يُذكرِّك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا تَمُتُّ بِهِ إِلَيْهِ فَتَقول لَا أذكُره فَقَالَ لم أكن ذَاكِرًا ذَلِك وَلم يُعوّدني الله فِي الصِّدق إلاّ خيرا ومولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقيل سنة خمس وَقيل سنة سبع وصلّى عَلَيْهِ الْمَنْصُور
3 - (السِّيرافي)
هِشَام بن عَليّ السِّيرافي روى عَنهُ أَحْمد بن عُبيد الصَّفار وفاروق الْخطابِيّ وَغَيرهمَا وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
3 - (أَبُو الْوَلِيد المقرىء)
هِشَام بن عمار بن نُصير بن أبان بن مَيسَرة السُّلمي الظَّفَري القارىء أَبُو الْوَلِيد أَخذ الْقِرَاءَة عَن عبد الله بن عَامر اليَحصُبي وَتُوفِّي سنة خمسٍ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سِتّ وَله تسعٌ وَثَمَانُونَ سنة كَانَ خطيب جَامع دمشق يخطُب ويصلّي بهم يَوْم الْجُمُعَة فَقَط روى عَنهُ جُلة الْعلمَاء وحدّث أَبُو عُبيد بِالْقِرَاءَةِ قبل وَفَاة هِشَام بنحوٍ من أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ أهل الشَّام مَعَ جلالة قدر هِشَام وديانته وورَعِه يُفضِّلون عَلَيْهِ عبد الله بن ذكوانَ وَهِشَام أسنُّ مِنْهُ وأكثرَ حَدِيثا وتصنيفاً وعُمِّر حَتَّى لحق وَفَاة ابْن ذكْوَان وعاش بعده ثَلَاث سِنِين وَجَاء إِلَيْهِ رجل فَقَالَ هِشَام مِمَّن أَنْت فَقَالَ من بني لازبٍ فَقَالَ أَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي إنّما نسبه إِلَى قَول اللع عز وَجل من طينٍ لازبٍ فَضَحِك هِشَام وَكَانَ هِشَام مقرىء دمشق ومُفتيها ومحدثها وروى عَنهُ البُخَارِيّ وابو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وروى التِّرْمِذِيّ عَن رجل عَنهُ وبَقيّ بن مَخلدٍ وَمُحَمّد بن سعدٍ كَاتب الْوَاقِدِيّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ صَدُوق كبيرُ المحلّ وَكَانَ فصيحاً مُفوَّهاً بليغاً
3 - (الصَّحَابِيّ)
)
هِشَام بن عَمْرو بن ربيعَة بن الْحَارِث بن حبيبٍ قَالَ ابْن عبد البرّ لَا أعرفهُ بأكثرَ من أَنه معدودٌ عِنْدهم فِي المؤلَّفةِ قلوبُهم ومَن عدّ هَذَا وَمثله بلغ بهم أَرْبَعِينَ رجلا
3 - (رَأس الهشاميّة الْمُعْتَزلَة)
هِشَام بن عمرٍو رَأس الهشاميّة وَهُوَ فرقةٌ من الْمُعْتَزلَة كَبِيرهمْ هَذَا هِشَام الفُوَطي زَاد على أَصْحَابه الْمُعْتَزلَة ببدعةٍ ابتدعها مِنْهَا أَنه قَالَ الجنّة النَّار ليستا مخلوقتين الْآن وَمِنْه نَشأ اعتقاداً لمعتزلة الْمُتَأَخِّرين فِي نفي خلق الْجنَّة وَالنَّار وَمن أَصْحَابه أَبُو بكر الْأَصَم وَافقه فِي كلّ ذَلِك وبالغَا فِي نفي إِضَافَة الطَّبْع والجسم إِلَى الله تَعَالَى وَقد تقم ذكر أبي بكرٍ الْمَذْكُور ومقالته فِي الْإِمَامَة وَمَا أبدعه فِيهَا وَمن جملَة(27/211)
أَتبَاع هِشَام بن عَمْرو وعبّاد وَافقه على مُعتَقَدِه جَمِيعًا وَزَاد عَلَيْهَا بِأَن قَالَ النُّبُوَّة جزءٌ على عَمل وَإِنَّهَا باقيةٌ مَا بقيت الدُّنْيَا وَهَذَا كفرٌ صُراحٌ وَخلاف للْمُسلمين
3 - (الجرشِي هِشَام بن الغازبن ربيعَة الجرشِي قَالَ أَحْمد صالحُ الحديثِ وَقَالَ دُجيم وَغَيره)
ثِقَة كَانَ على بَيت المَال للمنصور وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة روى لَهُ الْأَرْبَعَة
3 - (هِشَام بن مُحَمَّد ابْن الْكَلْبِيّ)
هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب بن بشرٍ أَبُو الْمُنْذر الْكَلْبِيّ النسّابة العلاّمة الأخباري الْحَافِظ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل إنّما كَانَ صَاحب سَمَرٍ ونَسَبٍ مَا ظننَتُ أحدا يحدث عَنهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره مَتْرُوك وَفِيه رفضٌ قَالَ ابْن سعد توفّي سنة ستّ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ الْخَطِيب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ خليفةُ بن خياط وَمُحَمّد بن سعد وَمُحَمّد بن أبي السّري وَمُحَمّد بن حبيب وَهُوَ من أهل الْكُوفَة قدم بَغْدَاد وحدّث بهَا قَالَ إِسْحَاق الْموصِلِي رَأَيْت ثَلَاثَة يذوبون إِذا رَأَوْا ثَلَاثَة الْهَيْثَم بن عدي إِذا رأى هشاماً الكلبيَّ وعلَّويه إِذا رأى مخارقاً وَأَبا نواس إِذا رأى أَبَا الْعَتَاهِيَة وَقَالَ ابْن المعتز قَالَ لي الْحسن بن عُليك العَنزي كَانَ يحيى بن معِين يُحسِن الثناءَ على هشامٍ وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يكرههُ وَقَالَ حفِظتُ مَا لم يحفظه أحدٌ ونسيتُ مَا لم ينسَه أحدٌ كَانَ لي عمّ يعاتبني على حفظ الْقُرْآن فدخلتُ بَيْتا وَحلفت أَن لَا أخرج مِنْهُ حتّى أحفظ الْقُرْآن فحفظته فِي ثَلَاثَة أيّام ونظرتُ يَوْمًا فِي الْمرْآة فقبضتُ على لحيتي لآخذ مَا دون القبضة فَأخذت مِنْهَا مَا فَوق القبضة وَهَذَا الْخَبَر يُروَى عَن أَبِيه أَيْضا وَكَانَ هِشَام يَقُول الْإِسْنَاد فِي الْخَبَر مثل العَلَم فِي الثَّوْب قَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ وَقد ذكر هَذَا فأمّا أَنا فَمَا)
زلت أُحِبُّ الساذج من كلّ شَيْء فهرست تصانيفه كتبه فِي الأحلاف كتاب حلف عبد الْمطلب وخزاعة كتاب حلف الفضول وقصة الغزال كتاب حلف كلب وَتَمِيم كتاب المغتَربات كتاب حلف أسلمَ فِي قيسٍ كتبه فِي المآثر والبيوتات والمنافرات والألقاب كتاب المنافرات كتاب بيوتات قُرَيْش كتاب فَضَائِل قيس غَيلان كتاب المَوؤدات كتاب بيوتات ربيعَة كتاب الكُنَى كتاب أَخْبَار الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كتاب خُطبة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كتاب ألقاب بني طابِخة كتاب ألقاب قيس(27/212)
غيلَان كتاب ألقاب ربيعَة كتاب ألقاب الْيمن كتاب نوافل قيس كتاب نوافر إياد كتاب نوافر ربيعَة كتاب تَسْمِيَة من نُقِل من عادٍ وَثَمُود والعماليق وجُرهُم وَبني إِسْرَائِيل وَالْعرب وقصّة هجرس وَأَسْمَاء قبائل الجنّ كتاب نوافر قضاعة كتاب ادّعاء زيادٍ معاويةَ كتاب زِيَاد بن أَبِيه كتاب صنائع قُرَيْش كتاب المشاجرات كتاب المناقلات كتاب المعاتبات كتاب المشاغَبات كتاب مُلُوك الطوائف كتاب مُلُوك كِنْدَة كتاب بيوتات الْيمن كتاب مُلُوك التبايعة كتاب افْتِرَاق ولد نزار كتاب تفرّق الأزد كتاب طَسم وجَدِيس كتاب مَن قَالَ بَيْتا من الشّعْر فنُسِبَ إِلَيْهِ كتاب المُعرِقات من النِّسَاء فِي قُرَيْش كتبه فِي أَخْبَار الْأَوَائِل كتاب حَدِيث آدم وَولده كتاب الأُولى والأُخرى كتاب تفرُّق عَاد كتاب أَصْحَاب الْكَهْف كتاب رفع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كتاب المسُوخ من بني إِسْرَائِيل كتاب الْأَوَائِل كتاب أقيال حِمير كتاب خير الضَّحَّاك كتاب منطق الطير كتاب غربَة كتاب لُغَات الْقُرْآن كتاب المعمرين كتاب الْأَصْنَام كتاب القِداح كتاب أَسْنَان الْجَزُور كتاب أَدْيَان الْعَرَب كتاب أَحْكَام الْعَرَب كتاب وَصَايَا الْعَرَب كتاب السيوف كتاب الْخَيل كتاب الدفائن كتاب أَسمَاء فحول خيل الْعَرَب كتاب الندماء كتاب اللعناء كتاب الكُهّان كتاب الجِنّ كتاب أَخذ كسْرَى رَهن الْعَرَب كتاب مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ وَوَافَقَ حكم الْإِسْلَام كتاب أبي عتابٍ ربيع حِين سَأَلَهُ عَن العويص كتاب عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ كتاب أبي زهر الدَّوسي كتاب حَدِيث ببهَس وَإِخْوَته كتاب مَرْوَان الْقرظ كتاب السيوف كتبه فِيمَا قَارب الْإِسْلَام من الْجَاهِلِيَّة كتاب الْيمن وَسيف بن ذِي يَزن كتاب مَناكح أَزوَاج الْعَرَب كتاب الْوُفُود كتاب أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب زيد بن حَارِثَة كتاب تَسْمِيَة من قَالَ بَيْتا أَو قيل فِيهِ كتاب الدّيباج فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء كتاب من فَخر بأحواله من قُرَيْش كتاب من هَاجر وَأَبوهُ حَيّ كتاب أَخْبَار الْجِنّ وأشعارهم كتبه فِي أَخْبَار الْإِسْلَام كتاب أَخْبَار عمر)
ابْن أبي ربيعَة كتاب دُخُول جرير على الْحجَّاج كتاب تأريخ الْخُلَفَاء كتاب صِفَات الْخُلَفَاء كتاب الْمُصَلِّين كتبه فِي أَخْبَار الْبلدَانِ كتاب الْبلدَانِ الْكَبِير كتاب الْبلدَانِ الصَّغِير كتاب تَسْمِيَة من بالحجاز من أَحيَاء الْعَرَب كتاب تَسْمِيَة الْأَرْضين كتاب الْأَنْهَار كتاب الْحيرَة كتاب منَازِل الْيمن كتاب الْعَجَائِب الْأَرْبَعَة كتاب أسواق الْعَرَب كتاب الأقاليم كتاب اشتقاق أَسمَاء الْبلدَانِ كتاب الْحيرَة وَتَسْمِيَة البيع والديارات وَنسب العبادّيين كتبه فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وَأَيَّام الْعَرَب كتاب تَسْمِيَة مَا فِي شعر امرىء الْقَيْس من أَسمَاء الرِّجَال وَالنِّسَاء وأنسابهم وَأَسْمَاء الْأَرْضين وَالْجِبَال والمياه كتاب من قَالَ شعرًا فنُسب إِلَيْهِ كتاب الْمُنْذر ملك الْعَرَب كتاب داحس والغبراء كتاب أَيَّام فَزَارَة ووقثائع بني شَيبان كتاب وقائع الضباب وفزارة كتاب سيف اسْم مَوضِع كتاب الكُلاب وَهُوَ يَوْم(27/213)
النسناس كتاب أَيَّام بني حنيقة كتاب أَيَّام قيس ابْن ثَعْلَبَة كتاب الإِمَام كتاب مُسيلمة الْكذَّاب وسجاح كتبه فِي الْأَخْبَار والأسمار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب الفتيان الْأَرْبَعَة كتاب السَّمر كتاب الْأَحَادِيث كتاب المقطعات كتاب حبيب الْعَطَّار كتاب عجائب الْبَحْر كتاب النّسَب الْكَبِير وَكَانَ سَمَّاهُ الْجَامِع فَسَماهُ ابْن حبيب الجمهرة كتاب الْكلاب الأول وَالْكلاب الثَّانِي كتاب أَوْلَاد الْخُلَفَاء كتاب أُمَّهات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب أُمَّهَات الْخُلَفَاء كتاب العَواتك كتاب تَسْمِيَة ولد عبد الْمطلب كتاب كُنى آبَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب جمهرة الجمهرة كتاب النَّوَافِل وَالْجِيرَان كتاب الفريد فِي النّسَب كتاب الملوكي فِي النّسَب
3 - (الطُلَيطُلي الصُّوفِي)
هِشَام بن مُحَمَّد بن سعيد أَبُو عَليّ الطليطلي الأندلسي الصُّوفِي الزَّاهِد قدِم بَغْدَاد وَتُوفِّي بهَا سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة كَانَ من أَعْيَان الْمَشَايِخ وَله كَلَام حسن فِي الْحَقِيقَة وَمن شعره
(يَا عاشقَ الدُّنْيَا ويحسَب أَنه ... سنالها كرّاً لَهُ ويُعالجُ)
(ويظنُّ أنَّ بعزمه وبحزمه ... فِيهَا يوالج أَهلهَا ويخارج)
(دنياك ميدانٌ وأنتَ بظَهره ... كرهٌ وأسبابُ الْقَضَاء صوالج)
وَمِنْه
(يَا لاهياً بالعيشِ عَن ذكر الرَّدى ... مَا أنزرَ الدُّنْيَا بِهِ وأقلَّها)
(وَلَعَلَّ ساعتَك الَّتِي تلهُو بهَا ... عي ساعةُ الْأَجَل الحثيث لعلَّها)
)
(كَم نيَّةٍ عقدَت على نيلِ المُنى ... ظَفَراً بِهِ حلَّ المَنُونُ فحلَّها)
3 - (المعتدّ بِاللَّه الأُموي)
هِشَام بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن النَّاصِر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المعتد بِاللَّه أَبُو بكر الْأمَوِي المرواني الأندلسي لما قُطِعت دعوةُ يحيى بن عَليّ بن حمودٍ الإدريسي ثانيَ مرةٍ أَجمعُوا على ردّ الْأَمر إِلَى بني أُميَّة فَبَايعُوهُ وَلم يقم إلاّ يَسِيرا حَتَّى قَامَت عَلَيْهِ طَائِفَة من الجُند فخلعوه وجَرَت أمورٌ طويلةٌ واُخرِجَ من الْقصر هُوَ وحاشيته وحُرَمه حافياتٌ حاسراتٌ وَلحق هُوَ بِابْن هُود المتغلب على سَرقُسطَة فَأَقَامَ فِي كَنَفه إِلَى أَن مَاتَ سنة سبعٍ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة
3 - (الضَّرِير النَّحْوِيّ)
هِشَام بن مُعَاوِيَة ابو عبد الله الضَّرِير النَّحْوِيّ الْكُوفِي(27/214)
صَاحب أبي الْحسن عَليّ الْكسَائي أَخذ عَنهُ كثيرا من النَّحْو وَله فِيهِ مقَالَة تُعزَى إِلَيْهِ وَله فِيهِ تصانيف مِنْهَا كتاب الْحُدُود وَهُوَ صَغِير وَكتاب الْمُخْتَصر وَكتاب الْقيَاس وَغير ذَلِك وَكَانَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مُصعَب قد كلّم الْمَأْمُون يَوْمًا فلحَن فِي كَلَامه فَنظر إِلَيْهِ الْمَأْمُون ففطِن لما أَرَادَ وَخرج من عِنْده وَجَاء إِلَى هِشَام الْمَذْكُور وَقَرَأَ النَّحْو عَلَيْهِ وَتُوفِّي هِشَام سنة تسع وَمِائَتَيْنِ قَالَ ابو نصرٍ سِندي بن صَدَقَة كنت أَهْوى غُلَاما يُقَال لَهُ إِسْحَاق من أَبنَاء الكتّاب وَكَانَ هِشَام النَّحْوِيّ يعرف أَمْرِي مَعَه فَقَالَ لي يَوْمًا يَا ابا نصرٍ رَأَيْت فِي الْمَنَام أَنَّك بطَحتَ إِسْحَاق وَأَنت تضربه فَقلت إِن صدقَت رؤياكِ نِلتُ أمَلي مِنْهُ فَلم أزل حَتَّى خَلَوتُ مَعَه فَقلت
(مَا رَأينَا كمثلِ رُؤْيا هشامٍ ... لم تَكن من كواذب الأحلامِ)
(كَانَ تَأْوِيلهَا وَقد يكذِب الحا ... لم نَيكا وشُربَ صَفو المدام)
(فِي نَدامى كأنّهم أوبةُ الأحب ... بَاب من حُسن منطِقٍ ونِدام)
(فاقترحنا وَنحن أنضاء سُكرٍ ... مَن لقلبٍ مُتَيَّمٍ مستهام)
(ذَاك حَتَّى بدا وضَح الْفَج ... رُ وَمَال الصباحُ بالأظلام)
(جاد لي أحمدٌ فدَت نفسَه نف ... سيَ مَا سئتُ من صُنوف الْحَرَام)
(وَلَقَد كَانَ بعد بَطحٍ ونَطحٍ ... واغتلامٍ مَا تشْتَهي من غُلام)
3 - (أَبُو الْوَلِيد الغافقي)
هِشَام بن الْوَلِيد بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن هِشَام الغافقي أَبُو الْوَلِيد العَروضي من أهل)
قرطبة سمع من بَقِيّ بن مَخلَدٍ وَمُحَمّد بن وضاحٍ وَغَيرهمَا وَكَانَ نحويّاً عروضيّاً وَهُوَ الَّذِي أدّب النَّاصِر عبد الرَّحْمَن بن محمدٍ ثمَّ أدّب بعده وليَّ عَهده الحَكَم الْمُسْتَنْصر وَكَانَ العَروض أغلبَ عَلَيْهِ توفّي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة
3 - (قَاضِي صنعاء)
هِشَام بن يُوسُف الصنعانيّ الْفَقِيه قَاضِي صنعاء وعالمها قَالَ ابْن مَعين هُوَ أثبَتُ من عبد الرَّزَّاق وَابْن جُرَيح وَقَالَ أَبُو حَاتِم ثِقةٌ مُتقِن توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وروى لَهُ البُخَارِيّ وَالْأَرْبَعَة(27/215)
(هشيم)
3 - (هُشيم الوَاسِطِيّ)
هشيم بن بشير بن أبي حازمٍ ابو مُعَاوِيَة السّلمي الوَاسِطِيّ أحد الْأَعْلَام كَانَ من كبار المدلِّسين مَعَ حِفظه وصِدقه قَالَ مَعْرُوف الْكَرْخِي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول لهشيمٍ جَزَاك الله خيرا عَن أمتِي قَالَ نصر بن بسامٍ فَقلت لمعروف أَنْت رأيتَ هَذَا قَالَ نعم هشيم خيرٌ ممّا تظنّ توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
أَبُو هفّان النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ اسْمه عبد الله بن أَحْمد
(هفتكين)
3 - (أَبُو مَنْصُور الشَّرّابي)
هَفتكين الْأَمِير أَبُو مَنْصُور الشَّرّابي هرب من بَغْدَاد خوفًا من عضُد الدولة وَنزل نواحِيَ حمص فَسَار إِلَيْهِ ظَالِم العُقيلي من بَعلَبَكّ ليأخذه فَلم يقدر وكاتبوه من دمشق فقَدِمها وَغلب عَلَيْهَا وَأقَام الدعْوَة للعبّاسيين وواقع جُند بَني عبيدٍ وقَتَلَ مِنْهُم جمَاعَة وَأخذ لَهُم مراكب من سَاحل صَيداء ثمَّ إنّه رَحل عَنْهَا لمّا بلغه مَجِيء القرمطي وَخرج الْعَزِيز صَاحب مصر فِي سبعين ألفا فالتقاهم هفتكين وَثَبت ثمَّ انْكَسَرَ واسروه فِي أول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة وحُمل إِلَى مصر ثمَّ إنّ الْعَزِيز منّ عَلَيْهِ وَأطْلقهُ وَصَارَ لَهُ موكبٌ فخافه الْوَزير أَبُو يُوسُف بن كلّس فدسّوا عَلَيْهِ مَن سَقاه السمَّ فَقتله فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ إِلَيْهِ المنتهَى فِي الشجَاعَة
(هِقْل)
3 - (الدِّمَشْقِي كَاتب الْأَوْزَاعِيّ)
الهِقل بن زِيَاد الدِّمَشْقِي نزيل بَيروت كَانَ كاتبَ الْأَوْزَاعِيّ وتلميذه قَالَ يحيى بن معِين مَا كَانَ بِالشَّام أوثق مِنْهُ توفّي سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَقيل سنة تسعٍ وَسبعين وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
3 - (الألقاب)
الهكّاري الْمسند اسْمه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ضِيَاء الدّين الهكاري عِيسَى بن مُحَمَّد شرف الدّين الهكاري عِيسَى بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم شهَاب الدّين الهكاري اسْمه أَحْمد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن(27/216)
(هِلَال)
3 - (هِلَال النمري الخزرجي)
هِلَال الدّين بن إِبْرَاهِيم بن نجاد بن عَليّ بن شرِيف أَبُو الْبَدْر النمري الخزرجي الشَّاعِر قدم دمشق ذكره ابْن عَسَاكِر وَكَانَ من الحديثة وَمن شعره
(أطعتُ الهَوى لَمّا تَملَّكني قَسراً ... ولَم أدرِ أَنَّ الحُبَّ يَستعبدُ الحُرَّا)
(وأَصبحتُ أصغي إِلَى لوم لائم ... وَلَا عاذلٍ فِي العَذلِ مشتهِرِ مُغرَى)
(إِذا مَا تذكرتُ الحديثةَ الشَّرى ... وَطيب زماني بادرت مقلتي تترى)
(أّشَرخَ شَبَابِي بالفراتِ وسَرَّني ... ومِيدانَ لَهوي هَل لنا عَودَةٌ أُخرى)
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن المُعلَّى بن لُوذان بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي شهد بَدْرًا مَعَ أَخِيه رافعِ بن الْمُعَلَّى
3 - (الوَاقِفِي الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن امية الْأنْصَارِيّ الوَاقِفِي شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَنزل الْقُرْآن فيهم وعَلى الثَّلاَثَةِ الَّذين خُلِّفُوا الْآيَة وَهُوَ الَّذِي قذف امرأتَه بِشريك بن السمحاء
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن عَلْقَمَة الصَّحَابِيّ قُتِل يَوْم القادسيّة شَهِيدا وَهُوَ أوّل من عبر دجلة يومئذٍ وَقَالَ الشّعبِيّ أوّل من أقحم فرسَه سعدٌ وَيُقَال أوّل من عبرها رجلٌ من بني عبد الْقَيْس
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن الْحَمْرَاء قَالَ أقمتُ بِالْمَدِينَةِ شهرا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي منزل فَاطِمَة وعليّ كلّ غداةٍ فَيَقُول الصَّلَاة الصَّلَاة إِنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرَّجسَ أَهلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيرَاً وَحَدِيثه عِنْد أبي إِسْحَاق السَّبيعي عَن أبي دَاوُد القاصّ عَن أبي الْحَمْرَاء
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن عمرٍو أبي خولي بن زُهَيرٍ الجُعفي كَانَ حليفاً للخطاب بن نُفَيلٍ ذكره مُوسَى بن عُقبَة فِي من شهد بَدْرًا)(27/217)
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن سَعدٍ أحد بني منيعان جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهدّية عَسلٍ فقبلها مِنْهُ ثمَّ أَتَاهُ بمثلِها وَقَالَ هِيَ صدقةٌ فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُضَمَّ إِلَى أَمْوَال الصَّدقَات
3 - (الصَّحَابِيّ)
هِلَال بن وَكِيع بن بشر بن عمرٍو الدَّارمِيّ التَّمِيمِي قتل يَوْم الْجمل مَعَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
3 - (الرقي)
هِلَال بن الْعَلَاء بن هلالٍ الْبَاهِلِيّ الرقيّ الأديب شيخ الرَّقة وعالمها روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ لَيْسَ بِهِ بأسٌ وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
3 - (أَبُو الْعَلَاء الْبَصْرِيّ)
هِلَال بن خبّابٍ أَبُو الْعَلَاء الْبَصْرِيّ مولى زيد بن صَوَحان سكن الْمَدَائِن ووثّقه ابنُ معينٍ وَتُوفِّي سنة أربعٍ وَأَرْبَعين وَمِائَة وروى لَهُ الأربعةُ
3 - (العامري)
هِلَال بن عَليّ أبي ميمونةَ مولى آل عَامر بن لُؤيٍّ كَانَ من الثِّقَات الْمَشَاهِير روى عَن أنسٍ بن مَالك وَعَطَاء بن يسارٍ وَأبي سلمةَ بن عبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عَمرة قَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِهِ بأسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِم شيخٌ يُكتب حَدِيثه وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (ابْن الصابىء)
هِلَال بن مُحَمَّد بن هِلَال بن المحسِّن بن إِبْرَاهِيم الصابىء أَبُو الْحُسَيْن بن أبي الْحسن الْكَاتِب كَانَ أديباً فَاضلا كثير الْمَحْفُوظ من الحكايات والأشعار وَأَيَّام النَّاس وَكَانَ يُدعى الْأَشْرَف وَتُوفِّي سنة ثمانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
3 - (أَبُو الْحُسَيْن بن الصابىء)
هِلَال بن المحسِّن بن إِبْرَاهِيم بن هِلَال أَبُو الْحُسَيْن بن الصابىء وَهُوَ جدّ الْأَشْرَف هِلَال الْمَذْكُور آنِفا وَتقدم ذكر جمَاعَة من أهل بَيته الْفُضَلَاء كَانَ أَبوهُ وجدّه على دين الصابئة)
وَأسلم هُوَ ولإسلامه قِصَّةٌ فِيهَا طول سردها ياقوت فِي كتاب مُعْجم الأدباء وخلاصتُها أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة فأقامه وَقَالَ لَهُ لَا تُرّع وَحمله إِلَى بالوعةٍ فِي الدَّار وَقَالَ تَوَضَّأ وضوءَ الصَّلَاة وصلِّ وجذبه إِلَى جَانِبه وَقَرَأَ بِالْحَمْد وَسورَة النَّصْر وَدعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام وَأسلم على يَده وقصّ مَنَامه على أَبِيه فبشّره(27/218)
وَأمره بِالْكِتْمَانِ ثمَّ إنّه رأى رؤيَا ثَانِيَة وَقَالَ لَهُ مَا فعلتَ شَيْئا ممّا وافقتُك عَلَيْهِ فَقَالَ بلَى قَالَ كَانَ فِي نَفسك بقيّة شُبهةٍ وَحمله إِلَى بَاب الْمَسْجِد الَّذِي فِي المشرعة وَعَلِيهِ رجل خراساني نَائِم على قَفاهُ وجوفه كالغِرارة المحشوّة من الاسْتِسْقَاء ويداه وقَدَماه منتفختان فأمرّعلى بَطْنه يَدَه فَقَامَ الرجل صَحِيحا ثمَّ رَآهُ مرّةً ثَالِثَة فَقَالَ يَا هَذَا كم آمُرُك بِمَا أُرِيد فِيهِ الْخَيْر لَك فَقَالَ أَنا متصرَّف عليّ قَالَ بلَى وَلَكِن لَا يُغني الْبَاطِل الْجَمِيل مَعَ الظَّاهِر الْقَبِيح وَإِن كنتَ تراعي أمرا فمراعاتك الله أولى قُم الْآن وَافْعل مَا يحب فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة فانتبه وَذهب إِلَى الْحمام وَجَاء إِلَى المشهد وصلّى فِيهِ وَكتب مُصحفاً فَرَأى بعض شُهُود رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول قل لهَذَا الْمُسلم نويتَ تكْتب مُصحفاً فاكتبه يتم إسلامك وَكتب لفخر الْملك أبي غَالب مُحَمَّد بن خلف وَلما مَاتَ أودعهُ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَلم تؤخَذ مِنْهُ لِأَن الْوَزير مؤيد الْملك أَبَا عَليّ الْحسن بن الْحُسَيْن الزحجي كَانَ صاحبَه واعترف هُوَ لَهُ بذلك فَقَالَ هِيَ لَك فَعَاشَ فِيهَا إِلَى أَن مَاتَ وَلأبي الْحُسَيْن من التصانيف كتاب التأريخ ذيَله على تأريخ ثَابت بن سنانٍ الصابىء الطَّبِيب وَكَانَ نسيبَه بدا فِيهِ من سنة سِتِّينَ وثلاثمائة وقطعه على سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وذيل عَلَيْهِ ابْنه غَرس النِّعْمَة كتاب الدولة البُوَبهية وَله كتاب غُرّر البلاغة فِي الرسائل من كَلَامه كتاب رِسَالَة أَنْشَأَهَا عَن الْمَمْلُوك والوزراء تقَارب رسائل جده أبي إِسْحَاق وَكتاب رسوم دَار الْخلَافَة وَكتاب أَخْبَار بَغْدَاد كتاب الوزراء ذيّله على كتاب الصولي أَو الجهشياري وَكتاب مآثر أَهله كتاب الكتّاب كتاب السياسة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
3 - (الْمَازِني الشَّاعِر)
هِلَال بن الأسعَر بن خالدٍ من بني مَازِن من بني تميمٍ كَانَ شَاعِرًا إسلاميّاً أدْرك الدولة الأُموية قَالَ صَاحب الأغاني أَظُنهُ أدْرك الدولة العبّاسية وَكَانَ رجلا شَدِيدا عظيمَ الخَلق معدوداً فِي الَأكلة وَكَانَ فَارِسًا شجاعاً قَالَ وَقد سُئل مرّة إِنِّي جُعتُ يَوْمًا وَمَعِي بَعِيري)
فنحرتُه وأكلته إلاّ مَا بَقِي حَملتُه على ظَهْري ثمَّ أردتُ المجامعة فَلم أقدر فَقَالَت إمرأتي كَيفَ تصل إليّ وبيننا بعيرٌ فَقيل لَهُ وَكم تكفيك هَذِه الأكلةُ قَالَ أربعةَ أيامٍ وَقَالَ شيخٌ من مازنٍ أَتَانَا هِلَال فَأكل جميعَ مَا فِي بيتنا فَبَعَثنَا إِلَى الْجِيرَان نُقرِض الْخبز فَلَمَّا رأى اخْتِلَاف الْخبز عَلَيْهِ قَالَ هَل عنْدكُمْ سَوِيقٌ قُلْنَا نعم فجئتهُ بجراب طَوِيل فِيهِ سَويق وَبَين يَدَيْهِ نَبِيذ فصبّ السويق كُله وصبّ عَلَيْهِ النَّبِيذ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ كلّه وَقَالَ الْمَدَائِنِي مرّ هِلَال على رجلٍ من بني مَازِن بِالْبَصْرَةِ قد حمل من بستانه رُطَباً فِي زواريقَ فَجَلَسَ على زورق مِنْهَا وَقد كُثِبَ الرُطَب فِيهَا وغطّاه بالبواري فَقَالَ يَا ابْن عمّ آكُلُ من(27/219)
رُطبك قَالَ نعم قَالَ مَا يَكْفِينِي قَالَ مَا يَكْفِيك فَجَلَسَ على صدر الزورق وَجعل يَأْكُل إِلَى أَن اكْتفى ثمَّ قَامَ وَانْصَرف فكُشِفَ الزورق فَإِذا هُوَ مماوءٌ نَوى وَلَيْسَ فِيهِ رُطب وَقَالَ سُئل عَن إذاجبِ شيءٍ أكله فَقَالَ مِائَتي رغيف مَعَ مَكّوِك ملح وَقَالَ صَدَقةُ بن عبيد الْمَازِني أولَم أبي عليّ لما تزوجتُ فعملنا عشر جِفان ثريد بن جَزورٍ وَكَانَ أول من جاءَنا هِلَال فقدّمنا لَهُ جَفْنَة فَأكلهَا ثمَّ أُخْرَى ثمَّ أُخْرَى حَتَّى أَتَى على الْعشْرَة ثمَّ استسقى فأُتِيَ بِقربةٍ من نبيذٍ فَوضع طَرَفها على فِيهِ ففرّغها فِي جَوفه ثمَّ قَامَ فاستأنَفنا عمل الطَّعَام وَعَن كُنَيفِ بن عبد الله الْمَازِني قَالَ كنتُ يَوْمًا مَعَ هِلَال وَنحن نبقي إبِلا فدفعنا إِلَى قوم من بكر بن وَائِل وَقد لعبنا وعطشنا وَإِذا نَحن بِفتية عِنْد رَكِيةٍ وَقد وَرَدَت إبلُهم فَلَمَّا رأَوا هلالاً استهوَلوه فَقَامَ رجلَانِ مِنْهُم إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أحدُهما يَا عبد الله هَل لَك فِي الصِّراع فَقَالَ لَهُ هلالٌ أَنا إِلَى غير ذَلِك أحوجُ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِلَى لبنٍ وماءٍ فإنّي لَغِبٌ ظَمآنُ قَالَ وَمَا أَنْت بذائقٍ من ذَلِك شَيْئا حَتَّى تُعطيَنا عهدا لتُجيبنا إِلَى الصراع إِذا روِيتَ فَقَالَ إِنِّي لَكمَا ضيفٌ والضيف لَا يُصارِعُ أهلَه وَأَنْتُم مُكَتَّفون من ذَلِك إنّما أَقُول لكم اعمِدوا إِلَى أشدِّ فحلٍ من إِبلكم شدّةً وأهيبَه صولةً وَإِلَى أشدّ رجل مِنْكُم ذِرَاعا فَإِن لم أقبِض على هَامة الْبَعِير وعَلى يَد صَاحبكُم فَلَا يمتَنع الرجلُ وَلَا الْبَعِير حَتَّى أُدخِلَ الرجل فِي فَم الْبَعِير فَإِن لم أفعل فقد صرعتموني فأحضروا فحلاً من إِبلهم هائجٍ صائلٍ قَطِمٍ فَأَتَاهُ هِلَال وَمَعَهُ نفر من أُولَئِكَ الْقَوْم وشيخٌ لَهُم فَأخذ بهامة الْفَحْل مِمَّا فَوق مِشفَره فضغطها ضغطة جرجر لَهَا الْفَحْل ورغاً وَقَالَ ليعطيني من اجيتم يَده حَتَّى أُولجها فِي فَم هَذَا الْفَحْل فَقَالَ الشَّيْخ يَا قومُ تنكَّبوا هَذَا الشَّيْطَان وَالله مَا سمعتُ هَذَا الْفَحْل جرجر مُنْذُ برك قبل الْيَوْم لَا تعرضوا لهَذَا الشَّيْطَان وَجعلُوا يتبعونه وَيَنْظُرُونَ إِلَى أَعْضَائِهِ حَتَّى جازهم وأخباره فِي الْقُوَّة)
كَثِيرَة مَذْكُورَة فِي الأغاني وَمن شعره وَهُوَ بِأَرْض الْيمن
(أَقُول وَقد جاوزتُ نُعمَى وناقتي ... تحِنُّ إِلَى جَنبَي فُلَيج مَعَ الفَجرِ)
(سقى الله يَا ناقَ البلادِ الَّتِي بهَا ... هواكِ وَإِن عنّا نأت سَبَلَ الْقطر)
(فَمَا عَن قِلىً منّا لَهَا خَفتِ النَّوَى ... بِنَا عَن مَراعيها وكُثبانِها القُفر)
(وَلَكِن صرفَ الدَّهْر فرّق بَيْننَا ... وَبَين الأدانِي والفتى عَرَضُ الدَّهْر)
(فسقيا لصحراءِ الإهالة مَربَعاً ... وللوَقَبَى من منزلٍ دَمِثٍ مُثر)
(وسقياً ورَعياً حَيْثُ حَلّت بمازنٍ ... وأيامِها الغُرّ المحجَّلة الزُّهر)
3 - (الْبَصْرِيّ أَبُو هِلَال بن سُليم الرَّاسِبِي الْبَصْرِيّ قَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ محلّة(27/220)
الصدْق وَقَالَ)
النَّسَائِيّ لَيْسَ بالقويّ وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين علَّق لَهُ البُخَارِيّ وروى لَهُ الْأَرْبَعَة وَتُوفِّي فِي حُدُود السّبْعين وَالْمِائَة
3 - (اليعقوبي)
هِلَال بن مقلّد بن سعدٍ اليعقوبي أَبُو النَّجْم الْمُؤَدب روى عَنهُ أَبُو بكر بن كَامِل شَيْئا من شعره فِي مُعْجم شُيُوخه وَمن شعره
(إِذا مَا وسَّع اللهُ ... على الْإِنْسَان فِي الرزق)
(فَمَا يصنع بالأسفا ... ر لَوْلَا كَثْرَة الحُمق)
وَمِنْه
(قَالُوا سكوتك حِرمانٌ فَقلت لَهُم ... مَا قدّر الله يأتيني بِلَا طَلَبِ)
(وَلَو يكون كَلَامي حينَ أنشُره ... من اللُّجَين لَكَانَ الصمتُ من ذهب)
3 - (الزَّنجانيّ)
هِلَال بن المظفر أَبُو عَليّ الزَّنجاني الْمَعْرُوف بالديوادي أورد لَهُ الباخرزي فِي الدمية قَوْله
(أودعتُه سِرِّيَ مُستكتِماً ... فبثّه الأحمقُ فِي الحالِ)
(مَن يضَعِ السِّرَّ لدَيهِ فقد ... أودع مَاء جوفَ غُربال)
وَقَوله
(تِلْكَ اللَّيَالِي وَأَيَّام الصِّبَى ذهبَت ... فَلَا يُحَسُّ لَهَا عينٌ وَلَا أَثَرُ)
(واحسرَتَا لِشَبابٍ قد مَضَى هَدَراً ... كَذَاك كلّ شَبابٍ قد مَضى هَدَر)
)
(وكنتُ أشعُرُ خلقِ اللهِ كلَّهِم ... فَمَاتَ شعرِيَ لمّا شَاب الشَعَر)
وَقَوله
(تمنّيت المَشيبَ فحين اَنحَى ... على شَعَري تمنّيتُ الشبابا)
(أصَبتُ من الْأَمَانِي كلّ حظٍّ ... وَمَا للمرء إلاّ مَا أصابا)
وَقَوله
(إنّي لَيعجبني العذارُ مُمسَّكاً ... والصُدغُ مطروحاً عَلَيْهِ مُزَرفنا)
(ويَصيدُني القَدُّ القويمُ كَأَنَّهُ ... غُصنٌ إِذا عبَرت بِهِ الرّيح انثنَى)
(ويشوقني سِحرُ الْعُيُون المُجتلَى ... ويروقُني وَرد الخدود المجتنَى)(27/221)
وَقَالَ الباجرزي قلب فَرْوَة البحتري حَيْثُ قَالَ
(إِنِّي وَإِن جانَبتُ بعضَ مَطالبي ... فتوهّم الواشُونَ إِنِّي مقصِرُ)
(ليَشوقني سِحر الْعُيُون المُجتَلى ... ويروقني ورد الخدود الْأَحْمَر)
قلت إلاّ أَنه قلبَ الفروةَ ولِبسَها مُطرزةً لأنّ المُجتلَى والمُجتَنى أحسن من المُحتَلَى والأحمرَ فِي كُمَّي هَذِه الفروة
3 - (زَربول الْأَدَب)
هِلَال بن أبي الْفضل أَبُو النَّجْم الحلاوي الحَبُّلي الملقب زَربول الْأَدَب مولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ووفاته سنة ستٍّ وَثَلَاثِينَ وستّمائة
ابْن هِلَال الصاحب تَقِيّ الدّين أَحْمد بن سُلَيْمَان
ابْن هِلَال نجم الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر
أَبُو هلالٍ القيرواني الْحسن بن أحمدَ
(همام)
3 - (هَمّام السَّعْدِيّ الصَّحَابِيّ)
هَمام بن الْحَارِث بن نفَيْل السَّعْدِيّ قَالَ قدمتُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله حُفِر لنا بِئر فخرجَت مالحةً فَدفع إليَّ أداوةً فِيهَا ماءٌ فَقَالَ صُبَّه فِيهَا فصَبَبته فِيهَا فعَذبَت فَهِيَ أعذَب ماءٍ بِالْيمن
3 - (البَطل)
هَمام بن قَبيصة كَانَ من أبطال مُعَاوِيَة قُتِل بمرج راهِطٍ فِي حُدُود السّبْعين لِلْهِجْرَةِ
3 - (النَّخعِيّ)
هَمام بن الْحَارِث النَّخعِيّ الْكُوفِي يروِي عَن عمر وعمار والمقداد وَحُذَيْفَة توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (صَاحب الصَّحِيفَة)
هَمام بن مُنبهٍ بن كَامِل بن سيجٍ الْيَمَانِيّ الأبناوي الصَّنْعَانِيّ صَاحب الصَّحِيحَة الَّتِي كتبهَا عَن أبي هُرَيْرَة وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَغَيره توفّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (العَوذِي)
هَمام بن يحيى بن دِينَار العوذي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ كَانَ أحد اركان(27/222)
الحَدِيث بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل ثَبتٌ فِي كل مشايخه وَأما الْقطَّان فَكَانَ لَا يرضَى حِفظَه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين احتَجَّ بِهِ أَرْبَاب الصِّحاح بِلَا نزاعٍ بَينهم وَقَالَ ابو حَاتِم ثقةٌ فِي حفظه توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثلاثٍ وَقيل سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (الضَّرِير الْموصِلِي)
هَمام بن غَانِم أَبُو الْحسن السَّعدي الضَّرِير الوصلي الشَّاعِر قدم بَغْدَاد ومدح بهَا عضد الدّولة وَابْن بقيَّةَ الْوَزير وقاضي الْقُضَاة ابْن معروفٍ كَانَ مَجدوراً جهوَريّ الصَّوت يَقُودهُ أَخُوهُ وَتُوفِّي سنة سبعين وثلاثمائة دخل مرّة على ابْن بَقِيَّة وأنشده قصيدةً أَولهَا مَا تأبَّيتُ فِي الديار الْخَلَاء ومطّط إنشادَه وطوّله فَقَالَ ابْن بقيَّة لما فرغ من المصراع أبعِدوا هَذَا الَّذِي قد تهوَّعَ علينا فِي)
الْخَلَاء وَأَعْطوهُ جائزتَه وَقطع إنشادَه وَقَالَ قصيدة فِي القَاضِي ابْن مَعْرُوف
(اليومَ أشرقَ وَجُهُ الدّين وابتسَما ... وازدادَ نورا بأسنى قادمٍ قَدِما)
(قَاضِي الْقُضَاة الَّذِي حَلَّت مآثِره ... فوقَ النُّجُوم وساد العُربَ والعجما)
(يُزين الحكم أحكامٌ لَهُ سُمِعَت ... ترى الْأَصَالَة فِيمَا حاولَت أمما)
(أَقَامَ سُوق الْمَعَالِي بعد مَا كسَدَت ... ورَدَّ للشعرِ ذكرا بعد مَا انخرما)
قلت شعر مقبولٌ
3 - (أَبُو العزمات الشَّافِعِي الْمصْرِيّ)
هُمام بنُ راجي الله بن نَاصِر بن داودَ أَبُو العزمات الفقيهُ الشافعيُّ المصريُّ من أَوْلَاد الأجناد قدم بَغْدَاد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وتفقه بهَا على ابْن فضلان وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَسمع من أبي الْفرج بن كُلَيْب وَغَيره وَقَرَأَ الْأَدَب وَعَاد إِلَى مصر ودرَّس بهَا وناظر وَأفْتى وصنّف فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَكَانَ كثير الْفضل قَلِيل الْحَظ ولد سنة تسع وَخمسين وهمسمائة وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بقرية وَنَا من الصَّعِيد وَمن شعره
(يَقُولُونَ لي فِي ثوب حبك رِقَّةٌ ... جلَت حُسنَه كالبدرِ تَحت سَحابِهِ)
(فَقلت لَهُم مَا رقّة الثَّوْب حالياً ... وَلَا غَلَطٌ فِيهَا مَنيِع حجابه)
(وَلكنه من نوره وبهائه ... يُرَى مِنْهُ شفافاً غليظُ ثِيَابه)(27/223)
3 - (الفرزدق)
هَمام بن غَالب بن صعصعة بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم بن مَالك واسْمه عَرف سمى بذلك لجوده وَقيل غَرف بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء ابْن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم بن مرّ أَبُو فراسٍ الفرزدق التَّمِيمِي الْمَشْهُور صَاحب جريرٍ كَانَ أَبوهُ غَالب من جِلّة قومه وَمن سَراتهم وكنيته أَبُو الأخطل وَلم يكن بالبادية أحسَنَ دينا من جدّه صعصعة وَلم يُهَاجر وَهُوَ الَّذِي أَحْيَا الوئيدةَ وَبِه افتخر الفرزدق فِي قَوْله
(وجدي الَّذِي مَنَعَ الوائِدات ... فأحيا الوئيدَ وَلم يُوأَدِ)
قيل إِنَّه أَحْيَا ألفَ مَوءودةٍ وَحمل على ألف فرس وَأم الفرزدق ليلَى بنت حَابِس أُخْت الْأَقْرَع بن حابسٍ وَله مَنَاقِب مَشْهُورَة وَقد تقدم ذكر وَالِده غَالب فِي حرف الْغَيْن مَكَانَهُ وَتقدم أَيْضا ذكر جدّه صعصعة الصَّحَابِيّ فِي حرف الصَّاد فِي مَكَانَهُ والفرزدق لُغزاً لقطعة من الْعَجِين أَو)
الرَّغِيف الضخم لأنّ وَجهه كَانَ ضخماً غليظاً روى عَن عَليّ بن أبي طالبوكأنه مُرسَلٌ وَعَن أبي هُرَيْرَة وَالْحُسَيْن وَابْن عمر وَأبي سعيد والطِّرِماخ الشَّاعِر وروى عَنهُ الْكُمَيْت ومروان الْأَصْغَر وخَالِد الْحذاء وَأَشْعَث بن عبد الْملك والصَّعِق بن ثابتٍ وَابْنه لَبطَةُ بن الفرزدق وحَفيده أَعيَنُ بن لبطة ووفَذَ على الْوَلِيد وَسليمَان ومدحهما قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلم أرَ لَهُ وِفادةً على عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَفد على مُعَاوِيَة وَلم يصحّ روى مُعَاوِيَة بن عبد الْكَرِيم عَن أَبِيه قَالَ دخلتُ على الفرزدق فَتحَرك فَإِذا فِي رجلَيْهِ قَيدٌ قلتُ ماهذا يَا أَبَا فراس قَالَ حلفتُ أَن لَا أُخرِجَه من رِجلي حَتَّى أحفظ الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء حضرتُ الفرزدق وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَمَا رأيتُ أحسنَ ثِقَة مِنْهُ بِاللَّه وَتُوفِّي الفرزدق سَنَةَ عشر وَمِائَة وَقيل سنة اثنَتي عَشرة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَكَانَ الفرزدق كثير التَّعْظِيم لقبر أَبِيه فَمَا جَاءَهُ أحدٌ واستجار بِهِ إلاّ قَامَ مَعَه وساعده على بُلُوغ غَرَضه وَمن ذَلِك أَن الْحجَّاج لما ولّى تَمِيم بن زيدٍ القُتبي بِلَاد السَّنَد دخل الْبَصْرَة وَجعل يخرِج من أَهلهَا من شَاءَ فَجَاءَت عجوزٌ إِلَى الفرزدق وَقَالَت إنّي استجرتُ بِقَبْر أَبِيك وَأَتَتْ مِنْهُ بحُصيّاتٍ فَقَالَ مَا شأنكِ قَالَت إنّ تميمَ بن زيدٍ خرج بابنٍ لي مَعَه وَلَا قُرَّةَ لعَيْنِي وَلَا كاسبَ عليّ غيرهُ فَقَالَ لَهَا وَمَا اسْم ابنكِ فَقَالَت حُنَيس فَكتب إِلَى تَمِيم مَعَ بعض من شخص
(تميمَ بن زيدٍ لَا تكوننَّ حَاجَتي ... بظهرٍ فَلَا يَعيا عليّ جوابُها)(27/224)
(وهب لي حنيساً واحتسِب فِيهِ منّةً ... لعبَرِة أمٍّ لَا يسوغُ شرابُها)
(أَتَتْنِي فعاذَت يَا تميمُ بغالبٍ ... وبالحفرةِ السافي عَلَيْهَا تُرابُها)
(وقَد عَلِم الأقوامُ أنكَ ماجدٌ ... وليثٌ إِذا مَا الحربُ شبَّ شِهابها)
فَلَمَّا ورد الْكتاب على تَمِيم شكَّ فِي الِاسْم فَلم يعرف أحُنَيس أم حُبَيش ثمَّ قَالَ انْظُرُوا من لَهُ مثل هَذَا الِاسْم فأُصِيبَ ستةٌ مَا بَين حُنَيس وخبيش فوجّه بهم إِلَيْهِ قَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وَقد اخْتلف أهل الْمعرفَة بالشعر فِي الفرزدق وَجَرِير والمفاضلة بَينهمَا وَالْأَكْثَرُونَ على أَن جَرِيرًا أشعرُ مِنْهُ قلتُ أَنا مَا مَن يُهاجي الفرزدق وَأَبوهُ وجدّهُ كَمَا تقدم ذكرهُما فِي الْفَخر والسُّؤدَد وَيكون جرير وَأَبوهُ على مَا تقدم فِي تَرْجَمَة جرير من الخِسَّة والنَّذالة إِلَّا وَجَرِير أشعر بِلَا شكّ لمقاومته لمثل الفرزدق ومهاجاته ومفاخرته على أنّه قد قيل للمفضّل الضبيّ الفرزدق أشعر أم جرير فَقَالَ الفرزدق قيل لَهُ ولِمَ قَالَ لِأَنَّهُ)
قَالَ بَيْتا هجا بِهِ قبيلتين ومدح قبيلتين وَأحسن فِي ذَلِك فَقَالَ
(عجبتُ لِعجلٍ إِذْ تُهاجي عَبِيدَها ... كَمَا آلُ يربُوع هَجَوا آلَ دارِم)
فَقيل لَهُ فقد قَالَ جريرٌ
(إِن الفرزدقَ والبَعِيثَ وأُمَّه ... وَأَبا البعيثِ لشَرُّ مَا إستارِ)
فَقَالَ وأيُّ شَيْء أهوَن من أَن يَقُول إنسانٌ فلَان وَفُلَان وَالنَّاس كلّهم بَنو الفاعلة ومِن فَخر الفرزدق قَوْله
(لَو أَن جميعَ النَّاس كَانُوا بِرَبوة ... وجِئتُ بجدّي دارمٍ وابنِ دارمِ)
(لظلَّت رقابُ النَّاس خاضعةً لنا ... سُجواً على أقدامنا بالجماجمِ)
قلت وأزِيدُك أُخرى وَهِي أنّ الفرزدق تفرّغ لِهجاءِ جرير وحدَه وَلم يهجُ غيرَه وَأما جرير فقد هاجى ثَمَانِينَ شاعِراً وَقد أنصف أَبُو الْفرج الإصبهاني حَيْثُ قَالَ فِي كَلَام طويلٍ آخِره أمّا من كَانَ يَميل إِلَى جزالة الشّعْر وفخامته وشدّة أسره فيقدِّمُ جَرِيرًا وَقَالَ يُونُس بن حبيب مَا شهِدت مشهداً قطُّ ذكر فِيهِ جرير والفرزدق فَاجْتمع أهل الْمجْلس على أَحدهمَا وَقَالَ أَيْضا لَوْلَا شعر الفرزدق لذهب ثُلث لغةِ الْعَرَب وَكَانَ جرير قد هجا الفرزدق بقصيدةٍ مِنْهَا
(وكنتَ إِذا نزلتَ بدارِ قومٍ ... رحَلتَ بخزيَةٍ وتركتَ عارا)
وَاتفقَ بعد ذَلِك أَن الفرزدق نزل بِامْرَأَة من أهل الْمَدِينَة وَجرى لَهُ مَعهَا قَضِيَّة يطول شرحها خُلَاصَة الْأَمر أَنه راودها عَن نَفسهَا بعد أَن كَانَت أضافته وأحسنَت إِلَيْهِ مِمَّا متنعت عَلَيْهِ(27/225)
وَبلغ الْخَبَر عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَالِي الْمَدِينَة فَأمر بإخراجهِ من الْمَدِينَة فَلَمَّا أُخرج أركب نَاقَة ليَنفُوَه فَقَالَ قَاتل اللهُ ابْن المراغة كَأَنَّهُ شَاهد هَذَا الْحَال حَتَّى قَالَ وكُنتَ إِذا نزلتَ بدارِ قومٍ البيتَ وَمن شعر الفرزدق لما كَانَ بِالْمَدِينَةِ
(هما دلّيلاني من ثمانينَ قامةً ... كَمَا انقضَّ بازٍ أقتمُ الرأسِ كاسِرُه)
(فَلَمَّا استوَت رجلايَ فِي الأَرْض قَالَتَا ... أحّيٌّ فيُرجى أم قتيلٌ نُحاذِرُه)
(فَقلت ارفعا الأسبابَ لَا يشعروا بهَا ... وأقبلتُ فِي أَسبَاب ليلٍ احادره)
(أُحاذر بوّابَينِ قد وُكِّلاَ بِنَا ... وأسوَدَ من ساجٍ تَصِرُّ مَسامره)
فَقَالَ جرير لما بلغه ذَلِك
(لقد ولدت أُمُّ الفرزدق شَاعِرًا ... فَجَاءَت بِوَزوَارٍ قصيرِ القوادِمِ)
)
(يوصِّلُ حَبلَيه إِذا جَنَّ ليلُه ... ليرقَى إِلَى جارته بالسلالم)
(تدليتَ تَزني من ثمانينَ قامةً ... وقَصَرَت عَن بَاعَ العُلا والمكارم)
(هُوَ الرجسُ يَا أهلَ الْمَدِينَة فاحذَروا ... مداخلَ رجسٍ بالخبيثات عَالم)
(لقد كَانَ إخراجُ الفرزدق عنكمُ ... طهُورا لِما بَين الْمصلى وواقم)
فَأجَاب الفرزدق عَنْهَا بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا
(وإنّ حَراماً أَن أسُبَّ مُقاعساً ... بآبائيَ الشمِّ الكِرام الخضارمِ)
(ولكنَّ نَصفاً لَو سَبَبتُ وسبَّني ... بَنو عبد شمسٍ من منافٍ وهاشمِ)
(أُولَئِكَ أمثالي فجئني بمثلهم ... وأَعتَدُّ أَن أهجو كليباً بدارم)
ولمّا سمع أهل الْمَدِينَة أَبْيَات الفرزدق الْمَذْكُورَة أَولا جَاءُوا إِلَى مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة فَقَالُوا مَا يصلح هَذَا الشّعْر بَين أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أوجب على نَفسه الحدَّ فَقَالَ مَرْوَان لست أحدُّه لَكِن أكتب إِلَى من يحده وَأمر أَن يُخرَجَ من الْمَدِينَة وأجَّله ثلاثةَ أَيَّام لذَلِك فَلذَلِك يَقُول الفرزدق
(توعّدني وأَجَّلني ثَلَاثًا ... كَمَا وُعِدَت لمهلِكها ثمودُ)
ثمَّ كتب مَرْوَان إِلَى عَامله كتابا يَأْمُرهُ أَن يحدّه ويسجُنه وأوهمه أَنه كتب لَهُ بجائزة ثمَّ نَدم مَرْوَان على مَا فعل فوجّه عَنهُ سفيراً وَقَالَ إِنِّي قد قلتُ شعرًا فأسمعه
(قُل للفرزدق والسَّفاهة كاسِمها ... إِن كنت تاركَ مَا أمرتُك فاجلِسِ)
(ودَعِ المدينةَ إِنَّهَا محبوبةٌ ... واقصِد لمكّةَ أَو لبيت المقدِسِ)
(وَإِن اجتنيتَ من الْأُمُور عَظِيمَة ... فَخُذَن لِنفسِك بالعظيم الأكيس)
فَلَمَّا وقف الفرزدق عَلَيْهَا فطِنَ لما أَرَادَ مَرْوَان فَرمى الصَّحِيفَة وَقَالَ(27/226)
(مَرْوَان إِن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس)
(وحبوتني بِصَحِيفَة مخبوءة ... يخْشَى عَليّ بهَا حباء النقرس)
(الق الصَّحِيفَة يَا فرزدق لَا تكن ... نكداً مثل صحيفَة المظمس)
وأتى سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي وَعِنْده الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا وَعبد الله بن جَعْفَر فَأخْبرهُم الْخَبَر فَأمر لَهُ كل وَاحِد بِمِائَة دينارٍ وراحلة وتوجَّه إِلَى الْبَصْرَة فَقيل لمروان أخطأتَ فِيمَا فعلتَ فَإنَّك عرّضتَ عرضك لشاعر مُضَرَ فوجَّه إِلَيْهِ رَسُولا وَمَعَهُ مائَة دِينَار)
وراحلة خوفًا من هجائه صَعِدَ الْوَلِيد بن عبد الْملك المنبَر فَسمع صوتَ ناقوسٍ فَقَالَ مَا هَذَا قيل البِيعة فَأمر بهدمها وَتَوَلَّى بعض ذَلِك بِيَدِهِ فَكتب إِلَيْهِ ملك الرّوم إِن هَذِه الْبيعَة قد أقرّها من كَانَ قبلك فَإِن كَانُوا أَصَابُوا فقد أخطأتَ وَإِن كنتَ أصبتَ فقد أخطأوا فَقَالَ الْوَلِيد من يجِيبه فَقَالَ الفرزدق يكْتب إِلَيْهِ وَدَاوُد وَسليمَان إِذا يحكمانِ فِي الحَرث إِذْ نَفَشَت فِيهِ غَنَمُ الْقَوْم وكُنا لحُكمهم شاهِدين ففهَّمناها سليمانَ وكلاًّ آتِيَا حكما وعلماً الْآيَة وَكَانَ يَقُول الفرزدق خير السّرقَة مَا لَا يُقطَع فِيهِ يَعْنِي بذلك سَرقَة الشّعْر وَدخل الفرزدق مَعَ فتيانٍ من آل الْمُهلب فِي بِركة يتبرَّدون فِيهَا وَمَعَهُمْ ابْن أبي علقمةَ الماجن فَجعل يتلفت إِلَى الفرزدق وَيَقُول دَعوني حَتَّى أنكحه فَلَا يهجونا أبدا وَكَانَ الفرزدق من أجبنِ النَّاس فَجعل يستغيث وَيَقُول وَيْلكُمْ لَا يمسّ جلده جلدي فَيبلغ ذَلِك جَرِيرًا فيوجبُ عليّ أَنه قد كَانَ مِنْهُ إليّ الَّذِي يَقُول فَلم يزل يناشدهم حَتَّى كفوه عَنهُ ورَكِب الفرزدق يَوْمًا بغلَته ومَرَّ بِنِسوَةٍ فلمّا حاذاهنّ لم تتمالك البغلة ضرطاً فضحكن مِنْهُ فَالْتَفت إليهنّ وَقَالَ لَا تضحكن فَمَا حَملتنِي أُنثى إلاّ ضرطت فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ مَا حملك أككثر من أمّك فأراها قد قاست مِنْك ضراطاً عَظِيما فحرّك بغلتَه وهرب وَقَالَ مَا أعياني جوابٌ قطّ كَمَا أعياني جَوَاب دهقانٍ مرَّةً قَالَ لي أَنْت الفرزدق الشَّاعِر قلت نعم قَالَ إِن هجوتني تُخرِب ضيعتي قلت لَا قَالَ فتموت عيشونة ابْنَتي فَقلت لَا قَالَ فرجلي إِلَى عنقِي فيحر أُمّك فَقلت وَيلك لم تركتَ رَأسك قَالَ حَتَّى أنظر أيّ شَيْء تصنع الزَّانِيَة ولمّا اسْتعْمل الْحجَّاج الْخِيَار بن سَبرة الْمُجَاشِعِي على عمان كتب إِلَيْهِ الفرزدق يستهدي جَارِيَة فَكتب الْخِيَار إِلَيْهِ
(كتبتَ إليّ تستهدي الْجَوَارِي ... لقد أنعَظتَ من بلدٍ بعيد)
(فلولا أَن أُمَّك كَانَ عمَي ... أَبَاهَا كنتُ أخرس بالنشيدِ)
وَسمع الفرزدق رجلا يقْرَأ وَالسَّارِق والسارقة فاقطَعوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبنا نكَالاً من الله وَالله غفورٌ رحيمٌ فَقَالَ اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا وَالله غفورٌ رَحِيم أينبغي أَن يكون هَذَا هَكَذَا فَقيل لَهُ إِنَّمَا عزيزٌ حَكِيم فَقَالَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكونَ وَقَالَ قد علم الناسُ أَنِّي فحلُ(27/227)
الشُّعَرَاء وَرُبمَا أَتَت عليّ الساعةُ أقلع ضرساً من أضراسي أَهْون عليّ من قولِ بيتٍ وأخبارُ الفرزدق كثيرةٌ مُطَوَّلَة مَذْكُورَة فِي كتاب الأغاني ولمّا توفّي الفرزدق رثاه جرير بأبياتٍ مِنْهَا
(قد وَلَدت بعد الفرزدق حاملٌ ... وَلَا ذاتُ بَعلٍ من نِفاسٍ تَعَلَّتِ)
)
(هُوَ الْوَافِد الميمونُ والراتقُ الثَّائي ... إِذا النعلُ يَوْمًا بالعشيرة زَلَّت)
ورثاه بِغَيْر ذَلِك وَقَالَ ابْنه لبطة رَأَيْت أبي فِي الْمَنَام فَقلت مَا فعل الله بك نفعتني الكلمةُ الَّتِي نازعتُ فِيهَا الحسنَ على الْقَبْر قلتُ وَذَلِكَ أَن النوار زوجتُه لما حضرتها الْوَفَاة أوصَتِ الفرزدق ان يُصَلِّي عَلَيْهَا الْحسن الْبَصْرِيّ فَأخْبرهُ الفرزدق بذلك فَقَالَ إِذا فرغتُم مِنْهَا اعلمني فأُخرجت وَجَاء الْحسن وسبقهما النَّاس فانتظروهما فَأَقْبَلَا وَالنَّاس ينظرُونَ فَقَالَ الْحسن مَا للنَّاس فَقَالَ ينتظرون خير النَّاس وشرّ النَّاس فَقَالَ إنّي لستُ بخيرهم ولستَ بشرّهم وَقَالَ لَهُ الْحسن على قبرها مَا اعدَدت لهَذَا المضجع فَقَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سبعين سنة ورُئِيَ فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي بإخلاصي يَوْم الْحسن وَقَالَ لَوْلَا شيتبك لعذبتك بالنَّار واولاد الفرزدق من النوار لبطة وسبطه وحطبه وركضة وَزَمعَة وكلّهم من النوار وَلَيْسَ لواحدٍ من وَلَده عَقِبٌ وَقد تقدم ذكر النوار زَوجته فِي مَكَانَهُ فِي حرف النُّون وَشَيْء من أخبارهما وَمَات لَهُ ابْن فدفنه وَلما فرغ مِنْهُ الْتفت إِلَى النَّاس وَقَالَ
(وَمَا نَحن إلاّ مثلهم غيرَ أنَّنا ... أَقَمنا قَلِيلا بعدهُم وتقدّموا)
الهمذاني المؤرخ اسْمه مُحَمَّد بن عبد الْملك
أَبُو همذان قَاضِي هيت اسْمه الْقَاسِم بن بهْرَام
(هميم)
3 - (الطَّبَري)
هُمَيمُ بنُ هَمامٍ الخثعَمي الطَبري الآملي ارتحل وَسمع وحدّث وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
(هناد)
3 - (هناد الْحَافِظ الْكُوفِي)
هَناد بن السَّري أَبُو السّري التَّمِيمِي الْكُوفِي الدَّارمِيّ الْحَافِظ أحد العُبّاد روى عَنهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة وروى البُخَارِيّ عَنهُ فِي غير الصَّحِيح وَتُوفِّي فِي حُدُود الْخمسين والمائتين لم يتزوّج وَلم يتسَرَّ كَانَ إِذا صلّى الْفجْر جلس حَتَّى تطلع(27/228)
الشَّمْس يقْرَأ الْقُرْآن فَإِذا ارْتَفَعت الشَّمْس صلّى الضُحى ثمَّ خرج إِلَى منزله فيتوضّاُ وَيرجع إِلَى الْمَسْجِد فَيصَلي إِلَى الزَّوَال وَإِذا صلّى الظّهْر صلّى إِلَى الْعَصْر وَإِذا صلّى الْعَصْر قَرَأَ الْقُرْآن وَبكى إِلَى الْمغرب ثمَّ يُصَلِّي الْمغرب وعشاء الْآخِرَة وَيقوم اللَّيْل أَقَامَ على ذَلِك سبعين سنة
3 - (هناد بن السريّ الْكُوفِي)
هَنّاد بن السَّري بن يحيى أخي هَنّاد توفّي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن أخي هناد المتقدّم ذكره
3 - (قَاضِي بَعقُوبا)
هَنَّاد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نصر ابو المظفر النَّسَفِيّ سكن بَغْدَاد ووَلِيَ قَضَاء بَعقوبا وَغَيرهَا وَسمع وحدّث ورحل وخرّج الْفَوَائِد لكنّ الْغَالِب على رِوَايَته الْمَنَاكِير توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
(هِنْد)
3 - (هِنْد أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ)
هِنْد بنت أبي اُميَّةَ بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم واسْمه حُذيفة ويُعرَف بزادِ الرَّاكِب وَهُوَ أحدُ أجواد قريشٍ وَهِي أمّ سَلَمةَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهُم من قَالَ اسْمهَا رملَة قَالَ ابْن عبد البرّ هِنْد هُوَ الصوابُ وَعَلِيهِ جمَاعَة الْعلمَاء كَانَت قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت ابي سَلمَة بن عبد الأسَد وَهِي بنت عمّ ابي جَهلٍ وَبنت عمّ خَالِد بن الْوَلِيد وابو سَلمَة أَخُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرّضاعة وَهِي آخِرَ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَفَاة قَالَ بَعضهم توفّيت سنة تسعٍ وَخمسين وَهُوَ غلط وَتوفيت فِي حُدُود السّبْعين لِلْهِجْرَةِ وَيُقَال إِنَّهَا أول ظَعِينَة دخلت الْمَدِينَة مهاجرةً وَقيل بل ليلى بنت أبي حثمةَ زوج عَامر بن ربيعةَ تزوّج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة بعد وقْعَة بدرٍ عقد عَلَيْهَا فِي شَوَّال وابتنى بهَا فِيهِ وَقَالَ لَهَا إِن شئتِ سبعتُ عندكِ وسَبّعتُ لِنسائي وَإِن شئتِ ثلثتُ ودُرتُ قَالَت ثلِّث وَلما توفيت أوصت أَن يصلّى عَلَيْهَا سعيد بن زيد وَكَانَ أَمِيرا بِالْمَدِينَةِ يومئذٍ مَرْوَان وَقيل بل الْوَالِي الْوَلِيد بن عُتيبة وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة وَدخل قبرها عمرُ وسلمةُ ابْنا أبي سَلمَة وَعبد الله بن عبد الله بن أُميَّة وَعبد الله بن وهب بن زَمعَة ودفنت بالبَقيع رَضِي الله عَنْهَا وروى لَهَا الْجَمَاعَة وَهَاجَرت أم سَلمَة وَأم حَبِيبَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَلما خرجت إِلَى الْمَدِينَة خرج مَعهَا رجل من الْمُشْركين وَكَانَ ينزل بناحيةٍ مِنْهَا إِذا نزلت ويسير مَعهَا ويرحل(27/229)
بَعِيرهَا ويتنحى إِذا ركبت فَلَمَّا رأى نخل الْمَدِينَة قَالَ لَهَا هَذِه النّخل الَّتِي تريدين ثمَّ سلم عَلَيْهَا وَانْصَرف وَشهِدت أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلمَة غَزْوَة خَيْبَر فَقَالَت سَمِعت وَقع السَّيْف فِي إِنْسَان مَرحب وروى شُعْبَة عَن خُلّيدِ بنِ جعفرٍ قَالَ سَمِعت أَبَا إياسٍ يحدّث عَن أم الْحسن أَنَّهَا كَانَت عِنْد أم سَلمَة فَأتى مَسَاكِين فَجعلُوا يُلحون وَفِيهِمْ نساءٌ فَقُلْنَا أُخرجوا أَو اخرجنَ فَقَالَت أم سَلمَة مَا بِهَذَا أُمِرنا يَا جَارِيَة رُدّي كل واحدٍ أَو كلّ وَاحِدَة وَلَو بتَمرةٍ تضعينها فِي يَدهَا
3 - (أُخْت عَليّ بن أبي طَالب)
هِنْد بنت أبي طَالب أم هانىء اخْتلف فِي اسْمهَا فَقيل هِنْد وَقيل فاخِتةَ وَكِلَاهُمَا قَالَه جمَاعَة من الْعلمَاء وَقد تقدم ذكرهَا فِي حرف الْفَاء فِي مَكَانَهُ فليطلب من هُنَاكَ)
3 - (الْأَنْصَارِيَّة)
هِنْد بنت عمرٍو بن حَرامٍ عمَّة جَابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرامٍ الْأنْصَارِيّ كَانَت تَحت عمر بن الجموح فقُتل عَنْهَا يومَ أحدٍ وقُتِل أَخُوهَا عبد الله بن عَمْرو يومئذٍ ودُفنا فِي قبرٍ واحدٍ وَهِي فِي عِدادِ الصحابيات
3 - (أم مُعَاوِيَة)
هِنْد بني عُتبة بن ربيعةَ بن عبد شمس بن عبد منافٍ أم مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أسلمت عَام الْفَتْح بعد إِسْلَام زَوجهَا أبي سُفْيَان وأقرَّهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِكَاحهمَا وَكَانَت امْرَأَة فِيهَا ذُكرة لَهَا نفسٌ واثقةٌ شهِدت أُحُداً كَافِرَة مَعَ زَوجهَا أبي سُفْيَان وَكَانَت تَقول فِي يَوْم أحد
(نَحن بَنَات طَارق ... نمشي على النمارقِ)
(والمسك فِي المفارق ... والدرُّ فِي المخانق)
(إِن تقبلُوا نعانق ... ونفرش النمارق)
(أَو تدبروا نفارق ... فَمَاتَ غير وامق)
أَرَادَت نَحن بَنَات النَّجْم من قَوْله تَعَالَى والسَّماءِ وَالطَّارِقِ النَجمُ الثاقِبُ وَلما قُتِل حمزةُ وثَبَت فمثّلَت بِهِ وشقّت بَطنَه واستخرجَت كبده فشوتها وأكلتها لِأَنَّهُ قتل أَبَاهَا يَوْم بدرٍ وَقيل إِن الَّذِي مثل بِحَمْزَة مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة وَقَتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صبرا مُنصرفه من أحدٍ فِيمَا ذكره ابْن الزبير ختم اللهُ لَهَا بِالْإِسْلَامِ وَلما أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبيعَة على النساءِ وَمن الشَّرط فِيهَا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يزنينَ قَالَت هِنْد بنت عُتيبة(27/230)
وَهل تَزني الحُرَّةُ أَو تسرق يَا رَسُول الله فَلَمَّا قَالَ وَلَا تقتلن أولادكنّ قَالَت قد ربَّيناهم صِغاراً وقتلتَهم أَنْت كبارًا أَو نَحوا من هَذَا القَوْل وشكَتْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن زَوجهَا أَبَا سُفْيَان لَا يُعْطِيهَا من الطَّعَام مَا يكفيها وولدَها فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذي من مَاله بِالْمَعْرُوفِ مَا يكفيكِ أَنْت وولدك وَتوفيت هِنْد فِي خلَافَة عمر فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو قُحَافَة وَالِد أبي بكرٍ الصّديق
3 - (الْأَنْصَارِيَّة)
هِنْد بِنت أُسَيد بن حُصَينٍ الْأنْصَارِيّ روى عَنْهَا أَبُو الرِّجَال عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَنه كَانَ يخطُب بِالْقُرْآنِ قَالَت وَمَا تعلَّمتُ ق وَالْقُرْآن الْمجِيد إلاّ من كثرةِ مَا كنتُ أسمعُها مِنْهُ وَهُوَ يخْطب بهَا على الْمِنْبَر
3 - (الهاشمية)
هِنْد بنتُ ربيعةَ بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن هَاشم ولدت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي الَّتِي كَانَت تَحت حبَان بن واسعٍ هِيَ وَامْرَأَة أُخرى فطلّق الْأَنْصَارِيَّة وَهِي تُرضِع فمرّت بهَا سنة ثمَّ هلك عَنْهَا وَلم تحصن فَقَالَت أَنا أرِثه وَلم أحصن فأختصما إِلَى عُثْمَان فَقضى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فلامت الهاشمية عُثْمَان فَقَالَ لَهَا هَذَا عملُ ابْن عمّك هُوَ أَشَارَ علينا بِهَذَا يَعْنِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
3 - (زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
هِنْد بنت يزِيد بن البَرصاء بن أبي بكرِ بن كلاب ذكرهَا أَبُو عبيد فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل عمْرَة بنت يزِيد قَالَ ابْن عبد البرّ وفيهَا نَظَرٌ لِأَن الِاضْطِرَاب فِيهَا كثير جدّاً
3 - (الصحابيّة)
هِنْد بنت سماك بن عبيد بن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل وَهِي أمّ الْحَارِث بن أوسِ بن مُعاذٍ قَالَ العَدوي كَانَت من المبايعات
3 - (الصحابيّة)
هِنْد بنت مُنبه بن الْحجَّاج أسلمَت يومَ الْفَتْح وَهِي أمّ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَه الْوَاقِدِيّ
3 - (الصحابيّة)
هِنْد بنت أُثالة بن عباد بن عبد الْمطلب هِيَ الَّتِي كَانَت ترثي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْطَعْ لَهَا من خبيرَ فِيمَا ذكره الْوَاقِدِيّ(27/231)
3 - (امْرَأَة بِلَال)
هِنْد الخولانية امْرَأَة بلالٍ حكَت عَن زَوجهَا قَالَ كَانَ بلالٌ إِذا أَخذ مضجعه قَالَ تقبَّل حسناتي واغفر سيئاتي
3 - (أُخْت خَالِد بن الْوَلِيد)
)
هِنْد بنت الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس وَقَالَ ابْن عبد الْبر اسْمهَا فَاطِمَة وَقد تقدم ذكرهَا فِي حرف الْفَاء فِي مَكَانَهُ فليطلب من هُنَاكَ
3 - (زوج الْحجَّاج)
هِنْد بنت أسماءَ بن خارجةَ هِيَ أُخْت مَالك بن أسماءَ بن خَارِجَة وَهِي زَوْجَة الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَقد مرّ لَهَا ذِكرٌ فِي تَرْجَمَة أَخِيهَا مَالك بن أسماءَ
3 - (المغربية)
هِنْد خادمُ أبي مُحَمَّد مسلمة بن مسلمة الشاطبي الْكَاتِب حكى أَبُو مُحَمَّد بن أبي بكر الداني الطَّبِيب أَن الوزيرَ عامرَ بنَ يَنَّق كتب إِلَيْهَا من مجْلِس اُنسٍ يستدعيها
(يَا هندُ هَل لكِ فِي زيارةِ فتيةٍ ... نَبذوا المحارمَ غيرَ شُربِ السَّلسَلِ)
(سمعُوا البلابلَ قد شَدَت فتذكروا ... نغماتِ عُودِكِ فِي الثقيل الأّوّل)
فَكتب الْجَواب إِلَيْهِ
(يَا سيداً حَاز العُلى عَن سادةٍ ... شُمِّ الأُنوفِ من الطّراز الأوّلِ)
(حسبي من الإسراعِ نَحْوك أنني ... كنتُ الْجَواب مَعَ الرَّسُول المُقبل)
3 - (التَّمِيمِي)
هِنْد بن أبي هالةَ التَّمِيمِي ربيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخو أَوْلَاده من خَدِيجَة توفّي سنة ستٍّ وَثَلَاثِينَ لِلْهِجْرَةِ
3 - (أَخُو أَسمَاء)
هِنْد بن حارثةَ الأسلميُّ أَخُو أسماءَ قَالَ ابو هُرَيْرَة مَا كنت أرى هنداً وأسماءَ إلاّ خادمَينِ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طول لزومِهِما بابَه وخدمتهما إِيَّاه توفّي فِي حُدُود السِّتين لِلْهِجْرَةِ(27/232)
3 - (سبط خَدِيجَة)
هِنْد بن هِنْد سبط أم خَدِيجَة قُتِل مَعَ مصعبِ بن الزُّبير وَقيل مَاتَ بالطاعون بِالْبَصْرَةِ فِي حُدُود السّبْعين لِلْهِجْرَةِ
ابْن هِندُو الشَّاعِر اسْمه عَليّ بن الْحُسَيْن
أَبُو الْهِنْدِيّ اسْمه غَالب بت عبد القدوس تقدم فِي مَكَانَهُ من حرف الْغَيْن)
الْهِنْدِيّ صفي الدّين الأصولي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
3 - (هَوذَة الْمسند الْأَصَم ابو الْأَشْهب)
هوذةُ بن خَليفَة الثَّقَفِيّ البَكراويّ الْبَصْرِيّ الأصمَ ابو الْأَشْهب نزيل بَغْدَاد ومُسندها روى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن سعدٍ ويوسف بن مُوسَى الْقطَّان وَغَيرهم قَالَ ابْن مَعينٍ ضعِيفٌ توفّي سنةَ ستّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وروى لَهُ ابْن ماجة
(هولاكو)
3 - (ملك التتار)
هولاكو بن تُولى قان بن جنكزخان ملك التتار ومقدمهم كَانَ طاغيةً من أعظم مُلُوك التتار وَكَانَ شجاعاً مِقداماً حازماً مُدبرا ذَا همةٍ عاليةٍ وسطوة ومهابةٍ وخبرة بالحروب ومحبَّة فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة من غيرِ أَن يتعقل مِنْهَا شَيْئا اجْتمع لَهُ جمَاعَة من فضلاءِ الْعَالم وَجمع حكماء مَمْلَكَته وَأمرهمْ أَن يرصدوا الْكَوَاكِب وَكَانَ يطلِق الْكثير من الْأَمْوَال والبلاد وَهُوَ على قَاعِدَة الْمغل فِي عَدَم التَّقْيِيد بدينٍ لكنّ زَوجته تنصرت وَكَانَ سعيداً فِي حروبه طوى الْبِلَاد وَاسْتولى على الممالك فِي أيسرِ مدةٍ فتح بِلَاد خُرَاسَان وَفَارِس وأذربيجان وعراق الْعَجم وعراق الْعَرَب وَالشَّام والجزيرة وَالروم وديار بكر كَذَا قَالَ قطب الدّين وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الَّذِي فتح خُرَاسَان وعراق الْعَجم جنكزخان وهولاكو أباد الْمُلُوك وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم وأمراء الْعرَاق وَصَاحب الشَّام ميّافارقين وَقَالَ الظهير الكازروني حكى النَّجْم أَحْمد بن البّواب النقّاش نزيل مراغة قَالَ عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكرج فَأَبت حَتَّى يُسِلمَ فَقَالَ عرِّفوني مَا أَقُول فعرضوا عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ فأقَرَّ بهما وَشهد عَلَيْهِ بذلك خواجا نصير الدّين الطوسي وفخر الدّين المنجم فَلَمَّا بلغَهَا ذَلِك أجابت فَحَضَرَ القَاضِي فَخر الدّين الخلاطي وتوكَّل لَهَا النصير ولهولاكو الْفَخر المنجم وعقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الْملك دَاوُد إيواني على ثَلَاثِينَ(27/233)
ألف دينارٍ قَالَ ابْن البواب وَأَنا كتبتُ الْكتاب فِي ثوب أطلس أَبيض وَتُوفِّي هولاكو بعلّة الصَّرع وأخفَوا موتَه وصبّروه وجعلوه فِي تابوتٍ وَكَانَ ابْنه أبغا غَائِبا فَطَلَبه الْمغل وملّكوه وَهلك هولاكو وَله سِتُّونَ سنة اَوْ نَحْوهَا فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وخلّف من الْأَوْلَاد سبعةَ عشرَ ولدا سِوى الْبَنَات وَهُوَ أبغا وواشموط وتمشين وتكشى وَكَانَ جباراً واجاي ويَستِز ومنكوتمر الَّذِي التقى هُوَ والمنصور قلاوون على حمص)
وَانْهَزَمَ جريحاً وباكُودَر وارغون ونغاي دَمُر وَالْملك أَحْمد وَقد جمع صَاحب الدِّيوَان كتابا فِي أخبارهم فِي مجلدين وَكَانَ القان الْأَعْظَم فِي أيّام هولاكو مونكوقا بن تولى بن جنكزخان فَلَمَّا هلك جلس بعده على التخت أخوهما قبلاي وامتدّت أيّامه وطالت دولته وَمَات قبلاي فِي خَان بالِق سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَت مَمْلَكَته نَحوا من أَرْبَعِينَ سنة وَقد تقدم ذكر قبلاي فِي مَكَانَهُ من حرف الْقَاف
ابْن هود الْحسن بن عَليّ أَبُو الهول الْحِمْيَرِي الشَّاعِر اسْمه عَامر بن عبد الرَّحْمَن
(هياج)
3 - (الحِطِّيني)
هَيَّاج بن عُبيد بن حُسَيْن الْفَقِيه الزَّاهِد أَبُو مُحَمَّد الحِطيني بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وَبعدهَا ياءٌ آخِرُ الْحُرُوف وَنون وحِطّين قَرْيَة عِنْد طبريّة وَبهَا قبر شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَفِيه يَقُول الشَّاعِر
(أَقُول لمكّة ابتهجي وتيهي ... على الدُّنْيَا بهيّاج الفقيهِ)
(إمامٌ طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلَاثًا ... فَلَا طَمَعٌ لَهَا من بعدُ فِيهِ)
3 - (هَياج الهَرَوي)
هَياج بن بِسطام الْحَنْظَلِي الهَرَويّ كَانَ أعلم النَّاس وأحلمهم وأفقههم وأسخاهم وأشجعهم وأرحمهم فِي زَمَانه قَالَ ابْن حبَّان يروِي المعضلات عَن الثِّقَات وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل متروكٌ توفّي سنة سبع وَسبعين وَمِائَة وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ
ابْن الهيتي أَحْمد ابْن أبي الْفضل الهيتي معِين الدولة نصر الله بن نصر الله(27/234)
(هَيْثَم)
3 - (الْهَيْثَم السُلمي الصَّحَابِيّ)
الْهَيْثَم السُّلمي ذكره ابْن قانعٍ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استعلمه على صَدَقة قومِهِ فلمّا ارتدّتِ العَربُ فاءَ بهَا
3 - (أَبُو العُريان المَذحِجي)
الْهَيْثَم بن الْأسود أَبُو العُريان المَذحجي الْكُوفِي أحد المعمّرين الشُّعَرَاء لَهُ شَرَفٌ وبلاغة وفصاحة أدْرك عليّاً وَسمع عبد الله بن عمر وغزا الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَتُوفِّي فِي حُدُود العَشر وَالْمِائَة
3 - (أَبُو حيّة النُّمَيري)
الْهَيْثَم بن الرّبيع بن زُرارة أَبُو حيّة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء آخِر الْحُرُوف المشدّدة النميري كَانَ من مُخضرمي الدولتين الأموية والعبّاسية وَكَانَ فصيحأً من سَاكِني الْبَصْرَة وَكَانَ أهوجَ جَباناً كذّاباً وَقيل إِنَّه كَانَ يُصرَع وَكَانَ لَهُ سيف يسميّه لُعابَ المَنية لَيْسَ بَينه فرقٌ وَبَين الخَشَب حدّث جَارٌ لَهُ قَالَ دخل إِلَى بَيته كَلبٌ ليلةَ فطنّه لِصًّا فأشرفتُ عَلَيْهِ وَقد انتضى سيفَه لعابَ الْمنية وَهُوَ واقفٌ فِي وسط الدَّار وَهُوَ يَقُول أَيهَا المغترُّ بِنَا والمجترىء علينا بئسَ وَالله مااخترتَ لنَفسك خيرٌ قليلٌ وَسيف صقيل لعاب الْمنية الَّذِي سمعتَ بِهِ مشهورةٌ ضرباته لَا تُخاف نَبوته اخرُج بِالْعَفو عَنْك قبل أَن أدخلَ بالعقوبة عَلَيْك وَالله إِن أدعُ قيسا إِلَيْك لَا تقم لَهَا
وَمَا قيسٌ تملأ وَالله الفضاء خيلاً ورجِلاً سُبْحَانَ الله مَا اكثرها وأطيبها فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذا الْكَلْب قد خرج فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي مسخك كَلْبا وكفانا حَرباً وَقَالَ يَوْمًا إِنِّي أخرُج إِلَى الصَّحرَاء فأدعو الغِربان فتقعُ حَولي فآخذ مِنْهَا مَا أشاءُ فَقيل لَهُ يَا أَبَا حيّةَ أفرأيتَ إِن أخرجناك إِلَى الصَّحرَاء فدعوتَها فَلم تأتِك فَمَاذَا تصنع فَقَالَ أبعدَها الله إِذن وحدّث يَوْمًا قَالَ عنّ لي ظَبيٌ فرميتُه فراغَ عَن سهمي فعارضه السهمُ ثمَّ راغ فعارضته فَمَا زَالَ واللهِ يروغ ويعارضه حَتَّى صرعه بِبَعْض الحاناتِ وَمَا أحلى قولَ ابْن قلاقس الإسكندريّ
(عسكرِيٌّ حما لَهُ ... بَطَلٌ لَيْسَ يُدفَعُ)
(قَامَ عَن قَوس حَاجِب ... يه بِعَيْنيهِ يَنزَع)
(أسهمٌ كَيفَ مَا انحرَف ... نَ إِلَى الْقلب تتبَع)
)
(هَكَذَا كنتُ عَن أبي ... حيَّةٍ قبلُ أسمَع)(27/235)
وَقلت أَنا أَيْضا وَمِنْه أخذتُ
(وشادنٍ إِن هَبَّ عَرفُ الصَّبا ... شمِمتُ مِنْهُ نشرَه طيَّه)
(أمِيل عَنهُ خوفَ عِشقي لَهُ ... وجفنه يُتبِعني غيّه)
(كأننّي قُدّامه ظَبيَةٌ ... وطرفُهُ سهم أبي حَيَّه)
وَفد أَبُو حيّة النميري على الْمَنْصُور وامتدحه بقصيدة وهجا فِيهَا بني حسنٍ فوصله أَبُو جعفرٍ بِشَيْء دون أمله فاحتجن لِعِيَالِهِ أكثرَه وَصَارَ إِلَى الْحيرَة فَشرب عِنْد خمَّارة وَأَعْجَبهُ الشّرْب وَكره أَن يَنفَد مَا مَعَه وأحبّ أَن يدومَ لَهُ مَا كَانَ فِيهِ فَسَأَلَ الخمارة أَن تبيعَهُ بنسيئة وأعلمها أَنه مدح الْخَلِيفَة وقوّادَه فَفعلت وشرِهت إِلَى فصل السَّيئَة وَكَانَ لأبي حيّةَ أيرٌ كعنُق الظَليم فأبرزَه لَهَا فتدلَّهت وَكَانَت كلّما سقته فِي الْحَائِط خطاًّ فَقَالَ أَبُو حيّة
(إِذا سقيِتني كُوزاً بخطٍّ ... فخُطّي مَا بدا لَك فِي الجِدارِ)
(فَإِن أَعْطَيْتنِي عينا بِدَينٍ ... فهاتِ العَين وانتظري ضِماري)
(خَرقتُ مُقَدَّماً من جنب ثوبي ... حِيال مَكَان ذَاك من الْإِزَار)
(فصدَّت بعد مَا نظرَت إِلَيْهِ ... وَقد ألمحتُها عُنُقَ الحُوار)
3 - (الإشبيلي الشَّاعِر)
الْهَيْثَم بن أحمدَ بن جَعْفَر بن أبي غالبٍ أَبُو المتَوَكل السكونِي الشَّاعِر الإشبيلي قَالَ ابْن الأبّار هُوَ أحد فحول الشُّعَرَاء المجوّدين بديهةً ورويَّةً وَكَانَ عَالما بالآداب وضرُوبها أخباريّاً علاّمةً توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
3 - (الغساني)
الْهَيْثَم بن حُميدٍ الغساني مَوْلَاهُم قَالَ ابو دَاوُد قدريٌّ ثِقَة توفّي فِي حُدُود التسعين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة
3 - (أَبُو الحَكَم العَنسي)
الْهَيْثَم بن مَرْوَان العَنسي بالنُّون ابو الحكم الدِّمَشْقِي قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم نرَ لأحدٍ فِيهِ كلَاما محلّهُ الصِّدقُ توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة
3 - (الإخباري)
)
الْهَيْثَم بن عديّ بن عدي بن زيد اُسَيد بن جَابر ابو عبد(27/236)
الرَّحْمَن الطّائيّ الثُعَلبي البحتري الْكُوفِي كَانَ راويةً إخبارياً نقل من كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا ولغاتِها كثيرا وَكَانَ أَبوهُ نازلاًبواسِط وَهُوَ خَيِّر وأمّا الْهَيْثَم فَكَانَ يتَعَرَّض لمثالب النَّاس وَنقل أخبارهم وَأورد معايبَهم وَكَانَت مَستورةً فكَرِهَ لذَلِك وَنقل عَن الْعَبَّاس شَيْئا فحُبِس لذَلِك سِنِين حَبسه الرشيدُ وَقيل إِن ذَلِك نُقِل عَنهُ زُوراً لِأَنَّهُ صاهر قوما فَلم يَرضَوه فلبَّسوا عَلَيْهِ مَا لم يَقُله وَكَانَ يَرى رأيَ الْخَوَارِج قَالَ ابْن معينٍ وَأَبُو دَاوُد كذَّابٌ وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره مَتْرُوك الحَدِيث وقلَّ مَا رَوَى من المُسنَد وَتُوفِّي سنة سبعٍ وَمِائَتَيْنِ وَله عَقِبٌ بِبَغْدَاد وَكَانَت وَفَاته بِفَم الصُّلْح عِنْد الْحسن بن سهل وَله ثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَكَانَ قد روى عَن مجَالد وابنِ عيّاشٍ المنتوف وَغَيرهمَا وَأكْثر وَأَتَاهُ أَبُو نواسٍ وَهُوَ فِي حلقته فَلم يعرِفه فَلَمَّا توجه من عندِه قيل لَهُ هَذَا أَبُو نواس فَقَالَ إِنَّا لله هَذِه وَالله بَليَّةٌ لم أجنِها قومُوا بِنَا إِلَيْهِ فجَاء إِلَيْهِ وَاعْتذر بأعذارِ مقبولةٍ فَقَالَ قد قبِل الله عُذرَك وَمَا ظَنَنْت إلاّ بعضُ مَن حَضَرك قد عرَّفك أَمْرِي قَالَ لم يكن ذَلِك فَلَا تذكُرني بِشَيْء قَالَ أما فِي المستألف فَلَا فَقَالَ الْهَيْثَم قد قنعت وَخرج ودسّ بعض تلاميذه أَن يعود إِلَيْهِ فَعَاد إِلَيْهِ فأنشده
(يَا هَيْثَم بن عديٍّ لستَ للعرَبِ ... وَلست من طَيِّءٍ إلاّ على شَغَبِ)
(الْهَيْثَم بن عديٍّ فِي تلوُنه ... فِي كل يَوْم لَهُ رجلٌ على حَسَب)
(فَمَا يزَال أَخا حلٍّ ومُرتحلٍ ... إِلَى الموَالِي وَأَحْيَانا إِلَى العَرَب)
(لله أنتَ فَمَا قُربَى تهُمُ بهَا ... إِلَّا اجتلبتَ لَهَا الأنسابَ من كثَب)
(إِذا نسبتَ عَديّاً فِي بني ثُعَلٍ ... فقدِّمِ الدَّال قبل الْعين فِي النّسَب)
(كأنني بك فَوق الجسر منتصباً ... على جوادٍ قريبٍ مِنْك فِي الْحسب)
(حَتَّى نرَاك وَقد دَرَّعتَه قُمُصاً ... من الصديد مكانَ اللِّيف والكَرب)
وَمن قَول أبي نُواس فِيهِ
(لَا خيرَ فِي نسّابةٍ عالمٍ ... يَعجُزُ عَن ذِي نَسبٍ يبتغيه)
(إِذا أبٌ شُرِّف فِي مجلسٍ ... شدّ عَلَيْهِ هيثمٌ يَدَّعِيه)
وَلأبي الهول الحميَري أَيْضا فِيهِ هجاءٌ وَقَالَ دِعبل يهجوه أَحْمد بن أبي دُؤادٍ
(سألتُ أبي وَكَانَ أبي عليماً ... بأخبار الحواضرِ والبوادي)
)
(فقلتُ لَهُ أهيثَمٌ من عديٍّ ... فَقَالَ كأَحمدَ بن أبي دؤاد)
(فَإِن يَكُ هيثمٌ مِنْهُم صَحِيحا ... فأحمدُ غيرُ شكٍّ من إياد)(27/237)
(مَتى كَانَت إيادُ تَرؤسُ قوما ... لقد غضب الْإِلَه على العِباد)
وَله من الْكتب كتاب المثالب كتاب المعمَّرين كتاب بُيوتات قريشٍ كتاب الدولة كتاب بيوتات الْعَرَب كتاب هبوط آدم وافتراق الْعَرَب ونزولها منازلها كتاب نسب طيّ كتاب نسب نزُول الْعَرَب بخراسان والسواد كتاب مدائح أهل الشَّام كتاب حِلف كَلبٍ وتَميم ووحلف ذُهلٍ وَحلف طيءٍ وأسدٍ كتاب تَارِيخ الْعَجم وَبني أُمية كتاب المثالب الصَّغِير كتاب النَّوَافِل كتاب أَخْبَار طَيء ونزولها الجبلين وَحلف ذُهلٍ وثُعَل كتاب تداعي أهل الشَّام كتاب أَخْبَار زِيَاد بن أَبِيه كتاب من تزوّج من الموَالِي فِي الْعَرَب كتاب السِّباب كتاب الْجَامِع كتاب الوُفود كتاب خِطط الْكُوفَة كتاب بَغايا قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة كتاب وُلاة الْكُوفَة كتاب النِّسَاء كتاب النكد كتاب فَخر أهل الْكُوفَة على الْبَصْرَة كتاب تَارِيخ الْأَشْرَاف الْكَبِير كتاب تَارِيخ الْأَشْرَاف الصَّغِير كتاب طَبَقَات الْفُقَهَاء والمحدّثين كتاب خَواتم الْخُلَفَاء كتاب شُرَط الْخُلَفَاء كتاب الْخَوَارِج كتاب قُضَاة الْكُوفَة وَالْبَصْرَة كتاب الشُرَط لأُمراء الْعرَاق كتاب الصوائف كتاب المواسم كتاب النَّوَادِر كتاب طَبَقَات مَنْ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب تَسْمِيَة الْفُقَهَاء والمدّثين كتاب التَّارِيخ على السنين كتاب مُنتحل الْجَوَاهِر كتاب الْحسن بن عَليّ ووفاته كتاب السَّمر كتاب أَخْبَار الفُرس كتاب خطباء المِصرَين مَكَّة وَالْمَدينَة كتاب مقطّعات الْأَعْرَاب كتاب المحبَّر كتاب مقتل خَالِد القَسري والوليد بن يزِيد وَيزِيد بن خَالِد القَسري وَمَات لَهُ ابْن يُدعى عُبيداً فَقَالَ الهيثمُ يرثيه
(ذَهَل العزاء فُؤَادك المجهود ... وَبكى ضَميِرُك والدموع جُمودُ)
(ضَنّت عَلَيْك فَمَا تجودُ بقطرةٍ ... عبراء ضَنّ بِنومها التسهيد)
(غارت بدمعك غصَّةٌ مَا تَنْقَضِي ... وجَوّى تضمّنهُ الفؤادُ شَدِيد)
(أَسِفاً على شقّ الْفُؤَاد أصابَه ... قَدَرٌ لعمري مَا لبه مَردود)
(يَا واحدي وذخيرةً لم يبْق لي ... ويَدي الَّتِي أًحمي بهَا وأذود)
(ذهبَت بَشاشةُ كلّ سيءٍ بعده ... وَمضى السرُور فَمَا أرَاهُ يَعود)
)
وَهِي أطول من هَذَا
3 - (ابْن الصَّائِغ المقرىء الشَّافِعِي)
الْهَيْثَم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسلمٍ أَبُو الْفرج(27/238)
القُرشي الشَّافِعِي المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ إِمَام مَسْجِد اللُّؤْلُؤ بِدِمَشْق قَرَأَ على عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن بشرٍ وَمُحَمّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الشنَبوّذي وصنّف أصُول قِرَاءَة حَمْزَة وحدّث عَن جمَاعَة وَكَانَ من أهل الْعلم وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
3 - (الإخباري)
الْهَيْثَم بن فراسٍ الشَّامي أحد رُوَاة الْأَخْبَار والعالِمين بالأخبار وَهُوَ من بني سامةَ بن لُوَيّ بن فهرِ بن مَالك بن النَّضر بن كنانةَ قَالَ فِي الْفضل بن مَرْوَان
(تجبَّرت يَا فضل بن مَرْوَان فَاعْتبر ... فقبلك كَانَ الْفضل وَالْفضل وَالْفضل)
(ثَلَاثَة أَمْلَاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموتُ والمشتِّت والقَتل)
(فَإنَّك قد أصبحتَ فِي النَّاس ظَالِما ... ستودي كَمَا أودى الثَّلَاثَة من قبل)
يُرِيد الْفضل بن يحيى وَالْفضل بن الرّبيع وَالْفضل بن سهلٍ
3 - (الفأفاء الْكَاتِب)
الْهَيْثَم بن مطهَّر الفأفاء الْكَاتِب كَانَ بغدادياً ظريفاً لَهُ أشعارٌ مِلاحٌ وَكَانَ منقرساً أعرجَ وقف على بَاب الخيزُران ينْتَظر بعضَ من يخرج من دارها فَبعث إِلَيْهِ كاتبها يَقُول انزِل عَن ظهر دابتك فقد جَاءَ فِي الحَدِيث كَراهيةُ ذَلِك فَقَالَ أَنا رجلٌ المرج وَإِن خرج صَاحِبي خفتُ أَن لَا أدرِكه فَقَالَ إِن لم تنزِل أنزلناك فَقَالَ هُوَ حبيسٌ فِي سَبِيل الله إِن أنزلتَني عَنهُ إِن أقضمتَهُ شَعِيرًا شهرا فأيّما خيرٌ كَدّ ساعةٍ أَو جوع شهرٍ فَقَالَ هَذَا شيطانٌ وكف عَنهُ
3 - (المَروَزي)
الْهَيْثَم بن خارجةَ أَبُو أَحْمد الْمروزِي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن رجلٍ عَنهُ وأحمدُ بنُ حنبلٍ وَعبد الله ابْنه وَأَبُو زُرعةَ وَأَبُو يَعلَى الْموصِلِي وَكَانَ ابْن حَنْبَل يُثني عَلَيْهِ رَآهُ البَغوي وَلم يسمع مِنْهُ وَتُوفِّي سنة سبعٍ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
3 - (الشَّاشِي)
الْهَيْثَم بن كُليَبٍ بن شُرَيحِ بن مَعقِلٍ ابو سعيد الشَّاشِي مُصَنف المُسنَد توفّي سنة خمس)
وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
3 - (أَمِير الْبَصْرَة)
الْهَيْثَم بن مُعَاوِيَة العَكّي الْأَمِير بِالْبَصْرَةِ مَاتَ فَجْأَة سنة سِتّ(27/239)
وَخمسين وَمِائَة بِبَغْدَاد
ابْن الْهَيْثَم صَاحب التصانيف فِي الرياضي وغيرِهِ اسْمه الْحسن بن الْحسن
أَبُو الْهَيْثَم الْأنْصَارِيّ اسْمه مَالك بن التيِّهان
(هيجاء)
3 - (الْأَمِير فَخر الدّين بن خُشتَرين)
أَبُو الهيجاء بن عِيسَى بن خشترين الْأَمِير الْكَبِير فَخر الدّين بن الْأَمِير حسام الدّين الكُردي أحد الشجعان كَانَت لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء يَوْم عين جالوت رَتَّبه المظفر قطز مشاركاً للحلبي فِي نِيَابَة دمشق فِي الرَّأْي وَالتَّدْبِير وَكَانَ أَبوهُ أكبرَ أميرٍ عِنْد الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب توفّي فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
ابْن أبي الهيجاء وَالِي دمشق مُحَمَّد بن أبي الهيجاء
3 - (المُرّي أَمِير الْعَرَب)
أَبُو الهَيذام المُرِّي أَمِير الْعَرَب وزعيم قيسٍ وفارسُها الْمَشْهُور وَهُوَ الْقَائِد للْعَرَب المُضَرية فِي الْفِتْنَة العُظمى الكائنة بِدِمَشْق فِي أَيَّام الرشيد وَله شِعر جيد مَشْهُور وَخرج على الرشيد لكَونه قتل أَخَاهُ ثمَّ ظفر بِهِ الرشيد فاستعطفه بِأَبْيَات فأطلقَه وَتُوفِّي فِي حُدُود التسعين وَالْمِائَة
أَبُو الهَيذام اللّغَوِيّ كِلابُ بنُ حَمْزَة
3 - (الْأَمِير فَخر الدّين بن خُشتَرين)
أَبُو الهيجاء بن عِيسَى بن خشترين الْأَمِير الْكَبِير فَخر الدّين بن الْأَمِير حسام الدّين الكُردي أحد الشجعان كَانَت لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء يَوْم عين جالوت رَتَّبه المظفر قطز مشاركاً للحلبي فِي نِيَابَة دمشق فِي الرَّأْي وَالتَّدْبِير وَكَانَ أَبوهُ أكبرَ أميرٍ عِنْد الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب توفّي فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
ابْن أبي الهيجاء وَالِي دمشق مُحَمَّد بن أبي الهيجاء
(هيذام)
3 - (المُرّي أَمِير الْعَرَب)
أَبُو الهَيذام المُرِّي أَمِير الْعَرَب وزعيم قيسٍ وفارسُها الْمَشْهُور وَهُوَ الْقَائِد للْعَرَب المُضَرية فِي الْفِتْنَة العُظمى الكائنة بِدِمَشْق فِي أَيَّام الرشيد وَله شعر جيد مَشْهُور وَخرج على الرشيد لكَونه قتل أَخَاهُ ثمَّ ظفر بِهِ الرشيد فاستعطفه بِأَبْيَات فأطلقَه وَتُوفِّي فِي حُدُود التسعين وَالْمِائَة
أَبُو الهَيذام اللّغَوِيّ كِلابُ بنُ حَمْزَة
ابْن الهيصم الكرّامي اسْمه مُحَمَّد بن الهيصم
(هيلانة)
3 - (جَارِيَة الرشيد)
هيلانة جَارِيَة الرشيد هَارُون كَانَ شَدِيد الحبّ لَهَا وَكَانَت قبله ليحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي وَكَانَ الرشيد قبل الْخلَافَة يمْضِي إِلَى دَار يحيى فَلَقِيته فِي مَمرٍّ فَأخذت بكُمّه وَقَالَت لَهُ مَا لنا فِيك من نصيب فَقَالَ وَكَيف السَّبِيل إليكِ قَالَت تطلُبني من هَذَا الشَّيْخ فطلبها من يحيى فَوَهَبَهَا لَهُ فَغلبَتْ عَلَيْهِ وأقامت عِنْده ثَلَاث سِنِين ثمَّ مَاتَت فوجِد عَلَيْهَا وجدا شَدِيدا وَقَالَ فِيهَا
(قد قلت لمَا ضمّنوكِ الثَرى ... وجالت الحسرةُ فِي صَدْرِي)
(اذهَب فَلَا واللهِ لَا سَرّني ... بعْدك شيءٌ آخِرَ الدَهر)
وَقَالَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف
(يَا من تباشرتِ الْقُبُور بموتها ... قصَدَ الزمانُ مساءَتي فرماكِ)
(أبقَى الأنيسَ فَلَا أرى لِيَ مؤنساً ... إِلَّا التردُّد حيثُ كنت اراك)(27/240)
(مَلِكٌ بكاكِ وَطَالَ بعدِك حُزنُه ... لَو يستطيعُ بِملكه لفداك)
(يحمي الْفُؤَاد عَن النِّسَاء حفيظةً ... كَيْلا يحِلَّ حِمَى الْفُؤَاد سِواك)
فَأعْطَاهُ الرشيد أَرْبَعِينَ ألفا وَقَالَ لَو زدتَ لَزِدناك ووفاتها رَحمهَا الله تَعَالَى ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة(27/241)
(حرف الْوَاو)
(وابصة)
3 - (الْأَسدي الصَّحَابِيّ)
وابصة بن معبد بن مَالك بن عُبيدٍ الْأَسدي من بني أسدِ بن خُزَيمةَ يُكنى أَبَا شدادٍ سكن الْكُوفَة ثمَّ تحوّل إِلَى الرقة وَمَات بهَا فِي حُدُود السِّتين من الْهِجْرَة وَفَد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله أَحَادِيث مِنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر رَجلاً رَآهُ يصلّي خلف الصَّفّ وحدّه أَن يُعيِدَ الصَّلَاة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
(واثق)
3 - (أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيّ)
واثق بن عبد الْملك بن احْمَد بن أبي مَنْصُور بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيّ سِبط الْمُدبر الشبلي وُلد بِبَغْدَاد وَسمع من هبة الله بن الحُصين وَعلي بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَأحمد بن عبيدِ الله بن كادش وَأحمد بن الْحسن بن الْبناء وَغَيرهم وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا ورحل إِلَى خُرَاسَان وَسمع بطوس ونيسابور وهراة وسرخس وبلخ وأدركه أَجله هُنَاكَ شَابًّا بعد سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وحدّث فِي بَغْدَاد باليسير قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ سمعتُ عمر البسطامي يَقُول عَنهُ إِنَّه أفسد سماعات بَلخ وَوَصفه بِكَثْرَة التَّخْلِيط وَمن شعره
(إِلَّا هِيَ شُكراً لِما قد وَهَبتَ ... وَذَاكَ محبّةُ قولِ الرسولِ)
(وَإِنِّي مَدى الدَّهرِ فِي رغدةٍ ... لِما فِيهِ مِن نَيلِ قصدٍ وسُول)
(وَلَو لم يكن ذَاك كنتُ امْرَءًا ... سَؤوماً عَن العيشِ أعمى السَّبِيل)
3 - (ابْن الشوكي المقرىء)
واثق بن عَليّ بن عمرَان الشوكي الْبَغْدَادِيّ أَبُو البركات المقرىء سمع الْكثير من ابْن الحُصين وَابْن الْبناء وَابْن كادش وَأبي بكرٍ الْأنْصَارِيّ وَأبي الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأبي البركات الْأنمَاطِي وَغَيرهم وَكتب بِخَطِّهِ وحصّل وروى شَيْئا يَسِيرا سمع مِنْهُ الْحَافِظ معمر بن عبد الْوَاحِد وروى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ حنبليّاً وقدِم دمشق وحدّث بِشَيْء يسيرٍ وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
(الألقاب)
)
الواثق بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْعَبَّاس اسْمه هَارُون بن مُحَمَّد(27/242)
الواثق صَاحب الْمغرب المؤمني اسْمه إِدْرِيس بن عبد الله الواثقي العباسي اسْمه عبد الله بن عُثْمَان من ولد الواثق الواثقي وَالِي بَغْدَاد أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى الواثق الصُّمادحي عبد الله بن مُحَمَّد بن معن
(وَاثِلَة)
3 - (وَاثِلَة اللَّيْثِيّ الصَّحَابِيّ)
وَاثِلَة بن الْأَسْقَع بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْقَاف بن عبد العُزَّى بن عبد ياليل بن ناشبٍ يَنْتَهِي إِلَى كنانةَ اللَّيْثِيّ وَقيل ابْن الْأَسْقَع بن كَعْب بت عَامر بن لَيْث بن بكرٍ وَالْأول أَكثر أسلم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجهز إِلَى تَبُوك يُقَال إِنَّه خدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث سِنِين وَهُوَ من أهل الصّفة يُقَال إِنَّه نزل الْبَصْرَة وَله بهَا دارٌ ثمَّ سكن الشَّام وَكَانَ منزله بقرية البلاط شهد الْمَغَازِي بِدِمَشْق وحمص ثمَّ إِنَّه تحول إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَتُوفِّي هُنَاكَ وَهُوَ ابْن مائَة سنة وَقيل إِنَّه توفّي بِدِمَشْق فِي آخر خلَافَة عبد الْملك سنة خمس أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثمانٍ وَتِسْعين سنة يُكنى أَبَا الْأَسْقَع وَقيل أَبَا مُحَمَّد وَقيل أَبُو قرصافة فِي قَول الْوَاقِدِيّ وروى عَنهُ أَبُو الْمليح بن أُسامة الهُذلي وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَهُوَ آخرُ الصَّحَابَة موتا بِدِمَشْق
3 - (أَبُو هُرَيْرَة المؤذّن)
وَاثِلَة بن الْأَسْقَع بن أبي الْعَلَاء بن أبي الْفَتْح بن الْفَيْض بن أَحْمد بن عَليّ بن حَامِد بن إِبْرَاهِيم أَبُو إِبْرَاهِيم بن حَامِد أَبُو هُرَيْرَة الْمُؤَذّن الهمذاني قَالَ محبّ الدّين بن النجار هَكَذَا نسبه يُوسُف بن خَلِيل الدِّمَشْقِي كَانَ شَيخا صَالحا من أَصْحَاب الْحَافِظ أبي الْعَلَاء الْحسن بن احْمَد الْعَطَّار سمع بهمذان من أبي بكر هبة الله بن الْفَرح بن أُخْت الطَّوِيل وَأبي المحاسن نصر بن المظفر الْبَرْمَكِي وَغَيرهمَا وَقدم بَغْدَاد سنة ستٍ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَسمع من القَاضِي أبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الأُرموي وَابْن نَاصِر الْحَافِظ وَسَعِيد بن أَحْمد بن الْبناء وأمثالهم ثمَّ قدم مرَّةً ثَانِيَة سنة خمسٍ وَسبعين وَخَمْسمِائة وحدّث بهَا وَسمع مِنْهُ أَبُو الْحسن القِطِيعي وَغَيره ثمَّ قدمهَا ثَالِثَة حاجًّا سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وحدَّث بهَا أَيْضا سمع مِنْهُ)
أَصْحَابنَا وَلم نلقَه ودخلتُ همذانَ بعد وَفَاته وَقد كتب إليّ بِالْإِجَازَةِ بِجَمِيعِ مروِياته وسألتُ ابَنه محمدَ بن واثلةَ عَن وَفَاة أَبِيه فَقَالَ توفّي بالكرخ فِي شوَّالٍ سنة خمس وسِتمِائَة(27/243)
(وائلة)
3 - (ابْن كرّاز)
وائلة بن بقاءٍ بن أبي نصر بن عبد السَّلَام أَبُو الْحسن الملاّح الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كرَّازٍ سمع أَبَا عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد الرَّحبِي قَالَ محب الدّين بن النجار كتبت عَنهُ وَكَانَ شَيخا صَالحا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
(الألقاب)
الواجكا اسْمه عبد السَّلَام بن الْحسن الواحدي الْمُفَسّر عَليّ بن أَحْمد الوادعي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الوادعي يحيى بن زَكَرِيَّا القَاضِي الْحَنَفِيّ ابْن الْوَادي سعد الله بن نَجا الوَادعي عَليّ بن مظفرٍ ابْن واره الْحَافِظ اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم ابْن الوَاسِطِيّ الْمسند شمس الدّين اسْمه مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الوَاسِطِيّ عماد الدّين اسْمه أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الوَاسِطِيّ المقرىء عَليّ بن عَليّ الوَاسِطِيّ المعتزلي مُحَمَّد بن زيدٍ الوَاسِطِيّ تقيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ الوَاسِطِيّ أَبُو عَليّ الشَّافِعِي يحيى بن الرّبيع الواشحي قَاضِي مَكَّة سُلَيْمَان بن حَرب
(وَاسع)
3 - (الصَّحَابِيّ وَاسع بن حبّان بن مُنقذٍ)
شهد بيعَة الرضْوَان والمشاهدَ كلهَا مَعَ أَخِيه سعد بن حبّان وقُتِلا يَوْم الحرّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ
3 - (الْأنْصَارِيّ)
وَاسع بن حبّان الْأنْصَارِيّ الْمدنِي روى عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني وَابْن عمر وَرَافِع بن خُدَيجٍ وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة(27/244)
(وَاصل)
3 - (وَاصل الأحدب)
وَاصل بن حيّان الأحدب الْأَسدي الْكُوفِي روى عَن زرٍّ وابي وَائِل والمعرور بن سُوَيدٍ وَإِبْرَاهِيم وثقة ابْن معينٍ وتوفِّي سنة عشْرين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة كلهم
3 - (أَبُو يحيى الْبَصْرِيّ)
وَاصل بن السَّائِب أَبُو يحيحى الرُّقاشي بصريٌ قَالَ البُخَارِيّ مُنكَر الحَدِيث وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيره لَيْسَ بِشَيْء وَتُوفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
3 - (رَأس الْمُعْتَزلَة)
وَاصل بن عطاءٍ أَبُو حذيفةَ الْبَصْرِيّ الغزّال لِأَنَّهُ كَانَ يَدُور فِي سوق الغّزل ليتصدَّق على النِّسَاء اللواتي يبعن الْغَزل مولى بني مَخْزُوم وَقيل مولى بني ضَبّة هُوَ رَأس الْمُعْتَزلَة وَكَبِيرهمْ وَرَئِيسهمْ وأوّلهم كَانَ تلميذَ الْحسن الْبَصْرِيّ يقْرَأ عَلَيْهِ العلومَ فَدخل رجل على الْحسن وَقَالَ لَهُ قد ظهر فِي زَمَاننَا جَماعة يكفّرون أصحابَ الْكَبَائِر والكبيرة عِنْدهم كفرٌ وهم وعيديَّة الْخَوَارِج وجماعةٌ يرجئون أصحابَ الْكَبِيرَة وَيَقُولُونَ الْكَبِيرَة عِنْدهم لَا تضرّ الْإِيمَان وَإنَّهُ لَا يضرّ مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة كَمَا لَا ينفَع مَعَ الْكفْر طاعةٌ ففّكر الْحسن فِي ذَلِك فَقَالَ وَاصل قبل أَن يُجيب الْحسن بِشَيْء أَنا أَقُول إِن صَاحب الْكَبِيرَة لَا مؤمنٌ وَلَا كافرٌ ثمَّ قَامَ وَاعْتَزل إِلَى أسطوانة الْمَسْجِد يُقرر جوابَه على جمَاعَة من أَصْحَاب الْحسن فَقَالَ الْحسن اعتزل وَاصل عنّا فسمُّوا معتزلةً من ذَلِك الْوَقْت بِهَذَا السَّبَب وَكَانَ سَبَب سُؤال السَّائِل ذَلِك لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ أَنه لم يكن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خوض فِي هَذِه الْمسَائِل وَلَا)
فِي صدر الْإِسْلَام وَإِنَّمَا حدث ذَلِك فِي أَوَاخِر عصر متأخِّري الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَأول حُدُوثه فِي مَسْأَلَة الْقدر وَفِي الِاسْتِطَاعَة من معبد الجُهنَي وغيلان الدِّمَشْقِي والجَعد بن دِرْهَم وتبرّأ مِنْهُم متأخَروا الصَّحَابَة عبد الله بن عمر وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو هُرَيْرَة وتواصَوا وأوصَوا أخلافهم أَن لَا يسلمُوا عَلَيْهِم وَلَا يصلّوا على جنائزهم وَلَا يعودوا مَرضاهم وَإِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك مَا صحّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذّم الْقَدَرِيَّة وَقد أجمع الْمُعْتَزلَة على أَن الله تَعَالَى قديمٌ والقِدَم أخصُّ وصف ذَاته وَاتَّفَقُوا على أَن التحسين والتقبيح يجب معرفتهما بِالْعقلِ وَأَن شكر الْمُنعم وَاجِب عقلا وَاخْتلفُوا فِي الامامة وَالْقَوْل فِيهَا أَيْضا واختياراً هَذَا مَا اتَّفقُوا على نفي الصِّفَات الْقَدِيمَة عَنهُ أصلا فَقَالُوا الْبَارِي تَعَالَى عالمٌ لذاته لَا بعلمٍ زَائِد على ذَاته قادرٌ لذاته لَا بقدرة زَائِدَة(27/245)
على ذَاته حيّ لذاته لَا بحياةٍ زَائِدَة على ذَاته مريدٌ لذاته لَا بإدارة على ذَاته وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي بَاقِي الصِّفَات من السّمع وَالْبَصَر وَغَيرهمَا قَالُوا لأنّ هَذِه الصِّفَات لَو شاركته فِي القِدم الَّذِي هُوَ أخصُّ وصفِ ذَاته لشاركته فِي الإلهية وَاتَّفَقُوا على أَن كَلَامه مُحدث مَخْلُوق بحرفٍ وَصَوت وَاتَّفَقُوا على نفي رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي الْآخِرَة وَاتَّفَقُوا على أَن العبدَ خالقٌ لأفعاله خيرَها وشرِّها غير مخلوقة لله تَعَالَى وَاتَّفَقُوا على أَنه تَعَالَى منزَّهٌ عَن أَن يُضَاف إِلَيْهِ الشرّ لِأَنَّهُ لَو خلق الظُّلم لَكَانَ ظَالِما كَمَا أَنه لَو خلق الْعدْل لَكَانَ عادلاً وَاتَّفَقُوا على وجوب رِعاية مصَالح الْعباد على الله تَعَالَى وَلَهُم خلافٌ فِي الْأَصْلَح واللطف وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ عَن توبةٍ استحقّ الثَّوَاب والعِوَض وَإِذا مَاتَ عَن كَبِيرَة ارتكبها استحقّ الخلود فِي النَّار لَكِن يكون عِقَابه أخفّ من عِقَاب الْكفَّار وسمَّوا هَذَا النمط وَعدا ووعيداً فَلهَذَا يسمَّون الوعيدية أَيْضا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ من الْمسَائِل فِي أصُول الديانَات وَاخْتلفُوا فِي مسَائِل فِيمَا بَينهم وهم عشرُون فرقة كلّ فرقة تكفّر الْأُخْرَى فالأُولى الواصليّة نِسْبَة إِلَى وَاصل بن عَطاء هَذَا وَالثَّانيَِة العَمرية أَصْحَاب عمروبن عُبيد وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْعين وَالثَّالِثَة الهُذيلية أَصْحَاب أبي الهُذيل مُحَمَّد بن عبد الله وَقد تقدم ذكره فِي المحمدين وَالرَّابِعَة النظاميّة اصحاب إِبْرَاهِيم بن سيّار وَقد تقدم ذكره فِي الاباره وَالْخَامِسَة الأسوارية أَصْحَاب الأسواري صَاحب النظام وَقد تقدم فِي حرف الْهمزَة السَّادِسَة الإسكافية أَصْحَاب أبي جَعْفَر الإسكاف وَقد تقدم فِي حرف الْجِيم السَّابِعَة الجعفريّة أَصْحَاب جَعْفَر بن مُبشر وجعفر بن حَربٍ وَقد تقدم فِي حرف الْجِيم الثَّامِنَة البشرّية أَصْحَاب بشر بن الْمُعْتَمِر)
وَقد تقدم فِي حَرف الْبَاء التَّاسِعَة المعمرية أَصْحَاب معمر بن عباد وَقد تقدم فِي حرف الْمِيم الْعَاشِرَة أَصْحَاب أبي عِيسَى بن صبح الملقب بالمرداز وَقد تقدم فِي حرف الْعين الْحَادِيَة عشر الثماميّة أَصْحَاب ثُمَامَة بن أَشْرَس وَقد تقدم فِي حرف الثَّاء الثَّانِيَة عشر أَصْحَاب هِشَام بن عمرٍو الفوطي وَقد تقدم فِي حرف الْهَاء الثَّالِثَة عشر الجاحظية أَصْحَاب عَمْرو بن بَحر الجاحِظ وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْعين الرَّابِعَة عشر الخيّاطية أَصْحَاب أبي الْحسن الْخياط وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْحَاء الْخَامِسَة عشر أَصْحَاب أبي الْقَاسِم الكعبي وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْقَاف السَّادِسَة عشر الصالحية اصحاب الصَّالِحِي السَّابِعَة عشر أَصْحَاب أَحْمد بن حابط ويدَعون الحابطية الثَّامِنَة عشر الحدّثية أَصْحَاب فضل الحدَثي وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْفَاء التاسعةَ عشر الشحّامية أَصْحَاب أبي يَعْقُوب الشحّام يَأْتِي ذكره فِي حرف الْيَاء الْعشْرُونَ البهشميّة أَصْحَاب أبي هَاشم بن عَليّ الحُبّائي وَقد تقدم ذكرهم فِي حرف الْهَاء وذُكر فِي تَرْجَمَة كلّ شخص من الْمَذْكُورين مَا انْفَرد بِهِ عَن بَقِيَّة الْمُعْتَزلَة وواصل هُوَ الَّذِي أحدث القَوْل بالمنزلة(27/246)
بَين منزلتين وَقَالَ فِي أَصْحَاب وقْعَة الْجمل وصفتين من الْفَرِيقَيْنِ أَحدهمَا مخطىء لَا بِعَيْنِه وشكّ فِي عَدَالَة عَليّ وللديه الْحسن وَالْحُسَيْن وَابْن عَبَّاس وعائشةَ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ لَو شهِد عِنْدِي عَليّ وَطَلْحَة على نَاقَة بَقِلٍ لم أحكُم بِشَهَادَتِهِمَا لِأَن أَحدهمَا فاسقٌ لَا بِعَيْنِه وَلَا أعرفهُ فجوّز الفِسق على هَؤُلَاءِ السَّادة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده أَن الْفَاسِق مخلّد فِي النَّار نَعُوذ بِاللَّه من الضلال والخِذلان وَكَانَ وَاصل أحدُ الْأَعَاجِيب وَذَلِكَ أَنه كَانَ يسمَّى خطيب الْمُعْتَزلَة لبلاغته وفصاحته وَقدرته على الْكَلَام وَكَانَ يلثَغ بالراء لُثغَةً قبيحةً وَكَانَ يتَجَنَّب الرَّاء فِي كَلَامه فَلَا يكَاد يُسمع مِنْهُ كلمة فِيهَا راءٌ وَلَا يفطَن بِهِ وَقَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء
(وَيجْعَل البُرَّ قَمحاً فِي تصرُّفه ... وَخَالف الراءَ حَتَّى احتالَ للشَعَرِ)
(وَلم يُطِق مَطَراًوالقول يُعجِله ... فجَاء بالغَيثِ إشفاقاً من الْمَطَر)
وَيُقَال إِنَّه امتحن حَتَّى أَنه يقْرَأ أول سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ من غير فكرٍ وَلَا رَوِية عهدٌ من الله ونبيهِ إِلَى الَّذين عاهدتم من الْفَاسِقين فسيحوا فِي البسيطة هِلالين وهِلالين وبلغه أنَّ بشَّار بن بُردٍ الْأَعْمَى الشَّاعِر هجاه فَقَالَ غير مفكرٍ أما لهَذَا الْأَعْمَى المكنى بِأبي مُعاذ مَن يقْتله أما وَالله لَوْلَا أَن الغِيلةَ خُلُق من أَخْلَاق الغالية لبعثتُ إِلَيْهِ من يَبعَجُ بَطْنه على مضجعه ثمَّ لَا)
يكون إلاّ سَدوسيّاً أَو عُقليّاً وَلم يأتِ فِي كَلَامه براءٍ لِأَنَّهُ قَالَ أَبُو معاذٍ وَلم يقل المُرَعَّث وَلَا بشّاراً وَقَالَ يبعَج ولميقل يبقُر وَقَالَ مضجعَه وَلم يقل فرَاشه وَقَالَ الغيلة وَلم يقل الغَدر وَقَالَ الغالية وَلم يقل المغيريّة وَلَا المنصورية وَأَرَادَ بِذكر عُقَيل وسدوس مَا كَانَ يذكرهُ بشار بن بردٍ من الاعتزاء إِلَيْهِمَا وَقَالَ الأرجاني
(هجرَ الرَّاء واصلُ بنُ عطاءٍ ... فِي خطاب الوَرى من الخطباءِ)
(وَأَنا سَوف أهجُر الْقَاف وَالرَّاء ... مَعَ الضَّاد من حُروف الهجاء)
وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء
(وَلما رأيتُ الشيبَ رَاء بعارضي ... تيقّنتُ أنّ الْوَصْل لي مِنْك واصلُ)
وَقَالَ أخر فِي مليح النغ
(اعد لَفظه لوان وأصل حَاضر ... ليسمعها مَا اسقط الرَّاء وصل)
وَقد أورد المرزباني فِي كِتَابه المرشد فِي أَخْبَار الْمُتَكَلِّمين خطْبَة خطب بهَا وَاصل بن عطاءٍ بِحَضْرَة عبد الله بن عمر بن عبد الْعَزِيز لما وَلِي الْعرَاق وَصَارَ إِلَى الْبَصْرَة وامر بِحَفر النَّهر الَّذِي يُنسب إِلَيْهِ وَهِي خُطبة بليغة الْمعَانِي فصيحة الْأَلْفَاظ طَوِيلَة جدا لَيْسَ فِيهَا راءٍ ولد سنة ثَمَانِينَ بِالْمَدِينَةِ وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَله كتاب التَّوْبَة كتاب(27/247)
مَعَاني الْقُرْآن وأصناف المرجئة وَكتاب خُطب فِي التَّوْحِيد وَالْعدْل كتاب السَّبِيل إِلَى معرفَة الْحق كتاب الدعْوَة كتاب مَا جرى بَينه وَبَين عَمْرو بن عبيد كتاب طَبَقَات أهل الْعلم وَالْجهل وَكَانَ وَاصل طَوِيل الْعُنُق جدا بِحَيْثُ كَانَ يعاب بذلك وَفِيه يَقُول بشار بن بُردٍ الْأَعْمَى
(مَاذَا بُلِيتُ بغزالِ لَهُ عُنُقٌ ... كنَقيِق الدوِّ إِن وَلى وَإِن مَثُلا)
(عُنقَ الزرّافة مَا بالي وبالكم ... تكفِّرون رجَالًا كفّروا رَجُلا)
3 - (الْكُوفِي)
وَاصل بن عبد الْأَعْلَى الْكُوفِي روى عَنهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة وثّقه النَّسَائِيّ وَتُوفِّي فِي حُدُود الْخمسين والمائتين
ابْن وَاصل القَاضِي جمال الدّين اسْمه مُحَمَّد بن سَالم
(وَاقد)
3 - (وَاقد التَّمِيمِي الصَّحَابِيّ)
وَافد بن عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْحَنْظَلِي أسلم قبل دُخُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وآخَى بَينه وَبَين بشر بن البراءِ بن معْرور وَهُوَ الَّذِي قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ فِي أوّل يَوْم من رَجَب وَكَانَ مَعَ عبد الله بن جحش حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نَخْلَة فلقي عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ خَارِجا نَحْو الْعرَاق فَقتله فَبعث الْمُشْركُونَ أهل مَكَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّكُم تعظّمون الشهرَ الحرامَ وتزعمُون أنّ الْقِتَال لَا يصلح فِيهِ فَمَا بالُ صَاحبكُم قَتَل صاحبنا فَأنْزل الله تَعَالَى يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ الْآيَة فواقِد هَذَا أول قَاتل فِي الْمُسلمين وَعَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ أول قَتِيل من الْمُشْركين فِي الْإِسْلَام وَشهد وَاقد بَدْرًا وأُحد والمشاهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتُوفِّي فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ حليفاً للخطاب بن نُفيل وَفِي قتل وَاقد عمرا يَقُول عمر بن الْخطاب
(شَفينا مِن ابْن الْحَضْرَمِيّ رماحنا ... بنخلة لما أوفد الحربَ واقدُ)
3 - (مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وَاقد مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُوِيَ عَنهُ زاذانُ قَوْله من أطَاع الله فقد ذكره وَإِن قلَّت صلَاته وصيامه وتلاوته الْقُرْآن(27/248)
وَمن عصى الله فَلم يذكرهُ وَإِن كثرت صلَاته وصيامه وتلاوته الْقُرْآن
3 - (الْأنْصَارِيّ)
وَاقد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ لَهُ صُحْبَة وَهُوَ الْقَائِل عِنْد ابْن عباسٍ أمّا كَلَام النَّاس فَكَلَام خائفٍ وَأما العملُ مِنْهُم فَعمل آمنٍ
أَبُو وَاقد اللَّيْثِيّ الصَّحَابِيّ تقدم فِي حرف الْحَاء واسْمه الْحَارِث بن عوفٍ
الْوَاقِدِيّ اسْمه مُحَمَّد بن عمر
الوَاقِفِي المقرىء اسْمه الْعَبَّاس بن الْفضل
(والبة)
3 - (والبة أَبُو أُسَامَة الْأَسدي)
والبة بن الحُباب أَبُو أُسامةَ الْأَسدي هُوَ أستاذ أبي نواسٍ وَكَانَ ظريفاً غزِلاً وصَّافاً للخمر والغلمان المُرد وشعره فِي غير ذَلِك مقاربٌ وهاجى بشاراً وابا العتاهة فَلم يصنع شَيْئا وفضحاه قَالَ الْمهْدي لعُمارةَ بن حمزةَ مَن أرقُّ النَّاس شعرًا قَالَ والبة بن الْجبَاب الَّذِي يَقُول
(وَلها وَلَا ذَنب لَهَا ... حبٌّ كأطراف الرِّماحِ)
(فِي الْقلب يَقدح والحشا ... فالقلبُ مجروحُ النواحي)
فَقَالَ صدقتَ وَالله قَالَ فَمَا يمنَعُك من مُنادمته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ قَوْله
(قلتُ لساقينا على خَلوةٍ ... أدنِ كَذَا رأسَك من راسي)
(ونَم على وَجهه لي سَاعَة ... إِنِّي امرؤٌ أَنكمَحُ جُلاسي)
أفتريد أَن أكون من جُلاسه على هَذَا الشريطة قَالَ الدَّعلجي غُلَام أبي نواس أنشدتُ يَوْمًا بَين يَدي أبي نواس قصيدتَه ياشفيقَ النفسِ من حَكمِ وَكَانَ قد سكر فَقَالَ أَلا أخْبرك بِشَيْء على أَن تكتُمَه قلت نعم قَالَ أَتَدْرِي من المَعنِيّ بيا شفيق النَّفس من حكم قلت لَا قَالَ أَنا وَالله المعني بذلك وَالشعر لوالبة بن الْحباب قَالَه وَمَا عِلم بِهَذَا غيرُك وحُكي عَن والبة أَنه كشف يَوْمًا عَن عَجُز أبي نواس وَهُوَ أمرَدُ حسنُ الوجهِ مليح الْجِسْم فَلَمَّا رأى والبة حُمرة أليَتَيه وبياضَهما قبّلهما فضرط أَبُو نواس فَقَالَ لَهُ والبة لِمَ فعلتَ هَذَا وبلك قَالَ كَرَاهِيَة أَن يَضيعَ قولُ الْقَائِل مَا جزاءُ من قبّل الإستَ قَالَ ضَرطةٌ وَعَن أبي سَلهَب الشَّاعِر قَالَ كَانَ والبة صديقي وَكَانَ مَاجِنًا خبيثَ الدّين فشربتُ أَنا وَهُوَ يَوْمًا بغُمَّى فانتبه من سكرة(27/249)
وَقَالَ لي اسمَع ثمَّ أَنْشدني
(شربتُ وفاتِكٌ مثلي جَموحٌ ... بغُمَّى بالكؤوس وبالبواطي)
(يعاطيني الزّجاجة أريَحِيٌ ... رَخيمُ الدَّلّ بُورِك من مُعاط)
(أَقُول لَهُ على طَرَبٍ ألِطني ... وَلَو بمؤاجر عِلج نِباطي)
(فَمَا خيرُ الشَّرَاب بغَير فِسقٍ ... يُتابَع بالزناءِ وباللَّواط)
(جعلتُ الحجّ فِي غُمَّى وبُنَّى ... وَفِي قُطربُّل أبدا رِباطي)
)
(فَقل للخَمسِ آخرُ مُلتقَانا ... إِذا مَا كَانَ ذَاك على الصِّراط)
يَعْنِي بالخمس الصَّلَوَات وَتُوفِّي والبة فِي حُدُود الْمِائَتَيْنِ
الواني الْمصْرِيّ عَليّ بن عمر ابْن الواني أَمِين الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
ووالده جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَولده أَمِين الدّين شرف الدّين عبد الله
(واهب)
3 - (الْمعَافِرِي الْمصْرِيّ)
واهب بن عبد الله الْمعَافِرِي الكعبي الْمصْرِيّ خرّج لَهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب وَكَانَ معمراً وَتُوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة
الوَأواء الدِّمَشْقِي الشَّاعِر اسْمه مُحَمَّد بن أَحْمد الوَأواء الْحلَبِي اسْمه عبد القاهر بن عبد الله
(وَائِل)
3 - (الْحَضْرَمِيّ الصَّحَابِيّ)
وَائِل بن حجر بن ربيعةَ بن وائلٍ أَبُو هُنيدة الْحَضْرَمِيّ كَانَ قَيلاً من أقيال حضر موت وَكَانَ أَبوهُ من مُلُوكهمْ وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم وَيُقَال إِنَّه بَشَّر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصحابَه قبل قدومه وَقَالَ يأتيكم وَائِل بن حجر من أرضٍ بعيدةٍ من حضر موت طَائِعا رَاغِبًا فِي الله عز وجلّ وَفِي رَسُوله وَهُوَ بقيّة أَبنَاء الْمُلُوك فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ رحَّب بِهِ وَأَدْنَاهُ من نَفسه وقرَب مجلسَه وَبسط لَهُ رداءَه فأجلسه عَلَيْهِ مَعَ نَفسه على مَقْعَده وَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك فِي وَائِل وَولده وولدِ وَلَده وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَقْيَال من حضر موت وَكتب مَعَه ثلاثةَ كتبٍ إِلَى المُهَاجر بن أبي أميَة وَكتاب إِلَى الْأَقْيَال والعَباهلة وأقطعه أَرضًا وَأرْسل مَعَه مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَخرج مَعَه مُعَاوِيَة وَوَائِل بن حجر(27/250)
على نَاقَته رَاكِبًا فَشَكا إِلَيْهِ مُعَاوِيَة حَرّ المضاء فَقَالَ لَهُ أنتعل حرّ الرمضاء فَقَالَ لَهُ انتعِل ظلّ النَّاقة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة وَمَا يُغني ذَلِك عنّي لَو جعلتنَي رِدفاً فَقَالَ لَهُ وَائِل اسْكُتْ فلستَ من أرْدف الْمُلُوك ثمَّ عَاشَ وَائِل حَتَّى وَلِيَ مُعَاوِيَة فَدخل عَلَيْهِ فَعرفهُ وأذكره بذلك)
ورّحب بِهِ وَأَجَازَهُ لوفوده عَلَيْهِ فَأبى من قبُول جائزته وحِبائه واراد أَن يرزقَه فَأبى وَقَالَ يَأْخُذهُ من هُوَ أولَى منّي فَإِنِّي فِي غنى عَنهُ وَكَانَ وَائِل زاجراً حسن الزَجر خرج يَوْمًا من عِنْد زيادٍ بِالْكُوفَةِ وأميرها الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَرَأى غراباً ينعَق فَرجع إِلَى زِيَاد وَقَالَ يَا أَبَا الْمُغيرَة هَذَا غرابٌ يرُحِّلك من هَهُنَا إِلَى خيرٍ فقَدِم رَسُول مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد من يَوْمه أَن سِر إِلَى الْبَصْرَة والياً روى وَائِل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث روى عَنهُ كُلَيْب بن شهَاب وإبناه عَلْقَمَة وَعبد الْجَبَّار ابْنا وَائِل وَلم يسمع عبد الْجَبَّار من أَبِيه فِيمَا يَقُولُونَ بَينهمَا عَلْقَمَة بن وَائِل وَتُوفِّي وَائِل فِي حُدُود الْخمسين من الْهِجْرَة
الوائلي الْحَافِظ عبيد الله بن سعيد
(وبرة)
3 - (وبرة الصَّحَابِيّ)
وبرة بن مُسهر الْحَنَفِيّ وَيُقَال ووبر لَهُ صُحْبَة وَكَانَ أرْسلهُ مُسَيلمة الْكذَّاب فِي جمَاعَة مِنْهُم ابْن النواحة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم من بَينهم
3 - (الصَّحَابِيّ)
وبرة بن يحنس وَيُقَال ابْن محصِّن الخُزاعي لَهُ صحبةٌ وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى داذَويه وفيروز الديلمي وحشيش الديلمي بِالْيمن ليقتلوا الأسودَ الكذّابَ الْعَنسِي الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة قَالَ ابْن عَبَّاس قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأسود ومسيلمة وطليحة بالرسل وَلم يُشغِله مَا كَانَ فِيهِ من الوَجَع عَن الْقيام بأمرِ الله والذبّ عَن دينه يَعْنِي كَانَ تِلْكَ الْحِكَايَة فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ابْن الوتار الْوَاعِظ عُثْمَان بن مَنْصُور الوتّار مُحَمَّد بن أبي بكر بن سيفٍ
(وثاب)
3 - (صَاحب مصياف)
وثاب بن مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداسٍ أَبُو الدَّوَام أحد أُمَرَاء بني كلاب كَانَ صَاحب حصن مصياف ورأيتُه بخطّ الْحَافِظ اليغموري مصياف بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالظَّاهِر أَنه بِالْفَاءِ فَلَمَّا مَاتَ وثاب الْمَذْكُور سنة خمسٍ متسعين وَأَرْبَعمِائَة(27/251)
بمصياف فصده المزيّن فاسودَّت يدُه وَمَات وَخَلفه وَلَده نَاصِر الدّين سَابق باعَها لمعز الدّين أبي العساكر سُلْطَان بن منقذ فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة وتسلمه مِنْهُ وَجعل فِيهِ الْحَاجِب سنقر فَقتله الباطنيّة فِي الْحصن وملكوه سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ الْأَمِير وثاب داهيةً من دواهي الْعَرَب
الوثابي إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد وَولده الأكرم مَحْمُود بن إِسْمَاعِيل
(وثيمة)
3 - (الوشّاء صَاحب كتاب الرَّدّة)
وثيمة بن مُوسَى بن الفُرات الْفَارِسِي نزيل مصر صنّف كتاب الردّة وجوَّده وَكَانَ تَاجِرًا لَهُ معرفَة بالأخبار وأيّام النَّاس توفّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ أَصله من فسا ونَشأَ بِالْبَصْرَةِ وقَدِمَ مصر وَتوجه إِلَى الأندلس ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَبهَا مَاتَ
وَجه الدويبة هبة الله بن حَامِد وَجه السَّبع الْأَمِير مظفر الدّين سنقر
(وجيه)
3 - (أَبُو الْمِقْدَام التنوخي)
وجيه بن عبد الله بن نصرٍ أَبُو الْمِقْدَام التنوخي شَاعِر فصيح لمّا فعلت الفرنج مَا فعلت دَخلهَا وَهُوَ يبكي وَقَالَ
(هَذِه بَلدةٌ قضى الله يَا صا ... ح عَلَيْهَا كَمَا ترى بالخرابِ)
(فقِف العِيسَ وقفَةً وابِك من كَا ... ن بهَا من شيوخها والشباب)
(وَاعْتبر إِن دخلتَ يَوْمًا إِلَيْهَا ... فَهيَ كَانَت منازلَ الأحباب)
توفّي رَحمَه الله بِدِمَشْق وَقد جَاوز السّبْعين سنةَ ثَلَاث وَخَمْسمِائة
(الألقاب)
الْوَجِيه الشَّافِعِي أَحْمد بن عمر الْوَجِيه ابْن الدهان الْمُبَارك بن الْمُبَارك الْوَجِيه الذِّروي الشَّاعِر عَليّ بن يحيى الْوَجِيه الصَّغِير النَّحْوِيّ إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود الْوَجِيه الْكَبِير اسْمه الْمُبَارك(27/252)
الوُحاظي يحيى بن صَالح
(وحواح)
3 - (الْأنْصَارِيّ)
وَحواح بن الأسلَت واسمُ الأسلت عَامر بن جُشَم بن وَائِل الْأنْصَارِيّ أَخُو أبي قيس بن الأسلت الشَّاعِر لم يُسلم ابو قيسٍ شهد الوحواح الخَنْدَق وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد وَله يَقُول أَبُو قيس أَخُوهُ حِين خرج إِلَى مكةَ مَعَ أبي عَامر
(أرى وحوحاً ولَّى عليَّ بأَمْره ... كأنّي امرٌؤ من حضرموتَ غريبُ)
(كَأَنِّي إِذا ولّى وَلَا يدسنا ... وَأَنت حبيبٌ فِي الْفُؤَاد قريب)
(وَإِن بِنى العَلات قومٌ وإنني ... أَخُوك فَلَا يكذبن عَنْك كذوب)
(أَخُوك إِذا نابَتك يَوْمًا عظيمةٌ ... تحمَّلها والنائباتُ تنوب)
وَذكروا أَن أَبَا قيس أقبل يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ عبد الله بن أبي حنيفٍ وَالله بني الْخَزْرَج فَقَالَ لَا جرمَ وَالله لَا أسلم الْعَام فَمَاتَ فِي الْحول
(وَحشِي)
3 - (الحبشي الصَّحَابِيّ)
وَحشِي بنُ حَرب الحبشي من سودانِ مكَة مولى جُبير بن مُطعِم فِي قَول ابْن إِسْحَاق يكنى أَبَا دسمةَ وَهُوَ الَّذِي قتل حَمْزَة بن عبد الْمطلب يَوْم أحُد وَكَانَ كَافِرًا اختفى لَهُ خلفَ حجرٍ ثمَّ رَمَاه بحَربةٍ كَانَت مَعَه يَرْمِي بهَا رمي الحبشَة ثمَّ أسلم وَحشي بعد الْفَتْح الطَّائِف شهد الْيَمَامَة وَرمى مُسيلمة بحربته الَّتِي قتل بهَا حَمْزَة وزعمَ أَنه أَصَابَهُ وقَتله وَقَالَ قتلتُ بحريتي هَذِه خير النَّاس وَشر النَّاس وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غّيِّب وَجهك عنّي يَا وَحشِي لَا أَرَاك ذكرتُ هُنَا قَول البُحتري
(وَلَا عجبٌ للأُسدِ إِن ظِفرت بهَا ... كلاب الأعادي من فصيح وأعجم)
(فحربة وَحشِي سقت حَمْزَة الردى ... وَمَوْت عَليّ من حُسامِ ابْن ملجم)
وَسكن وحشٌّ حمص وَمَات فِي الْخمر غلبَت عَلَيْهِ وَتُوفِّي وَحشِي فِي حُدُود الْخمسين لِلْهِجْرَةِ
(الْوَحْش)
3 - (أَبُو حُليقة الطَّبِيب)
أَبُو الْوَحْش بن الْفَارِس أبي الْخَيْر بن أبي سُلَيْمَان دَاوُد بن أبي المُنى الْحَكِيم الرشيد أَبُو حُليقَة النَّصْرَانِي سُمى أَبَا حُليقة لحلقة كَانَت فِي أُذُنه أوحد زَمَانه فِي الطِّبّ وَله شعر وَكَانَ لَهُ حظٌّ من الْأَدَب وُلد بجَعبَر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة سبعين وسِتمِائَة خرج من جعبر إِلَى الرُهاء وربى بهَا وخدم الْكَامِل(27/253)
وَكَانَ نصف العزيزية لَهُ وخدم الْملك الصَّالح وخدم التّرْك إِلَى دولة الظَّاهِر بيبرس وَقَرَأَ الطبّ على عمّه ابي سعيد بِدِمَشْق وعَلى مهذَّب الدّين الدخوار وَله نَوَادِر فِي أَعمال الطبّ كَانَ قد أحكم معرفَة نبض الْكَامِل حَتَّى أَنه أخرج يَده يَوْمًا إِلَيْهِ من خلفِ ستارة من الدُّور المَرضي فَقَالَ هَذَا نبض مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ بِحَمْد الله صَحِيح فعجِب مِنْهُ وَلما طَال عَلَيْهِ عمل الدرياق الْفَارُوق لتعذُّرِ ادويته عمل درياقاً مُخْتَصرا تُوجد أدويته فِي كلّ مكانٍ وَقصد بذلك التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى وَكَانَ يخلّص المفلوجين لوقته ويُنشىء فِي العصَب زِيَادَة فِي الْحَرَارَة الغريزيّة ويقويه ويُذيب البلغَم فِي وقته ويُسكن القولنج فِي وقته وَحصل للسُّلْطَان نزلة فِي أَسْنَانه ففصد لذَلِك وداواه الأسعد لاشتغال الرشيد بِعَمَل الدرياق فَلم ينجَع وَزَاد الالم فصلب الرشيد وتضور فَقَالَ تسوك من الدرياق الَّذِي عملته فِي البرنيّة الْفضة وَترى الْعجب فَلَمَّا وصل إِلَى الْبَاب خرجَت ورقة السُّلْطَان فِيهَا يَا حَكِيم استعملتُ مَا قلتَ وَزَالَ جَمِيع مَا بِي لوقته وَبعث لَهُ خِلعاً وذهباً ومرّ على أَبْوَاب الْقَاهِرَة بمفلوج مُلقى على جنبه فَأعْطَاهُ من درياقه شربةً وطلع إِلَى القلعة وَعَاد فَقَامَ المفلوج يعدو فِي رِكابه وَيَدْعُو لَهُ فَقَالَ لَهُ اقعد فَقَالَ يَا مَوْلَانَا شبِعتُ قعُودا وألَّف للْملك الصَّالح صَلصاً يَأْكُل بِهِ اليَخنى واقترح عَلَيْهِ أَن يكون مقوياً للمعدة منبهاً للشهوة مُليناً للطبع فَركب من المقدونس جُزْءا وَمن الريحان التُرنجاني جُزْءا وَمن قُلُوب الأُترج المنقَعة فِي المَاء وَالْملح ثمَّ تغسل بِالْمَاءِ الحلو من كل واحدٍ نصف جزءٍ ويُدق فِي جُرن الفقاعي كل واحدٍ بمفرده ويخلط ويُعصر عَلَيْهِ مَاء الليمون وَالْملح ويُعمل فِي أوانٍ وَيخْتم بالزيت فَلَمَّا اسْتَعْملهُ السُّلْطَان أثنى عَلَيْهِ ثَنَاء كثيرا وَسَقَى من درياقه من بِهِ حصاةٌ ففتتها واراق المَاء لساعته وَمن نوادره أَن امْرَأَة من الرِّيف أَتَت إِلَيْهِ وَمَعَهَا ولدٌ أصفر ناحل فَأخذ يدَه ليعرف نَبضَه وَقَالَ لغلامه هَات الفرجية فَتغير نبض الصبيّ فِي يَده فَقَالَ لَهَا هَذَا الصَّبِي عاشقٌ فِي وَاحِدَة)
اسْمهَا فرجية فَقَالَت أمّه إِي وَالله يَا مولايَ وَقد عجزتُ عمّا أعذُله فتعجب الْحَاضِرُونَ مِنْهُ وَله كتاب الْمُخْتَار فِي ألف عقار وَله مقَالَة فِي ضَرُورَة الْمَوْت وَأَن الْإِنْسَان يُحلِّله الْحَرَارَة الَّتِي فِي دَاخله وحرارة الْهَوَاء وَقَالَ متمثلاً إحديهما قاتلي فَكيف إِن اجْتمعَا ومقاله فِي حَفظ الصِّحَّة ومقالةٌ فِي أنّ الملاذّ الروحانية ألذّ من الجُسمانيّة وَهُوَ أَبُو مهذب الدّين مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي المحمدين ووالد علم الدّين إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي الإبارِه وَمن شعره فِي منظرة سيف الْإِسْلَام
(سمح الحبيبُ بوصله فِي ليلةٍ ... غفل الرقيبُ ونام عَن جنباتها)
(فِي روضةٍ لَوْلَا الزَّوَال لشابهت ... جنّاتِ عَدنٍ فِي جَمِيع صفاتها)
(وَالطير تُطرِب فِي الغصون بِصَوْتِهِ ... والراحُ تجلى فِي كؤوس سُقاتها)
(ومُجالسي القمرَ الْمُنِير تنزهت ... فِيهِ الحواسّ باسمها وكناتِها)(27/254)
(الألقاب)
الوحيد الْبَصْرِيّ الشَّاعِر شَارِح ديوَان المتنبي اسْمه سعد بن مُحَمَّد ابْن الوحيد الْكَاتِب اسْمه مُحَمَّد بن شرِيف وُحيش اسْمه سبعُ بن خلفٍ الوحشي الْحَافِظ الْحسن بن عَليّ
3 - (الصَّحَابِيّ)
وَدقة بن إِيَاس بن عمرٍو الْأنْصَارِيّ شهِد بَدْرًا وأُحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل يَوْم اليمامةِ شَهِيدا
3 - (الصَّحَابِيّ)
وَدِيعَة بن عمر بن جَراد بن يربوعٍ الجُهَنى الْأنْصَارِيّ حَلِيف لبني سَواد بن مَالك بن غنم بن النجار شهد بَدْرًا وأُحداً
(الألقاب)
ابْن ودّاع عبد الله بن مُحَمَّد الوَداعي عَلَاء الدّين عَليّ بن مظفر الأديب صَاحب التَّذْكِرَة
ابْن وَداعة الصاحب عز الدّين الْحلَبِي اسْمه عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور)
ابْن وَدعان اسْمه مُحَمَّد بن عَليّ ابْن ودَاعَة الْأَمِير مجد الدّين اسْمه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن
(وراد)
3 - (كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة)
وَرّاد كَاتب الْمُغيرَة بن شُعبَة ومولاه روى عَنهُ وَعَن مُعَاوِيَة وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث توفّي فِي حُدُود التسعين لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة
الْوراق جمَاعَة مِنْهُم مَحْمُود الْوراق والوراق الْكرْمَانِي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله والوراق النَّحْوِيّ أَبُو الْحسن اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله والسراج الْوراق عمر بن مُحَمَّد(27/255)
ابْن الْوراق النَّحْوِيّ اسْمه مُحَمَّد بن هبة الله
(ورد)
3 - (الصَّحَابِيّ)
وَردُ بن خَالِد بن كَانَ على ميمنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة
3 - (الصَّحَابِيّ)
الْورْد بن خَالِد السّلمِيّ البَجلِيّ من بني مَالك ذكره ابو عبيد فِي الصَّحَابَة
(وردان)
3 - (الصَّحَابِيّ)
وردان بن مخرم بن مخرمَة الْعَنْبَري التَّمِيمِي قَالَ الطَّبَرِيّ لَهُ ولأخيه حَيَدة بن مخرم صُحْبَة وَفْدًا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا ودعا لَهما
3 - (مولى عَمْرو بن الْعَاصِ)
وردان مولى عَمْرو بن الْعَاصِ أَبُو عبيد الرُّومِي من أرمِينِة وَقيل من الشَّام وَقيل من طرابلس الغرب شهد فتح مصر واحتاط بهَا وَحضر صفّين مَعَ عمرٍو وولاه على خراج مصر وَكَانَ فهما داهيةً وَبَعثه للمرابطة بإسكندرية وروى عَنهُ مَالك بن زيدٍ النَّاشِرِيّ وَعلي بن رَبَاح وَخرج وردان فِي رباطه إِلَى راهبٍ خَارج الْحصن كَانَ يقف بِهِ فيحادثه فَقَالَ لَهُ يَوْمًا إِنِّي أَرَاك مقتولاً فِي ثلاثٍ فَانْصَرف وردان حَتَّى وقف على مجْلِس الصَّدفٍ فَأخْبرهُم بِخَبَرِهِ وَنزلت الرّوم البَرلُس فاستنفر أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج وردان فقتِل هُنَالك سنةَ ثَلَاث وَخمسين لِلْهِجْرَةِ
(الألقاب)
ابْن الوردي القَاضِي زين الدّين عمر بن مظفر تقدم ذكره فِي حرف الْعين فِي مَكَانَهُ
وَآخر جمال الدّين يُوسُف بن مظفر بن عمر ابْن الْورْد الشَّاعِر عبد الله بن احْمَد ابْن ورد المغربي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر ورش المقرىء اسْمه عُثْمَان بن سعيدٍ تقدم ذكره فِي حرف الْعين فِي مَكَانَهُ
(وَرْقَاء)
3 - (وَرقاءُ اليَشكُري الْخُرَاسَانِي)
وَرْقَاء بن عَمْرو بن كُليب الْيَشْكُرِي الخُراساني الإِمَام(27/256)
الثَّبت توفّي فِي حُدُود السّبْعين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (لِسان الحُمَّرة)
ورقاءُ بن الْأَشْعر الْمَعْرُوف بِلِسَان الحُمَّرة وَأَبُو كلابٍ كَانَ ناسباً فصيحاً وَكَانَ أشدّ النَّاس تِيهاً ذكره أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي قَالَ روى شهمٌ عَن ابْن الْكَلْبِيّ أنّ عوانةَ حدّثه أَن الْمُغيرَة سَأَلَ عَن لِسَان الْحمرَة عَن النساءِ فَقَالَ النِّسَاء أَربع فربيع مربع وَجَمِيع مجمع وَشَيْطَان سمَعمع ورُوي سُمَّع وغُلٌّ لَا يُخلَع فَقَالَ الرّبيع المربع الشَّابَّة الجميلة الَّتِي إِذا نظرتَ إِلَيْهَا سَرَّتك وَإِذا أقسمتَ عَلَيْهَا بَرّتك وَأما الْجَمِيع الَّتِي تجمع فالمرأة تزَوجهَا وَلَك نشبٌ وَلها فتجمع ذَلِك وَأما الشَّيْطَان السمَعمع فَهِيَ الكالحة فِي وَجهك إِذا دخلتَ والمُوَلوِلة فِي أثرِك إِذا خرجتَ وَقَالَ بَعضهم امرأةٌ سمعمعة كَانَ غول والشيطان الْخَبيث يُقَال لَهُ سمَعمع قَالَ وَأما الغل الَّذِي لَا يخلع فبنت عمك القصيرة الفوهاء الذميمة الشوماء الَّتِي قد نثرت لَك ذَات بَطنهَا فَإِن طلقتَها ضَاعَ وَلَدُكَ وَإِن أَمْسَكتهَا أَمْسَكتهَا على مثل جذع أَنْفك
(ورقة)
3 - (ورقة بن نَوْفَل)
ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد العُزَّى بن قُصيّ أمه هندٌ بنتُ أبي كَثيِر بن عبدِ العُزَّى هُوَ أحد من اعتزل عبَادَة الْأَوْثَان وَطلب الدّين وَقَرَأَ الْكتب وَامْتنع من أكل ذَبَائِح الْأَوْثَان قد مرّ ذكره فِي تَرْجَمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تَوَجَّهت إِلَيْهِ خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُرْوَة كَانَ بلالٌ لجاريةٍ من بني جُمَحٍ بن عَمْرو وَكَانُوا يعذِّبونه برمضاء مَكَّة يُلصِقون ظهرَه بالرمضاءِ لِيشُرِكَ بِاللَّه فَيَقُول أحدٌ أحدٌ فيمرّ عَلَيْهِ ورقة بن وفل وَهُوَ على ذَلِك فَيَقُول أحد أحد يَا بِلَال وَالله لَئِن قَتَلْتُمُوهُ لأتخذنه حَناناً كَأَنَّهُ يَقُول لأتمسَّحنّ بِهِ وَقَالَ ورقة فِي ذَلِك
(لقد نَصحتُ لأقوامٍ وَقلت لَهُم ... أَنا النذيرُ فَلَا يَغرركُمُ أحَدُ)
(لَا تَعبدنَّ إِلَهًا غيرَ خالقكم ... فَإِن دّعوكم فَقولُوا بَيْننَا جَدَد)
(سبحانَ ذِي الْعَرْش سبحانٌ يعود لَهُ ... وقبلُ قد سبّحته الجودُ الجُمُد)
(مسخَّرٌ كلُّ مَا تَحت السماءِ لَهُ ... لَا يَنْبَغِي أَن يناوِي مُلكَه أحَد)
(لَا شيءَ ممّا نَرى إلاّ بشاشَتَه ... يبْقى الْإِلَه ويُودي المالُ والوَلَد)
(لم تغن عَن هُرْمُز يَوْمًا خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فَمَا خَلَدو)
(وَلَا سُلَيْمَان إِذْ دَان الشُعوب لَهُ ... والجنّ والإنسُ تجْرِي بَينهَا الْبرد)(27/257)
عَن هِشَام بن عُرْوَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأخي ورقة بن نوفلٍ أَو لِابْنِ أَخِيه أشعرتَ أَنِّي قد رَأَيْت لورقةَ جنّةً أَو جنتين يشكّ هِشَام وَعَن عروةَ بن الزبير قَالَ سُئل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ورقة بن نَوْفَل كَمَا بلغنَا قَالَ لقد رَأَيْته فِي الْمَنَام كَأَن عَلَيْهِ ثيابًا بِيضاً وَقد أظنّ أَن لَو كَانَ من أهل النَّار لم أر عَلَيْهِ البَياضَ
(الألقاب)
بَنو وَرقاء جمَاعَة مِنْهُم جَعْفَر بن مُحَمَّد بن وَرْقَاء وَمِنْهُم الْحُسَيْن بن عبد الله الْوَركَانِي مُحَمَّد بن الْحسن)
وَولده الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن وَولده الآخر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن والوركاني مُحَمَّد بن جعفرٍ الورك الْحَكِيم موفق الدّين عبد الله بن عمر ابْن وركشين أَحْمد بن أَحْمد
(وريزة)
3 - (الإخباري)
وُرَّيزة بن مُحَمَّد أَبُو هَاشم الغسّاني الشَّامي الْحِمصِي الإخباري توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
(الألقاب)
ابْن الْوزان يحيى بن عَليّ الوزّان النَّحْوِيّ إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْوَزير المغربي الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن وَزِير الشَّاعِر اسْمه مَكَارِم الوشّاء النَّحْوِيّ اسْمه مُحَمَّد بن أَحْمد الوشاء أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد الوشاء الْكُوفِي عَليّ بن مُحَمَّد(27/258)
الوشاء الجرفي مُوسَى بن سهل الوشاء الْبَغْدَادِيّ أَحْمد بن عِيسَى ابْن وشاح التَّمِيمِي اسْمه بكير بن وشاح
(وشاح)
3 - (أَبُو طَاهِر المقرىء الضَّرِير)
وشاح بن جواد بن أَحْمد بن الْحسن بن جواد أَبُو طَاهِر الضَّرِير المقرىء من أهل قَرْيَة دازريجان وَهِي بَين الْمَدَائِن وبغداد سكن بَغْدَاد إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قَرَأَ الْقُرْآن على الْمَشَايِخ وَسمع من أبي طَالب بن يوسفَ وَغَيره وحدّث باليسير روى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَكَانَ شَيخا صَالحا جيِّدَ التِّلَاوَة يُصَلِّي إِمَامًا بالوزير عَليّ بن طرّاد الزَّينبي
(وصيف)
3 - (الْأَمِير التركي)
وَصِيف التُّركي الْأَمِير غُلَام الإِمَام المتَوَكل كَانَ من كبارِ الْأُمَرَاء القُواد استولى على المعتزّ واحتجر وَاصْطفى لنَفسِهِ الْأَمْوَال والذخائر فشغبت عَلَيْهِ الفراغنة والأشروسنية وطالبوه بالأرزاق فَقَالَ مالكم عندنَا إلاّ التُّرَاب فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وقتلوه بالدبابيس وَقَطعُوا راسه ونصبوه على رُمح فِي سنة ثلاثٍ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ وصيف هُوَ وبُغا الشُّرابي وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْبَاء فِي مَوْضِعه قد حجرا على المستعين حَتَّى قَالَ الشَّاعِر
(خليفةٌ فِي قفصٍ ... بَين وصيفِ وبُغا)
(يَقُول مَا قَالَا لَهُ ... كَمَا تَقول البَبَّغا)
وَكَانَ فِي الأَصْل مَمْلُوكا لشيخ من أهل قُمَّ اشْتَرَاهُ لما سُبى من الديلم وَأحسن تربيتَه وأسلمه مَعَ ابْنه فِي الْمكتب وَكَانَ إِذا وَقع فِي يَده شَيْء تَركه عِنْد بقال فِي المحلّة ثمَّ إِنَّه بعدَ بُلُوغه تعلق بِالْعَمَلِ بِالسِّلَاحِ ثمَّ توجه مَعَ بعض الْجند إِلَى خُرَاسَان بَعْدَمَا أَخذ مَاله من عِنْد الْبَقَّال ثمَّ تقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن اتَّصل بالمتوكل وَلما تولى وصيف على قُمَّ طلب الشَّيْخ أستاذه واعترف لَهُ بالرقّ فَأنْكر ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَنا مملوكك فلَان وَدفع إِلَيْهِ ثَلَاث بدر وقماشاً ودوابَّ وطيباً بِمثل ذَلِك وَأمر لِابْنِ الشَّيْخ بعشرةِ آلَاف دِرْهَم وَبعث إِلَى زَوْجَة الشَّيْخ وَبنَاته مَالا كثيرا وَدفع إِلَى الْبَقَّال خَمْسمِائَة دينارٍ وَقَالَ يَا أهل قمّ مَا على وَجه الأَرْض أحدٌ أوجب حَقًا عليَّ مِنْكُم إِلَّا أَنِّي أخالفكم فِي التشيّع
الوصيّ الزيدي الشريف مُحَمَّد بن أبي إِسْمَاعِيل(27/259)
(وضاح)
3 - (وضاح الْحَافِظ أَبُو عوَانَة)
وضاح بن عبد الله أَبُو عوَانَة الْبَزَّاز الوَاسِطِيّ الْحَافِظ مولى يزِيد بنِ عطاءٍ اليَشكُري قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل صَحِيح الْكتاب وَإِذا حدّث من حفظه رُبَّما يَهِمُ توفّي فِي سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (الشروي)
وضّاح الشَّرَوي مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور لَهُ قصرٌ بِبَغْدَاد مَعْرُوف بِهِ حكى عَن مَوْلَاهُ وروى عَنهُ وَلَده الْفضل
(الألقاب)
وضَاح البَمن اسْمه عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل ابْن وضّاح الْحَافِظ المغربي اسْمه مُحَمَّد بن وضّاح ابْن الوضّاح الْأَنْبَارِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الوَطواط الكتبي اسْمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الوَعلاني الْمصْرِيّ إِبْرَاهِيم بن نَشيط
(وَفَاء)
3 - (وَفَاء ابْن الْبَهِي الخبّاز)
وَفَاء بن أسعد بن النفيس بن الْبَهِي التركي أَبُو الْفضل الخباز الْبَغْدَادِيّ كَانَ شَيخا صَالحا من أَوْلَاد الأتراك سمع عليَّ بن أَحْمد بن بيانٍ وَعبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف وَأَبا الْخطاب بن مَحْفُوظ بن أَحْمد الكلوذاني وَعبد الْمُنعم بن عبد الْكَرِيم بن هوازِن القُشيري وَغَيرهم وَحدث بالكثير وروى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَغَيره وَكَانَ نظيفاً مليحَ الخَلق والخُلُق قَشَر تفاحةً بظُفره فَدخل تَحت ظفره من قشرها وَلم يخرج وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَلَم ثمَّ ورِمت كَفه وقاحت ثمَّ ورمت يَده وَسقط ظفره وَبَقِي بذلك اربعة أشهر وَمَات سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة
3 - (الْحَضْرَمِيّ الْمصْرِيّ)
وَفَاء بن شُريح الْحَضْرَمِيّ مصريٌ روى عَن المُستَورِد بن شدادٍ ورُوَيفع بن ثابتٍ وَسَهل بن سعدٍ وَتُوفِّي فِي حُدُود التسعين لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة(27/260)
(وَقاص)
3 - (وقّاص الصَّحَابِيّ)
وَقاص بن مُجزِر المُدلجي ذكره غير واحدٍ أَنه قتل فِي غَزْوَة ذِي قردٍ مَه مُحرز بن نضلةَ قَالَه ابْن هِشَام وَفِي قَول ابْن إِسْحَاق لم يُقتَل من الْمُسلمين غير مُحرز بن نضلةَ
أَبُو الوَقت عبد الأَوَّل الوقشي هِشَام بن أَحْمد
(وَكِيع)
3 - (وكِيع الصَّحَابِيّ)
وَكِيع بن مَالك عَامل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بني حنظلةَ مَعَ مَالك بن نُوَيرة ذكره سيفٌ فِي الْفتُوح
3 - (الإِمَام أَبُو سُفْيَان)
وَكِيع بن الْجراح بن مليحٍ الإِمَام أَبُو سُفْيَان الرُّؤَاسي الْأَعْوَر الْكُوفِي أحد الْأَعْلَام ورؤاس بطنٌ من قيس عَيلان ولد سنة تسعٍ وَعشْرين وَمِائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة أَصله من خُرَاسَان وَكَانَ أَبوهُ نَاظرا على بَيت المَال بِالْكُوفَةِ وَأَرَادَ الرشيد يُولِّي وكيعاً القضاءَ فَامْتنعَ وَورث من أمه مائَة ألف دِرْهَم يَصُوم الدَّهْر وَيخْتم الْقُرْآن فِي كل لَيْلَة قَالَ ابْن معِين هُوَ كالأوزاعي فِي زَمَانه وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا رَأَيْت أحدا أوعى مِنْهُ وَلَا أحفظ وَكِيع إِمَام الْمُسلمين وَقد روى غير واحدٍ أَنه كَانَ يترخص فِي شُرب النَّبِيذ وَقَالَ الْجَهْر بالبسملة بِدعة سَمعهَا أَبُو سعيد الأشجّ مِنْهُ قَالَ دَاوُد بن يحيى بن يمانٍ رأيتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت يَا رَسُول الله مَن الأبدال قَالَ الَّذين لَا يضْربُونَ بايديهم شَيْئا وَإِن وكيعاً مِنْهُم حجّ وَكِيع وَمَات بفَيد سنة ستّ وَتِسْعين قَالَه أَحْمد وَالصَّحِيح مَا تقدّم وترجمته فِي تَارِيخ الشَّيْخ شمس الدّين سبع وَرَقَات وروى لَهُ الْجَمَاعَة
ابْن وَكِيع الْحسن بن عَليّ وكبع القَاضِي اسْمه مُحَمَّد بن خلف ابْن الْوَكِيل الشَّيْخ صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر(27/261)
(ولاد)
3 - (ولاّد المصادري النَّحْوِيّ)
ولاّد المصادري هُوَ الْوَلِيد بن مُحَمَّد التَّمِيمِي النَّحْوِيّ توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ نحوياً مجوِّداً روى كتبا لنَحْو واللغة وَأَصله من الْبَصْرَة وَنَشَأ بِمصْر وَدخل الْعرَاق وَسمع الْعلمَاء وَلم يكن بِمصْر شَيْء من كتب النَّحْو واللغة قبله وَقيل إِنَّه كَانَ يَأْخُذ النَّحْو عَن رجل من الْمَدِينَة يُعرف بالمهلبي تلميذ الْخَلِيل بن أَحْمد وَلم يكن من الحُذاق فَسمع ولاّد بالخليل فَرَحل إِلَيْهِ ولقيه بِالْبَصْرَةِ وَسمع مِنْهُ ولازمه ورحل إِلَى مصر وَجعل طَرِيقه إِلَى الْمَدِينَة فَلَقِيَهُ معلمه فَلَمَّا تكلم مَعَه وَرَأى تَدْقِيقه للمعاني وتعليله النحوَ قَالَ لقد نقَّيتَ بَعدنَا يَا هَذَا الْخَرْدَل قَالَ ياقوت كَذَا ذكر وَفَاته ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه المنتظم فَإِن صحّ أَن ولاّداً اجْتمع بالخليل فوفاته باطلةٌ لِأَن الْخَلِيل مَاتَ سنة سبعين وَمِائَة وَقيل سنة خمسٍ وَسبعين
ولاّد النَّحْوِيّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد ابْن ملاّد النَّحْوِيّ اسْمه أَحْمد بن ولاّد
(ولادَة)
3 - (بنت المستكفي)
ولاّدة بنت مُحَمَّد هُوَ المستكفي بن عبد الرَّحْمَن كَانَت وَاحِدَة زمانها الْمشَار إِلَيْهَا فِي أوانها حَسَنَة المحاضرة مشكورة المذاكرة كتبت بِالذَّهَب على طرازها الْأَيْمن
(أَنا وَالله أصلحُ للمعالي ... وأمشي مشيَتي وأتيهُ تيها)
وكتبت على طرازها الْأَيْسَر
(وأُمكِنُ عاشقي من صَحنِ خدّي ... وأُعطي قُبلةَ من يشتهيها)
وَكَانَت مَعَ ذَلِك مَشْهُورَة بالصيانة والعفاف
(وأُمكِنُ عاشقي من صَحنِ خدّي ... وأُعطي قُبلةَ من يشتهيها)
وَكَانَت مَعَ ذَلِك مَشْهُورَة بالصيانة والعفاف وفيهَا خلع ابْن زيدون عذارَه وَله فِيهَا القصائد والمقطعات مِنْهَا القصيدة النونية الْمَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة ابْن زيدون وَكَانَ لَهَا جَارِيَة سَوْدَاء بديعة الْغناء ظهر لولادة من ابْن زيدون مَيلٌ إِلَى السَّوْدَاء فَكتبت إِلَيْهِ
(لَو كنتَ تُنصِفُ فِي الْهوى مَا بَيْننَا ... لم تهوَ جاريتي وَلم تتخيَّرِ)
)
(وتركتَ غصناً مُثمِراً بجماله ... وجَنَحتَ للغصن الَّذِي لم يُثمِر)
(وَلَقَد علِمتَ بأنني بدرُ السما ... لَكِن ولِعتَ لشقوتي بالمشتري)
وَكَانَ مجلسُ ولادَة بقرطبة منتدىً لأحرار المصرِ وفِناؤها ملعباً لجياد النّظم والنثر يتهالك(27/262)
أَفْرَاد الْكتاب وَالشعرَاء على حلاوة عشرتها وسهولة حجابها مرّت يَوْمًا بالوزير أبي عَامر بن عَبدُوس وَهُوَ جالسٌ أمامَ بركةٍ تتولد من كَثْرَة الأمطار ويسيل مِنْهَا شَيْء من الأوساخ والأقذار فوقفَت أَمَامه وَقَالَت بيتَ أبي نواسٍ فِي الخصيب وَالِي مصر
(أَنْت الخصيبُ وَهَذِه مصرُ ... فتَدَفّقَا فكلاكما بحرُ)
فتركته لَا يحير جَوَابا وَلَا يَهْتَدِي صَوَابا وَطَالَ عمرها وَعمر أبي عَامر الْمَذْكُور حَتَّى أربيا على الثَّمَانِينَ وَلم يدَعا المواصلة وَلَا المراسلة وَكَانَت أَولا تهوَى الْوَزير ابْن زيدون ثمَّ مَالَتْ عَنهُ إِلَى الْوَزير أبي عَامر ابْن عَبدُوس وَكَانَ يلقَب بالفأر وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن زيدون
(أكرِم بولادةٍ علقاً لمعتَلقٍ ... لَو فَرَّقت بَين بَيطارٍ وعطّارِ)
(قَالُوا أَبُو عامرٍ أضحَى يلمُّ بهَا ... قلتُ الفَراشةُ قد تَدْنُو من النَّار)
(أكلٌ شهِيٌ أصَبنا من أطايِبِهِ ... بَعْضًا صَفَحنا عَنهُ للفأر)
وفيهَا أَيْضا من قِطْعَة
(قد عَلِقنا سِواكِ عِلقاً نفيساً ... وصَرَفنا عنكِ النفوسا)
(ولبسنا الجديدَ من خُلَعِ الح ... بّ ولَم نَألُ أَن خلعنا اللَّبِيسا)
(لَيْسَ مِنْك الْهوى وَلَا أَنْت مِنْهُ ... أهبطي مصرَ أنتِ من قومِ مُوسَى)
أَشَارَ ابْن زيدون إِلَى قَول أبي نواسٍ
(أتيت فؤادها أَشْكُو إِلَيْهِ ... فَلم أخلُص إِلَيْهِ من الزّحامِ)
(فيا مَن لَيْسَ يكفيها خليلٌ ... وَلَا ألَفا خليلِ كل عَام)
(أَظُنك من بقيةِ قوم مُوسَى ... فهم لَا يصبِرون على طَعَام)
وَكتب أبن زيدون إِلَى أبي عبد الله البَطليوسي وَقد بلغه اتِّصَاله بولاّدة وَهِي طويلةٌ جيّدة
(أَبَا عبدِ الْإِلَه اسمَع ... وخُذ بمقالتي أَو دَع)
(وأنقِص بعدَها أَو زِد ... وطِر فِي إثرِها أَو قَع)
(ألم تعلم بأنّ الده ... رَ يُعطي بعد مَا يمْنَع)
)
(وَكم ضرَّ امْرأ أمرٌ ... توهَّمَ أَنه ينفع)
(فإنّ قُصارَك الدّهلي ... زُ حَيْثُ سواك فِي المضجع)
وَكَانَت ولادَة تلقِّب ابْن زيدونَ بالمسدّس وَفِيه تَقول(27/263)
(ولُقِّبتَ المسدس وَهُوَ نعتٌ ... تُفارقك الحياةُ وَلَا يفارِق)
(فَلوطيٍّ ومأبونٌ وزانٍ ... ودَيوثٌ وقرنانٌ وسارق)
وَقَالَت فِيهِ أَيْضا
(إنّ ابنَ زيدون لَهُ فقحةٌ ... تعشَق قُضبانَ السّراويلِ)
(لَو أَبْصرت أيراً على نخلةٍ ... صَارَت من الطيرِ الأبابيل)
وَقَالَت ترميه بِأَنَّهُ مَعَ فتاة على حَاله
(انّ ابنَ زيدون على جَهله ... يعتِبني ظلما وَلَا ذنبَ لي)
(يلطَخني شَزراً إِذا جِئْته ... كأننّي جئتُ لأخصِي عَليّ)
وَقَالَت تهجو الاصبحي
(يَا اصبحيَّ اهنأَ فكم نعمةٍ ... جاءتك من ذِي العرشِ رَبِّ المِنَن)
(قد نِلتَ باستِ ابْنك مالم ينَل ... بفَرجُ بُوران أَبوهَا الحَسَن)
3 - (ولادَة بنت الْعَبَّاس)
ولاّدة بنت الْعَبَّاس جَزء بن الْحَارِث بن زُهيرٍ العَبسي هِيَ أمّ الْوَلِيد بن عبد الْملك وأخيه سُلَيْمَان بن عبد الْملك
(الْوَلِيد)
3 - (ابْن بوقة الإصبهاني)
الْوَلِيد بن أبانَ الإصبهاني يعرف بِابْن بوقة قَالَ حَمْزَة فِي كتاب إصبهان لَهُ كتاب فِي التَّفْسِير قد جمع فِيهِ أقاويل عُلَمَاء التَّفْسِير يَقع فِي عشرَة آلَاف ورقة وَأَصْحَاب الحَدِيث معترفون بأنّ أحدا لم يُصنّف فِي التَّفْسِير كتابا أجمعَ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو بونة أَبُو الْعَبَّاس الْحَافِظ كثير التَرحال صنّف التَّفْسِير والمُسند توفّي سنة عَشرٍ وثلاثمائة
3 - (الْكَرَابِيسِي المتكلّم)
الْوَلِيد بن أبان الْمُتَكَلّم الْكَرَابِيسِي أَخذ الْكَلَام عَنهُ حُسَيْن الْكَرَابِيسِي توفّي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ والمائتين
3 - (الزوزني الْوَاعِظ)
الْوَلِيد بن أَحْمد بن الْوَلِيد أَبُو الْعَبَّاس الزوزني الْوَاعِظ الْعَارِف كَانَ من عُلَمَاء الْحَقَائِق وعُباد الصوفيّة توفّي سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة(27/264)
3 - (ابْن صَبرة الغافقي)
وليد بن إِسْمَاعِيل بن صَبرة أَبُو مَرْوَان الغافقي من أهل روقة عَمَل سَرَقُسطة بالثغر الشَّرْقِي قَالَ ابْن الْأَبَّار كَانَ فَارِسًا أديباً ذَا نظمٍ ونثرٍ من شعره
(لَعَمرُ أَبِيك الخَير إنِّي لكاتبٌ ... وَلَكِن صُدور الدَّارعين القراطِسُ)
(أُخُطُّ بِخَطّيٍّ وأشكُلُ بالظُّبَا ... فيقرأُهُ الأُمّيُّ والليلُ دامِس)
(لَئِن قالتِ الكُتّابُ إنِّي كاتبٌ ... لقد قالتِ الفُرسانُ إنِّي فَارس)
وَقصد أَبَا الْقَاسِم بن قَسيّ عِنْد ثورته بغرب الأندلس فمرّ فِي طَرِيقه بقومٍ أنكروه وَسمع بَعضهم يَقُول من هَذَا فَقَالَ بديهاً
(إنيّ امْرُؤ غافقيٌ لَيْسَ لي حَسَبٌ ... إِلَّا أقَبٌ وعسّالٌ وقصّالُ)
(من آل صَبرةَ قِدماً قد سمعتَ بهم ... سُحُبٌ إِذا وَهَبوا أُسدٌ إِذا صالوا)
وَقَالَ مَا يُكتب على قَوسٍ
(تألفتُ من عَظمٍ وعُودٍ كأننَّي ... هِلالٌ وعِندَ النَّزعِ بَدرُ تمامِ)
(فَبِي تُدرَكُ الأرواحُ يومَ كريهةٍ ... إِذا بعُدت عَن ذابلٍ وحُسام)
)
(وَإِن رَدَّ عَن رُوحٍ حُساماً وذابلاً ... دِلاصٌ فَمَا تَستطيعُ رَدَّ سِهامي)
(كأنّ سهامي لَحظُ عفراءَ فِي الوغَى ... وكلُّ كَمِيٍّ عُروَةُ حِزام)
وَقَالَ
(لقد شُقِيَت نفسُ ابنِ صبرةَ فِي الهُدَى ... فَتَبّاً لَهَا بعد الْيَقِين ارتيابُها)
(إِذا كَانَت الأديانُ أفراسُ حَلبَةٍ ... فإنَّ مُنيلات السباق عرابُها)
قَالَ ابْن الْآبَار وَله رّدٌّ على أبي عَامر بن غَرسيّة وَهُوَ رِسَالَة أثبتها فِي كتاب إيماض البَرق
3 - (الغَمري)
الْوَلِيد بن بكر بن مَخلَد بن أبي دثار أَبُو الْعَبَّاس الغمري الأندلسي السَّرقُسطي رحَل من الأندلس إِلَى مصر وَالشَّام وَالْعراق وخُراسان وَسمع وروى وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَمن شعره
(لأيّ بلائك لَا تَدَّكِر ... وماذا يَضرُّك لَو تعتَبِر)(27/265)
(فَبَان الشَّباب وحلّ المشيب ... وحان الرحيل فَمَا تنتظِر)
3 - (المُرهَبي الهمذاني)
الْوَلِيد بن أبي ثورٍ المُرهَبي الهمذاني قَالَ ابْن حبَّان مُنكَر الحَدِيث جِداً وَقَالَ النَّسَائِيّ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
3 - (البحتري)
الْوَلِيد بن جَابر بن ظالمٍ البحتري وَفد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب لَهُ كتابا فَهُوَ عِنْدهم
3 - (أَبُو حزابة)
الْوَلِيد بن حُنيفَة ابو حزابة أحد بني ربيعَة بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَناة بن تَمِيم كَانَ شَاعِرًا من شعراء الدولة الأموية القدماء بدوياً حضرياً سكن الْبَصْرَة وضُرِب عَلَيْهِ الْبَعْث إِلَى سجستان وَكَانَ بهَا مُدّةً وَعَاد إِلَى الْبَصْرَة وَخرج مَعَ ابْن الْأَشْعَث قَالَ صَاحب الأغاني أَظُنهُ قُتِل مَعَه وَكَانَ شَاعِرًا راجزاً فصيحاً خَبِيث اللِّسان هجّاءً كَانَ أَبُو حزابة قد مدح طَلْحَة الطلحات فأَبطأَت عَلَيْهِ الْجَائِزَة وَرَأى مَا يُعْطِيهِ الناسُ فأنشده)
(وأدليتُ دَلوِي فِي دِلاءٍ كثيرةٍ ... فجئن مِلاءً غير دَلوي كماهيا)
(وأهلكني أَن لَا تزالَ رغيبةٌ ... تُقصِّرُ دوني أَو تحُلُّ ورائِيا)
(أَرَانِي إِذا استمطرتُ مِنْك سَحَابَة ... لِتُمطرني عَادَتْ عَجاباً وسافيا)
فَرَمَاهُ طَلْحَة بحُقَّة فِيهَا دُرّة فأصابت صَدره ووقعَت فِي حجره وَقيل أعطَاهُ أربعةَ أحجارٍ وَقَالَ لَا تخدَع عَنْهَا فَبَاعَهَا بِأَرْبَعِينَ ألفا وَمَات طَلْحَة بسجستان ووَلِيَ بعده رجلٌ من بني عبد شمس يُقَال لَهُ عبد الله بن عَليّ وَكَانَ شحيحاً ثمَّ وَليهَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن عَامر بن كُرَيز فجَاء أَبُو حزابة إِلَى الْبَصْرَة وَحضر المربد وَأنْشد مَرثيةً فِي طَلْحَة وذمّاً لعبد الله بن عَليّ وَهِي
(هيهاتَ هيهاتَ الجنابُ الأخضرُ ... والنائل الغَمرُ الَّذِي لَا ينزرُ)
(واراه عنّا الجدّثُ المغوِّرُ ... قد علم القومَ غداةَ استعبروا)
(إِن لم يرَوا مثلك حتّى يُنشروا ... إنّا أَتَانَا أجرَد محمّر)
(لذِكرِه سريرُنا والمِنبَرُ ... والمنزل المختصَر المطهَّر)(27/266)
(بنيةٌ نيرانُها لَا تُسجَر ... وخَلَفٌ يَا طلحَ مِنْك أعوَر)
(أقلّ من شبرين حِين يُشبَرُ ... مثل أبي القعواء لَا بل أصغَر)
وَكَانَ أَبُو القعواء صَاحب لطلْحَة وَكَانَ قَصِيرا فَقَالَ لَهُ عون بن عبد الرَّحْمَن بن سَلامة وسلامة أمّه أتشاهد الناسَ تَشْتُم رجال قُرَيْش فَقَالَ إنّي لم أعمَّ إنّما سَمَّيتُ رجلا وَاحِدًا وَأَغْلظ لَهُ عونٌ حَتَّى انْصَرف ثمَّ إنَ عوناً أَمر ابْن أخٍ لَهُ فَدَعَا أَبَا حُزابة وأطعمَه وسقاه وخلط لَهُ فِي الشَّرَاب شَيْئا أسهله فَقَامَ أَبُو حزابة وَقد أَخذه بَطْنه فسلَح على بابهم وَفِي طَرِيقه حَتَّى بلغ أهلَه وَمرض شهرا ثمَّ عُوفي فَركب فَرساً لَهُ وأتى المربد فَإِذا عونُ بنُ سلامةَ واقفٌ فصاح بِهِ فَقَالَ أَبُو حُزابة
(يَا عون قِف فاستمع الملامَه ... لَا سلّمَ اللهُ على سلامَه)
(زنجيَّةٌ تحسبُها نعامَه ... شكاء صَار جسمها ذمامَه)
(ذاتِ حِرٍّ كَرِيشتَي حمامَه ... بَينهمَا كرأس الهامة)
(اعلمها دعَاكُمْ الْعَلامَة ... لَو أَن تَحت بَظرِها صمامه)
لوقعَت قُدماً بهَا أمامَه)
فَصَارَ النَّاس يصيحون أعلمُها وعالم العلامَه وَلما خرج أَبُو الْأَشْعَث كَانَ مَعَه أَبُو حُزابة فمرّ فِي طَرِيقه بدَستَبى وَبهَا مستزاد الصنّاجة وَكَانَت لَا تبيتُ إِلَّا بِمِائَة درهمٍ فرهن أَبُو حزابة سَرْجه وَبَات بهَا فَلَمَّا أصبح وقف لعبد الرَّحْمَن بن الْأَشْعَث ثمَّ صَاح بِهِ
(أَمن عصاك نالني بالفجّ ... كأنني مطالَبٌ بخَرجِ)
(ومستزادٌ رهنَت بالسَّرج ... فِي فتنةِ النَّاس وَهَذَا الهَرج)
فعُرِّف ابْن الْأَشْعَث القصةَ فَضَحِك وَأمر لَهُ بِأَلف درهمٍ فلمّا بلغ الحجّاج ذَلِك قَالَ يُجاهرُ فِي عسكره بِالْفُجُورِ فيضحَك وَلَا يُنكِر ظفرتُ بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
3 - (الْحَافِظ السَّكوني)
الْوَلِيد بن شُجَاع بن الْوَلِيد السَّكوني الْكُوفِي الْحَافِظ روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَتُوفِّي فِي حُدُود الْخمسين والمائتين
3 - (الشاري)
الْوَلِيد بن طَرِيفٍ الشَّيْبَانِيّ الشاري أحد الْأَبْطَال الشجعان الطُغاة كَانَ رَأس الْخَوَارِج وَكَانَ مُقيما بنَصيبينَ والخابور وَتلك النواحي خرج فِي أَيَّام هَارُون(27/267)
الرشيد وبَغى وحشد جموعاً كَثِيرَة فَنَهَضَ إِلَيْهِم عَامل ديار ربيعَة فَقَتَلُوهُ وحضروا عبد الْملك بن صَالح الْهَاشِمِي بالرقة فَاسْتَشَارَ الرشيد ليحيى بن خالدٍ الْبَرْمَكِي فِي مَن يُوجِّه إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وجِّه إِلَيْهِ مُوسَى بن خازم التَّمِيمِي فإنّ فرعونَ اسْمه الْوَلِيد ومُوسَى غرَّقه فوجهه فِي جَيش كثيفٍ فلاقاه الْوَلِيد فَهزمَ أصحابَه وَقَتله فوجّه إِلَيْهِ معمر بن عِيسَى الْعَبْدي فَكَانَت بَينهم وقائع بدارا وَزَاد ظُهُور الْوَلِيد فَأرْسل إِلَيْهِ الرشيدُ جَيْشًا كثيفاً مقدمه أَبُو خَالِد يزِيد بن مزِيد بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ وسوف يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَكَانَهُ من حرف الْيَاء فَجعل يحتاله ويماكره وَكَانَت البرامكة منحرفةً عَن يزِيد فأغرَوا بِهِ الرشيدَ وَقَالُوا إِنَّه يراعيه من جِهَة الرَحِم وَإِلَّا فشوكة الْوَلِيد يسيرةٌ وَهُوَ يواعده وينتظر مَا يكون من أمره فوجَّه إِلَيْهِ الرشيد كتاب مُغضب وَقَالَ لَو وجّهتُ بِأحد الخَدم لقام بأكثرَ مِمَّا تقوم بِهِ ولكنّك مُداهِنٌ متعصب وأمير الْمُؤمنِينَ يقسم بِاللَّه تَعَالَى لَئِن أخرت مناجزة الْوَلِيد ليبْعَثن إِلَيْك من يحمل رَأسك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فلقي الْوَلِيد فَظهر عَلَيْهِ فَقتله وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَسبعين وَمِائَة عشيّة خَمِيس فِي شهر رَمَضَان وَهِي وَاقعَة مَشْهُورَة وَكَانَت للوليد أُختٌ تسمّى الفارعة وَقيل فَاطِمَة تجيد الشّعْر وتسلُك سَبِيل الخنساء)
فِي مراثيها لأَخِيهَا صَخر فرثت أخاها الْوَلِيد بقصائد وَكَانَ الْوَلِيد ينشد يَوْم المصافّ
(أَنا الوليدُ بنُ طريف الشاري ... قَسوَرَةٌ لَا يُصطَلى بناري)
جَورُكمُ أخرجَني من دَاري وَلما انْكَسَرَ جَيش الْوَلِيد وَانْهَزَمَ تبعه يزِيد بن مَزيد بِنَفسِهِ حَتَّى لحقه على مسافةٍ بعيدةٍ فَقتله وحزّ رَأسه وَلما عَلِمَت أُخْته لبست عُدّةَ حربها وحملت على جَيش يزِيد فَقَالَ يزِيد دَعُوهَا ثمَّ خرج فَضرب بِالرُّمْحِ فرسَه وَقَالَ اغرُبي غرب الله عليكِ فقد فضحتِ العشيرةَ فاستحيَت وانصرفت وَقَالَت ترثي أخاها الْوَلِيد
(ذكرتُ الوليدَ وأيّامه ... إِذْ الأرضُ من شخصِه بلقَعُ)
(فأقبلتُ أطلبه فِي السَّمَاء ... كَمَا يَبْتَغِي أنفَه الأجدع)
(أضاعك قَوْمك فليطلبوا ... إفادةَ مثلِ الَّذِي ضيَّعوا)
(لوَ أنّ السيوفَ الَّتِي حدُّها ... يُصيبُك تعلم مَا تصنَع)
(نَبَت عَنْك إِذْ جُعِلَت هَيْبَة ... وخوفاً لصَولِك لَا تقطَع)
وَقَالَت فِيهِ أَيْضا
(بِتَلِّ نهاكي رسمُ قبرٍ كَأَنَّهُ ... على جبلٍ فَوق الجبالِ مُنِيفِ)
(تضمّنَ مجداً عُدمُلياً وسؤدداً ... وهمّة مِقْدَام ورأيَ حصيف)(27/268)
(فيا شجر الخابور مالَكَ مُورِقاً ... كَأَنَّك لم تحزن على ابْن طريف)
(فَتىً لَا يحبّ المالَ إِلَّا من التُقَى ... وَلَا الزادَ إِلَّا من قَناً وسيوف)
(وَلَا الذُّخرَ إلاّ كلّ جَرداءَ صِلدِمٍ ... معاودةً للكرَ بَين صُفوف)
(كَأَنَّك لم تشهد هُنَاكَ وَلم تقم ... مقَاما على الْأَعْدَاء غيرَ خَفِيف)
(وَلم تستلم يَوْمًا لوردِ كريهةٍ ... من السَّردِ فِي خضراء ذَات رفيف)
(وَلم تسعَ يومَ الحَربِ والحربُ لاقحٌ ... وسُمرُ القَنا تنكزنَها بأُنوف)
(حَليفَ النَّدى مَا عَاشَ يرضىَ بِهِ النَّدى ... فَإِن ماتَ لَا يرضَى النَّدى بحليف)
(فَقَدناكَ فُقدانَ الشَّبَاب ولَيتنا ... فَدَيْنَاك من دَهمائنا بألوف)
(وَمَا زَالَ حَتَّى أزهق الموتُ نفسَه ... شَجىً لِعَدُوٍّ أولجاً لضعيف)
(أَلا يَا لقومي للحمام وللِبلَى ... وللأرض هَمَّت بعدَه برجيف)
)
(أَلا يَا لقومي للنوائب والرَّدَى ... ودهر مُلحٍّ بالكرامِ عنيف)
(وللبدرِ من بَين الْكَوَاكِب إِذْ هوى ... وللشمس لما أزمععَت بكسوف)
(ولليثِ كلّ اللَّيْث إِذْ يحملونه ... إِلَى حُفرةٍ ملحودةٍ وسقيف)
(أَلا قَاتل اللهُ الحشا حيثُ أضمرَت ... فَتى كَانَ للمعروف غيرَ عَيوف)
(فَإِن يَك أرداه يزيدُ بن مَزيدٍ ... فربَّ زُحوفٍ لَفَّهاً بزحوف)
(عَلَيْهِ سلامُ الله وَقفا فإنني ... أرى الموتَ وَقاعاً بِكُل شرِيف)
3 - (الصَّحَابِيّ)
الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت وُلِد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحدَّث عَن أَبِيه فَقَط وَتُوفِّي فِي حُدُود التسعين لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
3 - (المَخْزُومِي)
الْوَلِيد بن عبد شمس بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي قتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا تَحت لِوَاء ابْن عَمه خَالِد بن الْوَلِيد وَكَانَ قد أسلم يَوْم الْفَتْح
3 - (الدِّمَشْقِي)
الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مَالك الهمذاني الدِّمَشْقِي أَخُو يزِيد روى عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وقزعة بن يحيى وجماعةٍ قَالَ ابْن خرَاش لَا بأسَ بِهِ وَكَانَ مؤدباً سكن الْكُوفَة وَتُوفِّي سنة خمسٍ وَعشْرين وَمِائَة وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ(27/269)
3 - (الْعَبْدي الجارودي)
الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن الْعَبْدي الجارُودي توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وروى لَهُ البُخَارِيّ
3 - (أَمِير الْمُؤمنِينَ)
الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منافٍ أَبُو الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ الْأمَوِي كَانَ يلقب النبطي للحِنه أعاب عَلَيْهِ أَبوهُ عبد الْملك لحنَه وَقَالَ كَيفَ تعلو رُؤُوس النَّاس فَدخل بَيت وَأخذ جمَاعَة عِنْده يتَعَلَّم مِنْهُم الْعَرَبيَّة وطيّن عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الْبَاب وَقَالَ لَا أخرج حَتَّى أقيمَ لساني إعراباً ثمَّ إِنَّه خرج بعد سِتَّة أشهر أَو أكثرَ فَلَمَّا خطب زَاد لحنه على مَا كَانَ فَقَالَ أَبوهُ لقد أبلغتَ عُذراً أمّه ولاّدة بنت الْعَبَّاس وَقد تقدم ذكرهَا فِي مَوْضِعه كَانَ أَبيض أفطس بِهِ أثَر جُدَريّ بِمقدم رَأسه ولحيته وَكَانَ جميلاً)
طَويلا بويعَ لَهُ بِدِمَشْق يَوْم الْخَمِيس نصف شوالٍ بعهدٍ من أَبِيه سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَقيل لعشرٍ خلون من شَوَّال وَتُوفِّي يَوْم السبت لأَرْبَع عشرةَ لَيْلَة خلت من جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ سُلَيْمَان وَله تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَقيل صلّى عَلَيْهِ ابْنه عبد الْعَزِيز بدير مُرّان من دمشق وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَدفن بِبَاب الصَّغِير وَكَانَت أَيَّامه تسع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَيَوْما وَفِي أَيَّامه هلك الْحجَّاج وكاتبه الْقَعْقَاع بن خُلّيدٍ وَيُقَال هُوَ ابْن جَبلة وَيُقَال إنّ الدَّوَاوِين نقلت من الفارسية إِلَى الْعَرَبيَّة فِي أَيَّامه نقلهَا سُلَيْمَان بن سعد الخشيني وَصَالح بن عبد الرَّحْمَن مولى بني مُرّة وحاجبه سعد مَوْلَاهُ وخَالِد مَوْلَاهُ ونقشُ خَاتمه يَا وليد إِنَّك ميتٌ وقيا إِنَّه كَانَ ذَمِيمًا وَكَانَ يتبَختَرُ فِي مشيته قَالَ لَوْلَا أَن الله تَعَالَى ذكر آل لوطٍ فِي الْقُرْآن مَا ظننتُ أَن أحدا يفعل هَذَا وَكَانَ يختِن الْأَيْتَام ويُرتِّب لَهُم المؤدبين ورتّب للزَّمنَى والأضراء مَن يقودهم ويخدُمهم لِأَنَّهُ أَصَابَهُ رمدٌ بِعَيْنيهِ فَأَقَامَ مدَّةً لَا يُبصر شَيْئا فَقَالَ إِن أعادهما اللهُ عليَّ قمتُ بِحقِّهِ فيهمَا فَلَمَّا بَرِىء رأى أَن شكرَ هَذِه النِّعْمَة الْإِحْسَان إِلَى العُميان فَأمر أَن لَا يُترك أعمى فِي بِلَاد الْإِسْلَام يسْأَل بل يُرتب لَهُ مايكفيه وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ مَا أُبَالِي بفِراق الْحَيَاة بَعْدَمَا فتحتُ السَّنَد والأندلس وبَنيتُ جَامع دمشق وأغنَيتُ العميان عَن عيونهم ويكفيه بِنَاؤُه جَامع دمشق وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزخرفتيهما ورزق الْفُقَهَاء والفقراء فَإِن لَهُ فِي ذَلِك شرفاً خَالِدا وذكراً بَاقِيا وَكَانَ مِطلاقاً لَا يصبِرُ على الْمَرْأَة إِلَّا الْقَلِيل ويطلِّقها فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا النِّسَاء رياحين فَإِذا ذبلَت باقةٌ استأنفت أُخْرَى يُقَال إِنَّه تزوّج ثَلَاثًا وَسِتِّينَ امْرَأَة وَحَدِيثه مَعَ وضاح(27/270)
الْيمن وَمَعَ زَوجته أم الْبَنِينَ مَذْكُور فِي تَرْجَمَة وضاح الْيمن واسْمه عبد الرَّحْمَن وَلما مَاتَ أَبوهُ عبد الْملك بن مَرْوَان عبد الْملك بن مَرْوَان تمثّل هِشَام أَو سُلَيْمَان
(فَمَا كَانَ قبسٌ هلكُه واحدٍ ... ولكنّه بُنيان قومٍ تهدّما)
فَقَالَ الْوَلِيد اسْكُتْ فَإنَّك تكلَّمُ بِلِسَان الشَّيْطَان أَفلا قلتَ كَمَا قَالَ أوسُ بن حجر
(إِذا مقرم منا ذرا حد نابهِ ... تَخَمَّط فينلا نابُ آخر مقرَم)
وعيّره خَالِد بن يزِيد باللحن فَقَالَ أَنا ألحَن فِي قولي وَأَنت تلحَن فِي فعلك وَكَانَ لأمير الْمُؤمنِينَ الْوَلِيد بن عبد الْملك من الْأَوْلَاد جمَاعَة وهم الْعَبَّاس وَعبد الْعَزِيز ومروان وعنبسةُ وَمُحَمّد وَعَائِشَة أمّهم أم الْمُؤمنِينَ وَيزِيد وَهُوَ النَّاقِص وَإِبْرَاهِيم وَليا الخِلافة وأمّهما شاهفريد)
بنت يزدجُرد وَعمر وَأمه نباتة الكندية وَأَبُو عبيدةَ لأمَ ولدٍ وَعبد الرَّحْمَن وَيحيى وَتَمام ومسرور وَبشر وروَح وجزى وَمَنْصُور ومبشَّر وعُتبة وخَالِد وصَدقة لأمهاتِ أولادٍ شَتَّى
3 - (البحتري الشَّاعِر)
الْوَلِيد بن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جَابر بن سَلمَة بن مُسهِر بن الْحَارِث بن الخيثم بن أبي الحارثة يَنْتَهِي إِلَى يَعرُب بن قحطان أَبُو عُبادة الطَّائِي البحتري ولد بِمَنبِج وَقيل بزَردَفنه بزاي مَفْتُوحَة وَبعدهَا رَاء سَاكِنة ودال مُهْملَة مَفْتُوحَة وَفَاء سَاكِنة وَبعدهَا نون وهاء قَرْيَة من قُرى منبج سنة ستّ وَقيل سنة خمسٍ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة مِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَقيل خممس وَثَمَانِينَ وَقيل ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثمانينَ سنة أَو أَكثر نَشأ البحتري وتخرّج بمنبج وَخرج إِلَى الْعرَاق ومدح جمَاعَة من الْخُلَفَاء أَوَّلهمْ المتَوَكل وخلقاً كثيرا من الأكابر ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام قَالَ صَالح بن الْأَصْبَغ رأيتُ النَّحْوِيّ هَا هُنَا عندنَا قبل أَن يخرج إِلَى الْعرَاق يجتاز بِنَا فِي الْجَامِع من هَذَا الْبَاب يمدح أَصْحَاب البصل والباذنجان وينشدنا فِي ذَهَابه ومجيئه ثمَّ كَانَ أمره مَا كَانَ وَكَانَ البحتري يَقُول أول أمرِي فِي الشّعْر ونَباهتي فِيهِ أَنِّي صرت إِلَى أبي تَمام وَهُوَ بحمص فعرضتُ عَلَيْهِ شعري وَكَانَ يجلس فَلَا يَبقى شَاعِر إِلَّا قَصده وَعرض عَلَيْهِ شعرَه فَلَمَّا سمع شعري أقبل عليّ وَترك سَائِر النَّاس فَلَمَّا تفرَّقوا قَالَ أَنْت أشعر من أَنْشدني فَكيف حالك فشكوتُ خَلّة فَكتب إِلَى أهل معرّة النُّعْمَان وَشهد لي بالحِذق وشفع لي إِلَيْهِم وَقَالَ امتدِحهُم فصرت إِلَيْهِم فأكرموني بكتابِه ووظّفوا لي أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَكَانَت أول مَا(27/271)
أصبته وَقَالَ أول مَا رأيتُ أَبَا تمامٍ أَنِّي دخلتُ إِلَى أبي سعيد مُحَمَّد بن يُوسُف فامتدحته بقصيدتي الَّتِي أَولهَا
(أأفاق صَبٌّ فِي الْهوى فأُفيقا ... أم خَان عهدا أم أطَاع شفيقا)
فأنشدتُها لَهُ فلمّا أتممتُها سُرّ بهَا وَقَالَ لي أحسن الله إِلَيْك يَا فتَى فَقَالَ لَهُ رجل فِي الْمجْلس هَذَا أعزّك الله شعري عَلَّقه هَذَا فَسَبَقَنِي إِلَيْهِ فَتغير أَبُو سعيد وَقَالَ يَا فَتى قد كَانَ فِي نسبك وقرابتك مَا يَكْفِيك أَن تَمُتَّ بِهِ إِلَيْنَا وَلَا تحمل نَفسك على هَذَا فَقلت هَذَا شعري أعزّك الله فَقَالَ الرجل سُبْحَانَ الله يَا فَتى لَا تقل هَذَا ثمَّ ابْتَدَأَ فَأَنْشد من القصيدة أبياتاً فَقَالَ أَبُو سعيد نَحن نبلغك مَا تُرِيدُ وَلَا تحمل نَفسك على هَذَا فَخرجت متحيّراً لَا أَدْرِي مَا أَقُول ونويتُ أَن أسأَل عَن الرجل مَن هُوَ فَمَا أبعدت حَتَّى ردني أَبُو سعيد وَقَالَ لي جنيتُ عَلَيْك فَاحْتمل)
أَتَدْرِي من هَذَا قلت لَا قَالَ هَذَا ابْن عمك حبيب بن أَوْس الطَّائِي أَبُو تَمام قُم إِلَيْهِ فَقُمْت إِلَيْهِ فعانقتُه ثمَّ أقبل يقرِّظني ويصف شعري وَقَالَ إِنَّمَا مَزَحتُ معكَ فَلَزِمته بعد ذَلِك وَعَجِبت من سرعَة حفظه وَقَالَ الصولي إِن ابا تَمام راسل أم البحتري فِي التَّزَوُّج بهَا فأجابته وَقَالَت اجْمَعْ النَّاس للإملاك فَقَالَ الله أجلّ أَن يُذكرَ بَيْننَا وَلَكِن نتصافح ونتسافح وَقيل للبحتري أيّما أشعرُ أَنْت أم أَبُو تَمام فَقَالَ جَيِّده خيرٌ من جَيِّدي ورديئي خيرٌ من رديئه قلت لَعَمري إنّ البحتري لصادقٌ وَقد أنصف وَقيل لأبي الْعَلَاء المعرّي أَي الثَّلَاثَة أشعر أَبُو تَمام أم المتنبّي أم البحتري فَقَالَ أَبُو تَمام والمتنبّي حكيمان والشاعر البحتري وَفِيه يَقُول ابْن الرُّومِي
(والفتى البحتري يسرق مَا قا ... لَ ابنُ أوسٍ فِي الْمَدْح والتشبيب)
(كل بيتٍ لَهُ يجوّد مَعنا ... هـ فَمَعْنَاه لِابْنِ أوسٍ حبيبِ)
وَقَالَ البحتري أنشدتُ أَبَا تمامٍ من شعري فَأَنْشد بَيت أَوْس بن حجر
(إِذا مقرم منا ذرا حدُّ نابِه ... تخمّطَ فِينَا نابُ آخر مُقرَمٍ)
وَقَالَ نَعيتَ إليّ نَفسِي فَقلت أُعيذك بِاللَّه فَقَالَ إنّ عُمري لَيْسَ يطول وَقد نَشأ لطيء مثلك أما علمتَ أَن خَالِد بن صَفْوَان الْمنْقري رأى شبيب بن شبّة وَهُوَ من رَهطه يتَكَلَّم فَقَالَ يَا بُنَيَّ نعى إليّ نَفسِي إحسانُك فِي كلامك لأَنا أهلَ بيتٍ مَا نَشأ فِينَا خطيبٌ إِلَّا مَاتَ من قَبله قَالَ فَمَاتَ أَبُو تَمام بعد سنة من هَذَا وَقَالَ أنشدتُ أَبَا تَمام شعرًا لي فِي بعض بني حُمَيدٍ وَصَلت بِهِ إِلَى مَا خَطَر فَقَالَ لي أحسنتَ أَنْت أَمِير الشُّعَرَاء بعدِي فَكَانَ قَوْله هَذَا أحبَّ إليَّ من جَمِيع مَا حويتُه وَكَانَ للبحتري غلامٌ اسْمه نسيم فَبَاعَهُ فَاشْتَرَاهُ أَبُو(27/272)
الْفضل الْحسن بن وهب الْكَاتِب ثمَّ إِن البحتري ندِم على بَيعه وتتبَّعتَه نَفسه وَكَانَ يعْمل فِيهِ الشّعْر وَقيل إِنَّه خُدِعَ فِي بَيْعه وَلم يَبِعْهُ بِاخْتِيَارِهِ فَمن قَوْله فِيهِ
(أنسيمُ هَل للدهر وعدٌ صادقٌ ... فِيمَا يؤمِّله المحبّ الصادقُ)
(مَالِي فقدتك فِي الْمَنَام وَلم تزل ... عونَ المشوق إِذا جفاه الشائق)
(أمنِعتَ أَنْت من الزِّيَارَة مُشفِقاً ... مِنْهُم فَهَل مُنِعَ الخيالُ الطارق)
(اليومَ جَازَ بيَ الْهوى مقدارَه ... فِي أَهله وعلِمتُ أَنِّي عاشق)
(فليهنىء الحسنَ بنَ وَهبٍ أَنه ... يلقى أحبَّتَه وَنحن نفارقُ)
)
وَله فِيهِ أشعارٌ كَثِيرَة مَشْهُورَة وَلذَلِك قلتُ وَأَنا فِي رمل مصر وَقد زَاد الحّرَّ وَلم تهُبّ نسمةُ هواءٍ
(وَيَوْم زَاد فِيهِ الحَرُّ حَتَّى ... هلكتُ بِهِ من الكرب العظيمِ)
(فَلَو أبصرتَني وَأَنا فريدٌ ... وَمَالِي صاحبٌ إِلَّا حميمي)
(كأنّي البحتريّ عَنَّا ووجداً ... أسائلُ من أرَاهُ عَن نسيم)
وَقَالَ صَاحب الأغاني كَانَ نسيم غُلَاما روميّاً لَيْسَ بِحسن الوَجه وَكَانَ البحتري قد جعله بَابا من أَبْوَاب الحِيَل على النَّاس وَكَانَ يَبِيعهُ وَيعْمل أَن يُصيّره إِلَى بعض أهل الْمُرُوءَة ومَن بَنفق عِنْده الْأَدَب فَإِذا حصل فِي مِلكه شَبَّبَ بِهِ وتشوَّقه ومدح مَوْلَاهُ حَتَّى يهِبه لَهُ وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ نسيم اشْترى مَمْلُوكا غَيره وأقامه مقَام نسيم وَالله أعلم وَكَانَ بحلب شخص يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن طَاهِر الْهَاشِمِي مَاتَ أَبوهُ وَخلف لَهُ مِقْدَار مائَة ألف دِينَار فأنفقها على الشُّعَرَاء والزُّوّار وَفِي سَبِيل الله تَعَالَى فقصده البحتري من العِراق فَلَمَّا وصل إِلَى حلب قيل لَهُ إِنَّه قَعَد فِي بَيته من دُيونٍ ركبته فاغتمَّ لذَلِك غَمّاً شَدِيدا وَبعث المدحةَ إِلَيْهِ مَعَ بعض موَالِيه فَلَمَّا وصلته ووقف عَلَيْهَا بَكَى ودعا بغلامٍ لَهُ وَقَالَ لَهُ بِعْ دَاري فَقَالَ تبيع دَارك وَتبقى على رُؤُوس النَّاس فَقَالَ لَا بدّ من بيعهَا فأباعها بثلاثمائة دِينَار وَأخذ صرّة وأودعها مائَة دينارٍ وأنفذها إِلَى البحتري وَكتب مَعهَا
(لَو يكون الحباء حَسبَ الَّذِي أَن ... تَ لَدَينا بِهِ محلٌّ وأهلُ)
(لَحُبِيتَ اللُجينَ والدُّرَّ واليا ... قُوتَ حَبواً وَكَانَ يَقِلّ)
(والأديبُ الأريبُ يسمَحُ بالعُذ ... ر إِذا قصّر الصّديق الْمقل)
فَلَمَّا وصلت الرقعة إِلَى البحتري ردَّ الدَّنَانِير وَكتب إِلَيْهِ
(بِأبي أنتَ وَالله للبرِّ أهلُ ... والمساعي بعدٌ وسَعيُك قبل)(27/273)
(والنوال الْقَلِيل يكثر إِن شا ... ء مُرَجِّيك والكثيرُ يَقِلّ)
(غير أنّي رددتُ بِرَّك إِذْ كَا ... ن رِباً مِنْك والرِّبا لَا يحِلّ)
(وَإِذا مَا جَزَيتَ شعرًا بشعرٍ ... قُضِيَ الحقُّ وَالدَّنَانِير فضل)
فَلَمَّا عَادَتْ الدَّنَانِير حّلَّ الصُّرَّة وضمّ إِلَيْهَا خمسين دِينَارا أُخْرَى وردّها إِلَيْهِ وَحلف أَنه لَا يُعِيدهَا فَلَمَّا وصلت إِلَى البحتري قَالَ)
(شَكرتُكَ إنّ الشُّكرَ للْعَبد نعمةٌ ... ومَن يشكرُ المعروفَ فَالله زائدُه)
(لكلّ زمانٍ واحدٌ يُقتَدى بِهِ ... وَهَذَا زمانٌ أَنْت لَا شكّ واحدُه)
واجتاز البحتري مرَّة بالموصل أَو بِرَأْس عين فَمَرض بهَا مَرضا شَدِيدا وَكَانَ الطَّبِيب يخْتَلف إِلَيْهِ ويداويه فوصف لَهُ يَوْمًا مزَوَّرةً وَلم يكن عِنْده من يَخْدمه سوى غلامُه وَكَانَ بعض رُؤَسَاء الْبَلَد عِنْده قد جَاءَ يعودهُ فَقَالَ الرئيس لَيْسَ هَذَا الْغُلَام يحسن طبخها وَعِنْدِي طباخ من نَعتِه من صِفَتِه فَترك الْغُلَام عملَها اعْتِمَادًا على ذَلِك الرئيس وَقعد البحتري ينتظرها واشتغل الرئيس عَنْهَا ونسِيَ أمرهَا فَلَمَّا أَبْطَأت عَلَيْهِ وَفَاتَ وَقت وصولها إِلَيْهِ وَلم تَجِيء كتب البحتري إِلَى ذَلِك الرئيس
(وجدتُ وعدَكَ زُوراً فِي مُزَوَّرةٍ ... حلفتَ مُجْتَهدا إحسانَ طاهيها)
(فَلَا شفَى اللهُ مَن يَرْجُو الشفاءَ بهَا ... وَلَا علَت كفُّ مُلقٍ كفَّه فِيهَا)
(فاحبِس رسولَك عنّي أَن تجِيءَ بهَا ... فقد حبستُ رَسولي عَن تقاضيها)
حدّث أَبُو العَنبَس الصَّيمري قَالَ كنتُ عِنْد المتَوَكل والبحتري يُنشِده
(عَن أيِّ ثَغرٍ تبتسِم ... وبأيّ طَرفٍ تحتكِم)
حَتَّى بلغ إِلَى قَوْله
(قل للخليفة جَعْفَر ال ... متوكّل بن المعتَصِم)
(والمجتدى ابْن المجتدى ... والمنعِم بن المنتَقِم)
(أسلم لدينِ محمدٍ ... فَإِذا سَلِمتَ فقد سَلِم)
قَالَ وَكَانَ البحتري من أبْغض النَّاس إنشاداً يتشدّق ويتزاور فِي مشيته مرَّةً جانباً ومرّة القَهقرى ويهُزّ رأسَه ومنكبَيه ويُشير بكُمه وَيقف عِنْد كلّ بيتٍ وَيَقُول أحسنتُ واللهِ ثمَّ يُقبِل على المستعين وَيَقُول مَا لكم لَا تَقولُونَ لي أحسنتَ هَذَا وَالله مَا لَا يُحسِن أحدٌ أَن يَقُول مثلَه فضجِر المتَوَكل وَقَالَ أما تسمع يَا صَيمري مَا يَقُول فَقلت بلَى يَا سَيّدي فمُر بِمَا أحببتَ فَقَالَ بحياتي اهجُه على هَذَا الرَّوِي فَقلت تأمُر ابنَ حمدون أَن يكْتب مَا أَقُول فَدَعَا بدواةٍ وقرطاسٍ وحضرني على البديهة أَن قلتُ(27/274)
(أدخلت رَأسك فِي الْحرم ... وَعلمت أَنَّك تنهزم)
(يَا بحتريُّ حَذارِ وَيْح ... ك مِن قُضا قِضةٍ ضُغُم)
)
(فَلَقَد أَسَلتَ بوادِيي ... كَ من الهِجا سَيلَ العَرِم)
(وَالله حِلفةَ صادقٍ ... وبقبرِ أحمدَ والحرَم)
(وبحقّ جعفرٍ الإما ... مِ ابنِ الإِمَام المعتَصِم)
(لأصيِّرنَّك شُهرةً ... بَين المَسيل إِلَى العَلَم)
(فبأيّ عِرضٍ تعتصِم ... وبِهَتكِهِ جَفّ القَلَم)
(حيَّ الطلول بِذِي سلَم ... حَيْثُ الأراكةُ والخِيَم)
(يَا ابنَ الثقيلةِ والثقي ... لِ على قُلُوب ذَوِي النِّعَم)
(وعَلى الصَّغِير مَعَ الكبي ... ر مَعَ المَوالي والحَشَم)
(فِي أَي سَلح ترتطِم ... وبأيّ كفٍّ تلتقِم)
(إِذْ رَحلُ أُختك للعَجَم ... وفراشُ أمك للظُّلَم)
(وَبَنَات دَارك حانةٌ ... فِي بَيته يُؤتَى الحَكَم)
قَالَ فَخرج مُغضباً وَأَنا أصيح بِهِ
(أدخلت رَأسك فِي الْحرم ... وعلمتَ أَنَّك تنهَزِم)
والمتوكل يضْحك ويصفِّق حَتَّى غَابَ عَنهُ وَأمر لي بالصلة الَّتِي كَانَت أعِدَّت لَهُ وَلما قُتِل المتَوَكل قَالَ أَبُو العَنبَس
(يَا وَحشَةَ الدُّنْيَا على جعفرٍ ... على الْهمام الْملك الْأَزْهَر)
(على قَتِيل من بني هاشمٍ ... بَين سَرِير الْملك والمِنبَر)
(واللهِ رَبُّ الْبَيْت والمَشعَر ... وَالله أَن لَو قُتِل البحتري)
(لثار بِالشَّام لَهُ ثائرٌ ... فِي ألف نَغلٍ من بني عَضجَرِ)
(يقدمُهم كلُّ أخي ذِلّةٍ ... على حِمارٍ دابرٍ أَعور)
فشاعت حَتَّى وصلت إِلَى البحتري فَضَحِك وَقَالَ هَذَا الأحمق يرى أَنِّي أُجيبهُ عَن مثل هَذَا وَلَو عَاشَ امْرُؤ الْقَيْس وَقَالَ هَذَا لم أجبه وَقَالَ البحتري قصيدةً يرثي بهَا الْعَلَاء بنَ صاعد من جُمْلَتهَا
(وَلم أر كالدنيا حَلِيلَة وامق ... محبٍّ مَتى تحسُن لعينيه تَطلُقِ)(27/275)
(ترَاهَا عيَانًا وَهِي صنعةُ واحدٍ ... وتحسِبُها صُنعَي لطيفٍ وأخرَق)
)
فَقيل إِن السَّبَب فِي خُرُوج البحتري عَن بَغْدَاد فِي آخر أَيَّامه هَذَا الْبَيْت لأنّ بعض أعدائه شنّع عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَنوي وَكَانَت الْعَامَّة حينئذٍ غالبةً على الْبَلَد فخاف على نَفسه فَقَالَ لِابْنِهِ أبي الْغَوْث قُم يَا بُنَيَّ حَتَّى تطفأ هَذِه الثائرة بخرجة نلُمّ فِيهَا ببلدنا ونعود فَخرج مِنْهَا فَلم يعد
3 - (أَمِير الْمَدِينَة الأُموي)
الْوَلِيد بن عُتبةَ بن أبي سُفْيَان الأُموي ولاه عمّه مُعَاوِيَة الْمَدِينَة وَكَانَ جواداً حَلِيمًا فِيهِ خيرٌ ودينٌ وَأَرَادَ أهل الشَّام على الْخلَافَة فطُعِن فَمَاتَ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلم يصحَّ أَنه قُدّم للصَّلَاة على مُعَاوِيَة فَأَصَابَهُ الطَّاعُون فِي صلَاته فَمَاتَ وَتُوفِّي الْوَلِيد بالطاعون سنة أَربع وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ
3 - (الْأمَوِي)
الْوَلِيد بن عُقبة بن أبي أبانَ مُعيَط أبانَ بن ذكْوَان بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منافٍ هُوَ أَخُو عُثْمَان بن عَفَّان لأمه وأمهما أروى بنت كُريز بن ربيعَة بن حبيب وكناية الْوَلِيد أَبُو وهبٍ أسلم يَوْم الْفَتْح هُوَ وَأَخُوهُ خَالِد بن عقبةَ قَالَ ابْن عبد البرّ وَأَظنهُ يَوْمئِذٍ كَانَ قد ناهز الِاحْتِلَام وَلما افْتتح رَسُول الله مَكَّة جعل أهلُها يأْتونَ بصبيانهم فيمسَح على رؤوسهم وَيَدْعُو لَهُم بِالْبركَةِ قَالَ فأُتي بِي إِلَيْهِ وَأَنا مضمَّخ بالخلوق فَلم يمسَح على رَأْسِي وَلم يمْنَع من ذَلِك قَالَ ابْن عبد البرّ وَهُوَ حَدِيث مُنكَرٌ مُضطرِبٌ لَا يصحّ وَلَا يُمكن أَن يكون من بُعث مصدِّقاً فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبيا يَوْم الْفَتْح وَمن كَانَ غُلَاما مخلقاً لَيْسَ يَجِيء مِنْهُ مِثل هَذَا وَلَا خلافَ بَين أهل الْعلم بِتَأْوِيل الْقُرْآن أَن قَوْله عز وَجل إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإٍ أَنَّهَا نَزَلَت فِي الْوَلِيد بن عُقبة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى بني المصطلق مُصدقا فَأخْبر عَنْهُم أَنهم ارتدّوا وأبّوا ن أَدَاء الصَّدَقَة وَذَلِكَ أَنهم خَرجُوا إِلَيْهِ فهابهم وَلم يعرف مَا عِنْدهم فَانْصَرف عَنْهُم وَأخْبر بِمَا ذكر فَبعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد وَأمره أَن يتثبت فيهم فأخبروه أَنهم مُستَمسِكون بِالْإِسْلَامِ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ نَزَلَت فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عُقبَة أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يستَوُون ثمَّ ولاه عُثْمَان الْكُوفَة وعزل عَنْهَا سعد بن أبي وَقاص فَلَمَّا قدِم عَلَى سعدٍ قَالَ لَهُ وَالله مَا أَدْرِي أكسبتَ بَعدنَا أم حمِقنا بعْدك قَالَ لَا تجزَعَنَّ أَبَا إِسْحَاق فَإِنَّمَا هُوَ المُلكُ يتغداه قومٌ ويتعشاه آخَرُونَ فَقَالَ سعدٌ أَرَاكُم وَالله ستجعلونها ملكا وَأَتَاهُ ابْن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ مَا جَاءَ بك قَالَ)
جئتُ أَمِيرا فَقَالَ مَا أَدْرِي أصلحتَ بَعدنا أم فَسَدَ النَّاس وَله أَخْبَار فِيهَا نَكَارَة وشناعة تقطع بِسوء حَاله وقبح أَفعاله غفر اللهلنا وَله فقد كَانَ من رجال قُرَيْش ظرفا وحلماً وشجاعة وأدبا(27/276)
وَكَانَ من الشُّعَرَاء المطبوعين وَكَانَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عبيد وَابْن الْكَلْبِيّ وَغَيرهم يَقُولُونَ كَانَ الْوَلِيد بن عقبَة فَاسِقًا شريبَ خمرٍ وَكَانَ شَاعِرًا كَرِيمًا وَقَالَ ابْن عبد البرَ أخباره فِي شربه الْخمر ومنادمته أَبَا زُبيد الطَّائِي كثيرةٌ مَشْهُورَة عَن ابْن شَوذب قَالَ صلّى الْوَلِيد بِالْكُوفَةِ صَلَاة الصُّبْح أَربع ركعاتٍ ثمَّ الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ أَزِيدكُم فَقَالَ عبد الله ابْن مَسْعُود مَا زلنا مَعَك فِي زِيَادَة مذ الْيَوْم وَقَالَ الحُطَيئة
(شهد الحطيئة يَوْم يلقى ربَّه ... أَن الْوَلِيد أحقّ بالغَدرِ)
(نَادَى وَقد تمَّت صلواتهم ... أأزيدكم سُكراً وَمَا يَدري)
(فأبَوا أَبَا وهبٍ وَلَو أذِنوا ... لقرنتَ بَين الشفع وَالْوتر)
(كفّوا عِنانك إِذْ جَريتَ وَلَو ... تركُوا عنانك لم تزل تجْرِي)
وَقَالَ أَيْضا
(تكلم فِي الصَّلَاة وَزَاد فِيهَا ... عَلَانيَة وجاهر بالنِّفاقِ)
(ومجّ الْخمر فِي سَنَن المُصلّى ... ونادى والجميع إِلَى افْتِرَاق)
(أَزِيدكُم على أَن تحمدوني ... فَمَا لكم ولالي من خَلاق)
وعزله عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وولّى سعيد بن الْعَاصِ فَقَالَ بعض شعرائهم
(فررتَ من الْوَلِيد إِلَى سعيد ... كَأَهل الحجز إِذْ جزعوا فباروا)
(بُلينا من قُرَيْش كلّ عامٍ ... أميرٌ محدّثٌ أَو مستشار)
(لنا نارٌ نؤجّجها فنخشَى ... وَلَيْسَ لَهُم فَلَا يَخشون نَار)
وَقَالَ الطَّبَرِيّ نعصّب على الْوَلِيد قومٌ من الْكُوفَة بَغياً وحسداً وشهدوا عَلَيْهِ زُوراً أَنه تقيأ وَذكر الْقِصَّة وفيهَا أَن عُثْمَان قَالَ لَهُ يَا أخي اصبِر بأجرك ويبوءُ الْقَوْم بإثمك قَالَ ابْن عبد البرّ وَهَذَا الْخَبَر من نقل أهل الْأَخْبَار وَلَا يصِحّ عِنْد أهل الحَدِيث وَلَا لَهُ عِنْد أهل الْعلم أصلٌ وَالصَّحِيح عِنْدهم فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة عَن عبد الله الداناج عَن حُصَيْن بن الْمُنْذر أبي ساسان أَنه ركب إِلَى عُثْمَان فَأخْبرهُ بِقصَّة الْوَلِيد وَقدم على عُثْمَان رجلَانِ فشهدا عَلَيْهِ بِشرب الْخمر وَأَنه صلى الْغَدَاة بِالْكُوفَةِ أَرْبعا ثمَّ قَالَ أَزِيدكُم فَقَالَ)
أَحدهمَا رأيتُه يشْربهَا وَقَالَ الآخر رَأَيْته يتقيأها فَقَالَ عُثْمَان إِنَّه لم يتقيّأها حَتَّى شربهَا وَقَالَ لعليٍّ أقِم عَلَيْهِ الحدَّ فَقَالَ عليّ لِابْنِ أَخِيه عبد الله بن جَعْفَر أقِم عَلَيْهِ الحدّ فَأخذ السَّوْط وَجلده وَعُثْمَان يعُد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ فَقَالَ عَليّ أمسِك جَلَدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخمر أَرْبَعِينَ وجلَدَ أَبُو بكرٍ أَرْبَعِينَ وَجلد عمرُ ثَمَانِينَ وكلٌّ سُنّةٌ وَقيل كَانَ سَوطٌ لَهُ طرفان(27/277)
وَقيل إِنَّه لما جُلِد قَالَ لعليّ نشدتُك بِاللَّه وبالقرابة فَقَالَ عَليّ اسْكُتْ أَبَا وَهبٍ فَإِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل بتعطيلهم الحدودَ وَسكن الْوَلِيد الْمَدِينَة وَنزل الْكُوفَة وَبنى بهَا دَارا وَلما قُتِل عُثْمَان نزل الْبَصْرَة ثمَّ خرج إِلَى الْكُوفَة ونزلها وَاعْتَزل عليّاً وَمُعَاوِيَة وَمَات بالرقّة فِي خِلَافه عليٍّ وَكَانَ مُعَاوِيَة لَا يرضاه وَهُوَ الَّذِي حرّضه على قتال عليّ وَهُوَ الْقَائِل لمعاوية
(فو اللهِ مَا هندٌ بأمك إِن مضى ... النَّهار وَلم يثأر بعثمان ثائرُ)
(أيقتل عبدُ الْقَوْم سيّدَ أَهله ... وَلم يقتلوه ليتَ أمَّك عَاقِر)
(وأنى مَتى تقتلهم لَا يفيدهم ... مفيدٌ وَقد دارت عَلَيْك الدَّوَائِر)
وَهُوَ الْقَائِل
(أَلا مَن لليلٍ لَا تغور كواكبُه ... إِذا لَاحَ نجمٌ غَار نجمٌ يراقِبُه)
(بني هَاشم رُدّوا سلَاح ابْن أختكم ... وَلَا تَنهَبوه مَا تَحل مناهِبُه)
(بني هاشمٍ لَا تعجلونا فَإِنَّهُ ... سواءٌ علينا قَاتلُوهُ وسالبُه)
(وَإِنَّا وَإِيَّاكُم وَمَا كَانَ بَيْننَا ... كصَدعٍ بدا لَا يرأبُ الصَّدعَ شاعبُه)
(بني هاشمٍ كَيفَ التعاقدُ بَيْننَا ... وَعند عليٍّ سيفُهُ وحرائبُه)
(لعَمرُك لَا أنسى ابْن أروَى وقتلَه ... وَهل ينسأنَّ الماءُ مَا عَاشَ شاربُه)
(هم قَتَلُوهُ كي يَكُونُوا مكانَهُ ... كَمَا غدرت يَوْمًا بكِسرَى مرازِبُه)
فَأَجَابَهُ الْفضل بن الْعَبَّاس بن عتبَة بن أبي لهبٍ
(فَلَا تسألونا بالسِّلاح فإنَّهُ ... أُضِيعَ وألقاه لَدَى الرَّوع صاحبُه)
(وشبَهتَه كسْرَى وَقد كَانَ مثلَهُ ... سبيهَا بكسرى هَديُه وضرائبُه)
(وَإِنِّي لمجتابٌ إِلَيْكُم بجحفَلٍ ... يُصِمّ السميعَ جرسُه وجلائُبه)
3 - (المَخْزُومِي)
الْوَلِيد بن عُمارة بن الْوَلِيد بن المُغيرة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم ابْن أخي خَالِد هُوَ)
وَأَخُوهُ أَبُو عُبَيْدَة بن عُمارة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد فِي البُطاح لَهُم صُحْبَة
3 - (الأندلسي الْأمَوِي)
الْوَلِيد بن عِيسَى بن حَارِث أَبُو الْعَبَّاس الأندلسي مولى بني أُميَّة كَانَ بَصيرًا بالشعر شرح ديوَان أبي تَمام الطَّائِي وَمُسلم بن الْوَلِيد وَكَانَ بعيد الصيت(27/278)
فِي تَعْلِيم أَوْلَاد الْمَمْلُوك توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة
3 - (الصَّحَابِيّ)
الْوَلِيد بن الْقَاسِم الصَّحَابِيّ كَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس الْقَوْم قوم يسْتَحلُّونَ الحرمات بِالشُّبُهَاتِ والشهوات كل قوم على زِينَة من أَمرهم مفلحة عِنْد أنفسهم يزرون على من سواهُم سنَن الْحق مقاييس الْعدْل عِنْد ذَوي الْأَلْبَاب من النَّاس قَالَ ابْن عبد البرّ وَفِي صحبته نظرٌ
3 - (الْبُلْقَاوِيُّ)
الْوَلِيد بن مُحَمَّد المُوَقَّري البَلقاوي قَالَ ابو حَاتِم ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ لَا يكْتب حَدِيثه وَقَالَ ابْن خُزيمة لَا احتجّ بِهِ وَقَالَ ابْن مَعين يكذِب وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
3 - (حفيد ابْن أبي دؤاد)
الْوَلِيد بن مُحَمَّد بن احْمَد بن أبي دؤاد حفيد قَاضِي الْقُضَاة الْمَشْهُور ووالده مُحَمَّد وليَ الْقَضَاء للمتوكل فِي حَيَاة أَبِيه لما فُلِجَ وَتُوفِّي فِي حَيَاة أَبِيه بعد أَن عُزِل ونُكِب وتفرق آل أبي دؤاد فِي الْبِلَاد وَكَانَ الْوَلِيد هَذَا صَغِيرا بسامراء فَلم يفارقها إِلَى أَن بلغ مبالغ الرِّجَال وَذَلِكَ عِنْد اسْتِيلَاء أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن دُلَف على ممالك إصبهان وبلاد الْجَبَل فقصده الْوَلِيد ومَتَّ إِلَيْهِ بالوُصلة الَّتِي كَانَت بَين جدّه أَحْمد بن أبي داؤد وَبَين دجلف بن أبي دلف جد احْمَد بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ دلف بن أبي دُلف خَتَن أَحْمد بن أبي دؤاد على بعض بَنَاته فَعرف لَهُ أَحْمد حقّ الْقَرَابَة فَجعله من ندمائه وولاّه الْمَظَالِم وَألبسهُ الطيلسان والدنيّة وَكَانَ ينظر فِيمَا بَين أهل الْعَسْكَر وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن عُزِل أَحْمد ووَلِي فِيمَا بعده قَضَاء إصبهان وَلم يزَل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَمن شعره
(يَا ناق سيري غير مُلتاثةٍ ... إِلَى الهُمام السيدِ الحارثِ)
)
(إِلَى قريع الْمجد من وَائِل ... ووارث الْمجد عَن الْوَارِث)
(مِيرَاث آباءٍ لأبائهم مجداً ... قَدِيما لَيْسَ بالحادث)
(لم يَأْخُذُوا مُلكَهُم بَغتَةً ... وَلَا التمنّي عَبثَة العابث)
آخر الْجُزْء السَّابِع وَالْعشْرُونَ من كتاب الوافي بالوفيات يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْوَلِيد بن مسلمٍ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس وَالْحَمْد لله ربّ العالَمِين)(27/279)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
يَعْقُوب
1 - الطَّبِيب السامري يَعْقُوب بن غنايم أَبُو يُوسُف الْمُوفق السامري الطَّبِيب كَانَ عَلامَة زَمَانه فِي الطِّبّ وَولد وَنَشَأ بِدِمَشْق وبرع فِي الطِّبّ وَنظر فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَكَانَ مَحْمُود العلاج متينا عِنْد الْأَعْنَاق وَله تصانيف فصيحة الْعبارَة صَحِيحَة الْإِشَارَة واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة
توفّي يَوْم السبت من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَشرح كليات القانون ذكر كَلَام الإِمَام فَخر الدّين والقطب الْمصْرِيّ وَغَيرهمَا وحد أَقْوَالهم وجوده وَبَالغ فِيهِ
وَحل شكوك نجم الدّين بن المنفاخ على الكليات وَله كتاب الْمدْخل إِلَى الْمنطق والطبيعي والإلهي [362](28/5)
يزدجرد
2 - أَبُو سهل الكسروي يزدجر بن مهبنداذ أَبُو سهل الكسروي من أَوْلَاد الأكاسرة قدم بَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وَحصل بهَا الْعلم وَالْأَدب وَألف كتابا حسنا فِي صفة بَغْدَاد وعد سككها وحماماتها وشوارعها وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ من كل يَوْم من الأقوات وَالْأَمْوَال وتحتوي عَلَيْهِ من النَّاس وَله عدَّة كتب فلسفية وأدبية
ذكر أَبُو أَحْمد عبد الله بن مُحَمَّد الخازني أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر مصنفاته بِبَغْدَاد وروى عَنهُ أَيْضا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المادرائي وَهُوَ أَخُو سهلون الْمَذْكُور فِي حرف السِّين
وَمن شعر يزدجرد
(ازددت فِي مَطْلِي فزد فِي مدتي ... وامدد إِلَيّ يدا بعمر ثَان)
(ليدوم صبري مَا بدا لَك والفنا ... عهدا يكون من العناء أماني)
وَكتب إِلَى أبي الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الخاقاني
(قل للوزير يزِيد فِي إحسانه ... ثِقَة بِحسن عواقب الْإِحْسَان)
(لَو كنت تذكرني كَمَا تنساني ... لنسيت مَا استعذبت فِي نسياني)
وَمِنْه(28/6)
مَتى يدْرك النحريز بختا بعقله ... ويحرز خطأ بِالْبَيَانِ وبالنطق)
(ويحتال للمقدور حَتَّى يُزِيلهُ ... بحيلة ذِي البخت المكمل بالحمق)
(أَبَت سنة الأقدار عِنْد الَّذِي جرى ... بِهِ الحكم فِي الأرزاق والخلق والخلق)
[263]
(فَلَا تخليني بالأماني فَإِنَّهَا ... تقود عَزِيز الْقَوْم حرا إِلَى الرّقّ)
(وكوني مَعَ الْحق الْمُصَرّح واصبري ... كصير المسجى فِي السِّيَاق على الْحق)
(فَمَا صَبر المكروب وَهُوَ مُخَيّر ... وَلكنه صَبر يدل على صدق)
وَمِنْه
(يَا بني الْمُحْصنَات بالخصيان ... بَين حر وحرة باللبان)
(بَين بلد مَكْنُون بالمعاني ... نقلت جَذَعَة إِلَى قرنان)
(كظهور الْقُبُور مصقولة ... الظَّاهِر تحوي خبائب الأنتان)
وَمِنْه
(وجدت النَّاس قد فتنُوا جَمِيعًا ... بِبَيْت الْبَوْل أَو بَيت الخراء)
(فسوق لَا يفتر للزناء ... وَأُخْرَى للواط وللبغاء)
(وَأُخْرَى لَا تبور السحق فِيهَا ... إِذا اعْتكف النِّسَاء على النِّسَاء)
(فتبا للعلوم وحامليها ... واعلمهم بَيت بِلَا عناء)
(ويضحى وَالْكلاب أعز مِنْهُ ... غَدَاة الصَّيْد فِي طلب الظباء)
(فَمن ذَا يُنكر الطوفان مَعَ ذَا ... وَأَن يَرْمِي بأجحاد السَّمَاء)
قلت // (شعر متوسط) // [264](28/7)
يزِيد
3 - الْأنْصَارِيّ يزِيد بن أسيد بن سَاعِدَة شهد أحدا مَعَ أَبِيه أسيد بن سَاعِدَة وَعَمه أبي خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ
4 - الضبعِي يزِيد بن أسيد الضبعِي وَيُقَال ابْن يسير قَالَ بَعضهم فِيهِ أَسِير بن يزِيد وَله خبر وَاحِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم ذِي قار
هَذَا أول يَوْم انتصف فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم
5 - أَبُو عوفي العامري يزِيد بن الْأَصَم أَبُو عَوْف العامري البكائي نزيل الْكُوفَة والرقة روى عَن خَالَته أم الْمُؤمنِينَ مَيْمُونَة(28/8)
وَعَن ابْن خَالَته ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَمُعَاوِيَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث ومئة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة [265]
6 - الصَّحَابِيّ يزِيد بن أَوْس حَلِيف عبد الدَّار بن قصي أسلم يَوْم فتح مَكَّة قتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا رَضِي الله عَنهُ [266]
الألقاب
7 - اليزدي مُسْند أَصْبَهَان اسْمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
8 - الي(28/9)
زدي الشَّافِعِي واسْمه الْحُسَيْن بن أَحْمد
9 - اليزدي الْحَنَفِيّ اسْمه الْحُسَيْن بن أَحْمد أَيْضا
10 - اليزدي الشَّافِعِي عَليّ بن أَحْمد
11 - اليزدي أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن نَاصِر
12 - اليزدي جمال الدّين بن عبد الله [267]
13 - الصَّحَابِيّ يزِيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك أَخُوهُ زيد بن ثَابت وشقيقه
قيل إِنَّه شهد بَدْرًا وَقيل بل شهد أحدا وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا قَالَ ابْن شهَاب إِنَّه رمي يَوْم الْيَمَامَة بِسَهْم فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ رَاجعا
وروى عَنهُ أَخُوهُ زيد وروى عَنهُ خَارِجَة بن زيد قَالَ ابْن عبد(28/10)
الْبر وَلَا أَحْسبهُ سمع مِنْهُ قيل وَلم يرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير حَدِيث الصَّلَاة على الْقَبْر [268]
14 - أَبَا عبد الرَّحْمَن البلوي يزِيد بن ثَعْلَبَة بن حزمة بِفَتْح الزَّاي وَقيل بسكونها ابْن أحزم بن عَمْرو بن عمَارَة البلوي حَلِيف بني سَالم بن عَوْف بن الْخَزْرَج شهد بيعَة الْعقبَة الثَّانِيَة يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن [269]
15 - السّلمِيّ الصَّحَابِيّ يزِيد بن الْأَخْنَس السّلمِيّ لَهُ صُحْبَة قيل إِنَّه شهد بَدْرًا هُوَ وَأَبوهُ وَابْنه معن
قَالَ ابْن عبد الْبر وَلَا أعرفهم فِي الْبَدْرِيِّينَ وَإِنَّمَا هم فِي من بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معن وَيزِيد بن الْأَخْنَس روى عَنهُ كثير بن مرّة وسليم بن(28/11)
عَامر [270]
16 - التسترِي يزِيد بن إِبْرَاهِيم التسترِي توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ومئة وَقيل وَفَاته قبل ذَلِك يكنى أَبَا سعيد وَهُوَ بَصرِي روى عَن الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَابْن أبي مليكَة وَقَتَادَة وَابْن(28/12)
الزبير
وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ هُوَ ثَبت وَقَالَ ابْن معِين هُوَ فِي قَتَادَة لَيْسَ بِذَاكَ وروى لَهُ الْجَمَاعَة
17 - الْقَسرِي الصَّحَابِيّ يزِيد بن أَسد بن كرز بن عَامر الْقَسرِي جد خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي(28/13)
وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَا زيد بن أَسد أحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك هَذَا الحَدِيث يرويهِ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَن أَبِيه عَن جده
قَالَ ابْن عبد الْبر حكى يحيى بن ميعن عَن أهل خَالِد الْقَسرِي أَنهم كَانُوا يُنكرُونَ أَن يكون لجدهم صُحْبَة هَذَا قَول يحيى بن معِين وَخَالفهُ النَّاس وعدوه فِي الصَّحَابَة لحَدِيث هشيم وَغَيره عَن سيار أبي الحكم [271]
18 - الجرشِي الصَّحَابِيّ يزِيد بن الْأسود الجرشِي أَبُو الْأسود أدْرك الْجَاهِلِيَّة عداده فِي الشاميين
قَالَ أدْركْت الْأَصْنَام تعبد فِي قَرْيَة قومِي توفّي حُدُود الثَّمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ
19 - الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ يزِيد بن الْأسود الْخُزَاعِيّ وَقيل السوَائِي وَقيل العامري مَعْدُود فِي الْكُوفِيّين قَالَ صليت خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاةُ الْفجْر فجَاء رجلَانِ فَجَلَسَا فِي أخريات النَّاس فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل عَلَيْهِمَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ ايتوني بهما فجيء بهما ترْعد فرائصهما
قَالَ مَا منعكما من الصَّلَاة
قَالَا صلينَا فِي الرّحال(28/14)
فَقَالَ إِذا دَخَلْتُم وَالْقَوْم فِي الصَّلَاة فصلوا مَعَهم فَإِن صَلَاتكُمْ مَعَهم نَافِلَة
فَقَالَ أَحدهمَا اسْتغْفر لي يَا رَسُول الله
فَقَالَ غفر الله لَك قَالَ ثمَّ أخذت بِيَدِهِ ووضعتها على صَدْرِي فَمَا وجدت كفا أبرد وَلَا أطيب من كف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهي أبرد من الثَّلج وَأطيب من ريح الْمسك [272]
20 - ابْن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة بن معية قَالَ ابْن دُرَيْد تَصْغِير مَعًا وَاحِد أمعاء الْبَطن وَالصَّحِيح أَنه تَصْغِير مُعَاوِيَة ابْن سكين بن خديج بن نفيض ابْن مَالك بن سعد بن عدي بن فَزَارَة
كَانَ أَصله من الشَّام وَولي قنسرين للوليد بن يزِيد بن عبد الْملك وَكَانَ مَعَ مَرْوَان الْحمار يَوْم غلب على دمشق وَجمع لَهُ ولَايَة العراقين(28/15)
أول من جمع لَهُ ولَايَة العراقين زِيَاد بن أَبِيه وَآخرهمْ يزِيد بن هُبَيْرَة
وَكَانَ يزِيد يكنى أَبَا خَالِد وَكَانَ سخيا جسيما خَطِيبًا شجاعا حسودا أكولا كَانَ إِذا أصبح أُتِي بعس فِيهِ لبن قد صب على عسل وَأَحْيَانا بسكر فيشربه فَإِذا صلى الْغَدَاة جلس فِي مصلاة حَتَّى تحل الصَّلَاة ثمَّ يُصَلِّي وَيدخل بَيته فيحركه اللَّبن فيدعو بالغداء فيأكل دجاجتين وناهضتين وَنصف جدي والناهض فرخ الْحمام ثمَّ يخرج فَينْظر فِي أُمُور النَّاس إِلَى نصف النَّهَار ثمَّ يدْخل فيدعو جمَاعَة من خواصة وأعيان النَّاس وَيَدْعُو بالغداء فيتغدى وَيَضَع على صَدره منديلا ثمَّ اللقم ويتابع فَإِذا فرغ تفرق من كَانَ عِنْده وَدخل إِلَى نِسَائِهِ حَتَّى يخرج إِلَى صَلَاة الْعَصْر ثمَّ ينظر فِي أُمُور النَّاس فَإِذا صلى الْعَصْر وضع لَهُ سَرِير وَوضعت الكراسي للنَّاس فَإِذا أخذُوا مجَالِسهمْ أتوهم بعساس من اللَّبن وَالْعَسَل وألوان الْأَشْرِبَة ثمَّ تُوضَع السّفر وَالطَّعَام أَمَامه وتوضع لَهُ ولأصحابه خوان مُرْتَفع فيأكل مَعَه الْوُجُود إِلَى الْمغرب ثمَّ يتفرقون [273] للصَّلَاة ثمَّ يَأْتِيهِ سماره فيحضرون ويسامرونه حَتَّى يذهب عَامَّة اللَّيْل
وَكَانَ يسْأَل كل لَيْلَة عشر حوائج فَإِذا أَصْبحُوا قضيت وَكَانَ رزقه سِتّمائَة ألف دِرْهَم وَكَانَ يقسم كل شهر فِي أَصْحَابه من قومه وَمن الْفُقَهَاء وَمن أهل الْوُجُوه وَذَوي الْبيُوت
وَفِيه يَقُول عبد الله بن شبْرمَة الضَّبِّيّ الْكُوفِي الْفَقِيه وَكَانَ من سماره(28/16)
(إِذا نَحن أعتمنا وَمَال بِنَا الْكرَى أَتَانَا ... بِإِحْدَى الراحتين عِيَاض)
وعياض بوابه والراحتان الدُّخُول والانصراف وَلم يكن لَهُ منديل وَإِذا دعى بالمنديل قَامَ النَّاس
وروى ابْن شريك بن عبد الله النمري ساير يزِيد يَوْمًا فبرزت بغلة شريك فَقَالَ لَهُ يزِيد غض من لجامها
فَقَالَ شريك إِنَّهَا مكتومة أصلح الله الْأَمِير فَقَالَ لَهُ يزِيد مَا ذهبت حَيْثُ أردْت وَيزِيد أَشَارَ إِلَى قَول جرير
(فغض الطّرف إِنَّك من نميرٍ ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا)
فَعرض لَهُ شريك يَقُول ابْن دَان
(لَا تأمنن فزاريا خلوت بِهِ ... على قلوصك واكبتها بأسيار)
وَكَانَ بَنو فَزَارَة يرْمونَ بإتيان الْإِبِل وَهُوَ من أحسن التَّعْرِيض
وَلما وصلت جيوش الخراسانيين ومقدمتها قَحْطَبَةَ بن شبيب ثمَّ وَلَده من بعده استظهرت على يزِيد بن هُبَيْرَة فلحق بواسط وتحصن بهَا ثمَّ لحق(28/17)
بهم السفاح وَأَخُوهُ الْمَنْصُور وبويع السفاح بِالْكُوفَةِ وَظهر أَمر بني الْعَبَّاس وقويت شوكتهم فَوجه السفاح أَخَاهُ الْمَنْصُور إِلَى وَاسِط لحصار يزِيد بن هُبَيْرَة [274]
21 - ابْن حبيبات يزِيد بن خَالِد الْكُوفِي الشَّاعِر يعرف بِابْن حبيبات تَصْغِير حبات بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء ثَانِيَة الْحُرُوف كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا يَبِيع الطَّعَام وَإِذا سَأَلَهُ إِنْسَان هَل عنْدك طَعَام قَالَ حبيبات قدم بَغْدَاد وَصَحب يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي ومدحه ومدح غَيره وَقَالَ فِي خَالِد بن برمك لما عزل عَن فَارس
(أَيهَا الْمَاجِد الَّذِي لم تزل كَفاهُ ... تندى بِالْعرْفِ كل أَوَان)
(خلقا دَائِما على الْعسر واليسر ... وَعند التعطيل وَالسُّلْطَان)
(مَا ترى فِي مُؤَمل خَالص الود ... شكور يثني مجد السان)(28/18)
وَقَالَ فِي جَارِيَة اشْتَرَاهَا على أُخْرَى قبلهَا
(وَجَارِيَة لَهَا قد الْغُلَام ... سبتني بالمائل والقوام)
(ملكت جماجها فصددت عَنْهَا ... لأخرى بالرعاية والذمام)
(فَلَمَّا لَام من أخشاه فِيهَا ... وَألقى اللَّيْل أرواق الظلام)
(دببت لَهَا على خوف بِرِفْق ... كَمَا دب الْكرَى لَك فِي الْفِطَام)
(فنلنا لَذَّة كَانَت حَلَالا ... مسارقة كلذات الْحَرَام)
قلت الصَّحِيح أَن هَذِه الأبيات ليزِيد بن الْمُهلب
وَمن شعر ابْن حبيبات لما تقلد الْهَادِي للخلافة
(ملكت على يمن العيافة والفال ... بِسَعْد أدبر النحس عَنهُ وإقبال)
(تدبر أَمر النَّاس تسعين حجَّة ... تبدلهم حَالا إِذا شِئْت من حَال)
(ويلقي إِلَيْك الدَّهْر طَوْعًا قياده ... فتظفر مِنْهُ بالرضى ناعم البال)
[375]
22 - أَمِير دمشق يزِيد بن خَالِد بن عبد الله بن يزِيد الْقَسرِي البَجلِيّ كَانَ أَبوهُ خَالِد أَمِير العراقين لهشام ثمَّ عَزله وَلما ولي الْوَلِيد بن يزِيد(28/19)
أَخذه وَسلمهُ إِلَى يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ أَمِير الْعرَاق فَعَذَّبَهُ حَتَّى مَاتَ
يزِيد بن خَالِد فِي عسكره فَلَمَّا قتل الْوَلِيد تخلص من الْحَبْس فَكَانَ مَعَ يزِيد بن الْوَلِيد
فَلَمَّا قدم مَرْوَان بن مُحَمَّد دمشق واستوسق لَهُ الْأَمر اختفى يزِيد وَلما وثب أهل دمشق بزامل بن عمر عَامل مَرْوَان عَلَيْهِم ولوا عَلَيْهِم يزِيد بن خَالِد فَوجه إِلَيْهِم مَرْوَان من حمص أَبَا الْورْد مجزأَة فَهَزَمَهُمْ وَنَجَا يزِيد وَأَبُو علاقَة إِلَى رجل من لخم من أهل قَرْيَة المزة فَدلَّ عَلَيْهِمَا زامل فَأرْسل إِلَيْهِمَا فقتلا وَقتل ابْن مراوان بن مُحَمَّد قلع عينه بِيَدِهِ
وَقيل إِنَّه قَتله رجل من بني نمير بالغوطة سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة
23 - الْيَزنِي يزِيد بن خمير الْيَزنِي لَا الرَّحبِي وَكِلَاهُمَا حمصي وَهَذَا الْأَكْبَر وَذَاكَ من طبقَة قَتَادَة روى عَن أبي الدَّرْدَاء وعَوْف بن مَالك وَكَعب الْأَحْبَار وَتُوفِّي فِي حُدُود التسعين لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ أَبُو دَاوُد(28/20)
[276]
24 - ابْن المفرغ يزِيد بن ربيعَة بن المفرغ ابْن ذِي الْعَشِيرَة بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الْحِمْيَرِي الشَّاعِر
إِنَّمَا لقب جده مفرغا لِأَنَّهُ رَاهن على سقاء لبن فشربه حَتَّى فرغه وَالسَّيِّد الْحِمْيَرِي حفيده وَقيل ابْن ربيعَة هُوَ مفرغ وَقيل كَانَ مُقيما شعابا بتبالة بليدَة بِالْيمن وَقيل كَانَ حدادا بِالْيمن
وَتُوفِّي يزِيد بن المفرغ فِي سنة تبع وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ لما ولي سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان خُرَاسَان عرض على ابْن المفرغ صحبته فَأبى وَصَحب عباد بن زِيَاد بن أَبِيه فَقَالَ سعيد أما إِذا أَبيت أَن تصحبني فاحفظ مَا أوصيك بِهِ إِن عبادا لئيم فإياك والدالة إِلَيْهِ وَإِن دعَاك إِلَيْهَا من نَفسه فَإِنَّهَا خدعة مِنْهُ لَك عَن نَفسك وأقلل زيارتك لَهُ فَإِن ملول وَلَا تفاخره فَإِنَّهُ إِن فاخرك لَا يحْتَمل لَك مَا كنت احتملته مِنْك
ثمَّ دفع إِلَيْهِ مَالا وَقَالَ اسْتَعِنْ بِهَذَا بسفرك فَإِن سح مَكَانك من عباد وَإِلَّا مَكَانك عِنْدِي ممهد فأتني عَلَيْهِ
وَسَار ابْن المفرغ مَعَ عباد ولي عباد خُرَاسَان وَقيل سجستان واشتغل بحروبه وخراجه فاستبطأه ابْن المفرغ فذمه وَبسط لِسَانه فِيهِ وهجاه وَكَانَ عباد كَبِير اللِّحْيَة كَأَنَّهَا جوالق فَسَار مَعَه يَوْمًا فَدخلت الرّيح لحيته فنفشتها فَضَحِك ابْن المفرغ(28/21)
وَقَالَ لرجل إِلَى جَانِبه من لخم
(أَلا لَيْت اللحى كَانَت حشيشا ... فنعلفها خُيُول المسلمينا)
فسعى بِهِ اللَّخْمِيّ إِلَى عباد فَغَضب من ذَلِك غَضبا شَدِيدا وَبلغ الْخَبَر ابْن المفرغ فَقَالَ إِنِّي لأجد الْمَوْت من عباد فَطلب الْإِذْن مِنْهُ فِي الرُّجُوع فَلم يَأْذَن لَهُ وَقَالَ إِلَى أَن أقضيك حَقك وَبلغ عبادا [377] أَنه يسبه وينال من عرضه فَدس إِلَى قوم كَانَ لَهُم عَلَيْهِ دين ليقدموه إِلَيْهِ فَفَعَلُوا فحبسه وأضر بِهِ حَتَّى بَاعَ جواريه ومماليكه ودوابه وسلاحه وَقسم الثّمن بَين غُرَمَائه وَبقيت عَلَيْهِ بَقِيَّة اسْتمرّ بِهِ فِي الْحَبْس لأَجلهَا وَكَانَ يَقُول ابْن المفرغ يَقُول لمن يسْأَله عَن حَبسه مَا سَببه رجل أدبه أميره ليقوم من أوده وَهَذَا لعمري خير من جر الْأَمِير ذيله على مداهنة صَاحبه
فَلَمَّا بلغ ذَلِك عبادا رق لَهُ وَأخرجه من الْحَبْس فهرب حَتَّى أَتَى الْبَصْرَة وَخرج مِنْهَا إِلَى الشَّام وَجعل ينْتَقل فِي مدنها هَارِبا يهجو زيادا وَولده وتفرغ لهجائهما حَتَّى بلغه ذَلِك فَطَلَبه عبيد الله بن زِيَاد طلبا حثيثا فَيُقَال إِن مُعَاوِيَة رده إِلَيْهِ وَقيل غَيره وَقيل يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَمَّا جلد مرَّتَيْنِ كتب إِلَى يزِيد يَسْتَأْذِنهُ فِي قَتله فَكتب إِلَيْهِ يزِيد افْعَل مَا شِئْت من الْعقُوبَة وَلَا تبلغ نَفسه فَإِن لَهُ عشيرة هم بطانتي وجندي وَلَا ترْضى مني بقتْله إِلَّا بالقود مِنْك فَاعْلَم ذَلِك واحذره فَإنَّك مُرْتَهن بِنَفسِهِ وَلَك دونهَا مندوحة تشفي من الغيظ فَأمر عبيد الله بن فيسقى نبيذا حلوا قد خلط مَعَه الشبرم وَقيل التربذ فأسهل بَطْنه وطيف بِهِ وَهُوَ على الْحَال وَقرن بِهِ هرة وخنزيرة فَجعلت تسلح(28/22)
عَلَيْهِ وَهُوَ يسلح وَالصبيان يتبعونه ويصيحون عَلَيْهِ فألح مِنْهُ حَتَّى أضعفه وَسقط فَقيل لِعبيد الله لَا تأمن أَن يَمُوت فَأمر بِهِ أَن يغسل فَلَمَّا غسل قَالَ
(يغسل المَاء مَا فعلت وَقَوْلِي ... راسخ مِنْك فِي الْعِظَام البوالي)
فَرده عبيد الله إِلَى الْحَبْس وَقيل لِعبيد الله كَيفَ اخْتَرْت لَهُ هَذِه الْعقُوبَة فَقَالَ لِأَنَّهُ سلح [378] علينا فَأَحْبَبْت أَن تسلح الخنزيرة عَلَيْهِ وَلابْن مفرغ فِي عباد وَذَوِيهِ عدَّة مقاطع وقصائد يهجوهم بهَا وَهِي مَذْكُورَة فِي كتاب الأغاني من ذَلِك يَقُول فِي عباد
(إِذا أودى مُعَاوِيَة بن حَرْب ... فبشر شعب قعبك بانصداع)
(فاشهد أَن أُمّكَ لَمْ تُباشر ... أَبَا سُفيانَ واضِعة القناعِ)
(ولكِنْ كَانَ أمرا فِيهِ لبْسٌ ... عَلَى وَجَلٍ شَدِيد وارتياع)
وَمن ذَلِك
(أَلا أبلغ مُعَاوِيَة بن صَخْر ... مغلغلة عَن الرجل الْيَمَان)
(أًَتَغْضَبُ أَنْ يُقال أبوكَ عَفٌّ ... وتَرْضَى أَنْ يكون أبوكَ زانِ)
(فأَشْهَدُ أَنّ رَحْمَكَ مِنْ زِيادٍ ... كرَحْمِ الفِيلِ مِن وَلَدِ الأَتانِ)
(وأَشْهَدُ أَنَّهَا ولدت زياداً ... وصخر من سميَّة غير دَان)
[379]
25 - الْكُوفِي يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ من تيم الربَاب لَا تيم قُرَيْش الْكُوفِي روى عَن عمر وَعلي وَأبي ذَر وَحُذَيْفَة وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ(28/23)
لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة [380]
26 - الْفراء يزِيد بن صَالح الْفراء النَّيْسَابُورِي توفّي سنة تسع وَعشْرين ومئتين [381]
27 - الصَّحَابِيّ يزِيد بن ركَانَة بن عبد يزِيد بن عبد الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي المطلبي لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة ولأبيه صُحْبَة وَرِوَايَة
وَقد تقدم ذكر ركَانَة فِي حرف الرَّاء روى عَن يزِيد بن ركَانَة ابناه وَعبد الرَّحْمَن قَالَ ابْن عبد الْبر فِي ابْنه عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن ركَانَة نظر وروى عَن يزِيد بن ركَانَة أَيْضا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ
28 - أَبُو مُعَاوِيَة الْحَافِظ يزِيد بن زُرَيْع الإِمَام أَبُو مُعَاوِيَة العيسى الْبَصْرِيّ الْحَافِظ قَالَ ابْن حَنْبَل كَانَ رَيْحَانَة عصره مَا أتقنه وَمَا أحفظه وَقَالَ أَبُو حَاتِم ثِقَة إِمَام وَقَالَ نصر الْجَهْضَمِي رَأَيْت ابْن زُرَيْع فِي النّوم فَقلت مَا فعل الله بك قَالَ دخلت الْجنَّة قلت بِمَاذَا قَالَ بِكَثْرَة الصَّلَاة وَقَالَ بَعضهم كَانَ أَبوهُ وَالِي الآبلة مَاتَ عَن خمس مئة ألف مَا أَخذ مِنْهَا يزِيد
سُئِلَ عَن التَّدْلِيس فَقَالَ كذب وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة(28/24)
وروى لَهُ الْجَمَاعَة [382]
29 - الْقرشِي الصَّحَابِيّ يزِيد بن زَمعَة ابْن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد العُزَّى بن قُصيّ الْقرشِي الْأَسدي أمه قُريبة بنت أبي أُميَّة أُخْت أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا صحب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى عَنهُ هُوَ وَأَخُوهُ عبد الله بن زَمعَة وَقتل يزِيد بن زَمعَة يَوْم حنين جمح بِهِ فرسه وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش ووجوههم وَكَانَت إِلَيْهِ المشورة فِي الْجَاهِلِيَّة لِأَن قُريْشًا لم يجمعوا على شَيْء إِلَّا عرضوه عَلَيْهِ فَإِن وَافق رَأْيهمْ رَأْيه سكت وَإِلَّا شعب فِيهِ وَكَانُوا لَهُ أعوانا حَتَّى يرجع عَنهُ [383]
30 - ابْن الطثرية يزِيد بن سَلمَة بن سَمُرَة ابْن سَلمَة الْخَيْر بن كَعْب ابْن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة أَبُو المكشوح بالشين الْمُعْجَمَة الْمَعْرُوف بِابْن الطثرية بِالطَّاءِ الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء وَالْيَاء آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة
وَهُوَ اسْم لأمه لِأَنَّهَا من بني طثر بن عنز بن وَائِل والطثر الخصب وَكَثْرَة اللَّبن يُقَال إِن أمه وَلدته فِي عَام هَذَا وَصفه وَقيل إِن أمه كَانَت مولعة بِإِخْرَاج زبد اللَّبن فسميت بذلك لِأَن طثر اللَّبن زبدته
إِنَّمَا سمي أَبَا المكشوح لِأَنَّهُ كَانَ على كشحه كي نَار وَكَانَ يزِيد يُسمى أَيْضا مودقا لحسن وَجهه وحلاوة حَدِيثه وَكَانَ إِذا جلس بَين النِّسَاء أودقهن(28/25)
وَيُقَال إِنَّه كَانَ غَنِيا وَلَا عقب لَهُ وَهُوَ من أَعْيَان الشُّعَرَاء
وَقتل يزِيد الْمَذْكُور مَعَ الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك فِي حروب كَانَت سنة سِتّ وَعشْرين ومئة بِالْيَمَامَةِ وَكَانَت الرَّايَة بِيَدِهِ فنشبت فِي عشرَة فعثر فَضَربهُ بَنو حنيفَة ثمَّ قَتَلُوهُ
وَكَانَ ليزِيد أَخ كثير المَال يدعى ثورا وَكَانَ متنسكا كثير الْحَج والصدق ملازما لإبله ونخله وَكَانَ يزِيد يتْلف مَال أَخِيه واستعدت يَوْمًا جرم على يزِيد بن الطثرية فِي وحشية امْرَأَة مِنْهُم كَانَ يشبب لَهَا فَكتب صَاحب الْيَمَامَة إِلَى ثَوْر وَأمره أَن يَجْعَل عُقُوبَته حلق لمته فحلقها
فَقَالَ يزِيد
(أَقُول لثور وَهُوَ يحلق لمتي ... بحناء مَرْدُود عَلَيْهَا نصابها)
(ترفق بهَا يَا ثَوْر لَيْسَ ثَوَابهَا ... بِهَذَا وَلَكِن غير هَذَا ثَوَابهَا)
(أَلا رُبمَا يَا ثَوْر قد غل وَسطهَا ... أنامل رحضات حَدِيث خضابها)
(وتسلك مدرى العاج فِي مدلهمة ... إِذا لم تفرج مَاتَ غما صوابها)
(فراح بهَا ثَوْر ترف كَأَنَّهَا ... سلاسل درع جريها وانسكابها)
(منعمة كالسربة الْعرف جادها ... نجاء الثريا هطلها وذهابها)
(فَأصْبح رَأْسِي كالصخرة أشرفت ... عَلَيْهَا عِقَاب ثمَّ طارت عقابها)
[384]
وَقَالَ ابْن الطثرية
(عقيلية أما ملاث إزَارهَا ... فدعص وَأما خصرها فتبتيل)
(تقيظ أكناف الْحمى وتظله ... بنعمان من وَادي الْأَرَاك مقيل)(28/26)
(أَلَيْسَ قَلِيلا نظرة إِن نظرتها ... إِلَيْك وكل لَيْسَ مِنْك قَلِيل)
(فيا خلة النَّفس الَّتِي لَيْسَ دونهَا ... لنا من أخلاء الصفاء خَلِيل)
(أما من مقَام اشتكي غربَة النَّوَى ... وَخَوف العدا فِيهِ إِلَيْك سَبِيل)
(فديتك أعدائي كثير وشقتي ... بعيد وأشياعي لديك قَلِيل)
(فَلَا تحملي ذَنبي وَأَنت ضَعِيفَة ... فَحمل دمي يَوْم الْحساب ثقيل)
(وَكنت إِذا مَا جِئْت جِئْت بعلة ... فأفنيت علاتي فَكيف أَقُول)
(فَمَا كل يَوْم لي بأرضك حَاجَة ... وَلَا كل يَوْم لي إِلَيْك رَسُول)
وَقَالَ
(بنفسي من لَو مر برد بنانه ... على كَبِدِي كَانَت شِفَاء أنامله)
(وَمن هابني فِي كل شَيْء وهبته ... فَلَا هُوَ يعطيني وَلَا أَنا سائله)
وَقَالَ
(أعيب الَّذِي أَهْوى وأطرى جواريا ... يرين لَهَا فضلا عَلَيْهِنَّ بَينا)
(برغمي أطيل الصد عَنْهَا إِذا بَدَت ... أحاذر أسماعا عَلَيْهَا وَأَعْيُنًا)
(فقد غضِبت إِذْ قلت أَن لَيْسَ حَاجَتي ... إِلَيْهَا وَقَالَت لم يرد أَن نجبنا)
(وَهل كنت إِلَّا مغرما قَادَهُ الْهوى ... أسر فَلَمَّا قَادَهُ الشوق أعلنا)
(أَتَانِي هَواهَا قبل أَن أعرف الْهوى ... وصادف قلبِي فَارغًا فتمكنا)
وَقَالَ
(على حِين صارمت الأخلاء كلهم ... إِلَيْك وأصغيت الْهوى لَك أجمعا)
(وددتك أضعافا وغادرت فِي الحشا ... عِظَام البلايا باديات ورجعا)
(بوشك ثقيل كَانَ يشفى من الجوى ... تكَاد لَهُ أَرْوَاحنَا أَن تصدعا)
(على إِثْر هجران وَسَاعَة خلْوَة ... من النَّاس أخْشَى أعينا أَن تطلعا)
[385](28/27)
وَقَالَ
(إِذا مَا الرّيح نَحْو الأثل هبت ... وجدت الرّيح أطيبها جنوبا)
(فَمَاذَا تصنع الْأَرْوَاح تسري ... بريا أم عَمْرو أَن تطيبا)
(أليست أَعْطَيْت من حسن خلق ... كَمَا شَاءَت وجنبت العيونا)
وَقَالَ
(بنفسي من لَا بُد أَنِّي أهاجره ... وَمن أَنا من الميسور والعسير ذاكره)
(وَمن بَان مني يَوْم بَان وَمَا درى ... أَكنت أَنا الموتور أم أَنا واتره)
وَكَانَت لَهُ أُخْت تدعى زَيْنَب وَهِي شاعرة مجيدة فَمن شعرهَا فِي أَخِيهَا يزِيد لما قتل ترثيه
(أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري ... مُقيما وَقد غالت يزِيد غوائله)
(فَتى قد قد بِالسَّيْفِ لَا متضايلا ... وَلَا وَهل لباته وأباجله)
(فَتى لَا يرى قد الْقَمِيص بخصره ... وَلكنه توهى الْقَمِيص كواهله)
(فَتى لَيْسَ كَابْن الْعم كالذئب إِن رأى ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا دَمًا فَهُوَ آكله)
(يَسُرك مَظْلُوما ويرضيك ظَالِما ... وكل الَّذِي حَملته فَهُوَ حامله)
(إِذا نزل الأضياف كَانَ عذورا ... على الْحَيّ حَتَّى تستقل مراجله)
[386]
(إِذا الْقَوْم أموا بَيته فَهُوَ عَامِد ... لأحسن مَا ظنُّوا بِهِ فَهُوَ فَاعله)
(إِذا جد عِنْد الْجد أرضاك جده ... وَذُو بَاطِل إِن شِئْت ألهاك باطله)
(مضى ووثناه دريس مفاضه ... وأبيض هنديا طَويلا حمايله)
(فَتى كَانَ يروي المسرفي بكفه ... وتبلغ أقْصَى حجره الْحَيّ نايله)
(كريم إِذا لاقيته مُتَبَسِّمًا ... وَإِمَّا تولى أَشْعَث الرَّأْس حافله)
(يمر على الْوَادي فتومي رماله ... إِلَيْهِ وبالنادي فتثنى أرامله)
[387](28/28)
31 - أَمِير الْمُؤمنِينَ يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الحكم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو خَالِد الْأمَوِي الدِّمَشْقِي ولي الْخلَافَة بعد عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْم الْجُمُعَة لست بقينَ من شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَمِائَة وَله سبع وَثَلَاثُونَ سنة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا
وَتُوفِّي بِأَرْض البلقاء وَيُقَال مَاتَ بعمان لَيْلَة الْجُمُعَة لخمسٍ بَقينَ من شعْبَان سنة خمس وَمِائَة وَله إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة فَكَانَت أَيَّامه أَربع سِنِين وشهرا
وَكَانَ طَويلا جسيما مدور الْوَجْه لم يشب وَكَانَ شَدِيد الْكبر عَاجِزا وَهُوَ صَاحب لَهو ولذات وَصَاحب حبابة وسلامة هما جاريتان شغف بهما وَمَاتَتْ حبابة فَمَاتَ بعْدهَا بيسر أسفا عَلَيْهَا وَلما مَاتَت تَركهَا أَيَّامًا لم يدفنها وَعُوتِبَ فِي ذَلِك فدفنها وَقيل إِنَّه دَفنهَا ثمَّ نبشها بعد الدّفن
وَكَانَ يُسمى يزِيد الماجن
وَكَانَ كَاتبه أُسَامَة بن زيد وَرجل من أهل الشَّام يُقَال لَهُ عُثْمَان وَزيد بن عبد الله
وَأُسَامَة هَذَا هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ نهر أُسَامَة وحاجبه خَالِد وَسَعِيد موليَاهُ(28/29)
وَنقش خَاتمه قني السَّيِّئَات يَا عَزِيز وَأمه عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة وَقد تقدم ذكرهَا فِي مَكَانَهُ من حرف الْعين وَكَانَت ولَايَته بِعَهْد من أَخِيه سُلَيْمَان وَلما تولى الْخلَافَة أقبل إِلَى الشّرْب والانهماك وَفِيه قَالَ الْمُخْتَار الْخَارِجِي حِين ذمّ بني أُميَّة فِي خطْبَة لَهُ مَعْرُوفَة مِنْهُم يزِيد الْفَاسِق يضع حبابة عَن يَمِينه وسلامة عَن يسَاره ثمَّ يشرب إِلَى أَن يسكر ويغنيانه فيطرب ثمَّ يشق جلدا ضربت فِي نسجها الْآبَار وهتكت فِيهَا الأستار ثمَّ يَقُول أطير أطير [388]
فَيَقُولَانِ إِلَى من تتْرك الْخلَافَة فَيَقُول إلَيْكُمَا وَإِنِّي أَقُول لَهُ طر لعنة الله وناره
وَلما ولي الْخلَافَة قَالَت لَهُ زَوجته هَل بَقِي لَك أمل بعد الْخلَافَة فَقَالَ نعم أَن تحصل فِي ملكي حبابة وفيهَا يَقُول
(أبلغ حبابة سقى ربعهَا الْمَطَر ... مَا للفؤاد سوى ذكراكم وطر)
(إِن سَاد صحبي لَا أملك تذكركم ... أَو عرسوا بِي فَأَنت الْهم والفكر)
فَسَكَتَتْ عَنهُ إِلَى أَن أنفذت تَاجِرًا اشْتَرَاهَا بِمَال عَظِيم وأحضرتها لَهُ خلف ستر وأمرتها بِالْغنَاءِ فَلَمَّا سَمعهَا اهتز وطرب وَقَالَ هَذَا غناء أجد لَهُ فِي قلبِي وَقعا فَمَا الْخَبَر فَكشفت السّتْر وَقَالَت هَذِه حبابة وَهَذَا غنَاؤُهَا فدونك وَإِيَّاهَا فَغلبَتْ على قلبه من ذَلِك وَلم ينْتَفع بِهِ فِي الْخلَافَة
وَقَالَ فِي بعض أَيَّام خلواته النَّاس يَقُولُونَ إِنَّه لم يصف لأحد من الْمُلُوك يَوْم كَامِل وَأَنا أُرِيد أَن أكذبهم فِي ذَلِك ثمَّ أقبل على لذاته وَأمر أَن يحجب عَن سَمعه وبصره كل مَا يعكره فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صفو عيشه إِذْ(28/30)
تناولت حبابة حَبَّة رمان فغصت بهَا فَمَاتَتْ فاختل عقله إِلَى أَن نبشها من قبرها
وتحدث النَّاس عَن خلعه من الْخلَافَة وَلم يَعش بعْدهَا غير خَمْسَة عشر يَوْمًا وفيهَا يَقُول لما دفنت
(فَإِن تسئل عَنْك النَّفس أَو تدع الْهوى ... فباليأس تسلو عَنْك لَا بالتجلد)
وَكَانَ ليزِيد من الْأَوْلَاد مَا نذكرهُ وهم الْوَلِيد ولي الْخلَافَة وَيحيى وعاتكة وَعبد الله وَعَائِشَة والغمر وَعبد الْجَبَّار وسليم وهَاشِم وَأَبُو سُفْيَان وَسليمَان وَعبد الْمُؤمن وداوود والعوام [389]
32 - جبهاء يزِيد بن جُبَير وَقيل ابْن حمية بن عبيد الله بن عقيلية بن قيس بن رويبة يَنْتَهِي إِلَى بكر بن أَشْجَع شَاعِر بدوي من محاليق الْحجاز
نَشأ وَتُوفِّي فِي أَيَّام بني أُميَّة وَلَيْسَ مِمَّن انتجع الْخُلَفَاء ومدحهم فاشتهر وَهُوَ مقل وَلَيْسَ من الفحول وَكَانَ يلقب جبهاء بِالْمدِّ أَو جبيهاء مُصَغرًا بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْهَاء وَالْألف الممدودة
قَالَت لَهُ زَوجته لَو هَاجَرت بِنَا إِلَى الْمَدِينَة وبعت إبلك وافترضته فِي الْعَطاء كَانَ خيرا لَك قَالَ أفعل فَأقبل بهَا وبإبله حَتَّى إِذا كَانَ بحرة واقم من شَرْقي الْمَدِينَة شرعها بحوض واقم ليسقيها فحنيت نَاقَة مِنْهَا ثمَّ نزعت وتبعتها الْإِبِل ففاتته فَقَالَ لزوجته هَذِه إبل لَا تعقل تحن إِلَى أوطانها وَنحن أولى بالحنين مِنْهَا وَأَنت طَالِق إِن لم تَرْجِعِي فعل الله بك وَفعل وردهَا وَقَالَ
(قَالَت أنيسَة دع بلادك ... وَالْتمس دَارا بِطيبَة ربه الْآطَام)(28/31)
(تكْتب عِيَالك فِي الْعَطاء وتفترض ... وكذاك يفعل حَازِم الأقوام)
(فهممت ثمَّ ذكرت ليل لقاحنا ... بلوى عنيزة أَو بقف بشام)
(إِذْ هن عَن جَنْبي مذاود كلما ... نزل الظلام بعصبة أغتام)
(إِن الْمَدِينَة لَا مَدِينَة فالزمي ... حقف السناد وقبة الأرجام)
(يجلب لَك اللَّبن الفريض وينتزع ... بالعيس من يمن إِلَيْك وشام)
(وتجاوري النَّفر الَّذين بنبلهم ... أرمي الْعَدو إِذْ نهضت مرامي)
(الباذلين إِذا طلبت بِلَادهمْ ... والمانعي ظَهْري من العزام)
وَمن شعر جبهاء الْمَذْكُور
(أَلا لَا أُبَالِي بعد ريا أوافقت ... نوانا نوى الْجِيرَان أم لم توَافق)
(هجان الْمحيا حرَّة الوجد سربلت ... من الْحسن سربالا عَتيق البنايق)
[390]
33 - الْمدنِي يزِيد بن أبي عُبَيْدَة الْمدنِي وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُود توفّي فِي حُدُود الْخمسين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَكَانَت كنيته أَبُو وجزة بِالْجِيم وَالزَّاي وَكَانَ قد رأى عمر
وَقَالَ صَاحب الأغاني توفّي سنة ثَلَاث ومئة وَالظَّاهِر أَن يزِيد أَبَا وجزة هَذَا الَّذِي رأى عمر غير يزِيد الأول وَالله أعلم
وأو وجزة أحد من شَبَّبَ بِعَجُوزٍ حَيْثُ يَقُول
(يَا أَيهَا الرجل الْمُوكل بالصبى ... فِي م ابْن سبعين المعمر من دَد)
(حتام أَنْت مُوكل بقديمة ... أمست تجدّد كاليماني الْجيد)
(زَاد الْجلَال كمالها ورسا بهَا ... عقل وفاضله وشيمة سيد)
[391](28/32)
34 - الْيَشْكُرِي التَّاجِر يزِيد بن عَطاء الْيَشْكُرِي مُعتق أبي عوَانَة وَيُقَال الْكِنْدِيّ وَيُقَال السّلمِيّ التَّاجِر البذلة قَالَ أَحْمد حَدِيثه مقارب وَقَالَ ابْن سعد ضَعِيف وَقَالَ أَبُو حَاتِم [392] لَا يحْتَج بِهِ توفّي سنة سبع وَسبعين وَمِائَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُود
35 - الصَّحَابِيّ يزِيد بن عَمْرو التَّمِيمِي وَيُقَال النميري وَفد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قيس بن عَاصِم وَأَصْحَابه
روى عَنهُ عَابس بن ربيعَة قَالَ وفدنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا مَا تعهد إِلَيْنَا قَالَ تقيمون الصَّلَاة وتنطون الزَّكَاة وتحجون الْبَيْت وتصومون رَمَضَان فَإِن فِيهِ لَيْلَة خير من ألف شهر وَذكر الحَدِيث [393]
36 - أَخُو مُعَاوِيَة يزِيد بن صَخْر أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف ق وَكَانَ يُقَال لَهُ يزِيد الْخَيْر أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا وَأَعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مئة بعير وَأَرْبَعين أُوقِيَّة وَزنهَا لَهُ بِلَال وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَخرج فَتَبِعَهُ رَاجِلا
قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قفل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ من الْحَج راحلا يَعْنِي(28/33)
سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعث عَمْرو بن الْعَاصِ وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وَأَبا عُبَيْدَة بن الْجراح وشرحبيل بن حَسَنَة إِلَى فلسطين وَأمرهمْ أَن يسلكوا على البلقاء وَكتب إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد فَسَار إِلَى الشَّام فَأَغَارَ على غَسَّان بمرج راهط ثمَّ سَار فَنزل على قناة بصرى وَقدم عَلَيْهِ يزِيد بن أبي سُفْيَان فصالحت بصرى وَكَانَت أول مَدَائِن الشَّام فتوحا
ثمَّ سَارُوا قبل فلسطين فَالْتَقوا بالروم بَين الرملة وَبَين حيرين والأمراء كل وَاحِد على حِدة وَمن النَّاس من تزْعم أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ عَلَيْهِم جَمِيعًا هزم لَهُ الْمُشْركين وَكَانَ الْفَتْح بأجنادين فِي جُمَادَى الأول سنة ثَلَاث عشرَة فَلَمَّا اسْتخْلف عمر إِلَى أبي عُبَيْدَة وَفتح الله عَلَيْهِ الشامات ولى يزِيد بن أبي سُفْيَان على فلسطين ودمشق وناحيتها
وَلما مَاتَ أَبُو عُبَيْدَة اسْتخْلف معَاذ قبل وَمَات معَاذ فاستخلف يزِيد بن أبي سُفْيَان مَاتَ يزِيد فاستخلف أَخَاهُ مُعَاوِيَة وَكَانَ موت هَؤُلَاءِ كلهم فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ ابْن ماجة [394]
37 - أَبُو الْعَلَاء العامري يزِيد بن عبد الله بن الشخير أَبُو الْعَلَاء(28/34)
العامري الْبَصْرِيّ أحد الْأَئِمَّة روى عَن أَبِيه وأخيه مطرف وَعمْرَان بن حُصَيْن وَعَائِشَة وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَأبي هُرَيْرَة وعياض بن حمَار وَكَانَ ثِقَة فَاضلا وَكَانَ يقْرَأ من الْمُصحف حَتَّى يغشى عَلَيْهِ وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة كلهم
38 - ابْن قسيط يزِيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيْثِيّ روى عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَعبيد جريح وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَكَانَ ثِقَة فَقِيها يستعان بِهِ على الْأَعْمَال لأمانته وفقهه قَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِقَوي
وَقد سُئِلَ مَالك أَن يحدث بِحَدِيث ابْن قسيط فِي الْقصاص فَامْتنعَ وَقَالَ لَيْسَ رَحْله عندنَا هُنَاكَ وَوَثَّقَهُ أَرْبَاب الصِّحَاح وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين ومئة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
39 - ابْن الْهَاد يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ ومئة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
40 - ابْن خصيفَة يزِيد بن عبد الله بن خصيفَة وَهُوَ ابْن أخي السَّائِب ابْن يزِيد الْكِنْدِيّ الْمدنِي وَثَّقَهُ ابْن معِين(28/35)
كَانَ عابدا ناسكا كثير الحَدِيث توفّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين ومئة وروى لَهُ الْجَمَاعَة [395]
41 - ابْن أبي خَالِد الإشبيلي يزِيد بن عبد الله بن أبي خَالِد اللَّخْمِيّ أَبُو عَمْرو وَقيل ابْن عبيد الله اللَّخْمِيّ الْكَاتِب من أهل إشبيلية
قَالَ ابْن الْأَبَّار فِي تحفة القادم هُوَ صدر فِي نبهائها وأدبائها فِيمَن لَهُ قدر فِي منجبيها ونجبائها وَإِلَى سلفه ينْسب المعقل الْمَعْرُوف بِحجر أبي خَالِد
توفّي بهَا سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة وَأورد لَهُ فِي فتح المهدية سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة
(كم غادر الشُّعَرَاء من متردم ... ذخرت عظائمه لخير مُعظم)
(تبعا لمذحفه الْفتُوح فَإِنَّهَا ... جَاءَت لَهُ بخوارق لم تعلم)
(من كل سامية المنال إِذا انتمت ... رفعت إِلَى اليرموك صَوت الميتمي)
(وتوسطت فِي النهروان بِنِسْبَة ... كرمت ففازت بِالْمحل الأكرم)
وَأورد لَهُ قَوْله
(وَيَا للجواري الْمُنْشَآت وحسنها ... طوائر بَين المَاء والجو عوما)
(إِذا نشرت فِي الجو أَجْنِحَة لَهَا ... رَأَيْت بهَا روضا ونورا مكمما)
(وَإِن لم يهجه الرّيح جَاءَ مصافحا ... فمرت لَهُ كفا خضيبا ومعصما)(28/36)
(مجاذف كالحيات مدت رؤوسها ... على وَجل فِي المَاء كي تروي الظمأ)
(كَمَا أسرعت عدا أنامل حاسب ... بِقَبض وَبسط تسبق الْعين والفما)
(هِيَ الهدب فِي أجفان أكحل أَوْطَفُ ... فَهَل صبغت من عندم أوبكت دَمًا)
قَالَ ابْن الْآبَار أَجَاد مَا أَرَادَ فِي هَذَا الْوَصْف وَإِن نظر إِلَى قَول أبي عبد الله يصف أسطول المعتصم بن صمادح
(هام صرف الردى بهام الأعادي ... أَن سمت نحوههم لَهَا أجياد)
(وتراءت بشركها كعيون ... دأبها مثل خائفيها سهاد)
(ذَات هدب من المجاذيف ... حاك هدب باك لدمعه إسعاد)
(حمم فَوْقهَا من الْبيض نَار ... كل من أرْسلت عَلَيْهِ رماد)
(وَمن الْخط فِي يَدي كل ذمر ... ألف خطها على الْبَحْر صَاد)
قَالَ وَمَا أحسن قَول شَيخنَا أبي الْحسن بن حريق فِي هَذَا الْمَعْنى من قصيد أنشدنيه
(وكأنما سكن الأراقم جوفها ... من عهد نوح خشيَة الطوفان)
(فَإِذا رأين المَاء يطفح نضنضت ... من كل خرت جية بِلِسَان)
قَالَ وَلم يسبقهم إِلَى الْإِحْسَان وَإِن سبقهمْ بِالزَّمَانِ عَليّ بن مُحَمَّد الْإِيَادِي التّونسِيّ فِي قَوْله
(شرعوا جوانبها مجاذف أَتعبت ... شأو الرِّيَاح لَهَا وَلما تتعب)
(تنصاع من كثب كَمَا نفر القطا ... طورا وتجتمع اجْتِمَاع الربرب)
(وَالْبَحْر يجمع بَينهَا فَكَأَنَّهُ ... ليل يقرب عقربا من عقرب)
وَمن هَذِه القصيدة الفريدة فِي ذكر الشراع
(وَلها جنَاح يستعار يطيرها ... طوع الرِّيَاح وراحة المتطرب)(28/37)
(يَعْلُو بهَا حدب الْعباب مطاره ... فِي كل لج زاخر مغلولب)
(يتنزل الملاح مِنْهُ ذؤابة ... لَو رام يركبهَا القطا لم يركب)
(وكأنما رام استراقة مقْعد ... للسمع إِلَّا أَنه لم يشهب)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو القسطلي
(وَحَال الموج بَين بني سَبِيل ... يطير بهم إِلَى الغول ابْن مَاء)
(أغر لَهُ جنَاح من صباح ... يرفرف فَوق جنح من مسَاء)
أَخذه أَبُو إِسْحَاق بن خفاجة فَقَالَ
(وَجَارِيَة ركبت بهَا ظلاما ... يطير من الصَّباح بهَا جنَاح)
قَالَ ابْن الْآبَار وَقد قلت أَنا فِي ذَلِك
(يَا حبذا من بَنَات المَاء سابحة ... تطفو لما شب أهل النَّار تطفئه)
(تطيرها الرّيح غربانا بأجنحة ... الحمائم الْبيض للاشراك ترزؤه)
(من كل أدهم لَا يلفى بِهِ جرب ... فَمَا لراكبه بالقار يهنؤه)
(يدعى غرابا وللفتخاء شرعته ... وَهُوَ ابْن مَاء وللشاهين جؤجؤه)
وَاجْتمعَ ابْن أبي خَالِد وَأَبُو الْحسن بن الْفضل الأديب عِنْد أبي الْحجَّاج بن مرطير الطَّبِيب بِحَضْرَة مراكش وَجرى ذكر قاضيها حِينَئِذٍ أبي عمرَان مُوسَى بن عمرَان بَينهم وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من الْقُصُور والبعد عَمَّا رشح لَهُ وأدثر بِهِ فَقَالَ أَبُو الْحجَّاج لَيْسَ فِيهِ من أبي مُوسَى شبه
فَقَالَ أَبُو الْحسن
(فأبوه فضَّة وَهُوَ شبه)(28/38)
فَقَالَ بو عَمْرو
(كم دَعَاهُ إِذا رَآهُ عرة ... وأباه إِذْ دَعَاهُ يَا أبه)
[397]
42 - ابْن أبي مُسلم الثَّقَفِيّ يزِيد بن دِينَار أبي مُسلم الثَّقَفِيّ أَبُو الْعَلَاء كَانَ مولى الْحجَّاج وكاتبه فِيهِ نهضة وكفاية قدمه الْحجَّاج بسببهما لما حَضرته الْوَفَاة اسْتَخْلَفَهُ على الْخراج بالعراق فَلَمَّا مَاتَ الْحجَّاج أقرة الْوَلِيد وَلم يُغير عَلَيْهِ شَيْئا وَقيل بل الْوَلِيد هُوَ الَّذِي ولاه وَقَالَ الْوَلِيد يَوْمًا مثلي وَمثل الْحجَّاج وَمثل يزِيد بن أبي مُسلم كَرجل ضَاعَ مِنْهُ دِرْهَم فَوجدَ دِينَارا فَمَا مَاتَ الْوَلِيد وَتَوَلَّى سُلَيْمَان بعث مَكَانَهُ يزِيد بن الْمُهلب بن أبي صفرَة فأحضر إِلَيْهِ يزِيد بن أبي مُسلم فِي جَامعه وَكَانَ رجلا قَصِيرا دميما قَبِيح الْوَجْه عَظِيم الْبَطن تحتقره الْعين فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ أَنْت يزِيد بن أبي مُسلم
قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ لعن الله من أشركك فِي أَمَانَته وحكمك فِي دينه
فَقَالَ لَا تفعل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإنَّك رَأَيْتنِي والأمور مُدبرَة عني وَلَو رَأَيْتنِي والأمور مقبلة عَليّ لاستعظمت مَا استصغرت ولاستجللت مَا استحقرت(28/39)
فَقَالَ سُلَيْمَان قَاتله الله فَمَا أَسد عقله وأعصب لِسَانه
ثمَّ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا يزِيد أَتَرَى صَاحبك الْحجَّاج يهوي بعد فِي نَار جَهَنَّم أم قد اسْتَقر فِي قعرها
فَقَالَ يزِيد لَا تقل ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن الْحجَّاج عادى عَدوكُمْ ووالى وَلِيكُم وبذل مهجته لكم فَهُوَ يَوْم الْقيمَة عَن يَمِين عبد الْملك ويسار الْوَلِيد فاجعله حَيْثُ أَحْبَبْت
فَقَالَ سُلَيْمَان قَاتله الله فَمَا أوفاه لصَاحبه إِذا مَا اصطنعت الرِّجَال فليصطنع مثل هَذَا
فَقَالَ رجل من جُلَسَائِهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْتُل يزِيد وَلَا تستبقه
فَقَالَ يزِيد من هَذَا
فَقَالُوا فلَان بن فلَان
فَقَالَ وَالله لقد بَلغنِي أَن أمه كَانَ شعرهَا لَا يوازي ذنبها فَمَا تمالك سُلَيْمَان أَن ضحك وَأمر بِتَخْلِيَتِهِ
ثمَّ أَن سُلَيْمَان كشف عَلَيْهِ فَلم يجد عَلَيْهِ جباية دِينَار وَلَا دِرْهَم فهم باستكتابه فَقَالَ لَهُ عَم بن عبد الْعَزِيز آثرك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تحبي ذكر الْحجَّاج
فَقَالَ يَا حَفْص إِنِّي كشفت عَنهُ فَلم أجد عَلَيْهِ خِيَانَة
فَقَالَ مِنْهُ(28/40)
فَقَالَ سُلَيْمَان من هُوَ
قَالَ إِبْلِيس مَا مس دِينَارا وَلَا درهما بِيَدِهِ وَقد أهلك الْخلق فَتَركه سُلَيْمَان
وَيُقَال إِن عمر بن عبد الْعَزِيز بلغه أَن يزِيد بن أبي مُسلم فِي جَيش من جيوش الْمُسلمين فَكتب إِلَى عَامل الْجَيْش أَن يردهُ وَقَالَ إِنِّي لأكْره أَن استنصر بِجَيْش هُوَ مِنْهُم
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر أَبُو الْقَاسِم فِي سنة إِحْدَى ومئة أَمر يزِيد بن أبي مُسلم على أفريقية وَنزع إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي المُهَاجر مولى بني مَخْزُوم فَسَار أحسن سيرة
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ ومئة قتل يزِيد
وَقَالَ الوضاح بن خَيْثَمَة أَمرنِي عمر بن عبد الْعَزِيز بِإِخْرَاج قوم من السجْن وَفِيهِمْ يزِيد فتركته فحقد عَليّ وَإِنِّي بأفريقية إِذْ قيل قدم يزِيد فهربت مِنْهُ فطلبني فظفر بِي وحملت إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لطالما سَأَلت الله أَن يمكنني مِنْك
فَقلت وَأَنا طالما سَأَلت الله يعيذني مِنْك
فَقَالَ مَا أَعَاذَك الله وَالله لأَقْتُلَنك وَلَو سابقني فِيك ملك الْمَوْت لسبقته
ثمَّ(28/41)
دَعَا بِالسَّيْفِ والنطع فَأتي بهما وَأمر الوضاح فأقيم على النطع وَقَامَ وَرَاءه بِالسَّيْفِ وأقيمت الصَّلَاة فَخرج إِلَيْهَا فَلَمَّا سجد أَخَذته السيوف وَدخل إِلَى الوضاح من قطع كِتَافِهِ وَأطْلقهُ وأعيد إِلَى الْولَايَة مُحَمَّد بن يزِيد مولى الْأَنْصَار [398]
43 - الْمُقْرِئ الْمدنِي يزِيد بن رُومَان هُوَ أَبُو روح الْمدنِي مولى آل الزبير وَهُوَ أحد شُيُوخ نَافِع فِي الْقِرَاءَة الَّذين اسند عَنْهُم قَرَأَ الْقُرْآن على عبد الله بن عَبَّاس المَخْزُومِي بِاتِّفَاق وَقيل إِنَّه قَرَأَ على زيد بن ثَابت وَلَا يَصح روى عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا أَحْسبهُ لقِيه وَعَن ابْن الزبير وَعُرْوَة وَصَالح بن خَوات وَغَيرهم
قَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة وَتُوفِّي فِي حُدُود الْعشْرين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَقَالَ وهب بن جرير حَدثنَا أبي قَالَ رَأَيْت مُحَمَّد بن سِيرِين وَيزِيد بن رُومَان يعقدان الْآي فِي الصَّلَاة(28/42)
وَقَالَ يزِيد بن رُومَان كنت أُصَلِّي إِلَى جنب نَافِع بن جُبَير بن مطلع فيعمرني فافتح عَلَيْهِ وَنحن نصلي
وروى يزِيد أَنه كَانَ النَّاس يقومُونَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة فِي شهر رَمَضَان
44 - أَمِير دمشق يزِيد بن روح اللَّخْمِيّ كَانَ أَمِيرا على بعلبك ثمَّ ولاه صَالح بن عَليّ على دمشق عِنْدَمَا قَتله الحكم بن صنعان الجذامي وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة [400]
45 - الصَّحَابِيّ يزْدَاد وَالِد عِيسَى بن يزْدَاد روى عَنهُ ابْنه عِيسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا بَال أحدكُم فلنثر ذكره ثَلَاث مَرَّات
لم يروه عَنهُ غير ابْنه عِيسَى وَهُوَ حَدِيث يَدُور على زَمعَة بن صَالح قَالَ البُخَارِيّ لَيْسَ حَدِيثه بالقائم
وَقَالَ ابْن معِين لَا يعرف عِيسَى هَذَا وَلَا أَبوهُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَهُوَ تجاهل مِنْهُ(28/43)
وَقيل للْحَدِيث مُرْسل وَأَكْثَرهم لَا يعرف يزْدَاد
46 - ابْن يزْدَاد الْوَزير اسْمه عبد الله بن مُحَمَّد [401]
47 - المنصوري يزْدَاد الْأَمِير سيف الدّين حضر إِلَى دمشق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء بكرَة سادس عشر جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي الْبَرِيد وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن المظفر حاجي إِلَى الْأَمِير سيف الدّين بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ نَائِب الشَّام يتَضَمَّن جُلُوسه على سَرِير الْملك بعد خلع عَمه الْملك النَّاصِر حسن وَخلف العساكر بِدِمَشْق وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ حضر مرّة إِلَى دمشق فِي نوبَة بيدمر وَصَارَ من مقدمي الألوف بِمصْر وَلَمْ يزل عَلَى حَاله إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب الْفَرد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي طاعون مصر(28/44)
48 - ابْن أبي الْعَاصِ يزِيد بن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْبَصْرِيّ الشَّاعِر
مدح سُلَيْمَان بن عبد الْملك وولاه الْحجَّاج سرفه وقرابته وَغَضب عَلَيْهِ لفخره وعزله فهجاه وَلحق سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ كم كَانَ جعل لَك فِي ولَايَة فَارس
قَالَ عشْرين ألفا
قَالَ هِيَ لَك مَا عِشْت
وَتُوفِّي يزِيد سنة عشر وَمِائَة وَكَانَ يزِيد يكنى أَبَا العنبس وَأمه بكرَة بنت الزبْرِقَان بن بدر
وَلما ولاه الْحجَّاج كورة فَارس دفع إِلَيْهِ عَهده بهَا فَلَمَّا دخل يودعه قَالَ لَهُ الْحجَّاج أَنْشدني بعض شعرك
وتوهم أَن ينشده مديحا فِيهِ فأنشده
(وَأبي الَّذِي سلب ابْن كسْرَى راية ... بَيْضَاء تخفق كالعقاب الطَّائِر)
فَنَهَضَ الْحجَّاج قَائِما مغضبا وَخرج من غير أَن يودعه وَقَالَ لحاجبه ارتجع مِنْهُ الْعَهْد وأرده قل أَيّمَا خير لَك مَا ورثك أَبوك أم هَذَا فَرد الْعَهْد للحاجب وَقَالَ
(ورثت جدي مجده وفعاله ... وَورث جدك أَعْنُزًا بِالطَّائِف)
قَالَ يزِيد لِابْنِهِ بدر
(يَا بدر والأمثال يضْربهَا ... لذِي اللب الْحَكِيم)(28/45)
(دم للخيل توده ... لَا خير ود وَمَا يَدُوم)
(واعرف لجارك حَقه ... وَالْحق يعرفهُ الْكَرِيم)
(وَاعْلَم بِأَن الضَّيْف يَوْمًا ... سَوف يحمد أَو يلوم)
(وَلَقَد يكون لَك الْغَرِيب ... أَخا ويقطعك الْحَمِيم)
(مَا يخل من هُوَ للمنون ... وريثها غَرَض رَحِيم)
(وَيرى الْقُرُون أَمَامه ... همدوا كَمَا همد الهشيم)
(وتخرب الدُّنْيَا فَلَا ... بؤس يَدُوم وَلَا نعيم)
[403]
وَأنْشد الْحجَّاج يَوْمًا قَوْله
(فَمَا مِنْك الشَّبَاب وَلست مِنْهُ ... إِذا سَأَلتك لحيتك الخضابا)
(وَمَا يَرْجُو الْكَبِير من الغواني ... إِذا ذهبت شبيبته وشابا)
فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج فضحتنا عِنْد النِّسَاء
وَمن شعره أَيْضا
(وَمَا فضل من خابت سَرَايَا عداته ... وَمن هُوَ أَن طالبته الْوَعْد ماطله)
(أماني ترجى مِثْلَمَا رَاح عَارض ... من المزن لَا تندى حسان فحايله)
49 - أَبُو التياح يزِيد بن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ أحد الْعلمَاء الزهاد روى عَن أنس ومطرف بن عبد وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَعبد الله بن(28/46)
الْحَارِث بن نَوْفَل وَجَمَاعَة
كَانَ يضبب أَسْنَانه بِالذَّهَب
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَبُو التياح ثَبت ثِقَة وثقة
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وروى عَنهُ الْجَمَاعَة كلهم [404]
50 - ابْن قسحم الصَّحَابِيّ يزِيد بن الْحَارِث بن قيس بن مَالك بن أَحْمد بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا وَقتل شَهِيدا يَوْمئِذٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن قسحم
51 - قَاضِي دمشق يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مَالك قَاضِي دمشق روى عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَأنس بن مَالك وَجبير بن نفير وَسَعِيد بن الْمسيب وخَالِد بن معدان وَعَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ مُرْسلا
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة [406]
وَقيل هُوَ قسحم قَتله طعيمة بن عدي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخى بَينه وَبَين ذِي الشمالين [405](28/47)
52 - الْأَزْدِيّ الْأَمِير يزِيد بن حَاتِم بنقبيصة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة هُوَ أَبُو خَالِد أَخُو روح بن حَاتِم الْأَزْدِيّ متولى أفريقية توفّي سنة سبعين وَمِائَة
وَقد تقدم ذكر أَخِيه روح فِي حرف الْيَاء مَكَانَهُ وَسَيَأْتِي ذكر عَم أَبِيه يزِيد بن الْمُهلب مَكَانَهُ وَمن ولد يزِيد بن حَاتِم هَذَا الْوَزير أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد المهلبي وهم أهل بَيت كَبِير اجْتمع فِيهِ خلق من الأمجاد الأنجاد النجباء
ولاه الْمَنْصُور مصر بَدَلا عَن نَوْفَل بن الْفُرَات سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة ثمَّ عَزله عَنْهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين مائَة وَجعل مَكَانَهُ مجد بن سعيد ثمَّ إِن الْمَنْصُور خرج إِلَى زِيَارَة الْبَيْت الْمُقَدّس سنة أَربع وَخمسين وَمن هُنَاكَ سير يزِيد إِلَى أفريقية لِحَرْب الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَامله عمر بن حَفْص وجهز مَعَه خمسين ألف مقَاتل فوصل إِلَيْهَا سنة خمس وَخمسين وَأقَام بهَا واليا بَعْدَمَا استظهر فِي حربه وَكَانَ جوادا ممدحا ثريا قَصده جمَاعَة من الشُّعَرَاء وامتدحوه فَأحْسن جوائزهم
وَكَانَ أَبُو أُسَامَة ربيعَة بن ثَابت الْأَسدي الرقي قد قصد يزِيد بن(28/48)
أسيد بن رامز بن أَسمَاء بن أسيد بن منقذ بن جَابر بن منقذ بن مَالك بن عَوْف بن امْرِئ الْقَيْس بن نهبة بن سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن قيس بن عَلان بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَال على أرمينية للمنصور ثمَّ لوَلَده الْمهْدي بِشعر أجاده فقصر فِي حَقه ومدح يزِيد بن حَاتِم هَذَا فَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ فَقَالَ ربيعَة الْمَذْكُور
(حَلَفت يَمِينا غير ذِي مثنوية ... يَمِين أمرئ آلى بهَا غير آثم)
(لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليم والأعز ابْن حَاتِم)
(يزِيد سليم سَالم المَال والفتى ... أَخُو الأزد للأموال غير مسالم)
(فهم الْفَتى الْأَزْدِيّ إِتْلَاف مَاله ... وهم الْفَتى الْقَيْسِي جمع الدَّرَاهِم)
[407]
وَهِي أَبْيَات طَوِيلَة
وَمن أمداح ابْن الْمولى فِيهِ قَوْله
(وَإِذا تبَاع كَرِيمَة أَو تشترى ... فسواك بَايَعَهَا وَأَنت المُشْتَرِي)
(وَإِذا تخيل من سحابك لامع ... تبِعت مخيلته يَد المستمطر)
(وَإِذا صنعت أتممتها ... بيديك لَيْسَ نداهما بمكدر)
(وَإِذا الفوارس عددت أبطالها ... عَدوك فِي أبطالهم بالخنصر)
وَلما قدم عَلَيْهِ ابْن الْمولى وَهُوَ أَمِير مصر أنْشدهُ
(يَا وَاحِد الْعَرَب الَّذِي ... أضحى وَلَيْسَ لَهُ نَظِير)
(لَو كَانَ مثلك آخر مَا كَانَ ... فِي الدُّنْيَا فَقير)(28/49)
فَدَعَا يزِيد بخازنه فَقَالَ كم فِي بَيت المَال
فَقَالَ فِيهِ من الْوَرق وَالْعين مَا مبلغه عشرُون ألف دِينَار
فَقَالَ ادفعها إِلَيْهِ
ثمَّ قَالَ يَا أخي المعذرة إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَيْك لَو أَن فِي ملكي غَيرهَا لما ادخرته عَنْك [408]
53 - أَبُو رَجَاء الْفَقِيه يزِيد بن أبي حبيب الْفَقِيه أَبُو رَجَاء الْأَزْدِيّ مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ أحد الْأَعْلَام وَشَيخ تِلْكَ النَّاحِيَة
روى عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء وَأبي الطُّفَيْل وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حنين وَسَعِيد بن أبي هِنْد وعراك بن مَالك وَعلي بن رَبَاح
كَانَت الْبيعَة إِذا جَاءَت لخليفة أول من يُبَايع عبد الله ثمَّ يزِيد هَذَا ثمَّ النَّاس(28/50)
توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
54 - أَبُو زِيَاد الْأَعرَابِي يزِيد بن الْحر الْكلابِي أَبُو زِيَاد الْأَعرَابِي قدم بَغْدَاد من الْبَادِيَة أَيَّام الْمهْدي لأمر أصَاب قومه فَأَقَامَ بِبَغْدَاد أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد يجْرِي عَلَيْهِ كل يَوْم رغيفا ثمَّ قطعه فَقَالَ أَبُو زِيَاد فِي ذَلِك
(فَإِن يقطع الْعَبَّاس عني رغيفه ... فَمَا فاتنا من نعْمَة الله أَكثر)
وَمن شعره أَيْضا
(أَرَاك إِلَى كُثْبَان بيرين شيقا ... وَهَذَا لعمري لَو قنعت كثيب)
(فَأَيْنَ الْأَرَاك الْآن والأيك والغضى ... ومستخبر عَمَّن أحب قريب)
صنف أَبُو زِيَاد هَذَا كتاب النَّوَادِر وَهُوَ كتاب كَبِير فِي هَذَا النَّوْع فِيهِ فَوَائِد كَثِيرَة
قَالَ الصاحب جمال الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن القفطي رَأَيْت مِنْهُ بعض نسخه مِنْهَا المجلد الثَّالِث عشر وَهُوَ آخر الْكتاب وَكَانَ بِخَط مأنوسه معلم ابْن مقلة ووراقهم قلت وَله كتاب الْفرق وَكتاب الْإِبِل وَكتاب خلق الْإِنْسَان وَقيل فِيهِ يزِيد بن عبد الله بن الْحر [409]
55 - الْأَمِير الْحِمصِي يزِيد بن حُصَيْن السكونِي الْحِمصِي
من أَشْرَاف الْعَرَب سمع أَبَاهُ وروى عَن معَاذ بن جبل وَكَانَ من أُمَرَاء مَرْوَان بن الحكم وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَمِائَة(28/51)
56 - الْحَرَشِي يزِيد بن الْحر بن عبد الرَّحْمَن بن الشخير الْحَرَشِي أحد بني وقدان كَانَ شَاعِرًا مَذْكُورا
فَمن قَوْله لسَعِيد بن عَمْرو الْحَرَشِي بخراسان
(مَا زَالَ مذ بعث النَّبِي مُحَمَّد ... شهب توقد من بني وقدان)
(إِلَّا لنضرب بِالسُّيُوفِ عدونا ... ضرب الصقور جماجم الْغرْبَان)
(منا سعيد هَل يجود بِمثلِهِ ... أَو من يعادله إِلَى عُثْمَان)
يَعْنِي عُثْمَان بن عبد الله بن مطرف بن الشخير الْحَرَشِي [410]
57 - التركي الرافضي يزدن التركي كَانَ من أُمَرَاء الدولة بِبَغْدَاد وَكَانَ شِيعِيًّا غاليا متعصبا ينشر الرَّفْض بِسَبَبِهِ وتأذى بِهِ أهل السّنة توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
قيل عَن المستنجد أَو غَيره من الْخُلَفَاء كَانَ فِي سفر ولحقه ابْنه بِهِ فَرَآهُ وَهُوَ على حَالَة شاقة فَقَالَ لَهُ أَبوهُ مَا بك
قَالَ إِنَّنِي هَلَكت عطشا وَكَانَ الغلمان قد أبعدوا عني
قَالَ لَهُ أَبوهُ فَمَا هَذَا الَّذِي فِي فمك تلوكه
قَالَ يزدن دفع إِلَيّ خَاتمًا عَلَيْهِ مَكْتُوب اسْم الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر زعم أَنه يقطع الْعَطش
فَقَالَ لَهُ أَبوهُ ارْمِ بِهِ يُرِيد يزدن يجعلك رَافِضِيًّا يَا بني سيد هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر هُوَ الْحُسَيْن وَقد مَاتَ من شدَّة الْعَطش [411](28/52)
58 - الصفار يَعْقُوب بن اللَّيْث أَبُو يُوسُف الصفار قد أَكثر أهل التواريخ من ذَلِك هَذَا الرجل وَذكر أَخِيه عَمْرو وَمَا ملكا من الْبِلَاد وقتلا من الْعباد وَمَا جرى للخلفاء مِنْهُمَا من الوقائع وَقد تقدم ذكر أَخِيه عَمْرو فِي مَكَانَهُ من حرف الْعين
كَانَ يَعْقُوب هَذَا وَأَخُوهُ يعملان الصفر وَهُوَ النّحاس فِي حداثتهما وَكَانَا يظهران الزّهْد وَكَانَ رجل من أهل سجستان مَشْهُورا بالتطوع فِي قتال الْخَوَارِج يُقَال لَهُ صَالح بن البطر الْكِنَانِي المطوعي من أهل بست فصحباه وحظيا بِهِ فقتلت الْخَوَارِج الشراة عمرا أَخا يقعوب هَذَا وَأقَام صَالح الْمَذْكُور يَعْقُوب هَذَا مقَام الْخَلِيفَة ثمَّ هلك صَالح فَتَوَلّى مَكَانَهُ دِرْهَم بن الْحُسَيْن من المطوعة أَيْضا فَصَارَ يَعْقُوب مَعَه كَمَا كَانَ مَعَ صَالح ثمَّ إِن صَاحب خُرَاسَان احتال لدرهم حَتَّى ظفر بِهِ وَحمله إِلَى بَغْدَاد فحبس ثمَّ أطلق خدم السُّلْطَان ثمَّ لزم بَيته يظْهر النّسك وَالْحج والاقتصاد حَتَّى غلط أَمر يَعْقُوب وَكَانَ دِرْهَم هَذَا غير ضَابِط لأمور عسكره وَكَانَ يَعْقُوب قَائِد عسكره فَلَمَّا رأى أَصْحَاب دِرْهَم ضعفه وعجزه اجْتَمعُوا على يَعْقُوب وملكوه أَمرهم لما رَأَوْا من حسن تَدْبيره وسياسته وقيامه بأمرهم فَلَمَّا تبين دِرْهَم ذَلِك لم ينازعه وَسلمهُ الْأَمر وقويت شَوْكَة يَعْقُوب وَحَارب الْخَوَارِج وظفر بهم وأفناهم وأحرق ضياعهم وَغلب على سجستان وهراة(28/53)
وبوشنج وَمَا والاهما [412]
وَكَانَت التّرْك بتخوم سجستان وملكهم رتبيل وَيُسمى هَذَا الْقَبِيل من التّرْك الدراري فحضه أهل سجستان على قِتَالهمْ وَقَالُوا هَؤُلَاءِ أضرّ من الشراة الْخَوَارِج وَأوجب محاربة فغزا التّرْك وَقتل رتبيل ملكهم وَثَلَاثَة من مُلُوكهمْ بعد وكل مُلُوكهمْ يسمون رتبيل وَانْصَرف يَعْقُوب إِلَى سجستان وَقد حمل رُؤُوس مُلُوكهمْ وألوفا من رؤوسهم فخافته الْمُلُوك الَّذين حوله من مُلُوك السَّنَد الرخح ومكر والمولتان والطبسين وزابلستان وَغَيرهم
وَقصد هراة وبوشنج سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وأمير خُرَاسَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الْخُزَاعِيّ وعامله عَلَيْهَا مُحَمَّد بن أَوْس الْأَنْبَارِي فحاربه ثمَّ انهزم ابْن أَوْس وَدخل يَعْقُوب بوشنج وهراة وصارتا فِي يَده وظفر من الطاهرية فحملهم إِلَى سجستان فَوجه إِلَيْهِ المعتز كتابا فيهم على يَد بلعم بن الشّعب فَأَطْلَقَهُمْ
وَأول مَا جَاءَ إِلَيْهِ وَهُوَ بزرنج دخل عَلَيْهِ بعد الْإِذْن فَدخل وَلم يسلم عَلَيْهِ وَجلسَ بَين يَدي يَعْقُوب لفر أمره وَدفع كتاب المعتز إِلَيْهِ فَلَمَّا أَخذه قَالَ لَهُ قبل كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلم يقبله وفضه فتراجع بلعم الْقَهْقَرَى(28/54)
إِلَى بَاب الْمجْلس وَقَالَ أَيهَا الْأَمِير سَلام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فأعجبه ذَلِك وَأحسن مثواه وُصُوله وَأطلق الطاهرية وَأرْسل إِلَى المعتز هَدِيَّة سنية من بَعْضهَا مَسْجِد فضَّة مخلع يُصَلِّي فِيهِ خمس عشر وَسَأَلَ أَن يعْطى بِلَاد فَارس ويقرر عَلَيْهِ خَمْسَة عشر ألف ألف دِرْهَم إِلَى أَن يتَوَلَّى أَخُو [413] عَليّ بن الْحُسَيْن بن قُرَيْش وَكَانَ على فَارس
ثمَّ إِنَّه توجه بعد كِتَابه إِلَى المعتز يُرِيد كرمان وَكَانَ بهَا الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن بن قُرَيْش أَخُو عَليّ بن الْحُسَيْن الْمَذْكُور وَمَعَهُ أَحْمد بن اللَّيْث الْكرْدِي فَأَقَامَ يَعْقُوب على بِمَ وَهِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا مِيم مُخَفّفَة وَقدم أَخَاهُ عَليّ بن اللَّيْث إِلَى السيرجان بِالسِّين المهمة الْمَكْسُورَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَرَاء وجيم وَألف وَنون وَضم إِلَيْهِ جمَاعَة فَرد أَحْمد بن اللَّيْث الْكرْدِي من الطَّرِيق فِي جمع كثير من الأكراد وَغَيرهم وظفر أَحْمد بن اللَّيْث بِجَمَاعَة من أَصْحَاب يَعْقُوب يطْلبُونَ الْعلف فَقَتلهُمْ وهرب مِنْهُم جمَاعَة وَوجه برؤوس الْقَتْلَى إِلَى فَارس وَنصب عَليّ بن الْحُسَيْن رؤوسهم فَبلغ الْخَبَر يَعْقُوب فَدخل كرمان فندب لَهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وطوق بن الْمُغلس فِي جمَاعَة فَجهز إِلَه طوق يَقُول لَهُ أَنْت بِعَمَل الصفر اعْلَم مِنْك بالحروب فَعظم عله ذَلِك فجد فِي قِتَاله فانتصر عَلَيْهِ وَقتل يَعْقُوب فِي هَذِه الْوَاقِعَة ألفي رجل وَأسر ألفا وَأسر طوق بن الْمُغلس وَقَيده بِقَيْد خَفِيف ووسع عَلَيْهِ فِي(28/55)
مطعمه وَغَيره واستخرج من الْأَمْوَال ورحل يَعْقُوب وَدخل فَارس فَخَنْدَق عَليّ بن الْحُسَيْن على نَفسه بشيراز وَكتب إِلَى يَعْقُوب أَن طوق بن الْمُغلس فعل مَا فعل بِغَيْر أَمْرِي وَقَالَ إِن كنت تطلب كرمان فقد تركتهَا وَرَاءَك وَإِن كنت بِطَلَب فَارس فكتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِتَسْلِيم الْعَمَل إِلَيْك لأنصرف فَقَالَ إِن معي كتابا وَلَا أدفعه إِلَيْك إِلَّا بعد دخولي الْبَلَد فاعتد أهل شيراز لحصاره وترددت المراسلات بَينهمَا وتطاولت [414] وتزاحف الْفَرِيقَانِ فحملوا حَملَة وَاحِدَة فأزاح أَصْحَاب يَعْقُوب أَصْحَاب عَليّ بن الْحُسَيْن عَن مواضعهم وصدقت المجالدة فَانْهَزَمُوا على وُجُوههم وَقتل مِنْهُم مِقْدَار خَمْسَة آلَاف
وأصابت عَليّ بن الْحُسَيْن ثَلَاث ضربات واعتورته سيوف أَصْحَاب يَعْقُوب وَسقط عَن دَابَّته فأرادوا قَتله فَقَالَ أَنا عَليّ بن الْحُسَيْن فقادوه بعمامته إِلَى يَعْقُوب فقنعه عشرَة أسواط بِيَدِهِ وَأخذ حَاجِبه بلحيته فنتف أكرها وَقَيده قيدا فِيهِ عشرُون رطلا وصيره مَعَ طوق بن الْمُغلس فِي الْخَيْمَة
وَصَارَ يَعْقُوب من فوره إِلَى شيراز والطبول بَين يَدَيْهِ ونادى بالأمان فِي أهل شيراز وَأَن الذِّمَّة بَرِئت من آوى كتاب عَليّ بن الْحُسَيْن وَحَضَرت الْجُمُعَة فَدَعَا للْإِمَام المعتز وَلم يدع لنَفسِهِ وَحمل إِلَى يَعْقُوب من منزل إِلَى ابْن الْحُسَيْن أَرْبَعمِائَة بدرة وَقيل أَخذ مِنْهُ ألف بدرة وعذب يَعْقُوب عليا أنواعا من الْعَذَاب أنثييه وَشد الجوزتين على صدغيه وَزَاد قَيده عشْرين رطلا أُخْرَى فدلهم على مَوضِع فِي دَاره فَأخذُوا مِنْهُ مَالا كثيرا وجواهر(28/56)
فألح عَلَيْهِ الْعَذَاب وَقَالَ لَا بُد لي من ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فخلط ووسوس من شدَّة الْعَذَاب وارتحل يَعْقُوب إِلَى بِلَاده وَحمل مَعَه عليا وطوقا وَلما بلغ كرمان ألبسهما الثِّيَاب المصبغة وقنعهما بمقانع ونادى عَلَيْهِمَا وحبسهما
وَمضى إِلَى سجستان وخلع المعتز بِاللَّه وَتَوَلَّى الْمُهْتَدي وخلع وبويع الْمُعْتَمد
وَصَارَ للصفار فِي خلَافَة الْمُهْتَدي كثير أَمر بل كَانَ يَغْزُو ويحارب من يَلِيهِ من الْمُلُوك بسجستان [415] وأعمالها
وَعَاد يَعْقُوب إِلَى بِلَاد فَارس وجنى غلاتها وَرجع بِنَحْوِ من ثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم قَامَ بهَا غَلَبَة عَلَيْهَا وَلَو أمكن الْخَلِيفَة لصرفه عَنْهَا ثمَّ إِن يَعْقُوب دخل بَلخ ثمَّ دخل نيسابور وَخرج مِنْهَا وَمَعَهُ مُحَمَّد بن طَاهِر مُقَيّد فِي نَيف وَسِتِّينَ من أَهله
وَتوجه لجرجان للقاء الْحسن بن زيد الْعلوِي أَمِير طبرستان(28/57)
وجرجان وتلاقيا وَتقدم يَعْقُوب أَصْحَابه فَهزمَ الْحسن بن زيد وَأَصْحَابه وَفَاته الْحسن بن زيد وَأخذ يَعْقُوب مِمَّا كَانَ مَعَه ثَلَاثمِائَة وقر جمل مَالا أَكْثَرهَا وظفر بِجَمَاعَة من آل أبي طَالب فأساء إِلَيْهِم وأسرهم وَكَانَت الْوَقْعَة فِي رَجَب سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
ثمَّ إِن يَعْقُوب دخل آمل وَهِي كرْسِي طبرستان وَخرج مِنْهَا فِي طلب الْحسن بن زيد وَلم يرحل إِلَّا مرحلة وَاحِدَة حَتَّى بلغه أَن الْحُسَيْن بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر قد حل بمرو والروذ وَمَعَهُ صَاحب خوارزم فِي ألفي تركي فانزعج يَعْقُوب وَرجع يُرِيد جرجان فَلحقه الْحسن بن زيد من نَاحيَة الْبَحْر فِيمَن اجْتمع إِلَيْهِ من الديلم وَالْجِبَال وطبرستان فشعث من يَعْقُوب وَقتل من لحق من أَصْحَابه فَانْهَزَمَ يَعْقُوب إِلَى جرجان فَجَاءَت زَلْزَلَة عَظِيمَة قتلت من أَصْحَابه أَلفَيْنِ وعادت طبرستان إِلَى الْحسن بن زيد
وأقم يَعْقُوب بجرجان يعسف أَهلهَا بالخراج وَيَأْخُذ الْأَمْوَال وأقامت الزلزلة ثَلَاثَة أَيَّام فَتوجه جمَاعَة إِلَى بَغْدَاد فسئلوا عَن يَعْقُوب فذكروه بالجبروت والسف فعزم الْخَلِيفَة على النهوض إِلَيْهِ واستعد لذَلِك وشغب(28/58)
النَّاس عَلَيْهِ وَكتب [416] ثَلَاثُونَ نُسْخَة وَدفع إِلَى كل وَالِي كورة نُسْخَة لترتفع الْأَخْبَار بغضب الْخَلِيفَة على يَعْقُوب
ونمى الْخَبَر إِلَى يَعْقُوب فَرجع إِلَى نيسابور وأساء إِلَى أَهلهَا بِأخذ الْأَمْوَال ثمَّ إِنَّه وصل عَسْكَر كرم وَكَاتب الْخَلِيفَة وَسَأَلَهُ أَن يوليه خُرَاسَان وبلاد فَارس وَمَا كَانَ مَضْمُونا إِلَى الْحُسَيْن من الكور وشرطتي بَغْدَاد وسر من رأى وَأَن يعْقد لَهُ طبرستان وجرجان والري وأذربيجان وقزوين وَأَن يعْقد لَهُ على كرمان وسجستان والسند وَأَن يحضر من قُرِئت عَلَيْهِ الْكتب الأولى فِي حَقه وَيبْطل حكم تِلْكَ الْكتب هَذَا الْكتاب
فَفعل ذَلِك الْمُوفق أَبُو أَحْمد طَلْحَة وَهُوَ وأجابه إِلَى مَا طلب وَكَانَت الْأُمُور كلهَا رَاجِعَة إِلَى الْمُوفق واضطربت الموَالِي بسر من رأى ثمَّ إِن يَعْقُوب لم يلْتَفت إِلَى هَذِه الْإِجَابَة وَدخل السوس وعزم على محاربة الْمُعْتَمد وتأهب الْمُعْتَمد وَتقدم الصفار وَتقدم جَيش(28/59)
الْخَلِيفَة ودعا الْخَلِيفَة بِبرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقضيبه وَأخذ الْقوس ليَكُون أول من رمى وَلعن الصفار فطابت أنفس الموَالِي وَحكم أَن الصفار خشنج وَهُوَ من الموَالِي وَقَالَ لأَصْحَاب الصفار يَا أهل الصفار يَا أهل خُرَاسَان وسجستان مَا عرفناكم إِلَّا بِطَاعَة السُّلْطَان وتلاوة الْقُرْآن وَحج الْبَيْت وَإِن دينكُمْ لَا يتم إِلَّا بِطَاعَة الإِمَام وَمَا نشَاء إِن هَذَا المعلون قد موه عَلَيْكُم
وَقَالَ إِن السُّلْطَان قد كتب إِلَيْهِ بالحضور وَهَذَا السُّلْطَان قد خرج لمحاربته فَمن أقرّ مِنْكُم بِالْحَقِّ وَتمسك بِدِينِهِ وبشرائع الْإِسْلَام فيلتفرد عَنهُ أَو كَانَ شاقا للعصا مُحَاربًا للسُّلْطَان فَلم يُجِيبُوهُ عَن كَلَامه وَكَانَ هَذَا خشنج شجاعا
ووقف الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ وَإِلَى جَانب ركابه مُحَمَّد بن خَالِد بن يزِيد بن مزِيد بن زَائِدَة الغساني ووقف مَعَه جمَاعَة من أهل الْبَأْس والنجدة وَتقدم بَين يَدَيْهِ الرُّمَاة بالنشاب وكشف أَخُوهُ الْمُوفق رَأسه وَقَالَ أَنا الْغُلَام الْهَاشِمِي وَحمل على أَصْحَاب الصفار وَقتل بَين الطَّائِفَتَيْنِ خلق كثير
فَلَمَّا رأى الصفار ذَلِك ولى رَاجعا وَترك أَمْوَاله وخزائنه وذخائره وَمر على وَجهه وَقيل إِن عسكره كَانَ ميلًا فِي ميل فَلم تتبعه العساكر وَمَا أفلت رجل من أَصْحَابه إِلَّا بِسَهْم أَصَابَهُ وأدركهم اللَّيْل فتساقطوا فِي الْأَنْهَار لازدحامهم وَثقل الجراج بهم
وَجَاء أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن طَاهِر أَمِير خُرَاسَان وَهُوَ فِي قَيده ففك قَيده وخلع عَلَيْهِ خلعة سلطانية ثمَّ وَردت كتب الصفار إِلَى الْخَلِيفَة بِأَنَّهُ لم تجئ إِلَّا خدمَة للخليفة والتشرف بالمثول بَين يَدَيْهِ وَالنَّظَر إِلَيْهِ وَأَن يَمُوت تَحت ركابه فَلم يقبل عَلَيْهَا
وَمضى الصفار مُنْهَزِمًا إِلَى وَاسِط يتخطف أَصْحَابه أهل الْقرى يَأْخُذُونَ دوابههم وأسلحتهم ثمَّ عَاد الصفار إِلَى السوس وجبى الْأَمْوَال وَقصد(28/60)
تستر وحاصرها وَأَخذهَا ورتب فِيهَا نَائِبا وَكثر جمعه ثمَّ رَحل إِلَى فَارس
ثمَّ إِنَّه ورد الْخَبَر بِمَوْت الصفار يَوْم الثُّلَاثَاء لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَقيل إِنَّه أَصَابَهُ القولنج فَأَشَارَ عَلَيْهِ الطَّبِيب بالحقنة فَلم يقبل وَمَات بجنديسابور يُقَال سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَتَبُوا على قَبره
(ملكت خراسانا وأكتاف فَارس ... وَمَا كنت من ملك الْعرَاق بآيس)
[461]
(سَلام على الدنا وَطيب نسيمها ... كَأَن لم يكن يَعْقُوب فِيهَا بجالس)
وَقيل توفّي بالأهواز وَحمل تابوته إِلَى جنديسابور وَدفن بهَا وَكتب على قربه هَذَا قبر يَعْقُوب الْمِسْكِين وَكتب بعده
(أَحْسَنت ظَنك بِالْأَيَّامِ إِذْ حسنت ... وَلنْ تخف سوء مَا يَأْتِي بِهِ الْقدر)
(وسالمتك اللَّيَالِي فاغتررت بهَا ... وَعند صفو اللَّيَالِي يحدث الكدر)
وَكَانَ الْحسن بن زيد الْعلوِي يُسمى يَعْقُوب الصفار السندان لثباته وَكَانَ قَلما يرى مُبْتَسِمًا وَكَانَ عَاقِلا حازما
وَكَانَ يَقُول كل من عاشرته أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم تعرف أخلاقه لَا تعرفها فِي أَرْبَعِينَ سنة
وَوجد فِي بيُوت أَمْوَاله من الْعين أَرْبَعَة آلَاف ألف دِينَار وَمن الْوَرق خَمْسُونَ ألف ألف دِرْهَم
وَولي بعده أَخُوهُ عَمْرو وَقدم ذكره فِي مَكَانَهُ وَملك بعده حفيده طَاهِر ابْن مُحَمَّد بن عمر بن اللَّيْث ثمَّ بعده اللَّيْث بن عَليّ بن اللَّيْث ثمَّ(28/61)
المعذل بن عَليّ بن اللَّيْث ثمَّ ملك مَوْلَاهُم سك الْيَشْكُرِي ثمَّ حمل إِلَى بَغْدَاد وَانْقَضَت دولة الصفارية وَقد تقدم ذكر كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِي مَكَانَهُ من هَذَا الْكتاب
59 - الْمُوفق الطَّبِيب يَعْقُوب بن سقلاب الْمُوفق النَّصْرَانِي الطَّبِيب
ولد بالقدس وَقَرَأَ على رَاهِب فيلسوف كَانَ يعرف الْعلم الطبيعي والهندسة والحساب وَالْأَحْكَام النجومية وَاجْتمعَ بالشيخ أبي مَنْصُور النَّصْرَانِي الطَّبِيب واشتغل عَلَيْهِ وَقدم دمشق وخدم الْمُعظم فَكَانَ يعظمه ويحترمه وَأَرَادَ أَن يُبَاشر لَهُ شَيْئا فِي الدولة فَامْتنعَ
وَكَانَ قد حصل لَهُ نقرس فَكَانَ يُسَافر مَعَ الْمُعظم فِي محفة وَقَالَ لَهُ يَوْمًا يَا حَكِيم مَا تداوي رجليك
فَقَالَ يَا خوند الْخشب إِذا سوس مَا يبْقى فِيهِ حلية
وَكَانَ لَا يتَكَلَّم فِي الطِّبّ وَلَا يبْحَث فِي شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِكَلَام جالينوس وَإنَّهُ كَانَ يستحضر من كَلَامه شَيْئا كثيرا وَقَرَأَ ابْن حليقة عَلَيْهِ وَهُوَ شَيْخه وَلما مَاتَ الْمُعظم وَولي النَّاصِر دَاوُد بعده دخل إِلَى الْحَكِيم الْمُوفق ودعا لَهُ وَذكر قديم صحبته وسالف خدمته وأنشده
(أتيتكم وجلابيب الصبى قشب ... وَكَيف أرحل عَنْكُم وَهِي أسمال)
(لي حُرْمَة الضَّيْف وَالْجَار الْقَدِيم ... وَمن أَتَاكُم وكهول الْحَيّ أَطْفَال)(28/62)
فَأمر أَن يجْرِي عَلَيْهِ جَمِيع مَا كَانَ لَهُ فِي أَيَّام وَالِده وَأَن يُعْفَى من الْخدمَة
وَكَانَ الْحَكِيم الْمُوفق يعالج الْمَرَض حَتَّى يستقصي جَمِيع أعراضه وأسبابه استقصاء بليغا وَبعد ذَلِك يشرع فِي العلاج
وَهُوَ وَالِد السديد أبي مَنْصُور وَتُوفِّي الْمُوفق فِي عيد الفصح لِلنَّصَارَى فِي شهر الآخر سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة [418]
60 - المريني يَعْقُوب بن عبد الْحق أَبُو يُوسُف المريني سُلْطَان الْمغرب وَسيد آل مرين
كَانَ شجاعا مقداما مهيبا خرج على الواثق أبي دبوس والتقاه بِظَاهِر مراكش وتملك هَذَا فِي أول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَدخل الأندلس وَملك الجزيرة واتسعت ممالكه وخافته الْمُلُوك
وَتُوفِّي فِي الْمحرم فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
61 - ابْن الْأَشَج يَعْقُوب بن عبد الله بن الْأَشَج أَبُو يُوسُف [419]
روى عَن أبي أُمَامَة سهل بن حنيف وَسَعِيد بن الْمسيب وكريب وَأبي صَالح السمان(28/63)
وَكَانَ صَدُوقًا قتل فِي الْبَحْر شَهِيدا وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَة
وروى لَهُ مُسلم والتِّرمذي وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
62 - الْأَشْعَرِيّ يَعْقُوب بن عبد الله بن سعد بن مَالك بن هَانِيء الْأَشْعَرِيّ من عُلَمَاء الْعَجم
قَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ الدراقطني لَيْسَ بِالْقَوِيّ وعلق لَهُ البُخَارِيّ
وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَالْمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة [420]
63 - الحاسب الشَّاعِر يَعْقُوب بن عبد الله الحاسب الشَّاعِر قَالَ القَاضِي يحيى بن الْقَاسِم التكريتي وَمِمَّنْ مدح عمي القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن من الشُّعَرَاء يَعْقُوب بن عبد الله الحاسب الْبَغْدَادِيّ
(تمنيت أَن ألْقى من النَّاس عَالما ... كريم الْمحيا فِي ثِيَاب حَيَاء)(28/64)
(فَمَا كَانَ حَتَّى الْيَوْم ذَاك وَإِنَّمَا ... على علم الدّين اسْتَقل مناء)
فَأَجَازَهُ وأجابه خلف وقعته
(أَبَا يُوسُف أثنيت مَا أَنْت أَهله ... فهاك ثَنَاء وافرا بثناء)
(وَهل تبتغي بالشعر من عَالم بِهِ ... سوى الشّعْر فاسأل سَائِر الشُّعَرَاء)
(وحاشاك تستندي سوا ذَاك من ... ندى وَأَيْنَ الندى من حِرْفَة الْفُقَرَاء)
[421]
64 - شرف الدّين ابْن مزهر يَعْقُوب بن مظفر بن مزهر الصاحب شرف الدّين
توفّي سنة أَربع عشرَة وَسَبْعمائة عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة هُوَ أَخُو فَخر الدّين أَحْمد بن مظفر بن مزهر وَقد تقدم ذكر أَخِيه الْمَذْكُور فِي الأحمدين مَكَانَهُ
وَكَانَت وَفَاة شرف الدّين بحلب ومولده سنة ثَمَان وعشين وسِتمِائَة بنابلس كَانَ من أَشْيَاخ الْكتاب المعروفين بالنهضة والكفاءة كثير الْبر بأَهْله وبأقاربه وبمن يلوذ بِهِ بَاشر النّظر بِدِمَشْق وحلب وطرابلس وصفد وَغير ذَلِك من المناصب [422]
65 - اليزيدي يَعْقُوب بن يحيى بن الْمُبَارك بن الْمُغيرَة اليزيدي أَخُو(28/65)
إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَعبد الله وَإِسْحَاق
ذكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم أَن إِسْحَاق وَيَعْقُوب تزهدا وَكُنَّا عَالمين بِالْحَدِيثِ وَمَاتَا بِبَغْدَاد
وَذكر الْخَطِيب أَبُو بكر أباهم يحيى وولديه إِسْمَاعِيل وَعبد الله فِي تَارِيخه [423]
66 - الْمَاجشون يَعْقُوب بن دِينَار أبي سَلمَة وَقيل ابْن مَيْمُون أَبُو يُوسُف الْمَاجشون الْقرشِي التَّيْمِيّ من موَالِي الْمُنْكَدر من أهل الْمَدِينَة
سمع ابْن عمر وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج
وروى عَنهُ ابناه يُوسُف وَعبد الْعَزِيز وَابْن أَخِيه عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة مولى أبي الهدير
كَانَ يَعْقُوب مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِي ولَايَته على الْمَدِينَة يحدثه ويأنس بِهِ فَلَمَّا اسْتخْلف عمر قدم عَلَيْهِ الْمَاجشون فَقَالَ لَهُ إِنَّا تركناك حَيْثُ تركنَا لبس الْخَزّ فَانْصَرف عَنهُ(28/66)
وَكَانَ الْمَاجشون يعين ربيعَة على الرَّأْي على أبي الزِّنَاد لِأَنَّهُ كَانَ معاديا لِرَبِيعَة وَكَانَ يَقُول مثلي وَمثل الْمَاجشون مثل ذِئْب وَكَانَ يلح على أهل قَرْيَة فيأكل صبيانهم فَاجْتمعُوا وَخَرجُوا فِي طلبه فهرب فانقطعوا عَنهُ إِلَّا صَاحب فخار فَإِنَّهُ ألح فِي طلبه فَوقف لَهُ الذِّئْب فَقَالَ هَؤُلَاءِ أعذرتهم فَأَنت مَالِي وَلَك مَا كسرت لَك فخارة قطّ والماجشون مَا كسرت لَهُ كبرا وَلَا بربطا قطّ
وَقَالَ ابْن الْمَاجشون عرج بِروح الْمَاجشون فوضعناه على سَرِير المغتسل فَرَأى عرقا يَتَحَرَّك فِي أَسْفَل قدمه فَأقبل علينا وَقَالَ أرى عرقا يَتَحَرَّك وَلَا أرى أَن أعجل عَلَيْهِ فاعتللنا على النَّاس بِالْأَمر الَّذِي رَأَيْنَاهُ
وَفِي الْغَد جَاءَ النَّاس وَغدا الْغَاسِل إِلَيْهِ فَرَأى الْعرق على حَاله فاعتللنا على النَّاس فَمَكثَ ثَلَاثًا على حَاله ثمَّ اسْتَوَى جَالِسا قَالَ ايتوني بسويق فَأتى بِهِ فشربه فَقيل لَهُ خبرنَا مَا رَأَيْت فَقَالَ نعم عرج بروحي [424] فَصَعدَ بِي الْملك حَتَّى أَتَى بِي سَمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَفتح لَهُ ثمَّ هَكَذَا فِي السَّمَوَات حَتَّى انْتهى بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَقيل لَهُ من مَعَك قَالَ الْمَاجشون
فَقَالَ لَهُ لم لَهُ بعد بَقِي من عمره كَذَا كَذَا سنة وَكَذَا كَذَا شهر وَكَذَا وَكَذَا سَاعَة
ثمَّ هَبَطت فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُم عَن يَمِينه ويساره وَعمر بن عبد الْعَزِيز بَين يَدَيْهِ فَقلت للْملك الَّذِي معي من هَذَا
فَقَالَ هَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز
فَقلت إِنَّه لقريب المقعد من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ إِنَّه عمل بِالْحَقِّ فِي زمن الْجور وإنهما عملا بِالْحَقِّ فِي زمن الْحق(28/67)
وَقد تقدّمت تَرْجَمَة ولد عبد الْملك فِي مَكَانَهُ من حرف الْعين وَتُوفِّي الْمَاجشون أَبُو يُوسُف يَعْقُوب فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك [425]
67 - أَبُو حزرة الْقَاص يَعْقُوب بن مُجَاهِد هُوَ أَبُو حزرة الْمدنِي الْقَاص وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين ومئة فِي قَول [426]
68 - ابْن الْمهْدي يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور عبد الله العباسي
كَانَت فِيهِ سَلامَة وَله أَخْبَار نَوَادِر مَذْكُورَة فِي كتاب الأغاني أَتَاهُ يَوْمًا مولى لَهُ فَقَالَ لَهُ أصلح الله الْأَمِير فُلَانَة بنت مَوْلَاك قد خطبهَا رجل صَالح من قصَّته وَمن حَاله اجْعَل أمرهَا إِلَى من يُزَوّجهَا إِلَى أَن يَأْتِي الله لابنته الْأُخْرَى بِرَجُل آخر
فَقَالَ قد جعلت أمرهَا إِلَيْك وَفِي يدك
فَلَمَّا ولى دَعَاهُ وَقَالَ إِن كنت ترْضى هَذَا الرجل فَزَوجهُ الاثنتين مَعًا
وَكَانَ يخْطر بِبَالِهِ الشَّيْء فيشتهيه فيثبته فِي إحصاء خزائنه فَضَجَّ خازنه من ذَلِك فَكَانَ يثبت الشَّيْء ثمَّ يثبت تَحْتَهُ أَنه لَيْسَ عِنْده وَإِنَّمَا أثْبته ليَكُون ذكره عِنْده إِلَى أَن نملكه فَوجدَ فِي دفتر لَهُ ثَبت ثِيَاب بِعْت مَا فِي الخزانة من الثِّيَاب المتعلم الإسكندرانية الهشامية لَا شَيْء اسْتغْفر الله بل عندنَا مِنْهَا زر من جُبَّة كَانَت للمهدي والفص من الْيَاقُوت الْأَحْمَر الَّتِي من حَالهَا وقصتها كَذَا لَا شَيْء اسْتغْفر الله بل عندنَا درج كَانَ فِيهِ للمهدي خَاتم هَذِه صفته(28/68)
فَحمل إِلَى الْمَأْمُون ذَلِك الدفتر فَضَحِك لما قَرَأَهُ حَتَّى فحص برجليه وَقَالَ مَا سَمِعت بِمثل هَذَا
وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا يقدر أَن يمسك الْفساد إِذا جاه فتخذت لَهُ داية لَهُ مُثَلّثَة فطيبتها وتأنقت فِيهَا فَلَمَّا وَضَعتهَا تَحْتَهُ فسا فَقَالَ هَذِه لَيست بِطيبَة
فَقَالَت لَهُ الداية [427] فديتك هَذِه قد كَانَت طيبَة وَهِي مُثَلّثَة فَلَمَّا ربعتها أَنْت فَسدتْ
وَقيل إِن الْمَأْمُون كَانَ يَوْمًا على الْمِنْبَر يخْطب بالرصافة وَأَخُوهُ أَبُو عِيسَى تِلْقَاء وَجهه إِذا أقبل يَعْقُوب بن الْمهْدي فَلَمَّا أقبل وضع أَبُو عِيسَى كمه على أَنفه وَفهم الْمَأْمُون مَا أَرَادَ وَكَانَ يضْحك وَلما انْصَرف بعث إِلَى أبي عِيسَى فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ وَالله هَمَمْت أَن أبطحك فأضربك مائَة درة وَيلك أردْت أَن تفضحني بَين أَيدي النَّاس يَوْم جُمُعَة وَأَنا على الْمِنْبَر يَوْم جُمُعَة إياك أَن تعود لمثلهَا [428]
69 - التمار يَعْقُوب بن يزِيد التمار أَبُو يُوسُف الشَّاعِر
كَانَ طريفا لَهُ بسر من رأى للسُّلْطَان عَلَيْهَا فِي كل نجم سَبْعُونَ درهما والنجم شَهْرَان فَقَالَ
(يَا رب لَا فَرح مِمَّا أكابده ... بسر من را على عسري وإقتاري)
(أَلا رَاحَة قبل وَقت الْمَوْت تدركني ... فيستريح فؤاد غير صبار)
(فقد شيبت مفرقي سَبْعُونَ تلزمني ... فِي منزلي وضح من نقد قسطار)
(أخالها قبل فتح النَّجْم وافية ... وَلَو تعيّنت دِينَارا بِدِينَار)(28/69)
(يطول همي وأحزاني إِذا فتحُوا ... نجما وأبكي بدمع مُسبل جَار)
(أَمُوت فِي كل يَوْم موتَة فَإِذا ... لَاحَ الْهلَال فمنشور بمنشار)
(تَغْدُو عَليّ وُجُوه من مغاربة ... كَأَنَّمَا طليت بالزفت والقار)
(تَغْدُو عَليّ وُجُوه من مغاربة ... كَأَنَّمَا طليت بالزفت والقار)
(إِذا تغيبت عَنْهُم سَاعَة كسروا ... بَابي بارزبة أَو فأس نجار)
(وَإِن ظَهرت فَقلع الْبَاب أيسره ... وَالْحَبْس إِن لم تغثني رقة الْجَار)
(فَإِن أعَان بقرض كف أَيْديهم ... أَولا فَإِنِّي غَدا من كسوتي عَار)
(سل الْمُنَادِي الَّذِي نَادَى على سَلبِي ... كم جهد مَا بلغت فِي السُّوق أطماري)
(إِن قيل عِنْد وفاتي أوص قلت لَهُم ... شهِدت أَن إلهي الْخَالِق الْبَارِي)
[429]
(وَأَن أَحْمد عبد الله أرْسلهُ ... وَأَن سَبْعُونَ حَقًا أُجْرَة الدَّار)
فَقَرَأَ القصيدة عَليّ بن يحيى المنجم على الْمُعْتَمد فاستظرفها وَقَالَ وَيحكم من هَذَا شَيْئا أمقطوعا عَنهُ
وَكَانَ التمار هَذَا ينادم جَعْفَر الْمُفَوض
وَمن شعره أَيْضا
(ومخلوقة من بديع الْفِتَن ... تثنى كَمَا يتثنى الْغُصْن)
(ترى وَجههَا كلما اقبلت ... كبدر السَّمَاء فَأَما الْبدن)
(فدون الطَّوِيل وَفَوق الْقصير ... وَبَين الهزال وَبَين السّمن)
(وَأما الَّذِي غَابَ من خلقهَا ... فَأحْسن من كل شَيْء حسن)
قلت فِي الْبَيْت الثَّانِي عيب وَهُوَ الَّذِي يُسمى فِي القوافي التَّضْمِين لتَعَلُّقه بِالْبَيْتِ الثَّالِث الَّذِي بعده [430]
70 - ابْن البوري الشَّافِعِي هبة الله بن معّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْكَرِيم الْقرشِي الدمياطي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالزين بن البوري(28/70)
تفقه بِالشَّام على القَاضِي أبي سعد عبد اله بن أبي عصرونَ ورحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه بالنظامية وَعَاد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَولي تدريس الْمدرسَة الحافظية وَكَانَ من الْعلمَاء المتقنين
وروى بالثغر عَن أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ وَأبي الثَّنَاء مَحْمُود بن نصر بن الشعار الْحَرَّانِي وَأبي أَحْمد بن سُكَينة وبورة قَرْيَة من أَعمال دمياط وَتُوفِّي فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ
هبة الله بن وَزِير
هُوَ أَبُو المكارم الشَّاعِر الْمصْرِيّ
تقدّم فِي حرف الْمِيم على أَن اسمَه مَكَارِم وَالصَّحِيح هبة الله [431]
71 - وَزِير الْمهْدي يَعْقُوب بن دَاوُد بن عمر بن عُثْمَان بن طهْمَان السّلمِيّ بِالْوَلَاءِ مولى أبي صَالح عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ وَالِي خُرَاسَان(28/71)
كَانَ يَعْقُوب كَاتب إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ أَبوهُ دَاوُد وَإِخْوَته كتابا لنصر بن سيار عَامل خُرَاسَان وَلما مَاتَ دَاوُد نَشأ ولداه عَليّ وَيَعْقُوب على أدب وَفضل وافتنان فِي صنوف الْعُلُوم وَلما ظهر الْمَنْصُور على إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور ظفر بِيَعْقُوب فحبسه فِي المطبق وَكَانَ يَعْقُوب سَمحا جوادا كثير الْبر وَالصَّدَََقَة واصطناع الْمَعْرُوف وَكَانَ مَقْصُودا ممدحا مدحه أَعْيَان الشُّعَرَاء مثل أبي الشيص وَسلم الخاسر وَغَيرهمَا
وَلما مَاتَ الْمَنْصُور وَقَامَ من بعده الْمهْدي جعل يتَقرَّب إِلَيْهِ حَتَّى أدناه وَاعْتمد عَلَيْهِ وعلت مَنْزِلَته عِنْده وَعظم شَأْنه حَتَّى خرج كِتَابه من الدَّوَاوِين إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد آخى يَعْقُوب بن دَاوُد فَقَالَ فِي ذَلِك سلم الخاسر
(قل للْإِمَام الَّذِي جَاءَت خِلَافَته ... تهدى إِلَيْهِ بِحَق غير مَرْدُود)
(نعم القرين على التَّقْوَى استعنت بِهِ ... أَخُوك فِي الله يَعْقُوب بن دَاوُد)
وَحج الْمهْدي فِي سنة سِتّ وَمِائَة وَيَعْقُوب مَعَه وَلم يكن ينفذ شَيْء من كتب الْمهْدي حَتَّى يرد كتاب من يَعْقُوب إِلَى أَمِينه بإنفاذه
وَكَانَ الْمَنْصُور قد خلف فِي بيُوت المَال تسع مئة ألف ألف دِرْهَم وَسِتِّينَ ألف ألف دِرْهَم
وَكَانَ الْوَزير أَبُو عبيد الله يُشِير على الْمهْدي بالاقتصار من الْإِنْفَاق(28/72)
وَحفظ الْأَمْوَال فَلَمَّا عَزله وَولى يَعْقُوب زين لَهُ هَوَاهُ فأنفق الْأَمْوَال وانكب على اللَّذَّات وَالشرب وَسَمَاع الْغناء واستقل يَعْقُوب بِالتَّدْبِيرِ
فَفِي ذَلِك يَقُول بشار بن برد [432]
(بَنو أُميَّة هبوا طَال نومكم ... إِن الْخَلِيفَة يَعْقُوب بن دَاوُد)
(ضَاعَت خلافتكم يَا قُم فالتمسوا ... خَليفَة الله بَين الناي وَالْعود)
ثمَّ إِن الْمهْدي أَرَادَ أَن يمتجنه فِي ميله إِلَى العلوية فَدَعَا بِهِ يَوْمًا وَهُوَ فِي مجْلِس فرشه موردة وَعَلِيهِ ثِيَاب موردة وعَلى رَأسه جَارِيَة عَلَيْهَا ثِيَاب موردة وَهُوَ مشرف على بُسْتَان فِيهِ صنوف من الْورْد
فَقَالَ لَهُ يَا يَعْقُوب كَيفَ ترى مَجْلِسنَا
قَالَ فِي غَايَة الْحسن متع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهِ
فَقَالَ لَهُ جَمِيع مَا فِيهِ هُوَ لَك وَهَذِه الْجَارِيَة لَك ليتم سرورك وَقد أمرت لَهُ بمئة ألف دِرْهَم
فَدَعَا لَهُ
فَقَالَ لَهُ الْمهْدي لي إِلَيْك حَاجَة
فَقَامَ قَائِما وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا القَوْل إِلَّا لموجدة وَأَنا أستعيذ بِاللَّه من سخطك(28/73)
فَقَالَ أحب أَن تضمن لي قضاءها
فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة
فَقَالَ لَهُ وَالله
فَقَالَ وَالله ثَلَاثًا
فَقَالَ ضع يدك على رَأْسِي واحلف بِهِ
فَفعل
فَلَمَّا استوثق مِنْهُ قَالَ هَذَا فلَان بن فلَان بن العلوية أحب أَن تكفيني مُؤْنَته وتريحني مِنْهُ فَخذه إِلَيْك فحوله وحول الْجَارِيَة وَمَا كَانَ فِي الْمجْلس فلشدة سروره بالجارة جعلهَا فِي مجْلِس بِقرب مِنْهُ ليصل إِلَيْهَا وَوَجهه فأحضر الْعلوِي فَوَجَدَهُ لبيبا فهما فَقَالَ لَهُ وَيحك يَا يَعْقُوب تلقى الله تَعَالَى بدمي وَأَنا رجل من ولد فَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب يَا هَذَا فِيك خير
فَقَالَ إِن فعلت خيرا معي شكرت ودعوت لَك
فَقَالَ لَهُ خُذ هَذَا المَال وَخذ أَي طَرِيق شِئْت
فَقَالَ طَرِيق كَذَا وَكَذَا آمن لي
فَقَالَ امْضِ مصاحبا
وَسمعت الْجَارِيَة الْكَلَام كُله فوجهت مَعَ بعض خدمها إِلَى الْمهْدي وَقَالَت هَذَا الَّذِي آثَرته على نَفسك فعل هَذَا وَكَانَ هَذَا جزاؤك مِنْهُ فَوجه الْمهْدي فَأمْسك الطَّرِيق [433] حَتَّى ظفر بالعلوي وَالْمَال ثمَّ وَجه إِلَى(28/74)
يَعْقُوب فَأحْضرهُ فَقَالَ لَهُ مَا حَال الرجل
قَالَ قد أراحك الله مِنْهُ
قَالَ مَاتَ
قَالَ نعم
قَالَ وَالله
قَالَ وَالله
قَالَ فضع يدك على رَأْسِي
فَوضع يَده على رَأسه وَحلف بِهِ
فَقَالَ يَا غُلَام اخْرُج إِلَيْنَا
فَفتح الْبَاب عَن الْعلوِي وَالْمَال بِعَيْنِه فَبَقيَ متحيرا وَامْتنع الْكَلَام
فَقَالَ لَهُ الْمهْدي لقد حل دمك وَلَو شِئْت لأرقته وَلَكِن احْبِسُوهُ فِي المطبق فحبسوه وَأمر أَن يطوى خَبره عَنهُ وَعَن كل أحد
قَالَ عبد الله بن يَعْقُوب أَخْبرنِي أبي أَن الْمهْدي حَبسه فِي بِئْر وَبنى عَلَيْهِ قبَّة فَقَالَ فَكنت فِيهَا خمس عشرَة سنة وَكَانَ يدلى لي كل يَوْم رغيف وكوز مَاء أُوذِنَ بأوقات الصَّلَاة فَلَمَّا كَانَ فِي رَأس ثَلَاث عشرَة أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ
(حَنى على يُوسُف رب فَأخْرجهُ ... من قَعْر جب وَبَيت حوله غمم)
قَالَ فجهزت لله تَعَالَى وَقلت أَتَانِي الْفرج ثمَّ مكثت حولا لَا أرى شَيْئا ثمَّ أَتَانِي ذَلِك الْآتِي فأنشدني(28/75)
(عَسى فرج يَأْتِي بِهِ الله أَنه ... لَهُ كل يَوْم فِي خليقته أَمر)
قَالَ ثمَّ أَقمت حولا آخر لَا أرى شَيْئا ثمَّ أَتَانِي ذَلِك الْآتِي بعد حول وَقَالَ
(عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ ... يكون وَرَاءه فرج قريب)
(فَيَأْمَن خَائِف ويفك عان ... وَيَأْتِي أَهله النائى الْغَرِيب)
فَلَمَّا أَصبَحت نوديت فَظَنَنْت أَنِّي أُوذِنَ بِالصَّلَاةِ فدلي لي حَبل أسود وَقيل اشدده بتكك فَفعلت
فَلَمَّا أَخْرجُونِي وقابلت الضَّوْء عشي بَصرِي فَانْطَلقُوا بِي فأدخلت على [434] الرشيد فَقيل لي سلم على أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقلت السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الْمهْدي
فَقَالَ لست بِهِ
فَقلت السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الْهَادِي
فَقَالَ لست بِهِ
فَقلت السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الرشيد
فَقَالَ يَا يَعْقُوب بن دَاوُد وَالله مَا شفع فِيك أحد عِنْدِي غير أَنِّي حملت اللَّيْلَة صبية لي على عنقِي فَذكرت حملك إيَّايَ على عُنُقك فرثيت لَك من الْمحل الَّذِي أَنْت فِيهِ
ثمَّ إِنَّه رد مَاله إِلَيْهِ وخيره الْمقَام حَيْثُ يُرِيد فَاخْتَارَ مَكَّة فَأذن لَهُ فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى مَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَقيل سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة(28/76)
وَلما أطلق سَأَلَ عَن جمَاعَة من إخوانه فأخبروه بموتهم فَقَالَ
(لكل أنَاس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصُونَ والقبور تزيد)
(هم جيرة الْأَحْيَاء أما محلهم ... فدان وَأما الْمُلْتَقى فبعيد)
وَلما عَزله الْمهْدي عَن الوزارة ولاها الْفَيْض بن شيرويه وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْفَاء فِي مَكَانَهُ [435]
72 - الْحَافِظ يَعْقُوب بن شيبَة بن الصَّلْت بن عُصْفُور الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو يُوسُف السدُوسِي الْبَصْرِيّ نزيل بَغْدَاد وثقة الْخَطِيب وَغَيره
وصنف مُسْندًا كَبِيرا إِلَى الْغَايَة القصوى وَلم يتمه وَلَو تمّ لجاء فِي مِائَتي مُجَلد كَانَ فِي منزله أَرْبَعُونَ لحافا لمن يبت عِنْده من الوراقين الَّذين يبيضون الْمسند وَلَزِمَه على مَا خرج مِنْهُ عشرَة آلَاف دِينَار وَقيل إِن نُسْخَة بِمُسْنَد أبي هُرَيْرَة مِنْهُ بِمصْر شوهدت فَكَانَت مِائَتي جُزْء وَالَّذِي جهز لَهُ من الْمسند مُسْند الْعشْرَة وَابْن مَسْعُود وعمار وَعتبَة بن غَزوَان وَالْعَبَّاس وَبَعض الموَالِي
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَبَلغنِي أَن مُسْنده رَضِي الله عَنهُ فِي خمس مجلدات وَكَانَ يقف فِي الْقُرْآن أَخذه عَن شَيْخه أَحْمد بن المعذل توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ [436](28/77)
73 - الْكِنْدِيّ الفيلسوف يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن الصَّباح بن عمرَان بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن قيس أَبُو يُوسُف الْكِنْدِيّ الْكُوفِي الفيلسوف
كَانَ وَالِده شَاعِرًا وَكَانَ يَعْقُوب وَاحِد عصره فِي الْمنطق والهندسة والطب والنجوم وَعلم الْأَوَائِل لَا مدافع لَهُ عَن تقدمه ورياسته فِي ذَلِك وَهُوَ مَعْدُود فِي فلاسفة الْإِسْلَام وَقد تقدم ذكرهم فِي تَرْجَمَة الرئيس أبي عَليّ الْحُسَيْن بن سينا
وَله مصنفات كَثِيرَة وتلاميذ وَله معرفَة بالأدب وَشعر حسن وَكَانَ مفرط الْبُخْل كَانَ يَأْكُل التَّمْر ثمَّ يدْفع النَّوَى إِلَى داية لَهُ وَيَقُول لَهَا تجزي بِمَا بَقِي عَلَيْهِ من حلاوة التَّمْر
وَجَاءَت إِلَيْهِ يَوْمًا جَارِيَة سَوْدَاء من عِنْد أمه وَمَعَهَا كوز فَقَالَ لَهُ أمك تطلب مِنْك مَاء بَارِدًا فَقَالَ ارجعي فأملي الْكوز من عِنْدهَا وجيئي بِهِ فَلَمَّا جَاءَت بِهِ قَالَ فرغبة عندنَا وأعطيها ملأَهُ من المزملة فَلَمَّا مَضَت قَالَ أَخذنَا مِنْهَا جوهرا بِلَا كَيْفيَّة وأعطيناها جوهرا بكيفية لتنتفع بِهِ
قَالَ محب الدّين ابْن النجار قَرَأت فِي كتاب أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْجراح الْكَاتِب قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن شَيبَان عَن أبي عَليّ عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن خافان مَا رَأَيْته حَيا قطّ يَعْنِي يَعْقُوب الْكِنْدِيّ فرأيته فِي الْمَنَام بنعته وَصفته فَسَأَلته مَا فعل الله بك(28/78)
فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا أَن رَآنِي فَقَالَ انْطَلقُوا إِلَى مَا كُنْتُم بِهِ تكذبون نَعُوذ من غَضَبه
وَذكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة قَالَ أَصْحَاب الْكِنْدِيّ للكندي اعْمَلْ لنا مثل الْقُرْآن
نعم أَو بعضه
فَغَاب دهرا طَويلا ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَالَ وَالله لَا يقدر عَلَيْهِ وَلَا على بعضه [437] فَإِنِّي فتحت الْمُصحف فَخرج الْمِائَة فَنَظَرت أَولهَا فَإِذا هُوَ بَعْدَمَا نبه ونادى وحض تَعْظِيمًا للْإيمَان بِهِ أَمر بِالْوَفَاءِ وَنهى عَن النكث والغدر وحلل تحليلا عَاما ثمَّ اسْتثْنى من الْجَمِيع بَعْضًا وبعضا شُرُوطًا فِيهِ لموجب ثمَّ أخبر عَن قدرته وحكمته فِي سطر وَنصف وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى لأحد من المخلوقين
وَمن شعر الْكِنْدِيّ
(أَنا الذبابى على الأرؤس ... فغمض جفونك أَو نكس)
(وضايل سوادك واقبض يَديك ... وَفِي قَعْر بَيْتك فاستجلس)
(وَعند مليكك فابغ الْعُلُوّ ... وبالوحدة الْيَوْم فاستأنس)
(فَإِن الْغنى فِي قُلُوب الرِّجَال ... وَإِن التعزز للأنفس)
(وكائن ترى من أخي عسرة ... غنى وَذي ثروة مُفلس)(28/79)
(وَمن قَائِم شخصه ميت ... على أَنه بعد لم يرمس)
وَله من الْكتب كتاب الفلسفة الأولى فِيمَا دون الطبيعي والتوحيد كتاب الفلسفة الدَّاخِلَة رِسَالَة فِي أَنه لَا تنَال الفلسفة إِلَّا بالرياضيات كتاب الْحَث على تعلم الفلسفة رِسَالَة فِي كمية كتب أرسطو رِسَالَة فِي قصد أرسطو فِي المقولات رسَالَته الْكُبْرَى فِي مقياسه العلمي كتاب أَقسَام الْعلم الْإِنْسِي كتاب مَاهِيَّة الْعلم وأقسامه كتاب فِي أَفعَال الْبَارِي عز وَجل كلهَا عدل كتاب فِي مَاهِيَّة الشَّيْء الَّذِي لَا نِهَايَة لَهُ كتاب فِي أَنه لَا يُمكن أَن يكون جرم الْعَالم بِلَا نِهَايَة كتاب فِي الْفَاعِل والمتفعل كتاب فِي جَوَامِع الْفِكر كتاب سُؤَالَات كتاب فِي الْأَشْيَاء الطبيعية تتفعل فعلا وَاحِدًا بأبحاث الْخلقَة رِسَالَة فِي رسم الرّقاع إِلَى الخلافاء والوزراء رِسَالَة فِي قسْمَة القانون رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الْعقل رِسَالَة فِي الْحق الأول رِسَالَة لفر فوريوس [438] رِسَالَة فِي الأبخرة الْمصلحَة للجو من الأوباء رِسَالَة فِي الْأَدْوِيَة المشفية من الروائح المؤذية رِسَالَة فِي إسهال الْأَدْوِيَة رِسَالَة فِي عِلّة نفث الدَّم رِسَالَة فِي تَدْبِير الأصحاء رِسَالَة فِي أشفية السمُوم رِسَالَة فِي عِلّة البحارين للأمراض الحادة رِسَالَة فِي الْعُضْو الرئيس رِسَالَة فِي الدِّمَاغ رِسَالَة فِي الجذام رِسَالَة فِي عضة الْكَلْب الْكَلْب رِسَالَة فِي الْمَوْت فَجْأَة وأعراض البلغم رِسَالَة فِي النقرس رِسَالَة إِلَى رجل شكا لَهُ عِلّة فِي بَطْنه وَيَده فِي أَقسَام الحميات رِسَالَة فِي علاج الطحال الجانبي رِسَالَة فِي فَسَاد أجساد الْحَيَوَان رِسَالَة فِي تَدْبِير الْأَطْعِمَة رِسَالَة فِي عمل أَطْعِمَة من غير عناصرها رِسَالَة فِي الْحَيَاة كتاب الْأَدْوِيَة الممتحنة كتاب الأنقراباذين رِسَالَة فِي الْجُنُون رِسَالَة فِي الفراسة رِسَالَة فِي السمائم القاتلة رِسَالَة فِي الْحِيلَة لدفع الأحزان جَوَامِع الْأَدْوِيَة المفردة لِجَالِينُوسَ رِسَالَة فِي نفع الطِّبّ إِذا كَانَت النجابة مقروفة بدلائها رِسَالَة فِي اللثغة رِسَالَة فِي الِاسْتِدْلَال بالأشخاص الْعَالِيَة رِسَالَة فِي مدْخل الْأَحْكَام على الْمسَائِل رِسَالَة فِي كمية ملك الْعَرَب إِذا اقْترن النحسان فِي السرطان رِسَالَة(28/80)
فِي مَنْفَعَة الاختيارات رِسَالَة فِي مَنْفَعَة المنجم رِسَالَة فِي حُدُود المواليد رِسَالَة فِي تَحْويل سني المواليد رِسَالَة فِي الِاسْتِدْلَال على الْحَوَادِث بالكسوفات رِسَالَة فِي الرَّد على المانوية رِسَالَة فِي الرَّد على الثنوية رِسَالَة فِي نقض مسَائِل الْمَلَاحِدَة رِسَالَة فِي ثُبُوت الرُّسُل رِسَالَة فِي الِاسْتِطَاعَة رِسَالَة فِي الرَّد على من زعم أَن الأجرام فِي الجو توقفات رِسَالَة فِي الْحَرَكَة والسكون رِسَالَة فِي أَن الْجِسْم أول حَاله لَا سَاكن وَلَا متحرك رِسَالَة فِي التَّوْحِيد رِسَالَة فِي إبِْطَال الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ رِسَالَة فِي جَوَاهِر الْأَجْسَام رِسَالَة فِي أَوَائِل الْجِسْم رِسَالَة فِي أفراق الْملَل رِسَالَة فِي المتجسد رِسَالَة فِي الرِّهَان كَلَام لَهُ مَعَ ابْن الراوندي كَلَام فِي الرَّد على بعض الْمُتَكَلِّمين مقَالَة فِي أَن لَا نِهَايَة رِسَالَة إِلَى مُحَمَّد بن الجهم فِي التَّوْحِيد [439] الْحسن رِسَالَة فِي اجْتِمَاع الفلاسفة على الْأُمُور العشقية رِسَالَة فِي النّوم والرؤيا رِسَالَة فِي لعرب بالإنسان إِلَيْهِ حَاجَة قبل الْحَظْر مُبَاح لَهُ رسَالَته الْكُبْرَى فِي السياسة رِسَالَة فِي تسهيل سبل الْفَضَائِل رِسَالَة فِي سياسة الْعَامَّة رِسَالَة فِي الْأَخْلَاق رِسَالَة فِي الْبَيِّنَة على الْفَضَائِل رِسَالَة فِي نَوَادِر الفلاسفة رِسَالَة فِي خبر فَضِيلَة سقراط رِسَالَة فِي أَلْفَاظ سقراط رِسَالَة فِيمَا جرى بَين سقراط والجرانيين رِسَالَة فِي خبر الْعقل رِسَالَة فِي الْعلَّة الفاعلة رِسَالَة فِي العناصر واستحالة بَعْضهَا إِلَى بعض رِسَالَة فِي اخْتِلَاف الْأَزْمِنَة رِسَالَة فِي اخْتِلَاف السّنة رِسَالَة فِي النَّهَار والدهر والحين وَالْوَقْت رِسَالَة فِي برد الجو وسخونة مَا قرب من الأَرْض رِسَالَة فِي كَوْكَب ظهر ورصده إِلَى أَن اضمحل رِسَالَة فِي الْكَوْكَب بالذوابة رِسَالَة فِي برد أَيَّام الْعَجُوز رِسَالَة فِي الضباب رِسَالَة فِيمَا يحدث سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ رِسَالَة فِي الْآثَار العلوية رِسَالَة إِلَى ابْنه أَحْمد فِي المساكن رِسَالَة فِي الزلازل والخسوف رِسَالَة فِي اخْتِلَاف الزَّمَان رِسَالَة فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة كَلَام فِي عمل السمت رِسَالَة فِي أبعاد مسافات الأقاليم رسَالَته الْكُبْرَى فِي الرّبع المسكون رِسَالَة فِي أبعاد الأجرام(28/81)
رِسَالَة فِي بعد مَرْكَز الْقَمَر من الأَرْض رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج آلَة لاستخراج أبعاد الأجرام رِسَالَة فِي آلَة يعرف بهَا بعد المعاينات رِسَالَة فِي معرفَة أبعاد قلل الْجبَال رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن مُحَمَّد الْخُرَاسَانِي رِسَالَة فِيمَا بعد الطبيعة رِسَالَة أسرار تقدمة الْمعرفَة رِسَالَة فِي الأخلاط رِسَالَة فِي تقدمة الْخبز رِسَالَة فِي تقدمة الْأَخْبَار رِسَالَة فِي الِاسْتِدْلَال بالأشخاص السماوية رِسَالَة أَنْوَاع الْجَوَاهِر والأشياء رِسَالَة فِي الْجَوَاهِر ومعادنها رِسَالَة فِي تلويح رِسَالَة فِيمَا يصْبغ فَيعْطى لونا رِسَالَة فِي أَنْوَاع الْحَدِيد رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم فِي [440] فِيمَا يطْرَح على السيوف فَلَا تنكل وتسلم ورسالة الطَّائِر الْإِنْسِي رِسَالَة فِي تمويح الْحمام رِسَالَة فِي الطرح على الْبيض رِسَالَة فِي أَنْوَاع النّخل وكرائمه رِسَالَة فِي عمل القمقم الصياح رِسَالَة فِي الْعطر وأنواعه رِسَالَة فِي كيمياء الْعطر رِسَالَة فِي الأسماه المعماة رِسَالَة فِي خدع الكيمائيين رِسَالَة فِي الأثرين المحسوسين فِي المَاء رِسَالَة فِي الْمَدّ والجزر رِسَالَة فِي أَرْكَان الْحِيَل رسَالَته الْكُبْرَى فِي الأجرام الفائصة فِي المَاء رِسَالَة فِي الأجرام الهابطة رسائل فِي عمل المرايا المحرقة رِسَالَة فِي شعار الْمَرْأَة رِسَالَة فِي اللَّفْظ وَهِي ثَلَاثَة أَجزَاء رِسَالَة فِي الحشرات بصور عطاردي رِسَالَة فِي جَوَاب أَرْبَعَة عشر مَسْأَلَة طبيعية رِسَالَة جَوَاب ثَلَاث مسَائِل رِسَالَة فِي فَضِيلَة المتفلسف بِالسُّكُوتِ رِسَالَة فِي عِلّة الرَّعْد والبرق وَالصَّوَاعِق والثلج وَالْبرد والمطر رِسَالَة فِي بطلَان عمل الذَّهَب والفضلة الخدائع الَّتِي فيهمَا رِسَالَة فِي الْإِبَانَة أَن الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي الْأَشْخَاص لَيْسَ عِلّة الكيفيات الأول كَمَا هِيَ عِلّة ذَلِك فِي الَّتِي تَحت الْكَوْن وَالْفساد وَلنْ عِلّة ذَلِك حِكْمَة مبدع الْكل رِسَالَة فِي قلع الْآثَار من الثِّيَاب رِسَالَة إِلَى يوحنا بن ماسويه فِي النَّفس وأفعالها رِسَالَة فِي ذَات التسعين رِسَالَة فِي علم الْحَواس رِسَالَة فِي وصف البلاغة رِسَالَة [441] فِي قدر الْمَنْفَعَة بِأَحْكَام النُّجُوم كَلَام فِي الْمُبْدع الأول رِسَالَة فِي الْأَحْبَار وإبليق رِسَالَة رموز الفلاسفة فِي المجسمات رِسَالَة فِي عناصر(28/82)
الْأَحْيَاء كتاب فِي الْجَوَاهِر الْخَمْسَة رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم فِي تَحْرِير إِجَابَة الدُّعَاء رِسَالَة فِي الْفلك والنجوم وَلم قسمت دَائِرَة ملك البروج اثْنَي عشر قسما وَفِي تَسْمِيَة السُّعُود والنخوس وبيوتها وإشرافها وحدودها بالبرهان الهندسي الظَّاهِر [442] رِسَالَة إِلَى الْمَأْمُون فِي الْعلَّة والمعلول اخْتِصَار كتاب الساغوجي مسَائِل كَثِيرَة فِي الْمنطق وحدود الفلسفة كتاب فِي الْمدْخل المنطقي بِاسْتِيفَاء القَوْل فِيهِ كتاب الْمدْخل المنطقي مُخْتَصر رِسَالَة فِي المقولات الْعشْر رِسَالَة فِي الْأَيَّام عَن قَول بطليموس أَو كتاب المجسطي عَن قَول أرسطو فِي أنالوطيقا رِسَالَة فِي الاحتراس من خدع السوفسطائية رِسَالَة الْبُرْهَان المنطقي رِسَالَة فِي سمع الكيان رِسَالَة فِي عمل آلَة مخرجة الْجَوَامِع رِسَالَة فِي الْمدْخل الأرثماطيقي رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَال الْحساب الْهِنْدِيّ رِسَالَة الْإِبَانَة عَن الْأَعْدَاد الَّتِي ذكرهَا أفلاطون رِسَالَة فِي تأليف الْأَعْدَاد رِسَالَة فِي التَّوْحِيد رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج الخبأ وَالضَّمِير رِسَالَة فِي الزّجر والفأل رِسَالَة فِي الخطوط وَالضَّرْب رِسَالَة فِي الكمية المضافة رِسَالَة فِي الْخلق بِالنّسَبِ والزمامة رِسَالَة فِي الْحِيَل العددية رِسَالَة فِي أَن الْعَالم وكل مَا فِيهِ كري الشكل رِسَالَة فِي أَنه لَيْسَ شَرّ من العناصر الأولى والجرم الْأَقْصَى غير كري رِسَالَة فِي أَن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جَمِيع الأشكال رِسَالَة فِي الكريات رِسَالَة فِي عمل السمت على كرة رِسَالَة فِي أَن سطح المَاء الْبَحْر كري رِسَالَة فِي تسطح الكرة رِسَالَة فِي عمل الحلولك رسَالَته الْكُبْرَى فِي التَّأْلِيف رسَالَته فِي تَرْتِيب النغم رِسَالَة فِي الْمدْخل إِلَى الموسيقى رِسَالَة فِي الْإِيقَاع رِسَالَة فِي خبر صناعَة الشُّعَرَاء رِسَالَة فِي الْأَخْبَار عَن صناعَة الموسيقى مُخْتَصر الموسيقى رِسَالَة فِي أَجزَاء الموسيقى رِسَالَة أَن رُؤْيَة الْهلَال لَا تضبط بل هِيَ بالتقريب رِسَالَة فِي أَحْوَال الْكَوَاكِب رِسَالَة فِي أجوبة أبي معشر رِسَالَة فِي الْفَصْلَيْنِ رِسَالَة فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ كل بلد رِسَالَة(28/83)
فِي صور المواليد رِسَالَة فِي أَعمار النَّاس رِسَالَة فِي تَصْحِيح عمل نمو ذرات المواليد رِسَالَة فِي عِلّة رُجُوع الْكَوَاكِب رِسَالَة فِي الشعاعات رِسَالَة فِي علل الأوضاع النجومية [443] رِسَالَة فِي علل أَحْدَاث الجو رِسَالَة فِي كَون بعض الْأَمَاكِن لَا تمطر رِسَالَة إِلَى زرنب تِلْمِيذه فِي أسرار النجامية رِسَالَة فِي حالات الشَّمْس وَالْقَمَر رِسَالَة فِي الِاعْتِذَار عَن كَامِل السن الطبيعي رِسَالَة فِي الخمرات رِسَالَة فِي النُّجُوم رِسَالَة فِي أغراض كتاب إقليدس رِسَالَة فِي إصْلَاح إقليدس رِسَالَة فِي اخْتِلَاف المناظر رِسَالَة فِي شكل المتوسطين رِسَالَة فِي تقريب وتر الدائرة رِسَالَة فِي تقريب وتر التسع رِسَالَة فِي تَقْسِيم المثلث والمربع رِسَالَة فِي عمل دَائِرَة مُسَاوِيَة لسطح الأسطوانه رِسَالَة فِي شروق الْكَوَاكِب وغروبها فِي الهندسة رِسَالَة فِي قسْمَة الدائرة ثَلَاثَة أَقسَام رِسَالَة فِي إصْلَاح الرَّابِعَة عشر وَالْخَامِسَة عشر من إقليدس رِسَالَة الْبَرَاهِين المساحية رِسَالَة فِي تَصْحِيح قَول استقلاوس فِي الْمطَالع رِسَالَة فِي اخْتِلَاف مناظر الْمرْآة رِسَالَة فِي صَنْعَة إسطرلاب بالهندسة رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج خطّ نصف النَّهَار رِسَالَة فِي عمل الرخامة بالهندسة رِسَالَة فِي عمل السَّاعَات رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج السَّاعَات رِسَالَة فِي السوانح مسَائِل فِي مساحات الْأَنْهَار رِسَالَة فِي النّسَب الزمانية رِسَالَة فِي كَلَام فِي المرايا المحرقة رِسَالَة فِي امْتنَاع وجود مساحة الْفلك الْأَقْصَى رِسَالَة فِي طبيعة الْفلك مُخَالفَة للعناصر رِسَالَة فِي ظاهريات الْفلك رِسَالَة فِي الْعلم الْأَقْصَى رِسَالَة فِي سُجُود الْحرم الْأَقْصَى لبارئه رسائل فِي مَوْضُوعَات الْفلك رِسَالَة فِي الصُّور رِسَالَة فِي أَنه لَا يُمكن أَن يكون جرم الْعَالم بِلَا نِهَايَة رِسَالَة فِي المناظر الفلكية رِسَالَة فِي صناعَة بطليموس رِسَالَة فِي تناهي جرم الْعَالم رِسَالَة فِي كَون الْفلك واللون اللاذوردي اللَّازِم لَهُ رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الجرم الْحَامِل بطباعة الألوان من العناصر وَسَائِل الأضواء والظلام رِسَالَة فِي تركيب الأفلاك رِسَالَة فِي(28/84)
الأجرام الهابطة فِي الْعُلُوّ وَسبق بَعْضهَا لبَعض رِسَالَة فِي الْعَمَل بالآلة الجامعة رِسَالَة فِي الطِّبّ البقراطي رِسَالَة فِي الْغذَاء والدواء المهلك [344]
74 - ابْن القف يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَكِيم أَمِين الدولة أَبُو الْفرج ابْن القف من نَصَارَى الكرك ولد بالكرك سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
لَازم ابْن أبي أصيبعة الطَّبِيب لِأَن وَالِده الْمُوفق إِسْحَاق كَانَ صَاحبه فِي أَيَّام النَّاصِر صَاحب الشَّام لما كَانَ كَاتبا بصرخد وَحفظ عَلَيْهِ الْكتب الأولى مسَائِل حنين والفصول وتقدمة الْمعرفَة ثمَّ إِن أَبَاهُ انْتقل بِهِ إِلَى دمشق
وَقَرَأَ يَعْقُوب على الشَّيْخ شمس الدّين الخسروشاهي وعَلى عَلَاء الدّين حسن الضَّرِير وعَلى نجم الدّين ابْن المنفاخ وعَلى الْمُوفق يَعْقُوب السامري وَقَرَأَ إقليدس على الْمُؤَيد العرضي(28/85)
وخدم يَعْقُوب الْمَذْكُور فِي عجلون طَبِيبا وَأقَام بقلعتها سِنِين ثمَّ عَاد إِلَى دمشق قلعة دمشق
وَله من الْكتب الشافي فِي الطِّبّ أَربع مجلدات شرح الكليات فِي سِتّ مجلدات شرح الْفُصُول لأبقراط مجلدان جَامع الْعرض حَوَاشِي على بالب القانون شرح الإشارات مسودة وَلم يتم المباحث المغربية مسودة لم يتم مقَالَة فِي حفظ الصِّحَّة كتاب الْعُمْدَة فِي صناعَة الْجراح عشرُون مقَالَة عشرَة علم وَعشرَة عمل جمع فِيهِ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الجرايحي بِحَيْثُ أَنه لَا ينظر مَعَه فِي غَيره من الْكتب
وَلما مَاتَ رثاه الْحَكِيم سيف الدّين أَبُو بكر المنجم بقصيدة أَولهَا
(يَا مأتما قد أَتَى بِالْوَيْلِ وَالْحَرب ... رميت ركن الحجى وَالْمجد والعطب)
(شلت يداك لقد أصميت أَي فَتى ... رحب الذراعين ريانا من الْأَدَب)
[445]
(أيتمت طلاب علم الطِّبّ قاطبة ... وعوضوا عَنْك بالأفعال والتعب)
(حق علينا بِأَن نفديك أَنْفُسنَا ... لَو كَانَ ذَاك لبادرناك بِالطَّلَبِ)
(أبعد درسك يَا ابْن القف تنفعنا ... أَقْوَال قوم عَن التَّحْقِيق فِي حجب)
75 - الْوَزير بن كلس يَعْقُوب بن كلس بِكَسْر الْكَاف وَتَشْديد اللَّام وَبعدهَا سين مُهْملَة
وَزِير الْعَزِيز نزار بن الْمعز وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي حرف النُّون(28/86)
وَأما يَعْقُوب هَذَا فَهُوَ الْوَزير يَعْقُوب بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن هَارُون بن دَاوُد بن كلس
كَانَ يَعْقُوب أَولا يَهُودِيّا يزْعم أَنه من ولد هَارُون بن عمرَان
وَقيل كَانَ يزْعم أَنه من ولد السموءل بن عادياء الْيَهُودِيّ
وَكَانَ قد ولد بِبَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وَتعلم الْكِتَابَة والحساب وسافر بِهِ أَبوهُ بعد ذَاك إِلَى الشَّام وأنفذه إِلَى مصر سنة إِحْدَى وثلاثمائة فَانْقَطع إِلَى بعض خَواص كافور الإخشيدي فَجعله كافور على عمان من ثمَّ لَازم بَاب دَاره فَرَأى مِنْهُ كافور نجابة وشهامة وصيانة ونزاهة وَحسن إِدْرَاك عَلَيْهِ فاستحضه وَأَجْلسهُ فِي ديوانه الْخَاص وَكَانَ يقف بَين يَدَيْهِ ويخدم ويستوفي أَعمال والحسبانات وَيدخل يَده فِي كل شَيْء وَلم يزل أمره يزِيد إِلَى أَن صَار الْحجاب والأشراف يقومُونَ وَأرْسل لَهُ كافور شَيْئا فَرده إِلَيْهِ وَأخذ مِنْهُ الْقُوت خَاصَّة وَتقدم كافور إِلَى سَائِر الدَّوَاوِين وَلَا يمْضِي دِينَار وَلَا دِرْهَم إِلَّا بتوقيعه وَكَانَ بير النَّاس وَيعلم من الْقَلِيل الَّذِي يَأْخُذهُ كل وَهُوَ على دينه
ثمَّ إِنَّه أسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ لثماني عشرَة لَيْلَة حلت من شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة وَلزِمَ الصَّلَاة ودراسة الْقُرْآن ورتب لنَفسِهِ شَيخا عَارِفًا بِالْقُرْآنِ والنحو حَافِظًا السيرافي وَكَانَ يبيت عِنْده وَيُصلي بِهِ وَيقْرَأ(28/87)
عَلَيْهِ وَلم يزل حَاله يُسمى عِنْد كافور إِلَى أَن توفّي كافور وَكَانَ الْوَزير أَبُو الْفضل جَعْفَر بن الْفُرَات يحسده ويعاديه فَلَمَّا مَاتَ كافور قبض ابْن الْفُرَات على [447] جَمِيع الْكتاب وَأَصْحَاب الدَّوَاوِين وَقبض على ابْن كلس فَلم يزل ابْن كلس يبْذل الْأَمْوَال إِلَى أَن أفرج عَنهُ
ثمَّ إِنَّه اقْترض من أَخِيه وَغَيره مَالا وتجمل بِهِ وَصَارَ إِلَى الغرب مستخفيا فلقي الْقَائِد جَوْهَر فَرجع مَعَه إِلَى مصر وَلم يزل يترقى إِلَى أَن ولي الوزارة للعزيز مُرَاد بن الْمعز وعظمت رتبته عِنْده وَأَقْبَلت الدُّنْيَا عَلَيْهِ ولازم النَّاس بَابه ومهد قَوَاعِد الدولة وساس أمورها أحسن سياسة وَلم يبْق لأحد مَعَه كَلَام
وَكَانَ فِي أَيَّام الْمعز يتَصَرَّف فِي الديوانية وَتَوَلَّى وزارة الْعَزِيز يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ أول من وزر بِمصْر للدولة الفاطمية
وَكَانَ قد رتب لنَفسِهِ مَجْلِسا فِي كل وَيقْرَأ فِيهِ بِنَفسِهِ مصنفاته على النَّاس ويحضره الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والنحاة وَجَمِيع أهل الْفَضَائِل وأعيان الْعُدُول وَغَيرهم من أَعْيَان الدولة ووجوهها وَأَصْحَاب الحَدِيث وَإِذا فرغ من مَجْلِسه قَامَ الشُّعَرَاء ينشدون المدائح
وَكَانَ فِي دَاره قوم يَكْتُبُونَ الْقُرْآن وَقوم يَكْتُبُونَ الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأَدب حَتَّى الطِّبّ ويعارضون ويكتبون الْمَصَاحِف وينقطونها وَكَانَ من جملَة جُلَسَائِهِ الْحُسَيْن بن عبد الرَّحِيم الزلاف مُصَنف كتاب الأسجاع ورتب فِي دَاره الْقُرَّاء وَالْأَئِمَّة يصلونَ فِي مَسْجِد بداره فِي دَاره المطابخ لنَفسِهِ ولجلسائه ومطابخ لِغِلْمَانِهِ وحاشيته وَكَانَ ينصب كل يَوْم خوانًا لخاصيته من أهل الْعلم وَالْكتاب وخواص أَتْبَاعه مِمَّن يستدعيه وَينصب [448] هُوَ يَأْكُل عَلَيْهَا الْحجاب وَبَقِيَّة الْكتاب والحاشية وَوضع فِي دَاره ميضأة للطهور وَفِيه بيُوت(28/88)
تخْتَص بِمن يدْخل دَاره من الغرباء وَكَانَ يجلس كل يَوْم عقيب صَلَاة الصُّبْح وَيدخل إِلَيْهِ النَّاس فِي الْحَوَائِج والظلامات وَقرر عِنْد الْعَزِيز جمَاعَة جعلهم قوادا يركبون بالمواكب وَالْعَبِيد وَلَا يُخَاطب وَاحِد مِنْهُم إِلَّا بالقائد وَمن جُمْلَتهمْ الْقَائِد أَبُو الْفتُوح فضل بن صَالح الَّذِي تنْسب لَهُ منية الْقَائِد فضل ثمَّ إِنَّه شرع فِي تحصين دَاره ودور غلمانه دروب والحرس وَالسِّلَاح وَالْعدَد وعمرت ناحيته بالأسواق وأصناف مَا يُبَاع من الْأَمْتِعَة والمطعم والمشروب
وَيُقَال إِن دَاره كَانَت بِالْقَاهِرَةِ فِي مَوضِع مدرسة الْوَزير صفي الدّين بن شكر وَإِن الحارة الْمَعْرُوفَة بالوزيرية منسوبة إِلَى أَصْحَابه
وَكَانَ الْوَزير ابْن الْفُرَات يَغْدُو إِلَيْهِ وَيروح ويعرض عَلَيْهِ محاسبات الْقَوْم الَّذين يحاسبهم ويعول علهم وَيجْلس مَعَه وَرُبمَا حَبسه لمواكلته فيأكل مَعَه وَقد جرى مِنْهُ عَلَيْهِ مَا جرى
وَكَانَت هيبته وافرة وجوده كثيرا وَأكْثر الشُّعَرَاء من مدائحه وَأكْثر أمداح الشَّاعِر أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَنْطَاكِي الْمَعْرُوف بِأبي الرقعمق فِيهِ
وصنف الْوَزير كتابا فِي الْفِقْه مِمَّا سَمعه من الْمعز وَولده الْعَزِيز
وَجلسَ فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة مَجْلِسا حَضَره الْخَاص وَالْعَام وَقَرَأَ الْكتاب فِيهِ وَحضر الْوَزير ابْن الْفُرَات وَجلسَ للجامع الْعَتِيق جمَاعَة يفتون النَّاس فِي هَذَا الْكتاب [449]
وَكَانَت لَهُ طيور فائقة من الْحمام يسابق بهَا ولمخدومه الْعَزِيز أَيْضا طيور فائقة فتسابقا يَوْمًا فسبقت طيور الْوَزير فعز ذَلِك عَلَيْهِ وَوجد الحساد لَهُ مطعنا عَلَيْهِ فَقَالُوا للعزيز إِنَّه قد اخْتَار من كل صنف أجوده وَأَعلاهُ وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا أدناه فاتصل ذَلِك بالوزير فَكتب إِلَى الْعَزِيز(28/89)
(قل لأمير الْمُؤمنِينَ الَّذِي ... لَهُ العلى وَالنّسب الثاقب)
(طائرك السَّابِق لكنه ... جاؤوا فِي خدمته حَاجِب)
فأعجبه ذَلِك وسرى عَنهُ
وَقيل إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لوَلِيّ الدولة أَحْمد بن عَليّ بن خير الدّين الْكَاتِب الْمصْرِيّ
وَقيل إِن سَبَب حظوة ابْن كلس عِنْد كافور أَن يَهُودِيّا قَالَ لَهُ إِن فِي دَار أبي الْبكْرِيّ بالرملة ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَكتب ابْن كلس إِلَى كافور يَقُول لَهُ إِن فِي دَار ابْن الْبكْرِيّ عشْرين ألف دِينَار مدفونة فِي مَوضِع أعرفهُ وَأَنا أخرج أحملها إِلَيْك فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وأنفذ مَعَه البغال لحملها
وَورد الْخَبَر بِمَوْت بكير بن هاروان التَّاجِر فَجعل إِلَيْهِ النّظر فِي تركته وَاتفقَ موت يَهُودِيّ بالغرماء وَمَعَهُ أحمال كتَّان فَأَخذهَا وَفتحهَا فَوجدَ فِيهَا عشْرين ألف دِينَار فَكتب إِلَى كافور بذلك فتبرك بِهِ فَكتب إِلَيْهِ بحملها فَبَاعَ الْكَتَّان وَحمل الْجَمِيع وَسَار إِلَى الرملة وفتحالدار الْمَذْكُورَة وَأخرج المَال وَكتب للكافور وَعرفت الْأُسْتَاذ أَنَّهَا عشرُون فَوَجَدتهَا ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فازدادت مكانته عِنْده [450] بالثقة وَنظر فِي تَرِكَة بن هاروان واستقصى فِيهَا وَحمل مِنْهَا مَالا كثيرا فَأرْسل إِلَيْهِ كافور صلَة كَبِيرَة فَأخذ مِنْهَا ألف دِرْهَم ورد الْبَاقِي
ثمَّ إِن الْعَزِيز اعتقله فِي الْقصر سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة فَأَقَامَ فِي الْقصر معتقلا شهورا ثمَّ أطلقهُ فِي سنة أَربع وَسبعين ورده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ
وَوجدت رقْعَة فِي دَاره فِي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهِي السّنة الَّتِي توفّي(28/90)
فِيهَا وفيهَا مَكْتُوب
(احْذَرُوا من حوادث الْأَزْمَان ... وتوقوا طوارق الْحدثَان)
(قد أمنتم من الزَّمَان ونمتم ... رب خوف مكمن فِي أَمَان)
فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ لَا حول وَلَا قوَّة إلاَّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم واجتهد على أَن يعرف كاتبها فَلم يقدر على ذَلِك
وَلما اعتل علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا آخر السّنة ركب إِلَيْهِ الْعَزِيز عَائِدًا وَقَالَ لَهُ وددت أَنَّك تبَاع فأبتاعك بملكي أَو تفدى فأفديك بولدي فَهَل من حَاجَة توصي بهَا يَا يَعْقُوب
فَبكى وَقبل يَده فَقَالَ أما فِي مَا يخصني فَأَنت أرعى لحقي من أَن استرعيك إِيَّاه أَو أوصيك على مَا أخلفه وَلَكِنِّي أنصح لَك فِيمَا يتَعَلَّق بدولتك سَالم الرّوم أَو سالموك واقنع من الحمدانية بالدعوة وَالسِّكَّة وَلَا تبْق على مفرح بن دَغْفَل بن جراح إِن عرضت عَلَيْك فِيهِ فرْصَة
وَمَات فَأمر الْعَزِيز أَن يدْفن بداره الْمَعْرُوفَة بدار الوزارة بِالْقَاهِرَةِ دَاخل بَاب [451] النَّصْر فِي قبَّة كَانَ بناها وَصلى عَلَيْهِ وألحده بِيَدِهِ فِي قَبره وَانْصَرف حَزينًا لفقده وَأمر بغلق الدَّوَاوِين أَيَّامًا بعده
وَكَانَ إقطاعه من الْعَزِيز فِي كل سنة مائَة ألف دِرْهَم وَوجد لَهُ من العبيد والمماليك أَرْبَعَة آلَاف غُلَام وَوجد لَهُ جَوَاهِر بأَرْبعَة آلَاف ألف دِينَار وبز من كل صنف بِخمْس مائَة ألف دِينَار وَكَانَ عَلَيْهِ للتجار سِتَّة عشر ألف دِينَار فقضاها عَنهُ الْعَزِيز من بَيت المَال وَفرقت على قَبره
وَتُوفِّي فِي صباح الِاثْنَيْنِ لخمس خلون من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَلما عَاد الْعَزِيز من قَبره ركب البغلة بِغَيْر مظلة وَقيل إِنَّه كَفنه وحنطه بِمَا مبلغه عشرَة آلَاف دِينَار وَغدا الشُّعَرَاء على قَبره ورثاه مائَة(28/91)
شَاعِر وَأخذت قصائدهم وأجيزوا ومولده سنة ثَمَان عشرَة وثلاثمائة بِبَغْدَاد [452]
76 - الْمدنِي يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس بن شريق الْمدنِي الثَّقَفِيّ روى عَن عُرْوَة بن الزبير وَسليمَان بن سيار وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ وثقة ابْن سعد
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة
روى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه [453] 77 - الْقَارِي يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي الْمدنِي الزُّهْرِيّ حليفهم
وَهُوَ ثِقَة عَالم توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وروى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ [454]
78 - الصاحب ابْن الزبير يَعْقُوب بن عبد الرفيع بن زيد بن مَالك الصاحب زين الدّين الْأَسدي الزبيرِي من ولد عبد الله بن الزبير ولد سنة بضع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة(28/92)
كَانَ إِمَامًا فَاضلا ممدحا كثير الرِّئَاسَة وزر للمظفر قطز ثمَّ للْملك الظَّاهِر أول دولته ثمَّ إِنَّه عزل بِابْن جني فَلَزِمَ بَيته
قيل إِن المظفر قطز لما تولى الْملك قيل لَهُ يَنْبَغِي أَن يكون وزيرك يعرف اللُّغَة التركية ليفهم عَنْك مرادك فولى الصاحب زين الدّين هَذَا وَلما ولي الْملك الظَّاهِر قيل لَهُ مَا نبغي أَن يكون الْوَزير يعرف بِاللِّسَانِ التركي لِئَلَّا يفهم مَا تخاطب بِهِ مماليكك وخواصك فعزل ابْن الزبير وَولى ابْن جني الْمَذْكُور
كتب إِلَيْهِ يَوْمًا أَخُوهُ القَاضِي فَخر الدّين إِسْمَاعِيل يلومه على الْإِسْرَاف فِي مَاله أبياتا وَهِي
(أرى المَال محبوبا إِلَى النَّاس كلهم ... وَمَا كَانَ محبوبا فَكيف نفارقه)
(هُوَ الصاحب المرجو فِي كل أزمة ... إِذا مَا الْفَتى اشتدت عَلَيْهِ ضوائقه)
(وَفِي الْقَصْد رفق بالفتى لَو أَرَادَهُ ... وَلكنهَا تأبى عَلَيْهِ خلائقه)
فَأجَاب الصاحب زين الدّين بديها
(أَلا إِنَّمَا المَال المحبب للورى ... كزورة طيف عاود الطّرف طارقه)
(فَمَا أظلمت يَوْمًا بِمَا أَنْت منفق ... مغاربه إِلَّا أَضَاءَت مشارقه)
[455]
وَهِي
لِابْنِ زهر المغربي(28/93)
(هَل ينفع الوجد أَو يُفِيد ... أَو هَل على من بَكَى جنَاح)
(يَا شقة الْقلب غبت عني ... فالليل عِنْدِي بِلَا صباح)
[456]
79 - الْمُقْرِئ يَعْقُوب بن يُوسُف بن عمر بن الْحُسَيْن بن المعمر أَبُو مُحَمَّد الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ
كَانَ من أَعْيَان الْقُرَّاء المجودين الضابطين وَكَانَ الله تَعَالَى قد يسر عَلَيْهِ التِّلَاوَة حَتَّى إِنَّه كَانَ إِذا ركع رَكْعَتي تَحِيَّة الْمَسْجِد قَرَأَ فيهمَا سبعا من الْقُرْآن أسْرع من قِرَاءَة غَيره جُزْءا وَاحِدًا
قَرَأَ بالروايات على الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الدباس وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن المزروقي وَمُحَمّد بن خضر خطيب المحدل وَغَيرهم
وَسمع الْكثير من ابْن الْحصين وَابْن كادش وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء وَأحمد بن عَليّ بن المجلي وَغَيرهم(28/94)
وَحدث بالكثير وأقرأ كثيرا من النَّاس قَالَ محب الدّين ابْن النجار وَكَانَ صَدُوقًا تغير وَاخْتَلَطَ فِي سنة سِتّ وثماني وَخَمْسمِائة
وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة رَحمَه الله تَعَالَى [457]
80 - الجندي يَعْقُوب بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو يُوسُف الْبَلْخِي الجندي
كَانَ أَبوهُ يلقب بشيرين لفصاحته وحلاوة منْطقَة توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
قَالَ بعض المؤرخين فِيهِ
خرج من دياره جندي الْقَبَائِل ثمَّ عَاد إِلَيْهَا نجدي الْفَضَائِل كَانَ لَهُ نظم ونثر وَمن شعره يمدح بهَا الْملك خوارزم شاه
(فدونكها نجدية ثقفية تأنق ... فِي تنقيفها فطنة الجندي)
(وَمَا ضرني أَن كَانَ فِي نجد مولدِي ... فعظمي من جند ونظمي من نجد)
[458]
81 - الْحَافِظ الْفَسَوِي يَعْقُوب بن سُفْيَان بن جوان الْحَافِظ الْكَبِير الْفَسَوِي الْفَارِسِي صَاحب التَّارِيخ والمشيخة طوف الأقاليم وَسمع مَا لَا يُوصف كَثْرَة روى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
وَكَانَ يتشيع وَيتَكَلَّم فِي عُثْمَان(28/95)
قَالَ كنت أَكثر النّسخ فِي اللَّيْل وَقلت نفقتي فَجعلت أستعجل فنسخت لَيْلَة حَتَّى تصرم اللَّيْل فَنزل المَاء فِي عَيْني فَلم أبْصر السراج فَبَكَيْت على انقطاعي وعَلى مَا يفوتني من طلب الْعلم فَاشْتَدَّ بُكَائِي فَنمت فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فناداني يَا يَعْقُوب بن سُفْيَان لم بَكَيْت فَقلت يَا رَسُول الله ذهب بَصرِي فتحسرت على مَا فَاتَنِي من كتب سنتك وعَلى الِانْقِطَاع عَن بلدي
فَقَالَ ادن مني
فدنوت مِنْهُ فَأمر يَده على عَيْني كَأَنَّهُ يقْرَأ عَلَيْهِمَا ثمَّ استيقظت فَأَبْصَرت وَأخذت بنسخي وَقَعَدت أكتب فِي السراج
وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ والمائتين
الطَّبِيب النَّصْرَانِي الْمَقْدِسِي بالقدس فِي الحطيئة [459]
82 - الخازن الشَّافِعِي يَعْقُوب بن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو يُوسُف الخازن الإسفرائيني الْعرَاق وَالشَّام وَسكن بَغْدَاد وتفقه على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَسمع مِنْهُ وَمن أبي طَالب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن(28/96)
غيلَان الْبَزَّاز وَعلي بن أَحْمد بن عَليّ بن الْأَزْرَق السُّوسِي وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأَزجيّ
وَحدث بِكِتَاب السّنَن لأبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ عَن القَاضِي أبي نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الكسار وَبِغَيْرِهِ
وَكَانَ خَازِن الْكتب بالنظامية وَهُوَ فَقِيه فَاضل حسن الْمعرفَة بالأصول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَله معرفَة بالأدب وَكَانَ يكْتب خطا جيدا
وصنف كتاب المستظهري فِي الْإِمَامَة وشرائط الْخلَافَة وَبَعض السّير العادلة وَأورد فِيهِ أَشْيَاء من الْفِقْه وَالْأُصُول وسير الْخُلَفَاء وَكتاب محَاسِن الْآدَاب فِي بَدَائِع الْأَخْبَار وروائع الْأَشْعَار
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمن شعره
(إِن الَّذِي قسم الْمَعيشَة فِي الورى ... قد خصني بالسير فِي الْآفَاق)
(مُتَرَدّد لَا أستريح من العنا ... فِي كل يَوْم أبتلى بِفِرَاق)(28/97)
وَمِنْه
(ألم بِنَا وَهنا فَقَالَ سَلام ... خيال لسلمى والرفاق نيام)
(ألم وَفِي أجفان عَيْني وصارمي ... غراران نوم غَالب وحسام)
(أجيراننا بالخيف سقاكم الحيا ... مراضع در مَا لَهُنَّ فطام)
(ظعنتم فسلمتم إِلَى الوجد مهجتي ... كَأَن قُلُوب الظاعنين سَلام)
[460]
83 - الْمَنْصُور المراكشي يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ
الملقب بالمنصور أَمِير الْمُؤمنِينَ
أَبُو يُوسُف الْقَيْسِي المراكشي
سُلْطَان الْمغرب أمه أم ولد ملك وعمره اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنة عمر بمراكش بيمارستان غَرِيبا أجْرى فِيهِ مياها كَثِيرَة وغرس فِيهِ من جَمِيع الْأَشْجَار وزخرفه وَأمر لَهُ فِي كل يَوْم ثَلَاثِينَ دِينَارا للأدوية وَكَانَ يعود المرضى فِيهِ فِي كل جُمُعَة وَكتب إِلَيْهِ صَلَاح الدّين بن أَيُّوب يستنجده على الفرنج وخاطبه بأمير الْمُسلمين وَلم يخاطبه بأمير الْمُؤمنِينَ فَلم يجبهُ إِلَى مَا طلب وَوَقع بَين الْمَنْصُور هَذَا وَبَين الأدفونش ملحمة هائلة قل أَن وَقع مثلهَا قتل فِيهَا من الفرنج مئة ألف وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ ألف نفس وَقتل من الْمُسلمين نَحْو من عشْرين ألف نفس وَحمل من دروعهم لبيت المَال سِتُّونَ(28/98)
ألف درع وَأما الدَّوَابّ فَلم يحص عَددهَا
وَكَانَ قد أَمر أَن لَا يُفْتى بِفُرُوع الْفِقْه وَأَن لَا يُفْتى إِلَّا بِالْكتاب وَالسّنة وَأَن تجتهد الْفُقَهَاء على طَريقَة أهل الظَّاهِر وَإِلَيْهِ تنْسب الدَّنَانِير اليعقوبية وَأمر بِقِرَاءَة الْبَسْمَلَة فِي أول الْفَاتِحَة فِي الصَّلَوَات وَأرْسل بذلك إِلَى سَائِر بِلَاد الْمُسلمين فَأجَاب قوم وَامْتنع آخَرُونَ وَكَانَ يشدد على الرّعية بِإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس ويعاقب على تَركهَا وَيَأْمُر بالنداء فِي الْأَسْوَاق بالمبادرة إِلَيْهَا فَمن غفل عَنْهَا أَو اشْتغل عَنْهَا بمعيشة عزره تعزيرا بليغا وَقتل فِي بعض الأحيان على شرب الْخمر وَقتل الْعمَّال الَّذين تَشْكُو الرّعية مِنْهُم
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وصل إِلَيْنَا جمَاعَة من مَشَايِخ الْمغرب وهم على تِلْكَ الطَّرِيق مثل أبي الْخطاب ابْن دحْيَة وأخيه أبي عَمْرو ومحيي الدّين ابْن الْعَرَبِيّ نزيل دمشق [463]
وَكَانَ محبا للْعُلَمَاء محسنا إِلَيْهِم مقربا لَهُم وللأدباء مصغيا إِلَى المديح مثيبا عَلَيْهِ(28/99)
وَله ألف أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد السَّلَام الجراوي صفوة الْأَدَب وديوان الْعَرَب فِي مُخْتَار الشّعْر
وَمن شعراء دولته أَبُو بكر يحيى بن عبد الْجَلِيل بن مجير الأندلسي وَقد تقدم ذكره فِي مَكَانَهُ
وَدخل عَلَيْهِ الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكاغي الْأسود الشَّاعِر فأنشده
(أَزَال حجابه عني ودعيني ... ترَاهُ من المهابة فِي حجاب)
(وقربني بِفضل مِنْهُ لَكِن ... بَعدت مهابة عِنْد اقترابي)
وَكَانَ يَعْقُوب هَذَا صافي السمرَة جدا إِلَى الطول هُوَ جميل الْوَجْه أعين شَدِيد الْكحل ضخم الْأَعْضَاء جَهورِي الصَّوْت جذل الْأَلْفَاظ أصدق النَّاس لهجة وَأَحْسَنهمْ حَدِيثا وَأَكْثَرهم إِصَابَة بِالظَّنِّ مجربا للأمور
ولي وزارة أَبِيه فبحث عَن الْأَحْوَال بحثا شافيا وطالع مَقَاصِد الْعمَّال والولاة وَغَيرهم مطالعة أفادته معرفَة بجزئيات الْأُمُور
وَلما مَاتَ أَبوهُ اجْتمع رَأْي أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وَبني عبد الْمُؤمن على تقدمته فَبَايعُوهُ وعقدوا لَهُ الْبيعَة وَدعوهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ كأبيه وجد ولقبوه الْمَنْصُور فَقَامَ بِالْأَمر أحسن قيام وَهُوَ الَّذِي أظهر أبهة ملكهم وَرفع راية الْجِهَاد وَنصب ميزانالعدل وَأقَام الْحُدُود حَتَّى على أَهله وعشيرته [464](28/100)
وَخرج عَلَيْهِ عَليّ بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عَليّ بن غانة الملثم من جَزِيرَة ميورقة فِي شبعان سنة ثَمَانِينَ وَملك بجاية وَمَا حولهَا فَجهز إِلَيْهِ الْمَنْصُور يَعْقُوب عشْرين ألف فَارس وأسطولا فِي النَّهر ثمَّ خرج بِنَفسِهِ فِي أول ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فاستعاد مَا أَخذ من الْبِلَاد ثمَّ عَاد إِلَى مراكش سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بلغه أَن الفرنج ملكوا مَدِينَة شلب وَهِي فِي غرب جَزِيرَة الأندلس فتجهز إِلَيْهَا بِنَفسِهِ وحاصرها وَأَخذهَا وأنفذ فِي الْوَقْت جَيْشًا من الْمُوَحِّدين وَمَعَهُمْ جمَاعَة من الْعَرَب ففتحوا أَربع مدن من بِلَاد الفرنج كَانُوا قد أخذوها من الْمُسلمين قبل ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة
وخافه صَاحب طليطلة وَصَالَحَهُ خمس سِنِين وَعَاد إِلَى مراكش وَلما انْقَضتْ الْهُدْنَة وَلم يبْق مِنْهَا إِلَى الْقَلِيل خرجت طَائِفَة من الفرنج فِي جَيش كثيف إِلَى بِلَاد الْمُسلمين فنهبوا وَسبوا وعاثوا عيثا فظيعا فَتوجه لقصدهم وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَجمع جيوشه من أَطْرَاف الْبِلَاد واحتفل احتفالا عَظِيما وَخرج إِلَى مَدِينَة سلا ليَكُون اجْتِمَاع العساكر بظاهرها فاتفق أَنه مرض مَرضا شَدِيدا إِلَى أَن يئس أطباؤه فتوقف الْحَال عَن تَدْبِير الجيوش فَحمل إِلَى مراكش فطمع(28/101)
المجاورون لَهُ من الْعَرَب وَغَيرهم وعاثوا فِي الْبِلَاد وأغاروا على النواحي وَكَذَلِكَ فعل الأدفونش فِيمَا يَلِيهِ من بِلَاد الأندلس وتفرق الجيوش شرقا وغربا
وَزَاد طمع الأدفونش وَبعث رَسُولا إِلَى الْأَمِير يَعْقُوب يتهدده ويتوعده وَيطْلب بعض الْحُصُون المتاخمة لَهُ وَكتب إِلَيْهِ رِسَالَة من إنْشَاء وَزِير [465] لَهُ يعرف بِابْن الفخار وَهِي
بِاسْمِك اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وصل الله على السَّيِّد الْمَسِيح روح الله وكلمته الرَّسُول الفصيح أما بعد
فَلَا يخفى على ذِي ذهن ثاقب وَلَا ذِي عقل لازب أَنَّك أَمِير الْملَّة الحنيفية كَمَا أَنِّي أَمِير الْملَّة النَّصْرَانِيَّة وَقد علمت مَا عَلَيْهِ رُؤَسَاء الأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرّعية وإخلادهم إِلَى الرَّاحَة وَأَنا أسومهم بِحكم الْقَهْر وخلاء الديار وَسبي الذَّرَارِي وأمثل بِالرِّجَالِ وَلَا عذر لَك فِي التَّخَلُّف عَن نصرتهم إِذا أمكنتك يَد الْقُدْرَة وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَن الله فرض عَلَيْكُم قتال عشرَة منا بِوَاحِد مِنْكُم والآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا وَنحن الْآن نُقَاتِل عشرَة مِنْكُم بِوَاحِد منا لَا تَسْتَطِيعُونَ دفاعا وَلَا تَمْلِكُونَ امتناعا وَقد حُكيَ لي عَنْك أَنَّك أخذت فِي الاحتفال وأشرفت على ربوة الْقِتَال وَأَنت تماطل نَفسك عَاما بعد عَام وَتقدم رجلا وتوخر أُخْرَى فَلَا أَدْرِي أَكَانَ الْجُبْن أَبْطَأَ بك أم التَّكْذِيب بِمَا وَعدك رَبك ثمَّ قيل لي إِنَّك لَا تَجِد إِلَى جَوَاز الْبَحْر سَبِيلا لعِلَّة لَا يجوز لَك التقحم مَعهَا وَهَا أَنا أَقُول لَك مَا فِيهِ الرَّاحَة لَك وأعتذر لَك وعنك على أَن تفي بالعهد والمواثيق والاستكثار من الدَّهْر وَترسل لي جمَاعَة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات وأجوز بحملتي إِلَيْك وأقاتلك فِي أعز الْأَمَاكِن إِلَيْك فَإِن كَانَت لَك فغنيمة كَبِيرَة جلبت إِلَيْك وهدية عَظِيمَة مثلت بَين يدك وَإِن(28/102)
كَانَت لي كَانَت [466] الْعليا عَلَيْك واستحقيت إِمَارَة الملتين وَالْحكم على البرين وَالله موفق السَّعَادَة يسهل الْإِرَادَة لَا رب غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَلَمَّا وصل كِتَابه إِلَى الْأَمِير يَعْقُوب مزقه وَكتب على ظهر قِطْعَة مِنْهُ {ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون} النَّمْل 37 الْجَواب مَا ترى لَا مَا تسمع
(وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرموم)
ثمَّ استدعى الجيوش من الْأَمْصَار وَضرب السرادقات بِظَاهِر الْبَلَد من يَوْمه وَجمع العساكر وَسَار إِلَى الْبَحْر الْمَعْرُوف بزقاق سبتة فَعبر فِيهِ إِلَى الأندلس وَدخل بِلَاد الفرنج وَقد اعتدوا واحتشدوا وتأهبوا فكسرهم كسرة شنيعة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم ينج مِنْهُم ملكهم إِلَّا فِي نفر قَلِيل
وَكَانَ مَا ذكرته فِي أول هَذِه التَّرْجَمَة وأخلى الفرنج قلعة رَبَاح لما داخلهم من الرعب فملكها الْأَمِير يَعْقُوب وَجعل فِيهَا واليا وجيشا ولكثرة مَا حصل لَهُ من الْغَنَائِم لم يُمكنهُ الدُّخُول إِلَى بِلَاد الفرنج فَعَاد إِلَى طليطلة وحاصرها وَقطع أشجارها وَأخذ من أَعمالهَا حصونا كَثِيرَة وَقتل رجالها وسبى حريمها وَهدم مبانيها وَترك الفرنج فِي أَسْوَأ حَال
ثمَّ رَجَعَ إِلَى أشبيلية وَأقَام بهَا إِلَى أثْنَاء سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة(28/103)
وَعَاد إِلَى بِلَاد الفرنج مرّة ثَالِثَة وَفعل كَفِعْلِهِ الْمُتَقَدّم فَلم يبْق للفرنج قدرَة على لِقَائِه [467] وسألوا مِنْهُ الصُّلْح فأجابهم وصالحهم لمُدَّة خمس سِنِين
وَعَاد إِلَى مراكش وَلما وصل إِلَيْهَا أَمر باتخاذ الأحواض والروايا وآلات السّفر إِلَى بِلَاد أفريقية فَاجْتمع إِلَيْهِ مَشَايِخ الْمُوَحِّدين وَقَالُوا قد طَالَتْ غيبتنا بالأندلس فمنا من لَهُ خمس سِنِين وَمن لَهُ ثَلَاث سِنِين فأنعم علينا بالمهلة هَذَا الْعَام وَتَكون الْحَرَكَة أول سنة خمس وَتِسْعين فأجابهم
وانتقل إِلَى مَدِينَة سلا وَشَاهد فِيهَا من المتنزهات الْمعدة لَهَا وَكَانَ قد بنى بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة قَرِيبا مِنْهَا مَدِينَة سَمَّاهَا رِبَاط الْفَتْح عمل هَيْئَة الْإسْكَنْدَريَّة وبناها على الْبَحْر الْمُحِيط وَهِي على نهر سلا مُقَابلَة من الْبر القبلي وتنزه فِيهَا وَعَاد إِلَى مراكش
ثمَّ إِن النَّاس اخْتلفُوا فِي أمره من هُنَا فَقَالُوا إِنَّه ترك مَا كَانَ فِيهِ وتجرد وساح فِي الأَرْض وانْتهى إِلَى بِلَاد الشرق وَهُوَ مستخف لَا يعرف
وَمَات خاملا وَيُقَال إِن قَبره بِالْقربِ من المجدل قَرْيَة من الْبِقَاع العزيزي عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا حمارة وَإِلَى جَانبهَا مشْهد يعرف بِقَبْر الْأَمِير يَعْقُوب ملك الغرب كل أهل تِلْكَ النواحي متفقون على ذَلِك
وَقَالُوا مَاتَ بِمَدِينَة سلا فِي غرَّة جُمَادَى الأولى وَقيل شهر ربيع الآخر فِي سَابِع عشرَة وَقيل فِي غرَّة صفر سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بمراكش
ومولده سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَأمر أَن يدْفن على قَارِعَة الطَّرِيق لترحم النَّاس عَلَيْهِ(28/104)
وَبَايع النَّاس وَلَده أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب وَقد تقدم ذكره فِي المحمدين [468]
وَمن حكايات الْأَمِير الْمَنْصُور يَعْقُوب أَن رجلا من المشارقة وَمثل إِلَيْهِ فِي زِيّ رَسُول وَزعم أَنه من الْهِنْد يذكر أَن ذَلِك الْملك رأى فِي كتاب ملحمة عِنْده أَن أَبَا يُوسُف هَذَا يصل بجيوشه من الْمغرب وَيملك بِلَاد الْمشرق ثمَّ يفتح الْهِنْد وَمَا أشبه ذَلِك وَطلب الِاجْتِمَاع بِهِ فَقَالَ الْمَنْصُور الْعَاقِل الْحَكِيم ينخدع فِي مَاله وَلَا ينخدع فِي عقله وَأمر بإنزاله وإجراء الضِّيَافَة عَلَيْهِ حَتَّى ينْفَصل وَأما الِاجْتِمَاع بِهِ فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ
وَرفع إِلَيْهِ صَاحب شرطته أَن رجلا من الْعَامَّة مِمَّن ابتلاه الله بحب الْخمر اشتاق إِلَى عَادَته فَقَالَت لَهُ زَوجته قد علمت أَن الْخَلِيفَة يقتل على الشّرْب وَأَنت فِيك عربدة وَقلة صمت إِذا شربت فَقَالَ أَنا أحسم الْمَادَّة فقيد نَفسه بِقَيْد حَدِيد ثمَّ اشْتغل بشرابه وأغلق بَابه فنم بِهِ أحد أنذال جِيرَانه إِلَى صَاحب الشرطة فَأمر الْمَنْصُور أَن يضْرب السَّكْرَان الْحَد الْخَفِيف وَيُؤْخَذ الْقَيْد من رجله وَيُوضَع فِي رجل الغماز بعد أَن يضْرب على نجسه ويودع السجْن حَتَّى يستريح النَّاس مِنْهُ
وَاحْتَاجَ لأحد أَوْلَاده عَالما وأمينا فطلبهما من القَاضِي فَاخْتَارَ لَهُ القَاضِي رجلَيْنِ وصف أَحدهمَا فِي رقعته أَنه عَالم بَحر وَالْآخر أَنه أَمِين بر فاستنطقهما الْمَنْصُور فَعلم أَنَّهُمَا يكذبان [469] فَوَقع فِي الرقعة ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر(28/105)
واشتهر لَهُ من قَوْله شعر أفسد بِهِ الْعَرَب على قراقوش أحد مماليك صَلَاح الدّين وَكَانَ قد استولى على طرابلس وَقَابِس وَعظم أمره بالغرب
(يَا أَيهَا الرَّاكِب الساري لظبيته ... على غدافره تشقى بهَا الأكم)
(بلغ سُلَيْمَان على بعد الديار بهَا ... بيني وَبَيْنكُم الرحمان وَالرحم)
(يَا قَومنَا لَا تشبوا الْحَرْب إِن خمدت ... واستمسكوا بعرى الْإِيمَان واعتصموا)
(حاشى الأعاريب أَن ترْضى بمنقصه ... يَا لَيْت شعري هَل ألبابهم عدموا)
(يقودهم أرمني لَا خلاق لَهُ ... كَأَنَّهُ بَينهم من جَهله علم)
(الله يعلم أَنِّي مَا دعوتكم ... دُعَاء ذِي ترة يَوْمًا فينتقم)
(وَلَا التجأت لأمر يستعان بِهِ ... من الْأُمُور وَهَذَا الْخلق قد علمُوا)
(لَكِن لأجزي رَسُول الله عَن رحم ... تنمى إِلَيْهِ وترعى تلكم الذمم)
(فَإِن أبيتهم فحبل الْوَصْل مُتَّصِل ... وَإِن أَبَيْتُم فَعِنْدَ السَّيْف نحتكم)
فَلَمَّا وقفُوا على الشّعْر مالوا إِلَى الْمَنْصُور وانحرفوا عَن قراقوش
وَله موشحات حَسَنَة عَملهَا فِي جَارِيَة لَهُ كَانَ يهواها تسمى سَاحر وَقيل إِن هَذِه [470]
84 - تَقِيّ الدّين الجرايدي يَعْقُوب بن بدران بن مَنْصُور بن بدران
الإِمَام الْمُقْرِئ المجود تَقِيّ الدّين
أَبُو يُوسُف القاهري ثمَّ الدِّمَشْقِي الجرايدي
شيخ الإقراء بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهَا بِالْقَاهِرَةِ(28/106)
كَانَ مبرزا فِي علم الْقرَاءَات أَخذ الْقرَاءَات عَن السخاوي وَابْن ماسويه ورحل إِلَى أبي الْقَاسِم بن عِيسَى وَقَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى غَيره
وَحدث عَن ابْن الزبيدِيّ وَابْن اللتي وانتفع بِهِ الطّلبَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْنه الْعِمَاد مُحَمَّد وَالشَّيْخ نور الدّين الشطنوفي وَغير وَاحِد
وَعمل قصيدة فِي الْقرَاءَات حل فِيهَا رموز الشاطبية وَصرح بهم وَأثبت الأبيات عوض كل بَيت فِيهِ رمز وَأقر سَائِر القصيدة على حَاله
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
وَقد تقدم ذكر وَلَده عماد الدّين مُحَمَّد فِي المحمدين [471]
85 - نجم الدّين المنجنيقي يَعْقُوب بن صابر بن أبي البركات بن عباد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن حوثرت
أَبُو يُوسُف الْقرشِي
نجم الدّين المنجنيقي الْحَرَّانِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ(28/107)
الشَّاعِر لَهُ ديوَان كَانَ من فحول الشُّعَرَاء بالعراق سمع شَيْئا من الحَدِيث من أبي المظفر هبة الله بن عبد الله بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي
قَالَ محب الدّين ابْن النجار كتبنَا عَنهُ فِي حَدِيثه وَمن شعره
وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لطيف الْعشْرَة ظريفا وَله سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة
وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة انْتهى
وَمَا زَالَ مغرى بآداب السَّيْف والقلم وصناعة السِّلَاح اشْتهر بذلك
فَلم يلْحقهُ أحد فِي عصره وصنف كتابا سَمَّاهُ عدَّة المسالك فِي سياسة الممالك يتَضَمَّن أَحْوَال الحروب وَفتح الثغور
وَكَانَ ذَا منزلَة عَظِيمَة عِنْد الإِمَام النَّاصِر
وَمن شعره
(كَيفَ يسخو لعاشق بوصال ... باخل فِي الْكرَى بطيف خيال)
(علق القرط حِين بلبل صدغيه ... بداج من فَرعه كالليالي)
(فَرَأَيْنَا الدجا وَقد سحب الْبَدْر ... إِلَيْهِ من قرطه بِهِلَال)
وَمِنْه
(قد نفى جودك الْكِرَام فَلَا ... نبئت فِي النَّاس محسنا إلاكا)
(فَكَمَا قيل لَا إِلَه سوى الله ... كَذَا قيل لَا كريم سواكا)
[472]
وَمِنْه(28/108)
(أدر المدام فسقينها واشربا ... رَاحا ذكت أرجا وَطَابَتْ مشربا)
(رقت وراق مساغها فتصرمت ... صرفا وعاف مزاجها أَن مشربا)
(عجب السقاة لَهَا وَقَالُوا جذوة ... تزداد بِالْمَاءِ الزلَال تلهبا)
(إِن شعشعت فِي الكأس أبرزها السنا ... أَو خدرت فِي الدن ضَاعَ بهَا مشربا)
(سبت الْعُقُول تبرجا وتأرجا ... فلذاك قيل لمن شرى الْخمر اشربا)
(فاستجل مِنْهَا بنت كرم عنست ... فِي الخدر حينا لاهداء وَلَا سبا)
(من كف أهيف شادن حُلْو اللمى ... عذب الثنايا مَا انثنى إِلَّا اشربا)
(يسْعَى إِلَيْك بكأسه فتخاله ... قمرا يزف إِلَيْك مِنْهَا كوكبا)
(قمر إِذا مَا حل عقرب صُدْغه ... ألفيته قمرا يحل العقربا)
وَمِنْه
(سقاني المدامة حَتَّى الصَّباح ... وألثمني مبسما كالأقاحي)
(وزودني سحر طرف سليم ... سقيم من الغنج سَكرَان صَاح)
(فرحت تجاذبني نشوتان ... نشوة رَاح وسكر ارتياح)
(غزال شماثله كالشمول ... سهل الْخَلَائق حُلْو المزاج)
(إِذا ارتشف الراح ذَات الْحباب ... كمبسمه فِي سنا واتضاح)
(أذاق المدامة طعم المدام ... وقايضها كأس رَاح براح)
وَمِنْه
(شَكَوْت مِنْهُ إِلَيْهِ جوده فَبكى ... واحمر من خجل واصفر من وَجل)
(الْورْد والياسمين الغض منغمس ... فِي الظل بَين البكا والعذر والغزل)
وَمِنْه
(قبلت وجنته فألفت جيده ... خجلا وَمَال بعطفه المياس)(28/109)
(فانهل من خديه فرق عذاره ... عرق يحاكي الطل فَوق الآس)
(فكأنني استقطرت ورد خدوده ... بتصاعد الزفرات من أنفاسي)
[473]
وَكتب إِلَيّ شيخ الرِّبَاط
(مولَايَ يَا شيخ الرِّبَاط الَّذِي ... أبان عَن فضل وعلياء)
(إِلَيْك أَشْكُو جور صوفية ... باتوا ضيوفي وأووا دَاري)
(أتيتهم بالخبز مستأثرا ... وَبت تَشْكُو الْجُوع أعضائي)
(مَشوا على الْخبز وَمن عَادَة ... الزهاد أَن يمشوا على المَاء)
وَقَالَ
(تعلمت علم المنجنيق ورميه ... لهدم الصَّيَاصِي وافتتاح المرابط)
(وعدت إِلَى نظم القريض لشقوتي ... فَلم أخل فِي الْحَالين من قصد حَائِط)
قلت وَهَذَا يشبه قَول مظفر الذَّهَبِيّ
(كلفت بتصوير الدمى فِي شبيبتي ... وأتقنتها إتقان حبر مهذب)
(فَلم أخل من تزويق زور مكذب)
وَمن شعر نجم الدّين
(لَا تكن واثقا بِمن كظم الغيظ ... اغتيالا وخف غرار الْغرُور)
(فالظبي المرهفات أقتل مَا كَانَت ... إِذا غاض مَاؤُهَا فِي الصُّدُور)
وَمِنْه فِي جَارِيَة حبشية كَانَ يهواها
(وَجَارِيَة من بَنَات الحبوش ... بِذَات جفون صِحَاح مراض)
(تعشقتها للتصابي فشبت ... غرما وَلم أك بالشيب رَاض)
(وَكنت أعيرها بِالسَّوَادِ ... فَصَارَت تعيرني بالبياض)(28/110)
(جَارِيَة عبرت للطَّواف ... وعبرتها حذرا تَدْمَع)
(فَقلت ادخلي الْبَيْت لَا تجزعي ... فَفِيهِ الْأمان لمن يجزع)
(سدانته لبني شيبَة ... فَقَالَت وَمن شيبَة أفزع)
قلت وأكمل من هَذَا قَول الآخر وَهُوَ مواليا
(لقيتها قلت ستي أَيْن ذِي الْغَيْبَة ... قَالَت ولي شبت قلت الشيب لي هَيْبَة)
(موري بِنَا الْبَيْت قَالَت مستك خيبة ... أَنا أبْغض الْبَيْت من بغضي بني شيبَة)
[474]
وَكتب نجم الدّين ابْن صابر إِلَى الإِمَام النَّاصِر يعرض بالوزير القمي وَكَانَ يَدعِي أَنه شرِيف علوي
(خليلي قولا للخليفة أَحْمد ... توق وقيت الشَّرّ مَا أَنْت صانع)
(وزيرك هَذَا بَين أَمريْن فيهمَا ... صنيعك يَا خير الْبَريَّة ضائع)
(فَإِن كَانَ حَقًا من سلالة أَحْمد ... فَهَذَا وَزِير فِي الْخلَافَة طامع)
(وَإِن كَانَ فِيمَا يَدعِي غير صَادِق ... فأضيع مَا كَانَت لَدَيْهِ الودائع)
وَكَانَت هَذِه الأبيات سَببا لتغير الْخَلِيفَة عَلَيْهِ
وَخرج إِلَى الْوَزير مملوكان مسرعان فهجما على الْوَزير فِي دَاره وضرباه على رَأسه بالدواة وَحمل إِلَى المطبق فَكتب إِلَى الْخَلِيفَة
(القني فِي لظى فَإِن عيرتين ... فتيقن أَن لست بالياقوت)
(عرف النسج كل من حاك لَكِن ... لَيْسَ دَاوُد فِيهِ كالعنكبوت)
فَكتب الْخَلِيفَة إِلَيْهِ الْجَواب
(نسج دَاوُد لم يفد صَاحب ... الْغَار وَكَانَ الفخار للعنكبوت)
(وَبَقَاء السمند فِي لَهب النَّار ... مزيل فَضِيلَة الْيَاقُوت)
اخترناك فعرفناك واختبرناك فصرفناك وَالسَّلَام [475](28/111)
وَكَانَ بِبَغْدَاد شخص يُقَال لَهُ ابْن بَشرَان وَكَانَ كثير الأراجيف فَقعدَ على الطَّرِيق ينجم فَقَالَ فِيهِ ابْن صابر
(إِن ابْن بَشرَان على علاته ... من خيفة السُّلْطَان صَار منجما)
(طبع المشوم على الفضول فَلم يطق ... فِي الأَرْض إرجافا فَأَرْجَفَ فِي السما)
وَمن شعره مَا كتبه لبَعض الرؤساء بِبَغْدَاد
(مَا جِئْت أَسأَلك الْمَوَاهِب مادحا ... إِنِّي لما أوليتني لشكور)
(لَكِن أتيت عَن الْمَعَالِي مخبرا ... لَك أَن سعيك عِنْدهَا مشكور)
وَمن شعره
(قَالُوا بَيَاض الشيب نور سَاطِع ... يكسو الْوُجُوه مهابة وضياء)
(حَتَّى سرت وخطاته فِي مفرقي ... فوددت أَن لَا أفقد الظلماء)
(وَعدلت أستبقي الشَّبَاب تعللا ... بخصابها فصبغتها سَوْدَاء)
(لَو أَن لحية من تشيب صحيفَة ... لمعاده مَا اخْتَارَهَا بَيْضَاء)
قلت وَمن هُنَا أَخذ شهَاب الدّين التلعفري قَوْله
(لَا تعجلن فوالذي جعل الدجى ... من ليل طرتي البهيم ضِيَاء)
(لَو أَنَّهَا يَوْم الْمعَاد صحيفتي ... مَا سر قلبِي كَونهَا بَيْضَاء)
وَمن شعر نجم الدّين أَن صابر وَقد كبر وَصَارَ يحمل عَصا [476]
(ألقيت عَن يَدي الْعَصَا ... زمن الشبيبة للنزول)
(وحملتها لما دَعَا دَاعِي ... المشيب إِلَى الرحيل)
وَمِنْه فِي ذمّ الصُّوفِيَّة
(قد لبس الصُّوف لترك الصَّفَا ... مَشَايِخ الْعَصْر وَشرب الْعصير)
(الرقص وَالشَّاهِد من شَأْنهمْ ... شَرّ طَوِيل تَحت ذيل قصير)(28/112)
وَمِنْه
(قَالُوا نرَاهُ يسل شعر عذاره ... وسباله مستهترا بزواله)
(فتسل عَنهُ وَخذ حبيبا غَيره ... فأجبتهم لَا زلت عبد وصاله)
(هَل يحسن السلوان عَن حب يرى ... أَن لَا يفارقني بنتف سباله)
وَقَالَ فِي مليح يسبح فِي دجلة بتبان أَزْرَق وَشد بوسطيه شكوة منفوخة
(يَا للرِّجَال سكايتي من شكوة ... أضحت تعانق من أحب وأعشق)
(جمعت هوى كهواي إِلَّا أَنَّهَا ... تطفو ويثقلني الغرام فأغرق)
(ويغيرني التبَّان عِنْد عناقه ... أردافه فَهُوَ الْعَدو الْأَزْرَق)
86 - الْمعز بن صَلَاح الدّين يَعْقُوب بن يُوسُف الْملك الْمعز
وَيُقَال الْأَعَز
شرف الدّين أَبُو يُوسُف بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين النَّاصِر بن أَيُّوب
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة
وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة
وَسمع من عبد الله بن بري وَابْن أسعد الجواني(28/113)
وَقَرَأَ الْقُرْآن على الأرتاجي
وَكَانَ متواضعا كثير التِّلَاوَة دينا حدث بالحرمين ودمشق كَانَ صَدُوقًا وَتُوفِّي بحلب رَحمَه الله تَعَالَى [478]
87 - ابْن الدقاق يَعْقُوب بن الدقاق أَبُو يُوسُف
كَانَ مستملي أبي نصر صَاحب قَالَ كُنَّا يَوْم جُمُعَة بقبة الشُّعَرَاء فِي رحبة مَسْجِد الْمَنْصُور فتناشدوا صَوتا إِذا صَاح فِي صائح من ورائي يَا منتوف
فتغافلت كَأَنِّي لم أسمع
فَقَالَ وَيلك يَا أعمى يَا أعمى لم لَا تَتَكَلَّم
فَقلت من هَذَا
فَقَالُوا أَبُو دانق الموسوس
فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ لي وَيلك هَل تعرف أحسن من هَذَا الْبَيْت أَو أشعر من قَائِله
فَقلت كالمحاجر لَهُ لَا
فَقَالَ لَا أم لَك هلا قلت نعم قَوْله(28/114)
(يزيدك وَجههَا حسنا ... إِذا مَا زِدْته نظرا)
ثمَّ وثب وثبة فَجَلَسَ إِلَى جَانِبي وَأَقْبل عَليّ وَقَالَ لي يَا عمي صف لي صُورَتك على البديهة وَإِلَّا أخرجتك من بزتك
ثمَّ أقبل على من كَانَ حَاضرا فَقَالَ ظلمته هُوَ ضَرِير لم ير وَجهه فَمن أحسن منا أَن يصفه فليصفه وَكَانَ على أقبح النَّاس وَجها وَكَانَ يحلق شعر رَأسه وَشعر لحيته وَشعر حاجبيه قَالَ فَلم يتَكَلَّم أحد
فَقَالَ اكتبوا صفته فِي رَأسه وَأنْشد
(أنسبه راسه لَوْلَا وجار ... لعينيه ونضنضة اللِّسَان)
[479]
(بأضخم قرعَة عظمت وتمت ... فَلَيْسَ لَهَا لَدَى التَّمْيِيز ثَان)
(إِذا عليت أَسْفَلهَا أمالت ... دعائم رَأسهَا نَحْو اللِّسَان)
(وَكَانَ لنا مَكَان الْجيد مِنْهَا ... إِذا اتَّصَلت بممسكه الجران)
(لَهَا فِي كل شارقة وبيص ... كَأَن بريقها لمع الدهان)
(فَلَا سلمت من حذري وخوفي ... مَتى سلمت صفاتك من بناني)
ثمَّ وثب إِلَيّ فحالت الْأَيْدِي بيني وَبَينه
88 - الجبان أَبُو يَعْقُوب الجبان
قَالَ ياقوت لم يَقع إِلَيّ اسْمه وَوَجَدته مَذْكُورا فِي كتاب أَصْبَهَان وَلَا شكّ فِي كَونه من أَصْبَهَان(28/115)
قَالَ حَمْزَة بن الْحسن فِي كتاب أَصْبَهَان أَبُو يَعْقُوب الجبان مؤدب المكتفي قَالَ
(إِذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ)
(وَإِن برقتْ فِي مخيل الصَّوَاب ... عمياء لَا يجتليها الْبَصَر)
(مقنعة بظلام الغيوب ... سللت عَلَيْهَا حسام الْفِكر)
(وَلست بإمعة فِي الرِّجَال ... أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر)
(ولكنني وافر الأصغرين ... أَقيس على مَا مضى مَا حضر)
[480]
وَقَالَ أَيْضا
(لقد سَاءَ أَقْوَامًا بقائي لعلمهم ... بعلمي بآباء لَهُم سلفوا قبلي)
(وسر بقائي آخَرين لعلمهم ... بِأَن لَيْسَ عَن أحسابهم ذائد مثلي)
وَقَالَ أَيْضا
(دنيا دنت من جَاهِل وَتَبَاعَدَتْ ... عَن كل ذِي لب لَهُ)
(سلحت على أَرْبَابهَا حَتَّى إِذا ... صَارَت إِلَيّ أَصَابَهَا) [481]
89 - نَاظر حلب يَعْقُوب بن عبد الْحَكِيم
الرئيس الصاحب شرف الدّين
نَاظر حلب وطرابلس وَكَانَ مباشرا نظر الْجَيْش بحلب قبل عود السُّلْطَان الْملك النَّاصِر من الْكَرم ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى طرابلس نَاظر المَال سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة(28/116)
ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى حلب نَاظرا وَأقَام بهَا فِي سَعَادَة زَائِدَة وَخير عَظِيم إِلَى أَن عزل مِنْهَا فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَتوجه إِلَى طرابلس فَأَقَامَ بهَا إِلَى سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة
ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى نظر حلب ثمَّ نقل إِلَى نظر طرابلس فَأَقَامَ بهَا دون السّنة وَمرض وتعلل فَتوجه إِلَى حماة وَأقَام بهَا للتداوي مُدَّة
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي إِحْدَى الجماديين سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة
وَكَانَ من الرؤساء والنبلاء يَقْصِدهُ النَّاس ويمدحه الشُّعَرَاء فيجيزهم ويبرهم وَيحسن إِلَى النَّاس ويكارم المصريين ويخدم النَّاس ويتجمل فِي ملبسه ومأكله وَيُحب الْعلمَاء والصلحاء والفقراء
وَفِيه يَقُول جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة
(قَالَت الْعليا لمن حاولها ... سبق الصاحب واحتل ذراها)
(فدعوا كسب الْمَعَالِي إِنَّهَا ... حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا)
وَهُوَ وَالِد القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد كَاتب سر حلب ودمشق وأخيه الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد وَهُوَ أَيْضا أَخُو القَاضِي تَاج الدّين نَاظر الْأَوْقَاف بحلب [482]
يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن السّكيت
أَبُو يُوسُف(28/117)
روى عَن عَمه أَحْمد بن يَعْقُوب
وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الطّيب بن عَليّ بن أَحْمد التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ فِي أَمَالِيهِ
يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عَليّ
أَبُو يُوسُف الخوازني
الْفَقِيه الْحَنَفِيّ
روى عَنهُ ابْن السَّقطِي فِي مُعْجَمه حَدِيثا وَذكر أَنه تدبر بَغْدَاد زَمنا وَقَرَأَ الْعُلُوم
وَكَانَ عَالما فهما
يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن خلف بن يُونُس بن طَلْحَة
أَبُو يُوسُف القشري
نزيل شاطبة
كَانَ فَقِيها مشاورا أديبا عَارِفًا بِالشُّرُوطِ توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة [483]
90 - الْمدنِي يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن طحلا الْمدنِي
وثقة أَحْمد وَغَيره
وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة
وروى لَهُ مُسَيْلمَة
90 - الْأَمِير مجير الدّين يَعْقُوب بن مُحَمَّد الْأَمِير مجير الدّين بن(28/118)
السُّلْطَان الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب تلقب بِالْملكِ الْمعز
وَهُوَ بمجير الدّين أشهر
سمع وروى عَنهُ الدمياطي
وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة
92 - الْأَمِير أَبُو يُوسُف الهذياني يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عِيسَى بن درباك الْأَمِير شرف الدّين
أَبُو يُوسُف الهذياني الْكرْدِي الأربلي الْموصِلِي
أحد أُمَرَاء الديار المصرية
ولد بالعمادية وَسمع بالموصل وَحدث بِدِمَشْق والقاهرة وَولي سد الدَّوَاوِين وَكَانَ بَيته مأوى الْفُضَلَاء وَعِنْده أدب وفضيلة
وروى عَنهُ جمَاعَة
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمسٍ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة
تمّ الْجُزْء السَّادِس بِحَمْد الله وعونه وَحسن توفيقه وَلَا حول وَلَا قوَّة إِلاَّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا(28/119)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
يَعْقُوب بن يُوسُف
1 - الْمَنْصُور المراكشي يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ الملقب بالمنصور أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو يُوسُف الْقَيْسِي المراكشي سُلْطَان الْمغرب أمه أم ولد ملك وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَعمر بمراكش بيمارستانا غَرِيبا أجْرى فِيهِ مياها كَثِيرَة وغرس فِيهِ من جَمِيع الْأَشْجَار وزخرفه وَأمر لَهُ فِي كل يَوْم بِثَلَاثِينَ دِينَارا للأدوية وَكَانَ يعود المرضى فِيهِ فِي كل جُمُعَة
وَكتب إِلَيْهِ صَلَاح الدّين بن أَيُّوب يستنجده على الفرنج وخاطبه بأمير الْمُؤمنِينَ وَلم يخاطبه بأمير الْمُؤمنِينَ فَلم يجبهُ إِلَى مَا طلب
وَوَقع بَين الْمَنْصُور هَذَا وَبَين الأذفونش ملحمة هائلة قل أَن وَقع مثلهَا قتل فِيهَا من الفرنج مائَة ألف وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ ألف نفس وَقتل من الْمُسلمُونَ نَحْو من عشْرين ألف نفس وَحمل من دروعهم لبيت المَال سِتُّونَ ألف دِرْهَم وَأما الدَّوَابّ فَلم يحص عَددهَا
وَكَانَ قد أَمر أَن لَا يُفْتى بِفُرُوع الْفِقْه وَأَن لَا يُفْتى إِلَّا بِالْكتاب وَالسّنة وَأَن يجْتَهد الْفُقَهَاء على طَريقَة أهل الظَّاهِر وَإِلَيْهِ تنْسب الدَّنَانِير اليعقوبية وَأمر بِقِرَاءَة الْبَسْمَلَة فِي أول(29/5)
الْفَاتِحَة فِي الصَّلَوَات وَأرْسل بذلك إِلَى سَائِر بِلَاد الْمُسلمين فَأجَاب قوم وَامْتنع آخَرُونَ وَكَانَ يشدد على الرّعية بِإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس ويعاقب على تَركهَا وَيَأْمُر بالنداء فِي الْأَسْوَاق بالمبادرة إِلَيْهَا فَمن غفل عَنْهَا أَو اشْتغل عَنْهَا بمعيشة عززه تعزيزا بليغا وَقتل فِي بعض الأحيان على شرب الْخمر وَقتل الْعمَّال الَّذين تَشكوا الرّعية مِنْهُم
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وصل إِلَيْنَا جمَاعَة من مَشَايِخ الْمغرب وهم على تِلْكَ الطَّرِيق مثل أبي الْخطاب ابْن دحْيَة وأخيه ابْن عمر ومحيي الدّين بن الْعَرَبِيّ نزيل دمشق
وَكَانَ محبا للْعُلَمَاء محسنا إِلَيْهِم مقربا لَهُم وللأدباء مصغيا إِلَى المديح مثيبا عَليّ وَله ألف أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد السَّلَام الجراوي صفوة الْأَدَب وديوان الْعَرَب من مُخْتَار الشّعْر وَمن شعراء دولته أَبُو بكر يحيى بن عبد الْجَلِيل بن مجبر الأندلسي وَقد تقدم ذكره فِي مَكَانَهُ وَدخل عَلَيْهِ الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكانمي الْأسود الشَّاعِر الْمَشْهُور فأنشده // (من الوافر) //
(أَزَال حجابه عني وعيني ... ترَاهُ من المهابة فِي حجاب)
(وقربني بِفضل مِنْهُ لَكِن ... بَعدت مهابة عِنْد اقترابي)
وَكَانَ يَعْقُوب هَذَا صافي السمرَة جدا إِلَى الطول مَا هُوَ جميل الْوَجْه أعين شَدِيد الْكحل ضخم الْأَعْضَاء جوهري الصَّوْت جدل الْأَلْفَاظ أصدق النَّاس لهجة وَأَحْسَنهمْ حَدِيثا وَأَكْثَرهم إِصَابَة فِي الظَّن مجربا للأمور ولي وزارة أَبِيه فبحث عَن الْأَحْوَال بحثا شافيا وطالع مَقَاصِد الْعمَّال والولاة وَغَيرهم مطالعة أفادته معرفَة بجزئيات الْأُمُور وَلما مَاتَ أَبوهُ اجْتمع رَأْي أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وَبني عبد الْمُؤمن على تَقْدِيمه فَبَايعُوهُ وعقدوا لَهُ الْبيعَة وَدعوهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ كأبيه وجده ولقبوه الْمَنْصُور فَقَامَ بالأمور أحسن قيام وَهُوَ الَّذِي أظهر أبهة ملكهم وَرفع راية الْجِهَاد وَنصب ميزَان الْعدْل وَأقَام الْحُدُود حَتَّى على أَهله وعشيرته وَخرج عَلَيْهِ عَليّ بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَائِشَة الملثم من جَزِيرَة ميورقة فِي شعْبَان سنة ثَمَانِينَ وَملك بجاية وَمَا حولهَا فَجهز إِلَيْهِ الْمَنْصُور يَعْقُوب عشْرين ألف فَارس وأسطولا فِي الْبَحْر ثمَّ خرج بِنَفسِهِ فِي أول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس(29/6)
مائَة فاستعاد مَا أَخذ من الْبِلَاد ثمَّ عَاد إِلَى مراكش
وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بلغه أَن الفرنج ملكوا مَدِينَة شلب وَهِي فِي غرب جَزِيرَة الأندلس فتجهز إِلَيْهَا بِنَفسِهِ وحاصرها وَأَخذهَا وأنفذ فِي الْوَقْت جَيْشًا من الْمُوَحِّدين وَمَعَهُمْ جمَاعَة من الْعَرَب ففتحوا أَربع مدن من بِلَاد الفرنج كَانُوا قد أخذوها من الْمُسلمين قبل ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة وخافه صَاحب طليطلة وَصَالَحَهُ خمس سِنِين وَعَاد إِلَى مراكش وَلما انْقَضتْ الْهُدْنَة وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل خرجت طَائِفَة من الفرنج فِي جَيش كثيف إِلَى بِلَاد الْمُسلمين فنهبوا وَسبوا وعاثوا عيثا فظيعا فَتوجه لقصدهم وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَجمع جيوشه من أَطْرَاف الْبِلَاد واحتفل احتفالا عَظِيما وَخرج إِلَى مَدِينَة سلا ليَكُون اجْتِمَاع العساكر بظاهرها فاتفق أَنه مرض مَرضا شَدِيدا إِلَى أَن يئس أطباؤه فتوقف الْحَال عَن تَدْبِير الجيوش فَحمل إِلَى مراكش وطمع المجاورن لَهُ من الْعَرَب وَغَيرهم وعاثوا فِي الْبِلَاد وأغاروا على النواحي وَكَذَلِكَ فعل الأذفونش فِيمَا يَلِيهِ من بِلَاد الأندلس وتفرق الجيوش شرقا وغربا وَزَاد طمع الأذفونش وَبعث رَسُولا إِلَى الْأَمِير يَعْقُوب يتهدده ويتوعده وَيطْلب بعض الْحُصُون المتاخمة لَهُ وَكتب إِلَيْهِ رِسَالَة من إنْشَاء وَزِير لَهُ يعرف بِابْن الفخار وَهِي
بِسم اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَصلى الله على السَّيِّد الْمَسِيح روح الله وكلمته الرَّسُول الفصيح أما بعد فَلَا يخفى على ذِي ذهن ثاقب وَلَا ذِي عقل لازب أَنَّك أَمِير الْملَّة الحنيفية كَمَا أَنِّي أَمِير الْملَّة النَّصْرَانِيَّة وَقد علمت مَا عَلَيْهِ رُؤَسَاء الأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرّعية وإخلادهم إِلَى الرَّاحَة وَأَنا أسومهم بِحكم الْقَهْر وخلاء الديار وَسبي الذَّرَارِي وأمثل بِالرِّجَالِ وَلَا عذر لَك فِي التَّخَلُّف عَن نَصرهم إِلَّا إِذا أمكنتك يَد الْقُدْرَة وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَن الله فرض عَلَيْكُم قتال عشرَة منا بِوَاحِد مِنْكُم ف {الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا} الْأَنْفَال 8 / 66 وَنحن الْآن نُقَاتِل عشرَة مِنْكُم بِوَاحِد منا لَا تَسْتَطِيعُونَ دفاعا وَلَا تَمْلِكُونَ امتناعا وَقد حُكيَ لي عَنْك أَنَّك أخذت فِي الاحتفال وأشرفت على ربوة الْقِتَال وَأَنت تماطل نَفسك عَاما بعد عَام وَتقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى فَلَا أَدْرِي أَكَانَ الْجُبْن أَبْطَأَ بك أم التَّكْذِيب بِمَا وَعدك رَبك ثمَّ قيل لي إِنَّك لَا تَجِد إِلَى(29/7)
جَوَاز الْبَحْر سَبِيلا لعِلَّة لَا يجوز لَك التقحم مَعهَا وَهَا أَنا أَقُول لَك مَا فِيهِ الرَّاحَة لَك وَاعْتذر لَك وعنك على أَن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرَّهْن وَترسل إِلَى جملَة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات وأجوز بجملة إِلَيْك وأقاتلك فِي أعز الْأَمَاكِن إِلَيْك فَإِن كَانَت لَك فغنيمة كَبِيرَة جلبت إِلَيْك وهدية عَظِيمَة مثلت بَين يَديك وَإِن كَانَت لي كَانَت يَدي الْعليا عَلَيْك واستحقيت إِمَارَة الملتين وَالْحكم على البرين وَالله يوفق للسعادة ويسهل الإراده لَا رب غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَلَمَّا وصل كِتَابه إِلَى الْأَمِير يَعْقُوب مزقه وَكتب على ظهر قِطْعَة مِنْهُ {ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون} النَّمْل 27 / 37 الْجَواب مَا ترى لَا مَا تسمع
(وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرمرم)
ثمَّ استدعى الجيوش من الْأَمْصَار وَضرب السرادقات بِظَاهِر الْبَلَد من يَوْمه وَجمع العساكر وَسَار إِلَى الْبَحْر الْمَعْرُوف بزقاق سبتة فَعبر فِيهِ إِلَى الأندلس وَدخل بِلَاد الفرنج وَقد اعتدوا واحتشدوا وتأهبوا فكسرهم كسرة شنيعة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَلم ينج مِنْهُم ملكهم إِلَّا فِي نفر قَلِيل وَكَانَ مَا ذكرته فِي أول هَذِه التَّرْجَمَة وأخلى الفرنج قلعة رَبَاح لما داخلهم من الرعب فملكها الْأَمِير يَعْقُوب وَجعل فِيهَا واليا وجيشا ولكثرة مَا حصل لَهُ من الْغَنَائِم لم يُمكنهُ الدُّخُول إِلَى بِلَاد الفرنج فَعَاد إِلَى طليطلة وحاصرها وَقطع أشجارها وَأخذ من أَعمالهَا حصونا كَثِيرَة وَقتل رجالها وسبى حريمها وهجم مبانيها وَترك الفرنج فِي أَسْوَأ حَال ثمَّ رَجَعَ إِلَى إشبيلية وَأقَام إِلَى أثْنَاء سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَعَاد إِلَى بِلَاد الفرنج مرّة ثَالِثَة وَفعل كَفِعْلِهِ الْمُتَقَدّم فَلم يبْق للفرنج قدرَة على لِقَائِه وسألوا مِنْهُ الصُّلْح فأجابهم وصالحهم لمُدَّة خمس سِنِين وَعَاد إِلَى مراكش وَلما وصل إِلَيْهَا أَمر باتخاذ الأحواض والروايا وآلات السّفر إِلَى بِلَاد إفريقية فَاجْتمع إِلَيْهِ مَشَايِخ الْمُوَحِّدين وَقَالُوا قد طَالَتْ غيبتنا بالأندلس فمنا من لَهُ خمس سِنِين وَمنا من لَهُ ثَلَاث سِنِين فأنعم علينا بالمهلة هَذَا الْعَام وَتَكون الْحَرَكَة أول سنة خمس وَتِسْعين فأجابهم وانتقل إِلَى مَدِينَة سلا وَشَاهد مَا فِيهَا من المتنزهات الْمعدة لَهُ وَكَانَ قد بنى بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة قَرِيبا مِنْهَا مَدِينَة سَمَّاهَا رِبَاط الْفَتْح على هَيْئَة الْإسْكَنْدَريَّة وبناها على الْبَحْر الْمُحِيط وَهِي على نهر سلا مُقَابِله من الْبر القبلي وتنزه فِيهَا وَعَاد إِلَى مراكش(29/8)
ثمَّ إِن النَّاس اخْتلفُوا فِي أمره من هُنَا فَقَالُوا إِنَّه ترك مَا كَانَ فِيهِ وتجرد وساح فِي الأَرْض وانْتهى إِلَى بِلَاد الشرق وَهُوَ مستخف لَا يعرف وَمَات خاملا وَيُقَال عَن قَبره بِالْقربِ من المجدل قَرْيَة من الْبِقَاع العزيزي عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا حمارة وَإِلَى جَانبهَا مشه يعرف بِقَبْر الْأَمِير يَعْقُوب ملك الغرب كل أهل تِلْكَ النواحي متفقون على ذَلِك وَقَالُوا مَاتَ بِمَدِينَة سلا فِي غرَّة جُمَادَى الأولى وَقيل فِي شهر ربيع الآخر فِي سَابِع عشرَة وَقيل فِي غرَّة صفر سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة بمراكش ومولده سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة وَأمر ليدفن على قَارِعَة الطَّرِيق ليترحم النَّاس عَلَيْهِ
وَبَايع النَّاس وَلَده أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب وَقد تقدم ذكره فِي المحمدين
وَمن حكايات الْأَمِير الْمَنْصُور يَعْقُوب أَن رجلا من المشارقة وصل إِلَى فِي زِيّ رَسُول وَزعم أَنه من الْهِنْد يذكر أَن ذَلِك الْملك رأى من كتاب ملحمة عِنْده أَن أَبَا يُوسُف هَذَا يصل بجيوشه من الْمغرب وَيملك بِلَاد الْمشرق ثمَّ يفتح الْهِنْد وَمَا أشبه ذَلِك وَطلب الِاجْتِمَاع بِهِ فَقَالَ الْمَنْصُور الْعَاقِل الْكَرِيم ينخدع فِي مَاله وَلَا ينخدع فِي عقله وَأمر بإنزاله وإجراء الضِّيَافَة عَلَيْهِ حَتَّى ينْفَصل وَأما الِاجْتِمَاع بِهِ فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ
وَرفع إِلَيْهِ صَاحب شرطته أَن رجلا من الْعَامَّة مِمَّن ابتلاه الله بحب الْخمر اشتاق إِلَى عَادَته فَقَالَت لَهُ زَوجته قد علمت أَن الْخَلِيفَة يقتل على الشّرْب وَأَنت فِيك عربدة وَقلة صمت إِذا شربت فَقَالَ لَهَا أَنا أحسم الْمَادَّة فقيد نَفسه بِقَيْد حَدِيد ثمَّ اشْتغل بشرابه وأغلق بَابه فنم بِهِ أحد أنذال جِيرَانه إِلَى صَاحب الشرطة فَأمر الْمَنْصُور أَن يضْرب السَّكْرَان الْحَد الْخَفِيف وَيُؤْخَذ الْقَيْد من رجله وَيُوضَع فِي رجل الغماز بعد أَن يضْرب على تجسسه ويودع السجْن حَتَّى يستريح النَّاس مِنْهُ
وَاحْتَاجَ لأحد أَوْلَاده عَالما وأمينا فطلبهما من القَاضِي فَاخْتَارَ لَهُ القَاضِي رجلَيْنِ وصف أَحدهمَا فِي رقعته أَنه عَالم بَحر وَالْآخر أَنه أَمِين بر فاستطقهما الْمَنْصُور فَعلم أَنَّهُمَا مقصرين فَوَقع فِي الرقعة {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} الرّوم 30 / 41
واشتهر لَهُ من قَوْله شعر أفسد بِهِ الْعَرَب على قراقوش أحد مماليك صَلَاح الدّين وَكَانَ قد استولى على طرابلس وَقَابِس وَعظم أمره بالغرب // (من الْبَسِيط) //
(يَا أَيهَا الرَّاكِب الساري لطيته ... على غذافرة تشقى بهَا الأكم)(29/9)
(بلغ سليما على بعد الديار بهَا ... بيني وَبَيْنكُم الرَّحْمَن وَالرحم)
(يَا قَومنَا لَا تشبوا الْحَرْب إِن خمدت ... واستمسكوا بعرى الْإِيمَان واعتصموا)
(حاشى الأعاريب أَن ترْضى بمنقصة ... يَا لَيْت شعري هَل ألبابهم عدموا)
(يقودهم أرمني لَا خلاق لَهُ ... كَأَنَّهُ بَينهم من جَهله علم)
(الله يعلم أَنِّي مَا دعوتكم ... دُعَاء ذِي ترة يَوْمًا فينتقم)
(وَلَا التجأت لأمر يستعان بِهِ ... من الْأُمُور وَهَذَا الْخلق قد علمُوا)
(لَكِن لأجزي رَسُول الله عَن رحم ... تنمي إِلَيْهِ وترعى تلكم الذمم)
(فَإِن أتيتم فحبل الْوَصْل مُتَّصِل ... وَإِن أَبَيْتُم فَعِنْدَ السَّيْف نحتكم)
فَلَمَّا وقفُوا على الشّعْر مالوا إِلَى الْمَنْصُور وانحرفوا عَن قراقوش
وَله موشحات حَسَنَة عَملهَا فِي جَارِيَة لَهُ يهواها تسمى سَاحر وَقيل إِن هَذِه الموشحة لِابْنِ زهر المغربي
(هَل ينفع الوجد أَو يُفِيد ... أَو هَل على من بَكَى جنَاح)
(يَا شقة الْقلب غبت عني ... فالليل عِنْدِي بِلَا صباح)
2 - الْمُقْرِئ يَعْقُوب بن يُوسُف بن عمر بن الْحُسَيْن بن المعمر أَبُو مُحَمَّد الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ كَانَ من أَعْيَان الْقُرَّاء المجودين الضابطين وَكَانَ الله تَعَالَى قد يسر عَلَيْهِ التِّلَاوَة حَتَّى إِنَّه كَانَ إِذا ركع رَكْعَتي تَحِيَّة الْمَسْجِد قَرَأَ فيهمَا سبعا من الْقُرْآن أسْرع من قِرَاءَة غَيره جُزْءا وَاحِدًا قَرَأَ بالروايات على الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الدباس وَمُحَمّد ابْن الْحُسَيْن المزروقي وَمُحَمّد بن خضر خطيب المحول وَغَيرهم وَسمع الْكثير من ابْن الْحصين وَابْن كادش وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء وَأحمد بن عَليّ بن المجلي وَغَيرهم وَحدث بالكثير وأقرأ كثيرا من النَّاس
قَالَ محب الدّين ابْن النجار وَكَانَ صَدُوقًا تغير وَاخْتَلَطَ فِي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
3 - الْمعز بن صَلَاح الدّين يَعْقُوب بن يُوسُف الْملك الْمعز وَيُقَال الْأَعَز شرف(29/10)
الدّين أَبُو يُوسُف بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين النَّاصِر بن أَيُّوب ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وست مائَة وَسمع من عبد الله بن بري وَابْن أسعد الجواني وَقَرَأَ الْقُرْآن على الآرتاحي وَكَانَ متواضعا كثير التِّلَاوَة دينا حدث بالحرمين ودمشق وَكَانَ صَدُوقًا وَتُوفِّي بحلب رَحمَه الله تَعَالَى
4 - ابْن الدقاق يَعْقُوب بن الدقاق ابْن يُوسُف كَانَ مستملي أبي نصر صَاحب الْأَصْمَعِي قَالَ كُنَّا يَوْم جُمُعَة بقبة الشُّعَرَاء فِي رحبة مَسْجِد الْمَنْصُور نناشد وَكنت أعلاهم صوما إِذْ صَاح بن صائح من ورائي يَا منتوف فتغافلت كَأَنِّي لم أسمع فَقَالَ وَيلك يَا أعمى يَا أعمى لما لَا تَتَكَلَّم فَقلت من هَذَا قَالَ أَبُو دانق الموسوس فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ وَيلك هَل تعرف أحسن من هَذَا الْبَيْت أَو أشعر من قَائِله // (من المنسرح) //
(مَا تنظر الْعين مِنْهُ نَاحيَة ... إِلَّا أَقَامَت مِنْهُ على حسن)
فَقلت كالمحاجز لَهُ لَا فَقَالَ لَا أم لَك هلا قلت نعم قَوْله // (من الهزج) //
(يزيدك وَجهه حسنا ... إِذا مَا زِدْته نظرا)
ثمَّ وثب وثبة إِلَى جَانِبي وَأَقْبل عَليّ وَقَالَ يَا عمي صف لي صُورَتك السَّاعَة على البديهة وغلا أخرجتك من بزتك ثمَّ أقبل على من كَانَ حَاضرا فَقَالَ طلمناه ظلمناه هُوَ ضَرِير لم ير وَجهه فَمن أحسن منا أَن يصفه فليصفه وَكَانَ على الْحَقِيقَة أقبح النَّاس وَجها وَكَانَ يحلق شعر رَأسه وَشعر لحيته وَشعر حاجبيه ويدهن قَالَ فَلم يتَكَلَّم أحد فَقَالَ اكتبوا صفة فِي رَأسه وَأنْشد // (من الوافر) //
(أشبه رَأسه لَوْلَا رجار ... لعينيه ونضنضة اللِّسَان)
(بأضخم قرعَة عظمت وتمت ... فَلَيْسَ لَهَا لَدَى التَّمْيِيز ثَانِي)
(إِذا عليت أسافلها أنالت ... دعائم رَأسهَا نَحْو اللبان)
(فَكَانَ لنا مَكَان الْجيد مِنْهَا ... إِذا اتَّصَلت بممسكة الجران)
(لَهَا فِي كل شارقة وبيض ... كَأَن بريقها لمع الدهان)
(فَلَا سلمت من حذري وخوفي ... مَتى سلمت صفاتك من بناني)
ووثب إِلَيّ فحالت الْأَيْدِي بَينه وبيني
5 - الجبان أَبُو يَعْقُوب الجبان قَالَ ياقوت لم يَقع إِلَيّ اسْمه وَوَجَدته مَذْكُورا فِي(29/11)
كتاب إصبهان وَلَا يشك فِي كَونه من إصبهان قَالَ حَمْزَة بن الْحسن فِي كتاب إصبهان أَبُو يَعْقُوب الجبان مؤدب المكتفي قَالَ // (من المتقارب) //
(إِذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ)
(وَإِن برقتْ فِي مخيل الصَّوَاب ... عمياء لَا يجتليها الْبَصَر)
(مقنعة بظلام الغيوب ... سللت عَلَيْهَا حسام الْفِكر)
(وَلست بإمعة فِي الرِّجَال ... أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر)
(ولكنني وافر الأصغرين ... أَقيس على مَا مضى مَا حضر)
وَقَالَ أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(لقد سَاءَ أَقْوَامًا بقائي لعلمهم ... بعلمي بآباء لَهُم سلفوا قبلي)
(وسر بقائي آخَرين لعلمهم ... بِأَن لَيْسَ على أحسابهم ذائد مثلي)
وَقَالَ أَيْضا // (من الْكَامِل) //
(دنيا دنت من جَاهِل وَتَبَاعَدَتْ ... عَن كل ذِي لب لَهُ حجر)
(سلحت على أَرْبَابهَا حَتَّى إِذا ... صَارَت إِلَيّ أَصَابَهَا حصر)
الألقاب اليعقوبي اسْمه مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن عبد الله
يعلى
6 - أَبُو الْمُنْذر الْعَرُوضِي يعلى بن عقيل أَبُو الْمُنْذر الْعَرُوضِي الْعَنزي كَانَ من الْعلمَاء أَصْحَاب الرِّوَايَة وَكَانَ يُؤَدب أَبَا عِيسَى ابْن الرشيد قَالَ كنت أطلب فصا أكتب عَلَيْهِ أَبُو الْمُنْذر يعلى بن عقيل يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله مخلصا واشتهيت أَن أجعله حديدا فَدخلت على أبي عِيسَى ابْن الرشيد وَكَانَ فِي حجري يَعْنِي أؤدبه فَرَأَيْت فِي يَده فصا أَحْمَر كَبِير الْمِقْدَار يسع مَا أريده من الْكِتَابَة فَسَأَلته عَنهُ فَأَعْلمنِي أَن الرشيد دَعَا بِهِ واستنشده وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَأَجَابَهُ فأنشده وَأحسن فأعجبه فَأَحْمَد أثري وَأمر لي بالفص وخلعة وَفرس وَعشرَة آلَاف دِرْهَم وَأمر لأبي عِيسَى بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَصرف أَبُو عِيسَى كل ذَلِك إِلَيّ فَكرِهت الْفرس فَاشْتَرَاهُ أَبُو عِيسَى مني فَبلغ ذَلِك الرشيد فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَأمر لي بِخَمْسِينَ ألف وَأوصى أَبُو الْمُنْذر أَن يدْفن الفص مَعَه فَفعل ذَلِك
وَمن شعره يمدح أَبَا دلف // (من الطَّوِيل) //(29/12)
(إِذا خفت من أَمر عداء وصولة ... فنبه لَهَا ذَا المكرمات أَبَا دلف)
(تنبه فَتى قد زين الله أمره ... وَقدمه فِي الْبَأْس وَالْحَمْد والشرف)
(ليفدك من أَصبَحت إِن ذكر الندى ... أقرّ على رغم بِفَضْلِك واعترف)
(وَمن لم تزل تكفيه كل عَظِيمَة ... وتدفع عَنهُ مَا يخَاف من التّلف)
(فعش سيدا وانعم كَرِيمًا وَلَا ... تزل رَجَاء لمن ناداك بِاسْمِك أَو هتف)
7 - الصَّحَابِيّ يعلى بن أُميَّة بن أبي عُبَيْدَة بن همام بن الْحَارِث بن بكر بن زيد بن مَالك أَبُو صَفْوَان الْحَنْظَلِي وَأَكْثَرهم يَقُول أَبُو خَالِد أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا والطائف وتبوك وَقيل أَبُو أُميَّة وَأمه منية وَقيل أُميَّة أمه وَاخْتلف فِي ذَلِك كثيرا اسْتَعْملهُ أَبُو بكر على بِلَاد خولان فِي الرِّدَّة ثمَّ عمل لعمر على بعض الْيمن فحمى لنسفه حمى فَبلغ ذَلِك عمر فأمير أَن يمشى على رجلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة فَمشى خَمْسَة أَيَّام أَو سِتَّة إِلَى صعدة وبلغه موت عمر فَركب وَقدم الْمَدِينَة على عُثْمَان فَاسْتَعْملهُ على صنعاء ثمَّ وَفد على عُثْمَان فَمر عَليّ على بَاب عُثْمَان فَرَأى بغلة جوفاء عَظِيمَة هائلة فَقَالَ لمن هَذِه فَقيل ليعلى فَقَالَ ليعلى وَالله وَكَانَ عَظِيم الشَّأْن عِنْد عُثْمَان وَله يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //
(إِذا مَا دعِي يعلى وَزيد بن ثَابت ... لأمر يَنُوب النَّاس أَو لخطوب)
وَكَانَ على الْجند فَلَمَّا بلغه مقتل عُثْمَان أقبل ينصره فَسقط بعيره فِي الطَّرِيق فَانْكَسَرت فخده فَأقبل مَكَّة بعد انْقِضَاء الْحَج فَخرج إِلَى الْمَسْجِد وَهُوَ كسير على سَرِير فاستشرف إِلَيْهِ النَّاس واجتمعوا فَقَالَ من خرج يطْلب بِدَم عُثْمَان فعلي جهازه وَقيل أعَان الزبير بِأَرْبَع مائَة ألف وَحمل سبعين رجلا من قُرَيْش وَحمل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على جمل يُقَال لَهُ عَسْكَر وَكَانَ اشْتَرَاهُ بِمِائَتي دِينَار
قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ يعلى بن أُميَّة سخيا مَعْرُوفا بالسخاء وَقتل بصفين مَعَ عَليّ بن أبي طَالب سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد أَن شهد الْجمل مَعَ عَائِشَة(29/13)
وَقَالَ إِنَّه تزوج بنت الزبير وَبنت أبي لَهب
وروى لَهُ الْجَمَاعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبيد قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام منيت بأطوع النَّاس فِي النَّاس عَائِشَة وبأدهى النَّاس طَلْحَة وبأشجع النَّاس الزبير وبأكثر النَّاس مَالا يعلى بن منية وبأجود النَّاس عبد الله بن عَامر فَقَامَ إِلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لأَنْت أَشْجَع من الزبير وأدهى من طَلْحَة وأطع فِينَا من عَائِشَة وأجود من ابْن عَامر ولمال الله أَكثر من مَال يعلى وليكونن كَمَا قَالَ الله عز وَجل {فسينفقونها ثمَّ تكون عَلَيْهِم حسرة ثمَّ يغلبُونَ} الْأَنْفَال 6 / 36 فسر عَليّ بقوله
قَالَ أَبُو مخنف أقْرض يعلى بن منية الزبير بن الْعَوام حِين خرج إِلَى الْبَصْرَة فِي وقْعَة الْجمل أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فقضاها ابْن الزبير بعد ذَلِك لِأَن أَبَاهُ قتل يَوْمئِذٍ وَلم يقضها
وَلما صَارُوا إِلَى الْبَصْرَة تنَازع طَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الصَّلَاة فاتفها على أَن يُصَلِّي ابْن هَذَا يَوْمًا وَابْن هَذَا يَوْمًا فَقَالَ شَاعِرهمْ فِي ذَلِك // (من المتقارب) //
(تبارى الغلامان إِذْ صليا ... وشح على الْملاك شيخاهما)
(وَمَا لِابْنِ طَلْحَة وَابْن الزبير ... وَهَذَا بِذِي الْجزع مولاهما)
(فأمهما الْيَوْم غرتهما ... ويعلى بن منية دلاهما)
8 - العامري الصَّحَابِيّ يعلى بن مرّة بن وهيب بن جَابر العامري أمه سيابة وَرُبمَا نسب إِلَيْهَا ويكنى أَبَا المرزام شهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحُدَيْبِيَة وخبير وَالْفَتْح وحنينا والطائف وروى عَنهُ ابْنه عبد الله بن يعلى والمنهال بن عَمْرو وَغَيرهمَا يعد فِي الْكُوفِيّين وَقيل إِنَّه بَصرِي وَله دَار بِالْبَصْرَةِ
وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
9 - الْهَاشِمِي الصَّحَابِيّ يعلى بن حَمْزَة بن الْمطلب بن هَاشم الْقرشِي الْهَاشِمِي قَالَ مُصعب لم يعقب أحد من بني حَمْزَة بن عبد الْمطلب إِلَّا يعلى وَحده فَإِنَّهُ ولد لَهُ خَمْسَة رجال لصلبه وماتوا كلهم من غير عقب فَلم يبْق لِحَمْزَة عقب
10 - الصَّحَابِيّ يعلى بن حَارِثَة الثَّقَفِيّ حَلِيف لبني زهرَة بن كلاب قتل يَوْم(29/14)
الْيَمَامَة شَهِيدا كَذَا قَالَه أَبُو معشر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق حييّ بن حَارِثَة
11 - الأربسي يعلى بن إِبْرَاهِيم الأربسي تأدب بالقيروان قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ شَاعِرًا مجودا مليح الْكَلَام حسن النظام لألفاظه حلاوة وَعَلَيْهَا طلاوة وَيذْهب إِلَى الفلسفة فِي شعره ويغرب فِي عباراته وَرُبمَا تكلّف قَلِيلا وَكَانَت لَهُ مكانة من الْخط والترسل وَعلم الطِّبّ والهيئة
قَالَ اجْتمعت بِهِ مرّة وَأَنا حَدِيث السن لم أكن قبلهَا رَأَيْته فَأخذ فِي ذكر الشُّعَرَاء وغض من عبد الْكَرِيم وَقَالَ هُوَ مؤلف كَلَام غير مخترع فأغلظت لَهُ لي الْجَواب فَالْتَفت إِلَيّ مُنْكرا عَليّ وَقَالَ أَنْت مَا دخولك بَين الشُّيُوخ يَا بني فَقلت وَمن يكون الشَّيْخ أَبَاهُ الله فعرفني بِنَفسِهِ ثمَّ أخرج رقْعَة بِخَطِّهِ فِيهَا من شعره // (من الْبَسِيط) //
(إياة شمس حواها جسم لؤلؤة ... تغيب عَن لطف فها وَلم تغب)
(صفراء مثل النظار السكب لابسة ... درعا مكللة درا من الحبب)
(لم يتْرك الدَّهْر مِنْهَا غير رَائِحَة ... تضوعت وسنا ينساح كاللهب)
(إِذا النديم تلقاها ليشربها ... صاغت لَهُ الراح أطرافا من الذَّهَب)
فَقَالَ كَيفَ رَأَيْت فَقلت وَأَرَدْت الاشتطاط عَلَيْهِ أما الْبَيْت الأول فناقص الصَّنْعَة مَسْرُوق الْمَعْنى فِيهِ تنافر فَقَالَ وَكَيف ذَلِك قلت لَو كَانَ ذكر الياقوتة مَعَ اللؤلؤة كَمَا قَالَ أَبُو تَمام // (من الْكَامِل) //
(أَو درة بَيْضَاء بكر أطبقت ... حبلا على ياقوتة حَمْرَاء)
لَكَانَ أتم تصنيعا وَأحسن ترصيعا وَلَو ذكرت روح الْخمر مَعَ جسم الكأس لَكَانَ أوفق للمعنى وَلَو قلت مَعَ قَوْلك إِيَّاه شمس حواها نَهَار وعنيت بِهِ الكأس كَمَا قَالَ ابْن المعتز ويروى للْقَاضِي التنوخي // (من المتقارب) //
(وَرَاح من الشَّمْس مخلوقة ... بَدَت لَك فِي قدح من نَهَار)
لَكُنْت قد ذهبت إِلَى شَيْء غَرِيب عَجِيب
وَأما قَوْلك تغيب من لطف فها وَلم تغب فَمن قَول البحتري // (من الْكَامِل) //
(تخفي الزجاجة لَوْنهَا فَكَأَنَّهَا ... فِي الكأس قَائِمَة بِغَيْر إِنَاء)
وَأما الْبَيْت الثَّانِي فَأكْثر من أَن يُنَبه عَلَيْهِ وَأما الْبَيْت الثَّالِث فَمن قَول ابْن المعتز // (من(29/15)
الْبَسِيط) //
(أبقى الجديدان من موجودها عدما ... لونا ورائحة من غير تجسيم)
وَأما الْبَيْت الْأَخير فَمن قَول مُسلم بن الْوَلِيد // (من الطَّوِيل) //
(أغارت على كف المدير بلونها ... فصاغت لَهُ مِنْهَا أنامل من ذبل)
وَقَوله أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(إِذا مَسهَا الساقي أعارت بنانه ... جلابيب كالجادي من لَونه صفرا)
وَفِيه عيب يُقَال لَهُ التوكؤ وَهُوَ تكريرك ذكر الراح وَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ قَالَ فبماذا كنت تسد مَكَانَهُ قلت كنت أَقُول
(صاغت ليمناه أطرافا من الذَّهَب)
وأنشدته لنَفْسي دون أَن أعلمهُ // (من الطَّوِيل) //
(مُعتقة يَعْلُو الْحباب جنوبها ... فتحسبه فِيهَا نثير جمان)
(رَأَتْ من لجينٍ رَاحَة لمديرها ... فجادت لَهَا من عسجد ببنان)
ثمَّ أنْشد يصف بستانا // (من الْبَسِيط) //
(يفِيض بِالْمَاءِ مِنْهُ كل فوهة ... لكل فوارة بِالْمَاءِ تنذرف)
(كَأَنَّهَا بَين أَشجَار منورة ... ظلت بمستجلس اللبلاب تستجف)
(مجامر تَحت أَثوَاب مخلبة ... على مساحيها دخانها يهف)
وَقَالَ هَل تعلم فِي هَذِه الأبيات شَيْئا وَلم أرد بعد مكاشفته فأضربت عَن أبات عَليّ بن الْعَبَّاس الرُّومِي تشبيهه المجمرة بالفوارة وَإِنَّمَا عَكسه يعلى وَقلت قَرِيبا مِنْهُ وأنشدته لنَفْسي // (الْخَفِيف) //
(وَكَأن الْأَشْجَار فِي حلل الْأَنْوَار ... والغيث دمعه غير راق)
(غانيات رششن من مَاء ورد ... فخبأن الْوُجُوه فِي الأطواق)
فَقَالَ لمن أنشدتني بدءا وعودة قلت لمن أنْكرت عَلَيْهِ أَن يدْخل بَين الشُّيُوخ وَعرف بِي فاستصحبني من ذَلِك الْيَوْم
12 - الطنافسي يعلى بن عبيد أَبُو يُوسُف الطنافسي العابد أحد الْإِخْوَة عَن(29/16)
ابْن معِين ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ أثبت أَوْلَاد أَبِيه فِي الحَدِيث توفّي رَحمَه الله تَعَالَى لخمس خلون من شَوَّال سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة كلهم
13 - الْأَحول يعلى بن مُسلم بن أبي قيس أحد بني يشْكر بن عَمْرو شَاعِر إسلامي لص من شعراء الدولة الأموية وَكَانَ أَحول وَكَانَ خليعا يجمع الصعاليك الأزد وخلعاءهم فيغير بهم على أَحيَاء الْعَرَب وَيقطع الطَّرِيق على السابلة فَشَكا النَّاس أمره إِلَى نَافِع بن عَلْقَمَة وَالِي مَكَّة وَهُوَ خَال مَرْوَان بن الحكم فَلم يزل يراصده إِلَى أَن أُتِي بِهِ فقيده وحبسه فَقَالَ فِي محبسه // (من الطَّوِيل) //
(أرقت لبرق دونه شدوان ... يمَان وأهوى الْبَرْق كل يمَان)
(فَبت لَدَى الْبَيْت الْحَرَام أشيمه ... ومطواي من شوق لَهُ أرقان)
(إِذا قلت شيماه يَقُولَانِ والهوى ... يُصَادف منا بعض مَا تريان)
مِنْهَا
(أَلا لَيْت حَاجَتي حبسنني ... لَدَى نَافِع قضين مُنْذُ زمَان)
(وَمَا بِي بغض للبلاد وَلَا قلى ... وَلَكِن شوقا فِي سواهُ دَعَاني)
يعمر
14 - الصَّحَابِيّ يعمر السَّعْدِيّ وَالِد أبي خزامة حَدِيثه عَن ابْن شهَاب سمع أَبُو خزامة ابْن يعمر عَن أَبِيه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت أدوية نتداوى بهَا ورقى نسترقي بهَا هَل ترد من قدر الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ذَلِك من قدر الله عز وَجل
يعِيش
15 - الصَّحَابِيّ يعِيش بن طخفة الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ حَدِيثه عَن ابْن لَهِيعَة وَهُوَ(29/17)
شَامي قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير يحدث عَن يعِيش بن طخفة الفغاري أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِنَاقَة فَقَالَ من يحلبها فَقَامَ رجل فَقَالَ أَنا فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ مرّة فَقَالَ اقعد ثمَّ قَامَ الآخر فَقَالَ مَا اسْمك فَقَالَ حَمْزَة قَالَ اقعد قَالَ يعِيش فَقُمْت فَقَالَ مَا اسْمك قلت يعِيش قَالَ احلب
16 - الْجُهَنِيّ ذُو الْغرَّة يعِيش الْجُهَنِيّ ذُو الْغرَّة يُقَال الطَّائِي وَيُقَال الْهِلَالِي صَحَابِيّ روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل وَالْأَمر بِالْوضُوءِ من لحومها وَقَالَ
لَا توضؤوا من لحم الْغنم وصلوا فِي مراحها
17 - أَبُو الْبَقَاء الْأَسدي النَّحْوِيّ يعِيش بن عَليّ بن أبي السَّرَايَا مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمفضل الْعَلامَة موفق الدّين أَبُو الْبَقَاء الْأَسدي الْموصِلِي الأَصْل الْحلَبِي النَّحْوِيّ ولد بحلب سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة وَسمع بهَا وبالموصل وَكَانَ يعرف أول بِابْن الصَّائِغ وَكَانَ من كبار أَئِمَّة الْعَرَبيَّة تخرج بِهِ أهل حلب وَطَالَ عمره وشاع ذكره وَأخذ النَّحْو عَن أبي السخاء الْحلَبِي وَأبي الْعَبَّاس المغربي وليسا بمشهورين وَقدم دمشق وجالس الْكِنْدِيّ وَسَأَلَ عَن قَول الحريري حَتَّى إِذا لألأ الْأُفق ذَنْب السرحان فتوقف وَقَالَ علمت قصدك إِنَّك أردْت إعلامي بمكانك من النَّحْو وَذكر ابْن خلكان أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ مُعظم اللمع لِابْنِ جني وَقَالَ حَضرته وَقد طول شرح هَذَا الْبَيْت وأوضح والشخص الَّذِي يشْرَح لَهُ سَاكِت منصت إِلَى الْأَخْذ ثمَّ قَالَ يَا سَيِّدي أيش فِي المليحة مَا يشبه الظبية قَالَ قُرُونهَا وذنبها فَضَحِك(29/18)
الْجَمَاعَة وخجل الرجل وَالْبَيْت الْمَذْكُور // (من الطَّوِيل) //
(أيا ظَبْيَة الوعساء بَين جلاجل ... وَبَين النقا آأنت أم أم سَالم)
وروى عَنهُ الصاحب ابْن العديم وَابْن مجد الدّين وَابْن الخلوانية وَابْن هامل وبهاء الدّين أَيُّوب بن النّحاس وَأَخُوهُ أَبُو الْفضل إِسْحَاق وسنقر القضاي والحافظ ابْن الظَّاهِرِيّ أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو بكر بن أَحْمد الدشتي وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ وَكَانَ موفق الدّين ظريفا مطبوعا خَفِيف الرّوح مَعَ سكنية ورزانة ولد نَوَادِر كَثِيرَة وَكَانَ طَوِيل الرّوح حسن التفهيم وَعَامة فضلاء حلب تلامذته شرح الْمفصل للزمخشري والتصريف لِابْنِ جني وَقَالَ موفق الدّين وَردت إِلَى حمص مرّة فَصنعَ لنا رجل من أَهلهَا طَعَاما واحتفل بِهِ وَكَانَ فِي جملَته قرع بِلَبن وَكَانَ إِلَى جَانِبي رجل انبسط عَلَيْهِ فَجعل يَأْكُل مِنْهُ وَوَافَقَهُ آخر إِلَى جَانِبه فناديت صَاحب الْمنزل زِدْنَا من الطَّعَام فَإِن أَصْحَابنَا يَأْكُل بَعضهم بَعْضًا فَانْقَلَبَ الْمجْلس بالضحك وَقَالَ لَا أعرف لنَفْسي شعرًا إِلَّا أبياتا قلتهَا فِي السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر غَازِي وَهِي // (من الْبَسِيط) //
(يَا أيّها الْملك الميمون طائرُه ... وَمن سَحَاب نداه الدَّهْر هطال)
(وَمن صوارمه فِي كل معركة ... جوازم وطلى أعداه أَفعَال)
(مَا زَالَ يعسفني دهر حوادثه ... حول لأهل النهى وَالْفضل تغتال)
(مَتى انضويت إِلَى أحشاء برك بِي ... لما ظلمت وَلما حَالَتْ الْحَال)
(وَقلت من حَيْثُ آمالي مهاجرة ... إِلَيْك يَا من لَهُ فضل وإفضال)
(لي حُرْمَة الضَّيْف ولجار الْقَدِيم وَمن ... أتناكم وكهول الْحَيّ أَطْفَال)
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان وَكُنَّا نَقْرَأ عَلَيْهِ يَوْمًا بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية فَجَاءَهُ رجل من الأجناد وَبِيَدِهِ مسطور بدين وَكَانَ الشَّيْخ لَهُ عَادَة بِالشَّهَادَةِ فِي المكاتيب الشَّرْعِيَّة فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا اشْهَدْ عَليّ فِي هَذِه المسطور فَأَخذه الشَّيْخ من يَده وَقَرَأَ أَوله أقرَّت فَاطِمَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَنْت فَاطِمَة فَقَالَ الجندي يَا مَوْلَانَا السَّاعَة تحضر وَخرج إِلَى بَاب الْمدرسَة وأحضرها وَهُوَ يتبسم من كَلَام الشَّيْخ قَالَ وَكُنَّا يَوْمًا نَقْرَأ عَلَيْهِ(29/19)
فِي دَاره فعطش بعض الْحَاضِرين وَطلب من الْغُلَام مَاء فَأحْضرهُ فَلَمَّا شربه قَالَ مَا هَذَا إِلَّا مَاء بَارِد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَو كَانَ خبْزًا حارا أَكَانَ أحب إِلَيْك قَالَ وَكُنَّا يَوْمًا عِنْده بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية فجَاء الْمُؤَذّن وَأذن قبل الْعَصْر بساعة جَيِّدَة فَقَالَ لَهُ الْحَاضِرُونَ أيش هَذَا يَا شيخ وَأَيْنَ وَقت الْعَصْر فَقَالَ الشَّيْخ موفي الدّين دَعوه عَسى أَن يكون لَهُ شغل وَهُوَ مستعجل قَالَ وَكَانَ يَوْمًا عِنْد القَاضِي بهاء الدّين الْمَعْرُوف بِابْن شَدَّاد قَاضِي حلب فَجرى ذكر زرقاء الْيَمَامَة وَأَنَّهَا كَانَت ترى الشَّيْء من الْمسَافَة الْبَعِيدَة حَتَّى قيل إِنَّهَا ترَاهُ من مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَجعل الْحَاضِرُونَ يَقُولُونَ مَا علموه من ذَلِك فَقَالَ الشَّيْخ أَنا أرى الشَّيْء من مَسَافَة شَهْرَيْن فتعجب الْكل من قَوْله وَمَا أمكنهم أَن يَقُولُوا لَهُ شَيْئا فَقَالَ لَهُ القَاضِي كَيفَ هَذَا يَا موفق الدّين فَقَالَ لِأَنِّي أرى الْهلَال فَقَالَ لَهُ كنت تَقول من مَسَافَة كَذَا كَذَا سنة فَقَالَ لَو قلت هَذَا عرف الْجَمَاعَة الْحَاضِرُونَ غرضي وَكَانَ قصدي الْإِبْهَام
18 - أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي يعِيش بن صَدَقَة بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الفراتي الضَّرِير الْفَقِيه الشَّافِعِي صَاحب ابْن الْخلّ كَانَ إِمَامًا بارعا فِي معرفَة الْمَذْهَب وَالْخلاف سديد الْفَتَاوَى حسن المناظرة توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة
19 - الْحَنْبَلِيّ يعِيش بن ريحَان بن مَالك أَبُو المكارم الْأَنْبَارِي الْحَنْبَلِيّ أَبُو مُحَمَّد قدم بَغْدَاد واستوطنها وَقَرَأَ بهَا الْفِقْه وبرع فِيهِ وَصَارَ من الْمَشَايِخ الْمشَار إِلَيْهِم وَسكن مدرسة الْوَزير ابْن هُبَيْرَة وَكَانَ الْفُقَهَاء يقرؤون عَلَيْهِ سمع الحَدِيث من سعد الله بن نصر بن الدجاجي وَمن الكاتبة شهدة وَمن جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين قَالَ محبّ الدّين بن النجار كتبنَا عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا رَحمَه الله تَعَالَى وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة
يغمور
20 - ابْن العكبري الْأَمِير يغمور بن عِيسَى بن العكبري الْأَمِير قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب هُوَ من أَوْلَاد الأتراك بِدِمَشْق وأمرائها ذُو فَضَائِل مفرطة وشمائل حلوة وفطنة(29/20)
متيقظة شَاب من جملَة الْأُمَرَاء مقدم مِقْدَام خَان أمله وحان أَجله وفل الشبا الطرير من شبابه الطري وَجرى الْقدر بأفول كوكبه الدُّرِّي
وَأورد لَهُ من شعره // (من الطَّوِيل) //
(أَخ لي على جور الزَّمَان وعدله ... وعوني على استهضامه ونواله)
(إِذا غالني خطب وقاني بِنَفسِهِ ... وَإِن نالني جَدب كفاني بِمَالِه)
(فَلَا زَالَ معمور الجناب مُسلما ... وَلَا زَالَت الأقدار طوع مقاله)
الألقاب
اليغموري الْحَافِظ اسْمه يُوسُف بن أَحْمد
اليغموري مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يغمور
الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن يغمور
بنت يَقْطِين الكاتبة اسْمهَا الرِّضَا تقدم ذكرهَا فِي حرف الرَّاء
يَقْطِين
21 - أحد دعاة العباسيين يَقْطِين بن مُوسَى أحد دعاة بني الْعَبَّاس وَمِمَّنْ قرر أَمرهم وَكَانَ داهية حازما شجاعا وَلما حبس مَرْوَان بن مُحَمَّد إِبْرَاهِيم الإِمَام تحيرت الشِّيعَة لَا يَدْرُونَ من الإِمَام بعده فَقَالَ لَهُم أَنا أخْبركُم فَغير زيه وأتى حران فَوقف لمروان فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا رجل غَرِيب تَاجر قدمت بمتاع فَبعث إِلَيّ إِبْرَاهِيم فَاشْتَرَاهُ مني ومطلني ثمنه وَقد حَبسته فَإِن رَأَيْت أَن تجمع بيني وَبَينه وَتَأْخُذ لي بحقي مِنْهُ فَقَالَ مَرْوَان لبَعض خدمه اذْهَبْ مَعَه إِلَى إِبْرَاهِيم وَقل لَهُ يخرج من حق هَذَا الرجل فَمضى مَعَه فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ إِلَى مَتى تمطلني بديني وَإِلَى من أوصيت أَن يدْفع إِلَيّ مَالِي فَقَالَ إِلَى ابْن الحارثية فَعَاد إِلَى الشِّيعَة وَأخْبرهمْ أَن أَبَا الْعَبَّاس هُوَ الإِمَام بعده وَكَانَ يَقْطِين عَظِيما عِنْد بني الْعَبَّاس ولاه الْعَبَّاس والمنصور وَالْمهْدِي الولايات واطلع الْمهْدي على ابْنه عَليّ ابْن يَقْطِين بالزندقة فَقتله وَتُوفِّي يَقْطِين رَحمَه الله تَعَالَى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة(29/21)
يلبغا
22 - يلبغا اليحيوي نَائِب دمشق يلبغا اليحيوي الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين ابْن الْأَمِير سيف الدّين طابطا الناصري نَائِب الشَّام وحلب وحماه وَقد تقدم ذكر وَالِده فِي حرف الطَّاء كَانَ من أكبر الخاصكية وَلم يكن فِي آخر الْأَمر عِنْد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أعز مِنْهُ وَهُوَ شكل حسن الْوَجْه مليح الثغر أَبيض اللَّوْن طَوِيل الْقَامَة من أحسن الأشكال قل أَن ترى الْعُيُون مثله كَانَ ساقيا وَكَانَت الْأَنْعَام الَّتِي تصل إِلَيْهِ من أستاذه لم يفرح بهَا أحد قبله يُطلق لَهُ الْخَيل بسروجها وعددها وآلاتها الزركش وَالذَّهَب المصوغ خَمْسَة عشر فرسا خَمْسَة عشر فرسا والأكاديش مِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ رَأْسا ينعم بهَا عَلَيْهِ جشارات ويجهز إِلَيْهِ الْخلْع والحوايص وَغير ذَلِك من التشاريف الَّتِي يُعْطِيهَا هُوَ من جِهَته لمن يحضر لَهُ الإنعامات وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَت الإنعامات الَّتِي يرسم لَهَا بهَا خَارِجَة عَن الْحَد وَبني لَهُ الإسطبل الَّذِي فِي سوق الْخَيل تَحت القلعة بِالْقَاهِرَةِ لم يعمر بِالْقَاهِرَةِ مثله وَكَانَ هُوَ والأمير سيف الدّين ملكتمر الْحِجَازِي قد توليا تمريض السُّلْطَان لما مَاتَ ثمَّ إِنَّه سَأَلَ لَهُ فِي الْأَيَّام الصالحية أَن يكون فِي حماه نَائِبا بهَا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَجَاء إِلَيْهَا عوضا عَن الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا المارداني وَتوجه المارداني إِلَى نِيَابَة حلب وَجَاء الْأَمِير سيف الدّين طقزتمر من حلب إِلَى دمشق نَائِبا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَلما مَاتَ الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا المارداني فِي حلب رسم للأمير سيف الدّين طقزتمر إِلَى مصر ورسم للأمير سيف الدّين يلبغا بنيابة دمشق فَدخل إِلَيْهَا يَوْم السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَتوجه الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي إِلَى حلب نَائِبا فَأَقَامَ الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اليحيوي بِدِمَشْق على حَاله وأرجف النَّاس كثيرا بِأَن الْملك الْكَامِل يُرِيد إِمْسَاكه بعد الْأَمِير سيف الدّين الْملك والأمير سيف الدّين قماري فاستوحش من ذَلِك وبرز إِلَى الجسور بِدِمَشْق فِي خَامِس عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَأَرْبَعين وَأقَام هُنَاكَ أَيَّامًا وَحضر إِلَيْهِ الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي البشمقدار نَائِب حمص والأمير سيف الدّين أراق نَائِب صفد والأمير سيف الدّين أسندمر نَائِب حماه والأمير سيف الدّين بيدمر البدري نَائِب طرابلس وَاجْتمعَ الْكل عِنْده بِظَاهِر دمشق وعسكر دمشق بأجمعهم وكاتبوا الْكَامِل وخلعوه وظاهروه بِالْخرُوجِ عَلَيْهِ وَعدم الطَّاعَة فَكَانَ مَا كَانَ من أَمر الْكَامِل وخلعه وَقَتله على مَا تقدم فِي تَرْجَمَة شعْبَان الْكَامِل وَلما تولى الْملك السُّلْطَان الْملك المظفر حاجي أقرّ الْأَمِير(29/22)
سيف الدّين يلبغا على حَاله فِي نِيَابَة دمشق وَجعل ابْنه أَمِير مُحَمَّد أَمِيرا بطلبخاناه وَأمر الْأَمِير عز الدّين طقطاي دواداره أَمِير طبلخاناه وَعمر هُوَ قبَّة النَّصْر عِنْد مَسْجِد الْقدَم مَكَانا كَانَ بِهِ مبرزا وَكَانَ قد عمر قبل ذَلِك القيسارية الَّتِي هِيَ برا بَاب الْفرج وَعمر الحمامين اللَّذين بحكر العنابة برا بَابا الْجَابِيَة بِدِمَشْق وَشرع فِي عمَارَة الْجَامِع الَّذِي بسوق الْخَيل على نهر بردا فِي أول سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَفِي ثامن عشْرين شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ورد إِلَيْهِ الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر المظفري أَمِير خازندار وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان الْملك المظفر بإمساك الْأُمَرَاء السِّتَّة الَّذين ذكرُوا فِي تَرْجَمَة الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر الناصري وَفِيه إِعْلَامه بالواقعة وإطابة خاطره وتسكنيه فَكتب الْجَواب بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان وجهز أستاذ دَاره سيف الدّين آقسنقر مَعَه واستوحش كثيرا من الْوَاقِعَة بالأمراء فاستدعى بأمراء دمشق بعد ذَلِك بيومين وَهُوَ فِي دَار السَّعَادَة وعرفهم مَا جرى وَكَتَبُوا إِلَى نواب الممالك بِالْحَال وجهز الْأَمِير سيف الدّين ملك آص إِلَى حمص وحماه وحلب وجهز الْأَمِير علاي الدّين طنبغا القاسمي إِلَى طرابلس وجاءه لَيْلَة الْجُمُعَة من زَاده وَحْشَة فَلم يصبح لَهُ بدار السَّعَادَة أثر غير نِسَائِهِ وانتقل يَوْم الْجُمُعَة بكرَة إِلَى الْقصر وَنزل بِهِ وَنزل وَالِده وَإِخْوَته وألزامه وَمن مَعَه ومماليكه بالميدان وَكَانَ يركب وَينزل إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء فَجَاءَهُ الْأَمِير سيف الدّين أراي أَمِير آخور بِكِتَاب السُّلْطَان الْملك المظفر بِطَلَبِهِ إِلَى مصر ليَكُون رَأس أُمَرَاء المشورة وَأَن نِيَابَة دمشق أنعم بهَا على الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه نَائِب حلب وَقَالَ سيف الدّين أراي ذَلِك نعْمَة لأمراء دمشق فتحللت عَنهُ العزائم وتجهز وطلع إِلَى الجسور ظَاهر دمشق على الْعَادة الَّتِي فعلهَا فِي السّنة الْمَاضِيَة وَكَانَ ذَلِك بعد الْعَصْر خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وَأقَام إِلَى بعد الصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر جُمَادَى الأولى وَكَانَت الملطفات قد جَاءَت من السُّلْطَان إِلَى أُمَرَاء دمشق بإمساكه عشبة الْخَمِيس فأنزلوا الصنجق السلطاني من القلعة واجتمعوا بعسكر دمشق تَحْتَهُ وقصدوه فَلَمَّا علم بذلك ركب فِي سلاحه وَلما عاين أوائلهم هرب بمماليكه وَأَهله وهرب مَعَه الْأَمِير سَيفي الدّين قلاوون والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جمق وَتَبعهُ الْأَمِير علاي الدّين طغريل ابْن الأيغاني الْحَاجِب الْكَبِير والأمير شهَاب الدّين ابْن صبح وَغَيرهمَا من أُمَرَاء دمشق فعادوا بَعْدَمَا أوصلوه إِلَى خلف ضمير
وَقتل من الْعَسْكَر جمَاعَة ثمَّ إِن الْأَمِير فَخر الدّين إياز السِّلَاح دَار نَائِب صفد وصل بعسكر صفد إِلَى دمشق بكرَة الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَخرج الْعَصْر بعسكر(29/23)
دمشق أَيْضا وصفد وَتوجه بهم إِلَى حمص وَكَانَ الْعَرَب قد أنكوه وَمنعُوا مِنْهُ المَاء واقتطعوا بعض ثقله وجد فِي طلبه سلار بن تتر البدري وأوه بريد ومنعوه الْقَرار وَالنَّوْم وكل هُوَ وَمن مَعَه مل من حمل السِّلَاح لَيْلًا وَنَهَارًا وحمي الْحَدِيد عَلَيْهِ وعاينوا الْهَلَاك وَاخْتلف مماليكه عَلَيْهِ حَتَّى تمنى الْمَوْت وَقَالَ لَهُم بِاللَّه وسطوني أَو اضربوا عنقِي كل هَذَا وهم مَا بَين القريتين إِلَى أمهين وصدد وَلما سَمِعت ذَلِك قلت // (من الطَّوِيل) //
(تفرق شم السعد عَن يلبغا وَقد ... بغا وَغدا فِي عَكسه متورطا)
(فَقَالَ لَهُ السَّيْف الَّذِي شدّ وَسطه ... وَقد بَالغ الْأَعْرَاب فِي الْجور والسطا)
(تلذذ بقتل فِيهِ للنَّفس رَاحَة ... وَإِن رمت أهنا الْعَيْش قابغ توسطا)
فَقَالَ لَهُ مماليكه أَنْت قلت لنا إِن نَائِب حماه مَعَك توجه بِنَا إِلَيْهِ فَلم يرد إِلَّا المطاوعة فَعبر على ظَاهر حمص وَتوجه إِلَى حماه فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير سيف الدّين قطليجا الْحَمَوِيّ النَّائِب بحماه وتلقاه وَدخل بِهِ إِلَى حماه ثمَّ إِنَّه أمْسكهُ وَأمْسك وَالِده وأخويه قراكز وأسندمر والدوادار عز الدّين طقطاي وَسيف الدّين جوبان والأمير سيف الدّين قلاوون والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جمق وقيدهم وجهز سيوفهم إِلَى السُّلْطَان ثمَّ بعد ذَلِك جهز الْأَمِير سيف الدّين يلبغا وَولده مقيدين إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا وصل إِلَى قاقون كَانَ قد وصل إِلَيْهَا الْأَمِير سيف الدّين منجك فأطلعوه إِلَى القلعة وَمَعَهُ وَالِده وحبسوهما فِي بَيْتَيْنِ مفردين ثمَّ أنزلوا وَالِده من قلعة قاقون وجهز على الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان آخر النَّهَار وطلع إِلَى سيف الدّين يلبغا مشاعليان فأحس بذلك وسألهما الْوضُوء وَالصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَلما فرغ قَالَ لَهما بِاللَّه عَلَيْكُمَا هوناها عَليّ فَقَالَا لَهُ يَا خوند إِن أردْت ذَلِك فَدَعْنَا ندير كتافك فمكنهما من نَفسه وخنقاه فَسمع النَّاس شهقته من أَسْفَل القلعة ثمَّ حز رَأسه وَوضع فِي عسل وجهز إِلَى السُّلْطَان ثمَّ دفنت جثته بقاقون رَحمَه الله تَعَالَى وسامحه وَكَانَ ذَلِك فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ثمَّ إِن الْأَمِير سيف الدّين منجك تجهز إِلَى حماه وجهز أَخَوَيْهِ سيف الدّين قراكز وَسيف الدّين أسندمر وَعز الدّين طقطاي الدوادار وَسيف الدّين جوبان إِلَى مصر مقيدين
وَخلف الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اثْنَي عشر ولدا أكبرهم أَمِير مُحَمَّد وعمره تَقْدِير سبع سِنِين وَكَانَت لَهُ طبلخانه وَكَانَ لَهُ زوجتان أُخْت صمغار وبزلار وَكَانَ يُحِبهَا كثيرا وَأم مُحَمَّد وَهِي أُخْت السِّت أردو وَالِدَة الْملك الْأَشْرَف كجك وَكَانَ يَتْلُو الْقُرْآن جيدا ويلازم تِلَاوَته فِي الْمُصحف وَيُحب أهل الْقُرْآن ويجالسهم وَيُحب الْفُقَرَاء وَلم يكن فِيهِ شَرّ وَلَا انتقام وَقبل خُرُوجه من دمشق بأَرْبعَة أَيَّام أحضر قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي(29/24)
إِلَى الْقصر ووقف أملاكه وَخص الْجَامِع الَّذِي أنشأه بِدِمَشْق بملغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم فِي كل سنة من صلب مَاله رَحمَه الله وَمضى كَأَنَّهُ لم يكن وَلم أر مثل مَا نَالَ من السَّعَادَة الَّتِي فاضت عَنهُ على وَالِده وَإِخْوَته وأقاربه ومماليكه لِأَن وَالِده سيف الدّين طابطا كَانَ أَمِير مائَة مقدم ألف وأخواه أَمِيري طبلخاناه وَولده طبلخاناه وَذُو قرَابَته الْأَمِير شهَاب الدّين شعْبَان بطبلخاناه ودواداره الْأَمِير عز الدّين بطلبلخاناه ومملوكه سيف الدّين جوبان أَمِير عشرَة وَبَقِيَّة مماليكه جمَاعَة مِنْهُم لَهُم الإقطاعات الفاخرة فِي الْحلقَة واعتنى بِجَمَاعَة من أهل حلب وحماه ودمشق وخلص لَهُم الطبلخانات وعَلى الْجُمْلَة كَانَت سَعَادَة زَائِدَة عَن الْحَد لَكِنَّهَا ختمت بِهَذَا الشَّرّ الْكَبِير الَّذِي فاض على ذويه وَأَهله فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم // (من المتقارب) //
(بِقدر الصعُود يكون الهبوط ... فإياك والرتب العاليه)
وَمن جملَة مَا رأى من الْعِزّ أَنه كَانَ قد توعك وَحصل لَهُ سوء مزاج وَكَانَ عِنْد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أستاذه فِي المرقد وَهُوَ جَالس وَرجلَاهُ فِي رُكْبَتَيْهِ يكبسهما ويرش الماورد على وَجهه ويتولى تمريضه وخدمته وطبه بِنَفسِهِ وَكَانَ وَلَده إِبْرَاهِيم وَهُوَ أكبر من السُّلْطَان أبي بكر قد مرض بالجدري وَمَات وَدفن وَلم يره وَلَا عَاده شغلا بتمريض يلبغا فَهَذَا نِهَايَة فِي الْعِزّ وَمن جملَة الذل الَّذِي رَآهُ أَن يتَوَلَّى خنقه مشاعليان من قاقون وَدفن فِي أَرض قاقون جسدا بِلَا رَأس اللَّهُمَّ خلصنا من شرور هَذِه الدَّار الغرارة
وَقلت فِي أمره والتزمت تَشْدِيد الزَّاي // (من الطَّوِيل) //
(دع الدَّهْر يعلي من أَرَادَ إِلَى السهى ... ودافعه من وَقت لوقت وجزه)
(فقد نَالَ مِنْهُ يلبغا فَوق مَا ابْتغى ... وقصته تجلى على المتنزه)
(وَأنزل من عِنْد الثريا إِلَى الثرى ... وأمسكه صرف الردى فِي محزه)
(وألحفه الْعَيْش الغليظ رِدَاءَهُ ... على لطف مَعْنَاهُ ورقة بزه)
(فَلَا سعد إِلَّا مَا رَأَيْنَاهُ ناله ... وَلَا ذل إِلَّا مَا رأى بعد عزه)
وَقلت أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(إِن فِي يلبقا لكل لَبِيب ... عِبْرَة أَصبَحت على الدَّهْر تتلى)
(مَا يُسَاوِي الْعِزّ الَّذِي قد رَآهُ ... فِي دمشق بدل قاقون أصلا)
وَقلت أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(أَلا إِن / االدنيا غرور وباطل ... فطوبى لمن كَفاهُ مِنْهَا تفرغا)(29/25)
(وَمَا عجبي إِلَّا لمن بَات واثقا ... بأيام دهر مَا رعى عهد يلبغا)
يلتكين
23 - أَمِير دمشق يلتكين التركي مولى هفتكين أهداه أَمِير دمشق للوزير ابْن كلس وَعظم قدره إِلَى أَن جرد إِلَى الشَّام فِي جَيش وَولي إمرة دمشق لخلفاء مصر
وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَلَاث مائَة
الألقاب
اليلداني تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُنعم
اليلداني عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمولى
الْيَمَان ويمن
24 - أَبُو بشر الْبَنْدَنِيجِيّ الْيَمَان بن أبي الْيَمَان أَبُو بشر الْبَنْدَنِيجِيّ أَصله من الْأَعَاجِم من الدهاقين ولد أكمه لَا يرى الدُّنْيَا فِي سنة مِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ نَشأ بالبندنيجين وَحفظ هُنَاكَ أدبا كثيرا وأشعارا كَثِيرَة وَكَانَ بهَا أَبُو الْحسن عَليّ ابْن الْمُغيرَة الْأَثْرَم صَاحب أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى يروي كتبه كلهَا ويروي عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره فَلَزِمَ أَبُو بشر ذَلِك النمط وَحفظ من كتب عَليّ بن الْمُغيرَة علما كثيرا قَالَ حفظت فِي مجْلِس وَاحِد مائَة وَخمسين بَيْتا من الشّعْر بغريبه
وَخرج إِلَى بَغْدَاد وسر من رأى وَلَقي الْعلمَاء وَقَرَأَ على مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَعرَابِي وَسمع مِنْهُ وَلَقي أَبَا نصر صَاحب الْأَصْمَعِي وَهُوَ ابْن أُخْته وَحفظ كتاب الْأَجْنَاس الْأَكْبَر وَكَانَت لأبي بشر ضيَاع كَثِيرَة وبساتين خلفهَا أَبوهُ فَبَاعَهَا وأنفقها فِي طلب الْعلم وَلَقي يَعْقُوب بن السكتي وَلَقي الزيَادي والرياشي بِالْبَصْرَةِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمَا من حفظه كتبا كَثِيرَة وَمن تصانيفه كتاب التقفية كتاب مَعَاني الشّعْر كتاب الْعرُوض
وَمن شعره // (من الرجز) //
(أَنا الْيَمَان ابْن أبي الْيَمَان ... أشعر من أَبْصرت فِي العميان)
(إِن تلقني تلق عَظِيم الشان ... تلاقني أبلغ من سحبان)
(فِي الْعلم وَالْحكمَة وَالْبَيَان)(29/26)
وَمر يَوْمًا بِبَاب الطاق فَسمع صَوت قمرية من حَانُوت خباز فَقَالَ لقائده مل بِي إِلَيْهِ فأقامه عَلَيْهِ فَقَالَ يَا خباز أتبيع هَذِه قَالَ نعم قَالَ بكم قَالَ بِعشْرَة دَرَاهِم فَفتح منديله وعد لَهُ الدَّرَاهِم ثمَّ أَخذ الْحَمَامَة فأطلقها وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الْكَامِل) //
(ناحت مطوقة بِبَاب الطاق ... فجرت سوابق دمعي المهراق)
(حنت إِلَى أَرض الْحجاز بحرقة ... تسبي فؤاد الهائم المشتاق)
(تعس الْفِرَاق وجز حَبل وتينه ... وسقاه من سم الأساود سَاق)
(يَا ويحه مَا باله قمرية ... لم تدر مَا بَغْدَاد فِي الْآفَاق)
(كَانَت تفرخ فِي الْأَرَاك وَرُبمَا ... سكنت بِنَجْد فِي فروع السَّاق)
(فَأتى الْفِرَاق بهَا الْعرَاق فَأَصْبَحت ... بعد الْأَرَاك تنوح فِي الْأَسْوَاق)
(إِنِّي سَمِعت حنينها فابتعتها ... وعَلى الْحَمَامَة جدت بِالْإِطْلَاقِ)
(بِي مثل من بك يَا حمامة فاسألي ... من فك أسرك أَن يفك وثاقي)
وَمن شعره // (من الوافر) //
(فديوان الضّيَاع بِفَتْح ضادٍ ... وديوان الْخراج بِغَيْر جِيم)
(إِذا ولي ابْن عَبَّاس ومُوسَى ... فَمَا أَمر الإِمَام بِمُسْتَقِيم)
25 - أَبُو الْخَيْر الحبشي الْخَادِم يمن بن عبد الله الْخَادِم أَبُو الْخَيْر الحبشي خَادِم المستظهر الْخَاص كَانَ جوادا مهيبا حسن التَّدْبِير ذَا رَأْي وفطنة تقلبت بِهِ الْأُمُور حَتَّى صَار سفيرا بَين الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان وَبعث أَمِير الْحَاج فِي سنة عشر وَخمْس مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله بأصبهان وَقد قدمهَا رَسُولا فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَخمْس مائَة وَكَانَ أَمينا ثِقَة
الألقاب
يمن جمال الدّين العرضي مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن الْيَمَان الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ بشير ابْن عقربة(29/27)
يَمُوت
26 - الْعَبْدي الْبَصْرِيّ يَمُوت بن المزرع بن يَمُوت بن عِيسَى بن سيار بن حَكِيم بن جبلة الْعَبْدي الْبَصْرِيّ هُوَ أَبُو بكر وَكَانَ قد سمى نَفسه مُحَمَّدًا وَهُوَ ابْن أُخْت الجاحظ أبي عُثْمَان قدم ابْن الزَّرْع بَغْدَاد سنة إِحْدَى وَثَلَاث مائَة وَهُوَ شيخ كَبِير وَحدث بهَا عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني وَأبي حَاتِم السجسْتانِي وَأبي الْفضل الرياشي وَنصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَعبد الرَّحْمَن بن أخي الْأَصْمَعِي وَمُحَمّد بن يحيى الْأَزْدِيّ وَأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان الزيَادي وَغَيرهم
وروى عَنهُ أَبُو بكر الخرائطي وَأَبُو الميمون بن رَاشد وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الرقي وَأَبُو بكر بن مُجَاهِد الْمُقْرِئ وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وَغَيرهم
وَكَانَ أديبا أخباريا وَله ملح نَوَادِر وَكَانَ لَا يعود مَرِيضا خوفًا من أَن يتطير من اسْمه وَكَانَ يَقُول بليت بِالِاسْمِ الَّذِي سماني بِهِ أبي وَإِذا عدت مَرِيضا وَقيل من هَذَا قلت ابْن المزرع وَأسْقط اسْمِي
وَفِيه يَقُول مَنْصُور الْفَقِيه الْمصْرِيّ الضَّرِير // (مجزوء الرمل) //
(أَنْت يحيى وَالَّذِي ... يكره أَن تحيا يَمُوت)
(أَنْت صفو الْعَيْش بل ... أَنْت لروح النَّفس قوت)
(أَنْت للحكمة بَيت ... لَا خلت مِنْك الْبيُوت)
وَكَانَ ليَمُوت ولد اسْمه أَبُو نَضْلَة مهلهل بن يَمُوت وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْمِيم فِي مَكَانَهُ
وَلما دخل يَمُوت مصر اتَّصل بالطولونية وناظر أَحْمد بن طولون يَوْمًا يَمُوت بن المزرع فِي مَسْأَلَة فَقَامَتْ بَينهمَا ففرح يَمُوت فجَاء ابْن بنت أبي الْعَتَاهِيَة فَقَامَ على رَأس يَمُوت وَقَالَ // (من السَّرِيع) //
(يَمُوت يَا من أمه نائمه ... ارْجع فشطر نجكما قَائِمَة)
(فرحت بالقائم فعل امْرِئ ... مزِيد يفرح بالقائمة)(29/28)
فَرفع يَمُوت رَأسه إِلَيْهِ وَقَالَ أَنْت فَمَا يَدْعُوك أَن توطئ فِي بَيْتَيْنِ بِسَبَب مَسْأَلَة قَامَت بَيْننَا
وَقدم يَمُوت مصر مرَارًا وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة أَربع وَثَلَاث مائَة وَقيل كَانَت وَفَاته بطبرية
وَمن شعره يُخَاطب ابْن مهلهلا // (من الوافر) //
(مهلهل قد حلبت شطور دهري ... وكافحني بهَا الزَّمن العنوت)
(وحاربت الرِّجَال بِكُل ربع ... فأذعن لي الحثالة والرتوت)
(فأوجع مَا أجن عَلَيْهِ قلبِي ... كريم عقه زمن عنوت)
(كفى حزنا بضيعة ذِي قديم ... وأنباء العبيد لَهَا التخوت)
(وَقد أَسهرت عَيْني بعد غمض ... مَخَافَة أَن تضيع إِذا فنيت)
(وَفِي لطف الْمُهَيْمِن لي عزاء ... بمثلك إِن فنيت وَإِن بقيت)
(فجب فِي الأَرْض وابغ بهَا علوما ... وَلَا تقطعك جَائِحَة سبوت)
(وَإِن بخل الْعَلِيم عَلَيْك يَوْمًا ... فذل لَهُ وَدينك وَالسُّكُوت)
(وَقل بِالْعلمِ كَانَ أبي جوادا ... فَقَالَ وَمن أَبوك فَقل يَمُوت)
(تقر لَك الأباعد والأعادي ... بِعلم لَيْسَ يجحده البهوت)
بنجوتكين
27 - العزيزي أَمِير دمشق ينجوتكين التركي العزيزي مولى الْعَزِيز ولي إمرة دمشق سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَبَقِي على ذَلِك مُدَّة إِلَى أَن عَزله الْحَاكِم وَأرْسل عوضه سُلَيْمَان بن جَعْفَر بن فلاح فَنزع ينجوتكين الطَّاعَة وَسَار إِلَى الرملة لِحَرْب من يَأْتِي من مصر فتواقعوا فِي جُمَادَى الأولى وَانْهَزَمَ ينجوتكين وَوصل إِلَى دمشق فِي يَوْمَيْنِ وَطلب النُّصْرَة من أهل الْبَلَد فَلم يُجِيبُوهُ ونهبوا دَاره فهرب إِلَى أَذْرُعَات ولجأ إِلَى ابْن الْجراح الطَّائِي فَلم يمنعهُ وأسلمه إِلَى الْأَمِير سُلَيْمَان بن جَعْفَر فَبعث بِهِ إِلَى مصر فعفى عَنهُ الْحَاكِم(29/29)
ينغجار
28 - الْأَمِير سيف الدّين ينغجار الْأَمِير سيف الدّين الناصري يُقَال إِنَّه أَخُو الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار الناصري كَانَ يسكن فِي حكر الخازن وَخرج إِلَى الشَّام فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فِيمَا أَظن وَولي نِيَابَة قلعة دمشق مُدَّة وَولي نِيَابَة بعلبك مديدة فِي أَيَّام سيف الدّين يلبغا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بِدِمَشْق فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
الألقاب
ينَال السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن مِيكَائِيل أَبُو الينبغي الْعَبَّاس بن طرخان
يوحنا
29 - الطَّبِيب يوحنا بن بختيشوع كَانَ طَبِيبا متميزا خَبِيرا باللغة اليونانية والسريانية وَنقل من ذَلِك كتبا كَثِيرَة وخدم بالطب الْمُوفق بِاللَّه طَلْحَة بن جَعْفَر المتَوَكل وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهِ ويسميه مفرج كربي وَكَانَ الْمُوفق إِذا جلس للشُّرْب يقدم بَين يَدَيْهِ صينية ذهب ومغسل مَذْهَب وخرداذي بلور وكوز وَيجْلس يوحنا بن بختيشوع عَن يَمِينه وَبَين يَدَيْهِ كَذَلِك وَبَين يَدي غَالب الْأَطِبَّاء والجلساء صواني مدهون وقناني زجاج ونارنج
ابْن ماسويه
30 - الطَّبِيب ابْن ماسويه يوحنا بن ماسويه كَانَ طَبِيبا ذكيا فَاضلا خَبِيرا بالطب وَله كَلَام حسن وتصانيف مَشْهُورَة وَكَانَ مبجلا حظيا عِنْد الْخُلَفَاء والملوك اكْتسب من الطِّبّ ألف ألف دِرْهَم وَكَانَ نَصْرَانِيّا خدم الرشيد والأمين والمأمون وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَيَّام المتَوَكل وَأَن الواثق مشغوفا بِهِ فَشرب يَوْمًا عِنْده فَسَقَاهُ الساقي شرابًا غير صَاف وَلَا لذيذ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما المذاقات فقد عرفتها واعتدتها ومذاقه هَذَا الشَّرَاب فخارج عَن طبع المذاقات كلهَا فَوجدَ الواثق على السقاة وَقَالَ أتسقون أطبائي فِي مجْلِس مثل هَذَا الشَّرَاب وَأمر ليوحنا فِي ذَلِك الْوَقْت بِمِائَة ألف دِرْهَم ودعى بسمانة الْخَادِم وَقَالَ احْمِلْ إِلَيْهِ السَّاعَة المَال فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعَصْر سَأَلَ سمانة هَل حمل المَال إِلَى يوحنا فَقَالَ لَا بعد فَقَالَ يحمل إِلَيْهِ مِائَتَا ألف ثمَّ سَأَلَهُ بعد سَاعَة أُخْرَى فَقَالَ لَا(29/30)
بعد فَقَالَ يحمل إِلَيْهِ ثَلَاث مائَة ألف دِرْهَم فَخرج سمانة وَقَالَ احملوها إِلَيْهِ وَإِلَّا لم يبْق فِي بَيت المَال شَيْء
وَكَانَ الرشيد قد قَلّدهُ تَرْجَمَة الْكتب الْقَدِيمَة وأنشدت بِهِ عِلّة مرض بهَا حَتَّى يئس مِنْهُ أَهله فَاجْتمع عِنْده الأقساء وَجَمَاعَة من الرهبان يقرونَ حوله من الْإِنْجِيل فَقَالَ لَهُم يَا أَبنَاء الْفسق مَا تَصْنَعُونَ قَالُوا نَدْعُو لَك قَالَ لَهُم قرص ورد أفضل من صلوَات جَمِيع أهل النَّصْرَانِيَّة مُنْذُ كَانَت وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة وشكا إِلَيْهِ رجل أَصَابَهُ جرب فَقَالَ لَهُ افصد الأكحل من الْيُمْنَى فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ افصد الأكحل من الْيُسْرَى فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ اشرب الْمَطْبُوخ فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ اشرب مَاء الْجُبْن فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ اشرب مخيض الْبَقر أسبوعين فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ اشرب الاصطخفيون فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ لَهُ لم يبْق شَيْء مِمَّا ذكره الْأَطِبَّاء إِلَّا وَقد ذكرته وَقد بَقِي شَيْء لم يذكرهُ أبقراط وَلَا جاليونس فَقَالَ مَا هُوَ فَقَالَ ابتغ زَوجي قَرَاطِيس وقطعهما رِقَاعًا صغَارًا واكتب فِي كل وَاحِدَة رَحمَه الله من دَعَا لمبتلى بالعافية والق نصفهَا فِي الْمَسْجِد الشَّرْقِي وَالْآخر فِي الْمَسْجِد الغربي وفرقها يَوْم الْجُمُعَة فَإِنِّي أَرْجُو أَن ينفعك الله بِالدُّعَاءِ إِذا لم ينفعك العلاج وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
وليوحنا من الْكتب كتاب الْبُرْهَان كتاب البصيرة كتاب الْكَمَال والتمام كتاب الحميات مشجر كتاب الأغذية كتاب الْأَشْرِبَة كتاب المنجح فِي الصِّفَات والعلاجات كتاب فِي الفصد والحجامة كتاب فِي الجذام لم يسْبقهُ أحد إِلَى مثله كتاب الْجَوَاهِر كتاب الرجحان كتاب تركيب الْأَدْوِيَة المسهلة وإصلاحها كتاب دفع مضار الأغذية كتاب فِي غير مَا شَيْء مِمَّا عجز عَنهُ غَيره كتاب السِّرّ الكامن كتاب دُخُول الْحمام كتاب الْأَزْمِنَة كتاب فِي الصداع وَعلله وأدويته أَلفه لعبد الله بن طَاهِر كتاب لم امْتنع الْأَطِبَّاء من علاج الحبالى فِي بعض شهور الْحمل كتاب محنة الطَّبِيب كتاب محنة الكحالين كتاب مجس الْعُرُوق كتاب الصَّوْت والبحة كتاب علاج النِّسَاء اللواتي لم يحبلن حَتَّى يحبلن كتاب الْمرة السَّوْدَاء كتاب مَاء الشّعير كتاب تَدْبِير الأصماء كتاب السنونات كتاب فِي الْمعدة كتاب فِي القولنج كتاب النَّوَادِر الطبية كتاب التشريح كتاب تَرْتِيب سقِِي الْأَدْوِيَة كتاب تركيب خلق الْإِنْسَان وَعدد أَعْضَائِهِ وعروقه وعظامه وَمَعْرِفَة أَسبَاب الأوجاع أَلفه لِلْمَأْمُونِ كتاب الأبدال فُصُول كتبهَا لحنين بن إِسْحَاق كتاب المالنخوليا كتاب جَامع الطِّبّ كتاب فِي الْحِيلَة للبرء(29/31)
يُوسُف
31 - الشَّافِعِي يُوسُف بن آدم بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن آدم أَبُو الْحجَّاج الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي أَصله من مراغة وَقدم بَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَحدث بهَا بِصَحِيح مُسلم عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْمفضل الفراوي وسَمعه أَبُو بكر عبد الرَّزَّاق بن عبد الْقَادِر الجيلي وَمُحَمّد بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن مشق
قَالَ ابْن النجار كَانَ كثير الشغب ومثير الْفِتَن بَين الطوائف وَذكر أَبُو الْحسن ابْن الْقطيعِي عَنهُ أَنه كَانَ إِذا بلغه أَن قَاضِيا على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ قد عقد عقدَة نِكَاح فسخ نِكَاحه وَأفْتى أَن الطَّلَاق لَا يَقع فِي ذَلِك النِّكَاح فأثار بذلك فتنا فَأخْرجهُ السُّلْطَان من دمشق فَمضى إِلَى حران وسكنها فَلَمَّا ملكهَا الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود الشَّهِيد سَأَلَهُ أَن يعود إِلَى دمشق ليزور أمه فَأذن لَهُ وَشرط عَلَيْهِ أَلا يدْخل الْبَلَد فَعَاد إِلَى دمشق وَنزل كَهْف آدم بجبل قاسيون وَخرجت أمه إِلَيْهِ فَدخل إِلَى دمشق يَوْم الْجُمُعَة فخاف الْوَالِي من تفاقم الْأَمر فَأمره بِالْعودِ إِلَى حران فَعَاد إِلَيْهَا وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتَّة وَتِسْعين وَخمْس مائَة
ابْن إِبْرَاهِيم
32 - أَبُو الْبرم يُوسُف بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْبرم خرج بخراسان على الْمهْدي سنة سِتِّينَ وَمِائَة مُنْكرا عَلَيْهِ سيرته وَاجْتمعَ إِلَيْهِ خلق كثير فَبعث إِلَيْهِ الْمهْدي يزِيد بن مزِيد فاقتتلا فظفر بِهِ يزِيد بن مزِيد فَأسرهُ وَحمله إِلَى الْمهْدي فَلَمَّا قرب من بَغْدَاد ركب على بعير وحول وَجهه إِلَى ذَنبه وَفعل ذَلِك بِأَصْحَابِهِ وَكَانَ أَبُو الْبرم قد قتل أَخا لهرثمة بن أعين بخراسان فَأمر الْمهْدي هرثمة فَقطع يَدي أبي الْبرم وأيدي أَصْحَابه وَضرب أَعْنَاقهم وصلبهم
الشَّاشِي
33 - الشَّاشِي يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن سعيد أَبُو يَعْقُوب الشَّاشِي قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن أبي طَاهِر مُحَمَّد بن عَليّ بن بويه الزراد الْحَافِظ البُخَارِيّ وَعَن أبي الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن المظفر الداوودي البوشنجي حدث عَنهُ بِمُسْنَد الدَّارمِيّ سَمعه مِنْهُ وَكتبه أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي بن الخاضبة فِي شعْبَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَسمع مِنْهُ أَيْضا ابْنَته كَرِيمَة بنت أبي بكر بن الخاضبة وَأَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصرٍ الْحميدِي وروى عَنهُ(29/32)
النجار الْمُقْرِئ
34 - النجار الْمُقْرِئ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن صابر بن نائل بن مُحَمَّد الربعِي أَبُو مُحَمَّد النجار الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ حفظ الْقُرْآن وتفقه على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَانْقطع فِي بَيته يقرئ الصّبيان وَيكْتب الْمَصَاحِف وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وست مائَة بالبيمارستان العضدي وَقد بلغ السِّتين أَو جاوزها
البابي
35 - البابي يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو الْقَاسِم البابي قدم بَغْدَاد حَاجا سنة خمس وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَحدث بِكِتَاب شرح الشهَاب من تصنيفه سَمعه مِنْهُ أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي وَرَوَاهُ عَنهُ وَقد روى عَنهُ أَبُو مَنْصُور عبد المحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ الشيحي كتاب إصْلَاح أغاليط أَصْحَاب الحَدِيث لأبي سُلَيْمَان أَحْمد بن مُحَمَّد الْخطابِيّ فَقَالَ أَنا أَبُو الْقَاسِم يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن نصر البابي بِبَغْدَاد قدم علينا حَاجا أَنبأَنَا الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله المغربي نزيل الْبَاب أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي حَدثنَا الْخطابِيّ
الْكَاتِب
36 - الْكَاتِب يُوسُف بن إِبْرَاهِيم الْأَنْبَارِي أَبُو الْحسن الْكَاتِب كَانَ فِي خدمَة إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي حكى عَنهُ وَعَن إِسْمَاعِيل بن نوبخت وَأحمد بن رشيد الْكَاتِب مولى سَلام الأبرش وَجِبْرِيل بن بختيشوع وَأَيوب بن الحكم الْبَصْرِيّ الكسروي وَأحمد بن هَارُون الشرابي وَغَيرهم وروى عَنهُ ابْنه أَبُو جَعْفَر أَحْمد ورضوان بن أَحْمد بن جالينوس الصيدلاني وسافر إِلَى الشَّام وَدخل مصر وَتَوَلَّى بهَا الْأَعْمَال وَكَانَ من ذَوي المروءات وصنف كتاب أَخْبَار المستطبين وَتَوَلَّى الْأَعْمَال أَيَّام أَحْمد بن طولون
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور بعث أَحْمد بن طولون السَّاعَة الَّتِي توفّي فِيهَا وَالِدي يُوسُف بن إِبْرَاهِيم جمَاعَة فهاجموا الدَّار وطالبوا بكتبه مقدرين أَن يَجدوا فِيهَا كتابا من أحد من بَغْدَاد فحملوا صندوقين وقبضوا عَليّ وعَلى أخي وصاروا بِنَا إِلَى دَاره وأدخلنا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالس وَبَين يَدَيْهِ رجل من أَشْرَاف الطالبيين الكبراء فَأمر بِفَتْح أحد الصندوقين وَأدْخل خَادِم يَده فَوَقع فِيهَا دفتر جراياته على الْأَشْرَاف وَغَيرهم فَأخذ(29/33)
الدفتر بِيَدِهِ وتصفحه فَكَانَ جيد الاستخراج فَوجدَ اسْم الطَّالِبِيُّ فِي الجراية فَقَالَ لَهُ وَأَنا أسمع كَانَت عَلَيْك جراية ليوسف بن إِبْرَاهِيم فَقَالَ دخلت هَذِه الديار وَأَنا مملق فَأجرى عَليّ فِي كل سنة مِائَتي دِينَار ومائتي إِرْدَب قَمح إسوة بن الأرقط وَابْن العقيقي وَغَيرهمَا ثمَّ امْتَلَأت يداي بطول الْأَمِير فاستعفيته مِنْهَا فَقَالَ نشدتك الله إِن قطعت سَببا بِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتدمع الطَّالِبِيُّ فَقَالَ ابْن طولون رحم الله يُوسُف بن إِبْرَاهِيم ثمَّ قَالَ انصرفوا إِلَى مَنَازِلكُمْ لَا بَأْس عَلَيْكُم فانصرفنا ولحقنا جَنَازَة والدنا وَحضر ذَلِك الْعلوِي حَقنا
37 - الشاطبي الْمُقْرِئ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عِقَاب أَبُو يَعْقُوب الجذامي الشاطبي الْمُقْرِئ الزَّاهِد قَرَأَ بالسبع على أَصْحَاب ابْن نوح الغافقي وَسمع مِنْهُ أَبُو عبد الله الْوَادي آشي وَأكْثر عَن أبي الْحسن عَليّ بن قطرال وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست مائَة
38 - شمس الدّين بن قُرَيْش كَاتب الدرج يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن قُرَيْش شمس الدّين الْمصْرِيّ الْكَاتِب اسْتشْهد على حمص وَقد نَيف السّبْعين وَكَانَ من كتاب الدرج بِمصْر كتب للصالح نجم الدّين وَلمن بعده وَكَانَ وافر النِّعْمَة كثير الْحُرْمَة توفّي سنة ثَمَانِينَ وست مائَة
39 - أَبُو الْفَضَائِل الشَّيْبَانِيّ القفطي يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد القَاضِي الْأَشْرَف أَبُو الْفَضَائِل الشَّيْبَانِيّ التَّمِيمِي القفطي وَالِد الْعَزِيز القَاضِي الأكرم أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف وأخيه القَاضِي الْمُؤَيد أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم وَقد تقدم ذكرهمَا فِي مكانيهما ولد القَاضِي الْأَشْرَف فِي غرَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين بقفط وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة بِذِي جبلة بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْبَاء ثَانِيَة الْحُرُوف مَدِينَة فِي بِلَاد الْيمن
وَكَانَ الْأَشْرَف قد خرج من قفط سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة فِي الْفِتْنَة الَّتِي كَانَت بهَا بِسَبَب الإِمَام الَّذِي أقاموه وَكَانَ من بني عبد الْقوي الدَّاعِي للدّين ادّعى أَنه دَاوُد بن العاضد فأنفذ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب أَخَاهُ الْملك الْعَادِل أَبَا بكر فَقتل من أهل قطّ نَحْو ثَلَاثَة آلَاف وصلبهم على شجرهم بِظَاهِر قفط بعمائمهم وطيالستهم وخدم الْأَشْرَف فِي عدَّة خدم سلطانية مِنْهَا بالصعيد ثمَّ نظر بلبيس ونواحيها ثمَّ نظر الْقُدس ونواحيه(29/34)
وناب عَن الْفَاضِل فِي كِتَابَة الْإِنْشَاء بِحَضْرَة السُّلْطَان صَلَاح الدّين ثمَّ إِنَّه استوحش من الْعَادِل ووزيره ابْن شكر فَقدم حران فاستوزره الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل ثمَّ إِنَّه سَأَلَهُ الْإِذْن فِي الْحَج فَأذن لَهُ وجهزه أحسن جهاز على أَن يحجّ وَيعود فَلَمَّا حصل بِمَكَّة امْتنع من الْعود وَدخل الْيمن فاستوزره أتابك سنقر سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة ثمَّ ترك الْخدمَة وَانْقطع بِذِي جبلة ورزقه دَار عَلَيْهِ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور أَولا وَكَانَ أديبا فَاضلا مليح الْخط محبا للْعلم والكتب واقتنائها ذَا دين متين وكرم وعربية
40 - قَاضِي الْقُضَاة ابْن جملَة يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن جملَة الحوراني المحجي ثمَّ الصَّالِحِي الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ قَاضِي قُضَاة الشَّام الإِمَام الْفَاضِل الْعَالم الْعَلامَة الأصولي الْفَقِيه النَّحْوِيّ ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وتلقه مُدَّة لِأَحْمَد بن حَنْبَل ثمَّ تحول شافعيا وتميز وناظر الأقران وَأخذ عَن الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني وَصَارَ من الْأَعْيَان درس بالدولعية وَأعَاد مُدَّة وَخرج لَهُ الشَّيْخ علم الدّين البرزالي عَن الْفَخر وَجَمَاعَة وناب لقَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق وَلما توفّي قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الإخنائي ولي هُوَ الْقَضَاء بِالشَّام فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَسبع مائَة بعناية الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَكَانَ ذَا مهابة وسطوة وصولة وَفِيه شدَّة ووطاء على الْمُرِيب وَكَانَت فِيهِ ديانَة وَحسن عقيدة وعفة فَإِنَّهُ بَاشر الْقَضَاء بصلف وَأَمَانَة وَفِي أَيَّام نيابته لقَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الإخنائي قَامَ قيَاما عَظِيما فِي تَوْبَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فِي مسالة الزِّيَارَة وَعمل عملا بَالغا إِلَى أَن حبس وَلما مَاتَ لم يصل عَلَيْهِ وَكَانَ فصيحا لسنا شَدِيد الْعَارِضَة فِي الْبَحْث ثمَّ إِن حَمْزَة التركماني حرف الْأَثر تنكز عَلَيْهِ وأغره بِهِ وَلم يزل إِلَى أَن حَبسه وَقَالَ إِنَّه رشا نَاصِر الدّين الدوادار بِالذَّهَب على الْقَضَاء وَهَذَا أَمر أستبعده من الْجَانِبَيْنِ وَكَانَ نَائِب الشَّام قد حكمه فِي الشَّيْخ ظهير الدّين لِأَنَّهُ لم يَصح عَنهُ مَا نَقله فَبَالغ ابْن جملَة فِي تَعْزِير ظهير الدّين واستقصائه وَالِاسْتِقْصَاء شُؤْم فعقد لَهُ مجْلِس وَدخل وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاة فَخرج وَهُوَ فَاسق قد حكم بعزله وسجنه فِي القلعة وَكَانَت وَاقعَة عَجِيبَة لم يعْهَد النَّاس مثلهَا
أَنْشدني لنَفسِهِ إجَازَة القَاضِي زين الدّين عمر الوردي وَمن خطه نقلت // (من المسنرح) //
(دمشق لَا زَالَ ريعها أخضرا ... بعدلها الْيَوْم يضْرب الْمثل)
(فضامن المكس مُطلق فَرح ... فِيهَا وقاضي الْقُضَاة معتقل)(29/35)
وَقلت أَنا فِي ذَلِك // (من مخلع الْبَسِيط) //
(الْعَفو يَا رب من بلَاء ... قوى الورى مَا تطِيق حمله)
(أَمر جرى فِي الْوُجُود فَردا ... يَا عجبا وَهُوَ لِابْنِ جمله)
وَأقَام فِي الْحَبْس خَمْسَة عشر شهرا إِلَى أَن شفع فِيهِ مُوسَى بن مهنا وَولي بعده قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين بن الْمجد وَلما خرج من الاعتقال أعطي الدولعية ثمَّ تمرض وخلت الْمدرسَة الشامية البرانية فدرس فِيهَا أَيَّامًا بعد الشَّيْخ زيد الدّين بن المرحل وَكَانَت وَفَاته بالمسرورية رَحمَه الله تَعَالَى وَدفن عِنْد أَهله بوادي الْعِظَام
وَكنت قد كتبت تَقْلِيده بِالْقضَاءِ لما كنت بالديار المصرية وَهُوَ الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى منار الشَّرْع الشريف بجماله وجلا دجاه بِمن تحسده البدور فِي الْأُفق ليَالِي التَّمام على كَمَاله وشيد رُكْنه بِمن يقصر بَاعَ السَّيْف فِي جلاده عِنْد جداله وَحفظ قَوَاعِده بِمن إِذا أمسك قلم فَتَاوِيهِ تفيأت الْأَحْكَام تَحت ظلاله وأحيى سنَنه بِمن يَتَّضِح بِهِ سنَن حرَامه وَحَلَاله وَنشر لِوَاء فَضله بِمن إِذا طمى الْبَحْر الْمُحِيط فَقل دع ذَا فَإنَّك عَاجز عَن حَاله نحمده على نعمه الَّتِي ادخرت لأيامنا الشَّرِيفَة حبرًا عز بِوُجُودِهِ اجْتِمَاع المثلين واقتطف ثمار الْعُلُوم فَمَا داناه أحد فِي الْفُرُوع وَلَا وصل مَعَه إِلَى الْأَصْلَيْنِ وَطَالَ بِالْعلمِ ثمَّ بالحلم وَزَاد فِي تطولاته وَلم يتقصر على الطولين وَأجْمع النَّاس على اسْتِحْقَاقه بِمَا وليناه فَلم تكن الْمَسْأَلَة فِيهِ ذَات قَوْلَيْنِ ونشهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة ندخرها ليَوْم الْقَضَاء والفصل ونعلم أَنَّهَا أصل الْإِيمَان وَمَا سواهَا فرع وَالْقِيَاس رد فرع إِلَى أصل ونعتمد على بَرَكَات فَضلهَا فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَالْقطع والوصل وننال بإخلاصها على أَعدَاء الدّين عز الْعَزْم وَنصر النصل ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خير من قضى وَمضى وَأَعْدل من مضى وَسيف شَرعه إِذا استقبله شكل حكم فِيهِ وَمضى وأشرف من سَاس النَّاس بخلقه الرضى وَحكمه المرتضى وأعز من أغضى الشَّيْطَان لظُهُور مِلَّته على جمر الغضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من اتبع شَرعه فِي أَحْكَامه وَخَافَ مقَام ربه فَشكر الله لَهُ حسن مقَامه وَقصر خطاه على مَا أمره وَنَهَاهُ فَلم يكن لَهُ إقدام على حَرَكَة أقدامه واستبرأ لدينِهِ فِي قضاياه فَمَا أَخْطَأت سهامه مرامي مرامه صَلَاة تتألق بأنوارها البروق اللامعة وتتعلق بأستارها الْخَلَائق فِي الْوَاقِعَة مَا قبلت ثغور الأقلام خدود المهارق الساطعة ورقمت إبر الْغَمَام برود الحدائق اليانعة وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين
وَبعد فَإِن منصب الشَّرْع الشريف لَا شكّ فِي عُمُوم نَفعه وَلَا مرية فِي أَن السوابق جرت لنصبه والعوالي جرت لرفعه وَلَا ريب فِي أَن شمم كل عرنين ينقاد صاغرا لوضعه مَا(29/36)
حكمنَا فِي شَيْء حَتَّى نعود لأَمره ونعوذ وَلَا خرجنَا فِي السياسة عَن حكمه لَا على سَبِيل السَّهْو وَلَا بِحكم الشذوذ وَلَا برز أمره بِحكم إِلَّا وَقَالَ سيفنا الْمَنْصُور دَائِم النّفُوذ وَكَانَت دمشق المحروسة كَالشَّامَةِ فِي وجنة الشَّام وكالجوهرة الَّتِي أَصبَحت وَاسِطَة عقد الْملك فِي الانتظام هَذَا إِلَى مَا جَاءَ فِي فَضلهَا من السّنة وَثَبت لنا فِي الْخَارِج أَنَّهَا أنموذج الْجنَّة قد شغر منصب حكمهَا الشَّافِعِي من قَاض يسوس الرعايا ويجتهد فِي أَحْكَامه حَتَّى تدله الألمعية على الْمقَاتل الخفايا ويتوسم وُجُوه الْخُصُوم وَكَلَامهم فَيكون ابْن جلا وطلاع الثنايا أمهلنا آراءنا الشَّرِيفَة هَذِه الفترة واستخرنا الله تَعَالَى فِيمَن نحليه بِهَذَا الطوق أَو نخصه بِهَذِهِ الدرة وَذكر بَين أَيْدِينَا الشَّرِيفَة جمَاعَة كل مِنْهُم جلّ إِلَّا أَن يكون قد حلى واستوعب الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فَكَانَ بذلك الِاسْتِيعَاب مجلى فيشار من إِشَارَته كالسهم الَّذِي يُصِيب الْإِشَارَة وبركة رَأْيه خَالِصَة من حظوظ النَّفس الأمارة وَعين من عزت بِهِ الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة منالا وزان رتبتها الجليلة فازدادت بِهِ جمالا وَحمى حوزتها لِأَنَّهُ فَارس الْكَلَام إِذا الْتفت عَلَيْهِ مضائق الْخُصُوم فرجهَا علمه بمواقع الْإِصَابَة جدالا وجالد فوارس الْبَحْث وجدلهم فخذلهم ونسف مغالط النَّسَفِيّ وَلَو كَانَت جبالا ونقى ونقح كَلَام من مضى فكم قيد مُطلقًا يمرح وَأطلق مُقَيّدا يرسف وَجلسَ فِي حَلقَة دروسه فَكَأَنَّمَا تطلع من محراب دَاوُد يُوسُف يغرق الْمُزنِيّ فِي وابل فَضله الصيب ويفوق عرف عرفانه على القَاضِي أبي الطّيب ويتلون ابْن الصّباغ فِي شامله من عَجزه ويتعرف الْغَزالِيّ بِأَنَّهُ لم يكن من نسج طرزه قد صاغ ذهب أُصُوله وَابْن الْحداد فِي الْفُرُوع والتذ بكراه وَصَاحب التَّنْبِيه لَا يطعم لَذَّة الهجوع ونفق من محصوله وَابْن الْحَاجِب فِي صِيغَة مُنْتَهى الجموع
وَكَانَ الْمجْلس العالي القضائي الجمالي وَبَقِيَّة ألقابه ونعوته هُوَ مظهر هَذِه الضمائر وَالْمَقْصُود بِهَذِهِ الْأَدِلَّة والأمائر لَا تلِيق هَذِه الصِّفَات إِلَّا بِذَاتِهِ وَلَا تحسن هَذِه النعوت إِلَّا بأدواته فَلذَلِك رسم بِالْأَمر الشريف العالي المولوي السلطاين الملكي الناصري لَا زَالَت الرعايا بعد لَهُ فِي أَمَان ومواقع اخْتِيَاره ترتاد لَهُم الْكَافِي الكافل من رب السَّيْف والطيلسان أَن يُفَوض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِالشَّام المحروس ولَايَة أحكم عقدهَا وانتظم عقدهَا وتبلج عرفهَا وتأرج عرفهَا فليأمر بِالْمَعْرُوفِ وينه عَن الْمُنكر ويسير سيرة عمرية تتلى محاسنها وتشكر وليأخذ بِحَق الْمَظْلُوم مِمَّن ظلمه ويجر لِسَان قلمه بِمَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة فَعلمه وليتبع الْحق إِن كَانَ مَعَ المشروف أَو الشريف وَيطْلب رضَا الله فِي خذلان الْقوي ونصرة الضَّعِيف وليسو بَين المتخاصمين فِي موقفهما عِنْده وَيسمع الدَّعْوَى إِذا تمت وَالْجَوَاب إِذا أكمل قَصده وليلن جانبا لمن حَضَره ويتمسك بآداب الشَّرْع الَّذِي حضه عَلَيْهَا وَأمره وليحترز فِي أَمر الشُّهُود فِي كل شَيْء وينقب عَن أَحْوَالهم فَإِن مِنْهُم من يَمُوت(29/37)
على الشَّهَادَة وَهُوَ حَيّ ويتبعهم بألمعيته فِي كل أَمر وَيسمع شَهَادَتهم بذكاء إِيَاس وفطنة عَمْرو والأيتام فليول عَلَيْهِم من يراقب الله فِي أَمْوَالهم ويخشى الله فِي معاملاتهم فَكفى مَا بهم من سوء حَالهم وَلَا يركن فِي أَمرهم إِلَّا لمن اختبره الْمرة بعد الْمرة وَعلم أَن عفته لَا تسامحه فِي التمَاس الذّرة والأوقاف فليجر أمورها على النظام البارع وَلَا يَتَعَدَّ بهَا شُرُوط الواقفين فَإِن نَص الْوَاقِف مثل نَص الشَّارِع والأيامى فلزوجهن من أكفائهن شرعا وَيمْنَع من يلبسهن من العضل درعا والأنكحة الْأَهْلِيَّة يستوضح عقودها والخلية يعْتَبر شهودها وَمَال الْمَحْجُور عَلَيْهِ يودعه حرْزا يحفظ فِيهِ وَمَال الْغَائِب كَذَلِك وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه ووقائع بَين المَال فلتكن مضبوطة النظام مَحْفُوظَة الزِّمَام مَقْطُوعَة الجدل وَالْخِصَام ونوابه فِي الْبِلَاد والجهات والنواحي المتطرفات هُوَ الْمَطْلُوب عِنْد الله بجنايتهم والمحاسب على مَا اجترحوه فِي ولايتهم فَلَا يول من يرَاهُ فَقِيها {إِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا} الْبَقَرَة 2 / 205 وَلَا من اتّصف بِالْجَهْلِ وَرَأى زينتها الدُّنْيَا فِي المَال والأهل بل يتحَرَّى فِي أُمُورهم وَيتبع معاملتهم فِي غيبتهم وحضورهم فَأَنت أدرى بِمَا إِلَيْهِ الْأَمر يؤول وكلكم رَاع وكلكم رَاع مسؤول والوصايا كَثِيرَة ومنك تعرف وَإِلَيْك ترجع وَتصرف فَلَمَّا تعلم عوانك الْخمْرَة وَلَا تعرف صناعتك كَيفَ تضع الشذرة فَمَا نحتاج إِلَى أَن نشردها بل نجمعها وَلَا نفردها وَهُوَ تقوى الله عز وَجل الَّتِي من تمسك بهَا فَازَ قدحه وَأمن سرحه وَتعين ربحه وَتبين نجحه وَالله تَعَالَى يتولاك ويعينك على مَا ولاك ويزيدك مِمَّا أولاك والخط الشريف أَعْلَاهُ الله تَعَالَى أَعْلَاهُ حجَّة فِي ثُبُوت الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَالله الْمُوفق بمنه وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ابْن أَحْمد
41 - الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو يَعْقُوب الْحَافِظ الشِّيرَازِيّ الأَصْل الْبَغْدَادِيّ سمع الحَدِيث فِي صباه ثمَّ طلبه بِنَفسِهِ وَبَالغ وجد فِيهِ واجتهد وسافر الْبِلَاد مَا بَين الْحجاز وَالشَّام وفلسطين وديار مُضر والجزيرة وبلاد آذربيجان وَالروم والعراقين ونواحي الأهواز وديار الْجَبَل وإصبهان وخراسان وبلاد الْغَوْر(29/38)
وسجستان وبلاد مَا وَرَاء النَّهر وَسمع هُنَاكَ الْكثير وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل الْأُصُول والكتب الْكَثِيرَة قَالَ ابْن النجار وَكَانَ حسن الْمعرفَة سريع الْقَلَم وافر الهمة شَدِيد الْحِرْص جيد الطّلب ولد سنة تسع وَعشْرين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَلم يكن فِي زَمَانه وَلَا من أقرانه أَكثر طلبا مِنْهُ وَلَا أطول سفرا وَلَا أَكثر تحصيلا جمع وَخرج وَحدث باليسير لِأَنَّهُ توفّي فِي سنّ الكهولة وَكَانَ فَاضلا ثِقَة صَدُوقًا حسن الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ نفذ رَسُولا من الدِّيوَان إِلَى بِلَاد الرّوم وَغَيرهَا وَتَوَلَّى مشيخة رِبَاط أم الْخَلِيفَة بدرب زاخي ثمَّ أعطي دَار ابْن التلميذ بسوق الْعطر وَكَانَت من الدّور الْمَذْكُورَات وَصَارَت لَهُ نعْمَة وثروة وارتفاع قدر فَأَتَاهُ حِينه فِي أحسن أَحْوَاله
42 - الْحَنْبَلِيّ الغوري يُوسُف بن أَحْمد بن صَالح الغوري أَبُو الْقَاسِم الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْقُرْآن على أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عمر بن الحمامي وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْفَتْح هِلَال بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الحفار وأقرأ الْقُرْآن وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَكَانَ حنبليا وَحَمَلُوهُ لما مَاتَ فِي تَابُوت لِئَلَّا يمزق مَا عَلَيْهِ من كَثْرَة اللامسين لَهُ وَدفن بِجَانِب قبر الإِمَام أَحْمد وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة
43 - ابْن الخرزي يُوسُف بن أَحْمد بن الخرزي أَبُو طَاهِر الْبَغْدَادِيّ ولي النّظر بالمخزن والصدرية أَيَّام المستظهر بِاللَّه مُدَّة حَيَاته وَولي وَلَده المسترشد فأقره على ولَايَته مديدة ثمَّ عَزله قَالَ أَبُو الْفتُوح بن طَلْحَة صَاحب المخزن كُنَّا نخدم مَعَ المسترشد وَهُوَ ولي عهد وَكَانَ ابْن الخرزي يقصر فِي حَقه وَيقف فِي حَوَائِجه فَكتبت إِلَيْهِ ألومه وَأَقُول لَا تفعل فَيَقُول أَنا أخدم شَابًّا فِي أول عمره يُشِير إِلَى المستظهر وَمَا أُبَالِي وَكَانَ المسترشد حنقا عَلَيْهِ وَيَقُول لَئِن وليت لَأَفْعَلَنَّ بِهِ وَلَأَفْعَلَن فَلَمَّا ولي خلا بِي ابْن الخرزي وَأمْسك ذيلي وَقَالَ الصنيعة فَقلت لَهُ الْآن وَقد فعلت فِي حَقه مَا فعلت فَقَالَ انْظُر مَا تفعل فَقلت هَذَا رجل قد ولي وَلَا مَال عِنْده فاشتر نَفسك مِنْهُ بِمَال فَقَالَ كم قلت تَقْدِير عشْرين ألفا فَقَالَ وَالله مَا رَأَيْتهَا قطّ قلت لَا تفعل فَلم يقبل فَجعل عَلَيْهِ المسترشد ثمَّ بعد أَيَّام خلع عَلَيْهِ وكتبت إِلَى المسترشد أَقُول أَلَيْسَ هَذَا الَّذِي فعل كَذَا وَكَذَا فَكتب إِلَيّ {خلق الْإِنْسَان من عجل} الْأَنْبِيَاء 21 / 37 ثمَّ عَاد وَجعل عَلَيْهِ ثمَّ تقدم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فأخذنا من دَاره مَا يزِيد على مائَة ألف دِينَار وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ أَخذنَا لَهُ مَمْلُوكا كَانَ يعرف بَاطِنه فضربناه فَأَوْمأ إِلَى بَيت فِي دَاره فاستخرجنا مِنْهُ(29/39)
دفائن أَربع مائَة ألف دِينَار ثمَّ تقدم إِلَيْنَا بقتْله وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة قَتِيلا فِي محبسه
44 - ابْن الدخيل يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف بن الدخيل أَبُو يعقب الصيدلاني رَاوِي كتاب الضُّعَفَاء لأبي جَعْفَر الْعقيلِيّ توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
45 - ابْن كج الشَّافِعِي يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف بن كج بِالْكَاف الْمَفْتُوحَة وَالْجِيم الْمُشَدّدَة القَاضِي أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي الشَّافِعِي كَانَ أحد الْأَئِمَّة الشَّافِعِيَّة صحب أَبَا الْحسن الْقطَّان وَحضر مجْلِس أبي الْقَاسِم عبد الْعَزِيز الداركي وَجمع بَين رئاسة الْعلم وَالدُّنْيَا وارتحل إِلَيْهِ النَّاس من الْآفَاق للاشتغال عَلَيْهِ بالدينور رَغْبَة فِي علمه وجودة نظره وَله وَجه فِي الْمَذْهَب وصنف كتبا كَثِيرَة انْتفع بهَا الْفُقَهَاء قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ لما انْصَرف أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن شُعَيْب السنجي من عِنْد الشَّيْخ أبي حمد الإِسْفِرَايِينِيّ اجتاز بِهِ فَرَأى علمه وفضله فَقَالَ يَا أستاذ الِاسْم لأبي حَامِد وَالْعلم لَك فَقَالَ ذَلِك رفعته بَغْدَاد وحطتني الدينور
وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ وَكَانَت لَهُ نعْمَة كَثِيرَة وَقَتله العيارون بالدينور فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
46 - الطَّبِيب يُوسُف بن أَحْمد بن حسداي بن يُوسُف الإسرائيلي الْمُسلم الأندلسي أَبُو جَعْفَر الطَّبِيب من أَعْيَان الْفُضَلَاء فِي الطِّبّ وَله مصنفات قدم مصر وَكَانَ خصيصا بالمأمون الْوَزير وَشرح لَهُ بعض كبت أبقراط وَله كتاب الْإِجْمَال فِي الْمنطق وَهُوَ من بَيت طب وفلسفة وأجداده من فضلاء الْيَهُود توفّي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَت فِيهِ دعابة وَله نَوَادِر قيل إِنَّه اصطحب هُوَ وَرجل صوفي لما قدم من الْمغرب وَكَانَ الْأنس بَينهمَا قد تمكن فَلَمَّا وصلا إِلَى الْقَاهِرَة قَالَ لَهُ الصُّوفِي أَيْن تنزل فِي الْقَاهِرَة حَتَّى أجيء إِلَيْك وأراك فَقَالَ أَبُو جَعْفَر مَا كَانَ فِي خاطري أَن أنزل إِلَّا فِي حانة الْخمار وأشرب فن كنت توَافق رَأْيِي وَتَأْتِي إِلَى عِنْدِي فرأيك فصعب رَأْيه على الصُّوفِي وَأنكر هَذَا القَوْل وَمَشى إِلَى الخانقاه وَلما كَانَ بعد أَيَّام وَأَبُو جَعْفَر فِي السُّوق وَإِذا بِجمع من الناء(29/40)
وَفِي وَسطهمْ صوفي يُعَزّر وَقد اشْتهر أمره بِأَنَّهُ وجد سَكرَان فَلَمَّا نظره ابْن حسداي عرفه فَقَالَ لَهُ بِاللَّه قَتلك الناموس
47 - أَبُو الحكم الملياني يُوسُف بن أَحْمد بن عياد أَبُو الحكم التَّمِيمِي الملياني جال فِي الأقاليم وَلَقي السهروردي الفيلسوف بملطية وَأخذ عَنهُ وَسكن دانية ونوظر عَلَيْهِ وَكَانَ شَاعِرًا مجودا غاليا فِي التَّشَيُّع قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لَهُ عقيدة خبيثة وفيهَا اتِّحَاد ظَاهر توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة
48 - الْحَافِظ اليغموري يُوسُف بن أَحْمد بن مَحْمُود بن أَحْمد الْحَافِظ جمال الدّين اليغموري أَبُو المحاسن الْأَسدي الدِّمَشْقِي ولد فِي حُدُود السِّت مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله ثَلَاث وَسبعين وست مائَة وَسمع الْكثير بِدِمَشْق والموصل والإسكندرية وعني بِالْحَدِيثِ وتعب وَحصل وَكتب الْكثير من الحَدِيث وَالْأَدب وخطه مَعْرُوف مَشْهُور بَين الْفُضَلَاء وَكَانَ لَهُ فهم وَمَعْرِفَة وإتقان ومشاركة فِي الْآدَاب والتواريخ وَله مجاميع حَسَنَة وَتُوفِّي عِنْد شهَاب الدّين بن يغمور وَكَانَ وَالِده يَصْحَبهُ فَعرف بِهِ كتب شهَاب الدّين بن الخيمي إِلَى الْحَافِظ اليغموري وَكَانَا أرمدين // (من الوافر) //
(أبثك يَا خليلي أَن عَيْني ... غَدَتْ رمداء تجْرِي مثل عين)
(حَدِيثا أَنْت تعرفه يَقِينا ... لِأَنَّك قد رمدت وَأَنت عَيْني)
فَأجَاب الْحَافِظ // (من الوافر) //
(كَفاك الله مَا تَشْكُو وحيني ... محَاسِن مقلتيك بِكُل زين)
(فَإِنِّي من شفائك ذُو يَقِين ... لِأَنَّك قد شفيت وَأَنت عَيْني)
وَمن شعر الْحَافِظ قَوْله // (من الرمل) //
(رج الود على رغم الأعادي ... وأتى الْوَصْل على وفْق المُرَاد)
(مَا على الْأَيَّام ذمّ بَعْدَمَا ... كفر الْقرب إساءات البعاد)
وَمِنْه أَيْضا // (من الرمل) //
(أَنا مرْآة فَإِن أبصرتم ... حسنا أَنْتُم بهَا ذَاك الْحسن)(29/41)
(أوتروا مَا لَيْسَ يرضيكم ... فقد صدئت إِذْ لم تَرَوْهَا من زمن)
49 - ابْن قنويه يُوسُف بن أَحْمد بن قنويه بِالْقَافِ وَالنُّون الْمُشَدّدَة وَالْوَاو وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا هَاء هُوَ مِمَّن رثى أَبَا الطّيب المتنبي وحرض عضد الدولة على فاتك ابْن جهم وَبني أَسد فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(من للطراد وللطعان مباشرا ... بِالنَّفسِ قدما فَوق كل جواد)
(مَا زلت تعنى بالأسنة والقنا ... وتقل لبث السَّيْف فِي الأغماد)
(مَا زلت ترتبط الْجِيَاد وتتقي ... صرف الزَّمَان بحكمة وسداد)
(حَتَّى أَتَى الْأَمر المطاع فَلم تطق ... ردا لَهُ بالأهل وَالْأَوْلَاد)
(وَجعلت تنظر هَل لنَفسك مسعد ... عِنْد الْمَمَات وَهل لَهَا من فاد)
(فَإِذا العبيد عبيد سوء كلهم ... إِلَّا غُلَاما مخلصا بوداد)
قلت يَعْنِي مفلحا عِنْد أبي الطّيب الَّذِي قتل مَعَه
(لم يأل جهدا فِي الجلاد بِسَيْفِهِ ... وَالضَّرْب للهامات والأعضاد)
(طلبا لنَفسك فِي الْحَيَاة بِنَفسِهِ ... والجود عِنْد الْمَوْت بالإسعاد)
(فثوى خضيبا بالدماء وسيفه ... ملقى بِغَيْر حمائل ونجاد)
وَقَالَ يرثيه أَيْضا // (من الْكَامِل) //
(فلئن حييت وَلم أمت من بعده ... فَلَقَد ألفت الْحزن حَتَّى أحشوا)
(لم لَا وَقد قصد الزَّمَان بصرفه ... جبل الْعُلُوم وكهفها والمخبرا)
(فإليه مني بِالسَّلَامِ تَحِيَّة ... يَغْدُو إِلَيْهِ نسيمها متعطرا)
(لهفي عَلَيْك أَبَا المحسد والقنا ... تأبى طعانك خيفة أَن تقصرا)
(لهفي عَلَيْك وَقد سَقَطت مكسرا ... من بعد ردك للوشيج كسرا)
قلت شعر نَازل
50 - القناوي علم الدّين الْخَطِيب الشَّافِعِي يُوسُف بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم علم الدّين الْخَطِيب القناوي الشَّافِعِي الأديب كَانَ من الرؤساء الْأَعْيَان الكرماء الأجواد(29/42)
الأذكياء قَرَأَ الْفِقْه على جلال الدّين أَحْمد الدشناوي وَكَانَت معرفَة جَيِّدَة بِحل الألغاز ونظم فِيهَا أَشْيَاء كَثِيرَة وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة
وَله لغز فِي لابس الثَّانِي مِنْهُ // (من السَّرِيع) //
(يبين إِن صحف مَعَ قَول لَا ... وَلَا إِذا صحفته لَا يبين)
وَله لغز فِي معنى // (من مجزوء الرجز) //
(وَمَا لغز إِذا فتشت شعري ... ترَاهُ مسطرا فِيهِ مُسَمّى)
(وَإِن تعكسه كَانَ من التَّحَرِّي ... إِذا حققته فِي الْبِئْر يرْمى)
(وفاعله إِذا نموا عَلَيْهِ ... فتخشى أَن تزَال يَدَاهُ حتما)
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي تولى الخطابة بِبَلَدِهِ وناب فِي الحكم فِي مَوَاضِع شَتَّى مِنْهَا دشنا وفاو من بِلَاد قوص والمنشأة وطوخ من بِلَاد إخميم وَكَانَ يكرم الْوَارِد
51 - ابْن قطنة الْمصْرِيّ الشَّاعِر يُوسُف بن أَحْمد بن قطنة الْمصْرِيّ الشَّاعِر مدح الصاحب تَاج الدّين بن فَخر الدّين بن جنالة بديوان شعر توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة ثَمَانِينَ وست مائَة
وَمن شعره أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(بمدحك فِي الدُّنْيَا تنَال المطالب ... وترجى لأَصْحَاب الخمول [] )
(لقد علمت مِنْك الهبات وَهَكَذَا ... تكون بِقدر الواهبين الْمَوَاهِب)
(أرى الْجُود مِمَّا تسْتَحب وَلم تزل ... ترى أَنه فرض عَلَيْك وواجب)
(فَأَنت الَّذِي آوى الْغَرِيب لبابه ... فَمَا سَاقه أوطانه والحبائب)
(فَمَا أم هَذَا الْبَاب إِلَّا مُؤَمل ... وَلَا عَاد عَنهُ آمل وَهُوَ خائب)
قلت شعر متوسط(29/43)
52 - الْمسند ابْن غَالِيَة يُوسُف بن أَحْمد بن أبي بكر بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن عبد الْمجِيد الْمسند المعمر بَقِيَّة الروَاة أَبُو عَليّ الغسولي الْمَعْرُوف بِابْن غَالِيَة ولد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وست مائَة بقاسيون وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة سبع مائَة
وَسمع من مُوسَى بن عبد الْقَادِر وَالشَّيْخ الْمُوفق وَتفرد فِي وقته وَسمع مِنْهُ خلق وَسمع مِنْهُ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ شَيخا سَاكِنا فَقِيرا متعففا بَدَت مِنْهُ هَنَات فِي وسط عمره ثمَّ إِنَّه كبر وَصلح أمره وَكَانَ حجارا ثمَّ عجز وَلزِمَ بَيته وَسمع مِنْهُ البزالي والمزي والمقاتلي وَابْن النابلسي والمحب والصدر أَبُو بكر ابْن خطيب حماه والشهاب ابْن عديسة وَالشَّيْخ نجم الدّين القحفازي وَخلق وجبي لَهُ الْكَفَن لما توفّي رَحمَه الله تَعَالَى
53 - صدر الدّين الجذامي يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الْغَنِيّ صدر الدّين الجذامي الإسكندري الفقهي الْمَالِكِي الأديب الشَّاعِر يعرف بِابْن غنوم بغين مُعْجمَة وَنون مُشَدّدَة وواو بعْدهَا مِيم موقع الثغر كَانَ فَاضلا ذكيا كتب للقضاة زَمنا طَويلا ثمَّ انْقَطع فِي منزله وَخمْس قصائد للصرصري ولد بالإسكندرية سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي أَنْشدني لَهُ وَقد سَأَلته أَن ينشدني شَيْئا من شعره // (من الْبَسِيط) //
(يَا من يسائل عَن شعري ليرويه ... مهلا فَلَيْسَ شعاري نظم أشعاري)
(مذ حل زائر هَذَا الشي صيرني ... بعد الصِّبَا وإزاري ذكر أوزاري)
قَالَ وأنشدني لَهُ أَيْضا // (من السَّرِيع) //
(وَبِي غَرِيب الدَّار مستأنس ... أسَال دمعي مِنْهُ خد أسيل)
(فَإِن أمت شوقا إِلَى وَصله ... فَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل)
وأنشدني لَهُ أَيْضا // (من الْكَامِل) //
(قُم نفترع بكر المدامة بكرَة ... فِي رَوْضَة حسنت وراقت منْظرًا)
(فالراح سيف قَاطع لهمومنا ... أَو مَا ترَاهُ بالحباب مجوهرا)
قَالَ وأنشدني لَهُ // (من الوافر) //(29/44)
(جلا مسواك ثغرك خير در ... فجل بِذَاكَ واكتسب المزايا)
(وَأنْشد صَحبه تيها وفخرا ... أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا)
قلت شعر جيد
54 - ابْن أَسْبَاط الزَّاهِد يُوسُف بن أَسْبَاط الزَّاهِد الصَّالح أحد مَشَايِخ الْقَوْم لَهُ مواعظ وَحكم وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
ابْن إِسْحَاق
55 - ابْن أبي إِسْحَاق السبيعِي يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْهَمدَانِي الْكُوفِي قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ أَحْمد حَدِيثه مُضْطَرب وَتُوفِّي سنة سبعٍ وَخمسين وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
56 - صَلَاح الدّين الدوادار يُوسُف بن أسعد الْأَمِير صَلَاح الدّين الدوادار كَانَ فِي مبدأ أمره نصف عَامل فِي بيروت على مَا قيل ثمَّ بَطل الْكِتَابَة وتوصل بالجندية إِلَى أَن صَار دوادار الْأَمِير سيف الدّين قجق ثمَّ آل أمره إِلَى أَن أَخذ الإمرة بحلب وَولي بهَا الحجوبية فِي أَيَّام الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا ثمَّ ولي بهَا شدّ الدَّوَاوِين ثمَّ طلب إِلَى مصر مَرَّات ثمَّ ولي نِيَابَة ثغر الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ ولَايَة منفلوط بالصعيد ثمَّ إِنَّه جعل مشد الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ فِي أَيَّام وزارة الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا مغلطاي الجمالي ثمَّ عزل وَبَقِي بِمصْر أَمِيرا ثمَّ جهزه السُّلْطَان رَسُولا إِلَى السُّلْطَان أَبُو سعيد فَعَاد وَقد أشاع النَّاس أَنه يكون وزيرا فَلَمَّا وصل إِلَى مصر سعي عَلَيْهِ وأبطل ذَلِك فسعى لَهُ الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي لما مَاتَ الْأَمِير شهَاب الدّين أَمِير مهمندار فرسم لَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بالمهمندارية فَأَقَامَ بهَا قَلِيلا فَلَمَّا توفّي الْأَمِير سيف الدّين الجاي الدوادار جعله السُّلْطَان دوادارا وَكَانَ القَاضِي شرف الدّين بَين الشهَاب مَحْمُود قد رسم لَهُ بعدة بيوعات بِكِتَابَة السِّرّ(29/45)
فِي مصر فقاسى شرف الدّين مِنْهُ شَدَائِد وأنكادا كَثِيرَة وتوجها إِلَى الْحجاز فِي ركاب السُّلْطَان وهما فِي ذَلِك النكد وَالشَّر فَلَمَّا حضرا من الْحجاز أَقَامَ القَاضِي شرف الدّين قَلِيلا وَهُوَ يعْمل عَلَيْهِ إِلَى أَن عزل وَأخرج إِلَى دمشق وَبَقِي الْأَمِير صَلَاح الدّين الْمَذْكُور فِي الدوادارية وَقد استطال على النَّاس أَجْمَعِينَ خُصُوصا الْكتاب فحسنوا للسُّلْطَان أَن يخرج كاشفا الثغور الحلبية فتعلل وَانْقطع فِي بَيته مُدَّة شَهْرَيْن وَلما قَامَ وَدخل إِلَى السُّلْطَان عَزله فِي ثَانِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة ورسم أَن يتَوَجَّه إِلَى صفد أَمِيرا فَتوجه إِلَيْهَا وَأقَام بهَا قَلِيلا وَنقل إِلَى طرابلس ثمَّ نقل إِلَى حلب وَجعل وَالِي الْبر فِيمَا أَظن ثمَّ إِنَّه حج بَعْدَمَا نقل إِلَى طرابلس وَورد الْخَبَر إِلَى دمشق بوفاته بطرابلس فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَله مُشَاركَة فِي تواريخ وتراجم النَّاس وَكَانَ فِيهِ شح مفرط إِلَّا أَنه وقف دَاره بحلب مدرسة على فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة ووقف كتاب أَيَّام بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَكَانَ يَدعِي النّظم وأنشدت لَهُ // (من الْبَسِيط) //
(مَا اللّعب بالنَّار فِي الميلاد من سفه ... لكنما هُوَ لِلْإِسْلَامِ مَقْصُود)
(يُرَاد كتب النَّصَارَى أَن رَبهم ... عِيسَى ابْن مَرْيَم مَخْلُوق ومولود)
أنشدنيها صَلَاح الدّين خَلِيل بن رمتاس بصفد وَقَالَ أنشدنيها وَقَالَ إنَّهُمَا لَهُ واقتنى كتبا كَثِيرَة
ابْن إِسْمَاعِيل
57 - ابْن اللمغاني الْحَنَفِيّ يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عبد السَّلَام بن الْحسن أَبُو يَعْقُوب اللمغاني الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْبَغْدَادِيّ من أهل بَاب الطاق من بَيت مَشْهُور بالفقه وَالْعَدَالَة تقدم ذكر أَبِيه فِي مَكَانَهُ وتفقه على أَبِيه وَعَمه مُحَمَّد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وقرى كثيرا من مَذْهَب الاعتزال وناظر الْمُتَكَلِّمين فِي إِثْبَات خلق الْقُرْآن وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وتخرجوا بِهِ وَولي التدريس بِجَامِع السُّلْطَان بعد وَفَاة الْأَمِير السَّيِّد أبي الْحسن عَليّ الْعلوِي وناب فِي التدريس بمشهد الإِمَام أبي حنيفَة وانتهت إِلَيْهِ رئاسة أَصْحَاب الرَّأْي وَكَانَ غزير الْفضل حسن المناظرة ذَا أَخْلَاق لَطِيفَة وكيس وتواضع سمع شَيْئا من الحَدِيث فِي صباه من أبي عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن الْمَقْدِسِي إِمَام مشْهد أبي حنيفَة وَأبي الْمَعَالِي الْمُبَارك بن الْمُبَارك الْبَزَّار وَغَيرهمَا قَالَ ابْن النجار كتبنَا(29/46)
عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا وَله سنة ثَمَان عشرَة وَخمْس مائَة وَمَات سنة سِتّ وست مائَة
58 - ابْن نحرير الأسواني يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن سعد الْملك بن نحرير الأسواني قَارِئ الْمُصحف قِرَاءَة حَسَنَة صَحِيحَة وَله صَوت شج وَتُوفِّي بأسوان سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة قَالَ مُحَمَّد بن العريف الأسواني كُنَّا مُجْتَمعين فأورد الْبَيْت الثَّانِي من الأبيات فَقَالَ يصلح أَن يكمل عَلَيْهِ وَيجْعَل لَهُ أَولا وأنشدنا ارتجالا // (من الطَّوِيل) //
(شَكَوْت غليه مَا أُلَاقِي من الْهوى ... فَمَا حن لي يَوْمًا وَلَا رق للشكوى)
(فَلَو أنني قَاضِي المحبين فِي الْهوى ... حكمت لمن يهوى على كل)
(فيا مهجتي ذوبي أسى وصبابة ... وَيَا عاذلي دَعْنِي فَإِنِّي لَا أقوى)
59 - تَاج الدّين بن العجمي يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم بن عُثْمَان الشَّيْخ الْجَلِيل الْمسند تَاج الدّين أَبُو المحاسن بن العجمي الْحلَبِي سمع من الضياء صقر الْحلَبِي وَغَيره وَتُوفِّي رَحمَه الله بكرَة الْخَمِيس ثامن عشْرين شَوَّال سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة أجَاز لي بحلب سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة وَكتب عَنهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن رَافع السلَامِي
60 - أَبُو يَعْقُوب الْهَمدَانِي الصَّالح يُوسُف بن أَيُّوب بن يُوسُف بن الْحُسَيْن بن وهرة أَبُو يَعْقُوب الْهَمدَانِي الْفَقِيه الْعَالم الزَّاهِد الرباني صَاحب المقامات والكرامات قدم بَغْدَاد فِي صباه بعد السِّتين وَأَرْبع مائَة ولازم الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وتفقه عله وبرع فِي الْأُصُول وَالْمذهب وَالْخلاف وَسمع من القَاضِي أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُهتدي بِاللَّه وَأبي الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ بن الْمَأْمُون وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن الصريفيني وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور وَغَيرهم وَسمع بإصبهان وسمرقند وَكتب أَكثر مَا سَمعه ثمَّ إِنَّه زهد فِي ذَلِك ورفضه واشتغل بالزهد وَالْعِبَادَة والرياضة والمجاهدة إِلَى أَن صَار علما من الْأَعْلَام الَّذين يَهْتَدِي بهم(29/47)
الْخلق وَعقد مجْلِس الْوَعْظ بالنظامية وصادف بهَا قبولا عَظِيما قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا الْفضل صافي بن عبد الله الصُّوفِي الشَّيْخ الصَّالح بِبَغْدَاد يَقُول حضرت مجْلِس شَيخنَا يُوسُف الْهَمدَانِي فِي النظامية وَكَانَ قد اجْتمع الْعَالم فَقَامَ فقه يعرف بِابْن السقاء وآذاه وَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ الإِمَام يُوسُف اجْلِسْ فَإِنِّي أجد من كلامك رَائِحَة الْكفْر ولعلك تَمُوت على غير دين الْإِسْلَام قَالَ أَبُو الْفضل فاتفق أَن بعد هَذَا القَوْل بِمدَّة قدم رَسُول نَصْرَانِيّ من ملك الرّوم إِلَى الْخَلِيفَة فَمضى إِلَيْهِ ابْن السقاء وَسَأَلَهُ أَن يستصحبه وَقَالَ لَهُ يَقع لي أَن أترك دين الْإِسْلَام وَأدْخل فِي دينك فَقبله النَّصْرَانِي وَخرج مَعَه إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة والتحق بِملك الرّوم وَمَات على النَّصْرَانِيَّة قَالَ ابْن النجار سَمِعت أَبَا الْكَرم عبد السَّلَام بن أَحْمد الْمُقْرِئ يَقُول كَانَ ابْن السقا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ مجودا فِي تِلَاوَته حَدثنِي بعض من رَآهُ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ملقى على دكة مَرِيضا وَبِيَدِهِ خلق مروحة يدْفع بهَا الذُّبَاب عَن وَجهه قَالَ فَسَأَلته قل الْقُرْآن بَاقٍ على حفظك فَقَالَ مَا أذكر إِلَّا آيَة وَاحِدَة {رُبمَا يود الَّذين كفورا لَو كَانُوا مُسلمين} الْحجر 15 / 2 وَالْبَاقِي أنسيته نَعُوذ بِاللَّه من سوء قَضَائِهِ ونزول نعْمَة الْإِسْلَام وَلما مَاتَ الشَّيْخ رَحمَه الله سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة دفن بمرو وَكَانَ قد مَاتَ بِبَعْض قرى هراة ومولده تَقْرِيبًا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
61 - النَّاصِر صَلَاح الدّين الْكَبِير يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان بن يَعْقُوب السُّلْطَان الْعَادِل الْمُؤَيد الْمُجَاهِد المرابط المثاغر السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَبُو المظفر ابْن الْملك الْأَفْضَل نجم الدّين الدويني دوين بِطرف بِلَاد آذربيجان اخْتلف فِي نسبه فقوم يَقُولُونَ أموي الأَصْل وَقَالَ الصاحب كَمَال الدّين بن العديم فِي كتاب الْإِشْعَار بِمَا للملوك من النَّوَادِر والأشعار ينتسب من الْعَرَب إِلَى مَالك بن طوق صَاحب الرحبة وَقَالَ قوم هُوَ من الأكراد وَهُوَ الصَّحِيح لم يَأْتِ فِي مُلُوك الْإِسْلَام بعد نور الدّين الشَّهِيد مثله فتح الْقُدس الشريف وطهر السواحل من الإفرنج وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب أشعري العقيدة يلقن عقيدة الْأَشْعَرِيّ لأولاده ويلزمهم بالدرس عَلَيْهَا وَسمع الحَدِيث وأسمعه أَوْلَاده
سمع من السلَفِي الْحَافِظ وَالْإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم ابْن بنت أبي(29/48)
سعد وَأبي طَاهِر عون وَعبد الله بن بري والقطب مَسْعُود النَّيْسَابُورِي وَجَمَاعَة وروى الحَدِيث وَملك الْبِلَاد فتوحا
ولد بتكريت وَأَبوهُ واليها سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَأقَام فِي الْملك أَرْبعا وَعشْرين سنة وَتُوفِّي بقلعة دمشق بعد صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَحضر القَاضِي الْفَاضِل وَفَاته وغسله الدولعي وَأخرج فِي تابوته وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي محيي الدّين بن الزكي وأعيد إِلَى الدَّار الَّتِي فِي الْبُسْتَان الَّتِي كَانَ فِيهَا مَرِيضا وَدفن فِي الصّفة الغربية مِنْهَا وَصلى عَلَيْهِ النَّاس أَرْسَالًا وتأسف النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى الفرنج لما كَانَ من صدقه ووفائه إِذا عاهدهم
وَبنى وَلَده الْأَفْضَل على شمَالي الْجَامِع الْأمَوِي قبَّة وَهِي الَّتِي شباكها قبلي الكلاسية وَنَقله إِلَيْهَا يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة وَمَشى بَين يَدَيْهِ التابوت وَأَرَادَ الْعلمَاء حمله على رقابهم فَقَالَ الْأَفْضَل يَكْفِيهِ دعاؤكم الصَّالح وَحمله مماليكه وَأخرج إِلَى بَاب الْبَرِيد وَصلي عَلَيْهِ قُدَّام النسْر وَصلى عَلَيْهِ محيي الدّين ابْن الزكي ولحده وَلَده الْأَفْضَل وَخرج وسد الْبَاب وَجلسَ للعزاء ثَلَاثَة أَيَّام
وَفتح الْقُدس والبلاد الساحلية والشامية والفراتية والحصون الفرنجية وَلم يخلف إِلَّا سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما ودينارا وَاحِدًا صوريا وَلم يخلف ملكا وَلَا عقارا وَخلف سَبْعَة عشر ولدا ذكرا وَابْنَة صَغِيرَة الْملك الْأَفْضَل عَليّ صَاحب دمشق وَالْملك الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب مصر وَالْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب وَالْملك الْمعز فتح الدّين إِسْحَاق وَالْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود وَالْملك الْأَعَز شرف الدّين يَعْقُوب وَالْملك الظافر مظفر الدّين خضر وَالْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد وَالْملك الْمفضل قطب الدّين مُوسَى وَالْملك الْأَشْرَف عَزِيز الدّين مُحَمَّد وَالْملك المحسن ظهير الدّين أَحْمد وَالْملك الْمُعظم فَخر الدّين توران شاه والجواد زكي الدّين أَيُّوب وَالْغَالِب نصير الدّين ملكشاه وعماد الدّين شادي ونصرة الدّين مَرْوَان والمنصور أَبَا بكر ومؤنسة زوج الْملك الْكَامِل وَهَؤُلَاء كلهم عاشوا بعده وَكَانَ أَكْثَرهم بحلب عِنْد الظَّاهِر وَآخرهمْ موتا توران شاه توفّي بعد أَخذ حلب فِي قلعتها وَقد تقدم فِي ذكر نجم الدّين أَيُّوب بن شاذي ذكر أصلهم وَسبب اتصالهم بِنور الدّين الشَّهِيد وَتقدم أَيْضا فِي تَرْجَمَة أَسد الدّين شيركوه بن شاذي سَبَب دُخُول شيركوه إِلَى مصر بحده فِي أَيَّام العاضد وَفِي تَرْجَمَة أَيُّوب الْمَذْكُور سَبَب وزارة صَلَاح الدّين يُوسُف الْمَذْكُور للعاضد خَليفَة مصر وَفِي تَرْجَمَة القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم بن عَليّ طرف من ذَلِك فليكشف جَمِيع ذَلِك فِي أماكنه الْمَذْكُورَة(29/49)
وَأرْسل العاضد خلع الوزارة إِلَى صَلَاح الدّين وَكَانَت الْعَادة فِي مثل ذَلِك مَا يذكر وَهُوَ عِمَامَة بَيْضَاء تنيسي بطرز ذهب وثوب دبيقي بطرازي ذهب وجبة تحتهَا سقلاطون بطرازي ذهب وطيلسان دبيقي بطراز ذهب رَقِيق وَعقد جَوْهَر قِيمَته عشرَة آلَاف دِينَار وَسيف محلى مجوهر قِيمَته خَمْسَة آلف دِينَار وَفرس حجر صفراء من مراكب العاضد قيمتهَا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار وَلم يكن بالديار المصرية اسبق مِنْهَا وطوق وتخت وسرفسار ذهب مجوهر وَفِي رَقَبَة الْحجر مشدة بَيْضَاء وَفِي رَأسهَا مِائَتَا حَبَّة جَوْهَر وَفِي أَربع قَوَائِم الْفرس أَربع عُقُود جَوْهَر وقصبة ذهب وَفِي رَأسهَا طلعة مجوهرة وَفِي رَأسهَا مشدة بَيْضَاء بأعلام ذهب وَمَعَ الخلعة عدَّة بقج وعدة من الْخَيل وَأَشْيَاء أخر ومنشور الوزارة ملفوف فِي ثوب أطلس أَبيض
وَكَانَت وزارة صَلَاح الدّين فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمْس مائَة وَجلسَ فِي دَار الوزارة وَحضر الْأُمَرَاء والكبراء ووجوه الْبَلَد وأرباب دولة العاضد وَعم النَّاس جَمِيعهم المصريين والشاميين بالهبات والصلات وَلما وزر صَلَاح الدّين للعاضد شكر نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَتَابَ عَن الْخمر وأقلع عَن اللَّهْو وَأَقْبل على الْجد وَالِاجْتِهَاد وَجرى لَهُ مَعَ العاضد مَا جرى من خلعه وَإِقَامَة الدعْوَة بِمصْر للعباسيين وَلم يزل يَشن الغارات على الفرنج بالكرك والشوبك وبلادهما وَجعل النَّاس يهرعون إِلَيْهِ من كل جَانب وَهُوَ يفِيض عَلَيْهِم سحائب الإنعام إِلَى أَن اشْتهر ذكره وَبعد صيته وَلما اسْتَقر أمره بِمصْر أَخذ نور الدّين الشَّهِيد حمص من نواب أَسد الدّين وَكَانَ نور الدّين يُكَاتب صَلَاح الدّين بالأمير الإسفهسلار وَيكْتب علامته فِي الْكتب تَعْظِيمًا أَن يكْتب اسْمه وَكَانَ لَا يفرده بِكِتَاب بل يكْتب الْأَمِير الإسفهسلار صَلَاح الدّين وكافة الْأُمَرَاء بالديار المصرية يَفْعَلُونَ كَذَا هَذَا قبل موت العاضد
وَالْتمس صَلَاح الدّين من نور الدّين أَن يبْعَث إِلَيْهِ إخْوَته فَلم يرسلهم وَقَالَ أَخَاف أَن يُخَالف أحد مِنْهُم عَلَيْك فتفسد الْبِلَاد ثمَّ إِنَّه جهزهم إِلَيْهِ فَلَمَّا تجمع الفرنج وطلبوا الْمسير إِلَى مصر فَتوجه إِلَيْهِ وَالِده نجم الدّين وَمَعَهُ بَقِيَّة إخْوَته وَفِي ذَلِك يَقُول عمَارَة اليمني من قصيدة // (من الْكَامِل) //
(عجبا لمعجزة أَتَت فِي عصره ... والدهر ولاد لكل عَجِيب)
(رد الْإِلَه بِهِ قَضِيَّة يُوسُف ... نسقا على ضرب من التَّقْرِيب)
(جَاءَتْهُ إخْوَته ووالده إِلَى ... مصر على التدريج وَالتَّرْتِيب)
وَكَانَ وصولهم إِلَيْهِ سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَلما أَن توجه صَلَاح الدّين مَعَ(29/50)
عَمه أَسد الدّين شيركوه إِلَى مصر فِي الْمرة الثَّالِثَة قَالَ العرقلة // (من السَّرِيع) //
(أَقُول والأتراك قد أزمعت ... مصر إِلَى حَرْب الأعاريب)
(رب كَمَا ملكتها يُوسُف ... الصّديق من أَوْلَاد يَعْقُوب)
(ملكهَا فِي عصرنا يُوسُف ... الصَّادِق من أَوْلَاد أَيُّوب)
فَكَانَ ذَلِك فألا جرى على لِسَانه
وَلما خلع العاضد وَجرى لَهُ أرسل صَلَاح الدّين إِلَى نور الدّين يعرفهُ ذَلِك فسير نور الدّين إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المتستضيء يعرفهُ بذلك فَحل عِنْده محلا عَظِيما وسير إِلَى نور الدّين الْخلْع الْكَامِلَة لَهُ ولصلاح الدّين أَيْضا إِلَّا أَنَّهَا أقل من خلع نور الدّين وسيرت الْأَعْلَام السود لتنصب على المنابر ثمَّ إِن الوحشة حصلت بَين نور الدّين وَصَلَاح الدّين لِأَنَّهُ طلب مِنْهُ الْمسير إِلَيْهِ إِلَى الكرك بالعساكر المصرية لحصار الفرنج فَاعْتَذر باختلال الْبِلَاد وَأَنه مَتى سَار بالعساكر خَافَ لبعده عَنْهَا فَلم يقبل نور الدّين عذره وعزم على الدُّخُول إِلَى مصر وَإِخْرَاج صَلَاح الدّين عَنْهَا فَبلغ الْخَبَر صَلَاح الدّين فَجمع أَهله وَفِيهِمْ وَالِده نجم الدّين وخاله شهَاب الدّين الحارمي ومعهما سَائِر الْأُمَرَاء وأعلمهم بِمَا عزم عَلَيْهِ نور الدّين واستشارهم فَلم يجبهُ أحد مِنْهُم وَقَامَ تَقِيّ الدّين عمر ابْن أخي صَلَاح الدّين وَقَالَ إِذا جَاءَ قَاتَلْنَاهُ وصددناه عَن الْبِلَاد وَوَافَقَهُ غَيره من أَهله فشتمهم نجم الدّين أَيُّوب وَأنكر ذَلِك واستعظمه وَكَانَ ذَا رَأْي ومكر وعقل وَقَالَ لتقي الدّين أقعد وسبه وَقَالَ لصلاح الدّين أَنا أَبوك وَهَذَا شهَاب الدّين خَالك أتظن أَن فِي هَؤُلَاءِ من يحبك وَيُرِيد لَك الْخَيْر مثلنَا فَقَالَ لَا فَقَالَ وَالله لَو رَأَيْت أَنا وخالك هَذَا نور الدّين لم يمكنا إِلَّا أَن نترجل لَهُ ونقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَلَو أمرنَا أَن نضرب عُنُقك بِالسَّيْفِ لفعلنَا فَإِذا كُنَّا نَحن هَكَذَا فَكيف يكون غَيرنَا وَلَك من ترَاهُ من الْأُمَرَاء والعساكر لَو رأى نور الدّين وَحده لم يتجاسر على الثَّبَات على سَرْجه وَلَا وَسعه إِلَّا النُّزُول وتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَهَذِه الْبِلَاد لَهُ وَقد أقامك فِيهَا وَإِذا أَرَادَ عزلك فَأَي حَاجَة لَهُ فِي الْمَجِيء يَأْمر بِكِتَاب مَعَ نجاب حَتَّى تقصد خدمته ويولي بِلَاده من يُرِيد وَقَالَ للْجَمَاعَة كلهم قومُوا عَنَّا فَنحْن مماليك نور الدّين وعبيده يفعل مَا يَشَاء بِنَا فترفوا على هَذَا وَكتب بَعضهم بالْخبر إِلَى نور الدّين وَلما خلا أَيُّوب بِابْنِهِ صَلَاح الدّين قَالَ لَهُ أَنْت جَاهِل تجمع هَذَا الْجمع الْكَبِير وتطلعهم على سرك وَإِذا سمع نور الدّين أَنَّك تَمنعهُ بِلَاده جعلك أهم أُمُوره وأولاها بِالْقَصْدِ وَلَو قصدك لم تَرَ مَعَك أحدا من هَذِه العساكر وَكَانُوا أسلموك إِلَيْهِ وَأما الْآن فسيكتبون إِلَيْهِ بِهَذَا الَّذِي جرى وتكتب أَنْت إِلَيْهِ وَتقول لَهُ أَي حَاجَة إِلَى قصدي يَجِيء نجاب يأخذني بِحَبل يَضَعهُ فِي عنقِي فَهُوَ إِذا(29/51)
بلغه هَذَا رَجَعَ عَن قصدك واشتغل بِمَا هُوَ الأهم عِنْده وَالْأَيَّام تتدرج وَالله {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} الرَّحْمَن 55 / 29 فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ نجم الدّين وَلم يَقْصِدهُ نور الدّين بعد ذَلِك وَتُوفِّي نور الدّين رَحمَه الله بَعْدَمَا سير إِلَيْهِ موفق الدّين خَالِد بن القيسراني يُطَالِبهُ بِالْمَالِ والحساب على مَا تقدم فِي تَرْجَمته وَكَانَ قد بلغ السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَن فِي الْيمن إنْسَانا اسْمه عبد النَّبِي قد استولى عَلَيْهَا وَملك حصونها فَجهز إِلَيْهِ أَخَاهُ توارن شاه فَقتله وَأخذ الْبِلَاد مِنْهُ ثمَّ إِن صَلَاح الدّين علم أَن الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين الشَّهِيد لَا يسْتَقلّ بِالْأَمر بعد وَالِده فقصد دمشق فِي جَيش كثيف مظْهرا أَنه يتَوَلَّى أَمر الصَّالح فَدخل دمشق بِالتَّسْلِيمِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول سنة سبعين وَخمْس مائَة وتسلم قلعتها وَكَانَ أول دُخُوله دَار أَبِيه وَهِي الدَّار الْمَعْرُوفَة بدار العقيقي وَفَرح النَّاس بِهِ واجتمعوا إِلَيْهِ وَأنْفق فِي ذَلِك أَمْوَالًا عَظِيمَة وَسَار إِلَى حلب ونازل حمص وَأخذ الْمَدِينَة فِي جُمَادَى الأولى من السّنة وَهِي الْوَقْعَة الأولى وأنفذ سيف الدّين غَازِي بن قطب الدّين مودود بن عماد الدّين زنكي صَاحب الْموصل عسكرا وافرا وَقدم عَلَيْهِ أَخَاهُ عز الدّين مَسْعُود وَسَارُوا يُرِيدُونَ لِقَاء صَلَاح الدّين ليردوه عَن الْبِلَاد فَلَمَّا بلغه ذَلِك رَحل عَن حلب وَعَاد إِلَى حماه وَرجع إِلَى مصر وَأخذ قلعتها وَوصل مَسْعُود الْمَذْكُور إِلَى حلب وَأخذ عَسْكَر ابْن عَمه الصَّالح ابْن نور الدّين وَخَرجُوا فِي جمع عَظِيم فَلَمَّا علم بذلك صَالح الدّين سَار إِلَيْهِم ووافاهم على قُرُون حماه ثمَّ إِنَّهُم اجتهدوا أَن يصالحوه فَمَا اتّفق بَينهم صلح وتلاقوا فانكسروا بَين يَدَيْهِ وَأسر مِنْهُم جمَاعَة وَمن عَلَيْهِم وَذَلِكَ فِي تَاسِع عشر رَمَضَان الْمُعظم من السّنة وساء عقيب ذَلِك وَنزل على حلب فَصَالَحُوهُ على أَخذ المعرة وَكفر طَابَ وبارين ثمَّ إِنَّه تصاف هُوَ وَسيف الدّين غَازِي على تل السُّلْطَان وانكسرت ميسرَة صَلَاح الدّين ثمَّ انتصر عَلَيْهِم وفروا بَين يَدَيْهِ فَلم يتبعهُم وَنزل خيامهم وَفرق اسطبلاتهم ووهب خزائنهم وَسَار إِلَى منبج وتسلمها وَتوجه إِلَى عزاز وحصارها فِي رَابِع ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة وَعَلَيْهَا وثب جمَاعَة من الإسماعيلية على صَلَاح الدّين فَنَجَّاهُ الله مِنْهُم وظفر بهم وَملك عزاز فِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة ثمَّ سَار وَنزل حلب فِي سادس عشر الشَّهْر وَأقَام عَلَيْهَا مُدَّة ثمَّ رَحل عَنْهَا وَكَانَ قد أخرجُوا لَهُ ابْنة صَغِيرَة لنُور الدّين سَأَلته عزاز فَوَهَبَهَا لَهَا ثمَّ إِن صَلَاح الدّين عَاد إِلَى مصر فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة وَكَانَ أَخُوهُ توران شاه قد وصل من الْيمن فاستخلفه بِدِمَشْق وتأهب للغزاة وَخرج يطْلب السَّاحِل حَتَّى وافى الفرنج على الرملة وَذَلِكَ فِي أَوَائِل جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين وَخمْس مائَة وَكَانَ الكسرة على الْمُسلمين فطلبوا مصر وَضَلُّوا فِي الطريف وتفرق شملهم وَأسر الفرنج الْفَقِيه عِيسَى الهكاري وَكَانَ ذَلِك وَهنا عَظِيما من الْمُسلمين جبره الله تَعَالَى يَوْم(29/52)
حطين ثمَّ إِن صَلَاح الدّين أَقَامَ بِمصْر يلم شعثه وبلغه تخبط الشَّام فاهتم بالغزاة فوصل رَسُول قلج أرسلان صَاحب الرّوم يلْتَمس الصُّلْح ويتضور من الأرمن فعزم على قصد بِلَاد ابْن لاوون وَهِي بِلَاد سيس فَدَخلَهَا وَأخذ فِي طَرِيقه حصنا فَسَأَلُوهُ الصُّلْح فَصَالحهُمْ وَرجع عَنْهُم فَدخل عَلَيْهِ قلج أرسلان فِي صلح الشرقيين بأسرهم فَأَجَابَهُ وَحلف صَلَاح الدّين فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة وَدخل فِي الصُّلْح قلج أرسلان والمواصلة رُوجِعَ بعد ذَلِك إِلَى دمشق وَتوجه مِنْهَا إِلَى مصر وَتُوفِّي الصَّالح ابْن نور الدّين الشَّهِيد واستخلف أُمَرَاء حلب وجندها لِابْنِ عَمه عز الدّين مَسْعُود صَاحب الْموصل فَأتى إِلَيْهَا خوفًا من سبق صَلَاح الدّين إِلَى حلب وَاسْتولى على الحواصل وَتزَوج أم الصَّالح ثمَّ إِنَّه قايض أَخَاهُ عماد الدّين زنكي من حلب إِلَى سنجار وَخرج من حلب ودخلها عماد الدّين زنكي الْمَذْكُور فَجَاءَهُ صَلَاح الدّين وحاصره فِي سادس عشْرين الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة فَصَالَحُوهُ على سنجار والخابور ونصيبين وسروج وَمَا فِي قلعة حلب من الحواصل وَالْأَمْوَال وَيَأْخُذ صَلَاح الدّين حلب فوافقهم على ذَلِك وَأعْطى الرقة لحسام الدّين طمان لكَونه دخل فِي الصُّلْح وَكَانَ صَلَاح الدّين قد أَخذ سنجار فِي ثَانِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة وَأَعْطَاهَا لِابْنِ أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر ثمَّ إِن صَلَاح الدّين صعد إِلَى قلعة حلب يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشْرين صفر سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة ورتب أمورها ورحل عَنْهَا فِي ثَانِي عشْرين شهر ربيع الآخر وَجعل فِيهَا وَلَده الظَّاهِر غَازِي وَولي القلعة سيف الدّين يازكوج الْأَسدي وَجعله يرتب مصَالح وَلَده الظَّاهِر غَازِي وَعَاد إِلَى دمشق وَخرج مِنْهَا لقصد الكرك فِي ثَالِث شهر رَجَب من السّنة وسير إِلَى أَخِيه الْعَادِل أبي بكر ليحضر إِلَيْهِ وَكَانَ بِمصْر فَسَار إِلَيْهِ بِجَيْش عَظِيم وحشد الفرنج واجتمعوا وجاؤوا إِلَى الكرك وَخَافَ صَلَاح الدّين على مصر فسير إِلَيْهَا ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر ورحل عَن الكرك فِي سادس عشر شعْبَان من السّنة واستصحب الْعَادِل مَعَه إِلَى الشَّام وَدخل دمشق فِي رَابِع عشْرين شعْبَان من السّنة وَأَعْطَاهُ حلب ودخلها يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشْرين شهر رَمَضَان وَخرج الظَّاهِر ويازكوج ودخلا دمشق وَقيل إِن الْعَادِل أعطَاهُ على دُخُول حلب ثَلَاث مائَة ألف دِينَار يَسْتَعِين بهَا على الْجِهَاد ثمَّ إِنَّه أعَاد الْعَادِل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب ثمَّ إِنَّه أعْطى الْعَادِل حران والرها وميافارقين ثمَّ كَانَت وقْعَة حطين الْمُبَارَكَة على الْمُسلمين فِي يَوْم السبت رَابِع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وسط النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ كثيرا مَا يقْصد لِقَاء الْعَدو يَوْم الْجُمُعَة عِنْد الصَّلَاة تبركا بِدُعَاء الْمُسلمين والخطيب على الْمِنْبَر وَكَانَ الْعَدو قد اجْتمع بمرج صفورية فَسَار صَلَاح الدّين وَنزل على بحيرة طبرية على سطح الْجَبَل لينْظر قصد الفرنج فَلم يتحركوا فنازل طبرية وَأَخذهَا فِي سَاعَة وَاحِدَة(29/53)
وَنهب النَّاس مَالهَا وَسبوا وَقتلُوا وحرقوا وَبَقِيَّة القلعة محتمية وَبلغ الْعَدو ذَلِك فرحلوا نَحْوهَا فَترك صَلَاح الدّين على طبرية من يحاصرها والتقى الْعَدو على سطح جبل طبرية الغربي وباتا على مصَاف إِلَى بكرَة الْجُمُعَة وتصادموا والتحم الْقِتَال بِأَرْض قَرْيَة لوبيا وضاق الخناق بالعدو وَحَال اللَّيْل بَينهم فَحملت أطناب الْمُسلمين من سَائِر الجوانب وصاحوا صَيْحَة رجل وَاحِد فَألْقى الله الرعب فِي قُلُوب الفرنج فهرب القومص وَقصد جِهَة صور وَتَبعهُ الْمُسلمُونَ فنجا مِنْهُم وهرب بعض الفرنج فَتَبِعهُمْ طَائِفَة من الْمُسلمين واعتصمت طَائِفَة مِنْهُم بتل حطين فضايقهم الْمُسلمُونَ وأشعلوا حَولهمْ النيرَان فَاشْتَدَّ بهم الْعَطش فَأسر مقدموهم وَقتل الْبَاقُونَ وَكَانَ مِمَّن سلم وَأسر من مقدمي الفرنج الْملك جفري وَأَخُوهُ والبرنس أرناط صَاحب الكرك والشوبك وَابْن الهنفري وَابْن صَاحب طبرية ومقدم الديوية وَصَاحب جبيل ومقدم الاسبتار
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَلَقَد حكى لي من أَثِق بِهِ أَنه رأى بحوران شخصا وَاحِدًا مَعَه نَيف وَثَلَاثُونَ أَسِيرًا قد ربطهم بطنب خيمة لما وَقع عَلَيْهِم من الخذلان وَأما مقدم الاسبتار والديوية فَإِن السُّلْطَان قَتلهمَا وَقتل من بَقِي من صنفهما حَيا وَأما أرناط الْبُرْنُس فَإِن السُّلْطَان كَانَ قد نذر دَمه لِأَنَّهُ كَانَ قد عبر بِهِ قوم من مصر فِي حَالَة الصُّلْح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصُّلْح الَّذِي بَينه وَبَين الْمُسلمين فَقَالَ مَا يتَضَمَّن الاستخفاف بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ فِي دهليز الْخَيْمَة وَعرضت الأسرى عَلَيْهِ وَصَارَ النَّاس يَتَقَرَّبُون إِلَيْهِ بِمن فِي أَيْديهم من الفرنج وَهُوَ يفرح بِمَا فتح الله عَلَيْهِ واستحضر الْملك الْجفْرِي وأخاه الْبُرْنُس أرناط وناول السُّلْطَان الْملك جفري شربة من جلاب وثلج فَشرب مِنْهَا وَكَانَ على أَشد حَال من الْعَطش ثمَّ ناولها للبرنس وَقَالَ السُّلْطَان للترجمان أَنْت الَّذِي سقيته وَإِلَّا أَنا فَمَا سقيته وَكَانَ من جميل عادات الْعَرَب وَجَمِيل أَخْلَاقهم أَن الْأَسير إِذا أكل وَشرب من مَال من أسره أَمن ثمَّ أَمر بمسيرهم إِلَى مَوضِع عينه فَمَضَوْا بهم إِلَيْهِ وأكلوا شَيْئا وعادوا بهم فاستحضرهم وأوقف الْبُرْنُس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ هَا أَنا أنتصر لمُحَمد مِنْك ثمَّ عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يفعل فسل النيمجاه وضربه بهَا فَحل كتفه وتمم قَتله من حضر فَلَمَّا رأى جفري ذَلِك قَالَ لم تجر عَادَة الْمُلُوك بقتل الْمُلُوك فَقَالَ السُّلْطَان هَذَا تجرأ على الْأَنْبِيَاء وَجَاوَزَ الْحَد ثمَّ نزل على طبرية وَسلم قلعتها ورحل طَالبا عكا وَنزل عَلَيْهَا وقاتلها وَأَخذهَا بكرَة الْخَمِيس مستهل جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة واستنقذ من كَانَ بهَا من الأسرى وَأخذ مَا كَانَ فِيهَا من الْأَمْوَال وَتَفَرَّقَتْ العساكر إِلَى بِلَاد السَّاحِل فَأخذُوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وَسَار يطْلب تبنين فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الأولى فنصب عَلَيْهَا المناجيق وضايقها بالزحف وَكَانَ فِيهَا أبطال معدودون فَقَاتلُوا قتالا شَدِيدا(29/54)
وَنصر الله السُّلْطَان عَلَيْهِم وتسلمها يَوْم الْأَحَد ثامن عشرَة عنْوَة وَأسر من فِيهَا بعد الْقَتْل ورحل عَنْهَا إِلَى صيدا وتسلمها فِي غَد يَوْم نُزُوله وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرُون يَوْمًا من جُمَادَى الأولى وَسَار إِلَى بيروت ونازلها يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين جُمَادَى الأولى وزحف عَلَيْهَا وتسلمها وتسلم أَصْحَابه جبيل وَلما فرغ من هَذَا الْجَانِب رأى قصد عسقلان وَلم ير الِاشْتِغَال بصور بعد أَن نزل عَلَيْهَا فَأتى عسقلان وَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْأَحَد سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَسلم فِي طَرِيقه إِلَيْهَا مَوَاضِع كَثِيرَة كالرملة والداروم وَقَاتل عسقلان قتالا عَظِيما وَنصب عَلَيْهَا المناجيق وتسلمها يَوْم السبت سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى أَن تسلم أَصْحَابه غَزَّة وَبَيت جِبْرِيل والنطرون بِغَيْر قتال ثمَّ إِنَّه طلب الْقُدس الشريف وَنزل عَلَيْهِ يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَنزل بالجانب الغربي وَقيل إِن الَّذِي كَانَ فِي الْقُدس من الْمُقَاتلَة يزِيدُونَ على سِتِّينَ ألفا خَارِجا عَن النِّسَاء وَالصبيان ثمَّ انْتقل إِلَى الْجَانِب الشمالي وَنصب المناجيق وضايق الْبَلَد وَأخذ النقب فِي السُّور مِمَّا يَلِي وَادي جَهَنَّم فَأخذ أهل الْقُدس فِي الْأمان وتسلمه يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة لَيْلَة الْمِعْرَاج وَكَانَ فتحا عَظِيما شهده جمَاعَة من أهل الْعلم وَمن أَرْبَاب الْخرق والزهد وعالم كثير وَصلى الْجُمُعَة فِيهِ يَوْم فَتحه وَكَانَ الصُّلْح وَقع على أَن أهل الْقُدس يزنون عَن كل رجل عشْرين دِينَارا وَعَن كل امْرَأَة خَمْسَة دَنَانِير صورية وَعَن كل صَغِير ذكر أَو أُنْثَى دِينَارا وَاحِدًا فَمن أحضر قطيعته نجى بِنَفسِهِ وَإِلَّا أَخذ أَسِيرًا وَأَفْرج عَن من كَانَ بالقدس من الْأُسَارَى وَكَانُوا خلقا عَظِيما وَأقَام يجمع الْأَمْوَال ويفرقها على الْأُمَرَاء والفقراء وَالْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء والزهاد والوافدين عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك يُقَارب مِائَتي ألف وَعشْرين ألف دِينَار وَلم يرحل عَن الْقُدس وَمَعَهُ من المَال شَيْء ورحل عَن الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان وأتى عكا وَنظر فِي أمورها وَتوجه إِلَى صور وَنزل قَرِيبا مِنْهَا وسير لإحضار آلَات الْحصار فَلَمَّا تكاملت عِنْده نزل عَلَيْهَا فِي ثَانِي عشر شهر رَمَضَان وقاتلها وضايقها عَظِيما واستدعى أسطول مصر وقاتلها فِي الْبر وَالْبَحْر وَخرج أسطول صور على أسطول مصر فِي اللَّيْل وَأخذُوا الْمُقدم والرايس وَخمْس قطع للْمُسلمين وَقتلُوا خلقا كثيرا فِي سَابِع عشْرين الشَّهْر فَضَاقَ صدر السُّلْطَان وَكَانَت الأمطار قد توالت فَرَحل عَن صور طلبا لراحة العساكر وَحمل من آلَات الْحصار مَا أمكنت وحرقوا مَا عجزوا عَن حمله للوحل وَكَانَ رحيلها يَوْم الْأَحَد ثَانِي ذِي الْقعدَة وَتَفَرَّقَتْ العساكر وَأقَام هُوَ وَجَمَاعَة من خواصه بعكا إِلَى أَن دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ لما نزل على صور قد سير من حاصر هونين فَسلمت فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة ثمَّ إِن السُّلْطَان نزل على كَوْكَب فِي أَوَائِل الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَلم يكن مَعَه من الْعَسْكَر إِلَّا(29/55)
الْقَلِيل وَكَانَ حصنا حصينا وَفِيه الأقوات وَالرِّجَال وَعلم أَنه لَا يُؤْخَذ إِلَّا بعد شَدَائِد فَعَاد إِلَى دمشق ودخلها فِي سادس عشر شهر جُمَادَى الأولى فَأَقَامَ فِي دمشق خَمْسَة أَيَّام فَبَلغهُ أَن الفرنج قصدُوا جبيلا فَخرج مسرعا فَلَمَّا علمُوا بحركته رجعُوا فَصَارَ نَحْو حصن الأكراد وَكَانَ قد وصل إِلَيْهِ عماد الدّين صَاحب سنجار ومظفر الدّين ابْن زين الدّين وعسكر الْموصل فوصل إِلَى أنطرسوس سادس جُمَادَى الأولى فَلَمَّا رَآهَا نزل عَلَيْهَا وَمَا لحق الْعَسْكَر يضْرب الخيم حَتَّى تعلق الْمُسلمُونَ فِي الأسوار وأخذوها بِالسَّيْفِ وغنموا شَيْئا كثيرا وأحرقوها وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى رَابِع عشر جُمَادَى الأولى ثمَّ سَار يُرِيد جبلة فوصل إِلَيْهَا وَمَا تمّ نُزُوله إِلَّا أَن ملكهَا وَكَانَ فِيهِ مُسلمُونَ مقيمون وقاض يحكم فيهم وسلمت القلعة بالأمان بعد قتال شَدِيد فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر وَسَار إِلَى اللاذقية وَنزل عَلَيْهَا الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى وَاشْتَدَّ الْقِتَال إِلَى آخر النَّهَار فَأخذ الْبَلَد دون القلعتين وغنم النَّاس شَيْئا كثيرا وجدوا فِي النقوب إِلَى أَن كَانَ النقب طوله سِتِّينَ ذِرَاعا وَعرضه أَرْبَعَة أَذْرع فَطلب الفرنج الْأمان وَالصُّلْح على سَلامَة نُفُوسهم وذراريهم وَنِسَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ مَا خلا الغلال والذخائر وَالسِّلَاح وآلات الْحَرْب فأجابهم وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى ورحل إِلَى صهيون وَنزل عَلَيْهَا تَاسِع عشْرين الشَّهْر فَأَخذهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَقَاتل القلعة قتالا عَظِيما فَطلب الفرنج الْأمان بِشَرْط أَن يُؤْخَذ من الرجل عشرَة دَنَانِير وَالْمَرْأَة خَمْسَة دَنَانِير وَمن كل صَغِير دِينَارَانِ الذّكر وَالْأُنْثَى سَوَاء ثمَّ إِنَّه أَقَامَ بِهَذِهِ الْجِهَة إِلَى أَن أَخذ عدَّة قلاع مِنْهَا بلاطنس وَغَيرهَا ثمَّ رَحل وأتى بكاس فَنزل عَلَيْهَا سادس جُمَادَى الْآخِرَة وقاتلوا قتالا عَظِيما ثمَّ يسر الله فتحهَا وَقتل أَكثر من بهَا وَأسر الْبَاقُونَ وغنم النَّاس كثيرا ثمَّ إِن قلعة الشغر طلب أَهلهَا الْأمان فِي ثَالِث عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وسألوا المهلة ثَلَاثَة أَيَّام وطلع الْعلم السلطاني إِلَيْهَا يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر الشَّهْر ثمَّ إِن السُّلْطَان سَار إِلَى برزية فَنزل عَلَيْهَا يَوْم السبت رَابِع عشْرين الشَّهْر ثمَّ أَخذهَا عنْوَة يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ثمَّ صَار مِنْهَا إِلَى دربساك وَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْجُمُعَة ثامن من رَجَب وتسلمها يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشْرين الشَّهْر الْمَذْكُور وَأَعْطَاهَا للأمير علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر وَسَار عَنْهَا وَنزل على بغراس وتسلمها بعد الْقِتَال فِي ثَانِي شعْبَان وراسله أهل أنطاكية فِي طلب الصُّلْح فَصَالحهُمْ لشدَّة ضجر الْعَسْكَر وَكَانَ شَرط الصُّلْح على أَن يُطلق كل أَسِير عِنْدهم وَالصُّلْح إِلَى سَبْعَة أشهر فَإِن جَاءَهُم من ينصرهم وَإِلَّا سلمُوا الْبَلَد ورحل السُّلْطَان فَسَأَلَهُ وَلَده الظَّاهِر غَازِي أَن يجتاز بِهِ فَأَجَابَهُ وَدخل حلب فِي حادي عشر شعْبَان وَأقَام بالقلعة ثَلَاثَة أَيَّام وَسَار من حلب فاعترضه تَقِيّ الدّين ابْن أَخِيه وأصعده إِلَى قلعة حماه وَعمل لَهُ طَعَاما وسماعا صوفيا وَبَات فِيهَا لَيْلَة(29/56)
وَاحِدَة وَأَعْطَاهُ جبلة واللاذقية وَسَار على بعلبك وَدخل دمشق قبل شهر رَمَضَان بأيام يسيرَة ثمَّ خرج مِنْهَا يُرِيد مِنْهَا صفد فَنزل عَلَيْهَا وَلم يزل الْقِتَال يعْمل إِلَى أَن تسلمها بالأمان فِي سَابِع عشر شَوَّال وَفِي رَابِع شهر رَمَضَان الْمَذْكُور سلمت الكرك وَسلمهَا نواب صَاحبهَا وخلصوه بذلك من الْأسر فِي نوبَة حطين كَذَا ذكره بَعضهم وَقد تقدم أَن السُّلْطَان قتل الْبُرْنُس صَاحب الكرك بِيَدِهِ ثمَّ إِنَّه سَار إِلَى كَوْكَب وقاتلها قتالا شَدِيدا والأمطار كَثِيرَة والرياح عواصف فَطلب أَهلهَا الْأمان وتسلمها نصف الْقعدَة وَنزل إِلَى الْغَوْر وَأقَام بالمخيم بَقِيَّة الشَّهْر وَأعْطى النَّاس دستورا وَسَار مَعَ أَخِيه الْعَادِل لزيارة الْقُدس وَصلى بِهِ الْعِيد وَتوجه فِي حادي عشر الْحجَّة إِلَى عسقلان وَأَخذهَا من الْعَادِل وعوضه عَنْهَا بالكرك ثمَّ مر على السَّاحِل يتفقد أَحْوَاله وَدخل عكا فَأَقَامَ بهَا مُعظم الْمحرم سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة ورتب بهَا الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش واليا وَأمره بعمارة سورها وَعَاد إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي مستهل صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَأقَام بهَا إِلَى شهر ربيع الأول ثمَّ خرج إِلَى شقيف أرنون وَنزل إِلَيْهِ صَاحب الشقيف بِنَفسِهِ وَلم يشْعر بِهِ إِلَّا وَهُوَ قَائِم على بَاب خيمته فَأذن لَهُ وأكرمه واحترمه وَأكل مَعَه الطَّعَام وَذكر لَهُ أَنه يُعْطِيهِ الْمَكَان ويسلمه وَيُعْطِيه مَكَانا يسكنهُ بِدِمَشْق لِأَنَّهُ بعد ذَلِك لَا يقدر على مساكنة الفرنج وَأَن يُعْطِيهِ إقطاعا يقوم بِهِ وبأهله فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَفِي أثْنَاء شهر ربيع الأول جَاءَ الْخَبَر بِتَسْلِيم الشوبك وَكَانَ قد أَقَامَ عَلَيْهِ جمعا يحاصرونه مُدَّة سنة إِلَى أَن نفد زَاد من كَانَ فِيهِ وسلموه بالأمان ثمَّ ظهر للسُّلْطَان أَن جَمِيع مَا قَالَه صَاحب الشقيف كَانَ خديعة فرسم عَلَيْهِ ثمَّ بلغه أَن الْفرج قصدُوا عكا ونزلوا عَلَيْهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر شهر رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَفِي ذَلِك الْيَوْم سير صَاحب الشقيف إِلَى دمشق بعد الإهانة الشَّدِيدَة وأتى عكا ودخلها بَغْتَة ليقوي قُلُوب من بهَا واستدعى العساكر فَجَاءَتْهُ من كل نَاحيَة وَكَانَ الْعَدو مِقْدَار ألفي فَارس وَثَلَاثِينَ ألف راجل ثمَّ تكاثر الفرنج واستفحل أَمرهم وَأَحَاطُوا بعكا وَمنعُوا الدَّاخِل وَالْخَارِج فَضَاقَ لذَلِك صدر السُّلْطَان واجتهد فِي حفظ الطَّرِيق ففتحه وَجرى بَين الْفَرِيقَيْنِ مناوشات فِي عدَّة أَيَّام وَتَأَخر النَّاس إِلَى تل العياضية وَبهَا توفّي الْأَمِير حسام الدّين طمان وَكَانَ من الشجعان وَقيل للسُّلْطَان إِن الوخم قد عظم بمرج عكا وَإِن الْمَوْت قد فَشَا بالطائفتين فَأَنْشد السُّلْطَان // (من مجزوء الْخَفِيف) //
(اقتلاني ومالكا ... واقتلا مَالِكًا معي)
ثمَّ إِن الفرنج جَاءَتْهُم الأمداد من دَاخل الْبَحْر واستظهروا على الْمُسلمين بعكا وَكَانَ فيهم الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب الهكاري وضايقوهم أَشد مضايقة إِلَى أَن(29/57)
غلبوا عَن حفظ الْبَلَد فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة خرج رجل عوام وَمَعَهُ كتب من الْمُسلمين يذكرُونَ أَنهم قد أيقنوا بِالْهَلَاكِ وَمَتى أَخذ الْبَلَد عنْوَة ضربت رقابهم وَأَنَّهُمْ صَالحُوا الفرنج على أَن يسلمُوا الْبَلَد وَجَمِيع مَا فِيهِ من الْآلَات وَالْعدَد والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دِينَار وَخمْس مائَة أَسِير مَجَاهِيل وَمِائَة أَسِير مُعينين من جهتهم وصليب الصلبوت على أَن يخرجُوا بِأَنْفسِهِم سَالِمين وَمَا مَعَهم من الْأَمْوَال والأقمشة المختصة بهم وذراريهم وَنِسَائِهِمْ سَالِمين ويضمنوا للمركيس لِأَنَّهُ كَانَ الْوَاسِطَة أَرْبَعَة أُلَّاف دِينَار فَلَمَّا وقف السُّلْطَان على ذَلِك عظم ذَلِك عَلَيْهِ وَأنْكرهُ وشاور أهل الرَّأْي وتقسم فكره فَهُوَ فِي ذَلِك وَإِذا أَعْلَام الفنرج قد ارْتَفَعت وصلبانه وَذَلِكَ ظهيرة يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَصَاح الفرنج صَيْحَة وَاحِدَة وعظمت الْمُصِيبَة على الْمُسلمين وَوَقع الْبكاء والعويل ثمَّ إِن الفرنج خَرجُوا من عكا وقصدوا عسقلان وَالسُّلْطَان قبالتهم فِي عسكره ووصولا إِلَى أرسوف فَكَانَ بَينهم قتال عَظِيم ونال الْمُسلمين مِنْهُم وَهن عَظِيم فَأتى السُّلْطَان الرملة وشاور السُّلْطَان أهل مشورته فِي أَمر عسقلان وَهل يخربها فاتفقوا على أَن يكون الْملك الْعَادِل قبالة الْعَدو يتَوَجَّه هُوَ بِنَفسِهِ ويخربها وَأَن حفظ الْقُدس أولى فَسَار إِلَى عسقلان ثامن عشر شعْبَان قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَقد تحدث معي فِي خراب عسقلان بعد أَن تحدث مَعَ وَلَده الْأَفْضَل وَقَالَ لَئِن أفقد وَلَدي جَمِيعهم أحب إِلَيّ من أَن أهدم مِنْهَا حجرا وَلَكِن إِذا قضى الله تَعَالَى ذَلِك وَمَا فِيهِ مصلحَة الْمُسلمين فَمَا الْحِيلَة فِي ذَلِك فَوَقع الخراب فِي عسقلان فِي تَاسِع عشر شهر شعْبَان وَقسم الخراب على النَّاس وحزن النَّاس على خراب عسقلان حزنا عَظِيما وَعظم عويل أَهله لتشتتهم وشرعوا فِي بيع مَا لَا يقدرُونَ على حمله فباعوا مَا يُسَاوِي عشرَة آلَاف بِأَلف وابتيع اثْنَا عشر طير دَجَاج بدرهم وَخرج النَّاس بأهلهم إِلَى المخيم وَوصل من جِهَة الْعَادِل من أخبر أَن الفرنج تحدثُوا مَعَه فِي الصُّلْح وطلبوا جَمِيع الْبِلَاد الساحلية فَرَأى السُّلْطَان ذَلِك مصلحَة لما علم من نفس النَّاس وضجرهم من الْقِتَال وَكَثْرَة مَا عَلَيْهِم من الدُّيُون وَأذن للعادل فِي ذَلِك وفوض الْأَمر إِلَى رَأْيه وَأصْبح يَوْم الْجُمُعَة عشْرين رَمَضَان وَهُوَ مصر على الخراب وأباح النَّاس مَا فِي الهري وأحرق الْبَلَد وأتى الرملة وخربها وَخرب قلعتها وَتَأَخر بِالنَّاسِ إِلَى جِهَة بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَخرب قلعة النطرون وَطلب الانكتار من الْعَادِل بعد اجْتِمَاعهمَا على مَوَدَّة الِاجْتِمَاع بالسلطان فَقَالَ السُّلْطَان إِذا وَقع الصُّلْح اجْتَمَعنَا ثمَّ إِن الصُّلْح تمّ وَكَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشْرين شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة ونادى الْمُنَادِي أَن الْبِلَاد الإسلامية والنصرانية وَاحِدَة فِي الْأَمْن والمسالمة من شَاءَ من كل طَائِفَة يتَرَدَّد إِلَى بِلَاد الطَّائِفَة الْأُخْرَى من غير خوف وَلَا مَحْذُور وَكَانَ يَوْمًا مشهودا حصل فِيهِ(29/58)
السرُور الْعَظِيم لِلْفَرِيقَيْنِ وَقد علم الله أَن ذَلِك بِغَيْر رضى السُّلْطَان وَكَانَت الْمصلحَة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ توفّي عقيب ذَلِك ثمَّ إِنَّه أعْطى النجدات دستورا إِلَى بِلَادهمْ
وعزم السُّلْطَان على الْحَج وَأقَام بالقدس يتأهب للمسير إِلَى مصر وَأقَام لعمارة البيمارستان والمدرسة ثمَّ تفقد الْبِلَاد والقلاع البحرية وَدخل دمشق بكرَة الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال وفيهَا أَوْلَاده الْأَفْضَل وَالظَّاهِر والظافر المشمر وَأَوْلَاده الصغار وَجلسَ يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين شَوَّال بكرَة النَّهَار وأنشده الشُّعَرَاء وبل النَّاس شوقهم مِنْهُم وَلم يتَخَلَّف أحد من الْخَاص وَلَا الْعَام عَنهُ وكشف مظالم الرعايا وأنعم على النَّاس وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل ذِي الْقعدَة عمل الْأَفْضَل للظَّاهِر دَعْوَة وحضرها السُّلْطَان واحتفل الْأَفْضَل بهَا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا
وَعَاد الْعَادِل بَعْدَمَا تصفح أَحْوَال الكرك بِقصد الْبِلَاد الفراتية وَخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه ودخلا حادي عشر الْحجَّة إِلَى دمشق وانشرح السُّلْطَان بِدِمَشْق وتفرج بهَا وتصيد وروح بدنه وَقَبله من الْجِهَاد والسهر والتعب وَنسي عزمه إِلَى مصر ثمَّ إِنَّه ركب يتلَقَّى الْحَاج خَامِس عشر صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَكَانَ ذَلِك آخر ركُوبه فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السبت وجد كسلا وَمَا انتصف اللَّيْل حَتَّى غَشيته حمى صفراوية وَقصد فِي الرَّابِع وَاشْتَدَّ مَرضه وَقلت رطوبات بدنه وَكَانَ يغلب اليبس على مزاجه وَاشْتَدَّ الْمَرَض فِي السَّابِع وَالثَّامِن وَحدث لَهُ غشي فِي التَّاسِع وَامْتنع من المشروب وحقن فِي الْعَاشِر دفعتين ثمَّ إِنَّه اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَشرع الْأَفْضَل فِي تَحْلِيف النَّاس لَهُ وَتُوفِّي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع وَعشْرين صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة كَمَا تقدم
قَالَ ابْن الْأَثِير عز الدّين وَمن عَجِيب مَا يحْكى من التطير أَن السُّلْطَان لما برز من الْقَاهِرَة أَقَامَ لتجتمع العساكر وَعِنْده الْأَعْيَان من الدولة وَالْعُلَمَاء والأدباء وَأخذ كل وَاحِد يَقُول شَيْئا فِي الْوَدَاع وَفِي الْفِرَاق وَفِي الْحَاضِرين معلم أَوْلَاده فَأخْرج رَأسه من بَين الْحَاضِرين وَأنْشد // (من الوافر) //
(تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار)
فانقبض السُّلْطَان وَالنَّاس وتطيروا من ذَلِك وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك لم يعد إِلَى مصر بعد واشتغل بالبلاد الشرقية وفتوح الْقُدس والساحل رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ(29/59)
وَكتب القَاضِي الْفَاضِل إِلَى وَلَده الظَّاهِر غَازِي يعزيه بطاقة مضمونها {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} الْأَحْزَاب 21 {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} الْحَج 1 كتبت إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وَجعل فِيهِ الْخلف فِي السَّاعَة الْمَذْكُورَة وَقد زلزل الْمُسلمُونَ زلزالا شَدِيدا وَقد حفرت الدُّمُوع المحاجر وَقد بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وَقد ودعت أَبَاك ومخدومي وداعا لَا تلاقي بعده وقلبت وَجهه عَنْك وعني وأسلمته إِلَى الله تَعَالَى مغلوب الْحِيلَة ضَعِيف الْقُوَّة رَاضِيا عَن الله عز وَجل فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وبالباب من الْجنُود المجندة والأسلحة الْمعدة مَا لم يدْفع الْبلَاء وَلَا يملك رد الْقَضَاء وتدمع الْعين ويخشع الْقلب وَلَا نقُول إِلَّا مَا يُرْضِي الرب وَإِنَّا عَلَيْك لَمَحْزُونُونَ يَا يُوسُف وَأما الْوَصَايَا فَلَا تحْتَاج إِلَيْهَا والآراء فقد شغلني الْمُصَاب عَنْهَا وَأما لائح الْأَمر فَإِنَّهُ إِن وَقع اتِّفَاق فَمَا عدمتم إِلَّا شخصه الْكَرِيم وَإِن كَانَ غَيره فالمصائب الْمُسْتَقْبلَة أهونها مَوته وَهُوَ الهول الْعَظِيم وَالسَّلَام
وَنقش على صندوق قَبره من كَلَام القَاضِي الْفَاضِل اللَّهُمَّ فارض عَن تِلْكَ الرّوح وَافْتَحْ لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة وَهِي آخر مَا كَانَ يرجوه من الْفتُوح وَلما كَانَ الْفَاضِل عِنْده فِي هَذِه المرضة قَالَه لَهُ يَا خوند أَو يَا مَوْلَانَا وَأرى أَن تدفن سَيْفك مَعَك فَإِنَّهُ عكازك إِلَى الْجنَّة
ذكر فتوحاته الديار المصرية فَإِنَّهُ فتحهَا وطهرها من الرَّفْض وَتلك المقالات الردية واليمن ودمشق وحمص وحماه والمعرة وَكفر طَابَ وبارين ومنبج وعزاز وحلب والموصل وسنجار والرقة وجعبر والرحبة والخابور ونصيبين والرها وميافارقين وسروج والكرك والشوبك والقدس وغزة وعسقلان والرملة وطبرية وكوكب وصفد وَالطور وعكا وصيدا وبيروت ونابلس والداروم وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وتبنين وهونين وجبيل وحصن الأكراد وأنطرسوس واللاذقية وصهيون وبلاطنس وشغر وبكاس وبرزيه وبغراس ودرب ساك وأنطاكية وحارم وخلاط
وَقَالَ وجيه الدّين بن المظفر مَنْصُور بن سليم فِي تَارِيخ إسكندرية وَبعث صَلَاح الدّين ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين إِلَى الْمغرب فَفتح طرابلس وَقَابِس وَأكْثر بِلَاد أفريقية وَبعث شمس الدولة إِلَى الْيمن فَفتح زبيد وَعدم وتعز والجند انْتهى
وَأما أوقافه وَإِن كَانَت غير مَشْهُورَة فَمِنْهَا الْمدرسَة الْمُجَاورَة لضريح الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والمدرسة الَّتِي بجوار مشْهد الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا بِالْقَاهِرَةِ وَدَار سعيد السعدا خَادِم المصريين وَقفهَا خانقاه وَدَار عَبَّاس والعادل بن سلار مدرسة للحنفية وَهِي السيوفية ومدرسة زين التُّجَّار بِمصْر وَبنى بِالْقَاهِرَةِ دَاخل الْقصر(29/60)
بييمارستانا وَله بالقدس مدرسة وَله بِمصْر مدرسة للمالكية ووقف بقرية حطين خانقاه ووقف على الغزالية بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق ومدرسة بِجَانِب البيمارستان النوري بِدِمَشْق تعرف بالصلاحية وَلَا وقف لَهَا وَله بِدِمَشْق مدرسة للمالكية وَهُوَ الَّذِي عمر قلعة الْجَبَل بالديار المصرية وَهُوَ الَّذِي أدَار السُّور على الْقَاهِرَة وَوَصله بِمصْر بتولي بهاء الدّين قراقوش وَقيل إِنَّه أول مَا ولي الوزارة بِمصْر للعاضد جلس فِي الدَّار الَّتِي هِيَ الْآن خانقاه بيبرس المظفر
وَكتب القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله مرسوما بِإِسْقَاط مكوس مصر والقاهرة عَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين قدس الله روحه وَجُمْلَة ذَلِك فِي كل سنة مائَة ألف دِينَار تَفْصِيل ذَلِك مكس البهار وعمالته ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألفا وَثَلَاث مائَة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ دِينَارا مكس البضائع والقوافل وعمالتها تِسْعَة آلَاف وَثَلَاث مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا منفلت الصِّنَاعَة عَن عكس الْبَز الْوَارِد إِلَيْهَا والنحاس والقصدير والمرجان والمفاضلات خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَثَلَاثَة وَتسْعُونَ دِينَارا الصَّادِر عَن الصِّنَاعَة بِمصْر سِتَّة آلَاف وست مائَة وَسِتَّة وَسِتُّونَ دِينَارا سمسرة التَّمْر ثَلَاثَة مائَة دِينَار الفندق بالمنية عَن عكس البضائع ثَمَان مائَة وَسِتَّة وَخَمْسُونَ دِينَارا رسوم دَار القند ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَثَمَانِية دَنَانِير رسوم الْملح والخشب الطَّوِيل سِتّ مائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ دِينَارا رسوم الْقلب المنسوبة إِلَى بلبيس والبوري الْمَنْسُوب إِلَى قاقوس مائَة دِينَار رسوم التفتيش بالصناعة عَن البهار وَغَيره مِائَتَان وَسَبْعَة عشر دِينَارا ختمة ارمنت عَن الْوَارِد إِلَيْهَا سَبْعَة وَسِتُّونَ دِينَارا فندق الْقطن ألفا دِينَارا سوق الْغنم بِالْقَاهِرَةِ وبمصر والسمسرة وعبور الأغنام بالجيزة ثَلَاثَة آلَاف وَثَلَاث مائَة وَأحد عشر دِينَارا عبور الأغنام والكتان والأبقار بِبَاب القنطرة ألف وَمِائَتَا دِينَار وَاجِب مَا يرد من الْكَتَّان الْحَطب إِلَى الصِّنَاعَة مِائَتَا دِينَار رسوم وَاجِب الغلات كالحبوب الْوَارِدَة إِلَى الصِّنَاعَة والمقس والمنية والجسر والتبانين ومقالب جَزِيرَة الذَّهَب وطموه وبر الدوح سِتَّة آلَاف دِينَار مكس مَا يرد إِلَى الصِّنَاعَة من الأغنام سِتَّة وَثَلَاثُونَ دِينَارا الأغنام البيتوتية اثْنَا عشر دِينَارا الْعَرَصَة والسرسناوي بالجيزة ومكس الأغنام مائَة وَتسْعُونَ دِينَارا منفلت الفيوم عَمَّا يرد من الْكَتَّان من الْقبْلَة من البضائع الْوَارِدَة من الفيوم وَغَيره أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَمِائَة وَسِتُّونَ دِينَارا مكس الْوَرق المجلوب إِلَى الصِّنَاعَة ورسم التفتيش مِائَتَا دِينَار الْجَفْنَة بساحل الْغلَّة والأقوات والرسائل سبع مائَة وَثَمَانِية وَسِتُّونَ دِينَار فَلت العريف بالصناعة الصادرة مِائَتَا دِينَار دَار(29/61)
التفاح وَالرّطب بِمصْر والعرصة بِالْقَاهِرَةِ ألف وَسبع مائَة دِينَار ابْن المليجي مِائَتَا دِينَار دَار الْجُبْن ألف دِينَار مشارفة الجزارين مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ دِينَارا وَاجِب الْحلِيّ الْوَارِد من الْوَجْه البحري والقطن ألف وَعِشْرُونَ دِينَارا رسم سمسرة الصَّفَا ألف وَمِائَتَا دِينَار منفلت الصَّعِيد مائَة وَأحد وَسِتُّونَ دِينَارا خَاتم الشّرْب والدبيقي ألف وَخمْس مائَة دِينَار مكس الصُّوف مِائَتَا دِينَار نصف الموردة بساحل المقس أَرْبَعَة عشر دِينَار دكة السمسار ثَلَاث مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا منفلت التَّعْرِيف بالصناعة وَجُمْلَة البهار والبضائع مِائَتَان وَسِتَّة عشر دِينَارا الحلفاء الْوَارِدَة من الْقبْلَة مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا الوتد والشرقية والطعم بدار التفاح ومنفلت الْقبْلَة بالجسر والتبانين خَمْسَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا رسوم الصَّفَا والحمراء ورسوم دَار الْكَتَّان سِتُّونَ دِينَارا حماية الغلات بالمقس وَدَار الْجُبْن مائَة وَأَرْبَعُونَ دِينَار الحلفاء الْوَارِدَة على الجسر ومعدية المقياس مائَة دِينَار خمس البرنية بالجيزة عشرُون دِينَارا تل التَّعْرِيف بالصناعة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ دِينَارا منفلت الغلات بمعدية جَزِيرَة الذَّهَب عشرَة دَنَانِير رسوم الْحمام بساحل الْغلَّة خمس مائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وَاجِب الْحِنَّاء الْوَارِد فِي الْبر ثَمَان مائَة دِينَار وَاجِب الحلفاء والقضاب ثَلَاثَة وَسِتُّونَ دِينَارا مكس مَا يرد من البضائع إِلَى الْمنية مائَة وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ دِينَارا مسلخة شطنوف البرانية مِائَتَا دِينَار سوق السكريين خَمْسُونَ دِينَارا رسوم سمة الْجمل بالشارع وسوق وردان تِسْعَة عشر دِينَارا وَاجِب الفحم الْوَارِد إِلَى الْقَاهِرَة عشرَة دَنَانِير معدية الجسر بالجيزة مائَة وَعشْرين دِينَارا سمة البقري أَرْبَعُونَ دِينَارا السمة بدار الدّباغ تِسْعَة عشر دِينَارا سمسرة الجبس الجيوشي ثَلَاث مائَة وَاثنا عشر دِينَارا وَكَانَ الدّهن ومعصرة الشيرج والخل الحامض بِالْقَاهِرَةِ خمس مائَة دِينَار الْخلّ الحامض وَمَا مَعَه أَرْبَعمِائَة وَخمْس دَنَانِير بيُوت الْغَزل والمصطبة ثَلَاث مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا وذبائح الدّلَالَة ثَلَاث مائَة دِينَار سمسرة الْكَتَّان ثَلَاث مائَة دِينَار رسوم حماية الصناعيين أَربع مائَة دِينَار مربعة الْعَسَل مِائَتَان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ دِينَارا معادي جَزِيرَة الذَّهَب وَغَيرهَا ثَلَاث مائَة دِينَار خَاتم الشمع بِالْقَاهِرَةِ ثَلَاث مائَة وَسِتُّونَ دِينَارا زريبة الذَّبِيحَة سبع مائَة دِينَار معديتا المقياس وانبابة مِائَتَا دِينَار حَملَة السلجم ثَلَاث مائَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا مكس دكة الدّباغ ثَمَان مائَة دِينَار سوق الرَّقِيق خمس مائَة دِينَار معمل الطَّبَرِيّ مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ دِينَارا سوق منبوبة ثَمَانمِائَة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ دِينَارا ذَبَائِح الضَّأْن بالجيزة ورسوم سَاحل الصنط عشرَة دَنَانِير نخ السّمك خَمْسَة دَنَانِير تنور الشوي مِائَتَا دِينَار نصف الرطل من مطابخ السكر مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا خَاتم الْحلِيّ مائَة وَعِشْرُونَ دِينَارا سوق الدَّوَابّ بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَربع مائَة دِينَار سوق الْجمال مِائَتَان وَخَمْسُونَ دِينَارا قبان الجناء ثَلَاثُونَ دِينَارا وَاجِب طاقات الْأدم سِتَّة وَثَلَاثُونَ دِينَارا منفلت الخام بالشاشيين ثَلَاثَة(29/62)
وَثَلَاثُونَ دِينَارا أنولة الْقصار والجير أَرْبَعُونَ دِينَارا أعوان المراكب المنشأة وَالْخضر والحلفا سِتَّة وَثَلَاثُونَ دِينَارا بيُوت الْفروج ثَلَاثُونَ دِينَارا الشّعْر والطارات أَرْبَعَة دَنَانِير رسوم الصَّبْغ وَالْحَرِير ثَلَاث مائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وزن الطِّفْل مائَة وَأَرْبَعُونَ دِينَار معمل المزر أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ دِينَارا الفاخوريات بِالْقَاهِرَةِ ومصر مِائَتَا وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ دِينَارا
وَقَالَ أَبُو شامة فِي الروضتين نقلا عَن ابْن أبي طي إِن الَّذِي أسْقطه صَلَاح الدّين وَإِن الَّذِي سامح بِهِ لعدة سِنِين مُتَقَدّمَة آخرهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ خمس مائَة مبلغه نَيف عَن ألف ألف دِينَار وَألْفي ألف إِرْدَب سامح بذلك وأبطله من الدَّوَاوِين وأسقطه من المعاملين
وَمن كرمه قدس الله روحه أَنه كَانَ يهب الْبِلَاد فضلا عَن الْأَمْوَال وجاد بآمد على ابْن قرا رسْلَان وَكَانَ يُعْطي فِي وَقت الضائقة كَمَا يُعْطي فِي وَقت السعَة وحضره وُفُود بَيت الْمُقَدّس وَلم يكن فِي خزائنه مَا يعطيهم فَبَاعَ قَرْيَة من قرى بَيت المَال وَقضى الثّمن عَلَيْهِم وَكَانَ نواب خزائنه يخفون عَنهُ كثيرا من المَال خوفًا أَن يفرقه وَقَالَ مرّة يُمكن أَن يكون فِي النَّاس من ينظر إِلَى المَال كمن ينظر إِلَى التُّرَاب وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بذلك نَفسه وَلم يقل يَوْمًا أعطينا فلَانا وَلَا زِدْنَا فلَانا وَحصر مَا وهبه بمزج عكا لَا غير من الْخَيل فَكَانَ عشر ة آلَاف فرس وَمن شجاعته أَنه رابط الْعَدو الْمدَّة المديدة بِجمع يتضاعف عَلَيْهِ عدد أعدائه واكن يشارف بِنَفسِهِ تعبئة الصُّفُوف ويخترق العساكر ميمنة وميسرة وَمَعَهُ غُلَام وَاحِد لَا غير وَمَعَهُ جنيب لَهُ وَقُرِئَ عَلَيْهِ جُزْء وَحَدِيث بَين الصفين وَقَالَ فِي نَفسِي أَنه مَتى يسر الله لي فتح بَقِيَّة السَّاحِل قسمت الْبِلَاد وأوصيت وودعت وَركبت الْبَحْر إِلَى جزائره أتتبع الْكفَّار فِيهَا حَتَّى لَا أبقى على وَجه الأر ض من يكفر بِاللَّه أَو أَمُوت
وَقيل إِنَّه كَانَ بحماه فَكتب إِلَى أَخِيه الْعَادِل // (من الطَّوِيل) =
(وَلما جرى العَاصِي وطيع أدمعي ... لبعدك قَالَ النَّاس أَيهمَا النَّهر)
وَكَانَ الْفَاضِل حَاضرا فَقَالَ // (من الطَّوِيل) =
(وَلما بدا وَجه ابْن أَيُّوب مشرقا ... مَعَ الْبَدْر قَالَ النَّاس أَيهمَا الْبَدْر)
ومدحه رَحمَه الله تَعَالَى شعراء عصره وَمن أحسن مَا مدح بِهِ قصيدة ابْن سناء الْملك لما فتح حلب وَهِي من أحسن شعره أَيْضا // (من الْبَسِيط) =
(بدولة التّرْك عزت مِلَّة الْعَرَب ... وبابن أَيُّوب ذلت شيعَة الصلب)
(وَفِي زمَان ابْن أَيُّوب غَدَتْ حلب ... من أَرض مصر وعادت مصر من حلب)
(وَلابْن أَيُّوب دَانَتْ كل مملكة ... بالصفح وَالصُّلْح أَو بِالْحَرْبِ وَالْحَرب)(29/63)
(مظفر النَّصْر مَبْعُوث بهمته ... إِلَى العزائم مَدْلُول على الغلب)
(والدهر بِالْقدرِ المحتوم يَخْدمه ... وَالْأَرْض بالخلق والأفلاك بِالشُّهُبِ)
(ويجتلي الْخلق من راياته أبدا ... مبيضة النَّصْر من مصفرة العذب)
(إِن العواصم كَانَت أَي عَاصِمَة ... معصومة بتعاليها عَن الرتب)
(مَا دَار قطّ عَلَيْهَا دور دَائِرَة ... كلا وَلَا واصلتها نوبَة النوب)
(لَو رامها الدَّهْر لم يظفر ببغيته ... وَلَو رَمَاهَا بقوس الْأُفق لم يصب)
(وَلَو أَتَى أَسد الأبراج منتصرا ... خارت قوائمه عَنْهَا وَلم يثب)
(جليسه النَّجْم فِي أَعلَى مَنَازِله ... وطالما غَابَ عَنْهَا وَهِي لم تغب)
(تلقى إِذا عطشت والبرق أرشية ... كواكب الدَّلْو فِي بِئْر من السحب)
(كل القلاع تروم السحب فِي صعد ... إِلَّا العواصم تبغي السحب فِي صبب)
(حَتَّى أَتَى من منال النَّجْم مطلبه ... يَا طَالب النَّجْم قد أوغلت فِي الطّلب)
(من لَو أَبى الْفلك الدوار طَاعَته ... لصير الرَّأْس مِنْهُ مَوضِع الذَّنب)
(أَتَى إِلَيْهَا يَقُود الْبَحْر ملتطما ... وَالْبيض كالموج والبيضات كالحبب)
(تبدو الفوارس فِيهَا فِي سوابغها ... بَين النقيضين من مَاء وَمن هَب)
(مستلئمين وَلَوْلَا أَنهم حفظوا ... عوائد الْحَرْب لاستغنوا عَن اليلب)
(جمَالهمْ فِي مغازيهم إِذا قَفَلُوا ... حمالَة السَّبي لَا حمالَة الْحَطب)
(فَطَافَ مِنْهَا بِرُكْن لَا يقبله ... إِلَّا أسنة أَطْرَاف القنا السَّلب)
(وَحل من حولهَا الْأَقْصَى على فلك ... وَدَار من برجها الْأَعْلَى على قطب)
(ومانعته كمعشوق تمتعه ... أشهى من الشهد أَو أحلى من الضَّرْب)
(فَمر عَنْهَا بِلَا غيظ وَلَا حنق ... وَسَار عَنْهَا بِلَا حقد وَلَا غضب)
(تطوي الْبِلَاد وأهليها كتائبه ... طيا كَمَا طوت الْكتاب للكتب)
(وافى الْفُرَات فَألْقى فِيهِ ذَا لجب ... يظل يهزأ من تياره اللجب)
(رمت بِهِ الجرد فِي التيار أَنْفسهَا ... فعومها فِيهِ كالتقريب والخبب)
(لم ترض بالسفن أَن تَغْدُو حواملها ... فعزها لَيْسَ يُرْضِي ذلة الْخشب)
(وَكَانَ علمهَا قطع الْفُرَات بِهِ ... تعلم العوم فِي بَحر الدَّم السرب)
(وجاوزته وَأبقى من فواقعه ... درا ترصع فَوق الْعرف واللبب)(29/64)
(إِلَى بِلَاد أجابت قبل أَن دعيت ... للخاطبين وَلَوْلَا الْخَوْف لم تجب)
(لَو لم تجب يوسفا من قبل دَعوته ... لعاد عامرها كالجوسق الخرب)
(خَافت وَخَافَ وفر المالكون لَهَا ... فالمدن فِي رهب وَالْقَوْم فِي حَرْب)
(ثمَّ استجابت فَلَا حصن بممتنع ... مِنْهَا عَلَيْهِ وَلَا ملك بمحتجب)
(وَأَصْبحُوا مِنْهُ فِي هم وصبحهم ... وهم سكارى بكأس اللَّهْو والطرب)
(تفرغوا لنعيم الْعَيْش وَاشْتَغلُوا ... عَن الثغور بلثم الثغر والشنب)
(أَرض الجزيرة لم تظفر ممالكها ... بِمَالك فطن أَو سائس درب)
(ممالك لم يدبرها مدبرها ... إِلَّا بِرَأْس خصي أَو بعقل صبي)
(حَتَّى أَتَاهَا صَلَاح الدّين فانصلحت ... من الْفساد كَمَا صحت من الوصب)
(وَاسْتعْمل الْجد فها غير مكترث ... بالجد حَتَّى كَأَن الْجد كاللعب)
(وَقد حواها وَأعْطى بَعْضهَا هبة ... فَهُوَ الَّذِي يهب الدُّنْيَا وَلم يهب)
(يُعْطي الَّذِي أخذت مِنْهُ ممالكه ... وَقد يمن على المسلوب بالسلب)
(ويمنح المدن فِي الجدوى لسائله ... كَمَا ترفع فِي الجدوى عَن الذَّهَب)
(ومذ رَأَتْ صده عَن ربعهَا حلب ... وَوَصله لبلاد حلوة الْحَلب)
(غارت عَلَيْهِ ومدت كف مفتقر ... مِنْهَا إِلَيْهِ وأبدت وَجه مكتئب)
(واستعطفته فوافتها عواطفه ... وأكتب الصُّلْح إِذْ نادته عَن كثب)
(وَحل مِنْهَا بأفق غير منخفض ... للصاعدين وبرج غير مُنْقَلب)
(فتح الْفتُوح بِلَا مين وَصَاحبه ... ملك الْمُلُوك ومولاها بِلَا كذب)
(ومعجز كم أَتَانَا مِنْهُ مشبهه ... فَصَارَ لَا عجبا من فَضله الْعجب)
(تهن بِالْفَتْح يَا أولى الْأَنَام بِهِ ... فالفتح إرثك عَن آبَائِك النجب)
(فافخر ففتحك ذَا فَخر لمفتخر ... ذخر لمدخر كسب لمكتسب)
(بك العواصم ذَابَتْ بَعْدَمَا خبثت ... بمالكيها وَلَوْلَا أَنْت لم تطب)
(فليت كل صباح ذَر شارقه ... فدَاء ليل فَتى الفتيان فِي حلب)
(إِنِّي أحب بلادا أَنْت ساكنها ... وساكنيها وَلَيْسوا من ذَوي نسب)
(إِلَّا لِأَنَّك قد أَصبَحت مَالِكهَا ... دون الْأَنَام وَهل حب بِلَا سَبَب)
(فجود كفك ذخري فِي يَدي ويدي ... وَحب بَيْتك إِرْث عَن أبي وَأبي)(29/65)
(ألهى مديحك شعري عَن تغزله ... فجَاء مقتضبا فِي إِثْر مقتضب)
(فَلم أقل فِيهِ لَا إِن الصبابة لي ... يَوْم الرحيل وَلَا إِن المليحة بِي)
ورثاه لما مَاتَ رَحمَه الله جمَاعَة مِنْهُم ابْن الساعاتي كتبهَا للْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين يَقُول لَهُ // (من الطَّوِيل) //
(لَئِن كَانَ ليل الْحزن عَمت غياهبه ... فقد نَاب عَن بدر التَّمام كواكبه)
(وَإِن كَانَ لَيْث الغاب أخلى عرينه ... وَغَابَ فَهَذَا شبله وكتائبه)
(لَهُ لبد ماذيه ورماحه ... وبيض ظباه غابه ومخالبه)
(وَإِن فَارق الغمد الْمحلى حسامه ... فَهَذَا حسام لَا تفل مضاربه)
(وَإِن أفقر الْفسْطَاط مِنْهُ فَإِنَّهُ ... مَنَازِله مأهولة وملاعبه)
(أَقَامَ عماد الدّين رفع بنائِهِ ... فَمَا ضل مسعاه وَلَا ذل جَانِبه)
(يرد الْعُيُون الشوس عَنهُ كليلة ... من الْحق نور لَيْسَ يعدوه لازبه)
(كَأَن شُعَاع الشَّمْس يلقاك دونه ... وَلم تَرَ ملكا حَاجِب الشَّمْس حَاجِبه)
(وَلَا بُد من شكوى إِلَى الدَّهْر مَحْضَة ... وَإِن خَابَ من يشكوه أَو من يعاتبه)
(هوى جبل الدّين الحنيف وزعزعت ... برِيح المنايا العاصفات مناكبه)
(وأغمد سيف الله من كل مارق ... وسيمت وَكَانَت مُحرمَات قواضبه)
(وَمَا ابتسم الْبَرْق السماوي بعده ... وَلكنه خلت عَلَيْهِ ذوائبه)
(وَمَا كَانَ عقد المزن إِلَّا منظما ... وَلَكِن لنار اللوعة انهل ذائبه)
(وَمَا اهتز عطف الدَّهْر إِلَّا كآبة ... غَدَاة ثوى عَنهُ أَخُوهُ وَصَاحبه)
(لمن تلبس الأطواق ورق خواطب ... وَقد طويت عَن كل أَرض سحائبه)
(حدتني المنايا أَن أقوم أَمَامه ... يخاطبني إحسانه وأخاطبه)
(لَو أَن جهادا مفصحا عَن شجونه ... شجاك من الْبَيْت الْمُقَدّس نادبه)
(لقد أظلمت أبراجه بعد شمسه ... نعم وانحنت حزنا عَلَيْهِ محاربه)
(عجبت لناعيه تخب جياده ... وتنجو على طي الموامي ركائبه)
(وينطق فِي النادي فصيحا لِسَانه ... وَقد رجعت عَنهُ خلاء حقائبه)
(وَمَا زلت للإشفاق إِذْ أستعيده ... أغالطه عَن قَوْله وأجاذبه)
(وأستفسر الْأَلْفَاظ وَهِي تسوؤني ... رَجَاء حَدِيث يخلف الظَّن كاذبه)(29/66)
(لَعَلَّ مقَالا آخرا مثل أول ... تغذبه فرسانه ونجائبه)
(أخادع دمعي راجيا وأكفه ... بهدب جفوني جَارِيا وأغالبه)
(تذكر نعمى سافرات وجوهها ... إِلَيّ وجود باسمات مواهبه)
(فَلَمَّا بدا من تَحت من فِي ضريحه ... وجمت وقلبي بالوجيب يجاوبه)
(ظللت كَأَن السَّيْف غنى ذبابه ... وَقدر قصت أحشاؤه وترائبه)
(وَمَا هُوَ إِلَّا الْبَين زمت ركابه ... وطارت بِهِ فِي الْخَافِقين نواعبه)
(وَمَا اللَّيْل فِي الْآفَاق إِلَّا حداده ... وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا أشايبه)
(تمادت لَدَيْهِ راجفات رماحه ... وناحت عَلَيْهِ صاهلات سلاهبه)
(وَشقت جُيُوب الْفضل وجدا وأصبحت ... أرامل مِنْهُ عينه وكواعبه)
(ونامت عُيُون الرعف بعد سهادها ... فَمَا راعها من وابل النبل خاضبه)
(كَأَن غديرا سر كل مفاضة ... تجعد وَهنا بالنسيم جوانبه)
(فَللَّه يَوْمًا أسمع الصم خطبه ... وَأفهم حَتَّى أفحم الْخلق خاطبه)
(وَمَا خلت أَن الشَّمْس تكسفها يَد ... وَلَا أَن نجم الْأُفق يخفيه طَالبه)
(خبا بعد مَا عَم الفضاء شهابه ... وَنور حَتَّى ظلمَة الظُّلم ثاقبه)
(وَلم يَك فِينَا يُوسُف غير يُوسُف ... لكف زمَان موبقات مساغبه)
(وَقد كَانَ لَا يعْصى وَإِن شقّ أمره ... مضاء وَلَا تحصى ثَنَاء مناقبه)
(فكم أجل ناء قَضَاهُ حسامه ... ورق كريم جود كفيه واهبه)
(وجيش حشاه السمهرية والظبا ... فخطيه تردي الْأسود ثعالبه)
(لقد جلّ قدر الْمَوْت بعد خموله ... فَكل منيع باذخ فَهُوَ غاصبه)
(أبعد ابْن أَيُّوب يصاغ مديحه ... وحاشاك أَو عَيْش تساغ مشاربه)
(كَأَن لم يعده عَن كماة عداته ... وَقد دميت أنيابه ونوائبه)
(وَلَا سَار سير العَبْد تَحت ركابه ... إِلَى كل ذِي ملك تدب عقاربه)
(عجبت لَهُ لم تغنه سطواته ... وَلم تثنه آراؤه وتجاربه)
(ويغتاله الْمِقْدَار لَا هُوَ دَافع ... بوادره عَنهُ وَلَا ذَاك هائبه)
(وَكَيف أَطَاعَته عوائد جَهله ... إِلَى أَن تخطى سَيْفه وَهُوَ نَائِبه)
(لَهَا لذ طعم الشكل من كل هَالك ... فَمَا شَاءَ فلتجلب عَلَيْهِ مصائبه)(29/67)
(فيا مَالك الْأَمْلَاك صبرا وعزمة ... فبالصبر يدنو من رجائك عازبه)
(تنبه لَهَا عظمى وَلست بهاجع ... فَإِن جواد الحزم مَا أَنْت رَاكِبه)
(وَمن كَانَ فِي الْمَسْعَى أَبوهُ دَلِيله ... تدانت لَهُ أَسبَابه وسباسبه)
(فَرب ملم فادح جلّ أمره ... فَسَاءَتْ مباديه وسرت عواقبه)
(أيسلب خير النَّاس حَيا وَمَيتًا ... وينجو سليما من سيوفك سالبه)
(وَكَيف تقر الْهَام فِي سكناتها ... وَهَذَا سَنَام الْمجد قد جب غاربه)
(ثوى بَين أكتاف الشَّام وأصبحت ... مشارقه مهجورة ومغاربه)
(لقد قر زلزال الفرنجة بعده ... ونامت عُيُون كن قبل تراقبه)
(وَقد كَانَت الأَرْض البسيطة دَاره ... وأملاكها عيدانه ومقانبه)
(كَأَن لم يحل جنح الدجى بعجاجه ... وَلم يحل يَوْمًا كاسف اللَّوْن شاحبه)
(وَلم تشك عين الشَّمْس من هبواته ... وَقد خَفَقت راياته ومناكبه)
(وَلَا جر فِي أرجائها ذيل جَيْشه ... وَمن فَوق تيجان الْمُلُوك مساحبه)
(لدان لَهُ من كل مصر شريفه ... وذل بِهِ من كل حَيّ مصاعبه)
(وهام إِلَى أَعْلَامه كل معقل ... كَمَا هام وجدا بالمحب حبائبه)
(وَلَو لم يشب للهول صفح حسامه ... لما غازل الأجفان وَالدَّم خاضبه)
(هُوَ الْبَحْر حدث عَنهُ غير مكذب ... فَمَا تَنْقَضِي آيَاته وعجائبه)
(وَلم يَك فِي أَوْصَافه مَا يعِيبهُ ... سوى أَنه خلق إِذا جد عائبه)
(فدام لهَذَا الْملك مِنْك عزيزه ... فَغير أَبِيك النَّاصِر الْملك غائبه)
(فَلَيْسَ الورى إِلَّا مُطيعًا تثيبه ... بِحسن بلَاء أَو عصيا تواثبه)
(وعهدك هامات الأعادي طروسه ... وناقطة الخطي وَالسيف كَاتبه)
62 - الْبَغْدَادِيّ يُوسُف بن أبي بكر بن أبي الْحسن الأدمِيّ الْبَغْدَادِيّ من أهل السمعية قَالَ ابْن النجار ذكر لنا أَنه سمع من أبي الْوَقْت الصُّوفِي وَأَنه كَانَ يحفظ من كتاب الإفصاح فِي شرح الْأَحَادِيث الصِّحَاح لِابْنِ هُبَيْرَة شَيْئا ويقرؤه على ابْن هُبَيْرَة وَقَرَأَ علينا شَيْئا من ذَلِك من حفظه وَهُوَ فِي عشر الْمِائَة بِلِسَان ذلق وذهن حَاضر مولده سنة أَربع وَخمْس مائَة وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وست مائَة(29/68)
63 - ضِيَاء الدّين خطيب بَيت الْأَبَّار يُوسُف بن أبي بكر القَاضِي ضِيَاء الدّين ابْن خطيب بَيت الْآبَار رَئِيس كَبِير وجواد مفضال وَصدر رحيب الباع فِي المكارم أخلاقه ترشف سلافا وطباعه تلين كالغصون انعطافا لم أر فِي عصري وَلَا عاصرت فِي عمري من لَهُ سيادته وَلَا فِيهِ مكارمه أعجب مَا رَأَيْت فِيهِ بعد الْمَرْوَة الزَّائِدَة والجود المفرط أَنه يُعَامل عدوه وَصديقه بمعاملة وَاحِدَة يملك نَفسه وَلَا يتأثر بحادثة تنزل بِهِ وشكله تَامّ وَلما توجه إِلَى مصر لم يجد الشاميون ملْجأ غَيره وَلَا كهفا يأوون إِلَيْهِ سواهُ وَكَانَ فِي ديوَان تنكز يُبَاشر وَله سيادة وداره مألف الضيفان ومأوى الْأَصْحَاب مَتى جَاءَ الْإِنْسَان إِلَى منزله وجد كل مَا يختاره إِن كَانَ هُوَ فِيهِ أَو لم يكن يجد جَمِيع مَا يَدعُوهُ إِلَى أَن يروح وَلما تولى القَاضِي جلال الدّين رَحمَه الله قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام ولاه نظر الصَّدقَات فضبطها وأجمل مباشرتها فَلَمَّا طلب القَاضِي إِلَى مصر وَتَوَلَّى قَضَاء الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ طلبه من السُّلْطَان فرسم بإحضاره على الْبَرِيد فَتوجه إِلَيْهَا فِي سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة وَولي نظر الصَّدقَات والأوقاف بِالْقَاهِرَةِ وساد فِي مصر وَرَأس فِي الْقَاهِرَة وأحبه المصريون لمكارمه وحلمه وولاه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مطابخ السكر وولاه نظر الأهراء مَعَ مَا بِيَدِهِ من القَاضِي جلال الدّين وَتَوَلَّى نظر البيمارستان المنصوري فسلك فِيهِ أحسن سلوك ورافق فِيهِ الْأَمِير جمال الدّين نَائِب الكرك وَبعده الْأَمِير علم الدّين الجاولي ثمَّ الْأَمِير بدر الدّين جنكلي ابْن البابا وَوَقع بَينهمَا وعزل مِنْهُ فِي الْأَيَّام الصالحية ثمَّ تولاه ثَانِيًا ورافق فِيهِ الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي وَتَوَلَّى أَيَّام السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسبَة الْقَاهِرَة ومصر وَكَانَ قبلهَا محتسب الْقَاهِرَة مَعَ البيمارستان فَلَمَّا كَانَ الغلاء فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة جمع لَهُ السُّلْطَان بَين الحسبتين وَلما خرج القَاضِي جلال الدّين من الْقَاهِرَة تعصب عَلَيْهِ النشو وَغَيره وَأخذُوا مِنْهُ الحسبتين وَنظر الْأَوْقَاف وَالصَّدقَات وأبقوا عَلَيْهِ البيمارستان فَلَمَّا كَانَ فِي أَيَّام الصَّالح ولاه نظر الدولة مَعَ نظر البيمارستان فباشر ذَلِك مديدة ثمَّ استعفى فأعفاه ثمَّ ولاه الجوالي مَعَ حسبَة الْقَاهِرَة والبيمارستان ثمَّ إِنَّه وَقع بَينه وَبَين الْأَمِير بدر الدّين جنكلي فعزل من الْجَمِيع فِي أَوَاخِر دولة الصَّالح وَلزِمَ بَيته فَلَمَّا كَانَ فِي أَيَّام الْكَامِل وخلع الْكَامِل تولى القَاضِي قَضَاء الدّين نظر البيمارستان والحسبة على عَادَته ثمَّ إِن عَلَاء الدّين ابْن الأطروش نازعه فِي وظائفه مَرَّات وتولاها ثمَّ أُعِيدَت إِلَيْهِ ثمَّ إِن الْأَمِير سيف الدّين صرغتمش اعْتمد عَلَيْهِ فِي الْأَوْقَاف بِمصْر وَالشَّام وَكَانَ يدْخل فِي كل قَلِيل إِلَى السُّلْطَان وَيخرج من عِنْده بتشريف وَزَاد عَظمَة ووجاهة وَبَالغ فِي إكرامه وتقديمه(29/69)
على أَن النَّاس كلهم وَلما أمسك صرغتمش قبض عَلَيْهِ وعصر وَضرب وَأخذ مِنْهُ شَيْء قَلِيل ثمَّ رسم بتوجهه إِلَى قوص فَتوجه إِلَيْهَا وَأقَام بهَا سنة وَأكْثر ثمَّ رسم بعوده إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام فِي بَيته بطالا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسبع مائَة تغمده الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَخرج لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين الْمُحدث أَحْمد بن أيبك الدمياطي أَرْبَعِينَ حَدِيثا عَن أشياخه الَّذين سمع مِنْهُم صَغِيرا ونظم على أحاديثها ووسع الْعبارَة فِيهَا فَجَاءَت مجلدة جَيِّدَة وجودهَا وَحدث بهَا فِي دَاره بِالْقَاهِرَةِ وَسمعتهَا من لَفظه على القَاضِي ضِيَاء الدّين فِي جملَة من سمع وكتبت أَنا عَلَيْهَا
ووقفت على هَذَا التَّخْرِيج الَّذِي لَا يردهُ نَاظر وَلَا يدْفع أدلته مناظر وَلَا يَسْتَغْنِي عَنهُ مذاكر وَلَا محَاضِر وَلَا يشبه حسنه إِلَّا الرياض النواضر على أَنه لمْعَة من شهَاب وهمعة من سَحَاب وجرعة من شراب ودفعة من عباب لِأَن مخرجه شهَاب الدّين زين ليل الْعلم الداج وبحر أَلْفَاظه دُرَر وفوائده أمواج فَلَو عاصره ابْن عَسَاكِر لم يذاكر أَو الْخَطِيب لما كَانَ يطيب أَو ابْن الْجَوْزِيّ لانكسر قلبه وَذهب لبه أَو ابْن نقطة لغرق فِي بَحر وبله بقطره أَو الْحَاكِم لقضي لَهُ بالتفضيل وَلم ينظر فِي جرح وَلَا تَعْدِيل خرجه لمولى حمل البلدين وَرَئِيس يوضع تَاج سيادته على مفرق الفرقدين // (من الوافر) //
(كريم سَاد بالإفصال حَتَّى ... غَدا فِي مجده بَادِي السناء)
(لَهُ ذكر يطبق كل أَرض ... فَيمْلَأ جوها طيب الثَّنَاء)
(فَمَا تخفى علاهُ على بَصِير ... وَإِن تخفى فذو حسد يرائي)
(وهبني قلت هَذَا الصُّبْح ليلٌ ... أيعمى الْعَالمُونَ عَن الضياء)
فَلَا أعلم تخريجا أحسن مِنْهُ وَلَا جُزْءا غَيره كل الْفَوَائِد تُؤْخَذ عَنهُ جمع فِيهِ بَين الرِّوَايَة والدراية وَبلغ فِيهِ إِلَى غَايَة تدل على أَنه آيَة فَالله يشْكر سَعْيه ويتولى بِعَيْنِه رعيه بمنه وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلما كنت فِي الديار المصرية فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل كتبت لَهُ توقيعا بِنَظَر الجوالي بِالْقَاهِرَةِ ومصر والوجهين قبليا وبحريا ونسخته
الْحَمد لله الَّذِي جمل أيامنا الزاهرة بضيائها وكمل دولتنا الْقَاهِرَة بمحاسن أوليائها وَجعل نعمنا الغامرة تكاثر الْغَمَام بالإبهاء وضوء ممالكنا العامرة بِمن يجمل النّظر فِيمَا يَتَوَلَّاهُ من نَوَاحِيهَا وأرجائها نحمده على نعمه الَّتِي لَا تزَال تجول وتجود وتروم اختصاصنا بالمزيد من كرمها وترود وتؤم حرمنا بأفضالها فتصول بنصول النَّصْر على الْأسود وَتسود(29/70)
وَترد على حمانا الرحب فتجود بوافر إحسانها على أهل التهائم والنجود ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة ترغم من الْكفَّار معاطسهم وتجذ بحدها منابت بهتانهم ومغارسهم وتحسم بحسامها أبطال باطلهم وفوراسهم وتهدم بِإِقَامَة منار الْإِسْلَام معابد ضلالهم وكنائسهم ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أعرض عَن مَتَاع الدُّنْيَا وَرغب فِيمَا أعده الله لَهُ فِي الْآخِرَة من الْمقَام الْمَحْمُود والدرجة الْعليا وشغل لِسَانه بِذكر الله تَعَالَى فِي الْيَقَظَة وَقَلبه فِي الرُّؤْيَا وَقَامَ فِي نصْرَة الْحق يسْعَى فَشكر الله لَهُ مقَاما وسعيا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وصبحه الَّذين سلكوا بهداه خير سَبِيل وفازوا لما اتَّبعُوهُ بالفخر الْمُعظم وَالْمجد الأثيل ونصروا الدّين الحنيف بطعن الأسمر المثقف وَضرب الْأَبْيَض الصَّقِيل وَعز جود مثلهم لما ضرب مثلهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل صَلَاة لَا يبلغ الْعدَد أمدها وَلَا ينفذ الزَّمن مددها مَا تَبَسم ثغر صباح عَن لعس ظلام وتنسم روض أَرض عَن نفس شيح أَو ريح خزام وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَإِن المناصب تعلو بِمن يَلِي أمرهَا وتشرف على غَيرهَا بِمن يعظم النَّاس لأَجله قدرهَا وتفوق بِمن يطلع فِي ليَالِي التَّمام والكمال بدرها وتكبر بِمن إِذا تحدث فِيهَا أجْرى بالأموال والأمواه بحرها وتفخر بِمن إِذا تولى نظرها جمع نَفعهَا وَمنع ضرها وَنظر الجوالي من الْوَظَائِف الَّتِي فِي المناصب الدِّينِيَّة عدادها وَإِلَى الْقرب السّنيَّة معاجها ومعادها وَإِلَى الشَّرْع الشريف ميلها واستنادها وبسيفنا الَّذِي تجرده مهابتنا انتصارها واعتضادها لِأَنَّهُ اسْتِخْرَاج مَال قد تقرر شرعا وأخصب فِي الْحل مرعى ودر بالبركات ضرعا واتسع بِهِ الْإِسْلَام صَدرا لما ضَاقَ بالْكفْر ذرعا وقرت بِهِ عُيُون الدّين وَكَيف لَا تقر إِذا أخذت الْعُيُون من عدوها وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع منعا لَا يدْخل الْحول على ذمِّي إِلَّا جَاءَ إِلَيْهِ من يطْلب الجالية وأحاط بِهِ الذل الَّذِي يَقُول مَعَه {مَا أغْنى عني ماليه} الحاقة 69 / 28 وتجددت لَهُ حَالَة حالكة وَحَال الْإِسْلَام حاليه على أَن أهل الذِّمَّة فِي الذلة مائقون وَتَمام مصيبتهم أَنهم يُعْطون {الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} التَّوْبَة 29 وَكَانَ الْمجْلس العالي القضائي الضيائي أَبُو المحاسن يُوسُف مِمَّن جمل الدولة وأسعفته الْأَيَّام بمراده حَتَّى كَأَنَّهَا لَهُ من جملَة الخول وفخر زَمَانه بِوُجُود مثله وَشهد حَتَّى حساده بوفور فَضله وأجرى الله تَعَالَى نهر ذُريَّته فَكَانَ غير آسن وبهر حسن أَوْصَافه حَتَّى صدق من قَالَ إِن يُوسُف أَبُو المحاسن وَرفع الله خَبره فانتصب تمييزا وَمَضَت لَهُ مُدَّة فِي الشَّام والسعد يَقُول هَذَا فِي مصر يكون عَزِيزًا وخطب إِلَى الديار المصرية المحروسة فوردها وَحل بهَا فَحل الْأُمُور تَصرفا وعقدها وَولي المناصب الْعلية وباشر الْوَظَائِف السّنيَّة أحسن نظره فِي الْأَوْقَاف وأجرى أمورها على أجمل الْأَوْصَاف وَنظر فِي أَمْوَال الْأَيْتَام فنمى حاصلهم وربى وأجمل الْمُعَامَلَة لَهُم فَمَا انْتهى لَهُم سَبَب حَتَّى أتبع سَببا(29/71)
وَتَوَلَّى نظر البيمارستان المنصوري فغمره بِحسن النّظر وعمره وَأثر فِيهِ بِنَاء تلألأ بالضياء شمسه وقمره وَزَاد أوقافه ريعا وملكا ونظم در تَدْبيره الْجَمِيل سلكا وباشر الْحِسْبَة الشَّرِيفَة فَكَانَت بمعارفه أليق وأشبه وَأصْبح قدرهَا بولايته أقبل وأنبه وروع أَصْحَاب الْغِشّ بمهابته وَمَا لكل محتسب عِنْد النَّاس حسبَة إِلَى غير ذَلِك من نظر الأهراء الَّتِي ملأها حبا وصب الله البركات فِيهَا بنيته الطاهرة صبا وَنظر دَار القنود الَّتِي حلت بحَديثه فِيهَا وتميز ارتفاعها جملا تعجز واصفيها هَذَا إِلَى صدر رحيب وَخلق مَا لَهُ مشاكل وَلَا ضريب وثناء هُوَ فِي الذّكر أَبُو الطّيب وَوجه إِلَى الْقُلُوب حبيب مَكَانَهُ كعبة قصاد ومنزل رواد ومنهل الوراد وحلبة جود سبق فِيهَا حاتما هَذَا الْجواد قد تورع عَن المناصب الدِّينِيَّة وَعرضت عَلَيْهِ أيامنا وَأَيَّام والدنا الشَّهِيد فَلم يكن لَهُ فِيهَا رَغْبَة وَلَا نِيَّة وندبناه لنظر دولتنا الشَّرِيفَة ورقيناه ذرى شرفاتها المنيفة فَجعل نُجُوم أموالها أهلة وأمطر سحائبها المستهلة وَأعْرض عَنْهَا فَمَا بَاشَرَهَا إِلَّا بحلة ولوى جيده عَنْهَا واستعفى ورنق الإهمال فِي ناظره حَتَّى أعفى فأجبنا قَصده وأعفيناه وَعلمنَا تورعه فآثرنا رَاحَته إِلَّا مِمَّا استثنيناه وخبأنا لَهُ عندنَا مَا يُنَاسب مُرَاده ويوافق اجْتِهَاده ويعاضد اعْتِمَاده علما بإعراضه عَن الْعرض الْأَدْنَى وزهده فِيمَا وزره يبْقى وحطامه يفنى فَلذَلِك رسم بِالْأَمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الصَّالِحِي الْعِمَادِيّ أَن يُفَوض إِلَيْهِ نظر الجوالي بِمصْر والقاهرة والمحروستين وَالْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ فليباشر مَا فوض إِلَيْهِ مُبَاشرَة عهِدت من حسن اعْتِمَاده وَشهِدت من وافر اجْتِهَاده وَهُوَ بِحَمْد الله غَنِي عَن الْوَصَايَا الَّتِي تُشِير إِلَيْهَا أنامل الأقلام وتخفق بهَا من قعقعة الطروس أَعْلَام فَمَا تعلم عوَانَة فِيهَا خمرة وَلَا تطلع فِي أفق هَذَا التوقيع نجما وَلَو شَاءَ هُوَ أطلع شمس الصَّوَاب وبدره وَلَكِن تقوى الله تَعَالَى ملاك الْوَصَايَا المهمة والأمور الَّتِي إِذا راعها الْإِنْسَان لم يكن أمره عَلَيْهِ غمَّة فليجعلها لعَينه نصبا ولقربه من الله تَعَالَى قربى وَالله تَعَالَى يديم صونه ويجدد فِي كل حَال عونه والخط الشريف أَعْلَاهُ الله تَعَالَى أَعْلَاهُ حجَّة فِي ثُبُوت الْعَمَل بِمَا اقْتَضَاهُ وَالله الْمُوفق بمنه وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقلت لما بلغتني وَفَاته بِالْقَاهِرَةِ رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسبع مائَة // (مجزوء الرمل) //
(مَا لنا فِي بؤس علس ... عمنَا مِنْهُ الشَّقَاء)
(وعَلى الدُّنْيَا ظلام ... إِثْر مَا مَاتَ الضياء)(29/72)
64 - صَاحب مراكش يُوسُف بن تاشفين بِالتَّاءِ ثَالِثَة الْحُرُوف وَألف ثمَّ شين مُعْجمَة وَفَاء وياء آخر الْحُرُوف وَنون السُّلْطَان أَبُو يَعْقُوب اللمتوني المغربي الْبَرْبَرِي الملقب بأمير الْمُسلمين وبأمير الملثمين وبأمير المرابطين وَالْأول هُوَ الَّذِي اسْتَقر كَانَ أحد مُلُوك الْبِلَاد دَانَتْ بِطَاعَتِهِ الْعباد واتسعت ممالكه وَطَالَ عمره وَقل أَن عمر أحد من مُلُوك الْمُسلمين وَالْإِسْلَام كَمَا عمر وَهُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة مراكش وَهُوَ الَّذِي أَخذ الأندلس من الْمُعْتَمد بن عباد وواقعته مَعَه مَشْهُورَة وَهُوَ أول من تسمى بأمير الْمُسلمين وَكَانَ يحب الْعَفو والصفح وَفِيه عدل وَخير وَكَانَ معتدل الْقَامَة نحيفا خَفِيف العارضين دَقِيق الصَّوْت حازما سائسا يخْطب لبني الْعَبَّاس
كَانَ بر المغاربة الجنوبي لقبيلة تسمى زناتة برابر فَخرج عَلَيْهِم من جنوب الْمغرب من الْبِلَاد المتاخمة لبلاد السودَان الملثمون يقدمهم أَبُو بكر بن عمر مِنْهُم وَكَانَ رجلا ساذجا خير الطباع موثرا لبلاده على بِلَاد الْمغرب غير ميال إِلَى الرَّفَاهِيَة وَكَانَ وُلَاة الْمغرب من زناتة ضعفاء لم يقاوموا الملثمين فَأخذُوا الْبِلَاد من أَيْديهم من بَاب تلمسان إِلَى سَاحل الْبَحْر الْمُحِيط فَلَمَّا حصلت الْبِلَاد لأبي بكر بن عمر الْمَذْكُور سمع أَن عجوزا فِي بِلَاده ذهبت لَهَا نَاقَة فِي غَارة فَبَكَتْ وَقَالَت لقد ضيعنا أَبُو بكر بن عمر بِدُخُولِهِ إِلَى بِلَاد الْمغرب ف حمله ذَلِك على أَن اسْتخْلف يُوسُف بن تاشفين هَذَا وَرجع إِلَى بِلَاده الجنوبية فاستمر هُنَاكَ وساس النَّاس سياسة حَسَنَة واختط مراكش فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَكَانَ موضعهَا مكمنا للصوص ومراكش بلغَة المصامدة امش مسرعا أَو خوفًا من اللُّصُوص وَكَانَ ملكا لعجوز مصمودية
وَلما تمهدت لَهُ الْبِلَاد تاق إِلَى العبور إِلَى جَزِيرَة الأندلس وَكَانَت مُحصنَة بالبحر فَأَنْشَأَ الشواني والمراكب والمقاتلة فَلَمَّا علم مُلُوك الأندلس بذلك اسْتَعدوا لَهُ وكرهوا إلمامه بجزيرتهم لكِنهمْ كَرهُوا أَن يصبحوا بَين عدوين الفرنج من شماليهم والملثمون من جنوبيهم وَكَانَت الفرنج تشد الْوَطْأَة عَلَيْهِم وَأهل الأندلس ترهبهم بِإِظْهَار مُوالَاة يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ لَهُ اسْم كَبِير لنقله دولة زناتة وَملك الْمغرب إِلَيْهِ فِي أسْرع وَقت وَكَانَ قد(29/73)
ظهر لأبطال الملثمين فِي الحروب ضربات بِالسُّيُوفِ تقذ الْفَارِس وطعنات تنظم الكلى وَكَانَ لَهُ بذلك ناموس ورعب فراسل مُلُوك الأندلس بَعضهم بَعْضًا وفزعوا فِي ذَلِك إِلَى الْمُعْتَمد بن عباد لِأَنَّهُ أَشْجَع الْقَوْم وأكبرهم مملكة فَكتب عَنْهُم كتابا من أهل الأندلس وَهُوَ
أما بعد فَإنَّك إِن أَعرَضت عَنَّا نسبت إِلَى كرم وَلم تنْسب إِلَى عجز وَإِن أجبنا داعيك نسبنا إِلَى عقل وَلم ننسب إِلَى وَهن وَقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتنا فاختر لنَفسك أكْرم نسبتك فَإنَّك بِالْمحل الَّذِي لَا يجب أَن تسبق فِيهِ إِلَى مكرمَة وَإِن فِي استبقائك ذَوي الْبيُوت من دوَام أَمرك وَثُبُوت ملكك وَالسَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ الْكتاب مَعَ تحف وهدايا وَكَانَ لَا يعرف بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ لكنه كَانَ يجيد فهم الْمَقَاصِد وَله كَاتب يعرف باللغة الْعَرَبيَّة والمرابطية فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْأَمِير هَذَا الْكتاب من مُلُوك الأندلس يعظمونك فِيهِ ويعرفونك أَنهم أهل دعوتك وَتَحْت طَاعَتك ويلتمسون مِنْك أَنَّك لَا تجعلهم فِي منزلَة الأعادي فَإِنَّهُم مُسلمُونَ وَمن ذَوي الْبيُوت تُعِزَّهُمْ وتكفيهم من وَرَاءَهُمْ من الأعادي الْكفَّار وبلدهم ضيق لَا يحْتَمل العساكر فَأَعْرض عَنْهُم إِعْرَاض من أطاعك من أهل الْمغرب فَقَالَ ابْن تاشفين فَمَا ترى أَنْت فَقَالَ الْكَاتِب أَيهَا الْملك إِن تَاج الْملك وبهجته وَشَاهده الَّذِي لَا يرد بِأَنَّهُ خليق بِمَا حصل فِي يَده من الْملك أَن يعْفُو إِذا استعفي وَأَن يهب إِذا استوهب وَكلما وهب جزيلا كَانَ أعظم لقدره فَإِذا عظم قدره تأصل ملكه وَإِذا تأصل ملكه تشرف النَّاس بِطَاعَتِهِ وَإِذا كَانَت طَاعَته رفا جَاءَهُ النَّاس وَلم يتجشم الْمَشَقَّة إِلَيْهِم وَكَانَ وَارِث الْملك من غير إهلاكه لآخرته وَاعْلَم أَن بعض الْمُلُوك الأكابر والحكماء البصراء بطرِيق تَحْصِيل الْملك قَالَ من جاد سَاد وَمن سَاد قاد وَمن قاد ملك الْبِلَاد فَلَمَّا فهمه بلغته هَذَا الْكَلَام وَعلم أَنه صَحِيح قَالَ أجب الْقَوْم فَكتب
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من يُوسُف بن تاشفين سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته تَحِيَّة من سالمكم وَسلم إِلَيْكُم وَحكمه النَّصْر والتأييد فِيمَا حكم عَلَيْكُم فَإِن مَا بِأَيْدِيكُمْ من الْملك فِي أوسع باحة مخصوصون منا بأكرم إِيثَار وسماحة فاستديموا وفاءنا بوفائكم واستصلحوا إخاءنا بصلاح إخائكم وَالله ولي التَّوْفِيق لنا وَلكم وَالسَّلَام وقرأه عَلَيْهِ وفهمه ذَلِك بلغته فَاسْتَحْسَنَهُ وجهزه وَقرن بِهِ درقا لِمَطِيَّةٍ مِمَّا لم يكن إِلَّا فِي بِلَاده ولمطة بَلْدَة عِنْد السوس الْأَقْصَى بَينهَا وَبَين سجلماسة عشرُون يَوْمًا وَلما وصل ذَلِك إِلَيْهِم أحبوه وعظموه وفرحوا بِهِ وقويت نُفُوسهم على دفع الإفرنج ثمَّ إِن الأذفونش جاس خلال الأندلس واشتط على مُلُوكهمْ يطْلب الْبِلَاد مِنْهُم وخصوصا الْمُعْتَمد بن عباد فَلَمَّا رأى ابْن عباد طمع(29/74)
الأذفونش فِيهِ استدعى أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين وَقَالَ لِأَن ترعى أَوْلَادنَا جمال الملثمين أحب إِلَيْهِم من أَن يرعوا خنازير الفرنج وَكَانَ ابْن تاشفين على أتم أهبة فَعبر إِلَى الأندلس وَاجْتمعَ إِلَيْهِ مُلُوكهَا واستنفر الأذفونش جَمِيع الفرنج فَخَرجُوا فِي عد لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَلم تزل الجموع تتزايد وتتواتر إِلَى أَن امْتَلَأت جَزِيرَة الأندلس خيلا ورجلا من الْفَرِيقَيْنِ وَأمر ابْن تاشفين بعبور الْجمال فَعبر مِنْهَا مَا أغص الجزيرة وارتفع رغاؤها إِلَى عنان السَّمَاء وَلم يكن أهل الجزيرة قد رَأَوْا جملا قطّ وَلَا رَأَتْ خيلهم صورها وَلَا سَمِعت أصواتها فَكَانَت تذْعَر مِنْهَا وتقلق وَكَانَ ابْن تاشفين يحدق عسكره بالجمال وَكَانَت خير الفرنج تحجم عَنْهَا ثمَّ ابْن تاشفين قدم بَين يَدي حربه كتابا على مُقْتَضى السّنة يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَالدُّخُول فِيهِ أَو الْحَرْب أَو الْجِزْيَة فَأبى إِلَّا الْقِتَال فَاخْتَارَ ابْن عباد أَن يكون هُوَ المصادم أَولا فَفَعَلُوا ذَلِك وتلاقوا واستحر الْقَتْل فيهم فَلم يفلت من الفرنج غير الأذفونش من دون الثَّلَاثِينَ من أَصْحَابه فغنم الْمُسلمُونَ أثاثهم وخيلهم بِمَا مَلَأت أَيْديهم وَكَانَت الْوَقْعَة فِي الزلاقة خَامِس عشر شهر رَجَب سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَقيل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَحكي أَن موقع المعركة على اتساعه مَا كَانَ فِيهِ مَوضِع قدم إِلَّا على جَسَد أَو دم وأقامت العساكر بالموضع أَرْبَعَة أَيَّام حَتَّى جمعت الْغَنَائِم فَلَمَّا لِأَن حصلت عف عَنْهَا ابْن تاشفين وآثر بهَا مُلُوك الأندلس وَقَالَ إِنَّمَا أَتَيْنَا للغزو لَا للنهب فَلَمَّا رأى ذَلِك مُلُوك الأندلس استكرموه وأحبوه وشكروا لَهُ فَلَمَّا فرغ ابْن تاشفين من الْحَرْب عزم على العودة إِلَى بِلَاده وَكَانَ عِنْد دُخُوله إِلَى الجزيرة تحرى الْمسير بالعراء من غير أَن يمر بِمَدِينَة أَو رستاق فَسَأَلَهُ ابْن عباد أَن يجوز إِلَى بَلَده وَينزل عِنْده فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فَلَمَّا انْتهى إِلَى إشبيلية مَدِينَة الْمُعْتَمد وَكَانَت من أجمل المدن وَنظر إِلَى وَضعهَا على نهر عَظِيم مستبحر تجْرِي فِيهِ السفن بالبضائع من بر الْمغرب وحاملة إِلَيْهِ فِي غربيه وَهُوَ رستاق عَظِيم يشْتَمل على الآلاف من الضّيَاع كلهَا تين وعنب وزيتون وَفِي جَانب الْمَدِينَة قُصُور الْمُعْتَمد وَأَبِيهِ المعتضد على غَايَة الْحسن والبهاء فَأنْزل ابْن تاشفين أحد الْقُصُور وَبَالغ فِي خدمته وإكرامه فَأخذ أَصْحَاب ابْن تاشفين فِي إغرائه على اتِّخَاذ مثل تِلْكَ الْمنَازل وَيَقُولُونَ لَهُ إِن فَائِدَة الْملك قطع الْعُمر بالعيش الْمُنعم والتلذذ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمد وَأَصْحَابه وَكَانَ ابْن تاشفين مقتصدا فِي أُمُوره غير متطاول وَلَا مبذر وَكَانَ قد أذهب صدر عمره فِي بِلَاد فِي شظف الْعَيْش فَأنْكر على مغريه بذلك الْإِسْرَاف وَقَالَ الَّذِي يلوح من أَمر هَذَا الرجل أَنه مضيع لما فِي يَده من المَال وَالْملك لِأَن هَذِه الْأَمْوَال الَّتِي تعينه فِي هَذِه الْأَحْوَال لَا بُد أَن يكون لَهَا أَرْبَاب وَلَا يُمكن أَخذ هَذَا الْقدر مِنْهُم على وَجهه الْعدْل أبدا فَأَخذه بالظلم وَأخرجه بالترهات وَهَذَا من أفحش الاستهتار وَمن كَانَت(29/75)
همته فِي هَذَا الْحَد من التَّصَرُّف فِي مَا لَا يعدو الأجوفين مَتى يشحذ همته فِي حفظ بِلَاده وضبطها ثمَّ إِن ابْن تاشفين سَأَلَ عَن حَال الْمُعْتَمد فِي لذاته هَل تخْتَلف فتنقص عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي بعض الْأَوْقَات فَقيل لَهُ بل كل زَمَانه على هَذَا قَالَ وكل أَصْحَابه وأنصاره منجدوه على عدوه قَالُوا لَا قَالَ كَيفَ ترَوْنَ رضاهم عَنهُ قَالُوا لَا رضَا لَهُم عَنهُ فَأَطْرَقَ وَسكت وَأقَام عِنْد الْمُعْتَمد أَيَّامًا على تِلْكَ الْحَال
وَاسْتَأْذَنَ رجل على الْمُعْتَمد فَأدْخل وَهُوَ ذُو هَيْئَة رثَّة فَأذن لَهُ فَقَالَ لَهُ أصلحك الله إِن من أوجب الْوَاجِبَات شكر النِّعْمَة وَمن شكر النِّعْمَة إهداء النصائح وَإِنِّي رجل من رعيتك وَمن ذَلِك خبر وَقع فِي أُذُنِي من بعض أَصْحَاب ضيفك يدل على أَنهم يرَوْنَ أنفسهم وملكهم أَحَق بِهَذِهِ النِّعْمَة مِنْك وَقد رَأَيْت رَأيا إِن آثرت الإصغاء إِلَيْهِ قلته قَالَ قل قَالَ رَأَيْت أَن هَذَا الرجل الَّذِي أطلعته على ملكك رجل مستأسد على الْمُلُوك قد حطم ببر العدوة زناتة وَأخذ الْملك مِنْهُم وَلم يبْق على أحد مِنْهُم وَلَا يُؤمن أَن يطمح على الطماعية فِي ملكك بل فِي ملك الجزيرة كلهَا لما قد عاينه من بلهنية عيشك وَأَنه يتخيل أَن كل مُلُوك الأندلس فِي مثل حالك وَأَن لَهُ من الْوَلَد والأقارب من يود أَن يكون فِي عيشه مثل عيشكم وَقد أودى الأذفونش وجيشه واستأصل شأفتهم وأعدمك من هُوَ أقوى نَاصِر عَلَيْهِ لَو احتجت إِلَيْهِ وَبعد إِن فَاتَ الْأَمر لم يفتك الحزم فِيمَا هُوَ مُمكن الْيَوْم قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أَن تجمع أَمرك على قبض ضيفك هَذَا واعتقاله فِي قصرك وتجزم أَنَّك لَا تطلقه حَتَّى يَأْمر كل من بِجَزِيرَة الأندلس من عسكره أَن يرجع من حَيْثُ جَاءَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم بالجزيرة طِفْل ثمَّ تنْفق أَنْت وملوك الأندلس على حراسة هَذَا الْبَحْر من سفينة تجْرِي فِيهِ لغزاة لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك تستحلفه بأغلظ الْأَيْمَان أَلا يضمر فِي نَفسه عود إِلَى هَذِه الجزيرة إِلَّا بِاتِّفَاق مِنْكُم وَتَأْخُذ مِنْهُ على ذَلِك رهائن فَإِنَّهُ يعطيك من ذَلِك مَا تشَاء فنفسه أعز عَلَيْهِ من جَمِيع مَا تطلبه مِنْهُ ويقنع ببلاده الَّتِي لَا تصلح إِلَّا لَهُ وَتَكون قد استرحت مِنْهُ ويرتفع ذكرك عِنْد مُلُوك الأندلس فَلَمَّا سمع الْمُعْتَمد ذَلِك استصوبه وَجعل يفكر فِي انتهاز الفرصة وَكَانَ للمعتمد ندماء قد انهمكوا مَعَه فِي اللَّذَّات فَقَالَ أحدهم للرجل الناصح مَا كَانَ الْمُعْتَمد بن عباد مِمَّن يُعَامل بالحيف ويغدر بالضيف وَهُوَ إِمَام المكرمات فَقَالَ الرجل إِنَّمَا الْغدر أَخذ الْحق من صَاحبه لَا دفع الرجل الْأَذَى عَن نَفسه إِذا ضَاقَ بِهِ واستدرك الْأَمر وتلافاه فَقَالَ ذَلِك النديم لضيم مَعَ وَفَاء خير من حزم مَعَ جفَاء ثمَّ إِن ذَلِك الرجل استدرك الْأَمر وتلافاه فَشكر لَهُ الْمُعْتَمد وَوَصله واتصل الْخَبَر بِابْن تاشفين فَأصْبح غاديا فَقدم لَهُ الْمُعْتَمد الْهَدَايَا السّنيَّة فقبلها ورحل فَعبر من الجزيرة الخضراء إِلَى سبتة وَلما عبر يُوسُف وَأقَام عسكره بالجزيرة ريثما استراح وتتبع آثَار الأذفونش وتوغل فِي بِلَاده وَمَات الأذفونش(29/76)
هما وغما وَخلف بِنْتا تحصنت بطليطلة وَجعل الْأَمر إِلَيْهَا وَكسب عَسْكَر ابْن تاشفين مَا لَا يحد وَلَا يُوصف وَكَانَ ابْن تاشفين قد قدم عَلَيْهِم سير بن أبي بكر فَكتب إِ ليه أَنه قد افْتتح معاقل وثغورا وَفتح أَمَاكِن ورتب بهَا المستحفظين وَأَنه لَا يَسْتَقِيم لهَذِهِ الجيوش أَن تقيم بالثغور على ضنك من الْعَيْش تصابح الْعَدو وتماسيه فَكتب إِلَيْهِ بمحاربة مُلُوك الأندلس وَألا ينفس لأحد مِنْهُم ويلجئهم إِلَى الْوُصُول إِلَى العدوة وليبدأ مِنْهُم بمجاوري الثغور وَألا يتَعَرَّض للمعتمد بن عباد مَا لم يستول على الْبِلَاد فابتدأ سير بن أبي بكر بملوك بني هود وتسلم حصن روطه ثمَّ نَازل بني طَاهِر بشرق الأندلس فَسَلمُوا إِلَيْهِ وَلَحِقُوا بالعدوة ثمَّ نَازل بني صمادح بالمرية فَلَمَّا علم المعتصم بن صمادح أَنه مغلوب دخل قصره وأدركه أَسف فَمَاتَ من ليلته وتسلم الْمَدِينَة ثمَّ نَازل المتَوَكل عمر بن الْأَفْطَس وَكَانَ رجلا عَظِيما فَاضلا فخامر عَلَيْهِ أَصْحَابه وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى ولديه فَقتلُوا صبرا وَحمل أَوْلَاده الأصاغر إِلَى مراكش وَسَائِر مُلُوك الجزيرة سلمُوا وتحولوا إِلَى بر العدوة إِلَّا مَا كَانَ من الْمُعْتَمد بن عباد فَإِن سير بن أبي بكر لما فرغ من مُلُوك الأندلس كتب إِلَى ابْن تاشفين أَنه لم يبْق من مُلُوك الجزيرة غير ابْن عباد فارسم فِي أمره مَا ترَاهُ فَأمر بِقَصْدِهِ وَأَن يعرض عَلَيْهِ التَّحَوُّل إِلَى بر العودة بأَهْله وَمَاله فَإِن فعل فبها ونعمت وَإِن أَبى فنازله فَعرض ذَلِك عَلَيْهِ فَأبى وحاصره أشهرا ثمَّ دخل عَلَيْهِ الْبَلَد قهرا وَحمله مُقَيّدا إِلَى أغمات كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته وَلم يعتقل من مُلُوك الأندلس غَيره وَقيل فِي سَبَب تغير ابْن تاشفين على مُلُوك الجزيرة وَابْن عباد غير هَذَا واستحوذ ابْن تاشفين على ملك الجزيرة وَمَات يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث خلون من الْمحرم سنة خمس مائَة وعاش تسعين سنة ملك مِنْهَا مُدَّة خمسين سنة وَأوصى بِالْملكِ من بعده لوَلَده أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف وَقد تقدم ذكره فِي مَوْضِعه من حرف الْعين وَتقدم ذكر وَلَده إِسْحَاق بن عَليّ وَذكر وَلَده تاشفين بن عَليّ فِي مكانيهما وانْتهى ملك بني تاشفين
وَكَانَ يُوسُف معتدل الْقَامَة أسمر اللَّوْن نحيف الْجِسْم خَفِيف العارضين دَقِيق الصَّوْت حسن السِّيرَة خيرا عادلا يمِيل إِلَى أهل الْعلم ويكرمهم ويحكمهم فِي بِلَاده ويصدر عَن آرائهم وَكَانَ يحب الْعَفو والصفح عَن الذُّنُوب الْكِبَار قيل إِن ثَلَاثَة نفر اجْتَمعُوا فتمنى أحدهم ألف دِينَار يتجر فِيهَا وَتمنى الآخر عملا يعْمل فِيهِ لأمير الْمُسلمين وَتمنى الآخر زَوجته وَكَانَت أحسن النِّسَاء وَلها الحكم فِي بِلَاده فَبَلغهُ الْخَبَر فأحضرهم وَأعْطى متمني المالي ألف دِينَار وَاسْتعْمل الآخر وَقَالَ للَّذي تمنى زَوجته يَا جَاهِل مَا حملك على تمني الَّذِي لَا تصل إِلَيْهِ ثمَّ أرْسلهُ إِلَيْهَا فتركته فِي خيمة ثَلَاثَة أَيَّام تحمل إِلَيْهِ فِي كل يَوْم طَعَاما وَاحِدًا ثمَّ أحضرته وَقَالَت لَهُ مَا أكلات فِي هَذِه الْأَيَّام قَالَ طَعَاما وَاحِدًا فَقَالَت لَهُ كل النِّسَاء شَيْء وَاحِد وَأمرت لَهُ بِمَال وَكِسْوَة وأطلقته(29/77)
وأوصل الملثمين أَنهم قوم من حمير بن سبأ وهم أَصْحَاب خيل وإبل وَشاء يسكنون الصحارى الجنوبية وينتقلون من مَاء إِلَى مَاء كالعرب وَبُيُوتهمْ الشّعْر والوبر فَأول من جمعهم وحرضهم على الْقِتَال عبد الله بن ياسين الْفَقِيه وَقتل فِي حَرْب جرت مَعَ برغواطة وَقَامَ مقَامه أَبُو بكر بن عمر الصنهاجي الصحراوي وَمَات فِي حَرْب السودَان ويوسف بن تاشفين هُوَ الَّذِي سمى أَصْحَابه الملثمين لأَنهم يتلثمون وَلَا يكشفون وُجُوههم وَذَلِكَ سنة لَهُم يتوارثونها خلفا عَن سلف وَسبب ذَلِك على مَا قيل أَن حمير كَانَت تتلثم لشدَّة الْحر وَالْبرد يَفْعَله الْخَواص مِنْهُم فَكثر ذَلِك فيهم حَتَّى فعله عوامهم وَقيل إِن سَبَب ذَلِك هُوَ أَن قوما من أعدائهم كَانُوا يقصدون غفلتهم إِذا غَابُوا عَن بُيُوتهم فيطرقون الْحَيّ وَيَأْخُذُونَ المَال والحريم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بعض مشايخهم أَن يبعثوا النِّسَاء فِي زِيّ الرِّجَال إِلَى نَاحيَة ويقعدوا فِي الْبيُوت فِي زِيّ النِّسَاء فَإِذا أَتَاهُم الْعَدو وظنوا أَنهم النِّسَاء يخرجُون عَلَيْهِم فَفَعَلُوا ذَلِك وثاروا عَلَيْهِم بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُمْ فلزموا اللثام تبركا بِمَا حصل لَهُم من الظفر بالعدو
وَقَالَ عز الدّين بن الْأَثِير رَحمَه الله تَعَالَى سَبَب اللثام أَن طَائِفَة من لمتونة خَرجُوا مغيرين على عدوهم فخالفهم الْعَدو إِلَى بُيُوتهم وَلم يكن بهَا إِلَّا الْمَشَايِخ وَالصبيان وَالنِّسَاء فَلَمَّا تحقق المشائخ أَنهم الْعَدو أمروا النِّسَاء أَن يلبس ثِيَاب الرِّجَال ويتلثمن ويضيقن اللثام حَتَّى لَا يعرفن ويحملن السِّلَاح ففعلن ذَلِك وَتقدم الصّبيان والمشائخ أمامهن واستدار النِّسَاء بِالْبُيُوتِ فَلَمَّا أشرف الْعَدو وَرَأى جمعا عَظِيما فَظَنهُ رجَالًا وَقَالُوا عِنْد حريمهم يُقَاتلُون عَنْهُن قتال الْمَوْت والرأي أَن نسوق النعم ونمضي فَإِن الْقَوْم اتبعونا قاتلناهم خَارِجا عَن حريمهم فَبينا هم فِي جمع النعم من المراعي إِذا أقبل رجال الْحَيّ فَبَقيَ الْعَدو بَينهم وَبَين النِّسَاء فَقتلُوا من الْعَدو وَأَكْثرُوا وَكَانَ من قبل النِّسَاء أَكثر فَمن ذَلِك الْوَقْت جعلُوا اللثام سنة يلازمونه وَلَا يعرف الشَّيْخ من الشَّاب وَلَا يزيلونه لَيْلًا وَلَا نَهَارا
وَمِمَّا قيل فِي اللثام // (من الْكَامِل) //
(قوم لَهُم دَرك العلى فِي حمير ... وَإِن انتموا صنهاجة فهم هم)
(لما حووا إِحْرَاز كل فَضِيلَة ... غلب الْحيَاء عَلَيْهِم فتلثموا)
65 - كَمَال الدّين الأسنائي ابْن الْأُسْتَاذ الشَّافِعِي يُوسُف بن جَعْفَر بن حيدرة بن حسان الأسنائي كَمَال الدّين الشَّافِعِي قَرَأَ على الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَكَانَ كَرِيمًا(29/78)
جوادا تولى الحكم بأصفون من بِلَاد قوص والمنشأة من بِلَاد إخميم وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست مائَة بمنشأة إخميم وَكَانَ لشمس الدّين بن السديد أَخَوان من أَبِيه فماتا واتهم بِقَتْلِهِمَا فهرب كَمَال الدّين وَكتب ورقة فِيهَا وَلما أ؛ س الْمَمْلُوك الربة المستعملة من دم الْأَخَوَيْنِ شرب لَهَا حب الغاريقون وَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَله رسائل وَشعر مِنْهُ قَوْله // (من الْكَامِل) //
(لَا تَطْلُبن من السواقي ثروة ... يَوْمًا فَمَا لفسادهن صَلَاح)
(فالشد حل والرسوم تراسم ... وَالْعشر عشر وَالْخَرَاج جراح)
وَمِنْه يمدح موقعا وأجاد // (من الْكَامِل) //
(يَا من إِذا خطّ الْكتاب يَمِينه ... أهْدى إِلَيْنَا الوشي من صنعاء)
(لم تجر كفك فِي الْبيَاض موقعا ... إِلَّا تجلت عَن يَد بَيْضَاء)
66 - ابْن الصيقل يُوسُف بن الْحجَّاج الصيقل يُقَال إِنَّه من ثَقِيف وَقيل هُوَ مَوْلَاهُم ذكر مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح أَنه كَانَ يلقب لقُوَّة كَانَ يصحب أَبَا نواس وَيَأْخُذ عَنهُ ويروي لَهُ وَأَبوهُ الْحجَّاج بن يُوسُف مُحدث ثِقَة روى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة ذكره أَبُو الْفرج فِي كتاب الأغاني وَكَانَ يُوسُف بن الصَّقِيل كَاتب سر بِالْكُوفَةِ أَخذ من الرشيد مَالا كثيرا وَقَالَ ابْن الْجراح كَانَ يُوسُف مبادرا باللواط وَله فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله // (من الْخَفِيف) //
(لَا تنيكن مَا بقيت ... غُلَاما مكابره)
(لَا تمرن باسته ... غير دفع المؤامره)
(إِن هَذَا اللواط دين ... براه الأساوره)
(وهم فِيهِ منصفو ... محسن المعاشره)
وَقَوله // (من الرمل) //
(ضع كَذَا صدرك لي يَا سَيِّدي ... وَاتخذ عِنْدِي إِلَى الْحَشْر يدا)
(إِنَّمَا ردفك سرج مَذْهَب ... كشف البزيون عَنهُ فَبَدَا)
(فأعرنيه وَلَا تبخل بِهِ ... لَيْسَ يبليه ركوبي أبدا)(29/79)
(بل يصفيه ويحلو وَلَا ... أبدا فِيهِ ترَاهُ أوصدا)
ابْن الْحسن
67 - ابْن السيرافي النَّحْوِيّ يُوسُف بن الْحسن بن عبد الله بن الْمَرْزُبَان أَبُو مُحَمَّد بن أبي سعيد السيرافي النَّحْوِيّ قَرَأَ على أَبِيه وَخَلفه بعد وَفَاته فِي حلقته وأقرأ النَّاس وتمم كتابا بَدَأَ فِيهِ أَبوهُ وَشرح أَبْيَات غَرِيب المُصَنّف وأبيات إصْلَاح الْمنطق وأبيات كتاب سِيبَوَيْهٍ وروى عَن أَبِيه وروى عَنهُ أَبُو الْحسن عمر بن أبي عمر النوقاني وَعبد الْعَزِيز بن أبي طَلْحَة الْجِرْجَانِيّ وَكَانَ من الْوَرع والزهد والتقشف على طَريقَة عَجِيبَة وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
68 - التفكري الشَّافِعِي يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم التفكري بِالتَّاءِ ثَالِثَة الْحُرُوف وَالْفَاء وَالْكَاف وَالرَّاء الزنجاني رَحل وَقَرَأَ معاجم الطَّبَرَانِيّ على أبي نعيم الْحَافِظ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ شافعيا تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَكَانَ كثير الذّكر وَالْعِبَادَة
69 - صَاحب عقلاء المجانين يُوسُف بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن أَبُو يَعْقُوب الْعَطَّار الْبَغْدَادِيّ جمع كتابا فِيهِ عقلاء المجانين وَحدث بِهِ بطرسوس روى فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي الدُّنْيَا وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري وَإِبْرَاهِيم بن هَانِئ النَّيْسَابُورِي وَهَارُون بن مُوسَى الْعَطَّار الْبَغْدَادِيّ وَيحيى بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ وَعبد الرَّحْمَن بن عبيد الْبَزَّاز وَإِبْرَاهِيم ابْن رَاشد الأدمِيّ وَعمر بن شبة النمري وَغَيرهم وَرَوَاهُ عَنهُ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حَكِيم الْمدنِي الإصبهاني وَتُوفِّي
70 - قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري يُوسُف بن الْحسن بن عَليّ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو المحاسن السنجاري الشَّافِعِي الزراري كَانَ صَدرا محتشما جوادا ممدحا تقدم فِي شبوبيته عِنْد الْأَشْرَف وَهُوَ بسنجار فَلَمَّا ملك دمشق ولاه قَضَاء الْبِقَاع وبعلبك والزبداني وَكَتَبُوا فِي اسجالاته قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ يسْلك بِالْخَيْلِ وَالْجمال(29/80)
والمماليك والتجمل مَا لَا يسلكه الوزراء ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى سنجار وَلما مَاتَ الْكَامِل وَخرجت الخوارزمية عَن طَاعَة وَلَده الصَّالح رَاح الصَّالح إِلَى سنجار فطمع فِيهِ صَاحب الْموصل ونازله بسنجار وَلم يبْق إِلَّا أَن يشملها وَبدر الدّين بهَا قَاض فَأرْسلهُ الصَّالح تِلْكَ اللَّيَالِي من السُّور فَنزل وَذهب إِلَى الخوارزمية وخاطر بِنَفسِهِ وَركب الْأَهْوَال واستمالهم ومناهم وَسَارُوا مَعَه ووافاهم المغيث ولد الصَّالح من حران وَأَقْبلُوا إِلَى سنجار فَرَحل صَاحب الْموصل هَارِبا فعظمت مَنْزِلَته عِنْده فَلَمَّا مَاتَ الصَّالح الْبِلَاد وَفد إِلَيْهِ القَاضِي بدر الدّين ففرح بِهِ وأكرمه وَكَانَ شرف الدّين بن عين الدولة قَاضِي الإقليم بِكَمَالِهِ فأفرد عَنهُ مصر وَالْوَجْه القبلي وفوضه إِلَى بدر الدّين فَلَمَّا مَاتَ ابْن عين الدولة ولاه قَضَاء الْقُضَاة وَالْوَجْه البحري وَكَانَ لَهُ ذكر جميل وسيرة حَسَنَة مَعْرُوفَة فِي أَخذ الرشا من قُضَاة الْأَطْرَاف وَالشُّهُود والمتحاكمين وَحصل لَهُ ولأتباعه تشَتت فِي الْبِلَاد ومصادرات وَتُوفِّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وست مائَة
وَكتب إِلَيْهِ السراج الْوراق يهنئه بِشَهْر رَجَب // (من الْبَسِيط) //
(الشَّهْر مثلك فَرد غير ثَانِيه ... وَأَنت أَجْدَر من يلقى تهانيه)
(وَهُوَ الْأَصَم وَلَكِن قد أصاغ إِلَى ... من ينظم الدّرّ مدحا فِيك من فِيهِ)
(وَمَا نهنك يَا أذكى الورى شيما ... بالدهر بل هُوَ أولى من نهنيه)
(يَا سيدا آدابه مَالا يفرقه ... وَحسن ذكر مدى الْأَيَّام تحويه)
(يَا ابْن الأولى شيدوا مجدا سما وَعلا ... فبالكواكب قد شدت أواخيه)
(مَا بت أنظم مدحي فِي محاسنكم ... إِلَّا وَقد سبقت فكري قوافيه)
71 - ابْن مفوز يُوسُف بن أبي الْحسن بن مفوز أَنْشدني من لَفظه الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان ليوسف هَذَا فِي مليح نظره فمنعته الشَّمْس أَن ينظر إِلَيْهِ // (من الرمل) //
(وهلال لَاحَ فِي رأد الضُّحَى ... كل حسن من محياه استمد)
(حَجَبته الشَّمْس لما أَن رَأَتْ ... كل لحظ فِي سناه قد ورد)
(منعت مرآه إِمَّا عَن هوى ... علقت مِنْهُ وَإِمَّا عَن حسد)
72 - الخارزنجي يُوسُف بن الْحسن بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْقَاسِم الخارزنجي ذكره عبد الغافر وَوَصفه فَقَالَ الإِمَام البارع جملَة الأديب(29/81)
الأصولي الشَّافِعِي من وُجُوه الأفاضل من أَصْحَاب أبي عبد الله أَخذ الْكَلَام وأصول الْفِقْه عَن أَصْحَابه وَاخْتلف إِلَى دروس إِمَام الْحَرَمَيْنِ وعلق عَنهُ الْكثير ثمَّ خرج إِلَى مرو سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَأقَام بهَا مُدَّة وَاخْتلف إِلَى الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ الصفار وَأبي الْحسن البستي ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وأمعن فِي الإفادة وصنف فِي غير نوع من النّظم والنثر والخطب البليغة المرصعة ومجالس الْوَعْظ والتذكير وَولد بخارزنج من نَاحيَة بست وَله بهَا سلف صَالح سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَدخل نيسابور وَلم يسمع فِي مبادئ أمره اشتغالا بِالْعلمِ ثمَّ سمع أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَبا بكر بن خلف وَأَبا سعيد الْقشيرِي وَجَمَاعَة سواهُم
وَله من قصيدة // (من الْكَامِل) //
(لبس الزَّمَان ملابس الإدلال ... وَبكى الْغَمَام بطرفه الهطال)
(فترى السَّمَاء تقنعت بنصيفها ... مثل الغواني فِي خدور حجال)
(وَإِذا الْعَوَارِض أرزمت ثمَّ انبرت ... تذري الجمان على الربى بسجال)
(وَكَأن عين الْغَيْم عين متيم ... وَكَأن وَجه الأَرْض وَجه هِلَال)
ابْن الْحُسَيْن
73 - الرَّازِيّ الصُّوفِي يُوسُف بن الْحُسَيْن بن يَعْقُوب الرَّازِيّ شيخ الصُّوفِيَّة صحب ذَا النُّون الْمصْرِيّ قَالَ مَتى رَأَيْت المريد يشْتَغل بالرخص فَاعْلَم أَنه لَا يَجِيء مِنْهُ شَيْء وَكتب إِلَى الْجُنَيْد قَالَ لَا أذاقك الله طعم نَفسك فَإِن ذقتها لَا تذوق بعْدهَا خيرا وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاث مائَة
74 - الْحَافِظ ابْن بكار الشَّافِعِي يُوسُف بن الْحُسَيْن بن بدر بن الْحسن بن المفرج ابْن بكار الْحَافِظ الْمُفِيد الإِمَام الْمسند شرف الدّين أَبُو المظفر النابلسي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وَله سنة ثَلَاث وست مائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وست مائَة وَسمع من ابْن البن وَغَيره ورحل وعني بِهَذَا الشَّأْن وَنسخ بِنَفسِهِ وبالأجرة وخطه طَريقَة مَشْهُورَة حلوة وَخرج لنَفسِهِ الموافقات فِي خَمْسَة أَجزَاء وَحدث بِدِمَشْق والإسكندرية والقاهرة وروى عَنهُ الدمياطي وَابْن الخباز وَابْن الْعَطَّار وَأَبُو الْحسن الْكِنْدِيّ وَكَانَ ثِقَة حَافِظًا متقنا جيد(29/82)
المذاكرة جيد النّظم حسن الدّيانَة ذَا عقل ووقار ولي مشيخة دَار الحَدِيث النورية بِدِمَشْق
وَمن شعره // (من الطَّوِيل) //
(بلَى فِي بلَى فِي سُورَة لَيْسَ تختم ... فمشتبه من هجره ومحكم)
(يُكَرر تلقائي دروس خِلَافه ... فقلبي بِهِ يشقى وطرفي ينعم)
(أناظره فِي الهجر كَيفَ استباحه ... فيدرك معنى الْحسن مني فَأسلم)
(وَلما تولى الخد والى عذاره ... دفعت إِلَيْهِ قبصتي أتظلم)
75 - وَالِد الْحجَّاج يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل الثَّقَفِيّ تقدم بَقِيَّة النّسَب فِي تَرْجَمَة وَلَده الْحجَّاج بن يُوسُف فِي حرف الْحَاء مَكَانَهُ لَهُ حَدِيث وَاحِد يرويهِ عَن سعد بن أبي وَقاص توفّي فِي حُدُود السّبْعين لِلْهِجْرَةِ
76 - الشريف جمال الدّين المشهدي يُوسُف بن حَمَّاد الشريف جمال الدّين الْحُسَيْنِي المشهدي الإمامي شيخ الشِّيعَة ومفتيهم توفّي سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة حج مَرَّات وجاور وَله نظم كَانَ فِيهِ تواضع مَاتَ فِي المعترك وَمن نظمه
77 - الرَّحبِي الطَّبِيب رَضِي الدّين يُوسُف بن حيدرة بن حسن الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو الْحجَّاج الرَّحبِي شيخ الطِّبّ بِالشَّام لَهُ الْقدَم والاشتهار عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَلم يزل مبجلا عِنْد الْمُلُوك كَانَ كَبِير النَّفس عالي الهمة حسن السِّيرَة محبا للخير عديم الأذية وَكَانَ أَبوهُ من الرحبة كحالا قدم مَعَ أَبِيه إِلَى دمشق واشتغل على مهذب الدّين النقاش ولازمه فَنَوَّهَ بِذكرِهِ وخدم السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَجعل لَهُ فِي الشَّهْر ثَلَاثِينَ دِينَارا على أَن يكون ملازم القلعة والبيمارستان وَلم تزل عَلَيْهِ إِلَى أَن نَقصه الْمُعظم النّصْف وَلم يزل يتَرَدَّد إِلَى البيمارستان إِلَى أَن مَاتَ واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة(29/83)
وَكَانَ لَا يقرئ أحدا من الذِّمَّة وَلم يقرئ فِي عمره مِنْهُم سوى اثْنَيْنِ عمرَان الإسرائيلي وَإِبْرَاهِيم السامري بعد أَن ثقلا عَلَيْهِ وتشفعا وَكِلَاهُمَا نبغ وتميز وَكَانَ لَا يطلع فِي سلم وَيسْأل عَن ذَلِك أَولا إِذا طلب إِلَى مَرِيض وَكَانَ ابْن شكر يلْزم أكل الدَّجَاج فشحب لَونه فَقَالَ لَهُ الرضي الزم لحم الضَّأْن أَلا ترى لحم هَذَا وَلحم هَذَا
وَخلف وَلدين شرف الدّين عليا وجمال الدّين عُثْمَان وَكِلَاهُمَا طَبِيب فَاضل وَتُوفِّي رَضِي الدّين سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة
78 - أَبُو الْحجَّاج الأدمِيّ الدِّمَشْقِي يُوسُف بن خَلِيل بن قراجا بن عبد الله الأدمِيّ ابْن الْحجَّاج الدِّمَشْقِي الْحَافِظ شمس الدّين طلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَسمع الْكثير من شُيُوخ بَلَده وَقدم بَغْدَاد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَسمع بهَا من أَصْحَاب أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَأبي سعد بن الطيوري وَأبي طَالب بن يُوسُف وَأبي عَليّ ابْن الْمهْدي وأبوي الْغَنَائِم بن النَّرْسِي وَابْن الْمُهْتَدي وَأكْثر عَن أَصْحَاب أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي الْعِزّ بن كادش وَأبي غَالب بن الْبناء وَأبي بكر بن عبد الْبَاقِي وسافر إِلَى أَصْبَهَان وَسمع بهَا من أَصْحَاب أبي عَليّ الْحداد وغانم الْبُرْجِي وَأبي مَنْصُور الصَّيْرَفِي وَأبي طَاهِر الداشتيباني وَمن جمَاعَة دونهم وَعَاد فَسمع بالموصل لَا من وَاحِد وَدخل مصر وَسمع بهَا من الأبوصيري وَإِسْمَاعِيل بن صَالح وَغَيرهمَا وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا مِمَّا سمع وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَيعرف هَذَا الشَّأْن معرفَة جَيِّدَة وَقدم بَغْدَاد بعد الْعشْرين وست مائَة حَاجا وَحدث بهَا ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى حلب واستوطنها وَحدث بهَا بالكثير على استقامة وَصدق وحخسن وَمَعْرِفَة قَالَ ابْن النجار كتبت عَنهُ بحلب فِي رحلتي الثَّانِيَة وَنعم الشَّيْخ هُوَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ ذكر لي أبي أنني ولدت فِي سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة بِدِمَشْق قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وجلب إِلَى الشَّام خيرا كثيرا وروى عَنهُ الْكِبَار وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وست مائَة وَكَانَ مشتغلا بصنعته إِلَى أَن مَاتَ وَأَخُوهُ يُونُس بن خَلِيل الأدمِيّ وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَوْضِعه(29/84)
79 - ابْن الدرا يُوسُف بن درة وَاحِد الدُّرَر الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن الدرا بِفَتْح الدَّار الْمُهْملَة وَالرَّاء الْمُشَدّدَة وَبعدهَا ألف كَانَ موصليا شَابًّا ذكريا لطيف الطَّبْع كيسا لَهُ أشعار مليحة مَعَ قلَّة مَعْرفَته بالأدب هلك فِي الْحَاج سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة لما خرجت عَلَيْهِ زعب
وَمن شعره // (من الوافر) //
(عذرتك لست للمعروف أَهلا ... ولومك فِي قصورك عَنهُ ظلم)
(أتحسبني أقدت إِلَيْك نَفسِي ... ولي بك أَو بِمَا تَأتيه علم)
(ظَنَنْت بك الْجَمِيل فخاب ظَنِّي ... وَقَالَ الله بعض الظَّن إِثْم)
وَمِنْه // (من الْخَفِيف) //
(ته علينا وته على الشَّمْس حسنا ... أَنْت أولى بِالْوَصْفِ مِنْهَا وَأَحْرَى)
(أَنْت بدر يسري وَنحن أساراك ... وأنى يكون للبدر أسرى)
(لَا وأجفانك المراض اللواتي ... سحرها لانعجامه لَيْسَ يقرى)
(لَو رأى وَجهك الْخَلِيل بعيني ... قَالَ هَذَا رَبِّي وَلم يتبرا)
وَمِنْه // (من الوافر) //
(سنحت نَفسِي بترك بعد شح ... وضاق بحبك الصَّدْر الفسيح)
(وصنت بِصَرْف وَجْهي عَنْك نفسا ... يُؤثر غي جبلتها الْقَبِيح)
وَمِنْه // (مخلع الْبَسِيط) //
(مدور الكعب فاتخذه ... لتل غرس وثل عرش)
(لَو رمقت عينه الثريا ... أخرجهَا فِي بَنَات نعش)
80 - الفندلاوي يُوسُف بن دوناس بن عِيسَى أَبُو الْحجَّاج الفندلاوي بِالْفَاءِ وَالنُّون المغربي الْفَقِيه الْمَالِكِي قدم حَاجا وَسكن بانياس مُدَّة وَكَانَ بهَا خَطِيبًا وانتقل إِلَى دمشق ودرس بهَا الْفِقْه وَحدث بالموطأ وَكَانَ حسن المحاضرة حُلْو المفاكهة متعصبا لمَذْهَب الْأَشْعَرِيّ كريم النَّفس وَله مكاشفات وقف فِي وَجه الفرنج فَقتل على المَاء قريب الربوة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة(29/85)
81 - القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد يُوسُف بن رَافع بن تَمِيم بن عتبَة بن مُحَمَّد بن عتاب الْأَسدي القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد الشَّافِعِي قَاضِي حلب توفّي أَبوهُ وَهُوَ صَغِير السن فَنَشَأَ عِنْد أَخْوَاله بني شَدَّاد وَكَانَ شَدَّاد جده لأمه وَكَانَ القَاضِي بهاء الدّين أَولا يكنى أَبَا الْعِزّ ثمَّ غير كنيته وَجعلهَا أَبَا المحاسن وَولد بالموصل فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَدفن بحلب فِي تربة عمرها وَحفظ الْقُرْآن بالموصل وَقدم عَلَيْهِم الشَّيْخ صائن الدّين يحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ فلازمه وَقَرَأَ عَلَيْهِ بالسبع وأتقن الْقرَاءَات قَرَأَ عَلَيْهِ إِحْدَى عشرَة سنة والْحَدِيث وَالْقُرْآن وَالتَّفْسِير من ذَلِك البُخَارِيّ وَمُسلم من عدَّة طرق وَكتب الْأَدَب وَشرح الْغَرِيب لأبي عبيد وَقَرَأَ على الشَّيْخ أبي البركات عبد الله بن الْحُسَيْن بن الشيزري بعض تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ وَأَجَازَ لَهُ جَمِيع مَا يرويهِ وَقَرَأَ على الشَّيْخ أبي الْفضل عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي خطيب الْموصل وَكَانَ مَشْهُورا بالرواية يقْصد من الْآفَاق كثيرا من أجل مروياته وَأَجَازَ لَهُ وَقَرَأَ على القَاضِي فَخر الدّين أبي الرِّضَا سعيد ابْن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري مُسْند الشَّافِعِي ومسند أبي يعلى الْموصِلِي ومسند أبي عوَانَة وَسنَن أبي دَاوُد وجامع التِّرْمِذِيّ وَأَجَازَ لَهُ وَقَرَأَ على الْحَافِظ مجد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ الأشيري الصنهاجي وَأَجَازَ لَهُ جَمِيع مَا يرويهِ وَقَرَأَ على الْحَافِظ سراج الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ الجياني صَحِيح مُسلم والوسيط لِلْوَاحِدِيِّ وَأَجَازَ لَهُ وَسمع بِبَغْدَاد من شهدة الكاتبة وَأبي المغيث وَالشَّيْخ رَضِي الدّين الْقزْوِينِي مدرس النظامية وَجَمَاعَة غَيرهم وَقَرَأَ الْخلاف على الضياء بن أبي الحازم صَاحب مُحَمَّد ابْن يحيى الشَّهِيد الخواري والعماد الميانجي وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بعد تأهله وترتب فِيهَا معيدا نَحْو أَربع سِنِين والمدرس يَوْم ذَلِك أَبُو نصر أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الشَّاشِي ورفيقه فِي الْإِعَادَة السديد السلماسي ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى الْموصل ورتب مدرسا فِي مدرسة القَاضِي كَمَال الدّين أبي الْفضل مُحَمَّد بن الشهرزوري ولازم الِاشْتِغَال وانتفع بِهِ النَّاس وَحج وزار الْقُدس وَدخل دمشق وَالسُّلْطَان صَلَاح الدّين على كَوْكَب يحاصرها فَسمع بِهِ فَاسْتَحْضرهُ فقابله بالإكرام التَّام وَسمع عَلَيْهِ أذكار البُخَارِيّ فَلَمَّا خرج من عِنْده اتبعهُ الْعِمَاد الْكَاتِب وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يَقُول لَك إِذا عدت من الزِّيَارَة عرفنَا بعودك فَلَمَّا عَاد عرفه وَجمع لَهُ عِنْد ذَلِك كتابا يشْتَمل على فَوَائِد الْجِهَاد وفضائله وَمَا أعد الله للمجاهدين(29/86)
ويحتوي على ثَلَاثِينَ كراسا فَاجْتمع بِهِ على حصن الأكراد ثمَّ إِن السُّلْطَان صَلَاح الدّين ولاه قَضَاء الْعَسْكَر وَالْحكم فِي الْقُدس سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَحضر إِلَيْهِ مرّة صُحْبَة الشَّيْخ صدر الدّين عبد الرَّحِيم بن إِسْمَاعِيل وَالْقَاضِي محيي الدّين بن الشهرزوري وهم بِمصْر فاتفق وَفَاة بهاء الدّين الدِّمَشْقِي مدرس منَازِل الْعِزّ بِمصْر وخطيبها فَعرض ذَلِك عَلَيْهِ السُّلْطَان فَلم يفعل وَحضر عِنْده أَيْضا وَهُوَ على حران وَكَانَ مَرِيضا ثمَّ إِن القَاضِي كَانَ عِنْد السُّلْطَان لما مرض بقلعة دمشق وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى وَتوجه إِلَى حلب ليجمع كلمة الْإِخْوَة أَوْلَاد صَلَاح الدّين وتحليف بَعضهم لبَعض ثمَّ جهزه الظَّاهِر غَازِي من حلب إِلَى مصر لتحليف أَخِيه الْعَزِيز عُثْمَان وَعرض عَلَيْهِ الحكم بحلب فَلم يُوَافق ثمَّ إِنَّه لما عَاد من مصر اتّفق موت الْحَاكِم بحلب فَعرض عَلَيْهِ الحكم فَأجَاب وولاه أوقافها وَقيل بل عزل قَاضِي حلب زين الدّين أَبَا الْبَيَان بن البانياسي نَائِب محيي الدّين بن الزكي ثمَّ إِن القَاضِي بهاء الدّين كَانَ عِنْد الظَّاهِر فِي رُتْبَة الْوَزير والمشير وَكَانَت حلب إِذْ ذَاك قَليلَة الْمدَارِس وَالْفُقَهَاء فعني بهَا القَاضِي بهاء الدّين وَجمع الْفُقَهَاء وعمرت الْمدَارِس وَكَانَ الظَّاهِر قد قرر لَهُ إقطاعا جيدا يحصل مِنْهُ جملَة كَبِيرَة وَكَانَ القَاضِي قَلِيل الخرج لم يُولد لَهُ وَلَا لَهُ أقَارِب فتوفر لَهُ شَيْء كثير فعمر مدرسة بِالْقربِ من بَاب الْعرَاق قبالة مدرسة نور الدّين مَحْمُود بن زنكي للشَّافِعِيّ سنة إِحْدَى وست مائَة وَعمر فِي جوارها دَار حَدِيث وَجعل بَين المكانين تربة برسم دَفنه فِيهَا وَلها بَابَانِ أَحدهمَا إِلَى الْمدرسَة وَالْآخر إِلَى دَار الحَدِيث وشباكان إِلَيْهِمَا متقابلان وَكَانَ يدرس بِنَفسِهِ وَلما طعن فِي السن وَضعف رتب أَرْبَعَة فُقَهَاء فضلاء برسم الْإِعَادَة وَالْجَمَاعَة يشتغلون عَلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي بِيَدِهِ حل الْأُمُور وعقدها لم يكن لأحد مَعَه كَلَام فِي الدولة وَلما ولي الْملك الْملك العزيزي مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي كَانَ تَحت حجر الطواشي أبي سعيد طغرل شهَاب الدّين وَهُوَ أتابكه ومتولي تَدْبيره بِإِشَارَة القَاضِي بهاء الدّين وَكَانَ للفقهاء فِي أَيَّامه حُرْمَة كَبِيرَة ورعاية تَامَّة خُصُوصا فُقَهَاء مدرسته كَانُوا يحْضرُون مجَالِس السُّلْطَان ويفطرون فِي شهر رَمَضَان على سماطه وَكَانَ القَاضِي قد بَقِي كَأَنَّهُ الفرخ وَكَانَت تعتريه نزلات كَثِيرَة فِي دماغه فَلَا يزَال عَلَيْهِ الفرجية البرطاسي وَالثيَاب الْكَثِيرَة وَتَحْته الطراحة الوثيرة فَوق الْبسط ذَوَات الخمائل الثخينة
قَالَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان كُنَّا نجد عِنْده الْحر وَالْكرب وَهُوَ لَا يشْعر بِهِ لِكَثْرَة اسْتِيلَاء الْبُرُودَة عَلَيْهِ من الضعْف وَكَانَ لَا يخرج لصَلَاة الْجُمُعَة إِلَّا فِي شدَّة القيظ وَكَانَ إِذا قَامَ للصَّلَاة بعد الْجهد كَاد يسْقط
وَكَانَ كثيرا مَا ينشد // (من الْبَسِيط) //(29/87)
(إِن السَّلامَة من ليلِي وجارتها ... أَن لَا تمر على حَال بناديها)
وَكَثِيرًا مَا يتَمَثَّل بقول صردر // (من الْكَامِل المرفل) //
(وعهودهم بالرمل قد نقضت ... وكذاك مَا يبْنى على الرمل)
وَكَانَ القَاضِي بهاء الدّين قد سلك طَرِيق البغاددة فِي ترتيبهم وأوضاعهم حَتَّى إِنَّه كَانَ يلبس ملبوسهم وزيهم وَكَانَ الرؤساء الَّذين يَتَرَدَّدُونَ إِلَى بَابه ينزلون عَن دوابهم على قدر أوضاعهم كل مِنْهُم لَهُ مَكَان لَا يتعداه
وَكَانَ قبل مَوته قد تجهز إِلَى مصر لإحضار ابْنة الْملك الْكَامِل ابْن الْملك الْعَادِل لأجل الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب فسافر فِي أول سنة تسع وَعشْرين وأواخر سنة ثَمَان وَعشْرين وست مائَة وَعَاد وَجَاء فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَعشْرين وَلما وصل كَانَ قد اسْتَقل الْملك الْعَزِيز بِنَفسِهِ وَرفعُوا عَنهُ الْحجر وَنزل الأتابك طغرل من القلعة إِلَى دَاره تَحت القلعة وَاسْتولى على الْملك الْعَزِيز شباب كَانُوا يعاشرونه ويجالسونه فاشتغل الْعَزِيز بهم وَلم ير القَاضِي مِنْهُ وَجها يرتضيه فلازم دَاره إِلَى أَن توفّي وَهُوَ بَاقٍ على الحكم والإقطاع غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه لم يكن لَهُ حكم فِي الدولة وَلَا كَانُوا يراجعونه فَصَارَ يفتح بَابه لإسماع الحَدِيث كل يَوْم بَين الصَّلَاتَيْنِ وخرف آخر الْحَال بِحَيْثُ إِنَّه إِذا جَاءَهُ إِنْسَان لَا يعرفهُ وَإِذا قَامَ من عِنْده يسْأَل عَنهُ وَاسْتمرّ على ذَلِك مديدة وَمرض أَيَّامًا قَلَائِل وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى
وصنف كتابا ملْجأ الْحُكَّام عِنْد التباس الْأَحْكَام فِي مجلدين وَكتاب الموجز الباهر فِي الْفِقْه وَكتاب سيرة صَلَاح الدّين
وَجعل دَاره خانقاه للصوفية
ابْن سعيد
82 - الْقطَّان يُوسُف بن سعيد بن مُسَافر بن جميل بن أبي طَاهِر بن أبي عبد الله الْقطَّان أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ كَانَ من الْمَشْهُورين بِطَلَب الحَدِيث وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالْخَيْر وَالصَّلَاح من صغره إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وست مائَة شذا طرفا من الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَقَرَأَ الْقرَاءَات بالروايات على الْمَشَايِخ وَسمع الْكثير وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على الْمَشَايِخ وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير وَلم يزل يسمع وَيكْتب إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَحج(29/88)
مَرَّات وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة يَأْكُل من كسب يَده وَختم عَلَيْهِ الْقُرْآن جمَاعَة وَكَانَ صَوته طيبا وَسمع ابْن البطي وشهدة الكاتبة وَعبد الله بن هبة الله النَّرْسِي وَغَيرهم
قَالَ ابْن النجار وَجَرت لَهُ حَرَكَة لَا تلِيق بِأَهْل الصدْق وَالْعقل وَالدّين وَكذبه أَصْحَاب الحَدِيث ثمَّ إِنَّه تَابَ وأشهدهم عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ قَالَ وَكَانَ شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد بن الْأَخْضَر يُعْطِيهِ أُصُوله فَيكْتب عَلَيْهَا السماع مِنْهُ فِي حلقته بالجامع وَيقْرَأ عَلَيْهِ كثيرا مَعَ كَونه أنكر عَلَيْهِ مَا فعله وسمعته كثيرا يسفه رَأْيه فِي ذَلِك ولعمري لم تبد مِنْهُ حَرَكَة بعْدهَا وَلَا رَأينَا مِنْهُ إِلَّا الْخَيْر
83 - أَبُو يَعْقُوب المصِّيصِي الْحَافِظ يُوسُف بن سعيد بن مُسلم الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب المصِّيصِي روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة حَافظ وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
84 - الْمُهَذّب السامري وَزِير الأمجد يُوسُف بن أبي سعيد الْمُهَذّب السامري الطَّبِيب قَرَأَ على الْمُهَذّب النقاش وبرع فِي الطِّبّ وخدم الْملك الأمجد صَاحب بعلبك وحظي لَدَيْهِ ونال الْأَمْوَال ثمَّ وزر لَهُ واستحوذ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ فِيهِ فتيَان الشاغوري // (من المنسرح) //
(أصبح فِي السامري مُعْتَقدًا ... مُعْتَقد السامري فِي الْعجل)
وَلم يزل أمره مُسْتَقِيمًا حَتَّى كثرت الشكاوى عَلَيْهِ من أَقَاربه فِي بعلبك فَإِنَّهُم قصدوه من دمشق واستخدمهم فِي الْجِهَات فنكبه الأمجد ونكبهم واستصفى أَمْوَالهم وسجنه ثمَّ أطلقهُ فجَاء إِلَى دمشق وَمَات بهَا وَهُوَ عَم أَمِين الدولة وَكَانَ هَلَاكه فِي سنة أَربع وَعشْرين وست مائَة
ابْن سُلَيْمَان
85 - الرباحي يُوسُف بن سُلَيْمَان بن مَرْوَان أَبُو عمر الْأنْصَارِيّ الأندلسي الْمَعْرُوف بالرباحي كَانَ فَقِيها إِمَامًا ورعا زاهدا نحويا عروضيا شَاعِرًا نسابة يسْرد الصّيام ويديم الْقيام لَهُ مُصَنف فِي الرَّد على القبري توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره(29/89)
86 - ابْن الطبني يُوسُف بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن وهب بن حبيب بن مطر المري الْمَعْرُوف بِابْن الطبني هُوَ أَبُو عمر كَانَ رجلا صَالحا ورعا صحب مُحَمَّد بن أبي خَالِد وروى عَنهُ وَكَانَ رُبمَا شاوره الْحُكَّام مَعَ نظرائه توفّي سنة تسع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
87 - الأعلم الشنتمري يُوسُف بن سُلَيْمَان بن عِيسَى أَبُو الْحجَّاج الأندلسي الشنتمري بالشين الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَبعدهَا تَاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَمِيم بعْدهَا رَاء الأعلم النَّحْوِيّ كَانَ وَاسع الْحِفْظ جيد الضَّبْط كثير الْعِنَايَة بِهَذَا الشَّأْن كَانَت الرحلة إِلَيْهِ فِي وقته أَخذ عَن أبي عَليّ الغساني وَطَائِفَة كَثِيرَة وكف بَصَره فِي آخر عمره وَكَانَ مشقوق الشّفة الْعليا شقا كَبِيرا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بإشبيلية سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَت وِلَادَته سنة عشر وَأَرْبع مائَة وَشرح الْجمل فِي النَّحْو لأبي الْقَاسِم الزجاجي وَشرح أَبْيَات الْجمل فِي كتاب مُفْرد وساعد شَيْخه الإفليلي على شرح ديوَان أبي الطّيب وَقيل إِنَّه شرح الحماسة شرحا مطولا ورتب الحماسة كل بَاب مِنْهَا على حُرُوف المعجم
88 - جمال الدّين الصُّوفِي يُوسُف بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الأديب الشَّاعِر الْخَطِيب الصُّوفِي الشَّافِعِي جمال الدّين سَأَلته عَن مولده فَقَالَ لي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة بنابلس نَشأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ بهَا الْأَدَب على الشَّيْخ تَاج الدّين اليمني والنحو على الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي وَغَيره وَقَرَأَ الْفِقْه على وَحج سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة ثمَّ حج فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة عقيب موت وَلَده سُلَيْمَان فَإِنَّهُ حصل لَهُ وجد عَظِيم وألم كثير على فَقده فَمَا رأى لنَفسِهِ دَوَاء غير الْحَج
وَهُوَ شَاعِر مجيد فِي المقاطيع يجيد نظمها وَمَعْنَاهَا وَله بديهة مطاوعة وارتجال متسرع لذيذ المفاكهة جميل الود حسن الْملقى وَهُوَ الْآن خطيب البدرية الَّتِي فِي مقرى كَانَ القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله قد جدد رسوم هَذَا الْمَكَان وعمره فِي أَيَّام الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا وَقرر بِهِ خطْبَة وَجعله خَطِيبه وَأول يَوْم خطب فِيهِ كَانَ يَوْمًا مشهودا اجْتمع لَهُ الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء ووجوه النَّاس والأعيان وَعمل القَاضِي شهَاب الدّين فِي ذَلِك النَّهَار طَعَاما كثيرا للنَّاس وخلع فِيهِ الْخلْع السّنيَّة وخطب الشَّيْخ جمال الدّين(29/90)
الْمَذْكُور خطْبَة جَيِّدَة فصيحة الْأَلْفَاظ بديعة الْمعَانِي وَهُوَ الْآن يخْطب من إنشائه وَلم يزَل إِلَى أَن توفّي رحمهُ الله تَعَالَى فِي ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين بالطاعون انْقَطع لَهُ يَوْمَيْنِ لَا غير
أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ فِي فرس أدهم // (من الْبَسِيط) //
(وأدهم اللَّوْن فَاتَ الْبَرْق وانتظره ... فغارت الرّيح حَتَّى غيت أَثَره)
(فواضع رجله حَيْثُ انْتَهَت يَده ... وَوَاضِع يَده أَنى رمى بَصَره)
(سهم ترَاهُ يحاكي السهْم مُنْطَلقًا ... وَمَا لَهُ غَرَض مستوقف خَبره)
(يعفر الْوَحْش فِي الْبَيْدَاء فارسه ... وينثني وادعا لم يستثر عبره)
(إِذا توقل قطب الدّين صهوته ... أَبْصرت لَيْلًا بهيما حَامِلا قمره)
وأنشدني أَيْضا من لَفظه لنَفسِهِ // (من الْخَفِيف) //
(قد مَضَت لَيْلَة الْوِصَال بِحَال ... قصرت عَن مُحَصل الْأَزْمَان)
(أخبرتنا أَن الزَّمَان جَمِيعًا ... قد تقضى فِي لَيْلَة الهجران)
وأنشدني لَهُ أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(يعيبون من أَهْوى بكسرة جفْنه ... وَعِنْدِي بِهَذَا الْعَيْب قد تمّ حسنه)
(فَقلت وَمَا قصدي سوى سيف لحظه ... إِذا دَامَ فتك السَّيْف يكسر جفْنه)
وأنشدني أَيْضا مَا قَالَه فِي دولاب فِي بُسْتَان الصاحب شمس الدّين // (من الوافر) //
(ودولاب يحن بجس عود ... على وتر يساس بِغَيْر جس)
(فَلَمَّا أَن بَدَت مِنْهُ نُجُوم ... حكى فلكا يَدُور بِسَعْد شمس)
وأنشدني لنَفسِهِ فِي مليح ينظر فِي مرْآة // (من الْكَامِل) //
(سقيا لمرآة الحبيب فَإِن ا ... أمست لطلعته البهية مطلعا)
(واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها ... فأرتني القمرين فِي وَقت مَعًا)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ وَبدر الدّين الْعزي يَدعِي ذَلِك // (من الطَّوِيل) //
(ونوار خشخاش بكرنا نزوره ... وَقد دهش الرَّائِي بِحسن صفوفه)
(تغنى بِهِ الشحرور من فرط شجوه ... فنقط بالياقوت ملْء دفوفه)
وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا وَبدر الدّين الْغَزِّي يدعيهما // (من الطَّوِيل) //
(كَأَن السَّحَاب الجون لما تجمعت ... وَقد فرقت عَنَّا الهموم بجمعها)(29/91)
(نياق وَوجه الأَرْض قَعْب وثلجها ... حليب وَمر الرّيح حالب ضرْعهَا)
وَكنت قد سَمِعت لَهُ وَأَنا بصفد فِي حُدُود الْعشْرين والسبع مائَة // (من السَّرِيع) //
(كَأَن ضوء الْبَدْر لما بدا ... ونوره بَين غُضُون الغصون)
(وَجه حبيب زار عشاقه ... فاعترضت من دونه الكاشحون)
فنظم زين الدّين عمر بن دَاوُد الصَّفَدِي // (من السَّرِيع) //
(نظرت فِي الشهب وَقد أحدقت ... بالدر مِنْهَا فِي الدياجي عُيُون)
(وَالرَّوْض يستجلي سنا نوره ... فتحسد الأَرْض عَلَيْهِ الغصون)
(وَكلما صانته أوراقها ... نازعها الرّيح فلاح المصون)
(فَقلت حَتَّى الْبَدْر لم يخله ... ريب اللَّيَالِي فِي السما من عُيُون)
فَأَعْجَبَنِي نظم جمال الدّين الْمَذْكُور فنظمت أَنا // (من السَّرِيع) //
(كَأَنَّمَا الأغصان لما انْثَنَتْ ... أَمَام بدر التم فِي غيهبه)
(بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت مِنْهُ على موكبه)
ونظمت أَيْضا // (من الْكَامِل) //
(وكأنما الأغصان تثنيها الصِّبَا ... والبدر من خلل يلوح ويحجب)
(حسناء قد عامت وأرخت شعرهَا ... فِي لجة والموج فِيهِ يلْعَب)
ونظمت أَيْضا // (من السَّرِيع) //
(كَأَنَّمَا الأغصان فِي دوحها ... يلوح لي مِنْهَا سنا الْبَدْر)
(ترس من التبر غَدا لامعا ... يقيسه أسود بالشبر)
وكتبت إِلَى جمال الدّين ملغزا فِي مكوك الحائك // (من الوافر) //
(أيا من فاق الْآدَاب حَتَّى ... أقرّ بفضله الجم الْغَفِير)
(وأحرز فِي النهى قصبات سبق ... فدون مَحَله الْفلك الْأَثِير)
(وأطلع فِي سَمَاء النّظم زهرا ... يلوح فَمن زُهَيْر أَو جرير)
(قطعت أولي النهى وَالْفضل بحثا ... فَمَا لَك فِي مناظرة نَظِير)
(إِذا أغربت فِي الْإِعْرَاب وَجها ... ف كم ثلجت بِمَا تبدي صُدُور)
(إِن قيل المعمى والمورى ... فذهنك ناقد فِيهِ بَصِير)
(وَهَا أَنا قد دعوتك للتحاجي ... لِأَنَّك فِي الحجى طب خَبِير)(29/92)
(فَمَا ساع يرى فِي غير أَرض ... وَلَا هُوَ فِي السما مِمَّا يطير)
(ترَاهُ مرددا مَا بَين طرد ... وَعكس قصرت عَنهُ الطُّيُور)
(ويلطم كلما وافى مداه ... ويسحب وَهُوَ مغلول أَسِير)
(وتنزع كل آونة حشاه ... ويلقى وَهُوَ للبلوى صبور)
(ويرشف بعد ذَلِك مِنْهُ ثغر ... وَلَا عذب هُنَاكَ وَلَا نمير)
(إِذا مَا سَار أثر فِي خطاه ... طرائق دونهَا الرَّوْض النَّضِير)
(يجر إِذا سعى ذَنبا طَويلا ... ويفتر حِين يعلوه قُصُور)
(وَيسمع مِنْهُ عِنْد الجري صَوت ... لَهُ فِي صَدره مِنْهُ خرير)
(قَلِيل الْمكْث كم قد بَات تطوى ... لَهُ من شقة لما يسير)
(ويفترش الْحَرِير ويرتديه ... غطاء وَهُوَ مَعَ هَذَا فَقير)
(وَتظهر فِي جوانبه نُجُوم ... وَفِي أحشائه فلك يَدُور)
(فأوضح مَا ذكرت فَلَيْسَ خَافَ ... على مَجْمُوع فضلك مَا أُشير)
(وَدم فِي نعْمَة وسعود جد ... وَعز مَا سقى روضا غَدِير)
فَكتب الْجَواب إِلَيّ فِي أسْرع وَقت يَقُول // (من الوافر) //
(أوجهك لَاحَ أم قمر مُنِير ... وذكرك فاح أم نفح العبير)
(طلعت طُلُوع شمس الصحو صبحا ... على فرس حكى فلكا يسير)
(وَيَا لله روضا ضمن طرس ... زُهَيْر فِي جوانبه جرير)
(رميت بِهِ إِلَيّ فَقلت هَذَا ... شُعَاع الشَّمْس مأخذه عسير)
(أَرَانِي زمرة الوضاح حسنا ... ينبهني على أَنِّي حقير)
(وَأَنِّي مُلْحق بِأَقَلّ صنف ... إِذا مَا حقق الجم الْغَفِير)
(فمذ صحفته فكري ملول ... ومذ نشرته باعي قصير)
(هُوَ المأسور بالمأسور لَكِن ... لَهُ فِي أسره مرح كثير)
(نشيط أيد ويقاد طَوْعًا ... بخيط مَتنه واه طرير)
(يراع لِأَن مهجته يراع ... لَهُ فِي الْجوف من خوف صفير)
(يحور إِلَى يَمِين من شمال ... وَمَا يعبى بذا لَكِن يحور)
(غَدا يسْعَى بأَرْبعَة سراع ... وَلَيْسَ لمشيه بهم نَظِير)(29/93)
(يُخَالف بَين رجلَيْهِ فَيجْرِي ... وترفعه يَدَاهُ فيستطير)
(لَهُ نول يسير لكل حَيّ ... وميت مِنْهُ إِحْسَان كثير)
(إِذا أسدى إِلَيْهِ الْخَيْر مسد ... جزاه عَلَيْهِ وَهُوَ بذا قدير)
(كَذَاك صفاتك الْحسنى وَلَكِن ... بدأت تطولا وبنا قُصُور)
(فغفرا ثمَّ سترا ثمَّ قصرا ... فَأَيْنَ الثمد وَالْبَحْر الغزير)
وَلما تولى خطابه البدرية كتبت لَهُ توقيعا نسخته
رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَ يكسو المنابر جمالا ويكسب أقمار الْوُجُوه من الخطباء كمالا أَن يرتب الْمجْلس السَّامِي جمال الدّين فِي كَذَا ثِقَة ببلاغته الَّتِي ترف على مياهها رياحين الْقُلُوب وفصاحته الَّتِي يكَاد لَفظهَا لمن يَذُوق يذوب وبراعته الَّتِي إِذا قَالَ أَيهَا النَّاس فقد غزا الأسماع بِجَيْش غير مغلوب وعظاته الَّتِي إِذا فَاه بهَا بَكَى النَّاس ليوسف بأجفان يَعْقُوب وَعبارَته الَّتِي نسج مِنْهَا ابْن الْمُنِير على خير أسلوب ومقاصده الَّتِي قطف ابْن نباتة زهرَة من روضها المحبوب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْعَصْر بِحَمْد الله أفضل من عف وَمن بر وأفصح خطيب لَو كلف مشتاق فَوق مَا فِي وَسعه لسعى إِلَيْهِ الْمِنْبَر فليباشر ذَلِك مُبَاشرَة يعْقد على فخرها الْإِجْمَاع ويشنف بدرها الأسماع ويثق من إِحْسَان هَذِه الدولة ببلوغ مناه وَإِزَالَة عناه وإزاحة مَا يحجب غناهُ فطالما خلت وَظِيفَة كَانَ يَظُنهَا لَهُ ملاذا وشفر منصب التسقي من وبله رذ إِذا ولاح رزق قلب وَجهه فِي سمائه وَهَذِه الْولَايَة تَقول {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} يُوسُف 12 / 29 إِلَى أَن لمع لَهُ شهَاب تألق وأغدق وابل جوده الَّذِي فاض وترقرق فرقاه خَطِيبًا وهز بِلُطْفِهِ الْمِنْبَر غصنا رطيبا وضوع أرجاه بأرجه حَتَّى قيل إِنَّه ضم خَطِيبًا وضمخ طيبا فليجر بعظاته الزاخرة سحب المدامع ويوقظ البصائر بإرشاده من كل ذِي طرف هاجع ويمل عطف من يسمعهُ فَإِنَّهُ على غُصْن منبره بلَيْل حلته بلبل ساجع وليستدرج الْقُلُوب الطائرة إِلَى لف حب التَّوْبَة ويستخرج خبايا النَّدَم على مَا فَاتَ فكم للنفوس من أوبه بعد عَظِيم الحوبه وَيغسل درن الذُّنُوب بِذكر الْمَمَات فكم لصخر القساوة بِهِ من لين وذوبه وَإِذا وعظ فَلَا يعظ إِلَّا نَفسه الَّتِي يمحضها النصحية وَإِذا ذكر فليذكر فِي ذَلِك الْجمع انْفِرَاده إِذا نزل ضريحه فَإِن ذَلِك أوقع فِي نفس السَّامع وأجلب لسح الجفن الهامي بالدمع الهامع وليأخذ لذَلِك طيبه العاطر وزينته ويرقى درج منبره بوقاره الَّذِي لَا تزعزع الرِّيَاح سكينته وليبلغ السامعين بإفهام واقتصاد وَيذكرهُمْ بتقوى الله تَعَالَى وَالْمَوْت والمعاد وليأت بأدب الْخَطِيب على مَا يُعلمهُ ويحذر من تقعير اللَّفْظ الَّذِي لَا يكَاد أَن يعربه فيعجمه وتقوى الله تَعَالَى جنَّة واقية وجنة راقية(29/94)
وَسنة بَاقِيَة فليلبس حلَّة شعارها وَيعْلي مَنَارَة منارها وَالله يلين لمقاله جامد الْقُلُوب وَيمْسَح بعظاته مَا سود الصُّحُف من الذُّنُوب والخط الْكَرِيم أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
89 - ابْن اللِّحْيَة يُوسُف بن سُلَيْمَان بن صَالح بن رهيج أَبُو يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن اللِّحْيَة كَانَ أيدبا شَاعِرًا مدح الْعَزِيز بِمصْر ولد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
وَمن شعره يَقُول // (من المتقارب) //
(تعلّقت أسمر كالذابل ... مليح الشَّمَائِل من بابل)
(يميس على الدعص من لينه ... فأخشى على خصره الناحل)
(إِذا هزت الرّيح أعطافه ... تمايل كالغصن المائل)
(وَقد نسج الْحسن فِي عارضيه ... عذارا من العنبر السَّائِل)
(ويبسم عَن لُؤْلُؤ كلما ... تألق عَن شنب كَامِل)
(تجول المدام على ثغره ... فاحسد للسلسل الْحَائِل)
(يروق لي العذل من حبه ... فاعشق لللائم العاذل)
(وَيبْخَل بالوصل حَتَّى الخيال ... فافديه من رشأ باخل)
(إِذا مَا تحفظت من جوره ... وَلم أك للجور بالحامل)
(فلست أعد مَعَ العاشقين ... وَلَا خير فِي العاشق الْجَاهِل)
(إِذا مَا رماك بألحاظه ... فحذرك من طرفه النابل)
(فَلَا مرهم لسهام الجفون ... وَقد فوقتها يَد الْقَاتِل)
(أَقُول وَقد سل من جفْنه ... حساما يطول على الْعَامِل)
(تفانى الرِّجَال على حبه ... وَمَا يحصلون على طائل)
قلت شعر جيد وَآخره تضمين من شعر أبي الطّيب
90 - يُوسُف بن سُفْيَان الْقرشِي البطليوسي أَبُو عمر سمع بقرطبة من العتبى وَأبي صَالح وأنظارهما وَسمع من مُنْذر بن حزم وَكَانَ فَقِيها خيرا فَاضلا وَكَانَ ابْن مَرْوَان(29/95)
صَاحب بطليوس يمِيل إِلَيْهِ فسعي بِهِ إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه ينتقصك وَيَقَع فِيك فهم بِهِ وأراده فَوَقَعت فِي ذَلِك النَّهَار ببطليوس سبع صواعق وَقعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي ركن مجْلِس ابْن مَرْوَان الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ فارتاع لذَلِك وَظن أَنه الَّذِي هم بِهِ فِي الرجل الصَّالح فَكف عَنهُ وَأصْلح جَانِبه وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاث مائَة
91 - المهمندار يُوسُف بن سيف الدولة أَبُو الْمَعَالِي بن زماخ بالزاي وَالْمِيم الْمُشَدّدَة وَا لخاء الْمُعْجَمَة بعد الْألف الحمداني المهمندار شيخ متجند
أَنْشدني من لَفظه العلامةُ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قَالَ أَنْشدني بدر الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف الْمَذْكُور لنَفسِهِ // (من الْبَسِيط) //
(وَلَيْلَة مثل عين الظبي وَهُوَ معي ... قطعتها آمنا من يقظة الرقبا)
(أردفته فَوق دهم اللَّيْل مختفيا ... وَالصُّبْح يرْكض خَلْفي خيله الشهبا)
(حَتَّى دهاني وَعين الشَّمْس فاترة ... وَقد جذبت بذيل اللَّيْل مَا انجذبا)
(مَا هِيَ بِأول عادات الصَّباح معي ... ليل الشَّبَاب بصبح الشيب كم هربا)
وأنشدني من لَفظه أَيْضا قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الوافر) //
(فَلَا تعجب لحسن الْمَدْح مني ... صفاتك أظهرت حكم الْبَوَادِي)
(وَقد تبدي لَك الْمرْآة شخصا ... ويسمعك الصدى مَا قد تنادي)
وأنشدني أَيْضا من لَفظه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الْبَسِيط) //
(مَا شِيمَة الْعَرَب العرباء شيمتكم ... وَلَا بِهَذَا عرفن الخرد الغيد)
(كَانَت سليمى ولبنى والرباب إِذا ... أزمعن هجرا أتتهن الأناشيد)
(وَدَار بَينهمَا فحوى معاتبة ... أرق مِمَّا أراقته العناقيد)
(وَآفَة الصب مثلي أَن يبث جوى ... لمن يجب وَلَا يثنى لَهُ جيد)
وأنشدني من لَفظه أَيْضا قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الْكَامِل) //
(لَو عَايَنت عَيْنَاك يَوْم نزالنا ... وَالْخَيْل تطفح فِي العجاج الأكدر)
(وسنا الأسنة والضياء من الظبى ... كشفا لأعيننا قتام العنبر)
(وَقد اطلخم الْأَمر واحتدم الوغى ... ووهى الجبان وساء ظن المجتري)
(لرأيت سداً من حَدِيد مايرا ... فَوق الْفُرَات وفوقه نَار تري)(29/96)
(وَرَأَيْت سيل الْخَيل قد بلغ الزبى ... وَمن الفوارس أبحرا فِي أبحر)
(طفرت وَقد منع الفوارس مدها ... تجْرِي وَلَوْلَا خَيْلنَا لم تطفر)
(حَتَّى سبقنَا أسهماً طاشت لنا ... مِنْهُم إِلَيْنَا بالخيول الضمر)
(لم يفتحوا للرمي مِنْهُم أعيناً ... حَتَّى كحلن بِكُل لدن أسمر)
(فتسابقوا هرباً وَلَكِن ردهم ... دون الْهَزِيمَة رمح كل غضنفر)
(ملؤوا الفضا فَعَن قَلِيل لم نَدع ... فَوق البسيطة مِنْهُم من مخبر)
(سدت علينا طرقنا قتلاهم ... حَتَّى جنحنا للمكان الأوعر)
(مَا كَانَ أجْرى خَيْلنَا فِي أَثَرهم ... لَو أَنَّهَا برؤوسهم لم تعثر)
(من كل أَشهب خَاضَ فِي بَحر ... الدما حَتَّى بدا لعيوننا كالأشقر)
(كم قد فلقنا صَخْرَة من صرخة ... وَلكم ملأنا محجراً من محجر)
(وَجَرت دِمَاؤُهُمْ على وَجه الثرى ... حَتَّى جرت مِنْهَا مجاري الْأَنْهُر)
(وَالظَّاهِر السُّلْطَان فِي آثَارهم ... يذري الرؤوس بِكُل عصب أَبتر)
(ذهب العجاج مَعَ النجيع بصقله ... فَكَأَنَّهُ فِي غمده لم يشهر)
(إِن شِئْت تمدحه فقف بإزائه ... مثلي غَدَاة الروع وانظم وانثر)
قلت هَذِه الأبيات الْأَرْبَع الَّتِي فِي آخر هَذِه الْقطعَة لم يروها لي الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان وَقد تقدّمت فِي تَرْجَمَة الظَّاهِر بيبرس الصَّالِحِي فِي حرف الْبَاء وَلكنهَا هُنَا أكمل وَفِي تَرْجَمَة الظَّاهِر أَيْضا أَبْيَات القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر البائية الَّتِي نظمها فِي قطع الظَّاهِر الْفُرَات
وَكتب نَاصِر الدّين بن النَّقِيب إِلَى بدر الدّين الحمداني الْمَذْكُور // (من الطَّوِيل) //
(أيوسف بدر الدّين وَالْحسن كُله ... ليوسف يعزى أَو إِلَى الْبَدْر ينْسب)
(أتيت أخيرا غير أَنَّك أول ... تعد من الْآحَاد شعرًا وتحسب)
(وَأحسن مَا فِي شعرك الْحر أَنه ... بِهِ لَيْسَ تستجدي وَلَا تتكسب)
ومولد بدر الدّين الْمَذْكُور سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة ووفاته رَحمَه الله تَعَالَى فِي حُدُود السَّبع مائَة
92 - أَبُو الْحسن الباخرزي يُوسُف ين صاعد الشَّيْخ أَبُو الْحسن الباخرزي ذكره(29/97)
الباخرزي فِي الدمية وَأثْنى عَلَيْهِ بِحسن لعب الشطرنج والنرد والكعاب وَالصَّيْد وَحسن المجالسة والآداب وَأورد لَهُ مجاراة بَينه وَبَين الباخرزي وَالِده أَعنِي الْحسن بن عَليّ الباخرزي وَالِد مُصَنف الدمية وَقَالَ وَمن لطائف مَا شاهدت من ذكاء خاطره أَنِّي كنت عِنْده بجوذقان أطالع كل صَبِيحَة من غرته قمرا زاهرا لألاء وأهز إِلَيّ من نخلته شَجرا يجني زهر اللألاء فَلَمَّا طَال مكثي لَدَيْهِ وَطول مقَام الْمَرْء فِي الْحَيّ مخلق لديباجتيه استأذنته فِي الِانْصِرَاف وَالْيَوْم يَوْم الْأَحَد فتمثل بقول الْقَائِل // (من الوافر) //
(وَفِي الْأَحَد الْبناء لِأَن فِيهِ ... تبدى الله فِي خلق السَّمَاء)
فَقلت وَأي مُنَاسبَة بَين استيذاني للصدر عَن هَذَا الفناء وَبَين يَوْم الْأَحَد وَذكر الْبناء فَقَالَ نَبْنِي على كسْرَى سَمَاء المدام يُشِير إِلَى قَول أبي نواس فِي قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(بنينَا على كسْرَى سَمَاء مدامة ... مكللة حافاتها بنجوم)
فتعجبت من جمعه بَين مَعْنيين متنافرين بِهَذَا الاستنباط اللَّطِيف واحتياله فِي ارتباطي ذَلِك الْيَوْم بِهَذَا الْعذر الظريف
93 - الدسكري يُوسُف بن صَالح بن يُوسُف أَبُو الْقَاسِم النَّحْوِيّ من أهل الدسكرة على طَرِيق خُرَاسَان كَانَ أديبا راوية للأشعار روى عَن أَبَوي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي وَمُحَمّد بن يحيى الصولي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرفه نفطويه وأبوي الْحسن عَليّ بن هَارُون بن المنجم وَأحمد بن جَعْفَر جحظة وَأبي الْقَاسِم بن عقيل الْوراق صَاحب ابْن مُجَاهِد الْمُقْرِئ وَغَيرهم وروى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله البيع الْحَافِظ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى السّلمِيّ وَأَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم الصَّدَفِي الْمروزِي وَمُحَمّد بن الْعَبَّاس العصيمي الْهَرَوِيّ ومحبوب بن عبد الرَّحْمَن المحبوبي
94 - السَّرقسْطِي يُوسُف بن عَابس الْمعَافِرِي من أهل سرقسطة أَبُو عمر كَانَ مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالْفضل مقدما على أهل مَوْضِعه عقلا وفهما وأدبا رَحل وَلَقي يحيى بن عمر وَغَيره قَالَ ابْن الفرضي ذكره ابْن الْحَارِث(29/98)
ابْن عبد الله
95 - ابْن بنْدَار الشَّافِعِي يُوسُف بن عبد الله بن بنْدَار أَبُو المحاسن الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قدم بَغْدَاد فِي صباه وتفقه بهَا على أسعد الميهني ولازمه وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَسَار إِلَى خُرَاسَان وَتكلم بَين يَدَيْهِ فِي الْمسَائِل وَكَانَ حسن الْعبارَة كثير الْمَحْفُوظ مقتدرا على قهر الْخُصُوم وَكَانَ سليم الْبَاطِن متدينا حسن الْعشْرَة درس مُدَّة بالمساجد ثمَّ بعدة مدارس وَولي التدريس بالنظامية سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة ثمَّ عزل عَنْهَا بعد أَيَّام وَمنع من الْفَتْوَى وألزم بَيته فَلَمَّا فرغت مدرسة ثِقَة الدولة بِبَاب الأزج جعل فِيهَا مدرسا ثمَّ أُعِيد إِلَى النظامية فدرس بهَا إِلَى أَن توفّي رحمهُ الله سنة ثلاثٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَت قد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب الشَّافِعِي وَسمع من أبي البركات هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ البُخَارِيّ وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز وَأبي مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز وَأبي سعد إِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم وَحدث باليسير
96 - الصَّحَابِيّ الْمدنِي يُوسُف بن عبد الله بن سَلام الْمدنِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوسُف وَأَجْلسهُ فِي حجره وَله رُؤْيَة وَرِوَايَة وَله حديثان حكمهمَا الْإِرْسَال وروى عَن عُثْمَان وَعلي وَأَبِيهِ وكنيته أَبُو يَعْقُوب وَمن حَدِيثه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ كسرة من خبز شعير وَوضع عَلَيْهَا تَمْرَة وَقَالَ هَذِه إدام ثمَّ أكلهَا وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة
97 - أَبُو عمر بن عبد الْبر يُوسُف بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبر بن عَاصِم الإِمَام أَبُو عمر النمري الْقُرْطُبِيّ الْعلم الْمَشْهُور مُحدث قرطبة ولد يَوْم الْجُمُعَة والخطيب على الْمِنْبَر لخمس بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة يَوْم الْجُمُعَة آخر يَوْم شهر ربيع الآخر
كَانَ فِي أول أمره ظاهري الْمَذْهَب ثمَّ رَجَعَ إِلَى القَوْل بِالْقِيَاسِ من غير تَقْلِيد أحد(29/99)
إِلَّا أَنه كَانَ يمِيل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي
وَطلب وتفقه وَلزِمَ أَبَا عمر أَحْمد بن عبد الْملك الإشبيلي الْفَقِيه وَلزِمَ ابْن الفرضي وَأخذ عَنهُ كثيرا وَكَانَ فِي الْمغرب مُدَّة ثمَّ إِنَّه تحول إِلَى شَرق الأندلس وَسكن دانية وبلنسية وشاطبة وَبهَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى
وروى عَن أبي الْقَاسِم خلف بن الْقَاسِم الْحَافِظ وَعبد الْوَارِث بن سُفْيَان وَسَعِيد بن نصر وَأبي مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن وَأبي عمر الْبَاجِيّ وَأبي عمر الطلمنكي وَأبي الْوَلِيد الْقُرْطُبِيّ وَغَيرهم قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أشياخه الَّذين روى عَنْهُم لَا يبلغون سبعين وَكتب إِلَيْهِ من أهل الْمشرق أَبُو الْقَاسِم السَّقطِي وَعبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن النّحاس الْمصْرِيّ وَغَيرهم وَكَانَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ يَقُول لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد الْبر فِي الحَدِيث وَقَالَ مرّة أَبُو عمر أحفظ أهل الْمغرب وَقَالَ ابْن حزم فِي فَضَائِل الأندلس وَذكر التَّمْهِيد لَا أعلم فِي الْكَلَام على فقه الحَدِيث مثله أصلا فَكيف أحسن مِنْهُ وتصانيفه كلهَا جَيِّدَة مِنْهَا كتاب الاستذكار وَهُوَ مُخْتَصر كتاب التَّمْهِيد كتاب الْكَافِي فِي فقه مَالك وَهُوَ خَمْسَة عشر كتابا يُغني عَن المصنفات الطوَال فِي مَعْنَاهُ وَكتاب الِاسْتِيعَاب فِي ذكر الصَّحَابَة وَكتاب الِاكْتِفَاء فِي قِرَاءَة نَافِع وَكتاب بهجة الْمجَالِس وَأنس الْمجَالِس وَكتاب جَامع بَيَان الْعلم وفضله وَكتاب التَّقَصِّي لحَدِيث الْمُوَطَّأ لمَالِك وَكتاب الإنباه عَن قبائل الروَاة وَكتاب الانتقاء لمذاهب الثَّلَاثَة الْعلمَاء مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَكتاب الْبَيَان فِي تِلَاوَة الْقُرْآن والأجوبة الموعبة والمعروفين بالكنى وَالْقَصْد والأمم فِي أَنْسَاب الْعَرَب والعجم وَأول من نطق بالغريب من الْأُمَم والشواهد فِي إِثْبَات خبر الْوَاحِد والاكتفا فِي الْقرَاءَات وَكتاب فرحة الْأَنْفس فِي أَخْبَار الأندلس والإنصاف فِيمَا فِي اسْم الله من الْخلاف والفرائض وَأَشْيَاء غير ذَلِك من الْكتب الصغار وَكَانَ معانا على التصنيف موفقا فِيهِ
وَمن شعره // (من الوافر) //
(أمنتحل النُّجُوم أحلتمونا ... على علم أدق من الهباء)
(عُلُوم الأَرْض مَا أحكمتموها ... فَكيف بكم إِلَى علم السَّمَاء)
قَالَ الْحميدِي وأنشدني لَهُ بعض أهل الْمغرب وَلم أسمع ذَلِك مِنْهُ // (من الطَّوِيل) //
(وَلابْن معِين فِي الرِّجَال مقَالَة ... تقدمه فِيهَا شريك وَمَالك)
(فَإِن يَك مَا قَالَاه سهلا وَاسِعًا ... فقد سهلت لِابْنِ معِين المسالك)(29/100)
98 - ابْن خيرون يُوسُف بن عبد الله بن خيرون الأندلسي قَالَ الْحميدِي أديب نحوي مَشْهُور روى عَن أَحْمد بن أبان بن سيد اللّغَوِيّ وروى عَنهُ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد غَانِم ابْن الْوَلِيد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي النَّحْوِيّ المالقي قَالَه أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الجزيري قَالَ وَأَخْبرنِي من حدث عَنهُ
99 - ابْن أبي زيد اللري يُوسُف بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن أبي زيد الأندلسي اللري الْأُسْتَاذ أَبُو عمر بن عياد كَانَ قد شرع فِي تذييل كتاب ابْن بشكوال وَله كتاب الْكِفَايَة فِي مَرَاتِب الرِّوَايَة والمرتضى فِي شرح الْمُنْتَقى لِابْنِ الْجَارُود وَذُو بهجة الْأَلْبَاب فِي شرح كتاب الشهَاب وَالْأَرْبَعُونَ حَدِيثا فِي النشر وأهوال الْحَشْر وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا فِي وظائف الْعِبَادَة والمنهج الرَّائِق فِي الوثائق وبهجة الْحَقَائِق فِي الزّهْد وَالرَّقَائِق وطبقات الْفُقَهَاء من عصر ابْن عبد الْبر إِلَى عصره توفّي شَهِيدا بِبَلَدِهِ عِنْد كبسة الْعَدو لَهَا فِي سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة
100 - الزجاجي يُوسُف بن عبد الله الزجاجي أَبُو الْقَاسِم أحد أهل البلاغة والبراعة واللغة والنحو والدراية قَالَ ياقوت أَظُنهُ طبريا وزمنه مُقَارن لزمن الصاحب بن عباد وَله تصانيف مِنْهَا كتاب شرح فصيح ثَعْلَب كتاب عُمْدَة الْكتاب كتاب اشتقاق أَسمَاء الرياحين كتاب مسَائِل الْخلاف فِي فعلت وأفعلت وَمَسْأَلَة الدِّيات صنفها لقابوس بن وشمكير كتاب اشتقاق كَلِمَات من أول كتاب غَرِيب المُصَنّف كتاب خلق الْإِنْسَان وَالْفرس قَالَ ياقوت وَرَأَيْت خطه على عدَّة كتب من كتبه وَقد قَرَأت عَلَيْهِ فِي سنة تسع وَأَرْبع مائَة
101 - الْهَادِي العبيدي يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف الْهَادِي بن العاضد بن الْحَافِظ بن الْمُسْتَنْصر بن الظَّاهِر بن الْحَاكِم العبيدي زعم أَن أمه خرجت بِهِ حَامِلا من قصر العاضد بِالْقَاهِرَةِ وولدته بالمغرب الْأَقْصَى فَنَشَأَ بَين البربر وَأحكم لسانهم وَقَرَأَ بمراكش وتأدب وَكَانَ يكتم نسبه خوفًا من بني عبد الْمُؤمن ثمَّ إِنَّه خرج إِلَى جِهَة فاس وَجعل يكثر الصَّلَوَات فِي الْأَمَاكِن الْمَقْصُودَة حَتَّى اشْتهر عِنْد النَّاس صَلَاحه وشاع بَينهم أَنه يطوي(29/101)
اللَّيْل وَالنَّهَار صوما لِأَنَّهُ لم ير يَوْمًا أَنه أكل ثمَّ إِنَّه جعل بَيت دَعوته فِي البرابر وَأظْهر نسبه واشتهر بالمغرب فَصَارَ يعرف بالعبيدي وسلك مَنْهَج الْمهْدي الإدريسي وَجعل لَهُ عشرَة كعشرة الصَّحَابَة يعْتَمد عَلَيْهِم وهم خاصيته وحروب العربيدي بالمغرب مَشْهُورَة وَآل أمره إِلَى أَن حصر مَدِينَة فاس وَكسر جموعهم مرّة بعد مرّة وَكَاد يَأْخُذ الْبَلَد فَقَالَ ابْن جَامع وَزِير نَاصِر بني عبد الْمُؤمن لَيْسَ الرَّأْي أَن نجهز إِلَى هَذَا الرجل جَيْشًا بعد جَيش يكسر بَعضهم وَرُبمَا لَا يكسرونه وَلَكِن الرَّأْي أَن نسير إِلَى الْعشْرَة الَّذين اختصهم من أَصْحَابه عشرَة آلَاف دِينَار فَإِنَّهُم يأتوننا بِرَأْسِهِ فعندما وصل المَال إِلَى أُولَئِكَ الْقَوْم قبضوا عَلَيْهِ وجاؤوا بِهِ إِلَى مَدِينَة فاس أَسِيرًا فَقَالَ أبياته الْمَشْهُورَة // (من الطَّوِيل) //
(لحى الله قوما ضيعوني بَعْدَمَا ... بدا لَهُم برق من المَال خلب)
(وَلَو أَنهم أَبقوا حشاشة مهجتي ... لَكَانَ لَهُم فَوق الَّذِي فِيهِ رَغِبُوا)
(وَلَا شهروا بالغدر فِي كل مَوضِع ... وسارت بهم أمثالهم وَهِي تضرب)
وَمن شعره قبل خُرُوجه // (من الْخَفِيف) //
(إِن تركنَا الورى وَمَا هم عَلَيْهِ ... تركونا أحرس ذل وفقر)
(أَو دعت حَاجَة السُّؤَال إِلَيْهِم ... نهرونا عَن كل نهر وبحر)
(فَلهَذَا نَخُوض فِي الْمَوْت خوضا ... نَحْو نيل المنى ورفعة قدر)
وَكَانَ شهما قوي النَّفس لما أحضرهُ القانصون لَهُ بَين يَدي ملك فاس إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن قَامَ إِلَيْهِ شاهرا سَيْفه ليضْرب عُنُقه فَقَالَ لَهُ الْهَادِي إِلَيْك عني لَا تدن ثَوْبك من ثوبي فَإنَّك نجس بل افْعَل من بعيد مَا شِئْت فَضَربهُ ضَرْبَة أبان بهَا رَأسه
102 - ابْن موهب الأندلسي يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أَيُّوب بن موهب أَبُو الْحجَّاج الفِهري الأندلسي الداني وَقيل الشاطبي نزيل بلنسية كَانَ إِمَامًا فِي معرفَة الشُّرُوط كَاتبا بليغا شَاعِرًا كتب للقضاة وناب للحكام توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
وَمن شعره // (من الطَّوِيل) //
(أَبى الله إِلَّا أَن أُفَارِق منزلا ... يطالعني وَجه المنى فِيهِ سافرا)
(كَأَن على الأقدار أَن لَا أحله ... يَمِينا فَمَا أغشاه إِلَّا مُسَافِرًا)(29/102)
وأنشده الرصافي فِي صفة فَتى نهد إِلَى الْحَرْب وَفِي يَده حراب قد قبض علها وَفِي الْأُخْرَى درقة // (من الْبَسِيط) //
(يسْعَى وصعب من الأرماح ... فِي يَده لوقود حَرْب محتطب)
(بِحَيْثُ للمط آذان مصمخة ... تصادق الطعْن فِي آذانها كذب)
فَقَالَ الفِهري فِي ذَلِك // (من الْبَسِيط) //
(يسْعَى نَحْو نَار الْحَرْب تحمل كَفه ... من الذابلات السمر ضغثا كحاطب)
(بِحَيْثُ ارتدى فِي مسمع اللمط حَيَّة ... يرى الطعْن فِيهَا صَادِقا مثل كَاذِب)
103 - ابْن شكر الْمَالِكِي يُوسُف بن عبد الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن هُوَ ابْن الْوَزير صفي الدّين بن شكر الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي تقدم ذكر وَالِده فِي مَكَانَهُ وتفقه وَلَده هَذَا وبرع فِي الْأَدَب ودرس بمدرسة الصاحب وَالِده وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وست مائَة
104 - قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الزواوي الْمَالِكِي يُوسُف بن عبد الله بن عمر قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو يَعْقُوب الزواوي الْمَالِكِي وَهُوَ بكنيته أشهر ولي الْقَضَاء بعد ابْن عَمه الشَّيْخ زين الدّين الزواوي وَتُوفِّي رَحمَه الله بطرِيق الْحَج هُوَ وَنجم الدّين البادراني وَبَقِي الْقَضَاء بعده شاغرا ثَلَاث سِنِين ووفاته فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وست مائَة
105 - بدر الدّين الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ يُوسُف بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَطاء بن حسن بدر الدّين أَبُو المحاسن الْعدْل ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْأَذْرَعِيّ الْحَنَفِيّ الصَّالِحِي كَانَ فَقِيها فَاضلا مهيبا ولد سنة تسع عشرَة وست مائَة وَسمع من ابْن الزبيدِيّ وجمال الدّين الحصيري وَحدث عَنهُ ابْن الخباز وَتُوفِّي سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
106 - جلال الدّين النابلسي الشَّافِعِي يُوسُف بن أبي عبد الله بن يُوسُف بن سعد جلال الدّين أَبُو المحاسن النابلسي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قَاض مفت ولد قبل الْأَرْبَعين وست مائَة وَتُوفِّي فِي حُدُود عشر وَسبع مائَة وَسمع من عَمه خَالِد الْحَافِظ ومجد الدّين الإِسْفِرَايِينِيّ والمرسي وَشَيخ الشُّيُوخ وَطَائِفَة وَأم بالشامية وَأعَاد بهَا وَعرف بجودة(29/103)
النَّقْل وَولي قَضَاء بعلبك ثمَّ نابلس ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى بعلبك وَكَانَ دينا حميد الْأَحْكَام حدث بِدِمَشْق وبعلبك
107 - جمال الدّين النيني يُوسُف بن عبد الله بن عبد الله الْفَقِيه الْفَاضِل جمال الدّين النيني الشَّافِعِي أول من عرفت من حَاله أَنه أَتَى من قري نين إِلَى صفد فَقَرَأَ بهَا الْمِنْهَاج وَحفظه وَقَرَأَ الْمُخْتَصر لِابْنِ الْحَاجِب وَكَانَ يقْرَأ الحَدِيث بالجامع الظَّاهِرِيّ وَبِغَيْرِهِ ويؤم بِمَسْجِد [] كَانَ شكلا طوَالًا طيب النغمة ذكيا قَادِرًا على الْحِفْظ وَأقَام بصفد قَلِيلا ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى طرابلس لمعْرِفَة كَانَت بَينه وَبَين قاضيها القَاضِي حسام الدّين الْعَرَبِيّ فِي صفد وَأقَام بهَا وأثرى وَحسنت حَاله وشاع أَنه حصل دنيا وَاسِعَة وَسَأَلت وَلَده عَن ذَلِك فأقسم بِاللَّه بِأَنَّهُ مَا ترك درهما وَلَا دِينَارا وَكَانَ لم يخلف غير ثِيَاب بدنه ومجلدات تَركهَا لَا غير وَكَانَ قد حج فِي سنة خمس وَخمسين وَسبع مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي رَابِع ربيع الأول سنة سبع وَخمسين وَسبع مائَة ووصى أَن لَا يُبَاع شَيْء من قماشه وَلَا من كتبه بطرابلس فَتوجه ابْنه بثيابه إِلَى حماه وباعها هُنَاكَ وأحضر كتبه إِلَى دمشق وَلم تكن بطائل عتيقة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى وَقد تجَاوز السِّتين
ابْن عب الرَّحْمَن
108 - أَمِير الأندلس يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن أبي عُبَيْدَة أَمِير الأندلس هَزَمه عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الدَّاخِل إِلَى الأندلس وتغلب عَلَيْهَا توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يُوسُف هَذَا فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَالْمِائَة
109 - محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْجَوْزِيّ هُوَ الصاحب الْعَلامَة محيي الدّين أَبُو المحاسن ابْن الإِمَام جمال الدّين الْوَاعِظ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ أستاذ دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم ولد سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة
تفقه وَسمع الْكثير وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا وصدرا مُعظما عَارِفًا بِالْمذهبِ كثير الْمَحْفُوظ حسن الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم مليح الْوَعْظ حُلْو الْعبارَة ذَا سمت ووقار وجلالة وَحُرْمَة(29/104)
وافرة درس وَأفْتى وصنف وروسل بِهِ إِلَى الْأَطْرَاف وَرَأى من الْعِزّ وَالْإِكْرَام والاحترام من الْمُلُوك شَيْئا كثيرا وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة محببا إِلَى الرّعية ولي الْأُسْتَاذ دارية بضع عشرَة سنة
قَالَ الدمياطي قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الوفا فِي فَضَائِل الْمُصْطَفى لِأَبِيهِ وَغَيره وأنشدني لنَفسِهِ وَأَجَازَ لي بجائزة جليلة من الذَّهَب
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ضربت عُنُقه بمخيم التتار هُوَ وَأَوْلَاده تَاج الدّين عبد الْكَرِيم وجمال الدّين الْمُحب وَشرف الدّين عبد الله فِي شهر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة
وَكَانَ قد شهد عِنْد قَاضِي الْقُضَاة ابْن الدَّامغَانِي فَقبله وولاه الْحِسْبَة بِمَدِينَة السَّلَام وَالنَّظَر فِي الْوَقْف الْعَام ثمَّ عزل عَن الْحِسْبَة وعزل عَن نظر الْوَقْف وَمنع من الْجُلُوس بِبَاب التربة وَبَاب بدر وَلزِمَ منزله إِلَى أَن أُعِيد إِلَى الْحِسْبَة وَأذن لَهُ فِي الدُّخُول على الْأَمِير أبي نصر بن النَّاصِر وَسَمَاع مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل مَعَ الْجَمَاعَة فَحصل لَهُ الْأنس فَلَمَّا توفّي الإِمَام النَّاصِر أَمر ابْن الْجَوْزِيّ بِغسْلِهِ فَغسله ثمَّ إِن الإِمَام الظَّاهِر أرْسلهُ إِلَى مصر لإفاضة الْخلْع على الْملك النَّاصِر فوصلها وَعَاد وَقد توفّي الإِمَام الظَّاهِر وَقَامَ مَكَانَهُ وَلَده الإِمَام الْمُسْتَنْصر فَأرْسلهُ مَرَّات إِلَى الشَّام وَإِلَى مصر وَإِلَى بِلَاد الرّوم وشيراز وحصلت لَهُ النِّعْمَة الطائلة والمكانة عِنْد الْمُلُوك وَلما فرغت الْمدرسَة المستنصرية جعل بهَا مدرسا للحنابلة وَكَانَ إِذا سَافر استناب وَلَده فِي التدريس والحسبة وَترك الْوَعْظ وَلم يعْقد مَجْلِسا بعد ذَلِك
وَتُوفِّي وَالِده وَله سبع عشرَة سنة فَأذن لَهُ بِالْجُلُوسِ للوعظ على عَادَة أَبِيه بِبَاب تربة الْجِهَة أم الإِمَام النَّاصِر وخلع عَلَيْهِ الْقَمِيص والعمامة وَجعل على رَأسه طرحة وَحضر يَوْم الْجُمُعَة فِي حَلقَة وَالِده بِجَامِع الْقصر وَعِنْده الْفُقَهَاء للمناظرة وَنُودِيَ لَهُ فِي الْجَامِع بِالْجُلُوسِ فحضره الْخَلَائق وَتكلم فأجاد ثمَّ إِنَّه أذن لَهُ فِي الْجُلُوس بِبَاب بدر الشريف فِي بكرَة كل يَوْم ثلاثاء فَبَقيَ على ذَلِك مُدَّة ينشد فِي كل مجْلِس قصيدة من شعره يمدح بهَا الإِمَام
وَلما أَقَامَ عَسْكَر الشَّام فِي أَيَّام النَّاصِر بن الْعَزِيز مُجَردا على تل العجول قبالة عَسْكَر مصر وتجاوزت مُدَّة إقامتهم السّنة وأشاعوا أَن الباذرائي رَسُول الْخَلِيفَة وَاصل ليصلح بَين الْفَرِيقَيْنِ فَأَبْطَأَ وَكَثُرت الْأَقَاوِيل فِي ذَلِك فَقَالَ شهَاب الدّين غَازِي بن إياز الْمَعْرُوف بِابْن المعمار أحد المفاردة المجردين صُحْبَة الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور حاجبا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ // (من الوافر) //
(يذكرنَا زمَان الزّهْد ذكرى ... زمَان اللَّهْو فِي تل العجول)(29/105)
(ونطلب مُسلما يروي حَدِيثا ... صَحِيحا من أَحَادِيث الرَّسُول)
وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل بِمصْر فَقيل إِن محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ يصل رَسُولا من الْخَلِيفَة وَتَأَخر حُضُوره فَقَالَ صَلَاح الدّين الإربلي // (من الْكَامِل) //
(قَالُوا الرَّسُول أَتَى وَقَالُوا إِنَّه ... مَا رام يَوْمًا عَن دمشق نزوحا)
(ذهب الزَّمَان وَمَا ظَفرت بِمُسلم ... يروي الحَدِيث عَن الرَّسُول صَحِيحا)
وَلما وصل محيي الدّين الْمَذْكُور إِلَى حلب رَسُولا من أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وصاحبها الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي توفّي الْعَزِيز رَحمَه الله فِي شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ توجه إِلَى الرّوم رَسُولا فَمَاتَ الْملك علاي الدّين كيقباد فِي شَوَّال من السّنة ثمَّ توجه رَسُولا إِلَى الْأَشْرَاف مُوسَى بن الْعَادِل صَاحب دمشق وأخيه الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل صَاحب مصر فَتوفي الْأَشْرَف فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي الْكَامِل فِي شهر رَجَب من السّنة وَكِلَاهُمَا مَاتَ بِدِمَشْق فنظم أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن الأرشد فِي ذَلِك // (من الْخَفِيف) //
(دَعْوَة يَا خَليفَة الله لَا انجاب ... عَن الْخلق مِنْك ظلّ ظَلِيل)
(يَا إِمَام الْهدى أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور ... يَا من لَهُ الفخار الأثيل)
(مَا جرى من رَسُولك الشَّيْخ محيي الدّين ... فِي هَذِه الْبِلَاد قَلِيل)
(جَاءَ وَالْأَرْض بالسلاطين تزهى ... فغدا والقصور مِنْهُم طلول)
(أقفر الرّوم والشآم ومصر ... أَفَهَذَا مغسل أَو رَسُول؟)
110 - الْمزي الْحَافِظ يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك بن أبي الزهر الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حَافظ الْعَصْر ومحدث الشَّام ومصر جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج الْقُضَاعِي الْكَلْبِيّ الْمزي الْحلَبِي المولد خَاتِمَة الْحفاظ ناقد الْأَسَانِيد والألفاظ مولده بِظَاهِر حلب فِي عَاشر شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وست مائَة وَطلب الحَدِيث فِي أول سنة خمس وَسبعين وهلم جرا وَإِلَى آخر وَقت لَا يفتر وَلَا يقصر عَن الطّلب وَالِاجْتِهَاد وَالرِّوَايَة توفّي فِي ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة من الْغَد(29/106)
سمع من أَصْحَاب ابْن طبرزد والكندي وَابْن الحرستاني وحنبل ثمَّ ابْن ملاعب والرهاوي وَابْن الْبَنَّا ثمَّ ابْن أبي لقْمَة وَابْن البن وَابْن مكرم والقزويني ثمَّ ابْن اللتي وَابْن صباح وَابْن الزبيدِيّ وأعلاما سمع بِإِجَازَة عَن ابْن كُلَيْب وَابْن بوش وَالْجمال وخليل ابْن بدر والبوصيري وأمثالهم ثمَّ الْمُؤَيد الطوسي وزاهر الثَّقَفِيّ وَعبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَسمع الْكتب الْأُمَّهَات المسندة والكتب السّنة والمعجم الْكَبِير وتاريخ الْخَطِيب وَالنّسب للزبير والسيرة والموطأ من طرق والزهد والمستخرج على مُسلم والحلية وَالسّنَن للبيهقي وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَأَشْيَاء يطول ذكرهَا وَمن الْأَجْزَاء ألوفا ومشيخته نَحْو الْألف سمع أَبَا الْعَبَّاس ابْن سَلامَة وَابْن أبي عمر وَابْن عَلان وَالشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ والزواوي والكمال عبد الرَّحْمَن والعز الْحَرَّانِي وَابْن الدرجي وَالقَاسِم الإربلي وَابْن الصَّابُونِي والرشيد العامري وَمُحَمّد بن القواس وَالْفَخْر بن البُخَارِيّ وَزَيْنَب وَابْن شَيبَان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مَنَاقِب وَإِسْمَاعِيل بن الْعَسْقَلَانِي وَالْمجد بن الخليلي والعماد بن الشِّيرَازِيّ والمحيي بن عصرون وَأَبا بكر بن الْأنمَاطِي والصفي خَلِيلًا وغازيا الحلاوي والقطب بن الْعَسْقَلَانِي وطبقتهم والدمياطي شرف الدّين والفاروثي واليونيني وَابْن بلبان والشريشي وَابْن دَقِيق الْعِيد والظاهري والتقي الأسعردي وطبقتهم وتنازل إِلَى طبقَة سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَابْن نَفِيس وَابْن تيمة وَلم يتهيأ لَهُ السماع من ابْن عبد الدَّائِم وَلَا الْكرْمَانِي وَلَا ابْن أبي السِّرّ وَنَحْوهم وَلَا أَجَازُوا لَهُ مَعَ إِمْكَان أَن تكون لَهُ إجَازَة المرسي وَالْمُنْذِرِي وخطيب مردا واليلداني وَتلك الحلبة
وَحفظ الْقُرْآن وعني باللغة فبرع فِيهَا وَلم أر فِيهَا مثله وَمثل الشَّيْخ أثير الدّين وأتقن النَّحْو والتصريف وَلما ولي دَار الحَدِيث الأشرفية تمذهب للشَّافِعِيّ وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَسبع مائَة وَفِي هَذَا النَّهَار ذكر الدَّرْس بالأشرفية وَكَانَ فِيهِ حَيَاء وسكينة وحلم وَاحْتِمَال وقناعة واطراح تكلّف وَترك التجمل والتودد والانجماع عَن النَّاس وَقلة كَلَام غلا أَن يسْأَل فيجيب ويجيد وَكلما طَالَتْ مجالسة الطَّالِب لَهُ ظهر لَهُ فَضله لَا يتكثر بفضائله كثير السُّكُوت لَا يغتاب أحد قَرَأت عَلَيْهِ خطب ابْن نباتة وَأَرْبَعين النواوي وَغير ذَلِك وَسمعت عَلَيْهِ كثيرا وَسمع شَيْئا من شعري بدار الحَدِيث وَكَانَ معتدل الْقَامَة مشربا بحمرة قوي التَّرْكِيب متع بحواسه وذهنه وَكَانَ قنوعا غير متأنق فِي ملبس أَو مأكل أَو مركب أَو نعل يصعد إِلَى الصالحية وَغَيرهَا مَاشِيا وَهُوَ فِي عشر التسعين وَكَانَ ريض الْأَخْلَاق يستحم بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي الشيخوخة إِلَّا أَنه كَانَ قد امتحن بالمطالب وتتبعها فيعثر بِهِ من الشَّيَاطِين فَيَأْكُلُونَ مَا مَعَه وَلَا يزَال فِي فقر(29/107)
لأجل ذَلِك
وَأما معرفَة الرِّجَال فإليه تشد الرّحال فَإِنَّهُ كَانَ الْغَايَة وحامل الرَّايَة لما ولي دَار الحَدِيث قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية لم يل هَذِه الْمدرسَة من حِين بنائها وَإِلَى الْآن أَحَق بِشَرْط الْوَاقِف مِنْهُ وَقد وَليهَا جمَاعَة كبار مثل ابْن الصّلاح ومحيي الدّين وَابْن الزبيدِيّ لِأَن الْوَاقِف قَالَ فَإِن اجْتمع من فِيهِ الرِّوَايَة وَمن فِيهِ الدِّرَايَة قدم من فِيهِ الرِّوَايَة وَلَقَد سمعنَا صَحِيح مُسلم على الْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ حَاضر رَحمَه الله وَابْن طغريل يقْرَأ وعدة نسخ صَحِيحَة يُقَابل بهَا فَيرد الشَّيْخ جمال الدّين عَلَيْهِ اللَّفْظ فَيَقُول ابْن طغريل مَا فِي النُّسْخَة إِلَّا كَمَا قَرَأت فيقولا من فِي يَده بعض تِلْكَ النّسخ الصَّحِيحَة هُوَ عِنْدِي كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَو هُوَ مظفر عَلَيْهِ أَو مضب أَو فِي الْحَاشِيَة تَصْحِيح ذَلِك وَلما كثر ذَلِك قلت لَهُ مَا النُّسْخَة الصَّحِيحَة إِلَّا أَنْت قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم أر أحفظ مِنْهُ وَلَا رأى هُوَ مثل رَأْي نَفسه وَقَالَ لم أر أحفظ من الدمياطي قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم يسألني ابْن دَقِيق الْعِيد إِلَّا عَنهُ وَكَانَ قد اغْترَّ فِي شبيبته وَصَحب عفيف الدّين التلمساني فَلَمَّا تبين لَهُ ضلاله هجره وتبرأ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ يترخص فِي الْأَدَاء من غير أصُول وَيصْلح كثيرا من حفظه ويتسامح فِي دمج القارئين ولغط السامعين ويتوسع فَكَأَنَّهُ يرى أَن الْعُمْدَة على إجَازَة المسمع للْجَمَاعَة وَله فِي ذَلِك مَذَاهِب عَجِيبَة وَكَانَ يتَمَثَّل بقول ابْن مندة يَكْفِيك من الحَدِيث شمه صنف كتاب تَهْذِيب الْكَمَال فِي أَرْبَعَة عشر مجلدا كشف بِهِ الْكتب الْمُتَقَدّمَة فِي هَذَا الشَّأْن وسارت بِهِ الركْبَان واشتهر فِي حَيَاته وَألف كتاب الْأَطْرَاف للكتب السِّتَّة فِي سِتَّة أسفار وَخرج لجَماعَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلَا عَلمته خرج لنَفسِهِ لَا عوالي وَلَا موافقات وَلَا معجما وكل وَقت ألومه فِي ذَلِك فيسكت وَقد حدث ب تهذيبه الَّذِي اخْتَصَرَهُ الشَّيْخ شمس الدّين خمس مَرَّات وَحدث ب الصَّحِيحَيْنِ مَرَّات وب الْمسند وب مُعْجم الطبراين وب دَلَائِل النُّبُوَّة وبكتب جمة وَحدث بِسَائِر أَجْزَائِهِ الْعَالِيَة وبكثير من النَّازِلَة وَمَعَ إتقانه لأسماء الرِّجَال وَله فِيهَا هَذَا التصنيف الْعَظِيم لم يكن يعتني بتراجم الْعلمَاء من الْخُلَفَاء والملوك والأمراء والوزراء والقضاة وَالْعُلَمَاء والقراء والأطباء وَالشعرَاء وَلَا لَهُ فِيهَا مُشَاركَة أَلْبَتَّة وَإِنَّمَا كَانَ يعتني بِرِجَال الحَدِيث لَا غير وَلَقَد سَأَلته عَن القالي بِالْقَافِ والفالي بِالْفَاءِ فَقَالَ لَا أعرف إِلَى الفالي بِالْفَاءِ فَعلمت أَنه لَيْسَ لَهُ عناية بِغَيْر الروَاة للْحَدِيث وَإِلَّا فَأَبُو عَليّ القالي بِالْقَافِ مَشْهُور بَين الأدباء مَعْرُوف لَا يكَاد يجهله أحد من صغَار الأدباء وَلَكِن عِنْدِي مِنْهُ فَوَائِد وقواعد فِي أَسمَاء وَرِجَال الحَدِيث لم أَجدهَا وَلم آخذها من غَيره وَكَانَ أَسمَاء الروَاة الَّذين يجيئون فِي سماعاته وطرقه يجيد الْكَلَام فِي طبقاتهم وأحوالهم وقوتهم ولينهم وَهَذَا بَحر لَا يشق ثبجه وغبار لَا(29/108)
انحطاط لقتامه وَلم أر بعد الشَّيْخ فتح الدّين من يحكم بدقيق الْأَجْزَاء وترميمها مثل الشَّيْخ جمال الدّين رَحمَه الله وَلم يستعر مني شَيْئا وَأَعَادَهُ إِلَّا وَقد نبه فِيهِ على نُكْتَة كنت مُحْتَاجا إِلَيْهَا حَتَّى فِي إجَازَة الشَّيْخ فتح الدّين لي وَقد حج وَسمع بالحرمين والقدس ودمشق ومصر وحلب وحماه ومحص وبعلبك والإسكندرية وبلبيس وقطيا وَغير ذَلِك وأوذي مرّة واختفى مُدَّة من أجل سَمَاعه التَّارِيخ الْخَطِيب وأوذي مرّة أُخْرَى لقِرَاءَة شَيْء من كتاب أَفعَال الْعباد مِمَّا يتأوله الْفُضَلَاء المخالفون وَحبس وَلما توفّي ابْن أبي الْفَتْح حصل لَهُ من جهاته حَلقَة الْحَضَر والْحَدِيث بالناصرية فأضاء حَاله واتسع رزقه ثمَّ ولي دَار الحَدِيث الأشرفية سنة ثَمَانِي عشرَة وَسبع مائَة بعد ابْن الشريشي ثمَّ فِيمَا بعد ترك الْحلقَة وَأخذت مِنْهُ الناصرية ثمَّ نزل عَن العزية لصَاحبه نجم الدّين قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَأَعْلَى مَا عِنْده مُطلقًا بالغيلانيات وجزء ابْن عَرَفَة وَابْن الْفُرَات بِإِجَازَة سمع مِنْهُ شمس الدّين أَربع وَسبعين وَأخذ عَنهُ صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره واستملى مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ وقاضي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة وَالشَّيْخ فتح الدّين بن سيد النَّاس ومحب الدّين وَأَوْلَاده وشمس الدّين السرُوجِي وَابْن الدمياطي وَابْن عبد الْهَادِي وَابْن السفاقسي وتقي الدّين بن رَافع وسبط التنسي وخلائق وَتخرج بِهِ جمَاعَة كالبرزالي والعلائي وَابْن كثير وَابْن عبد الْهَادِي وَابْن الْعَطَّار وَابْن الْفَخر وَابْن الجعبري وَغَيرهم قَالَ شمس الدّين قَرَأت بِخَط أبي الْفَتْح الْحَافِظ قَالَ وَوجدت بِدِمَشْق الإِمَام الْمُقدم والحافظ الَّذِي فاق من تَأَخّر من أقرانه وَتقدم أَبَا الْحجَّاج الْمزي بَحر هَذَا الْعلم الزاخر الْقَائِل من رَآهُ كم ترك الْأَوَائِل للأواخر أحفظ النَّاس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لَا يخص بمعرفته مصرا دون مصر وَلَا ينْفَرد علمه بِأَهْل عصر دون عصر مُعْتَمدًا آثَار السّلف الصَّالح مُجْتَهدا فِيمَا نيط بِهِ فِي حفظ السّنة من النصائح معرضًا عَن الدُّنْيَا وأشباهها مقبل على طَرِيقَته الَّتِي أربى بهَا على أَرْبَابهَا لَا يُبَالِي بِمَا ناله من الْأَزَل وَلَا يخلط جده بِشَيْء من الْهزْل وَكَانَ بِمَا يصنعه بَصيرًا وبتحقيق مَا يَأْتِيهِ جَدِيرًا وَهُوَ فِي اللُّغَة إِمَام وَله بالقريض إِلْمَام وَكنت أحرص على فَوَائده لأحرز مِنْهَا مَا أحرز وأستفيد من حَدِيثه الَّذِي إِن طَال لم يملل وَإِن أوجز وددت أَنه لم يوجز وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وسرد أَبُو الْفَتْح فصلا فِي تقريظ ابْن تَيْمِية
111 - أَبُو الْحجَّاج الأقصري يُوسُف بن عبد الرَّحِيم بن غزي الْقرشِي الشَّيْخ الْعَارِف الزَّاهِد أَبُو الحجاح الأقصري شيخ الزَّمَان وَوَاحِد الأوان صَاحب الكرامات(29/109)
والمكاشفات الْمَعْرُوفَة أحد من ينْتَفع النَّاس ببركته وَصَالح دعواته تَابَ على يَدَيْهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ أنْشد كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي فِي تَرْجَمته بعد تقريظه وَالثنَاء عَلَيْهِ // (من الطَّوِيل) //
(فَقل لفتى قد رام فِي الْعَصْر مثله ... يَمِينا بِرَبّ النَّاس لست بواجد)
(وَمن ذَا يضاهي حسن يُوسُف فِي الورى ... وَيُؤْتى الَّذِي ناله من محامد)
وَكَانَ لما تجرد قد توجه إِلَى شَيْخه عبد الرَّزَّاق ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه وَتخرج عَلَيْهِ سَادَات كالشيخ عَليّ من الأفوا وَالشَّيْخ عَليّ بن بدر وَالشَّيْخ شماس السفطي وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الغاوي والبرهان الْكَبِير والبدر الدِّمَشْقِي وَالشَّيْخ مفرج ونظرائهم وَكَانَ مشارف الدِّيوَان أَولا ثمَّ تجرد وَصَحب عبد الرَّزَّاق التينملي تلميذ الشَّيْخ أبي مَدين
وَكَانَت كراماته كَثِيرَة وَلَكِن جهال أَتْبَاعه أطنبوا وَزَادُوا فَجعلُوا لَهُ معراجا لَيْلَة نصف شعْبَان من كل سنة واتخذوه فِي الصَّعِيد كل سنة كالعيد تَأتي إِلَيْهِ الْخَلَائق من العوالي ويبذل فِيهِ الْعَزِيز الغالي وتحضر الدفوف والشبابات ويختلط الرِّجَال بالنسوان وَكَانَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة وَله كَلَام يشْهد لَهُ بالمعرفة والدراية توفّي رَضِي الله عَنهُ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة وقبره مَشْهُور بالأقصر يزار من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ألف مَوَاقِف كمواقف النفري قَالَ أَبُو مر المرابطي وَفَاته على لوح قَبره سنة أَربع
112 - ابْن الْمَاجشون يُوسُف بن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون تقدم ذكر أَبِيه فِي حرف الْعين مَكَانَهُ قَالَ الْوَاقِدِيّ الْمدنِي أَبُو سَلمَة مولى آل الْمُنْكَدر التَّيْمِيّ قَالَ ابْن معِين كُنَّا نأتي يُوسُف بن الْمَاجشون يحدثنا وجواريه فِي بَيت آخر يضربن بالمعزفة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أهل الْمَدِينَة معروفون بالرخص فِي الْغناء وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة سوى أبي دَاوُد
113 - اللَّخْمِيّ الميورقي يُوسُف بن عبد الْعَزِيز عَليّ بن نَادِر أَبُو الْحجَّاج اللَّخْمِيّ الميورقي الْفَقِيه سمع صَحِيح مُسلم بِمَكَّة من الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ من عَليّ بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ النقاش وتفقه بِبَغْدَاد على الكيا الهراسي واستوطن الْإسْكَنْدَريَّة(29/110)
ودرس الْفِقْه وروى الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ عَارِفًا بالأصول متفننا بارعا لَهُ تعليقة فِي الْخلاف مَعْرُوفَة قَالَ ابْن الْأَبَّار هُوَ أحيى علم الحَدِيث بالإسكندرية وروى عَنهُ السّلف وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخمْس مائَة
114 - ابْن المرصص يُوسُف بن عبد الْعَزِيز بن شَدَّاد الهمذاني الْمصْرِيّ علم الدّين أَبُو المحاسن بن المرصص توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بحماه وَقيل بحلب وَهُوَ الصَّحِيح سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وست مائَة قَالَ عماد الدّين أَبُو الْفَتْح عمر بن شعْبَان الْحَمَوِيّ دخلت على الْعلم فِي مرض مَوته فَوَجَدته مَسْرُورا فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ أَنا الْيَوْم طيب فَقلت مَا سَبَب ذَلِك فَقَالَ تبرمت أمس من طول هَذَا الْمَرَض وشكوت إِلَى رَبِّي ذَلِك ونمت البارحة فَرَأَيْت فِي مَنَامِي قَائِلا يَقُول مَا تَسْتَحي تَشْكُو وَأَنت الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //
(إِذا لم تكن تنهي إِلَى غَيْرك الشكوى ... فَمَا ثمَّ إِلَّا الصَّبْر فِيك على الْبلوى)
(وَإِنِّي إِن أتلفت بالهجر مهجتي ... لأرضى الَّذِي ترْضى وأهوى الَّذِي تهوى)
وَمَات بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام
وَمن شعره // (من الْخَفِيف) //
(قربت دَارنَا وَلم يفد الْقرب ... اجتماعا فَلَا أَذمّ البعادا)
(كَانَ ذَاك البعاد أروح للقلب ... لِأَن الغرام بِالْقربِ زادا)
115 - العلاف يُوسُف بن عبد الْغَالِب بن هِلَال الإسْكَنْدراني العلاف كَانَ عاميا وَلَكِن لَهُ النّظم الحلو روى عَنهُ الْفُضَلَاء وَكَتَبُوا شعره توفّي فِي بَلَده سنة عشْرين وَسبع مائَة وَمن شعره // (من الطَّوِيل) //
(وخضراء لَا الْحَمْرَاء تفعل فعلهَا ... لنا وثبات فِي الحشى وثبات)
(تؤجج نَارا وَهِي فِي الْعين جنَّة ... وتعطيك طعم المر وَهِي نَبَات)
وَمِنْه فِي حائك // (من السَّرِيع) //
(كم قلت للحائك الظريف وَفِي ... رَاحَته طَاقَة يخلصها)
(هَل فِي فِي رد مهجة لفتى ... لَيْسَ لَهُ طَاقَة يخلصها)
116 - ابْن المطجن يُوسُف بن عبد اللَّطِيف بن يُوسُف شرف الدّين أَبُو الْفضل(29/111)
ابْن الْحَكِيم موفق الدّين الْبَغْدَادِيّ الأَصْل الْمصْرِيّ الْوَفَاة سمع أَبَاهُ وَابْن اللتي وَحدث بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ متوسط الْفَضِيلَة وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وست مائَة تغمده الله رَحمته
117 - تَقِيّ الدّين الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ يُوسُف بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة بن سرُور بن رَافع بن حسن الْفَقِيه تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي النابلسي الْحَنْبَلِيّ سمع وتفقه على الشَّيْخ الْمُوفق وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَكَانَ إِمَام الْجَامِع الغربي بنابلس وَفِيه دين وَخير وَعبادَة كتب عَنهُ الْحَافِظ ابْن الْحَاجِب وَغَيره وتوفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وست مائَة
118 - أَمِير الْمُسلمين صَاحب الْمغرب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ السُّلْطَان أَمِير الْمُسلمين صَاحب الْمغرب أَبُو يَعْقُوب كَانَ أَصْغَر إخْوَته سنا وَلَكِن قَدمته النجابة والسعادة وَكَانَ ولي عهد عبد الْمُؤمن وَلَده مُحَمَّد الْأَكْبَر لَكِن اجْتمع بَنو عبد الْمُؤمن بعد موت أَبِيهِم فَمَال وَلَده عَليّ إِلَى الْوَفَاء بِعَهْد مُحَمَّد وَمَال أَبُو حَفْص عمر إِلَى مبايعة يُوسُف وَقَالَ إِن مُحَمَّدًا ضَعِيف لَا يقوم بِالْأَمر فتشاجرا حَتَّى آل الْأَمر إِلَى أَن تضاربا فَضرب أَبُو حَفْص أَخَاهُ عليا فِي حَلقَة بمقص كَانَ فِي يَده وَصَاح بغلمانه وعبيده وَكَانَ قد أعدهم لذَلِك فَقتلُوا عليا فِي المدلس وكتم موت عبد الْمُؤمن وَسلم مُحَمَّد الْأَمر إِلَى يُوسُف وَقَالَ إِنَّمَا أُرِيد الْخلَافَة لأصون بهَا روحي فَإِذا كَانَ فِيهَا إِتْلَاف الْأَرْوَاح فَلَا حَاجَة لي بهَا وَأَقْبل على خلواته وَانْفَرَدَ يُوسُف بتدبير الْأُمُور واعتدت الْأَيَّام فأظهر خِلَافَته وَمَوْت أَبِيه وخطب لنَفسِهِ وتحبب إِلَى النَّاس بِحسن السِّيرَة وَجَاءَت سنة ذَات وباء فَمَا فِيهَا مُحَمَّد ولي عهد عبد الْمُؤمن وَأَخُوهُ أَبُو حَفْص قَاتل عَليّ وَمَات عُثْمَان أخوهم أَيْضا
وَكَانَ جليل الْقدر مخوف الْجَانِب وَكَانَ عبد الله بن عبد الْمُؤمن صَاحب الغرب الْأَوْسَط عَظِيما وَبِيَدِهِ الجيوش وَالْأَمْوَال فتوصل إِلَى أَن أهْدى إِلَى عبد الله جَارِيَة ذَات جمال وَمَعَهَا خرقَة مَسْمُومَة فَسَمتْهُ بهَا عِنْد الْفَرَاغ من الْجِمَاع فَمَاتَ عبد الله واستبد يُوسُف بِالْأَمر وَأمن المنازع وَعبر إِلَى الأندلس بِنَفسِهِ فِي مائَة ألف فَارس فَأحْسن ابْن مردنيش الْغَلَبَة فَاشْتَدَّ مَرضه وَمَات ووالى يُوسُف مواقعة الْكفَّار وَحصر مدنهم وَفتح معاقلهم وَاسْتولى على جملَة مِنْهَا وَسَار إِلَى أقْصَى إفريقية وَفتح قفصة وَهَذَا الْمِقْدَار مسيرَة ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس غازيا وَقصد شنترين فحصرها شهرا فَأَصَابَهُ بهَا مرض قضى(29/112)
عَلَيْهِ وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَت مدَّته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وأشهرا وَكَانَ حسن الصُّور لطيف الْأَخْلَاق غير أَنه أفرط فِي محاسبة الْعمَّال وَقبض يَده وَكَانَ يُقَال إِنَّه جماع مناع وَكَانَ بليغا شَاعِرًا فَمن كَلَامه قَوْله لبَعض حَاشِيَته إِنَّا جربناك فوجدناك كالذهب الإبريز مَا أحرق بالنَّار زَاد طيبا فوَاللَّه لأملأن عَيْنك قُرَّة وقلبك مَسَرَّة وَلما ثارت عَلَيْهِ قبائل غماره أحد كِتَابه أَن يكْتب لَهُم بالترغيب والترهيب فَلَمَّا كتب الْكَاتِب الْكتاب زَاد فِيهِ يُوسُف بِخَطِّهِ أَنْتُم أَيهَا الْفرْقَة الناشزون بَين أَمريْن إِمَّا أَن تَكُونُوا عِنْد الْمُوَحِّدين بِمَنْزِلَة الضيوف وَإِمَّا أَن تستمروا على غيكم وَمَا زرعه فِيكُم شياطينكم فتحصدكم السيوف
وَقد وَصفه الشقندي فِي كتاب ظرف الظرفاء بالشعر وَالْأَدب وَعلم الْمنطق وَأنْشد لَهُ هَذِه الأبيات وَهِي الَّتِي قَالَهَا فِي مُخَاطب أَوْلَاد ابْن مردنيش لما كتبُوا إِلَيْهِ يعلمونه بِمَوْت أَبِيهِم ويظهرون الطَّاعَة لَهُ والانقياء ويرغبون فِي الْوُصُول إِلَيْهِ وتقبيل يَدَيْهِ // (من الطَّوِيل) //
(لقاؤكم بالرحب والمنزل السهل ... وثواكم كالروض يرتاح للطل)
(وأثرتكم زَادَت على كل أَثَرَة ... وَأَنْتُم لَهَا أهل فبورك من أهل)
(هلموا إِلَى مَا اعتدتم من كَرَامَة ... وَحفظ مدى الْأَيَّام فِي النَّفس والأهل)
وَقد وجدت أَنا لَهُ فِي بعض تعاليقي // (من الوافر) //
(همو نظرُوا لواحظها فهاموا ... وتشرب عقل شاربها المدام)
(يخَاف النَّاس مقلتها سواهَا ... أيذعر قلب حامله الحسام)
(سمى طرفِي إِلَيْهَا وَهُوَ باك ... وَتَحْت الشَّمْس ينسكب الْغَمَام)
(وأذكر قدها فأنوح وجدا ... على الأغصان ينتحب الْحمام)
(وأعقب بَينهَا فِي الصَّدْر غما ... إِذا غربت ذكاء أَتَى الظلام)
قلت شعر جيد فِي الذرْوَة
119 - ابْن عتبَة الطَّبِيب يُوسُف بن عتبَة الإشبيلي أَبُو الْحجَّاج الأديب الشَّاعِر الطَّبِيب لَهُ مصنفات فِي الْأَدَب وَله شعر وموشحات وَكَانَ ضنينا بِنَفسِهِ وَتُوفِّي رَحمَه الله بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وست مائَة قدم الْقَاهِرَة فَلم يقبل عَلَيْهِ إِلَّا ابْن يغمور فصيره مَعَ أطباء البيمارستان وَصَارَ يأنس بِهِ فِي بعض الْأَوْقَات فَسَأَلَهُ يَوْمًا عَن بِلَاده فَقَالَ فَارَقت(29/113)
الأندلس وَهِي مضطربة بدولة ابْن هود وَمَعَ هَذَا فاشتهي أَعُود إِلَى بلادي لما أشاهده من أشعاء النَّصَارَى بِهَذِهِ الْبِلَاد ثمَّ أنْشد // (من مخلع الْبَسِيط) //
(أَصبَحت فِي مصر مستضاما ... أرقص فِي دولة القرود)
(واضيعة الْعُمر فِي أخير ... مَعَ النَّصَارَى أَو الْيَهُود)
(بالجد رزق الْأَنَام فيهم ... لَا بذوات وَلَا جدود)
(لَا تبصر الدَّهْر من يُرَاعِي ... معنى قصيد وَلَا قصود)
(أود من لؤمهم رُجُوعا ... للغرب فِي دولة ابْن هود)
وَمن شعره // (من الوافر) //
(أعدنا فَحْمَة الظلماء نَارا ... براح بَات موقدها براح)
(فأشرقت الْجِهَات بهَا وزادت ... بِمَا استرقته من غرر الملاح)
(وَمَا زلنا نَذِير الكأس وردا ... ودر الرَّوْض يبسم عَن أقاح)
(إِلَى أَن شقّ جيب اللَّيْل شوقا ... وَعَن بكأسنا ضوء الصَّباح)
(ولد لطمت كؤوس الراح منا ... لَهَا صرعى على تِلْكَ البطاح)
120 - الْكُوفِي يُوسُف بن عدي أَبُو يَعْقُوب الْكُوفِي روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن رجلٍ عَنهُ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم قَالَ أَبُو زرْعَة ثِقَة وأضر قبل مَوته بِيَسِير وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
ابْن عَليّ
121 - البسكري الْمُقْرِئ يُوسُف بن عَليّ بن جبارَة بن مُحَمَّد بن عقيل والهذلي أَبُو الْقَاسِم الضَّرِير الْمُقْرِئ البسكري بِالْبَاء ثَانِيَة الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة وَالْكَاف وَالرَّاء وبسكر من بِلَاد الْمغرب وبسكره مَدِينَة من إقليم يعرف بالزاب الصَّغِير وَهِي فِي عمل الْمعز بن باديس ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة قدم بَغْدَاد وطوف الْبِلَاد فِي طلب الْقرَاءَات وَقَرَأَ على الْمَشَايِخ بإصبهان وَسمع من أبي نعيم(29/114)
أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ وبنيسابور من أبي بكر أَحْمد بن مَنْصُور بن خلف وَقَرَأَ بِبَغْدَاد عَلَى القَاضِي أبي الْعَلَاء مُحَمَّد بن عَليّ بن يَعْقُوب الوَاسِطِيّ وَغَيره وَله كتاب سَمَّاهُ الْكَامِل فِي الْقرَاءَات وَكَانَ يدرس النَّحْو وَيفهم الْكَلَام وَالْفِقْه
122 - الزنجاني الشَّافِعِي يُوسُف بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الزنجاني أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَكَانَ يدرس فِي مَسْجده الْمَعْرُوف بِهِ بدرب الدَّوَابّ وَسمع من أَبَوي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمُهْتَدي وَأحمد بن مُحَمَّد بن النقور وَحدث باليسير وروى عَنهُ أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو طَاهِر السلَفِي فِي معجميهما وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي صفر سنة خمس مائَة وَكَانَ الكيا الهراسي يفضله على جَمِيع فُقَهَاء بَغْدَاد وَيَقُول هُوَ أفقههم وأعرفهم بِالْمذهبِ لَو كَانَ بخراسان لَكَانَ مر حولا إِلَيْهِ وَإِذا سبقه فِي فَتْوَى يكْتب تَحت خطه هَذَا صَحِيح وَبِه أَقُول وجوابي مثل هَذَا أَو مَا فِي مَعْنَاهُمَا
123 - صَاحب إربل يُوسُف بن عَليّ كوجك بن بكتكين زين الدّين أَبُو يَعْقُوب ابْن زين الدّين صَاحب إربل وَليهَا بعد وَالِده إِلَى أَن مَاتَ بِظَاهِر عكا مرابطا فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَولي بعده وَلَده فغلب على الْبَلَد أَخُوهُ مظفر الدّين
124 - الْقُضَاعِي يُوسُف بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو يَعْقُوب الْقُضَاعِي وَيُقَال أَبُو الْحجَّاج الأندي الْهمزَة المضمومة وَالنُّون وَالدَّال الأندلسي دخل بَغْدَاد تَاجِرًا وَسمع من الشريف أبي طَالب الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد وَأبي الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون النَّرْسِي وَأبي بكر مُحَمَّد بن طرخان بن يلتكين من يحكم التركي وأمثالهم وَلَقي الْحَرِير صَاحب المقامات وَأخذ عَنهُ
وَقتل بالمرية سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة عِنْد دُخُول الرّوم إِلَيْهَا وعمره يَوْمئِذٍ خمس وَثَمَانُونَ سنة
125 - أَخُو الصاحب تَقِيّ الدّين يُوسُف بن عَليّ بن مهَاجر الصَّدْر الْكَبِير جمال(29/115)
الدّين التكريتي التَّاجِر البيع أَخُو الصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة وَقد تقدم ذكر أَخِيه فِي حرف التَّاء كَانَ شَيخا جَلِيلًا ذَا حُرْمَة ولي حسبَة دمشق مديدة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة أَربع وَتِسْعين وست مائَة
126 - الْبَغْدَادِيّ يُوسُف بن عَليّ أَبُو الْحجَّاج الْبَغْدَادِيّ الْمعدل روى عَنهُ الدمياطي وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وست مائَة
ابْن عمر
127 - المظفر صَاحب الْيمن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول السُّلْطَان الْملك المظفر شمس الدّين ابْن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور نور الدّين صَاحب الْيمن وَابْن صَاحبهَا قتل أَبوهُ وعمره سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة فَقَامَ هُوَ بالأمير وَبعده الْملك الْأَشْرَف ممهد الدّين فَمَا أَسْنَى وَملك بعده الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين وَكَانَ نور الدّين عمر مقدم جيوش الْملك أقسيس صَاحب الْيمن ابْن الْكَامِل لما مَاتَ أقسيس بِمَكَّة غلب نور الدّين على الْملك وأطاعه الْأُمَرَاء وَملك الْيمن نيفا وَعشْرين سنة ثمَّ إِن المظفر ملك بعده فامتدت أَيَّامه وَبَقِي فِي الْملك سبعا وَأَرْبَعين سنة وَتُوفِّي بقلعة تعز وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ وَكَانَ ملكا هماما جوادا عفيفا عَن أَمْوَال الرعايا كافا لجنده عَن الأذية وَكَانَ مقصدا للوافدين جمع لنَفسِهِ جُزْءا فِيهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثا بأسانيد فِي التَّرْغِيب والترهيب وَهُوَ مسموعات من مَشَايِخ الْيمن بنزول
128 - ابْن صقير الوَاسِطِيّ يُوسُف بن عمر بن أبي بكر بن يُوسُف أَبُو يَعْقُوب الصُّوفِي الْمَعْرُوف بِابْن صفير الوَاسِطِيّ طلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَسمع الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ أَكثر مَا سَمعه فَسمع أَبَا الْبَقَاء هبة الْكَرِيم بن الْحسن حبانش وَالْقَاضِي أَبَا الْفضل هبة الله بن عَليّ بن قسام وَأَبا طَالب سُلَيْمَان بن مُحَمَّد العكبري الزَّاهِد وَغَيرهم وَقدم بَغْدَاد وَسمع الشريف عِيسَى بن أَحْمد الدوشابي ومنوجهر بن مُحَمَّد بن تركانشاه وَعبد الْحق بن عبد الْخَالِق بن يُوسُف وَغَيرهم
وَكتب وَحصل وَعَاد إِلَى وَاسِط وَعَاد إِلَى بَغْدَاد مرَارًا وَحدث بهَا وأضر وَكَانَ صَدُوقًا حسن الطَّرِيقَة متدينا توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وست مائَة(29/116)
129 - حفيد نظام الْملك يُوسُف بن عمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي أَبُو المحاسن من أحفاد الْوَزير نظام الْملك أبي عَليّ كَانَ شَيخا فهما لَهُ معرفَة بأيام النَّاس ويحفظ كثيرا من الحكايات والأشعار قَالَ محب الدّين بن النجار إِلَّا أَنه كَانَ سيىء الطَّرِيقَة غير مرضِي السِّيرَة عَفا الله عَنهُ سمع أَبَا الْوَقْت وَأَبا الْقَاسِم نصر بن نصر بن عَليّ العكبري وَغَيرهمَا وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وست مائَة
130 - ابْن عَم الْحجَّاج يُوسُف بن عمر بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي عقيل بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ هُوَ ابْن عَم الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ يَجْتَمِعَانِ فِي الحكم بن أبي عقيل ولاه هِشَام بن عبد الْملك الْيمن لثلاث بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَمِائَة وَلم يزل بهَا أَن ولاه الْعرَاق فاستخلف على الْيمن ابْنه الصَّلْت بن يُوسُف وَذَلِكَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة فَبَقيَ إِلَى سنة أَربع وَعشْرين وَكتب إِلَيْهِ هِشَام سر إِلَى الْعرَاق فقد وليتك إِيَّاه وَإِيَّاك أَن يعلم بك أحد واشفني فِي خَالِد الْقَسرِي وعماله فوصل إِلَيْهَا وَحل بِخَالِد وَأَصْحَابه أَنْوَاع الْعَذَاب والهون وَمَات مِنْهُم فِي الْعَذَاب جمَاعَة وَكَانَ يُوسُف بن عمر قد خرج إِلَى الْكُوفَة فِي سَبْعَة عشر يَوْمًا فِي ثَلَاثِينَ من أَصْحَابه فَلَمَّا وصل الْكُوفَة عرس قَرِيبا مِنْهَا وَصَارَ إِلَى دور بني ثَقِيف فَأمر بَعضهم فَجمع لَهُ من قدر عَلَيْهِ مِنْهُم فَدخل الْمَسْجِد الْفجْر فَأمر الْمُؤَذّن بِالْإِقَامَةِ فَقَالَ حَتَّى يَأْتِي الإِمَام فانتهره فَأَقَامَ وَتقدم يُوسُف فصلى وَقَرَأَ {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} الْوَاقِعَة 56 / 1 و {سَأَلَ سَائل} المعارج 10 / 1 ثمَّ إِنَّه أرسل إِلَى خَالِد وطارق نَائِبه وَأَصْحَابه فَأخذُوا وَإِن الْقُدُور لتغلي وَحبس يُوسُف خَالِدا فَصَالحه أبان بن الْوَلِيد عَنهُ وَعَن أَصْحَابه على تِسْعَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ مَا كنت لأرجع عَن شَيْء رهنت بِهِ لساني وَلما بلغ ذَلِك خَالِدا قَالَ لأَصْحَابه أسأتم حِين أعطيتموه هَذَا المَال فِي أول دفْعَة فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَقولُوا إِنَّا أخبرنَا خَالِدا بِمَا فارقناك عَلَيْهِ فَذكر أَنه لَيْسَ عِنْده فَقَالَ أَنْتُم وَصَاحِبك أعلم فَأَما أَنا فَلَا أرجع عَلَيْكُم وَإِن رجعتم لم أمنعكم قَالُوا فَإنَّا قد رَجعْنَا قَالَ فوَاللَّه لَا أرْضى بِتِسْعَة آلَاف دِرْهَم وَلَا بِمِثْلِهَا وَمثلهَا فَذكر ثَلَاثِينَ ألف(29/117)
ألف دِرْهَم وَيُقَال مائَة ألف ألف دِرْهَم ثمَّ إِنَّه حبس خَالِدا وَضرب يزِيد بن خَالِد ثَلَاثِينَ سَوْطًا فَكتب هِشَام إِلَى يُوسُف أعطي الله عهدا لَئِن شاكت خَالِدا شَوْكَة لَأَضرِبَن عُنُقك فخلى سَبيله بثقله وَعِيَاله فَأتى الشَّام وَأقَام بِهِ وَلم يزل يَغْزُو الصوائف حَتَّى مَاتَ هِشَام وَقيل إِنَّه سَأَلَ هشاما أَن يبسط الْعَذَاب على خَالِد فَلم يَأْذَن لَهُ وألح عَلَيْهِ بالرسائل واعتل بانكسار الْخراج لما صَار إِلَيْهِ وَإِلَى عماله مِنْهُ فَأذن لَهُ مرّة وَاحِدَة وَبعث حرسيا يشْهد ذَلِك وَحلف لَئِن أَتَى على خَالِد أَجله لَيَقْتُلَنهُ بِهِ فَدَعَا بِهِ يُوسُف وَجلسَ على دكان بِالْحيرَةِ وجهز للنَّاس وَبسط عَلَيْهِ الْعَذَاب فَلم يكلمهُ خَالِد حَتَّى شَتمه يُوسُف وَقَالَ لَهُ يَا ابْن النَّصْرَانِيَّة يَا ابْن الكاهن يَعْنِي شقا أحد أجداده وَهُوَ الماهن الْمَشْهُور فَقَالَ لَهُ خَالِد إِنَّك الأحمق تعيرني بشرفي لكنك ابْن السباء إِنَّمَا كَانَ أَبوك يسبأ الْخمر يَعْنِي يَبِيع الْخمر ثمَّ إِنَّه رد خَالِدا إِلَى محبسه فَأَقَامَ ثَمَانِيَة عشر شهرا ثمَّ إِن هشاما كتب إِلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ وَأقَام بِأَرْض الْقرْيَة من أَرض الرصافة وَلم يَأْذَن لَهُ هِشَام فِي الْقدوم عَلَيْهِ
وَخرج زيد بن زين العابدين على يُوسُف بن عمر فَكتب يُوسُف إِلَى هِشَام إِن أهل هَذَا الْبَيْت من بني هَاشم قد كَانُوا هَلَكُوا جوعا حَتَّى كَانَت همة أحدهم قوت يَوْمه فَلَمَّا ولي خَالِد الْعرَاق قواهم بالأموال حَتَّى تاقت نُفُوسهم إِلَى طلب الْخلَافَة وَمَا خرج زيد إِلَّا بِإِذن خَالِد وَمَا مقَامه بالقرية إِلَّا لِأَنَّهَا مدرجة الطَّرِيق فَهُوَ يسْأَل عَن أخباره فَقَالَ هِشَام للرسول كذبت وَكذب صَاحبك وَمهما اتهمنا بِهِ خَالِدا فَإنَّا لَا نتهمه فِي الطَّاعَة وَأمر بالرسول فوجئت عُنُقه وَبلغ الْخَبَر خَالِدا فَصَارَ إِلَى دمشق
وَبَقِي يُوسُف على ولَايَة الْعرَاق مُدَّة ولَايَة هِشَام فَلَمَّا تولى ابْن أَخِيه الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك فَأقر يُوسُف على ولَايَة الْعرَاق وَكَانَ قد عزم على عَزله وَكَانَت أم الْوَلِيد بن يزِيد أم الْحجَّاج بنت مُحَمَّد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج بن يُوسُف فالحجاج عَمها وَكتب الْوَلِيد إِلَى يُوسُف بن عمر إِنَّك كتبت إِلَيّ تذكر أَن خَالِدا أخرب الْعرَاق وَكنت مَعَ ذَلِك تحمل إِلَى هِشَام مَا تحمل وَيَنْبَغِي أَن تكون قد عمرت الْعرَاق فاشخص إِلَيْنَا وَصدق ظننا بك فِيمَا تحمله إِلَيْنَا من عمَارَة الْعرَاق فَإنَّك خَالنَا وأحق النَّاس بالتوفير علينا فَخرج يُوسُف بن عمر إِلَيْهِ وَحمل مَعَه من الْأَمْوَال والآنية والأمتعة مَا لم يحمل مثله فَأقبل إِلَيْهِ وَالْتزم بِأَنَّهُ إِن يسلم إِلَيْهِ خَالِدا الْقَسرِي أَن يحمل خمسين ألف ألف دِرْهَم فسلمه إِلَيْهِ فَحَمله مَعَه وعذبه إِلَى أَن قَتله
وَلما تولى يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك ولى الْعرَاق عبد الْعَزِيز بن هَارُون بن عبد الْملك بن دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ فَأبى الْولَايَة فولاها مَنْصُور بن جُمْهُور وَبلغ الْخَبَر(29/118)
يُوسُف بن عمر فهرب وسلك طَرِيق السماوة وَكَانَ أَهله بالبلقاء فاختفى عِنْدهم وَلبس زِيّ النِّسَاء وَبلغ الْخَبَر يزِيد بن الْوَلِيد فَأرْسل إِلَيْهِ من أحضرهُ على هَيئته فحبسه يزِيد فَأَقَامَ فِي السجْن مُدَّة يزِيد بن الْوَلِيد فَلَمَّا مَاتَ يزِيد وَولي أَخُوهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بَقِي يُوسُف بن عمر مُدَّة ولَايَة إِبْرَاهِيم فِي السجْن وَتَوَلَّى مَرْوَان آخر مُلُوك بني أُميَّة وَكَانَ يزِيد بن خَالِد الْقَسرِي مَعَ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد فَلَمَّا خَافُوا من مَرْوَان عِنْد التقاء عسكريهما خَافُوا غائلة الحكم وَعُثْمَان بن الْوَلِيد وهما فِي السجْن فجهزوا يزِيد لقتلهما فَتوجه إِلَيْهِمَا وقتلهما وَكَانَ يُوسُف بن عمر عِنْدهمَا فَقتله يزِيد بن خَالِد الْقَسرِي وَذَلِكَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَقيل إِنَّه قتل فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَأخذُوا رَأس يُوسُف عَن جسده وشدوا فِي رجله حبلا وَكَانَ الصّبيان يجرونه فِي شوارع دمشق فتمر بِهِ الْمَرْأَة فتحسبه صَغِيرا فَتَقول لأي شَيْء قتلوا هَذَا الصَّغِير الْمِسْكِين لما ترى من صغر جثته وَكَانَ يُوسُف بن عمر قَصِيرا جدا ولحيته طَوِيلَة جدا تجوز سرته وَكَانَ أتيه النَّاس وأحمقهم وَمن حمقه أَن حجاما أَرَادَ أَن يحجمه فارتعدت يَده فَقَالَ لحاجبه قل لهَذَا البائس لَا يخف وَمَا رَضِي أَن يكلمهُ بِنَفسِهِ وَكَانَ الْخياط إِذا أَرَادَ أَن يفصل ثِيَابه إِن قَالَ يحْتَاج إِلَى زِيَادَة ثوب آخر أكْرمه وحباه وَإِن فضل من القماش شَيْئا أهانه وأقصاه لِأَنَّهُ يكون قد نبه إِلَى قصره ودمامته وَفِي الْأَمْثَال أتيه من أَحمَق ثَقِيف المُرَاد بِهِ يُوسُف بن عمر
وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت يُوسُف بن عمر وَفِي مذاكيره حَبل وَهُوَ يجر بِدِمَشْق ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك يزِيد بن خَالِد الْقَسرِي قَاتله وَفِي مذاكيره حَبل وَهُوَ يجر فِي ذَلِك الْموضع
وَكَانَ يُوسُف يطعم النَّاس فِي كل يَوْم خَمْسَة آلَاف خوان كل خوان عَلَيْهِ عشرَة أنفس وَكَانَ الْحجَّاج يطعم أهل الشَّام خَاصَّة على ألف خوان فأطعم يُوسُف بن عمر أهل الشَّام وَأهل الْعرَاق
131 - الختني يُوسُف بن عمر بن الْحُسَيْن الشَّيْخ الْعدْل المعمر بدر الدّين الختني بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح التَّاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَبعدهَا نون وياء النِّسْبَة الْمصْرِيّ ولد فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَحضر فِي الرَّابِعَة على ابْن رواج وَتفرد بِهِ وَسمع من صَالح المدلجي والمرسي والبكري وَابْن اللمطي وَتفرد بأَشْيَاء وَله مشيخة روى فِيهَا عَن نَيف وَسِتِّينَ نفسا وَأكْثر الطّلبَة عَنهُ توفّي رَحمَه الله سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة(29/119)
132 - ابْن عمروس المنيي يُوسُف بن عمروس المنيي الْقُرْطُبِيّ من سَاكِني منية عجب وإليها ينْسب سمع من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن باز وَابْن وضاح وَغَيرهمَا وَكَانَ رجلا عابدا حَافِظًا لرأي مَالك رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه وانقبض قبل مَوته بسنين وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ للسماع مِنْهُ فِي دَاره ذكره إِسْمَاعِيل وَابْن حَارِث وَابْن الفرضي
133 - الْمروزِي يُوسُف بن عِيسَى بن دِينَار الْمروزِي روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَتُوفِّي فِي حُدُود الْخمسين والمائتين
134 - العشاب المريي يُوسُف بن فتوح أَبُو الْحجَّاج الأندلسي المريي العشاب كَانَ ذكيا فَاضلا ولي الشورى بِبَلَدِهِ وَكَانَ لَهُ حَظّ من الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَمَعْرِفَة النَّبَات وَكَانَ يجلبه ويتجر فِيهِ وَله سَمَاعه وَرِوَايَة
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
135 - قَاضِي الأهواز يُوسُف بن الْغَرق بن لمازه قَاضِي الأهواز توفّي فِي حُدُود الْمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
136 - حَاجِب شمس الْمُلُوك يُوسُف بن فَيْرُوز حَاجِب شمس الْمُلُوك هرب من شمس الْمُلُوك خَائِف من دمشق إِلَى تدمر وَكَانَ سفيرا بَين قراجا وشهاب الدّين مَحْمُود فِي تَسْلِيم حمص وَحلف لَهُ شهَاب الدّين وآمنه فَعَاد إِلَى دمشق يَنُوب فِي التَّدْبِير عَن معِين الدّين أنر وَكَانَ فِي نفس الغلمان الأتابكية عَلَيْهِ حقد لِأَن أيلبا لما قفز على شمس الْمُلُوك أَشَارَ عَلَيْهِ بقتْله وَكَانَ بزواش أتابك الْعَسْكَر يحسده ويوسف يهينه ويهين الأتابكية فاتفقوا على قَتله فالتقاه بزواش عِنْد الْمَسْجِد الْجَدِيد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة فَضَربهُ بِالسَّيْفِ على وَجهه فَقتله وهرب فَطَلَبه شهَاب الدّين مَحْمُود وَقَالَ لَا بُد من قَتله وَقتل الغلماء الأتابكية فَقيل لَهُ فِي هَذَا إِفْسَاد الدولة وأعداؤك من كل جَانب فَسكت على مضض وعاش بزواش إِلَى دمشق(29/120)
ابْن الْقَاسِم
137 - قَاضِي دمشق يُوسُف بن الْقَاسِم بن فَارس بن سوار الميانجي الشَّافِعِي نَاب فِي الْقَضَاء بِدِمَشْق عَن قَاضِي مصر وَالشَّام أبي الْحسن عَليّ بن النُّعْمَان وَكَانَ مُسْند الشَّام فِي زَمَانه وَتُوفِّي سنة خمس وَسبعين وَثَلَاث مائَة
138 - أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب يُوسُف بن الْقَاسِم بن صبيح أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب وَالِد أَحْمد وَزِير الْمَأْمُون كَانَ كَاتبا بليغا وَله رسائل مدونة وَشعر وَكَانَ يكْتب فِي ديوَان الْكُوفَة لبني أُميَّة ثمَّ إِنَّه كتب للسفاح وللمنصور وللرشيد واختص بِيَحْيَى بن خَالِد بن برمك فَكَانَ يكْتب بَين يَدَيْهِ ويخلفه على التوقيع وعَلى دواوين الأزمة
وَمن شعره // (من الطَّوِيل) //
(هجرتك لما لم أجد فِيك مسكة ... وصادفت مِنْك الود غير قريب)
(وَمَا كنت أَدْرِي أَن مثلك ينثني ... على جنب خوان الصّديق مريب)
(فِرَاق أَخ يُعْطي الْمَوَدَّة حَقّهَا ... أضرّ وأبلى من فِرَاق حبيب)
139 - سبط ابْن الْجَوْزِيّ يُوسُف بن قزغلي بِالْقَافِ وَالزَّاي والغين الْمُعْجَمَة وَاللَّام ابْن عبد الله الإِمَام المؤرخ الْوَاعِظ شمس الدّين أَبُو المظفر التركي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ العوني الْحَنَفِيّ سبط الإِمَام جمال الدّين أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ نزيل دمشق ولد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَخمسين وست مائَة
سمع من جده وَسمع بالموصل ودمشق من جمَاعَة وَكَانَ إِمَامًا فَقِيها واعظا وحيدا(29/121)
فِي الْوَعْظ عَلامَة فِي التَّارِيخ وَالسير وافر الْحُرْمَة محببا إِلَى النَّاس حُلْو الْوَعْظ قدم دمشق وَهُوَ ابْن نَيف وَعشْرين سنة ونفق على أَهلهَا وَأَقْبل عَلَيْهِ أَوْلَاد الْعَادِل وصنف فِي الْوَعْظ والتاريخ وَكَانَ وَالِده قزغلي من موَالِي الْوَزير عون الدّين بن هُبَيْرَة وروى عَنهُ الدمياطي وَيُقَال فِي وَالِده زغلي بِحَذْف الْقَاف
وَهُوَ صَاحب مرْآة النَّاس وَأَنا مِمَّن حسده على هَذِه التَّسْمِيَة وَهِي لائقة بالتاريخ كَأَن النَّاظر فِي التَّارِيخ يعاين من ذكر فِيهِ فِي مرْآة إِلَّا أَن فِي الْمرْآة صدأ المجازفة مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى فِي أَمَاكِن مَعْرُوفَة
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَقد اخْتَصَرَهُ شَيخنَا قطب الدّين اليونيني وذيل عَلَيْهِ إِلَى وقتنا هَذَا وَلما مَاتَ حضر جنَازَته السُّلْطَان وَمن دونه ودرس بالشبلية مُدَّة وبالمدرسة البدرية وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي الْبَقَاء وَالْفِقْه على الحصيري وَلبس الْخِرْقَة من عبد الْوَهَّاب بن سكينَة وَكَانَ حنبليا فانتقل وَصَارَ حنفيا للدنيا وصنف فِي مَنَاقِب أبي حنيفَة جُزْءا ومعادن الإبريز فِي التَّفْسِير تِسْعَة وَعِشْرُونَ مجلدا وَشرح الْجَامِع الْكَبِير فِي مجلدين
140 - الذَّهَبِيّ الشَّاعِر يُوسُف بن لُؤْلُؤ الذَّهَبِيّ الأديب بدر الدّين الدِّمَشْقِي الشَّاعِر كَانَ وَالِده لُؤْلُؤ عَتيق دلدرم صَاحب تل بَاشر
لَهُ نظم يروق الأسماع ويعقد على فَضله الْإِجْمَاع مدح النَّاصِر بن الْعَزِيز والكبار وَكَانَ لَهُ بَيت فِي الجاروخية عَاشَ ثَلَاثًا وَسبعين سنة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شعْبَان سنة ثَمَانِينَ وست مائَة يُقَال إِنَّه كَانَت لَهُ دكان باللبادين لَهُ فِيهَا قفص على الْعَادة فِيهِ خَوَاتِم وَغَيرهَا فَجَاءَهُ مَمْلُوك من مماليك النَّاصِر صَاحب الشَّام فَقَالَ لَهُ عنْدك خَاتم على قدر إصبعي فَقَالَ بل عِنْدِي إِصْبَع على قدر خاتمك فبلغت الْوَاقِعَة النَّاصِر فاستظرفه وَكَانَ ذَلِك سَبَب اتِّصَاله بِهِ
وَمن شعره مَا أنشدنيه من لَفظه الْحَاج لاجين الذَّهَبِيّ قَالَ أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ وَقد توالت الأمطار بِدِمَشْق // (من الرمل) =
(إِن أَقَامَ الْغَيْث شهرا هَكَذَا ... جَاءَ بالطوفان وَالْبَحْر الْمُحِيط)
(مَا هم من قوم نوح يَا سما ... أقلعي عَنْهُم فهم من قوم لوط)
وَقَالَ لي لاجين هَذَا هُوَ الَّذِي أول من علم النَّاس المجنس بِدِمَشْق وَهُوَ تلبيس الذَّهَب الْفضة وَجعله شريطا يَعْنِي يُوسُف الذَّهَبِيّ هَذَا(29/122)
وَمن شعره فِي غُلَام بِوَجْهِهِ حب الشَّبَاب // (من الطَّوِيل) //
(تعشقته لدن القوام مهفهفا ... شهي اللمى أحوى المراشف أشنبا)
(وَقَالُوا بدا حب الشَّبَاب بِوَجْهِهِ ... فيا حسنه وَجها إِلَيّ محببا)
وَذكرت هُنَا مَا نظمته أَنا فِي مثله // (من مجزوء الرمل) //
(إِن حب الخد مِمَّن ... حبه زَاد كتئابي)
(أتعب الْقلب إِلَى أَن ... شَاب فِي حب الشَّبَاب)
ونظمت فِيهِ أَيْضا // (من مخلع الْبَسِيط) //
(بدا وَحب الشَّبَاب باد ... فَقلت لَا يُنكر الصَّوَاب)
(حمرَة خديه فِي احمرار ... وَالْحب من فَوْقهَا حباب)
وَقَالَ الذَّهَبِيّ الْمَذْكُور فِي النَّجْم الْعَبَّادِيّ وَقد كحل غُلَاما حسنا غدْوَة فَمَاتَ النَّجْم فِي العشية الْمَذْكُورَة // (من الْكَامِل) //
(يَا قوم قد غلط الْحَكِيم وَمَا درى ... فِي كحله الرشأ الغرير بطبه)
(وَأَرَادَ أَن يمْضِي نصال جفونه ... ويحدها لتصيبنا فبدت بِهِ)
وَقَالَ أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(بدا صدغ من أهواه فِي مَاء هَذِه ... فحيرني لما التوى وتعقربا)
(وَقَالُوا يصير الشّعْر فِي المَاء حَيَّة ... فَكيف غَدا فِي ذَلِك الخد عقربا)
قلت وَقَوله تعقربا وعقربا قَبِيح وَقد رَأَيْت كثيرا من الْفُضَلَاء اسْتعْمل مثل هَذَا وَأَنا أرَاهُ قبيحا لِأَن الْمَادَّة وَاحِدَة
(هَلُمَّ يَا صَاح إِلَى رَوْضَة ... يجلو بهَا العاني صدا همه)
(نسيمها يعثر فِي ذيله ... وزهرها يرقص فِي كمه)
وَقَالَ // (من السَّرِيع) //
(أدر كؤوس الراح فِي رَوْضَة ... قد نمقت أبرادها السحب)
(الطير فِيهَا شيق مغرم ... وجدول المَاء بهَا صب)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(أَرَأَيْت وَادي النيرين وماؤه ... يُبْدِي لناظرك العجيب الأعجبا)(29/123)
(يتكسر المَاء الزلَال على الْحَصَى ... فَإِذا غَدا بَين الرياض تشعبا)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(رفقا أذبت حشاشة المشتاق ... وأسلتها دمعا من الآماق)
(وأحلته من بعد تسويف على الصَّبْر ... الَّذِي لم تبْق مِنْهُ بواقي)
(وَطلبت من ي فِي هَوَاك موثقًا ... وَالْقلب عنْدك فِي أَشد وثاق)
(قلب بِعَين قد أُصِيب وعارض ... فأعده لي فالدمع لَيْسَ براقي)
(ألْقى الدُّمُوع على الدُّمُوع وليلتي ... أدرى بِمَا ألْقى بهَا وألاقي)
(لَا تلتقي فِيهَا الجفون وإنني ... لَا أرتجي مِنْهَا ومك تلاقي)
(أشقيق بدر التم طَال تلهفي ... وَأطَال فِيك العاذلون شقاقي)
(أنفقت من صبري عَلَيْك وَإنَّهُ ... لرضاك لَا لتملق ونفاق)
(فارفق بقلب فِيهِ مَا يَكْفِيهِ ... من فرق الصدود فَلَا ترع بفراقي)
(فحرارة الأنفاس قد دلّت على ... مَا فِي الحشا من لاعج الأحراق)
(وصبا بعثت بِهِ إِلَيْك فَلم تعد ... وأظنها حَالَتْ عَن الْمِيثَاق)
(وَتَشَوُّقِ سطرته فِي مهرق ... فمحاه واكف دمعي المهراق)
(وبمهجتي المتحملون عَشِيَّة ... والركب بَين تلازم وعناق)
(وحداتهم أخذت حجازا بَعْدَمَا ... غنت وَرَاء الركب فِي عشاق)
(وتنبهت ذَات الْجنَاح بسحرة ... فِي الواديين فنبهت أشواقي)
(وَرْقَاء قد أخذت فنون الْحزن عَن ... يَعْقُوب والألحان عَن إِسْحَاق)
(قَامَت على سَاق تطارحني الْهوى ... من دون صحبي بالحمى ورفاقي)
(أَنى تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وَهوى وفيض مآقي)
(وَأَنا الَّذِي أملي الْهوى من خاطري ... وَهِي الَّتِي تملي من الأوراق)
وَقَالَ فِي دولاب // (من مجزوء الرجز) //
(وروضة دولابها ... إِلَى الغصون قد شكا)
(من حَيْثُ ضَاعَ زهرها ... دَار عَلَيْهِ وَبكى)
وَقَالَ أَيْضا // (من مجزوء الرمل) //
(رب ناعورة روض ... بَات تندى وتفوح)(29/124)
(تضحك الأزهار مِنْهَا ... وَهِي تبْكي وتنوح)
وَقَالَ أَيْضا // (من السَّرِيع) //
(باكر إِلَى الرَّوْضَة تستجلها ... فغثرها فِي الصُّبْح بسام)
(والنرجس الغض اعتراه الحيا ... فغض طرفا فِيهِ أسقام)
(وبلبل الدوح فصيح على الأيكة ... والشحرور تمْتَام)
(ونسمة الرّيح على ضعفها ... لَهَا بِنَا مر وإلمام)
(فعاطني الصَّهْبَاء مشمولة ... عذراء قالواشون نوام)
(وأكتم أَحَادِيث الْهوى بَيْننَا ... فَفِي خلال الرَّوْض نمام)
وَقَالَ فِي مليح فِي الْجَيْش // (من الْكَامِل) //
(يَا حسنه فِي الْجَيْش حِين غَدا ... يختال فِي السمر والقضب)
(لم ألق أحلى من شمائله ... فِي الْعين لما سَار فِي الْقلب)
وَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(وأحوى ثنى من قده اللدن ذابلا ... فاخجل غُصْن البان وَهُوَ نضير)
(على الوجنة الخضراء دَار عذاره ... على مثلهَا كَانَ الخصيب يَدُور)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(صدوا وَقد دب العذار بخده ... مَا ضرهم لَو أَنهم جبروه)
(هَل ذَاك غير نَبَات روض قد حلا ... لكِنهمْ لما حلا هجروه)
وَقَالَ وَقد أُحِيل على ديوَان الْحَشْر // (من الطَّوِيل) //
(أمولاي محيي الدّين طَال ترددي ... لجائزة قد عيل من دونهَا صبري)
(وَقد كنت قبل الْحَشْر أَرْجُو نجازها ... فَكيف وَقد صيرتموها إِلَى الْحَشْر)
وَقَالَ // (من مجزوء الْكَامِل) //
(رفقا بصب مغرم ... أبليته صدا وهجرا)
(وافاك سَائل دمعه ... فرددته فِي الْحَال نَهرا)
وَقَالَ // (من المجتث) //
(يَا عاذلي فِي هَوَاهُ ... إِذا بدا كَيفَ أسلو)
(يمر بِي كل وَقت ... وَكلما مر يحلو)(29/125)
وَقَالَ // (من الْكَامِل المجزوء) //
(إِن الَّذين ترحلوا ... نزلُوا بعيني الناظرة)
(أسكنتهم فِي مهجتي ... فَإِذا هم بالساهرة)
وَقَالَ // (من مخلع الْبَسِيط) //
(يَا رشأ كلما مَرَرْت بِهِ ... يخْفق قبلي لَهُ ويضطرب)
(قد قُمْت بِالْقَلْبِ فِي هَوَاك ضنى ... وَأَنا قُمْت بِالَّذِي يجب)
وَقَالَ فِي نجم الدّين بن إِسْرَائِيل لما هوى مليحا يدعى الحويرح // (من المجتث) //
(قَلْبك الْيَوْم طَائِر ... عَنْك أم فِي الْجَوَارِح)
(كَيفَ يُرْجَى خلاصه ... وَهُوَ فِي كف جارح)
فَلَمَّا سمع ذَلِك قَالَ خلص الطَّائِر فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(خلصت طَائِر قَلْبك العاني ترى ... من جارح يَغْدُو بِهِ وَيروح)
(وَلَقَد يسر خلاصه إِن كنت قد ... خلصته مِنْهُ وَفِيه الرّوح)
وَقَالَ // (من الوافر) //
(تحيرنا عل مر اللَّيَالِي ... جنان النيرين العاليات)
(وَكَيف اعتلت النسمات فِيهَا ... وشاخ البان واكتهل النَّبَات)
وَقَالَ فِي مليح وراق // (من الطَّوِيل) //
(خليلي جد الْجد واتصل الأسى ... وَضَاقَتْ على المشتاق فِي قَصده السبل)
(وَقد أصبح الْقلب الْمَعْنى كَمَا ترى ... معنى بوراق وَمَا عِنْده وصل)
ذكرت هُنَا مَا قلته فِي وراق // (من السَّرِيع) //
(يَا حسن وراق أرى خَدّه ... قد راق فِي التَّقْبِيل عِنْدِي ورق)
(تميس فِي الدّكان أعطافه ... مَا أحسن الأغصان بَين الْوَرق)
وَقَالَ فِي زهر اللوز // (من مخلع الْبَسِيط) //
(اللوز أشجاره نشاوى ... بميل أغصانه الرطاب)
(مشتبك زهره علينا ... وظل الرطب مستطاب)
(وَنحن من سكرنا نرَاهُ ... كَأَنَّهُ فَوْقنَا ضباب)
وَقَالَ // (من مخلع الْبَسِيط) //(29/126)
(عرج على الزهر يَا نديمي ... ومل إِلَى ظله الظليل)
(فالغصن يلقاك بابتسام ... وَالرِّيح تلقاك بِالْقبُولِ)
وَقَالَ // (من مجزوء الْكَامِل) //
(الزهر ألطف مَا رَأَيْت ... إِذا تكاثرت الهموم)
(تحنو عَليّ غصونه ... ويرق لي فِيهِ النسيم)
وَقَالَ يصف غرقة // (من الْكَامِل) //
(مولَايَ أَشْكُو غرفَة فِي ناجر ... كالنار تلفح بالهجير اللافح)
(عز النسيم بهَا فَلَيْسَ بسانح ... وخلا الذُّبَاب بهَا فَلَيْسَ ببارح)
وَقَالَ ملغزا فِي السرطان // (من السَّرِيع) //
(مَا اسْم إِذا مَا أَنْت صحفته ... صَار مثنى باعتبارين)
(فِي الراس وَالْعين يرى دَائِما ... وَهُوَ بِلَا راس وَلَا عين)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(ومعذر قد بيتته جمَاعَة ... ولووا بِمَا وعدوه طول اللَّيْل)
(واكتاله كل هُنَاكَ وَمَا رأى ... مِنْهُم سوى حشف وَسُوء الْكَيْل)
وَقَالَ // (من السَّرِيع) //
(حلا نَبَات الخد يَا عاذلي ... لما بدى فِي خَدّه الْأَحْمَر)
(فشاق ني ذَاك العذار الَّذِي ... نَبَاته أحلى من السكر)
وَقَالَ فِي شمعة // (من السَّرِيع) //
(وشمعة أودى هَواهَا بهَا ... وشفها التسهيد والدمع)
(قد مثلت مِنْهَا لنا نَخْلَة ... وسال من ذائبها طلع)
وَقَالَ // (من المجتث) //
(وَبنت ليل بكتنا ... بدفمعة مدراره)
(كَأَنَّمَا هِيَ غُصْن ... فِي رَأسه جلناره)
وَقَالَ // (من مجزوء الرجز) //
(وَذَات قد أهيف ... فؤادها قد التهب)
(كصعدة من فضَّة ... لَهَا سِنَان من ذهب)(29/127)
وَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(وَسُمْعَة وقفت تَشْكُو لنا حرقا ... وأدمعا لم تزل تهمي سواكبها)
(وحيدة فِي الدجى من طول مَا مكثت ... تكابد اللَّيْل قد شابت ذوائبها)
وَكتب إِلَى فَخر الدّين بن الصَّيْرَفِي وَقد بلغه أَنه يُورد شعره // (من المجتث) //
(قد زِدْت شعري حسنا ... وزادك الله سَعْدا)
(أودته بِبَيَان ... فَصَارَ وَأحلى وأندى)
(كالنحل يجني بِفِيهِ ... طلا وَيُلْقِيه شَهدا)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(شوقي إِلَيْك على البعاد تقاصرت ... عَنهُ خطاي وَقصرت أقلامي)
(واعتلت النسمات فِيمَا بَيْننَا ... مِمَّا أحملها إِلَيْك سلامي)
وَقَالَ // (من الرجز) //
(يَا حسن جنَّات لنا بجلق ... وَقد ثنت أَغْصَانهَا ريح الصِّبَا)
(يبكي بهَا غمامها وزهرها ... يضْحك فِي أكمامه على الربى)
وَقَالَ فِي غُلَام يعرف بالشقيق // (من الْكَامِل) //
(يَا قامة الْغُصْن الرطيب إِذا انثنى ... ولوى معاطفه نسيم الرّيح)
(أشقيق روض أَنْت يَا بدر الدجى ... بِاللَّه قل لي أم شَقِيق الرّوح)
وَقَالَ فِي مليح رفاء // (من مجزوء الْكَامِل) //
(وبمهجتي الرفا الَّذِي ... فَضَح الذوابل لينه)
(لم يرف قلب متيم] ... قد مزقته جفونه)
وَذكرت أَنا هُنَا مَا قلته فِي مليح رفاء وَهُوَ // (من الوافر) //
(ووفاء لَهُ وَجه مليح ... محاسنه المليحة لَيْسَ تخفى)
(شغلت بِهِ الْفُؤَاد ولي زمَان ... أرى بَيت الْفُؤَاد بعوز رفا)
وَقَالَ بدر الدّين وَقد جهز إِلَيْهِ دَرَاهِم عَلَيْهَا أسود // (من المتقارب) //
(رددت الْحَوَادِث عني وَقد ... وهتني كتائبها والجنود)
(وأنجدتني بالجياد الَّتِي ... بعثت بهَا وَعَلَيْهَا الْأسود)
وَقَالَ وَقد وَقع بِهِ فرس فِي نهر بردى // (من السَّرِيع) //(29/128)
(أمطيتني يَا سَيِّدي سابحا ... شَبيه سرحان فَلم يسرح)
(أقرح لَكِن كَبِدِي إِن مَشى ... فَهُوَ بِلَا شكّ من الْقرح)
(وسابحا يدعى فَمَا باله فِي المَاء ... ألْقى بِي وَلم يسبح)
وَقَالَ فِي مليح اسْمه دَاوُود // (من الْكَامِل) //
(قد كنت جلدا فِي الخطوب إِذا عرت ... لَا تزدهيني الغانيات الغيد)
(وعهدت قلبِي من حَدِيد فِي الحشا ... فألانه بجفونه دَاوُود)
وَقَالَ فِي الذهبيات // (من الْكَامِل) //
(انْظُر إِلَى الأغصان كَيفَ تذهبت ... وأتى الخريف بحمرها وبصفرها)
(تحلو شمائلها إِذا مَا أَدْبَرت ... وتزيد حسنا فِي أَوَاخِر عمرها)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(فصل الخريف أَتَى على الشّجر الَّتِي ... أبدت لنا أوراقها ألوانا)
(فعجبت للأشجر كَيفَ تخلقت ... أوراقها لفراقها أغصانا)
وَقَالَ فِي الكأس المصورة // (من الْكَامِل) //
(انْظُر إِلَى صور الفوارس إِذْ بَدَت ... بِالْخَيْلِ فِي كأس المدامة ترتمي)
(مَا بَين طَاف فِي المدام وراسب ... كفوارس الهيجاء تسبح فِي الدَّم)
وَقَالَ فِي زهر اللوز // (من السَّرِيع) //
(انْظُر إِلَى اللوز تَجِد غصنه ... أحوى رَشِيق الْقد مياسه)
(بزهره تعبث ريح الصِّبَا ... وقصدها تَأْخُذ أنفاسه)
وَقَالَ وَقد أعْطى الممدوح بعض الشُّعَرَاء نطعا // (من السَّرِيع) //
(لَا تلم الممدوح فِي بذله نطعا ... فَذا خير من الْمَنْع)
(صفعته بالمدح نظما ... فَلَا غرو إِذا جازاك بالنطع)
وَقَالَ فِي أَمِير أُصِيب بِسَهْم // (من الطَّوِيل) //
(أمولاي نجم الدّين والباسل الَّذِي ... يَخُوض العوالي والردى وَجهه جهم)
(أجلت قداح الْحَرْب فِي حومة الوغى ... فَلَا غرو إِن وافاك من ضربهَا سهم)
وَقَالَ فِي غُلَام خصي // (من مجزوء الْكَامِل) //
(وأغن مهضوم الحشا ... كالظبي لَكِن لَا يصاد)(29/129)
(أَمن الْبيَاض بخده ... من أَن يكون بِهِ سَواد)
وَقَالَ // (من السَّرِيع) //
(لَا تعذلوني فِي هوى شادن ... هويت طرفا مِنْهُ سحارا)
(لَو لم يكن حبي من حسنه ... يحسده النَّجْم لما غارا)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(ورياض وقفت أشجارها ... وتشمت نسمَة الصُّبْح إِلَيْهَا)
(طالعت أوراقها شمس الضُّحَى ... بعد أَن وَقعت الْوَرق عَلَيْهَا)
وَقَالَ // (من الْخَفِيف) //
(وجنان ألفتها إِذا تغنت ... حولهَا الْوَرق بكرَة وَأَصِيلا)
(نهرها مسرعا جرى وتمشت ... فِي رباها الصِّبَا قَلِيلا قَلِيلا)
وَقَالَ يصف سَيْفا // (من الطَّوِيل) //
(وَذي شطب مَاض إِذا مَا سللته ... ترَاهُ كنجم الرَّجْم يهوى شهابه)
(من المرهفات الْبيض دبت نماله ... وطار مَعَ الْهَام المطارد نابه)
وَقَالَ فِي غُلَام كَانَ عِنْد القَاضِي بِلَا خصى // (من الْكَامِل) //
(يَا شادنا أخطى السَّبِيل بِقَصْدِهِ ... وَعصى النجصيح جَهَالَة فِي من عصى)
(قد كنت عِنْدِي لَا خصى فِي نعْمَة ... فتركته بطا وَجئْت بِلَا خصى)
وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(ورد الْكتاب فَقلت زهر خميلة ... تغتر عَن دمع الْغَمَام الواكف)
(مثلت أسطره غصونا فانبرت ... فِيهِ القوافي كالحمام الْهَاتِف)
وَقَالَ فِي مليح يلقب بالشهاب // (من الْخَفِيف) //
(يَا فضيب الْأَرَاك عِنْد التثني ... هز عطفيه حِين مَاس الشَّبَاب)
(عجبا كَيفَ ضل فِيك المحبون ... بلَيْل الأسى وَأَنت شهَاب)
وَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(إِنِّي أذكر مولَايَ الْأَمِير وَمَا ... أَظُنهُ ناسي الْعَهْد الَّذِي ذكرا)
(والدوح يُبْدِي الجنى لَكِن أغصنه ... لَو لم تهز لما أَلْقَت لنا الثمرا)(29/130)
وَقَالَ فِي مليح أَرَادَ تقبيله فَامْتنعَ الْقبْلَة فِي خَدّه // (من الطَّوِيل) //
(منعت ارتشاف الثغر يَا غَايَة المنى ... فزحزحتني مِنْهُ إِلَى خدك القاني)
(لَئِن فَاتَنِي مِنْهُ الأقاحي فإنني ... حصلت على ورد جني وَرَيْحَان)
وَقَالَ فِي مبيته بالجامع الْأمَوِي // (من الْخَفِيف) //
(طَال نومي بالجامع الرحب وَالْبر ... دمبيدي وَلَيْسَ مِنْهُ خلاص)
(كَيفَ أدفا وَفِيه تحتي بلاط ... ورخام حَولي وفوقي رصاص)
وَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(ل قد بت عِنْد الْفَارِس النّدب لَيْلَة ... وَمَا شاقني إِلَّا شقائي وأطماعي)
(فَبت أقاسي اللَّيْل بردا وَلم أزل ... مغطى كرأس القنبيط بأضلاعي)
وَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(لَا تلحني الْيَوْم فِي سَاق وصهباء ... وسقني كأسها صرا بِلَا مَاء)
(وَاقِف الهموم هَا عني فدق كثرت ... آلامها واشف مَا بِالْقَلْبِ من دَاء)
(عذراء مشمولة تطفو فواقعها ... كَأَنَّهَا أدمع فِي خد عذراء)
(أبدى الْحباب لَهَا خطا فَأحْسن مَا ... قد كَانَ حرر من مِيم وَمن هَاء)
(قديمَة ذَاتهَا فِي روض جنتها ... كَانَت وَكَانَ لَهَا عرش على المَاء)
ابْن الْمُبَارك
141 - ابْن الْخفاف يُوسُف بن الْمُبَارك بن كَامِل بن أبي غَالب الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْخفاف الْبَغْدَادِيّ أَبُو الْفَتْح بن أبي بكر من أَوْلَاد الْمُحدثين كَانَ من جملَة فُقَهَاء الْمدرسَة النظامية
أسمعهُ والدُهُ الْكثير فِي صِباه من أبي بكر بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأبي مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَمن جمَاعَة كَثِيرَة وَكَانَت سماعاته بعد الثَّلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَعمر حَتَّى حدث مسموعاته وَانْفَرَدَ بِشَيْء(29/131)
مِنْهَا
قَالَ محب الدّين بن النجار وَكَانَ أُمِّيا لَا يحسن الْكِتَابَة وَلَا يعرف شَيْئا من الْعلم إِلَّا أَنه كَانَ صَالحا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى وَكَانَ عسرا فِي الرِّوَايَة سيئ الْأَخْلَاق كريه الْملقى كثير الضجر متبرما بأصحاب الحَدِيث كُنَّا نلقى مِنْهُ شدَّة حَتَّى نسْمع مِنْهُ وَكَانَ فقيا مدقعا يَأْخُذ الْأُجْرَة على الرِّوَايَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وست مائَة
142 - أَبُو البركات الْبَغْدَادِيّ يُوسُف بن الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن عبيد الله بن هبة الله أَبُو البركات الْبَغْدَادِيّ من أَوْلَاد الْعُدُول تولى النّظر بديوان التركات الحشرية مُدَّة ثمَّ ولي الْحِسْبَة وَالنَّظَر فِي الْوَقْف الْعَام وَقبض عَلَيْهِ وسجن إِلَى أَن مرض وشارف الْمَوْت فَأخْرج إِلَى منزله فَمَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة وَكَانَ قد سمع من أبي مُحَمَّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم التَّمِيمِي وَأبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن اللحاس وَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن البطي وَغَيرهم
قَالَ محب الدّين بن النجار كَانَ شَيخا حسنا يفهم طرقا من الْعلم ويتنسك ويتدين
143 - الْمُقْرِئ الْخياط يُوسُف بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن شيبَة أَبُو الْقَاسِم الْخياط الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ كَانَ يتوكل على أَبْوَاب الْقُضَاة وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات الْكَثِيرَة على الرئيس أبي الْخَطِيب عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن الْجراح وعَلى أبي الْعِزّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن بندارٍ الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بالقلانسي وعَلى غَيرهمَا وَسمع الحَدِيث من أبي عُثْمَان إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد أَحْمد بن ملا الْأَصْبَهَانِيّ وَأبي طَالب عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف وَابْن عَمه أبي طَاهِر عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر وَأبي الْقَاسِم هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وَغَيرهم وروى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر
قَالَ محب الدّين بن النجار وَلم يكن ثِقَة لِأَنَّهُ ادّعى أَنه قَرَأَ على أبي ظَاهر بن سوار وأقرأ عَنهُ شَيْئا من الرِّوَايَات فكشف عَن ذَلِك وَهُوَ كذب وَظهر أمره وَتَركه النَّاس وَتُوفِّي سنة سبعين وَخمْس مائَة
ابْن مُحَمَّد
144 - القيرواني النَّحْوِيّ يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل القيرواني النَّحْوِيّ كَانَ عَارِفًا بالفقه وأصول الدّين وَله تصانيف وَكَانَ لَا يرى التَّقْلِيد وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة(29/132)
وَخمْس مائَة
145 - ابْن الدوانيقي يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد بن عِيسَى أَبُو الْحجَّاج الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الدوانيقي سمع وروى ورحل وَوعظ وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة
146 - ابْن طملوس يُوسُف بن مُحَمَّد بن طملوس من أهل جَزِيرَة شقر من عمر بلنسية كَانَ أحد علمائها الأماثل وَآخر المتحققين بعلوم الْأَوَائِل توفّي سنة عشْرين وست مائَة
أولد لَهُ ابْن الْأَبَّار من شعره // (من الْكَامِل) //
(بسمت بِهِ الْأَيَّام عبوسها ... وتهللت بشرا وُجُوه النَّاس)
(وتمهدت أرجاؤها لما رسى ... مَا بَينهَا جبل الْمُلُوك الراسي)
(هَيْهَات أَيْن الصُّبْح من لألائه ... أيقاس نور الشَّمْس بالنبراس)
(ملك أَبَت هماته وهباته ... من أَن يجارى فِي الندى والباس)
وَمِنْه // (من الْكَامِل) //
(يَا أَيهَا الْملك الَّذِي بصفاته ... صلحت ذَوَات للورى وصفات)
(لَك فِي نفوس الْكَافرين مهابة ... هِيَ فِي نفوس الْمُسلمين هبات)
(بك عَاد هَذَا الشرق يشرق نوره ... وتقشعت عَن وَجهه الظُّلُمَات)
وَمِنْه // (من السَّرِيع) //
(جاد على الْجزع بوادي الْحمى ... صوب الحيا سكبا على سكب)
(حَيْثُ الصِّبَا يهدي نسيم الربى ... طيبَة المسرى إِلَى الغرب)
(تمر بالركب سحيرا فيا ... موقع رياها من الركب)
(وبالكثيب الْفَرد من لعلع ... غزيل ضل عَن السرب)
(أفلت مني واغتدى قَابِضا ... قلبِي فيا ويحي من قلبِي)
(فسرت أَشْتَدّ على إثره ... أنْشدهُ فِي ذَلِك الشّعب)
(يَا هَل رَأَتْ عَيْنَاك من نَاشد ... يسْعَى بِلَا عقل وَلَا لب)(29/133)
(أحبب بِهِ من ملك جَائِر ... أَحْكَامه تجْرِي على الصب)
(تثنيه من خمر الصبى نشوة ... لعب الصِّبَا بالغصن الرطب)
(يَا جَائِر اللحظ على حبه ... سلطت عَيْنَيْك على قلبِي)
147 - المستنجد بِاللَّه يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن جَعْفَر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه أَبُو المظفر بن المقتفي لأمر اله بن المستظهر بِأَمْر الله بن الْمُقْتَدِي بن الْقَائِم بن الْقَادِر بن المقتدر ابْن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور العباسي أمه أم ولد اسْمهَا طَاوُوس رُومِية توفيت فِي خِلَافَته خطب لَهُ وَالِده بِولَايَة الْعَهْد من بعده فِي يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْحجَّة سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وبويع لَهُ بالخلافة بعد وَفَاة أَبِيه فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وَولد سنة ثَمَان عشرَة وَخمْس مائَة وَتُوفِّي يَوْم السبت ثامن شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ عمره ثمانيا وَأَرْبَعين سنة وولايته إِحْدَى عشرَة سنة وشهرا وَاحِدًا وَكَانَت أمراضه قولنجية وأضيف هَلَاكه إِلَى الطَّبِيب وَكَانَ طَوِيل الْقَامَة جسيما أسمر اللَّوْن كثيف اللِّحْيَة وَكَانَ نقش خَاتمه من أحب نَفسه عمل لَهَا وَخلف من الْوَلَد ابْنَتَيْن أَبَا مُحَمَّد الْحسن المستضيء وَأَبا الْقَاسِم وَابْنَة تعرف بالعباسية وَأول من بَايعه عَمه أَبُو طَالب ثمَّ أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ أسن من المستنجد ثمَّ الْوَزير عون الدّين ثمَّ قَاضِي الْقُضَاة قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام مُنْذُ خمس عشرَة سنة فَقَالَ لَهُ الْوَزير عون الدّين يبْقى أَبوك فِي الْخلَافَة خمس عشرَة سنة
قَالَ صَاحب كتاب المناقب العباسية والمفاخر الهاشمية كَانَت أَيَّامه أَيَّام خصب ورخاء وَأمن عَام ودولته زاهرة وسياسته قاهرة وهيبته رائعة وسطوته قامعة ذلت لَهُ رِقَاب الْجَبَابِرَة فِي الْآفَاق وخضعت لَهُ مِنْهُم الْأَعْنَاق وأشحن بالظلمة الحبوس وأزال قوانين الظُّلم وَرفع سَائِر المكوس وَتمكن تمكن الْخُلَفَاء الْمُتَقَدِّمين وَكَانَ آخر من عمل فِي أَيَّامه بقوانين الْأَئِمَّة الماضين من مواظبة وَزِير على عمل المواكب وَرفع الْقَصَص إِلَيْهِ والمظالم فَمَا انْتَهَت إِلَيْهِ حَالَة مَكْرُوهَة إِلَّا أزالها وعثرة إِلَّا أقالها وَيُقَال إِ نه رأى فِي مَنَامه فِي كَفه أَربع خاءات فعبرها على عَابِر قَالَ تلِي الْخلَافَة سنة خمس وَخمسين(29/134)
وَخمْس مائَة
قَالَ الْوَزير عون الدّين بن هُبَيْرَة قَالَ لي المستنجد يَوْمًا وَقد جرى بَيْننَا قِرَاءَة من قَرَأَ {فَتَبَيَّنُوا} النِّسَاء 4 / 94 الحجرات 49 / 6 بالنُّون فَقَالَ من قَرَأَ بالنُّون أحسن مِمَّن قَرَأَ بالثاء لِأَن من تبين تثبت وَقد يتثبت من لَا يتَبَيَّن
وَكتب كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الشهرزوري القَاضِي إِلَيْهِ لما قدم بَغْدَاد رَسُولا من قبل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي إِلَى المستنجد قصَّة على رَأسهَا من مُحَمَّد بن عبد الله الرَّسُول فَوَقع عِنْد اسْمه بقلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وخطب علوي بلخي تدريس الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد بِقصَّة رَفعهَا إِلَيْهِ فَوَقع المستنجد عَلَيْهَا لقد فعرضت الْقِصَّة بالتوقيع على الْوَزير عون الدّين فعرضها على أَصْحَاب الدِّيوَان فأعياهم حل رمز المستنجد التوقيع فَقَالَ الْوَزير هَذَا إِشَارَة إِلَى قَول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //
(لقد هزلت حَتَّى بدا من هزالها ... كلاها وَحَتَّى سامها كل مُفلس)
فحكي ذَلِك للخليفة فتعجب من تفطنه لذَلِك
وامتدحه الحيص بيص الشَّاعِر بقصيدة واقترح فِيهَا أَن تجْعَل بعقوبا لَهُ معيشة وَهِي بَلْدَة تغل فيكل سنة اثْنَي عشر ألف دِينَار فَوَقع المستنجد على ظهر قصَّته // (من الْكَامِل) //
(لَو أَن خفَّة رَأسه فِي رجله ... لحق الغزال وَلم يفته الأرنب)
وَقيل إِن ليلته حانت من ابْنة عَمه فَلَمَّا توجه إِلَيْهَا وجد فِي طَرِيقه بعض حجرات جواريه مَفْتُوح الْبَاب غير مغلق فَدخل إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ الْجَارِيَة امْضِ إِلَى مَنَامك فإنني أَخَاف أَن تعلم ابْنة عمك وَلَا آمن شَرها فَقَالَ فِي سَاقهَا خلخال إِذا جَاءَت عرفت بهَا فمضت إِلَيْهَا جَارِيَة ووشت بِالْحَال فرمت خلْخَالهَا إِلَى أعالي سَاقهَا وقصدت الْمَقْصُورَة ففاحت الروائح العطرة فنم ذَلِك عَلَيْهَا فَخرج من الْبَاب الآخر ثمَّ قَالَ // (من الْكَامِل) //
(استكتمت خلْخَالهَا ومشت ... تَحت الظلام بِهِ فَمَا نطقا)
(حَتَّى إِذا هبت نسيم الصِّبَا ... مَلأ العبير بنشرها الطرقا)
وَقد ذكرت هُنَا مَا قلته فِي هَذَا الْمَعْنى قلت // (المتقارب) //
(إِذا شِئْت حليك أَلا يشي ... وَقد زرت فِي الحندس المظلم)
(فردي السوار مَكَان الوشاح ... وخلي وشاحك فِي المعصم)(29/135)
وَقلت أَيْضا // (من السَّرِيع) //
(قَالُوا وشى الْحلِيّ بهَا إِذْ مشت ... إِلَيْك من قبل ابتسام الصَّباح)
(فَقلت لَا خلْخَالهَا صَامت ... ثمَّ تذكرت فضول الوشاح)
وَقلت أَيْضا // (من السَّرِيع) //
(قلت لَهُ زرني فَلَا بُد أَن ... يدْرِي بِنَا الواشي ويغرى العذول)
(فالريح مَا تكْتم سرا وَمَا ... تبريح رياك تعاني الفضول)
وَقلت أَيْضا // (من المنسرح) //
(بتنا وَمَا نقلنا سوى قبل ... وريق فِيهِ السلاف مشروبي)
(نمنا وَمَا نمت الوشاة بِنَا ... لَوْلَا فضول الْحلِيّ وَالطّيب)
وَمن شعر المستنجد بِاللَّه قَوْله // (من الْبَسِيط) //
(إِذا مرضنا نوينا كل صَالِحَة ... وَإِن شفينا فمنا الزيغ والزلل)
(نرضي الْإِلَه إِذا خفنا ونعصيه ... إِذا أمنا فَمَا يزكو لنا عمل)
وَمن شعره أَيْضا // (من الْخَفِيف) //
(عيرتني بالشيب وَهُوَ وقار ... ليتها عيرت بِمَا هُوَ عَار)
(إِن تكن شابت الذوائب مني ... فالليالي تنيرها الأقمار)
وَمن شعر المستنجد // (من السَّرِيع) //
(وباخل أشعل فِي بَيته ... طرمذة مِنْهُ لنا شمعه)
(فَمَا جرت من عينهَا دمعة ... حَتَّى جرت من عينه دمعه)
وَمن شعر المستنجد بِاللَّه // (من الطَّوِيل) //
(وصفراء مثلي فِي الْقيَاس ودمعها ... سجام على الْخَدين مثل دموعي)
(تذوب كَمَا فِي الْحبّ ذبت صبَابَة ... ويحوي حشاها مَا حوته ضلوعي)(29/136)
148 - النَّاصِر صَاحب الشَّام يُوسُف بن مُحَمَّد بن غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب بن شاي بن مَرْوَان السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَزِيز ابْن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين الْكَبِير هُوَ صَاحب حلب ثمَّ صَاحب الشَّام ولد بقلعة حلب فِي رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وست مائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وست مائَة تولى الْملك عِنْد موت وَالِده الْعَزِيز سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَقَامَ بتدبير دولته الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ الأميني وَعز الدّين بن المجلي والوزير الأكرم ابْن القفطي والطواشي جمال الدولة إقبال الخاتوني وَالْأَمر كُله لجدته الصاحبة صَفِيَّة خاتون بنت الْعَادِل وَلما توجه القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد إِلَى الْكَامِل بعدة الْعَزِيز وَكَانَ قد مَاتَ وعمره أَربع وَعِشْرُونَ سنة فَلَمَّا رَآهَا الْكَامِل حزن وَحلف للناصر لأجل أُخْته فَلَمَّا توفيت سنة أَرْبَعِينَ اشْتَدَّ النَّاصِر وَأمر وَنهى فَلَمَّا كَانَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين سَار من جِهَته نَائِبه شمس الدّين لُؤْلُؤ وحاصر حمص وَطلب النجدة من الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فَلم ينجده وَغَضب ثمَّ جرت أُمُور واستمرت حمص فِي ملك النَّاصِر وَفِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وست مائَة قدم إِلَى دمشق وَأَخذهَا بِلَا كلفة وَفِي أثْنَاء السّنة قصد الديار المصرية فَمَا تمّ لَهُ ذَلِك وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين دخل على بنت السُّلْطَان عَلَاء الدّين فَولدت لَهُ عَلَاء الدّين فِي سنة ثَلَاث وَأم هَذِه هِيَ أُخْت الصاحبة وَكَانَ النَّاصِر رَحمَه الله تَعَالَى سَمحا جوادا حَلِيمًا حسن الْأَخْلَاق محببا إِلَى الرّعية فِيهِ عدل وصفح ومحبة للفضلاء والأدباء وَكَانَ سوق الشّعْر نافقة فِي أَيَّامه وَكَانَ يذبح فِي مطبخه كل يَوْم أَربع مائَة رَأس غنم سوى الدَّجَاج والطيور والأجدية وَكَانَ يَبِيع الغلمان من سماطه شَيْئا كثيرا عِنْد بَاب القلعة بِدِمَشْق بأرخص ثمن من المآكل الفاخرة حكى عَلَاء الدّين بن نصر الله أَن النَّاصِر جَاءَ إِلَى دَاره بَغْتَة قَالَ فمددت لَهُ شَيْئا كثيرا فِي الْوَقْت سماطا بالدجاج الْمحشِي بالسكر والفستق وَغَيره فَقَالَ كَيفَ تهَيَّأ لَك ذَلِك فَقلت هُوَ من نِعْمَتك اشْتَرَيْته من عِنْد بَاب(29/137)
القلعة وَكَانَت نَفَقَة مطابخه وَمَا يتَعَلَّق بهَا فِي الْيَوْم أَكثر من عشْرين ألف دِرْهَم وَكَانَ يحاضر الأدباء والفضلاء وعَلى ذهنه كثير من الشّعْر وَالْأَدب وَله نَوَادِر وأجوبه ونظم وَحسن ظن فِي الصَّالِحين وَبنى بِدِمَشْق مدرسة جوا بَاب الفراديس وبالجبل رِبَاطًا وتربة وَبنى الخان عِنْد الْمدرسَة الزنجيلية وبلغه عَن بعض المتفقرين من الأجناد أَنه تسمح فِي حَقه فَأحْضرهُ ليؤدبه فَلَمَّا رأى وجله رق لَهُ وَأمر لَهُ بِذَهَب وَقَالَ ليرْجع بِهَذَا قَلْبك ثمَّ نعتبك فَلَمَّا اطْمَأَن صرفه آمنا وَلم يؤاخذه وَكَانَ تمر لَهُ الْأَيَّام الْكَثِيرَة يجلس فِيهَا من أول النَّهَار إِلَى نصف اللَّيْل يُوقع على الأوراق ويصل الأرزاق وَقيل إِنَّه خلع فِي أقل من سنة أَكثر من عشْرين ألف خلعة وَكَانَ الفرنج قد ضمنُوا لَهُ أَخذ الديار المصرية على أَن يسلم إِلَيْهِم الْقُدس مَعَ بِلَاد أخر غَيرهَا وَدَار الْأَمر بَين أَن يُعْطي ذَلِك للمصريين أَو للفرنج فبذل ذَلِك للمصريين ابتاعا لرضي الله تَعَالَى وَقَالَ وَالله لَا لقِيت الله وَفِي صحيفتي إِخْرَاج الْقُدس عَن الْمُسلمين وَلما بعد عَن خزائنه وَاحْتَاجَ إِلَى قرض رهن أملاكه وَضرب أواني الْفضة وَالذَّهَب وَقيل لَهُ فِي أَخذ الفائض من الْأَوْقَاف فَمَا مد يَده إِلَى شَيْء مِنْهَا بِدِمَشْق وَلَا بحلب
قَالَ ابْن العديم حضر بعض المدرسين إِلَى المعسكر وَرفع على يَدي قصَّة بَين يَدَيْهِ تَتَضَمَّن التضور من قلَّة معلومه وَيذكر أَن عِيَاله وصلوا من مصر وَأَنه لَا يطْلب التثقيل على السُّلْطَان فِي مثل هَذَا الْوَقْت الَّذِي يعلم مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الكلف بل يطْلب زِيَادَة فِي الْمدرسَة الَّتِي هُوَ بهَا فَقَالَ كَيفَ شَرط الْوَاقِف فَقلت شَرط مَا يتَنَاوَلهُ الْآن لَكِن ذكر أَن فِي كتاب الْوَقْف مَا يدل على أَن للسُّلْطَان أَن يزِيدهُ إِذا رأى فِي ذَلِك مصلحَة فَأَطْرَقَ كَمَا هِيَ عَادَته إِذا لم ير قَضَاء مَا طلب وَلم يرد فِي ذَلِك جَوَابا وَلم يهن عَلَيْهِ رده خائبا وتورع عَن مُخَالفَة الْوَاقِف فقرر لَهُ مَا طلبه على ديوانه دون الْوَقْف
وَقيل لَهُ عَن جلال الْمُلُوك وَقد مر على مَكَانَهُ فِي الْجَبَل مَا رَأْي مَوْلَانَا السُّلْطَان مِنْهُ فَقَالَ رَأَيْت شَيخا أشقر على جبل أَحْمَر يَأْكُل حشيشا أَخْضَر وَيتَكَلَّم بالمنكر
وَكَانَ عِنْده فِي لَيْلَة جمَاعَة من الأدباء فَذكرُوا قَول عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي // (من الطَّوِيل) //
(تشكى الْكُمَيْت الجري لما جهدته ... وَبَين لَو يسطيع أَن يتكلما)
فَقَالَ بَعضهم يَا مَوْلَانَا مَتى نعود إِلَى الْكُمَيْت وَيُشِير إِلَى الْخمر فَقَالَ لَهُ حَتَّى تعود إِلَى الأدهم يُرِيد الْقَيْد وَكَانَ قد قيد مرّة وسجن
وَكَانَ لبَعض الشُّعَرَاء عَلَيْهِ رسم فِي كل سنة تشريف ودراهم فأنشده قصيدة قَالَ(29/138)
فِيهَا // (من الطَّوِيل) //
(أمولاي رسمي قد تقادم عَهده ... وَمن يدك الْعليا تجدّد عَهده)
فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان الرسوم كَثِيرَة فَأَي رسم أردْت فَقَالَ الشَّاعِر رسوم الْعَامَّة أطلال الديار ورسوم الْخَاصَّة جوائز الْمُلُوك فَقَالَ السُّلْطَان على هَذَا الرَّسْم هُوَ الْمعول يُشِير إِلَى قَول امْرِئ الْقَيْس // (من الطَّوِيل) //
(وَهل عِنْد رسم دارس من معول)
قَالَ ابْن العديم حضرت يَوْمًا بَين يَدَيْهِ وشاورته على هَذَا الشَّاعِر أَن ينشد قصيدة عَملهَا فِي تهنئته بقدوم دمشق وشفعها بِأَبْيَات يذكر برسمه فَوقف على الودقين ثمَّ أذن لَهُ فحضره وَأنْشد قصيدة الْمَدْح وَخرج بِسُرْعَة فاسترجعه وَقَالَ لَهُ أنْشد هَذِه الأبيات فَإنَّك أنشدت أَبْيَات القصيد وَلم تنشد أَبْيَات الْقَصْد فَلَمَّا أنْشدهُ الأبيات قَالَ السَّيْف يحْتَاج إِلَى الهز وَأمر لَهُ بتشريفه ورسمه
وَحضر إِلَيْهِ الشهَاب رشيد الْخَادِم من مصر فأنعم عَلَيْهِ وَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَكتب لَهُ خبْزًا خدم عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَت السّنة الثَّانِيَة تضور وَطلب الزِّيَادَة فِي إقطاعه وتكرر طلبه مرَارًا فَقَالَ آخر مرّة يَنْبَغِي أَن تسدوا فَم رشيد يُشِير إِلَى زِيَادَة إقطاعه وفم رشيد مَعْرُوف بالديار المصرية
وَكَانَ مرّة جَالِسا وَبَين يَدَيْهِ شَاعِر فَأَنْشد قصيدة فَأخذ بعض الْجَمَاعَة ينْتَقد عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّاعِر دَعونِي حَتَّى أتم الإنشاد وَبعد ذَلِك يكون الانتقاد فَقَالَ السُّلْطَان لَا تجْعَلُوا النَّقْد نَقْدا
وَلما وَقع الصُّلْح بَينه وَبَين المصريين على أَن يردوا كل مَا كَانَ مُتَخَلِّفًا لِلْأُمَرَاءِ الَّذين فِي خدمَة السُّلْطَان أحضر فِي جملَة مَا أحضر مَا كَانَ بَقِي للأمير لجمال الدّين بن يغمور بديار مصر فعزل مِمَّا حَضَره مَا يصلح لتقدمة السُّلْطَان ونوعه أنواعا من كتب وَغَيرهَا وَكتب جَرِيدَة مَعَ التقدمة بِمَا سيره وَجعل أول الجريدة أَسمَاء الْكتب اسْم كتاب يُقَال لَهُ جهد الْمقل إِشَارَة إِلَى اسْتِقْلَال تقدمته وَنفذ ذَلِك على أَيدي المحترفين من أَصْحَابه وَقَالَ للمشار إِلَى اسْتِقْلَال تقدمته وَنفذ ذَلِك على أَيدي المحترفين من أَصْحَابه وَقَالَ للمشار إِلَيْهِ مِنْهُم إِذا حضرت بَين يَدي السُّلْطَان قل يَا مَوْلَانَا هَذَا بَقِيَّة السَّيْف فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَ السُّلْطَان بِسُرْعَة بل {بَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون تحمله الْمَلَائِكَة} الْبَقَرَة 2 / 248
وَكَانَ بَين يَدَيْهِ فِي بعض اللَّيَالِي شخص فَاسْتَأْذن ذَلِك الشَّخْص فِي طلب خَاله فَقَالَ لَهُ(29/139)
السُّلْطَان كَأَنَّك تَقول مَا يطيب لي هَذَا الْمَكَان وَهُوَ خَالِي من خَالِي
وَكَانَ جمَاعَة يلقبون بأسماء الطُّيُور ويجتمعون فِي مَكَان فِيهِ لأغراضهم فَقَالَ الْجَمَاعَة يَنْبَغِي أَن نسمي هَذَا الْمَكَان الدوحة لِأَن الطُّيُور تأوي إِلَيْهَا ثمَّ قَالُوا لَا بل يَنْبَغِي أَن يُسمى الأيكة فَقَالَ السُّلْطَان إِنَّمَا عدلت عَن الدوحة إِلَى الأيكة ليقال {كذب أَصْحَاب الأيكة} الشُّعَرَاء 26 / 176
قَالَ ابْن العديم كَانَ ذَات لَيْلَة فِي سَماع وَكَأَنَّهُ استطاب ذَلِك وتفكر فِي نعْمَة الله عَلَيْهِ فَسَمعته وَهُوَ يَقُول {رب أوزعني أَن أَشك نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه} الْأَحْقَاف 46 / 15 وَكَانَ فِي يَدي بعض الْجَمَاعَة شمعة وَسقط الشمعدان فِي تِلْكَ الْحَالة وَسمعت لَهُ رنة فَسَمعته يَقُول // (من المديد) //
(وَلها من نَفسهَا طرب ... فَلهَذَا يرقص الحبب)
وَأخْبر مرّة أَن الْمُسلمين أخذُوا صيدا وَأَن الفرنج ألقوا نُفُوسهم فِي الْبَحْر لِئَلَّا يقتلُوا ويؤسروا فَقَالَ السُّلْطَان {مِمَّا خطيئاتهم أُغرِقوا فأدخلوا نَارا فَلم يَجدوا لَهُم من دون الله أنصارا} نوح 71 / 25
وَحضر إِلَيْهِ شخص يُقَال لَهُ ابْن اللهيب وَمَعَهُ ولد لَهُ صَغِير سريع الْحَرَكَة كثير الحدة فَقَالَ بعض الْجَمَاعَة هَذَا الصَّغِير كَأَنَّهُ شرارة وَكَانَ قد حضر على يَدي الصَّغِير تحف غَرِيبَة فَقَالَ السُّلْطَان // (من المجتث) //
(ابْن اللهيب أَتَانَا ... بِكُل معنى غَرِيب)
(وَلَيْسَ ذَا بعجيب ... شرارة من لهيب)
قَالَ ابْن العديم وأنشدني لنَفسِهِ // (من الْكَامِل) //
(الْبَدْر يجنح للغروب ومهجتي ... لفراق مشبهه أسى تتقطع)
(وَالشرب قد خلط النعاس جفونهم ... وَالصُّبْح من جلبابه يتطلع)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ // (من مجزوء الرجز) //
(الْيَوْم يَوْم الأربعا ... فِيهِ نطيب المرتعا)
(يَا صَاحِبي أما ترى ... شَمل المنى قد جمعا)
(وَقد حوى مَجْلِسنَا ... جلّ السرُور أجمعا)
(فَقُمْ بِنَا نشربها ... ثَلَاثَة وأربعا)
(من كف سَاق أهيف ... شَبيه بدر طلعا)(29/140)
(فِي خَدّه وثغره ... ورد ودر صنعا)
(يَسْطُو ويرنو تَارَة ... كالليث والظبي مَعًا)
وَقَالَ وَقد توفّي لبَعض مماليكه ولد يلقب بِالسَّيْفِ // (من الطَّوِيل) //
(ونبئت أَن السَّيْف فل غراره ... وَقد كنت أرجوه لنائبه الدَّهْر)
(فعاندني فِيهِ الزَّمَان وريبه ... وَجَاءَت صروف الدَّهْر من حَيْثُ لَا أَدْرِي)
وَورد الْخَبَر فِي منتصف صفر بورود التتار إِلَى حلب ودخولها بِالسَّيْفِ فهرب السُّلْطَان مَعَ الْأُمَرَاء الموافقين لَهُ وَزَالَ ملكه وَدخل التتار بعده بِيَوْم إِلَى دمشق وَقُرِئَ فرمان الْملك بِأَمَان دمشق وَمَا حولهَا وَوصل السُّلْطَان إِلَى غَزَّة ثمَّ إِلَى قطيا وتفرق عَنهُ عسكره فَتوجه فِي خواصه إِلَى وَادي مُوسَى ثمَّ جَاءَ إِلَى بركَة زيزا فكبسه كتبغا فهرب وأتى التتار بالأمان وَكَانَ مَعَهم فِي ذل وهوان وَكَانَ قد هرب إِلَى الْبِلَاد فَسَارُوا خَلفه فَأَخَذُوهُ وَقد بلغت الشربة عِنْدهم نَحْو مائَة دِينَار فَأتوا بِهِ كتبغا وَهُوَ يحاصر عجلون فوعده وَكذبه وسقاه خمرًا صرفا فَسَكِرَ وطلبوا مِنْهُ تَسْلِيم قلعة عجلون فَأمر نائبها بتسليمها فَفعل ودخلها التتار ونهبوها ثمَّ إِنَّهُم سَارُوا بالناصر وأخيه إِلَى هولاكو فَأكْرمه وَأحسن إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغه قتل كتبغا أَمر بقتْله فَاعْتَذر فَأمْسك عَنهُ مَعَ إِعْرَاض فَلَمَّا بلغه كسر عسكره على حمص استشاط غَضبا وَقَتله وَمن مَعَه سوى وَلَده الْعَزِيز وَقيل إِنَّه قتل بِالسَّيْفِ غقيب وَاقعَة عين جالوت وَقيل خص بِعَذَاب دون أَصْحَابه وَقيل جعل هدفا للسهام وَقيل جمع لَهُ نخلتان وربط بَينهمَا ثمَّ إِنَّه قطع حَبل الْجمع بَينهمَا فافترقتا وَذهب كل فرقة بشق مِنْهُ
وَقيل إِنَّه كثيرا مَا كَانَ ينشد // (من الْخَفِيف) //
(قتل مثلي يَا صَاح شرب المدام ... لَيْسَ قَتْلِي بلهذام وحسام)
قَالَ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن العجمي أَنْشدني السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف يشتاق حلب ومنازلها // (من الْكَامِل) //
(يَا برق أنش من الْغَمَام سَحَابَة ... وطفاء هامية على بطياس)
(وادم على تِلْكَ الربوع وَأَهْلهَا ... غيثا يروها مَعَ الأنفاس)
(وعَلى لَيَال بالصفاء قطعتها ... مَعَ كل غانية وظبي كناس)
فَأَنْشَدته ارتجالا فِي جَوَاب إنشاده // (من الْكَامِل) //
(فلتلك أوطاني ومعهد أسرتي ... ومقر أحبابي وَمجمع ناسي)(29/141)
(لَيْسَ الْفُؤَاد وَإِن تناءت ساليا ... عَنْهَا وَلَا لعهودها بالناسي)
قَالَ وأنشدني أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(سقى حلب الشَّهْبَاء فِي كل مزنة ... سَحَابَة غيث نوءها لَيْسَ يقْلع)
(فَتلك دياري لَا الْعَتِيق وَلَا الغضا ... وَتلك ربوعي لَا زرود ولعلع)
فأنشده شهَاب الدّين الْمَذْكُور // (من الطَّوِيل) //
(لقد حرت فِي هَذَا القريض وَحسنه ... فَمن حيرتي لم أدر كَيفَ أَقُول)
(أَسحر عُيُون الْعين أم خمر بابل ... أم الدّرّ أم روض زهته قبُول)
(بِخَط كَمَا خطّ العذار منمنما ... لَهُ فِي سنا الخد الأسيل مسيل)
وَلما جَاءَ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين رَحمَه الله التَّقْلِيد من الإِمَام المستعصم صُحْبَة نجم الدّين الباذرائي سنة خمس وَخمسين وست مائَة قَالَ بدر الدّين يُوسُف الذَّهَبِيّ يمدحه // (من الْبَسِيط) //
(وَفِي لَك السَّعْي بالسعد الَّذِي وَفْدًا ... وأنجز الدَّهْر من علياك مَا وَعدا)
(سدت الْمُلُوك فَمَا كَانَت مواهب مَا ... أسدى إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ سدى)
(هُوَ الإِمَام الَّذِي هاد الْأَنَام لَهُ ... وهد ركن الأعادي بأسه فهدى)
(ناهيك من خَدّه استسقوا بغرته ... عَن السَّحَاب فَرد السهل والجلدا)
(فَأطلق السحب فِي الدُّنْيَا وَقد حبست ... فراح وابلها منفجرا وبدا)
(وَقد أقرّ بِمَا أولوه من منن ... لذاك مهما أخافوا صَوبه رعدا)
(فَمن يفاخرهم أَو من يساجلهم ... يَوْمًا وجدهم أولى الْغَمَام يدا)
(أعيى شعار بني الْعَبَّاس واصفه ... فَلَا لِسَان يكافيهم وَلَا جهدا)
(قد أَسْبغُوا من عطايا سَبْيهمْ حللا ... عَلَيْك موشية فارفل بهَا جددا)
(قدت على قدر ملك ماجد وغدت ... طرائق الوشي فِي أَثْنَائِهَا قددا)
(طلعت بَدْرًا بداجي لَيْلهَا وبدت ... كواكب الذَّهَب القاني بهَا بددا)
(وقلدوك حساما مَاضِيا فَرَأَوْا ... بَدْرًا بذيل تَمام للعيون بدا)
(مَاض يُرِيك شُعَاع الشَّمْس منعكسا ... وَالْمَاء فِي نهره الْمُنَاسب مطردا)
(وجاءك الطّرف مَجْنُونا وَلَا عجب ... لسابح مسرعا وافى لبحر ندى)
(وسنجق سَائِر تهفو ذوائبه ... وسط السَّمَاء كنجم الرَّجْم متقدا)(29/142)
(لَو لم يكن علما للرفع عَامله ... مَا أكدته لنا أَيدي الْعلَا أبدا)
(فارفع لواه فَمَا وافاك عَامله ... إِلَّا لفتح أقاليم وَكسر عدا)
(مرنح الْعَطف لدن الْقد معتدل ... لَا زيغ فِي مَتنه يلقى وَلَا أودا)
(سَار من النَّقْع فِي ظلماء داجية ... يستصحب النَّصْر دَاء والعجاج ردا)
(بشرى تهللت الأنواء من طرب ... وصفق الطير فِي أغصانه وشدا)
(فاليوم مبتهج وَالشَّمْس سافرة ... أصيلها فَرحا قد خلق البلدا)
(مواهب عَمت الدُّنْيَا بأنعمها ... من الْإِلَه وَإِن خصتك مُنْفَردا)
(وَهَكَذَا الحكم فِي الْعُضْو الرئيس إِذا ... خصته هبة نفع عَمت الجسدا)
(وسوف تحظى بضعفي مَا حبيت بِهِ ... وَإِنَّمَا أول السَّيْل الأتي ندى)
(قاسوا عطاياك بالبحر الحضم فَمَا ... ألفوه إِلَّا أجاجا عِنْدهَا ثمدا)
(لَو كنت أحصي أياديها وأحصرها ... وَالْبَحْر عِنْدِي مداد مَا وَفِي مدَدا)
(لَك المواقف فِي الهيجاء قُمْت بهَا ... مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله مُجْتَهدا)
(فراشدا كنت للعليا ومقتدرا ... على الأعادي وبالرحمن معتضدا)
(حَتَّى هدمت منار الشّرك حِين علا ... من بعد مَا شب فِي الْآفَاق واتقدا)
(خبا سناه وَلَوْلَا أَن يفِيض على ... لظاه مَاء الحسام العضب مَا حمدا)
(فاعمد لمجدك شيده فَإِن لَهُ ... من السيوف أساسا والقنا عمدا)
(واسلم لراجي نداك الجم فِي دعة ... مَا حث حادي عيس عيسه وحدا)
(مُؤَمل الرفد فِي ليلِي سرى وقرى ... ونافذ الْأَمر فِي يومي ندى وردا)
(وَلَا بَرحت لمرتاد الندى علما ... يزين بَيت قصيد أَو لمن قصدا)
149 - الحسني يُوسُف بن مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهَذَا يعرف بِيُوسُف الْخَيل وجده يحيى يعرف بالسويقي نِسْبَة إِلَى سويقة الْمَدِينَة وَيحيى بن أبي الْكِرَام بن الجون بن الْكَامِل بن الْمثنى بن السبط وَلَيْسَ فِي السويقيين من لَهُ ذكر غير يُوسُف هَذَا
قَالَ يُخَاطب بني عَمه السليمانيين // (من المجتث) //
(بني سُلَيْمَان إِنَّا ... وَأَنْتُم كالأصابع)(29/143)
(فَإِن تروموا اعوجاجا ... نصبح كَمثل الأضالع)
وَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(دَعْنِي وطرفي وذياك الحاسم وَأَبْنَاء ... الجلاد ومزج الْحول بالحيل)
(حَتَّى أجوز الَّتِي افنت بخطبتها ... أَعْلَام بَيت أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ)
(فَإِن هَلَكت فَأمر لَيْسَ تنكره ... وَإِن سلكت فجدي خيرة الرُّسُل)
150 - أَبُو الْعِزّ الْموصِلِي الصُّوفِي يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي سعد أَبُو الْعِزّ الْموصِلِي الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الصُّوفِي كَانَ يحصب الشَّيْخ النجيب السهروردي تفقه عَلَيْهِ وَسمع مَعَه الحَدِيث من جمَاعَة ثمَّ طلب بِنَفسِهِ وَقَرَأَ على الشُّيُوخ وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل الْأُصُول فَسمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَمَرقَندي وَعلي بن هبة الله بن عبد السَّلَام وَعبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْكَرْخِي وخلقا كثيرا وَحدث باليسير
سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عليّ الْقرشِي وَأخرج عَنهُ حَدِيثا فِي مُعْجم شُيُوخه وَصفه بِالصّدقِ والثقة وَكَانَ فَاضلا صَالحا متدينا حسن الطَّرِيقَة وَلم يزل يسمع وَيسمع إخْوَته وَولده إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة
151 - التنوخي الصُّوفِي يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن صَالح ابْن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحجَّاج التنوخي الجماهري الْفَقِيه الصُّوفِي الدِّمَشْقِي نسبته إِلَى جبل الْجمَاهِر بَين كرخ نوخ عَلَيْهِ السَّلَام وبعلبك وَتوجه إِلَى بَغْدَاد وَسمع من هبة الله بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد الْأَكْفَانِيِّ وَعبد الْكَرِيم بن حَمْزَة الحدّاد وطاهر بن سهل الإِسْفِرَايِينِيّ وأبوي الْحسن عَليّ بن الْمُسلم السّلمِيّ وَعلي بن أَحْمد بن مَنْصُور الغساني وَنصر الله بن مُحَمَّد ابْن عبد الْقوي المصِّيصِي وَغَيرهم وَسمع بِبَغْدَاد من ابْن الْحصين وَأحمد بن عبد الله بن رضوَان وَابْن كادش والمقرب بن الْحُسَيْن بن الْحسن النساج وَأحمد بن الْحسن بن الْبَنَّا وزاهر بن طَاهِر الشحامي وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَهبة الله بن أَحْمد بن عمر الحريري وَجَمَاعَة من أَصْحَاب أبي مُحَمَّد الصريفيني وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَعبد الْعَزِيز الْأنمَاطِي وَأبي الْقَاسِم البشري وَأبي نصر الزَّيْنَبِي وتفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية على أبي مَنْصُور بن الرزاز وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَحصل الْأُصُول وَخرج التخاريج ثمَّ انْقَطع إِلَى(29/144)
الشَّيْخ النجيب السهروردي وَلبس الخشن وَأكل الجشب وَجلسَ فِي الْخلْوَة وَعمل الرياضيات والمجاهدات وَظهر لَهُ كَلَام على لِسَان أهل الْحَقِيقَة وَصَارَ من الْمشَار إِلَيْهِم فِي الزّهْد والمعرفة وَحدث باليسير
وَعَاد إِلَى دمشق زَائِرًا أَهله فأدركه أَجله رَحمَه الله سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة وَدفن بقاسيون
وَكَانَ يناظر فِي مسَائِل الْخلاف ويعقد مجْلِس التَّذْكِير ويتردد من بَغْدَاد إِلَى الْموصل للوعظ وَكَانَ مَوته بعلة الاسْتِسْقَاء
وَمن شعره // (من الوافر) //
(أنوم بعْدهَا هجع النيام ... وظلم بَعْدَمَا انقشع الظلام)
(فَهَذَا الصُّبْح فِي الفودين باد ... يُنَادي [] من بَقِي الْأَنَام)
(فبادر يَا فَتى قبل المنايا ... فمالك بعد ذَا عذر يُقَام)
(فَعِنْدَ الله موقفنا جَمِيعًا ... وَبَين يَدَيْهِ ينْفَصل الْخِصَام)
152 - فَخر الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ يُوسُف بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن حمويه بن مُحَمَّد بن حموية الْأَمِير فَخر الدّين أَبُو الْفضل بن صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ الْحَمَوِيّ الْجُوَيْنِيّ كَانَ أَمِيرا جَلِيلًا كَبِيرا عالي الهمة فَاضلا متأدبا سَمحا جوادا ممدحا خليقا بِالْملكِ لما فِيهِ من الْأَوْصَاف الجميلة وَكَانَ فِيهِ كرم زَائِد وَحسن تَدْبِير وَكَانَ مُطَاعًا محبوبا إِلَى الْخَاص وَالْعَام تعلوه الهيبة وَالْوَقار
وَأمه وَأم إخْوَته ابْنة شهَاب الدّين المطهر ابْن الشَّيْخ شرف الدّين أبي سعد عبد الله بن أبي عصرونَ وَكَانَت أرضعت الْملك الْكَامِل وَكَانَ أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة إخْوَة الْكَامِل من الرضَاعَة وَكَانَ يُحِبهُمْ ويعظمهم ويرعى جانبهم وَلم يكن عِنْده أحد فِي رُتْبَة الْأَمِير فَخر الدّين لَا يطوي عَنهُ سرا ويثق بِهِ ويعتمد عَلَيْهِ فِي سَائِر أُمُوره ونال الْأَمِير فَخر الدّين وَإِخْوَته من السَّعَادَة مَا لَا ناله غَيره(29/145)
وَلما ملك الْملك الصَّالح الْبِلَاد أعرض عَن الْأَمِير فَخر الدّين واطرحه ثمَّ اعتقله ثمَّ أفرج عَنهُ وَأمره بِلُزُوم بَيته ثمَّ إِنَّه ألجأته الضَّرُورَة إِلَى نَدبه إِلَى الْمُهِمَّات لما لم يجد من يقوم مقَامه فجهزه إِلَى بِلَاد الْملك النَّاصِر دَاوُد فَأَخذهَا وَلم يتْرك بِيَدِهِ سوى سور الكرك ثمَّ جهزه لحصار حمص ثمَّ نَدبه لقِتَال الفرنج فاستشهد
وَكَانَ أول أمره معمما فألزمه الْكَامِل أَن يلبس الشربوش وزي الْجند فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وأقطعه منية السودَان بالديار المصرية ثمَّ طلب مِنْهُ ينادمه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فأقطعه شبْرًا فَقَالَ ابْن البطريق الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //
(على منية السودَان صَار مشربشا ... وَأَعْطوهُ شبْرًا عِنْدَمَا شرب الخمرا)
(فَلَو ملكت مصر الفرنج وأنعموا ... عَلَيْهِ ببيسوس تنصر لِلْأُخْرَى)
وَقَالَ فِيهِ وَفِي أَخِيه عماد الدّين وَكَانَ يذكر الدَّرْس بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي إِلَى جَانب ضريح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ // (من الْخَفِيف) //
(ولدا الشَّيْخ فِي الْعُلُوم وَفِي الإمرة ... بِالْمَالِ وَحده والجاه)
(فأمير وَلَا قتال عَلَيْهِ ... وفقيه وَالْعلم عِنْد الله)
وَقَالَ فِي عماد الدّين // (من الْخَفِيف) //
(جَاءَنِي الشَّافِعِي عِنْد رقادي ... وَهُوَ يبكي بحرقة وينادي)
(عمروا قبتي لعمري وَلَكِن ... هدموا مذهبي بِفقه الْعِمَاد)
وَكَانَ لَهُم من الإقطاعات المناصب الدِّينِيَّة مِنْهَا مدرية الشَّافِعِيَّة والمدرسة الَّتِي إِلَى جَانب مشْهد الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وخانقاه سعيد السُّعَدَاء وَلم تزل هَذِه المنصب بِأَيْدِيهِم إِلَى أَن مَاتُوا وَكَانَت بعد ذَلِك لوَلَدي عماد الدّين وَكَمَال الدّين مُدَّة ثمَّ انتزعت مِنْهُم وَلم يكن للأمير فَخر الدّين إِلَّا بنت وَاحِدَة
وَكَانَ قدم دمشق وَنزل دَار أُسَامَة فَدخل عَلَيْهِ الشَّيْخ عماد الدّين بن النّحاس وَقَالَ لَهُ يَا فَخر الدّين إِلَى كم يُشِير إِلَى تنَاول الشَّرَاب فَقَالَ لَهُ يَا عماد الدّين وَالله لأستبقك إِلَى الْجنَّة فاستشهد يَوْم وقْعَة المنصورة سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي عماد الدّين سنة أَربع وَخمسين فسبقه كَمَا قَالَ إِلَى الْجنَّة وَكَانَ الصَّالح قد حَبسه ثَلَاثَة أَعْوَام وقاسى ضرا شَدِيدا حَتَّى إِن كَانَ لَا ينَام من الْقمل ثمَّ أخرجه وأنعم عله وَجعله نَائِب السلطنة وَلما توفّي الصَّالح ندبوه للسلطنة فَامْتنعَ وَلَو أجَاب لتم لَهُ الْأَمر ودبر الْملك وَأنْفق فِي العساكر(29/146)
مِائَتي ألف دِينَار وَأحسن إِلَى الرّعية وَبَطل المكوس وَركب بالجاويشية
وَلما مَاتَ الصَّالح بعث الْفَارِس أقطاي إِلَى حصن كيفا لإحضتار الْمُعظم تورانشاه ابْن الصَّالح وَملكه كَمَا تقدم وَحمل فَخر الدّين إِلَى الْقَاهِرَة وَحمل على الْأَصَابِع وَكَانَ يَوْم دَفنه يَوْمًا مشهودا وَعمل لَهُ عزاء عَظِيم وَكَانَ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
وَسمع الحَدِيث بِمصْر ودمشق وَحدث
وَمن شعره // (دوبيت) //
(صيرت فمي لفيه باللثم لثام ... غصبا ورشفت من ثناياه مدام)
(فاغتاظ وَقَالَ أَنْت فِي الْفِقْه إِمَام ... ريقي خمر وَعند الْخمر حرَام)
وَمِنْه فِي مَمْلُوك لَهُ توفّي
(لَا رَغْبَة فِي الْحَيَاة من بعْدك لي ... يَا من ببعاده تناهى أَجلي)
(إِن مت وَلم أمت أسى خجلي ... من عتبك لي فِي عرض يَوْم الْعَمَل)
وَمِنْه
(فِي عشقك قد هجرت أُمِّي وَأبي ... الرَّاحَة للْغَيْر وحظي تعبي)
(يَا ظَالِم فِي الْهوى أما تنصفني ... وحدتك فِي الْعِشْق فَلم تشرك بِي)
وَمِنْه // (من مجزوء الرمل) //
(وتعانقنا فَقل مَا ... شيت فِي مَاء وخمر)
(وتعاتبنا فَقل مَا ... شيت فِي غنج وسحر)
(ثمَّ لما أدبر اللَّيْل ... وَجَاء الصُّبْح يجْرِي)
(قَالَ إياك رقيبي ... بك يدْرِي قلت يدْرِي)
ورثاه الصاحب جمال الدّين يحيى بن مطروح فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(أأبا مُحَمَّد يُوسُف بن مُحَمَّد ... أودى مصابك بالندى والسؤدد)
(آلَيْت لَا أنساك مَا هبت صبى ... حَتَّى أُوَسَّد فِي صفيح الملحد)
(فتكوا بِهِ يَوْم الثلاثا فتكة ... فجع الْخَمِيس بهَا وكل موحد)
(وخلى الندي من المكارم والعلى ... لخلوه من مثل ذَاك السَّيِّد)
(قل مَا بدا لَك يَا حسود فطالما ... فقئت معاليه عُيُون الْحَسَد)
(فَعَلَيْك مني مَا حييت تَحِيَّة ... كالمسك طيبَة تروح وتغتدي)(29/147)
وَقَالَ لما بلغه نعيه // (من مجزوء الرجز) //
(فض فَم نعى لنا ... يَوْم الْخَمِيس يوسفا)
(واأسفا من بعده ... على الْعلَا واأسفا)
153 - الْمُوفق بن الْخلال يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن موفق الدّين أَبُو الْحجَّاج الْمَعْرُوف بالموفق بن الْخلال صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بِمصْر فِي دولة الْحَافِظ أبي الميمون عبد الْمجِيد صَاحب مصر
قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي حَقه نَاظر ديوَان مصر وإنسان ناظره وجامع مفاخره وَكَانَ إِلَيْهِ الْإِنْشَاء وَله قُوَّة على الترسل يكْتب كَيفَ يَشَاء عَاشَ كثيرا وعطل فِي آخر عمره وأضر وَلزِمَ بَيته إِلَى أَن تعوض مِنْهُ الْقَبْر وَتُوفِّي بعد ملك الْملك النَّاصِر مصر بِثَلَاث أَو أَربع سِنِين
وَقَالَ ابْن الْأَثِير حَدثنِي القَاضِي الْفَاضِل بِدِمَشْق قَالَ كَانَ فن الْكِتَابَة بِمصْر فِي زمن الدولة العلوية غضا طريا وَكَانَ لَا يَخْلُو من ديوَان المكاتبات من رَأس يرأس مَكَانا وبيانا وَيُقِيم لسلطانه بقلمه سُلْطَانا وَكَانَ من الْعَادة أَن كلا من أَرْبَاب الدَّوَاوِين إِذا نَشأ لَهُ ولد وشدا شَيْئا من علم الْأَدَب أحضرهُ إِلَى ديوَان المكاتبات ليتعلم فن الْكِتَابَة ويتدرب وَيرى وَيسمع قَالَ فأرسلني وَالِدي وَكَانَ إِذْ ذَاك قَاضِيا بعسقلان إِلَى الديار المصرية فِي أَيَّام الْحَافِظ وأمرين بالمصير إِلَى ديوَان المكاتبات وَكَانَ الَّذِي رَأس بِهِ الْمُوفق بن الْخلال فَلَمَّا مثلت بَين يَدَيْهِ وعرفته من أَنا وَمَا طلبي تَلقانِي بالرحب والسهل ثمَّ قَالَ لي مَا الَّذِي أَعدَدْت لفن الْكِتَابَة من الْآلَات فَقلت لَيْسَ عِنْدِي شَيْء سوى أَنِّي أحفظ الْقُرْآن الْكَرِيم وَكتاب الحماسة فَقَالَ فِي هَذَا بَلَاغ ثمَّ أَمرنِي بملازمته فَلَمَّا ترددت إِلَيْهِ وتدربت بَين يَدَيْهِ أرمني بعد ذَلِك أَن أحل شعر الحماسة فجللته من أَوله إِلَى آخِره ثمَّ أَمرنِي فحللته مرّة ثَانِيَة وَقد استبعد بعض النَّاس ذَلِك وَزعم أَن الْفَاضِل لم يدْخل مصر إِلَّا فِي أَيَّام الظافر ابْن الْحَافِظ
قلت يُمكن أَن يكون قد دَخلهَا أَيَّام الْحَافِظ ثمَّ إِنَّه خرج مِنْهَا وَعَاد إِلَيْهَا مَعَ وَالِده فِي أَيَّام الظافر وَيُقَال إِن الْمُوفق بن الْخلال كَانَ يكْتب إِلَى القَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ عاطل فِي بَيت خادمه يُوسُف وَكَانَ الْفَاضِل يَقُول إِلَى مَتى نجباء الْألف وَاللَّام يَعْنِي أَنه يَقُول(29/148)
الْخَادِم وَهَذَا يدل على أَن الْخلال كَانَ يستصغر الْفَاضِل لِأَنَّهُ خرجه وثقفه وَلم يزل ابْن الْخلال بديوان الْإِنْشَاء إِلَى أَن طعن فِي السن وَعجز عَن الْحَرَكَة فَانْقَطع فِي بَيته وَكَانَ الْفَاضِل يرْعَى لَهُ حق الصُّحْبَة والتعليم وَيجْرِي عَلَيْهِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
وَمن شعر ابْن الْخلال // (من الْكَامِل) //
(عذبت لَيَال بالعذيب حوالي ... وخلت مَوَاقِف بالوصال خوالي)
(وَمَضَت لذاذات تقضى ذكرهَا ... تصبي الخلي وتستهيم السالي)
(وجلت موردة الخدود فأوثقت ... فِي الصبوة الْخَالِي بِحسن الْخَال)
(قَالُوا سراة بني هِلَال أَصْلهَا ... صدقُوا كَذَاك الْبَدْر فرع هِلَال)
وَمِنْه // (من مجزوء الْكَامِل) //
(وأغن سيف لحاظه ... يفري الحسام بحده)
(فَضَح الصوارم واللدان ... بلحظه وبقده)
(عجب الورى لما حييت ... وَقد منيت ببعده)
(وَبَقَاء جسمي ناحلا ... يصلى بوقدة صده)
(كبقاء عنبر خَاله ... فِي نَار صفحة خَدّه)
وَمِنْه فِي الشمعة // (من الْكَامِل) //
(وصحيحة بَيْضَاء تطلع فِي الدجى ... صبحا وتشفي الناظرين بدائها)
(شابت ذوائبها أَوَان شبابها ... واسود مفرقها أَوَان فنائها)
(كَالْعَيْنِ فِي طبقاتها ودموعها ... وسوادها وبياضها وضيائها)
وَمِنْه // (من المديد) //
(وَله طرف لواحظه ... نصرت شوقي على كَبِدِي)
(قذفت عَيْني سوالفه ... فتوارت مِنْهُ بالزرد)
وَكَانَ الْمُوفق بن الْخلال خَال القَاضِي الجليس عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن بن الْجبَاب وَقد تقدم ذكره فِي مَكَانَهُ فَحصل لِابْنِ الْخلال نكبة وَحصل لِابْنِ الْجبَاب بِسَبَب خَاله صداع فَقَالَ ابْن الْجبَاب وكتبها إِلَى الرشيد بن الزبير // (من المتقارب) //
(تسمع مقالي يَا ابْن الزبير ... فَأَنت خليق بِأَن تسمعه)(29/149)
(بلينا بِذِي نسب شابك ... قَلِيل الجدى فِي زكان الدعه)
(إِذا ناله الْخَيْر لم نرجه ... وَإِن صفعوه صفعنا مَعَه)
قَالَ القَاضِي شمس الدّين بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وَهَذَا من قَول حُصَيْن السَّعْدِيّ الْخَارِجِي يُخَاطب قطري بن الْفُجَاءَة // (من الطَّوِيل) //
(وَأَنت الَّذِي لَا نستطيع فِرَاقه ... حياتك لَا نفع وموتك ضائر)
وَيُقَال إِن أَبَا الْقَاسِم بن هَانِئ الشَّاعِر الْمُتَأَخر على ابْن هَانِئ الْمُتَقَدّم هجا ابْن الْخلال الْمَذْكُور وبلغه ذَلِك فأضمر لَهُ حقدا وَاتفقَ بعض المواسم الَّتِي جرت بِهِ عَادَة مُلُوك مصر الْحُضُور لاستماع المدائح فَجَلَسَ الْحَافِظ عبد الْمجِيد ملك مصر إِذْ ذَاك وأنشده الشُّعَرَاء وانتهت النّوبَة إِلَى ابْن هَانِئ الْمَذْكُور فَأَنْشد وأجاد فِيمَا قَالَه فَقَالَ الْحَافِظ لِابْنِ الْخلال كَيفَ تسمع فَأثْنى عَلَيْهِ واستجاد شعره وَبَالغ فِي وَصفه ثمَّ قَالَ لَهُ وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا مَا يمت بِهِ من انتسابه إِلَى ابْن الْقَاسِم بن هَانِئ شَاعِر هَذِه الدولة ومظهر مفاخرها وناظم مآثرها لَوْلَا بَيت أظهر مِنْهُ الضَّمِير عِنْد دُخُوله هَذِه الْبِلَاد فَقَالَ الْحَافِظ مَا هُوَ فتحرج من إنشاده فَأبى الْحَافِظ وَقَالَ لَا بُد من إنشاده وَفِي أثْنَاء ذَلِك صنع بَيْتا وأنشده وَهُوَ // (من الْبَسِيط) //
(تَبًّا لمصر فقد صَارَت خلافتها ... عظما تنقل من كلب إِلَى كلب)
فَعظم ذَلِك على الْحَافِظ وَقطع صلته وَكَاد يفرط فِي عُقُوبَته وَمن شعر ابْن الْخلال فِي الشمعة أَيْضا // (من الْبَسِيط) //
(وصعدة لدنة كالتبر تفتق فِي ... جنح الظلام إِذا مَا أبرزت فلقا)
(تَدْنُو فيحرق برد اللَّيْل لهذمها ... وَإِن نأت رتق الظلام مَا فتقا)
(وتستهل بِمَاء عِنْد وقدتها ... كَمَا تألق برق الْغَيْث فاندفقا)
(كالصب لونا ولمعا والتظاء وضنى ... وَطَاعَة وسهادا دَائِما وشقا)
(وَالْحب أنسا ولينا واستواق سنا ... وبهجة وطروقا واجتلاء ولقا)
قلت قَوْله كالصب لمعا فِيهِ نظر وَمِنْه قَوْله وَالْحب لينًا نظر وَمن // (الرمل) //
(شيم الْأَيَّام صد بعد ود ... والليالي عهدها أخون عهد)
(إِن أغاثت خذلت أَو وهبت ... سلبت أَو أوجدت راعت بفقد)
(أُفٍّ لدينا فِيكُم تخدعنا ... من حباها بمعار مسترد)
(مَا وَقت أَعْوَام قرب بِالَّذِي ... جنت اللوعة فِي سَاعَة بعد)(29/150)
(يَا أبخا الْعِزَّة حسب الدَّهْر وَمن عظة ... الْمَغْرُور مَا أصبح يُبْدِي)
(تُؤثر الدُّنْيَا فَهَل نلْت بهَا ... لَحْظَة تخلص من هم وكد)
154 - ابْن الأبلة الْعِرَاقِيّ يُوسُف بن مُحَمَّد بن بختيار بن عبد الله الْجَوْهَرِي أَبُو المظفر الْبَغْدَادِيّ هُوَ ابْن الأبله الشَّاعِر الْمَشْهُور وَقد تقدم ذكر وَالِده فِي المحمدين قَرَأَ هَذَا طرفا من الْأَدَب على أبي بكر الوَاسِطِيّ النَّحْوِيّ وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ
قَالَ محب الدّين بن النجار وَسمع الْكثير من شُيُوخنَا أبي الْفرج بن كُلَيْب وأبوي الْقَاسِم ذَاكر بن كَامِل وَيحيى بن يُونُس وَأبي طَاهِر بن المعطوش وَمن جمَاعَة من أَصْحَاب أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي الْعِزّ بن كادش وَأبي غَالب بن الْبناء وَأبي بكر ابْن عبد الْبَاقِي وَمن دونهم وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل الْأُصُول الحسان بهمة وافرة وسافر إِلَى الْموصل وَسمع بهَا من أبي طَاهِر أَحْمد بن عبد الله بن الطوسي وَأبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عبد الله الرهاوي وَمَات شَابًّا غضا طريا سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة
وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَيقْرَأ الحَدِيث جيدا قَالَ وَكَانَ طَرِيقه غير مرضية فِي الحَدِيث لَا يوثق بنقله وَلَا ضَبطه شاهدت لَهُ أَشْيَاء بعد مَوته فِي كتبه تدل على ضعفه عَفا الله عَنهُ وَعنهُ
وَمن شعره لغز فِي اسْم معن // (من السَّرِيع) //
(وأسمر كالغصن فِي قده ... بل يخجل الْغُصْن إِذا مَا انثنى)
(تحجب الشَّمْس إِذا مَا بدا ... ويطرف الخشف إِذا مَا ربى)
(لَو أَنه جاد لنا باسمه ... من بعد قلب لبلغنا المنى)
وَمِنْه // (من المديد) //
(لَا تلوموني بحقكم ... مَا بَقِي صَبر وَلَا جلد)
(فجفوني مِنْهُ دامية ... وحشاي حشوها كمد)
(وهمومي فِيهِ وَاحِدَة ... وغرامي فِيهِ مُتحد)
(وَعَذَاب عز مطلبه ... وفؤادي ناره تقد)
(لَيْسَ لي وصل ألذ بِهِ ... لَا وَلَا قرب وَلَا بعد)
(ساعدوني بالبكا فَعَسَى ... ينجلي بعض الَّذِي أجد)(29/151)
قلت شعر نَازل
155 - البلوطي النَّحْوِيّ يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن سعيد بن سراج بن طريف البلوطي أَبُو عمر النَّحْوِيّ الْقُرْطُبِيّ سمع من طَاهِر بن عبد الْعَزِيز وَأحمد بن خَالِد وَأحمد بن بشر بن الأغبس وَالْحسن بن سعد وَعبد الله بن يُونُس وقاسم بن أصبغ وَغَيرهم وَكَانَ عَالما بالنحو واللغة وَحسن الْخط جيد الضَّبْط إِمَامًا فِي هَذَا الْفَنّ وَكَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ وَكَانَ صَالحا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
156 - صَلَاح الدّين بن عبيد الله الْموقع يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبيد الله القَاضِي صَلَاح الدّين كَاتب الدرج السلطاني بِالْقَاهِرَةِ تقدم ذكر وَالِده زين الدّين بن عبيد الله فِي المحمدين وَكَانَ هَذَا صَلَاح الدّين وَلَده كَاتبا مَأْمُونا اعْتمد عَلَيْهِ القَاضِي فتح الدّين بن عبد الظَّاهِر وَلم يزل مُتَقَدما عِنْد كتاب السِّرّ وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى آخر أَيَّام القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الْأَثِير فَإِنَّهُ كَانَ يستكتبه فِي الْمُهِمَّات وَكَانَ ملازما ديوانه تطلع لَهُ الشَّمْس فِي ديوانه وتغرب وَهُوَ فِيهِ أَقَامَ كَاتب درج تَقْدِير خمس وَخمسين سنة وَأكْثر وَكَانَ سَاكِنا خيرا خائرا لَيْسَ فِيهِ شَرّ أَلْبَتَّة مُحْتملا أَذَى رفاقه رَأَيْتهمْ يَسُبُّونَهُ فِي وَجهه وَلَا يتَكَلَّم خُصُوصا القَاضِي قطب الدّين بن المكرم يَقُول لَهُ لعن الله والديك يَا كلب يَا ابْن الْكَلْب يَا عبد النحس يَا ابْن الْأمة وَلَا يرد عَلَيْهِ هَذَا وَهُوَ مقدم على الْجَمِيع وَكَانَ أسمر اللَّوْن قطط الشّعْر صَغِير الذقن وَلما حصل للْقَاضِي عَلَاء الدّين بن الْأَثِير مبدأ الفالج طلبه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر ليستكتبه شَيْئا فِي السِّرّ بِنَاء على أَنه يكون كَاتب السِّرّ فَلَمَّا أَخذ بِيَدِهِ الْأَمِير سيف الدّين الجاي الدوادار وَدخل بِهِ فِي دهليز الْقصر أحدث فِي سراويله فأعفي من الدُّخُول وَكَبرت سنة وعورت ع ينْه وانهدت أَرْكَان قواه وَهُوَ ملازم الْخدمَة فَأَقُول لَهُ لَو وفرت نَفسك وَقَعَدت فِي بَيْتك كَانَ خيرا لَك وَكَانَ يَقُول أَخَاف يقطعون معلومي وَلم يكن أحد يقدم على ذَلِك لقدم هجرته وَثُبُوت قدمه فِي الْخدمَة وَلَكِن كل ذَلِك من ضعف نَفسه وَكَانَ يكْتب خطا رديا ضَعِيفا وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَأعْطِي معلومه القَاضِي جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود
157 - البديهي يُوسُف بن مُحَمَّد بن مهْدي بن مِقْدَام بن الْحسن بن الرّبيع بن زَائِدَة ابْن قدم بن شهَاب بن كنَانَة الْأَخْرَس بن زيد بن عَامر أَبُو الْحجَّاج الثَّعْلَبِيّ البديهي الْمَدَائِنِي(29/152)
المولد الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ أَبُو بكر بن كَامِل فِي مُعْجم شُيُوخه قَالَ أنشدنا أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد البديهي فِي يَوْم عَرَفَة سنة عشر وَخمْس مائَة على البديهة فِي يَوْم عَرَفَة سنة عشر وَخمْس مائَة على البديهة // (من الرجز) //
(نَادَى مُنَادِي الْبَين بالفراق ... فانهملت بالأدمع المآقي)
(لفرط مَا ألْقى من الأشواق ... والدمع قد يجْرِي من الأحراق)
قَالَ وأنشدنا أَيْضا على البديهة // (من الطَّوِيل) //
(وقفت بناديهم وَقد جد بَينهم ... وفاح عَليّ الْعرف فِي ذَلِك النادي)
(فَقلت أهل مسك تحمل ركبهمْ ... أم المندل الرطب اسْتَقل بِهِ الْوَادي)
(فَقَالُوا لَهُم ذكر تضوع نشره ... ففاح لَهُ عرف بنشرهم باد)
(فَقلت لأثر الركب الثم فإنني ... شممت بِهِ مَا كَانَ يلهي عَن الزَّاد)
قلت شعر منحط
158 - أَبُو عَفَّان النّحاس يُوسُف بن مُحَمَّد بن وليدويه أَبُو عَفَّان النّحاس الشَّاعِر ذكر الصولي أَنه كَانَت لَهُ بالمهتدي بِاللَّه حُرْمَة مُؤَكدَة فولاه مَعُونَة رزقا مِنْهُ بِاخْتِيَار من أبي عَفَّان لَهَا لِأَنَّهُ مِنْهَا وَلِأَن لَهُ بهَا ضَيْعَة روى عَنهُ وَلَده عبد الرَّحْمَن وَله أَخْبَار مطبوعة من ذَلِك أَنه وَقع أَبُو الْعَبَّاس بن بسطَام لأبي عَفَّان بكير حِنْطَة بالفالج فَقَالَ يَا سَيِّدي لَا أَدخل بَيْتِي فالجين أَنا مفلوج وآخذ كير حِنْطَة بالفالج فَضَحِك وَأمر لَهُ بكير حِنْطَة بالمعدل فَضَحِك وَقَالَ السَّاعَة اعتدلت
وَقَالَ أَبُو عَفَّان دخلت يَوْمًا على الْفضل بن الْمَأْمُون وَهُوَ يصطبح وستارته مَضْرُوبَة فغنت جَارِيَة من جواريه // (من الطَّوِيل) //
(أنَاس أمناهم فنموا حديثنا ... فَلَمَّا كتمنا السِّرّ عَنْهُم تَقولُوا)
فَقَالَ الْفضل يَا أَبَا عُثْمَان أجز فَقلت
(لم يحسنوا الود الَّذِي كَانَ بَيْننَا ... وَلَا حِين هموا بالقطيعة أجملوا)
فَقَالَ لغلامه أيش مَعَك قَالَ صرة قَالَ انثرها عَلَيْهِ وَنزع ثِيَابه فألقاها عَليّ وَقعد فِي سَرَاوِيل حَتَّى جاؤوه بثيابه
وَمن شعره يمدح مُوسَى ابْن أُخْت مُفْلِح // (من الْبَسِيط) //(29/153)
(قل للأمير الَّذِي أضحت صنائع ... كواكب الزهر فِي داج من الظُّلم)
(أَنْت الَّذِي زين الدُّنْيَا محاسنه ... فقد ملكت قياد الْعَرَب والعجم)
(أَصبَحت قدوة هَذَا النَّاس كلهم ... وَإِنَّمَا يَهْتَدِي من ضل بِالْعلمِ)
(من ذَا يساويك فِي مجد خصصت بِهِ ... وَالله قدره فِي اللَّوْح بالقلم)
(يَا أَيهَا السَّائِل الفحاص عَن ملك ... كَفاهُ فِي مَاله أخسى من الديم)
(إِلَيْك مُوسَى فَخذ مَا شِئْت من رجل ... لِسَانه أبدا وقف على نعم)
159 - ابْن الإِمَام الظَّاهِر يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن يُوسُف هم الْأَمِير أَبُو هِشَام ابْن الإِمَام الظَّاهِر ابْن الإِمَام النَّاصِر ابْن الإِمَام المستضيء ابْن الإِمَام المستنجد وَبَقِيَّة النّسَب تقدم فِي تَرْجَمَة المستنجد كَانَ كَبِير الْقدر عَزِيز الْفضل وافر الْإِحْسَان يعظمه أخوته وَبَنُو عَمه وَكَانَ مرشحا للخلافة وأقتنى من الْكتب ألوفا قَالَ ابْن أَنْجَب وَكَانَ يمِيل إِلَى مَا أصنفه ويبحث عَمَّا أؤلفه حَتَّى جمع مِنْهُ كتبا كَثِيرَة وَاخْتصرَ تاريخي الْكَبِير وأفرد مِنْهُ أَخْبَار الْخُلَفَاء وَقد جمع تَارِيخا ذكر فِيهِ أَخْبَار أَخِيه الْمُسْتَنْصر وَكَانَ قد سَأَلَ من أَخِيه المستعصم أَن يرتبني وَكيلا لَهُ فَأذن فِي ذَلِك فَلَمَّا عرفني أستاذ الدَّار اعْترفت بِالْعَجزِ وكراهية التَّصَرُّف وَقلت إِنِّي عَاهَدت الله فِي مَكَّة وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل رِزْقِي من تصرف واستعفيت فأعفيت
وَتُوفِّي لوَلَدي طِفْل فَكتب يعزيني بِأَبْيَات من نظمه بِخَطِّهِ الْفَائِق وَهِي // (من المنسرح) //
(لَا عرض نَافِع [لَا] وَلَا مَال ... للمرء يَوْمًا إِذا حَالَتْ الْحَال)
(يُقَال قد حم قد تصدع قد ... قاء نعم إِنَّهَا الأشيغال)
(يَمُوت ذُو الذَّنب وَهُوَ مبتسم ... ويجزع الْأَنْبِيَاء والآل)
(بِأَيّ ذَنْب أَطَالَ غصتهم ... وَهُوَ على الْمُجْرمين مفضال)
(وَمَا رأى البهشمي من عوض ... قد كثر القيل فِيهِ والقال)
وَهِي أَبْيَات طَوِيلَة
وَقد صنف كتابا ذكر فِيهِ أَوْلَاد الْخُلَفَاء وَمَا نقل عَنْهُم من ملح الْأَخْبَار ومستحسن الْأَشْعَار(29/154)
وَلما استولى هولاكو على الأَرْض وَملك بَغْدَاد وَحصل الْخَلِيفَة فِي أسره طلب إخْوَته وَأَوْلَادهمْ وأهليهم فَخرج الْأَمِير أَبُو هَاشم صُحْبَة الْمَذْكُورين فَقتلُوا أَجْمَعِينَ رَحِمهم الله تَعَالَى فِي صفر سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة
160 - ابْن الْمليح الشَّافِعِي يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْفضل بن الْمليح الْكَرْخِي كَانَ فَقِيها فَاضلا شافعيا وَكَانَ جده يُوسُف من دمشق وَتُوفِّي مُحَمَّد وَالِد يُوسُف هَذَا وَهُوَ صبي فرباه الله تَعَالَى تربية صَالِحَة وَحفظ الْقُرْآن وَتعلم الْخط وتفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية ثمَّ صحب الصُّوفِيَّة وَسكن رِبَاط البسطامي مُدَّة ثمَّ تورع عَن أكل الْأَوْقَاف فَانْقَطع فِي بَيته ينْسَخ الْعلم وَيَأْكُل وَلَا يقبل من بر السلاطين شَيْئا وَمَشى عمره على سنَن مُسْتَقِيم وَكتب خطه كثيرا وَكَانَ يحفظ كثيرا من الْأَحَادِيث وأخبار السلاطين وَكَلَامهم وسافر إِلَى إصبهان
قَالَ محب الدّين بن النجار وَسمع بِقِرَاءَتِي هُنَاكَ كثيرا وَكَانَت لَهُ إجَازَة من أبي الْفضل عبد الله بن أَحْمد الطوسي خطيب الْموصل
161 - البياسي يُوسُف بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الْأنْصَارِيّ البياسي بِالْبَاء ثَانِي الْحُرُوف وَالْيَاء آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة وَبعد الْألف سين مُهْملَة الأديب كَانَ عَلامَة أديبا إخباريا لغويا بارعا فِي الْعَرَبيَّة وضروبها وَكَانَ يحفظ الحماسة وديوان أبي تَمام وديوان أبي الطّيب وَسقط الزند والمعلقات السَّبع وَله تَارِيخ على الْحَوَادِث فِي مجلدين سَمَّاهُ كتاب الْإِعْلَام بالحروف الْوَاقِعَة فِي صدر الْإِسْلَام إِلَى أَيَّام الرشيد وَكتاب صنفه فِي مجلدين سَمَّاهُ الحماسة صنفه بتونس وَنقل فِيهِ أشعارا فائقة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وست مائَة وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ وَلما قدم جَزِيرَة الأندلس وَوصل إِلَى تونس جمع للأمير أبي زَكَرِيَّاء يحيى بن أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص عمر صَاحب أفريقية رَحمَه الله تَعَالَى كتاب الْإِعْلَام الْمَذْكُور وَكَانَت وَفَاته بتونس رَحمَه الله تَعَالَى
162 - الْمُسْتَنْصر بِاللَّه المغربي يُوسُف بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب الْمغرب لم يكن فِي بني عبد الْمُؤمن أحسن صُورَة مِنْهُ وَلَا أبلغ خطابا وَلكنه كَانَ مُسْتَغْرقا فِي اللَّذَّات وَمَات وَهُوَ(29/155)
شَاب سنة عشْرين وست مائَة وَلم يخلف ولدا فاتفق أهل دولته على تَوْلِيَة الْأَمر لأبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ فَلم يحسن المداراة وَلَا التَّدْبِير وَكَانَت ولَايَة يُوسُف الْمَذْكُور عشر سِنِين وشهرين
163 - الحوارني الْمُحدث الكفيري يُوسُف بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عمرَان الْمُحدث الْفَاضِل أَبُو الْفضل الْهِلَالِي حوراني كتب أَحْكَام الضياء وقرأه على ابْن الْكَمَال وَحفظ متونا جمة وَأم بِمَسْجِد بَيت أَبْيَات وَقَرَأَ الحَدِيث على ابْن عبد الدَّائِم وَصَحب مَحْمُودًا الزَّاهِد الدِّمَشْقِي وَسمع بِمصْر من الرشيد الْعَطَّار وَكتب عَنهُ الْجَمَاعَة وَكَانَ يقْرَأ على كرْسِي بالجامع من حفظه وَرُبمَا قَرَأَ فِي الْقرى فيهبونه وَكَانَ دينا قانعا وَتُوفِّي سنة عشر وَسبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
164 - السَّيْف النَّاسِخ يُوسُف بن مُحَمَّد بن عُثْمَان السَّيْف النَّاسِخ أَصله من سرخس رَأَيْته غير مرّة يُنَادي على الْكتب بجسر اللبادين بِدِمَشْق وينسخ وَهُوَ شيخ قد أنقى وَكَانَ ردي الْحَال كتب كثيرا فِي الدَّوَاوِين الْمُتَأَخِّرَة خُصُوصا ديوَان سيف الدّين المشد وديوان محَاسِن الشُّعَرَاء وَكَانَ يَقُول أَنا قبلت الْقبْلَة بِأَلف دِرْهَم يفتخر بِهَذَا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع مائَة
165 - ابْن المهتار يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله الإِمَام الْفَاضِل الْكَاتِب مجد الدّين أَبُو الْفَضَائِل بن المهتار الْمصْرِيّ ثمَّ الدمشق المجود الْمُحدث الْقَارئ بدار الحَدِيث الأشرفية ولد فِي حُدُود سنة عشر وست مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وست مائَة وَسمع من ابْن صباح وَابْن الزبيدِيّ وَالْفَخْر الإربلي وَابْن اللتي وجعفر الْهَمدَانِي وَابْن المقير وَابْن ماسويه وَطَائِفَة وَقَرَأَ وَكتب الْأَجْزَاء والأطباق وشارك فِي الْعلم وتوحد فِي الْكِتَابَة الفائقة وَعلم بهَا دهرا وَولي فِي الآخر مشيخة الدَّار النورية وَكَانَ إِمَّا الْمَسْجِد دَاخل بَاب الفراديس وَكَانَ ذَا دين وورع وكف بَصَره قبل مَوته بِقَلِيل سمع مِنْهُ ابْن الْعَطَّار وَابْن الخباز وَابْن أبي الْفَتْح والمزي وَطَائِفَة سواهُم وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته
166 - ابْن حَمَّاد خطيب حماه يُوسُف بن مُحَمَّد بن مظفر بن حَمَّاد جمال الدّين الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي مفتي حماه وخطيبها بالجامع الْكَبِير توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ(29/156)
وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة وَحدث بِجُزْء الْأنْصَارِيّ عَن مُؤَمل النابلسي والمقداد الْقَيْسِي وَكَانَ على قدم متين فِي الْعلم وَالْعَمَل والتعبد وَنشر الْعلم وَلما مَاتَ تأسف النَّاس عَلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى
167 - ابْن المغيزل الشَّافِعِي يُوسُف بن مُحَمَّد الشَّيْخ الإِمَام صَلَاح الدّين بن المغيزل الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي مفتي حماه وخطيبها كَانَ كهلا مفتنا فِي الْعُلُوم مناظرا لَهُ محفوظات وفضائل حدث عَن الشَّيْخ شمس الدّين بن قدامَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بحماه سنة تسع عشرَة وَسبع مائَة حُكيَ لي شمس الدّين بن النصيبي بحلب قَالَ بحث يَوْمًا صَلَاح الدّين بن المغيزل وَبدر الدّين بن الْوَكِيل فِي مَسْأَلَة بِحُضُور ابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماه من بكرَة إِلَى أَن قَالَ الْمُؤَذّن لِلظهْرِ الله أكبر فَقَالَ القَاضِي شرف الدّين طول الله فِي عمريكما للْمُسلمين سُرُورًا بهما أَو كَمَا قَالَ
168 - جمال الدّين الْمُقْرِئ يُوسُف بن مُحَمَّد بن نصر بن أبي الْقَاسِم الشَّيْخ الْفَقِيه جمال الدّين الْمُقْرِئ سمع من ابْن علاق والنجيب الْحَرَّانِي وَأَجَازَ لَهُ لخطه فِي سنة ثمانٍ وَعشْرين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وست مائَة
169 - نور الدّين الفيومي يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح بن صارم بن مخلوف نور الدّين بن تَقِيّ الدّين بن جلال الدّين بن تفي الدّين الْأنْصَارِيّ الخزرجي الفيومي مولده سنة ثَمَان وَسبعين وست مائَة اجْتمعت بِهِ لديار المصرية وبصفد وبدمشق غير مرّة وَكتب إِلَى شعرًا وأجبته عَنهُ أعرفهُ وَهُوَ شَاهد العمائر للأمير سيف الدّين بكتمر الساقي ثمَّ إِنَّه ورد إِلَى صفد وَأقَام بهَا مُدَّة فِي خدمَة الْأَمِير سيف الدّين طشتمر النَّائِب بهَا ثمَّ إِنَّه توجه مَعَه إِلَى حلب ثمَّ عَاد إِلَى مصر ورأيته بهَا سنة خمس وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَكتب إِلَيّ بِالْقَاهِرَةِ بِمَا قدمت إِلَيْهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ أنشدنيه من لَفظه // (من الوافر) //
(وجدنَا أنس مَوْلَانَا فَلَمَّا ... وجدنَا الْأنس لم نقنع بذاكا)
(وهام الطّرف مني فِي انْتِظَار ... يروم من الصبابة أَن يراكا)
(عجزت عَن المزار فَكنت مِمَّن ... نواك بِهِ كفينا من نواكا)
(وَلَا عتب على شيخ ضَعِيف ... إِذا مَا قَامَ لم يملك حراكا)
(فعش لمسرة الأحباب إِنَّا ... إِذا مَا عِشْت عِشْنَا فِي ذراكا)(29/157)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ تَشْبِيها فِي عصفر // (من الوافر) //
(أشبه عصفرا فِي الرَّوْض يزهى ... وتشبيهي لهيئته مقارب)
(ككنز فِيهِ بلور عَلَيْهِ ... دَنَانِير ومهلكها عقارب)
وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ فِي قصب السكر // (من السَّرِيع) //
(فِي حلب أَبْصرت أعجوبة ... تخرج أذكى النَّاس من عقله)
(شخصا رَشِيق الْقد عذب ... اللمى لَا تقدر الرّوم على مثله)
(وَهُوَ بِلَا عقل جريح الحشا ... والدود لَا يشْبع من أكله)
(لَا يبرح الْبَوْل على رَأسه ... والقيد لَا يَنْفَكّ من رجله)
(لَهُ عُيُون وَهُوَ أعمى وَفِي ... عَيْنَيْهِ أَوْلَاد على شكله)
(يَا من سما بَين الورى قدره ... اكشف لنا عَنهُ وَعَن أَصله)
وَقلت أَنا فِي ذَلِك // (من الطَّوِيل) //
(عجبت لمعسول الرضاب مهفهف ... يحاكي أنابيب القنا حَال نبته)
(تنَاقض مَعْنَاهُ الْغَرِيب فبوله ... على الرَّأْس رَأس والشوارب فِي استه)
170 - الأشوني الْمَالِكِي يُوسُف بن مرحب أَبُو عمر بن أهل أشونة سمع من مُحَمَّد بن أَحْمد الْعُتْبِي وَغَيره وَكَانَ عَالما بالفتيا حَافِظًا للمسائل والرأي على مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن الفرضي ذكره إِسْمَاعِيل
171 - التلعفري الشَّاعِر يُوسُف بن مَسْعُود بن بركَة أَبُو المحاسن الشَّيْبَانِيّ الشَّاعِر الشيعي وَالِد شهَاب الدّين أَحْمد التلعفري وَقد تقدم ذكر وَلَده فِي الأحمدين ولد يُوسُف هَذَا سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وست مائَة وَله مدائح فِي أهل الْبَيْت
172 - ابْن الْفرج الأرموي يُوسُف بن المظفر بن يُوسُف بن الْفرج الأرموي
173 - ابْن الوردي الشَّافِعِي يُوسُف بن مظفر بن عمر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس الْفَقِيه الإِمَام جمال الدّين المعري ابْن الوردي الشَّافِعِي أَخُو الإِمَام زين الدّين عمر بن مظفر(29/158)
وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْعين وجمال الدّين هُوَ الْأَكْبَر كَانَ فَقِيها جيدا قَرَأَ التَّنْبِيه واشتغل بالحاوي الصَّغِير كثيرا وَكَانَ ينْقل من الرَّافِعِيّ وَمن الرَّوْضَة كثيرا ذكر لي جمَاعَة أَنه كَانَ فَقِيه النَّفس وَكَانَ جوادا بِمَا يملكهُ واشتغل على القَاضِي شرف الدّين بن الْبَارِزِيّ وتنقل فِي الْقَضَاء بالبلاد الحلبية وَرُبمَا أَنه تعدى السّبْعين وَكَانَ ضَعِيف الْعَرَبيَّة توفّي رَحمَه الله تالى فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة تسعٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائةٍ فِي طاعون حلب
174 - ابْن معزوز المرسي يُوسُف بن معزوز أَبُو الْحجَّاج الْقَيْسِي المرسي إِمَام النَّحْو مُصَنف شرح الْإِيضَاح للفارسي وَله رد على الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل أَخذ عَن أبي إِسْحَاق بن ملكون والسهيلي تخرج بِهِ جمَاعَة أَئِمَّة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمس وَعشْرين وست مائَة
175 - الزانكي يُوسُف بن الْمُغيرَة بن أبان الْيَشْكُرِي أَبُو يَعْقُوب الزانكي بالزاي وَالْألف وَالنُّون وَالْكَاف وَيعرف بالأخضر قَالَ مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح الْكَاتِب أَبُو يَعْقُوب الزانكي مَجْهُول الشّعْر من أهل الْبَصْرَة وَقَالَ غَيره قدم مَدِينَة السَّلَام من الْبَصْرَة وَقد صفر شيبا لَهُ وخنجر لحيته وَهُوَ مؤتزر بإزار أَحْمَر مُرْتَد بآخر مثله ينشد أَبَا نواس فِي جَامع الْبَصْرَة لنَفسِهِ فِي أبي دلف // (من الْكَامِل) //
(الشَّمْس تنهض بِأَنْفَاسِ الْعَقْرَب ... والظل يقْدَح فِي حمام الجندب)
(وَاللَّيْل محشوش بِأَنْفَاسِ الدجى ... والنجم من عَال من متصوب)
(فاصبح نديمك من سلافة قرقف ... جَادَتْ بدرتها وَلما تخلب)
(ظعنت بمبزلها فَاتبع كوبها ... من دنها مثل انقضاض الْكَوْكَب)
(فاصطب مِنْهَا فِي الزّجاج وعلها ... بمسلسل حمد السباسب أصهب)
(فالراح مخرسة وألسن نورها ... نطق بِكُل بَيَان حسن مُعرب)
(ومتوج عكفت بِصَحْنِ فنائه ... خيلان من بكر الْعرَاق وتغلب)
(نَفسِي أَبَا دلف فداؤك والقنا ... فِي النَّقْع من متقصف ومخضب)
فَقَالَ لَهُ أَبُو نواس أرويت من شعري شَيْئا أم لَا قَالَ لَا قَالَ لم قَالَ لِأَنَّك كثير الإحالة غير متسق الشّعْر قَالَ وَمَا ذَاك وَيلك فَذكر شَيْئا كثيرا من شعره عابه بِهِ فشتمه أَبُو نواس وَقَامَ عَن الْحلقَة(29/159)
وَأنْشد الزانكي لنَفسِهِ // (من الْبَسِيط) //
(ومستطيل على الصَّهْبَاء باكرها ... فِي فتية باصطباح الراح حذاق)
(وكل شَيْء رَآهُ ظَنّه قدحا ... وكل شخص رَآهُ ظَنّه الساقي)
ابْن مُوسَى
176 - الْقطَّان الْكَبِير يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَكتب عَنهُ يحيى بن معِين قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
177 - الْقطَّان الصَّغِير يُوسُف بن مُوسَى بن عبد الله الْقطَّان الْمروزِي قدم بَغْدَاد وَحدث بالكثير وَكَانَ مكثرا فَاضلا وَاسع الرحلة وَهُوَ يُوسُف الْقطَّان الصَّغِير وَالْكَبِير هُوَ الْمَذْكُور أَولا وَذَاكَ من شُيُوخ البُخَارِيّ وَتُوفِّي يُوسُف الصَّغِير بمرو الروذ فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى
178 - الإِمَام التطيلي يُوسُف بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِالْإِمَامِ التطيلي أَبُو عمر كَانَ عَالما فَاضلا وَكَانَت لَهُ رحْلَة سمع فِيهَا وَجمع وَكَانَ حَافِظًا قَالَ ابْن الفرضي ذكره ابْن الْحَارِث
179 - ابْن الْحَيَوَان يُوسُف بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن الْحَيَوَان بهاء الدّين ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين شَاب فَاضل ذكي شَاب فَاضل ذكي تفقه وَحصل وَسمع الحَدِيث وَتعلم الشّعْر ونظم ثمَّ إِنَّه تفقه ولازم ابْن الباجربقي فأفسد عقيدته وَكَانَ كيسا متواضعا حسن الْعشْرَة توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَتِسْعين وستّ مائَة وَمن شعره
180 - الفقاعي الصَّالح يُوسُف بن نجاح بن موهوب الشَّيْخ الْقدْوَة الزَّاهِد الفقاعي كَانَ عبدا صَالحا قَانِتًا كَبِير الشَّأْن لَهُ أَصْحَاب ومحبون وَكَانَ حسن التربية كريم الْأَخْلَاق متواضعا مطرح الكلفة توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة تسع وَسبعين وست مائَة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ وَدفن فِي زاويته بسفح قاسيون(29/160)
ابْن نصر
181 - الاستجي يُوسُف بن نصر الْأَزْدِيّ الْقُرْطُبِيّ أَبُو عمر أَصله من استجة تحول عَنْهَا فِي زمن الْفِتْنَة وَقيل إِن نصرا قتل فِي الثائرة الَّتِي كَانَت بَين المولدة وَالْعرب باستجة وَكَانَ أَبُو عمر رجلا صَالحا لم يتلبس بِشَيْء من الدُّنْيَا وَكَانَ الْعَمَل أغلب عَلَيْهِ وَكَانَ طَوِيل الصمت وَكَانَ إِذا صلى الصُّبْح لم يتَكَلَّم بِشَيْء حَتَّى يقْرَأ سُورَة الْإِخْلَاص ألف مرّة وَكَانَ لَا يتَنَفَّل فِي الْمَسَاجِد
وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
182 - عماد الدّين بن الشقاري يُوسُف بن أبي نصر بن الشقاري الشَّيْخ الْأَمِير الْمسند عماد الدّين أَبُو الْحجَّاج الدمشق ولد سنة عشر وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة وَسمع الصَّحِيح من ابْن الزبيدِيّ وَابْن الصّلاح والناصح ابْن الْحَنْبَلِيّ وَالْفَخْر الإربلي والرشيد بن الْهَادِي والسخاوي وَولي إمرة الْحَاج مَرَّات عديدة وَأنْفق فِي ذَلِك فِي وُجُوه الْبر أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ سليم الْبَاطِن وقف بالنيرب تربة مليحة بقبة وخانقاه ومسجدا ووقف على ذَلِك أَمَاكِن وَحدث بِالصَّحِيحِ غير مرّة قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين الصَّحِيح فِي عشرَة أَيَّام
183 - الرَّمَادِي يُوسُف بن هَارُون أَبُو عمر الْكِنْدِيّ الرَّمَادِي كَانَ أحد آبَائِهِ من رمادة وَهُوَ مَوضِع بالمغرب وَأَبُو عمر شَاعِر قرطبي سريع القَوْل مَشْهُور عِنْد الْخَاصَّة والعامة بالمغرب وَكَانَ كثير من أَشْيَاخ الْأَدَب بالمغرب يَقُول فتح الشّعْر بكندة وَختم بكندة يعنون امْرأ الْقَيْس والرمادي هَذَا وامتدح أَبَا عَليّ القالي بقصيدةٍ أَولهَا // (من الْكَامِل) //
(مَنْ حاكمٌ بيني وَبَين عذولي ... الشجو شجوي والغليل غليلي)
(فِي أَي جارحةٍ أصون معذِّبي ... سلمتْ من التعذيب والتنكيل)
(إِن قلتُ فِي بَصرِي فثمَّ مدامعي ... أَو قلت فِي كَبِدِي فثم غليلي)
(وَثَلَاث شيبات نَزَلْنَ بمفرقي ... فَعلمت أَن نزولهن رحيلي)(29/161)
(طلعت ثَلَاثًا فِي نزُول ثَلَاثَة ... واش وَوجه مراقب وثقيل)
(فعزلنني عَن صبوتي فلئن ... ذللت لقد سَمِعت بذلة الْمَعْزُول)
ثمَّ إِنَّه خرج من هَذَا إِلَى وصف الصَّيْد وَالرَّوْض فَقَالَ
(روضٌ تعاهده السحابُ كأنّه ... متعاهَد من عهد إِسْمَاعِيل)
يَعْنِي إِسْمَاعِيل القالي ممدحه
(قسه إِلَى الْأَعْرَاب يعلم أنّه ... أولى من الْأَعْرَاب بالتفضيلِ)
(حازت قبائلُهم لغاتٍ فُرّقت ... فيهم وَحَازَ لغاتِ كلّ قبيلِ)
(فالشرق خَال بعده فَكَأَنَّمَا ... نزل الخَراب بربعه المأهول)
(فكأنّه شمس بدَتْ فِي غربنا ... وتغيّبتْ عَن شرقهم بأفول)
(يَا سَيِّدي هَذَا ثنائي لم أقل ... زوراً وَلَا عرّضتُ بالتنويل)
(من كَانَ يأمُل نائلاً فَأَنا امْرُؤ ... لم أرْجُ غير الْقرب فِي تأميلي)
وَقَالَ ابْن سعيد المغربي إِن الرَّمَادِي اكْتسب الْأَدَب عَن يحيى بن هُذَيْل الكفيف المغربي وَقد تقدم ذكره فِي حرف الْيَاء فِي مَكَانَهُ وَقَالَ ابْن بشكوال روى الرماي كتاب النَّوَادِر عَن أبي عَليّ القالي
وَأخذ عَن الرَّمَادِي أَبُو عمر بن عبد الْبر قِطْعَة من شعره وَرَوَاهَا فِي بعض تواليفه
وَقَالَ ابْن حَيَّان توفّي الرَّمَادِي سنة ثَلَاث وَأَرْبع مائَة يَوْم العنصرة فَقِيرا معدما وَدفن بمقبرة كلع بقرطبة
وَكَانَ يلقب بِأبي حنيش بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر النُّون وَبعدهَا يَاء آخر الْحُرُوف وشين مُعْجمَة وَمن شعر الرَّمَادِي الْمَذْكُور فِي غُلَام ألثغ // (من الْكَامِل) //
(لَا الرَّاء تطمع فِي الْوِصَال وَلَا أَنا ... الهجر يجمعنا فَنحْن سَوَاء)
(فَإِذا خلوت كتبتها فِي راحتي ... وبكيت منتحبا أَنا وَالرَّاء)
وَله فِيهِ أَيْضا // (من الْكَامِل) //
(أعد لثغة فِي الرَّاء لَو أَن واصلا ... تسمعها مَا أسقط الرَّاء وَاصل)
وَقَالَ الرَّمَادِي // (من الطَّوِيل) //
(وَلم أر أحلى من تَبَسم أعين ... غَدَاة النَّوَى عَن لُؤْلُؤ كَانَ كامنا)
قَالَ ابْن بسام فِي الذَّخِيرَة أَلا ترى قَول أبي عَامر يَعْنِي ابْن شَهِيد حِين الرَّمَادِي(29/162)
يَقُول وَأنْشد الْبَيْت وَلم أر أحلى فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(وَلما فَشَا بالدمع من سر وجدنَا ... إِلَى كاشحينا من الْقُلُوب كواتم)
(أمرنَا بإمساك الدُّمُوع جفوننا ... ليشجي بِمَا تطوي عذول ولائم)
(أبي دمعنا يجْرِي مَخَافَة شامت ... فنظمه بَين المحاجر ناظم)
(وراق الْهوى منا جفون كَرِيمَة ... تبسمن حَتَّى مَا تروق المباسم)
قَالَ ابْن المظفر وَأخذ الْمَعْنى صاحبنا السعيد أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن سناء الْملك فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(رَأَيْت طرفك يَوْم الْبَين حَتَّى همى ... ذَا الدمع ثغر وتكحيل الجفون لمى)
(فَاكْفُفْ ملامك عني حيت ألثمه ... فَمَا شَككت أَنِّي قد رَأَيْت فَمَا)
وَأَخذه أَيْضا على مَا زَاد فِيهِ ابْن شَهِيد وَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(وَإِذا بَكت عَيْني تَقول تبسمت ... إِن الدُّمُوع لَهَا ثغور عندنَا)
قَالَ ابْن ظافر أَيْضا وَقد أَخذه من قبله الرئيس أَبُو مَنْصُور بن صردر فَقَالَ // (من الْكَامِل) =
(متلونين على شَوَاهِد حبهم ... فالعين تمطرهم بِذِي ألوان)
(وَلَو أَنه مَاء لقالوا دمعه ... ثغر وجفنا عينه شفتان)
قلت وَأَنا وَقد أعجبني مَا فِي هَذِه الأبيات من الِاسْتِعَارَة فَقلت // (من الوافر) //
(بَكَى المحبوب لي لما اجْتَمَعنَا ... وَكَانَ هَوَاء فرقته تنسم)
(غَلطت فَمَا بَكَى أسفا لبعدي ... وَلَكِن ثغر ناظره تَبَسم)
وَقلت أَيْضا مضمنا // (من الطَّوِيل) //
(بمقلة محبوبي دموع تحيرت ... دلالا على صب غَدا وَهُوَ مغرم)
(فشبهت عَيْنَيْهِ سيوفا وَقد غَدَتْ ... من التيه فِي أجفانها تتبسم)
وَقلت أَيْضا مهتديا قَول أبي الطّيب // (من الوافر) //
(أيا دمعا بِهِ طَابَ اكتئابي ... ولذ لي التعشق والغرام)
(لقد حسنت بك اللوعات حَتَّى ... كَأَنَّك فِي فَم الجفن ابتسام)(29/163)
184 - الطَّبِيب الصَّفَدِي يُوسُف بن هبة الله الإسرائيلي الشَّيْخ جمال الدّين الْحلَبِي الطَّبِيب الْفَاضِل الْمَعْرُوف فِي الْقَاهِرَة بالصفدي لِأَنَّهُ سكن صفد مُدَّة وَله كَلَام جيد على آيَات تدل على ذكائه واطلاعه توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة
185 - الْحلَبِي الطَّبِيب يُوسُف بن هِلَال بن أبي البركات جمال الدّين الْحلَبِي الْحَنَفِيّ أَبُو الْفَضَائِل الطَّبِيب الصَّفَدِي أَخْبرنِي الْعَلامَة أثير الدّين من لَفظه قَالَ كَانَ فِيهِ تعبد واعتكاف فِي شهر رَمَضَان بِجَامِع الْحَاكِم وَكَانَ مؤثرا للْفُقَرَاء يطبهم ويبرهم بِالشرابِ وَالطَّعَام الَّذِي يواتيهم فِي مرضهم أنشدنا لنَفسِهِ بالكاملية يَوْم الْأَحَد التَّاسِع للْمحرمِ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست مائَة // (من الْكَامِل) //
(بِكَمَال حسنك يَا مُخَاطب ذاتي ... بلوائح أخْفى من اللحظات)
(أنعم عَليّ بترك مَا هُوَ عكس مَا ... قد جلّ عَن حصر وَعَن كَلِمَات)
(يَا قهوة مني إِلَى شربتها ... عِنْدِي إِذا حظرت على الْأَمْوَات)
(ارتجت الأرضون ثمَّ تشققت ... عَن كل ميت فِيهِ كل حَيَاة)
(هِيَ روح سر السِّرّ فَهِيَ إِذا بَدَت ... تستغرق الْأَرْوَاح فِي الْأَوْقَات)
(من دونهَا موت وفيهَا عيشة ... فالروح أول فقدة يَا آتٍ)
(مَاذَا أَقُول وَمَا أصرح واصفا ... قد قلت فِي الحركات والسكنات)
(فوصفت ظَاهرهَا بِمَا أظهرته ... والستر فِي سري وَلَا بِصِفَات)
وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ أديبا عَالما لَهُ أرجوزة فِي الْخلاف بَين أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ توفّي رَحمَه الله بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة
ابْن يحيى
186 - الْبُوَيْطِيّ الشَّافِعِي يُوسُف بن يحيى الإِمَام أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة مَضْمُومَة وَبعد الْوَاو الْمَفْتُوحَة يَاء آخر الْحُرُوف وطاء مُهْملَة وبويط قَرْيَة بصعيد مصر صَاحب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ وَاسِطَة عقد جماعته وأظهرهم نجابة اخْتصَّ بِهِ فِي حَيَاته وَقَامَ مقَامه فِي الدُّرُوس وَالْفَتْوَى بعد وَفَاته سمع من عبد الله بن وهب(29/164)
الْمَالِكِي وَمن الشَّافِعِي وروى عَن أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَالقَاسِم بن الْمُغيرَة الْجَوْهَرِي وَأحمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي وَغَيرهم وَكَانَ قد حمل فِي أَيَّام الواثق بِاللَّه من مصر إِلَى بَغْدَاد فِي المحنة وَأُرِيد على القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَامْتنعَ عَن الْإِجَابَة إِلَى ذَلِك فحبس بِبَغْدَاد وَلم يزل فِي السجْن والقيد إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْجُمُعَة قبل الصَّلَاة فِي شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَالْأول أصح
قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان رَأَيْت الْبُوَيْطِيّ على بغل وَفِي عُنُقه غل وَفِي رجلَيْهِ قدي وَبَين الغل والقيد سلسلة من حَدِيد فِيهَا طوبة وَزنهَا أَرْبَعُونَ رطلا وَهُوَ يَقُول إِنَّمَا خلق الله الْخلق بكن فَإِذا كن مخلوقة فَكَأَن مخلوقا خلق مخلوقا فوَاللَّه لأموتن فِي حديدي حَتَّى يَأْتِي بعدِي قوم يعلمُونَ أَنه قد مَاتَ فِي هَذَا الشَّأْن قوم فِي حديدهم وَلَئِن أدخلت عَلَيْهِ لأصدقنه يَعْنِي الواثق
قل إِن ابْن أبي اللَّيْث الْحَنَفِيّ قَاضِي مصر كَانَ يحسده ويعاديه فَأخْرجهُ فِي وَقت المحنة وَلم يخرج من أَصْحَاب الشَّافِعِي غَيره
وَكَانَ إِذا سمع الْمُؤَذّن يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ فِي السجْن اغْتسل وَلبس ثِيَابه وَمَشى حَتَّى يبلغ بَاب السجْن فَيَقُول لَهُ السجان أَيْن تُرِيدُ فَيَقُول أُجِيب دَاعِي الله فَيَقُول ارْجع عافاك الله فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي قد أجبْت داعيك فمنعوني
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد بن أبي الْجَارُود كَانَ الْبُوَيْطِيّ جاري فَمَا كنت أنتبه سَاعَة من اللَّيْل إِلَّا سمعته يقْرَأ وَيُصلي
وَقَالَ الرّبيع كَانَ الْبُوَيْطِيّ أبدا يُحَرك شَفَتَيْه بِذكر الله تَعَالَى وَمَا رَأَيْت أحدا أنزع بِحجَّة من كتاب الله تَعَالَى من أبي يَعْقُوب
وَقَالَ أَيْضا كَانَ الرجل يَجِيء فَيسْأَل الشَّافِعِي مَسْأَلَة فَيَقُول لَهُ سل أَبَا يَعْقُوب فَإِذا أَجَابَهُ وَأخْبرهُ قَالَ هُوَ كَمَا قَالَ وَرُبمَا جَاءَ رَسُول صَاحب الشرطة إِلَى الشَّافِعِي فَوجه أَبَا يَعْقُوب إِلَيْهِ وَيَقُول هَذَا لساني
وَقَالَ الْخَطِيب فِي تَارِيخه لما مرض الشَّافِعِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَاءَ مُحَمَّد بن عبد الحكم يُنَازع الْبُوَيْطِيّ فِي مجْلِس الشَّافِعِي فَقَالَ الْبُوَيْطِيّ أَنا أَحَق بِهِ مِنْك وَقَالَ ابْن عبد الحكم أَنا أَحَق بِهِ فجَاء أَبُو بكر الْحميدِي وَكَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ أحد أَحَق بموضعي من يُوسُف بن يحيى وَلَيْسَ أحد من أَصْحَابِي أعلم مِنْهُ فَقَالَ ابْن عبد الحكم كذبت فَقَالَ الْحميدِي كذبت أَنْت وَكذب أَبوك وكذبت أمك(29/165)
وَغَضب ابْن عبد الحكم فَترك مجْلِس الشَّافِعِي وَتقدم فَجَلَسَ فِي الطاق وَترك طاقا بَين مجْلِس الشَّافِعِي ومجلسه وَجلسَ الْبُوَيْطِيّ مَكَان الشَّافِعِي
وَقَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشَّافِعِي أَنا والمزني والبويطي فَنظر إِلَيْنَا وَقَالَ للمزني هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان قطعه أَو جدله وَقَالَ للبويطي أَنْت تَمُوت فِي الْحَدِيد
1870 - المغامي الْقُرْطُبِيّ يُوسُف بن يحيى بن يُوسُف الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بالمغامي من أهل قرطبة أَبُو عمر اصله من طليطلة وَهُوَ من ذُرِّيَّة أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ سمع يحيى بن يحيى وَسيد بن حسان وروى عَن عبد الْملك بن حبيب مصنفاته ورحل إِلَى مصر وَسمع من يُوسُف بن يزِيد القراطيسي وبمكة من عَليّ بن عبد الْعَزِيز وَسمع بِصَنْعَاء من أبي يَعْقُوب الدبرِي صَاحب عبد الرَّزَّاق وَغَيره وَعَاد إِلَى الأندلس وَكَانَ فَقِيها نبيلا فصيحا بَصيرًا بِالْعَرَبِيَّةِ مغفلا ثمَّ إِنَّه أَقَامَ بقرطبة أعواما وَعَاد إِلَى مصر وَأقَام بهَا وسَمعه النَّاس وَعظم أمره ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى الْمغرب وَتُوفِّي بالقيروان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وروى بِمصْر الْوَاضِحَة لِابْنِ حبيب وصنف فِي الرَّد على الشَّافِعِي عشرَة أَجزَاء وَله فَضَائِل مَالك
ومغامة بميمين بَينهمَا ألف وغين مُعْجمَة قَرْيَة من أَعمال طليطلة
ابْن يَعْقُوب
188 - السلعي يُوسُف بن يَعْقُوب السدُوسِي مَوْلَاهُم الْمَعْرُوف بالضبعي وَيُقَال لَهُ السلعي لسلعة فِي قَفاهُ وَقيل السلعي بتحريك اللَّام لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيع السّلع وَثَّقَهُ ابْن حَنْبَل وروى لَهُ البُخَارِيّ والتِّرمذي والنَّسائي وَابْن ماجة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
189 - ابْن خرزاذ النجيرمي يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن خرزاذ أَبُو يَعْقُوب النجيرمي الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ نزيل مصر من أهل بَيت الْعلم وَالْأَدب كَانَ لَهُ خطّ فِي غَايَة الإتقان يرغب فِيهِ الْفُضَلَاء حَتَّى أَنه بلغ ديوَان جرير بِخَطِّهِ إِلَى عشرَة دَنَانِير وَلَيْسَ هُوَ خطا مَنْسُوبا وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وروى عَن أبي يحيى(29/166)
ابْن زَكَرِيَّاء بن يحيى بن خَلاد السَّاجِي وطبقته وروى عَنهُ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن جَعْفَر الْخُزَاعِيّ وَغَيره وَكَانَ أَبُو يَعْقُوب أمثل أهل بَيته وخطوطهم كلهم متناسبة بِقرب بَعْضهَا من بعض وَكَانَ لأهل مصر رَغْبَة فِيهَا وتنافس وَأكْثر مَا ترى الْكتب الْقَدِيمَة فِي اللُّغَة والأشعار الْعَرَبيَّة وَأَيَّام الْعَرَب فِي الديار المصرية من طَرِيقه وَكَانَ النجيرمي شَيخا أسمر اللَّوْن كث اللِّحْيَة مدور الْعِمَامَة قَالَ الْمُوفق بن الْخلال كَانَ نحوي مصر
190 - جمال الدّين الإربلي يُوسُف بن يَعْقُوب بن عُثْمَان بن أبي طَاهِر بن مفضل جمال الدّين أَبُو المظفر الإربلي الدِّمَشْقِي الذَّهَبِيّ ولد ظنا سنة تسعين وَخمْس مائَة وَسمع بإفادة عَمه عز الدّين عبد الْعَزِيز بن أبي طَاهِر الخشوعي وحنبل وَابْن طبرزد والكندي وَجَمَاعَة وَلم يظْهر سَمَاعه من الخشوعي إِلَّا بعد مَوته وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
191 - ابْن أبي يُوسُف يُوسُف بن يَعْقُوب هُوَ ابْن القَاضِي أَبُو يُوسُف توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي حُدُود الْمِائَتَيْنِ قيل فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة وَكَانَ قد تفقه وَنظر فِي الرَّأْي وَسمع من يُونُس بن إِسْحَاق السبيعِي وَالسري بن يحيى وَغَيرهمَا وَولي الْقَضَاء بالجانب الغربي من بَغْدَاد حَيَاة أَبِيه وَصلى الْجُمُعَة بِالنَّاسِ فِي مَدِينَة الْمَنْصُور بِأَمْر الرشيد وَولي بعده الْقَضَاء أَبُو البخْترِي
192 - نجم الدّين بن المجاور يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عَليّ الرئيس المعمر نجم الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن الْوَزير الصاحب ابْن يُوسُف بن المجاور الشَّيْبَانِيّ الدِّمَشْقِي الْكَاتِب ولد سنة إِحْدَى وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسعين وست مائَة سمع من أَبِيه والكندي وَالْخضر بن كَامِل السرُوجِي وَابْن مندويه وَابْن ملاعب وَالشَّيْخ الْمُوفق كَانَ فِي دَار الطّعْم ثمَّ عزل قبل مَوته بِقَلِيل سنتَيْن أَو ثَلَاث وَمَعَ ذَلِك كَانَ فِيهِ عبَادَة وَدين وَأَجَازَ لَهُ ابْن القبيطي وَابْن الْأَخْضَر وَابْن العاقولي وَسمع تَارِيخ بَغْدَاد من الْكِنْدِيّ وسَمعه مِنْهُ الْمزي وَتفرد بِهِ وبشيء كثير وَانْقطع بِمَوْتِهِ إِسْنَاد عَال
193 - البهلول يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق البهلول أَبُو بكر التنوخي الْأَزْرَق الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ الدارنباري المولد كَانَ كَاتبا جَلِيلًا متصرفا توفّي سنة تسع وَعشْرين(29/167)
وست مائَة
ابْن يُوسُف
194 - الْأَمِير العباسي يُوسُف بن يُوسُف بن عَليّ بن يُوسُف بن أَحْمد هُوَ الْأَمِير ابْن الْأَمِير أبي نصر ابْن الْأَمِير أبي مُحَمَّد ابْن الْأَمِير أبي نصر بن الإِمَام أبي الْعَبَّاس المستظهر كَأَن أحد الْأُمَرَاء الساكنين بدار الصخر قَالَ ابْن أَنْجَب كَانَ عِنْده أدب وينظم الشّعْر وصنف كتابا فِي الشطرنج وَعمل مِنْهُ دستا كَامِلا وَزنه قِيرَاط وَنصف حَبَّة وَعرضه على الْمُسْتَنْصر بِاللَّه فأنعم عَلَيْهِ بِخمْس مائَة دِينَار
195 - محيي الدّين بن زبلاق يُوسُف بن يُوسُف بن يُوسُف بن سَلامَة بن إِبْرَاهِيم ابْن الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الفأفاء الزَّيْنَبِي بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن الْمطلب الصَّدْر محيي الدّين بن زبلاق العباسي الْهَاشِمِي الْموصِلِي الْكَاتِب الشَّاعِر
عَاشَ سبعا وَخمسين سنة وَتُوفِّي فِي حُدُود السِّتين وست مائَة وَكَانَ مَشْهُورا سَائِر القَوْل قَتله التتار حِين ملكوا الْموصل رَحمَه الله تَعَالَى وروى عَنهُ الدمياطي وَغَيره قَالَ بهاء الدّين عَليّ بن عِيسَى الإربلي فِي وَصفه الصاحب محيي الدّين يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْعَدَالَة وَله الرُّتْبَة الْعليا فِي الشّرف والأصالة فَارس مبارز فِي حلبات الْأَدَب وعالم مبرز فِي لُغَة الْعَرَب بطبع أَخذ لطافة الْهَوَاء ورقة المَاء كَأَنَّمَا ظَهرت لَهُ أسرار الْقُلُوب فَهُوَ يتَقرَّب إِلَيْهَا بِكُل مَحْبُوب شعره أحسن من الرَّوْض جَاءَهُ الْغَمَام وأزهى من اللُّؤْلُؤ الرطب زانه النظام وَكَلَامه يشفي السقام ويطفي الأوام وبديهته أسْرع من مر الطّرف وَأحلى من ثمار المنى دانية القطف حسن الْعشْرَة كريم النَّفس جَامع بَين أدبها وأدب الدَّرْس انْتهى
قلت وَمن شعر ابْن زبلاق // (من الْكَامِل) //
(أمحل صبوتنا تَحِيَّة مغرم ... يهدي السَّلَام على الْعباد برغمه)
(أثرى ثرى ذَاك الجناب من الحيا الغادي ... وَمن لي لَو ظَفرت بلثمه)
(فبشعب ذَاك الْحَيّ مثل غزاله ... فِي غنجه وهلاله فِي تمه)
(دمعي ومبسمه لكل مِنْهُمَا ... معنى غنيت بنثره عَن نظمه)(29/168)
(والخصر مِنْهُ والجفون وَعَهده ... كل كسا جسمي النحول بسقمه)
(متلون أُصَلِّي بحمرة خَدّه ... طورا وطورا أستريح بسلمه)
(فيسيء بِي ظلما وَيحسن ثغره ... لثما فَيشفع ظلمه فِي ظلمه)
وَمن شعر ابْن زبلاق // (من السَّرِيع) //
(هَل أَنْت يَا وَفد الصبى مخبري ... مربع أحبابي مَتى روضا)
(وَهل أَقَامَ الْحَيّ من بَعدنَا ... مخيما بالجزع أم قوضا)
(وَأَنت يَا بارق نجد إِذا ... أَضَاء جيرانا بِذَات الأضا)
(فَقل لَهُم ذَاك الْغَرِيب الَّذِي ... أمرضتموه بجفاكم قضى)
(حاشا لذاك الوجد أَن يَنْقَضِي ... وعهدنا بالخيف أَن ينقضا)
(وَيَا شِفَاء النَّفس لَو أَنه ... مَكَان طَبِيب الدَّاء من أمرضا)
(أحبابنا مُنْذُ وداع اللوى ... لم أر عَيْشًا بعدكم يرتضى)
(وَلَا رَأَتْ عَيْني مذ غبتم ... يَوْمًا كأيامي بكم أبيضا)
وَمِنْه موشح
(يَا نديمي بالرياض قفا ... فَهِيَ لي مَذْهَب)
(وأديرا سلافة قرقفا ... لَوْنهَا مَذْهَب)
(خلت فِيهَا الْحباب حِين طغا ... أنجما تغرب)
(حجبت بالبهاء وَالْحسن ... عَن عُيُون الْبشر)
(وبدت فِي الخفاء كالوهم ... تجتنى بالفكر)
(لَا تخَالف يَا منيتي أَمْرِي ... وادع لي بالرحيق)
(مَا ترى صحبتي من السكر ... لَيْسَ فيهم مُفِيق)
(نَحن قوم من شيعَة الْخمر ... ونحب الْعَتِيق)
(قد رفضنا عَنَّا بِهِ الْحزن ... بِسَمَاع الْوتر)
(وحمانا عَن ناصب الْهم ... وَعدك المنتظر)
(صَاح لَا تستمع من اللاحي ... واطرح مَا يَقُول)
(فَمن الْغبن أَن تبت صاحي ... من كؤوس الشُّمُول)
(فاكس رَاح النديم بِالرَّاحِ ... واعصب قَول العذول)(29/169)
(مَا ترى العذل فِي الصِّبَا يُغني ... عَن سَماع الْوتر)
(بنت خدر تشفي من السقم ... فَاقْض مِنْهَا وطر)
(حث شمس الكؤوس يَا بَدْرِي ... فالندامى نُجُوم)
(واسقنيها كَأَنَّهَا تبر ... من بَنَات الكروم)
(ضحِكت فِي ثغورها الزهر ... ببكاء الغيوم)
(وتغنت بأطيب اللّحن ... صادحات الشّجر)
(ناطقات بألسن عجم ... طَابَ شرب السحر)
(حثها بَيْننَا رشأ وَسنَان ... نلْت مِنْهُ الْأمان)
(ناعس الطّرف نابل الأجفان ... باسم عَن جمان)
(قد سكرنا من لحظه الفتان ... قبل خمر الدنان)
(رب خمر شربت من جفن ... واجتنيت الزهر)
(من خدود تحمى عَن اللثم ... بسيوف الْحور)
وَمن شعر ابْن زبلاق // (من الْبَسِيط) //
(لَوْلَا انْتِظَار خيال مِنْكُم سَار ... لَكَانَ نومك يَا جفني من الْعَار)
(وَمَا تنبه عذالي على كمدي ... إِلَّا بِمَا شاهدوا من دمعي الْجَارِي)
(الله جَازَ لأحبابي وَإِن نقضوا ... عهدي وَلم يحفظوا لي حُرْمَة الْجَار)
(نَامُوا خليين من وجدي وأرقني ... شوق يطول بِهِ شجوي وتذكاري)
وَحكي أَنه كَانَ فِي بعض الْأَيَّام جَالِسا بِمَجْلِس أنس مَعَ بعض أَصْحَابه فَقَالَ // (من المجتث) //
(يَا نَار أسود قلبِي ... وَنور أسود عَيْني)
فَقَالَ بعض الْحَاضِرين
(كن راحما لمحب ... أباحك الأسودين)
وَمن شعر ابْن زبلاق // (من الْكَامِل) //
(يَا مانحي طول السقام ومانعي ... بجفاه ورد رضابه المعسول)
(مَا صَار وَجهك للمحاسن جَامعا ... إِلَّا وثغرك قبْلَة التَّقْبِيل)
وَمِنْه أَيْضا // (من الطَّوِيل) //(29/170)
(بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى ... سهادا يذود الجفن أَن يألف الجفنا)
(وأبرزت وَجها أخجل الصُّبْح طالعا ... وملت بقد علم الهيف الغصنا)
(حكيت أَخَاك الْبَدْر فِي حَال تمه سنا ... وسناء إِذْ تشابهتما سنا)
وَمِنْه // (من الطَّوِيل) //
(خُذُوا خبر الأشجان عَن جفني السَّمْح ... فمجمل حَالي فِيهِ يُغني عَن الشَّرْح)
(وَإِن سفحت عَيْنَايَ دمعي أحمرا ... فَلَا عجب سيل العقيق من السفح)
(أيجعله الواشي على الوجد شَاهدا ... وحمرته فِي الخد تؤذن بِالْجرْحِ)
(وَبِي رشأ تمت محَاسِن وَجهه ... فَأشبه بدر التم فِي الْأُفق المصحي)
(ترينا ظلالا طرة مِنْهُ كالدجى ... وتشرد مِنْهُ غرَّة كسنا الصُّبْح)
196 - الطَّبِيب الْيَهُودِيّ يُوسُف أَبُو الْحجَّاج الإسرائيلي المغربي الْفَارِسِي أَتَى إِلَى مصر وَكَانَ فَاضلا فِي الطِّبّ والهندسة والنجامة واشتغل بالطب على الرئيس مُوسَى بن مَيْمُون الْقُرْطُبِيّ ثمَّ إِنَّه سَافر الشَّام وَأقَام بحلب وخدم الظَّاهِر غَازِي فَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الطِّبّ وخدم الْأَمِير الْفَارِس الدّين مَيْمُون القصري وَتُوفِّي بحلب وَله رِسَالَة فِي تَرْتِيب الأغذية اللطيفة والكيفية فِي تنَاولهَا وَشرح الْفُصُول
197 - القس الْمَعْرُوف بالساهر الطَّبِيب يُوسُف القس الْمَعْرُوف بالساهر كَانَ طَبِيبا عَارِفًا متميزا وَكَانَ فِي أَيَّام المكتفي وَقَالَ عبيد الله بن جِبْرِيل كَانَ بِهِ سرطان فِي مقدم دماغه فَكَانَ يمنعهُ النّوم فلقب الساهر لأجل مَرضه
وَله الكناش الْمَعْرُوف بِهِ وَهُوَ مِمَّا استخرجه وجبره أَيَّام حَيَاته وَجعله قسمَيْنِ قسم تجْرِي أبوابه على تَرْتِيب الْأَعْضَاء من الرَّأْس إِلَى الْقدَم وَقسم تجْرِي أبوابه على غير تَرْتِيب الْأَعْضَاء
198 - ابْن موراطير الطَّبِيب يُوسُف بن الْمَعْرُوف بِابْن موراطير وموراطير قُرَّة قريبَة من بلنسية كَانَ فَاضلا فِي الطِّبّ خَبِيرا مَحْمُود الطَّرِيقَة حسن الرَّأْي عَالما بالأمور الشَّرْعِيَّة سمع الحَدِيث وَقَرَأَ الْمُدَوَّنَة وَكَانَ أديبا شَاعِرًا صَاحب مجون كثير(29/171)
النادرة خدم بالطب الْمَنْصُور أَبَا يُوسُف يَعْقُوب وَولده النَّاصِر من بعده ولولده أبي يَعْقُوب يُوسُف الْمُسْتَنْصر وَعمر أَبُو الْحجَّاج طَويلا وَكَانَ حظيا عِنْد الْمَنْصُور يدْخل مجْلِس الْخَاصَّة مَعَ الْأَشْيَاخ للمذاكرة فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَمَات بالنقرس فِي مراكش أَيَّام الْمُسْتَنْصر
199 - الْجَوْهَرِي الشَّاعِر يُوسُف الْجَوْهَرِي الشَّاعِر ذكره مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح فِي كتاب أَخْبَار الشُّعَرَاء من جمعه فَقَالَ يُوسُف الْجَوْهَرِي صَاحب أحم بن الخصيب بغدادي شَاعِر صَالح الشّعْر أنشدنا أَبُو هفان لَهُ فِي المتَوَكل // (من الْكَامِل) //
(إِن الْخلَافَة لم تزل مشتاقة ... يسمو إِلَيْك سريرها والمنبر)
(حَتَّى أَتَاك بهَا الَّذِي أعطاكها ... ليعزها بك إِنَّه بك أخبر)
(وَلَئِن أتتك فَكَانَ منا شَامِلًا ... للْمُسلمين لأَنْت مِنْهَا أكبر)
وأنشدنا أَبُو هفان لَهُ يمدح الْحسن بن سهل // (من الْبَسِيط) //
(لَو أَن عين زُهَيْر أَبْصرت حسنا ... وَكَيف يصنع فِي أَمْوَاله الْكَرم)
(إِذا لقَالَ زُهَيْر حِين يبصره ... هَذَا الْجواد على العلات لَا هرم)
قَالَ محبّ الدّين بن النجّار قرأتُ فِي مَجْمُوع أنْشد الْأَخْفَش ليوسف الْجَوْهَرِي الْبَغْدَادِيّ من أَبْيَات // (من الْكَامِل) //
(فَإِذا الغزالة فِي السَّمَاء ترفعت ... وبدا النَّهَار لوقته يترحل)
(أبدت لوجه الشَّمْس قرنا مثله ... تلقى السَّمَاء بِمثل مَا تسْتَقْبل)
200 - القميني يُوسُف القميني شَيْخه كَانَ مَشْهُورا بِدِمَشْق للنَّاس فِيهِ عقيدة حَسَنَة وَكَانَ يأوي فِي أقمين الْحمام وَفِي الْمَزَابِل ويلبس ثيابًا تكنس الأَرْض وَيَمْشي حافيا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ويتنجس ببوله فِي مَشْيه وَله أكمام طوال وَكَانَ طَوِيل السُّكُوت ذَا مهابة توفّي سنة سبع وَخمسين وست مائَة
201 - النَّحْوِيّ ابْن الدّباغ يُوسُف بن الدّباغ أَبُو يَعْقُوب النَّحْوِيّ الصّقليّ ذكره ابْن القطاع فَقَالَ حَافظ لكتب الْمُتَقَدِّمين وتنبه لأسرار المؤلفين وَهُوَ مِمَّن تقدم فِي زَمَانه على أشكاله وأقرانه وَله مَعَ ذَلِك شعر صَالح وَأَكْثَره فِي مسَائِل النَّحْو فَمن ذَلِك // (من الْخَفِيف) //(29/172)
(إِن هِنْد المليحة الْحَسْنَاء ... وَأي من أضمرت لخل وَفَاء)
(فَعَسَى أَن يكون يحسن من قد ... كَانَ من قبل ذَا إِن أَسَاءَ)
الألقاب
اليوسفي الْمُؤَدب اسْمه يحيى بن نجاح
اليوسفي الْكَاتِب اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله
أَبُو يُوسُف القَاضِي الْحَنَفِيّ اسْمه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
يُونُس
3 - يُونُس بن إِبْرَاهِيم
202 - الدبابيسي مُسْند مصر يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْقوي بن قَاسم بن دَاوُد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي أَبُو النُّون وَأَبُو عَليّ بن أبي إِسْحَاق فتح الدّين الدبابيسي مُسْند الديار المصرية توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة رَحمَه الله ومولده سنة خمس وَثَلَاثِينَ وست مائَة تَقْرِيبًا بِالْقَاهِرَةِ وَهُوَ أحد الْأَشْيَاخ الَّذين سَمِعت عَلَيْهِم الحَدِيث قَرَأت عَلَيْهِ جَمِيع الْقدر المسمون من كتاب القناعة لِابْنِ أبي الدُّنْيَا وَهُوَ من أول الْجُزْء الأول إِلَى قَوْله فَكَأَنَّمَا ملئت غنى وَذهب عني مَا كنت أجد بِسَمَاعِهِ من الشَّيْخ أبي الْحسن بن أبي عبد الله بن المقير سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة وجزءا فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث من رِوَايَة الشَّيْخ أبي أَحْمد عُبيد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الفَرَضي بِسَمَاعِهِ من ابْن المقير وجزءا فِيهِ الأناشيد الْحَسَنَة المختارة من رِوَايَة الشَّيْخ أبي غَالب فَارس بن شُجَاع الذهلي الْحَافِظ عَن شُيُوخه بِسَمَاعِهِ من ابْن المقير وجزءا فِيهِ أَحَادِيث منتقاة من أصُول الشَّيْخ الْجَلِيل أبي الرَّجَاء مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الجركاني وجزءا فِيهِ أَحَادِيث عَن مَشَايِخ الإِمَام أبي طَاهِر السلَفِي وجزءا فِيهِ خطبه الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب فِي وَفَاة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا بإجازته من ابْن المقير وجزءا فِيهِ مجْلِس من مجَالِس القَاضِي أبي المحاسن عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل الرَّوْيَانِيّ عَن شُيُوخه بِإِجَازَة المسمع من السبط وَسمعت عَلَيْهِ بِقِرَاءَة غَيْرِي أَشْيَاء أخر
كَانَ قد سمع بإفادة عَمه الْمُحدث دَاوُد من أبي الْحسن عَليّ بن عبد الله بن المقير وَأَجَازَ لَهُ ابْن المقير وفخر الْقُضَاة أَبُو الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحباب وأسعد بن عبد(29/173)
الْغَنِيّ بن قادوس وَحَمْزَة بن عمر بن أَوْس وَشُعَيْب بن يحيى بن أَحْمد الزَّعْفَرَانِي وظافر بن طَاهِر بن شَحم المطية وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مَحْمُود بن الصَّابُونِي وَعبد الْوَهَّاب بن ظافر بن رواج الجوشني والفقيه بهاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن هبة الله بن بنت ابْن الجميزي الشَّافِعِي وَعبد الرَّحْمَن بن مكي بن الحاسب سبط السلَفِي وَعبد الْعَزِيز بن عبد الْمُنعم بن النقار وَأَبُو الرِّضَا عَليّ بن زيد بن عَليّ التسارسي وَمُحَمّد بن أبي الْحسن بن يحيى بن ياقوت وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحباب وَأَبُو الْمَنْصُور مظفر بن عبد الْملك بن عبد الْقوي وَمَنْصُور بن سَنَد بن الدِّمَاغ وَأَبُو البركات هبة الله بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي ويوسف بن عبد الْمُعْطِي بن المخيلي ويوسف بن مَحْمُود الساوي وَأَبُو عَليّ الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن السفاقسي وَأَبُو الْفضل المرجا بن أبي الْحسن ابْن شقيرة وَيَعْقُوب بن مُحَمَّد الهذباني وَمَنْصُور بن أبي الْقَاسِم الْجُهَنِيّ وَعبد الْعَزِيز بن عبد الْوَهَّاب بن عَوْف وَعبد الْقوي بن عزون وَابْنه إِسْمَاعِيل وَأحمد بن يحيى بن صباح وَعبد الْحق بن عبد الله بن علاف وَالْحسن بن عَليّ الْفَارِسِي وَأَبُو طَالب مُحَمَّد بن عَليّ بن الخيمي وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التلمساني ويوسف بن عبد الْكَافِي بن الْكَهْف وَمُحَمّد بن مَحْمُود الْأمَوِي وَزُهَيْر بن مُحَمَّد المهلبي وَعبد الْمُنعم بن رضوَان بن مُنَاد وَله رِوَايَة عَن غير هَؤُلَاءِ أَيْضا وَحدث بالكثير سمع مِنْهُ الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ والحافظ أَبُو مُحَمَّد البرزالي وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء الفرضي وَكَانَ شَيخا أُمِّيا سَاكِنا دينا لَهُ جلد على إسماع الحَدِيث وَتفرد بغالب سيوخه وَعلا سَنَده وانتفع النَّاس بِهِ وازدحم الطّلبَة عَلَيْهِ وَهُوَ آخر من حدث بالديار المصرية عَن ابْن المقير وَعَن خلق من أَصْحَاب السلَفِي بِالْإِجَازَةِ وَأَجَازَ لي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة وَأذن فِي الْكِتَابَة عَنهُ بذلك للشَّيْخ شهَاب الدّين العسجدي
203 - البيع الشَّيْخ الْبَغْدَادِيّ يُونُس بن أَحْمد بن عبيد الله بن هبة الله البيع أَبُو الْمَنْصُور الْبَغْدَادِيّ كَانَ يَبِيع الْقطن بِبَاب الأزج وارتقت حَاله إِلَى أَن تولى الْوكَالَة للجهة أم النَّاصِر قَالَ محب الدّين بن النجار كَانَ شَيخا صَالحا متدينا حسن الطَّرِيقَة مرضِي السِّيرَة مَحْمُود الْأَفْعَال حَافِظًا لِلْقُرْآنِ سمع من أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز وَغَيرهمَا وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَحمل فِي دجلة إِلَى الْمَدَائِن وَدفن إِلَى جَانب حُذَيْفَة بن الْيَمَان الصَّحَابِيّ(29/174)
204 - ابْن الْحَرَّانِي اللّغَوِيّ الْقُرْطُبِيّ يُونُس بن أَحْمد بن يُونُس بن عيسون أَبُو سهل الجذامي بن الْحَرَّانِي الْقُرْطُبِيّ اللّغَوِيّ كَانَ بَصيرًا بِاللِّسَانِ حَافِظًا للغة وَالْعرُوض قيمًا بالأشعار مليح الْخط متقنا أَقرَأ النَّاس مُدَّة وَكَانَ عَظِيم اللِّحْيَة جدا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
205 - ابْن أبي الْجِنّ يُونُس بن أَحْمد بن أبي الْجِنّ كَانَ كَبِير الْأَشْرَاف بِدِمَشْق يدعى نَاصِر الدّين توفّي رَحمَه الله فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة
206 - الزفات الْقُرْطُبِيّ يُونُس بن أُميَّة بن مَالك بن صَالح بن برد بن إلْيَاس بن برد الْأنْصَارِيّ الزَّمَان بالزاي وَالْفَاء وَبعد الْألف تَاء ثَالِثَة الْحُرُوف الْقُرْطُبِيّ أَبُو الْوَلِيد رَحل إِلَى الشرق وَسمع بقرطبة من أبي جَعْفَر بن عون الله وَمن سَلمَة بن قَاسم وَمن غَيرهمَا كثيرا وَسمع برحلته وَكَانَ رجلا صَالحا حدث وَكتب عَنهُ وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَلَاث مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
207 - العسكري الأصولي يُونُس بن أَيُّوب العسكري قَالَ ابْن أَنْجَب قَرَأت فِي تَارِيخ سامراء أَن يُونُس بن أَيُّوب الْمُتَكَلّم كَانَ فَاضلا عَارِفًا بعلوم الْأَوَائِل قد صنف فِي علم الْأُصُول عدَّة كتب وَقد روى عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله الإسكافي الْبَغْدَادِيّ الْمُتَكَلّم عَن عَليّ بن الْعَبَّاس الرُّومِي قَوْله فِي رجل مدحه مخرمَة // (من الطَّوِيل) //
(صَحَائِف لي فِيهَا ذنُوب كَثِيرَة ... لديك وكفاراتها أَن تمزقا)
(فبالمال إِن المَال رب تجله ... تفضل بهَا مَرْدُودَة كي تخرقا)
208 - قَاضِي الْقُضَاة الجمالي الأصولي يُونُس بن بدران بن فَيْرُوز بن صاعد بن عالي بن مُحَمَّد بن عَليّ جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الْوَلِيد وَأَبُو الْفَضَائِل وَأَبُو الْفرج الْقرشِي الشيبي الْحِجَازِي الأَصْل المليجي المولد الشَّافِعِي الْمَشْهُور بالجمال الْمصْرِيّ
ترسل إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز وَولي الْوكَالَة بِالشَّام مُدَّة وَولي التدريس ثمَّ الْقَضَاء ودرس بالأمينية بعد التقي الضَّرِير وَتُوفِّي باسمه الصاحب صفي الدّين بن شكر وَولي العادلية فِي أَيَّام الْمُعظم وَاخْتصرَ كتاب الْأُم للشَّافِعِيّ وصنف فِي الْفَرَائِض قَالَ أَبُو شامة وَكَانَ فِي(29/175)
ولَايَته عفيفا مهيبا ملازما لمجلس الحكم وَله شعر توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وست مائَة رَحمَه اله تَعَالَى وَتَوَلَّى الحكم بعده القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن الخويي وَمن شعره
209 - ابْن بغا يُونُس بن بتغا معشوق أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتز بِاللَّه وَكَانَ هُوَ والمعتز من أحسن النَّاس وَكَانَا أمردين وَكَانَ النَّاس يتفرجون عَلَيْهِمَا إِذا ركبا شرب المعتز يَوْمًا على بُسْتَان مَمْلُوء من النمام وَبَين النمام شقائق النُّعْمَان فَدخل عَلَيْهِ يُونُس بن بغا وَعَلِيهِ قبَاء أَخْضَر فَقَالَ المعتز // (من الْكَامِل) //
(شبهت حمرَة خَدّه فِي ثَوْبه ... بشقائق النُّعْمَان فِي النمام)
ثمَّ قَالَ أَبيت آخر فابتدر بنان الْمُغنِي وَكَانَ رُبمَا عَبث بِالْبَيْتِ بعد الْبَيْت فَقَالَ
(الْقد مِنْهُ إِذا بدا فِي قرطق ... كالغصن فِي لين وَحسن قوام)
فَقَالَ لَهُ المعتز فغن فِيهِ فَعمل فِيهِ لحنين
وَقَالَ الْعَبَّاس بن الْمفضل كنت مَعَ المعتز فِي الصَّيْد فَانْقَطع عَن الموكب وَأَنا وَيُونُس بن بغا مَعَه بِقرب قنطرة وصيف وَكَانَ هُنَاكَ ديراني أعرفهُ ظريفا نظيفا فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الدَّيْر رَاهِب أعرفهُ ظريفا لَا يَخْلُو من مَاء بَارِد أَتَرَى أَن نَمِيل إِلَيْهِ قَالَ نعم فجئناه فَخرج وَأخرج إِلَيْنَا ماءا بَارِدًا وسألني عَن المعتز وَيُونُس فَقلت فتيَان من أَبنَاء الْجند فَقَالَ بل مقلتان من حور الْجنَّة فَقلت لَهُ لَيْسَ هَذَا فِي دينك فَقَالَ من الْآن هُوَ ديني فَضَحِك المعتز فَقَالَ الديراني أتأكلون شَيْئا قُلْنَا نعم فَأخْرج لنا شطيرات خبْزًا وأدما نظيفا فأكلنا أطيب أكل وجاءنا بأشنان فاستظرفه المعتز وَقَالَ لي قل لَهُ بَيْنك وَبَينه من تحب من هذَيْن الغلامين أَن يكون مَعَك فَقلت لَهُ فَقَالَ كِلَاهُمَا وَتَمْرًا فَضَحِك المعتز حَتَّى مَال على حَائِط الدَّيْر فَقلت للديراني لَا بُد أَن تخْتَار فَقَالَ الِاخْتِيَار وَالله فِي هَذَا دمار وَمَا خلق الله عقلا يُمَيّز بَين هذَيْن ولحقهما الموكب فارتاع الديراني فَقَالَ لَهُ المعتز بحياتي لَا تقطع مَا كُنَّا فِيهِ فَإِنِّي لمن ثمَّ مولى وَلمن هَا هُنَا صديق فمزحنا سَاعَة ثمَّ أَمر لَهُ بِخمْس مائَة ألف دِرْهَم فقبلها وَقَالَ وَالله مَا أقبلها إِلَّا على شَرط قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ يُجيب أَمِير الْمُؤمنِينَ دَعْوَتِي مَعَ من أَرَادَ قَالَ لَك ذَلِك فاتعدنا ليَوْم جئناه فِيهِ فَلم يبْق غَايَة وَقَامَ للموكب كُلهنَّ بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَجَاء بأولاد النَّصَارَى فخدمونا وَوَصله المعتز يَوْمًا بصلَة سنية وَلم يزل يعتاده وَيُقِيم عِنْده(29/176)
210 - صَاحب الْمَغَازِي يُونُس بن بكير بن وَاصل الْحَافِظ أَبُو بكر الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي الْحمال صَاحب الْمَغَازِي قَالَ ابْن معِين صَدُوق وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ بِحجَّة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين مِمَّا ينقم عَلَيْهِ التَّشَيُّع وَقَالَ ابْن معِين ثِقَة إِلَّا أَنه مرجئ وَقَالَ الْعجلِيّ ضَعِيف الحَدِيث وروى لَهُ مُسلم تبعا وروى لَهُ ابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
211 - يُونُس النَّحْوِيّ يُونُس بن حبيب أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ قَالَ المرزباني هُوَ مولى ضبة وَقيل مولى بني لَيْث بن بكر بن مَنَاة بن كنَانَة وَقيل مولى بِلَال ابْن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة ولد سنة تسعين لِلْهِجْرَةِ وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَكَانَ يَقُول أذكر موت الْحجَّاج وَقيل مولده سنة ثَمَانِينَ وَقيل إِنَّه رأى الْحجَّاج وعاش مائَة سنة وسنتين وَقيل عَاشَ ثَمَانِينَ وَتِسْعين سنة أَخذ يُونُس الْأَدَب عَن أبي عمر بن الْعَلَاء وَحَمَّاد بن سَلمَة وَكَانَ النَّحْو أغلب عَلَيْهِ وَسمع من الْعَرَب وروى سِيبَوَيْهٍ عَنهُ كثيرا وَسمع مِنْهُ الْفراء وَالْكسَائِيّ وَله قِيَاس فِي النَّحْو ومذاهب ينْفَرد بهَا وَكَانَ من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من الْأَدَب وَكَانَت حلقته بِالْبَصْرَةِ ينتابها الأدباء وفصحاء الْعَرَب وَأهل الْبَادِيَة وَقَالَ معمر بن الْمثنى اخْتلفت إِلَى يُونُس أَرْبَعِينَ سنة أملأ كل يَوْم ألواحي من حفظه وَقَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ جَلَست إِلَى يُونُس عشر سِنِين وَجلسَ إِلَيْهِ قبلي خلف الْأَحْمَر عشْرين سنة وليونس من الْكتب كتاب مَعَاني الْقُرْآن وَكتاب الْأَمْثَال وَكتاب اللُّغَات وَكتاب النَّوَادِر الصَّغِير
وَقَالَ يُونُس لَو تمنيت أَن أَقُول الشّعْر لما تمنيت إِلَّا أَن أَقُول مثل قَول عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ // (من الْخَفِيف) //
(أَيهَا الشامت الْمُعير بالدهر ... أَأَنْت المعبرس الموفور)
وأصل يُونُس من جبل بليدَة على دجلة بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وَبعدهَا لَام وحبِيب اسْم أمه فَهُوَ لَا ينْصَرف للتأنيث والعلمية فَإِن أَبَاهُ لَا يعرف وَيُقَال إِنَّه ابْن ملاعنة وَيُقَال بل هُوَ اسْم أَبِيه وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن حبيب النسابة وَكَذَلِكَ مُحَمَّد ابْن شرف القيرواني يُقَال إِن شرف اسْم أمه وَالله أعلم أَيْضا(29/177)
وَدخل يُونُس يَوْمًا إِلَى الْمَسْجِد وَهُوَ يتهادى بَين اثْنَيْنِ من الْكبر فَقَالَ لَهُ رجل كَانَ يتهم مودته بلغت مَا أرى يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن فَقَالَ هُوَ الَّذِي ترى لَا بلغته
قلت أَخذ هَذَا الْمَعْنى مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(وعائب عابني بشيب ... لم يأل لما ألم وقته)
(فَقلت إِذْ عابني سفاها ... يَا عائب الشيب لَا بلغته)
وَقَالَ أَبُو الْخطاب زِيَاد بن يحبى مثل يُونُس كَمثل كوز ضيق الرَّأْس لَا يدْخلهُ شَيْء إِلَّا بعسر فَإِذا دخله لم يخرج مِنْهُ شَيْء يَعْنِي أَنه لَا ينسى شَيْئا وَحدث التاريخي عَن ابْن الأعلم مُحَمَّد بن سَلام قَالَ سَمِعت يُونُس النَّحْوِيّ يَقُول رحم الله عُثْمَان وَلَا رحم الله من لَا يترحم عَلَيْهِ وَالله لقد اسْتعْمل عمالا لَو استعملهم أَبُو جَعْفَر كَانَ قد أَسَاءَ ورحمن الله عليا وَلَا رحم من لَا يترحم عَلَيْهِ قَالُوا لَهُ ادْفَعْ لنا قتلة عُثْمَان وَالْأَمر أَمرك قَالَ كل هَؤُلَاءِ قَاتل لَهُ فَأَيهمْ أدفَع إِلَيْكُم ثمَّ أَتَى أهل النَّهر فَقَالَ اقتدوا بِعَبْد الله بن خباب قَالُوا كُنَّا قَتله فَقَالَ الْآن طَابَ الْقِتَال أفطاب الْقِتَال فِي قتل ابْن خباب وَلَا يطيب فِي قتل عُثْمَان
قَالَ وحَدثني هَارُون بن مُحَمَّد بن عبد الْملك حَدثنَا أَبُو زيد النميري يَعْنِي عمر بن شبة حَدثنَا خَلاد بن يزِيد الأرقط قَالَ قَالَ يُونُس النَّحْوِيّ كنت أحب أَن أَدخل الْجنَّة فَأنْظر فِيهَا أَرْبَعَة نفر قَالَ فَقلت لَهُ من هم قَالَ آدم ويوسف وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر قَالَ قلت لَهُ كَيفَ ذَاك قَالَ كنت أَقُول لآدَم يَا هَذَا رَحِمك الله كَيفَ أدْخلك الله الْجنَّة وأباحك من كل شَيْء فِيهَا ونهاك عَن أكل شَجَرَة وَاحِدَة فتعديت أمره فَأكلت من الشَّجَرَة حَتَّى ألزمتنا هَذَا الشَّقَاء كُله وَأَقُول ليوسف بن يَعْقُوب رَحِمك الله قد علمت مَا كَانَ من وجد أَبِيك عَلَيْك وَطول غَيْبَتِك عَنهُ وَأَنت ملك مصر وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنك وَبَينه مَسَافَة عشر مراحل مَا مَنعك أَن توجه إِلَى أَبِيك رَسُولا يُعلمهُ بخبرك وقصتك وَأَقُول لطلْحَة وَالزُّبَيْر مَا بالكما أعطيتما عليا بيعتكما وصفقة أيمانكما ثمَّ غدرتما بِهِ ونكثتما بيعتكما وصفقة أيمانكما من غير مَا جرم وَلَا جِنَايَة وَلَا سَبَب أحوجكما إِلَى ذَلِك
وَعَن الْفضل بن مُحَمَّد اليزيدي عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ سَمِعت يُونُس النَّحْوِيّ يَقُول عذيري من عَائِشَة فِي قَوْلهَا فِي شعر لبيد // (من الْكَامِل) //
(ذهب الَّذين يعاش فِي أَكْنَافهم ... وَبقيت فِي خلف كَجلْد الأجرب)
حِين قَالَت كَيفَ بلبيد لَو أدْرك زَمَاننَا هَذَا وَقد نشأت فِي حجر أم رُومَان وَأي قُحَافَة حَتَّى إِذا صَارَت زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأم الْمُؤمنِينَ ابْنة الصّديق يُعْطِيهَا مُعَاوِيَة فِي(29/178)
غَدَاة مائَة ألف فتقسمها فِي الأطباق تبْكي على زمَان لبيد
وَقَالَ يُونُس يَوْمًا كُنَّا إِذا رَأينَا مختالا فِي مشيته قُلْنَا إِمَّا أَن يكون هَذَا هاشميا أَو نحويا فَيَقُول مخنث أَو عَظِيم الأير وَقَالَ مُحَمَّد بن سَلام سَمِعت يُونُس بن حبيب يَقُول لَا تأمن من من جعل فِي خَمْسَة دَرَاهِم قطع خير عُضْو مِنْك أَن يكون عِقَابه غَدا هَكَذَا
وَلما دخل الْكسَائي الْبَصْرَة أول دُخُوله جلس فِي حَلقَة يُونُس ينْتَظر خُرُوجه فَسَأَلَهُ ابْن أبي عُيَيْنَة عَن أولق هَل ينْصَرف أَو لَا فَقَالَ أفعل لَا ينْصَرف فَقَالَ ابْن عُيَيْنَة خطأ وَالله وَخرج يُونُس فَسئلَ عَن أولق فَقَالَ هُوَ فوعل وَلَيْسَ أفعل لِأَن الْهمزَة فَاء الْفِعْل لِأَنَّك تَقول ألق الرجل فَهُوَ مألوق فَتثبت الْهمزَة وَكَذَلِكَ أرنب ينْصَرف لِأَنَّهُ فعلل لِأَنَّك تَقول أَرض مؤرنبة فتثبتا الْهمزَة قَالَ والمألوق الْمَجْنُون
212 - ابْن خرين يُونُس بن الْحُسَيْن بن دَاوُد بن أبي نصر الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن خرين بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُشَدّدَة وَبعد الْيَاء آخر الْحُرُوف نون قَالَ محب الدّين بن النجار كَانَ يمدح النَّاس وينشد فِي التعازي يحتذي بذلك رَأَيْته وَقد حضر فِي عزاء وَالِدي ورثاه بقصيدة ومدح أخوي وَالْغَالِب على شعره الرداءة وَكَانَ مطبوعا يتطايب رَأَيْت بِخَطِّهِ على قصيدة الْخَادِم يُونُس بِلَا تَصْحِيف يُرِيد تويسا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
وَأورد لَهُ // (من الطَّوِيل) //
(وحقكم مَا مر يَوْم وَلَيْلَة ... عَليّ وقلبي من تذكركم خَالِي)
(وَلَا هجعت عَيْنَايَ إِلَّا رأيتكم ... ويزداد شوقي بالخيال وبلبالي)
(فَلَا تحسبوا أَنِّي نقضت عهودكم ... وَلَا أنني مهما أعش لكم سالي)
(ولكنني بَاقٍ على حفظ عهدكم ... وَمَا غير الإبعاد والبين أحوالي)
213 - الأدمِيّ أَخُو الْحَافِظ يُوسُف يُونُس بن خَلِيل بن قراجا أَبُو مُحَمَّد الدِّمَشْقِي الأدمِيّ أَخُو الْحَافِظ شمس الدّين يُوسُف وَقد تقدم ذكره مَكَانَهُ ولد فِي أول سنة تسع وَخمسين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سينة ثَمَان وَأَرْبَعين وست مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَسمع مَعَ أَخِيه من الخشوعي ورحل مَعَ أَخِيه إِلَى مصر(29/179)
214 - أَبُو لُقْمَان الصفار يُونُس بن خَليفَة أَبُو لُقْمَان الصفار قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج لم يكن أحد ينعَت بالشاعر تبعا لاسمه إِلَّا هُوَ وَأَبُو الْفتُوح من هَل سوسه وَكَانَ أَبُو لُقْمَان هجن الْخلق آدم اللَّوْن طوَالًا إِلَى السّمن شَدِيد الْقُوَّة قَبِيح الْوَجْه مجدوره وَكَانَ يعرف ذَلِك من نَفسه فَلَا يغْضب مِمَّن فاوضه فِيهِ لَقِي أَبَا بكر الْوراق يَوْمًا وَبِه خمار فَقَالَ لَهُ عزمت عَلَيْك إِلَّا شبهتني وقاربت فَقَالَ نعم أَنْت كالبربخ الْقَدِيم يكسر وَيبقى الْجُزْء مِنْك قَائِما هَكَذَا وَأَشَارَ إِلَى قَصَبَة مرحاض جوَار دَار أبي إِسْمَاعِيل الْكَاتِب على تِلْكَ الصّفة فَضَحِك أَبُو لُقْمَان وَقَالَ قَاتلك الله مَا أبعدت
وَكَانَ عَامر الْخطاب يَوْمًا بِحَضْرَة إِبْرَاهِيم الكموني لما مَاتَ إِبْرَاهِيم الحصري فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله إِنَّمَا بَقِي من الشُّعَرَاء كلهم بعوضتان أَنا وَأَنت فبالله صلني وَلَا تقطعني قَالَ الكموتي لَا وَالله بل فيل وبعوضة وَمَا أسمع أَنا مِنْك وَاجْتمعَ يَوْمًا عِنْد أبي لُقْمَان الدركادو وَكِلَاهُمَا يَهْتِف نَوَادِر الشطرنج على صَاحبه وَقد علا ضحكهما إِذْ دخل الكموني فَجَلَسَ يستمع لهذرهما فَقَالَ الدركادو لأبي لُقْمَان أجز // (من الْبَسِيط) //
(حيتان حبك فِي طنجير بلواي)
فَقَالَ أَبُو بكر قبل تَمام الْكَلَام
(وفحم وَجهك فِي كانون أحشائي)
فصاح بِهِ الكموني هيه أَبَا لُقْمَان قد غلبته من جِهَة الصِّنَاعَة فوزهى أَبُو لُقْمَان وَقَالَ أفمثلي يتهم فِي جيد الشّعْر وَهَذَا بديهي فِي الهتف واجتاز بِي مرّة وَهُوَ طافح سكرا وَأَنا جَالس فِي مَكَان مشرف بالشارع وَكَانَ قد بلغه عني شَيْء قما شَعرت إِلَّا وَأَنا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قد شال بِي على يَدَيْهِ وَرفع رَأسه إِلَيّ وَقَالَ أَيْن تُرِيدُ ألقيك يَا خَبِيث فأريته أَنه يُرِيد يمازحني لَا يعدو رفقك بِالْمَكَانِ الَّذِي خطفتني مِنْهُ فَقَالَ هَل أَنْت إِ لَا كفروج طارت بِهِ حدأة قلت أَي وَالله وَإِن شِئْت عنقاء قَالَ كَيفَ أَنا عنْدك فِي الشّعْر قلت كامرئ الْقَيْس إِن لم يكن فَوْقه فَقَالَ سلمت ووضعني فِي مَكَاني وَإِنِّي لأنتفض مثل القصبة فِي الرّيح الشَّدِيدَة وَانْصَرف واجتزت بِهِ يَوْمًا فَوَجَدته يتوقد فَقلت مَالك قَالَ أحب أَن أهجو الكموني وحبيبا الطَّائِي قلت كَيفَ اجْتمعَا لَك قَالَ لِأَن الطَّائِي صنع من شعره // (من الْكَامِل) //
(وكذاك أهل النَّار فِي الدُّنْيَا هم ... يَوْم الْقِيَامَة جلّ أهل النَّار)(29/180)
فَصَارَ الكموني يعرض بِي بِهَذَا الْبَيْت فِي كل وَقت وصناعتي نارية كَمَا ترى قلت صدقت اصْنَع حَتَّى أعينك ففكر طَويلا وَقَالَ بيني وَبَينهمَا سَواد اللَّيْل وَالْخلْوَة بالقوافي
وَشرب يَوْمًا فِي دَار الْخمار طول نَهَاره فَلَمَّا كربت الشَّمْس أَتَت بِعَارِض غدق فَخرج وَمَعَهُ نَبِيذ حَتَّى أَتَى دَاره فاستوحش وَبعث رَسُولا فِي طلب عبد الْوَهَّاب المثقال فَوَجَدَهُ وجع الرجل فَأَتَاهُ بِخَبَرِهِ فَمَا لبث أَن وافاه فاحتمله على كتفه كالطفل مغالبة وأنوله عِنْد الْبَاب وَقد مَاتَ ضحكا وَأَخْبرنِي عبد الْوَهَّاب بالحكاية فصنعت أبياتا كتمتها أَبَا لُقْمَان // (من السَّرِيع) //
(أشاعر أم جمل هائج ... لَيْسَ لَهُ حاد وَلَا حادج)
(يركبه فِي الوحل إخوانه ... أمنا وَذَا الْغرَر الْخَارِج)
(إِلَّا يكن فِي خلقه شدقما ... فَالْفرق مَا بَينهمَا واشج)
(كَأَنَّمَا رَاكِبه إِذْ بدا ... نَحْو السَّمَاوَات العلى عارج)
(لَوْلَا دفاع الله مِمَّا ارْتقى ... مَا انحط إِلَّا وَبِه فالج)
وَتُوفِّي أَبُو لُقْمَان الصفار فِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مائَة وَقد تجَاوز الْأَرْبَعين
وَمن شعره قصيدة أَولهَا // (من الْبَسِيط) //
(أَحْمد بذا الزَّمن الْمَحْمُود من زمن ... بِهِ أتيح حَرِيم الْكفْر للمحن)
مِنْهَا
(هون عَلَيْك فكم غارت بكفرهم ... من غيرَة لِذَوي الْإِسْلَام وَالسّنَن)
(وَكم أحلُّوا حَرَامًا لَا يحل وَكم ... دانوا بدين عبيد الْعجل والوثن)
(لما رغا فَوْقهم سقب السَّمَاء ضحى ... بالقيروان وراقى جاحم الْفِتَن)
(بوقعة أوقعت بالغرب صَاعِقَة ... لذعرها عَاد من بالشرق فِي عدن)
(مَا كَانَ أيمنها من وقْعَة رعبت ... من دَان بالْكفْر فِي الْفسْطَاط واليمن)
215 - الْكَاتِب الْمُغنِي يُونُس الْكَاتِب الْمُغنِي بن سُلَيْمَان بن كرد بن شهريار من ولد هُرْمُز قيل إِنَّه مولى لعمر بن الزبير ومنشؤه ومولده بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ أَبوهُ فَقِيها فأسلمه فِي الدِّيوَان فَكَانَ من كِتَابه وَأخذ الْغناء عَن معبد وَابْن سُرَيج وَابْن مُحرز والغريض وَأكْثر رِوَايَته عَن معبد وَله شعر جيد وَخرج مرّة من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام فِي تِجَارَة فَبلغ الْوَلِيد بن(29/181)
يزِيد خَبره فَلم يشْعر يُونُس إِلَّا برسل الْوَلِيد وَقد دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ فأخذوني وأدخلوني على الْأَمِير فَرَأَيْت أحسن النَّاس وَجها فَسلمت عَلَيْهِ فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ ودعى بالجواري وَالشرَاب فَكُنَّا يَوْمنَا وليلتنا فِي أَمر عَجِيب إِلَى أَن غنيته // (من الْخَفِيف) //
(إِن يَعش مُصعب فَنحْن بِخَير ... قد أَتَانَا من عيشنا مَا يُرْجَى)
ثمَّ تبينت فَقطعت الصَّوْت قَالَ مَالك فَأخذت أعْتَذر من غنائي بِشعر فِي مُصعب فَضَحِك وَقَالَ مُصعب قد مضى وَلَا عَدَاوَة بيني وَبَينه وَإِنَّمَا أُرِيد الْغناء فأمض الصَّوْت فأعدته فَلم يزل يستعيده حَتَّى أصبح فَشرب مصطبحا وَهُوَ يستعيد الصَّوْت وَلَا يتجاوزه حَتَّى مَضَت ثَلَاثَة أَيَّام فَقلت جعلت فدَاك رجل تَاجر وَخرجت مَعَ تجار وَخَافَ أَن يرتحلوا فَقَالَ أَنْت تَغْدُو غَدا ثمَّ شرب بَاقِي ليلته وَأمر لي بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وغدوت إِلَى أَصْحَابِي وَسَأَلت عَنهُ فَقيل لي هَذَا الْأَمِير الْوَلِيد ولي الْعَهْد لأمير الْمُؤمنِينَ هِشَام فَلَمَّا اسْتخْلف بعث إِلَيّ فَأَتَيْته وَلم أزل عِنْده إِلَى أَن قتل
216 - خَادِم الْمَأْمُون يُونُس بن عبد الله أَبُو سعيد الْخَادِم مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون بن الرشيد روى عَن الْمَأْمُون وَقد روى عَنهُ سعيد بن عبد السَّلَام الْمُجَاشِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
217 - قَاضِي الْقُضَاة بقرطبة يُونُس بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مغيث بن مُحَمَّد بن عبد الله قَاضِي الْقُضَاة بقرطبة أَبُو الْوَلِيد بن الصفار شيخ الأندلس فِي عصره ومسندها وعالمها قَالَ صَاحبه أَبُو عمر بن مهْدي كَانَ من أهل الْعلم بالفقه والْحَدِيث كثير الرِّوَايَة وافر الْحَظ فِي اللُّغَة والعربية قَائِل الشّعْر النفيس بليغا فِي خطبه صنف كتاب المنقطعين إِلَى الله والتسلي عَن الدُّنْيَا وَفضل الْمُجْتَهدين والتسبيب والتيسير ومحبة الله والابتهاج بهَا والمستصرخين بِاللَّه عِنْد نزُول الْبلَاء وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
218 - الصَّدَفِي الشَّافِعِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن مُوسَى بن ميسرَة بن حَفْص بن حَيَّان أَبُو مُوسَى الصَّدَفِي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي أحد أَصْحَاب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ(29/182)
المكثرين من الرِّوَايَة عَنهُ والملازمة لَهُ كَانَ كثير الْوَرع متين الدّيانَة عَلامَة فِي الْأَخْبَار وَالصَّحِيح والسقيم لم يُشَارِكهُ فِي زَمَانه فِي هَذَا أحد وَقد تقدم ذكر حفيده أبي سعيد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن يُونُس صَاحب تَارِيخ مصر وَذكر ولد هَذَا الْحَفِيد أبي الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ المنجم الْمَشْهُور صَاحب الزيج وكل مِنْهُم إِمَام فِي قنه
أَخذ يُونُس الْقِرَاءَة عرضا عَن ورش وسقلاب بن شنينة وَمعلى بن دحْيَة عَن نَافِع وَعَن عَليّ بن كيسة عَن سليم بن عَن حَمْزَة بن حبيب الزيات وَسمع سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله ابْن وهب الْمصْرِيّ وروى الْقِرَاءَة عَنهُ مواس بن سهل وَمُحَمّد بن الرّبيع وَأُسَامَة بن أَحْمد وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيرهم وَكَانَ مُحدثا جَلِيلًا ويروى عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت بِمصْر أَعقل من يُونُس بن عبد الْأَعْلَى
قَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان لَهُ حبس فِي ديوَان الحكم وعقب وداره مَشْهُورَة فِي خطة الصدف مَكْتُوب عَلَيْهَا اسْمه وتاريخها سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أحد الشُّهُود بِمصْر أَقَامَ شَاهدا سِتِّينَ سنة ومولده سنة سبعين وَمِائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وقبره مَشْهُور بالقرافة روى عَنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بِمصْر لعلمه وفضله ونبله قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَثَّقَهُ غير وَاحِد وَمَا نقموا عَلَيْهِ إِلَّا رِوَايَته عَن الشَّافِعِي الحَدِيث الَّذِي فِي مَتنه
لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ تفرد بِهِ عَنهُ وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة
219 - الإمامي يُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمي رَئِيس الطَّائِفَة اليونسية من الإمامية كَانَ يُونُس على مَذْهَب القطعية فِي الْإِمَامَة ثمَّ إِنَّه أفرط فِي التَّشْبِيه فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يحملهُ حَملَة عَرْشه وَهُوَ أقوى مِنْهُم كَمَا أَن الطَّائِر الْمَعْرُوف بالكركي تحمله رِجْلَاهُ وَهُوَ أقوى من رجلَيْهِ وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} الحاقة 69 / 17 وَهَذَا الِاسْتِدْلَال خطأ مِنْهُ فَإِن الْآيَة دلّت بصريحها على أَن الْعَرْش هُوَ الْمَحْمُول دون الله تَعَالَى
220 - القَاضِي سراج الدّين الأرمنتي الشَّافِعِي يُونُس بن عبد الْمجِيد بن عَليّ بن دَاوُد الْهُذلِيّ القَاضِي سراج الدّين الأرمنتي كَانَ من الْفُقَهَاء الأدباء الْفُضَلَاء الشُّعَرَاء(29/183)
المحمودي السِّيرَة فِي الْقَضَاء سمع من الشَّيْخ مجد الدّين أبي الْحسن عَليّ بن وهب الْقشيرِي والحافظ أبي الْحُسَيْن يحيى بن عَليّ الْعَطَّار وَعمر بن مُوسَى العامري وَالْقَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة وَحدث بقوص وَغَيرهَا واشتغل على مجد الدّين الْقشيرِي وَأَجَازَهُ بالفتوى وَورد مصر للاشتغال وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الْمَعْرُوفَة بمدرسة زين التُّجَّار كَانَ هُوَ والفقيه نجم الدّين بن الرّفْعَة معيدين بهَا قَالَ نجم الدّين بن الرّفْعَة كنت مرّة فِي الْإِعَادَة فَصَارَ الطّلبَة يأْتونَ إِلَيّ وَلَا يجلس أحد عِنْده حَتَّى وصلت الْحلقَة إِلَيْهِ فَقَامَ وَأخذ سجادته على كتفه وَنظر إِلَيّ وَقَالَ أروح إِلَى الْجَامِع آخذ دروسا فِي الْأُصُول والنحو يَعْنِي أَنَّك مَا تَدْرِي هَذَا وَكَانَ حسن المحاضرة مليح المحاورة صنف الْمسَائِل المهمة فِي اخْتِلَاف الْأَئِمَّة وَكتاب الْجمع وَالْفرق
ولاه قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز الْقَضَاء بإخميم وعملها ثمَّ أقره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُدَّة وَنَقله إِلَى البهنسا فَأَقَامَ بهَا فَوق عشْرين سنة ثمَّ ولاه القَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة بلبيس والشرقية وَنَقله إِلَى قوص بعد كَمَال الدّين السُّبْكِيّ قَالَ كَمَال الدّين جفر الأدفوي أنشدته ارتجالا حِين خرج من عِنْد ابْن جمَاعَة // (من الوافر) //
(سراج الدّين سر فِي طيب عَيْش ... قرير الْعين مَحْمُود الفعال)
(وَقد كملت مسرتكم وتمت ... وقيت النَّقْص من عين الْكَمَال)
قَالَ كَمَال الدّين بن جَعْفَر وَرَأَيْت بِخَطِّهِ على كتاب // (من مجزوء الْكَامِل) //
(الْحَال مني يَا فَتى ... يُغني عَن الْخَبَر الْمُفِيد)
(وَبِغير سكين ذبحت ... وأدرجوني فِي الصَّعِيد)
وَكَانَ كَذَلِك لم يخرج من قوص وَكَانَ يروي التَّنْبِيه والمهذب بالسند
وأنشدني لنَفسِهِ فِي شُرُوط الْكَفَاءَة // (من الْكَامِل) //
(شَرط الْكَفَاءَة حررت فِي سِتَّة ... ينبيك عَنْهَا بريت شعر مُفْرد)
(نسب وَدين صَنْعَة حريَّة ... فقد الْعُيُوب وَفِي الْيَسَار تردد)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِي التَّعَارُض بَين الِاحْتِمَالَات وَتقدم بَعْضهَا على بعض // (من الطَّوِيل) //
(مجَاز وإضمار وَنقل وَبعده اشْتِرَاك ... وَقيل الْكل رُتْبَة تَخْصِيص)
(مَتى مَا يكون اثْنَان مِنْهَا تَعَارضا ... فَقدم مَا قدمت واحظ يتلخيص)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ // (من السَّرِيع) //(29/184)
(إِن ترمك الأقدار فِي أزمة ... أوجبهَا أجرامك السالفه)
(فافرغ إِلَى رَبك فِي كشفها ... لَيْسَ لَهَا من دونه كاشفه)
ولد بأرمنت فِي الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وست مائَة وَتُوفِّي بقوص بلسعة ثعبان فِي خَامِس عشر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَسبع مائَة وَكَانَ لِأَبِيهِ نظم وأدب
221 - الْبَصْرِيّ يُونُس بن عبيد بن دِينَار الْبَصْرِيّ أحد الْأَعْلَام رأى أنس بن مَالك وروى عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَحميد بن هِلَال وَزِيَاد بن جُبَير وَعَمْرو بن سعيد الثَّقَفِيّ كَانَ ثِقَة حَافِظًا ثبتا ورعا رَأْسا فِي الْعلم وَالْعَمَل لَهُ مَنَاقِب كَثِيرَة توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة كلهم رَضِي الله عَنْهُم
222 - شرف الدّين الأرمنتي يُونُس بن عِيسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد القَاضِي شرف الدّين الْهَاشِمِي الأرمنتي كَانَ من الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء النبلاء قَلِيل الْكَلَام كثير الاحتشام وَاسع الصَّدْر رَئِيسا سَاكِنا سمع من أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقُرْطُبِيّ واشتغل بالفقه على خَال أمه الرضي الأرمنتي وعَلى الشَّيْخ جلال الدّين الدشناوي وَتَوَلَّى الحكم بعدة جِهَات مِنْهَا دشنا وأدفو وأسنا وأسوان وقمولا مَا مَعهَا من الْقرى ونقادة وناب بقوص قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة وَأَهْلهَا راضون عَنْهَا وَله معرفَة بالفرائض على مَذْهَب الشَّافِعِي والحساب والوراقة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العزية ظَاهر قَوس وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الشمسية مُدَّة قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي وَكَانَ حُلْو الْخلْوَة ينبسط ويتبسم وَفِيه قعدد وَعَلِيهِ مهابة فَقِيه النَّفس يتَكَلَّم على الْوَسِيط كلَاما حسنا وَلما حج آخر حجَّة اجْتمع بقاضي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وتحدث مَعَه فأعجبه سمته وَأحسن إِلَيْهِ وأضافه ضِيَافَة حَسَنَة كَبِيرَة وخطر لَهُ أَن يوليه الشرقية فَذكرت لَهُ فَقَالَ أَنا فِي آخر الْعُمر مَا أخرج من وطني وَأَيْضًا أَنا فِي قوص أرى من وَليهَا يقرني على حَالي والكد على غَيْرِي وَقع من علو فَأَقَامَ سَاعَة وَتُوفِّي بقنا سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة
223 - أَبُو بكر الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ يُونُس بن أبي الْغَنَائِم بن أبي بكر بن مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ دخل حلب وَهُوَ شَاب وَأقَام بهَا قَالَ محب الدّين بن النجار لَقيته بحلب وعلقت عَنهُ مقطعات من الشّعْر لَهُ وَلغيره وَهُوَ لطيف الطَّبْع ظريف حسن(29/185)
الْأَخْلَاق متودد وَكَانَ يخضب لحيته بِالسَّوَادِ وَأورد لَهُ // (من الْبَسِيط) //
(وللأصيل ذَوا عدل يقوم لَهُ ... بِشَاهِد الْحبّ من بَدو وَمن حضر)
(تنظيف لحن إِذا مَا ظلّ ينشدنا ... شعرًا وتنظيف خديه من الشّعْر)
224 - الشَّيْخ رَضِي الدّين الشَّافِعِي يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة بن مَالك بن مُحَمَّد ابْن سعد بن عَاصِم بن عَائِد بن كَعْب بن قيس رَضِي الدّين أَبُو الْفضل وَالِد الشَّيْخ عماد الدّين مُحَمَّد وَالشَّيْخ كَمَال الدّين مُوسَى وَقد تقدم ذكرهمَا فِي مكانيهما وَتقدم ذكر حفيده الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن مُوسَى فِي مَكَانَهُ كَانَ من أهل إربل وَقدم الْموصل وتفقه بهَا على تَاج الْإِسْلَام أبي عبد الله الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن خَمِيس الكعبي الْجُهَنِيّ وَسمع عَلَيْهِ كثيرا من كتبه ومسموعاته ثمَّ انحدر إِلَى بَغْدَاد وتفقه بهَا على الشَّيْخ أبي عَليّ مَنْصُور بن سعد الْمَعْرُوف بِابْن الزاز مدرس النظامية ثمَّ عَاد إِلَى الْموصل وصادف قبولا عَظِيما عِنْد صَاحبهَا الْأَمِير زين الدّين عَليّ بن كوجك صَاحب إربل وفوض إِلَيْهِ تدريس مَسْجده وَنَظره وَكَانَ يدرس ويفتي ويناظر وقصده الطّلبَة للاشتغال عَلَيْهِ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله سنة تسع وَسبعين وَخمْس مَائه وَكَانَ عمره اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة وَمن شعره يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(لَهَا زورة فِي كل عَام وَتارَة ... تمر شهور الْحول لَا تتجمع)
(وصال وَصد لَا لشَيْء سوى أَنَّهَا ... على خلق الدُّنْيَا تجود وتمنع)
225 - الوفراوندي يُونُس بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الوفراوندي نحوي ذكره مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق لَهُ من الْكتب كتاب الشافي فِي علم الْقُرْآن كتاب الوافي فِي علم الْعرُوض
226 - الْقُرْطُبِيّ اللّغَوِيّ يُونُس بن مُحَمَّد بن مغيث بن مُحَمَّد بن يُونُس بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن مغيث أَبُو عبد الله قَالَ ابْن بشكوال مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة ومولده سنة سبع وَأَرْبَعين ولقبه ابْن بشكوال وَقَالَ هُوَ من أهل قرطبة وشيخها الْمُعظم كَانَ عَارِفًا باللغة والعربية ذَاكِرًا للغريب والأنساب وافر الْأَدَب جَامعا للكتب راوية حَافِظًا لأخبار أهل بَلَده جمع ديوانا فِي ملح المحادثة جم الإفادة(29/186)
227 - الْكَاتِب أَبُو الْفضل الأرموي يُونُس بن المظفر بن يُوسُف بن الْفرج الأرموي أَبُو الْفضل الْكَاتِب قَرَأَ الْأَدَب فِي صباه على أبي البركات بن الْأَنْبَارِي وَكَانَ جَاره ثمَّ اشْتغل بِالْكِتَابَةِ وَالتَّصَرُّف فرتب كَاتبا بديوان الزِّمَام مُدَّة ثمَّ جعل كَاتب السلَّة ثمَّ ولي الإشراف على ديوَان الزِّمَام ثمَّ عزل وَقبض عَلَيْهِ واعتقل مُدَّة وعطل فِي منزله مُدَّة ثمَّ رتب وَكيلا للْإِمَام الظَّاهِر وَكَانَ أَمِيرا إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ أديبا فَاضلا كَاتبا حاذقا جيد الْخط لَهُ معرفَة بِالْحِسَابِ وأحوال السوَاد وَالْقِسْمَة والمساحة والتخريجات والمقاطعات وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة مَحْمُود السِّيرَة متدينا محبا لأهل الْخَيْر متواضعا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمس عشرَة وست مائَة
228 - الْجواد صَاحب دمشق يُونُس بن مَمْدُود بن مُحَمَّد بن أَيُّوب بن شاذي السُّلْطَان الْملك الْجواد مظفر الدّين ابْن الْأَمِير مظفر الدّين ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر كَانَ فِي خدمَة مَعَه الْملك الْكَامِل فَوَقع بَينهمَا فَسَار إِلَى عَمه الْمُعظم فَأقبل عَلَيْهِ ثمَّ عَاد إِلَى مصر واصطلح مَعَ الْكَامِل فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف جَاءَ مَعَ الْكَامِل إِلَى دمشق فَلَمَّا مَاتَ الْكَامِل تملك الْجواد دمشق وَكَانَ جوادا كلقبه وَلَكِن كَانَ حوله ظلمَة وَكَانَ يحب الصَّالِحين والفقراء وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال وَعجز عَن مملكة دمشق وَكَاتب الْملك الصَّالح نجم الدّين ابْن الْكَامِل فَقدم وَسلم إِلَيْهِ دمشق وعوضه سنجار وعانة وَسَار إِلَى الشرق فَلم يتم لَهُ الْأَمر وَأخذت مِنْهُ سنجار وَبَقِي فِي عانة وَسَار إِلَى بَغْدَاد فأنعم عَلَيْهِ وَبَاعَ الْخَلِيفَة عانة بجملة من الذَّهَب ثمَّ صَار إِلَى مصر وافدا على عَمه الصَّالح فهم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فتحسب إِلَى الكرك إِلَى الْملك النَّاصِر فَقبض عَلَيْهِ النَّاصِر ثمَّ إِنَّه انْفَكَّ مِنْهُ وَقدم على الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق فَلم يبش لَهُ فقصد ملك الفرنج الَّذِي بصيدا وبيروت فَأكْرمه وَشهد مَعَ الفرنج وقْعَة قلنسوة قتلوا فِيهَا ألف مُسلم ثمَّ بعث إِلَى إِسْمَاعِيل الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن يغمور ليحتال عَلَيْهِ بخديعة فَيُقَال إِنَّه اتّفق مَعَه على إِسْمَاعِيل ثمَّ إِن إِسْمَاعِيل ظفر بالجواد وسجنه بحصن عزتا وسجن ابْن يغمور بقلعة دمشق فَطلب الفرنج الْجواد بن إِسْمَاعِيل وَقَالُوا لَا بُد لنا مِنْهُ فأظهر أَنه مَاتَ وَأَهله يَقُولُونَ بل خنقه وَدفن بقاسيون فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست مائَة بتربة الْمُعظم وَيُقَال إِن أمه كَانَت إفرنجية(29/187)
229 - الجبلاني يُونُس بن ميسرَة بن حَلبس الجبلاني الْأَعْمَى هُوَ أَخُو يزِيد وَأَيوب كَانَ من كبار عُلَمَاء دمشق وروى عَن مُعَاوِيَة وَعبد الله بن عَمْرو وواثلة بن الْأَسْقَع وَابْن عمر والصنابحي وَأبي مُسلم الْخَولَانِيّ وَأم الدَّرْدَاء وَغَيرهم وَله كَلَام نَافِع فِي الزّهْد والمعرفة قَالَ الْعجلِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا ثِقَة قَتله المسودة عِنْد ملك دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارزقنا الشَّهَادَة فيتعجب مِنْهُ إِذْ يَدْعُو بِهَذَا وَهُوَ أعمى حَتَّى قَتله المسودة وروى لَهُ ابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
230 - الْهَاشِمِي الْقصار يُونُس بن يحيى بن أبي الْحسن بن أبي البركات بن أَحْمد ابْن حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْقصار من أهل بَاب الأزج بِبَغْدَاد أسمعهُ وَالِده الْكثير من مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الأرموي وَمُحَمّد بن نَاصِر الْحَافِظ وَالْفضل بن سهل ابْن بشر الإِسْفِرَايِينِيّ وَأحمد بن أبي غَالب بن الطلابة وَسَعِيد بن أَحْمد بن الْبَنَّا وَمُحَمّد ابْن عبيد بن الزَّاغُونِيّ وَمُحَمّد بن عبيد الله بن سَلامَة الْكَرْخِي وَأبي الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى السجْزِي وَالْمبَارك الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الشهرزوري وَجَمَاعَة غَيرهم وسافر إِلَى مَكَّة وَهُوَ شَاب واستوطنها إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَمَان وست مائَة وَعمر وقصده النَّاس وَحصل أَكثر مسموعاته وَكتب مِنْهَا قِطْعَة بِخَطِّهِ وسافر إِلَى مصر واليمن وَدخل بِلَاد الْحَبَشَة وَحدث هُنَاكَ بالكثير وَعَاد إِلَى مَكَّة
قَالَ محب الدّين بن النجار سمعته يَقُول حدثت بِصَحِيح البُخَارِيّ سِتا وَثَلَاثِينَ مرّة سَمِعت مِنْهُ الْكثير بِمَكَّة وَجدّة والجعرانة وَالْحُدَيْبِيَة والخيف من منى وَكَانَ شَيخا حسنا فهما حسن الْأَخْلَاق متيقظا إِلَّا أَنه كَانَ متسمحا فِي دينه يَأْخُذ الْأُجْرَة على رِوَايَة الحَدِيث ويتساهل فِي رِوَايَته لَا يسْلك طَرِيق المتثبتين عَفا الله عَنهُ
231 - رَئِيس الْفُقَرَاء اليونسية يُونُس بن يُوسُف بن مساعد الشَّيْخ يُونُس الشَّيْبَانِيّ المخارقي كَبِير الطَّائِفَة اليونسية الْفُقَرَاء
قَالَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان كَانَ رجلا صَالحا سَأَلت جمَاعَة من أَصْحَابه عَن شَيْخه من كَانَ فَقَالُوا لم يكن لَهُ شيخ بل كَانَ مجذوبا وهم يذكرُونَ لَهُ(29/188)
كرامات قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبيد كَانَ قد رَآهُ وَهُوَ صَغِير وَذكر أَن أَبَاهُ أَحْمد كَانَ صَاحبه قَالَ كُنَّا مسافرين وَالشَّيْخ يُونُس مَعنا فنزلنا فِي الطَّرِيق على عين بوار وَهِي الَّتِي يجلب مِنْهَا الْملح البواري وَهِي بَين سنجار وعانة قَالَ وَكَانَت الطَّرِيق مخوفة فَلم يقدر أحد منا أَن ينَام من شدَّة الْخَوْف ونام الشَّيْخ يُونُس فَلَمَّا انتبه قلت لَهُ كَيفَ قدرت تنام فَقَالَ وَالله مَا نمت حَتَّى جَاءَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وتدرك القفل قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا رحلنا سَالِمين ببركة الشَّيْخ يُونُس رَحمَه الله تَعَالَى قتل وعزمت مرّة على دُخُول نَصِيبين وَكنت عِنْد الشَّيْخ يُونُس فِي قريته فَقَالَ إِذا دخلت الْبَلَد فاشتر لأم مساعد كفنا قَالَ وَكَانَت فِي عَافِيَة وَهِي أم وَلَده فَقلت وَمَا بهَا حَتَّى تشتري لَهَا الْكَفَن فَقَالَ مَا يضر فَذكر أَنه لما عَاد وجدهَا قد مَاتَت وَذكر لَهُ غير هَذَا من الْأَحْوَال والكرامات قَالَ وأنشدني لَهُ مواليا
(أَنا حميتو الْحمى وَأَنا سكنتو فِيهِ ... وَأَنا رميت الْخَلَائق فِي بحار التيه)
(من كَانَ يَبْغِي العطا مني أَنا أعْطِيه ... أَنا فَتى مَا أداني من بِهِ تَشْبِيه)
قَالَ وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة تسع عشرَة وست مائَة فِي قَرْيَة الْقنية من أَعمال دَارا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ سَمِعت الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية ينشد لَهُ هَذِه
(مُوسَى على الطّور لما خر لي نَاجِي ... واليثربي أَنا جبتو لما جا)
وعَلى الْجُمْلَة لم يكن من أولي اعْلَم بل من أولي الْحَال والكشف وَكَانَ شَيخنَا ابْن تَيْمِية يتَوَقَّف فِي أمره أَولا ثمَّ أطلق لِسَانه فِيهِ وَفِي غَيره من الْكِبَار
232 - زعيم الطَّائِفَة اليونسية يُونُس النميري زعيم الطَّائِفَة اليونسية من المرجئة زعم أَن الْإِيمَان هُوَ معرفَة الله تَعَالَى والخضوع لَهُ ومحبته فَمن اجْتمعت هَذِه الْخِصَال فِيهِ فَهُوَ مُؤمن وَطَاعَة الله لَيْسَ من الْإِيمَان وَتركهَا لَا يضر بِالْإِيمَان وَلَا يعذب تاركها إِذا كَانَ إيمَانه بِاللَّه تَعَالَى خَالِصا
الألقاب
ابْن يُونُس جمَاعَة
مِنْهُم عماد الدّين مُحَمَّد بن يُونُس
وَمِنْهُم شرف الدّين أَحْمد بن مُوسَى شَارِح التَّنْبِيه(29/189)
وَمِنْهُم تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن يُونُس
اليؤيؤ اسْمه مُحَمَّد بن زِيَاد
اليونيني الصَّالح مُحَمَّد بن سيف
اليونيني شرف الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد وَالله أعلم(29/190)