجمل للخونجي فِي الْمنطق وَشرح التَّلْخِيص لِابْنِ الْبناء وَشرح قصيدة بن ياسمين(1/124)
فِي الْجَبْر والمقابلة وَشرح العقيدة البرهانية فِي أصُول الدّين وَغير ذَلِك كشرحه لسورة الْفَتْح أَتَى فِيهِ بفوائد جليلة وَهُوَ بَاقٍ بِالْحَيَاةِ نقع الله بِهِ
الْأَفْرَاد فِي حرف السِّين
سعد بن معَاذ بن عُثْمَان من عمل جيان سكن قرطبة ورحل عَنْهَا وَلَقي مُحَمَّد بن عبد الحكم توفّي سنة ثَمَان وثلاثمائة
سهل بن مُحَمَّد بن سهل بن مَالك الْأَزْدِيّ يكنى أَبَا الْحسن كَانَ رَأس الْفُقَهَاء وخطيب الخطباء البلغاء وخاتمة رجال الأندلس تفنن فِي ضروب من الْعلم وَبِالْجُمْلَةِ فحاله وَوَصفه فِي أقطار الغرب بل وَفِي غَيرهَا من الشرق لَا يجهله أحد فَحدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج ضمن الزَّمَان أَن يمسح بِرَجُل حَاز الْكَمَال مثله قَالَ ابْن عبد الملك كَانَ من أفضل أهل عصره تفنناً فِي الْعُلُوم وبراعة فِي المنثور والمنظوم مُحدثا ثِقَة ضابطاً عدلا ثبتاً حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم مجوداً لَهُ متفنناً للعربية وافر النَّصِيب من الْفِقْه وأصوله متين الدّين تَامّ الْفضل وَاسع الْمَعْرُوف عميم الْإِحْسَان روى بِبَلَدِهِ عَن خَاله أبي عبد الله بن عروس وَأبي جَعْفَر ابْن حكم وَأبي الْحسن بن كوفر وَأبي خَالِد بن رِفَاعَة وَأبي مُحَمَّد عبد المنعم بن الْفرس وبمالقة عَن أبي زيد السُّهيْلي وَأبي عبد الله بن الفخار وَأبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وبإشبيلية عَن أبي بكر بن الجدو وَأبي عبد الله بن زرقون وَأبي الْعَبَّاس بن مضا وَأبي الْوَلِيد بن رشد روى عَنهُ أَبُو جَعْفَر ابْن خلف والطوسي وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرحمن بن طَلْحَة وَأَبُو الْقَاسِم بن نبيل وَأَبُو جَعْفَر الطباع وَغَيرهم وَمن شعره قَوْله ... نهارك فِي بَحر السفاهة تسبح ... وليلك عَن نوم الرفاهة يصبح
وَفِي لفظك الدَّعْوَى وَلَيْسَ ازاؤها ... من الْعَمَل الزاكي دَلِيل مصحح
إِذا لم توَافق قولة مِنْك فعلة ... فَفِي كل جُزْء من حَدِيثك تفضح
تَنَح عَن الغايات لست من أَهلهَا ... طَرِيق الهوينا فِي سلوكك أوضح
إِذا كنت فِي سنّ النهى غير صَالح ... فَفِي أَي سنّ بعد ذَلِك يصلح ... وَله أَيْضا ... منغص الْعَيْش لَا يأوي إِلَى دعة ... من كَانَ ذَا بلد أَو كَانَ ذَا ولد
والساكن النَّفس من لم ترض همته ... سُكْنى مَكَان وَلم يركن إِلَى أحد ... وَله فِي الْعَرَبيَّة كتاب مُفِيد رتبه على أَبْوَاب كتاب سِيبَوَيْهٍ وَله تعاليق جليلة على كتاب الْمُسْتَصْفى فِي أصُول الْفِقْه وَغير ذَلِك مولده فِي عَام تِسْعَة وَخمسين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
سَلمُون بن عَليّ بن عبد الله بن سَلمُون الْكِنَانِي من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ رجلا فَاضلا عَالما بِالْأَحْكَامِ عَارِفًا بِالشُّرُوطِ صدر وقته فِي ذَلِك وسابق(1/125)
حلبته إِلَى الرِّوَايَة قل فِي الأندلس مَكَان شَذَّ عَن ولَايَته قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير وَغَيره وَأَجَازَهُ الرِّوَايَة المعمر أَبُو مُحَمَّد بن هَارُون الطَّائِي وَأَبُو الْعَبَّاس بن الغماز والفرضي أَبُو إِسْحَاق التلمساني وَأَبُو مُحَمَّد الحلاسي وَمن الديار المصرية أَبُو مُحَمَّد الديماطي وَأَبُو الْحسن ابْن مضا وشهاب الدّين الابرهوقي وَأَبُو الشُّكْر الْحميدِي وَأَبُو بكر بن عُبَيْدَة وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم ألف فِي الوثائق المرتبطة بِالْأَحْكَامِ كتابا مُفِيدا وَدون مشيخته وبرنامج رِوَايَته ذكره ابْن الْخَطِيب فِي كتاب الْإِحَاطَة فِي تَارِيخ غرناطة قَالَ وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن نفع الله بِهِ
سراج بن عبد الملك بن سراج أَبُو الْحُسَيْن خلف أَبَاهُ فِي مَكَانَهُ وسؤدده ورحل النَّاس إِلَيْهِ وَأخذُوا عَنهُ فِي حَيَاة أَبِيه وَحَازَ الْإِمَامَة بعده علما وحفظاً وإتقاناً مَعَ التَّقَدُّم فِي علم الْأَدَب وَمن نظمه ... بَث الصَّنَائِع لَا تحلف بموقعها ... فِي آمل شكر الْمَعْرُوف أَو كفرا
فالغيث لَيْسَ يُبَالِي حَيْثُ مَا انسكبت ... مِنْهُ الغمائم ترباً كَانَ أَو حجرا ... قَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى لَقيته وَأخذت عَنهُ من كتب الشُّيُوخ وَغَيرهَا كثيرا توفّي سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة
سَنَد بن عنان بن إِبْرَاهِيم بن حريز بن الْحُسَيْن بن خلف الْأَزْدِيّ كنيته أَبُو عَليّ سمع من شَيْخه أبي بكر الطرطوشي وروى عَن أبي الطل هُوَ السلَفِي وَأبي الْحسن عَليّ بن المشرف وَغَيرهم روى عَنهُ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَكَانَ من زهاد الْعلمَاء وكبار الصَّالِحين فَفِيهَا فَاضلا تفقه بالشيخ أبي بكر الطرطوشي وَجلسَ لإلقاء الدَّرْس بعد الشَّيْخ أبي بكر الطرطوشي وانتفع النَّاس بِهِ وَألف كتابا حسنا فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الطّراز شرح بِهِ الْمُدَوَّنَة فِي نَحْو ثَلَاثِينَ سفرا وَتُوفِّي قبل إكماله وَله تآليف فِي الجدل وَغير ذَلِك وَقَالَ تَمِيم بن معِين البادسي وَكَانَ من الْفُقَهَاء رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقلت يَا رَسُول الله اكْتُبْ لي بَرَاءَة من النَّار فَقَالَ لي امْضِ إِلَى الْفَقِيه سَنَد يكْتب لَك بَرَاءَة فَقلت لَهُ مَا يفعل فَقَالَ قل لَهُ بأمارة كَذَا وَكَذَا فانتبهت فمضيت إِلَى الْفَقِيه سَنَد فَقلت لَهُ اكْتُبْ لي بَرَاءَة من النَّار فَبكى وَقَالَ من يكْتب لي بَرَاءَة من النَّار فَقلت لَهُ الأمارة قَالَ فَكتب لي رقْعَة وَلما أدْركْت تميماً الْوَفَاة أوصى أَن تجْعَل الرقعة فِي حَلقَة وتدفن مَعَه وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم بن مخلوف بن عبد الله بن عبد الحق بن جَارة أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَنه رأى الْفَقِيه أَبَا عَليّ سَنَد بن عنان قَالَ فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ عرضت على رَبِّي قَالَ لي أَهلا بِالنَّفسِ الطاهرة الزكية العالمة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد كَانَ فَاضلا من أهل النّظر وَمن نظم سَنَد رَحمَه الله ... وزائرة للشيب حلت بمفرقي ... فبادرتها بالنتف خوفًا من الحتف
فَقَالَت على ضعْفي استطلت وَوحْدَتِي ... رويدك للجيش الَّذِي جَاءَ من خَلْفي ...(1/126)
توفّي رَحمَه الله بالإسكندرية سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن بجبانة بَاب الْأَخْضَر وحريز بحاء مُهْملَة وَآخِرهَا زاى مُعْجمَة
حرف الشين
شبطون بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الطليطلي روى عَن مَالك وَسمع مِنْهُ الْمُوَطَّأ وَولي قَضَاء بَلَده طليطلة توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ
شَجَرَة بن عِيسَى الْمعَافِرِي أَبُو شَجَرَة وَقيل أَبُو زيد من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا رَحمَه الله من أهل أفريقية سمع ابْن زِيَاد وَابْن أَشْرَس وأباه عِيسَى وَغَيرهم وَأَبوهُ عِيسَى مِمَّن روى عَن مَالك وَاللَّيْث ولي شَجَرَة قَضَاء تونس فِي أَيَّام سَحْنُون وَقَبله قَالَ سَحْنُون مَا وليت أحدا من قُضَاة الْبلدَانِ إِلَّا شَجَرَة وشرحبيل قاضى طرابلس وَأخذ عَن شَجَرَة جمَاعَة من أَصْحَاب سَحْنُون وَغَيرهم وَقيل إِنَّه سمع من مَالك وَسَماهُ شَجَرَة بن عبد الله بن عِيسَى القيرواني فَإِن صَحَّ فَلَعَلَّهُ آخر وَأَبوهُ عِيسَى(1/127)
مَعْدُود فِي أهل تونس قَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ شَجَرَة من خير الْقُضَاة وأعلمهم ثِقَة عدلا مَأْمُونا فِي مسَائِله لسَحْنُون توفى سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة
شِيث ابْن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حيدرة بن الْحَاج ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن كَانَ فَقِيها فَاضلا نحوياً بارعاً وَله فِي الْفِقْه تعاليق ومسائل وَله فِي النَّحْو تصانيف مِنْهَا الْمُخْتَصر والمعتصر من الْمُخْتَصر وجزء القلاصم وافحام المخاصم وَكتاب تَهْذِيب ذهن الواعي فِي إصْلَاح الرّعية والراعي ولطائف السياسة فِي أَحْكَام الرِّئَاسَة وَله كَلَام فِي الرَّقَائِق وَذكره النفطى فِي تَارِيخ النُّحَاة وَقَالَ كَانَ فَقِيها نحوياً لغوياً عروضياً زاهداً أجَاز لَهُ أَبُو الْقَاسِم عبد الرحمن بن الْحُسَيْن بن الْحباب وَأَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عَوْف وَأَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن عَليّ الْقُضَاعِي وَحدث عَن أبي الطَّاهِر السلَفِي وَكَانَ حسن الْعِبَادَة لم يره أحد ضَاحِكا وَلَا هازلاً وَكَانَ يسير فِي أَفعاله وأقواله سيرة السّلف الصَّالح وَكَانَ محلوك مصر يعظمونه ويرفعون ذكره على كَثْرَة طعنه(1/128)
عَلَيْهِم وَعدم مبالاته بهم وَنحل جِسْمه وكف بَصَره وَمن نظمه ... اجهد لنَفسك إِن الْحِرْص متعبة ... للقلب والجسم وَالْإِيمَان يرفعهُ ... فَإِن رزقك مقسوم سترزقه ... وكل خلق ترام لَيْسَ يَدْفَعهُ
فَإِن شَككت فِي أَن الله يقسمهُ ... فَإِن ذَلِك بَاب الْكفْر تقرعه ... وَله ... هِيَ الدُّنْيَا إِذا اكتملت ... وطاب نعيمها قتلت
فَلَا تفرح بلذتها ... فباللذات قد شغلت
وَكن مِنْهَا على حذر ... وخف مِنْهَا إِذا اعتدلت ... مولده بقفط قَرْيَة من قرى مصر وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة
حرف الصَّاد
صَالح هُوَ أَبُو مُحَمَّد صَالح شيخ الغرب علما وَعَملا وبيته وَبَيت صَلَاح وحلالة وَعلم إِلَى الْآن(1/129)
وَقيد عَنهُ فِي شرح الرسَالَة الْمَجْهُول مَا كَانَ يلقيه على الطّلبَة توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَهُوَ من أهل فاس رَحمَه الله تَعَالَى
حرف الطَّاء
وَمن الْأَفْرَاد فِي هَذَا الْحَرْف من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك رَحمَه الله من مصر
طيب بن كَامِل اللَّخْمِيّ من كبار أَصْحَاب مَالك وجلسائه كنيته أَبُو خَالِد وَهُوَ أَيْضا عبد الله لَهُ اسمان وَأَصله أندلسي سكن بالإسكندرية روى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَبِه تفقه ابْن الْقَاسِم قبل رحلته إِلَى مَالك مَعَ سعد وعبد الرحيم وَكَانُوا عِنْده أوثق أَصْحَاب مَالك كَانَ نبيلاً وَهُوَ من الْعَرَب من لخم وَهُوَ مصري اسكندراني وَذكر ابْن شعْبَان فِي المصريين عبد الله بن كَامِل وَفِي الإسكندرانيين طليب بن كَامِل فجعلهما رجلَيْنِ وهما وَاحِد كَمَا تقدم وَتُوفِّي طليب بالإسكندرية سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة فِي حَيَاة مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
طَلْحَة بن أَحْمد بن عبد الله بن غَالب بن تَمام بن عَطِيَّة الدَّاخِل إِلَى الأندلس وَقت الْفَتْح من أهل غرناطة يكنى بِأبي الْحسن كَانَ فَقِيها حَافِظًا للْمَذْهَب الْمَالِكِي ذَاكر للمسائل غلب الْفِقْه عَلَيْهِ وَقعد لتدريسه ونوظر عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا روى عَنهُ عَمه أبي بكر غَالب بن عَطِيَّة وَأبي عَليّ الغساني وَأبي عَليّ الصَّدَفِي وتفقه بِأبي مُحَمَّد عبد الواحد بن عِيسَى روى عَنهُ ابْنه أَبُو بكر عبد الله وَأَبُو خَالِد بن رِفَاعَة وَأَبُو عبد الله النمري وَلم يذكر وَفَاته رَحمَه الله
حرف الْعين
من اسْمه عبد الله من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمشرق
عبد الله بن الْمُبَارك وَهُوَ مولى لبني تَمِيم ثمَّ لبنى حَنْظَلَة مروزي كنيته أَبُو عبد الرحمن(1/130)
سمع من أبي ليلى وَهِشَام بن عُرْوَة الْأَعْمَش وَسليمَان التَّيْمِيّ وَحميد الطَّوِيل وَيحيى بن سعيد وَابْن عون ومُوسَى بن عقبَة والسفيانيين وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ذِئْب وَمَالك وَمعمر وَشعْبَة وحيوة بن شُرَيْح وَقَرَأَ على أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَاللَّيْث وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن مهدى وعبد الرزاق وَيحيى بن الْقطَّان وَابْن وهب وَغَيرهم وتفقه بِمَالك قَالَ أَبُو إِسْحَاق الفزارى بن الْمُبَارك إِمَام الْمُسلمين وَقَالَ ابْن مهْدي مَا رَأَيْت للْأمة أنصح من ابْن الْمُبَارك وَلما نعى ابْن الْمُبَارك إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ رَحمَه الله لقد كَانَ فَقِيها عَالما عابداً زاهداً سخياً شجاعاً شَاعِرًا وَقَالَ أَيْضا مَا قدم علينا أحد يشبه ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي زَائِدَة وَهُوَ ثِقَة إِمَام وَقَالَ النَّسَائِيّ مَا نعلم فِي عصر ابْن الْمُبَارك أجل مِنْهُ وَلَا أَعلَى وَلَا أجمع لكل خصْلَة محمودة مِنْهُ وَقَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم اجْتمع فِي الْمُبَارك الْعلم والفتيا والْحَدِيث والمعرفة بِالرِّجَالِ وَالشعر وَالْأَدب والسخاء وَالْعِبَادَة والورع قَالَ مَالك ابْن الْمُبَارك فَقِيه خُرَاسَان وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يَقُول أول الْعلم النِّيَّة ثمَّ الِاسْتِمَاع ثمَّ الْفَهم ثمَّ الْعلم ثمَّ الْحِفْظ ثمَّ النشر وَكَانَ يحجّ عَاما ويغزو عَاما وَتُوفِّي بهيت مُنْصَرفه من الْغَزْو فِي سفينة وَدفن بهَا فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة ومولده سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت فِي النّوم قَائِلا يَقُول عبد الله بن الْمُبَارك فِي الفردوس الْأَعْلَى
وَمن الْوُسْطَى من أهل الْمَدِينَة
عبد الله بن نَافِع مولى بني مَخْزُوم الْمَعْرُوف بالصائغ كنيته أَبُو مُحَمَّد روى عَن مَالك وتفقه بِمَالك ونظرائه كَانَ صَاحب رَأْي مَالك ومفتي الْمَدِينَة بعده وَلم يكن صَاحب حَدِيث وَكَانَ ضَعِيفا وَفِيه قَالَ البُخَارِيّ تعرف حَدِيثه وتنكر وَقَالَ ابْن معِين هُوَ ثِقَة ثَبت قَالَ ابْن غَانِم قلت لمَالِك من لهَذَا الْأَمر بعْدك قَالَ ابْن نَافِع وَكَانَ أَصمّ أُمِّيا لَا يكْتب وَقَالَ صَحِبت مَالِكًا أَرْبَعِينَ سنة مَا كتبت مِنْهُ شَيْئا وَإِنَّمَا كَانَ حفظا أنحفظه وَهُوَ الَّذِي سمع مِنْهُ سَحْنُون وكبار أَتبَاع أَصْحَاب مَالك وَالَّذِي سَمَاعه مقرون بِسَمَاع أَشهب فِي الْعُتْبِيَّة وَهُوَ الَّذِي ذكره وَرِوَايَته فِي الْمُدَوَّنَة وَقَالَ أَشهب مَا حضرت لمَالِك مَجْلِسا إِلَّا وَابْن نَافِع حاضره وَلَا سَمِعت إِلَّا وَقد سمع لِأَنَّهُ كَانَ يكْتب فَكَانَ يكْتب أَشهب لنَفسِهِ وَله وَجلسَ مجْلِس مَالك بعد ابْن كنَانَة وَكَانَ أَبوهُ صائغاً وَله تَفْسِير فِي الْمُوَطَّأ رَوَاهُ عَنهُ يحيى بن يحيى توفّي بِالْمَدِينَةِ فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
عبد الله بن نَافِع الْأَصْغَر الزبيرِي أَبُو بكر من ذُرِّيَّة الزبير بن الْعَوام وَيعرف بِالْأَصْغَرِ وَهُوَ الْفَقِيه صَاحب مَالك وَله أَخ اسْمه عبد الله يعرف بالأكبر من أهل الْفضل وَالدّين وَلم يكن فَقِيها وأبوهما نَافِع من أعبد أهل زَمَانه سمع عبد الله من مَالك وَغَيره روى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم عَبَّاس الدورى وَالزُّبَيْر بن بكار وعبد الملك بن حبيب وَهُوَ أَصْغَر من نَافِع الصَّائِغ هُوَ ثِقَة صَدُوق خرج عَنهُ مُسلم توفّي فِي الْمحرم سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن سبعين سنة وَمن الْبَصْرَة وَالْعراق وَمَا وراءهما من بِلَاد الشرق
عبد الله ابْن مسلمة بن قعنب التَّمِيمِي الْحَارِثِيّ القعْنبِي أَبُو عبد الرحمن أَصله مدنى وَسكن الْبَصْرَة فَهُوَ من أعداد الْبَصرِيين روى عَن مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَأَبِيهِ شُعْبَة وَاللَّيْث والحمادين وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَعلي بن عبد العزيز والذهلي وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَأخرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَقَالَ لَزِمت مَالِكًا عشْرين سنة حَتَّى قَرَأت عَلَيْهِ(1/131)
الْمُوَطَّأ قَالَ فِيهِ مَالك وَقد أخبر بقدومه فَقَالَ قومُوا بِنَا إِلَى خير أهل الأَرْض نسلم عَلَيْهِ فَقَامَ فَسلم عَلَيْهِ قَالَ أَبُو زرْعَة مَا كتبت عَن أحد أجل فِي عَيْني مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ بَصرِي ثِقَة حجَّة وَقَالَ مَا رَأَيْت أخشع مِنْهُ وَقَالَ هَارُون بن إِسْحَاق مَا رَأَيْت أحدا يُرِيد بِعِلْمِهِ الله إِلَّا القعْنبِي وَقَالَ ابْن معِين فِيهِ ذَاك من در ذَاك من دَنَانِير قَالَ وَإِخْوَته ثِقَات كَمَا تحب وَقَالَ أثبت النَّاس فِي مَالك هُوَ ومعن وَقَالَ مرّة أثبتهم القعْنبِي وَقَالَ الْكُوفِي هُوَ ثِقَة رجل صَالح عَارِف وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور يُقَال مَا يطوف بِهَذَا الْبَيْت أحد أفضل من القعْنبِي وَهُوَ مَعْدُود فِي الْفُقَهَاء من أَصْحَاب مَالك وروى عَن مَالك كثيرا وَبَنُو قعنب أَرْبَعَة عبد الله هَذَا وَإِسْمَاعِيل ويحيي وعبد الملك بَنو سَلمَة كلهم توفّي سنة عشْرين أَو إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِمَكَّة يَوْم السبت لست خلون من الْمحرم مِنْهَا وَقيل يَوْم عَاشُورَاء
وَمن أهل مصر
عبد الله أَبُو مُحَمَّد ابْن وهب بن مُسلم الْقرشِي مَوْلَاهُم مولى يزِيد بن رَيْحَانَة وَيُقَال مولى بني فهر وَرُبمَا قَالَ ابْن وهب الْأنْصَارِيّ وَرُبمَا قَالَ الْقرشِي ثمَّ ثَبت على الْقرشِي وَقَالَ ابْن يُونُس الْمصْرِيّ فِي تَارِيخه هُوَ مولى يزِيد بن رَيْحَانَة مولى عبد الرحمن بن يزِيد بن أنيس الْعمريّ روى عَن أَرْبَعمِائَة عَالم مِنْهُم مَالك وَاللَّيْث وَابْن أبي ذِئْب وَيُونُس بن يزِيد والسفيانان وَابْن جريج وعبد العزيز بن الْمَاجشون وَنَحْو أَرْبَعمِائَة شيخ من المصريين والحجازيين والعراقيين وَقَرَأَ على نَافِع روى عَنهُ اللَّيْث وَصرح باسمه وَقيل إِن مَالِكًا روى عَنهُ من ابْن لَهِيعَة حَدِيث الْعُرْيَان وَمن أروى النَّاس عَنهُ أصبغ بن الْفرج وَسَحْنُون وَأحمد بن صَالح وعبد الحكم وَأَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ وَجَمَاعَة تفقه بِمَالك وَاللَّيْث وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم وَغَيرهم وَقَالَ أدْركْت من أَصْحَاب ابْن شهَاب أَكثر من عشْرين رجلا وَقَالَ صَحِبت مَالِكًا عشْرين سنة وَقَالُوا لم يكْتب مَالك بالفقيه لأحد إِلَّا إِلَى ابْن وهب وَكَانَ يكْتب إِلَيْهِ عبد الله ابْن وهب فَقِيه مصر وَإِلَى أبي مُحَمَّد الْمُفْتِي وَلم يكن يفعل هَذَا لغيره وَقَالَ فِيهِ ابْن وهب عَالم وَنظر إِلَيْهِ مرّة فَقَالَ أَي فَتى لَوْلَا الْإِكْثَار وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل ابْن وهب عَالم صَالح فَقِيه كثير الْعلم صَحِيح الحَدِيث ثِقَة صَدُوق يفصل السماع من الْعرض والْحَدِيث من الحَدِيث مَا أصح حَدِيثه وَقَالَ يُوسُف بن عدي أردكت النَّاس فَقِيها غير مُحدث ومحدثاً غير فَقِيه خلا عبد الله بن وهب فَإِنِّي رَأَيْته فَقِيها مُحدثا زاهداً صَاحب سنة وآثار وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم هُوَ أثبت النَّاس فِي مَالك وَهُوَ أفقه من ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَنه كَانَ يمنعهُ الْوَرع من الْفتيا وَقَالَ أصبغ ابْن وهب أعلم أَصْحَاب مَالك بالسنن والْآثَار إِلَّا أَنه روى عَن الضُّعَفَاء وَكَانَ يُسمى ديوَان الْعلم وَمَا من أحد إِلَّا زَجره مَالك ابْن وهب فَإِن كَانَ يعظمه وَيُحِبهُ وَمن أخباره قَالَ حُسَيْن بن عَاصِم كنت عِنْد ابْن وهب فَوقف على الْحلقَة سَائل فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد الدِّرْهَم الَّذِي أَعْطَيْتنِي بالْأَمْس زائف فَقَالَ يَا هَذَا إِنَّمَا كَانَت أَيْدِينَا عَارِية فَغَضب السَّائِل وَقَالَ صلى الله على مُحَمَّد هَذَا الزَّمَان الَّذِي كَانَ يحدث بِهِ إِلَّا أَنه لَا يَلِي الصَّدقَات إِلَّا المُنَافِقُونَ من هَذِه الْأمة فَقَامَ رجل من أهل الْعرَاق فلطم الْمِسْكِين لطمة خر مِنْهَا لوجهه فَجعل يَصِيح يَا أَبَا مُحَمَّد يَا إِمَام الْمُسلمين يفعل بِي هَذَا فِي مجلسك فَقَالَ ابْن وهب وَمن فعل هَذَا فَقَالَ الْعِرَاقِيّ أصلحك الله(1/132)
الحَدِيث الَّذِي حَدثنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حمى لحم مُؤمن من مُنَافِق يغتابه حمى الله لَحْمه من النَّار وَأَنت مصباحنا وضياؤنا ويغتابك فِي وُجُوهنَا فَقَالَ لأحدثنك بِحَدِيث إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يكون فِي آخر الزَّمَان مَسَاكِين يُقَال لَهُم العتاة لَا يتوضؤن لصَلَاة وَلَا يغتسلون من جَنَابَة يخرج النَّاس إِلَى مَسَاجِدهمْ وأعيادهم يسْأَلُون الله من فَضله وَيخرجُونَ يسْأَلُون النَّاس النَّاس يرَوْنَ حُقُوقهم على النَّاس وَلَا يرَوْنَ لله عَلَيْهِم حَقًا وَكَانَ ابْن وهب يَقُول من قَالَ فِي موعد إِن شَاءَ الله فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَنظر ابْن وهب إِلَى رجل يمضغ اللبان فَقَالَ لَهُ إِنَّه يقسي الْقلب ويضعف الْبَصَر وَيكثر الْقمل وَقَالَ ابْن وهب لَوْلَا أَن الله أنقذني بِمَالك وَاللَّيْث لضللت فَقيل لَهُ كَيفَ ذَلِك فَقَالَ أكثرت من الحَدِيث فحيرني فَكنت أعرض ذَلِك على مَالك وَاللَّيْث فَيَقُولَانِ خُذ هَذَا ودع هَذَا وَمن وفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان قَالَ أَبُو جَعْفَر بن الْحرار رَحل ابْن وهب إِلَى مَالك فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَلم يزل فِي صحبته إِلَى أَن توفّي مَالك وَسمع من مَالك قبل عبد الرحمن بن الْقَاسِم ببضع عشرَة سنة وَذكر ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم فَقَالَ ابْن وهب عَالم وَابْن الْقَاسِم فَقِيه قَالَ الْقُضَاعِي فِي كتاب خطط مصر قبر عبد الله بن وهب مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ فِي مَقْبرَة بني مِسْكين قبر صَغِير محلق يعرف بِقَبْر عبد الله وَهُوَ قبر قديم يشبه أَن يكون قَبره وَكَانَ مولده فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَقيل أَربع وَعشْرين وَمِائَة وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وصنف الْمُوَطَّأ الْكَبِير والموطأ الصَّغِير وَله مصنفات فِي الْفِقْه مَعْرُوفَة وَقَالَ يُونُس بن عبد الملك صَاحب الإِمَام الشَّافِعِي كتب الْخَلِيفَة إِلَى عبد الله بن وهب فِي قَضَاء مصر فحبس نَفسه وَلزِمَ بَيته فَاطلع عَلَيْهِ أسعد بن سعد وَهُوَ يتَوَضَّأ فِي صحن دَاره فَقَالَ لَهُ أَلا تخرج إِلَى النَّاس فتقضي بَينهم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع إِلَيْهِ رَأسه وَقَالَ إِلَى هَهُنَا انْتهى عقلك أما عملت أَن الْعلمَاء يحشرون مَعَ الْأَنْبِيَاء والقضاة يحشرون مَعَ السلاطين وَسبب مَوته أَنه قرىء عَلَيْهِ كتاب الْأَهْوَال من جَامعه فَأَخذه شَيْء كالغشي فَحمل إِلَى دَاره فَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن قضى نحبه رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ أَبُو زيد اجْتمع ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب على أَنِّي إِذا أخذت الْكتاب من الْمُحدث أَن أَقُول فِيهِ أَخْبرنِي وَقَالَ النَّسَائِيّ لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنه يتساهل فِي الْأَخْذ تساهلاً شَدِيدا وَقَالَ ابْن وهب جعلت على نَفسِي كلما اغتبت إنْسَانا صِيَام يَوْم فهان عَليّ فَجعلت عَلَيْهَا كَمَا اغتبت إنْسَانا صَدَقَة دِرْهَم فثقل عَليّ وَتركت الْغَيْبَة وَمَات وَهُوَ ابْن اثْنَيْنِ وَسبعين سنة وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت لَيْلَة مَاتَ ابْن وهب كَأَن مائدة الْعلم رفعت وَألف تآليف كَثِيرَة حَسَنَة عَظِيمَة الْمَنْفَعَة مِنْهَا سَمَاعه من مَالك ثَلَاثُونَ كتابا وموطؤه الْكَبِير وجامعه الْكَبِير وَكتاب الْأَهْوَال وَبَعْضهمْ يضيفه إِلَى الْجَامِع وَكتاب تَفْسِير الْمُوَطَّأ وَكتاب الْبيعَة وَكتاب لَا هام وَلَا صفر وَكتاب الْمَنَاسِك وَكتاب الْمَغَازِي وَكتاب الرِّدَّة
وَمن أهل أفريقية
عبد الله بن أبي حسان الْيحصبِي من أنفسهم وَاسم أبي حسان يزِيد بن عبد الرحمن وَقيل اسْمه عبد الرحمن وَيُقَال عبد الرحمن بن يزِيد وَهُوَ من أَشْرَاف إفريقية وَصَاحب فقه وأدب ورحل إِلَى مَالك فَكَانَ(1/133)
عِنْده مكرما وَسمع من ابْن أبي ذِئْب وَابْن عُيَيْنَة وَكَانَ ثِقَة روى عَنهُ سَحْنُون وفرات بن سُلَيْمَان وَابْن وضاح وَقَالَ ابْن أبي حسان لم يزل مَالك لي مكرماً وَقَالَ سَمِعت مَالِكًا يَقُول أهل الذكاء والذهن والعقول من أهل الْأَمْصَار ثَلَاثَة الْمَدِينَة ثمَّ الْكُوفَة ثمَّ القيروان وَقَالَ ابْن وهب مَا رَأَيْت مَالِكًا أميل إِلَى أحد مِنْهُ لِابْنِ أبي حسان وَقَالَ سَحْنُون كنت أول طلبى إِذا انغلقت على مسئلة من الْفِقْه آتى ابْن أبي حسان فَكَأَنَّمَا فِي يَده مِفْتَاح لما انغلق وَكَانَ ابْن أبي حسان غَايَة فِي الْفِقْه بِمذهب مَالك حسن الْبَيَان عَالما بأيام الْعَرَب وأنسابها راوية للشعر قَائِلا لَهُ وَعنهُ أَخذ النَّاس أَخْبَار إفريقية وحروبها وَكَانَ جواداً مفوهاً قَوِيا على المناظرة ذاباً عَن السّنة مُتبعا لمَذْهَب مَالك شَدِيدا على أهل الْبدع قَلِيل الهيبة للملوك لَا يخَاف فِي الله لومة لائم توفّي ابْن أبي حسان سنة سبع وَقيل سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن سبع وَثَمَانِينَ سنة مولده سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الصُّغْرَى من أَصْحَاب مَالك من أهل مصر
عبد الله ابْن عبد الحكم بن أعين بن اللَّيْث مولى عُمَيْر امْرَأَة من موَالِي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَيُقَال مولى رَافع مولى عُثْمَان يكنى أَبَا مُحَمَّد سمع مَالِكًا وَاللَّيْث وَعبد الرَّزَّاق والقعنبي وَابْن لَهِيعَة وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن حبيب وَأحمد بن صَالح وَابْن نمير وَالربيع بن سُلَيْمَان وَابْن الْمَوَّاز والعداس وَغَيرهم كَانَ رجلا صَالحا ثِقَة متحققاً بِمذهب مَالك فَقِيها صَدُوقًا عَاقِلا حَلِيمًا وَإِلَيْهِ أفضت الرياسة بِمصْر بعد أَشهب قَالَ بشر بن بكر رَأَيْت مَالِكًا فِي النّوم فقلا لي ببلدكم رجل يُقَال لَهُ ابْن عبد الحكم فَخُذُوا عَنهُ فَإِنَّهُ ثِقَة وَبلغ بَنو عبد الحكم بِمصْر من الجاه والتقدم مالم يبلغهُ أحد وَكَانَ صديقا للشَّافِعِيّ وَعَلِيهِ نزل إِذا جَاءَ فَأكْرم مثواه وَبلغ الْغَايَة فِي بره وَعِنْده مَاتَ وروى عَن الشَّافِعِي وَكتب كتبه لنَفسِهِ وَابْنه وَضم ابْنه مُحَمَّدًا إِلَيْهِ وَمن تآليف عبد الله الْمُخْتَصر الْكَبِير نحا بِهِ اخْتِصَار كتب أَشهب والمختصر الْأَوْسَط والمختصر الصَّغِير فالصغير قصره على علم الْمُوَطَّأ والأوسط صنفان فَالَّذِي من رِوَايَة القراطيسي فِيهِ زِيَادَة الْآثَار خلاف الَّذِي من رِوَايَة مُحَمَّد ابْنه وَسَعِيد بن حسان وَله أَيْضا كتاب الْأَهْوَال وَكتاب الْقَضَاء فِي الْبُنيان وَكتاب فَضَائِل عمر بن عبد العزيز وَكتاب الْمَنَاسِك ذكر أَن مسَائِل الْمُخْتَصر الْكَبِير ثَمَان عشرَة ألف مسئلة وَفِي الْأَوْسَط أَرْبَعَة آلَاف وَفِي الصَّغِير ألف وَمِائَتَا مسئلة ومسائل الْمُدَوَّنَة سِتّ وَثَلَاثُونَ ألف مسئلة وَمَات لَاحَدَّ وَعشْرين لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة ولد بِمصْر سنة خمس وَخمسين وَمِائَة فِي السّنة الَّتِي ولد فِيهَا الْحَارِث بن مِسْكين وعبد الله أكبر مِنْهُ بشهرين وَإِلَيْهِ أوصى ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وَأَبوهُ عبد الحكم يكنى أَبَا عُثْمَان لَهُ عَن مَالك مسَائِل وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة من أهل أفريقية
عبد الله بن طَالب القَاضِي يكنى أَبَا الْعَبَّاس واسْمه عبد الله بن طَالب بن سُفْيَان بن سَالم بن عقال بن خفاجة التميمى ابْن عَم بني الْأَغْلَب أُمَرَاء القيروان وَيُقَال طَالب بن سعد بن سُفْيَان تفقه بسحنون وَكَانَ من كبار أَصْحَابه وَلَقي المصريين مُحَمَّد بن عبد الحكم وَيُونُس بن عبد الأعلى وَحج وَانْصَرف وَولي قَضَاء القيروان مرَّتَيْنِ سمع مِنْهُ أَبُو الْعَرَب وَابْن اللباد وَالنَّاس وَكَانَ جميل(1/134)
الصُّورَة بهي الْخلق فاخر اللبَاس أحور الْعَينَيْنِ وَكَانَ لقناً فطناً جيد النّظر يتَكَلَّم فِي الْفِقْه فَيحسن حَرِيصًا على المناظرة يجمع فِي مَجْلِسه الْمُخْتَلِفين فِي الْفِقْه ويغرى بَينهم لتظهرالفائدة ويسايرهم فَإِذا تكلم أبان وأجاد حَتَّى يود السَّامع أَن لَا يسكت إِلَّا أَنه كَانَ إِذا أَخذ الْقَلَم لم يبلغ حَيْثُ يبلغ لِسَانه وَلم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ من المذاكرة فِي الْعلم قَالَ ابْن اللباد مَا رَأَيْت أفقه من ابْن طَالب إِلَّا يحيى بن عمر قَالَ أَبُو الْعَرَب وَكَانَ عدلا فِي قَضَائِهِ صَارِمًا فِي جَمِيع أمره فَقِيها ثِقَة عَالما بِمَا اخْتلف فِيهِ وَفِي الذب عَن مَذْهَب مَالك ورعاً فِي حكمه قَلِيل الهيبة فِي الْحق للسُّلْطَان وَمَا سَمِعت الْعلم قطّ أحلى وَلَا أطيب مِنْهُ من أبي طَالب وَكَانَ كثير الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر رَقِيق الْقلب كثير الدُّمُوع وَله من التآليف كتاب فِي الرَّد على من خَالف مَالِكًا وَثَلَاثَة أَجزَاء من أَمَالِيهِ وتأليف فِي الرَّد على الْمُخَالفين من الْكُوفِيّين وعَلى الشَّافِعِي وَقَالَ بَعضهم سمعته عِنْد محنته وسجنه يَقُول وَهُوَ مسجون فِي سُجُوده ومناجاته ربه عز وَجل اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم إِنِّي مَا حكمت بجور وَلَا آثرت عَلَيْك أحدا من خلقك فِي حكم من أحكامي وَلَا خفت فِيك لومة لائم وَكَانَ يَقُول إِنَّمَا الْعَزِيز من كَانَ مَعَه الْقُرْآن وَالْعلم هَذَا هُوَ الْعَزِيز وَأما من كَانَ مَعَه عز السُّلْطَان فَلَيْسَ بعزيز وامتحن رَحمَه الله وسجن وَسقي سما وَقيل إِن السودَان ركضوا بَطْنه حَتَّى مَاتَ وَكَانَ يَقُول فِي قَضَائِهِ اللَّهُمَّ لَا تمتني وَأَنا قَاض فَمَاتَ بعد عَزله بِنَحْوِ شهر وَلم يكن فِي زَمَانه سُلْطَان وَلَا غَيره أسمح مِنْهُ رُبمَا تصدق بلجام دَابَّته ومصحفه وشوارعيا لَهُ وَثيَاب ظَهره وَذكر أَن غُلَاما رَاعيا نَاوَلَهُ سَوْطًا وَقد سقط مِنْهُ فَوجه إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَاهُ مَعَ الْغنم وَأعْتقهُ ووهب الْغنم لَهُ وَذكروا من كرمه مَا هُوَ أعجب من هَذَا وَأعظم توفّي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة مولده سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ بَعضهم رَأَيْته فِي النّوم بعد قَتله فَسَأَلته فَقَالَ وَوجه الله لقد دخلت الْجنَّة قلت كَيفَ كَانَت منيتك قَالَ سقاني شربة سقَاهُ الله من صديد أهل النَّار رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل أفريقية
عبد الله بن أبي هَاشم بن مسور التجِيبِي مَوْلَاهُم الْمَعْرُوف بِابْن الجحام مولى بني عُبَيْدَة التجيبيين أَبُو مُحَمَّد سمع من عِيسَى وَمُحَمّد بن مِسْكين وَسَعِيد بن إِسْحَاق وعبد الله بن سهل الأندلسي وَابْن عَيَّاش وفرات وحمديس الْقطَّان وَعمر بن يُوسُف وَابْن أبي سُلَيْمَان وَيحيى بن زَكَرِيَّا الْأمَوِي والمغامي وَغَيرهم من شُيُوخ إفريقية ورحل فَسمع فِي رحلته بِمصْر وَغَيرهَا من جمَاعَة مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن جميل وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم الدبيلي وَابْن الْأَعرَابِي وَابْن أبي مطر وَغَيرهم وَغلب عَلَيْهِ الْجمع وَالرِّوَايَة يُقَال أَكثر سَمَاعه من ابْن مِسْكين إجَازَة كَانَ شَيخا عَالما ورعاً مسمتاً خَاشِعًا رَقِيق الْقلب غزير الدمعة مهيباً فِي نَفسه لَا يكَاد أحد ينْطق فِي مَجْلِسه بِغَيْر الصَّوَاب يشبه فِي أُمُوره يحيى بن عمر وحمديس الْقطَّان حسن التَّقْيِيد صَحِيح الْكتاب وَكَانَت كتبه كلهَا بِخَطِّهِ كَانَ كثير التصنيف فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَكثير الْكتب قَالَ الْقَابِسِيّ ترك أَبُو مُحَمَّد هَذَا تِسْعَة قناطير كتب كلهَا بِخَطِّهِ إِلَّا كتابين فَكَانَ لَا يحْتَمل أَن يراهما لأجل أَنَّهُمَا ليسَا بِخَطِّهِ وَألف كتبا كَثِيرَة فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم مِنْهَا كتاب الْمَوَاقِيت وَمَعْرِفَة النُّجُوم والأزمان سمع(1/135)
مِنْهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد والقابسي وَمُحَمّد بن إِدْرِيس وَأَبُو عبد الله الصَّدَفِي وَغَيرهم من أهل أفريقية ومصر والأندلس توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وسنه سبع وَثَمَانُونَ سنة مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ سَبَب مَوته أَنه اصطلى فنعس فالتهبت النَّار فِي ثبابه فَاحْتَرَقَ إِلَّا مَوضِع سُجُوده
عبد الله أَبُو الْعَبَّاس بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق التّونسِيّ الْمَعْرُوف بالإبياني بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْبَاء وَيُقَال صَوَابه تخفيفها التَّمِيمِي تفقه بيحي ابْن عمر وَأحمد بن سُلَيْمَان وحمديس وَيحيى بن عبد العزيز وحماس بن مَرْوَان وَغَيرهم وَصَحب لُقْمَان بن يُوسُف وذاكر أَبَا بكر بن اللباد ويروى عَنهُ الْأصيلِيّ وَأَبُو الْحسن اللواتي وَعَمْرو بن مُحَمَّد وَسَعِيد بن مَيْمُون وَأَبُو عَليّ الغولي والقابسي وَابْن أبي زيد وَغَيرهم كَانَ عَالم إفريقية غير مدافع من شُيُوخ أهل الْعلم وحفاظ مَذْهَب مَالك من أهل الْخَيْر والوجاهة ويميل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي صيناً منقبضاً حَافِظًا ذَا كَلَام فِي الْفِقْه صَالحا ثِقَة مَأْمُونا أماما فَقِيها عافلا حَلِيمًا نبيلاً فصيحاً عَالما بِمَا فِي كتبه حسن الضَّبْط حسن الْحِفْظ جيد الاستنباط كَانَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد إِذا نزلت بِهِ نازلة مشكلة كتب بهَا إِلَيْهِ يبينها إِلَيْهِ وَلما وصل إِلَى مصر تَلقاهُ نَحْو من أَرْبَعِينَ فَقِيها لم يكن فيهم أفقه مِنْهُ وَقَالَ ابْن شعْبَان مَا يزَال الْمغرب عسلم مادام فِيهِ أَبُو الْعَبَّاس وَقَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى فَقِيه فَلْينْظر إِلَيْهِ وَقَالَ لَا يزَال أهل الْمغرب بِخَير مَا دَامَ بَين أظهرهم وَمَا عدى النّيل مُنْذُ خمسين سنة أعلم مِنْهُ وَكَانَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ يَقُول مَا رَأَيْت بالمشرق وَلَا بالمغرب مثل أبي الْعَبَّاس كَانَ يفصل الْمسَائِل كَمَا يفصل الجزار الحاذق اللَّحْم وَكَانَ يحب المذاكرة فِي الْعلم وَيَقُول دَعونَا من السماع ألقوا الْمسَائِل وَكَانَ يدرس كتاب ابْن حبيب وَذكر اللواتي إِنَّه قَرَأَ على أبي الْعَبَّاس فِي الْوَاضِحَة صَدرا من كتاب الْبيُوع فَقَالَ لَهُ بَقِي من الْكتاب حَدِيث كَذَا ومسئلة كَذَا فَنَظَرْنَا فَلم نر شَيْئا ثمَّ تأملنا فَإِذا ورقتان قد التصقتا فتجاوزنا هما فَإِذا فيهمَا كل مَا ذكره فتعجبنا من حفظه وَكَانَ قَلِيل الْفَتْوَى وَقَالَ لَهُ ابْن القوطي أَنْت الْيَوْم عندنَا فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس تعلم أَنه لَا ضِيَافَة على أهل الْحَضَر فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق قَالَ ابْن عبد الحكم عَلَيْهِم الضِّيَافَة وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس لرجل تحب أَن تفلح قَالَ نعم قَالَ فلتكن نَفسك عنْدك أَهْون من الزبل الَّذِي على المزبلة وَكَانَ كثير التَّوَاضُع وَإِذا قيل لَهُ الْفَقِيه يَقُول لقب لقبناه وَكَانَت لَهُ فراسة لَا تكَاد تخطىء يذكر أَنه قَالَ لأبي الْحسن الْقَابِسِيّ وَهُوَ يطْلب عَلَيْهِ وَالله لتضربن إِلَيْك الْإِبِل من أقْصَى الْمغرب فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقَالَ ... مَاذَا تريك حوادث الْأَزْمَان ... وصروفها وطوارق الْحدثَان
وَأَشد مَا ألْقى وأنضج للحشا ... عدم الْوَفَاء وجفوة الإخوان ... توفّي سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة وَقيل سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن مائَة سنة غير أَرْبَعَة أشهر
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من أهل أفريقية
عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَاسم أبي زيد عبد الرحمن نفزي النّسَب سكن القيروان وَكَانَ إِمَام الْمَالِكِيَّة فِي وقته وقدوتهم وجامع مَذْهَب مَالك وشارح أَقْوَاله وَكَانَ وَاسع الْعلم كثير(1/136)
الْحِفْظ وَالرِّوَايَة وَكتبه تشهد لَهُ بذلك فصيح الْقَلَم إِذا بَيَان وَمَعْرِفَة بِمَا يَقُوله ذاباً عَن مَذْهَب مَالك قَائِما بِالْحجَّةِ عَلَيْهِ بَصيرًا بِالرَّدِّ على أهل الْأَهْوَاء يَقُول الشّعْر ويجيده وَيجمع إِلَى ذَلِك صلاحاً تَاما وورعاً وعفة وَحَازَ رئاسة الدّين وَالدُّنْيَا وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة من الأقطار ونجب أَصْحَابه وَكثر الآخذون عَنهُ وَهُوَ الَّذِي لخص الْمَذْهَب وَضم نشره وذب عَنهُ وملأت الْبِلَاد تآليفه عَارض كثير من النَّاس أَكْثَرهَا فَلم يبلغُوا مداه مَعَ فضل السَّبق وصعوبة الْمُبْتَدَأ وَعرف قدره الأكابر وَكَانَ يعرف بِمَالك الصَّغِير وَقَالَ فِيهِ الْقَابِسِيّ هُوَ إِمَام موثوق بِهِ فِي ديانته وَرِوَايَته وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي عبد الله الْقطَّان مَا قلدت أَبَا مُحَمَّد أبي بن زيد حَتَّى رَأَيْت النَّسَائِيّ يقلده واستجازه ابْن مُجَاهِد الْبَغْدَادِيّ وَغَيره من أَصْحَابه البغداديين وَاجْتمعَ فِيهِ الْعلم والورع وَالْفضل وَالْعقل شهرته تغني عَن ذكره وَكَانَ سريع الانقياد وَالرُّجُوع إِلَى الْحق تفقه بفقهاء بَلَده وَسمع من شيوخها وعول عَليّ أبي بكر بن اللباد وَأبي الْفضل القيسى وأخذا أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مسرور بن الغسال وعبد الله بن مسرور بن الْحجَّاج وَالْقطَّان والابياني وَزِيَاد ابْن مُوسَى وسعدون الْخَولَانِيّ وَأبي الْعَرَب وَأحمد بن أبي سعيد وحبِيب مولى بن أبي سُلَيْمَان فِي آخَرين ورحل فحج وَسمع من ابْن الْأَعرَابِي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْذر وَأبي عَليّ بن أبي هِلَال وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد القَاضِي وَسمع أَيْضا من الْحسن بن بدر وَمُحَمّد بن الْفَتْح وَالْحسن ابْن نصر السُّوسِي ودراس بن إِسْمَاعِيل وَعُثْمَان بن سعيد الغرابلي وَغَيرهم واستجاز ابْن شعْبَان والأبهري والمروزي وَسمع مِنْهُ خلق كثير وتفقه عَنهُ جلة فَمن أَصْحَابه الْقرَوِيين أَبُو بكر بن عبد الرحمن وَأَبُو الْقَاسِم البرادعي واللبيدي وابنا الأجداني وَأَبُو عبد الله الْخَواص وَأَبُو مُحَمَّد مكي المقرىء وَمن أهل الأندلس أَبُو بكر بن موهب المقبرى وَابْن عَابِد وَأَبُو عبد الله ابْن الْحذاء وَأَبُو مَرْوَان القنازعي وَمن أهل سبتة أَبُو عبد الرحمن بن الْعَجُوز وَأَبُو مُحَمَّد بن غَالب وَخلف بن نَاصِر وَمن لَا يعد كَثْرَة وَمن أهل الْمغرب أَبُو عَليّ بن أمدكتو السجلماسي ذكر تآليفه لَهُ كتاب النَّوَادِر والزيادات على الْمُدَوَّنَة مَشْهُور أَزِيد من مائَة جُزْء وَكتاب مُخْتَصر الْمُدَوَّنَة مَشْهُور أَيْضا وعَلى كِتَابيه هذَيْن الْمعول فِي التفقه وَكتاب تَهْذِيب الْعُتْبِيَّة وَكتاب الإفتداء بِأَهْل الْمَدِينَة وَكتاب الذب عَن مَذْهَب مَالك وَكتاب الرسَالَة مَشْهُور وَكتاب التَّنْبِيه على القَوْل فِي أَوْلَاد الْمُرْتَدين ومسئلة الْحَبْس على أَوْلَاد الْأَعْيَان وَكتاب تَفْسِير أَوْقَات الصَّلَوَات وَكتاب الثِّقَة بِاللَّه والتوكل على الله وَكتاب الْمعرفَة وَالْيَقِين وَكتاب الْمَضْمُون من الرزق وَكتاب الْمَنَاسِك ورسالة فِيمَن تُؤْخَذ عَنهُ تِلَاوَة الْقُرْآن وَالذكر حَرَكَة وَكتاب رد السَّائِل وَكتاب غَايَة تمرض الْمُؤمن وَكتاب الْبَيَان من إعجاز الْقُرْآن وَكتاب الوساوس ورسالة إِعْطَاء الْقَرَابَة من الزَّكَاة ورسالة النَّهْي عَن الجدل ورسالة فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة ومناقضة رِسَالَة الْبَغْدَادِيّ المعتزلي وَكتاب الِاسْتِظْهَار فِي الرَّد على الفكرية وَكتاب كشف التلبيس فِي مثله ورسالة الموعظة والنصيحة ورسالة طلب الْعلم وَكتاب فضل قيام رَمَضَان ورسالة الموعظة الْحَسَنَة لأهل الصدْق ورسالة إِلَى أهل سجلماسة فِي تِلَاوَة الْقُرْآن ورسالة فِي أصُول التَّوْحِيد وَجُمْلَة من تآليفه كلهَا مفيدة بديعة غزيرة الْعلم وَذكر(1/137)
أَنه دخل يَوْمًا أبي سعيد ابْن أخي هِشَام يزوره فَوجدَ مَجْلِسه محتفلاً فَقَالَ لَهُ بَلغنِي أَنَّك ألفت كتبا فَقَالَ لَهُ نعم أصلحك الله فَإِن أصبت أخبرتنا وَإِن أَخْطَأت علمتنا فَسكت أَبُو سعيد وَلم يعاوده وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن التبَّان الْفَقِيه الإِمَام كَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْفُقَهَاء المبرزين ضربت إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل من الْأَمْصَار لعلمه بالذب عَن مَذْهَب أهل الْحجاز ومصر وَمذهب مَالك وَكَانَ من أحفظ النَّاس لِلْقُرْآنِ والتفنن فِي علومه وَالْكَلَام على أصُول التَّوْحِيد مَعَ فصاحة اللِّسَان وَكَانَ مستجاب الدعْوَة رَقِيق الْقلب غزير الدمعة وَكَانَ من الْحفاظ وَكَانَ يمِيل إِلَى الرقة وحكايات الصَّالِحين عَالما باللغة والنحو والحساب والنجوم وَذكره الْقَابِسِيّ بعد مَوته فَقَالَ رَحِمك الله يَا أَبَا مُحَمَّد فقد كنت تغار على الْمَذْهَب وتذب عَن الشَّرِيعَة وَكَانَ من أَشد النَّاس عَدَاوَة لبنى عبيد كريم الْأَخْلَاق حُلْو المنظر بَعيدا من الدُّنْيَا والتصنع من أرق أهل زَمَانه طبعا وأحلاهم إِشَارَة وألطفهم عبارَة سمع مِنْهُ أَبُو الْقَاسِم المنستيري وَمُحَمّد بن إِدْرِيس بن الناظور وَأَبُو مُحَمَّد بن يُوسُف الحبي وَأَبُو عبد الله الْخَرَّاط وَابْن اللبيدي فَائِدَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد لبَعض من يتَعَلَّم مِنْهُ خُذ من النَّحْو ودع وَخذ من الشّعْر وَأَقل وَخذ من الْعلم وَأكْثر فَمَا أَكثر أحد من النَّحْو إِلَّا حمقه وَلَا من الشّعْر إِلَّا أرذله وَلَا من الْعلم إِلَّا شرفه وَقَالَ يَوْمًا لَا شَيْء أفضل من الْعلم قَالَ الجبنياني الْعَمَل بِهِ أفضل فَقَالَ صدق الْعلم إِذا لم يعْمل بِهِ صَاحبه فَهُوَ وبال عَلَيْهِ وَإِذا عمل بِهِ كَانَ حجَّة لَهُ ونوراً يَوْم الْقِيَامَة وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لثنتي عشرَة خلت من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن هَاشم وَخرج النَّاس لجنازته من ثلث اللَّيْل حَتَّى ضَاقَتْ بهم الشوارع وفاضوا فِي الصَّحرَاء غدْوَة الثُّلَاثَاء مولده سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة
وَمن الأندلس
عبد الله أَبُو مُحَمَّد الأصيلى هُوَ عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَصله من كورة شذونة ورحل بِهِ أَبوهُ إِلَى أصيلا من بِلَاد العدوة فسكنها وَنَشَأ بهَا أَبُو مُحَمَّد وَطلب بهَا الْعلم وتفقه بقرطبة مُنْذُ صباه بشيخيها اللؤْلُؤِي وَأبي إِبْرَاهِيم وَسمع من ابْن الشَّاط وَالْقَاضِي أبي سليم وَأَبَان بن عِيسَى ونظرائهم وَأخذ عَن وهب بن مَسَرَّة بوادي الْحِجَارَة وَعَن ابْن مخلوف وَغَيرهم ورحل إِلَى الْمشرق فلقي شُيُوخ إفريقية كَأبي الْعَبَّاس الإبياني وَأبي الْعَرَب وَعلي بن مسرور وعبد الله بن أبي زيد وَكتب عَنهُ ابْن أبي زيد وَعَن شويخه الأندلسيين وَلَقي بِمصْر القَاضِي أَبَا الطَّاهِر الْبَغْدَادِيّ وَابْن شعْبَان والنيسابوري وَغَيرهم وَحج فلقي بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَخمسين أَبَا زيد الْمروزِي وَسمع مِنْهُ البُخَارِيّ وَأَبا بكر الْآجُرِيّ وبالمدينة قاضيها أَبَا مَرْوَان الْمَالِكِي وَسَار إِلَى الْعرَاق فلقي بهَا الْأَبْهَرِيّ رَئِيس الْمَالِكِيَّة وَأخذ عَنهُ الْأَبْهَرِيّ أَيْضا وَحدث عَن الدَّارَقُطْنِيّ واضطرب فِي الْمشرق نَحْو ثَلَاثَة عشر عَاما وَسمع بِبَغْدَاد عرضته الثَّانِيَة فِي البُخَارِيّ من أبي زيد وسَمعه أَيْضا من أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ وهما شيخاه فِي البُخَارِيّ وَعَلَيْهِمَا يعْتَمد فِيهِ ثمَّ انْصَرف إِلَى الأندلس بأثر موت الحكم فَبَقيَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَابْن أبي عَامر على غَايَة التَّعْظِيم لَهُ وَإِلَيْهِ انْتَهَت(1/138)
الرِّئَاسَة بالأندلس فِي الْمَالِكِيَّة وَألف كتابا على الْمُوَطَّأ سَمَّاهُ بِالدَّلِيلِ ذكر فِيهِ خلاف مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَكَانَ متفنناً نبيلاً عَارِفًا بِالْحَدِيثِ وَالسّنة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَلم أر مثله وَقَالَ غَيره كَانَ من حفاظ مَذْهَب مَالك والتكلم على الْأُصُول وَترك التَّقْلِيد من أعلم النَّاس بِالْحَدِيثِ وأبصرهم بعلله وَرِجَاله وَله نَوَادِر حَدِيث خَمْسَة أَجزَاء وَولي قَضَاء سرقسطة وَقَامَ بالشورى بقرطبة حَتَّى كَانَ نَظِير ابْن أبي زيد بالقيروان على هَدْيه إِلَّا أَنه كَانَ فِيهِ ضجر شَدِيد يُخرجهُ أَوْقَات الغيظ إِلَى غير صفته توفّي رَحمَه الله يَوْم الْخَمِيس لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْحجَّة سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَكَانَ جمعه مشهوداً وَأوصى أَن يُكفن فِي خَمْسَة أَثوَاب وَكَانَ آخر مَا سمع مِنْهُ حِين احْتضرَ اللَّهُمَّ إِنَّك قد وعدت الْجَزَاء على الْمُصِيبَة وَلَا مُصِيبَة عَليّ أعظم من نَفسِي فَأحْسن جزائي فِيهَا يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَكَانَ كثيرا مَا يذكر الأربعمائة وَمَا يكون فِيهَا من الْفِتَن وَيَدْعُو الله عز وَجل أَن يقبضهُ قبلهَا فَأجَاب الله دعاءه
قَالَ مُحَمَّد بن رَشِيق وَمِمَّنْ استدركناه من أهل سبتة من الطَّبَقَة التَّاسِعَة
عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن غَالب بن تَمام بن مُحَمَّد الهمذاني الشَّيْخ صَالح المرى الَّذِي يَأْتِي ذكره مَعَ الْفَقِيه عبد الرحمن بن الْعَجُوز من بَيت علم وجلالة أصلهم من تكور وَسَكنُوا سبتة وَأَبوهُ غَالب من أهل الْعلم صَاحب وثائق وتفقه وحساب وفرائض وَله فِي ذَلِك تآليف كَانَ ابْنه أَبُو مُحَمَّد هَذَا وَاحِد عصره علما وتقى وجلالة وديناً وفضلاً حمل عَن أَشْيَاخ سبتة ورحل إِلَى الأندلس فَسمع من الْأصيلِيّ وَأبي بكر الزبيدِيّ ورحل نَحْو الثَّمَانِينَ فَدخل القيروان وَسمع من أبي مُحَمَّد بن أبي زيد كتبه وَسمع بِمصْر من ابْن المهندس والوشا وَقيل إِنَّه دخل الْعرَاق وَكَانَ متفنناً فِي عُلُوم جمة قَائِما بِمذهب الْمَالِكِيَّة نظاراً حَافِظًا بليغاً أديباً شَاعِرًا مجيداً وشاوره ابْن زوبع فِي حَيَاته ثمَّ اعتمدت الشورى عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ قيل إِن رجلا من أهل سبتة رفع مسئلة إِلَى القيروان فَقيل لَهُ أَلَيْسَ ابْن غَالب حَيا قَالَ نعم قَالَ مَا يَنْبَغِي لبلد فِيهِ مثله أَن يرفع مِنْهُ سُؤال وَله أشعار كَثِيرَة وَسمع عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل سبتة ابْنه القَاضِي أَبُو عبد الله وَإِسْمَاعِيل بن حَمْزَة وَأَبُو مُحَمَّد المسيلي وَالْقَاضِي ابْن جماع وَغَيرهم وَتُوفِّي فِي صفر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله بن حنين بن عبد الله بن عبد الْملك الْكلابِي مَوْلَاهُم كنيته أَبُو مُحَمَّد قرطبي يعرف بِابْن أخي ربيع الصّباغ سمع من الأعناقي وَأسلم وَأبي صَالح أَيُّوب بن سُلَيْمَان وَابْن لبَابَة وَأحمد بن خَالِد وَابْن أَيمن وَغَيرهم وَأدْركَ ابْن وضاح وَلم يسمع مِنْهُ وَحج آخر عمره فَسمع بِمصْر من مُحَمَّد بن زيان والباهلي وَسمع مِنْهُ بهَا أَبُو سعيد بن يُونُس وَأَبُو عمر الْكِنْدِيّ وَغَيرهمَا كَانَ معتنياً بِالْحَدِيثِ إِمَامًا فِيهِ بَصيرًا بعلله حسن التَّأْلِيف فِيهِ وَله تآليف فِي معرفَة الرِّجَال وَعلل الحَدِيث وَاخْتصرَ مُسْند تَقِيّ الدّين بن مخلد وَكتاب التَّفْسِير لَهُ وَهُوَ المبتدىء بتأليف كتاب الِاسْتِيعَاب لأقوال مَالك مُجَرّدَة دون أَقْوَال أَصْحَابه الَّذِي تممه أَبُو عمر بن المكودي وَأَبُو بكر المعيطي وَثَّقَهُ أَبُو مُحَمَّد الْبَاجِيّ وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمد بن سعيد كَانَ من أهل الْعلم والتفنن والمروءة مَعَ هدي حسن وسمت عَجِيب لم أر مثله وقاراً وحلما وسعة فِي الحَدِيث ومعاينة وَكتب النَّاس عَنهُ بالمشرق توفّي سنة ثَمَان عشرَة وَقيل تسع عشرَة وثلاثمائة
عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن(1/139)
الشقاق بن سعيد بن مُحَمَّد قرطبي شيخ المفتيين فِي وقته وَأحد أكَابِر أَصْحَاب أبي عمر المكوى المختصين بِهِ تفقه بِهِ قَالَ أَبُو مَرْوَان كَانَ ابْن الشقاق أحد عُلَمَاء الأندلس المبرزين فِي الْعلم والفتيا مسئلة وَكَانَ هُوَ وَصَاحبه ابْن دحون فِي السماع توفّي فِي شهر رَمَضَان فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن يحيى بن دحون أحد الشُّيُوخ الجلة المفتيين بقرطبة وَأحد كبار أَصْحَاب ابْن المكوي قَالَ أَحْمد بن حبَان لم يكن فِي أَصْحَاب ابْن المكوى أفقه مِنْهُ وَلَا أغوص على الْفتيا وَلَا أضبط للرواية مَعَ نصيب وافر من الْأَدَب فِي الْخَيْر توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله الشنتجالي أَبُو مُحَمَّد بن سعيد الشنتجالي الشَّيْخ الصَّالح الْعَالم رَحل إِلَى الْمشرق وجاور بِمَكَّة بضعاً وَثَلَاثِينَ سنة واشتهر هُنَاكَ وانتفع بِهِ وَحصل على منزلَة رفيعة فِي النّسك وَالْخَيْر سمع من أبي بكر المطوعي وَأبي ذَر الْهَرَوِيّ وَأبي عبد الله الوشا وَانْصَرف إِلَى الأندلس سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ رَاغِبًا فِي الْجِهَاد فَلم يزل مثابراً عَلَيْهِ فِي الثغور وَالنَّاس يَأْخُذُونَ عَنهُ خلال ذَلِك حدث عَنهُ خلق كثير وَآخر من حدث عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَبُو مُحَمَّد بن عتاب وَله مُخْتَصر فِي الْفِقْه مَشْهُور توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله بن مَالك أَبُو مَرْوَان وَقيل اسْمه عبيد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله قرطبي كَانَ أَبوهُ مُحَمَّد يتفقه على ضعف معرفَة ثمَّ توفّي وَابْنه هَذَا قد علق بصناعة الْحَرِير فَتعلق إِذْ ذَاك بِالطَّلَبِ وَانْقطع إِلَى فُقَهَاء طليطلة ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه وجد فِي طلبه وَأخذ عَن أبي الْأَصْبَغ وَغَيره ورسخ فِي مَذْهَب مَالك وَاسْتظْهر كتاب الْمُدَوَّنَة وَله فِيهِ مُخْتَصر حسن وَله بصر الْحساب والفرائض وَاللِّسَان وَالْكَلَام وَله فِي عقيدة أهل السّنة وَالْكَلَام عَلَيْهَا كتاب حسن وبأبي عبد الله بن عتاب تفقه القرطبيون وَابْن سهل وَغَيره وَكَانَ كثير الْجِهَاد والرباط وَلم تكن لَهُ كتب إِلَّا فقه مَعَاني النّحاس ومختصره للْمُدَوّنَة وَأَشْيَاء من الْكتب قَليلَة وَكَانَ إِذا ذكر عِنْده المكثرون من الْكتب وَجمع الدَّوَاوِين يَقُول وَالله لأموتن وَأَنا أَجْهَل كثير مِمَّا فِي كتبي هَذِه فَمَاذَا أصنع بالإكثار مِنْهَا وَكَانَ بَينه وَبَين ابْن عتاب مباينة وَمُخَالفَة فِي الْفَتْوَى وَتُوفِّي بقرطبة فِي جُمَادَى الأولى من سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الله بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مرتيل أَبُو مُحَمَّد قرطبي نبيه من أهل الْعلم سمع من أَبِيه وَعِيسَى بن دِينَار وَيحيى بن يحيى ورحل فَسمع من سَحْنُون الأَسدِية قبل أَن يدونها وَسمع بِمصْر من أصبغ بن الْفرج وعبد الملك بن هِشَام وَلم يكن لَهُ علم بِالْحَدِيثِ سمع مِنْهُ ابْن لبَابَة ونظراؤه كَانَ صلباً متديناً ورعاً مهيباً منقبضاً عَن السُّلْطَان مُعظما للْعلم كَانَ النَّاس فِي مَجْلِسه كَأَنَّمَا على رُؤْسهمْ الطير إجلالاً لَهُ وَكَانَ حَافِظًا للفقه مقدما على أَصْحَابه وبيته بَيت علم وجلالة وَابْنه أَحْمد من أهل الْعلم وَالْجَلالَة يكنى أَبَا عَمْرو وَتُوفِّي عبد الله سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ ابْن حَارِث فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ
عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي دليم أَبُو مُحَمَّد قرطبي يروي عَن أسلم وَابْن أبي تَمام وَابْن خَالِد وَابْن أَيمن وَعُثْمَان بن عبد الرحمن وَمُحَمّد بن قَاسم وعبد الله بن يُونُس وقاسم بن أصبغ والخشني وَكَانَ عَالما بِالْحَدِيثِ ضابطاً لما رَوَاهُ بَصيرًا بالإعراب فَقِيها مشاوراً لَهُ تآليف توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وثلاثمائة
عبد الله بن مُحَمَّد بن السَّيِّد النَّحْوِيّ من أهل بطليوس يكنى أَبَا مُحَمَّد روى عَن أَخِيه عَليّ بن عَليّ وَأبي بكر بن عَاصِم بن أَيُّوب الأديب بن(1/140)
وَعَن أبي سعيد الْوراق وَغَيرهم كَانَ عَالما بالآداب واللغات متبحرا فيهمَا مقدما فِي معرفتهما وإتقانهما وَكَانَ حسن التَّعْلِيم جيد التَّلْقِين ثِقَة ضابطاً أَخذ النَّاس عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَألف كتبا حسانا مِنْهَا كتاب الاقتضاب فِي شرح آدَاب الْكتاب وَكتاب شرح فِيهِ الْمُوَطَّأ وَكتاب التَّنْبِيه على الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لاخْتِلَاف الْأمة إِلَى غير ذَلِك من تآليفه توفّي رَحمَه الله سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة
عبد الله بن أَحْمد بن سعيد بن يَرْبُوع بن سُلَيْمَان من أهل إشبيلية سكن قرطبة يكنى أَبَا مُحَمَّد روى بِبَلَدِهِ عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْظُور وَعَن أبي مُحَمَّد بن خزرج وَأبي الْقَاسِم حَاتِم بن سراج وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وَعلله عَارِفًا بأسماء رِجَاله ضابطاً لما كتبه ثِقَة فِيمَا رَوَاهُ وَصَحب أَبَا عَليّ الغساني وانتفع بِهِ وَكَانَ أَبُو عَليّ يصفه بالمعرفة ويفضله وَألف كتبا حسانا مِنْهَا كتاب الإقليد فِي بَيَان الْأَسَانِيد وَكتاب تَاج الْحِلْية وسراج البغية فِي معرفَة أَسَانِيد الْمُوَطَّأ وَكتاب لِسَان الْبَيَان عَمَّا فِي كتاب أبي نصر الكلاباذي من الإغفال وَالنُّقْصَان وَكتاب الْمِنْهَاج فِي رجال مُسلم بن الْحجَّاج إِلَى غير ذَلِك توفّي سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة قلت وَمن كتاب وفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان
عبد الله بن نجم بن شَاس بن نزار بن عشاير بن عبد الله بن مُحَمَّد بن شَاس الجذامي السَّعْدِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي كنيته أَبُو مُحَمَّد الملقب بالجلال كَانَ فَقِيها فَاضلا فِي مذْهبه عَارِفًا بقواعده رَأَيْت بِمصْر جمعا كثيرا من أَصْحَابه يذكرُونَ فضائله وصنف فِي مَذْهَب الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ كتابا نفسيا سَمَّاهُ الْجَوَاهِر الثمينة فِي مَذْهَب عَالم الْمَدِينَة وصنفه على تَرْتِيب الْوَجِيز لأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَفِيه دلَالَة على غزارة فضائله والطائفة الْمَالِكِيَّة بِمصْر عاكفة عَلَيْهِ لحسنه وَكَثْرَة فَوَائده وَكَانَ مدرساً بِمصْر بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق وَتوجه إِلَى ثغر دمياط لما أَخذه الْعَدو المخذول بنية الْجِهَاد فَتوفي هُنَاكَ فِي جُمَادَى الْأَخِيرَة أَو فِي رَجَب سنة عشر وسِتمِائَة وشاس بالشين الْمُعْجَمَة والشين الْمُهْملَة بَينهمَا ألف قلت وَذكر وَفَاته الْحَافِظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ ثمَّ قَالَ وَحدث وَسمعت مِنْهُ وصنف غير الْجَوَاهِر وَمَال إِلَى النّظر فِي السّنة النَّبَوِيَّة والاشتغال بهَا وَكَانَ على غَايَة من الْوَرع وَبعد عوده من الْحَج امْتنع من الْفتيا إِلَى حِين وَفَاته قلت وَهُوَ من بَيت إِمَارَة وَكَانَ شَاس أَمِير مائَة ألف مقدم وَلم أحقق هَل هُوَ شَاس جده أَو شَاس الَّذِي هُوَ سادس جد لَهُ وَالله تَعَالَى أعلم
عبد الله بن أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يكنى أَبَا مُحَمَّد وَيعرف بِابْن حروج من أهل قلعة أَيُّوب فَقِيه حَافظ لمَذْهَب مَالك استوطن غرناطة وسكنها وَألف فِي الْفِقْه كتابا مُفِيدا سَمَّاهُ المنوطة على مَذْهَب مَالك بن أنس فِي ثَمَانِيَة أسفار أتقن فِيهِ كل الإتقان توفّي بهَا سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وقارب الْمِائَة
عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن منخل بن زيد الغافقي من أهل غرناطة وأعيانها يكنى أَبَا مُحَمَّد كَانَ رجلا صَحِيح الْمَذْهَب سليم الصَّدْر قديم التعين والأصالة ولي الْقَضَاء طول عمره بمواضع كَثِيرَة أَخذ عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَعَن الْحَافِظ شرف الدّين أبي مُحَمَّد عبد المؤمن الدمياطي وَعز الدّين بن عبد السلام ألف كتابا سَمَّاهُ الْمِنْهَاج فِي تَرْتِيب مسَائِل أبي عبد الله بن الْحَاج توفّي فِي غرناطة فِي عَام أحد وَثَلَاثِينَ(1/141)
وَسَبْعمائة مولده فِي حُدُود سِتِّينَ وسِتمِائَة
عبد الله بن طَلْحَة بن أَحْمد بن عبد الرحمن بن غَالب الْمحَاربي غرناطي يكنى أَبَا بكر كَانَ مُحدثا صَدُوقًا ثِقَة عَليّ الرِّوَايَة انْفَرد فِي وقته بالرواية عَن عَم أَبِيه من بَيت علم وجلالة فَقِيها حَافِظًا عَارِفًا بالمسائل ذَاكِرًا لفروع الْمَذْهَب بَصيرًا بالفتيا صَدرا فِي أَهلهَا مَعَ الصّلاح التَّام وَكَثْرَة الصَّدَقَة روى عَن أَبِيه وَابْن عَم أَبِيه عبد الحق بن أبي بكر بن غَالب بن عَطِيَّة وَأبي الْحسن بن الباذش وَأبي الْفضل عِيَاض وَأخذ عَن أبي عبد الله ابْن الْحَاج وَابْن الْعَرَبِيّ وَأبي بَحر الْأَسدي وَأبي الْحسن شُرَيْح وَأبي عبد الله بن أبي الْخِصَال وَأبي الْقَاسِم بن بَقِي وَمُحَمّد بن هِشَام بن أبي حَمْزَة وَأبي مُحَمَّد بن عتاب وَغَيرهم من الجلة مولده سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي زمنين المري يكنى أَبَا خَالِد كَانَ فَقِيها جَلِيلًا وَولي الْقَضَاء أَخذ الحَدِيث عَن الْحَافِظ أبي بكر بن غَالب بن عبد الرحمن بن عَطِيَّة وَالْإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد وَالْقَاضِي أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى أَيَّام قَضَائِهِ بغرناطة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
عبد الله بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عمر بن حوط الله الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ يكنى أَبَا مُحَمَّد كَانَ فَقِيها جَلِيلًا أصولياً نحوياً كَاتبا أديباً شَاعِرًا متفنناً فِي الْعُلُوم ورعاً دينا حَافِظًا ثبتاً فَاضلا وَكَانَ يدرس كتاب سِيبَوَيْهٍ ومستصفى أبي حَامِد ويميل إِلَى الِاجْتِهَاد فِي نظره ويغلب طَريقَة الظَّاهِرِيَّة وَولي قَضَاء إشبيلية وقرطبة ومرسية وسبتة وسلا وميورقة فتظاهر بِالْعَدْلِ وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين سنياً مجانباً لأهل الْبدع والأهواء وَسمع على ابْن بشكوال وَقَرَأَ أَكثر من سِتِّينَ تأليفاً من كبار وصغار وَأكْثر عَن ابْن حُبَيْش والسهيلي وَابْن الفخار وَغَيرهم وَاسْتِيفَاء مشيخته يطول توفّي سنة ثنتى عشرَة وسِتمِائَة
عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المعري الأَصْل الشارمساحي المولد الإسكندري المنشأ وَالدَّار كَانَ إِمَامًا عَالما على مَذْهَب مَالك بَحر علم لَا تكدره الدلاء ورحل إِلَى بَغْدَاد سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بأَهْله وَولده وَصَحبه جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَتَلقاهُ الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بالترحيب والإقبال وبلوغ الآمال وَكَانَ دُخُوله إِلَى بَغْدَاد سَابِع عشر الْمحرم فَلَمَّا كَانَ فِي عَاشر صفرا استدعى إِلَى دَار الوزارة وخلع عَلَيْهِ خَلِيفَته خلعة سَوْدَاء وعمامة وطرفة وَأعْطِي بغلة بمركب جميل وَولي تدريس الْمدرسَة المستنصرية وَكَذَلِكَ فعل بالمدرسين بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة من الْخلْع والمراكب وَكَانَ أول من أنشأ هَذَا الْخَلِيفَة وَأمر الْخَلِيفَة أَن يحضر عِنْده بِجَمِيعِ المدرسين بِجَمِيعِ الْمِدْرَاس بِبَغْدَاد وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة وحجاب الدَّوَاوِين فَحَضَرُوا وخطب خطْبَة بليغة فصيحة بصدر منشرح وأمل منفسح وَذكر اثْنَي عشر درساً وَألقى عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء مسئلة بُيُوع الْآجَال فَقَالَ أذكر فِيهَا ثَمَانِينَ ألف وَجه فاستغرب فُقَهَاء بَغْدَاد من ذَلِك فشرع يسردها عَلَيْهِم إِلَى أَن انْتهى إِلَى مِائَتَيْنِ وَجها فاستطالوها وأضربوا عَن سماعهَا واعترفوا بِفضل الشَّيْخ وسعة علمه وَله كتاب نظم الدرفي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة اختصرها على وَجه غَرِيب وأسلوب عَجِيب من النّظم وَالتَّرْتِيب وَلذَلِك سَمَّاهُ بنظم الدّرّ وَهِي تَسْمِيَة طابقت مسماها وَشَرحه بشرحين وَله كتاب الْفَوَائِد فِي الْفِقْه وَكتاب التَّعْلِيق فِي علم الْخلاف وَكتاب(1/142)
شرح آدَاب النّظر وَكتاب شرح الْجلاب وَغير ذَلِك مولده سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وشار مساح اسْم بلد بِمصْر وَهِي بشين مُعْجمَة بعْدهَا ألف وَرَاء مُهْملَة وَمِيم سَاكِنة وسين مُهْملَة وَألف وحاء مُهْملَة
عبد الله بن مُحَمَّد المسيلي جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد الإِمَام الْعَلامَة الأوحد البارع المتفنن صَاحب المصنفات البديعة والعلوم الرفيعة كَانَ حَاله عجبيا ومنزعه غَرِيبا وتصانيفه فِي غَايَة الْجَوْدَة والإفادة والتنقيح وانتفع بِهِ القَاضِي فَخر الدّين بن شكر الْمَالِكِي توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ
عبد الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الخالق الشبيبى الْعَبدَرِي الْمَالِكِي الصاحب الْوَزير صفي الدّين تفقه فِي مَذْهَب مَالك على الْفَقِيه أبي بكر عَتيق البجائي وَبِه تخرج وَدخل الْإسْكَنْدَريَّة وتفقه بهَا على أبي الْقَاسِم مخلوف بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن جَارة وَسمع عَلَيْهِ وعَلى الإِمَام أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن مكي بن عَوْف وَأبي الطّيب عبد المنعم بن يحيى الْحِمْيَرِي وَسمع من الْحَافِظ السلَفِي وَله ... مهما تهاون فِي أَمْرِي امْرُؤ وَغدا ... مبالغاً لَا أرى إِلَّا مبجله
وَإِن أَسَاءَ مسيء فَوق طاقته ... أَحْسَنت مُجْتَهدا حَتَّى أخجله ... وَأَجَازَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم ابْن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بَرى وَأَبُو الْقَاسِم هبة الله بن عَليّ البوصيري وَغَيرهم من الْكِبَار وَذكره الْحَافِظ زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي مُعْجَمه وَكتب عَنهُ وَقَالَ كَانَ مُؤثر الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ كثير الْبَذْل لَهُم والتفقد لأحوالهم لَا يشْغلهُ مَا هُوَ فِيهِ من كَثْرَة الِاشْتِغَال عَن مجَالِسهمْ وصنف كتاب البصائر فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام مَالك وَأَنْشَأَ مدرسة ورباطاً بِالْقربِ من دَاره وأوقف لَهما مرتبات وداره بمَكَان يُسمى سويقة الصاحب وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شعْبَان سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَصلى عَلَيْهِ بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا وَدفن برباطه الَّذِي بِقرب دَاره رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الفرضي أَبُو الْوَلِيد الْقُرْطُبِيّ الْحَافِظ مؤلف تَارِيخ الأندلس كَانَ فَقِيها عَالما بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَقَالَ ابْن مَرْوَان بن حبَان وَمِمَّنْ قتل يَوْم فتح قرطبة الْفَقِيه الْعَالم الأديب الفصيح ابْن الفرضي قَتله البربر فِي دَاره وَوَاروهُ من غير غسل وَلَا كفن وَلَا صَلَاة وَلم ير مثله فِي سَعَة الرِّوَايَة بقرطبة كَانَ حَافِظًا للْحَدِيث متقناً لعلومه أديباً بارعاً ولي قَضَاء بلنسية وَكَانَ حسن البلاغة والخط وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة عَن اثْنَيْنِ وَخمسين سنة
عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حزم أَبُو مُحَمَّد أحد الْأَعْلَام الزهاد كَانُوا يشبهونه بسفيان الثَّوْريّ رَحل إِلَى الشَّام وَالْعراق وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن أبي الْعقب وَغَيره من الْكِبَار قَالَ ابْن الفرضي كَانَ جَلِيلًا زاهداً عَالما شجاعاً مُجَاهدًا ولاه الْمُسْتَنْصر الْقَضَاء فاستعفاه فأعفاه وَكَانَ فَقِيها صلبا ورعا قَالَ ابْن الفرضي سَمِعت عَلَيْهِ علما كثيرا توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة
عبد الله بن إِسْحَق بن التيار أَبُو مُحَمَّد القيرواني قَالَ القَاضِي عِيَاض ضربت إِلَيْهِ آباط الْإِبِل من الْأَمْصَار وَكَانَ حَافِظًا بَعيدا من التصنع والرياء فصيحاً توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة
عبد الله بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الطَّائِي الْقُرْطُبِيّ يكنى أَبَا مُحَمَّد كَانَ إِمَامًا عَالما دينا فَاضلا كَاتبا مُسْندًا وَعمر أَخذ النَّاس(1/143)
عَنهُ كثيرا وَأخذ عَنهُ شَيخنَا أَبُو عبد الله الواد آشى نظراؤه من مَشَايِخ الْعلم والْحَدِيث مولده سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَيْنِ وَسَبْعمائة وَدفن بالزلاج بتونس
عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم فَرِحُونَ بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ الْيَعْمرِي التّونسِيّ الأَصْل الْمدنِي المولد والمنشأ كنيته أَبُو مُحَمَّد قَرَأَ الْقُرْآن على الشَّيْخ عبد الله القصري الْمقري وورى عَنهُ وَسمع الحَدِيث بِالْمَدِينَةِ على وَالِده وعَلى أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن حُرَيْث البلنسي ثمَّ السبتي خطيب سبتة وفقيهها وعَلى الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف الزرندي وَالشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد المطري وَالشَّيْخ شرف الدّين الزبير الأسواني وسراج الدّين الدمنهوري وَالشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن جَابر الواد آشى وقطب الدّين أبي المكرم الْمصْرِيّ وزين الدّين الطَّبَرِيّ وَسمع بِمَكَّة من الشَّيْخ رَضِي الدّين الطَّبَرِيّ وَغير هَؤُلَاءِ وَخرج لَهُ الْفَقِيه الْمُحدث شرف الدّين أَبُو سكن الْمصْرِيّ نزيل مَكَّة المشرفة مشيخة كَثِيرَة حفيلة مُشْتَمِلَة على ذكر شُيُوخه ومروياته أَخذ علم الْفِقْه والعربية على وَالِده كَانَ من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام ومصابيح الظلام عَالما بالفقه وَالتَّفْسِير وَفقه الحَدِيث ومعانيه وسمعته يَقُول لازمت تَفْسِير ابْن عَطِيَّة حَتَّى كدت أحفظه وَكَانَ بارعاً فِي علم الْعَرَبيَّة وتآليفه فِيهَا شاهدة لَهُ بذلك وَلما لقِيه الشَّيْخ أثير الدّين بن حَيَّان شيخ عصره وَإِمَام وقته فِي الْعَرَبيَّة ووقف على كَلَامه فِي إِعْرَاب بَانَتْ سعاد فَقَالَ مَا ظَنَنْت أَنه يُوجد بالحجاز مثل هَذَا الرجل واستعظم علمه وَأثْنى عَلَيْهِ وسمعته يَقُول اشتغلت فِي علم الْعَرَبيَّة وَأَنا ابْن ثَمَان عشرَة سنة وَتخرج عَلَيْهِ فِيهَا جمَاعَة فضلاء وَكَانَت مشاركته فِي أصُول الدّين مُشَاركَة حَسَنَة وَحدث ودرس وَأفَاد إِلَيْهِ انْتَهَت الرياسة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة أَقَامَ مدرساً للطائفة الْمَالِكِيَّة ومتصدراً للاشتغال بِالْحرم النَّبَوِيّ أَكثر من خمسين سنة وَانْفَرَدَ فِي آخر عمره بعلو الْإِسْنَاد فَلم يكن فِي الْمَدِينَة أَعلَى سنا وسندا مِنْهُ وَكَانَ صبورا على السماع والإشتغال وَكَانَ كهفاً لأهل السّنة يذب عَنْهُم ويناضل الْأُمَرَاء والأشراف وانْتهى بِهِ ذَلِك إِلَى أَن امتحن ورصد فِي السجْن فِي طَرِيق الْحرم فطن طعنة عَظِيمَة أُرِيد بِهِ قَتله فصرف الله عَنهُ شَرها وَعَافَاهُ مِنْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مدَار أُمُور النَّاس بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وناب فِي الْقَضَاء نَحْو أَرْبَعَة وَعشْرين سنة وَأم فِي الْمِحْرَاب النَّبَوِيّ فِي بعض الصَّلَوَات ودعى إِلَى أَن يقوم بالخطابة وَالْأَمَانَة نَائِبا فَامْتنعَ اعظاما للمقام النَّبَوِيّ وَكَانَ كَثِيرَة التِّلَاوَة لَيْلًا وَنَهَارًا خُصُوصا فِي آخر عمره حَتَّى إِنِّي شاهدته فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَالنَّاس فِي أَشد مَا هم فِيهِ من الِاشْتِغَال وَهُوَ مَشْغُول بورده فِي التِّلَاوَة لَا يقطعهُ عَنهُ شَيْء وَكَانَ يحيي غَالِبا الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل بِالصَّلَاةِ والتلاوة من حَدَاثَة سنه إِلَى أَن ثقل بِمَرَض الْمَوْت رَحمَه الله وَكَانَ مواظباً على الصَّلَوَات فِي الصَّفّ الأول من الرَّوْضَة النَّبَوِيَّة نَحْو سِتِّينَ سنة وَمَا يفتح بَاب الْحرم فِي السحر إِلَّا وَهُوَ على الْبَاب وَحج نَحْو خَمْسَة وَخمسين حجَّة وَلم يخرج من الْمَدِينَة إِلَّا إِلَى مَكَّة المشرفة لِلْحَجِّ إِلَى أَن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ مِمَّن جمع الله تَعَالَى لَهُ الْعلم وَالْعَمَل وَالدُّنْيَا وَالدّين فَكَانَ أعظم أهل الْمَدِينَة يساراً وَأَكْثَرهم عقارا وأوسعهم جاهاً وأنفذهم كلمة وأعظمهم حُرْمَة وألينهم عَرِيكَة وَأَحْسَنهمْ بشاشة صبوراً على الْأَذَى يَجْزِي بِالْحَسَنَة السَّيئَة ويسع النَّاس بخلقه ويواسي الْفُقَرَاء بمعروفه ويصل أعداءه ببره ويحفظ من مَاتَ مِنْهُم فِي(1/144)
ذُريَّته وبهمته وسياسته أَزَال الله تَعَالَى أَحْكَام الطَّائِفَة الإمامية من الْمَدِينَة فعزلت قضاتهم وانكسرت شوكتهم وخمدت نارهم وَذَلِكَ أَنه لما بَاشر الْأَحْكَام نِيَابَة عَن القَاضِي تَقِيّ الدّين الهوريني فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة سعى فِي عزل قضاتهم فَنُوديَ فِي شوارع الْمَدِينَة بتبطيل أحكامهم والإعراض عَن حكامهم فَكَانَ ذَلِك أول أَسبَاب قُوَّة أهل السّنة وعلو أَمرهم وَكم لَهُ من حَسَنَات فِي تمهيد إعزاز السّنة وإخماد الْبِدْعَة نَفعه الله بنيته وتغمده برحمته وَله تآليف عديدة فِي أَنْوَاع شَتَّى مِنْهَا كتاب الدّرّ المخلص من التَّقَصِّي والمخلص جمع فِيهِ أَحَادِيث الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين وَشَرحه بشرح عَظِيم الْفَائِدَة فِي أَربع مجلدات سَمَّاهُ كشف الغطا فِي شرح مُخْتَصر الموطا وَشرح مُخْتَصر التَّفْرِيع لِابْنِ الْجلاب النيلي سَمَّاهُ كِفَايَة الطلاب فِي شرح مُخْتَصر الْجلاب وَله نِهَايَة الْغَايَة فِي شرح الْآيَة وأسئلة وأجوبة على آيَات من الْقُرْآن وَله فِي الْعَرَبيَّة الْعدة فِي إِعْرَاب الْعُمْدَة عُمْدَة الْأَحْكَام فِي الحَدِيث أعْربهَا إعراباً جَامعا لوجوه الْإِعْرَاب واللغة والاشتقاقات وسلك فِيهِ مسلكاً غَرِيبا لم يسْبق إِلَى مثله وَهُوَ آخر مَا ألف وقرىء عَلَيْهِ مرَارًا وَله كتاب التَّيْسِير فِي علمي الْبناء والتغيير فِي النَّحْو وَكتاب المسالك الجلية فِي الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة وشفاء الْفُؤَاد فِي إِعْرَاب بَانَتْ سعاد وَله شرح قَوَاعِد الْإِعْرَاب لِابْنِ هِشَام وَغير ذَلِك من التقاييد والتعاليق المفيدة وَكتبه كلهَا فِي غَايَة الْجَوْدَة والإتقان وَلما حج آخر حجاته قَالَ هَذِه حجَّة الْوَدَاع فَلَمَّا أحس بِالْمرضِ أَمر بِحَفر قَبره فِي بقْعَة مَخْصُوصَة فَظهر مقطع جص لم يدْفن فِيهِ أحد قبله وَأوصى أَن يعْتق عِنْد قَبره عبيد وَأَن يتَصَدَّق على الْفُقَرَاء بِصَدقَة وَاسِعَة وَكتب وَصيته بِيَدِهِ وَأخرج من مَاله وَصَايَا وتبرعات وصدقات وأوقافاً نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا ووقف على الْفُقَرَاء فرناً تصرف غَلَّته عَلَيْهِم فِي كل يَوْم وَأعْتق فِي حَيَاته عدَّة عبيد وإماء وَكَانَ لَهُ خَادِم فِي الْحرم تقرب بِهِ لخدمة الضريح النَّبَوِيّ وَكَانَ مطمئن النَّفس بلقاء الله عز وَجل مستحضراً لما يَنْبَغِي استحضاره وَلما دخل فِي السِّيَاق ذكرته فَقَالَ مَا أَنا بغافل رَحمَه الله تَعَالَى وَشبه هَذَا الْجَواب مَا وَقع للشَّيْخ تَاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ صهره الْفَقِيه مَيْمُون تشهدت بَين يَدَيْهِ فَفتح الشَّيْخ عَيْنَيْهِ وَأنْشد ... وَغدا يذكرنِي عهودا بالحمى ... وَمَتى نسيت الْعَهْد حَتَّى أذكرا ... توفّي رَحمَه الله يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ربيع الْأَخير سنة وتسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مولده يَوْم الثُّلَاثَاء السَّادِس من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عبيد الله من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل مصر
عبيد الله بن عبد الرحمن بن طَلْحَة أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه الْمَالِكِي بن الْحباب
عبيد الله البرقي هُوَ عبيد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه وَله مُخْتَصر على مَذْهَب مَالك وَبَعض النَّاس يضيف إِلَيْهِ زِيَادَة اخْتِلَاف فُقَهَاء الْأَمْصَار فِي مُخْتَصر على مَذْهَب ابْن عبد الحكم وَمن الرَّابِعَة من الْمَدِينَة
عبيد الله أَبُو الْحسن بن الشَّاب بن الْفضل بن أَيُّوب الْبَغْدَادِيّ وَيعرف بالكرابيس أَيْضا كَذَا ذكره جمَاعَة مِنْهُم الْأَبْهَرِيّ وَهُوَ الصَّوَاب وَقيل فِي اسْمه غير هَذَا قَاضِي مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعدده فِي البغداديين من أَصْحَاب القَاضِي إِسْمَاعِيل وَبِه تفقه وَله كتاب فِي مسَائِل الْخلاف وَالْحجّة لمَالِك نَحْو مِائَتي جُزْء وَقيل إِنَّه ولي قَضَاء مَكَّة(1/145)
وَقيل ولى الْقَضَاء بِالشَّام أَيْضا وَهُوَ من شُيُوخ المالكيين وفهماء أَصْحَاب مَالك وحذاقهم ونظارهم وحفاظهم وأئمة مَذْهَبهم روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي وَأَبُو الْحسن بن شعْبَان وَغَيرهمَا وَأَبُو الْفرج
وَمن السَّابِعَة من الْعرَاق والمشرق
عبيد الله بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم بن الْجلاب وَيُقَال أَبُو الْحُسَيْن بن الْحسن تفقه بالأبهري وَغَيره وَله كتاب فِي مسَائِل الْخلاف وَكتاب التَّفْرِيع فِي الْمَذْهَب مَشْهُور وَكَانَ أحفظ أَصْحَاب الْأَبْهَرِيّ وأنبلهم وتفقه بِهِ القَاضِي عبد الوهاب وَغَيره من الْأَئِمَّة وَتُوفِّي مُنْصَرفه من الْحَج سنة ثَمَان وَسبعين وثلاثمائة قَالَ ابْن رَشِيق رَأَيْت فِي طَبَقَات الشِّيرَازِيّ أَن اسْمه عبد الرحمن
عبيد الله ابْن الإِمَام يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ فَقِيه قرطبة ومسند الأندلس يكنى أَبَا مَرْوَان كَانَ ذَا حُرْمَة عَظِيمَة وجلالة روى عَن وَالِده الْمُوَطَّأ وَحمل عَنهُ بشر كثير توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عبد الرحمن من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل مصر
عبد الرحمن بن مهْدي بن حسان الْعَنْبَري يكنى أَبَا سعيد مولى الأزد بَصرِي سمع السفيانيين والحمادين ومالكا وسُفْيَان وعبد العزيز وشريكا وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن وهب وَابْن حَنْبَل وَيحيى وَابْن الْمَدِينِيّ وابنا أبي شُعْبَة وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَأخرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم ولازم مَالِكًا فَأخذ عَنهُ كثيرا من الْفِقْه والْحَدِيث وَعلم الرِّجَال وَله مَعَه حكايات قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ كَانَ ابْن مهْدي يذهب إِلَى قَول مَالك وَكَانَ مَالك يذهب إِلَى قَول سُلَيْمَان بن يسَار وَكَانَ سُلَيْمَان يذهب إِلَى قَول عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وعنا بِهِ وَكَانَ يُجَالس الشَّافِعِي ويصحبه مَعَ أَحْمد بن حَنْبَل فَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول لَهما مَا صَحَّ عِنْد كَمَا من الحَدِيث فأعلماني بِهِ لأتبعه لأنكما أعلم الحَدِيث مني ذكر ثَنَاء النَّاس عَلَيْهِ وَذكر فَضله قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ مَرَّات أَحْلف بِاللَّه مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام إِنِّي لم أر أحدا قطّ أعلم بِالْحَدِيثِ من ابْن مهدى وَقَالَ هُوَ أعلم النَّاس وَقَالَ ابْن حَنْبَل ابْن مهْدي من معادن الصدْق وَكَانَ ورعاً مُنْذُ كَانَ وَكَانَ ابْن مهْدي كتب عني الحَدِيث بِحَلقَة مَالك وَقيل لِابْنِ مهْدي إِن فلَانا صنف كتابا فِي الرَّد على الْجَهْمِية فَقَالَ عبد الرحمن رد عَلَيْهِم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا الْإِبِل بِالرَّأْيِ والعقول فَقَالَ أَخطَأ رد بِدعَة ببدعة قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ كَانَ ابْن مهْدي يُقَال لَهُ فِي الحَدِيث روى فلَان كَذَا فَيَقُول هُوَ خطأ وَيَنْبَغِي أَن يكون من وَجه كَذَا فنفتش عَلَيْهِ فنجده كَمَا قَالَ وَقَالَ ابْن مهدى من فر من الرياسة تَبعته وَمن طلبَهَا لم يكن ينالها وَتُوفِّي ابْن مهْدي بِالْبَصْرَةِ فِي جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَيُقَال مولده سنة خمس وَيُقَال أَربع وَيُقَال سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة
وَمن مصر
عبد الرحمن بن الْقَاسِم العتقي يكنى أَبَا عبد الله وَهُوَ عبد الرحمن بن الْقَاسِم بن خَالِد بن جُنَادَة وَمن قَالَ فِيهِ جبارَة فقد أَخطَأ مولى زبيد بن الْحَارِث العتقي قَالَ ابْن الْحَارِث هُوَ مَنْسُوب إِلَى العبيد الَّذين نزلُوا من الطَّائِف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجعلهم أَحْرَار روى عَن مَالك وَاللَّيْث وعبد العزيز بن الْمَاجشون وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَغَيرهم روى عَنهُ أصبغ وَسَحْنُون وَعِيسَى بن دِينَار والْحَارث بن مِسْكين وَيحيى بن يحيى الأندلسي وَأَبُو زيد بن الْغمر وَمُحَمّد بن عبد الحكم وَغَيرهم وَخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَذكر ابْن الْقَاسِم لمَالِك فَقَالَ عافاه الله مثله كَمثل جراب مَمْلُوء مسكاً قَالَ(1/146)
الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ من كبار المصريين وفقائهم رجل صَالح مقل صابر متقن حسن الضَّبْط سُئِلَ مَالك عَنهُ وَعَن ابْن وهب فَقَالَ ابْن وهب عَالم وَابْن الْقَاسِم فَقِيه وَقَالَ النَّسَائِيّ ابْن الْقَاسِم ثِقَة رجل صَالح سُبْحَانَ الله مَا أحسن حَدِيثه وأصحه عَن مَالك لَيْسَ يخْتَلف فِي كلمة وَلم يرو أحد الْمُوَطَّأ عَن مَالك أثبت من ابْن الْقَاسِم وَلَيْسَ أحد من أَصْحَاب مَالك عِنْدِي مثله قيل فأشهب قَالَ وَلَا أَشهب وَلَا غَيره وَهُوَ عجب من الْعجب الْفضل والزهد وَصِحَّة الرِّوَايَة وَحسن الحَدِيث حَدِيثه يشْهد لَهُ وَقَالَ ابْن وهب لأبي ثَابت إِن أردْت هَذَا الشَّأْن يَعْنِي فقه مَالك فَعَلَيْك بِابْن الْقَاسِم فَإِنَّهُ انْفَرد بِهِ وشغلنا بِغَيْر وَبِهَذَا الطَّرِيق رجح القَاضِي أبومحمد عبد الوهاب مسَائِل الْمُدَوَّنَة لرِوَايَة سَحْنُون لَهَا عَن ابْن الْقَاسِم وَانْفَرَدَ ابْن الْقَاسِم بِمَالك وَطول صحبته لَهُ وَأَنه لم يخلط بِهِ غَيره إِلَّا فِي شَيْء يسير ثمَّ كَون سَحْنُون أَيْضا مَعَ ابْن الْقَاسِم بِهَذَا السَّبِيل مَعَ مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْفضل وَالْعلم وَقَالَ يحيى بن يحيى كَانَ ابْن الْقَاسِم أعلمهم بِعلم مَالك وآمنهم عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن حَارِث هُوَ أقعد النَّاس بِمذهب مَالك وَسَمعنَا الشُّيُوخ يفضلون ابْن الْقَاسِم على جَمِيع أَصْحَابه فِي علم الْبيُوع وَقَالَ لَهُ مَالك اتَّقِ الله وَعَلَيْك بنشر هَذَا الْعلم وَقَالَ الْحَارِث بن مِسْكين كَانَ فِي ابْن الْقَاسِم الْعلم والزهد والسخاء والشجاعة والإجابة وَقَالَ أَحْمد بن خَالِد لم يكن عِنْد ابْن الْقَاسِم إِلَّا الْمُوَطَّأ وسماعه عَن مَالك كَانَ يحفظهما حفظا وَسُئِلَ أَشهب عَن ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب فَقَالَ لَو قطعت رجل ابْن الْقَاسِم لكَانَتْ أفقه من ابْن وهب وَكَانَ مَا بَين أَشهب وَابْن الْقَاسِم متباعداً فَلم يمنعهُ ذَلِك من قَول الْحق وَكَانَ علم أَشهب الْجراح وَعلم ابْن الْقَاسِم الْبيُوع وَعلم ابْن وهب الْمَنَاسِك وَجمع ابْن الْقَاسِم بَين الْفِقْه والورع وَصَحب مَالِكًا عشْرين سنة وتفقه بِهِ وبنظرائه وَقَالَ قيل لي فِي الْمَنَام إِذا عزمت على الطّلب أَن أَحْبَبْت الْعلم فَعَلَيْك بعالم الْآفَاق فَقلت وَمن عَالم الْآفَاق فَقيل لي مَالك وَلابْن الْقَاسِم سَماع عَن مَالك عشرُون كتابا وَكتاب المسلسل فِي بُيُوع الْآجَال وَكَانَ ابْن الْقَاسِم لَا يقبل جوائز السُّلْطَان وَكَانَ يَقُول لَيْسَ فِي قرب الْوُلَاة وَلَا فِي الدنو مِنْهُم خير وَكَانَ يَقُول إياك ورق الْأَحْرَار فَسئلَ فَقَالَ كَثْرَة الأخوان قَالَ ابْن خلكان جُنَادَة بِضَم الْجِيم وَنون ومفتوحة بعد الْألف دَال مُهْملَة ثمَّ هَاء سَاكِنة والعتقي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا قَاف مَكْسُورَة هَذِه النِّسْبَة إِلَى العتقاء وَلَيْسوا من قَبيلَة وَاحِدَة بل هم من قبائل شَتَّى من حجر حمير وَمن سعد الْعَشِيرَة وَمن كنَانَة مُضر قَالَ أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي وَكَانَت الْقَبَائِل الَّتِي نزلت الطَّائِف العتقاء وهم جمَاعَة من الْقَبَائِل كَانُوا يقطعون الطَّرِيق على من أَرَادَ الْإِتْيَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتي بهم أسرى فَأعْتقهُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُم العتقاء وعبد الرحمن مولى زيد ابْن الْحَارِث العتقي وقبره خَارج بَاب القرافة الصُّغْرَى قبالة قبر أَشهب وهما بِالْقربِ من السُّور رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ابْن سَحْنُون وَتُوفِّي ابْن الْقَاسِم بِمصْر فِي صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتَّة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَقيل سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من الأندلس
عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيم بن عِيسَى بن يحيى بن يُرِيد برَاء مُهْملَة مولى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان غلبت عَلَيْهِ كنيته أَبُو زيد وَهُوَ جد بني أبي زيد(1/147)
بقرطبة الْمُضَاف إِلَيْهِ الدَّرْب بمقبرة جَامع قرطبة وَكَانَ يعرف بِلِسَان أهل الأندلس الْقَدِيم بِابْن تَارِك الْفرس سمع من يحيى بن يحيى ورحل إِلَى الْمشرق قَدِيما فادرك ابْن كِنَايَة وَابْن الْمَاجشون ومطرف ابْن عبد الله ونظراءهم من المدينين وَلَقي بِمَكَّة أَبَا عبد الرحمن المقرى صَاحب ابْن عُيَيْنَة وبمصر أصبغ بن الْفرج وروى عَنهُ مُحَمَّد بن لبَابَة وَابْن حميد وَسَعِيد بن عُثْمَان الأعناقي وَأَبُو صَالح وَمُحَمّد بن سعيد بن الملون وَمُحَمّد بن فطيس وَغَيرهم وَله من أسئلة الْمَدَنِيين ثَمَانِيَة كتب تعرف بالثمانية مَشْهُورَة وَكَانَ عِنْده حَدِيث كثير والأغلب عَلَيْهِ الْفِقْه وَكَانَ مُتَقَدما فِي الشورى فِي حَيَاة يحيى بن يحيى وَهُوَ فتي كَانَ ابْن لبَابَة والأعناقي يصفانه بِالْعلمِ وَالْفِقْه والتفقه وَيُقَال فِي كنيته أَبُو يزِيد وَأرَاهُ تصحيفاً لِأَن بنيه إِلَى الْيَوْم يعْرفُونَ ببني أبي زيد ودربه بِقرب الْجَامِع بقرطبة يعرف بدرب أبي زيد توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَقيل فِي جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من مصر
عبد الرحمن ابْن عبد الله بن مُحَمَّد الغافقي الْجَوْهَرِي أَبُو الْقَاسِم فَقِيه كثيرا الحَدِيث من شُيُوخ الْفسْطَاط وكبار فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وشيوخ السّنة سمع من ابْن شعْبَان ومؤمل بن يحيى وَابْن الْقَاسِم العثماني وَالْحسن بن رَشِيق وَأحمد بن مُحَمَّد الإِمَام وَأبي الطَّاهِر القَاضِي وَأبي عَليّ الْمُطَرز وعبد الصمد بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَحَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر بن عبد الرحمن وَأَبُو مُحَمَّد الأجداى من الْقرَوِيين وَمن المصريين ابْنه وَأَبُو الْحسن بن فهر وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن نَفِيس الْمقري وَأَبُو عَليّ المرأي وَأَبُو بكر بن عقال وَابْن الْحذاء وَأَبُو عمر الطلمنكي قَالَ أَبُو عبد الله بن الْحذاء كَانَ فَقِيها ورعاً منقبضاً خيرا من جلة الْفُقَهَاء وَكَانَ قد لزم بَيته لَا يخرج مِنْهُ قَالَ الْبَاجِيّ لَا بَأْس بِهِ وَألف كتاب مُسْند الْمُوَطَّأ وَكتاب مُسْند مَا لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلثمائة
وَمن الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الأندلس
عبد الرحمن بن مُوسَى الهواري أَبُو مُوسَى من أهل إستجة استقضي على بَلَده لَقِي مَالِكًا وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا والأصمعى وأباز يَد وَغَيرهمَا من وراة الْغَرِيب كَانَ حَافِظًا للفقه وَالتَّفْسِير والقراآت وَله كتاب فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَكَانَ إِذا قدم قرطبة لم يفت عِيسَى وَلَا يحيى وَلَا سعيد بن حسان حَتَّى يرحل عَنْهَا توقيراً لَهُ وَكَانَ فصيحاً ضربا من الْإِعْرَاب رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الصُّغْرَى من أَصْحَاب مالكت من مصر
عبد الرحمن بن أبي جَعْفَر الدمياطي روى عَن مَالك وَسمع من كبار أَصْحَابه كَابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَله عَنْهُم سَماع مُخْتَصر مؤلف حسن وَهَذِه الْكتب مَعْرُوفَة باسمه تسمى بالدمياطية روى عَنهُ يحيى بن عمر والوليد بن مُعَاوِيَة وَعبيد بن عبد الرحمن وَغَيرهم توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا من مصر
عبد الرحمن أَبُو زيد بن عمر بن أبي الْغمر مولى بني سهم يروي عَن يَعْقُوب بن عبد الرحمن الإسْكَنْدراني وَابْن الْقَاسِم وَأكْثر عَنهُ وَابْن وهب وَغَيرهم وَرَأى مَالِكًا وَلم يَأْخُذ عَنهُ شَيْئا روى عَنهُ ابناه وَأخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَأَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن الْمَوَّاز وَأَبُو إِسْحَاق البرقي وَيحيى بن عَمْرو لَهُ سَماع من ابْن الْقَاسِم مؤلف هُوَ شيخ ثِقَة قَالَ الْكِنْدِيّ كَانَ فَقِيها مفتيا قَالَ ابْن بَان وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا رَأَيْت أفضل من أبي زيد بن أبي الْغمر لَا أحاشي أحدا توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مولده(1/148)
سنة سِتِّينَ وَمِائَة
وَمن الأندلس
عبد الرحمن بن دِينَار كَانَ فَقِيها عَالما حَافِظًا يكنى أَبَا زيد كَانَت لَهُ رحلتان استوطن فِي إِحْدَاهُنَّ الْمَدِينَة وَهُوَ الَّذِي أَدخل الْمَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ إِلَى الْمغرب سَمعهَا مِنْهُ أَخُوهُ عِيسَى ثمَّ خرج بِمَا عِيسَى فعرضها على ابْن الْقَاسِم فَرد فِيهَا أَشْيَاء من رَأْيه كَانَ عبد الرحمن من الْحفاظ الْمُتَقَدِّمين وَخيَار الصَّالِحين وَبَنُو دِينَار معروفون بِالْعلمِ توفّي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من الأندلس
عبد الرحمن بن عِيسَى بن مُحَمَّد يعرف بِابْن مدارج أَبُو الْمطرف أَخذ بِبَلَدِهِ طليطلة عَن عبد الله بن سعيد وبقرطبة عَن أبي أَيمن وقاسم بن أصبغ وناظر عِنْدهم فِي الْفِقْه وَأكْثر من الرِّوَايَة ورحل إِلَى الْمشرق فلقي جمَاعَة من الشُّيُوخ الْأَعْيَان كَانَ مِمَّن جمع الحَدِيث والرأي وَحفظ وأتقن وَكَانَ من أهل الْعلم وَالْعَمَل بِهِ ورعاً عَالما بِمذهب مَالك حَافِظًا لَهُ راسخاً فِي علمه يتَكَلَّم فِي كل علم ويغلب عَلَيْهِ الْفِقْه كَانَ يتفقه عِنْده وَيسمع مِنْهُ وَله أوضاع كَثِيرَة فِي غير مَا فن من فنون الْعلم وَكَانَ يرحل إِلَيْهِ للرواية والتفقه وَيذكر عَنهُ استجابة الدعْوَة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من الأندلس
عبد الرحمن القَاضِي بن أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن بشير مولى بنى فطيس أَبُو الْمطرف الْمَعْرُوف بِابْن الْحصار كَانَ هَذَا من أجل عُلَمَاء وقته صحب ابْن ذكْوَان قَاضِي الْجَمَاعَة وَكتب لَهُ وَولي الشورى ثمَّ ولي الْقَضَاء وَلم يكن فِي وقته مثله وَبِه تفقه ابْن عتاب وَكتب بَين يَدَيْهِ وَكَانَ يفخر ابْن عتاب بذلك ويثني عَلَيْهِ وَكَانَت مُدَّة قَضَائِهِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة توفّي سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ صَاحب الصِّلَة كَانَ ابْن عتاب يحله من الْفِقْه بِمحل كَبِير وَمن علم الشُّرُوط والوثائق بِمَنْزِلَة عالية ويصفه بِالْعلمِ البارع وَالدّين وَالْفضل والتفنن فِي الْعُلُوم وَيذْهب بِهِ كل مَذْهَب وَيَقُول إِنَّه آخر الْفُقَهَاء الجلة من الْعلمَاء وَصَحبه ابْن عتاب عشْرين عَاما قَالَ سَمِعت شَيخنَا أَبَا مُحَمَّد بن عتاب رَحمَه الله يَقُول سَمِعت أبي رَحمَه الله يَحْكِي مرَارًا قَالَ كنت أرى القَاضِي ابْن بشير فِي الْمَنَام بعد مَوته فِي هَيئته الَّتِي كنت أعهده فِيهَا فَكنت أسلم عَلَيْهِ وَكنت أَدْرِي أَنه ميت وأسأله عَن حَاله وَعَما صَار إِلَيْهِ فَكَانَ يَقُول إِلَى خير وَيسر بعد شدَّة فَكنت أَقُول لَهُ وَمَا تذكر من فضل الْعلم فَكَانَ يَقُول لي لَيْسَ هَذَا الْعلم يُشِير إِلَى علم الرَّأْي وَيُشِير إِلَى أَن الَّذِي انْتفع بِهِ من ذَلِك مَا كَانَ عِنْده من علم كتاب الله جلّ ثَنَاؤُهُ وَحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو حَيَّان لم يَأْتِ بعده مثله فِي الْكَمَال لمعاني الْقَضَاء كَانَ مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة ووفاته كَمَا تقدم فِي كَلَام القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن التَّاسِعَة من أهل سبتة
عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أَحْمد بن الْعَجُوز الكتامي أَخُو عبد العزيز من أهل الْفِقْه وَالصَّلَاح شهر ذكره فِي الْعلم بسبتة وَالْمغْرب بعد أَبِيه وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق ذَا علم وَفضل ونباهة وَلَقي أَبَا إِسْحَق التّونسِيّ فِي مُنْصَرفه من الْحَج وَأخذ مَعَه فِي الْمسَائِل وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من السبتيين
وَمن الْعَاشِرَة من الأندلس
عبد الرحمن بن الْمطرف بن سَلمَة فَقِيه طليطلة وحافظها ومفتيها كَانَ من أحفظ النَّاس وأعرفهم بطرِيق الْفتيا ذَا فضل وَصَلَاح روى عَنهُ القَاضِي أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل وتفقه عِنْد شَيخنَا مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر قَالَ صَاحب الصِّلَة وَمن شُيُوخه أَبُو عمر الطلمنكي وَأَبُو بكر بن مغيث وَالْمُنْذر بن الْمُنْذر وَغَيرهم كَانَ حَافِظًا للمسائل دربا(1/149)
بالفتوى نوظر عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَتُوفِّي فِي عقب صفر من سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الثَّانِيَة عشر الَّتِي ذكرهَا مُحَمَّد بن رَشِيق من أهل سبتة
عبد الرحمن الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن الْعَجُوز أَخذ عَن أَبِيه وَغَيره وَكَانَ عَالما نبيلاً بَصيرًا بِالْأَحْكَامِ والوثائق عَالما بالاحتجاج حضرت مَجْلِسه فِي تدريس الْمُدَوَّنَة فَمَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ احتجاجاً وَلَا أبين مِنْهُ توجيهاً ولي قَضَاء الجزيرة وَقَضَاء سلا ثمَّ قَضَاء مراكش رَحمَه الله
وَمن الصِّلَة لِابْنِ بشكوال
عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن فطيس وَاسم هَذَا سُلَيْمَان وفطيس لقب لَهُ يكنى أَبَا الْمطرف قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة روى عَن أبي الْحسن الْأَنْطَاكِي الْمقري وَأبي مُحَمَّد القلعي وَأبي مُحَمَّد الْبَاجِيّ وَأبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَخلق يكثر إيرادهم من أهل الْمشرق وَالْعراق وَكَانَ رَحمَه الله من كبار الْمُحدثين وصدور الْعلمَاء المسندين حَافِظًا للْحَدِيث متقناً لعلومه وَله مُشَاركَة فِي سَائِر الْعُلُوم وَجمع من الْكتب فِي أَنْوَاع الْعلم مَا لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس وَكَانَ لَهُ سِتَّة وراقين ينسخون لَهُ دَائِما وَكَانَ قد رتب لَهُم على ذَلِك راتباً مَعْلُوما وَكَانَ لَا يسمع بِكِتَاب حسن إِلَّا اشْتَرَاهُ أَو استنسخه وَلما توفّي اجْتمع أهل قرطبة لبيع كتبه فأقاموا فِي بيعهَا مُدَّة عَام كَامِل فِي الْمَسْجِد وَكَانَ ذَلِك فِي وَقت الغلاء والفتنة فَاجْتمع فِيهَا من الثّمن أَرْبَعُونَ ألف دِينَار قاسمية يبلغ صرفهَا ثمانا مائَة ألف دِرْهَم وتقلد رَحمَه الله تَعَالَى قَضَاء قرطبة مَقْرُونا بِولَايَة صَلَاة الْجُمُعَة وَالْخطْبَة مُضَافا إِلَى ذَلِك الْخطْبَة الْعليا من الوزارة وَكَانَ ذَا صلابة فِي الْحق وَنَصره للمظلوم وَدفع للظالم حدث عَنهُ أَبُو عمر بن عبد البر وَغَيره من الْكِبَار كَأبي عمر الطلمنكي وَابْن الْحذاء والخولاني وَغَيرهم وَله تآليف كَثِيرَة مفيدة يطول ايرادها توفّي سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عتاب يكنة أَبَا مُحَمَّد هُوَ آخر الشُّيُوخ الجلة الأكابر الأندلس فِي علو الْإِسْنَاد وسعة الرِّوَايَة روى عَن أَبِيه وَأكْثر عَنهُ وَأَجَازَ لَهُ من الشُّيُوخ خلق كثير وَكَانَ عَالما بالقراآت السَّبع وَكثير من التَّفْسِير وغريبه ومعانيه مَعَ حَظّ وافر من اللُّغَة وتفقه عِنْد أَبِيه وشوور فِي الْأَحْكَام بَقِيَّة عمره وَكَانَ صَدرا فِيمَا يستفتى فِيهِ وَكَانَت الرحلة فِي وقته إِلَيْهِ ومدار أَصْحَاب الحَدِيث عَلَيْهِ وَله تآليف حَسَنَة مفيدة وَسمع مِنْهُ الْآبَاء وَالْأَبْنَاء وَكثر انْتِفَاع النَّاس بِهِ توفّي سنة عشْرين وَخَمْسمِائة
وَمن الوفيات لِابْنِ خلكان
عبد الرحمن السُّهيْلي أَبُو الْقَاسِم وَأَبُو زيد عبد الرحمن بن الْخَطِيب أبي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْخَطِيب أبي عمر أَحْمد بن أبي الْحسن أصبغ بن حُسَيْن بن سعدون بن رضوَان بن فتوح السُّهيْلي الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب كتاب الرَّوْض الْأنف فِي شرح سيرة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله كتاب التَّعْرِيف والإعلام فِيمَا أبهم فِي الْقُرْآن من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام وَله كتاب نتائج الْفِكر وَكتاب شرح آيَة الْوَصِيَّة فِي الْفَرَائِض كتاب بديع ومسئلة رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام ومسئلة السِّرّ فِي عور الدَّجَّال إِلَى غير ذَلِك من تآليفه المغيدة وأوضاعه الغريبة وَكَانَ لَهُ حَظّ وافر من الْعلم وَالْأَدب أخذالناس عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَمن شعره قَالَ ابْن دحْيَة أنشدنى وَقَالَ مَا سَأَلَ الله بهَا حَاجَة إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاهَا وَكَذَلِكَ من اسْتعْمل إنشادها وَهِي ... يَا من يرى مَا فِي الضَّمِير وَيسمع ... أَنْت الْمعد لكل مَا يتَوَقَّع ...(1/150)
.. يَا من يُرْجَى للشدائد كلهَا ... يَا من إِلَيْهِ المشتكى والمفزع
يَا من خَزَائِن ملكه فِي وَقَول كن ... أمنن فَإِن الْخَيْر عنْدك أجمع
مَا لي سوى فقري إِلَيْك وَسِيلَة ... فبالافتقار إِلَيْك فقري أدفَع
مَا لي سوى قرعي لبابك حِيلَة ... فلئن رددت فَأَي بَاب أَقرع
وَمن الَّذِي أَدْعُو وأهتف باسمه ... إِن كَانَ فضلك عَن فقيرك يمْنَع
حاشا لمجدك أَن تقنط عَاصِيا ... وَالْفضل أجزل والمواهب أوسع
ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي وَآله ... خير الْأَنَام وَمن بِهِ يستشفع ... وَله أشعار كَثِيرَة وَكَانَ بِبَلَدِهِ يتسوغ بالعفاف ويتبلغ بالكفاف حَتَّى نما خَبره إِلَى صَاحب مراكش فَطَلَبه إِلَيْهَا وَأحسن إِلَيْهِ وَأَقْبل بِوَجْهِهِ كل الإقبال عَلَيْهِ وَأقَام بهَا نَحْو ثَلَاثَة أَعْوَام وَذكره الذَّهَبِيّ فَقَالَ أَبُو زيد وَأَبُو الْقَاسِم وَأَبُو الْحسن عبد الرحمن الْعَلامَة الأندلسي المالقي النَّحْوِيّ الْحَافِظ الْعلم صَاحب التصانيف أَخذ القراآت عَن سُلَيْمَان بن يحيى وَجَمَاعَة وروى عَن ابْن الْعَرَبِيّ القَاضِي أبي بكر وَغَيره من الْكِبَار وبرع فِي الْعَرَبيَّة واللغة وَالْأَخْبَار والأثر وتصدر للإفادة وَذكر الْآثَار وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي مشيخته عَن أبي الْمَعَالِي أَنه سَأَلَهُ فِي مَجْلِسه رجل من الْعَوام فَقَالَ أَيهَا الْفَقِيه الإِمَام أُرِيد أَن تذكر لي دَلِيلا شَرْعِيًّا على أَن الله تَعَالَى لَا يُوصف بالجهة وَلَا يحدد بهَا فَقَالَ نعم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفضلُونِي على يُونُس بن مَتى فَقَالَ الرجل إِنِّي لَا أعرف وَجه الدَّلِيل من هَذَا الدَّلِيل وَقَالَ كل من حضر الْمجْلس مثل قَول الرجل فَقَالَ أَبُو المعلي أضافني اللَّيْلَة ضيف لَهُ عَليّ ألف دِينَار وَقد شغلت بالي فَلَو قضيت عني قلتهَا فَقَامَ رجلَانِ من التُّجَّار فَقَالَا هِيَ فِي ذمتنا فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لَو كَانَ رجلا وَاحِدًا يضمنهَا كَانَ أحب إِلَيّ فَقَالَ أحد الرجلَيْن أَو غَيرهمَا هِيَ فِي ذِمَّتِي فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي نعم إِن الله تَعَالَى أسرى بِعَبْدِهِ إِلَى فَوق سبع سموات حَتَّى سمع سَرِير الأقلام والتقم يُونُس الْحُوت فهوى بِهِ إِلَى جِهَة التحت من الظُّلُمَات مَا شَاءَ الله فَلم يكن سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي علو مَكَانَهُ بأقرب إِلَى الله تَعَالَى من يُونُس فِي بعد مَكَانَهُ فَالله تَعَالَى لَا يتَقرَّب إِلَيْهِ بالأجرام والأجسام وَإِنَّمَا يتَقرَّب إِلَيْهِ بِصَالح الْأَعْمَال وَمن شعره ... إِذا قلت يَوْمًا سَلام عَلَيْكُم ... فَفِيهَا شِفَاء وفيهَا السقام
شِفَاء إِذا قلتهَا مُقبلا ... وَإِن أَنْت أَدْبَرت فِيهَا الْحمام ... قَالَ صَاحب الوفيات والسهيلي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعدهَا لَام ثمَّ يَاء هَذِه النِّسْبَة إِلَى سُهَيْل وَهِي قَرْيَة بِالْقربِ من مالقة سميت باسم الْكَوْكَب لِأَنَّهُ لَا يرى فِي جَمِيع الأندلس إِلَّا من جبل مطل عَلَيْهَا ومالقة بِفَتْح اللَّام وَالْقَاف وَهِي مَدِينَة بالأندلس وَقَالَ السَّمْعَانِيّ بِكَسْر اللَّام وَهُوَ غلط وَتُوفِّي بمراكش سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ رَحمَه الله مكفوفا وعاش اثْنَيْنِ وَسبعين سنة
وَفِي كتاب العبر للذهبي
عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر شهَاب الدّين الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي مدرس الْمدرسَة المستنصرية كَانَ فَقِيها عَالما زاهداً سالكاً طَرِيق الزّهْد وَالصَّلَاح وَالْعِبَادَة وَله فِي ذَلِك تأليف حسن وَله التصانيف الْحَسَنَة المفيدة مِنْهَا كتاب الْمُعْتَمد فِي الْفِقْه غزير الْعلم وَذكر فِيهِ مَشْهُور الْأَقْوَال غَالِبا وَكتاب الْعُمْدَة فِي الْفِقْه وَكتاب الْإِرْشَاد فِي الْفِقْه أبدع فِيهِ كل الإبداع جعله مُخْتَصرا(1/151)
وحشاه بمسائل وفروع لم تحوها المطولات مَعَ إيجاز بليغ وَله فِي الحَدِيث وَغَيره تآليف مَشْهُورَة كَانَ مشاركاً فِي عُلُوم جمة وَكتبه تدل على فضيلته توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
وَمن مُخْتَصر المدارك من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من أفريقية
عبد الرحمن أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ الْمَعْرُوف باللبيدي ولبيدة من قرى السَّاحِل من مشاهير عُلَمَاء إفريقية ومؤلفيها وعبادها تفقه بِأبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَأبي الْحسن الْقَابِسِيّ وَسمع من شُيُوخ إفريقية وَعباد أهل الرِّبَاط وَسمع الشَّيْخ الْفَاضِل أَبَا إِسْحَق الجبنياني وانتفع بِهِ روى عَنهُ ابْن سعدون وَغَيره وَألف كتابا بليغاً فِي الْمَذْهَب كَبِيرا أَزِيد من مِائَتي جُزْء كبار فِي مسَائِل الْمُدَوَّنَة وبسطها والتفريع عَلَيْهَا وزيادات الْأُمَّهَات ونوادر الرِّوَايَات وَألف أَخْبَار أبي إِسْحَق الجبنياني وفضائله وكتاباً فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة سَمَّاهُ الملخص وَكَانَ ينظم الشّعْر وَيحسن القَوْل فمما أنْشد لنَفسِهِ قَوْله ... أَنْت الْعلي وَأَنت الْخَالِق الْبَارِي ... أَنْت الْعَلِيم بِمَا تخفيه أسراري
أَنْت الْعَلِيم بِمَا فِي الْخلف مقدرَة ... فِي وسع عَيْش وَفِي بؤس وإقتار
عَسى المليك يذود النَّفس عَن عطب ... يجلو العماء بِتَوْفِيق وأنوار ... توفّي بالقيروان سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن الأندلس
عبد الرحمن أَبُو الْمطرف بن مران ابْن عبد الرحمن القنازعي قرطبي فَقِيه زاهد ورع متقشف مجاب الدعْوَة تفقه بالأصيلي وَأبي عمر بن المكوى وَغَيرهمَا وَسمع الحَدِيث من أبي عِيسَى والقلعي وَابْن عون الله وَغَيرهم ثمَّ رَحل وَحج وَمَعَ بِمصْر وامتحن فِي الْفِتْنَة بالبربر أَيَّام ظُهُورهمْ على قرطبة محنة أودت بِحَالهِ وقدحت فِي خاطره فعراه طيف خيال يَغْشَاهُ وَلَا يُؤْذِيه وَكَانَ أَقرَأ من بَقِي وَله تَفْسِير فِي الْمُوَطَّأ مَشْهُور مُفِيد حسن التَّأْلِيف واختصار كتاب ابْن سَلام فِي تَفْسِير الْقُرْآن واختصار وثائق ابْن الْهِنْدِيّ روى عَنهُ ابْن عَاتٍ وَابْن عبد البر وَابْن الظبي وَغَيرهم وَكَانَ يلبس قَمِيصًا أَبيض على فَرْوَة وَرُبمَا لبس الفروة دونه توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فِي رَجَب
عبد الرحمن ابْن الإِمَام أبي زيد شيخ الْمَالِكِيَّة بتلمسان الإِمَام الْعَلامَة الأوحد وَهُوَ أكبر الْأَخَوَيْنِ الْمَشْهُورين بأولاد الإِمَام التنسي البرشكي التلمساني وَاسم أَخِيه أَبُو مُوسَى عِيسَى وَهَذَانِ الأخوان مِمَّا فَاضلا الْمغرب فِي وقتهما وَكَانَا خصيصين بالسلطان أبي الْحسن المريني وَتخرج بهما كثير من الْفُضَلَاء لَهما التصانيف المفيدة والعلوم النفيسة توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
عبد الرحمن بن أَحْمد بن مُحَمَّد وَيعرف بِابْن الْقصير غرناطي كَانَ فَقِيها مشاوراً رفيع الْقدر جَلِيلًا بارع الْأَدَب عَارِفًا بالويثقة نقاداً لَهَا صَاحب رِوَايَة ودراية وَولي الْقَضَاء وَأخذ عَن أبي الْوَلِيد بن رشد وَأبي مُحَمَّد عبد الحق بن عَطِيَّة وَأبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى وَابْن الباذش وَأبي إِسْحَق بن رَشِيق وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي عبد الله بن أبي الْخِصَال وَأبي الْحسن بن مغيث وَغَيرهم من الْعلمَاء الجلة وَله تآليف وخطب ورسائل ومقامات وَجمع مَنَاقِب من أردكه من أهل عصره وَاخْتصرَ كتاب الْجمل لِابْنِ خاقَان الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره وَألف برنامجاً بِضَم رواياته توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عبد الرحيم من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل أفريقية
عبد الرحيم بن أَشْرَس وَقيل اسْمه الْعَبَّاس وَقيل عبد الرحمن هُوَ أَنْصَارِي من الْعَرَب ثِقَة(1/152)
فَاضل سمع من مَالك روى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَفِي رجال ابْن وهب أَبُو الأشرس عبد الرحمن بن أَشْرَس المغربي التّونسِيّ وَلَعَلَّه أَخ لأبي مَسْعُود وَكَانَ يكنى أَبَا مَسْعُود وَقد بَين هَذَا ابْن شعْبَان فَقَالَ عَنهُ أَبُو مَسْعُود عبد الرحمن بن الأشرس وَيُقَال عبد الرحيم كَانَ حَافِظًا رُوِيَ عَن مَالك وعبد الله الْعمريّ روى عَنهُ ابْن وهب وَجَمَاعَة
عبد الرحيم بن أَحْمد الكتامي أَبُو عبد الرحمن الْمَعْرُوف بِابْن الْعَجُوز سبتي من كبار قومه كتامة من فَخذ يُسمى أجان وَكَانَت لَهُ ولأبيه فيهم وَفِي الْمغرب رياسة بِالْعلمِ وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة فِي الْمغرب فِي وقته وَعَلِيهِ كَانَت تَدور الْفتيا وَله عقب نجباء فِي الْعلم بلغُوا إِلَى خَمْسَة أَئِمَّة إِمَام ابْن إِمَام فضلاء فِي عصرهم ورحل عبد الرحيم إِلَى الأندلس وإفريقية ولازم الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد واختص بِهِ وَسمع مِنْهُ كتبه النَّوَادِر والمختصر وَجَاء بهما وبغيرهما إِلَى سبيتة وَسمع من دارس بن إِسْمَعِيل الفاسي وَأبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ ووهب بن ميسره الْحِجَازِي وَكَانَت رحلته ورحلة الرجل الصَّالح أبي مُحَمَّد بن غَالب إِلَى القيروان من سبتة فِي نَحْو الثَّمَانِينَ وثلاثمائة قرب أبي مُحَمَّد أَخذ عَنهُ النَّاس بسبتة علما كثيرا وتفقهوا عَلَيْهِ وسمعوا مِنْهُ كَانَ من حفاظ الْمَذْهَب الْعَالمين بِهِ روى عَنهُ جمَاعَة من فُقَهَاء سبتة أَبُو مُحَمَّد قَاسم بن المأموني وَمُحَمّد بن عبد الرحمن بن سُلَيْمَان وَابْن خلف الله وَإِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكتامي وَأَبُو عمرَان بن أبي سوار من قلعة حَمَّاد وَجَمَاعَة من أهل سبتة وفاس وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ لَهُ إخْوَة لم ينْتَهوا إِلَى مَنْزِلَته فِي الْعلم عبد الحميد وعبد الملك وَكَانَ لَهُ بنُون نجباء عبد العزيز وعبد الرحمن فَأَما عبد العزيز وعبد الرحمن فحازا الرياسة بعد أَبِيهِمَا وَأما عبد الكريم فَطلب الْعلم وَكَانَ أَكثر إِقَامَته بكتامة وخالط السُّلْطَان وطالت حَيَاته بعد إخْوَته وَمَات مقتولاً رَحمَه الله
من اسْمه عبد الملك من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أهل الْمَدِينَة من أَصْحَاب مَالك
عبد الملك بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة الْمَاجشون كنيته أَبُو مَرْوَان وَاسم أبي سَلمَة مَيْمُون وَيُقَال دِينَار مولى بني تَمِيم من قُرَيْش ثمَّ لآل الْمُنْكَدر والماجشون هُوَ أَبُو سَلمَة والماجشون المورد بِالْفَارِسِيَّةِ سمي بذلك لحمرة فِي وَجهه وَقيل إِنَّهُم من أهل أَصْبَهَان انتقلوا إِلَى الْمَدِينَة فَكَانَ أحدهم يلقى الآخر فَيَقُول شوني شوني يُرِيد كَيفَ أَنْت فلقبوا بذلك وَحكي أَن ماجش مَوضِع بخراسان نسبوا إِلَيْهِ كَانَ عبد الملك فَقِيها فصيحا دارت عَلَيْهِ الْفتيا فِي أَيَّامه إِلَى أَن مَاتَ وعَلى أَبِيه قبله فَهُوَ فَقِيه ابْن فَقِيه وَكَانَ مفتي أهل الْمَدِينَة فِي زَمَانه وَكَانَ ضَرِير الْبَصَر وَيُقَال أَنه عمى آخِره عمره وبيته بَيت علم وَحَدِيث بِالْمَدِينَةِ تفقه بِأَبِيهِ وبمالك وَغَيرهمَا وَكَانَ إِذا ذاكره الشَّافِعِي لم يعرف النَّاس كثيرا مَا يَقُولَانِ لِأَن الشَّافِعِي تأدب بهذيل فِي الْبَادِيَة وعبد الملك تأدب بجؤلته فِي كلب بالبادية وَقَالَ يحيى بن أكتم القَاضِي عبد الملك بَحر لَا تكدره الدلاء وَأثْنى عَلَيْهِ سَحْنُون وفضله وَقَالَ هَمَمْت أَن أرحل إِلَيْهِ وَأعْرض عَلَيْهِ هَذِه الْكتب فَمَا أجَاز مِنْهَا أجزت وَمَا ورد رددت وأثني عَلَيْهِ ابْن حبيب كثيرا وَكَانَ يرفعهُ فِي الْفَهم على أَكثر أَصْحَاب مَالك وتفقه بِهِ خلق كثير وأئمة جلة كأحمد بن المعذل وَابْن حبيب وَسَحْنُون وَقَالَ إِسْمَعِيل القَاضِي مَا أجزل كَلَامه وأعجب تفصيلاته وَأَقل فضوله وَكَانَ يجيد تَفْسِير الرُّؤْيَا وَمن وفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان قَالَ أَحْمد بن المعذل كلما تذكرت أَن التُّرَاب يَأْكُل لِسَان عبد الملك صغرت الدُّنْيَا فِي عَيْني وَسُئِلَ أَحْمد بن المعذل فَقيل لَهُ أَيْن(1/153)
لسَانك من لِسَان أستاذك عبد الملك فَقَالَ كَانَ لِسَان عبد الملك إِذا تعايا أَحْيَا من لساني إِذا تحايا وماجشون بِكَسْر الْجِيم وَبعدهَا شين مُعْجمَة مَضْمُومَة وَهُوَ المورد وَيُقَال الْأَبْيَض الْأَحْمَر وَهُوَ لقب أبي يُوسُف يَعْقُوب بن أبي سَلمَة عَم وَالِد عبد الملك ولقبته بذلك سكينَة بنت الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَجرى هَذَا اللقب على أهل بَيته من بنيه وَبني أَخِيه هَذَا مُخْتَصر من بعض تَرْجَمته توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقيل ثَلَاث عشرَة وَقيل أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة
وَمن الطَّبَقَة الأولى الَّذين انْتهى إِلَيْهِم فقد مَالك والتزموا مذْهبه مِمَّن لم يره من أهل الأندلس
عبد الملك بن حبيب بن سُلَيْمَان بن هَارُون ابْن جاهمة بن عَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ يكنى أَبَا مَرْوَان وَنقل من خطّ الْحَاكِم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَنه عبد الملك بن حبيب بن ربيع بن سُلَيْمَان السّلمِيّ من أنفسهم العصار كَانَ يعصر الأدهان ويستخرجها أَصله من طليطلة وانتقل جده سُلَيْمَان إِلَى قرطبة وانتقل أَبوهُ أَبُو حبيب وَإِخْوَته فِي فتْنَة الربض إِلَى إلبيرة قيل إِنَّه من مواليهم وَقيل من أنفسهم كَانَ بالبيرة روى بالأندلس عَن صعصعة بن سَلام والغازي بن قيس وَزِيَاد بن عبد الرحمن ورحل سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ فَسمع ابْن الْمَاجشون ومطرفا وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الخزامي وعبد الرحمن بن رَافع الزبيدِيّ وَابْن أبي أويس وعبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن الْمُبَارك وَأصبغ بن الْفرج وَأسد بن مُوسَى وَجَمَاعَة سواهُم وَانْصَرف إِلَى الأندلس سنة سِتّ عشرَة وَقد جمع علما عَظِيما فَنزل بَلَده إلبيرة وَقد انْتَشَر سموهُ فِي الْعلم وَالرِّوَايَة فنقله الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن الحكم إِلَى قرطبة ورتبه فِي طبقَة المفتيين فِيهَا فَأَقَامَ مَعَ يحيى بن يحيى زعيمها فِي الْمُشَاورَة والمناظرة وَكَانَ الَّذِي بَينهمَا شين جدا وَمَات يحيى قلبه فَانْفَرد عبد الملك بعده بالرياسة سمع مِنْهُ ابناه مُحَمَّد وعبيد الله وتقي الدّين بن مخلد وَابْن وضاح والمغامي فِي جمَاعَة وَكَانَ المغامي آخِرهم موتا وَكَانَ عبد الملك حَافِظًا للفقه على مَذْهَب مَالك نبيلا فِيهِ غير أَنه لم يكن لَهُ علم بِالْحَدِيثِ وَلَا معرفَة بصحيحه من سقيمه وَقَالَ ابْن مزين وَابْن لبَابَة عبد الملك عَالم الأندلس وَسُئِلَ ابْن الْمَاجشون عَن أعلم الرجلَيْن التنوخي الْقَرَوِي أَو الأندلسي السّلمِيّ فَقَالَ السّلمِيّ مقدمه علينا أعلم من التنوخي مُنْصَرفه عَنَّا ثمَّ قَالَ للسَّائِل أفهمت قَالَ أَحْمد بن عبد البركان جماعاً للْعلم كثير الْكتب طَوِيل اللِّسَان فَقِيه الْبدن نحويا عروضيا شَاعِرًا نسابة خبريا وَكَانَ أَكثر من يخْتَلف إِلَيْهِ الْمُلُوك وأبناؤهم وَأهل الْأَدَب وَقَالَ نَحوه ابْن فحلون قَالَ وَكَانَ لَا يلى إِلَّا معالي الْأُمُور وَكَانَ ذاباً عَن مَذْهَب مَالك وَلما رَحل قَالَ عِيسَى إِنَّه لأفقه مِمَّن يُرِيد أَن يَأْخُذ عَنهُ الْعلم وَقَالَ بَعضهم رَأَيْته يخرج من الْجَامِع وَخَلفه نَحْو ثَلَاثمِائَة بَين طَالب حَدِيثه وفرائض وَفقه وإعراب وَقد رتب الدول عِنْده كل يَوْم ثَلَاثِينَ دولة لَا يقْرَأ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء إِلَّا كتبه وموطأ مَالك وَكَانَ صواماً قواماً وَكَانَ أَكثر فُقَهَاء الأندلس وشعرائهم يعْنى عبد الملك أخذُوا من مَجْلِسه بحظ وَقَالَ المغامي لَو رَأَيْت مَا كَانَ على بَاب ابْن حبيب لازدريت غَيره وَلما نعي إِلَى سَحْنُون اسْترْجع وَقَالَ مَاتَ عَالم الأندلس بل وَالله عَالم الدُّنْيَا وَهَذَا يرد مَا رُوِيَ عَنهُ من خلاف هَذَا وَذكره ابْن الفرضي فِي طَبَقَات الأدباء فَجعله صَدرا فيهم وَقَالَ كَانَ قد جمع إِلَى إِمَامَته فِي الْفِقْه التبجح فِي الْأَدَب والتفنن فِي ضروب الْعلم وَكَانَ فَقِيها مفتياً نحوياً لغوياً نسابة اخباريا(1/154)
عروضياً فائقاً شَاعِرًا محسناً مُرْسلا حاذقاً مؤلفاً متقناً ذكر بعض الْمَشَايِخ أَنه لما دنا من مصر فِي رحلته أصَاب جمَاعَة من أَهلهَا بارزين لتلقي الرّفْقَة على عَادَتهم فَكلما أطل عَلَيْهِم رجل لَهُ هَيْئَة ومنظر رجحوا الظَّن فِيهِ وقضوا بفراستهم عَلَيْهِ حَتَّى رَأَوْهُ وَكَانَ ذَا منظر جميل فَقَالَ قوم هَذَا فَقِيه وَقَالَ آخَرُونَ بل شَاعِر وَقَالَ آخَرُونَ طَبِيب وَقَالَ آخَرُونَ خطيب فَلَمَّا كثر اخْتلَافهمْ تقدمُوا نَحوه وَأَخْبرُوهُ باختلافهم فِيهِ وسألوه عَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُم كلكُمْ قد أصَاب وَجَمِيع مَا قدرتم أحْسنه والخبرة تكشف الْحيرَة والامتحان يجلي الْإِنْسَان فَلَمَّا حط رَحْله وأتى النَّاس شاع خَبره فَقعدَ إِلَيْهِ كل ذِي علم فَسَأَلَهُ عَن فنه وَهُوَ يجِيبه جَوَاب مُحَقّق فعجبوا ووثقوا بِعِلْمِهِ وَأخذُوا عَنهُ وعطلوا حلق عُلَمَائهمْ وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن الْمَوَّاز بِالْعلمِ وَالْفِقْه وَقَالَ الْعُتْبِي وَذكر الْوَاضِحَة رحم الله عبد الملك مَا أعلم أحدا ألف على مَذْهَب أهل الْمَدِينَة تأليفه وَلَا لطَالب أَنْفَع من كتبه وَلَا أحسن من اخْتِيَاره وَألف كتبا كَثِيرَة حسانا فِي الْفِقْه والتاريخ وَالْأَدب مِنْهَا الْكتب الْمُسَمَّاة بالواضحة فِي السّنَن وَالْفِقْه لم يؤلف مثلهَا وَالْجَامِع وَكتاب فَضَائِل الصَّحَابَة وَكتاب غَرِيب الحَدِيث وَكتاب تَفْسِير الْمُوَطَّأ وَكتاب حروب الْإِسْلَام وَكتاب المسجدين وَكتاب سيرة الإِمَام فِي الْمُلْحِدِينَ وَكتاب طَبَقَات الْفُقَهَاء وَالتَّابِعِينَ وَكتاب مصابيح الْهدى قَالَ بَعضهم قسم بن الفرضي هَذِه الْكتب وَهَذِه الْأَسْمَاء وَهِي كلهَا يجمعها كتاب وَاحِد لَان ابْن حبيب إِنَّمَا ألف كِتَابه على عشرَة أَجزَاء الأول تَفْسِير الْمُوَطَّأ حاشى الْجَامِع الثَّانِي شرح الْجَامِع الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكتاب مصابيح الْهدى جُزْء مِنْهَا ذكر فِيهِ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والعاشر طَبَقَات الْفُقَهَاء وَلَيْسَ فِيهَا أَكثر من الأول وتحامل فِي هَذَا الشَّرْح على أبي عبيد والأصمعي وَغَيره وَانْتَحَلَ كثيرا من كَلَام أبي عبيد وَكَثِيرًا مَا يَقُول فِيهِ أَخطَأ شَارِح الْعِرَاقِيّين وَأخذ عَلَيْهِ فِيهِ تَصْحِيف قَبِيح وَهُوَ أَضْعَف كتبه وَمن تآليفه كتاب إِعْرَاب الْقُرْآن وَكتاب الْحِسْبَة فِي الْأَمْرَاض وَكتاب الْفَرَائِض وَكتاب السخاء واصطناع الْمَعْرُوف وَكتاب كَرَاهِيَة الْغناء وَكتاب فِي النّسَب وَفِي النُّجُوم وَكتاب الْجَامِع تأليفه وَهُوَ كتاب فِيهِ مَنَاسِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب الرغائب وَكتاب الْوَرع فِي الْعلم وَكتاب الْوَرع فِي المَال وَغَيره سِتَّة أَجزَاء وَكتاب الحكم وَالْعَمَل بالجوارح وَغير ذَلِك قَالَ بَعضهم قلت لعبد الملك كم كتبك الَّتِي ألفت قَالَ ألف كتاب وَخَمْسُونَ كتابا وَقَالَ عبد الأعلى ابْن مُعلى هَل رَأَيْت كتبا تحبب عبَادَة الله إِلَى خلقه وتعرفهم بِهِ ككتب عبد الملك بن حبيب يُرِيد كتبه فِي الرغائب والرهائب وَمِنْهَا كتب المواعظ سَبْعَة وَكتب الْفَضَائِل سَبْعَة فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وفضائل عمر بن عبد العزيز وفضائل مَالك بن أنس وَكتاب أَخْبَار قُرَيْش وأنسابها خَمْسَة عشر كتابا وَكتاب السُّلْطَان وسيرة الإِمَام ثَمَانِيَة كتب وَكتاب الباه وَالنِّسَاء ثَمَانِيَة كتب وَغير ذَلِك من كتب سَمَاعه فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وتآليفه فِي الطِّبّ وَتَفْسِير الْقُرْآن سِتُّونَ كتابا وَكتاب القاريء والناسخ والمنسوخ ورغائب الْقُرْآن وَكتاب الرهون والبدى والمغازي والحدثان خَمْسَة وَتسْعُونَ كتابا وَكتاب مغازي رَسُول الله(1/155)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَعِشْرُونَ كتابا ذكر مَا تحومل بِهِ عَلَيْهِ قَالَ بَعضهم كَانَ الْفُقَهَاء يحسدون عبد الملك لتقدمه عَلَيْهِم بعلوم لم يَكُونُوا يعلمونها وَلَا يسرعون فِيهَا وَكَانَ أَبُو عمر ابْن عبد البر يكذبهُ وَكَانَ ابْن وضاح لَا يرضى عَنهُ وَقَالَ لم يسمع من أَسد قَالَ القَاضِي مُنْذر بن سعيد لَو لم يكن من فضل عبد الملك إِلَّا أَنَّك لَا تَجِد أحدا مِمَّن يَحْكِي عَنهُ معارضته وَالرَّدّ لقَوْله ساواه فِي شَيْء وَأكْثر مَا تَجِد أحدهم يَقُول كذب عبد الملك أَو أَخطَأ ثمَّ لَا يَأْتِي بِدَلِيل على مَا ذكره وَكَانَ لِابْنِ حبيب قَارُورَة قد أذاب فِيهَا اللبان وَالْعَسَل يشرب مِنْهَا كل غَدَاة على الرِّيق للْحِفْظ وَله شعر حسن فَمِنْهُ ... صَلَاح أَمْرِي وَالَّذِي أَبْتَغِي ... هَين على الرَّحْمَن بِي قدرته
ألف من الصفر واقلل بهَا ... لعلم رَبِّي على بغيته
زرياب قد يَأْخُذهَا قفلة ... وصنعتي أشرف من صَنعته ... وَله قصيدة كتب بهَا إِلَى أَهله من الْمشرق سنة عشر وَمِائَتَيْنِ ... أحب بِلَاد الغرب والغرب موطني ... أَلا كل غربي إِلَيّ حبيب
فيا جسداً أضناه شوق كَأَنَّهُ ... إِذا نضيت عَنهُ الثِّيَاب قضيب
وَيَا كبدا عَادَتْ رفات كَأَنَّمَا ... يلدغها بالكاويات طَبِيب
بليت وأبلاني اغترابي ونأيه ... وَطول مقَامي بالحجاز أجوب
وَأَهلي بأقصى مغرب الشَّمْس دَارهم ... وَمن دونهم بحرا جَيش مهيب
وهول كريت ليله كنهاره ... وسوق حثيث للركاب دؤوب
فَمَا الدَّاء إِلَّا أَن تكون بغربة ... وحسبك ذَا أَوَان يُقَال غَرِيب
أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بِأَكْنَافِ نهر الثَّلج حِين يصوب
وحولي شجايا وبنتي وَأمّهَا ... ومعشر أَهلِي والرؤف مُجيب ... وَتُوفِّي ابْن حبيب فِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَقيل تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وقبره بمقبرة أم سَلمَة فِي قبْلَة مَسْجِد الضِّيَافَة وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي أَحْمد بن زِيَاد وَقيل صلى عَلَيْهِ ابْنه مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الأندلس
عبد الملك بن الْعَاصِ بن مُحَمَّد بن بكر السَّعْدِيّ أَبُو مَرْوَان قرطبي أَصله من طليطلة وَقيل من قلعة ريَاح نَشأ فِي قرطبة وَسمع بهَا من ابْن لبَابَة وَأسلم القَاضِي وَالْحسن بن سعد وَأحمد بن خَالِد رَحل فَسمع بالقيروان من البَجلِيّ وَأحمد بن زِيَاد وَسمع بِمصْر من عبد الرحمن بن مُحَمَّد اللواز وَمُحَمّد بن زِيَاد وَمُحَمّد بن الجيرى وَغَيرهم وَدخل الشَّام فاستخلفه القَاضِي ابْن المنتاب على الْقَضَاء وَسمع بِمَكَّة من ابْن الْمُنْذر كثيرا وببغداد من ابْن صاعد وَإِبْرَاهِيم بن حَمَّاد وَمُحَمّد بن الجهم وَابْن المنتاب وَأبي الْفرج القَاضِي وَأبي يَعْقُوب الرَّازِيّ وَعمر بن أَحْمد بن شُرَيْح وَغَيرهم وَشهد بهَا مجَالِس المناظرة وَأقَام بِبَغْدَاد ثَلَاثَة أَعْوَام وَأقَام فِي رحلته بضعَة عشر عَاما وَأدْخل الأندلس علما كثيرا وَكَانَ حَافِظًا متفنناً نظاراً متصرفاً فِي عُلُوم الرَّأْي حسن النّظر فِيهِ مشاورا فِي الْأَحْكَام ظهر تفقهه فِي حَدَاثَة سنه قبل رحلته وشاوره إِذْ ذَاك القَاضِي أسلم وَلما انْصَرف إِلَى الْمشرق وَقد(1/156)
مَال هُنَاكَ إِلَى النّظر وَالْحجّة رَفعه الحكم وَهُوَ ولي عهد الشورى وَألف فِي نصْرَة مَذْهَب مَالك تآليف مِنْهَا كتاب الذريعة إِلَى علم الشَّرِيعَة وَكتاب الدَّلَائِل والأعلام على أصُول الْأَحْكَام وَكتاب الِاعْتِمَاد وَكتاب الْإِبَانَة عَن أصُول الدّيانَة وَكتاب الرَّد على من أنكر على مَالك ترك الْعَمَل بِمَا رَوَاهُ وَتَفْسِير رِسَالَة عمر بن عبد العزيز فِي الزَّكَاة وَكتاب اخْتِصَار الْأَمْوَال لأبي عبيد وقرع بالفالج فَمَاتَ يَوْم السبت لثمان من الْمحرم سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَهُوَ ابْن أَربع وَأَرْبَعين سنة وَنصف وفيهَا مَاتَ ابْن أَيمن وَابْن لبَابَة الْأَصْغَر
عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن مَرْوَان الْحَافِظ إِمَام الأندلس فِي وقته سمع من أَبِيه والأفليلي والصفاقسي وطبقتهم حدث عَنهُ أَبُو عَليّ الجياني والصدفي وَالْقَاضِي أَبُو عبد الله بن الْحَاج وَغَيرهم كثيرا وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ من جَمِيع جِهَات الأندلس وَغَيرهَا وَكَانَ إِمَام وقته فِي علم لِسَان الْعَرَب وَضبط لغاتها وأذكرهم لشواذ أشعارهم توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن كتاب الصِّلَة
عبد الملك بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الملك بن الْأَصْبَغ الْقرشِي من أهل قرطبة يكنى أَبَا مَرْوَان وَيعرف بِابْن المشرط روى عَنهُ الْخَولَانِيّ وَقَالَ كَانَ من أهل الْعلم مقدما فِي الْفَهم قديم الْخَيْر وَالْفضل لَهُ تأليف حسن فِي الْفِقْه وَالسّنَن وَكَانَ كثير الدّيانَة وَالْخَيْر والتواضع وَالْأَحْوَال العجيبة وَألف كتابا فِي مَنَاسِك الْحَج وكتاباً فِي أصُول الْعلم تِسْعَة أَجزَاء وَله تآليف فِي الاعتقادات وَغَيرهَا توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمِمَّنْ حدث عَنهُ ابْن خزرج وَقَالَ روى عَن القَاضِي ابْن زرب وَابْن مفرج كثيرا
عبد الملك بن مَسَرَّة بن فرج الْيحصبِي من أهل قرطبة وَأَصله من شنتمرية من مشرق الأندلس وَمن مفاخرها يكنى أَبَا مَرْوَان أَخذ عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن فرج الْمُوَطَّأ سَمَاعا واختص بِالْقَاضِي أبي الْوَلِيد بن رشد وتفقه مَعَه وَصَحب أَبَا بكر بن مفوز فَانْتَفع بِهِ فِي معرفَة الحَدِيث وَالرِّجَال وَكَانَ مِمَّن جمع الله لَهُ الحَدِيث وَالْفِقْه مَعَ الْأَدَب البارع وَالْفضل وَالدّين والورع والتواضع وَالْهَدْي الصَّالح وَكَانَ على منهاج السّلف الْمُتَقَدّم أَخذ النَّاس عَنهُ وَكَانَ لذَلِك أَهلا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة
عبد الله وَيعرف بزونان من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل الأندلس من قرطبة وَهُوَ عبد الملك بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن زُرَيْق بن عبد الله بن أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنى أَبَا مَرْوَان سمع من ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن وهب وَغَيرهم وَكَانَ الْأَغْلَب عَلَيْهِ الْفِقْه وَلم يكن من أهل الحَدِيث وَكَانَ يذهب مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ فِي أول أمره ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَب مَالك كَانَ فَقِيها فَاضلا ورعا زاهدا ولي قَضَاء طليطلة وَكَانَ يحيى بن يحيى يعجب من كَلَام زونان توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
عبد الملك ابْن مَرْوَان قَاضِي الْمَدِينَة أَبُو مُحَمَّد بن عبد العزيز بن أَحْمد الْمدنِي وَيعرف المرواني وَيعرف أَيْضا بالمالكي كَانَ من أهل الْعلم وَألف كتاب الْأَشْرِبَة وَتَحْرِيم الْمُسكر وَهُوَ كتاب الرَّد على أبي جَعْفَر الإسكافي وَسمع مِنْهُ النَّاس كثيرا مِنْهُم من أهل الأندلس أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَالْقَاضِي ابْن السَّلِيم وَأَبُو عبد الله بن مفرج وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ القَاضِي عبد الوهاب الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الملك بن سايح أَصله من قرى بجاية كَانَ من الْعلمَاء الْحفاظ عَارِفًا(1/157)
بِالْعَرَبِيَّةِ وَعبارَة الرُّؤْيَا تفقه عَنهُ فضل بن سَلمَة واستخرج من الْوَاضِحَة وَكتاب ابْن الْمَوَّاز مَا لم يكن فِي الْمُدَوَّنَة وَلَا فِي المستخرجة وَحج وَانْصَرف إِلَى الأندلس ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر وَمِنْهَا إِلَى الشَّام ورابط فِي سواحلها وَلم يزل على خير وَعبادَة إِلَى أَن توفّي رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
عبد الملك بن أَحْمد بن رستم كَانَ فَاضلا فِي مَذْهَب مَالك وَهُوَ من أهل الْإسْكَنْدَريَّة حمل الْفِقْه عَن القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الواحد بن الْمُنِير هُوَ ابْن أخي القَاضِي نَاصِر الدّين ابْن الْمُنِير وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ ابْن حَيَّان الأندلسي وَقَرَأَ الْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان على الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي الشَّافِعِي وَولي تدريس مدارس عدَّة بالإسكندرية وناب فِي الْقَضَاء عَن قَاضِي الْقُضَاة التنسي سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة غريقاً فِي بَحر النّيل وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عبد الخالق من أهل القيروان
عبد الخالق أَبُو الْقَاسِم بن شلبون هُوَ عبد الخالق بن أبي سعيد خلف تفقه بِابْن أبي هِشَام وَكَانَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فِي القيروان فِي الْفَتْوَى والتدريس بعد أبي مُحَمَّد بن أبي زيد سمع من ابْن مسرور الْحجام وَألف كتاب الْقَصْد أَرْبَعِينَ جزأ وَكَانَ يُفْتِي فِي الْأَيْمَان اللَّازِمَة بِطَلْقَة وَاحِدَة توفّي سنة إِحْدَى تسعين وَقيل سنة تسعين وثلاثمائة
عبد الخالق أَبُو الْقَاسِم السيوري من أهل إفريقية هُوَ أَبُو الْقَاسِم عبد الخالق بن عبد الوارث خَاتِمَة عُلَمَاء إفريقية وَآخر شُيُوخ القيروان ذُو الْبَيَان البديع فِي الْحِفْظ وَالْقِيَام على الْمَذْهَب والمعرفة بِخِلَاف الْعلمَاء وَكَانَ فَاضلا نظاراً زاهداً أديباً وَله تعاليق على الْمُدَوَّنَة أَخذ عَنهُ أَصْحَابه وَعَلِيهِ تفقه عبد الحميد وَاللَّخْمِيّ وبعدهم حسان ابْن الْبَرْبَرِي وَطَالَ عمره فَكَانَت وَفَاته سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بالقيروان
من اسْمه عبد العزيز من الطَّبَقَة الأولى من أهل الْمَدِينَة
عبد العزيز بن أبي حَازِم وَاسم أبي حَازِم مسلمة بن دِينَار الْفَقِيه الْأَعْرَج كنيته أَبُو حَاتِم تفقه مَعَ مَالك عَليّ ابْن هُرْمُز وَسمع أَبَاهُ وَزيد ابْن أسلم ومالكاً وَكَانَ من جملَة أَصْحَاب مَالك روى عَنهُ ابْن وهب وَابْن مهدى وَجَمَاعَة وَكَانَ صَدُوقًا ثفقة إِمَامًا فِي الْعلم وَكَانَ إِمَام النَّاس بعد مَالك وشوور مَعَه وَقَالَ مَالك فِيهِ إِنَّه لفقيه توفّي بِالْمَدِينَةِ فَجْأَة فِي سَجْدَة يَوْم الْجُمُعَة فِي الرَّوْضَة بِمَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة أَربع وَقيل خمس وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة مولده سنة سبع وَمِائَة
عبد العزيز بن عبد الرحمن يعرف بالغراب يكنى أَبَا الْأَصْبَغ روى عَن أبي بكر الْقرشِي وَأحمد بن سعيد بن حزم وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو عمر بن عبد البر وَأَبُو عبد الله الْخَولَانِيّ وَقَالَ كَانَ من أهل الْحِرْص على جمع الرِّوَايَات وَمن أهل الْفَهم والمعرفة بالأخبار للقائه الجلة من النَّاس توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة
عبد العزيز بن أبي الْقَاسِم بن حسن الربعِي التّونسِيّ الْمَعْرُوف بالدروال بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة الْعَلامَة الْفَقِيه الأصولي الصُّوفِي كَانَ فَاضلا متفنناً فِي الْعُلُوم مسناً أَخذ الْعُلُوم عَن ابْن زيتون وببجاية عَن الإِمَام أبي عَليّ نَاصِر الدّين المشذ إِلَى قدم الْقَاهِرَة فَأَقَامَ بهَا وَلم يحجّ وَبِه تفقه الفقيهان الأخوان الفاضلان برهَان الدّين إِبْرَاهِيم وشمس الدّين مُحَمَّد ابْنا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الأصفاقسيان المالكيان توفّي ركن(1/158)
الدّين الدروال بِالْقَاهِرَةِ فِي حُدُود سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَله تآليف لم أَقف على تَعْيِينهَا
من اسْمه عبد الحميد
عبد الحميد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ يكنى أَبَا مُحَمَّد فيرواني سكن سوسة أدْرك أَبَا بكر بن عبد الرحمن وَأَبا عمرَان الفاسي وتفقه بالعطار وبابن مُحرز وَأبي إِسْحَق وَكَانَ فَاضلا فَقِيها نبيلاً وَله تَعْلِيق على الْمُدَوَّنَة أكمل بِهِ الْكتب الَّتِي بقيت على التّونسِيّ وَبِه تفقه الْمَازرِيّ الْمَهْدَوِيّ وَأَبُو عَليّ بن الْبَرْبَرِي وَأَصْحَابه يفضلونه على أبي الْحسن اللَّخْمِيّ قربنه تَفْضِيلًا كثيرا توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الحميد بن أبي البركات ابْن عمرَان بن الْحُسَيْن بن أبي الدُّنْيَا الصَّدَفِي الطرابلسي أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه الْمَالِكِي تفقه بِبَلَدِهِ على ابْن الصَّابُونِي ورحل إِلَى الْمشرق مرَّتَيْنِ الأولى سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَالثَّانيَِة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فَأخذ بالاسكندرية عَن الإِمَام الْعَلامَة عبد الكريم بن عَطاء الله الجذاميت وَشَيخ الْقُرَّاء عبد الحميد الصفراوي وقاضي الْجَمَاعَة بالإسكندرية جمال الدّين أبي عبد الله بن قَائِد الربعِي وقلد قَضَاء الْجَمَاعَة بتونس وَله مصنفات جليلة توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الوهاب بن نصر الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي القَاضِي أَبُو مُحَمَّد أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب سمع أَبَا عبد الله العسكري وَأَبا حَفْص بن شاهين وَكَانَ حسن النّظر جيد الْعبارَة نظاراً ناصراً للْمَذْهَب ثِقَة حجَّة نَسِيج وَحده وفريد عصره سمع من الْأَبْهَرِيّ وَحدث عَنهُ وَأَجَازَهُ قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي المدارك وَمن قَالَ إِنَّه لم يسمع من الْأَبْهَرِيّ لم يعْتد بقوله وتفقه على كبار أَصْحَاب الأبهرى ابْن الْقصار وَابْن الْجلاب وَقيل لَهُ مَعَ من تفقهت قَالَ صبحت الْأَبْهَرِيّ وتفقهت مَعَ أبي الْحسن بن الْقصار وَأبي الْقَاسِم بن الْجلاب وَالَّذِي فتح أفواهنا وَجَعَلنَا نتكلم أَبُو بكر بن الطّيب وَولي قَضَاء الدينور وباذرايا وباكسايا من أَعمال الْعرَاق وَولي قَضَاء أسعرد وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِمصْر آخر عمره وَبهَا مَاتَ قَاضِيا قَالَ ابْن بسام فِي كتاب الذَّخِيرَة وَكَانَ القَاضِي عبد الوهاب بَقِيَّة النَّاس ولسان أَصْحَاب الْقيَاس وَبنت بِهِ بَغْدَاد كعادة الْبِلَاد بذوي فَضلهَا وعَلى حكم الْأَيَّام فِي محسني أَهلهَا فَخلع أَهلهَا وودع ماءها وظلها وَحدثت أَنه شيعه يَوْم فصل عَنْهَا من أكابرها وَأَصْحَاب محابرها جملَة موفورة وَطَوَائِف كَثِيرَة وَأَنه قَالَ لَو وجدت بَين ظهرانيكم رغيفين كل غَدَاة وَعَشِيَّة مَا عدلت ببلدكم بُلُوغ أُمْنِية وَفِي ذَلِك يَقُول ... سَلام على بَغْدَاد فِي كل موطن ... وَحقّ لَهَا مني سَلام مضاعف
فوَاللَّه مَا فارقتها عَن قلالها ... وَإِنِّي بشطي جانبيها لعارف
وَلكنهَا ضَاقَتْ عَليّ بأسرها ... وَلم تكن الأرزاق فِيهَا تساعف
وَكَانَت كخل كنت أَهْوى دنوه ... وأخلاقه تنأى بِهِ وتخالف ... ثمَّ توجه إِلَى مصر فَحمل لواءها وملأ أرْضهَا وسماءها واستتبع سادتها وكبراءها وَتَنَاهَتْ إِلَيْهِ الغرائب وانثالت فِي يَده الرغائب فَمَاتَ لأوّل مَا دَخلهَا وَولي قضاءها وَزَعَمُوا أَنه قَالَ فِي مرض مَوته لَا إِلَه إِلَّا الله لما عِشْنَا متْنا وَألف فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول تآليف كَثِيرَة مفيدة مِنْهَا كتاب النَّصْر لمَذْهَب إِمَام دَار الْهِجْرَة والمعونة لمَذْهَب عَالم الْمَدِينَة وَكتاب الْأَدِلَّة فِي مسَائِل الْخلاف وَشرح ابْن أبي زيد والممهد فِي شرح مُخْتَصر الشَّيْخ أبي مُحَمَّد(1/159)
صنع فِيهِ نَحْو نصفه وَشرح الْمُدَوَّنَة وَكتاب التَّلْقِين وَشَرحه لم يتم والإفادة فِي أصُول الْفِقْه وَالتَّلْخِيص فِي أصُول الْفِقْه وعيون الْمسَائِل فِي الْفِقْه وَكتاب أَوَائِل الْأَدِلَّة فِي مسَائِل الْخلاف والإشراف على مسَائِل الْخلاف وَكتاب الفروق فِي مسَائِل الْفِقْه وَغير ذَلِك وَله شعر حسن من ذَلِك قَوْله ... طلبت المستقر بِكُل أَرض ... فَلم أر لي بِأَرْض مُسْتَقرًّا
ونلت من الزَّمَان ونال مني ... فَكَانَ مناله حلواً وَمَرا
أَطَعْت مطامعي فاستبعدتني ... فَلَو أَنِّي قنعت لَكُنْت حرا ... وَله أَيْضا رَحْمَة الله عَلَيْهِ ... مَتى تصل العطاش إِلَى ارتواء ... إِذا استاقت الْبحار من الركايا
وَمن يثني الأصاغر عَن مُرَاد ... وَقد جلس الأكابر فِي الزوايا
وَإِن ترفع الوضعاء يَوْمًا ... على الرفعاء من إِحْدَى البلايا
إِذا اسْتَوَت الأسافل والأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا ... وَله أَيْضا غفر الله لناوله ... بَغْدَاد دَار لأهل المَال وَاسِعَة ... وللصعاليك دَار الضنك والضيق
أَصبَحت فيهم مضاعاً بَين أظهرهم ... كأنني مصحف فِي بَيت زنديق ... توفّي بِمصْر سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وقبرة قريب من قبر ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب مولده سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وثلثمائة وَكَانَ أَخُوهُ مُحَمَّد أَبُو الْحسن فَاضلا أديباً صنف كتاب الْمُفَاوضَة للْملك الْعَزِيز أبي مَنْصُور طَاهِر بن بويه توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
من اسْمه عبد السلام من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل أفريقية
عبد السلام بن سعيد سَحْنُون بن سعيد بن حبيب التنوخي صليبة من الْعَرَب أَصله شَامي من حمص وَقدم أَبوهُ سعيد فِي جند حمص قَالَ مُحَمَّد ابْنه قلت لَهُ أَنَحْنُ صليبة من تنوخ فَقَالَ لي وَمَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك فَلم أزل بِهِ حَتَّى قَالَ لي نعم وَمَا يُغني عَنْك ذَلِك من الله شَيْئا إِن لم تتقه وَسَحْنُون لقب لَهُ واسْمه عبد السلام وسمى سَحْنُون باسم طَائِر حَدِيد لحدثه فِي الْمسَائِل وَقد جمع النَّاس أَخْبَار سَحْنُون مُفْردَة ومضافة وَمِمَّنْ ألف فِيهَا تأليفاً مُفردا أَبُو الْعَرَب التَّمِيمِي وَمُحَمّد بن حَارِث الْقَرَوِي ذكر طلبه ورحلته أَخذ سَحْنُون الْعلم بالقيروان من مشايخها أبي خَارِجَة وبهلول وَعلي بن زِيَاد وَابْن أبي حسان وَابْن غَانِم وَابْن أَشْرَس وَابْن أبي كَرِيمَة وأخيه حبيب وَمُعَاوِيَة الصمادحي وَأبي زِيَاد الرعيني ورحل فِي طلب الْعلم فِي حَيَاة مَالك وَهُوَ ابْن ثَمَانِيَة عشر عَاما أَو تِسْعَة عشر وَكَانَت رحلته إِلَى ابْن زِيَاد بتونس وَقت رحْلَة ابْن بكير إِلَى مَالك قَالَ سَحْنُون كنت عِنْد ابْن الْقَاسِم وجواباته ترد عَلَيْهِ فَقيل لَهُ فَمَا مَنعك من السماع مِنْهُ قَالَ قلَّة الدارهم وَقَالَ مرّة أُخْرَى لحي الله الْفقر فلولاه لأدركت مَالِكًا فَإِن صَحَّ هَذَا فَلهُ رحلتان وَسمع من ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وطليب بن كَامِل وعبد الله بن عبد الحكم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ووكيع وعبد الرحمن بن مهْدي وَحَفْص بن غياث وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَيزِيد بن هَارُون والوليد بن مُسلم وَابْن نَافِع الصَّائِغ ومعن بن عِيسَى وَابْن الْمَاجشون ومطرف وَغَيرهم وَانْصَرف إِلَى إفريقية(1/160)
سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة قَالَ سَحْنُون سمع مني أهل أحد أَبِيه سنة إِحْدَى وَتِسْعين وفيهَا مَاتَ ابْن الْقَاسِم قَالَ وَخرجت إِلَى ابْن الْقَاسِم وَأَنا ابْن خمس وَعشْرين وقدمت إِلَى أفريقية ابْن ثَلَاثِينَ سنة وَأول من قَرَأَ عَليّ عبد الملك بن زونان قَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ سَحْنُون ثِقَة حَافِظًا للْعلم فَقِيه الْبدن اجْتمعت فِيهِ خلال قَلما اجْتمعت فِي غَيره الثِّقَة البارع والورع الصَّادِق والصرامة فِي الْحق والزهادة فِي الدُّنْيَا والتخشن فِي الملبس والمطعم والسماحة وَكَانَ لَا يقبل من السُّلْطَان شَيْئا وَرُبمَا وصل أَصْحَابه بالثلاثين دِينَارا أَو نَحْوهَا ومناقبه كَثِيرَة وَكَانَ مَعَ هَذَا رَقِيق الْقلب غزير الدمعة ظَاهر الْخُشُوع متواضعاً قَلِيل التصنع كريم الْأَخْلَاق حسن الْأَدَب سَالم الصَّدْر شَدِيدا على أهل الْبدع لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَسلم لَهُ الْإِمَامَة أهل عصره واجتمعوا على فَضله وتقديمه سُئِلَ أَشهب عَمَّن قدم إِلَيْكُم من أهل الْمغرب قَالَ سَحْنُون قيل لَهُ فأسد قَالَ سَحْنُون وَالله أفقه مِنْهُ بتسع وَتِسْعين مرّة وَقَالَ أَيْضا مَا قدم إِلَيْنَا من الْمغرب مثله وَقَالَ ابْن الْقَاسِم مَا قدم إِلَيْنَا من إفريقية مثل سَحْنُون قَالَ أَبُو زيد بن أبي الْغمر لم يقدم علينا أفقه من سَحْنُون إِلَّا أَنه قدم علينا من هُوَ أطول لِسَانا مِنْهُ يعْنى ابْن حبيب وَقَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى هُوَ سيد اهل الْمغرب فَقَالَ لَهُ حمد يس أَو لم يكن سيد أهل الْمغرب والمشرق أَخذ سَحْنُون من ابْن وهب مغازيه إجَازَة وَكَانَ الْعلم فِي صدر سَحْنُون كسورة من الْقُرْآن من حفظه وَقَالَ سَحْنُون إِنِّي حفظت هَذِه الْكتب حَتَّى صَارَت فِي صدرى كَأُمّ الْقُرْآن وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِن أسعد أحد بِهَذِهِ الْكتب لسَحْنُون وَقَالَ ابْن وضاح كَانَ سَحْنُون يروي تِسْعَة وَعشْرين سَمَاعا وَمَا رَأَيْت فِي الْفِقْه مثل سَحْنُون بالمشرق وَقَالَ ابْن(1/161)
حَارِث قدم سَحْنُون بِمذهب مَالك وَاجْتمعَ لَهُ مَعَ ذَلِك فضل الدّين وَالْعقل والورع والعفاف والانقباض فَبَارك الله فِيهِ للْمُسلمين فَمَا ات إِلَيْهِ الْوُجُوه وأحبته الْقُلُوب وَصَارَ زَمَانه كَأَنَّهُ مُبْتَدأ قد انمحى مَا قبله فَكَانَ أَصْحَابه سرج أهل القيروان وَابْنه عالمها وَأَكْثَرهم تأليفا وَابْن عَبدُوس فَقِيها وَابْن غافق عاقلها وَابْن عمر حافظها وجبلة زاهدها وحمديس أصلبهم فِي السّنة وأعداهم للبدعة وَسَعِيد بن الْحداد لسانها وفصيحها وَابْن مِسْكين أرواهم للكتب والْحَدِيث وأشدهم وقاراً وتصاوناً كل هَذِه الصِّفَات مَقْصُورَة على وقتهم قَالَ مُحَمَّد بن سَحْنُون قَالَ أبي إِذا أردْت الْحَج فاقدم طرابلس وَكَانَ فِيهَا رجال مدنيون ثمَّ مصر وفيهَا الروَاة ثمَّ الْمَدِينَة وفيهَا مَالك ثمَّ مَكَّة واجتهد جهدك فَإِن قدمت عَليّ بِلَفْظ خرجت من دماغ مَالك لَيْسَ عِنْد شيخك أَصْلهَا فَاعْلَم أَن شيخك كَانَ مفرطاً وَقَالَ سُلَيْمَان بن سَالم دخلت مصر فَرَأَيْت بهَا الْعلمَاء مستوافرين بني عبد الحكم والْحَارث بن مِسْكين وَأَبا الطَّاهِر وَأَبا إِسْحَق والبرقي وَغَيرهم وَدخلت الْمَدِينَة وَبهَا أَبُو المصعب والفروي وَدخلت مَكَّة وَبهَا ثَلَاثَة عشر مُحدثا وَدخلت غَيرهَا من الْبلدَانِ وَلَقِيت علماءها ومحدثيها فَمَا رَأَيْت مثل سَحْنُون وَابْنه بعده وَقَالَ عِيسَى بن مِسْكين سَحْنُون زاهد هَذِه الْأمة وَلم يكن بَين مَالك وَسَحْنُون أفقه من سَحْنُون وَقَالَ بَعضهم مَا رَأَيْت أحدا أهيب من سَحْنُون وَقَالَ الشِّيرَازِيّ إِلَيْهِ انْتَهَت الرِّئَاسَة فِي الْعلم بالمغرب وعَلى قَوْله الْمعول بالمغرب وصنف الْمُدَوَّنَة وَعَلَيْهَا يعْتَمد أهل القيروان وَحصل لَهُ من الْأَصْحَاب مَا لم يحصل لأحد من أَصْحَاب مَالك وَعنهُ انْتَشَر علم مَالك بالمغرب قَالَ أَبُو عَليّ بن الْبَصِير سَحْنُون فَقِيه أهل زَمَانه وَشَيخ عصره وعالم وقته قَالَ ابْن حَارِث كَانَ سَحْنُون أفضل النَّاس صاحباً وأعقل النَّاس صاحباً وأفقه النَّاس صاحباً وَكَانَت هَذِه الصِّفَات(1/162)
صِفَات سَحْنُون فخلق بهَا أَصْحَابه رَحِمهم الله تَعَالَى ذكر ولَايَته الْقَضَاء وَسيرَته ولي سَحْنُون قَضَاء أفريقية سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّة إِذْ ذَاك أَربع وَسَبْعُونَ سنة فَلم يزل قَاضِيا إِلَى أَن مَاتَ وَلما ولي الْقَضَاء دخل على ابْنَته خَدِيجَة وَكَانَت من خِيَار النِّسَاء فَقَالَ لَهَا الْيَوْم ذبح أَبوك بِغَيْر سكين فَعلم النَّاس قبُوله الْقَضَاء وَقَالَ حَدثنِي ابْن وهب وَرفع سَنَده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم المطلية الدُّنْيَا فار تحلوها فَإِنَّهَا تبلغكم الْآخِرَة وَكَانَ سَحْنُون لَا يَأْخُذ لنَفسِهِ رزقا وَلَا صلَة من السُّلْطَان فِي قَضَائِهِ كُله وَيَأْخُذ لأعوانه وَكتابه وقضاته من جِزْيَة أهل الْكتاب وَقَالَ للأمير حبست أرزاق أعواني وهم أجراؤك وَقد وفوك عَمَلك وَلَا يحل ذَلِك لَك وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطوا الْأَجِير حَقه قبل أَن يجِف عرقه وَكَانَ يضْرب الْخُصُوم إِذا أَذَى بَعضهم بَعْضًا بِكَلَام أَو تعرضوا للشُّهُود وَيَقُول إِذا تعرض للشُّهُود كَيفَ يشْهدُونَ ويؤدب الْخصم إِن طعن على الشَّاهِد بِعَيْب أَو تجريح أَو يَقُول سل لي عَن الْبَيِّنَة فَإِنَّهُم كَذَا حَتَّى يسئله عَن تجريحه وَيَقُول للخصم أَنا أغْنى بذلك مِنْك وَهُوَ عَليّ دُونك وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ الشَّاهِد ورعب مِنْهُ أعرض عَنهُ حَتَّى يتسأنس وَتذهب رَوْعَته فَإِن طَال ذَلِك بِهِ هون عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ لَيْسَ معي سَوط وَلَا عصى وَلَا عَلَيْك بَأْس أد مَا علمت ودع مَا لم تعلم وَكَانَ يُؤَدب النَّاس على الْأَيْمَان الَّتِي لَا تجوز من الطَّلَاق وَالْعِتْق حَتَّى لَا يحلفوا بِغَيْر الله عز وَجل وتخاصم إِلَيْهِ رجلَانِ صالحان من أَصْحَابه مِمَّن نظر فِي الْعلم فأقامهما وأبى أَن يسمع مِنْهُمَا وَقَالَ استرا عَنى مَا سترا الله عَلَيْكُمَا وَكَانَ يُؤَدب على الْغِشّ وينفي من الْأَسْوَاق من يسْتَحق ذَلِك وَكَانَ يجلس فِي بَيت فِي الْجَامِع بناه لنَفسِهِ إِذا رأى(1/163)
كَثْرَة النَّاس وَكَثْرَة كَلَامهم فَكَانَ لَا يحضر عِنْده غير الْخَصْمَيْنِ وَمن يشْهد بَينهمَا فِي دعواهما وَسَائِر النَّاس عَنهُ بمعزل لَا يراهم وَلَا يسمع كَلَامهم ولايشغل باله أَمرهم وَكَانَ النَّاس يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُم فِي رقاع تجْعَل بَين يَدَيْهِ ويدعوهم وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَّا أَن يَأْتِي مُضْطَر أَو ملهوف وَكَانَ كثيرا مَا يُؤَدب بلطم الْقَفَا وَلم يل قَضَاء إفريقية مثله وَقَالَ سَحْنُون لَيْسَ من السّنة أَن أَدْعُوك إِلَى طَعَام غَيْرِي وَلَو كَانَ لي لفَعَلت وَقَالَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أحب الله عبدا سلط عَلَيْهِ من يُؤْذِيه قَالَ ابْن عجلَان الأندلسي مَا بورك لأحد بعد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بورك بسحنون فِي أَصْحَابه إِنَّهُم كَانُوا بِكُل بلد أَئِمَّة قَالَ ابْن حَارِث سمعتهم يَقُولُونَ كَانَ سَحْنُون من أَيمن عَالم دخل الْمغرب كَأَن أَصْحَابه مصابيح فِي كل بلد وعدله نَحْو سَبْعمِائة رجل ظَهَرُوا بِصُحْبَتِهِ وانتفعوا بمجالسته حكم من كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ سَحْنُون لِابْنِهِ مُحَمَّد يَا بني سلم على النَّاس فَإِن ذَلِك يزرع الْمَوَدَّة وَسلم على عَدوك وداره فَإِن رَأس الْإِيمَان بِاللَّه مداراة النَّاس وَكَانَ يَقُول من لم يعْمل بِعِلْمِهِ لم يَنْفَعهُ الْعلم بل يضرّهُ وَإِنَّمَا الْعلم نور يَضَعهُ الله فِي الْقُلُوب فَإِذا عمل بِهِ نور قلبه وَإِن لم يعْمل بِهِ وَأحب الدُّنْيَا أعمى حب الدُّنْيَا قلبه وَلم ينوره الْعلم وَكَانَ يَقُول ترك الْحَلَال أفضل من جَمِيع عبادات الله تَعَالَى وَترك الْحَلَال لله أفضل من أَخذه وإنفاقه فِي طَاعَة الله تَعَالَى وَقَالَ ترك دانق مِمَّا حرم الله أفضل من سبعين ألف حجَّة تتبعها سَبْعُونَ ألف عمْرَة مبرورة متقبلة وَأفضل من سبعين ألف فرس فِي سَبِيل الله بزادها وسلاحها وَمن سبعين ألف بَدَنَة تهديها إِلَى بَيت الله الْعَتِيق وَأفضل من عتق سبعين ألف رَقَبَة مُؤمنَة من ولد إِسْمَاعِيل فَبلغ كَلَامه هَذَا عبد الجبار بن خَالِد فَقَالَ نعم وَأفضل من ملْء الأَرْض إِلَى عنان السَّمَاء ذَهَبا وَفِضة كسبت وأنفقت فِي سَبِيل الله لَا يُرَاد(1/164)
بهَا إِلَّا وَجه الله عز وَجل وَكَانَ يَقُول أنظر أبدأ الْأَمريْنِ يكون فيهم الثَّوَاب فانفلهما عَلَيْك هُوَ أفضل وَقَالَ إِذا تردد الرجل على القَاضِي ثَلَاث مَرَّات بِلَا حَاجَة فَلَا تجوز شَهَادَته وَوجه ذَلِك أَن التَّرَدُّد إِلَى القَاضِي من غير حَاجَة يكْسب الرجل مكانة عِنْد النَّاس ومنزلة يكرمونه ويهادونه لأَجلهَا لما يتوهمون من مَنْزِلَته عِنْد القَاضِي بِسَبَب تردده إِلَيْهِ فَيصير تردده سَببا لأكل المَال بِالْبَاطِلِ وَرَأى النَّاس يقبلُونَ يَد ابْن الْأَغْلَب فَقَالَ لَهُ لم تعطيهم يدك لَو كَانَ هَذَا لأجل قربك من الْجنَّة مَا سبقُونَا إِلَيْهِ وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَدفن من يَوْمه وَصلى عَلَيْهِ الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَغْلَب وَوجه إِلَيْهِ بكفن وحنوط فاحتال ابْنه مُحَمَّد حَتَّى كَفنه فِي غَيره وَتصدق بذلك وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ ثَمَانِينَ سنة ومولده سنة سِتِّينَ وَمِائَة وَيُقَال إِحْدَى وَسِتِّينَ وَقَالَ لَهُ رجل النَّاس يَقُولُونَ إِنَّك دَعَوْت الله أَن لَا يبلغك سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ مَا فعلت وَلَكِن النَّاس يَقُولُونَهُ مَا أرى أَجلي إِلَّا فِيهَا وَلما مَاتَ سَحْنُون رجت القيروان لمَوْته وحزن لَهُ النَّاس وَقَالَ سُلَيْمَان بن سَالم لقد رَأَيْت يَوْم مَاتَ سَحْنُون مَشَايِخ من الأندلس يَبْكُونَ ويضربون خدودهم كالنساء وَيَقُولُونَ يَا أَبَا سعيد ليتنا نزودنا مِنْك بنظرة نرْجِع بهَا إِلَى بلدنا وَقَالَ رجل رَأَيْت فِي النّوم رجلا صعد إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ثمَّ من السَّمَاء حَتَّى صَار تَحت الْعَرْش فَقيل يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا سَحْنُون فَقَالَ وَفِي أَولهَا رَأَيْت بَابا فتح فِي السَّمَاء وَنُودِيَ بسحنون فَأتي بِهِ فَصَعدَ وَقَالَ آخر رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقبوراً وَالنَّاس يجْعَلُونَ على قَبره التُّرَاب وَسَحْنُون ينبشه فَقَالَ قل لسَحْنُون هم يدفنون سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت تحييها وَقَالَ عبد الملك بن الخشاب الأندلسي وَكَانَ ثِقَة رَأَيْت فِي الْمَنَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/165)
يمشى فِي طَرِيق وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ خَلفه وَعمر رَضِي الله عَنهُ خلف أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَمَالك خلف عمر رَضِي الله عَنهُ وَسَحْنُون خلف مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى قَالَ ابْن فضل فَذَكرتهَا لسَحْنُون فسر بذلك قَالَ ابْن حَارِث أَقَامَ سؤدد الْعلم فِي دَار سَحْنُون نَحْو مائَة عَام وَثَلَاثِينَ عَاما من ابْتِدَاء طلب سَحْنُون وأخيه إِلَى موت ابْن ابْنه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَحْنُون وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت فِي شَأْن سَحْنُون قبل مَوته رُؤْيا قصصتها على معبر يُقَال لَهُ ابْن عِيَاض فَقَالَ لَهُ هَذَا الرجل يَمُوت على السّنة رحمهمَا الله تَعَالَى
من اسْمه عبد الحكم من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل مصر
عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم أَبُو عُثْمَان أكبر بني عبد الله بن عبد الحكم وهم عبد الحكم هَذَا وعبد الرحمن وَسعد وَمُحَمّد وَلم يكن فيهم أفقه من عبد الحكم وَلَا أَجود خطا وَكَانَ خيرا فَاضلا لَهُ سَماع كثير من أَبِيه وَابْن وهب وَغَيرهمَا من رُوَاة مَالك وَكَانَ من أكَابِر أَصْحَاب ابْن وهب وَلم يكن فِي أَصْحَاب ابْن وهب أتقى مِنْهُ وَلَا أَجود خطا حدث عَنهُ الرَّمَادِي وَتُوفِّي بِمصْر فِي سجن يزِيد التركي وعذابه سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل إِن موت عبد الحكم إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب المحنة فِي الْقُرْآن وَأَنه دخن عَلَيْهِ بالكبريت حَتَّى مَاتَ وَأَنه لم يرجع فَضرب نَحْو ثَلَاثِينَ سَوْطًا فِي غلالة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الْأَفْرَاد عبد الحكيم بن أبي الْحسن بن عبد الملك بن يحيى
أَصله من قطر مراكش كَانَ من أهل الْمعرفَة بالفقه وأصوله على طَريقَة الْمُتَأَخِّرين وَكَانَ كِتَابه المعالم لِابْنِ الْخَطِيب وَثَبت اسْمه فِي عَائِد الصِّلَة لِابْنِ الْخَطِيب الأندلسي بِمَا نَصبه الشَّيْخ الْأُسْتَاذ القَاضِي يكنى أَبَا مُحَمَّد كَانَ رَحمَه الله من أهل الْعلم بالفقه وَالْقِيَام على الْأَصْلَيْنِ صَحِيح الْبَاطِن سليم الصَّدْر من أهل الدّين والأصالة بَث فِي الأندلس علم أصُول(1/166)
الْفِقْه وانتفع بِهِ وَتصرف فِي الْقَضَاء فِي جِهَات قَرَأَ على أبي عَليّ نَاصِر الدّين المشذالي وَغَيره من الْعلمَاء وَألف الْمعَانِي المبتكرة الفكرية فِي تَرْتِيب المعالم الْفِقْهِيَّة والإيجاز فِي دلَالَة الْمجَاز ونصرة الْحق ورد الْبَاغِي فِي مسئلة الصَّدَقَة بِبَعْض الْأُضْحِية والكراس المرسوم بالمباحث البديعة فِي مُقْتَضى الْأَمر من الشَّرِيعَة توفّي فِي عَام ثَلَاثَة وَعشْرين وَسَبْعمائة
عبد الكريم ابْن عَطاء الله هُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الكريم بن عَطاء الله الإسكندري كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية اختصر التَّهْذِيب اختصاراً حسنا وَاخْتصرَ الْمفصل للزمخشرى وَكَانَ رفقيا للشَّيْخ أبي عَمْرو بن الْحَاجِب فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أبي الْحسن الأبياري وتفقها عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَب وَألف الْبَيَان والتقريب فِي شرح التَّهْذِيب وَهُوَ كتاب كَبِير جمع فِيهِ علوما جمة وفوائد غزيرة وأقوالاً غَرِيبَة نَحْو سبع مجلدات وَلم يكمل وَمن المدارك من الْأَسْمَاء المتفرقة من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل مصر
عبد الغنى أَبُو مُحَمَّد بن عبد العزيز ابْن سَلام الْمَعْرُوف بالعسال ورى عَن ابْن وهب وَابْن عُيَيْنَة وَكَانَ حَافِظًا فَقِيها مفتياً مَذْكُورا فِي فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة توفّي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن السَّادِسَة من أفريقية
عبد الوارث أَبُو الْأَزْهَر بن حسن بن أَحْمد بن معتب بن أبي الْأَزْهَر كَانَ بَيت معتب بَيت علم بالقيروان وَكَانَ من الْأَئِمَّة الراسخين ذَا فقه بارع وَعلم بالأصول مجوداً للوثائق وَالْأَحْكَام وَعلم الْقَضَاء منور الْوَجْه جميل الشيبة متواضعا قَالَ ابْن أبي زيد مَا بإفريقية أفقه من أبي الْأَزْهَر إِنَّمَا قطع بِهِ قلَّة دُنْيَاهُ صحب أَبَا بكر بن اللباد وَأَبا عبد الله بن مسرور وَكَانَ عيشه من الوثائق قَالَ ابْن حَارِث أَبُو الْأَزْهَر هَذَا حَافظ فَقِيه موثق كَانَ مِمَّن يتخلق بِجَامِع القيروان(1/167)
مَعَ ابْن أبي زيد وَابْن هِشَام وَغَيرهمَا توفّي سنة إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة
وَمن الْأَسْمَاء المتفرقة من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أهل أفريقية
عَنْبَسَة أَبُو خَارِجَة بن خَارِجَة الغافقي من أنفسهم سمع من مَالك وَالثَّوْري وَابْن عُيَيْنَة وَله سَماع مدون من مَالك كَانَ شَيخا صَالحا عَالما باخْتلَاف الْعلمَاء وَأكْثر اعْتِمَاده على مَالك متفنناً فِي الْعُلُوم من الحَدِيث وَالْفِقْه والعبارة والعربية وَغير ذَلِك سمع مِنْهُ نظراؤه بإفريقية البهلول بن رَاشد وَغَيره وَكَانَ سَحْنُون يجله وَيعرف حَقه وَإِذا سُئِلَ بِحَضْرَتِهِ أحَال عَلَيْهِ وَكَانَ أسن من سَحْنُون وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون رجل صَالح مستجاب الدعْوَة ويحكى عَنهُ عجائب من الْأَخْبَار وَالْوَصْف مَا لم يكن فَيكون وَالله أعلم لما كَانَ منطوياً عَلَيْهِ من الصّلاح فَيجْرِي الله الْحق على لِسَانه فينطق بِهِ وَمن حكمه ثَلَاثَة من أَعْلَام الْإِحْسَان كظم الغيظ وَحفظ الْغَيْب وَستر الْعَيْب وَمن عجائبه أَنه بنى مَسْجِدا عَظِيما فِيهِ نَحْو عشْرين سَارِيَة عظاماً فَقَالُوا لَهُ من يرفع هَذِه السَّوَارِي قَالَ الَّذِي خلقهَا فَأَصْبَحت السَّوَارِي مَرْفُوعَة ورؤسها عَلَيْهَا وَأصَاب النَّاس بصفافس قحط فَخرج بهم أَبُو خَارِجَة واستسقى فَمَا انصرفوا حَتَّى سقوا وَتُوفِّي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى وَله سِتّ وَثَمَانُونَ سنة
القَاضِي عِيَاض هُوَ أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض بن عمرون بن مُوسَى بن عِيَاض بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى بن عِيَاض الْيحصبِي الإِمَام الْعَلامَة يكنى أَبَا الْفضل سبتي الدَّار والميلاد أندلسي الأَصْل قَالَ وَلَده مُحَمَّد كَانَ أجدادنا فِي الْقَدِيم بالأندلس ثمَّ انتقلوا مَدِينَة فاس وَكَانَ لَهُم اسْتِقْرَار بالقيروان لَا أَدْرِي قبل حلولهم بالأندلس أَو بعد ذَلِك وانتقل عمرون إِلَى سبتة بعد سُكْنى فاس كَانَ القَاضِي أَبُو الْفضل إِمَام وقته فِي الحَدِيث وعلومه عَالما بالتفسير وَجَمِيع علومه فَقِيها أصولياً عَالما بالنحو واللغة وَكَلَام الْعَرَب وأيامهم(1/168)
وانسابهم بَصيرًا بِالْأَحْكَامِ عاقدا للشروط بَصيرًا حَافِظًا لمَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى شَاعِرًا مجيدا ريانا من علم الْأَدَب خَطِيبًا بليغاً صبوراً حَلِيمًا جميل الْعشْرَة جوادا سَمحا كثير الصَّدَقَة دؤبا على الْعَمَل صلبا فِي الْحق رجل إِلَى الأندلس سنة سبع وَخَمْسمِائة طَالبا للْعلم فَأخذ بقرطبه عَن القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حميد وَأبي الْحُسَيْن بن سراج وَعَن أبي مُحَمَّد ابْن عتاب وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَليّ الغساني وَأخذ بالمشرق عَن القَاضِي أبي عَليّ حُسَيْن بن مُحَمَّد الصَّدَفِي وَغَيره وعني بلقاء الشُّيُوخ وَالْأَخْذ عَنْهُم وَأخذ عَن أبي عبد الله المازي كتب إِلَيْهِ يستجيزه وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو بكر الطرطوشي وَمن شُيُوخه القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن رشد قَالَ صَاحب الصِّلَة البشكوالية وَأَظنهُ سمع من أبي زيد وَقد اجْتمع لَهُ من الشُّيُوخ بَين من سمع مِنْهُ وَبَين من أجَاز لَهُ مائَة شيخ وَذكر وَلَده مُحَمَّد مِنْهُم أَحْمد بن بَقِي وَأحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَكْحُول وَأَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد السلَفِي وَالْحسن بن مُحَمَّد بن سكرة وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَالْحسن بن عَليّ بن طريف وَخلف بن إِبْرَاهِيم بن النّحاس وَمُحَمّد بن أَحْمد بن الْحَاج الْقُرْطُبِيّ وعبد الله بن مُحَمَّد الْخُشَنِي وعبد الله بن مُحَمَّد البطليوسي وعبد الرحمن بن بَقِي بن مخلد وعبد الرحمن بن بن الْعَجُوز وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم قَالَ صَاحب الصِّلَة وَجمع من الحَدِيث كثيرا وَله عناية كَبِيرَة بِهِ واهتمام بجمعه وتقييده وَهُوَ من أهل التفنن فِي الْعلم واليقظة والفهم وَبعد عوده من الأندلس أَجله أهل سبتة للمناظرة عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة أَو نَيف عَنْهَا ثمَّ أَجْلِس للشورى ثمَّ ولي قَضَاء بلد مُدَّة طَوِيلَة حمدت سيرته فِيهَا ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء غرناطة فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَلم يطلّ أمره بهَا ثمَّ ولي قَضَاء سبتة(1/169)
ثَانِيًا قَالَ صَاحب الصِّلَة وَقدم علينا قرطبة فأخذنا عَنهُ بعض مَا عِنْده قَالَ ابْن الْخَطِيب وَبنى الزِّيَادَة الغريبة فِي الْجَامِع الْأَعْظَم وَبنى فِي جبل المينا الرَّاتِبَة الشهيرة وَعظم صيته وَلما ظهر أَمر الْمُوَحِّدين بادرا إِلَى الْمُسَابقَة بِالدُّخُولِ فِي طاعتهم ورحل إِلَى لِقَاء أَمِيرهمْ بِمَدِينَة سلا فأجزل صلته وَأوجب بره إِلَى اضْطَرَبَتْ أُمُور الْمُوَحِّدين عَام ثَلَاثَة وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فتلاشت حَاله وَلحق بمراكش مشرد أَنه عَن وَطنه فَكَانَت بهَا وَفَاته وَله التصانيف الْمقيدَة البديعة مِنْهَا إِكْمَال الْعلم فِي شرح صَحِيح مُسلم ومناه كتاب الشفا بتعريف حُقُوق الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبدع فِيهِ كل الإبداع وَسلم لَهُ اكفاؤه وكفاءته فِيهِ وَلم ينازعه أحد من الِانْفِرَاد بِهِ وَلَا أَنْكَرُوا مزية السَّبق إِلَيْهِ بل تشوفوا للوقوف عَلَيْهِ وأنصفوا فِي الاستفادة مِنْهُ وَحمله النَّاس عَنهُ وطارت نسخه شرقاً وغرباً وَكتاب مَشَارِق الْأَنْوَار فِي تَفْسِير غَرِيب حَدِيث الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَضبط الْأَلْفَاظ والتنبيه على مَوَاضِع الأوهام والتصحيفات وَضبط أَسمَاء الرِّجَال وَهُوَ كتاب لَو كتب بِالذَّهَب أَو وزن بالجوهر لَكَانَ قَلِيلا فِي حَقه وَفِيه أنْشد بَعضهم ... مَشَارِق أنوار تبدت بسبتة ... وَمن عجب كَون الْمَشَارِق بالغرب ... وَكتاب التَّنْبِيهَات المستنبطة على الْكتب الْمُدَوَّنَة جمع فِيهِ غرائب من ضبط الْأَلْفَاظ وتخرير الْمسَائِل وَكتاب تَرْتِيب المدارك وتقريب المسالك لمعْرِفَة أَعْلَام مَذْهَب مَالك وَكتاب الْإِعْلَام بحدود قَوَاعِد الْإِسْلَام وَكتاب الإلماع فِي ضبط الرِّوَايَة وَتَقْيِيد السماع وَكتاب بغية الرائد لما تضمنه حَدِيث أم زرع من الْفَوَائِد وَكتاب الْغَنِيمَة فِي شُيُوخه وَكتاب الْعَجم فِي شُيُوخ ابْن سكرة وَكتاب نظم الْبُرْهَان على حجَّة جزم الاذان وَكتاب مسئلة الْأَهْل الْمَشْرُوط بَينهم(1/170)
التزاور وَمِمَّا لم يكلمهُ الْمَقَاصِد الحسان فِيمَا يلْزم الْإِنْسَان وَكتاب الْعُيُون السِّتَّة فِي أَخْبَار سبتة وَكتاب غنية الْكَاتِب وبغية الطَّالِب فِي الصُّدُور والترسل وَكتاب الْأَجْوِبَة المحبرة على الأسئلة المتخيرة وَكتاب أجوبة القرطبيين وَكتاب أجوبته عَمَّا نزل فِي أَيَّام قَضَائِهِ من نَوَازِل الْأَحْكَام فِي سفر وَكتاب سر السراة فِي أدب الْقُضَاة وَكتاب خطبه وَكَانَ لَا يخْطب إِلَّا بإنشائه وَله شعر كثير حسن رائق فَمِنْهُ قَوْله ... يَا من تحمل عَنى غير مكثرث ... لكنه للضنا والسقم أوصى بِي
تَرَكتنِي مستهام الْقلب ذَا حرق ... أَخا جوى وتباريح وأوصابى
أراقب النَّجْم فِي جنح الدجا سمرا ... كأننى راصد للنجم أوصابي ... وَله رَحمَه الله تَعَالَى ... الله يعلم أَنِّي مُنْذُ لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين
فَلَو قدرت ركبت الرّيح نحوكم ... فَإِن بعدكم عني جنى حِين ... وَله من أَبْيَات ... إِن الْبَخِيل بلحظه أَو لَفظه ... أَو عطفه أَو رفقه لبخيل ... وَله فِي خامات الزَّرْع بَينهَا شقائق النُّعْمَان هبت عَلَيْهَا ريَاح ... أنظر إِلَى الزَّرْع وخامته ... تحكي وَقد ماست أَمَام الرِّيَاح
كَتِيبَة خضراء مهزومة ... شقائق النُّعْمَان فِيهَا جراح ... وَله غير ذَلِك كَانَ مولد القَاضِي عِيَاض بسبتة فِي شهر شعْبَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بمراكش فِي شهر جُمَادَى الْأَخِيرَة وَقيل فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة(1/171)
وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً سمه يَهُودِيّ وَدفن رَحمَه الله تَعَالَى بِبَاب إيلان دَاخل الْمَدِينَة وعياض بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعد الْألف ضاد مُعْجمَة واليحصبي بِفَتْح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتحهَا وَكسرهَا وَبعدهَا يَاء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى يحصب بن مَالك قَبيلَة من حمير وسبتة مَدِينَة مَشْهُورَة وغرناطة مَدِينَة الأندلس وَهِي بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة ثمَّ نون مَفْتُوحَة بعْدهَا ألف وَبعد الْألف طاء مُهْملَة ثمَّ هَاء وَيُقَال فِيهَا إغرناطة بِأَلف قبل الْغَيْن
عِيَاض بن مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُوسَى حفيد القَاضِي أبي الْفضل يكنى أَبَا الْفضل كَانَ من جلة الطّلبَة ودوى الْمُشَاركَة فِي فنون من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَغَيرهَا فصيحاً لسناً شَاعِرًا مفوهاً مقداماً مَوْصُوفا بجزالة امتحن بِسَبَبِهَا وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير التَّوَاضُع فَاضل الْأَخْلَاق مُعظما عِنْد الْمُلُوك مشاراً إِلَيْهِ جليل الفدر دخل الأندلس أَيَّام قَضَاء أَبِيه بغرناطة وَأخذ عَن أهل قرطبة وإشبيلية وَاسْتقر أخيراً بمالقة وتأهل بهَا أصُول أَمْلَاك روى عَن أبي عبد الله أَبِيه وَأبي بكر بن الْحداد القَاضِي وَأبي الْقَاسِم بن بشكوال وَابْن حُبَيْش وَابْن حميد روى عَنهُ ابْنه أَبُو عبد الله قَاضِي الْجَمَاعَة وَأَبُو الْعَبَّاس بن فرتون وَغَيرهم مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بمالقة سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
عبد الأعلى أَبُو مسْهر بن مسْهر بن عبد الأعلى بن مسْهر الغساني الدِّمَشْقِي روى عَن مَالك الْمُوَطَّأ وَغَيره من الْمسَائِل والْحَدِيث الْكثير وَقَرَأَ الْقُرْآن على نَافِع وَأَيوب بن تَمِيم روى عَنهُ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَأَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام قَالَ ابْن مفرج أَبُو مسْهر سيد أهل الشَّام وفقيههم وعابدهم هُوَ ثِقَة وَرجعت الْإِمَامَة بعد ابْن ذكْوَان فِي الْقِرَاءَة إِلَى ابْن مسْهر وَسُئِلَ أَبُو مسْهر عَن أَحَادِيث بَقِيَّة فَقَالَ احْذَرُوا أَحَادِيث بَقِيَّة فَإِنَّهَا غير تقية روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو(1/172)
دَاوُد وَهُوَ ثِقَة قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ إِمَام وَقد خرج عَنهُ البُخَارِيّ قَالَ ابْن وضاح كَانَ فَاضلا ثِقَة وَكَانَ يترنم بقول الشَّاعِر ... يسر الْفَتى مَا كَانَ قدم من تفي ... إِذا نزل الدَّاء الَّذِي هُوَ قَاتله ...
عبد الأعلى أَبُو وهب بن وهب بن عبد الرحمن مولى قُرَيْش قرطبي من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم يرو مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من الأندلس سمع من يحيى بن يحيى ورحل إِلَى الْمشرق فَسمع من مطرف بن عبد الله بِالْمَدِينَةِ وَمن أصبغ وَعلي بن معبد بِمصْر وَمن سَحْنُون بإفريقية وَانْصَرف إِلَى الأندلس فشوور بقرطبة مَعَ الشُّيُوخ يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وعبد الملك بن حبيب وَأصبغ بن خَلِيل وَسمع مِنْهُ ابْن لبَابَة وَصَحبه كثيرا وَسمع مِنْهُ ابْن وضاح وَكَانَ رجلا حَافِظًا للرأي مشاركاً فِي علم النَّحْو واللغة متديناً زاهداً وَلم تكن لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ وَكَانَ يزن بِالْقدرِ وطالع كتب الْمُعْتَزلَة وَكَانَ يحيى بن يحيى وَابْن حبيب وَإِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن عَاصِم يطعنون عَلَيْهِ بذلك أَشد الطعْن توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة
عبد الأعلى أَبُو المعلي بن مُعلى الْخَولَانِيّ من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من الأندلس البيري أَخذ عَن ابْن مزين والمغامي وَعُثْمَان بن أَيُّوب وَهُوَ أَعلَى رُوَاة المغامي من أضبط أهل زَمَانه وَهُوَ أَعلَى الصَّدْر الثَّانِي من رجال عبد الملك من أزهدهم وأورعهم وأرضاهم عِنْد الْخَاصَّة والعامة عني بِسَمَاع كثير وَاسْتولى على الْحِفْظ للمسائل ثمَّ انْفَرد بِعبَادة ربه عز وَجل ورحل إِلَى بجاية وَكَانَ المغامي يحِيل على كتبه لِثِقَتِهِ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ فَوق مُحَمَّد بن فطيس فِي كل شَيْء وَابْن فطيس أَعلَى من بعده وَأدْركَ ابْن حبيب وَلم يَأْخُذ عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الْوَدُود بن سُلَيْمَان من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل الأندلس قرطبي سمع من أصبغ روى الْعُتْبِي عَنهُ سَمَاعه من(1/173)
أصبغ وَأدْخلهُ فِي المستخرجة حَافِظًا للمسائل معدوداً فِي عُلَمَاء هَذِه الطَّبَقَة رحالا صَالحا
عبد الحق بن مُحَمَّد بن هَارُون السَّهْمِي الْقرشِي أَبُو مُحَمَّد من أهل صقلية تفقه بالشيوخ الْقرَوِيين كَأبي بكر بن عبد الرحمن وَأَبُو عمرَان الفاسي وعبد الله بن الأجداني وَحج فلقي القَاضِي عبد الوهاب وَأَبا ذَر الْهَرَوِيّ وَحج أُخْرَى بعد أَن أسن وَكبر وَبعد صيته فلقي بِمَكَّة إِذْ ذَاك إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِي فباحثه عَن أَشْيَاء وَسَأَلَهُ عَن مسَائِل أَجَابَهُ عَنْهَا أَبُو الْمَعَالِي هِيَ مَشْهُورَة بأيدى النَّاس وَكَانَ عبد الحق يعرف فَضله وَيَقُول لَوْلَا كبر سني مَا فَارَقت عتبَة بَابه وَكَانَ عبد الحق مليح التَّأْلِيف ألف كتاب النكت والفروق لمسائل الْمُدَوَّنَة وَهُوَ من أول مَا ألف وَهُوَ كتاب مُفِيد عِنْد السارين من حذاق الطّلبَة وَيُقَال إِنَّه نَدم بعد ذَلِك على تأليفه وَرجع عَن كثير من اختياراته وتعليلاته واستدرك كثيرا من كَلَامه فِيهِ وَقَالَ لَو قدرت على جمعه وإخفائه لفَعَلت وَألف أَيْضا كِتَابه الْكَبِير الْمُسَمّى بتهذيب الطَّالِب وَله اسْتِدْرَاك على مُخْتَصر البرادعي وَله عقيدة رويت عَنهُ وَله جُزْء فِي بسط أَلْفَاظ الْمُدَوَّنَة وَتُوفِّي بالإسكندرية سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الحق بن غَالب بن عبد الرحمن بن عبد الرؤف بن تَمام بن عَطِيَّة بن خَالِد بن عَطِيَّة بن خَالِد بن خفاف بن أسلم بن مكرم الْمحَاربي يكنى أَبَا مُحَمَّد من ولد زيد بن محَارب بن حَفْصَة من قيس غيلَان من مُضر وَرَأَيْت بِخَط شَيخنَا عفيف الدّين فِيمَا نَقله من تَارِيخ إلبيرة عَن القَاضِي مطرف بن عِيسَى خصفة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة ضبطا خطيا وَالَّذِي فِي الْإِحَاطَة حفظَة كَمَا ضَبطه بالخط وَالله تَعَالَى أعلم نزل جده عَطِيَّة بن خفاف بقرية قنينلة من راوية غرناطة فأنسل كثيرا لَهُم قدر وَفِيهِمْ فضل كَانَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الحق فَقِيها عَالما بالتفسير وَالْأَحْكَام والْحَدِيث وَالْفِقْه والنحو واللغة وَالْأَدب مُقَيّدا(1/174)
حسن التَّقْيِيد لَهُ نظم ونثر ولي الْقَضَاء بِمَدِينَة المرية وَكَانَ غَايَة فِي الدهاء والذكاء والتهمم بِالْعلمِ سري الهمة فِي اقتناء الْكتب وَلما ولي توخى الْحق وَعدل فِي الحكم وأعز الخطة روى عَن الْحَافِظ أَبِيه وَأبي عَليّ الغساني والصدفي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن فرج مولى الطلاع وَأبي الْمطرف الشّعبِيّ وَأبي الْقَاسِم بن أبي الْخِصَال المَقْبُري وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عُثْمَان بن مَكْحُول وَأبي الْقَاسِم الْحسن بن عمر الْهَوْزَنِي وَأبي بكر عبد الباقي بن مُحَمَّد الْحِجَازِي وَابْن نزاز وَأبي مُحَمَّد عبد الواحد بن عِيسَى الْهَمدَانِي وَغَيرهم من الجلة كثير تَركتهم اخْتِصَار وَألف كِتَابه الْمُسَمّى بالوجيز فِي التَّفْسِير وَأحسن فِيهِ وأبدع وطار بِحسن نِيَّته كل مطار وَألف برنامجاً ضمنه مروياته وَأَسْمَاء شُيُوخه وحرر وأجاد وَله شعر حسن روى عَنهُ أَبُو بكر بن ابْن أبي حَمْزَة وَأَبُو مُحَمَّد عبيد الله وَأَبُو الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأَبُو جفعر بن مُضِيّ وَغَيرهم مولده سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِمَدِينَة لورقة قصد مرسية يتَوَلَّى قضاءها فصد عَن دُخُولهَا وَصرف مِنْهَا إِلَى الورقة اعْتدى عَلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى ووالده أَبُو بكر غَالب الإِمَام الْحَافِظ الْعَالم رَحل إِلَى الْمشرق سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فلقي بالمرية أَبَا مُحَمَّد عبد الجبار بن عَليّ بن سُلَيْمَان بن أبي قُحَافَة وَسمع عَلَيْهِ وَلَقي بِمَكَّة أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي نزيل مَكَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَسمع كثيرا ثمَّ حج سنة تسعين وَرجع سنة إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى الأندلس فروى عَن أبي عَليّ الجياني الغساني الْحَافِظ ومولد أبي بكر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة ذكر ذَلِك وَلَده القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الحق بن عَطِيَّة
عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حُسَيْن بن سعيد الْأَزْدِيّ أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي وَيعرف بِابْن الْخَرَّاط روى عَن أبي الْحسن شُرَيْح وَابْن(1/175)
برجان وَأبي حَفْص عمر بن أَيُّوب وَأبي بكر بن مديد وَأبي الْحسن طَارق وطاهر بن عَطِيَّة وَكتب إِلَيْهِ مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَغَيره نزل بجاية عِنْد الْفِتْنَة الْوَاقِعَة بالأندلس عِنْد انْقِرَاض الدولة اللمتونية فنشر بهَا علمه وصنف وَولى الْخطْبَة وَالصَّلَاة بجامها وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا عَالما بِالْحَدِيثِ وَعلله عَارِفًا بِالرِّجَالِ مَوْصُوفا بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح والزهد والورع وَلُزُوم السّنة والتقلل من الدُّنْيَا مشاركا فِي فنون فِي الْأَدَب وَقَول الشّعْر وصنف فِي الْأَحْكَام نسختين كبرى وصغرى سبقه إِلَى مثل ذَلِك أَبُو الْعَبَّاس بن أبي مَرْوَان الشهير بليلة فحظي هُوَ دون أبي الْعَبَّاس وَله الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ وَكتاب فِي الْجمع بَين المصنفات السِّتَّة وَكتاب فِي المعتل من الحَدِيث وَكتاب فِي الرَّقَائِق ومصنفات أخر وَله فِي اللُّغَة كتاب حافل ضاهى بِهِ كتاب الغريبين للهروي أبي عبيد ولد سنة عشر وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي ببجاية بعد محنة نالته من قبل الْوُلَاة فِي ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَله رَحمَه الله تَعَالَى ... إِن فِي الْمَوْت والمعاد لشغلاً ... وادكاراً لذِي النهى وبلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا ... صِحَة الْجِسْم يَا أخي والفراغا ... انْتهى من كَلَام الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي عبد الله ابْن أبي بكر الْقُضَاعِي البلنسي الْكَاتِب الْأَبَّار وَمن جملَة تآليفه مَا نَقله مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن خلف بن يُوسُف الْأنْصَارِيّ عَن الْمُؤلف إملاء مِنْهُ عَلَيْهِ قَالَ بعد أَن ذكر مَا تقدم ذكره وَكتاب المرشد تضمن حَدِيث مُسلم كُله وَمَا زَاد البُخَارِيّ على مُسلم وأضاف إِلَى ذَلِك أَحَادِيث حسانا وصحاحاً من كتاب أبي دَاوُد وَكتاب النَّسَائِيّ وَكتاب التِّرْمِذِيّ وَغير ذَلِك وَمَا وَقع فِي الْمُوَطَّأ مِمَّا لَيْسَ فِي مُسلم وَالْبُخَارِيّ وَهُوَ أكبر من صَحِيح مُسلم وَكتاب الْجَامِع الْكَبِير فِي الحَدِيث ومقصوده فِيهِ(1/176)
الْكتب السِّتَّة وأضاف إِلَيْهِ كثيرا من مُسْند الْبَزَّار وَغَيره مِنْهُ صَحِيح ومعتل تكلم على علله وَنهب مِنْهُ فِي دخلة الْبَلَد فِي الْفِتْنَة وَكتاب بَيَان الحَدِيث وَهُوَ قدر صَحِيح مُسلم وَقد تقدم ذكره وَذكر جَامع الْكتب السِّتَّة وَنهب مِنْهُ أَيْضا فِي الدخلة الْمَذْكُورَة وَكتاب التَّوْبَة فِي سفرين ومعجزات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر ومقالة الْفقر والغنى وَكتاب الصَّلَاة والتهجد فِي سفر وَكتاب الْعَاقِبَة تضمن ذكر الْمَوْت وَمَا بعده وَكتاب تلقين الْوَلِيد فِي الحَدِيث سفر صَغِير وَكتاب الْمُنِير وَتقدم اسْمه وَكتاب الرَّقَائِق والأنيس فِي الْأَمْثَال والمواعظ وَالْحكم والآداب من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّالِحِينَ ومختصر كتاب الرشاطي فِي الْأَنْسَاب من الْقَبَائِل والبلاد وَهُوَ فِي سفرين ومختصر كتاب الْكِفَايَة فِي علم الرِّوَايَة وَكتاب فضل الْحَج والزيارة وَكتاب الواعي فِي اللُّغَة وَتقدم ذكره وَهُوَ نَحْو خَمْسَة وَعشْرين سفرا تغمده الله تَعَالَى برحمته
عبد الواحد أَبُو مُحَمَّد بن شرف الدّين بن الْمُنِير هُوَ ابْن أخي القَاضِي نَاصِر الدّين بن الْمُنِير كَانَ هَذَا الرجل شيخ ثغر الْإسْكَنْدَريَّة يلقب بعز الْقُضَاة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا أديباً وَعمر وانتفع النَّاس بِهِ أَخذ الْفِقْه عَن عميه نَاصِر الدّين وزين الدّين وَجمع تَفْسِيرا حسنا فِي عشر مجلدات وَهُوَ يقْرَأ فِي المواعيد إِلَى الْآن وَله ديوَان مدح فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنْشد عز الْقُضَاة لنَفسِهِ ... أَلا فاسألوا فِي الْفضل من كَانَ بارعاً ... وَفِي الْعلم أفنى عمره باشتغاله
عَن الْمَرْء يُوصي قَاصِدا وَجه ربه ... لزيد بِمَا سَمَّاهُ من ثلث مَاله
فَإِن يكن الْمُوصى لَهُ متمولاً ... دفعنَا لَهُ الْمُوصى بِهِ بِكَمَالِهِ
وَإِن يَك ذَا قل وفقر وفاقة ... حرمناه ذَاك المَال فارث لحاله ...(1/177)
.. أيحرم ذَا فقر ويعطاه ذَا غنى ... لعمرك مَا رزق الْفَتى باحتياله
فَلَا تعتمد إِلَّا على الله وَحده ... وَلَا تستند إِلَّا لعز جَلَاله ... توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة مولده سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة ذكر ذَلِك شهَاب الدّين أَحْمد بن هِلَال صاحبنا رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الواحد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن سداد الشهير بالمالقي كَانَ فَقِيها نحوياً أصولياً حسن التَّعْلِيم نَافِعًا منجبا مُنْقَطع القرين فِي الدّين المتين وَالصَّلَاح والتواضع وَحسن الْخلق سمع من أبي عمر وعبد الرحمن بن حوط الله وَغَيره من الْمَشَايِخ وَله تآليف فِي القراآت وَالْفِقْه وَشرح التَّفْسِير وَله شعر توفّي فِي عَام خَمْسَة وَسَبْعمائة
من اسْمه عِيسَى من الطَّبَقَة الأولى مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من الأندلس
عِيسَى بن دِينَار أَخُو عبد الرحمن ويكنى أَبَا مُحَمَّد رَحل فَسمع من ابْن الْقَاسِم وَصَحبه وعول عَلَيْهِ وَانْصَرف إِلَى الأندلس وَكَانَت الْفتيا تَدور عَلَيْهِ لَا يتقدمه فِي وقته أحد فِي قرطبة وَكَانَت لَهُ فِيهَا رياسة بعد انْصِرَافه من الْمشرق وَكَانَ ابْن الْقَاسِم يعظمه ويجله ويصفه بالفقه والورع وَكَانَ لَا يعد فِي الأندلس أفقه مِنْهُ فِي نظرائه قَالَ الرَّازِيّ كَانَ عِيسَى عَالما زاهداً متفنناً حج حجات وَولي قَضَاء طليطلة للْحكم والشوري بقرطبة وَقَالَ ابْن أَيمن هُوَ الَّذِي علم لأهل مصرنا الْمسَائِل وَكَانَ أفقه من يحيى بن يحيى على جلالة يحيى وَعظم قدره وَقَالَ ابْن مزين وَابْن لبَابَة فَقِيه الأندلس عِيسَى وَقَالَ أَبُو عمر الصَّدَفِي هُوَ من أهل النّظر وَالْفِقْه التَّام والورع قَالَ ابْن حَارِث كَانَ عِيسَى فَقِيها بارعاً غير مدافع من مُتَقَدِّمي الْعلمَاء بالأندلس خيرا فَاضلا عابداً ناسكاً ورعاً من أهل الْعلم وَالْعَمَل والخشية مجاب الدعْوَة صلى الصُّبْح بِوضُوء الْعَتَمَة أَرْبَعِينَ سنة وشيعه ابْن الْقَاسِم عِنْد انْصِرَافه عَنهُ ثَلَاث فراسخ فعوتب فِي ذَلِك فَقَالَ(1/178)
تلوموني أَن شعيث رجلا لم يخلف بعده أفقه مِنْهُ وَلَا أورع وَقَالَ ابْن الْقَاسِم أَتَانَا عِيسَى فسألنا سُؤال عَالم وَكَانَ ينتجع بَلَده طليطلة وَبهَا توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وقبره هُنَاكَ مَشْهُور وَقيل توفّي مُنْصَرفه عَن طليطلة وَبِه وَيحيى انْتَشَر عَام مَالك بالأندلس وَرجعت الْفتيا بهَا إِلَى رَأْيه وَأدْركَ عِيسَى ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب فَسمع من ابْن الْقَاسِم وَاقْتصر عَلَيْهِ فاعتلت فِي الْفِقْه طبقته وَكَانَ من أهل الزّهْد البائس وَالدّين الْكَامِل وأحواله فِي الْعلم البارع وَالْفضل الْكَامِل مَشْهُورَة مَعَ قَوْله فِي التفقه لمَالِك وَأَصْحَابه وَكَانَ ابْن وضاح يَقُول هُوَ الَّذِي علم أهل الأندلس الْفِقْه ولعيسى سَماع من ابْن الْقَاسِم عشرُون كتابا وَله تأليف فِي الْفِقْه يُسمى كتابا الْهَدِيَّة كتب بِهِ إِلَى بعض الْأُمَرَاء عشرَة أَجزَاء وَكَانَ عِيسَى ذَا هَيْئَة حَسَنَة وعقل رصين وَمذهب جميل وَكتب إِلَى ابْن الْقَاسِم فِي رُجُوعه عَمَّا رَجَعَ عَنهُ من كتاب أَسد فِيمَا بلغه ويسئله اعلامه بذلك فَكتب إِلَيْهِ ابْن الْقَاسِم اعرضه على عقلك فَمَا رَأَيْته حسنا فأمضه وَمَا أنكرته فَدَعْهُ وَهَذَا يدل على ثِقَة ابْن الْقَاسِم بتفقهه وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة من إفريقية
عِيسَى بن مِسْكين بن مَنْظُور الإفْرِيقِي أَصله من الْعَجم ويتولى قُريْشًا من أهل السَّاحِل سمع من سَحْنُون وَابْنه جَمِيع كتبه وَمن غَيرهمَا وَسمع بِالشَّام من أبي جَعْفَر الْأَيْلِي وبمصر من الْحَارِث بن مِسْكين وَأبي الطَّاهِر وَالربيع مُحَمَّد بن الْمَوَّاز وَمُحَمّد بن عبد الرحيم البرقي وَمُحَمّد بن عبد الحكم وَمُحَمّد بن سنجر وَيُونُس الصَّدَفِي وَمن عَليّ بن عبد العزيز وَغَيرهم سمع مِنْهُ النَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن تَمِيم وَأَبُو الْحسن الكانشي وَابْن مسرور الْحجام وَعلي بن حمود وَغَيرهم كَانَ فَقِيها عَالما فصيحاً ورعاً مهيباً وقوراً ثِقَة مَأْمُونا صَالحا ذَا سمت وخشوع طَوِيل الصمت فَاضلا دَائِم الْحَمد رَقِيق الْقلب غزير الدمعة كثير(1/179)
الإشفاق متفنناً فِي كل الْعُلُوم الحَدِيث وَالْفِقْه واللغة وَأَسْمَاء الرِّجَال وَكُنَاهُمْ وقويهم وضعيفهم فصيحاً جيد الشّعْر كثير الْكتب فِي الْفِقْه والْآثَار صَحِيحا يشبه سَحْنُون فِي هَيئته وسمته واعتماده على سَحْنُون وَبِه كَانَ يَقْتَدِي فِي كل أُمُوره من شمائله وزهده ومباينته لأهل الْبدع حسن الْأَدَب بَين الْمُرُوءَة قَالَ أَبُو عَليّ الْبَصْرِيّ لَو أفردنا كتاب فِي ذكر مناقبه ومحاسنه وزهده وورعه وعد مَا انتهينا إِلَى وَصفه كَانَ عَالما باللغة قَائِلا للشعرمن أهل الْفضل البارع والورع الصَّحِيح والصمت الطَّوِيل مستجاب الدعْوَة قَالَ الكانشي أدخلني عِيسَى بن مِسْكين إِلَى بَيت مَمْلُوء بالكتب ثمَّ قَالَ لي كلهَا رِوَايَة وَمَا فِيهَا كلمة غَرِيبَة إِلَّا وَأَنا أحفظ لَهَا شَاهدا من قَول الْعَرَب وَكَانَ مُحَمَّد بن سَحْنُون إِذا استفتي قَالَ أفت يَا أَبَا مُوسَى وَكَانَ إِذا تفاخر أهل الْمَدِينَة وَأهل الْعرَاق برجالهم قيل لأهل الْعرَاق عنْدكُمْ مثل عِيسَى بن مِسْكين فيفخمونه وَيَقُولُونَ ذَلِك أفضلكم وأفضلنا وَولي الْقَضَاء بعد أَن قَالَ لَهُ الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن الْأَغْلَب مَا تَقول فِي رجل قد جمع خلال الْخَيْر أردْت أَن أوليه الْقَضَاء وألم بِهِ شعث هَذِه الْأمة فَامْتنعَ قَالَ يلْزمه أَن يَلِي قَالَ تمنع قَالَ تجبره على ذَلِك بجلد قَالَ قُم فَأَنت هُوَ قَالَ مَا أَنا بِالَّذِي وصفت وتمنع فَأخذ الْأَمِير بِمَجَامِع ثِيَابه وَأقرب السَّيْف من نَحره فَتقدم بعد أَمر عَظِيم وولاه بعد إِجْمَاع النَّاس عَلَيْهِ على اخْتِلَاف مذاهبهم وامتناعه قَالَ بَعضهم رافقت عِيسَى فِي طَرِيق الْحَج فَخرجت لَيْلَة من الرّفْقَة لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان ثمَّ عدت إِلَى الرّفْقَة فَإِذا عَلَيْهَا سور مَنَعَنِي من الْوُصُول إِلَيْهَا حَتَّى أصبح وَضرب الطبل فَذكرت ذَلِك لعيسى فَقَالَ مَا أَبيت لَيْلَة حَتَّى أدور على الرّفْقَة وَأَقُول اللَّهُمَّ احرسنا بِعَيْنِك الَّتِي لَا تنام واكنفنا بكنفك الَّذِي لَا يرام اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك ديني وَنَفْسِي وَأَهلي وَوَلَدي وَمَالِي إِنَّه لَا تخيب ودائعك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ويحكى(1/180)
عَنهُ أَنه كَانَ يجْتَمع بالخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَحكي عَنهُ عبد الله الْعَارِف أَنه قَالَ اجْتمعت مَعَ الْخضر مرَّتَيْنِ وَدخل على فِي بَيْتِي فَقَالَ لي أبشر بفرجك مِمَّا أَنْت فِيهِ وَمن حكمه أشرف الْغنى ترك المنى من قَاس الْأُمُور علم المستور من حصن شَهْوَته صان قدره من أطلق طرفه كثر أسفه من تقلب الْأَحْوَال علم جَوَاهِر الرِّجَال بِحسن التأني تسهل المطالب الْحسن النِّيَّة يَصْحَبهُ التَّوْفِيق المعاش مذل لأهل الْعلم كَفاك أدباً لنَفسك مَا كرهته لغيرك قَارب النَّاس فِي عُقُولهمْ تسلم من غوائلهم خلوالهم دنياهم يخلوا بَيْنكُم وَبَين آخرتكم وَمن شعره قَوْله ... لما كَبرت أَتَتْنِي كل داهية ... وكل مَا كَانَ مني زَائِدا نقصا
أُصَافح الأَرْض أَن رمت الْقيام وَإِن ... مشيت تصحبني ذَات الْيَمين عَصا ... وَله لعمرك لَو وَجَدْتُك يَا شَبَابِي ... بِمَا ملكت يَمِيني لارتجعتك
وَلَو جعلت لي الدُّنْيَا ثَوابًا ... وَمَا فِيهَا عَلَيْك لما وَهبتك
فقدتك فافتقدت لذيذ نومي ... وَطيب معيشتي لما فقدتك
ونحتك وانتحيت عَلَيْك دهراً ... فَلم تغن النِّيَاحَة حِين نحتك ... مولده سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت ولَايَته ثَمَان سِنِين وَأحد عشر شهرا رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَمن الطَّبَقَة الْحَادِيَة عشر من أهل الأندلسي
عِيسَى أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل بن عبد الله الْأَسدي أَصله من جيان من البراجلة سكن قرطبة وتفقه بهَا سمع من حَاتِم الطرابلسي وتفقه بِابْن عتاب ولازمه واختص بِهِ وَأخذ أَيْضا عَن ابْن الْقطَّان وروى عَن مكي بن أبي طَالب وَابْن شماخ وَابْن عَامر الْحَافِظ وَسمع بجيان من الْفَقِيه هِشَام بن سوار وبغرناطة من يحيى بن زَكَرِيَّا القليعي الْفَقِيه وبطليطلة(1/181)
من القَاضِي أَسد وَابْن رَافع رَأسه وَأَجَازَهُ أَبُو عمر بن عبد البر كَانَ جيد الْفِقْه مقدما فِي الْأَحْكَام وَله فِي الْأَحْكَام كتاب حسن سَمَّاهُ الْإِعْلَام بنوازل الْأَحْكَام وَذكر فِي أول هَذَا الْكتاب عَن نَفسه أَنه كَانَ يحفظ الْمُدَوَّنَة والمستخرجة الْحِفْظ المتقن وَولي بقرطبة الشورى وأنابه حاكمها وَدخل سبتة فَنَوَّهَ بمكانه صَاحبهَا البرغواطي فرأس فِيهَا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من فقهائها مِنْهُم قَاضِي الْجَمَاعَة أَبُو مُحَمَّد بن مَنْصُور وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْبَصْرِيّ والفقيه أَبُو إِسْحَق بن جَعْفَر ولازمه وَسمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو عبد الله بن عيس التَّمِيمِي ثمَّ ترك الرِّوَايَة عَنهُ قَالَ صَاحب الصِّلَة كَانَ من جلة الْفُقَهَاء وكبار الْعلمَاء حَافِظًا للرأي ذَاكِرًا للمسائل عَارِفًا بالنوازل بَصِير بِالْأَحْكَامِ عول الْحُكَّام على كِتَابه فِيهَا قَالَ عِيَاض وَسمع مِنْهُ خالاي أَبُو مُحَمَّد وَأَخُوهُ ابْنا الْجَوْزِيّ وَولي قَضَاء طنجة ومكناسة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الأندلس فولي قَضَاء غرناطة إِلَى أَن دَخلهَا المرابطون فَبَقيَ يَسِيرا ثمَّ عوفي مِنْهَا وَبَقِي بغرناطة إِلَى أَن توفّي وَذكره ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة فِي تَارِيخ غرناطة فَقَالَ كَانَ من جلة الْفُقَهَاء وأكابر الْعلمَاء حَافِظًا للرأي ذَاكر اللمسائل عَارِفًا بالنوازل بَصِير بِالْأَحْكَامِ مُتَقَدما فِي مَعْرفَتهَا ولي الشورى مُدَّة ثمَّ ولي الْقَضَاء بغرناطة وَغَيرهَا وَذكره الإِمَام أَبُو الْحسن بن الباذش فَقَالَ كَانَ من أهل الْخِصَال الباهرة والمعرفة التَّامَّة يُشَارك فِي فنون يُشَارك فِي فنون من الْعلم وَقَالَ ابْن الصَّيْرَفِي كَانَ فِي أهل الْعلم والفهم والتفنن فِي الْعلم مَعَ الْخَيْر والورع وَصِحَّة الدّين وَكَثْرَة الْجُود بارع الْخط فصيح الْكِتَابَة حَاضر الذِّهْن لَهُ قريض جزل وَلم يزل يتَرَدَّد فِي الْقَضَاء وَفِي أَيَّام أبي يَعْقُوب تاشفين رفع إِلَيْهِ شدته فِي الْقَضَاء فَصَرفهُ توفّي بغرناطة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عِيسَى أَبُو الرّوح ابْن مَسْعُود بن الْمَنْصُور بن يحيى بن يُونُس بن يوينو بن عبد الله بن أبي حَاج المنكلاتي(1/182)
الْحِمْيَرِي الزواوي الْمَالِكِي كَانَ فَقِيها عَالما متفنناً فِي الْعُلُوم تفقه ببجاية على أبي يُوسُف يَعْقُوب الزواوي وَقدم الْإسْكَنْدَريَّة وتفقه بهَا ثمَّ رَحل إِلَى قابس فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَولي الْقَضَاء بهَا ثمَّ رَحل إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة فَأَقَامَ بهَا يشغل النَّاس بالعلوم بالجامع الْأَزْهَر وَسمع كتب الحَدِيث السِّتَّة قَدِيما وَحدث عَن شرف الدّين الدمياطي وَولي نِيَابَة الْقَضَاء بِدِمَشْق نَحْو سِتِّينَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الديار المصرية فولي نِيَابَة الْقَضَاء بهَا عَن قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين بن مخلوف الْمَالِكِي ثمَّ من بعده عَن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين الأخنائي الْمَالِكِي ثمَّ ولي تدريس الْمَالِكِيَّة بِمصْر بزاوية الْمَالِكِيَّة وَترك ولَايَة الحكم وَأَقْبل على الِاشْتِغَال والتصنيف شرح صَحِيح مُسلم فِي اثنى عشر مُجَلد أَو سَمَّاهُ إِكْمَال الْإِكْمَال جمع فِيهِ أَقْوَال الْمَازرِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ وأتى فِيهِ بفوائد جليلة من كَلَام ابْن عبد البر والباجي وَغَيرهمَا وَشرح مُخْتَصر أبي عَمْرو بن الْحَاجِب فِي الْفِقْه فوصل فِيهِ إِلَى كتاب الصَّيْد فِي سبع مجلدات وَاخْتصرَ جَامع ابْن يُونُس شرح الْمُدَوَّنَة وصنف فِي الوثائق والمناسك وَفِي علم المساحة ورد على تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فِي مسئلة الطَّلَاق وَألف مَنَاقِب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَألف تَارِيخا فِي نَحْو عشر مجلدات بيض مِنْهُ نصفه ذكر فِيهِ من أول بَدْء الدُّنْيَا وقصص الْأَنْبِيَاء وأخبار الْأُمَم من آدم إِلَى زَمَانه وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية والفرائض وَكَانَ يحْكى أَنه حفظ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْفُرُوع فِي مُدَّة ثَلَاثَة أشهر وَنصف ثمَّ عرضه وَحفظ موطأ مَالك وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَإِلَيْهِ انْتَهَت رياسة الْفَتْوَى فِي مَذْهَب مَالك بالديار المصرية والشامية وَكَانَ مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَأَبُو الرّوح برَاء مُهْملَة مَضْمُومَة وواو سَاكِنة وحاء مُهْملَة ويوينو بياء(1/183)
مثناة من تَحت مَضْمُومَة وواو سَاكِنة وياء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة وَنون مُشَدّدَة مَضْمُومَة وواو سَاكِنة والمنكلاتي بميم مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة وكاف مَفْتُوحَة وَلَام وَألف مُشَدّدَة وتاء مثناة من فَوق وياء سَاكِنة قَبيلَة من الْعَرَب
عِيسَى بن مخلوف بن عِيسَى المغيلي كَانَ من فضلاء الْمَالِكِيَّة وأعيانهم بالديار المصرية وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بهَا فحمدت سيرته توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
من اسْمه عمر من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من الْعرَاق ثمَّ من آل حَمَّاد بن زيد قَاضِي الْقُضَاة أبي الْحسن
عمر بن قَاضِي الْقُضَاة أبي عمر مُحَمَّد ابْن القَاضِي يُوسُف ابْن القَاضِي يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد كَذَا اسْمه وَوهم من سَمَاء أَحْمد كَانَ من أحذق من رَأَيْنَاهُ من أَحْدَاث المالكيين كَانَ ذكياً فطناً حاذقاً بِالْمذهبِ أَخذ من كل علم بِنَصِيب كَانَ نَظِير أَبِيه فِي الْفضل وثانية فِي الْعقل السالك مَسْلَك سلفه والجاري على مَذَاهِب أَوله الْحَامِل لعلوم قَلما اجْتمعت فِي مثله من أَهله زَمَانه وَلَا يعرف قَاض فِي سنه وَلَا أَعلَى مِنْهُ يشْتَغل بالعلوم الَّتِي يشْتَغل بهَا النَّاس من حفظ الحَدِيث وَعلم بِهِ واستبحار فِي الْفِقْه واحتجاج لَهُ وَتقدم فِي النَّحْو واللغة وحظ جزيل من البلاغة نظمها ونثرها قَرَأَ من كتب اللُّغَة وَالْأَخْبَار مَا يُقَارب عشرَة آلَاف ورقة وَبلغ مبلغا عَظِيما وَله كتاب فِي الرَّد على من أنكر إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة وَهُوَ بعض كتاب الصَّيْرَفِي وَله كتاب سَمَّاهُ الْفرج بعد الشدَّة وَلم يدْرك عمهم إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَإِنَّمَا تفقه عِنْد أَبِيه وكبار أَصْحَاب إِسْمَاعِيل وَعنهُ وَعَن أَبِيه عمر أَخذ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَغَيره وَعِنْدَهُمَا تفقه وَكَانَ يخلف أَبَاهُ فِي قَضَائِهِ وَهُوَ صَغِير السن ثمَّ ولي قَضَاء مَدِينَة الْمَنْصُور سنة عشْرين وثلاثمائة(1/184)
فَلَمَّا توفّي أَبوهُ فِي رَمَضَان من هَذِه السّنة قلد أَبُو الْحسن جَمِيع مَا كَانَ يتقلده أَبوهُ وَفِي أَيَّامه قتل ابْن أبي العزافيري وَكَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب الحلاج وَيَقُول بالحلول والتأله فَشهد على قَوْله وَأفْتى أَبُو الْحسن بقتْله وَفِي أَيَّام أَبِيه أبي عمر قتل الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج بفتواه وفتوى أبي الْفرج الْمَالِكِي وَمن وافقهما من الْمَالِكِيَّة وَتُوفِّي أَبُو الْحسن بِبَغْدَاد وَهُوَ مُتَوَلِّي قَضَاء الْقُضَاة لَيْلَة الْخَمِيس لثلات عشرَة لَيْلَة بقيت من شعْبَان سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة واخترمته الْمنية قبل اسْتِيفَاء أمد أقرانه وطبقته وسنه يَوْم مَاتَ تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَلم يتَخَلَّف عَن جنَازَته جليل وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو نصر وَوجد عَلَيْهِ الرضي أَمِير الْمُؤمنِينَ وجدا شَدِيدا حَتَّى كَاد يبكي بحضرتنا وَيَقُول كنت أضيق بالشَّيْء ذرعاً حَتَّى أرَاهُ فيوسعه عَليّ بِرَأْيهِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من إفريقية
عمر أَبُو حَفْص بن عبد النور يعرف بِابْن الحكار صقلي فَاضل عَالم نظار مُحَقّق حسن الْكَلَام والتأليف أديب شَاعِر حسن القَوْل وَله فِي الْمُدَوَّنَة شرح كَبِير نَحْو ثَلَاثمِائَة جُزْء وانتقد على التّونسِيّ ألف مسئلة وَاخْتصرَ كتاب التمامات قَالَ عبد الله بن خطاب حضرت مَجْلِسه وَهُوَ يناظر بالبراذعي وَيتَكَلَّم عَلَيْهِ كلَاما عَظِيما فَمَا سَمِعت بأدق من كَلَامه وَمن كتاب العبر فِي ذكر من غبر أَبُو عَليّ الشلوبين
عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بالشلوبين النَّحْوِيّ سمع من أبي بكر بن الْجد وَأبي عبد الله بن زرقون والكبار وَأَجَازَ لَهُ السلَفِي وَكَانَ أسْند من بَقِي بالمغرب وَكَانَ فِي الْعَرَبيَّة بَحر الإيجاري وَحبر الإيباري تصدر لإقراء النَّحْو نَحوا من سِتِّينَ عَاما أَخذ عَن أبي إِسْحَق بن ملكون وَغَيره قَالَ شمس الدّين بن خلكان وَلَقَد رَأَيْت جمَاعَة من أَصْحَابه وَكلهمْ فضلاء وكل مِنْهُم يَقُول لَا يتقاصر الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَن طبقَة الشَّيْخ أبي عَليّ الْفَارِسِي(1/185)
ويغالون فِيهِ كثيرا وَظهر لَهُ فِي الْوُجُود أَعْيَان كَأبي الْحسن بن عُصْفُور وَالشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك وَالشَّيْخ أبي المكارم بن مسدي وَغَيره من الْأَعْيَان كثيرا وَشرح الْمُقدمَة الجزولية شرحين كَبِيرا وصغيراً وَله كتاب فِي النَّحْو سَمَّاهُ التوطئة وَكتاب سَمَّاهُ القوانين وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ على مَا يُقَال كَانَ خَاتِمَة أَئِمَّة النَّحْو وَكَانَت وِلَادَته بإشبيلية فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة أَو فِي سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة بإشبيلية والشلوبين بِفَتْح الشين الْمُثَلَّثَة وَاللَّام وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعدهَا نون هَذِه النِّسْبَة إِلَى الشلوبين وَهُوَ بلغَة أهل الأندلس الْأَبْيَض الْأَشْقَر
عمر بن أبي الْيمن عَليّ بن سَالم بن صَدَقَة اللَّخْمِيّ الْمَالِكِي الشهير بتاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ يكنى أَبَا حَفْص الإسكندري قَرَأَ الْقُرْآن بالقراآت على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد العزيز المازوني حافى رَأسه وَسمع مِنْهُ وَسمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن طرخان وَأبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْقَرَافِيّ وَسمع من غَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها فَاضلا متفنناً فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وَالْأَدب وَكَانَ على حَظّ وافر من الدّين المتين وَالصَّلَاح الْعَظِيم وَاتِّبَاع السّلف الصَّالح حسن الْأَخْلَاق صحب جمَاعَة من الْأَوْلِيَاء وتخلق بأخلاقهم وتأدب بآدابهم وَحج غير مرّة وَحدث بِبَعْض مصنفاته وَله شرح الْعُمْدَة فِي الحَدِيث لم يسْبق إِلَى مثله لِكَثْرَة فَائِدَته وَشرح الْأَرْبَعين للنووي وَسَماهُ الْمنْهَج الْمُبين فِي شرح الْأَرْبَعين وَله الأشارة فِي الْعَرَبيَّة وَشَرحهَا والتحفة المختارة فِي الرَّد على مُنكر الزِّيَارَة وَكتاب الْفجْر الْمُنِير فِي الصَّلَاة على البشير النذير وَله شعر حسن وَمَعْرِفَة الْأَدَب وَمن شعره وَذكر أَنه اهتدمه وَنَقله من الهجاء إِلَى الْمَدْح وَهُوَ قَوْله ... ضمت مَكَارِم تَأتي مِنْك ظَاهِرَة ... إِلَى مَكَارِم أبقاها أَبوك لكا ...(1/186)
.. فَإِن تقدم أَبنَاء الْكِرَام بهم ... فقد تقدم آبَاء الْكِرَام بكا ... وَأَخْبرنِي جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن حَدِيدَة الْأنْصَارِيّ الْمُحدث أحد الصُّوفِيَّة بخانقاه سعيد السُّعَدَاء فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة قَالَ رحلنا مَعَ شَيخنَا تَاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ إِلَى دمشق فقصد زِيَارَة نعل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق وَكنت مَعَه فَلَمَّا رأى النَّعْل المكرمة حسر عَن رَأسه وَجعل يقبله ويمرغ وَجهه عَلَيْهِ ودموعه تسيل وَأنْشد ... فَلَو قيل للمجنون ليلى وَوَصلهَا ... تُرِيدُ أم الدُّنْيَا وَمَا فِي طواياها
لقَالَ غُبَار من تُرَاب نعالها ... أحب إِلَى نَفسِي وأشفى لبلواها ... وَلما حَضرته الْوَفَاة جعل بعض أَقَاربه يتَشَهَّد بَين يَدَيْهِ ليذكره فَفتح عَيْنَيْهِ وَأنْشد ... وَغدا يذكرنِي عهوداً بالحمى ... وَمَتى نسيت الْعَهْد حَتَّى أذكرا ... ثمَّ تشهد وَقضى نحبه توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بالإسكندرية فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن ظَاهر بَاب الْبَحْر ومولده بهَا سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَقيل سنة سِتّ وَخمسين
عمر بن عَليّ ابْن قداح الهواري التّونسِيّ كَانَ إِمَام عَالما بِمذهب مَالك عَلَيْهِ مدَار الْفتيا مَعَ القَاضِي أبي إِسْحَق بن عبد الرفيع ونظرائه وَكَانَ جليل الْقدر مَشْهُور الذّكر لَهُ مسَائِل قيدت عَنهُ مَشْهُورَة وَولى قَضَاء الْجَمَاعَة بعد القَاضِي أبي إِسْحَق بن عبد الرفيع توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن مُخْتَصر المدارك
من اسْمه عُثْمَان من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
عُثْمَان بن الحكم الجذامي مَشْهُور من أَصْحَاب مَالك المصريين وَهُوَ أول من أَدخل علم مَالك مصر وَلم تنْبت مصر أنبل مِنْهُ يرْوى عَن مَالك ومُوسَى بن عقبَة وَابْن جريج(1/187)
وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن وهب وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم توفّي سنة ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وَمِائَة
وَمِمَّنْ لم ير مَالِكًا من أهل الْمغرب الْأَقْصَى
عُثْمَان بن مَالك فَقِيه فاس وزعيم فُقَهَاء الْمغرب فِي وقته أَخذ عَنهُ فُقَهَاء فاس وتفقهوا عَلَيْهِ وَله تعاليق على الْمُدَوَّنَة وَمن كتاب الصِّلَة
عُثْمَان بن عِيسَى التجِيبِي من أهل طليطلة يكنى أَبَا بكر وَيعرف بِابْن رَافع رَأسه كَانَ من أهل الْعلم البارع حَافِظًا الرَّأْي مَالك رَأْسا فِيهِ موثقًا بِهِ روى عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْخُشَنِي وَغَيره وَولي قَضَاء طلبين
عُثْمَان بن سعيد بن عُثْمَان الْأمَوِي المقرى الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي من أهل قرطبة يكنى أَبَا عَمْرو سمع من أبي الْحسن الْقَابِسِيّ وَابْن أبي زمنين وَخلق كثير وَعدد عَظِيم وَكَانَ أحد الْأَئِمَّة فِي علم الْقُرْآن رِوَايَته وَتَفْسِيره ومعانيه وَإِعْرَابه وَجمع فِي معنى ذَلِك تآليفا حسانا مفيدة يكثر تعدادها وَيطول إيرادها وَله معرفَة تَامَّة بِالْحَدِيثِ وعلومه وَالْفِقْه متفننا فِي الْعُلُوم جَامعا لَهَا وَكَانَ دينا فَاضلا ورعاً مجاب الدعْوَة وَألف فِي القراآت تآليف مَعْرُوفَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَشى السُّلْطَان أَمَام نعشه وَكَانَ الْجمع فِي جنَازَته عَظِيما رَحمَه الله تَعَالَى
عُثْمَان بن أبي بكر الصَّدَفِي وَيعرف بالصفاقسي وَيعرف أَيْضا بِابْن الضَّابِط قدم الأندلس وأسمع بهَا النَّاس بعد أَن تجول بالمشرق وَأخذ عَن علمائها ومحدثيها روى عَن أبي نعيم أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ وَكتب عَنهُ مائَة ألف حَدِيث بِخَطِّهِ وروى عَن جمَاعَة كَثِيرَة من الْأَعْيَان يطول ذكرهم كَانَ حَافِظًا للْحَدِيث متفنناً فِي علومه متقنا لَهَا عَارِفًا باللغة وَالْإِعْرَاب والغريب وَالْأَدب مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والدراية وَمن شعره ... إِذا مَا عَدوك يَوْمًا سما ... إِلَى حَالَة لم تطق نقضهَا
فَقبل وَلَا تأنفن كَفه ... إِذا أَنْت لم تستطع عضها ...(1/188)
وَله أَيْضا ... مَا عابني إِلَّا الحسود ... وَتلك من خير المعائب
وَالْخَيْر والحساد مَقْرُونا ... إِن ذَهَبُوا فذاهب
وَإِذا ملكت الْمجد لم ... تملك مذمات الْأَقَارِب
وَإِذا فقدت الحاسدين فقد ... ت فِي الدُّنْيَا الأطايب ... توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بعد سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَفِي الوفيات لِابْنِ خلكان
عُثْمَان أَبُو عَمْرو بن أبي بكر بن يُونُس الروبني ثمَّ الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي ثمَّ الإسكندري يكنى أَبَا عمر الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب الملقب بِجَمَال الدّين الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه الْمَالِكِي كَانَ وَالِده حَاجِب الْأَمِير عزالدين موسك الصلاحي وَكَانَ كردياً واشتغل وَلَده أَبُو عمر وَالْمَذْكُور بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم فِي صغره بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ بالفقه على مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ ثمَّ بِالْعَرَبِيَّةِ والقراآت وبرع فِي علومه وأتقنها غَايَة الإتقان وَذكر الشَّيْخ الْعَلامَة شيخ الشَّام شهَاب الدّين الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي شامة فِي كِتَابه الذيل على الروضتين فَقَالَ كَانَ ركنا من أَرْكَان الدّين فِي الْعلم وَالْعَمَل بارعاً فِي الْعُلُوم الْأُصُولِيَّة وَتَحْقِيق علم الْعَرَبيَّة متقناً لمَذْهَب مَالك بن أنس وَكَانَ ثِقَة حجَّة متواضعاً عفيفاً منصفاً محباً للْعلم وَأَهله ناشراً لَهُ صبوراً على الْبلوى مُحْتملا للأذى وَذكره الذَّهَبِيّ فَقَالَ بعد أَن أثني عَلَيْهِ وَقَرَأَ القراآت على الغزنوي وَأبي الْجُود غياث بن فَارس وَبَعضهَا على الشاطبي وَذكره ابْن مهْدي فِي مُعْجَمه فَقَالَ كَانَ ابْن الْحَاجِب عَلامَة زَمَانه رَئِيس أقرانه استخرج مَا كمن من دُرَر الْفَهم ومزج نَحْو الْأَلْفَاظ بِنَحْوِ الْمعَانِي وَأسسَ قَوَاعِد تِلْكَ المباني وتفقه على مَذْهَب مَالك وَكَانَ علم اهتداء فِي تِلْكَ المسالك استوطن مصر ثمَّ استوطن الشَّام ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فاستوطنها وَهُوَ فِي كل ذَلِك على حَال عَدَالَة وَفِي منصب(1/189)
جلالة وصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا كتاب الْجَامِع بَين الْأُمَّهَات فِي الْفِقْه وَقد بَالغ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ أحد أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة فِي مدح هَذَا الْكتاب فِي أول شَرحه لَهُ وَكَانَ قد شرع فِي شَرحه على طَريقَة حَسَنَة من الْبسط والإيضاح والتنقيح وَخلاف الْمَذْهَب واللغة والعربية وَالْأُصُول فَلَو تمّ هَذَا الشَّرْح لبلغ بِهِ الْمَالِكِيَّة غَايَة المأمول وَمِمَّا ذكره فِي مدح الْكتاب أَن قَالَ هَذَا كتاب أَتَى بعجب العجاب ودعا قصي الإجادة فَكَانَ المجاب وراض عصي المُرَاد فأزال شماسته وانجاب وَأبْدى مَا حَقه أَن يُبَالغ فِي استحسانه وتشكر نفحات خاطره ونفثات لِسَانه فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى تيسرت لَهُ البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت لَهُ ينابيع الْحِكْمَة فَكَانَ خاطره بِبَطن المسيل وَقرب المرمى فَخفف الْحمل الثقيل وَقَامَ بوظيفة الإيجاز فناداه لِسَان الْإِنْصَاف مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل ويقتصر على هَذِه النبذة من كَلَامه خوف التَّطْوِيل قَالَ وَالِدي عَليّ بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ لي الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل الْعَلامَة القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ كَانَ شَيخنَا كَمَال الدّين الزملكاني يَقُول لَيْسَ للشَّافِعِيَّة مثل مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب للمالكية وَكفى بِهَذِهِ الشَّهَادَة قَالَ جمال الدّين كَانَ وحيد عصره علما وفضلاً وإطلاعاً قَالَ وَمَا أحسن هَذِه الشَّهَادَة من إِمَام من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَمَا يشْهد رَحمَه الله تَعَالَى الْأَعْلَى مَا حَقَّقَهُ وَمن خبر الْكتاب صدقه ومليحة شهِدت لَهَا ضراتها وَقد اعتنى الْعلمَاء شرقاً وغرباً بشرح هَذَا الْكتاب وصنف الكافية مُقَدّمَة وجيزة فِي النَّحْو وَأُخْرَى مثلهَا فِي التصريف سَمَّاهَا الشافية وَشرح المقدمتين فظهرت بركَة هذَيْن الْكِتَابَيْنِ على الطّلبَة وصنف مُخْتَصرا فِي أصُول الْفِقْه ثمَّ اخْتَصَرَهُ والمختصر الثَّانِي هُوَ كتاب النَّاس شرقا وغربا وصنف فِي القراآت وَفِي الْعرُوض وَله(1/190)
الأمالي فِي ثَلَاث مجلدات فِي غَايَة الإفادة وَله شرح الْمفصل للزمخشري وَله نظم الكافية سَمَّاهُ الواقية فِي نظم الكافية قَالَ صَاحب الوفيات وكل تصانيفه فِي نِهَايَة الْحسن والإفادة وَخَالف النُّحَاة فِي مَوَاضِع وَأورد عَلَيْهِم أَشْيَاء تبعد الْإِجَابَة عَنْهَا قَالَ وَاجْتمعت بِهِ وَسَأَلته عَن مَوَاضِع فِي الْعَرَبيَّة مشكلة فَأجَاب فأبلغ وَلَوْلَا التَّطْوِيل لذكرت مَا قَالَه وَله شعر حسن فَمِنْهُ قَوْله ... وَكَانَ ظَنِّي بِأَن الشيب يرشدني ... إِذا أَتَى فَإِذا غي بِهِ كثرا
وَلست أقنطه من عَفْو الْكَرِيم وَإِن ... أسرفت فِيهَا وَكم عَفا وَكم سترا
إِن خص عَفْو إلهي الْمُحْسِنِينَ فَمن ... يَرْجُو الْمُسِيء وَمن يَدْعُو إِذا عثرا ... انْتقل رَحمَه الله تَعَالَى من مصر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَلم تطل مدَّته هُنَاكَ وَتُوفِّي بهَا ضحى يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وقبره خَارج بَابا الْبَحْر بتربة الشَّيْخ الصَّالح بن أبي شامة وَلما توفّي ابْن الْحَاجِب كتب نَاصِر الدّين بن الْمُنِير على قَبره هَذِه الأبيات ... إِلَّا أَيهَا المختال فِي مطرف الْعُمر ... هَلُمَّ إِلَى قبر الإِمَام أبي عَمْرو
تَرَ الْعلم والآداب وَالْفضل والتقى ... ونيل المنى والعز غيبن فِي قبر
فتدعو لَهُ الرَّحْمَن دَعْوَة رَحْمَة ... يكافي بهَا فِي مثل منزله القفر ... وَكَانَ مولده بإسنا بالصعيد الْأَعْلَى سنة تسعين وَخَمْسمِائة ودونه مَوضِع الأكراد بِبِلَاد الْمشرق
عُثْمَان بن عَليّ بن دعمون غرناطي يكنى أَبَا عَمْرو وَيعرف بِابْن دعمون كَانَ فَقِيها جَلِيلًا ذَاكِرًا للفقه مستحضر الْمسَائِل الْأَحْكَام مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فِي الشورى ألف(1/191)
برنامجاً على كتاب الْبَيَان والتحصيل عَظِيم النَّفْع والفائدة وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَلم يقبله توفّي سنة تسع وَسَبْعمائة
عُثْمَان بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن مَنْظُور الْقَيْسِي من أهل مالقة يكنى أَبَا عَمْرو يعرف بِابْن مَنْظُور الْأُسْتَاذ القَاضِي من بَيت بني مَنْظُور الإشبيليين أحد بيُوت الأندلس الْمَعْمُور بالنباهة كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى صَدرا فِي عُلَمَاء بَلَده أستاذاً ممتعاً من أهل النّظر وَالِاجْتِهَاد وَالتَّحْقِيق ثاقب الذِّهْن أصيل الْبَحْث مضطلعاً بالمشكلات مشاركاً فِي فنون من فقه وعربية برز فِيهَا إِلَى أصُول وقراآت وطب ومنطق قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي عبد الله بن الفخار وَغَيره من الْعلمَاء وَكَانَ متبحراً فِي الْمسَائِل وَقيد بِخَطِّهِ الْكثير واجتهد وصنف وأقرأ بِبَلَدِهِ فَعظم بِهِ الِانْتِفَاع وَولي الْقَضَاء بمواضع عديدة وَتُوفِّي قَاضِيا وَله شعر مُفِيد وَله تآليف مِنْهَا تَقْيِيد حِين فِي الْفَرَائِض سَمَّاهُ بغية المباحث فِي معرفَة مُقَدمَات الموارث وَآخر فِي الْمسْح على الاتماق الأندلسية واللمع الجدلية فِي كَيْفيَّة التحدث فِي علم الْعَرَبيَّة توفّي عَام خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
من اسْمه عَليّ من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل إفريقية
عَليّ بن زِيَاد أَبُو الْحسن التّونسِيّ الْعَبْسِي ثِقَة مَأْمُون خِيَار متعبد بارع فِي الْفِقْه سمع من مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهم لم يكن بعصره فِي أفريقية مثله سمع مِنْهُ البهلول بن رَاشد وشجرة وَأسد بن الْفُرَات وَسَحْنُون وَغَيرهم روى عَن مَالك الْمُوَطَّأ وكتباً وَهِي بُيُوع وَنِكَاح وَطَلَاق سَمَاعه من مَالك الثَّلَاثَة وَهُوَ معلم سَحْنُون الْفِقْه وَكَانَ سَحْنُون لَا يقدم عَلَيْهِ أحد من أهل إفريقية وَكَانَ أهل الْعلم بالقيروان إِذا اخْتلفُوا فِي مسئلة كتبُوا بهَا إِلَى عَليّ بن زِيَاد ليعلمهم بِالصَّوَابِ وَكَانَ خير أهل إفريقية فِي الضَّبْط للْعلم وَقَالَ سَحْنُون لَو كَانَ لعَلي بن زِيَاد من الطّلب مَا للمصريين مَا فَاتَهُ مِنْهُم أحد وَمَا عاشره مِنْهُم أحد قَالَ ابْن الْحداد(1/192)
إِلَّا أَنَّهَا كلمة فَضله بهَا عَلَيْهِم وَقَالَ سَحْنُون مَا أنجبت إفريقية مثل عَليّ بن زِيَاد وَلم يكن فِي عصره أفقه مِنْهُ وَلَا أورع وَلم يكن سَحْنُون يعدل بِهِ أحدا من عُلَمَاء إفريقية وَيشْتَبه بِهِ رجل آخر من أكَابِر أَصْحَاب مَالك المصريين يكنى بكنيته وَيُسمى باسمه وينتسب بنسبه وَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن زِيَاد الإسكندري وَمَات عَليّ بن زِيَاد والبهلول بن رَاشد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة رَحِمهم الله تَعَالَى
وَمن الْوُسْطَى من أهل مصر
عَليّ أَبُو الْحسن بن زِيَاد الإسكندري من رُوَاة مَالك الْمَشْهُورين وَأهل الْخَيْر والزهد يعرف بالمحتسب لَهُ رِوَايَة عَن مَالك فِي الحَدِيث والمسائل وَهُوَ يروي عَن مَالك إِنْكَار مَسْأَلَة وَطْء النِّسَاء فِي أدبارهن
وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة مِمَّن لم يرو مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من الْعرَاق من غير آل حَمَّاد بن زيد
عَليّ أَبُو الْحسن الْمُتَكَلّم بن إِسْمَاعِيل بن أبي بشربن إِسْحَاق بن أبي سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/193)
كَانَ مالكياً صنف لأهل السّنة التصانيف وَأقَام الْحجَج على إِثْبَات السّنَن وَمَا نَفَاهُ أهل الْبدع من صِفَات الله تَعَالَى ورؤيته وَقدم كَلَامه وَقدرته عز وَجل وَأُمُور السّمع الْوَارِدَة من الصيراط وَالْمِيزَان والشفاعة والحوض وفتنة الْقَبْر الَّذِي نفته الْمُعْتَزلَة وَغير ذَلِك من مَذَاهِب أهل السّنة والْحَدِيث فَأَقَامَ الْحجَج الْوَاضِحَة عَلَيْهَا من الْكتاب وَالسّنة والدلائل الْوَاضِحَة الْعَقْلِيَّة وَدفع شبه الْمُعْتَزلَة وَمن بعدهمْ من الملحدة والرافضة وصنف فِي ذَلِك التصانيف المبسوطة الَّتِي نفع الله بهَا الْأمة وناظر الْمُعْتَزلَة وَظهر عَلَيْهِم وَكَانَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ يثني عَلَيْهِ وَله رِسَالَة فِي ذكره لمن سَأَلَهُ عَن مذْهبه فِيهِ أثنى عَلَيْهِ وأنصف وَأثْنى عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَغَيره من أَئِمَّة الْمُسلمين وَلأبي الْحسن من التآليف الْمَشْهُورَة كتب كَثِيرَة جدا عَلَيْهَا معول أهل السّنة ككتاب الموجز وَكتاب التَّوْحِيد وَالْقدر وَكتاب الْأُصُول الْكَبِير وَكتاب خلق الْأَفْعَال الْكَبِير وَكتاب الصِّفَات وَكتاب الِاسْتِطَاعَة وَكتاب الرُّؤْيَة(1/194)
وَكتاب الْأَسْمَاء وَالْأَحْكَام وَالْخَاص وَالْعَام وَكتاب إِيضَاح الْبُرْهَان وَكتاب الْحَدث على الْبَحْث والنقض على الْبَلْخِي والنقض على الجبائي والنقض على ابْن الراوندي والنقض على الخالدي وَكتاب الدامغ وأدب الجدل وجوابات الطبريين وجوابات العمانيين وجوابات الجرجانيين والجوابات الخراسانية وجوابات الرامهرمزيين وجوابات الشيرازيين والنوادر وَالرَّدّ على الفلاسفة وَنقض كتاب الإسكافي وَكتاب الِاجْتِهَاد وَكتاب المعارف وَالرَّدّ على الدهريين وَالرَّدّ على المنجمين ومقالات الإسلاميين والمقالات الْكَبِيرَة وَنقض كتاب التَّاج وَكتاب النبوات وَكتاب اللمع الْكَبِير وَكتاب اللمع الصَّغِير وَكتاب الشَّرْح وَالتَّفْصِيل وَكتاب الْإِبَانَة فِي أصُول الدّيانَة وَله الْكتاب الْمُسَمّى بالمختزن فِي عُلُوم الْقُرْآن كتاب عَظِيم جدا بلغ فِيهِ سُورَة الْكَهْف وَقد اتهى مائَة جُزْء وَقيل أَنه أَكثر من هَذَا وَمن وقف على تآليفه رأى أَن الله تَعَالَى أيده بتوفيقه وَذكر أَنه كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره معتزلياً ثمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَب الْحق(1/195)
وَمذهب أهل السّنة فَكثر التَّعَجُّب مِنْهُ وَسُئِلَ عَن ذَلِك فَأخْبر أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان وَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحق وَنَصره فَكَانَ ذَلِك وَالْحَمْد لله تَعَالَى توفّي أَبُو الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَفِي تَرْجَمته فِي كتاب الوفيات لِابْنِ خلكان والأشعري بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا رَاء هَذِه النِّسْبَة إِلَى أشعر واسْمه نبت بن أدد بن زيد وَإِنَّمَا قيل لَهُ أشعر لِأَن أمه وَلدته وَالشعر على يَدَيْهِ هَكَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الأندلس
عَليّ بن عِيسَى بن عبيد التجِيبِي طليطلي أَبُو الْحسن أَخذ بقرطبة عَن عبد الله بن يحيى وَسَعِيد بن عُثْمَان وَأحمد بن خَالِد ونظرائهم وبطليطلة من وسيم بن سعدون وَغَيره فَقِيه عَالم وَله مُخْتَصر مَشْهُور منتفع بِهِ روى عَنهُ ابْن مدارج وشكور بن حبيب وانتقدت عَلَيْهِ فِيهِ مسائلي وَهِي صَحِيحَة جَيِّدَة جَارِيَة على الْأُصُول وَإِن خَالفه فِيهَا غَيره قَالَ بعض الْفُقَهَاء من حفظه فَهُوَ فَقِيه قَرْيَة فَقَالَ ابْن مغيث(1/196)
وَلَو كَانَت مثل مصر لمن أتقن حفظه والتفقه فِي أُصُوله وَقَالَ فِيهِ أَبُو عبد الله بن عتاب كَانَ من أهل الْعلم ثمَّ قَالَ بعد مُدَّة غير ذَلِك كَانَ فَقِيها عَالما ثِقَة زاهداً ورعاً مجاب الدعْوَة محتسباً فِي تَعْلِيمه قانعاً يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر حَتَّى استثقله أهل طليطلة فانحاز عَنْهُم إِلَى قَرْيَة كَانَ لَهُ بهَا جنَّة يحتفرها ويعتملها بِيَدِهِ وَيقوم مِنْهَا حَاله وَكَانَ الطّلبَة يأْتونَ إِلَيْهِ فِيهَا يَأْخُذُونَ عَنهُ وبلغه رَغْبَة الْحَاكِم فِي استخلافه ففر عَن مَوْضِعه وَكَانَ ابْن الفخار يَقُول يَا أهل طليطلة كِتَابَانِ جازا قنطرتكم وتلقاهما النَّاس تَفْسِير يحيى بن مزين ومختصر ابْن عبيد
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من أهل الْعرَاق من غير آل حَمَّاد بن زيد
عَليّ أَبُو الْحسن بن ميسرَة القَاضِي مَذْكُور فِي طبقَة الْأَبْهَرِيّ من الْعِرَاقِيّين وَمِمَّنْ لم يسمع من القَاضِي إِسْمَاعِيل وَولي قَضَاء أنطاكية وَله كتاب فِي إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة
وَمن أهل إفريقية
عَليّ أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد بن مسرور الدّباغ من أهل الْعلم والورع والتعبد والصيانة والأخبات(1/197)
والسلامة وَالْحيَاء ثِقَة حسن التَّقْيِيد من أَحْمد بن سُلَيْمَان وعول عَلَيْهِ وَمن مُحَمَّد بن بسطَام وَعمر بن يُوسُف وَمُحَمّد بن شبْل وعبد الرحمن الوزنة وَسمع أَيْضا فِي رحلته من مُحَمَّد بن زيان وَمُحَمّد بن رَمَضَان وَمن عبيد الله بن أبي هَاشم وَأبي بكر بن زِيَاد وَأبي بكر بن اللباد وَاجْتمعَ بِأبي الْحسن الدينَوَرِي سمع مِنْهُ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وَأَبُو عبد الرحمن بن مُحَمَّد الربعِي وَأَبُو جَعْفَر الدَّرَاورْدِي وعبد الرحمن بن مُحَمَّد الربعِي ومكي بن يُوسُف وَأحمد بن حَاتِم الزيات وَخلف بن أبي فراس وحمدون الْمقري وَمُحَمّد بن علون وعتيق بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ وعالم كثير كَانَ أَبُو عبد الله بن أبي هَاشم يثني عَلَيْهِ وَيَأْمُر بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَقَالَ الربعِي كَانَ ثِقَة مَأْمُونا لم أر أَعقل مِنْهُ وَلَا أَكثر حَيَاء اجْتمع لَهُ مَعَ الْعلم الْوَرع وَالْعِبَادَة والتواضع سريع الدمعة رَفِيق بالطالب أَخذ النَّاس عَنهُ من سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة إِلَى سنة سِتّ وَخمسين وَكَانَ الجبنياني يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ ويعظمه قَالَ الْقَابِسِيّ مَا رَأَيْت أَكثر حَيَاء من أبي الْحسن الدّباغ مَا يكلمهُ أحد إِلَّا احمر(1/198)
لَونه وَلَقَد كَانَ أَحْيَا من الْأَبْكَار قَالَ أَبُو إِسْحَق السبائي كَانَ يحِيل إِلَيّ أَن صَاحب الشمَال لَا يكْتب على أبي الْحسن شَيْئا لطهارة قلبه وعفة بَطْنه كَانَ من أهل التَّحْقِيق فِي مَعَاني الولايات توفّي رَحمَه الله تَعَالَى منتصف رَمَضَان سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة ولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة السَّابِعَة من أهل الْعرَاق والمشرق
عَليّ بن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ القَاضِي أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الْقصار تفقه بالأبهري قَالَه الشِّيرَازِيّ وَله كتاب فِي مسَائِل الْخلاف لَا أعرف للمالكيين كتاب فِي الْخلاف أكبر مِنْهُ وَكَانَ أصولياً نظاراً ولي قَضَاء بَغْدَاد وَقَالَ أَبُو ذَر هُوَ أفقه من رَأَيْت من المالكيين وَكَانَ ثِقَة قَلِيل الحَدِيث توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة
عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَصْرِيّ من أَصْحَاب الْأَبْهَرِيّ أَبُو تَمام كَانَ جيد النّظر حسن الْكَلَام وَله كتاب مُخْتَصر فِي الْخلاف يُسمى نكت الْأَدِلَّة وَله كتاب آخر فِي الْخلاف كَبِير وَكتاب فِي أصُول الْفِقْه
وَمن إفريقية
عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف الْمعَافِرِي أَبُو الْحسن(1/199)
الْمَعْرُوف بِابْن الْقَابِسِيّ سمع من رجال إفريقية أبي الْعَبَّاس الإبياني وَأبي الْحسن بن مسرور الدّباغ وَأبي عبد الله بن مسرور ودراس بن إِسْمَاعِيل ورحل إِلَى الْمشرق فحج وَسمع من حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي وَأبي الْحسن القلباني وَأبي زيد الْمروزِي وَجَمَاعَة وَكَانَ وَاسع الرِّوَايَة عَالما بِالْحَدِيثِ وَعلله وَرِجَاله فَقِيها أصولياً متكلماً مؤلفاً مجيداً وَكَانَ من الصَّالِحين الْمُتَّقِينَ وَكَانَ أعمى لَا يرى شَيْئا وَهُوَ مَعَ ذَلِك من أصح النَّاس كتبا وأجودهم ضبطاً وتقييداً يضْبط كتبه بَين يَدَيْهِ ثِقَات أَصْحَابه وَالَّذِي ضبط لَهُ البُخَارِيّ سَمَاعه على أبي زيد بِمَكَّة أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ حدث بعض شُيُوخ القيروان أَنه كلم فِي الْجُلُوس فَأَنِّي فَكلم فَأتى النَّاس يهدمون عَلَيْهِ بَابه لما أغلقه دونهم فَلَمَّا رأى ذَلِك خرج ينشد ... لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى ... إِلَى كرم وَفِي الدُّنْيَا كريم
وَلَكِن الْبِلَاد إِذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم ...(1/200)
أَنا وَالله ذَلِك الهشيم فَبكى وأبكى وَكَانَ زاهداً ورعاً مقلاً وَكَانَ أهل القيروان يفضلونه وَيَأْخُذُونَ عَنهُ تفقه عَلَيْهِ أَبُو عمرَان الفاسي واللبيدي وعتيق السُّوسِي وَغَيرهم وَألف تآليف بديعة مفيدة مِنْهَا كتاب الممهد فِي الْفِقْه وَأَحْكَام الدّيانَة والمنقذ من شبه التَّأْوِيل والمنبه للفطن من غوائل الْفِتَن والرسالة المفصلة لأحوال الْمُتَّقِينَ وَكتاب المعلمين والمتعلمين وَكتاب الاعتقادات وَكتاب مَنَاسِك الْحَج وَكتاب الذّكر وَالدُّعَاء ورسالة كشف الْمقَالة فِي التَّوْبَة وَكتاب ملخص الْمُوَطَّأ وَكتاب رتب الْعلم وأحوال أَهله وَكتاب أحمية الْحُصُون والرسالة الناصرية فِي الرَّد على البكرية وَكتاب حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى ورسالة تَزْكِيَة الشُّهُود وتجريحهم ورسالة فِي الْوَرع توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بالقيروان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بِبَاب تونس وَقد بلغ الثَّمَانِينَ ورحل إِلَى الْمشرق سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة
عَليّ أَبُو الْحسن بن أَحْمد بن زَكَرِيَّا بن الْخَطِيب يعرف بِابْن زكرون طرابلسي سمع من أبي(1/201)
عبد الله الجيزي وَابْن الْمُنْذر وَابْن شعْبَان وَابْن الْأَعرَابِي وَابْن الْجَارُود روى عَنهُ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وَأَبُو عَليّ الْحسن بن المتبي قَاضِي طرابلس وعبدوس بن مُحَمَّد الطليطلي وَغَيرهم من الْعلمَاء وانتفع بِهِ أهل الطرابلس وتعلموا مِنْهُ الْفِقْه والْحَدِيث والنسك وَكَانَ قد صحب جمَاعَة من النساك وَكَانَ رجلا صَالحا متعبداً ناسكاً لَهُ فِي الْفِقْه والفرائض والْحَدِيث والرفائق تآليف كَثِيرَة أَقَامَ خمسين سنة لم يحلف بِاللَّه تَعَالَى توفّي سنة سبعين وثلاثمائة
وَمن الثَّامِنَة من أهل الْعرَاق
عَليّ أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَق الطابثي الْبَصْرِيّ وطابث قَرْيَة من قرى الْبَصْرَة نزيل مصر أَخذ بالعراق عَن جمَاعَة مِنْهُم عبد الله الضَّرِير وَأخذ عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس الدلائي وَأَبُو مُحَمَّد الشنتجالي وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ هُوَ فَقِيه وَله كتاب فِي الْفِقْه مَشْهُور
وَمن أهل مصر
عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن فهر أَبُو الْحسن فَقِيه مالكي ألف فِي فَضَائِل مَالك بن أنس اثْنَي عشر جزأ سمع بالمشرق من جمَاعَة سمع مِنْهُ الدلائي والمهلب بن(1/202)
أبي صفرَة قَالَ الْمُهلب لَقيته بِمصْر وَمَكَّة وَلم ألقِي مثله
وَمن أهل الأندلس
عَليّ أَبُو سعيد بن عبد ربه الْمعَافِرِي قرطبي فَقِيه صَالح اختصر كتاب الدَّلَائِل الْكَبِير للأصيلي وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من إفريقية
عَليّ أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد الربعِي الْمَعْرُوف باللخمي وَهُوَ ابْن بنت اللَّخْمِيّ قيرواني نزل سفاقس تفقه بِابْن مُحرز وَأبي الْفضل ابْن بنت خلدون وَأبي الطّيب والتونسي والسيوري وَظهر فِي أَيَّامه وطارت فَتَاوِيهِ وَكَانَ السيوري يسيء الرَّأْي فِيهِ طَعنا عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو الْحسن فَقِيها فَاضلا دينا متفنناً ذَا حَظّ من الْأَدَب وَبَقِي بعد أَصْحَابه فَجَاز رياسة إفريقية جملَة وتفقه بِهِ جمَاعَة من أهل صفاقس أَخذ عَنهُ أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ وَأَبُو الْفضل النَّحْوِيّ وَأَبُو عَليّ الكلَاعِي وَعبد الحميد الصفاقسي وَعبد الْجَلِيل بن فوز وَله تَعْلِيق كَبِير على الْمُدَوَّنَة سَمَّاهُ التَّبْصِرَة مُفِيد حسن لكنه رُبمَا اخْتَار فِيهِ وَخرج فَخرجت اختياراته عَن الْمَذْهَب توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن أهل الأندلس
عَليّ أَبُو الْحسن بن خلف(1/203)
ابْن بطال الْبكْرِيّ يعرف بِابْن اللجام أصلهم من قرطبة وأخرجتهم الْفِتْنَة إِلَى بلنسية روى عَن الطلمنكي وَأبي الْمطرف القنازعي وَأبي الْوَلِيد بن يُونُس عَن عبد الله القَاضِي وَأبي عمر عفيف والمهلب بن أبي صفرَة كَانَ من أهل الْعلم والمعرفة والفهم عني بِالْحَدِيثِ الْعِنَايَة التَّامَّة وأتقن مَا قيد مِنْهُ استقضى بلورقة وَحدث عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء وَألف شرح البُخَارِيّ توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن كتاب الصِّلَة
عَليّ بن إِسْمَاعِيل يعرف بِابْن سَيّده من أهل مرسية يكنى أَبَا الْحسن روى عَن أَبِيه وَعَن أبي عمر الطلمنكي وصاعد اللّغَوِيّ وَغَيرهم وَله تآليف حسان مِنْهَا كتاب الْمُحكم فِي اللُّغَة وَكتاب الْمُخْتَصر وَكتاب الأنيق فِي شرح الحماسة وَغير ذَلِك وَذكر الوقشي عَن أبي عمر الطلمنكي قَالَ دخلت مرسية فنشبت فِي أَهلهَا ليسمعوا عَليّ غَرِيب المُصَنّف فَقلت لَهُم انْظُرُوا إِلَى من يقْرَأ لكم وَأَمْسَكت أَنا كتابي فأتوني بِرَجُل أعمى يعرف بِابْن سَيّده فقرأه عَليّ من أَوله إِلَى آخِره(1/204)
فعجبت من حفظه وَكَانَ أعمى ابْن أعمى وَذكره الْحميدِي وَقَالَ إِنَّه إِمَام فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة حَافِظًا لَهما وَله مَعَ ذَلِك فِي الشّعْر حَظّ وَشرح أَبْيَات الْجمل لأبي الْقَاسِم الزّجاج وَمَات قَرِيبا من سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
عَليّ بن أَحْمد بن خلف بن مُحَمَّد الباذش الْأنْصَارِيّ من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْحسن الشَّيْخ الْأُسْتَاذ إِمَام الْفَرِيضَة بِجَامِع غرناطة كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى وَاحِدًا فِي زَمَانه إتقاناً وَمَعْرِفَة ومشاركة فِي الْعُلُوم وانفراد بِعلم الْعَرَبيَّة مشاركاً فِي الحَدِيث عَالما بأسماء رِجَاله ونقلته مَعَ الدّين والزهد وَالْفضل الإنقباض عَن أهل الدُّنْيَا قَرَأَ على الْمقري بغرناطة أبي الْقَاسِم نعْمَة الْخلف بن مُحَمَّد بن يحيى الْأنْصَارِيّ وَأبي عَليّ الصَّدَفِي وَغَيرهم يطول ذكرهم مِمَّن حدث عَنهُ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن عَطِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو عبد الله بن عبد الرَّحِيم وَالْقَاضِي أَبُو خَالِد عبد الله بن أبي زمنين وَغَيرهم من أكَابِر الْعلمَاء الجلة ألف فِي النَّحْو كتبا مِنْهَا على كتاب سِيبَوَيْهٍ وعَلى كتاب المقتضب وعَلى(1/205)
الْأُصُول لِابْنِ السراج وَشرح كتاب الْإِيضَاح وَكَلَامه على كتاب الْجمل لأبي الْقَاسِم وَكَلَامه على الْكَافِي لِابْنِ النّحاس مَعَ التَّنْبِيه على وهمه فِي نَحْو مائَة مَوضِع إِلَى غير ذَلِك مولده فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة توفّي فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة
عَليّ بن أَحْمد بن الْحسن الْمذْحِجِي الْفَقِيه الْحَافِظ القَاضِي يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بحدة من أهل حصن ملتماس كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من أولي الْأَصَالَة والصيانة وَالتَّعَفُّف والعكوف على الْخَيْر قَرَأَ على الشَّيْخَيْنِ الصَّالِحين أبي جَعْفَر بن الزيات وَأبي عبد الله بن الكماد وَأخذ عَنْهُمَا وَولي الْقَضَاء بِبَلَدِهِ نَحْو عشْرين سنة فحمدت سيرته ثمَّ ولي قَضَاء مالقة فظهرت درايته ومعرفته بِالْأَحْكَامِ وصرامته فِي إِنْفَاذ الْحق وجزالته فِي مقاطع الْحُقُوق ثمَّ ألح فِي طلب الإعفاء فأعفي وَعَاد إِلَى قَضَاء بَلَده وخطب بِهِ وَله تآليف مِنْهَا أجوبة حَسَنَة فِي الْفِقْه وصنف على كتاب البراذعي تَعْلِيقا حسنا بلغ فِيهِ إِلَى آخر رزمة الْبيُوع ثَلَاثَة عشر سفرا توفّي عَام سِتَّة وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة(1/206)
عَليّ بن عمر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْكِنَانِي القيجاطي يكنى أَبَا الْحسن كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى أوحد زَمَانه علما وتخلقاً وتواضعاً وتفننا وَقعد بِمَسْجِد غرناطة الْأَعْظَم يقريء فنوناً من الْعلم من قِرَاءَة وَفقه وعربية وأدب وَولي الخطابة وناب عَن بعض الْقُضَاة بالحضرة مشكور المأخذ حسن السِّيرَة عَظِيم النَّفْع وقصده النَّاس وَأخذ عَنهُ الْبعيد والقريب وَكَانَ أديباً لوذعياً وَله تآليف فِي فنون توفّي عَام ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن سُلَيْمَان من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بِابْن الْخَبَّاب كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى متفننا فِي عُلُوم إِمَّا مَا فِي البلاغة وَالْأَدب شيخ طلبة الأندلس رِوَايَة وتحقيقاً ومشاركة فِي كثير من الْعُلُوم قَائِما على الْعَرَبيَّة واللغة إِمَامًا فِي الْفَرَائِض والحساب عَارِفًا بالقراآت والْحَدِيث متبحراً فِي الْأَدَب والتاريخ مشاركاً فِي علم التصوف حَامِل راية المنظوم والمنثور جلدا على الْخدمَة مراقباً لوظائف الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة صَاحب مجاهدة وملازمة عبَادَة على طَريقَة مثلى من(1/207)
الانقباض والنزاهة وإيثار التقشف محباً فِي أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَهُوَ شيخ ابْن الْخَطِيب مؤلف كتاب الْإِحَاطَة تأدب بِهِ وَتخرج بَين يَدَيْهِ وَورث خطته فِي الْكِتَابَة على السلطنة وَتقدم فِي ذَلِك فِي حَيَاة أبي الْحسن وَقَالَ إِن ذَلِك كَانَ يُرْضِي أَبَا الْحسن وَمن نظم أبي الْحسن رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ ... هِيَ النَّفس إِن أَنْت سامحتها ... رمت بك أقصا مهاوي الخديعة
وَإِن أَنْت جشمتها خطة ... تنَافِي رِضَاهَا تجدها مطيعه
فَإِن شِئْت فوزاً فناقض هَواهَا ... وَإِن وصلتك أجزها القطيعه
وَلَا تعبأن بميعادها ... فميعادها كسراب بقيعه ... مولده عَام ثَلَاثَة وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
عَليّ بن مُوسَى بن عبد الْملك بن سعيد بن خلف بن سعيد غرناطي قلعي سكن تونس يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بِابْن(1/208)
سعيد هَذَا الرجل وَإِن لم يكن من نمط من قصدنا ذكرهم فَإِن تآليفه استملت على كثير من الْفَوَائِد العلمية فقصدت ذكره لذَلِك وَهَذَا الرجل وَاسِطَة عقد بَيته ودرة قومه المُصَنّف الأديب الرّحال الطرفة الإخباري العجيب الشَّأْن فِي التجول فِي الْإِفْطَار ومداخلة الْأَعْيَان والتمتع بالخزائن العلمية وَتَقْيِيد الْفَوَائِد المشرقية والمغربية أَخذ عَن أَعْلَام إشبيلية كَأبي عَليّ الشلوبين وَأبي الْحسن الدباج وَأبي الْحسن بن عُصْفُور وَغَيرهم وتآليفه كَثِيرَة مِنْهَا المرقصات والمطربات عَزِيز الْوُجُود والمقتطف أعجب وَأغْرب والطالع السعيد فِي تَارِيخ بني سعيد وبيته وبلده والموضوعان الغريبان المتعدد الْأَسْفَار وَهُوَ المعرب فِي حلى الْمغرب والمشرق فِي حلى الْمشرق وَغير ذَلِك مِمَّا لم يصل إِلَيْنَا فَلَقَد حَدثنِي الْوَزير أَبُو بكر بن الْحَكِيم أَنه خلف كتابا يُسمى الرزمة يشْتَمل على وقر بعير من رزم الكراريس لَا يعلم مَا فِيهِ من الْفَوَائِد الأدبية والإخبارية إِلَّا الله عز وَجل وَلما دخل مصر دَعَاهُ سيف الدّين بن سَابق إِلَى مجْلِس بضفة النّيل مَبْسُوط بالورد وَقد قَامَت حوله شمامات نرجس فَقَالَ فِي ذَلِك ... من فضل النرجس فَهُوَ الَّذِي ... يرضى بِحكم الْورْد أَن يرأس
أما ترى الْورْد غَدا قَاعِدا ... وَقَامَ فِي خدمته النرجس ... وَوَافَقَ ذَلِك مماليك التّرْك وقوفاً فِي الْخدمَة على عَادَة المشارقة فطرب الْحَاضِرُونَ لذَلِك وَلَقي بِمصْر الإِمَام زهيراً الْحِجَازِي وَكَمَال الدّين بن العديم رَسُول صَاحب حلب واتصل بِصَاحِب حلب وانثالت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْخلْع الملوكية والتواقيع بالأرزاق مَا لَا يُوصف ثمَّ تحول إِلَى دمشق وَدخل مجْلِس السُّلْطَان الْمُعظم ابْن الْملك الصَّالح بِدِمَشْق وَدخل بَغْدَاد وَرجع إِلَى تونس واتصل بِخِدْمَة صَاحب تونس الْأَمِير أبي عبد الله الْمُسْتَنْصر فنال الدرجَة الرفيعة من حظوته مولده بغرناطة فِي سنة عشر وسِتمِائَة وَتُوفِّي بتونس فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الغساني يكنى أَبَا الْحسن كَانَ من جلة الطّلبَة(1/209)
ونبهائهم وأذكيائهم وصلحائهم عِنْده معرفَة بالفقه ومشاركة فِي الحَدِيث وَمَعْرِفَة بالنحو وَالْأَدب وَحسن نظم ونثر من أحسن النَّاس نظماً للوثائق وأتقنهم لَهَا وأعرفهم بنقدها روى عَن أبي الْعَبَّاس الْجُزُولِيّ وَأبي الْحسن طَاهِر بن يُوسُف بن فتح الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وَمن تآليفه شرح صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج فِي أسفار كَثِيرَة أَجَاد فِيهِ كل الإجادة وَله كتاب فِي الْأَسْمَاء الْحسنى سَمَّاهُ بالوسيلة وَله نظم فِي شمائل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي بِمَدِينَة وَاد آش
عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجذامي القَاضِي المتفنن الْحَافِظ من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بِابْن القفاص كَانَ فَاضلا جَلِيلًا ضابطاً لما رَوَاهُ فَقِيها حَافِظًا حسن التَّقْيِيد وَله تآليف وَاخْتصرَ كتاب الاستذكار لأبي عمر بن عبد الْبر وَغير ذَلِك روى عَن أبي مُحَمَّد عبد الْحق بِابْن بونة وَالْقَاضِي أبي عبد الله بن زرقون وَأبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأبي زيد السُّهيْلي وَأبي عبد الله بن الفخار وَأبي الْوَلِيد بن رشد مولده عَام خَمْسَة وَخمسين وَخَمْسمِائة توفّي عَام اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمن بن الضَّحَّاك الْفَزارِيّ من أهل غرناطة يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بِابْن الْمقري قَالَ أَبُو الْقَاسِم الغافقي فَقِيه مشاور بغرناطة رِوَايَة مُحدث مُتَكَلم أَخذ عَن الْحسن شُرَيْح وَعَن الإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن الباذش وَعَن أبي الْقَاسِم بن ورد وَعَن القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى وَعَن الإِمَام أبي عبد الله الْمَازرِيّ وَعَن أبي الطَّاهِر السلَفِي وَعَن أبي مَرْوَان بن مرّة وَعَن أبي مُحَمَّد بن سماك القَاضِي وَعَن القَاضِي أبي مُحَمَّد بن عَطِيَّة وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم وَله تآليف فِي أَنْوَاع الْعلم مِنْهَا كتاب نزهة الأصفياء وسلوة الْأَوْلِيَاء فِي فضل الصَّلَاة على خَاتم الْأَنْبِيَاء صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَا عشر جُزْء أَو شمائل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفران كبيران وَمِنْهَا السداد فِي شرح الرشاد ثَلَاثُونَ جزأ ومدارك الْحَقَائِق فِي أصُول الْفِقْه خَمْسَة عشرَة جزأ وَكتاب التَّحْقِيق الْمَقْصد السّني فِي معرفَة الصَّمد الْعلي سفر وَكتاب نتائج الأفكار فِي إِيضَاح مَا يتَعَلَّق بمسائل(1/210)
الْأَقْوَال من الغوامض والأسرار سفر وَكتاب تَنْبِيه المتعلمين على الْمُقدمَات والفصول وَشرح المبهمات مِنْهَا وَالْأُصُول سفر وَكتاب السباعياب وَكتاب تَبْيِين مسالك الْعلمَاء فِي مدارك الْأَسْمَاء وَكتاب وَسَائِل الْأَبْرَار وذخائر الخطوة والإيثار فِي انتخاب الْأَدْعِيَة المستخرجة من الْأَخْبَار والْآثَار وَكتاب الْأَعْلَام فِي اسْتِيعَاب الرِّوَايَة عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام سفران توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة
عَليّ بن عَليّ بن أَحْمد بن سُلَيْمَان النفزي أسطي الأَصْل سكن غرناطة يكنى أَبَا الْحسن كَانَ فَقِيها عَارِفًا بِمذهب مَالك مَنْسُوبا إِلَى فهمه وَحسن الاستنباط فِي النَّوَازِل قَرَأَ على أبي بَحر الكفيف وَأبي مَرْوَان بن قزمان روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن الطيلسان وَكَانَ حَيا سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة
عَليّ بن سُلَيْمَان بن الزهراوي أَبُو الْحسن كَانَ من أهل الْعلم وَالتَّفْسِير والقراآت والفرائض لَهُ الْمُعَامَلَات على طَرِيق الْبُرْهَان والزهراوي فِي الطِّبّ وَكتاب كَبِير فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَكَانَ إِمَام الْجَامِع الْكَبِير بغرناطة والخطيب بِهِ وَحج وَرجع إِلَى غرناطة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مَرْوَان بن عمر الغساني من أهل وَاد آش يكنى أَبَا الْحسن كَانَ فَقِيها حَافِظًا يقظاً حسن النّظر أديباً شَاعِرًا مجيداً كَاتبا بليغاً فَاضلا روى عَن أبي إِسْحَق بن عبد الرَّحِيم الْقَيْسِي وَأبي الْحسن طَاهِر بن يُوسُف وَأبي الْعَبَّاس الْجُزُولِيّ وَأبي الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن الْفرس الغرناطي وَمُحَمّد بن عَليّ بن ميسرَة روى عَنهُ أَبُو بكر بن عبد النُّور وَأَبُو جَعْفَر بن الدَّلال وَأَبُو سعيد الطرز وَأَبُو الْقَاسِم بن الطيلسان ألف فِي شرح الْمُوَطَّأ مصنفاً سَمَّاهُ نهج المسالك للتفقه فِي مَذْهَب مَالك فِي عشر مجلدات وَشرح صَحِيح مُسلم سَمَّاهُ اقتباس السراج فِي شرح مُسلم بن الْحجَّاج وَله شرح تَفْرِيع ابْن الْجلاب سَمَّاهُ الترصيع فِي شرح مسَائِل التَّفْرِيع وصنف فِي الْآدَاب منظوماته ورسائله وَهِي شهيرة شاهدة بتبريزه وتقدمه وَله نظم شمائل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالة بديعة تشْتَمل على نظم ونثر بعث بهَا إِلَى الْقَبْر(1/211)
الشريف وَله كتاب الْوَسِيلَة إِلَى إِصَابَة الْمَعْنى فِي أَسمَاء الله الْحسنى مولده سنة سبع وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة تسع وسِتمِائَة
عَليّ بن صَالح بن أبي اللَّيْث الأسعد بن الْفرج بن يُوسُف طرطوشي وَيعرف بِابْن عز النَّاس كَانَ عَالما بالفقه حَافِظًا لمسائله مُتَقَدما فِي علم الْأُصُول ثاقب الذَّهَب ذكي الْفُؤَاد بارع الاستنباط مُسَدّد النّظر متوقد الخاطر فصيح الْعبارَة أَخذ عَن أبي مُحَمَّد بن الطُّفَيْل وروى عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي الْقَاسِم بن ورد وَأبي الْوَلِيد بن رشد وروى عَنهُ جمَاعَة من الجلة وَله مصنفات مِنْهَا كتاب الْعُزْلَة وَشرح مَعَاني التَّحِيَّة مولده سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْحق الزرويلي يكنى أَبَا الْحسن وَيعرف بالصغير بِضَم الصَّاد وَفتح الْغَيْن وَالْيَاء مُشَدّدَة قَالَ ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة كَانَ هَذَا الرجل فِيمَا على تَهْذِيب البراذعي فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة حفظا وتفقهاً يُشَارك فِي شَيْء من أصُول الْفِقْه يطرز بذلك مجالسه مغرماً بِهِ بَين أقرانه من المدرسين فِي ذَلِك الْوَقْت لخمولهم تِلْكَ الطَّرِيقَة وَكَانَ ربعَة آدم اللَّوْن خَفِيف العارضين يلبس أحسن زِيّ صنفه وَكَانَ يدرس بِجَامِع الأصدع من دَاخل مَدِينَة فاس ويحضر عَلَيْهِ نَحْو مائَة نفس وَيقْعد على كرْسِي عَال يسمع الْبعيد والقريب على انخفاض كَانَ فِي صَوته حسن الإقراء وقورا فِيهِ سُكُون متثبتاً صَابِرًا على هوج طلبة البربر وَسُوء طريقتهم فِي المناظرة والبحث وَكَانَ أحد الأقطاب الَّذين تَدور عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيَّام حَيَاته ترد عَلَيْهِ السؤالات من جَمِيع بِلَاد الْمغرب فَيحسن التوقيع على ذَلِك على طَرِيق من الِاخْتِصَار وَترك فضول القَوْل ولي الْقَضَاء بفاس قدمه أَبُو الرّبيع سُلْطَان الْمغرب وَأقَام أوده وعضده فَانْطَلَقت يَده على أهل الجاه فَأَقَامَ الْحق على الْكَبِير وَالصَّغِير وَجرى فِي الْعَمَل على صِرَاط مُسْتَقِيم ونقم عَلَيْهِ اتخذا شمام يستنشق على النَّاس رَوَائِح الْخمر ويحق أَن ينْتَقد ذَلِك أَخذ عَن الْفَقِيه رَاشد بن أبي رَاشد الوليدي وانتفع بِهِ وَعَلِيهِ كَانَ اعْتِمَاده وَأخذ عَن صهره أبي الْحسن بن سُلَيْمَان وَأبي عمرَان الحواراني وَعَن(1/212)
غَيرهم وقيدت عَنهُ تقاييد على التَّهْذِيب وعَلى رِسَالَة ابْن أبي زيد قيدها عَنهُ تلامذته وأبرزها تأليفاً كَأبي سَالم بن أبي يحيى وصل رَسُولا إِلَى الأندلس على عهد مستقضيه وَدخل غرناطة توفّي عَام تِسْعَة عشر وَسَبْعمائة ونقلت من خطّ شَيخنَا الإِمَام الْعَالم أبي عبد الله بن مَرْزُوق على طرة كتاب الْإِحَاطَة عِنْد ذكر أبي الْحسن الصَّغِير مَا نَصه قصر المُصَنّف فِي التَّعْرِيف والإعلام بالشيخ أبي الْحسن شيخ الْإِسْلَام وَهُوَ الَّذِي مَا عاصره مثله بل وَمَا تقدمه فِيمَا قَارب من الإعصار وَهُوَ الَّذِي جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وبمقامه فِي التفقه والتحصيل يضْرب الْمثل رَحمَه الله تَعَالَى
عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن حسن بن عَطِيَّة الملقب شمس الدّين وشهرته أبي الْحسن الأبياري قَالَ الْحَافِظ أَبُو المظفر مَنْصُور بن سليم كَانَ الأبياري من الْعلمَاء الْأَعْلَام وأئمة الْإِسْلَام بارعاً فِي عُلُوم شَتَّى الْفِقْه وأصوله وَعلم الْكَلَام ودروس بالثغر المحروس ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وناب فِي الحكم عَن القَاضِي أبي الْقَاسِم عبد الرحمن بن سَلامَة الْقُضَاعِي الْمَالِكِي وانتفع بِهِ جمَاعَة وَله تصانيف حَسَنَة مِنْهَا شرح الْبُرْهَان لأبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَله كتاب سفينة النجَاة على طَريقَة الْإِحْيَاء قَالَ شهَاب الدّين بن هِلَال وَسمعت الْفُضَلَاء يَقُولُونَ إِنَّه أَكثر إتقاناً من الْأَحْيَاء وَأحسن مِنْهُ وَكَانَ الإِمَام الْعَلامَة بهاء الدّين عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن عقيل الْمصْرِيّ الشَّافِعِي بِفضل الأبياري على الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي الْأُصُول وَله تَكْمِلَة على كتاب مخلوف الَّذِي جمع فِيهِ بَين التَّبْصِرَة وَالْجَامِع لِابْنِ يُونُس والتعليقة لأبي إِسْحَق تَكْمِلَة حَسَنَة جدا تدل على قوته فِي الْفِقْه وأصوله وَكَانَ قد تفقه بِجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو الطَّاهِر بن عَوْف وَقد ذكرت تَرْجَمَة ابْن عَوْف وروى الحَدِيث أَيْضا عَنهُ قَالَ الْحَافِظ ابْن يقظة سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ الْحَافِظ وحيد الدّين أَبُو المظفر وَأَصله من أبيار مَدِينَة من بِلَاد مصر على شاطيء النّيل بَينهَا وَبَين الْإسْكَنْدَريَّة أقل من يَوْمَيْنِ وَهِي بِفَتْح الْهمزَة وَبعدهَا يَاء مثناة من تَحت وَبعدهَا ألف ثمَّ رَاء مُهْملَة وَبَعْضهمْ يصحفها بأنبار بنُون(1/213)
بعد الْهمزَة توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة
عَليّ بن عبد الله بن أبي مطر الْمعَافِرِي الإسكندري الْفَقِيه الْعَالم قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة روى عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون صَاحب الْوَلِيد بن مُسلم وَغَيره توفّي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة عَن مائَة سنة
عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْظُور بن الْمُنِير يلقب زين الدّين هُوَ أَخُو القَاضِي نَاصِر الدّين بن الْمُنِير ولي الْقَضَاء بعد أَخِيه بالإسكندرية وَقَرَأَ الْفِقْه على أَخِيه نَاصِر الدّين وعَلى أبي عَمْرو بن الْحَاجِب وَكَانَ بعض أكَابِر الْعلمَاء يفضله على أَخِيه نَاصِر الدّين وَإِن كَانَ أَخُوهُ نَاصِر الدّين أشهر مِنْهُ وَله شرح على البُخَارِيّ فِي عدَّة أسفار لم يعْمل على البُخَارِيّ مثله يذكر التَّرْجَمَة ويورد عَلَيْهَا أسئلة مشكلة حَتَّى يُقَال لَا يُمكن الِانْفِصَال عَنْهَا ثمَّ يُجيب عَن ذَلِك ثمَّ يتَكَلَّم على فقه الحَدِيث ومذاهب الْعلمَاء ثمَّ يرجح الْمَذْهَب ويفرع وَكَانَ مِمَّن لَهُ أَهْلِيَّة التَّرْجِيح الإجتهاد فِي مَذْهَب مَالك كَذَا ذكره شهَاب الدّين بن هِلَال وَلم أَقف على وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى
عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم فَرِحُونَ الْعمريّ التّونسِيّ الأَصْل الْمدنِي المولد والمنشأ كنيته أَبُو الْحسن قَرَأَ الْقُرْآن على الشَّيْخ أبي عبد الله القصري وعَلى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم السروري وَسمع الحَدِيث بِالْمَدِينَةِ على وَالِده وعَلى الشَّيْخ أبي عبد الله بن حُرَيْث خطيب تلمسان وعَلى الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف بن حسن الزرندي وَالشَّيْخ جمال الدّين المطري وَالشَّيْخ أبي عبد الله بن جَابر الْعَبْسِي الوادآشي وزين الدّين الطَّبَرِيّ وَشرف الدّين الزبير الأسواني والسراج الدمنهوري وَالْقَاضِي شرف الدّين الأميوطي وَابْن المكرم الْمصْرِيّ قطب الدّين وَسمع بالمقدس على الشَّيْخ شرف الدّين الْخُشَنِي وَالشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي وَغَيرهمَا وَسمع بِدِمَشْق على الحافظين جمال الدّين الْمُزنِيّ وشمس الدّين الذَّهَبِيّ وجمال الدّين أبي سُلَيْمَان دَاوُد بن الْعَطَّار وشمس الدّين بن الخباز وَصدر الدّين أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن عبد الْحَكِيم الغماري الْمَالِكِي وشمس الدّين مُحَمَّد بن عرنشاه الْهَمدَانِي وجمال الدّين بن(1/214)
الغويرة الْحَنَفِيّ وَغَيرهم مِمَّن يكثر تعدادهم ورحل إِلَى مصر وَإِلَى الْمغرب سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَسمع الحَدِيث وَأخذ علم الْفِقْه والأصلين عَن جمَاعَة من الْعلمَاء فلقي بتونس قَاضِي الْقُضَاة أَبَا إِسْحَق بن عبد الرفيع وَأخذ عَن الشَّيْخ أبي عَليّ بن قداح الْهَرَوِيّ وَلَقي بفاس جمَاعَة من الْعلمَاء الْأَعْلَام فَأخذ عَنْهُم وَأخذ عَنهُ بالمغرب جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس القباب وَكَانَ رَحمَه الله مُحدثا متقناً ضابطاً عَارِفًا بضبط الحَدِيث وَأَسْمَاء رِجَاله ولغته فَاضلا فِي الْفِقْه والأصلين والعربية والمعاني وَالْبَيَان متبحرا فِي اللُّغَة وَالْأَدب مشاركاً فِي الجدل والمنطق واشتغل فِي آخر عمره بِالنّظرِ فِي كتب التصوف وَلزِمَ الِاشْتِغَال بالفقه والعربية فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَكَانَت لَهُ وجاهة عَظِيمَة عِنْد أُمَرَاء الْمَدِينَة وَكَانَ مقصداً للشفاعات إِلَيْهِم فَلَا ترد لَهُ شَفَاعَة فِي غَالب الْأَمر وَله تآليف وتقاييد حَسَنَة مفيدتة مِنْهَا نزهة النّظر ونخبة الْفِكر فِي شرح لامية الْعَجم وذيلها لَهُ اشْتَمَل على لُغَة كَثِيرَة وصناعة بديعة وَالشَّرْح الْمُغنِي لقصيدة عَمْرو الجني وَهِي مُشْتَمِلَة على مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب الْهَادِي عَن أسئلة الشَّيْخ أبي هادي وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو هادي أحد شُيُوخ القيروان فِي وقته فِي الطَّرِيقَة سَأَلَهُ عَن أسئلة من الْقُرْآن وَالسّنة فَأجَاب عَنْهَا وغنية الراغبين فِي اخْتِصَار منَازِل السائرين وَشرح حَدِيث أم زرع وَشرح قصيدة كَعْب بن زُهَيْر وتخميسها وَله على شرح ابْن الْحَاجِب لِابْنِ عبد السَّلَام حواش تكلم فِيهَا على مَا لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ الشَّارِح من أصل الْمُؤلف وَتعقب على الشَّارِح مَوَاضِع كَثِيرَة بلغ فِيهِ إِلَى أثْنَاء كتاب الْحَج وَله فِي الْعَرَبيَّة تقاييد مختصرة وَله شعر كثير فِي غَايَة الْجَوْدَة توفّي رَحمَه الله يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة مولده لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عَمْرو من الطَّبَقَة الرَّابِعَة من الْعرَاق وَمَا وَرَاءه من الْمشرق غير آل حَمَّاد
عَمْرو أَبُو الْفرج بن عَمْرو اللَّيْثِيّ القَاضِي وَيُقَال ابْن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ(1/215)
هَذَا صَحِيح اسْمه وَوهم من سَمَّاهُ مُحَمَّد أَبُو الْحُسَيْن نَشأ بِبَغْدَاد وَأَصله من الْبَصْرَة صحب إِسْمَاعِيل وتفقه مَعَه وَكَانَ من كِتَابه فِيمَا ذكر وَصَحب غَيره من المالكيين وَولي قَضَاء طرسوس وأنطاكية والمصيصة والثغور وَكَانَ فصيحاً لغوياً فَقِيها مُتَقَدما وَلم يزل قَاضِيا إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَقيل إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَتعلم الفروسية والثقافة حَتَّى كَانَ يفوق الفرسان ثمَّ رَجَعَ من بَغْدَاد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فِي رفْقَة فَقطع بهم أَعْرَاب بني تَمِيم فاجتاحوها وَذهب أَبُو الْفرج فِيمَن ذهب وَمَات عطشاً فِي الْبَريَّة وَله الْكتاب الْمَعْرُوف بالحاوي فِي مَذْهَب مَالك وَكتاب اللمع فِي أصُول الْفِقْه روى عَنهُ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَأَبُو عَليّ بن السكن أَبُو الْقَاسِم عبيد الشَّافِعِي وَعلي بن الْحُسَيْن بن بنْدَار بن القَاضِي الْأَنْطَاكِي وَعمر بن المؤمل الطرسوسي الْحَافِظ وَغَيرهم وَسمع مِنْهُ بأنطاكية وطرسوس وَغَيرهمَا من بِلَاد الشَّام رَحمَه الله تَعَالَى
من اسْمه عَامر
عَامر بن مُحَمَّد بن عَامر بن خلف بن مرجا الْأنْصَارِيّ كَانَ فَقِيها حَافِظًا للمسائل مفتياً بِالرَّأْيِ مَعْرُوفا بالفهم والإتقان بَصيرًا بالفتوى شوور بِبَلَدِهِ وببلنسية وَولي الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن سَحْنُون وَكَانَ حَافظ وقته لم يعاصره مثله روى عَن أَبِيه وتلا بالسبع عَليّ بن ذرْوَة الْمرَادِي وَلَقي أَبَا الْقَاسِم بن النّحاس وَأخذ الحَدِيث عَن أبي بَحر الْأَسدي وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأبي جَعْفَر بن مُحرز وَأبي الْحُسَيْن بن وَاجِب وَأبي عَليّ الصَّدَفِي وَأبي مُحَمَّد بن عتاب وبالإجازة عَن أبي الْوَلِيد بن رشد وَأبي عبد الله الْخَولَانِيّ وَغَيرهم واستكثر من لِقَاء الأكابر روى عَنهُ أَبُو بكر بن أبي جَمْرَة ومنور بن طَاهِر وَأَبُو الْخطاب وَابْن وَاجِب وَأَبُو الْقَاسِم بن الْبراق وَعبد الْمُنعم بن الْفرس وَغَيرهم من الجلة وَله تآليف مِنْهَا شَرحه للْمُدَوّنَة وَشَرحهَا مسئلة مسئلة بِكِتَاب كَبِير سَمَّاهُ الْجَامِع الْبَسِيط وبغية الطَّالِب النشيط حشد فِيهِ أَقْوَال الْفُقَهَاء وَرجح(1/216)
بَعْضهَا وَاحْتج لَهُ قَالُوا وَتُوفِّي قبل كَمَاله سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ولد سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
من اسْمه عَبَّاس من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من إفريقية
الْعَبَّاس بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن الْعَبَّاس أَبُو الْفضل الممسي وممسى قَرْيَة هُنَاكَ كَانَ فَقِيها فَاضلا بهَا عابداً أثنى عَلَيْهِ أهل مصر سمع من مُوسَى الْقطَّان والبجلي وجبلة بن حمود وَأحمد بن سُلَيْمَان كَانَ يتَكَلَّم فِي علم مَالك كلَاما عَالِيا وَيفهم علم الوثائق فهما جيدا ويناظر فِي الجدل وَفِي مَذَاهِب أهل النّظر على رسم الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء مناظرة حَسَنَة وَكَانَ لِسَانه مُبينًا وقلمه بليغا مَعَ حصانة الْعقل وذكاء الْفَهم وَكَانَ فِي المناظرة وَالْفِقْه أنزل مِنْهُ فِي الْكَلَام وَكَانَ من أهل الْمُرُوءَة والانقباض والصيانة لم يكن فِي طبقته أفقه مِنْهُ وَلَا أصون وعني بِالنّظرِ وَالْخلاف وَألف الأجداني فِي فضائله كَانَ من أهل الْحِفْظ والذكاء وَالْعلم بالوثائق صَالحا قواماً صواماً ورعاً حَافِظًا للفقه وَالْحجّة بِمذهب مَالك درس كَلَام القَاضِي إِسْمَاعِيل وَذكره أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ وفضله وَقَالَ مَا بَين مُحَمَّد بن سَحْنُون وَأبي الْفضل أشبه بِمُحَمد مِنْهُ لعلمه وورعه وزهده واجتهاده وَكَانَ من العاملين وَيُقَال إِن أهل مصر لم يعجبوا مِمَّن ورد عَلَيْهِم من الْمغرب إِلَّا من ثَلَاثَة من أبي طَالب أعجب مِنْهُ أُولَئِكَ الجلة ومُوسَى الْقطَّان فَإِنَّهُ كَانَ من أجل أَصْحَاب سَحْنُون وَأبي الْفضل الممسي وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد عِنْد قَتله وددت أَن القيروان سبيت وَلم يقتل أَبُو الْفضل وَكَانَ يثني عَلَيْهِ جدا وَألف كتابا فِي تَحْرِيم الْخمر نَاقض بِهِ كتاب الطَّحَاوِيّ وَله كتاب فِي أصُول الْأَعْمَال وَكتاب فِي اخْتِصَار كتاب مُحَمَّد بن الْمَوَّاز وَسمع فِي حجَّته حَدِيثا كثيرا سمع بِمصْر من جَعْفَر بن أَحْمد بن عبد السَّلَام وَأبي بكر الْحَضْرَمِيّ وَأبي عبيد الله بن الرّبيع الجيزي وَأبي الْحُسَيْن بن المنتاب بِمَكَّة وَغَيرهم أَخذ عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَمُحَمّد بن حَارِث وَأَبُو بكر الزرويلي وَأَبُو الْأَزْهَر بن مغيث وَغَيرهم وَلما انْصَرف من رحلته لزم الانقباض والنسك إِلَى أَن مَاتَ قَتِيلا شَهِيدا رَحمَه الله تَعَالَى وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَهُوَ على حَالَته من الِاجْتِهَاد وَكَانَ من أهل النَّظَافَة وعلو الهمة والنزاهة على غَايَة وَكَانَ لَهُ نعل لبيت مَائه وَآخر لمشيه فِي دَاره وَآخر يمشي بِهِ إِلَى مُصَلَّاهُ وسلك أَبُو مُحَمَّد ابْن أبي زيد مسلكه فِي مشيته وهمته وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين والموطأ وَهُوَ ابْن خَمْسَة عشر وَقَالَ مُحَمَّد ابْنه كَانَ أبي لَا يدْخل أحد مرحاضه سواهُ وَفِيه آنيته وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ومفتاحه مَعَه فَيوم قتل سمعنَا أنيته انْكَسَرت فِيهِ وَلها وجبة فَقَالَت الوالدة أَعْطَانَا الله خَيرهَا فَإِذا بهَا السَّاعَة الَّتِي اسْتشْهد فِيهَا رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل الْعرَاق الشَّيْخ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ
عبيد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عفير يخرج إِلَى غنم بن مَالك بن النجار وَسَماهُ بَعضهم عبد الله أَصله من هراة وتمذهب بِمذهب مَالك وَلَقي جلة من أَعْلَام الْمَذْهَب وَأخذ عَنْهُم كَالْقَاضِي ابْن الْقصار ونظرائه وَغلب عَلَيْهِ الحَدِيث فَكَانَ فِيهِ إِمَامًا سمع من الْمُسْتَمْلِي والحموي وَأبي الْهَيْثَم السَّرخسِيّ وَعَلَيْهِم عول فِي البُخَارِيّ وَألف كتابين أَحدهمَا فِيمَا روى عَنهُ الحَدِيث اشْتَمَل على نَحْو ألف وَمِائَة اسْم وأزيد من الْفُقَهَاء وَالْآخر فِيمَن لقِيه وَلم يَأْخُذ عَنهُ وَسكن الْحرم فجاور فِيهِ إِلَى أَن مَاتَ قَالَ حَاتِم بن مُحَمَّد كَانَ أَبُو ذَر مالكيا حبرًا فَاضلا متقللاً من الدُّنْيَا بَصيرًا بِالْحَدِيثِ وَعلله وتمييز الرِّجَال وَله تآليف مِنْهَا كِتَابه الْكَبِير فِي الْمسند الصَّحِيح الْمخْرج على البُخَارِيّ وَمُسلم وَكتاب الْجَامِع(1/217)
وَكتاب السّنة وَالصِّفَات وَكتاب الدَّعْوَات وفضائل الْقُرْآن وفضائل الْعِيدَيْنِ ومسانيد الْمُوَطَّأ وَفضل يَوْم عَاشُورَاء وكرامة الْأَوْلِيَاء والرؤيا والمنامات وَفضل مَالك بن أنس والمناسك وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَكتاب الرِّبَا وَالْيَمِين الْفَاجِرَة وَكتاب شَهَادَة الزُّور وبيعة الْعقبَة وَمَا رُوِيَ فِي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَكتاب شُيُوخه توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن عبد الرحيم بن مُحَمَّد الخزرجي من أهل غرناطة يعرف بِابْن الْفرس ويكنى أَبَا عبد الله سمع جده أَبَا الْقَاسِم وأباه عبد الله وتفقه بِهِ فِي الحَدِيث وَكتب أصُول الْفِقْه وَالدّين وَسمع أَبَا الْوَلِيد بن قفزة وَأَبا مُحَمَّد بن أَيُّوب وَأَبا الْوَلِيد ابْن الدّباغ وَأَبا الْحسن بن هُذَيْل وَأخذ عَنهُ القراآت وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ طَائِفَة كَثِيرَة من أعيانهم مِنْهُم أَبُو الْحسن بن مغيث وَأَبُو الْقَاسِم بن بَقِي وَأَبُو الْحسن بن شُرَيْح وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَأَبُو الْحجَّاج الْقُضَاعِي وَأَبُو مُحَمَّد الرشاطي وَمن أهل الْمشرق أَبُو المظفر الشَّيْبَانِيّ وَأَبُو سعيد الْحلَبِي وَأَبُو عبد الله الْمَازرِيّ وَكَانَ محققاً للعلوم على تفاريعها وَأخذ فِي كل فن مِنْهَا وَتقدم فِي حفظ الْفِقْه وَالْبَصَر بالمسائل مَعَ الْمُشَاركَة فِي صناعَة الحَدِيث والعكوف عَلَيْهَا وتميز فِي أَبنَاء عصره بِالْقيامِ على الرَّأْي والشفوف عَلَيْهِ سَمِعت أَبَا الرّبيع بن سَالم يَقُول سَمِعت أَبَا بكر بن أعبد وناهيك بِهِ من شَاهد فِي هَذَا الْبَاب يَقُول غير مَا مرّة مَا أعلم بالأندلس أعلم بِمذهب مَالك من عبد الْمُنعم بن الْفرس بعد أبي عبد الله بن زرقون وبيته عريق فِي الْعلم والنباهة ولأبيه وجده رِوَايَة ودراية وجلالة كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم فَقِيها مشاوراً عَالما متفنناً وَألف كتابا فِي أَحْكَام الْقُرْآن جليل الْفَائِدَة من أحسن مَا وضع فِي ذَلِك وَله فِي الْأَبْنِيَة مَجْمُوع حسن حدث عَنهُ جلة من شُيُوخنَا وأكابر أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَذكره أَبُو عبد الله التجِيبِي فِي مشيخته وَقَالَ لَقيته بمرسة فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَقت رحلتي إِلَى أَبِيه وَرَأَيْت من حفظه وذكائه وتفننه فِي الْعُلُوم فأعجبت مِنْهُ وَكَانَ يحضر مَعنا التدريس وَالْإِلْقَاء عِنْد أَبِيه فَإِذا تكلم أنصت الْحَاضِرُونَ لجودة منا ينصه ولإتقانه واستيفائه بِجَمِيعِ مَا يجب أَن يذكر فِي الْوَقْت وَكَانَ نحيف الْجِسْم كثيف الْمعرفَة وَفِي مثله يَقُول بَعضهم ... إِذا كَانَ الْفَتى ضخم الْمَعَالِي ... فَلَيْسَ يضرّهُ الْجِسْم النحيل
ترَاهُ من الذكاء نحيف جسم ... عَلَيْهِ من توقده دَلِيل ... وَكَانَ شَاعِرًا وأنشدني كثيرا من شعره واضطرب فِي رِوَايَته قبل مَوته بِيَسِير لاختلال أَصَابَهُ من عِلّة خدر طاولته فَترك الْأَخْذ عَنهُ إِلَى أَن توفّي وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال عِنْد صَلَاة الْعَصْر يَوْم الْأَحَد الرَّابِع من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة تسع وَتِسْعين وخمسائة وَدفن خَارج بَاب إلبيرة وَحضر جنَازَته بشر كثير وَكسر النَّاس نعشه وتقسموه ومولده سنة أَربع وَقيل سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة قلت قَالَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى رَأَيْت فِي برنامج أبي الرّبيع بن سَالم الكلَاعِي كتاب أَحْكَام الْقُرْآن لشَيْخِنَا القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن عبد الرحيم وَهُوَ كتاب حسن مُفِيد جمعه رَحمَه الله تَعَالَى فِي ريعان الشبيبتين من طلبه وسنه فللنشاط اللَّازِم عَن ذَلِك آثر فِي حسن ترتيبه وتهذيبه قَرَأت عَلَيْهِ صَدرا من أَوله وناولني جَمِيعه فِي أَصله وَأَخْبرنِي أَنه فرغ من تأليفه بمرسية سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة وَالصَّوَاب فتح الْمِيم فِي(1/218)
برنامج وَفِيه لُغَة بِالْكَسْرِ وَصوب الْفَتْح غير وَاحِد من أهل اللُّغَة
عقيل بن عَطِيَّة بن أبي أَحْمد جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَطِيَّة الْقُضَاعِي من أهل طرطوشة يكنى أَبَا الْمجد كَانَ فَقِيها متصرفاً فِي فنون من الْعلم متقنا متقنا لما يناوله من ذَلِك حسن التهدي من بَيت علم وَولي عقيل قَضَاء غرناطة وسجلماسة روى عَن أبي الْقَاسِم بن بشكوال قَرَأَ عَلَيْهِ وَأَجَازَهُ وَله شعر حسن وَله تآليف مِنْهَا فصل الْمقَال فِي الموازنة بَين الْأَعْمَال تكلم تكلم فِيهِ مَعَ أبي عبد الله الْحميدِي وَشَيْخه أبي مُحَمَّد بن حزم فأجاد فِيهِ وَأحسن وأتى بِكُل بديع وأتقن وَشرح المقامات الحريرية وَرَأَيْت بِخَط شَيخنَا أبي عبد الله بن مَرْزُوق أَنه شرح الْمُوَطَّأ وَتُوفِّي سنة ثَمَان وسِتمِائَة
حرف الْغَيْن
الْغَازِي بن قيس من أهل قرطبة أموي يكنى أَبَا مُحَمَّد رَحل قَدِيما سمع من مَالك الْمُوَطَّأ وَمن ابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم وَهُوَ أول من أَدخل موطأ مَالك وَقِرَاءَة نَافِع إِلَى الأندلس وَقَرَأَ الْقُرْآن على نَافِع بن أبي نعيم وَانْصَرف إِلَى الأندلس بِعلم عَظِيم نفع الله بِهِ أَهله روى عَنهُ ابْنه وَابْن حبيب وَغَيرهمَا وَكَانَ يَقُول وَالله مَا كذبت كذبة مُنْذُ اغْتَسَلت وَلَوْلَا أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَه مَا فَاتَهُ وَكَانَ إِمَام النَّاس بقرطبة فِي الْقِرَاءَة كَانَ عَالما فَاضلا دينا ثِقَة مَأْمُونا يروي حَدِيثا كثيرا توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة
غَالب بن عَطِيَّة الْمحَاربي قد سبق ذكره فِي تَرْجَمَة وَلَده عبد الْحق بن الْأَغْلَب الإِمَام الْمُفَسّر
حرف الْفَاء
من اسْمه فضل من الطَّبَقَة الرَّابِعَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل الأندلس
فضل بن سَلمَة بن جرير بن منخل الْجُهَنِيّ مَوْلَاهُم أَبُو سَلمَة البجائي وَأَصله من إلبيرة سمع ببجاية وبإلبيرة من سعيد بن نمر وَابْن مجلون وَأحمد بن سُلَيْمَان وَغَيرهم ورحل رحلتين فَأَقَامَ فيهمَا عشرَة أَعْوَام فَسمع فيهمَا بالقيروان من المغامي وَهُوَ إِذْ ذَاك بهَا وَسمع من غَيره ولفى يحيى بن عمر وَجَمَاعَة من أَصْحَاب سَحْنُون ولازم حماساً ونظراءه من أهل الْعِنَايَة بالفقه فسلك طريقهم وَكَانَ من أوقف النَّاس على الرِّوَايَات وأعرفهم باخْتلَاف أَصْحَاب مَالك فَكَانَ حَافِظًا للفقه على مَذْهَب مَالك بعيد الصيت فِيهِ وَكَانَ يرحل إِلَيْهِ للسماع مِنْهُ والتفقه عِنْده وَكَانَ بَصيرًا بِالْمذهبِ حَافِظًا لَهُ متقناً قَالَ مُحَمَّد بن عِيسَى مَا علمت أَن أحدا تقدمه بالقيروان فِي الْحِفْظ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ كَانَ من أعلم النَّاس بِمذهب مَالك وَله مُخْتَصر فِي الْمُدَوَّنَة ومختصر(1/219)
الْوَاضِحَة زَاد فِيهِ من فقهه وَتعقب فِيهِ على ابْن حبيب كثيرا من قَوْله وَهُوَ من أحسن كتب المالكيين وَله مُخْتَصر لكتاب ابْن الْمَوَّاز وَكتاب جمع فِيهِ مسَائِل الْمُدَوَّنَة والمستخرجة والمجموعة وَله جُزْء فِي الوثائق حسن مُفِيد وَخرج إِلَى الْمشرق مَعَ أَبِيه وَعَمه مطرف وَكَانَ من أشغف النَّاس بحب الْمسَائِل وأبصرهم بعلل الوثائق حَافِظًا لاخْتِلَاف أَصْحَاب مَالك من أنصف النَّاس فِي المذاكرة وأقرأ ودرس بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع من بجاية توفّي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة
الْفضل بن عبد الرحمن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مسْعدَة العامري من أهل غرناطة يكنى أَبَا الحكم كَانَ من حفاظ أهل زَمَانه كَانَ يعرض على الْأُسْتَاذ ابْن السراج اثْنَتَيْ عشرَة دولة من كتب مُخْتَلفَة كل دولة مِنْهَا صفحة وَأكْثر عرضه عَن ظهر قلب حمل عَن الإِمَام أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَأَجَازَهُ وَالِده الْخَطِيب أَبُو بكر بن مسْعدَة وَأَجَازَهُ جده لأمه أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن الْفرس وَقَرَأَ على الْحَافِظ أبي مُحَمَّد عبد الله الْقُرْطُبِيّ وَأخذ عَنهُ الحَدِيث والنحو واللغة وعَلى الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الرندي وَابْن السراج وَغَيرهم توفّي سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَعشْرين سنة
فرج بن سَلمَة بن زُهَيْر البلوي قرطبي المولد أَصله من باجة كنيته أَبُو سعيد سمع من ابْن لبَابَة وتفقه مَعَه وَسمع من القَاضِي أسلم وَأحمد بن خَالِد وَمُحَمّد بن أَيمن وَأحمد بن بَقِي وَابْن أبي تَمام وَابْن وليد وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم ورحل فَسمع بالقيروان من ابْن اللباد وَغَيره كَانَ حَافِظًا للرأي وَالْفِقْه على مَذْهَب مَالك بَصيرًا بالمناظرة مشاوراً فِي الْأَحْكَام واستقضي بمواضع وَله فِي الوثائق تأليف حسن توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة
فرج بن قَاسم بن لب الثَّعْلَبِيّ أَبُو سعيد الأندلسي شيخ شُيُوخ غرناطة كَانَ شَيخا فَاضلا عَالما متفنناً انْفَرد برئاسة الْعلم وَإِلَيْهِ كَانَ المفزع فِي الْفَتْوَى وَكَانَ إِمَامًا فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه تخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَله تآليف مفيدة وَله نظم حسن فِي الرَّد على الْقَائِلين بِخلق الْأَفْعَال من جملَته ... قضى الرب كفر الْكَافرين وَلم يكن ... ليرضاه تكليفاً لَدَى كل مِلَّة
نهى خلقه عَمَّا أَرَادَ وُقُوعه ... وإنفاذه وَالْملك أبلغ حجَّة
فترضى قَضَاء الرب حكما وَإِنَّمَا ... كراهتنا مصروفة للخطيئة
فَلَا ترض فعلا قد نهى عَنهُ شَرعه ... وَسلم لتدبير وَحكم مَشِيئَة
دَعَا الْكل تكليفاً ووفق بَعضهم ... فَخص بِتَوْفِيق وَعم بدعوة ...(1/220)
.. فتعصي إِذا لم تنتهج طرق شَرعه ... وَإِن كنت تمشي فِي طَرِيق الْمَشِيئَة
إِلَيْك اخْتِيَار الْكسْب وَالله خَالق ... يُرِيد بتدبير لَهُ فِي الخليقة
وَمَا لم يردهُ الله لَيْسَ بكائن ... تَعَالَى وَجل الله رب الْبَريَّة
فَهَذَا جَوَاب عَن مسَائِل سَائل ... جهول يُنَادي وَهُوَ أعمى البصيرة ... ثمَّ اسْتشْهد على كل بَيت مِنْهَا بآيَات من الْقُرْآن فالبيت الأول مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ الله مَا أشركوا} {وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ} وَقَوله {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} الثَّانِي مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة} حجَّة الْملك وسألة عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ أَبَا الْأسود فقاله لَهُ مَا يكدح النَّاس كدحاً شَيْء قدر عَلَيْهِم وَمضى فيهم أم شَيْء يَسْتَقْبِلُونَهُ فَقَالَ لَا بل شَيْء قدر عَلَيْهِم وَمضى فيهم فَقَالَ لَهُ عمرَان أَفلا يكون ظلما فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأسود كل شَيْء خلق الله وَملك يَده لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسئلون فَقَالَ عمرَان أَحْسَنت إِنَّمَا أردْت أَن أختبر عقلك الثَّالِث وَالرَّابِع مَعْنَاهُمَا مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {إِن الله يحكم مَا يُرِيد} وَقَوله {وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق} الْآيَة وَالْخَامِس مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} فَعم بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجنَّة وَخص بالهداية السَّادِس مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} الْآيَة مَعَ قَوْله {من يشإ الله يضلله} مَعَ قَوْله {من يضلل الله} الْآيَة
وَالسَّابِع وَالثَّامِن مَأْخُوذ مَعْنَاهُمَا من قَوْله تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَوله {إِن تحرص على هدَاهُم} الْآيَة
حرف الْقَاف
من اسْمه قَاسم من الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل الأندلس
قَاسم بن مُحَمَّد بن قَاسم بن مُحَمَّد بن يسَار مولى الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد قرطبي لَهُ رحلتان إِلَى الْمشرق أَقَامَ فِي إِحْدَاهمَا اثْنَي عشر عَاما وَفِي الْأُخْرَى سِتَّة أَعْوَام سمع من مُحَمَّد بن عبد الحكم والمزني وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم البرقي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي والْحَارث بن مِسْكين وَأبي الطَّاهِر وَيُونُس وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الخزامي وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي وخشيش بن أَصْرَم وَالربيع وَسَحْنُون بن سعيد وَغَيرهم وَلزِمَ مُحَمَّد بن عبد الحكم والمزني للتفقه والمناظرة حَتَّى برع فِي الْفِقْه وَذهب مَذْهَب الْحجَّة وَالنَّظَر وَعلم الِاخْتِلَاف وَكَانَ يمِيل لمَذْهَب الشَّافِعِي وَلم يكن بالأندلس مثل قَاسم فِي حسن النّظر وَالْبَصَر بِالْحجَّةِ وَقَالَ أَحْمد بن خَالِد وَمُحَمّد بن(1/221)
عمر بن لبَابَة مَا رَأينَا أفقه من قَاسم مِمَّن دخل الأندلس من أهل الرحل وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قَاسم وَقَالَ بَقِي بن مخلد قَاسم أعلم من مُحَمَّد بن عبد الحكم وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر لم يكن بالأندلس أفقه مِنْهُ وَمن أَحْمد بن خَالِد وَذكره ابْن أبي دليم فِي الطَّبَقَة الْمَالِكِيَّة فَقَالَ كَانَ يُفْتِي بِمذهب مَالك وَكَانَ يتحفظ كثيرا من مُخَالفَة الْمَالِكِيَّة قَالَ أَحْمد بن خَالِد قلت لَهُ أَرَاك تُفْتِي النَّاس بِمَا لَا تعتقد وَهَذَا لَا يحل لَك قَالَ إِنَّمَا يَسْأَلُونِي عَن مَذْهَب جرى فِي الْبَلَد يعرف فأفتيهم بِهِ وَلَو سَأَلُونِي عَن مذهبي أَخْبَرتهم وَألف قَاسم كتابا فِي الرَّد على ابْن مزني والعتبي وعبد الله بن خَالِد سَمَّاهُ الرَّد على المقلدة وكتاباً آخر فِي خبر الْوَاحِد روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وَمُحَمّد بن عمر بن لبَابَة وَسَعِيد بن عُثْمَان الأعناقي وَأحمد بن خَالِد وَمُحَمّد بن أَيمن وَابْن الزراد وَغَيرهم توفّي قَاسم أول سنة سِتّ وَسبعين وَقيل سنة ثَمَان وَقيل سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة من الأندلس
قَاسم بن أصبغ بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن نَاصح بن عَطاء مولى الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان أَبُو مُحَمَّد قرطبي وَيعرف بالبياني وبيانة من عمل قرطبة سمع من بَقِي بن مخلد والخشني وَابْن وضاح ومطرف بن قيس وَأصبغ بن خَلِيل وَإِبْرَاهِيم وعبد الله ابْني هِلَال وعبد الله بن ميسرَة وَغَيرهم ورحل إِلَى الْمشرق مَعَ ابْن أَيمن فَأدْرك النَّاس متوافرين فَسمع بِمَكَّة من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ وَعلي بن عبد العزيزي وبالعراق من القَاضِي إِسْمَاعِيل وَابْن أبي خثيمَةَ وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وعبد الله بن حَنْبَل وَابْن قُتَيْبَة والْحَارث بن أُسَامَة والمبرد وثعلب وَمُحَمّد بن الجهم الشموي فِي آخَرين وبمصر من مُحَمَّد بن عبد الله الْعمريّ وَأبي الزِّنْبَاع روح بن الْفرج الْمَالِكِي وَغَيرهم وَانْصَرف إِلَى الأندلس بِعلم كثير وَسكن قرطبة فَكَانَ لَهُ بهَا قدر عَظِيم وَسمع مِنْهُ النَّاس ومالوا إِلَيْهِ وَسمع مِنْهُ النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ(1/222)
عبد الرحمن بن مُحَمَّد قبل ولَايَته وَولي عَهده الحكم ابْنه وَطَالَ عمره فلحق الأصاغر فِيهِ الأكابر وشارك الْآبَاء فِيهِ الْأَبْنَاء وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ بالأندلس وَإِلَى أبي سعيد بن الْأَعرَابِي بالمشرق وَكَانَ ثبتاً صَادِقا حَلِيمًا مَأْمُونا بَصيرًا بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال نبيلاً فِي النَّحْو والغريب وشوور فِي الْأَحْكَام وغلبت عَلَيْهِ الرِّوَايَة وَالسَّمَاع مَذْكُور فِي أَئِمَّة المالكيين وصنف فِي الحَدِيث مصنفات حَسَنَة مِنْهَا مُصَنفه الْمخْرج على كتاب أبي دَاوُد واختصاره الْمُسَمّى بالمجتبى على نَحْو كتاب ابْن الْجَارُود الْمُنْتَقى وَكَانَ قد فَاتَهُ السماع مِنْهُ ووجده قد مَاتَ فألف مصنفاً على أَبْوَاب كِتَابه خرجها عَن شُيُوخه وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم وَهُوَ خير انْتِفَاء مِنْهُ وَمِنْهَا مُسْند حَدِيثه وغرائب حَدِيث مَالك ومسند حَدِيث مَالك من رِوَايَة يحيى وَكتابه فِي أَحْكَام الْقُرْآن على أَبْوَاب كتاب إِسْمَاعِيل القَاضِي وَكتاب فَضَائِل قُرَيْش وَكتاب النَّاسِخ والمنسوخ وَكتاب فِي الْأَنْسَاب وَكتاب بر الْوَالِدين توفّي منتصف جُمَادَى سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة وسنه اثْنَان وَتسْعُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر غير سِتَّة أَيَّام وَكَانَ قد تغير ذهنه آخر عمره من سنة سبع وَثَلَاثِينَ إِلَى أَن مَاتَ تغمده الله سُبْحَانَهُ برحمته
قَاسم بن أَحْمد بن جحدر طليطلي سمع بالأندلس كثيرا ورحل إِلَى الْمشرق مَعَ أَحْمد بن خَالِد وَدخل الْيمن وَسمع كثيرا وَسكن مَكَّة فعلا بهَا ذكره ورحل إِلَيْهِ النَّاس وَكَانَ مَعَ ابْن الْمُنْذر فِي طبقته وَأرَاهُ صَاحب الْكتب الْمُسَمَّاة بالجحدرية توفّي بِمَكَّة فِي سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة
قَاسم بن ثَابت بن حزم يكنى أَبَا مُحَمَّد شَارك أَبَاهُ فِي رحلته وشيوخه وعني هُوَ وَأَبوهُ بِجمع الحَدِيث واللغة وَيُقَال إنَّهُمَا أول من أَدخل كتاب الْعين فِي الأندلس وَكَانَ قَاسم عَالما بالفقه والْحَدِيث مقدما فِي الْمعرفَة بالغريب والنحو وَالشعر ورعاً ناسكاً مجاب الدعْوَة وَسَأَلَهُ الْأَمِير أَن يَلِي الْقَضَاء فَامْتنعَ فَأَرَادَ أَبوهُ أَن يكرههُ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ أَن يمهله ثَلَاثَة أَيَّام يستخير الله تَعَالَى فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَة أَيَّام فَكَانُوا(1/223)
يرَوْنَ أَنه دَعَا على نَفسه بِالْمَوْتِ توفّي قَاسم سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة
قَاسم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان التجِيبِي الْمَعْرُوف بِابْن أرفع رَأسه طليطلي سكن قرطبة سمع من قَاسم بن أصبغ وَابْن أَيمن وَابْن الشَّاط وَغَيرهم وشاوره ابْن أسلم وَمُنْذِر وَغَيرهمَا وَولي قَضَاء طليطلة وبطليوس وَتصرف فِي الإمامات وَبنى حصون الثغر وَكَانَ موثوقاً بِهِ مَأْمُونا على مَا تولاه تفقه عِنْده جمَاعَة وَسمع مِنْهُ ابْن الفرضي وَغَيره توفّي سنة ثَلَاثَة وَتِسْعين وثلاثمائة
وَمن كتاب الوفيات لشمس الدّين بن خلكان
قَاسم بن فيرة بن أبي الْقَاسِم خلف بن أَحْمد الرعيني الشاطبي الضَّرِير المقريء يكنى أَبَا مُحَمَّد صَاحب القصيدة الَّتِي سَمَّاهَا حرز الْأَمَانِي وَوجه التهاني فِي القراآت وعدتها ألف وَمِائَة وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ بَيْتا وَلَقَد أبدع فِيهَا أكمل الإبداع وَهِي عُمْدَة قراء أهل هَذَا الزَّمَان فِي نقلهم فَقل من يشْتَغل بالقراآت إِلَّا وَيقدم حفظهَا ومعرفتها وَهِي مُشْتَمِلَة على رموز عَجِيبَة وإشارات خُفْيَة لَطِيفَة وَمَا أَظُنهُ سبق إِلَى أسلوبها وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول لَا يقْرَأ أحد قصيدتي هَذِه إِلَّا وينفعه الله عز وَجل لأنني نظمتها لله عز وَجل مخلصاً فِي ذَلِك ونظم قصيدة دالية فِي خَمْسمِائَة بَيت من حفظهَا أحَاط علما بِكِتَاب التَّمْهِيد لِابْنِ عبد البر وَكَانَ عَالما بِكِتَاب الله تَعَالَى قِرَاءَة وتفسيراً وَبِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبرزاً فِيهِ وَكَانَ إِذا قَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم والموطأ يصحح النّسخ من حفظه ويملي النكت على الْمَوَاضِع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا وَكَانَ أوحد أهل زَمَانه فِي علم النَّحْو واللغة عَارِفًا بِعلم الرُّؤْيَا حسن الْمَقَاصِد مخلصاً فِيمَا يَقُول وَيفْعل قَرَأَ الْقُرْآن الْعَظِيم بالروايات على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الْعَاصِ النفزي المقريء وَأبي الْحسن عَليّ بن هُذَيْل الأندلسي وَسمع الحَدِيث من أبي عبد الله بن سَعَادَة وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحيم الخزرجي يعرف بِابْن الْفرس وَغَيرهم وانتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ يجْتَنب فضول الْكَلَام لَا ينْطق فِي سَائِر أوقاته إِلَّا بِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ(1/224)
الضَّرُورَة وَلَا يجلس للإقراء إِلَّا على طَهَارَة فِي هَيْئَة حَسَنَة وتخشع واستكانت وَكَانَت وِلَادَته فِي آخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدخل مصر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ يَقُول عِنْد دُخُوله إِلَيْهَا إِنَّه يحفظ وقر بعير من الْعُلُوم توفّي يَوْم الْأَحَد بعد صَلَاة الْعَصْر الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة تسعين وَخَمْسمِائة وَدفن بالقرافة الصُّغْرَى فِي تربة القَاضِي الْفَاضِل وفيره بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَتَشْديد الرَّاء وَضمّهَا وَهُوَ بلغَة الرطانة من أعاجم الأندلس وَمَعْنَاهُ بالعربي الْحَدِيد والرعيني نِسْبَة إِلَى ذِي رعين وَهُوَ أحد أقيال الْيمن وَنسب إِلَيْهِ خلق كثير والشاطبي إِلَى شاطبة وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء استولى عَلَيْهَا الإفرنج فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقيل اسْم الشَّيْخ الْمَذْكُور أَبَا الْقَاسِم وكنيته هِيَ اسْمه لَكِن وجدت إجازات أشياخه أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم كَمَا ذكرت أول التَّرْجَمَة
وَمن مُخْتَصر المدارك من الطَّبَقَة السَّادِسَة من الأندلس
قَاسم الجبيري بِضَم الْجِيم ابْن خلف بن عبد الله بن جُبَير طرطوشي الأَصْل وَلزِمَ قرطبة وَسمع بهَا من قَاسم بن أصبغ وَغَيره ورحل وجال الْبِلَاد وَأخذ عَن الشُّيُوخ والأعيان وَأقَام فِي رحلته ثَلَاثَة عشر عَاما كَانَ فَقِيها عَالما حسن النّظر صَدرا فِي الشورى يجْتَمع إِلَيْهِ ويناظر عِنْده وَكَانَ من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه نظاراً مدققاً فِي الْمسَائِل وَكَانَ حسن التَّأْلِيف وَله كتاب فِي الْوسط بَين مَالك وَابْن الْقَاسِم فِيمَا خَالف فِيهِ ابْن الْقَاسِم مَالِكًا كتاب حسن مُفِيد ولي الْقَضَاء بطرطوشة وبلنسية وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة
قَاسم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الشَّاط الْأنْصَارِيّ نزيل سبتة يكنى أَبَا الْقَاسِم قَالَ والشاط اسْم لجدي وَكَانَ طوَالًا فَجرى عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى نَسِيج وَحده فِي أَصَالَة النّظر ونفوذ الْفِكر وجودة القريحة وتسديد الْفَهم إِلَى حسن الشَّمَائِل وعلو الهمة والعكوف على الْعلم والاقتصار على الْآدَاب السّنيَّة والتحلي بالوقار(1/225)
والسكينة أَقرَأ عمره بِمَدِينَة سبتة الْأُصُول والفرائض مقدما فِيهَا مَوْصُوفا بِالْإِمَامَةِ وَكَانَ موفور الْحَظ من الْفِقْه حسن الْمُشَاركَة فِي الْعَرَبيَّة كَاتبا مُرْسلا رياناً من الْأَدَب لَهُ نظر فِي العقليات قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الْحسن بن الرّبيع وعَلى الْحَافِظ أبي يَعْقُوب المحاسبي وَغَيرهم وَأَجَازَهُ أَبُو الْقَاسِم بن الْبَراء وَأَبُو مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيَا وَعلي وَأَبُو الْعَبَّاس بن الغماز وَأَبُو جَعْفَر الطباع وَأَبُو بكر بن فَارس وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ الجلة من أهل الأندلس كالأستاذ أبي زَكَرِيَّا بن هُذَيْل وَشَيخنَا أبي الْحسن بن الْحباب وَالْقَاضِي أبي بكر بن سِيرِين وَغَيرهم وَله تآليف مِنْهَا أنوار البروق فِي تعقب مسَائِل الْقَوَاعِد والفروق وغنية الرائض فِي علم الْفَرَائِض وتحرير الْجَواب فِي توفير الثَّوَاب وفهرست حافلة وَكَانَ مَجْلِسه مألفاً للصدور من الطّلبَة والنبلاء من الْعَامَّة مولده فِي عَام ثَلَاثَة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بِمَدِينَة سبتة وَتُوفِّي بهَا عَام ثَلَاثَة وَعشْرين وَسَبْعمائة من يعرف بِأبي الْقَاسِم من الطَّبَقَة التَّاسِعَة من إفريقية
أَبُو الْقَاسِم بن مُحرز الْمقري القيرواني تفقه بِأبي بكر بن عبد الرحمن وَأبي عمرَان وَأبي حَفْص كَانَ فَقِيها نظاراً نبيلاً وابتلي بالجذام فِي آخر عمره وَله تصانيف حَسَنَة مِنْهَا تَعْلِيق على الْمُدَوَّنَة سَمَّاهُ التَّبْصِرَة وَكتابه الْكَبِير الْمُسَمّى بالمقصد والإيجاز توفّي فِي نَحْو الْخمسين وَأَرْبَعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
قرعوس بن الْعَبَّاس بن قرعوس بن حميد وَيُقَال عبيد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ من أهل قرطبة يكنى أَبَا الْفضل وَيُقَال لَهُ أَبُو مُحَمَّد سمع من مَالك وَمن الثَّوْريّ وَابْن جريج وَاللَّيْث وَغَيرهم كَانَ فَاضلا ورعاً عَالما بِمذهب مَالك وَأَصْحَابه لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ روى عَن مَالك الْمُوَطَّأ وشيئاً من الْمسَائِل وَقَالَ يحيى بن يحيى هُوَ من أهل الْعلم كَبِير الْمنزلَة ثِقَة روى عَنهُ ابْن حبيب وَأصبغ بن خَلِيل
فَائِدَة قَالَ قرعوس هَذَا سَمِعت مَالِكًا وَالثَّوْري يَقُولَانِ سُلْطَان جَائِر سبعين سنة خير من أمة سائبة سَاعَة من نَهَار توفّي سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ(1/226)
حرف الْمِيم
من اسْمه مُحَمَّد من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار الجهيني مَوْلَاهُم أَبُو عبد الله يروي عَن ابْن أبي ذِئْب ومُوسَى بن عقبَة وَيزِيد بن أبي عبيد وَغَيرهم وَصَحب مَالِكًا وَابْن هُرْمُز روى عَنهُ ابْن وهب وَأَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد بن مسلمة وَغَيرهم وَكَانَ مفتي أهل الْمَدِينَة مَعَ مَالك وَعبد الْعَزِيز وبعدهما وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لَهُ بِالْعلمِ رِوَايَة وعناية قَالَ ابْن حبيب كَانَ هُوَ والمغيرة أفقه أهل الْمَدِينَة وَهُوَ ثِقَة قَالَ أَشهب وَالشَّافِعِيّ مَا رَأينَا فِي أَصْحَاب مَالك أفقه من ابْن دِينَار ودرس مَعَ مَالك على ابْن هُرْمُز توفّي سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَمن الْوُسْطَى من أهل الْمَدِينَة
مُحَمَّد بن مسلمة بن مُحَمَّد بن هِشَام بن إِسْمَاعِيل أَبُو هِشَام وَهِشَام هَذَا هُوَ أَمِير الْمَدِينَة الَّذِي نسب إِلَيْهِ مد هِشَام وَالَّذِي يذكر عَنهُ ذكر عُهْدَة الرَّقِيق فِي خطبَته روى مُحَمَّد هَذَا عَن مَالك وتفقه عِنْده وَكَانَ أحد فُقَهَاء الْمَدِينَة من أَصْحَاب مَالك وَكَانَ أفقههم وَهُوَ ثِقَة وَله كتب فقه أخذت عَنهُ وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون حجَّة جمع الْعلم والورع وَتُوفِّي سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ
وَمِمَّنْ عدده فِي المكيين من أهل الْحجاز من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي هُوَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب بن عبيد بن عبد يزِيد بن هِشَام بن الْمطلب ابْن عبد منَاف بن قصي أمه أزدية ولد بِالشَّام بغزة وَقيل بِالْيمن سنة خمسين وَمِائَة وَحمل إِلَى مَكَّة فسكنها وَتردد بالحجاز وَالْعراق وَغَيرهمَا ثمَّ استوطن مصر وَتُوفِّي بهَا روى عَن مَالك وَمُسلم بن خَالِد وَابْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم بن سعيد وفضيل بن عِيَاض وَعَن عَمه مُحَمَّد بن شَافِع وَجَمَاعَة غَيرهم وروى عَنهُ ابْن حَنْبَل والْحميدِي وَأَبُو الطَّاهِر بن السراج والبويطي والمزني(1/227)
وَالربيع الْمُؤَذّن وَأَبُو ثَوْر والزعفراني وَمُحَمّد بن عبد الْحَكِيم وَجَمَاعَة غَيرهم كَانَ حَافِظًا حفظ الْمُوَطَّأ فِي تسع لَيَال وَقيل فِي ثَلَاث لَيَال خرج عَن مَكَّة وَلزِمَ هذيلاً فتعلم كَلَامهَا وَكَانَت أفْصح الْعَرَب فَبَقيَ فيهم مُدَّة راحلاً برحيلهم ونازلاً بنزولهم قَالَ فَلَمَّا رجعت إِلَى مَكَّة جعلت أنْشد الْأَشْعَار وأذكر الْآدَاب وَالْأَخْبَار وَأَيَّام الْعَرَب فَمر بِي رجل من الزبيديين فَقَالَ لي يَا أَبَا عبد الله عز عَليّ أَن لَا يكون مَعَ هَذِه الفصاحة والذكاء فقه فَتكون قد سدت أهل زَمَانك فَقلت وَمن بَقِي يقْصد فَقَالَ لي هَذَا مَالك سيد الْمُسلمين يَوْمئِذٍ فَوَقع فِي قلبِي وعدت إِلَى الْمُوَطَّأ فاستعرته وحفظته فِي تسع لَيَال ورحل إِلَى مَالك فَأخذ عَنهُ الْمُوَطَّأ وَكَانَ مَالك يثني على فهمه وَحفظه وَوَصله بهدية جزيلة لما رَحل عَنهُ وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول مَالك معلمي وأستاذي وَمِنْه تعلمنا الْعلم وَمَا أحد أَمن عَليّ من مَالك وَجعلت مَالِكًا حجَّة فِيمَا بيني وَبَين الله تَعَالَى
ذكر ثَنَاء الْعلمَاء عَلَيْهِ بسعة الْعلم وَالْفضل قَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم قَالَ لي أبي الزم هَذَا الشَّيْخ يَعْنِي الشَّافِعِي فَمَا رَأَيْت أبْصر مِنْهُ بأصول الْعلم أَو قَالَ بأصول الْفِقْه وَكَانَ صَاحب سنة وَأثر وَفضل مَعَ لِسَان فصيح طَوِيل وعقل رصين صَحِيح وَقَالَ فِيهِ ابْن عُيَيْنَة هَذَا أفضل فتيَان أهل زَمَانه وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة إِذا جَاءَهُ شَيْء من التَّفْسِير والفتيا قَالَ سلوا هَذَا يَعْنِي الشَّافِعِي وَقَالَ لَهُ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي شَيْخه وَهُوَ شَاب ابْن خمس عشرَة سنة قد آن لَك أَن تُفْتِي يَا أَبَا عبد الله وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان إِنِّي لأدعو الله فِي صَلَاتي للشَّافِعِيّ لما أظهر من القَوْل بِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا أحد يحمل محبرة من أَصْحَاب الحَدِيث إِلَّا وَللشَّافِعِيّ عَلَيْهِ منَّة وَقَالَ مَا عرفت نَاسخ الحَدِيث من منسوخه حَتَّى جالسته وَقَالَ أَيْضا أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ الشَّافِعِي أفقه النَّاس فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قَلِيل الطّلب(1/228)
للْحَدِيث وَقَالَ أَحْمد كَانَ الشَّافِعِي للْعلم كَالشَّمْسِ للدنيا والعافية للنَّاس فَانْظُر هَل من هَذَا عوض وَقَالَ ابْن معِين لصالح بن أَحْمد بن حَنْبَل مَا يستحي أَبوك رَأَيْته مَعَ الشَّافِعِي وَالشَّافِعِيّ رَاكب وَهُوَ راجل ورأيته وَقد أَخذ بركابه قَالَ صَالح فَقلت لأبي فَقَالَ لي قل لَهُ إِن أردْت أَن تتفقه فَخذ بركابه الآخر قَالَ ابْن هِشَام الشَّافِعِي حجَّة فِي اللُّغَة وذاكره ابْن هِشَام بِمصْر فِي أَنْسَاب الرِّجَال فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي بعد سَاعَة دع عَنْك هَذَا فَإِنَّهَا لَا تذْهب عَنَّا وَلَا عَنْك وَخذ فِي أَنْسَاب النِّسَاء فَلَمَّا أخذت فِي ذَلِك بَقِي ابْن هِشَام ساكتاً فَكَانَ يَقُول مَا ظَنَنْت أَن الله عز وَجل خلق مثل هَذَا قَالَ النَّسَائِيّ هُوَ أحد الْعلمَاء ثِقَة مَأْمُون قَالَ أَحْمد بن عبد الله هُوَ ثِقَة صَاحب رَأْي وَكَلَام وَلَيْسَ عِنْده حَدِيث وَقد ألف الْخَطِيب أَبُو بكر بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ كِتَابه الحتبة بالشافعي وأثبته فِي الصَّحِيح وَذكر الْأَثر المتأول فِيهِ روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اهد قُريْشًا فَإِن عالمها يمْلَأ طباق الأَرْض علما اللَّهُمَّ كَمَا أذقتهم عذَابا فأذقهم نوالاً قَالَ الشَّافِعِي الْقُرْآن كَلَام غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَمن حكمه قَالَ الشَّافِعِي من ولي الْقَضَاء وَلم يفْتَقر فَهُوَ سَارِق وَقَالَ من حفظ الْقُرْآن نبل قدره وَمن تفقه عظمت قِيمَته وَمن حفظ الحَدِيث قويت حجَّته وَمن حفظ الْعَرَبيَّة وَالشعر رق طبعه وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ الْعلم وَقيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ كَيفَ أصبح من يَطْلُبهُ ثَمَان الله بِالْقُرْآنِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسنةِ والحفظة بِمَا ينْطق والشيطان بِالْمَعَاصِي والدهر بصروفه وَالنَّفس بشهوتها والعيال بالقوت وَملك الْمَوْت بِقَبض روحه وَتُوفِّي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بِمصْر عِنْد عبد الله بن عبد الحكم وَإِلَيْهِ أوصى وَتُوفِّي فِي لَيْلَة الْخَمِيس وَقيل لَيْلَة الْجُمُعَة منسلخ رَجَب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَدَفنه بَنو عبد الحكم فِي قُبُورهم وَصلى عَلَيْهِ السّري أَمِير(1/229)
مصر وَكَانَ خَفِيف العارضين يحضب قَالَ الرّبيع كُنَّا جُلُوسًا فِي حَلقَة الشَّافِعِي بعد مَوته بِيَسِير فَوقف علينا أَعْرَابِي فَسلم ثمَّ قَالَ أَيْن قمر هَذِه الْحلقَة وشمسها فَقُلْنَا توفّي رَحمَه الله فَبكى بكاء شَدِيدا وَقَالَ رَحمَه الله وَغفر لَهُ كَانَ يفتح ببيانه منغلق الْحجَّة ويسد فِي خَصمه وَاضح المحجة وَيغسل من الْعَار وُجُوهًا مسودة ويوسع بِالرَّأْيِ أبواباً منسدة ثمَّ انْصَرف
وَمن أهل الْبَصْرَة وَالْعراق وَمَا وراءهما من بِلَاد الْمشرق
مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد الْوَاقِدِيّ مولى بني سهم من أسلم أَبُو عبد الله مدنِي عداده فِي البغداديين سكن بَغْدَاد وَولي الْقَضَاء بهَا لِلْمَأْمُونِ وَولي الْقَضَاء قبل الرشيد روى عَن مَالك حَدِيثا وفقهاً ومسائل وَفِي حَدِيثه عَنهُ مُنْقَطع كثيرا وغرائب وَكَذَلِكَ فِي مسَائِله عَنهُ مُنكرَات على مذْهبه لَا تُوجد عِنْد غَيره تكلم فِيهَا النَّاس وَطَرحه أَحْمد وَيحيى وَابْن نمير وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَكَانَ وَاسع الْعلم كثير الْمعرفَة أديباً نبيلاً عَالما بِالْحَدِيثِ وَالسير والمغازي وَالْأَخْبَار قَالَ أَحْمد بن عبد الله بن صَالح مَا رَأَيْت أحدا أحفظ للْحَدِيث مِنْهُ وَقيل فِيهِ هُوَ كَذَّاب لَيْسَ بِثِقَة وَلَا يكْتب حَدِيثه ذكره أَبُو عمر الْمقري فِي طَبَقَات الْقُرَّاء وَقَالَ روى الْقِرَاءَة عَن نَافِع بن نعيم وَعِيسَى بن وردان سُلَيْمَان بن مُسلم ابْن جماز حدث الْوَاقِدِيّ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق وَعَن الزُّهْرِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للزبير يَا زبير إِن خَزَائِن الرزق مفتحة بِإِزَاءِ الْعَرْش فَمن كثر كثر الله عَلَيْهِ وَمن قلل قلل الله لَهُ توفّي الْوَاقِدِيّ بِبَغْدَاد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة مولده سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الأولى مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل الْمَدِينَة
مُحَمَّد أَبُو ثَابت بن عبد الله بن مُحَمَّد بن زيد بن أبي زيد مولى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ روى عَن ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم(1/230)
وَابْن نَافِع وبهم تفقه وروى عَن أَشهب وَحَمَّاد بن زيد وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَغَيرهم وروى عَنهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي وَأَخُوهُ حَمَّاد وَالْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح صَدُوق قَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل كَانَ الْإِجْمَاع وَنحن بِالْمَدِينَةِ أَن لَيْسَ بهَا أفضل من أبي ثَابت
مُحَمَّد بن خَالِد بن مرتيل مولى عبد الرحمن بن مُعَاوِيَة يعرف بالأشج قرطبي نبيه رَحل فَسمع من ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب وَابْن نَافِع ونظرائهم من الْمَدَنِيين والمصريين وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه وَلم يكن لَهُ علم بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْكُور فِي المستخرجة ولي الشرطة وَالصَّلَاة والسوق بقرطبة وَكَانَ صليباً فِي أَحْكَامه ورعاً فَاضلا لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم مَحْمُود السِّيرَة وَلم يزل على وتيرة إِلَى أَن توفّي سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة أَربع وَعشْرين وَله اثْنَان وَسَبْعُونَ سنة وبيته فِي قرطبة بَيت نبيه فِي الْعلم والسؤدد وصحبة السُّلْطَان
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل مصر
مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَبُو عبد الله سمع من أَبِيه وَابْن وهب وَأَشْهَب وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهم من أَصْحَاب مَالك وَصَحب الشَّافِعِي وَأخذ عَنهُ وَكتب كتبه وَكَانَ أَبوهُ ضمه إِلَيْهِ وَأمره أَن يقْرَأ عَلَيْهِ وعَلى أَشهب وَكَانَ مُحَمَّد أقعد النَّاس بهما وروى عَن ابْن أبي فديك وَأنس بن عِيَاض وَشُعَيْب بن اللَّيْث وحرملة بن عبد الْعَزِيز وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْنه عبد الرحمن وَأَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَجَمَاعَة غَيرهم قَالَ ابْن الْحَارِث كَانَ من الْعلمَاء الْفُقَهَاء مبرزاً من أهل النّظر والمناظرة وَالْحجّة فِيمَا يتَكَلَّم فِيهِ ويتقلده من مذْهبه وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة من الغرب والأندلس فِي الْعلم وَالْفِقْه قَالَه أَبُو عمر بن عبد الْبر كَانَ فَقِيها نبيلاً جميلاً وجيها فِي زَمَنه وَقَالَ فِيهِ ابْن الْقَاسِم إِن قبل مُحَمَّد لعلماً وَإِلَيْهِ انْتَهَت الرياسة بِمصْر وَقَالَ ابْن أبي دليم كَانَ فَقِيه مصر فِي عصره على مَذْهَب مَالك وَصَحب الشَّافِعِي ورسخ فِي مذْهبه وَرُبمَا تخير(1/231)
قَوْله عِنْد ظُهُور الْحجَّة وَكَانَ أفقه أهل زَمَانه وناظره ابْن ملول صَاحب سَحْنُون وَقَالَ لِرَبِيعَة صَاحبكُم أعلم من سَحْنُون ثِقَة فَاضل علام متواضع صَدُوق قَالَ مُحَمَّد بن فطيس لقِيت فِي رحلتي نَحْو مِائَتي شيخ مَا رَأَيْت فيهم مثل مُحَمَّد بن عبد الحكم وَله تآليف كَثِيرَة فِي فنون الْعلم وَالرَّدّ على الْمُخَالفين كلهَا حسان ككتاب أَحْكَام الْقُرْآن كَبِير وَكتاب الوثائق والشروط وَكتاب مجالسه أَرْبَعَة أَجزَاء وَكتاب الرَّد على الشَّافِعِي فِيمَا خَالف فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَكتاب الرَّد على أهل الْعرَاق وَكتابه الَّذِي زَاد فِيهِ على مُخْتَصر أَبِيه وَكتاب آدَاب الْقُضَاة وَكتاب الدَّعْوَى والبينات وَكتاب السَّبق وَالرَّمْي وَكتاب اخْتِصَار كتب أَشهب وَكتاب الرَّد على بشر المريسي وَكتاب النُّجُوم وَكتاب الْكفَالَة وَكتاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة وَكتاب المولدات قَالَ ابْن حَارِث وأراها مؤلفة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مسَائِل منشورة لم تضم لثقات كالأسمعة وَكَانَ مُحَمَّد يَقُول التوفر فِي النزهة مثل التبذل فِي الحفلة وَذكر أَنه ضرب فِي المحنة بِالْقُرْآنِ وَكَانَ يُفْتِي فِي الْمَشْي إِلَى مَكَّة بكفارة يَمِين وَحكى ذَلِك عَن ابْن الْقَاسِم أَنه أفتى بِهِ ابْنه وَذكر عَنهُ أَن قوما استشاروه فِي الْحَج وَالْجُلُوس إِلَى السماع فَأَشَارَ على بَعضهم بِالْحَجِّ وعَلى بَعضهم بِالْجُلُوسِ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت عِنْد الَّذين أَمرتهم بِالْجُلُوسِ فهما وَرَأَيْت للآخريين بخلافهم وَلِهَذَا الْأَمر فرسَان وَسُئِلَ كَيفَ يعزى الرجل فِي أمه النَّصْرَانِيَّة فَقَالَ لَهُ الْحَمد لله على مَا قضى قد كُنَّا نحب أَن تَمُوت على الْإِسْلَام ويسرك الله بذلك وَسُئِلَ أَيْضا عَن الْقَرِيب النَّصْرَانِي يَمُوت للْمُسلمِ كَيفَ يعزي عَنهُ فَقَالَ تَقول إِن الله كتب الْمَوْت على خلقه وَالْمَوْت حتم على الْخلق كلهم توفّي رَحمَه الله فِي ذِي الْقعدَة منتصف سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة تسع مولده منتصف ذِي الْحجَّة سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإسكندري بن زِيَاد الْمَعْرُوف(1/232)
بِابْن الْمَوَّاز تفقه بِابْن الْمَاجشون وَابْن عبد الحكم وَاعْتمد على أصبغ وروى مُحَمَّد أَيْضا عَن أبي بكير وَأبي زيد بن أبي الْغمر والْحَارث بن مِسْكين ونعيم بن حَمَّاد وروى عَن ابْن الْقَاسِم صَغِيرا كَمَا ذكر فِي مُحَمَّد بن عبد الحكم والمعدل بِمصْر على قَوْله وَكَانَ راسخاً فِي الْفِقْه والفتيا عَالما فِي ذَلِك وَله كِتَابه الْمَشْهُور الْكَبِير وَهُوَ أجل كتاب أَلفه المالكيون وأصحه مسَائِل وأبسطه كلَاما وأعبه وَقد رَجحه الْقَابِسِيّ على سَائِر الْأُمَّهَات وَقَالَ إِن صَاحبه قصد إِلَى بِنَاء فروع أَصْحَاب الْمَذْهَب على أصولهم فِي تصنيفه وَغَيره إِنَّمَا قصد جمع الرِّوَايَات وَنقل نُصُوص السماعات وَمِنْهُم من ينْقل عَنهُ الاختيارات فِي شروحات أفردها وجوابات لمسائل سُئِلَ عَنْهَا وَمِنْهُم من كَانَ قَصده الذب عَن الْمَذْهَب فِيمَا فِيهِ الْخلاف إِلَّا ابْن حبيب فَإِنَّهُ قصد إِلَى بِنَاء الْمَذْهَب على معَان تأدت إِلَيْهِ وَرُبمَا قنع بِبَعْض الرِّوَايَات على مَا فِيهَا وَفِي هَذَا الْكتاب جُزْء تكلم فِيهِ على الشَّافِعِي وعَلى أهل الْعرَاق بمسائل من أحسن كَلَام وأقبله وَهُوَ من رِوَايَة ابْن ميسر وَابْن أبي مطر عَنهُ وَفِي بعض النّسخ زِيَادَة كتب على غَيرهَا وَنقص من أصُول الدِّيوَان كتب مِنْهَا الطَّهَارَة وَالصَّلَاة إِلَّا أَن لَهُ فِي الصَّلَاة كتابا فِيهِ من أَبْوَاب السَّهْو وَقَضَاء الصَّلَاة إِذا نسيت وَصَلَاة السّفر وَله كتاب الْوُقُوف ذكر أَنَّهَا ذهبت فِي الْغَارة وَإِن الْكتاب رَوَاهُ بِكَمَالِهِ قوم من أهل تاد مَكَّة وَتُوفِّي بِدِمَشْق لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ ومولده فِي رَجَب سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة
مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن أبي زرْعَة البرقي مولى بني زهرَة كَانَ من أَصْحَاب الحَدِيث والفهم وَالرِّوَايَة أغلب عَلَيْهِ وبيته بِمصْر بَيت علم وَله تأليف فِي مُخْتَصر ابْن عبد الحكم الصَّغِير زَاد فِيهِ اخْتِلَاف فُقَهَاء الْأَمْصَار وَكتاب فِي التَّارِيخ وَفِي الطَّبَقَات وَفِي رجال الْمُوَطَّأ وَفِي غَرِيبه(1/233)
يروي عَن عبد الله بن عبد الحكم وَلم يلق ابْن وهب ويروي عَن أَشهب وَابْن بكير وعبد الله بن صَالح وحبِيب كَاتب مَالك ونعيم بن حَمَّاد وَأصبغ بن الْفرج وَأسد بن مُوسَى وَيحيى بن معِين وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْن وضاح والخشني ومطرف بن عبد الرحمن بن قيس وعبيد الله بن يحيى بن يحيى وقاسم بن مُحَمَّد وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد أَبُو بكر بن أبي يحيى زَكَرِيَّا الْوَقار كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب وَألف كتاب السّنة ورسالته فِي السّنة ومختصرين فِي الْفِقْه الْكَبِير مِنْهُمَا فِي سَبْعَة عشرا جزأ وَأهل القيروان يفضلون مُخْتَصر أبي بكر بن الْوَقار على مُخْتَصر بن عبد الحكم تفقه بِأَبِيهِ وَابْن عبد الحكم وَأصبغ روى عَنهُ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن نصير وَمُحَمّد بن مُسلم بن بكار الفيومي وَأَبُو الطَّاهِر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَأَبُو الطَّاهِر مُحَمَّد بن جَعْفَر البرسيمي وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل ثَلَاث وَقيل أَربع وَالْوَقار بتَخْفِيف الْقَاف كَذَا تلقيناه من الشُّيُوخ
وَمن أهل إفريقية
مُحَمَّد بن شبيب أَبُو يُوسُف التّونسِيّ مَذْكُور فِي الْمَالِكِيَّة وَله سنَن عالية وَسَمَاع من أَسد وَعلي بن زِيَاد ولي قَضَاء تونس توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن سَحْنُون تفقه بِأَبِيهِ وَسمع من ابْن أبي حسان ومُوسَى بن مُعَاوِيَة وَعبد الْعَزِيز بن يحيى الْمدنِي وَغَيرهم ورحل إِلَى الْمشرق فلقي بِالْمَدِينَةِ أَبَا مُصعب الزُّهْرِيّ وَابْن كاسب وَسمع من سَلمَة بن شبيب كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه ثِقَة عَالما بالذب عَن مَذَاهِب أهل الْمَدِينَة عَالما بالآثار صَحِيح الْكتاب لم يكن فِي عصره أحذق بفنون الْعلم مِنْهُ وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه والمناظرة وَكَانَ يحسن الْحجَّة والذب عَن أهل السّنة وَالْمذهب كَانَ عَالما فَقِيها مبرزاً متصرفاً فِي الْفِقْه وَالنَّظَر وَمَعْرِفَة اخْتِلَاف النَّاس وَالرَّدّ على أهل الْأَهْوَاء وَكَانَ(1/234)
فتح لَهُ بَاب التَّأْلِيف وَجلسَ مجْلِس أَبِيه بعد مَوته وَكَانَ من أَكثر النَّاس حجَّة وأتقنهم بهَا وَكَانَ يناظر أَبَاهُ وَقَالَ سَحْنُون مَا أشبهه إِلَّا بأشهب وَقَالَ مَا غبنت فِي ابْني مُحَمَّد إِلَّا أَنِّي أَخَاف أَن يكون عمره قَصِيرا وَكَانَ يَقُول لمؤدبه لَا تؤدبه إِلَّا بالْكلَام الطّيب والمدح فَلَيْسَ هُوَ مِمَّن يُؤَدب بالتعنيف وَالضَّرْب واتركه على بخْتِي فَإِنِّي أَرْجُو أَن يكون نَسِيج وَحده وفريد أهل زَمَانه قيل لعيسى بن مِسْكين من خير من رَأَيْت فِي الْعلم فَقَالَ مُحَمَّد بن سَحْنُون وَقَالَ أَيْضا مَا رَأَيْت بعد سَحْنُون مثل ابْنه مُحَمَّد وَقَالَ فِيهِ إِسْمَاعِيل القَاضِي بن إِسْحَق هُوَ الإِمَام بن الإِمَام وَذكر لَهُ مرّة مَا أَلفه الْعِرَاقِيُّونَ من الْكتب فَقَالَ إِسْمَاعِيل عندنَا من ألف فِي مسَائِل الْجِهَاد عشْرين جزأ وَهُوَ مُحَمَّد بن سَحْنُون يفتخر بذلك على أهل الْعرَاق قَالَ ابْن حَارِث كَانَ من الْحفاظ الْمُتَقَدِّمين المناظرين المتصرفين وَكَانَ كثير الْكتب غزير التَّأْلِيف لَهُ نَحْو من مِائَتي كتاب فِي فنون من الْعلم وَلما تصفح مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم كِتَابه وَكتاب ابْن عَبدُوس قَالَ فِي كتاب بن عَبدُوس هَذَا كتاب رجل أَتَى بِمذهب مَالك على وَجهه وَفِي كتاب ابْن سَحْنُون هَذَا كتاب رجل سبح فِي الْعلم سبحا وَكَانَ ابْن سَحْنُون إِمَام عصره فِي مَذْهَب أهل الْمَدِينَة بالمغرب جَامعا لخلال قل مَا اجْتمعت فِي غَيره من الْفِقْه البارع وَالْعلم بالأثر والجدل والْحَدِيث والذب عَن مَذْهَب أهل الْحجاز كَرِيمًا فِي معاشرته نَفَّاعًا للنَّاس مُطَاعًا جواداً بِمَالِه وجاهه وجيهاً عِنْد الْمُلُوك والعامة جيد النّظر فِي الملمات
ذكر تآليفه ألف ابْن سَحْنُون كِتَابه الْمسند فِي الحَدِيث وَهُوَ كَبِير وَكتابه الْكَبِير الْمَشْهُور الْجَامِع جمع فِيهِ فنون الْعلم وَالْفِقْه فِيهِ عدَّة كتب نَحْو السِّتين وكتاباً آخر فِي فنون الْعلم مِنْهَا كتاب السّير عشرُون كتابا(1/235)
وَكتابه فِي المعلمين ورسالته فِي السّنة وَكتاب فِي تَحْرِيم الْمُسكر ورسالة فِيمَن سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالة فِي آدَاب المتناظرين جزآن وَكتاب تَفْسِير الْمُوَطَّأ أَرْبَعَة أَجزَاء وَكتاب الْحجَّة على الْقَدَرِيَّة وَكتاب الْحجَّة على النَّصَارَى وَكتاب الْإِمَامَة وَكتاب الرَّد على البكرية وَكتاب الْوَرع وَكتاب الْإِيمَان وَالرَّدّ على أهل الشّرك وَكتاب الرَّد على أهل الْبدع ثَلَاثَة كتب وَكتاب فِي الرَّد على الشَّافِعِي وعَلى أهل الْعرَاق وَهُوَ كتاب الجوابات خَمْسَة كتب وَكتاب التَّارِيخ سِتَّة أَجزَاء قَالَ بَعضهم ألف ابْن سَحْنُون كِتَابه الْكَبِير مائَة جُزْء عشرُون فِي السّير وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فِي الْأَمْثَال وَعشرَة فِي آدَاب الْقُضَاة وَخَمْسَة فِي الْفَرَائِض وَأَرْبَعَة فِي الْإِقْرَار وَأَرْبَعَة فِي التَّارِيخ فِي الطَّبَقَات وَالْبَاقِي فِي فنون الْعلم قَالَ غَيره وَألف أَحْكَام الْقُرْآن قَالَ دخل عَليّ أبي وَأَنا أؤلف كتاب تَحْرِيم النَّبِيذ فَقَالَ يَا بني إِنَّك ترد على أهل الْعرَاق وَلَهُم لطافة أذهان وألسنة حداد فإياك أَن يسبقك قلمك لما يعْتَذر مِنْهُ وَرَأى عبد الْعَزِيز الزَّاهِد فِي مَنَامه قَائِلا يَقُول لَهُ مَالك لم تقبل على ابْن سَحْنُون وَهُوَ مِمَّن يخْشَى الله وَفِي رِوَايَة وَهُوَ مِمَّن يحب الله وَرَسُوله فبلغت ابْن سَحْنُون فبكي بكاء شَدِيدا ثمَّ قَالَه لَعَلَّه بذبي عَن سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِيسَى بن مِسْكين قلت لِابْنِ سَحْنُون كَيفَ الرش يَعْنِي النَّضْح قَالَ تبسط الثَّوْب ثمَّ ترش عَلَيْهِ ثمَّ تقلبه ثمَّ ترش عَلَيْهِ ثمَّ تجففه قيل لعيسى الطَّائِي الْوَاحِد من الناحيتين قَالَ نعم قَالَ القَاضِي عِيَاض يحْتَمل وَالله أعلم أَن يكون هَذَا فِيمَا يشك فِي نَجَاسَته من الناحيتين أَو من إِحْدَاهمَا وَلم يتَيَقَّن أَو شكّ فِي النَّجَاسَة دَاخله قَالَ الْقَابِسِيّ فِي صفة النَّضْح يرش الْموضع الْمُتَّهم بِيَدِهِ رشة وَاحِدَة وَإِن لم يعمه لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غسل فَيحْتَاج أَن يعمه(1/236)
قَالَ وَإِن رشه بِفِيهِ أَجْزَأَ قَالَ عِيَاض لَعَلَّه بعد غسل فِيهِ من البصاق وتنظيفه وَإِلَّا فَإِنَّهُ يضيف المَاء وَقد يغلب عَلَيْهِ قَالَ ابْن اللباد حج مُحَمَّد بن سَحْنُون فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ فغلطوا فِي يَوْم عَرَفَة فَرَأى مُحَمَّد أَن ذَلِك يجزيء من حجهم وَاخْتلف فِيهَا قَول أَبِيه وَحكى بَعضهم إِجْمَاع مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ على إِجْزَاء هَذِه المسئلة كَانَ ابْن سَحْنُون من أطوع النَّاس كَرِيمًا فِي نَفسه يصل من قَصده بالعشرات من الدَّنَانِير وَيكْتب بِمن يعْنى بِهِ إِلَى الْمُلُوك فيعطي الْأَمْوَال الجسيمة نهاضا بالأشغال وَاسع الجبلة جيد النّظر توفّي بالسَّاحل سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ بعد موت أَبِيه بست عشر سنة وَجِيء بِهِ من السَّاحِل إِلَى القيروان فَدفن بهَا وسنه أَربع وَخَمْسُونَ سنة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَقيل على رَأس الْمِائَتَيْنِ ورىء فِي النّوم فَسئلَ فَقَالَ زَوجنِي رَبِّي خمسين حوراء لما علم من حبي للنِّسَاء
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبدُوس بن بشير أَصله من الْعَجم وَهُوَ من موَالِي قُرَيْش من كبار أَصْحَاب سَحْنُون وأئمة وقته وَهُوَ رَابِع المحمديين الَّذين اجْتَمعُوا فِي عصر وَاحِد من أَئِمَّة مَذْهَب مَالك لم يجْتَمع فِي زمَان مثلهم اثْنَان مصريان ابْن عبد الحكم وَابْن الْمَوَّاز وَاثْنَانِ قرويان ابْن عَبدُوس وَابْن سَحْنُون وَكَانَ مُحَمَّد بن عَبدُوس ثِقَة إِمَامًا فِي الْفِقْه صَالحا زاهداً ظَاهر الْخُشُوع ذَا ورع وتواضع بذا الْهَيْئَة من أشبه النَّاس بأخلاق سَحْنُون فِي فهمه وزهادته فِي ملبسه ومطعمه وَكَانَ صَحِيح الْكتاب حسن التَّقْيِيد عَالما بِمَا اخْتلف فِيهِ من أهل الْمَدِينَة وَمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَالَ حماس القَاضِي مَا رَأَيْت مثل ابْن عَبدُوس فِي الزهادة وَالْفِقْه وَقَالَ أَحْمد بن زِيَاد مَا أَظن كَانَ فِي التَّابِعين مثله يَعْنِي فِي الْفضل والزهد وَهَذَا غلو وَقَالَ ابْن الْحَارِث كَانَ حَافِظًا لمَذْهَب مَالك والرواة من أَصْحَابه إِمَامًا مبرزاً فَقِيها(1/237)
فِي ذَلِك خَاصَّة عَزِيز الاستنباط جيد القريحة ناسكا عبادا متواضعاً مستجاب الدعْوَة وَكَانَ نظيراً لمُحَمد بن الْمَوَّاز وَألف كتابا شريفاً سَمَّاهُ الْمَجْمُوعَة على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه أعجلته الْمنية قبل تَمَامه وَله أَيْضا كتاب التفاسير وَهِي كتب فسر فِيهَا أصولاً من الْعلم كتفسير كتاب الْمُرَابَحَة والمواضعة وَكتاب الشُّفْعَة وَله أَرْبَعَة أَجزَاء فِي شرح مسَائِل من كتب الْمُدَوَّنَة ذَكرنَاهَا وَكتاب الْوَرع وفضائل أَصْحَاب مَالك ومجالس مَالك أَرْبَعَة أَجزَاء وَقد يُضَاف بعض هَذِه الْكتب إِلَى الْمَجْمُوعَة وَأقَام سبع سِنِين يدرس لَا يخرج من دَاره إِلَّا إِلَى الْجُمُعَة وَصلى الصُّبْح بِوضُوء الْعَتَمَة ثَلَاثِينَ سنة خمس عشرَة سنة فِي دراسة وَخمْس عشرَة سنة فِي عبَادَة وَلم يكن فِي أَصْحَاب سَحْنُون أفقه من ابْنه وَابْن عَبدُوس وَتُوفِّي ابْن عَبدُوس سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل إِحْدَى وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ مولده سنة اثْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ مَعَ ابْن سَحْنُون فِي سنة وَاحِدَة وَقيل بعده بِسنة
مُحَمَّد الْعُتْبِي بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن عتبَة بن جميل بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَقيل هُوَ مولى لآل عتبَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ أصح قرطبي يكنى أَبَا عبد الله قَالَ ابْن لبَابَة الْعُتْبِي لَيْسَ يتَّصل نسبه بِعتبَة إِنَّمَا كَانَ لَهُ جد يُسمى عتبَة وَنسب إِلَيْهِ سمع بالأندلس من يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وَغَيرهمَا ورحل فَسمع من سَحْنُون وَأصبغ كَانَ حَافِظًا للمسائل جَامعا لَهَا عَالما بالنوازل كَانَ ابْن لبَابَة يَقُول لم يكن هُنَا أحد يتَكَلَّم مَعَ الْعُتْبِي فِي الْفِقْه وَلَا كَانَ بعده أحد يفهم فهمه إِلَّا من تعلم عِنْده روى مُحَمَّد بن لبَابَة عَنهُ وَأَبُو صَالح وَسَعِيد بن معَاذ والأعناقي وطبقتهم وَقَالَ الصَّدَفِي كَانَ من أهل الْخَيْر وَالْجهَاد والمذاهب الْحَسَنَة وَكَانَ لَا يَزُول بعد صَلَاة الصُّبْح من مُصَلَّاهُ إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَيُصلي الضُّحَى وَلَا يقدم أحدا فِي(1/238)
الْأَخْذ على من أَتَى قبله قَالَ ابْن لبَابَة هُوَ الَّذِي جمع المستخرجة وَكثر فِيهَا من الرِّوَايَات المطروحة والمسائل الشاذة وَكَانَ يُؤْتى بالمسئلة الغريبة فَإِذا أَعْجَبته قَالَ أدخلوها فِي المستخرجة وَقَالَ ابْن وضاح فِي المستخرجة خطأ كثير وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم رَأَيْت جلها كذوبا ومسائل لَا أصُول لَهَا قَالَ أَحْمد بن خَالِد قلت لِابْنِ لبَابَة أَنْت تقْرَأ هَذِه المستخرجة للنَّاس وَأَنت تعلم من بَاطِنهَا مَا تعلم قَالَ إِنَّمَا أقرأها لمن أعرف أَنه يعرف خطأها من صوابها وَكَانَ أَحْمد يُنكر على ابْن لبَابَة قرَاءَتهَا للنَّاس شَدِيدا وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ المستخرجة فَقَالَ لَهَا عِنْد أهل الْعلم إفريقية الْمُقدر العالي والطيران الحثيث وَتُوفِّي الْعُتْبِي فِي نصف ربيع الأول وَقيل الآخر سنة خمس وَقيل أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن عجلَان الْأَزْدِيّ سرقسطي سمع قَدِيما من سَحْنُون وَغَيره عَالم فَاضل مَشْهُور بِالْفَضْلِ وَالْخَيْر يبصر الْفَرَائِض والحساب بصراً جيدا وَوضع فِيهِ كتابا حسنا كَافِيا ولى قَضَاء بَلَده قَالَ ابْن وضاح قلت لسَحْنُون قَالَ ابْن عجلَان يحلف الْيَهُود يَوْم السبت وَالنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد لِأَنِّي رَأَيْتهمْ يرهبون ذَلِك فَقَالَ لي من أَيْن اخترته قلت من قَول مَالك رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّهُم يحلفُونَ حَيْثُ يعظمون فَسكت قَالَ ابْن وضاح كَأَنَّهُ أعجبه
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة من أهل مصر
مُحَمَّد بن أصبغ بن الْفرج كَانَ بِمصْر مُقيما مفتياً روى عَنهُ مُحَمَّد بن فطيس وَأَبُو بكر بن الْخلال توفّي بِمصْر سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن وضاح من الأندلس وَمُحَمّد بن وضاح بن بديع مولى عبد الرحمن بن مُعَاوِيَة قرطبي يكنى أَبَا عبد الله وبديع جده مولى عبد الرحمن بن مُعَاوِيَة روى بالأندلس عَن مُحَمَّد بن عِيسَى الْأَعْشَى وَمُحَمّد بن خَالِد الْأَشَج(1/239)
وَيحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وزونان وَابْن حبيب وعبد الأعلى بن وهب ورحل إِلَى الْمشرق رحلتين إِحْدَاهمَا سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ قَالَ ابْن مخلد لَقِي بهَا سعيد بن مَنْصُور وآدَم بن إِيَاس وَابْن حَنْبَل وَابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وعبد الله بن ذكْوَان وَأَبا خَيْثَمَة وَابْن مصفى وَكَاتب اللَّيْث وَغَيرهم وَلم يكن مذْهبه فِي رحلته فِي هَذِه طلب الحَدِيث وَإِنَّمَا كَانَ شَأْنه الزّهْد ولقاء الْعباد فَلَو سمع فِي رحلته لَكَانَ أرفع أهل وقته إِسْنَادًا ورحل رحْلَة ثَانِيَة سمع فِيهَا من إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَأبي مُصعب وَيَعْقُوب بن كاسب وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ وَهَارُون بن سعيد الأبلي وَابْن الْمُبَارك الصُّورِي وحرملة وَابْن أبي مَرْيَم وَأبي الطَّاهِر والْحَارث بن مِسْكين وَأصبغ بن الْفرج وَزُهَيْر بن عباد وَسَحْنُون بن سعيد وَعون بن يُوسُف والصمادحي وَمُحَمّد بن مَسْعُود فِي خلق كثير من البغداديين والمكيين والشاميين والمصريين والقرويين وعدة الرِّجَال الَّذين سمع مِنْهُم مائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ رجلا وَبِه وببقي بن مخلد صَارَت الأندلس دَار حَدِيث روى الْقِرَاءَة عَن عبد الصَّمد بن عبد الرحمن بن الْقَاسِم عَن ورش وَمن وقته اعْتمد أهل الأندلس على رِوَايَة ورش وَكَانُوا يعتمدون قبل على قِرَاءَة الْغَازِي بن قيس عَن نَافِع وَأخذ عَن ابْن وضاح أَحْمد بن خَالِد وَمُحَمّد بن لبَابَة وَمُحَمّد بن غَالب وَأَبُو صَالح وَابْن الخراز وَابْن الزراد وَابْن أَيمن وقاسم بن أصبغ وَابْن مسرور وخَالِد بن وهب الأعناقي وطاهر بن عبد الْعَزِيز وَابْن الْأَعْشَى ووهب بن مَسَرَّة فِي آخَرين لَا يُحصونَ كَثْرَة وَأكْثر من رَأس وَشرف بالأندلس فهم تلاميذه وَألف ابْن مفرج فِي مناقبه وَرِجَاله كتابا وَكَانَ إِمَامًا ثبتاً عَالما بِالْحَدِيثِ(1/240)
بَصيرًا بِهِ متكلماً على علله كثير الحكايات على الْعباد ورعاً فَقِيرا زاهداً متعففاً صَابِرًا على الإسماع محتسباً فِي نشر علمه سمع النَّاس مِنْهُ كثيرا ونفع الله بِهِ أهل الأندلس قَالَ أَحْمد بن سعيد لم يخْتَلف علينا أحد من شُيُوخنَا أَن ابْن وضاح كَانَ معلم أهل الأندلس الْعلم والزهد وَكَانَ أَحْمد بن خَالِد لَا يقدم عَلَيْهِ أحدا مِمَّن أدْرك بالأندلس ويعظمه جدا ويصف فَضله وعقله وورعه غير أَنه كَانَ يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة رده فِي كثير من الْأَحَادِيث كَانَ كثيرا مَا يَقُول لَيْسَ هَذَا من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء هُوَ ثَابت عَنهُ من كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ حَظّ مَحْفُوظ وَلم يكن لَهُ علم بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بالفقه وَكَانَ المجاوب عَنهُ أَحْمد بن خَالِد وَتُوفِّي ابْن وضاح فِي الْمحرم سنة سبع وَقيل فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَولد سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَقيل سنة مِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة من أهل الْعرَاق ثمَّ من آل حَمَّاد بن زيد قَاضِي الْقُضَاة
مُحَمَّد أَبُو عمر بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد أَصله من الْبَصْرَة وَسكن بَغْدَاد وَسمع من جده يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل وَأحمد بن مَنْصُور والرمادي وَعمر بن مَرْزُوق وَمُحَمّد بن إِسْحَق الصَّاغَانِي وَأبي عُثْمَان الْمقدمِي وَمُحَمّد بن الْوَلِيد التسترِي وَالْحسن بن أبي الرّبيع وَزيد بن أخرم وَعُثْمَان بن هِشَام بن دلهم وَغَيرهم وتفقه بِإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي روى عَنهُ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَأَبُو الْقَاسِم ابْن حبابة ويوسف بن عمر القواس وجعفر بن مُحَمَّد البهلول وَأَبُو عَليّ الْمُؤَذّن الْمَالِكِي وَعَلِيهِ تفقه أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَغَيره وَكَانَ يناظر بَين يَدَيْهِ أَئِمَّة الْمذَاهب كَانَ ثِقَة فَاضلا وَحمل النَّاس عَنهُ علما وَاسِعًا من الحَدِيث وَكتب الْفِقْه الَّتِي صنفها إِسْمَاعِيل وَقطعَة من التَّفْسِير وَعمل مُسْندًا كَبِيرا قَرَأَ أَكْثَره على النَّاس وَلم ير النَّاس بِبَغْدَاد أحسن من مَجْلِسه لما حدث كَانَ الْعلمَاء(1/241)
وَأَصْحَاب الحَدِيث يتجملون بِحُضُور مَجْلِسه قَالَ أَبُو عبد الله بن عَرَفَة نفطويه فِي تَارِيخه أَبُو عمر لَا نَظِير لَهُ فِي الْحُكَّام عقلا وحلماً وتمكناً وَاسْتِيفَاء للمعاني الْكَبِيرَة بِاللَّفْظِ الْيَسِير مَعَ معرفَة بأقدار النَّاس ومواضعهم وَحسن التأني فِي الْأَحْكَام وَالْحِفْظ لما يجْرِي على يَدَيْهِ حَتَّى إِذا بَالغ الْإِنْسَان فِي وصف رجل قَالَ كَأَنَّهُ أَبُو عمر القَاضِي وَإِذا امْتَلَأَ غيظاً قَالَ لَو أَنِّي القَاضِي أَبُو عمر مَا صبرت سوى مَا انضاف إِلَى ذَلِك من الْجَلالَة والرياسة وَالصَّبْر على المكاره واصطناع الْمَعْرُوف عِنْد الداني والقاصي ومداراته للنظير والتبيع لم يزل على ذَلِك يزْدَاد طول الزَّمَان جلالة ونبلاً وَكَانَ من زِينَة الزَّمَان وَكَانَ حَاجِب إِسْمَاعِيل القَاضِي أَولا ثمَّ ولي الْقَضَاء بعده وَولي قَضَاء الْقَضَاء وَلم يَله أحد من آله قبله إِلَى أَن مَاتَ وَفِي أَيَّامه قتل الحلاج وَالْقَاضِي أَبُو عمر هُوَ الَّذِي أفتى بقتْله بعد تَقْرِيره على مذْهبه وَقيام الشَّهَادَات عَلَيْهِ بإلحاده فَضرب ألف سَوط ثمَّ قطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ ثمَّ طرح جسده وَبِه رَمق من أَعلَى مَوضِع ضرب فِيهِ إِلَى الأَرْض وأحرق بالنَّار ونكب القَاضِي أَبُو عمر فِيمَن نكب مَعَ سَائِر آله وَقبض عَلَيْهِ واستصفيت جَمِيع أَمْوَاله وَجَرت عَلَيْهِ محنة عَظِيمَة إِلَى أَن من الله تَعَالَى بالفرج وَتُوفِّي أَبُو عمر فِي رَمَضَان لخمس بَقينَ مِنْهُ سنة عشْرين وثلاثمائة وسنه سبع وَسَبْعُونَ سنة مولده بِالْبَصْرَةِ أول رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن غير آل حَمَّاد من هَذِه الطَّبَقَة
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن أَحْمد بن سهل البرنكاني وَيُقَال لَهُ البركاني القَاضِي الْبَصْرِيّ من كبار هَذِه الطَّبَقَة وَأهل الْفِقْه وَالسّنَن مِنْهَا تفقه بِإِسْمَاعِيل وَصَحبه وروى الحَدِيث وَسمع مِنْهُ يروي عَن أَحْمد بن عَبدة وَمُحَمّد بن أبي صَفْوَان وَأبي حَاتِم وَأبي زرْعَة الرازيين وعبد الله بن شبيب الْمصْرِيّ وَجَمَاعَة وَسمع الرياشي اللّغَوِيّ وَعَلِيهِ تفقه الْقشيرِي والتستري ورويا عَنهُ وَصَحبه القَاضِي أَبُو الْفرج وَولي(1/242)
الْقَضَاء بِفَارِس وَالْبَصْرَة وَكَانَ البرنكاني يَقُول عرضت مُخْتَصر عبد الله بن عبد الحكم على كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي مسَائِله فَوجدت لَهَا أصلا إِلَّا اثْنَتَيْ عشرَة مسئلة فَلم أجد لَهَا أصلا قَالَ وَعدد مسَائِله ثَمَانِيَة عشر ألف مسئلة وَله كتاب قيمًا سُئِلَ عَنهُ القَاضِي إِسْمَاعِيل وَألف كتابا كَبِيرا فِي فَضَائِل مَالك وأخباره قَالَ وَسَأَلت الرياشي عَن قَوْله فِي الحَدِيث فَيَأْتِي قوم يبسون مَا مَعْنَاهُ قَالَ هُوَ ضرب من السُّوق وَولد فِي سنة تسع وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن بكير الْبَغْدَادِيّ التَّمِيمِي أَبُو بكير هُوَ الْمَشْهُور فِي اسْمه وَنسبه وَقيل اسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد بن بغدادي تفقه بِإِسْمَاعِيل وَكَانَ فَقِيها جدلياً ولي الْقَضَاء يروي عَن القَاضِي إِسْمَاعِيل وَهُوَ من كبار أَصْحَابه الْفُقَهَاء روى عَنهُ ابْن الجهم والقشيري وَأَبُو الْفرج وَذكره ابْن مفرج فَقَالَ هُوَ ابْن بكير بغدادي ثِقَة يكنى أَبَا بكر وَله كتاب فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَكتاب الرَّضَاع وَكتاب مسَائِل الْخلاف وَتُوفِّي سنة خمس وثلاثمائة وسنه خَمْسُونَ سنة
مُحَمَّد أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجهم بن حُبَيْش وَيعرف بِابْن الْوراق الْمروزِي هَذَا الصَّحِيح وَأَخْطَأ من قَالَ اسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد وَكَانَ جده وراقاً للمعتضد صحب أَبُو بكر إِسْمَاعِيل القَاضِي وَسمع مِنْهُ وتفقه مَعَه وَمَعَ كبار أَصْحَاب ابْن بكير وَغَيره وروى أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد وَمُحَمّد بن عَبدُوس وعبد الله بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وجعفر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ وَجَمَاعَة غَيرهم أَبُو بكر هَذَا مَشْهُور لَهُ أنس بِالْحَدِيثِ وَألف كتبا جلة على مَذْهَب مَالك مِنْهَا كتاب الرَّد على مُحَمَّد بن الْحسن وَكتاب بَيَان السّنة خَمْسُونَ كتابا كتاب مسَائِل الْخلاف وَالْحجّة لمَذْهَب مَالك وَشرح مُخْتَصر ابْن عبد الحكم الصَّغِير وَكَانَ صَاحب حَدِيث وَسَمَاع وَفقه قَالَ الْخَطِيب لَهُ مصنفات حسان محشوة بالآثار يحْتَج لمَذْهَب(1/243)
مَالك وَيرد على مخالفيه وَكتب حَدِيثا كثيرا وَكتبه تنبيء عَن مِقْدَار علمه روى عَنهُ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ وَأَبُو إِسْحَاق الدينَوَرِي وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة وَقيل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ
مُحَمَّد أَبُو الطّيب بن مُحَمَّد بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن رَاهَوَيْه بن مخلد التَّمِيمِي ثمَّ الْحَنْظَلِي من أنفسهم وجده إِسْحَق الإِمَام الْمَشْهُور أَيْضا سمع أَبَاهُ وَابْن حجر وَابْن حَنْبَل وَابْن الْمَدِينِيّ وَأَبا مُصعب وَيُونُس وَغَيرهم من أهل خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام ومصر سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد ابْن مخلد وَابْن نَافِع وَغَيرهمَا عَالم بالفقه جميل الطَّرِيقَة مُسْتَقِيم الحَدِيث قَتله القرامطة مُنْصَرفه من الْحَج سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَابْنه مُحَمَّد من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة بالعراق حدث عَنهُ عبيد الله الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بعبيد وَأَبُو مَرْوَان السَّعْدِيّ الْقُرْطُبِيّ وَكَانَ ثِقَة عِنْد إِسْمَاعِيل وَهُوَ مَشْهُور فِي البغداديين ذكره أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي وعده فِي فُقَهَاء من لَقِي من أَصْحَاب مَالك وحذاقهم ونظارهم وحفاظهم وأئمة مَذْهَبهم ولي قَضَاء الرملة وَبهَا توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
وَمن مصر
مُحَمَّد أَبُو بكر بن أَحْمد بن أبي يُوسُف يعرف بِابْن الْخلال من فُقَهَاء مصر درس بجامعها وَأخذ عَنهُ النَّاس يروي عَن مُحَمَّد بن أصبغ وَغَيره روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن خيران وَألف أَرْبَعِينَ جزأ من منتقى قَول مَالك وروى عَن مُحَمَّد بن أصبغ عَن أَبِيه عَن ابْن الْقَاسِم كتاب السِّرّ لمَالِك وَتُوفِّي صدر سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة
وَمن أهل إفريقية
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن بسطَام بن رَجَاء الضَّبِّيّ السُّوسِي ثِقَة مَأْمُون أَصله من الْبَصْرَة ثَبت كثير الرِّوَايَة والكتب لَهُ رحْلَة سمع ابْني عَبدُوس وَغَيرهمَا من أَصْحَاب سَحْنُون وبمصر ابْني عبد الحكم وَالربيع الجيزي وَأدْخل إفريقية كتبا غَرِيبَة من كتب المالكيين ككتات الْمُغيرَة بن عبد الرحمن وَكتاب ابْن كنَانَة(1/244)
وَكتاب ابْن دِينَار وَكَانَ يغرب بمسائلها وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا مَعْدُود فِي هَذِه الطَّبَقَة وَلم يكن فِي عصره أَكثر كتبا مِنْهُ فِي الْفِقْه والْآثَار وَكَانَ فَقِيها وَكَانَ يأثران من قَرَأَ سُورَة الْقَمَر أَمن الْغَرق وَمن قَرَأَ {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة من غم يجده فرج الله عَنهُ سكن القيروان ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى سوسة وَمَات بهَا سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عمر بن لبَابَة مولى آل عبيد بن عُثْمَان الْقُرْطُبِيّ روى عَن عبد الله بن خَالِد وَعبد الْأَعْلَى بن وهب وَأَبَان بن عِيسَى وَأبي زيد بن إِبْرَاهِيم وَأصبغ بن خَلِيل وَيحيى بن مزين والعتبي وقاسم بن مُحَمَّد وَمَالك بن عَليّ القطني وَابْن مطروح وَابْن وضاح وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه مقدما على أهل زَمَانه فِي حفظ الرَّأْي وَالْبَصَر بالفتيا درس كتب الرَّأْي سِتِّينَ سنة وَكَانَ اعْتِمَاده على الْعُتْبِي وَابْن مزين وَكَانَ مشاورا فِي أَيَّام الْأَمِير عبد الله مَعَ عبيد الله بن يحيى وطبقته ثمَّ انْفَرد بالفتيا مَعَ صَاحبه أبي صَالح أَيُّوب بن سُلَيْمَان وَكَانَا متواخيين وَكَانَ أَبُو صَالح يقدمهُ على نَفسه ثمَّ انْفَرد بعد موت أبي صَالح سِنِين عدَّة فَلم يُشَارِكهُ أحد فِي الرياسة وَالْقِيَام بالفتيا وَلم يكن لَهُ رحْلَة وَكَانَ مِمَّن برع فِي الْحِفْظ للرأي ودارت عَلَيْهِ الْأَحْكَام نَحوا من سِتِّينَ سنة وناظر قَاسم بن مُحَمَّد قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ ابْن لبَابَة فَقِيه الأندلس قَالَ الصَّدَفِي كَانَ مُحَمَّد بن لبَابَة من أهل الْحِفْظ للفقه والفهم بِهِ أفقه النَّاس وأعرفهم باخْتلَاف أَصْحَاب مَالك وَعمر وَشَاهد القضايا وَالْأَحْكَام مَعَ تَمْيِيز وَإِدْرَاك لم يكن ذَلِك لأحد مِمَّن رَأينَا وشاهدنا مَعَ نزاهة نفس وتصاون ومروءة كَامِلَة وديانة وتلاوة لِلْقُرْآنِ وَحفظ للشعر وفصاحة وأخلاق حَسَنَة وتقشف فِي ملبسه وتواضع وَكَانَ يخْتم الْقُرْآن فِي رَمَضَان سِتِّينَ ختمة(1/245)
وَكَانَ يُفْتِي بِوُجُوب الْيَمين دون غلظة وَلَا يرى جَوَاز شَهَادَة الشَّاهِد مَعَ أَبِيه وخولف فِي ذَلِك وبجوازها أفتى أَكثر الشُّيُوخ وَكَانَ مَأْمُونا ثِقَة حَافِظًا لأخبار الأندلس لَهُ حَظّ من النَّحْو وَالْخَبَر وَالشعر قَالَ ابْن سهل وَلما ذكر ابْن لبَابَة ذهَاب الْعلم وَأَهله وَمن صَار فِي الشورى تمثل ببيتين ... ذهب الرِّجَال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أَمر مُنكر
وَبقيت فِي خلف يُزكي بَعضهم ... بَعْضًا ليدفع معور عَن معور ... روى عَنهُ خلق كثير وَلم يكن لَهُ علم بِالْحَدِيثِ وَلَا ضبط لروايته يحدث بِالْمَعْنَى وَلَا يُرَاعِي اللَّفْظ وَتُوفِّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لأَرْبَع بَقينَ من شعْبَان سنة أَربع عشرَة وثلاثمائة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَقيل غرَّة رَجَب سنة سِتّ وَعشْرين وتزاحم النَّاس على نعشه وكسروه على عَادَة الْعَامَّة فَقَالَ بَعضهم تزاحموا على عمهل لَا على نعشه وكسروه على عَادَته الْعَامَّة فَقَالَ بَعضهم تزاحموا على عمله لَا على نعشه فَسمِعت مِنْهُ وكتبت عَنهُ حكم رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن فطيس بن وَاصل الغافقي البيري أَبُو عبد الله روى عَن الْعُتْبِي وَأَبَان بن عِيسَى وَابْن مزين وعبد الله بن خَالِد وَأبي زيد عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيم وَأصبغ بن خَلِيل وَبَقِي بن مخلد وَابْن مطروح وَابْن وضاح وعبيد الله بن عبد الْملك بن حبيب والمغامي وَغَيرهم ورحل فَسمع بإفريقية من شَجَرَة بن عِيسَى وَيحيى بن يحيى بن عون الله والكوفي وَغَيرهم وبمصر من يُونُس وَمُحَمّد بن عبد الحكم والمزني وَمُحَمّد بن أصبغ وَغَيرهم وَسمع بِمَكَّة من عَليّ بن عبد العزيز والصايغ وَغَيرهمَا وَعدد شُيُوخه فِي رحلته مِائَتَا شيخ كَانَ شَيخنَا نبيلاً ضابطاً لكتبه ثِقَة صَدُوقًا وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة بإلبيرة كَانَ من حفاظ الْمَذْهَب المتفقهين فِيهِ الجامعين(1/246)
للكتب إِمَامًا ألف كتاب الْوَرع عَن الرِّبَا وَالْأَمْوَال وتحذير الْفِتَن وَكتاب الدُّعَاء وَالذكر كَانَ أعلم مِمَّن بعده فِي كل شَيْء كثير الرِّوَايَات وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة وَهُوَ ابْن تسعين سنة
مُحَمَّد بن سَابق بن عبد الله بن سَابق الْأمَوِي وَقيل مُحَمَّد بن عبد الله بن سَابق البيري سمع من شيوخها كسعيد بن فَخر وَسليمَان بن نصر وَغَيرهمَا وبقرطبة من ابْن وضاح ورحل حَاجا فَسمع فِي رحلته وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للْمَذْهَب توفّي سنة ثَمَان وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الْعرَاق
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن أَحْمد بن عمر التسترِي وَهُوَ قريب لسهل بن عبد الله التسترِي العابد ذِي الأقاصيص العجيبة أَخذ عَن إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد وَمُحَمّد بن خشنام والبرنكاني وَغَيرهم من أَئِمَّة المالكيين وَسمع من أَبِيه وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْحلْوانِي وَأبي عبد الله الزبيدِيّ وَأبي بكر بن أبي دَاوُد وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان الباغندي وَغَيرهم وَكَانَ لَهُ اتساع فِي الرِّوَايَة والْحَدِيث وحظ من الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ وَكَانَ ملازماً للسّنة نافراً عَن الْبِدْعَة حدث عَنهُ ابْنه وجعفر بن نصر الجلدي وَأدْركَ سهلاً وَسمع مِنْهُ حكايتين قَالَ سمعته يَقُول من أصبح وَلم يعْتَقد أَنه يُمْسِي فِي الْقَبْر لعبت بِهِ الشَّيَاطِين طول يَوْمه وسمعته يَقُول الْأكل على ثَلَاثَة أنحاء آكل يَأْكُل نوار وإيماناً من أول طَعَامه إِلَى آخِره وَآخر يَأْكُل طَعَاما وَآخر يَأْكُل سرجيناً فَأَما الَّذِي يَأْكُل نورا وإيماناً فَالَّذِي يُسَمِّي الله عز وَجل عِنْد كل لقْمَة وَيَحْمَدهُ عِنْد إساغتها وَأما الَّذِي يَأْكُل طَعَاما فَالَّذِي يُسَمِّي الله فِي أَوله وَيَحْمَدهُ فِي آخِره وَأما الَّذِي يَأْكُل سرجيناً فَالَّذِي لَا يذكر الله فِي أول طَعَامه وَلَا فِي آخِره أَو كَمَا قَالَ فَإِنِّي كتبته من حفظي وَتُوفِّي سهل وَهُوَ صَغِير ابْن عشر سِنِين فمولده سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ ووفاة سهل سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَبُو عبد الله هَذَا عَالما بِمذهب مَالك شَدِيد التعصب لَهُ وَوضع فِي مناقبه نَحوا من عشْرين(1/247)
جزأ وَله كتاب فِي فَضَائِل الْمَدِينَة وَالْحجّة لَهَا وتقلد قَضَاء الْبَصْرَة بَلَده سِنِين ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة وسنه اثْنَان وَسَبْعُونَ سنة وَتقدم مولده
وَمن أهل مصر
مُحَمَّد أَبُو إِسْحَاق بن الْقَاسِم بن شعْبَان بن مُحَمَّد بن ربيعَة بن دَاوُد بن سُلَيْمَان بن أَيُّوب بن الصيقل بن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا حكى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن سهل الْحَافِظ وَذكر أَنه نسب لَهُ نَفسه كَذَا يُقَال أَن عماراً من عنس بنُون وعنس بن مذْحج وَيعرف بِابْن الْقُرْطُبِيّ كَانَ أرأس فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة بِمصْر فِي وقته وأحفظهم لمَذْهَب مَالك مَعَ التفنن فِي سَائِر الْعُلُوم من الْخَبَر والتاريخ وَالْأَدب إِلَى التدوين والورع وَكَانَ يلحن وَلم يكن لَهُ بصر بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ غزارة علمه وَكَانَ وَاسع الرِّوَايَة كثير الحَدِيث مليح التَّأْلِيف شيخ الْفَتْوَى حَافظ الْبَلَد وَإِلَيْهِ انْتَهَت رئاسة المالكيين بِمصْر وَوَافَقَ مَوته دُخُول بني عبيد الله الروافض وَكَانَ شَدِيد الذَّم لَهُم وَكَانَ يَدْعُو على نَفسه بِالْمَوْتِ قبل دولتهم وَيَقُول اللَّهُمَّ أمتني قبل دُخُولهمْ مصر فَكَانَ ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ يَقُول فِيهِ إِنَّه لين الْفِقْه وَأما كتبه فَفِيهَا غرائب من قَول مَالك وأقوال شَاذَّة عَن قوم وَلم يشتهروا بِصُحْبَتِهِ لَيست مِمَّا رَوَاهُ ثِقَات أَصْحَابه وَاسْتقر من مذْهبه وَألف كتاب الزاهي الشَّعْبَانِي الْمَشْهُور فِي الْفِقْه وكتاباً فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَكتاب مُخْتَصر مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصر وكتاباً فِي مَنَاقِب مَالك وَكتاب الروَاة عَن مَالك وَكتاب جماع النسوان وَكتاب مواعظ ذِي النُّون الإخميمي وَكتاب النَّوَادِر وَكتاب الأشراط وَكتاب الْمَنَاسِك وَكتاب السّنَن قبل الْوضُوء وَتُوفِّي يَوْم السبت لأَرْبَع عشرَة بقيت من جُمَادَى(1/248)
الأولى سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة وَدفن يَوْم الْأَحَد وَقد جَاوز سنه ثَمَانِينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ الْفَقِيه أَبُو عَليّ الصَّيْرَفِي وَخلق عَظِيم
وَمن أهل إفريقية
مُحَمَّد أَبُو بكر بن اللباد بن مُحَمَّد ابْن وشاح مولى الأفرع مولى مُوسَى بن مصير اللَّخْمِيّ وَكَانَ وشاح حائكا من أَصْحَاب يحيى ابْن عمر وَبِه تفقه وَأخذ عَن أَخِيه مُحَمَّد بن عَمْرو بن طَالب وحمديس الْقطَّان وَأحمد بن يزِيد والمغامي وَأحمد بن سُلَيْمَان وَغَيرهم وَسمع من جَمِيع الشُّيُوخ الَّذين كَانُوا فِي وقته كَأبي بكر بن عبد العزيز الأندلسي الْمَعْرُوف بِابْن الخراز وحبِيب بن نصر وَأحمد بن يزِيد وَأبي الطَّاهِر مُحَمَّد بن الْمُنْذر الزبيدِيّ وزيدان وَغَيرهم وَسمع مِنْهُ جمَاعَة من النَّاس وتفقه بِهِ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَابْن حَارِث وَغَيرهمَا مِمَّن روى عَنهُ زِيَاد بن عبد الرحمن الْقَرَوِي وَمُحَمّد بن الناظور ودراس بن إِسْمَاعِيل وَلم تكن لَهُ رحْلَة وَلَا حج كَانَ عِنْده حفظ كثير وَجمع للكتب وحظ وافر من الْفِقْه شغله إسماع الْكتب عَن التَّكَلُّم فِي الْفِقْه وَكَانَت مذاكرته تعسر لضيق فِي خلقه وَكَانَ آخر شُيُوخ وقته قَالَ أَبُو الْعَرَب كَانَ فَقِيها جليل الْقدر عَالما باخْتلَاف أهل الْمَدِينَة واجتماعهم مهيباً مُطَاعًا دينا ورعاً زاهداً من الْحفاظ الْمَعْدُودين وَالْفُقَهَاء المبرزين وَقَالَ الأبياني إِنَّمَا انتفعت بِصُحْبَة ابْن اللباد ودرست مَعَه عشْرين سنة وَقَالَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس صَحِبت الْعلمَاء بالمشرق وَالْمغْرب مَا رَأَيْت مثل ثَلَاثَة أبي بكر بن اللباد وَأبي الْفضل الممسي وَأبي إِسْحَاق بن شعْبَان وَذكر بعض ثِقَات أَصْحَابه أَنه نظر إِلَى رجلَيْهِ بعد أَن فلج وَقد تغيرتا وانتفختا فَبكى ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ ثبتهما على الصِّرَاط يَوْم تزل الْأَقْدَام فَأَنت الْعَالم بهما وَالشَّاهِد عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا مَا مشتا فِي مَعْصِيّة وَألف أَبُو بكر بن اللباد كتاب الطَّهَارَة وَكتاب(1/249)
عصمَة النَّبِيين وَهُوَ كتاب إِثْبَات الْحجَّة فِي بَيَان الْعِصْمَة وَكتاب فَضَائِل مَالك بن أنس وَكتاب الْآثَار والفوائد عشرَة أَجزَاء وَكَانَ يَقُول أزهد النَّاس فِي الْعلم قرَابَته وجيرانه وَقَالَ مَا قرب الْخَيْر من قوم قطّ إِلَّا زهدوا فِيهِ وامتحن وسجن وَضرب ثَلَاث عصي وَتُوفِّي فِي منتصف صفر يَوْم السبت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَانَ فلج آخر عمره رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد أَبُو الْعَرَب بن أَحْمد بن تَمِيم بن تَمام بن تَمِيم التَّمِيمِي كَانَ جده تَمام بن تَمِيم من أُمَرَاء إفريقية وَكَانَ أَبوهُ أَحْمد مِمَّن سمع من شَجَرَة وَسليمَان بن عمرَان وَبكر بن حَمَّاد وَسمع أَبُو الْعَرَب من جمَاعَة من أَصْحَاب سَحْنُون وَأكْثر رجال إفريقية كيحيى بن عمر وَأبي دَاوُد الْعَطَّار وَعِيسَى وَمُحَمّد بن مِسْكين وَابْن طَالب وَعبد الْجَبَّار وَابْن عَيَّاش وَسَهل الْفرْيَابِيّ وحماس وحبِيب بن نصر وجبلة وَابْن أبي سُلَيْمَان وَسَعِيد بن إِسْحَاق وَجَمَاعَة وَكَانَ رجلا صَالحا ثِقَة عَالما بالسنن وَالرِّجَال من أبْصر أهل وقته بهَا كثير الْكتب حسن التَّقْيِيد كريم النَّفس والخلق كتب بِخَطِّهِ كثيرا فِي الحَدِيث وَالْفِقْه يُقَال إِنَّه كتب بِيَدِهِ ثَلَاثَة آلَاف كتاب وَخَمْسمِائة وشيوخه نَيف وَعِشْرُونَ وَمِائَة شيخ سمع مِنْهُ مُحَمَّد بن أبي زيد وَالْحسن بن مَسْعُود وابناه وَزِيَاد السروي وَالنَّاس كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب مفتياً وَغلب عَلَيْهِ الحَدِيث وَالرِّجَال وتصنيف الْكتب وَالرِّوَايَة والإسماع وَألف طَبَقَات عُلَمَاء إفريقية وَكتاب عباد إفريقية ومسند حَدِيث مَالك وَكتاب التَّارِيخ سعبة أَجزَاء وَكتاب مَنَاقِب بني تَمِيم وجزءين فِي موت الْعلمَاء وَكتاب المحن وَكتاب فَضَائِل مَالك وَكتاب فَضَائِل سَحْنُون وَكتاب الْوضُوء وَالطَّهَارَة وَكتاب الْجَنَائِز وَذكر الْمَوْت وَعَذَاب الْقَبْر وَكتاب عوالي حَدِيثه وَكتاب فِي الصَّلَاة وَغير ذَلِك وامتحن مَعَ الشيعي حَبسه وَقَيده مَعَ ابْنه(1/250)
مُدَّة بِسَبَب بني الْأَغْلَب وَكَانَ أَبُو الْعَرَب شَاعِرًا مجيداً فَمن شعره ... إِذا ولى الصّديق بِغَيْر عذر ... فَرد الله خلته انْقِطَاعًا
إِلَى يَوْم التناد بِلَا رُجُوع ... فَإِن رام الرُّجُوع فَلَا استطاعا
إِذا ولى أَخُوك قَفاهُ عَنْك ... فول قفاك عَنهُ وزده باعا
وناد وَرَاءه يَا رب تمم ... وَلَا تجْعَل لفرقته اجتماعا ... وَله رَحمَه الله تَعَالَى ... ضعف حيلتي وَقل اصْطِبَارِي ... وَإِلَى الله أَشْكُو كل مابي
وَمن الْعظم بعد مَا كَانَ صلباً ... وفقدت الشَّبَاب أَي شَبَابِي ... توفّي يَوْم الْأَحَد لثمان بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَقيل لسبع بَقينَ لرجب مِنْهَا
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد بن يحيى بن لبَابَة أَبُو عبد الله يلقب بالبرجون ابْن أخي الشَّيْخ ابْن لبَابَة جلّ سَمَاعه من عَمه مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَسمع غَيره ورحل فَسمع بالقيروان من حماس ابْن مَرْوَان وَكَانَ من أحفظ أهل زَمَانه للْمَذْهَب عَالما بِعقد الشُّرُوط بَصيرًا بعللها وَله اختيارات فِي الْفَتْوَى وَالْفِقْه خَارِجَة عَن الْمَذْهَب وَله تآليف فِي الْفِقْه مِنْهَا المنتخبة وَكتاب فِي الوثائق وَقَالَ ابْن حَازِم الْفَارِسِي كِتَابه المنتخبة لَيْسَ لِأَصْحَابِنَا مثله وَهُوَ على مَقَاصِد الشَّرْح لمسائل الْمُدَوَّنَة وَلم يكن لَهُ علم بِالْحَدِيثِ ولي قَضَاء إلبيرة والشورى بقرطبة ثمَّ عزل عَن إلبيرة وعزل بعْدهَا عَن الشورى لِأَشْيَاء نقمت عَلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي الحبيب بن زِيَاد قد سجل بسخطه وَرفع إِلَى النَّاصِر لدين الله عَنهُ أَشْيَاء قبيحة فَأمر بإسقاطه مَنْزِلَته من الشورى(1/251)
وَالْعَدَالَة وألزمه بَيته وَمنعه أَن يُفْتِي أحدا وَأقَام على ذَلِك ثمَّ ولاه أَمِير الْمُؤمنِينَ خطة الوثائق والشورى من هَذَا الْوَقْت إِلَى أَن مَاتَ ومنزلته من السُّلْطَان لَطِيفَة وَمَات عَن حَال معتدلة وتوبة نصوح ثمَّ حج وَلَقي الْعلمَاء وَانْصَرف وَقد اعتدلت حَالَته فأقيلت عثراته اللَّهُمَّ أقل عثراتنا يَا أكْرم الأكرمين توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد وَيُقَال أَحْمد بن عبد الله الْأمَوِي الْمَعْرُوف باللؤلؤي صناعَة أَبِيه قرطبي سمع من أبي صَالح وطاهر بن عبد الْعَزِيز أفقه أهل زَمَانه بعد موت ابْن أَيمن وَله بصر باللغة وَالشعر والوثائق برع فِي علم السّنَن وَتقدم فِي الْفتيا وَأخذ من جَمِيع الْعُلُوم الإسلامية بِنَصِيب وافر وَكَانَ من أهل الحدس الصَّادِق وَالْقِيَاس العجيب والرأي الْمُصِيب كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك مقدما فِي الْفتيا على أَصْحَابه لم يزل مشاوراً من أَيَّام أَحْمد بن بَقِي إِلَى أَن توفّي قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق كَانَ اللؤْلُؤِي من أحفظ أهل زَمَانه بِمذهب مَالك وَلم تكن لَهُ رحْلَة كَانَ صدر المفتيين وأدربهم وأفقههم فِي تِلْكَ الْمعَانِي وَكَانَ مقدما فِي الشورى أفقه أهل عصره وأبصرهم بالفتيا وَعَلِيهِ مدَار طلاب الْعلم فِي زَمَانه وَعَلِيهِ تفقه مُحَمَّد بن زرب القَاضِي وَكَانَ أخفش الْعَينَيْنِ ضَعِيف الْبَصَر وأفرط عَلَيْهِ فِي آخر عمره حَتَّى كَانَ لَا يستبين الْكتاب فِي أَيَّام المناظرة فَكَانَ ابْن زرب يَكْفِي عَنهُ ويمسك الْكتاب وَقَالَ ابْن عبد الرؤوف الْكَاتِب كَانَ فَقِيها حَافِظًا متفنناً غزير الْعلم كثير الرِّوَايَة جيد الْقيَاس صَحِيح الفطنة عَالما بالاختلاف حَافِظًا للغة بَصيرًا بالغريب والعربية شَاعِرًا حسن القريض متصرفاً فِي أساليبه رِوَايَة لَهُ مميزاته رغب عَن الشّعْر وتنكب عَنهُ إِلَى التبحر فِي الْفِقْه وَالسّنة وَأكْثر شعره فِي الْوَعْظ والزهد والمكاتبات(1/252)
وَذكره فِي طَبَقَات شعراء الأندلس وَسُئِلَ خَالِد بن سعيد يَوْمًا عَن مسئلة عويصة فَقَالَ للسَّائِل عَلَيْك بِأبي بكر اللؤْلُؤِي فإليه تَأتي هَذِه الْأَحْمَال الْكِبَار وَأَنا إِنَّمَا تَأتِينِي المخلاة وَتَبَسم وَكَانَت فِيهِ دعابة يستعملها حَتَّى إِن شواطر النِّسَاء كن يكتبن لَهُ بمسائل من المجون ويتعرضن لَهُ بهَا فيجيبهن ويتخلص وأتته امْرَأَة بسؤال مَا تَقول رَحِمك الله فِي امْرَأَة وعدت ثمَّ أخلفت مَا يجب عَلَيْهَا فَكتب أَسْفَل كتابها أساءت حِين وعدت وأحسنت حِين أخلفت وَله ... إِنِّي وَإِن كنت القريض أقوله ... يَوْمًا فَلَيْسَ على القريض معولي
علمي الْكتاب وَسنة مأثورة ... وتفنني فِي أضْرب وتحولي
فَإِذا ذكرت ذَوي الْعُلُوم وجدتني ... فِي السَّبق قُدَّام الرعيل الأول
أشفي الْعَمى بِبَيَان قَول فَاضل ... يجلو ويكشف كل أَمر مُشكل
وَالْجمع يعلم أنني لما أقل ... إِن أنصفوا فِي ذَاك مَا لم أفعل ... وَتُوفِّي اللؤْلُؤِي سنة خمسين وثلاثمائة وَقيل سنة إِحْدَى وَخمسين رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي دليم أَبُو عبد الله أَخُو عبد الله سمع من رجال أَخِيه كلهم وَكَانَ عَالما فَقِيها زاهداً ورعاً عفيفاً جلدا ضابطاً متقناً ثِقَة مَأْمُونا قَالَ بَعضهم كل أَصْحَابنَا كَانَت لَهُ صبوة مَا خلاه فَإِنِّي عَرفته صَغِيرا زاهداً وَقَالَ الْبَاجِيّ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى رجل من أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى ابْن دليم وَكَانَ يَأْبَى من السماع إِلَى أَن توفّي أَصْحَابه فَجَلَسَ للنَّاس قبل وَفَاته بِثَلَاثَة أَعْوَام فَسمع مِنْهُ عَالم كثير وَكَانَ صرورة لَا يطَأ النِّسَاء وَلم يتداو قطّ وَلَا احْتجم وَكَانَ من عُلَمَاء النَّاس وخيراهم من أهل الْعلم الْوَاسِع وَالْفضل البارع معدوداً فِي النساك(1/253)
وَالصَّالِحِينَ وَكَانَ لَا يرى أَن يُسمى طَالب الْعلم فَقِيها حَتَّى يكتهل ويكمل سنه ويقوى نظره ويبرع فِي حفظ الرَّأْي وَرِوَايَة الحَدِيث ويتميز فِيهِ وَيعرف طَبَقَات رِجَاله وَيحكم عقد الوثائق وَيعرف عللها ويطالع الِاخْتِلَاف وَيعرف مَذَاهِب الْعلمَاء وَالتَّفْسِير ومعاني الْقُرْآن فَحِينَئِذٍ يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها وَإِلَّا فاسم الطَّالِب أليق بِهِ إِلَى أَن يلْحق بِهَذِهِ الدرجَة وَدُعَاء الدَّاعِي لَهُ باسم الْفَقِيه مخزية وَكَانَ ناحل الْجِسْم قاصح الْجلد لَا يتألم من عض البراغيث ويعجب مِمَّن يقلق مِنْهَا وَكَانَ كثير الصَّلَاة وَالصِّيَام عابداً مُجْتَهدا وَعمر مولده سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة اثْنَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة
مُحَمَّد بن عبد الله بن عيشون أَبُو عبد الله طليطلي فَقِيه حَافظ للمسائل سمع بطليطلة من وسيم بن سعدون ووهب بن عِيسَى وبقرطبة من ابْن خَالِد وَابْن أَيمن وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم ورحل وَلَقي جمَاعَة من الْمُحدثين وَرَأس بِالْعلمِ وَشهر بِهِ وَحمل روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن ذنين الطليطلي وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم وعبدوس الطليطلي وَتكلم فِيهِ أَبُو عمرَان الفاسي ومسلمة بن قَاسم حدث عَن ابْن الْأَعرَابِي بتاريخ ابْن معِين وَلم يسمعهُ كَانَ ابْن عيشون فَقِيه عصره من الْحفاظ وَله مُخْتَصر مَشْهُور وَألف أَحَادِيث مُسْند مَالك كَانَ عَالما مُتَقَدما فَقِيها حَافِظًا لمَذْهَب مَالك عَالما بالفتوى من أهل الصّلاح وَالْخَيْر متقللاً من الدُّنْيَا وَألف مسندات الحَدِيث كتاب الْإِمْلَاء وَاخْتصرَ الْمُدَوَّنَة إِلَّا الْكتب المختلطة مِنْهَا وَكَانَ يَقُول الشّعْر وَأسر وافتدي توفّي بطليطلة فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَمن أهل طليطلة
مُحَمَّد بن عمر بن سعد بن عيشون روى عَنهُ ابْنه وقاسم بن أصبغ وَغَيره من القرطبيين وَسمع من شُيُوخ بَلَده وبمكة ومصر وَالشَّام والقيروان من ابْن الْأَعرَابِي وَأبي الْحسن برجلا(1/254)
والخزاعي والقشيري وَأبي مَرْوَان الْمَالِكِي وَغَيرهم وَحدث بِكَثِير روى عَنهُ أَبُو الْأَصْبَغ الْجَزْم بن أبي دِرْهَم وَابْن الفرضي وَغَيرهمَا فَقِيه حَافظ للمسائل ولي قَضَاء بَلَده وَمُحَمّد هَذَا رُبمَا اشْتبهَ مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عيشون الْأَعْلَى من يحققهما
مُحَمَّد بن رَبَاح بن صاعد الْأمَوِي أَبُو عبد الله طليطلي سمع وهب بن عِيسَى وَغَيره وَكَانَ مَوْصُوفا بصلاح وَفضل وعناية بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة لَهُ وَالْحِفْظ لمَذْهَب مَالك استفتي بِبَلَدِهِ وَله فِي الْمُدَوَّنَة اقتصارا كَانَ مَشْهُورا بطليطلة يدرسه أَهلهَا وَكَانَ جماهر بن مُحَمَّد يثني عَلَيْهِ ويفضله
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من أهل الْعرَاق
مُحَمَّد أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن صَالح يخرج إِلَى زيد مَنَاة ابْن تَمِيم سكن بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي وَابْن أبي دَاوُد وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الباغندي وَأَبُو بكر بن الجهم الْوراق وَابْن داسة وَالْبَغوِيّ وَأَبُو زيد الْمروزِي وَله التصانيف فِي شرح مَذْهَب مَالك والاحتجاج لَهُ وَالرَّدّ على من خَالفه وَكَانَ إِمَام أَصْحَابه فِي وقته حدث عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم البرقاني وَإِبْرَاهِيم بن مخلد وَابْنه إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَالْقَاضِي أَبُو الْقَاسِم التنوخي وَغَيرهم وَأَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ والباقلاني القَاضِي وَابْن فَارس الْمقري وَأَبُو مُحَمَّد بن نصر القَاضِي
وَمن أهل الأندلس
أَبُو عبيد الجبيري والأصيلي وَأَبُو الْقَاسِم الوهراني واستجازه أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد وَكَانَ ثِقَة أَمينا مَشْهُورا وانتهت إِلَيْهِ الرياسة فِي مَذْهَب مَالك تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي عمر وَابْنه أبي الْحُسَيْن وَأخذ عَن القَاضِي أبي الْفرج وَأبي بكر بن الجهم وَابْن المنتاب وَابْن بكير وَجمع بَين القراآت وعلو الْإِسْنَاد وَالْفِقْه الْجيد وَشرح المختصرين الْكَبِير وَالصَّغِير لِابْنِ عبد الحكم وانتشر عَنهُ مَذْهَب مَالك فِي(1/255)
الْبِلَاد وَكَانَ الْقيم بِرَأْي مَالك فِي الْعرَاق فِي وقته مُعظما عِنْد سَائِر عُلَمَاء وقته لَا يشْهد مُخْتَصرا إِلَّا كَانَ الْمُقدم فِيهِ وَإِذا جلس قَاضِي الْقُضَاة الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِابْن شَيبَان أقعده عَن يَمِينه والخلق كلهم دونه من الْقُضَاة وَالشُّهُود وَالْفُقَهَاء وَغَيره وأملى أَبُو الْقَاسِم الوهراني فِي أخباره جزأ فَقَالَ كَانَ رجلا صَالحا خيرا ورعاً عَاقِلا نبيلاً فَقِيها عَالما مَا كَانَ بِبَغْدَاد أجل مِنْهُ وَلم يُعْط أحد من الْعلم والرياسة فِيهِ مَا أعطي الْأَبْهَرِيّ فِي عصره من الموافقين والمخالفين وَلَقَد رَأَيْت أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة إِذا ختلفوا فِي أَقْوَال أئمتهم يسئلونه فيرجعون إِلَى قَوْله وسمعته يَقُول كتبت بخطي الْمَبْسُوط وَالْأَحْكَام لإسماعيل واسمعه ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن وهب وموطأ مَالك وموطأ ابْن وهب وَمن كتب الْفِقْه والْحَدِيث نَحْو ثَلَاثَة آلَاف جُزْء بخطي وَلم يكن لَهُ قطّ شغل إِلَّا الْعلم ولي فِي جَامع الْمَنْصُور بِبَغْدَاد سِتُّونَ سنة أدرس النَّاس وأفتاهم وأعلمهم سنة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ قَرَأت مُخْتَصر ابْن عبد الحكم خَمْسمِائَة مرّة والأسدية خمْسا وَسبعين مرّة والموطأ كَذَلِك والمبسوط ثَلَاثِينَ مرّة ومختصر ابْن البرقي سبعين مرّة قَالَ أَبُو الْقَاسِم الوهراني وَسمعت الشُّيُوخ يَقُولُونَ أَن فِي مُخْتَصر ابْن عبد الحكم الْكَبِير ثَمَان عشرَة ألف مسئلة وَفِي الْمُدَوَّنَة سِتّ وَثَلَاثُونَ ألف مسئلة ومائتان مِنْهَا أَربع ممحوة وَفِي الْمُخْتَصر الْأَوْسَط أَرْبَعَة آلَاف مسئلة وَفِي الصَّغِير ألف ومائتان وَسمعت أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد يَقُول من حفظ الْمُدَوَّنَة والمستخرجة لم تبْق عَلَيْهِ مسئلة قَالَ وَمَا رَأَيْت من الشُّيُوخ أسخى مِنْهُ وَلَا أَكثر مواساة لطَالب الْعلم وَمن يرد عَلَيْهِ من الغرباء يعطيهم الدَّرَاهِم ويكسوهم وَكَانَ لَا يخلي جيبه من كيس فِيهِ مَال فَكل من ورد(1/256)
عَلَيْهِ من الْفُقَهَاء يغْرف لَهُ غرفَة بِلَا وزن لقد سَأَلته عَن سَبَب عيشه فَقَالَ لي كَانَ رُؤَسَاء بَغْدَاد لَا يَمُوت أحد مِنْهُم إِلَّا أوصى لي بِجُزْء من مَاله وَكَانَ الْأَبْهَرِيّ أحد أَئِمَّة الْقُرْآن والمتصدرين لذَلِك والعارفين بِوُجُوه الْقِرَاءَة وتجويد التِّلَاوَة وَذكره أَبُو عَمْرو الداني فِي طَبَقَات المقرئين وتفقه على الْأَبْهَرِيّ عدد عَظِيم وَخرج لَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة بأقطار الأَرْض من الْعرَاق وخراسان والجبل وبمصر وإفريقية كَأبي جَعْفَر الْأَبْهَرِيّ وَأبي سعيد الْقزْوِينِي وَأبي الْقَاسِم بن الْجلاب وَأبي الْحسن بن الْقصار وَأبي عمر بن سعدي الأندلسي نزيل المهدية وَأبي الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ وَابْن تَمام وَابْن خويز منداد وَأبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَأبي عبيد الجبيري وَأبي مُحَمَّد القلعي وَغَيرهم وَلم ينجب أحد بالعراق من الْأَصْحَاب بعد إِسْمَاعِيل القَاضِي مَا أَنْجَب أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ كَمَا أَنَّهُمَا لَا قرين لَهما فِي الْمَذْهَب بقطر من الأقطار إِلَّا سَحْنُون بن سعيد فِي طبقتهما بل هُوَ أَكثر الْجَمِيع أصحاباً وأفضلهم أتباعاً وأنجبهم طلاباً ثمَّ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد فِي هَذِه الطَّبَقَة أَيْضا غفر الله لجميعهم ونفع بعلومهم وَأبي بكر من التآليف سوى شرحي المختصرين كتاب الرَّد على الْمُزنِيّ وَكتاب الْأُصُول وَكتاب إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة ومسئلة إِثْبَات حكم الْقَافة وَكتاب فضل الْمَدِينَة على مَكَّة ومسئلة الْجَواب والدلائل والعلل وَمن حَدِيثه كتاب العوالي وَكتاب الأمالي علق عَنهُ نَحْو خَمْسَة عشر ألف مسئلة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء بَغْدَاد فَامْتنعَ وَبعد موت الْأَبْهَرِيّ وكبار أَصْحَابه لتلاحقهم بِهِ وَخُرُوج الْقَضَاء عَنْهُم إِلَى غَيرهم من مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة ضعف مَذْهَب مَالك بالعراق وَقد طَالبه لاتباع النَّاس أهل الرياسة والظهور وَوجد بِخَط الْأَبْهَرِيّ الدّين عز وَالْعلم كنز والحلم حرز والتوكل قُوَّة قَالَ الوهراني سَأَلت الْأَبْهَرِيّ(1/257)
عَن سنه فَقَالَ لي قَالَ مَالك إِخْبَار الشُّيُوخ عَن أسنانهم من السَّفه وَحبس كتبه على أَصْحَابه وَتُوفِّي بِبَغْدَاد لَيْلَة السبت لسبع خلون من شَوَّال سنة خمس وَتِسْعين وثلاثمائة وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع الْمَنْصُور مولده قبل التسعين وَمِائَتَيْنِ وسنه ثَمَانُون سنة أَو نَحْوهَا
مُحَمَّد بن مُجَاهِد هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُجَاهِد أَبُو عبد الله الْمُتَكَلّم الطَّائِي صَاحب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ من أهل الْبَصْرَة وَسكن بَغْدَاد وَعَلِيهِ درس القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني الْكَلَام وَله كتب حسان فِي الْأُصُول وَكَانَ حسن الدّين جميل الطَّرِيقَة وَكَانَ البرقاني يثني عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وأدركه فِيمَا أَحسب وَكَانَ ابْن مُجَاهِد هَذَا مالكي الْمَذْهَب إِمَامًا فِيهِ غلب عَلَيْهِ علم الْكَلَام وَالْأُصُول أَخذ عَن القَاضِي التسترِي وَله كتاب فِي أصُول الْفِقْه على مَذْهَب مَالك ورسالته الْمَشْهُورَة فِي الاعتقادات على مَذْهَب أهل السّنة الَّتِي كتب بهَا إِلَى أهل الْبَاب والأبواب وَكتاب هِدَايَة المستبصر ومعونة الْمُسْتَنْصر وتآليف أخر غير هَذَا وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي زيد الْمروزِي وسماعه فِي كتاب الْأصيلِيّ بِخَطِّهِ واستجاز الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد فِي كتاب الْمُخْتَصر والنوادر وَكَانَ ابْن مُجَاهِد ينشد لبَعْضهِم ... أَيهَا المغتدي ليطلب علما ... كل علم عبد لعلم الْكَلَام
تطلب الْفِقْه كي تصحح حكما ... ثمَّ أغفلت منزل الْأَحْكَام ... وَحدث عَنهُ القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب وَأَبُو بكر بن عودة وَغَيرهمَا وَذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخه
وَمن أهل مصر
مُحَمَّد أَبُو بكر النعالي هُوَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَقيل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَقيل مُحَمَّد بن بكر بن الْفضل نسب إِلَى عمل النِّعَال وَيعرف أَيْضا بالصراري نسب(1/258)
إِلَى النِّعَال الصرارية أَخذ عَن أبي إِسْحَق بن شعْبَان وَأبي بكر بن رَمَضَان وَبكر بن الْعَلَاء الْقشيرِي وَمُحَمّد بن زيان ومأمون وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر بن عبد الرحمن الْقَرَوِي وَعبد الْغَنِيّ ابْن سعيد الْحَافِظ وَأَبُو بكر بن عقال الصّقليّ وَأَبُو عبد الله بن الْحذاء الأندلسي وَالنَّاس إِلَيْهِ كَانَت الرحلة والإمامة بِمصْر وجالسه الْقَابِسِيّ وَأثْنى عَلَيْهِ وَعظم شَأْنه قَالَ ابْن الْحذاء مَا رَأَيْت رجلا أتم مُرُوءَة مِنْهُ وَلَا أعف وَلَا أكمل وَلَا أَعقل وَكَانَ أسخى النَّاس لم يجْتَمع عِنْده مَال يزكّى عَلَيْهِ وَكَانَ مبايناً لبني عبيد قَالَ الْقَابِسِيّ كَانَت حلقته فِي الْجَامِع تَدور على سَبْعَة عشر عموداً لِكَثْرَة من يحضرها وَتُوفِّي فِي الثَّمَانِينَ وثلاثمائة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن أهل إفريقية
مُحَمَّد بن حَارِث بن أَسد الْخُشَنِي أَبُو عبد الله تفقه بالقيروان على أَحْمد بن نصر وَأحمد بن زِيَاد وَأحمد بن يُوسُف وَابْن اللباد والممسي وَسمع من غير وَاحِد من شُيُوخ أفريقية وَقدم الأندلس حَدثا وسنه اثْنَتَا عشرَة سنة فَسمع من ابْن أَيمن وقاسم بن أصبغ وَأحمد بن عبَادَة وَمُحَمّد بن يحيى بن لبَابَة وَأحمد بن زِيَاد وَالْحسن بن سعد وَغَيرهم من القرطبيين واستوطن بعد هَذَا قرطبة وَقد دخل سبتة قبل الْعشْرين وثلاثمائة فحبسه أَهلهَا عِنْدهم وتفقه عَلَيْهِ قوم مِنْهُم وَقيل إِنَّه حقق قبْلَة جامعهم إِذْ ذَاك فَوجدَ فِيهَا تغريباً فامتثلوا رَأْيه وشرقوها ثمَّ دخل الأندلس وَتردد فِي كور الثغور وَاسْتقر آخرا بقرطبة كَانَ حَافِظًا للفقه مُتَقَدما فِيهِ نبيها ذكياً فَقِيها فطناً متفنناً عَالما بالفتيا حسن الْقيَاس فِي الْمسَائِل وولاه الحكم الْمَوَارِيث ببجاية وَولي الشورى بقرطبة وَتمكن من ولي عهدها الحكم وَألف لَهُ تآليف حَسَنَة مِنْهَا كِتَابه فِي الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف فِي مَذْهَب مَالك وَكتابه فِي المحاضر(1/259)
وَكتاب رَأْي مَالك الَّذِي خَالفه فِيهِ أَصْحَابه وَكتاب الْفتيا وَكتاب فِي تَارِيخ عُلَمَاء الأندلس وتاريخ قَضَاء الأندلس وتاريخ الإفريقيين وَكتاب التَّعْرِيف وَكتاب المولد والوفاة وَكتاب النّسَب وَكتاب الروَاة عَن مَالك وَكتاب طَبَقَات فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وَكتاب مَنَاقِب سَحْنُون وَكتاب الاقتباس وَغير ذَلِك ألف لَهُ مائَة ديوَان وَكَانَ عَالما بالأخبار وَأَسْمَاء الرِّجَال وَكَانَ حكيماً يعلم الأدهان ويتصرف فِي الْأَعْمَال اللطيفة شَاعِرًا بليغاً إِلَّا أَنه يلحن وآلت بِهِ الْحَال بعد موت الحكم وتقصير ابْن أبي عَامر بصنائع الحكم إِلَى الْجُلُوس فِي حَانُوت لبيع الأدهان حدث عَنهُ أَبُو بكر بن حوبيل وَغَيره قَالَ أَحْمد بن عبَادَة رَأينَا ابْن حَارِث فِي مجْلِس أَحْمد ابْن نصر يَعْنِي وَقت طلبه وَهُوَ شعلة يتوقد فِي المناظرة وَتُوفِّي بقرطبة فِي صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَقيل سنة أَربع وَسِتِّينَ
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد أَبُو بكر بن إِسْحَاق ابْن مُنْذر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن السَّلِيم بن أبي عِكْرِمَة واسْمه جَعْفَر وَهُوَ الدَّاخِل إِلَى الأندلس وَهُوَ جَعْفَر بن يزِيد بن عبد الله مولى سُلَيْمَان بن عبد الْملك قيل عبد الله جده رومي وَقيل إِنَّه لخمي من أَشْرَاف عرب شذونة يؤل سلفه لبني أُميَّة وإليهم تنْسب الْمَدِينَة الْمَعْرُوفَة بفن السَّلِيم من كورة شذونة نزلوها عِنْد فتحهم الأندلس وَهُوَ قرطبي سمع بهَا من أَحْمد بن خَالِد صَغِيرا وَمن مُحَمَّد بن أَيمن وَمُحَمّد بن قَاسم وعبد الله بن يُونُس وقاسم بن أصبغ وَابْن عمر بن دُحَيْم وَسَعِيد بن جَابر وَغَيرهم ورحل سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَسمع بِمَكَّة من ابْن الْأَعرَابِي وبالمدينة من المرواني القَاضِي وبمصر من الزبير وعبد الله بن جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ وَأبي جَعْفَر بن النّحاس وَأبي بهزاد وَابْن أبي مطر وَأبي الْعَبَّاس السكرِي وَمُحَمّد بن أَيُّوب الرقي وَجَمَاعَة وَانْصَرف إِلَى(1/260)
الأندلس وَأَقْبل على الزّهْد وَالْعِبَادَة ودراسة الْعلم كَانَ حَافِظًا للفقه بَصِير بالاختلاف عَالما بِالْحَدِيثِ ضابطاً لما رَوَاهُ متصرفاً فِي علم النَّحْو واللغة حسن الْخطاب والبلاغة لين الْكَلِمَة متواضعاً حدث وَسمع مِنْهُ كثير وَذكره الحكم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ هُوَ فَقِيه بِمذهب مَالك حَافظ مقدم من أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال وَله حَظّ من الْأَدَب لم يل الْقَضَاء بقرطبة أفقه مِنْهُ وَلَا أعلم إِلَّا مُنْذر بن سعيد لكنه أرسخ فِي علم أهل الْمَدِينَة من مُنْذر وَقَالَ ابْن مفرج كَانَ ابْن السَّلِيم راسخاً فِي الْعلم مُجْتَهدا فِي طلبه عَالما بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه قَالَ غَيره جمع الرِّوَايَة الواسعة جيد استنباط الْفِقْه والفتيا والحذق بالفرائض والحساب وَالتَّصَرُّف فِي البلاغة وَالشعر والتفنن فِي الْعُلُوم حسن الْعشْرَة كريم النَّفس وَكَانَ جمَاعَة من كبراء الْعلمَاء بالأندلس مِمَّن أدركوه قَاضِيا كَابْن زرب وَغَيره يقطعون على أَنه لم يكن فِي قُضَاة الأندلس مُنْذُ دَخلهَا الْإِسْلَام إِلَى وقته قَاض أعلم مِنْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْبَاجِيّ مَا رَأَيْت فِي الْمُحدثين مثله وَله كتاب التوصيل لما لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ واختصار وَكتاب الْمروزِي فِي الِاخْتِلَاف وَكتاب المخمس فِي الحَدِيث وَكَانَ مَعَ علمه من أهل الزّهْد والتقشف وَالْبر وَطَالَ هربه من السُّلْطَان إِلَى أَن أنشبته الأقدار فنال رئاسة الدّين وَالدُّنْيَا بالأندلس فَمَا اسْتَحَالَ عَن هَدْيه وَلَا غرته الدُّنْيَا بِوَجْه وَكَانَ قد بلغ بِهِ التقشف وَطلب الْحَلَال إِلَى أَن كَانَ يصيد السّمك بنهر قرطبة وَيبِيع صَيْده فَيَأْخُذ من ثمنه مَا يقتات بِهِ وَيتَصَدَّق بفضله ونوه الحكم باسمه وَقدمه للشورى ثمَّ إِلَى الْمَظَالِم الشرطة إِلَى أَن توفّي مُنْذر فولاه مَكَانَهُ قَضَاء الْجَمَاعَة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وَجمع لَهُ مَعهَا الْخطْبَة وَالصَّلَاة سنة ثَمَان وَخمسين فَحَمدَ النَّاس سيرته وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس أَو سِتّ بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة سبع(1/261)
وَسِتِّينَ وثلاثمائة مَسْتُورا لم يمسهُ سوء وسنه خمس وَسِتُّونَ سنة مولده سنة ثِنْتَيْنِ وثلاثمائة فَلَمَّا نعى إِلَى ابْن أبي عَامر قَالَ هَل سَمِعْتُمْ الَّذِي عَاشَ مَا شَاءَ وَمَات حِين شَاءَ فقد رَأَيْنَاهُ وَهُوَ هَذَا
مُحَمَّد أَبُو بكر بن عمر بن عبد الْعَزِيز بن إِبْرَاهِيم بن عِيسَى بن مُزَاحم مولى عمر بن عبد الْعَزِيز بعرف بِابْن الْقُوطِيَّة من الموَالِي البربر ينْسب بَيتهمْ إِلَى أم جد أَبِيه إِبْرَاهِيم وَهِي ابْنة ولد ابْنة ملك الأندلس قبل دُخُول الْإِسْلَام وفدت بعد دُخُول الْإِسْلَام على هِشَام بن عبد الْملك بِالشَّام متظلمة فَتَزَوجهَا هُنَاكَ عِيسَى بن مُزَاحم وَقدم بهَا الأندلس فنسبت بنوها إِلَيْهَا وهم من أهل إشبيلية وَسكن أَبُو بكر قرطبة وَقد ولي أَبوهُ قَضَاء إشبيلية للناصر وَكَانَ أَبُو بكر مِمَّن طلب الْفِقْه والْحَدِيث وَالْأَدب فَسمع بإشبيلية من ابْن القوق وَحسن الزبيدِيّ وَابْن جَابر وَعلي بن أبي شيبَة وَسيد أَبِيه الزَّاهِد وبقرطبة من طَاهِر بن الْوَلِيد وَمُحَمّد بن مغيث وَابْن لبَابَة وَابْن أبي تَمام وَأسلم القَاضِي وَابْن أَيمن وَابْن الأغبش وَابْن يُونُس وقاسم بن أصبغ ونظرائهم قَالَ ابْن عفيف كَانَ جَلِيلًا من أعلم أهل زَمَانه باللغة والعربية حَافِظًا للفقه والْحَدِيث وَالْخَبَر والنوادر وَالشعر وَله فِي الحَدِيث قدم ثَابت وَرِوَايَة وَاسِعَة وَهُوَ على ذَلِك من أهل النّسك وَالْعِبَادَة قَالَ ابْن عبد الرؤف فِي طبقاته كَانَ أَبُو بكر من عُلَمَاء الأندلس فَقِيها من فقهائهم صَدرا من أدبائهم حَافِظًا للغة والعربية بَصيرًا بالغريب والنادر وَالشَّاهِد والمثل عَالما بالْخبر والأثر جيد الشّعْر صَحِيح الْأَلْفَاظ وَاضح الْمعَانِي إِلَّا أَنه تَركه ورفضه مؤثراً مَا هُوَ أولى مِنْهُ وَهُوَ إِمَام من أَئِمَّة الدّين تَامّ الْعِنَايَة بالفقه وَالسّنة مَعَ مُرُوءَة ظَاهِرَة عَالما بالنحو حَافِظًا للعربية مقدما فِيهَا على أهل عصره لَا يشق غباره وَله فِي ذَلِك تصانيف حَسَنَة ككتاب تصاريف الْأَفْعَال وَكتاب الْمَقْصُور والممدود وَشرح رِسَالَة(1/262)
أدب الْكتاب وَغير ذَلِك حَافِظًا لأخبار الأندلس وسير أمرائها وأحوال رجالها وَله تصنيف فِي تاريخها حسن قَالَ ابْن الفرضي وَلم يكن بالضابط لروايته فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَلَا لَهُ أصُول يرجع إِلَيْهَا وَطَالَ عمره حَتَّى سمع مِنْهُ طبقَة بعد طبقَة من الشُّيُوخ والكهول مِمَّن ولي الْقَضَاء والشورى والخطط من أَبنَاء الْمُلُوك وَغَيرهم وَسمعت مِنْهُ وَكَانَت فِيهِ غَفلَة وسلامة وتقشف فِي ملبسه وورع وَذكر أَنه كَانَ يُدَلس فِي حَدِيثه وَتُوفِّي ابْن الْقُوطِيَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أبان بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن دِينَار من جملَة فُقَهَاء قرطبة يكنى أَبَا عبد الله سمع هُوَ وَأَخُوهُ عبد الله من أَبِيهِمَا عِيسَى ووهب بن مرّة وَأحمد بن مطرف وندبهما الحكم إِلَى اخْتِصَار الْكتب المبسوطة تأليف يحيى بن إِسْحَق بن يحيى بن يحيى فاختصراها وقرباها وَاخْتصرَ اختصارها بعد هَذَا شَيخنَا قَاضِي الْجَمَاعَة أَبُو الْوَلِيد بن رشد
مُحَمَّد بن حسن بن عبد الله بن مدحج الزبيدِيّ إشبيلي سكن قرطبة وَتُوفِّي بإشبيلية يكنى أَبَا بكر سمع من قَاسم بن أصبغ وَسَعِيد بن مجلون وَأحمد بن سعيد وَأبي عَليّ الْبَغْدَادِيّ وَأكْثر عَنهُ ولازمه وَكَانَ متفنناً فَقِيها أديباً شَاعِرًا وَكَانَ مَعَ أدبه من أهل الْحِفْظ للفقه وَالرِّوَايَة للْحَدِيث تفقه عِنْد اللؤْلُؤِي وَابْن الْقُوطِيَّة وَغلب عَلَيْهِ الْأَدَب وَعلم لِسَان الْعَرَب فشهر بِهِ وصنف فِيهِ واستأدبه الْخَلِيفَة الحكم لِابْنِهِ هِشَام وولاه قَضَاء إشبيلية وقلده هِشَام الشرطة وَكَانَ وَاحِد عصره فِي علم النَّحْو وَعلم اللُّغَة وَسمع مِنْهُ وَقَالَ ابْن حَيَّان لم يكن لَهُ فِي هَذَا الْبَاب نَظِير فِي الأندلس مَعَ افتنان فِي عُلُوم كَثِيرَة من فقه وَحَدِيث وَفضل واستقامة قَالَ القَاضِي أَبُو عمر بن الْحذاء لم تَرَ عَيْني مثله فِي علمه وأدبه وَكَانَ ابْن زرب يفضله ويقدمه ويزوره وَحدث عَنهُ ابْنه(1/263)
وَالْقَاضِي بن أبي مُسلم من أهل بلدنا وَأَبُو عمر بن الْحذاء ألف كتاب الْوَاضِح فِي النَّحْو وَكتاب الأمنية وَكتاب لحن الْعَامَّة وَكتاب مُخْتَصر الْعين وَزِيَادَة كتاب الْعين وَكتاب غلط صَاحب الْعين وَله رد على ابْن مَسَرَّة وَغير ذَلِك من تآليفه وَمن شعره ... أقابل بالرفق عنف العنيف ... وأقنع من صَاحِبي بالطفيف
ويلزمني بر غير الشريف ... فأنسج ذَاك ببر الشريف ... وَتُوفِّي الزبيدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بإشبيلية وَهُوَ على قَضَائهَا فِي جُمَادَى سنة تسع وَسبعين وثلاثمائة وَولي بعد وَفَاته الْقَضَاء مَكَانَهُ ابْنه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد وَابْنه الآخر أَبُو الْوَلِيد
مُحَمَّد مُحَمَّد بن وليد الْأمَوِي أَبُو عبد الله سمع من الْعُتْبِي وَغَيره وَلَقي بالقيروان مُحَمَّد بن سَحْنُون وَلَقي مُحَمَّد بن عبد الحكم وَغَيرهم قَالَ ابْن سهل وَكَانَ مُتَّهمًا بِوَضْع الْأَحَادِيث توفّي سنة تسع وثلاثمائة
مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطروح بن عبد الْملك بن بكر بن وَائِل قرطبي يكنى أَبَا عبد الله وَكَانَ أعرج وَبِذَلِك يعرف روى بالأندلس عَن غَازِي بن قيس وَعِيسَى بن دِينَار وَيحيى بن يحيى وَغَيرهم ورحل فَسمع بالقيروان من سَحْنُون وبمصر من أصبغ ومطرف وَكَانَت الْفَتْوَى دَائِرَة عَلَيْهِ مَعَ أصبغ بن خَلِيل وَعبد الْأَعْلَى بن وهب وَكَانَ فَقِيها سرياً عَالما بالفقه حَافِظًا فِيهِ صلابة وشوور مَعَ الشُّيُوخ يحيى وَابْن حسان وَابْن حبيب أَخذ عَنهُ أَحْمد بن خَالِد وَابْن لبَابَة وَمُحَمّد بن أَيمن ونظراؤهم وَكَانَ فِي خلقه ذعارة
مسئلة ذكر أَن خَصيا قَالَ لَهُ أتجوز الضحية بالكبش الْأَعْرَج قَالَ نعم وبالخصي مثلك قَالَ القَاضِي عِيَاض يُرِيد وَالله أعلم العرج الْخَفِيف الَّذِي لَا يمنعهُ السّير وَقَالَ لَهُ رجل جَهَنَّم هَل تخرب فَقَالَ مَا أشقاك إِن اتكلت على خرابها(1/264)
توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن سعيد الموثق يعرف بِابْن الْمَوَّاز أَبُو عبد الله قرطبي فَقِيه فِي مَذْهَب مَالك حَافظ لَهُ وَلم تكن لَهُ دَرَجَة فِي الرِّوَايَة كَانَ عَالما بالوثائق من أبْصر النَّاس بهَا لَهُ فِيهَا تأليف حسن مَشْهُور روى عَن يحيى بن يحيى وَغَيره من شُيُوخ الأندلس
مسئلة كَانَ يُفْتِي باستتابة الزنديق وَبِذَلِك أَشَارَ بَقِي بن مخلد على الْأَمِير عبد الله وَوَافَقَهُ ابْن الْمَوَّاز هَذَا وَخَالَفَهُمَا قَاسم بن مُحَمَّد وَأفْتى على مَذْهَب مَالك بقتْله دون اسْتِتَابَة توفّي فِي صدر أَيَّام الْأَمِير عبد الله
مُحَمَّد بن أَسْبَاط بن حكم المَخْزُومِي قرطبي يكنى أَبَا عبد الله سمع من يحيى وَسَعِيد بن حسان ورحل فَسمع من الْحَارِث بن مِسْكين بِمصْر كَانَ حَافِظًا للفقه عَالما بالوثائق من أهل الْعِبَادَة والورع وَكَانَت لَهُ ولأخيه قَاسم حَلقَة بِجَامِع قرطبة يجلسان للفتيا وَكَانَا حافظين للفقه بصيرين بالوثائق توفّي مُحَمَّد سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي قَاسم فِي أول أَيَّام الْأَمِير عبد الله
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن تليد الْمعَافِرِي يكنى أَبَا عبد الله روى عَن الْعُتْبِي وَابْن مطروح وَابْن مزين وعبد الله بن خَالِد وَأبي زيد وَسمع بسرقسطة من يحيى وَأحمد ابْني مُحَمَّد بن عجلَان وَمن مُحَمَّد بن الخشاب ويروي عَن يُونُس وَبني عبد الحكم ورحل إِلَى مَكَّة وَسمع بهَا وَقيل إِنَّه دخل الْعرَاق وَكَانَ مفتي مَوْضِعه وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة فِي وقته وَكَانَ رجلا صَالحا
مسئلة وَكَانَ يذهب فِي الْأَشْرِبَة مَذْهَب أهل الْعرَاق وَكَانَ رَأس فُقَهَاء أهل الثغر الْمُقدم فيهم يقر لَهُ بذلك الْجَمِيع ويقفون عِنْد أمره وَلَا يعدون فتياه ولي قَضَاء سرقسطة وَقَضَاء وشقة توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَقيل سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ولي ابْنه أَحْمد قَضَاء بَلَده بعد أَرْبَعِينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن يحيى بن يحيى ثَلَاثَة الْمَعْرُوف بِأبي عِيسَى(1/265)
مُنْتَهى الرياسة والنباهة فِي الْعم سمع من عَم أَبِيه عبد الله وَمُحَمّد بن لبَابَة وَأحمد بن خَالِد وَغَيرهم ورحل فحج وَسمع من ابْن الْمُنْذر والعقيلي وَابْن الْأَعرَابِي وَغَيرهم وَسمع بِمصْر من ابْن زِيَاد وَمُحَمّد الْبَاهِلِيّ وبإفريقية من مُحَمَّد بن اللباد وَأحمد بن زِيَاد وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَكَانَت رحلته ورحلة مُحَمَّد بن مَسَرَّة وَأحمد بن حزم وَأحمد بن عبَادَة الرعيني فِي وَقت وَاحِد كَانَ حَافِظًا للرأي معتنياً بالآثار جَامعا للسنن لَهُ رِوَايَة وَاسِعَة كَانَ متصرفاً فِي علم الْإِعْرَاب واللغة وَالشعر وَالْأَخْبَار حَتَّى ذكر فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَله الشأ والبعيد فِي الخطابة وَولي قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة وَكَانَ صَارِمًا فِي قَضَائِهِ منفذاً للحقوق مُقيما للحدود كاشفاً عَن أَحْوَال الشُّهُود صادعاً بِالْحَقِّ فِي السِّرّ والجهر لم يداهن ذَا قدرَة وَلَا أغضى لأحد من أَصْحَاب السُّلْطَان لم يطْمع شرِيف فِي حيفه وَلَا ييأس وضيع من عدله وَلم يكن الضُّعَفَاء قطّ أقوى قلوباً وَلَا أَلْسِنَة مِنْهُم فِي أَيَّامه مَعَ لطافة بره وَكَثْرَة بشره لم تغيره خطته عَن حَاله فِي إنصافه لإخوانه ومعارفه وَله فِي شَاهد أَرَادَ أَن يشْهد عِنْده بِشَهَادَة مدخولة فَتَنَاول القَاضِي ورقة وَكتب فِيهَا وَأَلْقَاهَا فِي حجره فَلَمَّا تصفحها فرق مِنْهُ وَرجع وَكَانَ فِيهَا ... أَتَتْنِي عَنْك أَخْبَار ... لَهَا فِي الْقلب آثَار
فدع مَا قد أتيت لَهُ ... فَفِيهِ الْعَار وَالنَّار ... توفّي رَحمَه الله فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْوَلِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي المعيطي أَبُو بكر سمع من وهب وَابْن الْأَحْمَر وَابْن الحراق الْقَرَوِي وَغَيرهم كَانَ حَافِظًا للفقه عَالما بِمذهب مَالك وَأَصْحَابه ولي الشورى ابْن ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ ورعاً زاهداً متبتلاً مُعْتَزِلا عَن جَمِيع النَّاس يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ الَّذِي أكمل كتاب الإستيعاب مَعَ(1/266)
أبي عمر الإشبيلي للْحكم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ أَن هَذَا الْكتاب وصل إِلَى الحكم وَكَانَ قد ابتدأه بعض أَصْحَاب القَاضِي إِسْمَاعِيل وبوبه وَقدره ديواناً جَامعا لقَوْل مَالك خَاصَّة لَا يشركهُ فِيهِ قَول أحد من أَصْحَابه فِي اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَنهُ وَكتب الْمُؤلف مِنْهُ خَمْسَة أَجزَاء وعاجلته الْمنية عَن إكماله فَلَمَّا رَآهُ أعجبه وحرض على إكماله فذاكره قاضيه ابْن السَّلِيم وَسَأَلَهُ هَل ثمَّ من يكمله على المرغوب فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالمعيطي وَابْن عمر فشرطا أَن يفتح لَهما الخزانة للبحث على أَقْوَال مَالك حَيْثُ كَانَت من رِوَايَة الْمَدَنِيين والمصريين والشاميين والعراقيين وَأهل إفريقية والأندلس وَغَيرهم فَفعل الحكم ذَلِك فأخرجا كتب الأسمعة وَغَيرهَا وأكملا كتاب الِاسْتِيعَاب الْكَبِير فِي مائَة جُزْء فَلَمَّا رفع إِلَى الحكم سرب وَأمر لَهما بألفي دِينَار لكل وَاحِد وَكِسْوَة وقدمهما للشورى وَتُوفِّي المعيطي فِي ذِي الْقعدَة من سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن أسيد بن أبي صفرَة هُوَ أَخُو الْمُهلب بن أبي صفرَة سمع من الْأصيلِيّ وَكَانَ من كبار أَصْحَابه وَله شرح فِي اخْتِصَار ملخص الْقَابِسِيّ وَسمع من أَخِيه الْمُهلب توفّي قبل الْعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد بن غَالب هُوَ أَبُو عبد الله بن الصفار روى عَن سَحْنُون توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة السَّابِعَة من أهل الْعرَاق
مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر وَيعرف بالأبهري الصَّغِير تفقه بِأبي بكر الْأَبْهَرِيّ ورحل إِلَى مصر فتفقه عَلَيْهِ خلق كثير وَسمع من أبي زيد الْمروزِي وسماعه من أصل الْأصيلِيّ بِخَطِّهِ
مُحَمَّد أَبُو بكر بن الطّيب بن مُحَمَّد القَاضِي الْمَعْرُوف بالباقلاني الملقب بشيخ السّنة ولسان الْأمة الْمُتَكَلّم على مَذْهَب أهل السّنة وَأهل الحَدِيث وَطَرِيقَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام وقته من أهل الْبَصْرَة وَسكن(1/267)
بَغْدَاد سمع من الْقطيعِي وَابْن ماشا وَغَيرهمَا وَإِلَيْهِ انْتَهَت رياسة المالكيين فِي وقته وَكَانَ حسن الْفِقْه عَظِيم الجدل وَكَانَت لَهُ بِجَامِع الْمَنْصُور بِبَغْدَاد حَلقَة عَظِيمَة وَكَانَ ينزل الكرخ وَكَانَ مالكياً وَحدث عَنهُ أَبُو ذَر وَكَانَ ورده فِي كل لَيْلَة عشْرين ترويحة مَا تَركهَا فِي حضر وَلَا سفر وَكَانَ إِذا قضي ورده فِي كل لَيْلَة عشْرين ترويحة مَا تَركهَا فِي حضر وَلَا سفر وَكَانَ إِذا قضى ورده جعل الدواة أَمَامه وَكتب خمْسا وَثَلَاثِينَ ورقة تصنيفاً من حفظه وَكَانَ الْكتب بالمداد أسهل عَلَيْهِ من الْكتب بالحبر وَتُوفِّي يَوْم السبت لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد أَبُو بكر بن خويز منداد وَهُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله وَرَأَيْت على كتبه بِخَطِّهِ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن إِسْحَاق كنيته أَبُو عبد الله تفقه على الْأَبْهَرِيّ وَله كتاب كَبِير فِي الْخلاف وَكتاب فِي أصُول الْفِقْه وَكتاب فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَعِنْده شواذ عَن مَالك وَله اختيارات كَقَوْلِه فِي أصُول الْفِقْه إِن العبيد لَا يدْخلُونَ فِي خطاب الْأَحْرَار وَإِن خبر الْوَاحِد يُوجب الْعلم وَفِي بعض مسَائِل الْفِقْه حِكَايَة عَن مَالك فِي التَّيَمُّم أَنه يرفع الْحَدث وَلم يكن بالجيد النّظر وَلَا قوي الْفِقْه وَقد قَالَ فِيهِ الْبَاجِيّ أَبُو الْوَلِيد لم أسمع لَهُ فِي عُلَمَاء الْعرَاق ذكرا وَكَانَ يجانب الْكَلَام وينافر أَهله حَتَّى يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى منافرة الْمُتَكَلِّمين من أهل السّنة وَيحكم على الْكل مِنْهُم بِأَنَّهُم من أهل الْأَهْوَاء الَّذين قَالَ مَالك فِي مناكحتهم وشهادتهم وإمامتهم وتنافرهم مَا قَالَ
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب القَاضِي أَبُو بكر قرطبي سمع من قَاسم بن أصبغ وَمُحَمّد بن عبد الله بن دليم وطبقتهما وعني بِالرَّأْيِ وَتقدم فِيهِ وتفقه عِنْد اللؤْلُؤِي وَأبي إِبْرَاهِيم ونوه بِهِ اللؤْلُؤِي وَكَانَ ابْن زرب أحفظ أهل زَمَانه لمَذْهَب مَالك كَانَ القَاضِي ابْن السَّلِيم يَقُول لَهُ لَو رآك ابْن الْقَاسِم لعجب(1/268)
مِنْك يَا أَبَا بكر وشوور فِي أَيَّام القَاضِي ابْن السَّلِيم فَلَمَّا مَاتَ ولي مَكَانَهُ قَضَاء الْجَمَاعَة سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة إِلَى أَن مَاتَ وَإِلَيْهِ كَانَت الْخطْبَة وَالصَّلَاة وَألف كتاب الْخِصَال فِي الْفِقْه مَشْهُور على مَذْهَب مَالك عَارض بِهِ كتاب الْخِصَال لِابْنِ كابس الْحَنَفِيّ فجَاء غَايَة فِي الإتقان وَله رد على ابْن مَسَرَّة وَكَانَ لَا يجلس للْقَضَاء حَتَّى يَأْكُل وَكَانَ مَاله طيبا وَكَانَ ابْن أبي عَامر يعظمه ويتحرك إِلَيْهِ إِذا أَتَاهُ ويجلسه على فرَاشه لم يقبل لَهُ ابْن زرب يدا قطّ وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وفقده النَّاس وأثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَأظْهر ابْن أبي عَامر لمَوْته غماً شَدِيدا واستدعى ابْنه وَهُوَ ابْن ثَلَاثَة أَعْوَام فوصله بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وتحف وَكتب لوَرثَته كتابا بِالْحِفْظِ وَالْإِكْرَام انتفعوا بِهِ وريء فِي النّوم فَقيل لَهُ بِمَ انتفعت فَقَالَ مَا انتفعت بِأَكْثَرَ من قِرَاءَة الْقُرْآن مولده سنة سبع عشرَة وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْعَطَّار كَانَ متفنناً فِي عُلُوم الْإِسْلَام عَارِفًا بِالشُّرُوطِ أمْلى فِيهَا كتابا عَلَيْهِ عول أهل زَمَاننَا الْيَوْم وَكَانَ يفضل الْفُقَهَاء بمعرفته بِاللِّسَانِ والنحو فَكَانَ يزري بِأَصْحَابِهِ المفتيين ويعجب مَا عِنْده إِلَيّ أَن تمالؤا عَلَيْهِ بالعداوة وحملوا قاضيهم ابْن زرب على إِسْقَاطه والتسجيل بسخطه بِجَمِيعِ الْجراح وأمضاها ابْن أبي عَامر وَأمره بالانقباض فِي دَاره وَقطع شواره فناله مَكْرُوه عَظِيم ثمَّ صرفه ابْن أبي عَامر إِلَى حَاله من الشورى وأفرده فِي الشورى مَا بَين الْعمَّال والرعية وَتُوفِّي فِي عقب ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عبد الله بن عِيسَى بن أبي زمنين المري البيري يكنى أَبَا عبد الله وَهُوَ من المفاخر الغرناطية كَانَ من كبار الْمُحدثين وَالْعُلَمَاء والراسخين وَأجل أهل وقته قدرا فِي الْعلم وَالرِّوَايَة وَالْحِفْظ للرأي(1/269)
والتمييز للْحَدِيث والمعرفة باخْتلَاف الْعلمَاء متفنناً فِي الْعلم والآداب مضطلعا بالأعراب قارضا للشعر متطرف فِي حفظ الْمعَانِي وَالْأَخْبَار مَعَ النّسك والزهد والاستنان بسنن الصَّالِحين أمة فِي الْخَيْر عَالما عَاملا متبتلاً متقشفاً دَائِم الصَّلَاة والبكاء واعظاً مذكراً بِاللَّه فاشي الصَّدَقَة معينا على النائبة مواسياً بجاهه وَمَاله ذَا لِسَان وَبَيَان تصغي إِلَيْهِ الأفئدة مَا رىء بعده مثله تفقه بقرطبة عِنْد أبي إِبْرَاهِيم وَسمع مِنْهُ وَمن وهب بن مَسَرَّة وَأحمد بن مطرف وَابْن الشَّاط وَأَبَان ابْن عِيسَى وَغَيرهم وَكَانَ من كبار الْفُقَهَاء والمحدثين والراسخين فِي الْعلم وَكَانَ متفنناً فِي الْأَدَب وَله قرض الشّعْر إِلَى زهد وورع وانتقاء لآثار السّلف وَكَانَ حسن التَّأْلِيف مليح التصنيف مُفِيد الْكتب ككتابه فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَالْمغْرب فِي الْمُدَوَّنَة وَشرح مشكلها والتفقه فِي نكت مِنْهَا مَعَ تحريه للفظها وَضبط لروايتها لَيْسَ فِي مختصراتها مثله بِاتِّفَاق وَكتاب الْمُنْتَخب فِي الْأَحْكَام الَّذِي ظَهرت بركته وطار شرقاً وغرباً ذكره وَكتاب الْمُهَذّب واختصار شرح ابْن مزين للموطأ وَكتابه الْمُشْتَمل على أصُول الوثائق وَكتاب مُخْتَصر تَفْسِير ابْن سَلام لِلْقُرْآنِ وَكتاب حَيَاة الْقُلُوب فِي الرَّقَائِق والزهد وَكتاب أنس المريدين فِي الزّهْد وَكتاب المواعظ الْمَنْظُومَة فِي الزّهْد وَكتاب النصائح الْمَنْظُومَة من شعره وَكتاب آدَاب الْإِسْلَام وَكتاب أصُول السّنة وَكتاب قدوة القاريء وَكتاب منتخب الدُّعَاء وَتُوفِّي بإلبيرة سنة تسع وَتِسْعين وثلثمائة
قلت وزمنين بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَالْمِيم وَكسر النُّون قَالَه الذَّهَبِيّ فِي سير النبلاء وَكسر النُّون ثمَّ يَاء سَاكِنة بعْدهَا نون والمري بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة ووالد مُحَمَّد بن أبي زمنين من أهل الْعلم سمع من ابْن أَيمن وَابْن أبي دليم ونظرائهم وَسمع ابْنه مُحَمَّد وَالْقَاضِي يُونُس بن مغيث وَغَيرهم توفّي سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة ولمحمد أَخ اسْمه أَبُو بكر كَانَ فَقِيها فَاضلا ولي(1/270)
قَضَاء إلبيرة ولأجله ألف كتاب الْأَحْكَام الْمُسَمّى بالمنتخب وَتُوفِّي وَهُوَ قَاض بإلبيرة سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ذكره ابْن الزبير
مُحَمَّد أَبُو بكر التجِيبِي الْحصار الْمَعْرُوف بالمقبري قرطبي مَشْهُور موجد القَاضِي أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ لأمه كَانَ من الْعلمَاء الزهاد والفضلاء أَخذ بِبَلَدِهِ ورحل إِلَى الْمشرق فصحب أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد واختص بِهِ وَكَانَ القَاضِي ابْن ذكْوَان يقدمهُ على فُقَهَاء وقته وَكَانَ الْأصيلِيّ يعرف حَقه ويثني عَلَيْهِ وَله تآليف فِي الْفِقْه مفيدة وَله شرح رِسَالَة أبي مُحَمَّد شَيْخه وَخرج من الأندلس لأمور جرت لَهُ مَعَ فقهائها ومحدثيها إِلَى العدوة واحتل بسبتة فَأخذ عَنهُ بهَا حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل السيفي وَغَيره أَخذ عَنهُ كتبه وَكتب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس مستخفياً فورد قرطبة مستتراً فَعَفَا عَنهُ بن أبي عَامر وَلزِمَ قرطبة ممسكاً لِسَانه بَقِيَّة دولتهم وَتُوفِّي بهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل إفريقية
مُحَمَّد بن سُفْيَان الهواري الْمقري قيرواني يكنى أَبَا عبد الله أَخذ عَن الْقَابِسِيّ ورحل إِلَى ابْن غلبون وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ علم الْقُرْآن قَالَ أَبُو عَمْرو الداني كَانَ ذَا فهم وَحفظ وعفاف وَله فِي القراآت كتاب الْهَادِي وَغَيره روى عَنهُ حَاتِم والدلاني توفّي بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن حج أول صفر سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عمر بن يُوسُف بن بشكوال يعرف بِابْن الفخار قرطبي أحفظ النَّاس وأحضرهم علما وأسرعهم جَوَابا وأفقههم على اخْتِلَاف الْعلمَاء وترجيح الْمذَاهب حَافِظًا للْحَدِيث وَالْأَمر مائلاً إِلَى الْحجَّة وَالنَّظَر وَكَانَ أَولا يمِيل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ تَركه وَكَانَ ابْن الفخار يفضل دَاوُد الْقَابِسِيّ وَيَقُول فِي بعض الْأَشْيَاء بقوله ورحل فحج واتسع فِي الرِّوَايَة وَسكن مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشوور بهَا وَكَانَ يفتخر بذلك وَكَانَ(1/271)
يحفظ الْمُدَوَّنَة وينصها من حفظه وَكَانَ يحفظ النَّوَادِر لِابْنِ أبي زيد ويوردها من صَدره وَهُوَ آخر الْفُقَهَاء الْحفاظ الراسخين الْعَالمين بِالْكتاب وَالسّنة بالأندلس وَكَانَ مجاب الدعْوَة ذكر ذَلِك صَاحب الصِّلَة وَله اخْتِصَار فِي نَوَادِر أبي مُحَمَّد رد عَلَيْهِ فِي بعض ذَلِك من مسَائِله واختصاره الْمَبْسُوط لَا بَأْس بِهِ ورد على أبي مُحَمَّد فِي رسَالَته رد تعسف عَلَيْهِ فِي كتاب سَمَّاهُ التَّبْصِرَة ورد على ابْن الْعَطَّار فِي وثائقه وَكَانَت لَهُ مَذَاهِب أَخذ بهَا فِي خَاصَّة نَفسه خَالف فِيهَا أهل قطره فَكَانَ يُصَلِّي الأشفاع خمْسا ويعجل صَلَاة الْعَصْر شَدِيدا وَلَا يرى غسل الذّكر كُله من الْمَذْي وَكَانَت لَهُ دعوات مستجابة وأعمال من الْبر صَالِحَة وَمر على قرطبة عِنْد دُخُول البربر فِيهَا إِذا كَانُوا قد نذروا دَمه إِذْ كَانَ أحد المشردين عَنْهُم وتررد بِحَبَّة الثغر وَألقى عَصَاهُ ببلنسية فَأَقَامَ بهَا مُطَاعًا إِلَى أَن مَاتَ بهَا لتسْع خلون من شهر ربيع الأول سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن يحيى بن مُحَمَّد بن الْحذاء التَّمِيمِي هَكَذَا نسبهم الْحذاء بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَكَانُوا يأبون ذَلِك وَيَقُولُونَ بِالدَّال الْمُهْملَة وَكَانَ جدهم أَمِير يَوْم مرج راهط فَكَانَ صَدرا فِي موَالِي بني أُميَّة وَهُوَ الدَّاخِل إِلَى الأندلس من الشَّام وَكَانَ بنوه ذَوي رفاهية فِي أَعمال السُّلْطَان بالأندلس وَكَانَ أَبُو عبد الله هَذَا حَافِظًا للرأي متفنناً فِي الْأَدَب مُمَيّزا للْحَدِيث وَرِجَاله مُرْسلا بليغاً عَارِفًا بالوثائق وَكَانَ خَطِيبًا ومعبراً وَغلب عَلَيْهِ الحَدِيث لَقِي جمَاعَة من الشُّيُوخ ابْن زرب وَابْن بطال وَابْن السَّلِيم والأنطاكي وَابْن عون الله والقلعي وَغَيرهم ثمَّ رَحل فلقي ابْن أبي زيد بالقيروان وتفقه مَعَه جمَاعَة وَحمل عَنهُ تآليفه وَلَقي بِمصْر النعالي والجوهري وَعبد الْغَنِيّ وَغَيرهم ثمَّ رَجَعَ إِلَى الأندلس فلازم الْأصيلِيّ وَارْتَفَعت دَرَجَته مَعَه وولاه السُّلْطَان خطة الوثائق والشورى وَالْقَضَاء بجهات بلنسية وَغَيرهَا وَلَحِقتهُ فتْنَة البرابر فَخرج(1/272)
إِلَى ثغر الأندلس فولى الْقَضَاء بتكلية ثمَّ استوطن سرقسطة حَتَّى مَاتَ بهَا لَهُ شرح فِي الْمُوَطَّأ سَمَّاهُ كتاب الاستنباط لمعاني السّنَن وَالْأَحْكَام من أَحَادِيث الْمُوَطَّأ ثَمَانُون جزأ وَكتاب التَّعْرِيف بِرِجَال الْمُوَطَّأ أَرْبَعَة أسفار وَكتاب الْبُشْرَى فِي عبارَة الرُّؤْيَا عشرَة أسفار وَشرح كتاب الْكرْمَانِي خَمْسَة عشر جزأ وَكتاب الإنباء على أَسمَاء الله تَعَالَى وَكتاب الْخطب والخطباء فِي سفرين توفّي سنة عشرا وَأَرْبَعمِائَة مولده سنة سبع وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة التَّاسِعَة من أهل الْمشرق
مُحَمَّد أَبُو الْفضل بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمروس الْبَزَّاز بغدادي إِمَام فَاضل درس على القَاضِي أبي الْحسن بن الْقصار وَالْقَاضِي ابْن نصر وَكَانَ من حفاظ الْقُرْآن ومدرسيه وَإِلَيْهِ انْتَهَت الْفتيا فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك فِي زَمَانه بِبَغْدَاد وَكَانَ القَاضِي الدَّامغَانِي يُجِيز شَهَادَته كَانَ فَقِيها أصولياً وَله تَعْلِيق حسن مَشْهُور فِي الْخلاف ودرس عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ بِبَغْدَاد وَحدث عَنهُ هُوَ وَأَبُو بكر الْخَطِيب توفّي سنة اثْنَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من أهل إفريقية
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن سعدون بن عَليّ قروي تفقه بهَا وَسمع من شيوخها كَابْن الأجذالي وَأبي بكر بن عبد الرحمن وَأبي عَليّ الزيات والبوني واللبيدي وَغَيرهم ثمَّ حج فَسمع بِمَكَّة من المطوعي وَسمع بِمصْر من ابْن أبي ربيعَة وَأبي الطُّفَيْل وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للمسائل نظاراً على مَذْهَب الْقرَوِيين كمل التَّعْلِيق للتونسي على الْمُدَوَّنَة واشتغل بِالتِّجَارَة فَطَافَ بِلَاد الْمغرب والأندلس وَلم تكن لَهُ أصُول سمع مِنْهُ النَّاس كثيرا فَمنهمْ أَبُو عَليّ الجبائي وَأَبُو بَحر وابنا مفوز وَسمع مِنْهُ أهل سبتة القَاضِي أَبُو عبد الله بن يحيى التَّمِيمِي وَأَبُو عَليّ النَّحْوِيّ وَغَيرهمَا وَله تآليف فِي ذمّ بني عبيد وأفعالهم القبيحة بالقيروان وَغَيرهَا
مُحَمَّد القَاضِي أَبُو عبد الله بن خلف بن سعيد الْمَعْرُوف(1/273)
بِابْن المرابط المري فَقِيه بَلَده ومفتيه ولي قَضَاء مندة كَانَ من أهل الْفِقْه وَالْفضل والتفنن سمع أَبَا الْقَاسِم الْمُهلب وَأَجَازَهُ أَبُو عمر الطلمنكي وَله فِي شرح البُخَارِيّ كتاب كَبِير حسن ورحل إِلَيْهِ النَّاس وسمعوا مِنْهُ فَمنهمْ القَاضِي أَبُو عبد الله التَّمِيمِي وَالْقَاضِي أَبُو عَليّ الْحَافِظ والفقيه أَبُو مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر توفّي بِالْمَدِينَةِ بعد الثَّمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد أَبُو بكر بن عبد الله ابْن يُونُس تَمِيم صقلي كَانَ فَقِيها إِمَامًا فرضياً أَخذ عَن أبي الْحسن الحصائري القَاضِي وعتيق بن الفرضي وَابْن أبي الْعَبَّاس وَكَانَ ملازماً للْجِهَاد مَوْصُوفا بالنجدة وَألف كتابا فِي الْفَرَائِض وكتاباً جَامعا للْمُدَوّنَة أضَاف إِلَيْهَا غَيرهَا من الْأُمَّهَات وَعَلِيهِ اعْتِمَاد طلبة الْعلم للمذاكرة وَأول من أدخلهُ سبتة الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن خطاب فانتسخه مِنْهُ القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عِيسَى التَّمِيمِي وَكَانَ يعرف بِهِ فِي مَجْلِسه حَتَّى كثر عِنْد النَّاس وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي عشر بَقينَ من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَقيل فِي أول الْعشْر الْأَوَاخِر من ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن عتاب قرطبي شيخ المفتيين بهَا فِي هَذِه الطَّبَقَة تفقه بِابْن الفخار وَابْن الْأَصْبَغ الْقرشِي وَالْقَاضِي ابْن بشير صَحبه أَزِيد من اثْنَي عشر عَاما وَكتب لَهُ فِي مُدَّة قَضَائِهِ وروى عَن القنازعي وَابْن حوبيل وَابْن الْحداد وَأبي مُحَمَّد بن بنوش وَسَعِيد بن رَشِيق وَسَعِيد بن سَلمَة والشنتجالي والطلمنكي وَأَبُو مُحَمَّد مكي وَالْقَاضِي يُونُس وَخلف بن يحيى الطليطلي والطبيب بن الحديدي وَأحمد بن ثَابت الوَاسِطِيّ وَمُحَمّد بن عمر بن عبد الْوَارِث وَأَجَازَهُ أَبُو ذَر وَلم تكن لَهُ رحْلَة من الأندلس تفقه بِهِ الأندلسيون وسمعوا مِنْهُ قَالَ أَبُو عَليّ الجياني كَانَ أَبُو عبد الله من جلة الْفُقَهَاء وَأحد الْعلمَاء الْأَثْبَات وَمِمَّنْ عني بِسَمَاع الحَدِيث دهره فقيده وأثبته وَتقدم فِي الْمعرفَة فِي الْأَحْكَام وَعقد(1/274)
الشُّرُوط وعللها وَكَانَ على سنَن أهل الْفضل جزل الرَّأْي حصيف الْعقل على منهاج السّلف الْمُتَقَدّم وَكَانَ متواضعاً يتَصَرَّف رَاجِلا وَيحمل خبزه إِلَى الفرن بِنَفسِهِ ويتولى شِرَاء حَوَائِجه بِنَفسِهِ فَإِذا لقِيه أحد مِمَّن يُكرمهُ من طلبته وَغَيرهم وَسَأَلَهُ أَن يَكْفِيهِ حملهَا يَقُول لَا الَّذِي يأكلها يحملهَا وَطلب لقَضَاء أَمْصَار فَامْتنعَ وولاه ابْن جهور على قَضَاء قرطبة فَأنى وَحلف توفّي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر بَقينَ من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ
وَمن الطَّبَقَة الْحَادِيَة عشرَة من أهل الأندلس
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن فرج مولى ابْن الكلاع شيخ الْفُقَهَاء فِي عصره وأسن من بَقِي فِي وقته سمع من يُونُس بن مغيث ومكي الْمقري وَابْن عَابِد وَابْن جهور والطرابلسي وتفقه عِنْد ابْن الْقطَّان وَابْن جوح وَكَانَ شَيخا فَاضلا فصيحاً وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ شَدِيدا على أهل الْبدع غير هيوب لِلْأُمَرَاءِ شوور عِنْد موت ابْن الْقطَّان وَنفذ قَوْله إِلَى أَن دخل قرطبة المرابطون فأسقط عَن الْفتيا لتعصبه عَلَيْهِم مَعَ الْعِبَادَة فَلم يستفت إِلَى أَن مَاتَ سمع مِنْهُ عَالم عَظِيم ورحل إِلَيْهِ النَّاس من كل قطر لسَمَاع الْمُوَطَّأ والمدونة لعلوه فِي ذَلِك سمع مِنْهُ من شُيُوخ قرطبة الْفَقِيه أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن أَحْمد وَحدث عَنهُ القَاضِي أَبُو عبد الله بن عِيسَى واستجازه القَاضِي أَبُو عَليّ الصَّدَفِي وَألف كتاب أَحْكَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب الشُّرُوط وَأخرج زَوَائِد أبي مُحَمَّد فِي الْمُخْتَصر وَألف مُخْتَصر أبي مُحَمَّد على الْوَلَاء توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن سُلَيْمَان بن خَليفَة ولي قَضَاء بَلَده وَكَانَ من أهل الْعلم وَالنَّظَر وَألف كِتَابه فِي شرح الْمُوَطَّأ سَمَّاهُ كتاب الْمحلى عرض على الْفَقِيه أبي الْمطرف الشّعبِيّ فَأمر أَن يَجْعَل على الْحَاء نقطة من فَوق وَلم ينْفق هَذَا الْكتاب عِنْد النَّاس وَلَا وَقع مِنْهُم باستحسان روى عَنهُ ابْنه أَبُو إِسْحَاق وَكَانَ من أهل(1/275)
الْعلم وَولي الشورى بإشبيلية ثمَّ أسقط عَنْهَا وَتُوفِّي أَبُو عبد الله سنة خَمْسمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة عشرَة من أهل الأندلس
مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن مُحَمَّد بن خلف بن سُلَيْمَان بن أَيُّوب الفِهري الْمَعْرُوف بالطرطوشي وَمِنْهَا أَصله يكنى أَبَا بكر وَيعرف بِابْن أبي رندقة برَاء مُهْملَة مَضْمُومَة وَنون سَاكِنة ودال مُهْملَة وقاف مفتوحتين نَشأ بالأندلس بِبَلَدِهِ طرطوشة ثمَّ تحول لغَيْرهَا من بِلَاد الأندلس وَصَحب القَاضِي أَبَا الْوَلِيد الْبَاجِيّ بسرقسطة وَأخذ عَنهُ مسَائِل الْخلاف وَكَانَ يمِيل إِلَيْهَا وتفقه عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق وَحج فَدخل بَغْدَاد وَالْبَصْرَة وتفقه عِنْد أبي بكر الشَّاشِي وَابْن سعيد الْمُتَوَلِي وَأبي سعيد الْجِرْجَانِيّ وَغَيرهم من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَسمع بِالْبَصْرَةِ من أبي عَليّ التسترِي وَسكن الشَّام مُدَّة ودرس بهَا ولازم الانقباض وَالْجَمَاعَة وَبعد صيته هُنَاكَ وَأخذ عَنهُ النَّاس هُنَاكَ علما كثيرا وَكَانَ إِمَامًا عَالما عَاملا زاهداً ورعاً دينا متواضعاً متقشفاً متقللاً من الدُّنْيَا رَاضِيا باليسير مِنْهَا وَتقدم فِي الْفِقْه مذهبا وَخِلَافًا وَكَانَ بعض الجلة من الصَّالِحين هُنَاكَ يَقُول الَّذِي عِنْد أبي بكر من الْعلم هُوَ الَّذِي عِنْد النَّاس وَالَّذِي عِنْده مِمَّا لَيْسَ مثله عِنْد غَيره دينه وَكَانَت لَهُ رَحمَه الله تَعَالَى نفس أبيَّة قيل أَنه كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس يطخ فِي سقف وَكَانَ مجانباً للسُّلْطَان معرضًا عَنهُ وَعَن أَصْحَابه شَدِيدا عَلَيْهِم مَعَ مبالغتهم فِي بره وامتحن فِي دولة العبيديين بِالْإِخْرَاجِ من الْإسْكَنْدَريَّة وَالْتزم الْفسْطَاط وَمنع النَّاس من الْأَخْذ عَنهُ ثمَّ شرح وَألف تآليف حسانا مِنْهَا تعليقته فِي مسَائِل الْخلاف وَفِي أصُول الْفِقْه وَكتابه فِي الْبدع والمحدثات وَفِي بر الْوَالِدين وَغير ذَلِك وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ بِالْإِجَازَةِ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض كتب إِلَيْهِ يُجِيزهُ بِجَمِيعِ رواياته ومصنفاته وَحكي عَنهُ أَنه تزوج بالإسكندرية امْرَأَة موسرة حسنت حَاله بهَا ووهبت لَهُ دَار لَهَا سَرِيَّة وصير مَوضِع(1/276)
سكناهُ مَعهَا علوها وأباح قاعتها وسفلها للطلبة فَجَعلهَا مدرسة ولازم التدريس وتفقه عِنْده جمَاعَة من الإسكندرانيين وَمن الوفيات أَن الشَّيْخ أَبَا بكر لما طلب إِلَى مصر أنزلهُ الْأَفْضَل وَزِير العبيدي فِي مَسْجِد بِالْقربِ من الرصد وَكَانَ الشَّيْخ يكرههُ فَلَمَّا طَال مقَامه بِهِ ضجر وَقَالَ لِخَادِمِهِ إِلَى مَتى نصبر اجْمَعْ لي الْمُبَاح من الأَرْض فَجمع لَهُ فَأَكله ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ عِنْد صَلَاة الْمغرب قَالَ لِخَادِمِهِ رميته السَّاعَة فَلَمَّا كَانَ من الْغَد ركب الْأَفْضَل فَقتل وَولي بعده الْمَأْمُون ابْن البطائحي فَأكْرم الشَّيْخ إِكْرَاما كثيرا وصنف لَهُ كتاب سراج الْمُلُوك وَهُوَ حسن فِي بَابه
قلت وَمن مشيخته أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عَليّ التجِيبِي بن ظافر بن عَطِيَّة ابْن مَوْلَاهُم بن فائد اللَّخْمِيّ الإسْكَنْدراني أحد شُيُوخ أبي عبد الله التجِيبِي كَانَ تلميذ الإِمَام أبي بكر الطرطوشي وخديماً لَهُ متصرفاً لَهُ فِي حَوَائِجه وملازما خدمَة دَاره وَذكر أَن الطرطوشي كَانَ صَاحب نزهة مَعَ طلبته فِي أَكثر الْأَوْقَات يخرج مَعَهم إِلَى الْبُسْتَان فيقيمون الْأَيَّام المتوالية فِي فُرْجَة ومذاكرة ومداعبة مِمَّا لَا يقْدَح فِي حق الطّلبَة بل يدل على فَضلهمْ وسلامة صُدُورهمْ قَالَ وَخَرجْنَا مَعَه فِي بعض النزه فَكُنَّا ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ رجلا لِكَثْرَة الآخذين عَنهُ المحبين فِي صحبته وخدمته وَهَذَا من جملَة مَا رَفعه عَنهُ القَاضِي ابْن حَدِيد إِلَى العبيدي ووشى بِهِ إِلَيْهِ إِلَيْهِ فِي أُمُور غَيرهَا وَكَانَ الطرطوشي يذكر بني حَدِيد ذكرا قبيحاً لما كَانُوا عَلَيْهِ من أَخذ المكوسات والمعونة على الْمَظَالِم وَكَانَ يُفْتِي بِتَحْرِيم الْجُبْن الَّذِي يَأْتِي بِهِ النَّصَارَى ويفتي بِقطع مُحرمَات كَثِيرَة فخاطب بذلك بَنو حَدِيد وذكروه للسُّلْطَان فَأرْسل إِلَيْهِ الْأَفْضَل وَزِير خَليفَة مصر وَهُوَ من العبيدية فَقَالَ لَهُ الرَّسُول يسر حوائجك فَإنَّك تمشي يَوْم كَذَا فَقَالَ لَهُ وَأي حوائج معي ريشي رياشي وطعامي فِي حوصلتي ثمَّ مَشى إِلَى الْأَفْضَل فَلَمَّا(1/277)
اجْتمع بِهِ أكْرمه وَصَرفه صرفا حسنا وَجعل لَهُ عشرَة دَنَانِير فِي كل شهر يَأْخُذهَا من جِزْيَة الْيَهُود بعد الرَّغْبَة إِلَيْهِ فِي ذَلِك وَذكر أَبُو الطَّاهِر بن عون الزُّهْرِيّ أَن الطرطوشي كَانَ نُزُوله بالإسكندرية بَاشر قتل الْأَمِير بهَا علماءها فَوجدَ الْبَلَد عاطلاً عَن الْعلم فَأَقَامَ بهَا وَبث علما جماً وَكَانَ يَقُول إِن سَأَلَني الله تَعَالَى عَن الْمقَام بالإسكندرية لما كَانَت عَلَيْهِ فِي أَيَّام الشِّيعَة العبيدية من ترك إِقَامَة الْجُمُعَة وَمن غير ذَلِك من الْمَنَاكِير الَّتِي كَانَت فِي أيامهم أَقُول لَهُ وجدت قوما ضلالا فَكنت سَبَب هدايتهم قَالَ أَبُو الطَّاهِر وأنشدني أَبُو بكر الطرطوشي لنَفسِهِ ... إِذا كنت فِي حَاجَة مُرْسلا ... وَأَنت بإنجازها مغرم
فَأرْسل بأكمه خلابة ... بِهِ صمم أعطش أبكم
ودع عَنْك كل رَسُول سوى ... رَسُول يُقَال لَهُ الدِّرْهَم ... قَالَ ابْن خلكان والطرطوشي بِضَم الطاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ بَينهمَا رَاء مُهْملَة سَاكِنة وَبعد الطَّاء الثَّانِيَة وَاو سَاكِنة وشين مُعْجمَة هَذِه النِّسْبَة لطرطوشة وَهِي مَدِينَة فِي آخر بِلَاد الْمُسلمين بالأندلس على سَاحل الْبَحْر وَهِي فِي شَرق الأندلس ورندقة تقدم ضَبطهَا وَهِي لَفْظَة إفرنجية سَأَلت بعض الإفرنج عَنْهَا فَقَالَ مَعْنَاهَا رد تعال توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بالإسكندرية فِي شهر شعْبَان سنة عشْرين وَخَمْسمِائة قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب العبر فِي ذكر من غبر عَاشَ أَبُو بكر سبعين سنة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشد الْمَالِكِي يكنى أَبَا الْوَلِيد قرطبي زعيم فُقَهَاء وقته بأقطار الأندلس وَالْمغْرب ومقدمهم الْمُعْتَرف لَهُ بِصِحَّة النّظر وجودة التَّأْلِيف ودقة الْفِقْه وَكَانَ إِلَيْهِ المفزع فِي المشكلات بَصِير بالأصول وَالْفُرُوع والفرائض والتفنن فِي الْعُلُوم وَكَانَت الدِّرَايَة أغلب عَلَيْهِ من الرِّوَايَة كثير(1/278)
التصانيف مطبوعها ألف كتاب الْبَيَان والتحصيل لما فِي المستخرجة من التَّوْجِيه وَالتَّعْلِيل وَهُوَ كتاب عَظِيم نَيف على عشْرين مجلداً وَكتاب الْمُقدمَات لأوائل كتب الْمُدَوَّنَة واختصار لكتب المبسوطة من تأليف يحيى بن إِسْحَاق بن يحيى بن يحيى وتهذيبه لكتب الطَّحَاوِيّ فِي مُشكل الْآثَار وأجزاء كَثِيرَة فِي فنون من الْعلم مُخْتَلفَة وَكَانَ مطبوعاً فِي هَذَا الْبَاب حسن الْعلم وَالرِّوَايَة كثير الدّين كثير الْحيَاء قَلِيل الْكَلَام مسمتاً نزهاً مقدما عِنْد أَمِير الْمُسلمين عَظِيم الْمنزلَة مُعْتَمدًا فِي العظائم أَيَّام حَيَاته وَولي قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ استعفى مِنْهَا سنة خمس عشرَة أثر الهيج الْكَائِن بهَا من الْعَامَّة وأعفي وَزَاد جلالة ومنزلة وَكَانَ صَاحب الصَّلَاة أَيْضا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مُدَّة حَيَاته كَانَ قد تفقه بِأبي جَعْفَر بن رزق وَعَلِيهِ اعْتِمَاده وبنظرائه من فُقَهَاء بَلَده وَسمع الجياني وَأَبا عبد الله بن فرج وَأَبا مَرْوَان بن سراج وَابْن أبي الْعَافِيَة الْجَوْهَرِي وَأَجَازَ لَهُ العذري وَمِمَّنْ أَخذ عَن القَاضِي أبي الْوَلِيد الْمَذْكُور رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ القَاضِي الْجَلِيل أَبُو الْفضل عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي الغنية لَهُ جالسته كثيرا وَسَأَلته واستفدت مِنْهُ وَكَانَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد رَحمَه الله تَعَالَى يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة دَائِما فِي الْحَضَر وَالسّفر توفّي رَحمَه الله لَيْلَة الْأَحَد وَدفن عَشِيَّة الْحَادِي عشر لذِي الْقعدَة سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن بمقبرة الْعَبَّاس وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْقَاسِم وشهده جمع عَظِيم من النَّاس وَكَانَ الثَّنَاء عَلَيْهِ حسنا جميلاً ومولده فِي شَوَّال سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الطَّبَقَة الْأُخْرَى من أهل إفريقية
مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر التَّمِيمِي الْمَازرِيّ يكنى أَبَا عبد الله وَيعرف بِالْإِمَامِ نزل المهدية من بِلَاد إفريقية أَصله من مازر مَدِينَة فِي جَزِيرَة صقلية على سَاحل الْبَحْر وإليها نسب جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله هُوَ إِمَام أهل إفريقية وَمَا وَرَاءَهَا(1/279)
من الْمغرب وَصَارَ الإِمَام لقباً لَهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلَا يعرف بِغَيْر الإِمَام الْمَازرِيّ ويحكى عَنهُ أَنه رأى فِي ذَلِك رُؤْيا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا رَسُول الله أَحَق مَا يدعونني برأيهم يدعونني بِالْإِمَامِ فَقَالَ وسع الله صدرك للفتيا وَكَانَ آخر المشتغلين من شُيُوخ إفريقية بتحقيق الْفِقْه ورتبة الِاجْتِهَاد ودقة النّظر وَأخذ عَن اللَّخْمِيّ وَأبي مُحَمَّد بن عبد الحميد السُّوسِي وَغَيرهمَا من شُيُوخ إفريقية ودرس أصُول الْفِقْه وَالدّين وَتقدم فِي ذَلِك فجَاء سَابِقًا لم يكن فِي عصره للمالكية فِي أقطار الأَرْض فِي وقته أفقه مِنْهُ وَلَا أقوم لمذهبهم وَسمع الحَدِيث وطالع مَعَانِيه واطلع على عُلُوم كَثِيرَة من الطِّبّ والحساب وَالْأَدب وَغير ذَلِك فَكَانَ أحد رجال الْكَمَال فِي وقته فِي الْعلم إِلَيْهِ كَانَ يفزع فِي الْفَتْوَى فِي الطّلب فِي بَلَده كَمَا يفزع إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى فِي الْفِقْه يحْكى أَن سَبَب قِرَاءَته الطِّبّ وَنَظره فِيهِ أَنه مرض فَكَانَ يطبه يَهُودِيّ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ يَوْمًا يَا سَيِّدي مثلى يطب مثلكُمْ وَأي قربَة أَجدهَا أَتَقَرَّب بهَا فِي ديني مثل أَن أفقدكم للْمُسلمين فَمن حِينَئِذٍ نظر فِي الطِّبّ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حسن الْخلق مليح الْمجْلس أنيسه كثير الحكايات وإنشاد قطع الشّعْر وَكَانَ قلمه فِي الْعلم أبلغ من لِسَانه وَألف فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَشرح كتاب مُسلم وَكتاب التَّلْقِين للْقَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الوهاب وَلَيْسَ للمالكية كتاب مثله وَلم يبلغنَا أَنه أكمله وَشرح الْبُرْهَان لأبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَسَماهُ إِيضَاح الْمَحْصُول من برهَان الْأُصُول وَذكر الشَّيْخ الْحَافِظ النَّحْوِيّ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف الفِهري اللبلي فِي مشيخة شَيْخه التجِيبِي أَن من شُيُوخه أَبَا عبد الله الْمَازرِيّ وَأَن من تآليفه عقيدته الَّتِي سَمَّاهَا نظم الفرائد فِي علم العقائد وَألف غير ذَلِك وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الاجازة القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى كتب لَهُ من المهدية يُجِيز لَهُ كِتَابه الْمُسَمّى بِالْعلمِ فِي شرح مُسلم وَغَيره من تآليفه(1/280)
وَتُوفِّي الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ قَالَ الذَّهَبِيّ توفّي فِي ربيع الأول وَله ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة وماز بِفَتْح الزَّاي وَكسرهَا بليدَة بِجَزِيرَة صقلية وَلَيْسَ هَذَا الإِمَام الْمَذْكُور بشارح الْإِرْشَاد الْمُسَمّى بالمعاد إِذْ ذَاك رجل آخر نزيل الْإسْكَنْدَريَّة يعرف أَيْضا بالمازري وَالله موفقنا وَنعم الْوَكِيل
وَمن أهل الأندلس
مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي من أهل إشبيلية يكنى أَبَا بكر الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ المتبحر ختام عُلَمَاء الأندلس وَآخر أئمها وحفاظها وَأَبوهُ أَبُو مُحَمَّد من فُقَهَاء بَلَده اشبيلية ورؤسائها سمع بِبَلَدِهِ من أبي عبد الله بن مَنْظُور وَأبي مُحَمَّد بن خزرج وبقرطبة من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عتاب وَأبي مَرْوَان بن سراج وحصلت لَهُ عِنْد العبادية أَصْحَاب إشبيلية رياسة ومكانة فَلَمَّا انْقَضتْ دولتهم خرج إِلَى الْحَج مَعَ ابْنه القَاضِي أبي بكر يَوْم الْأَحَد مستهل ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسن القَاضِي أَبُو بكر إِذْ ذَاك نَحْو سَبْعَة عشر عَاما وَكَانَ القَاضِي قد تأدب بِبَلَدِهِ وَقَرَأَ القراآت فلقي بِمصْر أَبَا الْحسن الخلعي وَأَبا الْحسن بن مشرف ومهديا الْوراق بأبا الْحسن بن دَاوُد الْفَارِسِي وَلَقي بِالشَّام أَبَا نصر الْمَقْدِسِي وَأَبا سعيد الزنجاني وَأَبا حَامِد الْغَزالِيّ وَأَبا سعيد الرهاوي وَأَبا الْقَاسِم بن أبي الْحسن الْقُدسِي وَالْإِمَام أَبَا بكر الطرطوشي وَأَبا مُحَمَّد هبة الله بن أَحْمد الاكفاني وَأَبا الْفضل ابْن الْفُرَات الدِّمَشْقِي وَدخل بَغْدَاد وَسمع بهَا من أبي الْحسن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي الْمَعْرُوف بِابْن الطيوري وَمن أبي الْحسن عَليّ بن أَيُّوب البزازي بزايين معجمتين وَمن أبي بكر ابْن طرخان وَمن النَّقِيب الشريف أبي الفوارس طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وجعفر بن أَحْمد السراج وَأبي الْحسن بن عبد القادر وَأبي زَكَرِيَّا التبريزي وَأبي الْمَعَالِي ثَابت بن بنْدَار(1/281)
الحمامي بتَخْفِيف الْمِيم فِي آخَرين وَحج فِي موسم سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسمع بِمَكَّة من أبي عَليّ الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وَغَيره ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد ثَانِيَة وَصَحب أَبَا بكر الشَّاشِي وَأَبا حَامِد الطوسي وَأَبا بكر الطرطوشي وَغَيرهم من الْعلمَاء والأدباء فدرس عِنْدهم الْفِقْه وَالْأُصُول وَقيد الحَدِيث واتسع فِي الرِّوَايَة وأتقن مسَائِل الْخلاف وَالْأُصُول وَالْكَلَام على أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن من هَؤُلَاءِ وَغَيرهم ثمَّ صدر عَن بَغْدَاد إِلَى الأندلس فَأَقَامَ بالإسكندرية عِنْد أبي بكر الطرطوشي فَمَاتَ أَبوهُ بهَا أول سنة ثَلَاث وَتِسْعين ثمَّ انْصَرف هُوَ إِلَى الأندلس سنة خمس وَتِسْعين وَقدم بَلَده إشبيلية بِعلم كثير لم يَأْتِ بِهِ أحد قبله مِمَّن كَانَت لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق وَكَانَ من أهل التفنن فِي الْعُلُوم والاستبحار فِيهَا وَالْجمع لَهُ مُتَقَدما فِي المعارف كلهَا متكلماً فِي أَنْوَاعهَا نَافِذا فِي جَمِيعهَا حَرِيصًا على أَدَائِهَا ونشرها ثاقب الذِّهْن فِي تَمْيِيز الصَّوَاب مِنْهَا وَيجمع إِلَى ذَلِك كُله آدَاب الْأَخْلَاق مَعَ حسن المعاشرة وَكَثْرَة الِاحْتِمَال وكرم النَّفس وَحسن الْعَهْد وثبات الود فسكن بَلَده وشوور فِيهِ وَسمع ودرس الْفِقْه وَالْأُصُول وَجلسَ للوعظ وَالتَّفْسِير ورحل إِلَيْهِ للسماع وصنف فِي غير فن تصانيف مليحة كَثِيرَة حَسَنَة مفيدة مِنْهَا أَحْكَام الْقُرْآن كتاب حسن وَكتاب المسالك فِي شرح موطأ مَالك وَكتاب القبس على موطأ مَالك بن أنس وعارضة الأحوذي على كتاب التِّرْمِذِيّ والقواصم والعواصم والمحصول فِي أصُول الْفِقْه وسراج المريدين وسراج المهتدين وَكتاب الْمُتَوَسّط وَكتاب الْمُتَكَلِّمين وَله تأليف فِي حَدِيث أم زرع وَكتاب النَّاسِخ والمنسوخ وتخليص التَّلْخِيص وَكتاب القانون فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَزِيز وَله غير ذَلِك من التآليف وَقَالَ فِي كتاب القبس إِنَّه ألف كِتَابه الْمُسَمّى أنوار الْفجْر فِي تَفْسِير الْقُرْآن فِي عشْرين سنة ثَمَانِينَ ألف ورقة وَتَفَرَّقَتْ بأيدي النَّاس (قلت) وَأَخْبرنِي(1/282)
الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الرّبيع بن عبد الرحمن البورغواطي فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الصَّالح يُوسُف الحزام المغربي بالإسكندرية فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة قَالَ رَأَيْت تأليف القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْمُسَمّى أنوار الْفجْر كَامِلا فِي خزانَة السُّلْطَان الْملك الْعَادِل أَمِير الْمُسلمين أبي عنان فَارس ابْن السُّلْطَان أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن السُّلْطَان أَمِير الْمُسلمين أبي سعيد عُثْمَان بن يُوسُف بن عبد الحق وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو عنان إِذْ ذَاك بِمَدِينَة مراكش وَكَانَت لَهُ خزانَة كتب يحملهَا مَعَه فِي الْأَسْفَار وَكنت أخدمه مَعَ جمَاعَة فِي حزم الْكتب ورفعها فعددت أسفار هَذَا الْكتاب فبلغت عدتهَا ثَمَانِينَ مجلداً وَلم ينقص من الْكتاب الْمَذْكُور شَيْء قَالَ أَبُو الرّبيع وَهَذَا الْمخبر يَعْنِي يُوسُف ثفة صَدُوق رجل صَالح كَانَ يَأْكُل من كده
قلت قَالَ ابْن خلكان فِي كتاب الوفيات فِي معنى عارضة الأحوذي الْعَارِضَة الْقُدْرَة على الْكَلَام والأحوذي الْخَفِيف فِي الشَّيْء لحذقه وَقَالَ الْأَصْمَعِي الأحوذي المشمر فِي الْأُمُور القاهر لَهَا لايشذ عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا والأحوذي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره يَاء مُشَدّدَة قَالَ القَاضِي عِيَاض واستقضي بِبَلَدِهِ فنفع الله بِهِ أَهلهَا لصرامته وشدته ونفوذ أَحْكَامه وَكَانَت لَهُ فِي الظَّالِمين سُورَة مرهوبة وتؤثر عَنهُ فِي قَضَائِهِ أَحْكَام غَرِيبَة ثمَّ صرف من الْقَضَاء وَأَقْبل على نشر الْعلم وبثه وَذكر أَنه ولي قَضَاء حلب وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فصيحاً أديباً شَاعِرًا كثيرا الْخَبَر مليح الْمجْلس وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ فِي اجتيازه اسبتة القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض ولقيه أَيْضا بإشبيلية وبقرطبة فَنَاوَلَهُ وَكتب عَنهُ واستفاد مِنْهُ وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ربيع الأول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة مُنْصَرفه من مراكش وَحمل مَيتا إِلَى مَدِينَة فاس(1/283)
وَدفن بهَا بِبَاب الجيسة وَالصَّحِيح خَارج بَاب المحروق من فاس ومولده لَيْلَة الْخَمِيس لثمان بَقينَ من شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن كتاب الصِّلَة تصنيف الشَّيْخ الْفَقِيه الْمُحدث الثِّقَة أبي الْقَاسِم ابْن بشكوال
مُحَمَّد بن أَحْمد الصَّدَفِي من أهل طليطلة يكنى أَبَا عبد الله روى عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حُسَيْن وَأبي جَعْفَر بن مَيْمُون وعبد الله بن دنيز وَأبي مُحَمَّد ابْن عَبَّاس والتبريزي وَالْمُنْذر بن الْمُنْذر وَغَيرهم وَكَانَ مقدما فِي فُقَهَاء طليطلة وحافظاً للمسائل جَامعا للْعلم كثير الْعِنَايَة بِهِ وقوراً عَالما عَاقِلا متواضعاً وَكَانَ يتَخَيَّر للْقِرَاءَة على الشُّيُوخ لفصاحته ونهضته وَقد قَرَأَ الْمُوَطَّأ على الْمُنْذر بن الْمُنْذر فِي يَوْم وَاحِد وَكَانَ أَكثر كتبه بِخَطِّهِ وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن كتاب التكملة لأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بالأبار
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن رشد الشهير بالحفيد من أهل قرطبة وقاضي الْجَمَاعَة بهَا يكنى أَبَا الْوَلِيد روى عَن أَبِيه أبي الْقَاسِم استظهر عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ حفظا وَأخذ الْفِقْه عَن أبي الْقَاسِم بن بشكوال وَأبي مَرْوَان بن مَسَرَّة وَأبي بكر بن سمحون وَأبي جَعْفَر بن عبد العزيز وَأبي عبد الله الْمَازرِيّ وَأخذ علم الطِّبّ عَن أبي مَرْوَان ابْن جزيول وَكَانَت الدِّرَايَة أغلب عَلَيْهِ من الروااية ودرس الْفِقْه وَالْأُصُول وَعلم الْكَلَام وَلم ينشأ بالأندلس مثله كمالاً وعلماً وفضلاً وَكَانَ على شرفه أَشد النَّاس تواضعاً وأخفضهم جنَاحا وعني بِالْعلمِ من صغره إِلَى كبره حَتَّى حُكيَ أَنه لم يدع النّظر وَلَا الْقِرَاءَة مذ عقل إِلَّا لَيْلَة وَفَاة أَبِيه وَلَيْلَة بنائِهِ على أَهله وَأَنه سود فِيمَا صنف وَقيد وَألف وهذب وَاخْتصرَ نَحوا من عشرَة آلَاف ورقة وَمَال إِلَى عُلُوم الْأَوَائِل وَكَانَت لَهُ فِيهَا الْإِمَامَة دون أهل عصره وَكَانَ يفزع إِلَى فتياه فِي الطِّبّ كَمَا يفزع إِلَى فتياه فِي الْفِقْه مَعَ الْحَظ الوافر من الْإِعْرَاب والآداب وَالْحكمَة(1/284)
حُكيَ عَنهُ أَنه كَانَ يحفظ شعر المتنبي وحبِيب وَله تآليف جليلة الْفَائِدَة مِنْهَا كتاب بداية الْمُجْتَهد وَنِهَايَة المقتصد فِي الْفِقْه ذكر فِيهِ أَسبَاب الْخلاف وَعلل وَجهه فَأفَاد وأمتع بِهِ وَلَا يعلم فِي وقته أَنْفَع مِنْهُ وَلَا أحسن سياقاً وَكتاب الكليات فِي الطِّبّ ومختصر الْمُسْتَصْفى فِي الْأُصُول وَكتابه فِي الْعَرَبيَّة الَّذِي وسمه بالضروري وَغير ذَلِك تنيف على سِتِّينَ تأليفاً وحمدت سيرته فِي الْقَضَاء بقرطبة وتأثت لَهُ عِنْد الْمُلُوك وجاهة عَظِيمَة وَلم يصرفهَا فِي ترفيع حَال وَلَا جمع مَال إِنَّمَا قصرهَا على مصَالح أهل بَلَده خَاصَّة وَمَنَافع أهل الأندلس وَحدث وَسمع مِنْهُ أَبُو بكر بن جهور وَأَبُو مُحَمَّد بن حوط الله وَأَبُو الْحسن سهل بن مَالك وَغَيرهم وَتوفى سنة خسمة وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومولده سنة عشْرين وَخَمْسمِائة قبل وَفَاة القَاضِي جده أبي الْوَلِيد ابْن رشد بِشَهْر
مُحَمَّد بن سعيد بن أَحْمد بن سعيد يعرف بِابْن زرقون الْأنْصَارِيّ من أهل إشبيلية وَأَصله من بطليوس كنيته أَبُو عبد الله وزرقون لقب عَن جد أَبِيه سعيد الْمَذْكُور لقب بذلك لحمرة وَجهه سمع أَبَاهُ وَأَبا عمرَان بن أبي تليد وَأَبا الْقَاسِم بن الأبرش وَأَبا الْفضل عِيَاض واختص بِهِ ولازمه كثيرا وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عبد الله الْخَولَانِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن عتاب وَأَبُو مَرْوَان الْبَاجِيّ وَغَيرهم كثيرا وَولي قَضَاء شلب وَقَضَاء سبتة فحمدت سيرته ونزاهته وَكَانَ أحد سروات الرِّجَال حَافِظًا للفقه مبرزاً فِيهِ يعْتَرف لَهُ أَبُو بكر بن الْجد بذلك مَعَ البراعة فِي التأدب والمشاركة فِي قرض الشّعْر صبوراً على الْجُلُوس للاسماع مَعَ الكبرة يتَكَلَّف ذَلِك وَإِن شقّ عَلَيْهِ سَمِعت أَبَا الرّبيع بن سَالم يَقُول رام يَوْم أَن ينْهض من مَجْلِسه فَلم يسْتَطع من الْكبر حَتَّى اعْتمد على من أَعَانَهُ فَلَمَّا اسْتَوَى قَائِما أنْشد متمثلاً ... أَصبَحت عِنْد الحسان زيفاً ... وَغير الحادثات نقشي ...(1/285)
.. وَكنت أَمْشِي وَلست أعيا ... فصرت أعيا وَلست أَمْشِي ...
وَمن تآليفه كتاب الْأَنْوَار جمع فِيهِ بَين الْمُنْتَقى والاستذكار وَجمع أَيْضا بَين التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي وَكَانَ النَّاس يرحلون إِلَيْهِ للأخذ عَنهُ وَالسَّمَاع مِنْهُ لعلو رِوَايَته ومولده سنة اثْنَيْنِ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بإشبيلية فِي منتصف رَجَب سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سعيد بن أَحْمد بن سعيد بن زرقون الْأنْصَارِيّ الإشبيلي كنيته أَبُو الْحسن شيخ الْمَالِكِيَّة وَكَانَ من كبار المتعصبين للْمَذْهَب فأوذي من جِهَة بني عبد المؤمن وَلما أبطلوا الْقيَاس وألزموا النَّاس بالأثر وَالظَّاهِر صنف كتاب الْمُعَلَّى فِي الرَّد على الْمحلى لِابْنِ حزم توفّي فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة وَله يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الرحيم الْأنْصَارِيّ الخزرجي من ولد سعد بن عبَادَة كنيته ابو عبد الله يعرف بِابْن الْفرس من أهل غرناطة سمع أَبَاهُ أَبَا الْقَاسِم وَأخذ عَنهُ القراآت ودرس عَلَيْهِ الْفِقْه وَسمع أَبَا بكر بن عَطِيَّة وَأَبا مُحَمَّد بن عتاب وَابْن رشد وَأَبا بَحر الْأَسدي وَأَبا الْقَاسِم بن بَقِي وَابْن مغيث وَأَبا عبد الله الْمَازرِيّ وَأَبا عَليّ الصَّدَفِي وَغَيرهم من الشُّيُوخ الْمُتَقَدِّمين خلقا كثيرا وَكَانَ عَالما حَافِظًا رِوَايَة مكثراً عَالما بِالْقُرْآنِ وَالْفِقْه مشاركاً فِي الحَدِيث وَالْأُصُول مَعَ الْبَصَر فِي الْفَتْوَى ووجوهها والضبط للروايات وتحصيلها والتنبيه على مَوَاضِع الْخلاف وحفظها والاعتناء بِجمع الْأَقَاوِيل وإحصائها ولي خطة الشورى بمرسية ثمَّ قدم إِلَى قَضَاء بلنسية فَلم تطل مرّة ولَايَته وَخرج متسعفيا عَنْهَا وَكَانَ ذَا حَظّ من الإنقباض وَعدم التَّلَبُّس بالدنيا ملازماً للإقراء والتدريس والإسماع وَكَانَ فِي وقته أحد حفاظ الأندلس فِي الْمسَائِل مَعَ الْمعرفَة بالآداب قَالَ التجِيبِي ذكر لي من عمله وفضله مَا أزعجني إِلَيْهِ(1/286)
يَعْنِي لمرسية فَلَقِيت عَالما كَبِيرا وَأطَال الثَّنَاء عَلَيْهِ وَأَطْنَبَ وَكَانَ أَهلا لذَلِك أَخذ النَّاس عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَتُوفِّي باشبيلية سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَاحْتمل إِلَى غرناطة فَدفن بهَا ومولده سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن يُوسُف بن سَعَادَة وَمن أهل مرسية وَسكن شاطبة كنيته أَبُو عبد الله سمع أَبَا عَليّ الصَّدَفِي وَأَبا مُحَمَّد بن عتاب وَأَبا بَحر الْأَسدي وَأَبا الْوَلِيد بن رشد وَأَبا بكر بن الْعَرَبِيّ وَأَبا عبد الله بن الْحَاج وَأخذ الْفِقْه وَعلم الْكَلَام عَن أبي الْحجَّاج بن زِيَاد الميورقي وَكتب إِلَيْهِ أَبُو بكر الطرطوشي وَلَقي أَبَا عبد الله الْمَازرِيّ وَسمع مِنْهُ وَكَانَ عَارِفًا بالسنن والْآثَار وَالتَّفْسِير وَالْفُرُوع وَالْأَدب وَعلم للْكَلَام مائلاً إِلَى التصوف وَكَانَ خَطِيبًا بليغا ينشيء الْخطب وَولي خطة الشورى بمرسية مُضَافَة إِلَى الْخطْبَة بجامعه وأخد فِي اسماع الحَدِيث وتدريس الْفِقْه ولي الْقَضَاء بهَا ثمَّ ولي قَضَاء شاطبة فاتخذها وطنا وَألف كتاب شَجَرَة الْوَهم المرقية إِلَى ذرْوَة الْفَهم لم يسْبق إِلَى مثله وَلَيْسَ لَهُ غَيره وَجمع فهرسة حافلة وروى لنا عَنهُ أكَابِر شُيُوخنَا وَذكره ابْن عباد وَصفه بالتفنن فِي المعارف والرسوخ فِي الْفِقْه وأصوله والمشاركة فِي علم الحَدِيث وَالْأَدب وَقَالَ كَانَ صليباً فِي الْأَحْكَام مقتفياً للعدل حسن الْخلق والخلق جميل الْمُعَامَلَة لين الْجَانِب قَالَ وَلم يكن عِنْد شُيُوخنَا مثل كتبه فِي صحها وإتقانها وجودتها وَكَانَ فيهم من رزق عِنْد الْخَاصَّة والعامة من الحظوة وَالذكر وجلالة الْقدر مَا رزقه توفّي فِي منسلخ ذِي الْحجَّة من سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ومولده بمرسية فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن كتاب الصِّلَة
مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى ابْن عبد السَّلَام الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شقّ اللَّيْل من أهل طليطلة سكن طلبيرة يكنى أَبَا عبد الله سمع من أبي اسحق وَابْن شنطير وَصَاحبه أبي جَعْفَر بن مَيْمُون وَأكْثر عَنْهُمَا وروى(1/287)
عَن الْمُنْذر بن الْمُنْذر وَابْن الفخار وَجَمَاعَة كَثِيرَة سواهُم من أَهلهَا وَمن القادمين عَلَيْهَا وَلَقي بِمَكَّة أَبَا الْحسن بن فرَاش العبقي وَأَبا الْحسن عَليّ بن جَهْضَم وَأَبا الْقَاسِم السَّقطِي وَأَبا بكر المطوعي وَغَيرهم من الشُّيُوخ المصريين وَغَيرهم كثيرا وَكَانَ فَقِيها عَالما إِمَامًا متكلماً حَافِظًا للْحَدِيث وَالْفِقْه قَائِما بهما متقناً لَهما وَكَانَ مليح الْخط جيد الضَّبْط من أهل الرِّوَايَة والدارية والمشاركة فِي الْعُلُوم والافتنان لَهما وبمذاكرتهما كَانَ أدبيا شَاعِرًا لغويا مجيد فَاضلا دينا كثير التصنيف وَالْكَلَام على الحَدِيث حُلْو الْكَلَام فِي تآليفه وتصانيفه وَكَانَت لَهُ عناية بأصول الديانَات وَإِظْهَار الكرامات توفّي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة ومولده فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة
وَمن الْإِحَاطَة لِابْنِ الْخَطِيب
مُحَمَّد بن أَحْمد بن بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر عَليّ الْقرشِي الْمقري ويكنى أَبَا عبد الله قَاضِي الْجَمَاعَة بفاس تلمساني هَذَا الرجل مشار إِلَيْهِ بالعدوة الغربية اجْتِهَادًا وخوفاً وحفظاً وعناية وإطلاعاً ونقلاً ونزاهة سليم الصَّدْر محافظاً على الْعَمَل حَرِيصًا على الْعِبَادَة قَائِما على الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير أتم الْقيام ويحفظ الحَدِيث ويتفجر بِحِفْظ الْأَخْبَار والتواريخ والآداب ويشارك مُشَاركَة فاضلة فِي الْأَصْلَيْنِ والجدل والمنطق وَله شعر جيد وَيتَكَلَّم فِي طَرِيق الصُّوفِيَّة كَلَام أَرْبَاب الْمقَال ويعتني بالتدوين فِيهَا حج وَلَقي جلة ثمَّ عَاد إِلَى بلد فأقرأ بِهِ وَانْقطع إِلَى خدمَة الْعلم فَلَمَّا ولي السُّلْطَان أَبُو الْعَنَان الْمغرب ولاه قَضَاء الْجَمَاعَة بفاس فاستقل بذلك أعظم الِاسْتِقْلَال وأنفذا لحق وألان الْكَلِمَة وآثر التَّشْدِيد فِي الْعلم واستفاد على الامامين الْعَالمين الراسخين أبي زيد عبد الرحمن وَأبي مُوسَى ابْني الإِمَام الْحَافِظ نَاصِر الدّين أبي مُوسَى عمرَان بن مُوسَى بن يُوسُف المثذالي(1/288)
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى نَسِيج وَحده فِي الْمُتَأَخِّرين وَعلي قَاضِي الْجَمَاعَة بتلمسا أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَنْصُور بن هَدِيَّة الْقرشِي من ولد عقبَة بن عَامر الفِهري صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى غَيرهم من الْمَشَايِخ الجلة وَألف كتابا يشْتَمل على أَزِيد من مائَة مَسْأَلَة فقهية ضمنهَا كل أصل من الرَّأْي والمباحثة وَدون فِي التصوف إِقَامَة المريد ورحلة المتبتل وَكتاب الْحَقَائِق وَالرَّقَائِق قَالَ ابْن الْخَطِيب اتَّصل بِنَا نعيه فِي شهر محرم عَام تِسْعَة وَخمسين وَسَبْعمائة وَأرَاهُ توفّي فِي ذِي الْحجَّة من الْعَام قبله
مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض بن عمرون بن موسي بن عِيَاض الْيحصبِي من أهل سبتة ولد الإِمَام أبي الْفضل يكنى أَبَا عبد الله كَانَ فَقِيها جَلِيلًا أدبياً كَامِلا دخل الأندلس وَقَرَأَ على ابْن بشكوال كِتَابه الصِّلَة وَولي غرناطة قَالَ ابْن الزبير وقفت على كتاب الْفِقْه فِي شَيْء من أَخْبَار أَبِيه وحاله فِي أَخذه وَعلمه وَمَا يرجع إِلَى هَذَا روى عَن أَبِيه أبي الْفضل الإِمَام وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَابْن بشكوال روى عَنهُ ابْنه أَبُو الْفضل عِيَاض توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُحَمَّد بن عِيَاض بن مُوسَى الْيحصبِي من أهل سبتة حفيد القَاضِي الامام أبي الْفضل يكنى أَبَا عبد الله قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو جَعْفَر بن الزبير كَانَ من عدُول الْقُضَاة وَجلة سراتهم وَأهل النزاهة فيهم شَدِيد التَّحَرِّي فِي الحكم وَالِاحْتِيَاط شَدِيدا على أهل الجاه وَذَوي السطوة فَاضلا وقوراً حسن الصمت يعرب كَلَامه أبدا ويزينه ذَلِك لِكَثْرَة وقاره محباً فِي أهل الْعلم مقرّ بالأصاغر الطّلبَة ومكرماً لَهُم ومعتنياً بهم ليحبب إِلَيْهِم الْعلم والتمسك بِهِ مَا رَأينَا بعده فِي هَذَا مثله قَرَأَ بسبتة وَأسْندَ بهَا فَأخذ بهَا عَن أبي الصَّبْر أَيُّوب بن عبد الله الفِهري وَغَيره ورحل إِلَى الجزيرة الخضراء فَأخذ بهَا كتاب سِيبَوَيْهٍ وَغير ذَلِك تفقهاً(1/289)
على النَّحْوِيّ الْجَلِيل أبي الْقَاسِم عبد الرحمن بن الْقَاسِم وَأخذ بهَا أَيْضا إِيضَاح الْفَارِسِي على الْأُسْتَاذ أبي الْحجَّاج بن معزوز وَقَرَأَ على القَاضِي أبي الْقَاسِم بن بَقِي برنامجه وَأَجَازَ لَهُ وَكتب لَهُ من أهل الْمشرق علم كثير مِنْهُم الشَّيْخ الْمُحدث أَبُو الْعَبَّاس العزفي وَغَيره من الْمَشَايِخ الجلة ولد سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بغرناطة يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن وَالْعِشْرين لجمادى الْأَخِيرَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحُسَيْنِي من أهل سبتة هَذَا الرجل كَانَ فَاضلا جملَة من جمل الْكَمَال عرف بالوقار والحصافة وَنزع غرباً فِي قَوس السِّيَادَة وَبلغ المدى متوقد الذِّهْن أصيل الْإِدْرَاك حَامِلا لراية البلاغة رحْلَة الْوَقْت فِي التبريز مَعْلُوم اللِّسَان عَرَبِيَّة مستبحرا لحفظ أصيلة التَّوْجِيه مرهفة باللغة والغريب والتاريخ وَالْخَبَر وَالْبَيَان وصناعة البديع وميزان الْعرُوض وَعلم القافية مُتَقَدما فِي الْأَحْكَام وتدريس الْفِقْه بارع التصنيف غزير الْحِفْظ حَاضر الذّكر فصيح اللِّسَان مفخراً من مفاخر أهل بَيته ولي الْقَضَاء والخطابة بالحضرة بعد ولَايَة غَيرهَا الَّتِي أنبهها مَدِينَة مالقة وَكَانَ نَافِذ الْأَمر عظم الهيبة قَلِيل النَّاقِد ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء من غير زلَّة تحفظ وَلَا هناة تُؤثر فتحيز إِلَى التحليق لتدريس الْعلم وتفرغ لإقراء الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه ثمَّ أُعِيد إِلَى الْقَضَاء وَتُوفِّي قَاضِيا بغرناطة أَخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي عبد الله بن هاني الْأُسْتَاذ وانتفع بِهِ وَعَلِيهِ جلّ قِرَاءَته واستفادته وَأخذ عَن الإِمَام شيخ المشيخة أبي إِسْحَاق الغافقي وَالْقَاضِي الْمُحدث أبي عبد الله بن رشيد وَالْقَاضِي أبي عبد القرطبي والفقيه الصَّالح أبي عبد الله بن حُرَيْث وَأخذ عَن الْأُسْتَاذ النظار أبي الْقَاسِم بن الشَّاط وَغَيرهم وتصانيفه بارعة مِنْهَا رفع الْحجب المستورة عَن محَاسِن الْمَقْصُورَة ومقصورة(1/290)
الأديب أبي الْحسن حَازِم مِمَّا تَنْقَطِع الأطماع فِيهِ وَمِنْهَا رياضة الأبي فِي شرح قصيدة الخزرجي وَقيد على كتاب التسهيل لأبي عبد الله بن مَالك تقييداً جَلِيلًا وشرحاً بديعاً قَارب التَّمام وَشرع فِي تَقْيِيد على الْجُزْء الْمُسَمّى بدرر السمط فِي خبر السبط توفّي فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة
مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حزب الله بن عَامر بن سعد الْخَيْر بن عَيَّاش المكني بِأبي عيشون بن مَحْمُود الدَّاخِل إِلَى بِلَاد الأندلس يكنى أَبَا البركات بلفيقي الأَصْل مروزي النشأة والولادة وَالسَّلَف يعرف بِابْن الْحَاج شهرة قديمَة لَا يعلم لم الاشارة بهَا من سلفه اذلا يعلم فيهم حَاج الاجده إِبْرَاهِيم الْأَقْرَب وَكَانَ جد جده يعرف بِابْن الْحَاج وَشهر الْآن فِي غير بَلَده بالبلفيقي وَفِي بَلَده بالمعرفة الْقَدِيمَة وَنسبه مُتَّصِل بحارثة بن الْعَبَّاس بن مرداس صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأحد خطبائه وشعرائه رَئِيس فِي الْإِسْلَام وَرَئِيس فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ لسلفه وخصوصاً إِبْرَاهِيم من الشُّهْرَة بِولَايَة الله مَا هُوَ مَشْهُور فِي الفهارس يعضد هَذَا الْمجد الْمجد من جدود الأمومة بِأبي بكر بن مهيب وَابْن عَمه أبي إِسْحَاق نَشأ بالمرية بَلَده غمررداء الْعِفَّة بضفاف جِلْبَاب الصيانة غضيض طرف الْحيَاء حَلِيف الانقباض لَا يرى إِلَّا فِي منزل من مَنَازِله أَو فِي حلق الأساتيذ أَو فِي مَسْجِد من مَسَاجِد خَارج الْمَدِينَة الْمعدة للتعبد لَا يغشى سوقاً وَلَا مجتمعاً وَلَا وَلِيمَة وَلَا مجْلِس حَاكم وَلَا يلابس أمرا من الْأُمُور الَّتِي جرت عَادَة النَّاس أَن يلابسوها بِوَجْه من الْوُجُوه ثمَّ ترامى إِلَى الرحلة فَأخذ عَن الْعلمَاء والصلحاء والأدباء بالقطر الغربي وبجاية ثمَّ صرف عنانه إِلَى الأندلس فتصرف فِي الإقراء وَالْقَضَاء والخطابة بَالغا فِي ذَلِك الدرجَة الَّتِي لَا فَوْقهَا وَكَانَ نسيح وَحده أَصَالَة عريقة وسجية على السَّلامَة مَقْصُورَة رحْلَة الْوَقْت وَفَائِدَة الْعَصْر تفنناً وامتناعاً مبرزاً فِي فنون اماما فِي القراآت وَالْحِفْظ وَمَعْرِفَة(1/291)
الْعرُوض متضلعا بصناعة الحَدِيث والتاريخ وَالرِّجَال مستكثراً من الرِّوَايَة مشاركاً فِي أصُول الْفِقْه وفروعه وَعلم اللِّسَان وصناعة الْمنطق معدودا من رجال التصوف أولي الْأَحْوَال والمقامات جمَاعَة للدواوين متبحراً فِي معرفَة أَسمَاء الْكتب كلفاً بالمطالعة رياناً من الْأَدَب شَاعِرًا مفلقاً مطبوع الْأَغْرَاض حُلْو الْمَقَاصِد سهل النّظم غَرِيب النزعات يغْرف من بَحر وينحت من طود فَارس المنابر خطيب المحافل طيب النغمة بِالْقُرْآنِ كثير الشَّفَقَة سريع الدمعة محولا فِي رياسة الدّين وَالدُّنْيَا هَذَا أقل مَا تسَامح فِيهِ من ذكره وَيَكْفِي فِيهِ الْإِشَارَة قَرَأَ القراآت السَّبع على الْأُسْتَاذ أبي الْحسن بن أبي الْعَيْش وَبَين يَدَيْهِ نَشأ وتأدب وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمل الزّجاج تفقهاً والجزولية وعروض التبريزي وَابْن الْحَاجِب وعروض ابْن عبد النُّور وتفقه فِي رِسَالَة ابْن أبي زيد والاشعار السِّتَّة وفصحي ثَعْلَب وَغَيره وَمِمَّنْ قدم عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ الْعَالم الشَّاعِر أَبُو عبد الله بن خمسين الجحدري أَخذ عَنهُ كثيرا من شعره وكتاباً مِنْهَا الْمُوَطَّأ والمقامات وَقَرَأَ عَلَيْهِ جملَة من كَلَام الشَّيْخ أبي مَدين رَضِي الله عَنهُ وَقَرَأَ على القَاضِي أبي جَعْفَر بن فركون عِنْد قدومه على بَلَده قَاضِيا بالقراآت السَّبع والموطأ وَجُمْلَة من تعليقة الطرطوشي وَمن كشف الْحَقَائِق للأبهري وَالدَّعْوَى وَالْإِنْكَار للرعيني تفقه وَسمع على الغافقي الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ بَين سَماع وَقِرَاءَة تفقه وَسنَن التِّرْمِذِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ وقرا على ابْن الشَّاط الْإِشَارَة الباجية وبرهان أبي الْمَعَالِي وتنقيح الْقَرَافِيّ ومقدمة الْمُسْتَصْفى وَالْحَاصِل للأرموي وَقَرَأَ على أبي سُلْطَان مُحَمَّد بن عبد المنعم فِي تسهيل الْفَوَائِد لِابْنِ مَالك وتفقه عَلَيْهِ فِي كثير مِنْهُ وَغير ذَلِك من التآليف العديدة فِي أَنْوَاع الْعُلُوم على عدَّة مَشَايِخ يطول ذكرهم مِنْهُم أَبُو الْحسن الصَّغِير وَأَبُو زيد الْجُزُولِيّ وَأَبُو عَليّ نَاصِر الدّين المشذالي فَقَرَأَ عَلَيْهِم وتفقه بهم وَقَرَأَ(1/292)
على أبي نَاصِر الدّين شَرحه على الرسَالَة وَمِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس بن الْبَنَّا العددي وتفقه عَلَيْهِ فِي كثير من تصانيفه وَله أَشْيَاخ جلة كَثِيرُونَ مَا عدا من ذكرنَا من أهل الْمشرق وَالْمغْرب يشق استقصاؤهم وَتركت كثير مِمَّن ذكر الْمُؤلف وَولي الْقَضَاء بأعمال كَثِيرَة وَجلسَ للاقراء فأفادو بلغ أقْصَى مبالغ الإمتاع وَله تآليف أَكْثَرهَا أَو كلهَا غير متممة فِي مبيضات مِنْهَا كتاب قد يكبو الْجواد فِي ذكر أَرْبَعِينَ غلطة من أَرْبَعِينَ من النقاد هُوَ من نوع تَصْحِيف الْحَافِظ أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَكتاب قد وَجل فِي نظم الْجمل وَمِنْهَا كتاب خطر فَنظر وَنظر فخطر فِي تَنْبِيهَات على وثائق ابْن فتوح وَمِنْهَا الإفصاح فِيمَن عرف فِي الأندلس بالصلاح وَمِنْهَا حَرَكَة الرجولية فِي المسئلة المالقية وَمِنْهَا سلوة الخاطر فِيمَا أشكل من نسبته الذَّنب إِلَى الذاكر وَمِنْهَا تَارِيخ المرية غير تَامّ وَمِنْهَا مغربة خبر فِي جلب التَّمْر إِلَى شجر وَمِنْهَا ديوَان شعره الْمُسَمّى بالعذب والأجاج من شعر أبي البركات بن الْحَاج وَمِنْهَا عرائس بَنَات الخواطر والمجلوات على منصات المنابر وَمِنْهَا المؤتمن على أنباء الزَّمن وَمِنْهَا تأليف فِي أَسمَاء الْكتب والتعريف بمؤلفيها على حُرُوف المعجم وَمِنْهَا كتاب الْمرجع بالدرك على من أنكر اللَّفْظ الْمُشْتَرك وَمِنْهَا مُشْتَبهَات مصطلحات الْعُلُوم وَمِنْهَا كتاب مَا كثر دوره فِي مجَالِس الْقَضَاء وَمِنْهَا الغلسيات وَهِي مَا صدر من مجالسه فِي الْكَلَام على صَحِيح مُسلم فِي التغليس وَمِنْهَا الْفُصُول والأبواب فِي ذكر من أَخذ عَنهُ من الشُّيُوخ والأتباع وَالْأَصْحَاب وَمن شعره من قصيدة طَوِيلَة فِيهَا صفة حَاله ... تأسف لَكِن حِين عز التأسف ... وكفكف دمعا حَيْثُ لاعين تذرف
وجاذب قلباً لَيْسَ يأوي لمألف ... وعالج نفسا داؤها يتضعف
ورام سكوناً وَهُوَ فِي رجل طَائِر ... ونادى بأنس والمنازل تقنف ...(1/293)
.. أراقب قلبِي مرّة بعد مرّة ... فألقيه دياك الَّذِي أَنا أعرف
فَإِن جلت الضراء لم ينفعن لَهَا ... وان جلت السَّرَّاء لَا يتكيف
تُحَدِّثنِي الآمال وَهِي كذوبة ... تبدل فِي تحديثها وتحرف
بِأَنِّي فِي الدُّنْيَا أَقْْضِي مآربي ... وَبعد يحِق الزّهْد لي والتقشف
وَتلك الْأَمَانِي لَا حَقِيقَة عِنْدهَا ... أَفِي فرق الضدين يبغى التألف
أَلا إِنَّهَا الأقدار تظهر سرها ... إِذا مَا وفى المقدرو مَا الرَّأْي مخلف
أيا رب إِن الْقلب طاش بِمَا جرى ... بِهِ قلم الأقدار وَالْقلب يرجف
وَفِي الْكَوْن من سر الْوُجُود عجائب ... أطل عَلَيْهَا العارفون وأشرفوا
فَلَيْسَ لنا إِلَّا نحط رقابنا ... بِأَبْوَاب الاستسلام وَالله يلطف
فَهَذَا سَبِيل لَيْسَ للْعَبد غَيره ... وَإِلَّا فَمَاذَا يَسْتَطِيع الْمُكَلف ... وَله أَيْضا ... لَا تبذلن نصيحة إِلَّا لمن ... تلقي لبذل النصح مِنْهُ قبولاً
فالنصح إِن وجد الْقبُول فَضِيلَة ... وَيكون إِن عدم الْقبُول فضولاً ... وَله أَيْضا ... إِذا مَا كتمت السِّرّ عَمَّا أوده ... توهم إِن أود غير حَقِيقِيّ
وَلم أخف عَنهُ السِّرّ من ظنة بِهِ ... ولكنني أخْشَى صديق صديقي ... وَله أَيْضا ... كَفَفْت عَن قومِي الاذى إِذْ هم ... يؤذونني طراً أَشد الْأَذَى ...(1/294)
.. أَصبَحت عينا فيهم واغتدوا ... فِيهَا على حكم زماني قذى ... وَله أَيْضا رعى الله إخْوَان الْخِيَانَة إِنَّهُم ... كفونا مؤنات الْبَقَاء على الْعَهْد
فَلَو قد وفوا كُنَّا أُسَارَى حُقُوقهم ... نراوح مَا بَين النَّسِيئَة والنقد ...
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جزي الْكَلْبِيّ يكنى أَبَا الْقَاسِم من أهل غرناطة وَذَوي الْأَصَالَة والنباهة فِيهَا كَانَ رَحمَه الله على طَريقَة مثلى من العكوف على الْعلم والاشتغال بِالنّظرِ وَالتَّقْيِيد والتدوين فَفِيهَا حَافِظًا قَائِما على التدريس مشاركاً فِي فنون من عَرَبِيَّة وأصول وقراآت وَحَدِيث وأدب حَافِظًا للتفسير مستوعباً للأقوال جمَاعَة للكتب ملوكي الخزانة حسن الْمجْلس ممتع المحاضرة صَحِيح الْبَاطِن تقدم خَطِيبًا بِالْمَسْجِدِ الْأَعْظَم من بَلَده على حَدَاثَة سنه فانفق على فَضله وَجرى على سنَن أصالته قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير وَأخذ عَنهُ الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالْقُرْآن ولازم الْخَطِيب الْفَاضِل أَبَا عبد الله بن رشيد وَأَبا الْمجد بن الْأَحْوَص وَالْقَاضِي أَبَا عبد الله بن برطال والأستاذ النظار المتفنن أَبَا الْقَاسِم قَاسم بن عبد الله بن الشَّاط وَألف الْكثير فِي فنون شَتَّى مِنْهَا كتاب وَسِيلَة الْمُسلم فِي تَهْذِيب صَحِيح مُسلم وَكتاب الْأَقْوَال السّنيَّة فِي الْكَلِمَات السّنيَّة وَكتاب الدَّعْوَات والأذكار المخرجة من صَحِيح الْأَخْبَار وَكتاب القوانين الْفِقْهِيَّة فِي تَلْخِيص مَذْهَب الْمَالِكِيَّة والتنبيه على مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والحنبلية وَكتاب تقريب الْوُصُول إِلَى علم الْأُصُول وَكتاب النُّور الْمُبين فِي قَوَاعِد عقائد الدّين وَكتاب الْمُخْتَصر البارع فِي قِرَاءَة نَافِع وَكتاب أصُول الْقُرَّاء السِّتَّة غير نَافِع وَكتاب الْفَوَائِد الْعَامَّة فِي لحن الْعَامَّة إِلَى غير ذَلِك مِمَّا(1/295)
قَيده من التَّفْسِير والقراآت وَغير ذَلِك وَله فهرسة كَبِيرَة اشْتَمَلت على جملَة كَثِيرَة من أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَمن شعره ... لكل بني الدُّنْيَا مُرَاد ومقصد ... وَإِن مرادي صِحَة وفراغ
لأبلغ فِي علم الشَّرِيعَة مبلغا ... يكون بِهِ لي فِي الْجنان بَلَاغ
فَفِي مثل هَذَا فلينافس أولو النَّهْي ... وحبي من الدُّنْيَا الْغرُور بَلَاغ
فَمَا الْفَوْز إِلَّا فِي نعيم مؤبد ... بِهِ الْعَيْش رغد وَالشرَاب يساغ ... وَله فِي الجناب النَّبَوِيّ ... أروم امتداح الْمُصْطَفى فيردني ... قصوري عَن إِدْرَاك تِلْكَ المناقب
وَمن لي بحصر الْبَحْر وَالْبَحْر زاخر ... وَمن لي بإحصاء الْحَصَى وَالْكَوَاكِب
وَلَو أَن كل الْعَالمين تألفوا ... على مدحه لم يبلغُوا بعض وَاجِب
فَأَمْسَكت عَنهُ هَيْبَة وتأهباً ... وخوفاً وإعظاماً لأرفع جَانب
وَرب سكُوت كَانَ فِيهِ بلاغة ... وَرب كَلَام فِيهِ عتب لعاتب ... وَله أَيْضا ... يَا رب إِن ذُنُوبِي الْيَوْم قد كثرت ... فَمَا أُطِيق لَهَا حصراً وَلَا عددا
وَلَيْسَ لي بِعَذَاب النَّار من قبل ... وَلَا أُطِيق لَهَا صبرا وَلَا جلدا
فَانْظُر إلهي إِلَى ضعْفي ومسكنتي ... وَلَا تذيقنني حر الْجَحِيم غَدا ... توفّي شَهِيدا يَوْم الكائنة بطريف فِي عَام أحد وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن(1/296)
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد السياري وَيعرف بالبياني يكني أَبَا عبد الله من أهل غرناطة كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حسن الطَّرِيقَة طرفا فِي الْخَيْر مَأْمُون الغائلة كهفاً للطلبة حسن الْعَهْد حسن الْخلق كثير التَّوَاضُع أَقرَأ الْفِقْه ودرسه عمره وانتصب للفتيا وَتكلم لِلْجُمْهُورِ وَكَانَ مفزعاً فِي المشكلات ومستشاراً فِي الْأَحْكَام يقوم على الْفِقْه أحسن قيام عاكفاً على تدريسه مكباً على تبيينه سهل الْأَلْفَاظ حسن التَّعْلِيم يُشَارك فِي الْعَرَبيَّة والفرائض وَالْأُصُول خَطِيبًا جهورياً بليغ الْخطْبَة حسن التِّلَاوَة طيب النغمة قَرَأَ على الْأُسْتَاذ الْكَبِير أبي جَعْفَر بن الزبير وعَلى الْخَطِيب الْمُحدث أبي عبد الله بن رشيد وَأخذ عَن أبي الْوَلِيد الْحَضْرَمِيّ وتلمذ للشَّيْخ الصَّالح أبي عبد الله الساحلي وَأخذ عَن الْخَطِيب الصَّالح أبي جَعْفَر الزيات والأستاذ أبي الْقَاسِم بن الشَّاط وَغَيرهم وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى مدرساً بِالْمَدْرَسَةِ النصرية وخطيباً بِمَسْجِد المنصورة فِي عَام ثَلَاثَة وَخمسين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن سعيد بن عَليّ بن يُوسُف الْأنْصَارِيّ يكنى أَبَا عبد الله وَيعرف بالطراز من أهل غرناطة كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مقرئا جَلِيلًا ومحدثا حافلا بِهِ ختم بالمغرب هَذَا الْبَاب أَلْبَتَّة وَكَانَ ضابطاً متقنا ومقيد حافلا بارع الْحَظ حسن الوراقة عَارِفًا بِالْأَسَانِيدِ والطرق وَالرِّجَال وطبقاتهم عَارِفًا بالقراآت ومختلف الرِّوَايَات ماهراً فِي صناعَة التجويد مشاركاً فِي علم الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَغير ذَلِك مجموعاً فَاضلا ثِقَة فِيمَا روى عدلا مِمَّن يرجع إِلَيْهِ فِيمَا قيد وضبظ لإتقانه وحذقه كتب بِخَطِّهِ كثيرا وَترك أُمَّهَات حَدِيثِيَّةٌ اعتمدها النَّاس بعده وعولوا عَلَيْهَا وتجرد آخر عمره إِلَى كتاب مَشَارِق الْأَنْوَار تأليف القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض وَكَانَ قد تَركه فِي مبيضته فِي أنهى دَرَجَات التثبيح والادماج(1/297)
والأشكال وإهمال الْحُرُوف حَتَّى اخترمت مَنْفَعَتهَا حَتَّى استوفى مَا نقل مِنْهُ الْمُؤلف وَجمع عَلَيْهَا أصولاً حافلة وَأُمَّهَات هائلة من الْغَرِيب وَكتب اللُّغَة فتخلص الْكتاب على أتم وَجه وَأحسنه وكمل من غير أَن يسْقط مِنْهُ حرف وَلَا كلمة وَالْكتاب فِي ذَاته لم يؤلف مثله وروى أَبُو عبد الله عَن القَاضِي أبي الْقَاسِم بن سمجون وَعَن أبي جَعْفَر بن شرَاحِيل وَأبي عبد الله ابْن صَاحب الْأَحْكَام وَأبي الْحسن عَليّ بن جَابر بن فتح الْأنْصَارِيّ وَأبي مُحَمَّد عبد الصَّمد بن أبي رَجَاء وَأبي الْقَاسِم الملاحي وَأخذ بقرطبة عَن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الغافقي وَأخذ بمالقة عَن الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الْقُرْطُبِيّ ولازمه وانتفع بِهِ فِي صناعَة الحَدِيث وَعَن أبي عَليّ الرندي وَأبي اسحق بن أغلب وَابْني حوط الله وَأبي مُحَمَّد بن عَطِيَّة وبسبتة عَن أبي الْعَبَّاس العزفي وباشبيلية عَن أبي بكر بن عبد النور وَأبي جَعْفَر بن فرقد وَأبي الْحسن بن زرقون وبمدينة فاس عَن أبي عبد الله بن زَيْدَانَ وَأبي الْبَقَاء يعِيش بن الْقَدِيم وَأبي مُحَمَّد قَاسم الشريف وبمرسية عَن أبي الْقَاسِم الطرطوشي وَغَيره وَتُوفِّي بغرناطة عَام خَمْسَة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن دَاوُد بن مُوسَى بن مَالك اللَّخْمِيّ الميكي من أهل بلش يكنى أَبَا عبد الله وَيعرف بِابْن الكماد كَانَ من جلة صُدُور الْفُضَلَاء زهدا وقناعة وانقباضا إِلَى دمانه الْخلق ولي الْجَانِب وَحسن اللِّقَاء وَالْعَمَل على التقشف وَالْعُزْلَة قديم السماع والرحلة إِمَامًا مَشْهُورا فِي القراآت يرحل إِلَيْهِ مُحدثا ثبتا فَقِيها متصرف فِي الْمسَائِل أعرف النَّاس بِعقد مَشْهُورا ذَا حَظّ من اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَالْأَدب رَحل إِلَى العدوة وتجول فِي بِلَاد الأندلس فَأخذ عَن كثير من الْأَعْلَام وروى وَقيد وصنف وأفادو تصدر للإقراء بغرناطة وَغَيرهَا(1/298)
وَتخرج بَين يَدَيْهِ جملَة وافرة من الْعلمَاء والطلبة انتفعوا بِهِ قَرَأَ بِبَلَدِهِ على الْأُسْتَاذ أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن لب وتلا عَلَيْهِ وَسمع من الْخَطِيب أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن برباق وَمن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الشهير بِابْن الجون وتلا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على القَاضِي وَأبي بكر بن يحيى بن مهلب وَأبي عَليّ ابْن أبي الْأَحْوَص وَالْقَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الدّباغ الأوسي وَأبي جَعْفَر الطباع وَإِمَام الْعَرَبيَّة الْأُسْتَاذ أبي الْحُسَيْن بن أبي الرّبيع وَأَجَازَهُ جمَاعَة من أهل الْمشرق مِنْهُم قطب الدّين الْقُسْطَلَانِيّ وجار الله أَبُو الْيمن بن عَسَاكِر وَابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيرهم وَله تآليف وَاخْتصرَ كتاب الْمقنع فِي القراآت اختصارا بديعا سَمَّاهُ الممتع فِي تَهْذِيب الْمقنع وَله غير ذَلِك وَمن شعره ... عَلَيْك بِالصبرِ وَكن رَاضِيا ... بِمَا قَضَاهُ الله تلق النجاح
واسلك طَرِيق الْجد والهج بِهِ ... فَهُوَ الَّذِي يرضاه أهل الصّلاح ... توفّي فِي عَام اثْنَي عشر وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الغساني من أهل مالقة يكنى أَبَا الْقَاسِم وَيعرف بِابْن حفيد الْأمين كَانَ من أهل الْعلم وَالْفضل وَالدّين المتين والدؤب على تدريس كتب الْفِقْه استظهر مِنْهَا على كتاب الْجَوَاهِر لِابْنِ شَاس واضطلع بهَا فَكَانَ مَجْلِسه من مجَالِس حفاظ الْمَذْهَب وانتفع بِهِ النَّاس وَكَانَ مُعظما فيهم متبركاً بِهِ على سنَن الصَّالِحين من الزّهْد والانقباض سني المنازع شَدِيد الْإِنْكَار على أهل الْبدع والأهواء جلس للتدريس الْعَام بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع وأقرأ بِهِ الْفِقْه والعربية والفرائض وَأخذ عَن أبي عَليّ بن أبي الْأَحْوَص وَأبي جَعْفَر بن الزبير وَأبي مُحَمَّد بن أبي السداد وَالْقَاضِي أبي الْقَاسِم السُّكُوت لَهُ(1/299)
تَقْيِيد حسن فِي الْفَرَائِض وَجزم فِي تَفْضِيل التِّين على التَّمْر وَكَلَام على نَوَازِل من الْفِقْه فقد فِي الكائنة الْعُظْمَى بطريف وَقد تقدم أَنَّهَا كَانَت عَام أحد وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الغساني من أهل مالقة يكنى أَبَا بكر وَيعرف بِابْن حفيد الْأمين كَانَ فَقِيها جَلِيلًا حَافِظًا الْفُرُوع الْفِقْه إِمَامًا منقبضا يدرس مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفرعي عمره وَعرضه فِي مجْلِس وَاحِد اجْتِهَادًا كثيرا ورحل إِلَى الْمشرق وَحج وَرجع إِلَى الأندلس وَكَانَ أَكثر أهل بَيته تواضعا وأملحهم تخلقا جميل الِاعْتِقَاد فِي النَّاس متحلياً بِالصّدقِ والعفاف مثابراً على الْخَيْر حسن الْعَهْد على سنَن الصَّالِحين متقشفاً توفّي عَام سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أَو فِي حُدُوده (قلت) هَذَانِ الْمَذْكُورَان أَخَوان وَلَهُم أَخ ثَالِث اسْمه أَيْضا
مُحَمَّد ويكنى أَبَا الحكم من أهل الْعلم وَالدّين المتين جلس للتدريس فِي الْجَامِع الْأَعْظَم بعد موت أَخِيه أبي الْقَاسِم وَكَانَ خَطِيبًا وَتُوفِّي سنة عَام تِسْعَة وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْفرج الأوسي الْمَعْرُوف بِابْن الدّباغ الاشبيلي كَانَ أوحد عصره فِي مَذْهَب مَالك وَفِي عقد الوثائق وَمَعْرِفَة عللها عَارِفًا بالنحو واللغة وَالْأَدب وَالْكِتَابَة وَالشعر والتاريخ كثير البشاشة والانقباض طيب النَّفس جميل الْعشْرَة صبوراً على المطالعة سهل الْأَلْفَاظ فِي تَعْلِيمه وإقرائه أَقرَأ بِجَامِع غرناطة أكَابِر علمائها الْفِقْه وأصوله وَكَانَ يقرىء العقائد الْعَامَّة قَرَأَ على وَالِده الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم وعَلى أبي الْحسن الدباج وعَلى القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن الْحَاج التجِيبِي الْقُرْطُبِيّ وعَلى القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عِيَاض توفّي عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن حَكِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن برباق الجزامي من أهل سرقسطة سكن(1/300)
غرناطة ثمَّ مَدِينَة فاس يكنى أَبَا جَعْفَر كَانَ مقرئاً مجوداً متحققاً بِعلم الْكَلَام وأصول الْفِقْه محصلاً لَهما مُتَقَدما فِي النَّحْو حَافِظًا للفقه حَاضر الذّكر لأقوال أهل تِلْكَ الْعُلُوم جيد النّظر متوقد الذِّهْن ذكي الْقلب فصيح اللِّسَان ولي أَحْكَام فاس وَأفْتى بهَا ودرس بهَا الْعَرَبيَّة كتاب سِيبَوَيْهٍ وَغَيره روى عَن أبي الْأَصْبَغ بن سهل وَأبي الْحسن الْحَضْرَمِيّ وَابْن سَابق وَأبي الْعَبَّاس الدلائي وَأبي عبد الله الْبكْرِيّ وَأَبُو الفوارس مُحَمَّد بن عَاصِم وَأبي الفوارس بن زرقون وعبد الدائم بن زرقون وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق بن قرقول وَأَبُو الْحسن صَالح بن خلف واللواتي وخلائق وَله شرح كتاب الْإِيضَاح للفارسي وَكَانَ قيمًا عَلَيْهِ وصنف فِي الجدل مصنفين كَبِيرا وصغيراً وَله عقيدة جَيِّدَة توفى بفاس وَقيل بتلسمان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وخمسائة
مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن خلف الْأنْصَارِيّ من أهل مالقة يكنى أَبَا عبد الله وَيعرف بِابْن الْحَاج وبابن صَاحب الصَّلَاة كَانَ مقرئا صَدرا فِي التجويد مُحدثا متقناً ضابطاً نبيل الْخط وَالتَّقْيِيد دينا فَاضلا وصنف فِي الحَدِيث وخطب بِجَامِع بَلَده وَأم فِي الْفَرِيضَة واستمرت حَاله كَذَلِك من نشر الْعلم وبثه وإفادته إِلَى أَن أكْرمه الله بِالشَّهَادَةِ فِي وقْعَة العقارب روى بالأندلس عَن أبي الْحجَّاج بن الشَّيْخ وَأبي الْحجَّاج بن كوثر وَأبي خَالِد بن يزِيد بن رِفَاعَة وَأبي عبد الله بن عروس وَابْن الفخار وَأبي مُحَمَّد بن حوط الله وَعبد الْمُنعم بن الْفرس وَحج فِي نَحْو سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة توفّي شَهِيدا محرضاً صَابِرًا فِي سنة تسع وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن مَالك بن عبد الواحد من أهل اصطبونة يكنى أَبَا بكر وَيعرف بالقلاوسي كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة وَالْعرُوض وَكَانَ بقطره علما من أَعْلَام(1/301)
الْفضل وَالْعلم والإيثار فِيهِ والمشاركة وَألف فِي الْفَرَائِض رجزا شهيراً علما وَعَملا نبيها وَألف فِي الْعرُوض وتاريخ بَلَده وَألف تأليفاً حسنا فِي ترحيل الشَّمْس ومتوسطات الْفجْر وَمَعْرِفَة الْأَوْقَات بالأقدام وَله أرجوزة فِي شرح ملاحن ابْن دُرَيْد وَله شرح الفصيح وَغير ذَلِك قَرَأَ على الْأُسْتَاذ أبي الْحسن بن الرّبيع وَأبي الْقَاسِم الْحصار الضَّرِير وعَلى الْأُسْتَاذ أبي جَعْفَر بن الزبير وَغَيرهم توفّي عَام سَبْعَة وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْعَبدَرِي يكنى أَبَا بكر كَانَ عَالما بالقراآت ذَاكِرًا للتفسير حَافِظًا للفقه واللغات والآداب شَاعِرًا محسناً مبرزاً فِي النَّحْو وصنف فِي غير فن من الْعلم وَكَلَامه نظما ونثر كثير مدون رُوِيَ عَن أبي بكر ابْن الْعَرَبِيّ وَأبي الْحسن بن شُرَيْح وعبد الرحمن بن بَقِي وَابْن الباذش وَيُونُس بن مغيث وَأبي عبد الله بن الْحَاج وَأبي مُحَمَّد بن عتاب وَأبي الْوَلِيد بن رشد ولازمه عشْرين سنة وَسمع أَبَا بَحر الْأَسدي وَغَيرهم وصنف مشاحذ الأفكار فِي مآخذ النظار وشرحيه الْكَبِير وَالصَّغِير على جمل الزجاجي وَشرح أَبْيَات الْإِيضَاح للصفدي ومقامات الحريري وَشرح معشراته الغزلية ومكفرانه الزهدية إِلَى غير ذَلِك وَمن شعره ... توسلت يَا رَبِّي بِأَنِّي مُؤمن ... وَمَا قلت إِنِّي سامع ومطيع
أيصلي بَحر النَّاس عَاص موحد ... وَأَنت كريم وَالرَّسُول شَفِيع ... وَله أَيْضا ... لَا تكترث بِفِرَاق أوطان الصِّبَا ... فَعَسَى تنَال بغيرهن سعوداً
فالدر ينظم عِنْد فقد بحاره ... بجميل أجياد الحسان عقودا ... توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فرج بن الْجد(1/302)
الفِهري الْحَافِظ الْجَلِيل يكنى أَبَا بكر جليل إشبيلية وزعيم وقته فِي الْحِفْظ لبلي الأَصْل اشبيليا كَانَ فِي حفظ الْفِقْه بحراً يغْرف من مُحِيط يُقَال إِنَّه مَا طالع شَيْئا من الْكتب فأنسيه إِلَى الْجَلالَة والأصالة وَبعد الصيت واشتهار الْمحل رُوِيَ عَن أبي الْحسن بن الْأَخْضَر ودرس عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ وَأخذ عَنهُ كتب اللُّغَات والآداب والعربية وَسمع من أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وبرع أَولا فِي الْعَرَبيَّة وَاقْتصر عَلَيْهَا ثمَّ مَال إِلَى دراسة الْفِقْه ومطالعة الحَدِيث والإشراف على الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف بتحريض أبي الْوَلِيد بن رشد إِيَّاه على ذَلِك لما رأى من سداد فطرته واتقاد فطنته واتيت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْفتيا وَقدم للشورى مَعَ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ ونظرائه حِينَئِذٍ بإشبيلية فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَتَمَادَى بِهِ ذَاك نيفاً على سِتِّينَ سنة فِي ازدياد سمو الرياسة واطراد تمكن الخطوة وَلم يشْتَغل بالتأليف مَعَ غزارة حفظه واتساع مَادَّة علمه رُوِيَ عَن أبي مُحَمَّد بن عتاب وَعَن أبي بَحر الْأَسدي وَأبي الْوَلِيد بن طريف وَأبي الْقَاسِم بن مَنْظُور القَاضِي وَأبي الْوَلِيد بن رشد وناوله كتاب الْبَيَان والتحصيل وَكتاب الْمُقدمَات حدث عَنهُ أَبُو الْحسن بن زرقون وَأَبُو مُحَمَّد الْقُرْطُبِيّ الحافظوا بِنَا حوط الله وَغَيرهم مولده سنة سِتّ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الفخار الجذامي يكنى أَبَا بكر أركشي المولد والمنشأ مَا لَقِي الاستيطان شريشي التدريب وَالْقِرَاءَة كَانَ رَحمَه الله كثير العكوف على الْعلم والملازمة قَلِيل الرِّيَاء خيرا صَالحا شَدِيد الانقباض مغرما فِي بَاب الْوَرع سليم الْبَاطِن وَكَانَ مُفِيد التَّعْلِيم متفننة من فقه وعربية وقراآت وأدب وَحَدِيث عَظِيم الصَّبْر مُسْتَغْرق الْوَقْت فِي التدريس ونشأت بَينه وَبَين فُقَهَاء بَلَده مشاحنة فِي أُمُور عدوها عَلَيْهِ مِمَّا ارتكبها اجْتِهَاده فِي منَاط الْفَتْوَى وَعقد لَهُم أَمِير(1/303)
الْمُسلمين بالأندلس مَجْلِسا أجلى عَن ظُهُوره فِيهِ وَبَقَاء رسمه وَبلغ من تَعْظِيم النَّاس إِيَّاه مبلغا لم ينله اجْتِهَاده وانتفع بِعِلْمِهِ واستفيد مِنْهُ قَرَأَ بِبَلَدِهِ على فقهائها كالأستاذ أبي بكر مُحَمَّد الدباج وعَلى الْأُسْتَاذ أبي الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن حكم السكونِي الْكرْمَانِي وعَلى الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى الْمَعْرُوف بِابْن ميتوان وَقَرَأَ على الْخَطِيب أبي عبد الله بن خمسين وَأبي الْحسن بن أبي الرّبيع وَعلي أبي يَعْقُوب المحاسبي والمحدث الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن الكماد وَغَيرهم من الْأَئِمَّة الجلة مِمَّن يطول تعدادهم وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مغرماً بالتأليف ألف نَحْو الثَّلَاثِينَ تأليفاً فِي فنون مُخْتَلفَة مِنْهَا كتاب تحبير نظم الجمان فِي تَفْسِير أم الْقُرْآن وانتفاع الطّلبَة النهاء فِي اجْتِمَاع السَّبْعَة الْقُرَّاء وَالْأَحَادِيث الْأَرْبَعُونَ فِيمَا ينْتَفع بِهِ القارئون والسامعون وَكتاب منظوم الدُّرَر فِي شرح كتاب الْمُخْتَصر وَكتاب النصح الْمقَالة فِي شرح الرسَالَة وَكتاب الْجَواب الْمُخْتَصر المروم فِي تَحْرِيم سُكْنى الْمُسلمين بِبِلَاد الرّوم وَكتاب اسْتِوَاء النهج فِي تَحْرِيم اللّعب بالشطرنج وَكتاب الْفَصْل المنتضى المهزوز فِي الرَّد على من أنكر صِيَام النيروز وَكتاب جَوَاب الْبَيَان على مصارمة أهل هَذَا الزَّمَان وَكتاب تَفْضِيل صَلَاة الصُّبْح للْجَمَاعَة فِي آخر وَقتهَا الْمُخْتَار على صَلَاة الصُّبْح للمنفرد فِي أول وَقتهَا بِالِابْتِدَاءِ وَكتاب إرشاد المسالك فِي بَيَان إِسْنَاد زِيَاد عَن مَالك وَكتاب الجوابات المجمعة على السؤالات المنوعة وَكتاب إملاء الدول فِي ابْتِدَاء مَقَاصِد الْجمل وَكتاب أجوبة الاقناع والإحساب فِي مشكلات مسَائِل الْكتاب وَكتاب مَنْهَج الضوابط المقسمة فِي شرح قوانين الْمُقدمَة وَكتاب التَّوْجِيه لَا وضح الْأَسْمَاء فِي حذف التَّنْوِين من حَدِيث أَسمَاء وَكتاب التكملة والتبرئة فِي إِعْرَاب الْبَسْمَلَة والتصلية وَكتاب سح مزنة الانتخاب فِي شرح خطْبَة الْكتاب وَمِنْهَا اللائح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي(1/304)
الرَّد على من رفع الْخَبَر بلاالي سِيبَوَيْهٍ وَغير ذَلِك مجيد ومقصر توفّي فِي عَام ثَلَاثَة وَعشْرين وسبعماة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر من مَرْزُوق العجيسى من أهل تلمسان يكنى أَبَا عبد الله وتلقب من الالقاب المشرقية بشمس الدّين قَالَ ابْن الْخَطِيب هَذَا الرجل أبقاه الله من طرف دهره ظرفا وخصوصية ولطافة مليح التوسل حسن اللِّقَاء مبذول الْبشر كثير التودد نظيف البزة لطيف التأني خير الْبَيْت طلق الْوَجْه خلوب اللِّسَان طيب الحَدِيث مُقَدّر الالفاظ عَارِفًا بالابواب درب على صُحْبَة الْمُلُوك والأشراف ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالنسك والحشمة بالبسط عَظِيم الْمُشَاركَة لأهل وده والتعصب لاخوانه إلْف مألوف كثير الأتباع مجدي الجاه غاص الْمنزل بالطلبة بارع الْخط أنيقة متسع الرِّوَايَة مشارك فِي فنون من أصُول وفروع وَتَفْسِير وَيكْتب ويقيد ويؤلف ويشعر فَلَا يعدو السداد فِي ذَلِك فَارس مِنْبَر جزوع وَلَا هيابه رَحل إِلَى الْمشرق فِي مكنف حشمة من جناب وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى فحج وجاور وَلَقي الجلة ثمَّ فَارقه وَقد عرف بالمشرق حَقه وشيوخه الَّذين أَخذ عَنْهُم الْعلم وروى عَنْهُم الحَدِيث مذكورون فِي مشيخته الْمُسَمَّاة عجالة المستوفد المتسجاز فِي ذكر من سمع من الْمَشَايِخ دون من أجَاز من أَئِمَّة الْمغرب وَالشَّام والحجاز فَمنهمْ عز الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن ابْن عَليّ الوَاسِطِيّ الْخَطِيب بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وجمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف المطري وَهُوَ يروي عَن عفيف الدّين بن عبد السلام بن مزروع وَأبي الْيمن بن عَسَاكِر وَغَيره وَالشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الحجار الْفراش بِالْحرم النَّبَوِيّ وشهاب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الصَّاغَانِي وقاضي الْمَدِينَة شرف الدّين الأسيوطي اللَّخْمِيّ والخطيب بهاء الدّين مُوسَى ابْن سَلامَة الشَّافِعِي الْخَطِيب بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَالشَّيْخ أبي طَلْحَة الزبير بن أبي صعصعة الأسواني(1/305)
وَالشَّيْخ عفيف الدّين المطري وَالشَّيْخ أبي البركات أَيمن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد إِلَى أَرْبَعَة عشرَة جدا كلهم اسْمه مُحَمَّد التّونسِيّ المجاور بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة والشيخين أبي مُحَمَّد عبد الله وَأبي الْحسن عَليّ ابْني مُحَمَّد بن فَرِحُونَ وَالشَّيْخ أبي فَارس عبد العزيز بن عبد الواحد ابْن أبي زكنون التّونسِيّ وبمكة الشَّيْخ شرف الدّين أبي عبد الله عِيسَى بن عبد الله الحجي الْمَكِّيّ توفّي وَقد قَارب الْمِائَة وَالشَّيْخ زين الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ وَالشَّيْخ شرف الدّين بن حضر بن عبد الرحمن العجمي وَالشَّيْخ حيدر بن عبد الله الْمقري وَالشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم الْأَعْلَى الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ مصلح الدّين الْحسن بن عبد الله العجمي وَالشَّيْخ الصَّالح أبي الوفا خَلِيل بن عبد الرحمن الْقُسْطَلَانِيّ التوزري وَالشَّيْخ الصَّالح أبي مُحَمَّد عبد الله بن أسعد اليافعي الْحجَّة انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة العلمية والخطط الشَّرْعِيَّة بِالْحرم وَالشَّيْخ فَخر الدّين عُثْمَان ابْن أبي بكر النويري الْمَالِكِي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحرَازِي اليمني وَالشَّيْخ قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين بن مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن الْمُحب الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ جلال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الأقشهري التلمساني وَالشَّيْخ أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن يحيى بن سُلَيْمَان المراكشي السفاح وَأبي أَوْس الْمَعْرُوف بِابْن الدروال التّونسِيّ وَأبي عبد الله بن القماح وَشرف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد المغيلي وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْقَيْسِي الصفاقسي وخطيب الْقُدس مُحَمَّد بن أَحْمد بن الصَّائِغ وَمُحَمّد بن عَليّ بن متيت الأندلسي وبرهان الدّين ابْن تَاج الدّين بن الفركاح الدِّمَشْقِي وقاضي الْقُضَاة عزالدين عبد العزيز بن مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية وبالديار المصرية الشَّيْخ عَلَاء الدّين إِسْمَاعِيل بن(1/306)
يُوسُف الغزنوي وتقي الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى السَّعْدِيّ وَالشَّيْخ المُصَنّف قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عمر الْقزْوِينِي شهير الذّكر رفيع الْقدر وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي مُحَمَّد عبد الحق الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ قطب الدّين أبي مُحَمَّد عبد الكريم بن عبد النُّور بن مُنِير الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مَنْصُور الْحلَبِي الْجَوْهَرِي وَالشَّيْخ المعمر شرف الدّين يحيى بن أبي الْفتُوح الْمَقْدِسِي بن الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ محسن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المعطي الْقرشِي وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْحلَبِي الْحَنْبَلِيّ وَفتح الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي وأخيه شمس الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد وَالشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن يُوسُف بن حَيَّان النفزي الغرناطي وَالشَّيْخ النسابة شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن طي بن حَاتِم بن عبس الزبيرِي الْمصْرِيّ تبلغ شُيُوخه نَحْو من ألفي شيخ وشمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ وشهاب الدّين أَحْمد بن عبد الله البوشي الْمَالِكِي وَالشَّيْخ تَاج الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن ثَعْلَب الْمصْرِيّ مدرس الْمَالِكِيَّة وشمس الدّين مُحَمَّد بن كشتغدي بن عبد الله الْخطابِيّ الصَّيْرَفِي وعماد الدّين مُحَمَّد بن عالي بن نجم الدمياطي الشَّافِعِي وتقي الدّين صَالح بن مُخْتَار الْإِسْنَوِيّ وتقي الدّين عَليّ بن عبد الكافي السُّبْكِيّ وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم الْمَعْرُوف بِابْن بنت الشاذلي وبرهان الدّين الحكري وَمُحَمّد بن جَابر الوادآشي وَأبي الْقَاسِم بن عَليّ الْبَراء وَعز الْقُضَاة أبي مُحَمَّد نَاصِر الدّين بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مُنِير الاسكندراني وبتونس الْمُحدث النسابة أبي عبد الله مُحَمَّد بن حسن الزبيدِيّ وقاضي الْجَمَاعَة أبي اسحق بن عبد الرفيع وَالْقَاضِي أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَأبي مُحَمَّد بن رَاشد القفصي وَإِمَام(1/307)
جَامع الزيتونة أبي مُوسَى هَارُون وببجاية الإِمَام الْعَلامَة أبي عَليّ نَاصِر الدّين المشذالي والحافظ بَقِيَّة زَمَانه أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن بالبخت الزواوي وَأبي عبد الله بن المعتز وبتلمسان ابْني الإِمَام وقاضي الْجِمَاع أبي عبد الله بن هَدِيَّة والخطيب أبي مُحَمَّد المجاصي وَغَيرهم وَذكرهمْ يطول وَلما انْصَرف من الْمشرق وَقدم الْمغرب اشْتَمَل عَلَيْهِ السُّلْطَان أَبُو الْحسن اشتمالاً خلطه بِنَفسِهِ وَجعله مفضى سره وَإِمَام جمعته وخطيب منبره وَأمين رسَالَته ورحل بعد أبي الْحسن إِلَى الأندلس فاجتذب سلطانها وأجراه على تِلْكَ الوتيرة فقلده الْخطْبَة بمسجده وَأَقْعَدَهُ للإقراء بِمَسْجِد حَضرته ثمَّ انْصَرف عَزِيز الرحلة حَتَّى قدم على ولد السُّلْطَان أبي الْحسن وَارِث الْملك بعده السُّلْطَان أبي عنان فَارس فَكَانَ عِنْده فِي مَحل تَجِلَّةً وبساط قرب مجْرى التَّوَسُّط ناجع الشَّفَاعَة وَكَانَ بعد أبي عنان عِنْد أَخِيه السُّلْطَان أبي سَالم الْمُسَمّى بالسعيد فاستولى على أَمر السُّلْطَان وخلطه السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَلم يستأثر ببثه وَلَا انْفَرد بِمَا سوى بضع أَهله بِحَيْثُ لَا يقطع فِي شَيْء إِلَّا عَن رَأْيه وَلَا يمحو أَو يثبت إِلَّا وَاقِفًا عِنْد حَده فغشيت بَابه الْوُفُود وصرفت إِلَيْهِ الْوُجُوه ووقفت عَلَيْهِ الآمال وخدمته الْأَشْرَاف وجلبت إِلَى سدته بضائع الْعُقُول وَالْأَمْوَال وهادته الْمُلُوك فَلَا تحدو الحداة إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تحط الرّحال إِلَّا لَدَيْهِ ثمَّ انْفَرد أخيراً بِبَيْت الْخلْوَة ومنتبذ الْمُنَاجَاة من دونه مصطب الوزراء ووقفت بِبَابِهِ الْأُمَرَاء قد وسع الْكل لحظه وشملهم بِحَسب الترتب وَالْأَحْوَال رعيه لَكِن يرضى النَّاس الْغَايَة الَّتِي لَا تدْرك والحسد بَين بني آدم قديم فَلَمَّا انْقَضى أَمر هَذَا السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ وَأجْمع الْمَلأ على قَتله وضيق عَلَيْهِ وانتهبت أَمْوَاله واعتقلت رباعه وَتَمَادَى بِهِ الاعتقال رباعه والشدة إِلَى أَن شملته عوائد الله تَعَالَى مَعَه فِي الْخَلَاص من الشدَّة وَظَهَرت عَلَيْهِ بركَة سلفه قَائِمَة حجَّة(1/308)
الْكَرَامَة لَهُم فِي أمره قَالَ ابْن الْخَطِيب أَخْبرنِي أَمِير الْمُسلمين سلطاننا أعزه الله قَالَ عرض لي وَالِدي رَحمَه الله فِي النّوم فَقَالَ يَا وَلَدي اشفع فِي الْفَقِيه ابْن مَرْزُوق فعنيت للْوَجْه فِي ذَلِك قَاضِي الحضرة فَكَانَ ذَلِك ابْتِدَاء الْفرج قَالَ وحَدثني الثِّقَة من خدام السُّلْطَان أبي عنان عَنهُ مخبرا عَن نَفسه يَعْنِي السُّلْطَان وَكَانَ أَبُو عنان قد غضب عَلَيْهِ ثمَّ أجاره من سخطه عَلَيْهِ قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرنِي بذلك وَكفى بهَا جاهاً وَحُرْمَة قَالَ الْمُؤلف ثمَّ ترك سَبيله وأبيح لَهُ ركُوب الْبَحْر إِلَى الْبِلَاد المشرقية بأَهْله وَولده فَسَار فِي كنف السّتْر وَتَحْت جنَاح الْوِقَايَة عَام أَرْبَعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وتصانيفه عديدة فِي فنون متنوعة وَكلهَا بديعة كَثِيرَة الْفَائِدَة تدل على كَثْرَة اطِّلَاعه مِنْهَا شرح الْعُمْدَة فِي خمس مجلدات جمع فِيهِ بَين شرحي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وتاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ وأضاف إِلَى ذَلِك كثير من الْفَوَائِد الجليلة النفيسة وَشرح كتاب الشفا فِي التَّعْرِيف بِحُقُوق الْمُصْطَفى وَلم يكمل وَتُوفِّي بعد الثَّمَانِينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن سعد التَّمِيمِي التسلي الكرسوطي من أهل فاس نزيل مالقة يكنى أَبَا عبد الله كَانَ غزير الْحِفْظ متبحر الذّكر عديم القرين عَظِيم الإطلاع ينثال مِنْهُ على السَّائِل كثيب مهيل ينْقل الْفِقْه مَنْسُوبا إِلَى أَمَانَة ومنوطاً بِرِجَالِهِ والْحَدِيث بأسانيده ومتونه مَحَله من الشُّهْرَة بِالْحِفْظِ والاستظهار لفروع الْفِقْه كَبِير قَرَأَ الْفِقْه على أبي زيد الْجُزُولِيّ وعبد الرحمن بن عَفَّان وَأبي الْحسن الصَّغِير وعبد المؤمن الجاناتي وَأخذ بعد ذَلِك على أبي اسحق اليزناسني وَعَن خلف الله المجاصي وَأبي عبد الله بن عبد الرحمن الْجُزُولِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن رَاشد العمراني وَأبي عبد الله بن رشيد وروى الحَدِيث بسبتة على(1/309)
أبي عبد الله الغماري وَأبي عبد الله بن هاني وبمالقة عَن أبي عمر بن مَنْظُور وَغَيرهم وَله من التآليف الْغرَر فِي تَكْمِيل الطرطر أبي إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج ثمَّ الدُّرَر فِي اخْتِصَار الطرر الْمَذْكُور وَتَقْيِيد ان على الرسَالَة كَبِير وصغير ولخص التَّهْذِيب لِابْنِ بشير وَحذف أَسَانِيد المصنفات الثَّلَاثَة وَالْتزم إِسْقَاط التّكْرَار واستدرك الصِّحَاح الْوَاقِعَة فِي التِّرْمِذِيّ على مُسلم وَالْبُخَارِيّ وَقيد على مُخْتَصر الطليطلي وَشرع فِي تَقْيِيد على قَوَاعِد الْإِسْلَام لأبي الْفضل عِيَاض رَحمَه الله أسر هُوَ ووالده فِي طريف ولقيا شدَّة ونكالاً ثمَّ سرحا وخلصا مولده بفاس عَام تسعين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن رشيد الفِهري وَمن أهل سبتة يكنى أَبَا عبد الله وَيعرف بِابْن رشيد الْخَطِيب الْمُحدث المتبحر فِي عُلُوم الرِّوَايَة والإسناد كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فريد عصره جلالة وعدالة وحفظاً وأدباً وسمتاً وهديا وَاسع الاسمعة على الْإِسْنَاد صَحِيح النَّقْل أصيل الضَّبْط تَامّ الْعِنَايَة بصناعة الحَدِيث مُقيما عَلَيْهَا بَصيرًا بهَا محققاً فِيهَا ذَاكِرًا للرِّجَال متضلعا من الْعَرَبيَّة واللغات وَالْعرُوض فَقِيها أصيل النّظر ذَاكِرًا للتفسير ريانا من الْأَدَب حَافِظًا للْأَخْبَار والتواريخ مشاركاً فِي الاصلين عَارِفًا بالقراآت قدم غرناطة فَأَقَامَ بهَا خَطِيبًا مُعظما مَقْبُول الشَّفَاعَة ثمَّ انْتقل إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا مُعظما عِنْد الْمُلُوك والخاصة قَرَأَ بِبَلَدِهِ سبتة على الْأُسْتَاذ إِمَام النُّحَاة أبي الْحُسَيْن بن أبي الرّبع كتاب سِيبَوَيْهٍ وَقيد على ذَلِك تقييداً مُفِيدا وَأخذ عَنهُ القراآت وَأخذ عَنهُ الجلة الَّذين يشق إحصاؤهم فلقي بافريقية الراوية الْعدْل أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن هَارُون يروي عَن ابْن بَقِي وروى بالمشرق عَن أبي الْيمن بن عَسَاكِر وَالْإِمَام شرف الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن(1/310)
ابْن حلف الدمياطي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد المنعم بن الخيمي وَعلي بن أَحْمد الْمَقْدِسِي رحْلَة الشَّام وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي شرف الدّين وقطب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ شيخ دَار الحَدِيث الكاملية ألف فَوَائِد جليلة فِي كتاب سَمَّاهُ ملْء العيبة فِيمَا جمع بطول الْغَيْبَة فِي الوجهتين الكريمتين إِلَى مَكَّة وطيبة قدم غرناطة فِي عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وسِتمِائَة فعقد مجَالِس للخاص وَالْعَام يقرىء بهَا فنوناً من الْعلم وَتقدم خَطِيبًا وإماماً بِالْمَسْجِدِ الْأَعْظَم توفّي بِمَدِينَة فاس فِي شهر الله الْمحرم سنة إِحْدَى عشْرين وَسَبْعمائة ومولده بسبتة عَام سَبْعَة وَخمسين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن سعدون بن عَليّ بن بِلَال البدوي كَانَ من أهل الْعلم بالأصول وَالْفُرُوع سمع من أبي إِسْحَاق التّونسِيّ وَابْن بابشاذ وَله كتاب الْإِكْمَال لأبي إِسْحَاق التّونسِيّ روى عَنهُ أَبُو عَليّ الصَّدَفِي وَأَبُو عَليّ الغساني توفّي بأغمات سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد بن جَابر بن مُحَمَّد بن قَاسم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حسان الْقَيْسِي الوادآشي الأَصْل التّونسِيّ الاستيطان يكنى أَبَا عبد الله ويلقب شمس الدّين وَيعرف بِابْن جَابر ولد وَنَشَأ بتونس وجال فِي الْبِلَاد المشرقية والمغربية واستكثر من الرِّوَايَة ونقب عَن الْمَشَايِخ وَقيد الْكثير حَتَّى أصبح جمَاعَة الْمغرب وَرِوَايَة الْوَقْت ثمَّ قدم الأندلس كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى عَظِيم الْوَقار والأبهة قويم السمت قَرَأَ الْقُرْآن على أبي جَعْفَر بن الزيات بفاس ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق ورحل إِلَى الْحجاز مرَّتَيْنِ وجاور بالحرمين وَحدث بهما وَسمع وأسمع وَسمعت عَلَيْهِ موطأ مَالك بن أنس رِوَايَة يحيى بن يحيى فِي الْحرم النَّبَوِيّ فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَلَقي أَئِمَّة من الْعلمَاء والمحدثين أصبح بهم نَسِيج وَحده انفساح رِوَايَة وعلو إِسْنَاد كَانَ مُحدثا مقرئاً مجوداً لَهُ معرفَة بالنحو واللغة والْحَدِيث وَرِجَاله وَكَانَ(1/311)
فقهه قَلِيلا وَكَانَ وَالِده معِين الدّين بن سُلْطَان جَابِرا إِمَامًا عَالما رحالا مُفِيدا معربا وَمن شُيُوخه أَبُو عبد الله قَاضِي الْجَمَاعَة بتونس أَبُو الْعَبَّاس بن الغماز الخزرجي البلنسي وقاضي الْقُضَاة بهَا أَبُو اسحق بن عبد الرفيع وقاضي الْقُضَاة بالديار المصرية بدرالدين إِبْرَاهِيم بن سعدالله بن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة ببجاية أَبُو الْعَبَّاس الغبريني وَأَبُو جَعْفَر عمر بن الْخضر بن طَاهِر بن طراد وَشرف الدّين أَبُو عبد الله الْحسن بن عبد الله ابْن الْحَافِظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرُور الْمَقْدِسِي وَرَضي الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الخليلي الجعبري وَأَبُو الْفضل أَبُو الْقَاسِم بن حَمَّاد الْحَضْرَمِيّ اللبيدي وعبد الله بن يُوسُف بن مُوسَى الخلاسي وعبيد الله بن مُحَمَّد ابْن هَارُون الطابي الْقُرْطُبِيّ وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحَاج التجِيبِي وَأحمد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عَليّ الفِهري اللبلي ووالده جَابر بن مُحَمَّد بن قَاسم معِين الدّين وَعز الدّين أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن الْخَطِيب وجمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن الصفار وَأَبُو بكر ابْن عبد الكريم بن صَدَقَة الْعَوْفِيّ وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد التجبي وَأَبُو يَعْقُوب يُوسُف ابْن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عِقَاب الجذامى الشاطىء وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الْأَسدي القيرواني وَأَبُو الْقَاسِم خلف بن عبد العزيز القتبوري وَعلي بن مُحَمَّد ابْن أبي الْقَاسِم بن رزين التجِيبِي وَعز الْقُضَاة فخرالدين أَبُو مُحَمَّد عبد الواحد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الْمُنِير وتقي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الخالق الْمصْرِيّ وَصدر النُّحَاة أثير الدّين أَبُو حَيَّان وظهير الدّين أَبُو مُحَمَّد بن عبد الحق المَخْزُومِي الْمَقْدِسِي الدلاصي وَرَضي الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الطَّبَرِيّ والمعمر بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن مظفر بن مَحْمُود بن هبة بن عَسَاكِر(1/312)
الدِّمَشْقِي وَأما من كتب فنحو من مائَة وَثَمَانِينَ من أهل الْمشرق وَالْمغْرب قدم غرناطة عَام سِتَّة وَعشْرين وَسَبْعمائة وَله تآليف حَدِيثِيَّةٌ جملَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ حَدِيثا أغرب فِيهَا بِمَا دلّ على سَعَة خطر وانقسام رحْلَة وَله أَسَانِيد كتب الْمَالِكِيَّة يَرْوِيهَا إِلَى مؤلفيها والترجمة العياضية وَله تعاليق مفيدة وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الشَّيْخ وَمن كَانَ مثله فِي قلَّة البضاعة فِي الْفِقْه للإفادة بِذكر من روى عَنْهُم فَإِنَّهُ أحد شُيُوخنَا وَشَيخ كثير من أهل زَمَاننَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فِي الطَّاعُون مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن خلف بن مُوسَى الأوسي من أهل البيرة يكنى أَبَا عبد الله كَانَ متكلماً متحققاً بِرَأْي الْأَشْعَرِيّ ذَاكِرًا لكتب الْأُصُول والاعتقادات مشاركاً فِي الْأَدَب مُتَقَدما فِي الطِّبّ روى عَن ابْن فرج مولى ابْن الطلاع وَأبي عَليّ الغساني وَأخذ علم الْكَلَام عَن أبي بكر بن الْحسن الْمرَادِي روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق بن قرقول وَأَبُو الْوَلِيد بن فيرة وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَله النكت والأمالي فِي الرَّد على الْغَزالِيّ والإفصاح وَالْبَيَان فِي الْكَلَام على الْقُرْآن والوصول إِلَى معرفَة الله وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالة الِاقْتِصَار على مَذَاهِب الْأَئِمَّة الاخبار ورسالة الْبَيَان فِي حَقِيقَة الْإِيمَان وَالرَّدّ على أبي الْوَلِيد بن رشد فِي مسئلة الاسْتوَاء الْوَاقِعَة فِي الْجُزْء الأول من مقدماته وَشرح مُشكل مَا وَقع فِي الْمُوَطَّأ وصحيح البُخَارِيّ وَكتاب مداواة الْعين وَهُوَ كتاب جم الْفَائِدَة توفى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عبد السلام الغساني من أهل غرناطة يكنى أَبَا عبد الله كَانَ مُحدثا نبيلاً حَافِظًا ذكياً وَله شرح حفيل على كتاب الشَّهَادَات واختصار حسن فِي اقتباس الْأَنْوَار للرشاطي وَكَانَ وافر الْحَظ من الْأَدَب ويقرض شعرًا(1/313)
لَا بَأْس بِهِ توفّي سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عَليّ بن عبد الرحمن بن صقالة النميري من أهل غرناطة أَبُو عبد الله كَانَ من حذاق الْمُحدثين عَارِفًا بعلل الحَدِيث وَأَسْمَاء رِجَاله صَدرا فِي رِوَايَته وَلم يكن فِي عصره مثله أَخذ عَن الْحَافِظ أبي بكر بن عَطِيَّة وعياض بن مُوسَى وَابْن عتاب وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَغَيرهم من الجلة وَله تآليف مفيدة مولده سنة خَمْسمِائَة توفّي فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وخسمائة
مُحَمَّد بن عَليّ الْمحَاربي غرناطي كَانَ من جهلة أهل الْعلم بِبَلَدِهِ رُوِيَ عَن أبي جَعْفَر بن الباذش وَأَجَازَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد بن عتاب رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن سُفْيَان أَبُو عبد الله القيرواني صَاحب كتاب الْهَادِي فِي القراآت تفقه على أبي الْحسن الْقَابِسِيّ ورحل فَأخذ القراآت على أبي الطّيب بن غلبون وَغَيره قَالَ أَبُو عَمْرو الداني ذَا فهم وَحفظ وعفاف توفّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الْأمَوِي المرواني الْقُرْطُبِيّ مُحدث الاندلس الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر رُوِيَ عَن عبيد الله بن يحيى بن يحيى وَخلق وَفِي الرحلة عَن النَّسَائِيّ والفويابي وَأبي خَليفَة الجُمَحِي وَدخل الْهِنْد وَرجع وَكَانَ ثِقَة توفّي فِي رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن نصر بن بحير بن صَالح بن عبد الله بن أُسَامَة أَبُو طَاهِر الذهلي القَاضِي السدُوسِي الْبَصْرِيّ الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي ولي قَضَاء بَغْدَاد وواسط ودمشق ومصر وَكَانَ أَبوهُ ولي قَضَاء الْبَصْرَة وواسط وَكَانَ يسْتَخْلف وَلَده هَذَا دخل أَبُو طَاهِر مصر سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة وَحج مِنْهَا وَعَاد إِلَيْهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا وَلم يتول قَضَاء مصر أحد من الْقُضَاة الَّذين توَلّوا قَضَاء بَغْدَاد غَيره وَغير يحيى بن أكتم وروى أَبُو طَاهِر عَن أبي(1/314)
غَالب عَليّ بن أَحْمد بن النَّضر واسحق بن خالويه وَالْحُسَيْن بن الْكُمَيْت وَأبي مُسلم الْكَجِّي وَأبي خَليفَة الْفضل ابْن الْحباب وجعفر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ ويوسف بن يَعْقُوب القَاضِي وَجَمَاعَة كَثِيرَة من الْأَعْيَان وَقَالَ ابْن زولاق كَانَ أَبُو طَالب كثير الحَدِيث وَالْأَخْبَار وَاسع المذاكرة قد عَنى بِهِ أَبوهُ فَسَمعهُ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فَأدْرك جمَاعَة مِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد السمسار وعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا كثيرا تركته اختصاراً وَحدث بِبَغْدَاد يَسِيرا وَنزل مصر فَحدث بهَا وَأكْثر وَكتب عَنهُ عَامَّة أَهلهَا وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو أُسَامَة الْهَرَوِيّ والحافظ عبد الْمُغنِي بن سعيد وَأَبُو الْعَبَّاس الصَّيْرَفِي وخلائق لَا يُحصونَ كَثْرَة وَذكره أبن مَاكُولَا فَقَالَ كَانَ ثِقَة ثبتاً كثير السماع فَاضلا وَهُوَ ثَبت جليل فِي الحَدِيث وَالْقَضَاء وَكَانَ يذهب إِلَى قَول مَالك بن أنس وَرُبمَا اخْتَار وَكَانَ من أهل الْقُرْآن وَالْعلم وَالْأَدب متفنناً فِي عُلُوم وَله كتاب فِي الْفِقْه أجَاب فِيهِ عَن مسَائِل مُخْتَصر الْمُزنِيّ على قَول مَالك بن أنس وَاخْتصرَ تَفْسِير الجياني وَتَفْسِير الْبَلْخِي وَكَانَ يُخَالف قَول مَالك فِي الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد ويحكى أَن أَبَاهُ وَإِسْمَاعِيل القَاضِي كَانَ لَا يحكمان بِهِ وَكَانَا مالكيين وَكَانَ إِذا شهد عِنْده الشَّاهِد الْوَاحِد لَيْسَ مَعَه سواهُ رد الحكم وَمِمَّا اسْتحْسنَ من كَلَام أَنه تلقى الْخَلِيفَة الْمعز لدين الله بالإسكندرية وَهُوَ أحد الْخُلَفَاء العبيديين وَكَانَ مَعَ الْخَلِيفَة قاضيه النُّعْمَان بن مُحَمَّد فَلَمَّا جلس أَبُو طَاهِر عِنْده سَأَلَهُ الْخَلِيفَة عَن أَشْيَاء مِنْهَا أَنه قَالَ لَهُ كم رَأَيْت من خَليفَة فَقَالَ وَاحِد فَقَالَ وَمن هُوَ فَقَالَ أَنْت وَالْبَاقِي مُلُوك ثمَّ قَالَ لَهُ أحججت قَالَ نعم قَالَ وزرت قَالَ نعم قَالَ سلمت على الشَّيْخَيْنِ قَالَ شغلني عَنْهُمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا شغلني أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن ولي عَهده فأرضى الْخَلِيفَة وتخلص من ولي عَهده وَكَانَ لم يسلم عَلَيْهِ بِحَضْرَة(1/315)
الْخَلِيفَة فازداد الْخَلِيفَة بِهِ عجبا وخلع عَلَيْهِ وأبقاه على ولَايَته وَأَجَازَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَأقَام النُّعْمَان بن مُحَمَّد بِمصْر لَا ينظر فِي شَيْء اخْتِيَارا وَلما أسن وَضعف عَزله الْعَزِيز بِاللَّه وَولى عَليّ بن النُّعْمَان فَكَانَت ولَايَة أبي الطَّاهِر سِتّ عشرَة سنة وَقيل ثَمَان عشرَة سنة وَقيل إِنَّه لم يعْزل بل استعفى قبل مَوته بِيَسِير ومولده سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَهِي سنة النجباء ولد فِيهَا هُوَ وجعفر بن الْفُرَات وَالْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن عبيد الله وَغَيرهم وَقَالَ رَحمَه الله كتبت الْعلم بيَدي ولي تسع سِنِين وَتُوفِّي بِمصْر سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَله ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة وَقيل غير ذَلِك
مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْأَصْبَغ عبد العزيز بن مُنِير الإِمَام الْحَرَّانِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْأَصْبَغ يكنى أَبَا بكر سكن مصر وَأم بالجامع وَكَانَ فَقِيها مَشْهُورا ثِقَة رِوَايَة للْحَدِيث وَحدث بِمصْر وأملى وَكَانَ إِمَامًا عَالما فصيحاً توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن مفرج يكنى أَبَا بكر مولى عبد الرحمن بن الحكم الْأمَوِي الأندلسي القَاضِي الْمَعْرُوف وَالِده بالقبتوري نِسْبَة إِلَى عين قبتارويه بقرطبة وَقيل كنيته أَبُو عبد الله سمع بقرطبة من قَاسم بن أصبغ كثيرا وَمُحَمّد بن عبد الله بن أبي دليم وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الْخُشَنِي ونظرائهم وَسمع بِمَكَّة من أبي سعيد بن الْأَعرَابِي ونظرائه وَسمع بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قاضيها المرواني وَدخل الْيمن وَطَاف بلدانها وَسمع بهَا من الْمَشَايِخ الجلة وَدخل الْقُدس وَالشَّام ومصر وأعمال تِلْكَ الْبلدَانِ وَسمع عدَّة الشُّيُوخ وَالَّذين سمع مِنْهُم مِائَتَا شيخ وَثَلَاثُونَ شَيخا روى عَنهُ أَبُو عمر وَأحمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الطلمنكي وَأَبُو الْوَلِيد عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْقُرْطُبِيّ وَأَبُو سعيد بن يُونُس وَهُوَ من أقرانه وَقدم الأندلس بِعلم كثير واتصل بأمير(1/316)
الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَكَانَت لَهُ مكانة واستقضاه عل استجة وعَلى غَيرهَا وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَافِظًا للْحَدِيث عَالما بِهِ بَصيرًا بِالرِّجَالِ صَحِيح النَّقْل جيد الْكِتَابَة على كَثْرَة مَا جمع وَكَانَ من أَعنِي النَّاس بِالْعلمِ وأحفظهم للْحَدِيث وَمن أوثق الْمُحدثين بالأندلس وصنف كتبا فِي فقه الحَدِيث وَفِي فقه التَّابِعين فَمِنْهَا فقه الْحسن الْبَصْرِيّ فِي سبع مجلدات وَفقه الزُّهْرِيّ فِي أَجزَاء كَثِيرَة وَجمع مُسْند ابْن القرضي وَحَدِيث قَاسم بن أصبغ وَغير ذَلِك توفّي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة ومولده سنة خمس عشرَة وثلاثمائة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن فَرح بِإِسْكَان الرَّاء والحاء الْمُهْملَة الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الْمُفَسّر كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء العارفين الورعين الزاهدين فِي الدُّنْيَا المشغولين بِمَا يعنيهم من أُمُور الْآخِرَة أوقاته معمورة مَا بَين توجه وَعبادَة وتصنيف جمع فِي تَفْسِير الْقُرْآن كتابا كَبِيرا فِي اثْنَي عشر مجلداً سَمَّاهُ كتاب جَامع أَحْكَام الْقُرْآن والمبين لما تضمن من السّنة وآي الْقُرْآن وَهُوَ من أجل التفاسير وَأَعْظَمهَا نفعا أسقط مِنْهُ الْقَصَص والتواريخ وَأثبت عوضهَا أَحْكَام الْقُرْآن واستنباط الْأَدِلَّة وَذكر القراآت وَالْإِعْرَاب والناسخ والمنسوخ وَله شرح أَسمَاء الله الْحسنى وَكتاب التذْكَار فِي أفضل الْأَذْكَار وَضعه على طَريقَة التِّبْيَان للنووي لَكِن هَذَا أتم مِنْهُ وَأكْثر علما وَكتاب التَّذْكِرَة بِأُمُور الْآخِرَة مجلدين وَكتاب شرح التَّقَصِّي وَكتاب قمع الْحِرْص بالزهد والقناعة وردذل السُّؤَال بالكتب والشفاعة لم أَقف على تأليف أحسن مِنْهُ فِي بَابه وَله أرجوزة جمع فِيهَا أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله تآليف وتعاليق مفيدة غير هَذِه وَكَانَ قد أطرح التَّكَلُّف يمشي بِثَوْب وَاحِد وعَلى رَأسه طاقية سمع من الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الْقُرْطُبِيّ مؤلف الْمُفْهم فِي شرح صَحِيح مُسلم بعض هَذَا الشَّرْح وَحدث(1/317)
عَن أبي عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَغَيرهمَا وَكَانَ مُسْتَقرًّا بمنية بني خصيب وَتُوفِّي بهَا وَدفن فِي شَوَّال من سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن نظيف الْبَزَّاز الأفريقي كَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْفُقَهَاء البارعين وَالْأَئِمَّة الْمَعْدُودين الْعباد النساك كَانَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَو كَانَ أَبُو عبد الله بن نظيف بالقيروان لم يسعني أَن أَجْلِس هَذَا الْمجْلس لِأَنَّهُ أولى بذلك مني لفهمه وَحفظه وفقهه وَدينه وورعه وَكَانَ يعد فِي أَعلَى طبقَة من أَصْحَاب أبي بكر بن اللباد وَكَانَ يشبه ابْن الْقَاسِم وَلما اشتهرت إِمَامَته خرج من إفريقية إِلَى الْمشرق هرباً من الرياسة وَلما ظهر فِيهَا من سبّ السّلف وَذكر أَنه دخل إِلَى مَوضِع تبَاع فِيهِ الْكتب وَقد دخل ذَلِك الْموضع جمَاعَة من الْعلمَاء والصلحاء فَلَمَّا دخل قَامُوا كلهم إجلالاً لَهُ وهيبة لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ هَيْبَة لم تكن لأحد من أهل إفريقية وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس السكاكيني الشَّاعِر فَلَمَّا رأى تعظيمهم لَهُ قَالَ لقد أعطي هَذَا الرجل أمرا كَبِيرا وَالله لأختبرنه فَألْقى عَلَيْهِ مسَائِل فَوَجَدَهُ بحراً لَا تكدره الدلاء وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يُجيب من الْكتاب فَقَالَ السكاكيني وَلَو قَامَ النَّاس على رُؤْسهمْ لهَذَا الرجل لَكَانَ قَلِيلا تخلى من الدُّنْيَا وَانْقطع إِلَى الله عز وَجل وَكَانَ يحضر مجْلِس أبي اسحق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الشَّيْبَانِيّ مَعَ أَصْحَابه للمذاكرة فَتخلف مرّة فَسَأَلَهُ أَبُو اسحق عَن سَبَب تخلفه فَقَالَ اغتبت فِي مجلسك رجلا مُسلما فَلذَلِك تخلفت فَقَالَ إِنِّي تائب وَأقَام رَحمَه الله بِمصْر فِي طلب الحَدِيث ومذاكرة الْعلمَاء مثل أبي اسحق بن شعْبَان وَأبي عبد الله النعالي وَغَيرهم من الْعلمَاء وَتُوفِّي بِمصْر سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن رشيد أَبُو زَكَرِيَّاء الإفْرِيقِي الْفَقِيه كَانَت رحلته ورحلة سَحْنُون إِلَى ابْن الْقَاسِم رحْلَة وَاحِدَة وَذكره أَبُو الْعَرَب فَقَالَ كَانَ فِي نَقله(1/318)
الْعلم ثِقَة توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن سعيد بن السّري أَبُو عبد الله الْأمَوِي الْقُرْطُبِيّ من أَهلهَا لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق وَلَقي فِيهَا أَبَا عبد الله الْبَلْخِي وَعلي بن الْحُسَيْن القَاضِي الْأَزْدِيّ وَمُحَمّد بن مُوسَى النقاش وَالْحسن بن رَشِيق وَغَيرهم وَمن تآليفه جَامع واضحات الدلالات وَكتاب روضات الْأَخْبَار فِي الْفِقْه وَكتاب عمل الْمَرْء فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَغير ذَلِك حدث عَنهُ بِجَمِيعِ ذَلِك أَبُو عبد الله بن عبد السلام الْحَافِظ وَقَالَ قدم علينا طليطلة مُجَاهدًا وَحدث عَنهُ أَبُو جَعْفَر الزهْرَانِي قَالَ إِن البربر عِنْد دُخُولهمْ قرطبة اسْتَقْبَلَهُمْ شاهراً سَيْفه يَقُول إِلَى إِلَى حطب النَّار طُوبَى لي إِن كنت من قتلائكم حَتَّى قَتَلُوهُ وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
مُحَمَّد بن سليم بن شبْل أَبُو عبد الله الإفْرِيقِي سمع من سَحْنُون وَكَانَ ثِقَة مَعْرُوفا بِالسَّمَاعِ من مُحَمَّد بن رمح توفّي سنة سبع وثلاثمائة
مُحَمَّد بن مِسْكين أَخُو عِيسَى بن مِسْكين لَهُ سَماع من مُحَمَّد بن سنجر والْحَارث بن مِسْكين وَسَحْنُون وَجَمَاعَة من المصريين ذكره أَبُو الْعَرَب وَقَالَ مَا أعلم أَنه فَاتَهُ أحد من رجال أَخِيه عِيسَى وَكَانَ عِيسَى أكبر مِنْهُ فِي المولد بِثَلَاث سِنِين وَكَانَ شَيخنَا عَاقِلا سمع مِنْهُ أَبُو الْعَرَب توفّي بعد أَخِيه عِيسَى فِي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ بتوزر
مُحَمَّد بن مسور بن عمر ينْسب إِلَى يسَار مولى الْفضل بن الْعَبَّاس بن عبد المطلب قرطبي روى عَن ابْن وضاح وَإِبْرَاهِيم بن قَاسم وَيحيى بن قَاسم ومطرف بن قيس ووهب بن نَافِع وَمُحَمّد بن عبد السلام الْخُشَنِي وَغَيرهم وَحج سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ ضابطاً ثِقَة بَصيرًا بالفقه والأقضية متديناً خَاشِعًا ذكره ابْن الفرضي وَقَالَ حَدثنَا عَنهُ جمَاعَة من شُيُوخنَا وأثنوا عَلَيْهِ توفّي سنة(1/319)
خمس وَعشْرين وثلاثمائة
مُحَمَّد بن يحيى الْأَسْلَمِيّ الإسْكَنْدراني روى عَن مَالك ابْن أنس وحيوة وضمام بن إِسْمَاعِيل روى عَنهُ مِقْدَام بن دَاوُد وَذكره ابْن يُونُس فِي الاسكندارنيين وَقَالَ يروي مَنَاكِير وَذكره الْخَطِيب فِي الروَاة عَن مَالك بن أنس
مُحَمَّد ابْن يحيى الْمعَافِرِي ذكره ابْن شعْبَان فِي أَصْحَاب مَالك الإسكندرانيين
مُحَمَّد بن أَشهب ابْن عبد العزيز ذكره ابْن يُونُس وَقَالَ يروي عَن أَبِيه توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن عبد الملك بن أَيمن الْقُرْطُبِيّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله رَحل إِلَى الْعرَاق وَسمع من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ وَمُحَمّد بن الجهم السمري وطبقتهما وَألف كتابا على سنَن أبي دَاوُد وَكَانَ بَصيرًا بِمذهب مَالك توفّي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَله ثَمَان وَتسْعُونَ سنة
مُحَمَّد بن صَالح بن عَليّ الْهَاشِمِي العباسي العيسوي الْكُوفِي الشهير بِأبي الْحسن بن أم شَيبَان قَاضِي الْقُضَاة روى عَن عبد الله بن زَيْدَانَ البَجلِيّ وَجَمَاعَة وَقدم بَغْدَاد مَعَ أَبِيه فَقَرَأَ على ابْن مُجَاهِد وَتزَوج بابنة قَاضِي الْقُضَاة أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ طَلْحَة الشَّاهِد هُوَ رجل عَظِيم الْقدر وَاسع الْعلم كثير الطّلب حسن التصنيف متوسط فِي مَذْهَب مَالك متفنن وَقَالَ ابْن أبي الفوارس نِهَايَة فِي الصدْق نبيل فَاضل مَا رَأينَا فِي مَعْنَاهُ مثله توفّي فَجْأَة فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَله بضع وَسَبْعُونَ سنة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن مفرج الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْقُرْطُبِيّ الْحَافِظ مُحدث الأندلس يكنى أَبَا عبد الله رَحل وَسمع أَبَا سعيد بن الْأَعرَابِي وخثيمة وقاسم بن أصبغ وطبقتهم وَكَانَ أَبُو عبد الله وافر الْحُرْمَة عِنْد صَاحب الأندلس صنف لَهُ عدَّة كتب فولاه الْقَضَاء توفّي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَله سِتّ وَسِتُّونَ سنة
مُحَمَّد(1/320)
ابْن بطال بن وهب بن عبد الْأَعْلَى أَبُو عبد الله التَّمِيمِي من أهل لورقة رَحل من بَلَده رحلتين الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَالثَّانيَِة سنة سِتّ وَأَرْبَعين سمع فِي الأولى بِمَكَّة من ابْن الْأَعرَابِي وعبد الملك بن بَحر الْجلاب وبمصر من أَحْمد بن مَسْعُود الزبيرِي وَأبي الْقَاسِم العلاف وَابْن أبي الاصبغ وروى كتاب ابْن الْمَوَّاز عَن عَليّ بن عبد الله بن أبي مطر بالإسكندرية وَكَانَ كثير الرِّوَايَة مَشْهُور الْعِنَايَة حدث بقرطبة وَسمع مِنْهُ جمَاعَة وَتُوفِّي بلورقة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ سنة
مُحَمَّد بن عبد الله بن خيرة أَبُو الْوَلِيد الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي الْحَافِظ حدث بالموطأ عَن أبي بَحر سُفْيَان بن العَاصِي ابْن سُفْيَان وَحدث عَن أبي الْحُسَيْن سراج بن عبد الملك بن سراج الْأمَوِي وَأخذ عَنهُ الْأَدَب وَعَن مَالك بن عبد الله الْعُتْبِي قَالَ أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال روى عَن جمَاعَة من شُيُوخنَا وَكَانَ من جلة الْعلمَاء الْحفاظ متفنناً فِي المعارف كلهَا جَامعا لَهَا كثير الرِّوَايَة وَاسع الْمعرفَة حافل(1/321)
الْأَدَب قَرَأَ الْفِقْه على أبي الْوَلِيد بن رشد وَقَرَأَ الحَدِيث على أبي مُحَمَّد بن عتاب وروى عَنهُ السلَفِي وَقَالَ كَانَ من كبار فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة يتَصَرَّف فِي عُلُوم شَتَّى وانتفع بِهِ أهل قرطبة فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَقدم مصر هَارِبا من بني عبد المؤمن ودولته لما ظهر على الْمغرب ثمَّ خَافَ من استيلائه على مصر فَقدم الْحجاز فخاف أَن يحجّ فَدخل الْيمن ثمَّ خَافَ أَن يظْهر على الْيمن فَأَرَادَ أَن يتَوَجَّه إِلَى الْهِنْد فَمَاتَ بزبيد سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة مولده سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ الْحَافِظ قطب الدّين عبد الكريم بن عبد النور وخيرة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت بعْدهَا رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله البقوري وبقور بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة وقاف مُشَدّدَة وَرَاء مُهْملَة بلد بالأندلس سمع من القَاضِي الشريف أبي عبد الله مُحَمَّد الأندلسي وَوضع كتابا سَمَّاهُ إِكْمَال الْإِكْمَال للْقَاضِي عِيَاض وَله كَلَام على كتاب شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ فِي الْأُصُول قدم إِلَى مصر وَأرْسل(1/322)
مَعَه بعض السلاطين بالمغرب ختمة كَبِيرَة بِخَط مغربي مَنْسُوب ليوقفها بِمَكَّة أَو الْمَدِينَة وَرجع إِلَى مراكش فَتوفي بهَا سنة سبع وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن عبد السَّلَام بن جميل أَبُو عبد الله الربعِي التّونسِيّ الْمَالِكِي الْعَلامَة القَاضِي الأوحد المتفنن الْمُفْتِي الملقب شمس الدّين مولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِمَدِينَة تونس سمع الحَدِيث من جمَاعَة بهَا وبالقاهرة كَأبي المحاسن يُوسُف بن أَحْمد بن مَحْمُود الدِّمَشْقِي اليعموري الْمَعْرُوف بِالْحَافِظِ وقاض الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الوحد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ وَتَوَلَّى نِيَابَة الحكم بالحسينية بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وَتَوَلَّى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة سنة تسع وَسَبْعمائة ثمَّ عزل وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة فَأَقَامَ يشْتَغل بهَا فِي الْعُلُوم وَكَانَ إِمَامًا مفتياً فَقِيها مُفَسرًا بارعاً فِي فنونه أصولياً عَالما ذَا سُكُون وعفة وديانة سريع الدمعة وَله كتاب مُخْتَصر التَّفْرِيع قَالَ شَيخنَا عفيف الدّين المطري أنشدنا القَاضِي شمس الدّين بن جميل قَالَ أَنْشدني ظهير الدّين قَاضِي إخميم رَحمَه الله(1/323)
.. وَلَو إِنِّي جعلت أَمِير جَيش ... لما قابلت إِلَّا بالسؤال
لِأَن النَّاس ينهزمون مِنْهُ ... وَقد صَبَرُوا الاطراف العوالي ... توفّي فِي شهر صفر بِالْقَاهِرَةِ سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة
مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح بن أبي الْحسن عَليّ بن أبي الْعَطاء وهب بن أبي السّمع مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الْقشيرِي المنفلوطي ثمَّ القوصي المنعوت بالتقي الْمَعْرُوف بتقي الدّين بن دَقِيق الْعِيد الْمَالِكِي الشَّافِعِي من ذُرِّيَّة بهز بن حَكِيم الْقشيرِي تفرد بِمَعْرِِفَة الْعُلُوم فِي زَمَانه والرسوخ فِيهَا مُعظما فِي النُّفُوس اشْتغل بِمذهب مَالك وأتقنه ثمَّ اشْتغل بِمذهب الشَّافِعِي وَأفْتى فِي المذهبين وَله يَد طولى فِي علم الحَدِيث وَعلم الْأُصُول والعربية وَسَائِر الْفُنُون سمع كثيرا ورحل إِلَى الْحجاز وَالشَّام وَسمع بِدِمَشْق وَغَيرهَا من جمَاعَة يطول تعدادهم مِنْهُم ابْن بنت الجميزي وَابْن رواح وسبط السلَفِي وبدمشق من ابْن عبد الدائم وَغَيره وَحدث وَألف وَشرح قِطْعَة من مُخْتَصر(1/324)
الإِمَام أبي عَمْرو بن الْحَاجِب فِي مَذْهَب مَالك وَذكر لي شَيخنَا أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق أَنه بلغه أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وصل فِي شرح ابْن الْحَاجِب إِلَى كتاب الْحَج الَّذِي وَقع لي مِنْهُ إِلَى آخر التَّيَمُّم فِي مُجَلد وَأَظنهُ بلغ إِلَى كتاب الصَّلَاة وَشرح الْعُمْدَة فِي الْأَحْكَام أملاء أملاه على ابْن الْأَثِير أبان فِيهِ عَن علم وَاسع وذهن ثاقب ورسوخ فِي الْعلم وَألف كتاب الالمام فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام وَشَرحه شرحاً عَظِيما لم يكمل وَمن تآليفه الاقتراح فِي بَيَان الِاصْطِلَاح وَمَا أضيف إِلَى ذَلِك من الْأَحَادِيث الصِّحَاح وَله ديوَان خطب وَله أَرْبَعُونَ حَدِيثا تساعية وَله غير ذَلِك ولي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية وَكَانَ وَالِده مجد الدّين شيخ الْمَالِكِيَّة فَهُوَ الامام ابْن الامام الْعَلامَة ابْن الْعَلامَة مولده بساحل مَدِينَة الينبع من أَرض الْحجاز فِي سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي سنة اثْنَيْنِ وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة وَتُوفِّي وَالِده مجد الدّين سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن(1/325)
سحمان الْبكْرِيّ الوابلي الشريشي الأندلسي كنيته أَبُو بكر ويلقب جمال الدّين مولده بهَا سنة إِحْدَى وسِتمِائَة ورحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه بهَا وتفنن فِي الْعُلُوم وَسمع بهَا الحَدِيث ثمَّ دخل إربل وسنجان وحلب وَسمع بهَا وبمصر والإسكندرية كَانَ عَالما بِمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ بارعاً فيهمَا وَفِي الْأَصْلَيْنِ والعلوم الْعَقْلِيَّة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ وَكَانَ مدرساً بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ وَشَرطهَا أَن يكون عَالما بالمذهبين كَانَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير والعربية كَبِير الْقدر نبيه الذّكر قدوة حجَّة إِمَامًا عَلامَة توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق رَحمَه الله تَعَالَى وسحمان بسين مُهْملَة مَضْمُومَة وحاء مُهْملَة سَاكِنة وشريش بشين مُعْجمَة وَرَاء مُهْملَة ثمَّ يَاء بِاثْنَيْنِ من تَحت ثمَّ شين مُعْجمَة بلد بالأندلس
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن سومر أَبُو عبد الله الزواوي المنعوت بالجمال قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالشَّام سمع من الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن بن يحيى الْقرشِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل المرسي وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الْقُرْطُبِيّ وَأبي(1/326)
مُحَمَّد عبد العزيز بن عبد السلام قدم من الْمغرب سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة واشتغل بالديار المصرية وَحدث وَتَوَلَّى قَضَاء دمشق ثَلَاثِينَ سنة وعزل قبل مَوته بِعشْرين يَوْمًا توفّي سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن هبة الله بن شكر قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية الملقب نَفِيس الدّين مولده سنة خمس وسِتمِائَة وَولي الْقَضَاء بعد تَقِيّ الدّين الْحُسَيْن بن شَاس
مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الأخنائي الملقب تَقِيّ الدّين سمع من أبي مُحَمَّد الدمياطي وَغَيره وَأكْثر عَن الدمياطي وَكَانَ فَقِيها فَاضلا صَالحا خيرا صَادِقا سليم الصَّدْر وَله تآليف وأوضاع حَسَنَة مفيدة وَذكر أَنه سمع من ابْن عَسَاكِر بِمَكَّة وَتَوَلَّى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية وَكَانَ من عدُول الْقُضَاة وخيارهم كَانَ بَقِيَّة الْأَعْيَان وفقهاء الزَّمَان وَعمر وَأسْندَ مولده سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة خمسين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْعَبدَرِي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج(1/327)
المغربي الفاسي من عباد الله الصَّالِحين الْعلمَاء العاملين من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي جَمْرَة فَقِيها عَارِفًا بِمذهب مَالك سمع بالمغرب من بعض شُيُوخه وَقدم الْقَاهِرَة وَسمع بهَا الحَدِيث وَحدث بهَا وَهُوَ أحد الْمَشَايِخ الْمَشْهُورين بالزهد وَالْخَيْر وَالصَّلَاح صحب جمَاعَة من الصلحاء أَرْبَاب الْقُلُوب وتخلق بأخلاقهم وَأخذ عَنْهُم الطَّرِيقَة وصنف كتابا سَمَّاهُ الْمدْخل إِلَى تنمية الْأَعْمَال بتحسين النيات والتنبيه على كثير من الْبدع المحدثة والعوائد المنتحلة وَهُوَ كتاب حفيل جمع فِيهِ علما غزيراً والاهتمام بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُتَعَيّن قَالَ شَيخنَا عفيف الدّين المطري وَأَجَازَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله لمن أدْرك حَيَاته توفّي رَحمَه الله سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
مُحَمَّد ابْن الْحُسَيْن بن عَتيق بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن عبد الله بن رَشِيق أَبُو الْحُسَيْن الربعِي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الْفَقِيه الْمُفْتى الملقب علم الدّين ابْن شيخ الْمَالِكِيَّة وَهُوَ وَأَبوهُ وجده بَيت علم كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا فَاضلا مفتياً فِي الْمَذْهَب وَولي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَسمع(1/328)
من أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خيرة وَسمع من أبي الْحسن عَليّ بن الْفضل الْمَقْدِسِي وَابْن جُبَير وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمحلي وعبد القوي بن الْحباب سمع مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الظَّاهِرِيّ والشهاب الإربلي وَكَانَ من سَادَات الْمَشَايِخ جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل والورع وَالتَّقوى توفّي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة مولده سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يُوسُف الْقرشِي الْهَاشِمِي الْمَالِكِي التّونسِيّ الشهير بِابْن القوبع شيخ الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية والشامية الْعَلامَة الفريد فِي فنون الْعلم زكي الدّين أَبُو الْفضل نزيل الْقَاهِرَة لم يخلف بعده مثله فِي فنونه مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بتونس توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الغماز كنيته أَبُو عبد الله الخزرجي البلنسي الْمجِيد التّونسِيّ قَاضِي الْجَمَاعَة بتونس كَانَ من الْعلمَاء العاملين من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَمن الْقُضَاة الْمُتَّقِينَ(1/329)
العادلين روى عَنهُ أَبُو عبد الله الوادآشي مُحَمَّد بن جَابر الْقَيْسِي وَغَيره كَانَ عَلامَة زَمَانه وَجمع إِلَى الْعلم الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَعمر حَتَّى جَاوز التسعين توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن عبد الله بن سعيد بن عَابِد الْمعَافِرِي الْقُرْطُبِيّ يكنى أَبَا عبد الله سمع بِمصْر من أبي بكر المهندس وَأبي بكر بن الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ وروى عَن أبي عبد الله بن مفرج وَأبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَأبي سُلَيْمَان أَيُّوب بن حُسَيْن وعباس ابْن أصبغ وزكرياء بن الْأَشَج وَأبي الْقَاسِم الوهراني وَغَيرهم جمعا كثيرا ورحل إِلَى الْمشرق سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَلَقي فِي طَرِيقه أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد فَسمع مِنْهُ بعض تآليفه وَحج ثمَّ رَجَعَ إِلَى أبي مُحَمَّد بن أبي زيد فَسمع مِنْهُ أَيْضا وَكَانَ معتنيا بالاجازة والْآثَار ثِقَة فِيمَا رامه وعنى بِهِ وَكَانَ خيرا فَاضلا دينا متواضعاً متصاوناً مُقبلا على مَا يعنيه وَله حَظّ من الْفِقْه وَالْبَصَر بالمسائل ودعي إِلَى الشورى بقرطبة فَأبى من ذَلِك وَحدث عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو عبد الله بن عتاب نظراؤه مولده سنة(1/330)
ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة توفّي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وعابد بِالْبَاء الْمُوَحدَة
مُحَمَّد ابْن عبد الله بن قيس أَبُو مُحرز الْكِنَانِي قَاضِي إفريقية كَانَ رجلا فَاضلا سمع من مَالك ابْن أنس وروى عَنهُ وَولي الْقَضَاء بإفريقية وَفِيه أنْشد ح ... حلت الديار فَسدتْ غير مسود ... وَمن الشَّقَاء تفردي بالسؤدد ... توفّي سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن سعيد الْأنْصَارِيّ الأوسي الإِمَام الْعَلامَة الأوحد المُصَنّف الأديب الْمُفْتِي الْفَقِيه المقريء الموؤخ الْحَافِظ الْمُقَيد أَبُو عبد الله قَاضِي مراكش من جملَة شُيُوخه أَبُو زَكَرِيَّاء بن أبي عَتيق تَلا عَلَيْهِ الْقُرْآن بالسبع وَأَبُو الْقَاسِم البلوي وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن ابْن الامام الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد والعلامة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الفخار الرعيني الإشبيلي الْكَاتِب وَغَيرهم مولده لَيْلَة الْأَحَد عَاشر ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث كَذَا(1/331)
فِي نسخ وَدفن بتلمسان
مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى بن عبد العزيز بن مُحَمَّد بن حزم الشريف الْحُسَيْنِي يكنى أَبَا مُحَمَّد بن أبي عبد الله وَيعرف بالشريف الكركي ويلقب شرف الدّين الإِمَام الْعَلامَة المتفنن ذُو الْعُلُوم شيخ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة بالديار المصرية والشامية فِي وقته يُقَال إِنَّه أتقن ثَلَاثِينَ فَنًّا من الْعُلُوم وَأكْثر من ذَلِك بل قَالَ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ إِنَّه تفرد بِمَعْرِِفَة ثَلَاثِينَ علما وَحده وشارك النَّاس فِي علومهم قدم من الْمغرب فَقِيها بِمذهب مَالك وَصَحب الشَّيْخ عزالدين ابْن عبد السلام وتفقه عَلَيْهِ فِي مَذْهَب الشافي وتفقه فِي مَذْهَب مَالك على الشَّيْخ الإِمَام أبي مُحَمَّد صَالح فَقِيه الْمغرب فِي وقته واشتغل عَلَيْهِ الشهَاب الْقَرَافِيّ ومولده بِمَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب وَتُوفِّي بِمصْر سنة ثَمَان أَو تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَسْعُود الْبَاهِلِيّ الجياني ثمَّ البجائي الْمَعْرُوف بِابْن الْمُفَسّر الإِمَام الْعَلامَة المتفنن الْمُفَسّر المُصَنّف الأوحد نادرة الْعَصْر يكنى أَبَا عبد الله توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة(1/332)
مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ الإِمَام الْعَلامَة المتفنن الْجَامِع بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الْقَائِم بلواء مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى بِبَغْدَاد كَانَ رَحمَه الله فَاضلا فِي الْفِقْه متقنا لِلْأُصُولِ وَالْجد والمنطق والعربية إِمَامًا فِي علومه لايجاري رحْلَة للطلاب وَولي فقضاء بَغْدَاد وَولي الْحِسْبَة بهَا وَكَانَت لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة وهمة سَرِيَّة وَمَكَارِم أَخْلَاق وَكَانَ مدرس الْمدرسَة المستنصرية وَله تآليف مِنْهَا شرح الْإِرْشَاد من تآليف وَالِده فِي مَذْهَب مَالك وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْمَذْهَب وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب أَيْضا فِي الْأُصُول وَله تَفْسِير كَبِير بَلغنِي قَدِيما قبل وَفَاته بِنَحْوِ خَمْسَة عشر عَاما أَنه وصل فِيهِ إِلَى سُورَة تبَارك وَله تعليقة فِي علم الْخلاف وَله أجوبة اعتراضات لِابْنِ الْحَاجِب كَذَا كتب إِلَيّ بِهِ من بَغْدَاد بعض الْمُحدثين وَأَخُوهُ القَاضِي الْفَاضِل الْعَالم الْعَامِل مُفِيد الطلاب الشهير بشرف الدّين
مُحَمَّد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ اجْتمعت بِهِ بِمصْر بمنزله بِالْقَاهِرَةِ شَيخا فَاضلا حسن السمت وَالْوَقار كثير المذاكرة ولي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة(1/333)
بِدِمَشْق ثمَّ عزل وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَضعف بَصَره فَلَزِمَ بَيته وَعرضت عَلَيْهِ مدارس ومناصب جمة فَلم يقبل شَيْئا من ذَلِك وَلزِمَ بَيته للإسماع والإفادة توفّي شمس الدّين فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة ومولده سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن مَيْمُون بن عمر الإفْرِيقِي أَبُو عمر الْفَقِيه قَاضِي القيروان وقاضي صقلية عَاشَ مائَة سنة أَو أَكثر وَكَانَ آخر من روى عَن سَحْنُون بالمغرب وَعَن أبي مُصعب الزُّهْرِيّ توفّي سنة عشْرين وثلاثمائة ذكره الذهْنِي فِي العبر
مُحَمَّد بن عبد الله بن رَاشد الْبكْرِيّ القفصي يكنى أَبَا عبد الله كَانَ فَقِيها فَاضلا محصلاً وإماماً متفنناً فِي الْعُلُوم واشتغل بِبَلَدِهِ وَحصل ثمَّ رَحل إِلَى تونس فَأَقَامَ بهَا زَمَانا ملازماً للاشتغال بِالْعلمِ ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق فتفقه بالإسكندرية بِالْقَاضِي نَاصِر الدّين الابياري تِلْمِيذه أبي عَمْرو بن الْحَاجِب وَهُوَ الْمَأْذُون لَهُ فِي اصلاح كتاب ابْن الْحَاجِب الفروعي وتفقه أَيْضا بضياء الدّين بن العلاف وَأخذ عَن مُحي الدّين الشهير بحافي رَأسه وَكَانَ مجيداً فِي الْعَرَبيَّة(1/334)
وَعلم الْأَدَب ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة بهَا الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ فتفقه عَلَيْهِ ولازمه وانتفع بِهِ وَأَجَازَهُ بِالْإِمَامَةِ فِي أصُول الْفِقْه وَفِي الْفِقْه وَكَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وتعبير الرُّؤْيَا وَغير ذَلِك وَكَانَ يحضر عِنْد الشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي اقرائه مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفقهي وَأخذ عَن شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره وَحج فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمغرب بِعلم جم وَولي قَضَاء قفصة ثمَّ عزل وَله تآليف مِنْهَا كتاب الشهَاب الثاقب فِي شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفقهي وَكتاب الذَّهَب فِي ضبط قَوَاعِد الْمَذْهَب جمع فِيهِ جمعا حسنا سَمِعت أَبَا عبد الله بن مَرْزُوق يَقُول لَيْسَ للمالكية مثله وَكتاب النّظم البديع فِي اخْتِصَار التَّفْرِيع وَكتاب تحفة اللبيب فِي اخْتِصَار كتاب ابْن الْخَطِيب ونخبة الْوَاصِل فِي شرح الْحَاصِل فِي أصُول الْفِقْه والمرتبة السّنيَّة فِي علم الْعَرَبيَّة والمرتبة الْعليا فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا كتاب غَرِيب فِي فنه وَله غبر ذَلِك من التقاييد الْحَسَنَة واستجازه شَيخنَا عفيف الدّين المطري(1/335)
فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ بِالْحَيَاةِ فِي وُصُول السُّلْطَان أبي الْحسن المريني إِلَى تونس وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته
مُحَمَّد بن عبد السلام بن يُوسُف بن كثير قَاضِي الْجَمَاعَة بتونس كَانَ إِمَامًا عَالما حَافِظًا متفنناً فِي علمي الْأُصُول والعربية وَعلم الْكَلَام وَعلم الْبَيَان فصيح اللِّسَان صَحِيح النّظر قوي الْحجَّة عَالما بِالْحَدِيثِ لَهُ أهليه التَّرْجِيح بَين الْأَقْوَال لم يكن فِي بَلَده فِي وقته مثله سمع من أبي الْعَبَّاس البطرني وَأدْركَ جمَاعَة من الشُّيُوخ الجلة وَأخذ عَنْهُم وَولي قَضَاء الْجَمَاعَة فَكَانَ قَائِما بِالْحَقِّ ذاباً عَن الشَّرِيعَة المظهرة شَدِيدا على الْوُلَاة صَارِمًا مهيباً لَا تَأْخُذهُ فِي الْحق لومة لائم وَتخرج بَين يَدَيْهِ جمَاعَة من الْعلمَاء الاعلام كَأبي عبد الله بن عَرَفَة الورغمي ونظرائه مَوْصُوفا بِالدّينِ والعفة والنزاهة مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة وَله تقاييد وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفقهي شرحاً حسنا وضع عَلَيْهِ الْقبُول فَهُوَ أحسن شروحه وَكَانَ قد شرع فِيهِ وَهُوَ فِي حَال ضيق ومحنة أُصِيب بهَا أُسْوَة الْعلمَاء قبله فَلم يحضرهُ كتب(1/336)
حَتَّى أَنه ذكر فِي كِتَابه أَنه لم يقدر على الْوُقُوف على مُخْتَصر ابْن الْجلاب لمراجعة مسئلة نسبت إِلَيْهِ حَتَّى وصل فِي الشَّرْح نَحْو ثلث الأَصْل ثمَّ أكمله إكمالاً حسنا ثمَّ فرج الله عَنهُ وَعظم قدره وانتشر ذكره وانتفع بِهِ النَّاس توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد النور الْحِمْيَرِي التّونسِيّ كَانَ من صُدُور الْعُدُول المبرزين أَخذ الْعلم عَن القَاضِي الإِمَام الْعَالم أبي الْقَاسِم بن زيتون وَالْقَاضِي الْخَطِيب أبي مُحَمَّد بن برطلة الْأَزْدِيّ وَله تفنن فِي سَائِر الْعُلُوم وَله تصانيف فِي عدَّة عُلُوم وَاخْتصرَ تَفْسِير الإِمَام فَخر الدّين بن الْخَطِيب وَله على الْحَاصِل تَقْيِيد كَبِير فِي سفرين وَله فِي الْفِقْه كتاب جمع فِيهِ فَتَاوَى على طَريقَة أَحْكَام بن سهل سَمَّاهُ الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى وَله غير ذَلِك وَكَانَ بِالْحَيَاةِ عَام سِتَّة وَعشْرين وَسَبْعمائة
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الورغمي التّونسِيّ يكنى أَبَا عبد الله هُوَ الإِمَام الْعَلامَة المقرىء الفروعي الأصولي الْبَيَانِي المنطقي شيخ الشُّيُوخ وَبَقِيَّة أهل الرسوخ تفقه على الإِمَام أبي عبد الله(1/337)
مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن هَارُون مُحَمَّد بن حسن الزبيدِيّ وَأبي عبد الله الآبلي ونظرائهم وَتفرد بشيخوخة الْعلم وَالْفَتْوَى فِي الْمَذْهَب لَهُ التصانيف العزيزة والفضائل العديدة انْتَشَر علمه شرقاً وغرباً فإليه الرحلة فِي الْفَتْوَى والاشتغال بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة حَافِظًا للْمَذْهَب ضابطاً لقواعده إِمَامًا فِي عُلُوم الْقُرْآن مجيداً فِي الْعَرَبيَّة والأصلين والفرائض والحساب وَعلم الْمنطق وَغير ذَلِك وَله فِي ذَلِك تآليف مفيدة وروى عَن أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن عبد السلام وَسمع عَلَيْهِ موطأ الإِمَام مَالك وعلوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح وَعَن الْفَقِيه الْمُحدث الرِّوَايَة أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن بن سَلامَة الْأنْصَارِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن الْعَظِيم بِقِرَاءَة الْأَئِمَّة الثَّمَانِية رَحْمَة الله عَلَيْهِ تخرج على يَدَيْهِ جمَاعَة من الْعلمَاء الْأَعْلَام وقضاة الْإِسْلَام فَعَن رَأْيه تصدر الولايات وبإشارته تعين الشُّهُود للشهادات وَلم يرض لنَفسِهِ الدُّخُول فِي الولايات بل اقْتصر على الْإِمَامَة والخطابة بِجَامِع الزيتونة وَانْقطع للاشتغال بِالْعلمِ والتصدر(1/338)
لتجويد القراآت اجْتمع على اعْتِقَاده ومحبته الْخَاصَّة والعامة ذادين متين وعقل رصين وَحسن إخاء وبشاشة وَجه للطَّالِب صَائِم الدَّهْر لَا يفتر عَن ذكر الله وتلاوة الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوْقَات الِاشْتِغَال منقبضاً عَن مداخلة السلاطين لَا يرى إِلَّا فِي الْجَامِع أَو فِي حَلقَة التدريس لَا يغشى سوقاً وَلَا مجتمعاً وَلَا مجْلِس حَاكم إِلَّا أَن يستدعيه السُّلْطَان فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة كهفاً للواردين عَلَيْهِ من أقطار الْبِلَاد يُبَالغ فِي برهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَقَضَاء حوائجهم وَقد خوله الله تَعَالَى من رياسة الدّين وَالدُّنْيَا مَا لم يجْتَمع لغيره فِي بَلَده لَهُ أوقاف جزيلة فِي وُجُوه الْبر وفكاك الْأُسَارَى ومناقبه عديدة وفضائله كَثِيرَة وَله تآليف مِنْهَا تَقْيِيده الْكَبِير فِي الْمَذْهَب فِي نَحْو عشرَة أسفار جمع فِيهِ مَا لم يجْتَمع فِي غَيره أقبل النَّاس على تَحْصِيله شرقاً وغرباً وَله فِي أصُول الدّين تأليف عَارض بِهِ كتاب الطوالع للبيضاوي وَاخْتصرَ كتاب الحوفي اختصاراً وجيزاً وَله تأليف فِي الْمنطق وَغير ذَلِك وَأقَام وَالِده بِالْمَدِينَةِ على منهاج الصَّالِحين(1/339)
وَالسَّلَف الماضين توفّي فِيمَا أَظن سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن بِالبَقِيعِ وَحج الشَّيْخ أَبُو عبد الله فِي سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فَتَلقاهُ الْعلمَاء وأرباب المناصب بالإكرام التَّام وَاجْتمعَ بسُلْطَان مصر الْملك الظَّاهِر فَأكْرمه وَأوصى أَمِير الركب بخدمته وَلما زار الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام نزل عِنْدِي فِي الْبَيْت وَكَانَ يسْرد الصَّوْم فِي سَفَره وَهُوَ بَاقٍ بِالْحَيَاةِ وَذكر لي مولده أَنه سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة نفع الله تَعَالَى بِهِ
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن الْيحصبِي البروني التلمساني اسْتَقر بِبَلَد الجزائر فَقِيه فِي الْمَذْهَب مَوْصُوف بِالْعلمِ والإتقان حَاز رياسة الْعلم فِي قطره حسن التَّعْلِيم أَخذ الْعلم على ابْني الإِمَام أبي زيد وأخيه أبي مُوسَى وَعَن أبي عبد الله الآبلي والفقيه عمرَان المشذالي وَغَيرهم وَقد انْفَرد بِمَعْرِِفَة مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الفقهي وَله عَلَيْهِ شرح قَارب إكماله وَهُوَ بَاقٍ بِالْحَيَاةِ نفع الله بِهِ
مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُوسَى بن يُوسُف بن مُوسَى بن يُوسُف بن مسدي المهلبي من أهل(1/340)
غرناطة هُوَ الْفَقِيه الإِمَام البارع الْعَلامَة الأوحد الْحَافِظ النَّاقِد الْخَطِيب البليغ الأديب جمال الدّين أَبُو المكارم سمع بجيان على أبي عبد الله بن صلتان وَأخذ بغرناطة وَغَيرهَا وبمدينة فاس عَن أبي الْبَقَاء يعِيش بن العديم وَأبي مُحَمَّد بن زيد وَأخذ الْمشرق عَن جَعْفَر الهمذاني وَغَيره وَالْتزم الْمُجَاورَة بِالْحرم الشريف الْمَكِّيّ وَأفْتى بِهِ وَألف فِي مَنَاسِك الْحَج كتابا سَمَّاهُ إِعْلَام الناسك بأعلام الْمَنَاسِك مُحَرر الائتلاف بَين الْإِجْمَاع وَالْخلاف ذكر فِيهِ الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَغَيرهَا من الْخلاف العالي وَخلاف بعض الْفرق كالزيدية والإمامية وَأفْتى فِيهِ بفوائد جمة وَكَانَ يمِيل إِلَى الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ وكتبت نسبه وَأَسْمَاء شُيُوخه من برنامج الإِمَام الْعَلامَة أبي جَعْفَر بن الزبير توفّي ابْن المسدي بِمَكَّة المشرفة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
وَمن المدارك من اسْمه مُوسَى
قَالَ القَاضِي عِيَاض
وَمن الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْيمن
مُوسَى بن قُرَّة(1/341)
ابْن طَارق السكْسكِي أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو قُرَّة لقب لَهُ الجندي بجيم وَنون مفتوحتين ودال مُهْملَة مَكْسُورَة مَنْسُوب إِلَى الْجند نَاحيَة بِالْيمن وَقيل هُوَ من أهل زبيد من أهل الْحصيب قَاض لَهُم رُوِيَ عَن مَالك مَالا يُحْصى حَدِيثا ومسائل وروى عَنهُ الْمُوَطَّأ وَله كِتَابه الْكَبِير وَكتابه الْمَبْسُوط وَسَمَاع مَعْرُوف فِي الْفِقْه عَن مَالك يرويهِ عَنهُ عَليّ بن زِيَاد الحَجبي وَذكره أَبُو عَمْرو المقرىء فِي الْقُرَّاء فَقَالَ قَرَأَ أَبُو قُرَّة على نَافِع وروى عَن إِسْمَاعِيل الْقسْط ومُوسَى بن عقبَة وَمَالك وَابْن جريج وَابْن عُيَيْنَة رُوِيَ عَنهُ عَليّ بن زِيَاد الحَجبي وَابْن حَنْبَل وَابْن رَاهْوَيْةِ هُوَ ثِقَة مَحَله الصدْق وأثني عَلَيْهِ ابْن حَنْبَل خيرا وَلم يذكر وَفَاته
وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة مِمَّن الْتزم مَذْهَب مَالك وَلم يره من أهل إفريقية
مُوسَى أَبُو الْأسود بن عبد الرَّحْمَن بن حبيب الْمَعْرُوف بالقطان مولى بني أُميَّة سمع من مُحَمَّد بن سَحْنُون وَمُحَمّد بن عَامر الأندلسي وعَلى ابْن عبد الْعَزِيز وَغَيرهم روى عَنهُ تَمِيم بن أبي الْعَرَب وَأَبُو الْقَاسِم السوري وَغَيرهمَا وَمَا(1/342)
أعجب أهل مصر بِمن قدم عَلَيْهِم من القيروان إعجابهم بِهِ وَأبي الْعَبَّاس بن طَالب كَانَ ثِقَة فَقِيها حَافِظًا من الْفُقَهَاء الْمَعْدُودين وَالْأَئِمَّة الْمَشْهُورين وَله أوضاع كَثِيرَة فِي الْعلم كَانَ يحسن الْكَلَام فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه ولي قَضَاء طرابلس فنفذ الْحُقُوق وَأَخذهَا للضعيف من الْقوي فبغى عَلَيْهِ وأودي فعزل وَحبس فِي الْكَنِيسَة شهوراً ثمَّ أطلق وَكَانَ سَبَب إِطْلَاقه فِي رجل اشْترى حوتاً فَوجدَ فِي بَطْنه آخر فَاخْتَلَفُوا هَل هُوَ للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي فَأفْتى مُوسَى إِن كَانَ الشِّرَاء على الْوَزْن فَهُوَ للْمُشْتَرِي وَإِن كَانَ على الْجزَاف فَهُوَ للْبَائِع فَقَالَ الْوَالِي مثل هَذَا لَا يسجن وَأطْلقهُ وألفت النَّاس فِي فضائله وَألف أَبُو الْأسود أَحْكَام الْقُرْآن اثْنَي عشر جزأ وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن إحدي وَسبعين سنة ومولده سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ ربيع الْقطَّان لما غسلناه وكفناه وأغلقنا عَلَيْهِ الْبَيْت وَخَرجْنَا إِلَى الْمَسْجِد وَبَقِي عِنْده النِّسَاء فِي الدَّار فَلَمَّا جِئْنَا أخبرنَا النِّسَاء أَنَّهُنَّ سمعن جلبة عَظِيمَة فظننا(1/343)
أَن الرِّجَال فِي الْبَيْت فعجبنا من ذَلِك وتأولنا أَنهم الْمَلَائِكَة تزاحمت عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت صاحباً لنا فِي النّوم فَسَأَلته عَن أستاذنا مُوسَى فَقَالَ ذَاك رجل يدْخل على الله مَتى شَاءَ
وَمن الطَّبَقَة الثَّامِنَة من أهل إفريقية
مُوسَى أَبُو عمرَان بن عِيسَى بن أبي حجاج الغفجومي وغفجوم فَخذ من زنانة قلت غفجوم بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالْجِيم المضمومة قَبيلَة من البربر أَصله من فاس وبيته مِنْهَا بَيت مَشْهُور مَعْرُوف يعْرفُونَ ببني حجاج وَله عقب وَفِيهِمْ نباهة إِلَى الْآن استوطن القيروان وحصلت لَهُ بهَا رياسة الْعلم وتفقه بِأبي الْحسن الْقَابِسِيّ ورحل إِلَى قرطبة فتفقه بهَا عِنْد الْأصيلِيّ وَسمع من أبي عُثْمَان وعبد الوارث وَأحمد بن قَاسم وَغَيرهم ورحل إِلَى الْمشرق وَحج وَدخل الْعرَاق فَسمع من أبي الْفَتْح ابْن أبي الفوارس وَأبي الْحسن الْمُسْتَمْلِي ودرس الْأُصُول على القَاضِي أبي بكر الباقلاني وَلَقي جمَاعَة وَسمع من أبي ذَر ثمَّ ترك أَن يُسَمِّيه لشَيْء جرى بَينهمَا فَكَانَ يَقُول فِيمَا سمع مِنْهُ حَدثنِي(1/344)
الشَّيْخ أَبُو عِيسَى وَكَانَ يكنى بذلك قَالَ حَاتِم بن مُحَمَّد كَانَ أَبُو عمرَان من أحفظ النَّاس وأعلمهم جمع حفظ الْمَذْهَب الْمَالِكِي إِلَى حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْرِفَة معانية وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن بالسبع ويجوده مَعَ مَعْرفَته بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم أَخذ عَنهُ النَّاس من أقطار الأندلس واستجازه من لم يلقه وَله كتاب التَّعَالِيق على الْمُدَوَّنَة كتاب جليل لم يكمل وَغير ذَلِك وَخرج من عوالي إِلَى حَدِيث نَحْو مائَة ورقة قَالَ حَاتِم وَلم ألق أحدا أوسع علما مِنْهُ وَلَا أَكثر رِوَايَة وَذكر أَن الباقلاني كَانَ يُعجبهُ حفظه وَيَقُول لَهُ لَو اجْتمعت فِي مدرستي أَنْت وعبد الوهاب وَكَانَ إِذْ ذَاك بالموصل لاجتمع علم مَالك أَنْت تحفظه وَهُوَ ينظره وَتُوفِّي أَبُو عمرَان سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ سنة
مُوسَى بن أَحْمد وَيُقَال مُحَمَّد بن سعد الْيحصبِي يعرف بالوتد قرطبي يكنى أَبَا مُحَمَّد سمع من قَاسم بن مُحَمَّد وَأحمد بن مطرف وَمُحَمّد بن يحيى بن عبد العزيز كَانَ بَصيرًا بِالشُّرُوطِ وَله فِيهَا تأليف حسن وَله حَظّ من تَعْبِير الرُّؤْيَا وقلد الشورى وَتصرف فِي رفع كتب الْمَظَالِم إِلَى الْمَنْصُور ودرس عَلَيْهِ الْفِقْه وَحدث وَنسب إِلَيْهِ تَخْلِيط كثير شهر بِهِ وَعرف مِنْهُ يَعْنِي فِي الحَدِيث توفّي سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة
من اسْمه مَرْوَان من الطَّبَقَة الثَّامِنَة مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل إفريقية
مَرْوَان أَبُو عبد الملك بن عَليّ الْبونِي
أندلسي الأَصْل سكن بونة من بِلَاد إفريقية وَكَانَ من الْفُقَهَاء المتفننين ذكره صَاحب الصِّلَة أَخذ عَن أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ وَالْقَاضِي أبي الْمطرف وعبد الرحمن بن فطيس وَأخذ عَن أبي الْحسن الْقَابِسِيّ وَأحمد بن نصر الداروردي وَكَانَ رجلا حَافِظًا فَذا فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَكَانَ رجلا صَالحا مَاتَ قبل الْأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَله تأليف فِي شرح الْمُوَطَّأ مَشْهُور حسن رَوَاهُ عَنهُ حَاتِم الطرابلسي وَابْن الْحذاء
من اسْمه مطرف من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أهل افريقية
مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سُلَيْمَان بن يسَار اليساري الْهِلَالِي أَبُو مُصعب وَيُقَال(1/345)
أَبُو عبد الله مولى مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهَا كَانَ جد أَبِيه سُلَيْمَان مَشْهُورا مقدما فِي الْعلم وَالْفِقْه وَكَانَ هُوَ واخوته عَطاء وعبد الله وعبد الملك بَنو يسَار مكاتبين لميمونة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا أَخذ عَن جَمِيعهم الْعلم ومطرف هُوَ ابْن أُخْت مَالك بن أنس الإِمَام وَكَانَ أَصمّ روى عَن مَالك وَغَيره روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَخرج عَنهُ فِي صَحِيحه تفقه بِمَالك وَهُوَ ثِقَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل كَانُوا يقدمونه على أَصْحَاب مَالك صحب مَالِكًا سبع عشرَة سنة مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ فِي صفر مِنْهَا وسنه بضع وَثَمَانُونَ سنة
مطرف بن عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيم قرطبي يكنى أَبَا سعيد رُوِيَ عَن يحيى ابْن يحيى وَسَعِيد بن حسان وَابْن حبيب ورحل فَسمع من سَحْنُون ونظراء من ذكرنَا كثيرا كَانَ بَصيرًا بالفقه والنحو واللغة وَالشعر بَصيرًا بالوثائق وَكَانَ مشاوراً فِي الْأَحْكَام ذَا زهد وورع وَفضل وانقباض عَن السُّلْطَان توفّي فِي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
من اسْمه مكي من الطَّبَقَة الثَّامِنَة مِمَّن لم ير مَالِكًا من أهل الأندلس
مكي أَبُو مُحَمَّد بن أبي طَالب بن مُحَمَّد بن مُخْتَار الْقَيْسِي كَانَ فَقِيها مقرئاً أدبياً وَله رِوَايَة وَغلب عَلَيْهِ علم الْقُرْآن وَكَانَ من الراسخين فِيهِ أَخذ بالقيروان عَن أبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَأبي مطرف الْحسن الْقَابِسِيّ وَحج وَلَقي بالمشرق جلة من الشُّيُوخ وَأخذ عَنْهُم مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الْمَالِكِي وَابْن فَارس وَإِبْرَاهِيم الْمروزِي وَأَبُو الْعَبَّاس وَجَمَاعَة وَدخل قرطبة أَيَّام المظفر بن أبي عَامر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَلَا يؤبه بمكانه إِلَى أَن نوه بمكانه ابْن ذكْوَان القَاضِي وَأَجْلسهُ فِي الْجَامِع فنشر علمه وَعلا ذكره ورحل النَّاس إِلَيْهِ من كل قطر وَولي الشورى وَالْخطْبَة وَالصَّلَاة إِلَى أَن قعد عَنْهَا زمن الْفِتْنَة وصنف تصانيف كَثِيرَة فِي عُلُوم الْقُرْآن وَغير ذَلِك مِنْهَا الْإِيجَار واللمع فِي الْإِعْرَاب روى عَنهُ جلة كَابْن عتاب وحاتم بن مُحَمَّد وبعدهم أَبُو الْأَصْبَغ ابْن سهل وَتُوفِّي فِي صدر محرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وأربمائة
مكي بن عَوْف مؤلف(1/346)
العوفية تقدم ذكره مَعَ ذكر جده إِسْمَاعِيل بن مكي فِي حرف الْألف
الْأَفْرَاد فِي حرف الْمِيم
من الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْمَدِينَة
الْمُغيرَة بن عبد الرحمن بن الْحَارِث بن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة بن الْمُغيرَة بن عبد الله ابْن عمر بن مَخْزُوم وَيُقَال أَيْضا ابْن عبد الرحمن بن الْحَارِث بن عَيَّاش وَيُقَال ابْن عبد الرحمن ابْن عبد الله بن عَيَّاش وَأمه قريبَة بنت مُحَمَّد بن عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي سمع أَبَاهُ وَجَمَاعَة كهشام بن عُرْوَة وَأبي الزِّنَاد وَمَالك وَغَيرهم وروى عَنهُ جمَاعَة كمصعب ابْن عبد الله وَأبي مُصعب الزبيرِي وَغَيرهمَا قيل لَا بَأْس بِهِ خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَقَالَ يحيى هُوَ ثِقَة وَكَانَ مدَار الْفَتْوَى فِي زمَان مَالك عَليّ الْمُغيرَة وَمُحَمّد بن دِينَار وَكَانَ ابْن أبي حَازِم ثالثهم وَعُثْمَان بن كنَانَة وَكَانَ بَين مَالك وَبَينه أول مرّة مُعَارضَة ثمَّ زَالَت وجالسه وَكَانَ لمَالِك مجْلِس يقْعد فِيهِ وَإِلَى جَانِبه الْمُغيرَة لَا يجلس فِيهِ سواهُ وَإِن غَابَ الْمُغيرَة وَعرض عَلَيْهِ الرشيد الْقَضَاء بِالْمَدِينَةِ وجائزته أَرْبَعَة آلَاف دِينَار فَأبى أَن لَا يلْزمه ذَلِك وَقَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لِأَن يختنقني السُّلْطَان أحب إِلَيّ من الْقَضَاء فَقَالَ الرشيد مَا بعد هَذَا شَيْء وأعفاه وَأَجَازَهُ بألفي دِينَار كَانَ فَقِيه الْمَدِينَة بعد مَالك وَله كتب فقه قَليلَة فِي أَيدي النَّاس مولده سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل فِي صفر يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع خلون مِنْهُ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وَمن الْوُسْطَى من أهل الْمَدِينَة
معن بن عِيسَى الْقَزاز كَانَ يَبِيع القزمولي أَشْجَع أَبُو يحيى روى عَن مَالك وَجَمَاعَة رُوِيَ عَنهُ ابْن الْمَدِين وَابْن معِين والْحميدِي وَسَحْنُون وَكَانَ ربيب مَالك وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ للرشيد وابنيه الْأمين والمأمون وَخلف مَالِكًا فِي الْفِقْه بِالْمَدِينَةِ وَله سَماع من مَالك مَعْرُوف وَهُوَ من كبار أَصْحَاب مَالك وَكَانَ أَشد النَّاس مُلَازمَة لمَالِك وَكَانَ يتكىء عَلَيْهِ عِنْد خُرُوجه إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى قيل لَهُ عصية مَالك وَهُوَ ثِقَة خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم قَالَ أَبُو حَازِم الرَّازِيّ أوثق أَصْحَاب مَالك وأثبتهم معن وَسُئِلَ يحيى عَن الثبت فِي أَصْحَاب مَالك فَقَالَ المعيني ومعن سمع من مَالك أَرْبَعِينَ ألف مسئلة مَاتَ معن(1/347)
سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة فِي شَوَّال مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ
وَمن أهل مصر
مِسْكين بن عبد العزيز هُوَ أَشهب وَقد تقدم التَّعْرِيف بِهِ فِي حَرْب الْألف وَقد نبهت هُنَاكَ على اسْمه
وَمن الطَّبَقَة السَّادِسَة من أهل الْعرَاق وَمن غير آل حَمَّاد
عبد المحسن القَاضِي أَبُو الْعَلَاء بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ من عُلَمَاء الْمَالِكِيَّة وَاخْتصرَ الْمَبْسُوط سَمَّاهُ المقتضب من الْمَبْسُوط وَله كتاب فِي الفروق وَيعرف بِابْن الْبَصْرِيّ
وَمن الثَّامِنَة من أهل الأندلس
الْمُهلب أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد بن أسيد بن أبي صفرَة التَّمِيمِي سكن المرية من أهل الْعلم الراسخين المتفننين فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالْعِبَادَة وَالنَّظَر صحب الْأصيلِيّ وتفقه مَعَه وَكَانَ صهره وَسمع الْقَابِسِيّ وَأَبا ذَر الْهَرَوِيّ وَيحيى بن مُحَمَّد الطَّحَّان وَأَبا جَعْفَر وَأَبا عبد الله بن مناس وَغَيرهم وَولي قَضَاء مالقة قَالَ أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل كَانَ أَبُو الْقَاسِم من كبار أَصْحَاب الْأصيلِيّ وَبِه حَيّ كتاب البُخَارِيّ بالأندلس لِأَنَّهُ قَرَأَهُ تفقهاً أَيَّام قِرَاءَته وَشَرحه وَاخْتَصَرَهُ اختصاراً مَشْهُورا سَمَّاهُ النصيح فِي اخْتِصَار الصَّحِيح وعلق عَنهُ تَعْلِيق حسن على البُخَارِيّ وَسمع مِنْهُ ابْن المرابط وَأَبُو عَمْرو بن الْحذاء وَأَبُو الْعَبَّاس الدلائي وحاتم بن مُحَمَّد توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن التَّاسِعَة من أهل الشَّام
مُسلم بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حسن الدِّمَشْقِي أَبُو الْفضل اخْتصَّ بِالْقَاضِي عبد الوهاب فشهر بِهِ وَله كتاب فِي الفروق مَعْرُوف حدث عَنهُ النَّاس وَأخذ عَنهُ من أهل سبتة قَاسم الْمَأْمُون
حرف الْهَاء
هِشَام بن أَحْمد بن هِشَام الْهِلَالِي يكنى أَبَا الْوَلِيد من أهل غرناطة كَانَ فَقِيها جَلِيلًا سنياً مُسْندًا ثِقَة عدلا مناظراً فِي الحَدِيث والرأي وأصول الدّين ولي قَضَاء غرناطة أَخذ عَن أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأبي الْعَبَّاس العذري الدلائي مولده فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
هَاشم بن خَالِد الْأنْصَارِيّ البيري كَانَ من الْعلمَاء الْحفاظ ولقب بِالسقطِ لحفظه وَقصد إِلَيْهِ فِي الْإِمَامَة بحاضرة البيرة وقرىء عَلَيْهِ سمع من أَصْحَاب مُحَمَّد بن فطيس وَغَيرهم من أَصْحَاب سَحْنُون ورحل فَسمع من يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره توفّي سنة ثَلَاثمِائَة
هَارُون بن عبد الله بن الزُّهْرِيّ الْعَوْفِيّ الْمَكِّيّ الْمَالِكِي القَاضِي نزيل بَغْدَاد الإِمَام أَبُو يحيى وَيُقَال أَبُو مُوسَى تفقه بأصحاب مَالك قَالَ أَبُو اسحق الشِّيرَازِيّ هُوَ أعلم من صنف الْكتب فِي مُخْتَلف وَقَالَ مَالك وَقَالَ الْخَطِيب إِنَّه سمع من مَالك وَإنَّهُ ولي قَضَاء الْعَسْكَر ثمَّ قَضَاء مصر توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة(1/348)
حرف الْوَاو
وَمن الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الأندلس
وهب بن مَسَرَّة بن مفرج بن حَكِيم التَّمِيمِي الْحِجَازِي أَبُو الحزم سمع بقرطبة من ابْن وضاح وعبيد الله وَأحمد بن إِبْرَاهِيم الفرضي والإعناقي وَابْن معاد وَأبي صَالح وَأسلم وَأبي الْوَلِيد وَابْن أبي تَمام وَمُحَمّد بن عمر بن لبَابَة وطاهر ابْن عبد العزيز وَأحمد بن خَالِد وَابْن أَيمن وَمُحَمّد بن قَاسم وقاسم بن أصبغ والخشني وببلده من ابْن وهب وَابْن أبي نخيلة وَمُحَمّد بن عزْرَة وَغَيرهم كَانَ حَافِظًا للفقه بَصيرًا بِالْحَدِيثِ واللغة بصراً حسنا ضابطاً لكتبه مَعَ ورع وَفضل أفتى بموضعه وَله أوضاع حَسَنَة واستقدم بكتبه إِلَى قرطبة وأخرجت إِلَيْهِ أصُول ابْن وضاح اللَّاتِي سمع فِيهَا فَسمِعت عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ علم كثير وَهُوَ إِمَام ثِقَة مَأْمُون وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة أَيَّام حَيَاته ثمَّ انْصَرف إِلَى بَلَده حدث عَنهُ أَبُو مُحَمَّد القلعي وَأثْنى عَلَيْهِ وَحدث عَنهُ غير وَاحِد وَكَانَ يتَكَلَّم فِي الحَدِيث وَعلله وَكَانَ خيرا فَاضلا وَله كتاب فِي السّنة وَإِثْبَات الْقدر والرؤية وَالْقُرْآن رَحمَه الله تَعَالَى
حرف الْيَاء
وَمن اسْمه يحيى من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من أَصْحَاب مَالك من أهل الْبَصْرَة وَالْعراق وَمَا وراءهما من بِلَاد الْمشرق
يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التَّمِيمِي مولى لَهُم وَيُقَال مولى بني منقر بن سعد بن عَمْرو بن تَمِيم النَّيْسَابُورِي قَرَأَ على مَالك الْمُوَطَّأ ولازمه مُدَّة للإقتداء بِهِ وَهُوَ مَعْدُود فِي الْفُقَهَاء من أَصْحَاب مَالك وروى عَن اللَّيْث والحمادين وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهم وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا مرضيا وروى عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة كَابْن رَاهَوَيْه والذهلي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وخرجا عَنهُ فِي الصَّحِيح كثيرا ورحل يحيى إِلَى مصر وَالشَّام وَالْعراق وَغَيرهَا وَقَالَ ابْن حَنْبَل مَا أخرجت خُرَاسَان بعد ابْن الْمَالِك مثله وَأثْنى عَلَيْهِ أَبُو زرْعَة وَوَثَّقَهُ وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لم أكتب الْعلم عَن أحد أوثق فِي نَفسِي مِنْهُ وَمن الْفضل بن مُوسَى الشَّيْبَانِيّ قَالَ وَكَانَ(1/349)
يحيى رجلا عَاقِلا وَقَالَ يحيى أثبت من ابْن مهْدي وَقَالَ مَا رَأَيْت مثل يحيى بن يحيى أَي وَلَا أرَاهُ رأى مثل نَفسه وَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقلت عَمَّن أكتب الْعلم فَقَالَ عَن يحيى بن يحيى وَكَانَ من الْعباد فَاضلا وَقَالَ يحيى بن الشَّهِيد مَا رَأَيْت مُحدثا أورع من يحيى بن يحيى وَلَا أحسن لباساً مِنْهُ قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق لم يكن بخراسان أَعقل من يحيى ابْن يحيى وَكَانَ أَخذ تِلْكَ الشَّمَائِل من مَالك بن أنس أَقَامَ عَلَيْهِ لأخذها مِنْهُ بعد أَن فرغ من سَمَاعه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا أَقمت مستفيداً لشمائله فَإِنَّهَا شمائل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكَانَ يحيى بن يحيى من المياسير وَذكر أَنه أهْدى إِلَى مَالك هَدِيَّة بَاعَ وَرَثَة مَالك فضلتها بِثَمَانِينَ ألفا توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء منسلخ صفر من سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَمن أهل الأندلس
يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس يكنى أَبَا مُحَمَّد وَأَبوهُ يحيى يكنى بِأبي عِيسَى وَهُوَ من مصمودة طنجة ويتولى بني لَيْث وَأسلم وسلاس جدهم على يَد يزِيد بن أبي عَامر اللَّيْثِيّ لَيْث كنَانَة فَهَذَا وَالله أعلم سَبَب انتمائهم إِلَى لَيْث وَكَانُوا يعْرفُونَ ببني أبي عِيسَى سمع يحيى مَالِكًا وَاللَّيْث وَحج وَكَانَ لقاؤه لمَالِك سنة تسع وَسبعين السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا مَالك ثمَّ عَاد فحج وَلَقي جلة أَصْحَاب مَالك وَكَانَت لَهُ رحلتان من الأندلس سمع فِي الأولى من مَالك وَاللَّيْث وَابْن وهب وَاقْتصر فِي الْأُخْرَى على ابْن الْقَاسِم وَبِه تفقه سمع يحيى لأوّل نشأته من زِيَاد موطأ مَالك وَسمع من يحيى بن مُضر ثمَّ رَحل وَهُوَ ابْن ثَمَان وَعشْرين سنة فَسمع من مَالك الْمُوَطَّأ غير أَبْوَاب فِي كتاب الِاعْتِكَاف شكّ فِيهَا فَحدث بهَا عَن زِيَاد وَسمع من نَافِع بن أبي نعيم القارىء وَمن ابْن عُيَيْنَة وَسمع من ابْن وهب موطأه وجامعه وَمن ابْن الْقَاسِم مسَائِل وَحمل عَنهُ عشرَة كتب وَكتب سَمَاعه وَحضر جَنَازَة مَالك وَقدم الأندلس بِعلم كثير فَعَادَت فتيا الأندلس بعد عِيسَى بن دِينَار إِلَى رَأْيه وبيحيى وبعيسى انْتَشَر مَذْهَب مَالك وَكَانَ يحيى يفضل بِالْعقلِ على علمه وَقَالَ ابْن لبَابَة فَقِيه الأندلس عِيسَى بن دِينَار وعالمها بن حبيب وعاقلها(1/350)
يحيى وَإِلَيْهِ انْتَهَت الرياسة فِي الْعلم بالأندلس وَكَانَ مَالك يُعجبهُ سمت يحيى وعقله وَسَماهُ الْعَاقِل وَكَانَ ثِقَة عَاقِلا حسن الْهَدْي والسمت يشبه سمته سمت مَالك وَلم يكن لَهُ بصر بِالْحَدِيثِ وَكَانَ أَخذ بزِي مَالك وسمته قَالَ يحيى لما ودعت مَالِكًا سَأَلته أَن يوصيني فَقَالَ عَلَيْك بِالنَّصِيحَةِ لله ولكتابه ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم وَقَالَ لي اللَّيْث مثل ذَلِك وامتدت أَيَّام يحيى إِلَى أَن توفّي فِي رَجَب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل فِي ذِي الْحجَّة وَقيل توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَكَانَ سنه يَوْم توفّي ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة قَالَ صَاحب الوفيات وسلاس بِكَسْر الْوَاو وسينين مهملتين الأولى سَاكِنة وَبَينهمَا لَام ألف وَيُزَاد فِيهِ نون فَيُقَال ونسلاس وَمَعْنَاهُ بالبربرية يسمعهم
وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل إفريقية
يحيى بن عمر بن يُوسُف بن عَامر الْكِنَانِي وَقيل البلوي وَهُوَ مولى بني أُميَّة أندلسي من أهل جيان وعداده فِي الإفريقيين سكن القيروان واستوطن سوسة أخيراً وَبهَا قَبره كنيته أَبُو زَكَرِيَّاء نَشأ بقرطبة وَطلب الْعلم عِنْد ابْن حبيب وَغَيره فَسمع بإفريقية من سَحْنُون وَعون وَأبي زَكَرِيَّاء الْحَضْرَمِيّ وَسمع بِمصْر من ابْن بكير وَابْن رمح وحرملة وَأبي الطَّاهِر وَهَارُون بن سعيد الْأَيْلِي والْحَارث بن مِسْكين وَأبي زيد بن أبي الْغمر وَأبي اسحق البرقي والدمياطي وَغَيرهم من أَصْحَاب ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَسمع أَيْضا بالحجاز وَغَيره من أبي مُصعب الزُّهْرِيّ وَنصر بن مَرْزُوق وَابْن محاسب وَأحمد بن عمرَان الْأَخْفَش وَإِبْرَاهِيم ابْن مَرْزُوق وَسليمَان بن دَاوُد وَزُهَيْر بن عباد وَغَيرهم سمع مِنْهُ النَّاس وتفقه عَلَيْهِ خلق مِنْهُم أَخُوهُ مُحَمَّد وَأَبُو بكر بن اللباد وَأَبُو الْعَرَب وَعمر بن يُوسُف وَأَبُو الْعَبَّاس الابياني وَأحمد بن خَالِد الأندلسي وَإِلَيْهِ كَانَت الرحلة فِي وقته كَانَ فَقِيها حَافِظًا للرأي ثِقَة ضابطاً لكتبه مُتَقَدما فِي الْحِفْظ إِمَامًا فِي الْفِقْه ثبتاً ثِقَة فَقِيه الْبدن كثير الْكتب فِي التفقه والْآثَار ضابطاً لما روى عَالما بكتبه متقناً شَدِيد التَّصْحِيح لَهَا من أَئِمَّة أهل الْعلم وعداده فِي كبراء أَصْحَاب سَحْنُون وَبِه(1/351)
تفقه وَكَانَت لَهُ منزلَة شريفة عِنْد الْخَاصَّة والعامة وَالسُّلْطَان وَسكن القيروان ورحل إِلَيْهِ النَّاس وَلَا يَدْرُونَ الْمُدَوَّنَة والموطأ إِلَّا عَنهُ وَكَانَ يجلس فِي جَامع القيروان وَيجْلس القاريء على كرْسِي يسمع من بعد من النَّاس لِكَثْرَة من يحضرهُ وَكَانَ من أهل الْوَقار والسكينة على مَا يجب لمثله تأدب فِي ذَلِك بآداب مَالك وَكَانَ لَا يفتح على نَفسه بَاب المناظرة وَإِذا ألحف عَلَيْهِ سَائل وأتى بالمسائل العويصة رُبمَا طرده وَله أوضاع كَثِيرَة مِنْهَا كتاب الرَّد على الشَّافِعِي وكتابا اخْتِصَار المستخرجة الْمُسَمّى بالمنتحبة وَكتبه فِي أصُول السّنَن ككتاب الْمِيزَان وَكتاب الرُّؤْيَة وَكتاب الوسوسة وَكتاب أحمية الْحُصُون وَكتاب فضل الْوضُوء وَالصَّلَاة وَكتاب النِّسَاء وَكتاب الرَّد على الشكوكية وَكتاب الرَّد على المرجئة وَكتاب فَضَائِل المنستير والرباط وَكتاب اخْتِلَاف ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب قَالَ ابْن أبي خَالِد فِي تَعْرِيفه لَهُ من المصنفات نَحْو أَرْبَعِينَ جزأ وَكَانَ لَا يتَصَرَّف تصرف غَيره من الحذاق والنظار فِي معرفَة الْمعَانِي وَالْإِعْرَاب قَالَ القصري كنت أسأله عَن الشَّيْء من الْمسَائِل فيجيبني ثمَّ أسأله بعد ذَلِك بِزَمَان عَنْهَا فَلَا يخْتَلف قَوْله عَليّ وَكَانَ غَيره يخْتَلف قَوْله عَليّ وَقَالَ الكانشي مَا رَأَيْت مثل يحيى بن عمر وَلَا أحفظ مِنْهُ كَأَنَّمَا كَانَت الدَّوَاوِين فِي صَدره قَالَ وَاجْتمعت بِأَرْبَعِينَ عَالما فَمَا رَأَيْت أهيب لله من يحيى بن عَمْرو وَأنْفق يحيى فِي طلب الْعلم سِتَّة آلَاف دِينَار وَكَانَ من أهل الصّيام وَالْقِيَام مجاب الدعْوَة لَهُ براهين قَالَ الْحسن بن نصر مَا رَأَيْت أهيب مِنْهُ قيل لَهُ فَابْن طَالب قَالَ كَانَت لَهُ هَيْبَة الْقَضَاء وَسمع عَلَيْهِ خلق عَظِيم من أهل القيروان فِي الْجَامِع بهَا قَالَ أَبُو الْحسن اللواتي كَانَ عندنَا يحيى بن عمر بسوسة يسمع النَّاس فِي الْمَسْجِد فيمتلىء وَمَا حوله فَسئلَ عَن سماعهم فَقَالَ يجزئهم وَذكر أَن بعض أَصْحَاب سَحْنُون نَام حَتَّى قَرَأَ القارىء ماشاء الله ثمَّ انتبه فاختلفنا فِي سَمَاعه فسألنا سحنوناً فَقَالَ إِذا جَاءَ للسماع وَله قصد فَهُوَ يُجزئهُ(1/352)
وَقَالَ يحيى بن عمر لَا ترغب فِي مصاحبة الإخوان وَكفى بك من ابْتليت بمعرفته أَن تحترس مِنْهُ وَذكر أَنه رَجَعَ من القيروان إِلَى قرطبة بِسَبَب دانق كَانَ عَلَيْهِ لبقال فخوطب فِي ذَلِك فَقَالَ رد دانق على أَهله أفضل من عبَادَة سبعين سنة وَكَانَ يُقَال إِنَّه يرى على قَبره نور عَظِيم قَالَ أَبُو الْعَرَب وَذهل آخر عمره وَتُوفِّي بسوسة فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وسنه سِتّ وَسَبْعُونَ سنة مولده بالأندلس سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ
وَمن الطَّبَقَة الرَّابِعَة من أهل الأندلس
يحيى بن إِسْحَاق بن يحيى اللَّيْثِيّ بن أَحْمد بن يحيى قرطبي يعرف بالرقيعة يكنى أَبَا إِسْمَاعِيل سمع من أَبِيه ورحل فَسمع بإفريقية من يحيى بن عمر وَابْن طَالب وبمصر من مُحَمَّد من أصبغ بن الْفرج بالعراق من إِسْمَاعِيل القَاضِي وَأحمد بن زُهَيْر وَغَيرهمَا شوور فِي الْأَحْكَام وَكَانَ متصرفاً فِي الْعَرَبيَّة واللغة وَالتَّفْسِير نبيها وَألف الْكتب المبسوطة فِي اخْتِلَاف أَصْحَاب مَالك وأقواله وَهِي الَّتِي اختصرها مُحَمَّد وعبد الله ابْنا أبان بن عِيسَى ثمَّ اختصر ذَلِك الِاخْتِصَار أَبُو الْوَلِيد بن رشد وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَقيل سنة ثَلَاث وَتِسْعين
يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس المصمودي وَقيل فِي نسبه اللَّيْثِيّ لِأَن جده يحيى بن كثير أسلم على يَد رجل يُقَال لَهُ يزِيد بن عَامر اللَّيْثِيّ فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ يحيى هَذَا جليل الْقدر عَليّ الدرجَة فِي الحَدِيث ولي الْقَضَاء فِي مَوَاضِع عديدة وَكَانَ لَا يرى الْقُنُوت فِي الصَّلَاة وَلَا يقنت فِي مَسْجده أَلْبَتَّة روى عَن أبي الْحسن النّحاس وَسمع الْمُوَطَّأ من حَدِيث اللَّيْث وَغَيره وَمن ابْن عَم أَبِيه عبيد الله بن يحيى مولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة
يحيى بن عبد الرحيم بن أَحْمد بن ربيع الْأَشْعَرِيّ يكنى أَبَا عَامر الْعَالم الْجَلِيل الْمُحدث الْحَافِظ وَاحِد عصره وفريد دهره وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى عَالما من أَعْلَام الأندلس نَاصِر اللسنة رادعاً لأهل الْأَهْوَاء متكلماً دَقِيق النّظر سديد الْبَحْث سهل المناظرة شَدِيد التَّوَاضُع كثير الانصاف مَعَ هَيْبَة ووقار وَسُكُون ولي قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة ثمَّ بغرناطة وأقرأ بغرناطة لأكابر علمائها الحَدِيث والأصلين وَغير ذَلِك حدث عَن وَالِده الْعَالم الْمُحدث أبي الْحُسَيْن عبد الرحيم بن ربيع وَعَن أبي جَعْفَر أَحْمد بن يحيى الْحِمْيَرِي وَعَن أبي الْقَاسِم بن بشكوال وَأبي بكر بن الْجد الفِهري وَأبي عبد الله بن أرموق وَأبي مُحَمَّد عبد المنعم بن الْفرس توفّي سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّاء الْحَافِظ المَخْزُومِي الْمصْرِيّ سمع مَالِكًا وَاللَّيْث وخلقاً كثيرا وصنف التصانيف وَسمع من مَالك الْمُوَطَّأ سبع عشرَة مرّة توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ(1/353)
يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن السقاط الْأنْصَارِيّ كَانَ من الْعلمَاء الْفُضَلَاء الروَاة للْحَدِيث وَلَقي بِمَكَّة أَبَا ذَر عبد بن أَحْمد العذري وَكَانَ من أهل الْجَلالَة والنباهة والحسب توفّي بغرناطة
يحيى بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الغساني القليعي من أهل غرناطة يكنى أَبَا بكر كَانَ فَقِيها نبيلاً من جلة الْفُقَهَاء خيرا ثِقَة فِيمَا يرويهِ مشاوراً فَاضلا من كبار أهل غرناطة جزلاً روى عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي زمنين ورحل إِلَى الْمشرق وَسمع هُنَاكَ حدث عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن عتاب وَأَبُو الْأَصْبَغ عِيسَى بن سهل القَاضِي توفّي سنة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
يحيى بن عبد الله بن عِيسَى بن سُلَيْمَان الْهَمدَانِي يكنى أَبَا بكر وَيعرف بالغيل أَخذ عَن جمَاعَة من أهل بَلَده ودرس الْفِقْه بغرناطة دهراً وَأخذ عَنهُ أَهلهَا وَكَانَ فَقِيها مشاوراً من بَيت علم وَدين حدث عَنهُ القَاضِي أَبُو بكر بن أبي زمنين توفّي بعد السّبْعين وَخَمْسمِائة
يحيى بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر الجذلي يكنى أَبَا بكر من أهل الْمعرفَة الجيدة وَالْحِفْظ للمسائل والتفنن فِيهَا عرض الْمُدَوَّنَة على القَاضِي أبي الْوَلِيد بن رشد وعَلى الْفَقِيه أصبغ ابْن مُحَمَّد وَبلغ الْغَايَة فِي الْمعرفَة بالوثائق
يحيى بن مُحَمَّد بن عبد العزيز يعرف بِابْن الْجَوَاز سمع من رجال الأندلس ثمَّ رَحل وَحج سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَسمع هُنَاكَ من جمَاعَة بِمصْر وَغَيرهَا كمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وَغَيره ثمَّ رَجَعَ وَكَانَ من الْعلمَاء الْفُضَلَاء توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
يحيى بن عبد الله بن يحيى يكنى أَبَا عبد الله شوور مَعَ أَبِيه فِي أَيَّامه توفّي سنة ثَلَاث وثلاثمائة
يحيى بن زَكَرِيَّاء بن إِبْرَاهِيم بن مزين مولى رَملَة بنت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ أَصله من طليطلة وانتقل إِلَى قرطبة فأقطعه الْأَمِير عبد الرحمن قطائع شريفة وابتنى لَهُ دَارا وَوَصله بصلَة جزيلة روى ابْن مزين عَن عِيسَى بن دِينَار وَمُحَمّد بن عِيسَى الأعمشي وَيحيى بن يحيى وغازي بن قيس ونظرائهم ورحل إِلَى الْمشرق فلقي مطرف بن عبد الله وروى عَنهُ الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ أَيْضا عَن حبيب كَاتب مَالك وَدخل الْعرَاق فَسمع من القعْنبِي وَسمع بِمصْر من أصبغ بن الْفرج وَكَانَ حَافِظًا للموطأ فَقِيها فِيهِ ولد وَله حَظّ من علم الْعَرَبيَّة كَانَ مشاوراً مَعَ الْعُتْبِي وَابْن خَالِد وطبقتهم شَيخا وسيماً ذَا وقار وسمت حسن مَوْصُوفا بِالْفَضْلِ والنزاهة وَالدّين وَالْحِفْظ وَمَعْرِفَة مَذَاهِب أهل الْمَدِينَة قَالَ ابْن لبَابَة ابْن مزين أفقه من رَأَيْت فِي علم مَالك وَأَصْحَابه ولي قَضَاء طليطلة وَله تآليف حسان مِنْهَا تَفْسِير الْمُوَطَّأ وَكتاب تَسْمِيَة رجال الْمُوَطَّأ وَكتاب علل حَدِيث الْمُوَطَّأ وَهُوَ كتاب المستقصية وَكتاب فَضَائِل الْعلم وَكتاب فَضَائِل الْقُرْآن وَلم يكن لَهُ على ذَلِك علم بِالْحَدِيثِ(1/354)
توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سِتِّينَ
يحيى وَأَخُوهُ أَحْمد ابْنا مُحَمَّد بن عجلَان من أهل سرقسطة سمعا من سَحْنُون وَكَانَ أَحْمد فَقِيها وَيحيى مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالْفضل بَصيرًا بالفرائض والحساب وَألف فِي ذَلِك تأليفاً أَخذه النَّاس عَنهُ روى عَنْهُمَا مُحَمَّد بن تليد الْمعَافِرِي
يحيى بن مُوسَى الرهوني كَانَ فَقِيها حَافِظًا يقظاً متفنناً إِمَامًا فِي أصُول الْفِقْه أديباً بليغاً مجيداً أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِدْرِيس البجابي وَقد تقدم ذكره وَأخذ الْأُصُول عَن الإِمَام أبي عبد الله الآيلي رَحل إِلَى الْقَاهِرَة واستوطنها وَتَوَلَّى تدريس الْمدرسَة المنصورية والخانقاه الشيخونية وَغير ذَلِك وَكَانَ صَدرا فِي الْعلمَاء حَاز الرياسة والحظوة عِنْد الْخَاصَّة والعامة ذَا دين متين وعقل رصين ثاقب الذَّهَب بارع الاستنباط انْفَرد بتحقيق مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الأصولي وَله عَلَيْهِ شرح حسن مُفِيد وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمنطق وَعلم الْكَلَام وَله تَقْيِيد على التَّهْذِيب يذكر فِيهِ الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ويرجح مَذْهَب مَالك لم يكمل وَكَانَ وقوراً مهيبا متواضعا جواد ذَا سَعَة فِي الدُّنْيَا مؤثراً بهَا جَامعا لخلال الْفضل وَحج حجَّتَيْنِ وَتُوفِّي فِي سنة أَربع أَو خمس وَسبعين وَسَبْعمائة
من اسْمه يَعْقُوب من الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل الْعرَاق
يَعْقُوب بن شيبَة بن الصَّلْت بن عُصْفُور السدُوسِي مَوْلَاهُم أَبُو يُوسُف كَانَ بارعاً فِي مَذْهَب مَالك ألف فِيهِ تآليف جليلة أَخذ ذَلِك عَن ابْن المعذل وَأصبغ بن الْفرج والْحَارث ابْن مِسْكين وَسَعِيد بن أبي زنبر وَلَقي جمَاعَة من أَصْحَاب مَالك كَانَ فَقِيها من فُقَهَاء البغدادين على قَول مَالك وَمن كبار أَصْحَاب أَحْمد بن المعذل والْحَارث وَكَانَ كثير الرِّوَايَة وَيَعْقُوب هَذَا أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وأعلام أهل الحَدِيث المسندين يروي عَن يزِيد بن هَارُون وَيُونُس بن مُحَمَّد وهَاشِم بن الْقَاسِم وَيحيى بن بكير وَجَمَاعَة مِمَّن روى البُخَارِيّ عَن رجل عَنْهُم فَمن دونهم وَسمع يَعْقُوب بِالْبَصْرَةِ عَليّ بن عَاصِم وَيزِيد بن هَارُون وروح بن عبَادَة وَعَفَّان بن مُسلم وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وهَاشِم بن الْقَاسِم وَيحيى بن أبي بكر الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَجَمَاعَة وَرُوِيَ عَنهُ ابْن ابْنه مُحَمَّد بن أَحْمد ويوسف بن يَعْقُوب وَكَانَ ثِقَة سكن بَغْدَاد وَحَدِيث بهَا ورماه أَحْمد بن حَنْبَل بِسوء وبدعة قَالَ ابْن عبد البر يَعْقُوب أحد أَئِمَّة أهل الحَدِيث وصنف مُسْندًا مُعَللا إِلَّا أَنه لم يتمه قَالَ الْأَزْهَرِي سَمِعت الشُّيُوخ يَقُولُونَ إِنَّه لم يتم مُسْند مُعَلل قطّ وَلم يتَكَلَّم أحد على علل الحَدِيث بِمثل كَلَام يَعْقُوب وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي(1/355)
لَو وجد كَلَام يَعْقُوب على أَبْوَاب الحمامات للَزِمَ أَن يقْرَأ وَيكْتب فَكيف وَيُوجد سَنَد لَا مثل لَهُ إعجاباً بِكَلَامِهِ وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حَيْوَة مثل هَذَا الْكَلَام وَقيل إِن مُسْند أبي هُرَيْرَة الَّذِي وجد من سَنَده بِمصْر فِي مِائَتي جُزْء من الَّذِي خرج من مُسْنده وَالَّذِي ظهر مِنْهُ مُسْند الْعشْر وَابْن مَسْعُود وعمار وَعتبَة وَأبي غَزوَان وَالْعَبَّاس وَبَعض الموَالِي هَذَا الَّذِي رَأينَا من مُسْنده حسب وَقد كَانَ وَقع لأبي عَليّ الصَّدَفِي قِطْعَة صَالِحَة وَتُوفِّي فِي ربيع الأول سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ومولده سنة اثْنَيْنِ وَمِائَة مَعَ ابْن عبد الحكم فِي سنة وَاحِدَة وَقَالَ ابْن عبد البر مولده سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَالله أعلم
يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الرحمن بن يُوسُف ابْن جزي الْكَلْبِيّ يكنى أَبَا الْعَبَّاس كَانَ من أهل الْمُشَاركَة فِي الْعلم وَتَوَلَّى خطة الْقَضَاء بتونس ثمَّ استعفى فأعفي ثمَّ أُعِيد ثَانِيَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سِتا وَأَرْبَعين سنة روى عَن القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد المنعم بن عبد الرحمن وَعَن أبي الْحسن بن كوثر وَغَيرهمَا توفّي فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
من اسْمه يُوسُف من الطَّبَقَة الثَّالِثَة مِمَّن لم ير مَالِكًا وَالْتزم مذْهبه من أهل الأندلس
يُوسُف أَبُو عمر المغامي بن يحيى بن يُوسُف بن مُحَمَّد دوسي من ولد أبي هُرَيْرَة أندلسي الأَصْل ومغام من ثغر طليطلة أَصله مِنْهَا وَنَشَأ بقرطبة وَسكن مصر ثمَّ استوطن القيروان إِلَى أَن مَاتَ سمع بالأندلس من يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن حسان وَيحيى بن مزين رُوِيَ عَن عبد الملك بن حبيب مصنفاته وَكَانَ آخر البَاقِينَ من رُوَاته ورحل فَسمع بِمَكَّة من عَليّ بن عبد العزيز وبصنعاء من الدبرِي وبمصر من القراطيسي وَسمع أَبَا المصعب وَغَيرهم وَانْصَرف إِلَى الأندلس وَكَانَ حَافِظًا للفقه نبيلاً فِيهِ فصيحاً بَصيرًا بِالْعَرَبِيَّةِ أَقَامَ بعد انْصِرَافه بقرطبة أعواماً ثمَّ رَحل ثَانِيَة فسكن بِمصْر وأسمع النَّاس بهَا كتب ابْن حبيب وَعظم قدره بالمشرق وَقَالَ أَبُو الْعَرَب فِي طبقاته كَانَ المغامي إِمَامًا جَامعا لفنون من الْعلم ثِقَة عَالما بالذب عَن مَذْهَب الْحِجَازِيِّينَ فَقِيه الْبدن عَاقِلا وقوراً فَلَمَّا رَأَيْت مثله فِي عقله وأدبه وخلقه إِن جلس جلْسَة لم يغيرها حَتَّى يقوم ورحل فِي طلب الحَدِيث وَهُوَ يَوْمئِذٍ إِمَام شيخ وَقد سمع مِنْهُ النَّاس قبل رحلته فلقي المدبري وَكتب عَن النَّاس وَسمع مِنْهُ عَليّ بن عبد العزيز بِمَكَّة وَخلق كثير من أهل مصر وجاءه من مصر نَحْو مائَة كتاب من جمَاعَة بَعضهم يسْأَله الْإِجَازَة وَبَعْضهمْ يسْأَله الرُّجُوع إِلَيْهِم وَقَالَ بَعضهم لَا أعلم بِمَنْزِلَة يَسْتَحِقهَا عَالم بِعِلْمِهِ أَو فَاضل بِحسن مذْهبه إِلَّا ويوسف(1/356)
ابْن يحيى من أَهلهَا وَقَالَ فحلون وَكَانَت حَلقَة المغاني بِصَنْعَاء أعظم من حَلقَة المدبري وَكَانَ عَليّ بن عبد العزيز إِذا سُئِلَ عَن شَيْء يَقُول عَلَيْكُم بفقيه الْحَرَمَيْنِ يُوسُف بن بجير وَكَانَ جاور بهَا سبع سِنِين وَكَانَ مفوهاً عَالما قَالَ الشِّيرَازِيّ كَانَ فَقِيها عابداً تفقه بِابْن حبيب يُقَال إِنَّه صهره وَكَانَ شَدِيدا على الشَّافِعِي وضع فِي الرَّد عَلَيْهِ عشرَة أَجزَاء وللمغامي أَيْضا تأليف حسن فِي فَضَائِل مَالك وَكتاب فِي فَضَائِل عمر بن عبد العزيز قَالَ أَحْمد بن نصر كَانَ المغامي فَقِيه الصَّدْر حسن القريحة وقوراً مهيباً عَاقِلا حَلِيمًا ورحل إِلَى الْمشرق فَأَقَامَ أحد عشر عَاما وَمضى بألفي دِينَار فَأتى وَعَلِيهِ الدّين أنفقها فِي طلب الْعلم وسمعوا عَلَيْهِ بِالْيمن كتب ابْن حبيب سمع مِنْهُ عَليّ ابْن عبد العزيز وَأَبُو الذّكر القَاضِي وَأَبُو الْعَبَّاس الأبياني وَفضل بن سَلمَة وَأَبُو الْعَرَب التَّمِيمِي وَابْن اللباد وَسَعِيد بن فحلون وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزي وَغَيرهم توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ حمديس الْقطَّان وَيُقَال إِنَّه أُغمي عَلَيْهِ عِنْد مَوته ثمَّ أَفَاق فَقَالَ رَأَيْت الْآن أول ذَنْب عملته وَقد بلغت الْحلم
وَمن الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من أهل الأندلس
يُوسُف بن عمر بن عبد البر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد البر النمري الْحَافِظ شيخ عُلَمَاء الأندلس وكبير محدثيها فِي وقته وأحفظ من كَانَ فِيهَا لسنة مأثورة نسبه من النمر بن قاسط فِي ربيعَة من أهل قرطبة طلب بهَا وتفقه عِنْد أبي عمر بن المكوى وَكتب عَن شُيُوخه ولازم أَبَا الْوَلِيد بن الفرضي وَعنهُ أَخذ كثيرا من علم الرِّجَال والْحَدِيث سمع سعيد بن نصر وعبد الوارث وَأحمد بن قَاسم الْبَزَّاز وَأَبا مُحَمَّد بن أَسد وَخلف بن سهل الْحَافِظ وَجَمَاعَة سمع مِنْهُ عَالم كثير من جلة أهل الْعلم كَأبي الْعَبَّاس الدلائي وَأبي مُحَمَّد بن أبي قُحَافَة وَأبي عبد الله الْحميدِي وَأبي عَليّ الغساني وَأبي بَحر سُفْيَان بن العَاصِي وَذكر صَاحب الوفيات عَن القَاضِي أبي عَليّ بن سكرة قَالَ سَمِعت شَيخنَا القَاضِي أَبَا الْوَلِيد الْبَاجِيّ يَقُول لم يكن بالاندلس مثل أبي عمر بن عبد البر فِي الحَدِيث وَقَالَ الْبَاجِيّ أَيْضا أَبُو عمر أحفظ أهل الْمغرب وَألف فِي الْمُوَطَّأ كتبا مفيدة مِنْهَا كتاب التَّمْهِيد لما فِي الْمُوَطَّأ من الْمعَانِي والأسانيد رتبه على أَسمَاء شُيُوخ مَالك على حُرُوف المعجم وَهُوَ كتاب لم يتقدمه أحد إِلَى مثله وَهُوَ سَبْعُونَ جزأ قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم لَا أعلم فِي الْكَلَام على فقه الحَدِيث مثله فَكيف أحسن مِنْهُ ثمَّ صنع كتاب الاستذكار بمذاهب عُلَمَاء الْأَمْصَار فِيمَا تضمنه الْمُوَطَّأ من مَعَاني الرَّأْي والْآثَار شرح فِيهِ الْمُوَطَّأ على وَجهه ونسق أبوابه وصنع كتابا جمع فِيهِ أَسمَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ كتابا جَلِيلًا مُفِيدا سَمَّاهُ(1/357)
كتاب الِاسْتِيعَاب وَكتاب الْكَافِي فِي الْفِقْه وَله كتاب جَامع بَيَان الْعلم وفضله وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَته وَحمله وَكتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير وَكتاب الْعقل والعقلاء وَمَا جَاءَ فِي أوصافهم وَله كتاب صَغِير فِي قبائل الْعَرَب وأنسابهم سَمَّاهُ جمهرة الانسان وصنف كتاب بهجة الْمجَالِس وَأنس الْمجَالِس فِي ثَلَاثَة أسفار جمع فِيهِ أَشْيَاء مستحسنة تصلح للمذاكرة والمحاضرة من ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي مَنَامه أَنه دخل الْجنَّة وَرَأى فِيهَا عذقا مدلى فأعجبه فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن هَذَا فَقيل لأبي جهل فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ مَا لأبي جهل وَالْجنَّة وَالله لَا يدخلهَا أبدا فَإِنَّهُ لَا يدخلهَا إِلَّا نفس مُؤمنَة فَلَمَّا أَتَاهُ عِكْرِمَة بن أبي جهل مُسلما فَرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَتَأَول ذَلِك العذق بِعِكْرِمَةَ ابْنه وَمِنْه أَنه قيل لجَعْفَر بن مُحَمَّد يَعْنِي الصَّادِق كم تتأخر الرُّؤْيَا فَقَالَ رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَن كَلْبا أبقع يلغ فِي دَمه فَكَانَ شمر بن ذِي الجوشن قَاتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أبرص فَكَانَ تَأْخِير الرُّؤْيَا بعد خمسين سنة وَمن ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رُؤْيا فَقَصَّهَا على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا أَبَا بكر رَأَيْت كَأَنِّي أَنا وَأَنت نرقى دَرَجَة فسبقتك بمرقاتين وَنصف فَقَالَ يَا رَسُول الله يقبضك الله عز وَجل إِلَى رَحمته ورضوانه وأعيش بعْدك سنتَيْن وَنصفا وَمن ذَلِك أَن بعض أهل الشَّام قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ رَأَيْت كَأَن الشَّمْس وَالْقَمَر اقتتلا وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فريق من النُّجُوم قَالَ مَعَ أَيهمَا كنت قَالَ كنت مَعَ الْقَمَر قَالَ مَعَ الْآيَة الممحوة لاعملت لي أبدا فَعَزله وَقتل الرجل مَعَ مُعَاوِيَة بصفين وَكَانَ أَبُو عمر بن عبد البر رَحمَه الله موفقاً فِي التَّأْلِيف معاناً عَلَيْهِ ونفع الله بتآليفه فَكَانَ مَعَ تقدمه فِي علم الْأَثر وتبصره بالفقه ومعاني الحَدِيث لَهُ بسطة كَبِيرَة فِي علم النّسَب وَفَارق قرطبة وجال فِي غرب الأندلس مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى شَرق الأندلس وَسكن دانية من بلادها وبلنسية وشاطبة فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة وتولي قَضَاء الأشبونة وشنترين وَتُوفِّي هُوَ والخطيب أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ فِي سنة وَاحِدَة وَكَانَ الْخَطِيب حَافظ الْمشرق وَأَبُو عمر حَافظ الْمغرب رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بعلومهما والنمري بِفَتْح النُّون وَالْمِيم وَبعدهَا رَاء هَذِه نِسْبَة إِلَى النمر ابْن قاسط بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم وَإِنَّمَا تفتح الْمِيم فِي النِّسْبَة خَاصَّة وَكَانَ وَالِد أبي عمر أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد من أهل الْعلم من فُقَهَاء قرطبة سمع من أَحْمد بن مطرف وَأحمد بن مطرف وَأحمد بن حزم وَأحمد ابْن دُحَيْم وَغَيرهمَا وَكَانَ من أهل الْأَدَب البارع والبلاغة وَله رسائل وَشعر جيد وَمن شعره(1/358)
.. لاتكثرن تأملا ... واحبس عَلَيْك عنان طرفك
فلربما أَرْسلتهُ ... فرماك فِي ميدان حتفك ... قيل إِنَّه مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة مولده سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة لم يسمع مِنْهُ أَبُو عمر لصغره وَفِي يُوسُف سِتّ لُغَات ضم السِّين وَفتحهَا وَكسرهَا مَعَ الْوَاو وَضم السِّين وَفتحهَا وَكسرهَا الْهمزَة عوض الْوَاو فالمجموع سِتّ لُغَات وَالْيَاء فِي أَوله مَضْمُومَة فِي اللُّغَات السِّت ومولد الإِمَام الْحَافِظ أبي عمر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي ربيع الآخر وَتُوفِّي بشاطبة فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن نظمه ... تذكرت من يبكي عَليّ مداوماً ... فَلم ألف إِلَّا الْعلم بِالدّينِ وَالْخَبَر
عُلُوم كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... أَتَت عَن رَسُول الله فِي صِحَة الْأَثر
وَعلم الأولي قرب فقرن وَفهم مَا ... لَهُ اخْتلفُوا فِي الْعلم بِالرَّأْيِ وَالنَّظَر ...
يُوسُف بن الْحسن بن عبد العزيز بن مُحَمَّد بن أبي الْأَحْوَص كَانَ من أهل الْعلم وَالْعَدَالَة والنزاهة ولي كثيرا من الْقَوَاعِد فسلك فِي سيرته سَبِيل الجلة قَرَأَ على وَلَده وروى عَنهُ وَأَجَازَ لَهُ الرِّوَايَة أَبُو يحيى بن الْفرس وَأَبُو عمر بن حوط الله وَأَبُو الْقَاسِم بن ربيع وَغَيرهم مولده فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَسَبْعمائة
يُوسُف بن أبي مُوسَى بن سُلَيْمَان ابْن فتح الجذامي من أهل رندة يكني أَبَا الْحجَّاج كَانَ من أهل الْعلم والمشاركة فِي الْأَدَب ذَاكِرًا للْأَخْبَار حسن الشّعْر وتقلد خطة الْقَضَاء بِبَلَدِهِ وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْأَحْكَام أَخذ عَن أبي مُحَمَّد الْوَاحِد بن أبي السداد الْبَاهِلِيّ وَأبي جَعْفَر بن الزبير وَأبي عبد الله بن برطال وَأبي عبد الله الطنجالي وَأبي عبد الله بن رشيد الْخَطِيب الفِهري وَأبي الْحُسَيْن عبد الله بن مَنْظُور وَأبي جَعْفَر بن الزيات وَأبي عبد الله بن الكماد وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الأقشهري والأستاذ أبي إِسْحَاق الغافقي وَأبي الْقَاسِم بن الشَّاط وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم من الْعلمَاء الجلة وَمن تآليفه كتاب ملاذ المستعيذ وعياذ المستعين فِي بعض خَصَائِص سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتخميس الوتريات لِابْنِ رشيد وتخميس الْبردَة وَتَجْرِيد رُؤُوس مسَائِل الْبَيَان والتحصيل لِابْنِ رشد وتآليفه وتقاييده كَثِيرَة وَمن شعره ... أدب الْفَتى فِي أَن يرى متيقظاً ... لأوامر من ربه ونواهي
فَإِذا تمسك بالهوى يهوى بِهِ ... فالحبل مِنْهُ إِن تَيَقّن واهي ...(1/359)
وَهُوَ الْآن فِي قيد الْحَيَاة وَقد قيدته الكبرة وأثقلته الشيخوخة
يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جمَاعَة الصنهاجي وَيعرف بِابْن مصامد سكن مالقة وَهُوَ عِنْدهم مَوْصُوف بالجودة وَالصَّلَاح وَأكْثر قِرَاءَته بالمشرق وَله تآليف مِنْهَا كتاب الافتدا بسنن الْهدى فِي الْفِقْه وَكتاب الْمُنْتَقى مِمَّا هُوَ المرتضى للمتكلمين فِي أصُول الدّين وَكتاب الْمقَام الْأَعْلَى بأسماء الله الْحسنى وَصِفَاته العلى وَكتب المرشد فِي رِوَايَة لورش وقانون توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقرشِي الْأمَوِي الطرسوني المرسي أَبُو يَعْقُوب شهر بِابْن اندراس ولد المرسي بمرسية وارتحل إِلَى تونس واشتغل بهَا على أبي الْقَاسِم بن زيتون وَحصل فنوناً من الْعلم وتفقه بِأبي مُحَمَّد عبد الوهاب بن عبد القادر الزواوي البجري وَكَانَ البجري إِمَامًا فِي الْعُلُوم خُصُوصا الْمنطق وَكَانَ يقرىء تلقين القَاضِي عبد الوهاب فيقرر مسَائِله بنظم الأقيسة والتعاريف على القوانين المنطقية وَكَانَ يُوسُف الْمَذْكُور طَبِيبا عَالما بِعلم أوقليدس وتصانيفه فِي الْحِكْمَة والطب والهيئة وعلوم الْأَوَائِل مِمَّا يطول عدهَا لكثرتها توفّي بتونس سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ وَلَده صوفيا بخانقاة سعيد السُّعَدَاء
يُوسُف ابْن يَعْقُوب القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الازدي ابْن عَم إِسْمَاعِيل القَاضِي ولي قَضَاء الْبَصْرَة وواسط سمع فِي صغره من مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَسليمَان بن حَرْب وطبقتهما وصنف السّنَن وَكَانَ حَافِظًا دينا عفيفاً مهيباً توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
من اسْمه يُونُس من الطَّبَقَة الثَّامِنَة من الأندلس
يُونُس القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن مُحَمَّد بن مغيث يعرف بِابْن الْقصار قرطبي كَانَ أَولا يتَوَلَّى بني أُميَّة فَلَمَّا انقرضت دولتهم انْتَمَى فِي الْأَمْصَار سمع من ابْن الْأَحْمَر وَابْن ثَابت وَابْن برطال وَابْن الخزاز وَغَيرهم وَابْن عبد العزيز وَابْن مُجَاهِد وَابْن السَّلِيم وَابْن جهور وَابْن زرب وَكَانَ رجلا صَالحا قديم الطّلب سمع مِنْهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَابْن عتاب وَكَانَ يُونُس من أكَابِر أَصْحَاب ابْن زرب وَكَانَ يمِيل إِلَى التصوف فِي الْعِبَادَة فِي هَذَا كُله وَكَانَ سريع الدمعة وَلم يكن بالبارع فِي الْفِقْه وَولي قَضَاء مَوَاضِع كَثِيرَة وَولي الرَّد بقرطبة ثمَّ ولاه المعتز قَضَاء قرطبة وَكَانَ يُقَال إِن مَاتَ يُونُس وَلم يلى قَضَاء الْجَمَاعَة بقرطبة مَاتَ شَهِيدا وَله ... أدافع أيامي بِقصد وبلغة ... وألزم نَفسِي الصَّبْر عِنْد الشدائد
وَأعلم أَنِّي فِي مكابدة البلا ... بِعَين الَّذِي يرجوه كل مكابد ... ألف كتاب الموعب فِي تَفْسِير الْمُوَطَّأ وَجمع مسَائِل ابْن زرب وتآليفه فِي أَخْبَار الزهاد وَكتب(1/360)