(بأوجع مني يَوْم ولت حمولهم ... يؤم بهَا الحادون وَادي غباغب)
الْعَسْقَلَانِي النَّحْوِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن بلبل أَبُو الْحسن الْعَسْقَلَانِي النَّحْوِيّ من شعره من مجزوء الْكَامِل
(شعر الذؤابة والعذار ... قاما بعذري واعتذاري)
(بِأبي الَّذِي فِي خَدّه ... مَاء الصِّبَا ولهيب نَار)
(سكرت لواحظه وَقل ... بِي مَا يفِيق من الْخمار)
(عابوا امتهاني فِي هوا ... هـ كأنني أَنا باختياري)
وَمِنْه فِي أَزْرَق الْعين من السَّرِيع
(تدل بالذابل حسنا وَفِي ... طرفك مَا فِي طرف الذابل)
(أَزْرَق كالأزرق يَوْم الوغى ... كِلَاهُمَا يُوصف بالقاتل)
ابْن عريبة الشَّافِعِي عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الربعِي الْبَغْدَادِيّ ابْن عريبة الشَّافِعِي قَرَأَ الْفِقْه على القاضيين أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي الْقَاسِم مَنْصُور بن عمر الْكَرْخِي وَقَرَأَ الْكَلَام للمعتزلة على أبي عَليّ ابْن الْوَلِيد وَغَيره وَقَرَأَ الْأَدَب على ابْن برهَان وَسمع فِي صباه من أبي الْحسن ابْن مخلد وَالْحسن بن أَحْمد بن شَاذان وَعبد الْملك بن بَشرَان وَغَيرهم وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمْس مائَة وَولد سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَمن شعره من الْكَامِل
(إِن كنت نلْت من الْحَيَاة وطيبها ... مَعَ حسن وَجهك عفة وشباباً)
(فاحذر لنَفسك أَن ترى متمنياً ... يَوْم الْقِيَامَة أَن تكون تُرَابا)
الْوَاعِظ الغزنوي الْحَنَفِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْوَاعِظ الغزنوي سمع بغزنة ومرو وَالْعراق وَكَانَ مليح الْإِيرَاد يتَكَلَّم بالعجمي والعربي جيد الْكَلَام(21/21)
حسن الْمعرفَة بالفقه وَالتَّفْسِير وَكَانَ حنفياً تَامّ الْمُرُوءَة والسخاء كثير الْبَذْل وَالعطَاء ممدحاً حدث بِبَغْدَاد يَسِيرا
وروى عَنهُ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن يُوسُف الغزنوي توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مائَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ يمِيل إِلَى التَّشَيُّع وَبنت لَهُ خاتون زَوْجَة)
المستظهر رِبَاطًا بِبَاب الأزج وَكَانَ السُّلْطَان يَأْتِيهِ والوزراء والأكابر وَهُوَ وَالِد الْمسند أبي الْفَتْح أَحْمد بن عَليّ رَاوِي التِّرْمِذِيّ وَمن شعره من الْكَامِل المجزوء
(إِنِّي لوصلك أشتهي ... أمل إِلَيْهِ أَنْتَهِي)
(إِن نلْت ذَلِك لم أبل ... بِالروحِ مني إِن نهي)
(دنياي لَذَّة سَاعَة ... وعَلى الْحَقِيقَة أَنْت هِيَ)
(وَلَقَد نهاني العاذلو ... ن فَقلت لَا لَا أَنْتَهِي)
الإسكافي الْكَاتِب عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْأَعْلَى أَبُو الْحسن الإسكافي كَاتب بغا الْكَبِير وَكَانَ أديباً راوية للْأَخْبَار روى عَن أبي محلم وَالْحسن بن سهل وَأحمد بن أبي داؤد القَاضِي وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
الْوَزير زعيم الْملك عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم الْوَزير أَبُو الْحسن زعيم الْملك وزر للْملك أبي نصر حسن بن كاليجار وَكَانَ آخر مُلُوك بني بويه بعد هَلَاك أَخِيه كَمَال الْملك هبة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة كثرت مُطَالبَة الْعَسْكَر الْبَغْدَادِيّ لَهُ بالأقساط فصادر التُّجَّار بالكرخ فكثرت الشناعات عَلَيْهِ فهرب إِلَى بَاب الْمَرَاتِب فَأمره الْقَائِم بِاللَّه بالظهور فَظهر ووكل بِهِ فِي الدِّيوَان وَأقَام يُحَاسب وَبَاعَ دوابه وخيله وعقاره وضياعه وَأذن لَهُ الْخَلِيفَة فِي الانحدار إِلَى النعمانية ثمَّ لما غلب البساسيري دخل زعيم الْملك على يَمِينه وَكَانَ يحترمه ويخاطبه بمولانا ثمَّ إِنَّه فر إِلَى البطيحة وَبَقِي بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة ولمهيار الديلمي فِيهِ مدائح كَثِيرَة مِنْهَا القصيدة الفائية الَّتِي أَولهَا من الْكَامِل
(سَأَلَ اللوى وسؤاله إلحاف ... لَو كَانَ من أهل اللوى إسعاف)(21/22)
(واستمنح الأظعان وَقْفَة سَاعَة ... لَو أسمع المتسرع الوقاف)
مِنْهَا
(هرم الزَّمَان وحولت عَن شكلها ... شيم الرِّجَال وحالت الْأَوْصَاف)
(مَا إِن شريت الْجور مرتخصاً لَهُ ... حَتَّى علا وَتعذر الأنصاف)
(وجفت خلائق كنت إِن جاذبتها ... سهل القياد ولانت الأعطاف)
)
(وَغدا زعيم الْملك مَعَ أملي لَهُ ... ورجاي فِيهِ عَن الْوَفَاء يخَاف)
(حَتَّى سلا صب وَأعْرض مقبل ... عني وَأنكر خابر عراف)
(يَا سيف نصري والمهند تَابع ... وربيع أرضي والسحاب مُضَاف)
(أخلاقك الغر الصفايا مَا لَهَا ... حملت قذى الواشين وَهِي سلاف)
(والإفك فِي مرْآة رَأْيك مَاله ... يخفى وَأَنت الْجَوْهَر الشفاف)
ابْن هندي الْحِمصِي عَليّ بن الْحُسَيْن بن هندي القَاضِي أَبُو الْحسن الْحِمصِي أديب لَهُ شعر ذكره ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه وَهُوَ جد بني هندي رُؤَسَاء حمص توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبع مائَة سمع من أَحْمد بن حريز السلماسي بِدِمَشْق حكى عَنهُ أَبُو الْفضل ابْن الْفُرَات حكى ابْن الْأَكْفَانِيِّ عَنهُ أَنه خلف عشرَة آلَاف دِينَار وَتُوفِّي بِدِمَشْق
ابْن صصرى عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن التغلبي ابْن صصرى أصلهم من مَدِينَة بلد حدث وَكَانَ ثِقَة وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
ابْن جدا العكبري الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن جدا أَبُو الْحسن العكبري الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ كَانَ شَيخا صَالحا متعبداً فصيحاً لسناً مناظراً لَهُ مُصَنف فِي الجدل وَغير ذَلِك توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
الأخنف الوَاسِطِيّ الْكَاتِب عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عَليّ بن دِينَار الأخنف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب الوَاسِطِيّ قدم بَغْدَاد وَسمع من عَاصِم بن الْحسن وَأحمد بن الْحسن بن خيرون وَغَيرهمَا
ومدح الْإِمَامَيْنِ الْمُقْتَدِي وَابْنه المستظهر والوزير أَبَا مَنْصُور ابْن جهير وَكَانَ يكْتب خطا مليحاً وَتُوفِّي سنة تسعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ(21/23)
يكْتب بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَمن شعره من الطَّوِيل
(هيا بانة بالغور إِن مر شادن ... بربعك مهضوم الحشا فسليه)
(وَقَوْلِي لَهُ عَن مدنف عيد لم يجد ... دَوَاء لَهُ إِلَّا مدامة فِيهِ)
(خف الله فِي قلبِي فَإنَّك سَاكن ... بسودائه واحفظ مَكَانك فِيهِ)
)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(يَا نازح الدَّار عَن قربي ومسكنه ... فِي حبه الْقلب لَا تبعد بك الدَّار)
(عِنْدِي أَحَادِيث فِي نَفسِي مخبأة ... حَتَّى أَرَاك وأخبار وأخبار)
أَبُو الْوَزير المغربي عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن بَحر بن بهْرَام الْوَزير أَبُو الْقَاسِم المغربي هُوَ بغدادي الأَصْل والمغربي لقب لجده وَهُوَ وَالِد الْوَزير أبي الْقَاسِم الْحُسَيْن المغربي وَقد تقدم ذكره ولد أَبُو الْقَاسِم بحلب وَنَشَأ بهَا ووزر لصَاحِبهَا سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدَان
ثمَّ هرب خوفًا مِنْهُ إِلَى مصر ووزر للْحَاكِم فَقتله وَكَانَ شَاعِرًا روى عَنهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَكَانَت قتلته سنة أَرْبَعمِائَة وَمن شعره الْحَافِظ الفلكي عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن الْحسن الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْهَمدَانِي الْمَعْرُوف بالفلكي كَانَ حَافِظًا متقناً يحسن هَذَا الشَّأْن جيدا جمع الْكثير وصنف الْكتب مِنْهَا كتاب الْمُنْتَهى فِي الْكَمَال فِي معرفَة الرِّجَال ألف جُزْء وَكَانَ جده بارعاً فِي الْحساب وَعلم الْفلك فَلذَلِك قيل لَهُ الفلكي وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
ابْن المقير الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن مَنْصُور الْمسند الصَّالح المعمر أَبُو الْحسن بن أبي عيد الله بن المقير بِالْقَافِ وَالْيَاء آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة وَبعدهَا رَاء(21/24)
الْبَغْدَادِيّ الْأَزجيّ الْحَنْبَلِيّ الْمُقْرِئ النجار مُسْند الديار المصرية بل مُسْند الْوَقْت ولد لَيْلَة عيد الْفطر سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة أجَاز لَهُ أَبُو بكر ابْن الزَّاغُونِيّ وَنصر بن نصر العكبري والحافظ ابْن نَاصِر وَسَعِيد بن الْبناء وَأَبُو الْكَرم الشهرزوري وَأَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد العباسي وَجَمَاعَة وَكَانَ يُمكنهُ السماع من هَؤُلَاءِ وَسمع بِنَفسِهِ من شهدة وَمعمر بن الفاخر وَعبد الْحق اليوسفي وَعِيسَى بن احْمَد الدوشابي وَأحمد بن الناعم وَأبي عَليّ ابْن شيرويه وَجَمَاعَة وَهُوَ آخر من روى بِالْإِجَازَةِ عَن أُولَئِكَ وبالسماع عَن ابْن الفاخر وَحدث بِدِمَشْق وبغداد ومصر وَمَكَّة وَحج وَرَاح إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا وجاور بِمَكَّة وَتُوفِّي بِمصْر
وَكَانَ شَيخا صَالحا كثير التَّهَجُّد والتلاوة صَابِرًا على أهل الحَدِيث وَآخر من روى بِالسَّمَاعِ)
وَالْإِجَازَة شَيخنَا يُونُس الدبابيسي بِالْقَاهِرَةِ
أَبُو الْحسن الْعقيلِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن حيدرة بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْعقيلِيّ يَنْتَهِي نسبه إِلَى عقيل بن أبي طَالب أَبُو الْحسن ذكره ابْن سعيد المغربي فِي كتاب الْمغرب وسَاق لَهُ قطعا كَثِيرَة من شعره وَأما أَنا فَمَا رَأَيْت أحدا من شعراء الْمُتَقَدِّمين من أَجَاد الِاسْتِعَارَة مثله وَلَا أَكثر من استعاراته اللائقة الصَّحِيحَة التخيل وَقد وقفت على ديوانه وَأَكْثَره مقاطيع وَقد خَتمه بأرجوزة طَوِيلَة نَاقض فِيهَا ابْن المعتز فِي أرجوزته الَّتِي ذمّ فِيهَا الصبوح ومدح الغبوق وَمن شعره من المجتث
(إستجل بكرا عَلَيْهَا ... من الزّجاج رِدَاء)
(فَوجه يَوْمك فِيهِ ... من الملاحة مَاء)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(قُم فانحر الراح يَوْم النَّحْر بِالْمَاءِ ... وَلَا تضح ضحى إِلَّا بصهباء)
(أدْرك حجيج الندامى قبل نفرهم ... إِلَى منى قصفهم مَعَ كل هيفاء)
(وعج على مَكَّة الروحاء مبتكراً ... وَطف بهَا حول ركن الْعود والناي)
وَمِنْه من الْبَسِيط(21/25)
(إشرب على شفق من تَحْتَهُ لَهب ... كَأَنَّهُ سبج من تَحْتَهُ ذهب)
(من قبل يُضحي خلوقاً مسكه وَيرى ... شقيقه ياسميناً حِين ينتقب)
وَمِنْه من السَّرِيع
(وَقَائِل مَا الْملك قلت الْغنى ... فَقَالَ لَا بل رَاحَة الْقلب)
(وصون مَاء الْوَجْه عَن بذله ... فِي نيل من ينْفد عَن قرب)
وَمِنْه من السَّرِيع
(لَا تلحظاً من أَنْت مشتهر ... بِهِ إِذا كَانَ عَلَيْهِ رَقِيب)
(وغط بالأطراف وَجه الْهوى ... فَلَيْسَ تخفى لحظات الْمُرِيب)
وَمِنْه من الْكَامِل
(قُم هَاتِهَا وردية ذهبيةً ... تبدو فتحسبها عقيقاً ذابا)
)
(أَو مَا ترى حسن الْهلَال كَأَنَّهُ ... لما تبدى حَاجِب قد شَابًّا)
وَمِنْه من المنسرح
(وبركة قد أفادنا عجبا ... مَا ماج من مَائِهَا وَمَا انسكبا)
(من حول فوارة مركبة ... قد انحنى ظهر مَائِهَا تعبا)
وَمِنْه من الوافر
(وَلما أقلعت سفن المطايا ... برِيح الوجد فِي لجج السراب)
(جرى نَظَرِي وَرَاءَهُمْ إِلَى أَن ... تكسر بَين أمواج الهضاب)
وَمِنْه من الوافر
(وهات زواهر الكاسات ملأى ... إِلَى الحافات بِالذَّهَب الْمُذَاب)(21/26)
(فكير الجو يُوقد نَار برق ... إِذا خمدت يدخن بالضباب)
وَمِنْه من الْكَامِل
(يَا من يُدَلس بالخضاب مشيبه ... إِن المدلس لَا يزَال مريبا)
(هَب ياسمين الشيب عَاد بنفسجاً ... أيعود عرجون القوام قَضِيبًا)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أذهبت فضَّة خَدّه بعتابي ... وَنَثَرت در دُمُوعه بخطابي)
(ظَبْي جعلت كناسه قلبِي فَلم ... أَعقل لصيد سواهُ قبل طلابي)
(فزهي عَليّ وَمر يسحب ذيله ... بَين التكبر مِنْهُ والإعجاب)
(فَحَلَفت أَنِّي إِن ظَفرت بخده ... لأرصعن مدامه بحباب)
وَمِنْه من مجزوء الْكَامِل
(إشرب على ذهبية ... صفراء كالذهب الْمُذَاب)
(فالجلنار خلوقه ... قد غَابَ فِي مسك الضباب)
وَمِنْه من السَّرِيع
(يَا مسكة العشاق مسك الدجا ... قد رد فِي نافجة الغرب)
(وجونة الشرق لكافورها ... ناثرة فِي عنبر الترب)
(فَاذْهَبْ الْهم بمشمولةٍ ... كمسك ذوب الذَّهَب الرطب)
)
(فالماء قد جدر بلوره ... مَا نثرته فضَّة السحب)
وَمِنْه من المجتث
(عرائس القضب تجلى ... على كراسي الروابي)
(مجْلِس الرَّوْض فِيهِ ... فرش من العتابي)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(حبيب تجنى فاعتذرنا فِيمَا انثنى ... فصد فواصلنا فَمَا لَان جَانِبه)(21/27)
(فحتى مَتى يسري إِلَيْهِ تنصلي ... وهجرانه مَا تستقل ركائبه)
وَمِنْه من الْكَامِل
(الْغَيْم بَين بكا وَبَين نحيب ... وَالرَّوْض بَين سنا وَبَين لهيب)
(فَادْخُلْ بِنَا حجر الرياض فَمَا ترى ... فِيهَا بناناً لَيْسَ بالمخضوب)
(مَا دَامَت الأكياس من كاساتنا ... مختومةً بحبابها المحبوب)
وَمِنْه من مجزوء الْكَامِل
(أجل الَّتِي مَا مثلهَا ... شَيْء سوى الذَّهَب الْمُذَاب)
(مَا دَامَ درع المَاء قد ... خفت بِهِ خوذ الْحباب)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(أعتق من الْهم رق قلبِي ... بعاتق ثوبها الزّجاج)
(بَين رياض مزخرفات ... للْمَاء فِي خلجها اخْتِلَاج)
(فَلَيْسَ يدنو إِلَيْك غُصْن ... بمفرق لَيْسَ فِيهِ تَاج)
وَمِنْه من الْكَامِل
(الرَّوْض من أنهاره وبهاره ... فِي المصمت الفضي والديباج)
(تعلو رَعيته مُلُوك غصونه ... هَذَا بإكليل وَذَاكَ بتاج)
وَمِنْه من السَّرِيع
(يَا ذَا الَّذِي يبسم عَن مثلهَا ... لائحه يلمع فِي عقده)
(وَمن لَهُ خد غَدا حائزاً ... شقائق النُّعْمَان من ورده)
(إثن عنان الهجر عَن عاشق ... قد طَال ركض الدمع فِي خَدّه)
)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(جسم زجاج وروح رَاح ... كَأَنَّهَا الشَّمْس فِي الصَّباح)(21/28)
(إِن ضحك خجل الجلنار مِنْهَا ... أَرَاك ثغراً من الأقاحي)
وَمِنْه من السَّرِيع
(لنا صديق صَادِق الْوَعْد ... محذلق فِي صَنْعَة الرفد)
(مَا جَلَست قطّ لَهُ همةً ... إِلَّا على مرتبَة الْمجد)
وَمِنْه من المجتث
(والغرب بِاللَّيْلِ مسك ... والشرق بِالْفَجْرِ ند)
(وروضة الْجَام فِيهَا ... من زهرَة الراح ورد)
(فَاشْرَبْ على وَجه روض ... لَهُ من المَاء خد)
(لم تلقه الرّيح سبطاً ... إِلَّا انثنى وَهُوَ جعد)
وَمِنْه من المتقارب
(سَأَلت أَبَا يُوسُف حَاجَة ... فَقَالَ أجيء بهَا فِي غَد)
(فقد سلط من مطله ... فأضنى بِهِ جَسَد الْموعد)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(يَا شَقِيق صدغاً وخداً ... وأخا السروة اعتدالاً وقدا)
(بك إِلَّا سترت بالوصل عني ... وَجه إعراضك الَّذِي لَيْسَ يندى)
(مَا كَفاهُ أَن صَار خدي بهاراً ... مِنْهُ حَتَّى صَارَت دموعي وردا)
وَمِنْه من المنسرح
(قُم نصطبح تَحت رَفْرَف الشّجر ... على غناء يحث بالوتر)
(فَإِن خَز الْغَمَام ينثر فِي ديب ... اجة الرَّوْض زئير الْمَطَر)
وَمِنْه من الْكَامِل
(نَحن الَّذين غَدَتْ رحى أحسابهم ... وَلها على قطب الفخار مدَار)
(قوم لغصن نداهم فِي رفدهم ... ورق وَمن معروفهم أثمار)
(من كل وضاح الجبين كَأَنَّهُ ... روض خلائقه لَهُ أزهار)
)
وَمِنْه من الوافر
(سوالف سوسن وخدود ورد ... وأعين نرجس وجباه غدر)(21/29)
(محَاسِن لَيْسَ ترْضى عَن نديم ... إِذا لم يقْض واجبها بشكر)
وَمِنْه من السَّرِيع
(قد وَقد الزهر مصابيحه ... وصير القضب فوانيسا)
(فأغن بِالرَّاحِ ندامى غدوا ... من المسرات مفاليسا)
(مَا دَامَ قد صَار نعام الرِّبَا ... من نعم السحب طواويسا)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أهيف يستعطف لحظ القنا ... إِن كنت غضباناً بأعطافه)
(إِذا التثني عصفت رِيحه ... تلاطمت أمواج أردافه)
وَمِنْه من السَّرِيع
(قد كَانَ جمراً خَدّه فالتحى ... فَصَارَ كالجمر إِذا مَا انطفا)
وَمِنْه من الْكَامِل المجزوء
(الأقحوان غصونه ... بيض النواصي والمفارق)
(ومراود الأمطار قد ... كحلت بهَا حدق الحدائق)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(لنا العطايا الَّتِي قدت أزمتها ... من المكارم والتعجيل سائقها)
(وَنحن إِن نصبت شطرنج معركة ... رخاخها وأعادينا بياذقها)
(لَوْلَا ندى من ندانا للظنون ذوت ... وللأماني اخضرت حدائقها)
(قوم نُجُوم عطاياهم مغاربها ... أَيدي العفاة وأيديهم مشارقها)
وَمِنْه من السَّرِيع
(ستائر الأوراق مَنْصُوبَة قيانها ... قيانها من خلفهَا الْوَرق)
(فَاشْرَبْ على ألحانها واسقني ... شمساً لَهَا من كاسها شَرق)
(فالجو فِي عاتق نفاطه ... زرقة نيرانها الْبَرْق)
وَمِنْه من المنسرح)(21/30)
(منعم حلية اللحاظ إِذا ... أقبل تجْرِي إِلَيْهِ فِي طلق)
(كَأَنَّمَا وَجهه لِكَثْرَة مَا ... فِيهِ من الْحسن موسم الحدق)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وأوحشت من رُؤْيَاك طرفِي وَلم تزل ... تنزهه فِي ورد وجنتك الغض)
(فَإِن كنت تخشى من لِسَان بكائه ... فَمَا الرَّأْي إِلَّا أَن تبرطل بالغمض)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(إِنِّي لآنف من ثغر أقبله ... إِن لم يكن ثغر مَا مِنْهُ لي عوض)
(لأنني لست أرْضى لثم مبتسم ... إِن لم يكن لي فِي إغريضه غَرَض)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أنر بصبح الْوَصْل عيشي فقد ... صيره ليل القلى مظلما)
(وآرث لمن أفلاك أجفانه ... تطلع من أدمعه أنجما)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(ألذ مودات الرِّجَال مذاقةً ... مَوَدَّة من إِن ضيق الدَّهْر وسعا)
(فَلَا تلبس الود الَّذِي هُوَ ساذج ... إِذا لم يكن بالمكرمات مرصعا)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(يَا طاعناً بعتابي كَاد ينقذني ... لَو لم أكن لابساً درعاً من الأمل)
(إخلع عَليّ جَدِيدا من رضاك فقد ... رقعت بالعذر مَا خرقت بالزلل)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(ناحت فواخت سحب وَكرها الْفلك ... بكاؤها لطواويس الربى ضحك)
(وأنجم النبت تجلا فِي ملابسها ... جيد السَّمَاء الَّتِي أقمارها البرك)
(والورد مَا بَين أَنهَار مدرجةٍ ... كَأَنَّهُ شفق من حوله حبك)(21/31)
(فسقنا من عصير الْكَرم صَافِيَة ... كَأَنَّهَا الذَّهَب الإبريز منسبك)
(يُبْدِي المزاج على حافاتها حبباً ... كَأَنَّهُ من حَرِير أَبيض شَبكَ)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(رشأ تنعم الْعُيُون بِمَا فِي ... خَدّه من شقائق النُّعْمَان)
)
(مَا التقى حسنه بِنَا قطّ إِلَّا ... ردنا عَن محجة السلوان)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(قُم فاقبل الكاس فَهِيَ حُبْلَى ... للراح فِي بَطنهَا جَنِين)
(وَمن مهود الرِّبَا ثبات ... من كل وجهٍ لَهَا عُيُون)
(وانعم بِإِسْقَاط كل هم ... من قبل أَن تسْقط الغصون)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(جعلت مهجتي الْفِدَاء لغصن ... إِن تثنى ثنى الْقُلُوب لَدَيْهِ)
(كلما لَاحَ وَجهه فِي مَكَان ... كثرت زحمة الْعُيُون عَلَيْهِ)
وَمِنْه من الْكَامِل
(خلص بجاه الْوَصْل قلب متيم ... غمر الصدود عَلَيْهِ أعوان الضنى)
وَمِنْه من المنسرح
(قطع قلبِي بمدية التيه ... وذر من ملح صده فِيهِ)
(ولفه فِي رقاق جفوته ... وَقطع البقل من تجنيه)
(وَقَالَ لي كل فَقلت آكل مَا ... أمرض قلبِي بِهِ وأوذيه)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(نَحن المحاسن للدنيا إِذا سفرت ... حَتَّى إِذا ابتسمت كُنَّا ثناياها)
(عِصَابَة مَا رأى جيد الزَّمَان لَهُ ... قلائداً هِيَ أبهى من سجاياها)(21/32)
(لم يخلق الله شَيْئا قطّ أَكثر من ... حاجات قصادها إِلَّا عطاياها)
وَقَالَ مزدوجةً يمدح بهَا الصبوح مناقضاً لعبد الله بن المعتز وَقد تقدّمت مزدوجة ابْن المعتز فِي تَرْجَمته من الرجز
(وَلَيْلَة أيقظني معانقي ... والبدر قد أشرق فِي الْمَشَارِق)
(وَقد بَدَت فِي إثره الثريا ... فَلم أزل أنظرها مَلِيًّا)
(كَأَنَّهَا فِي سَاعَة الطُّلُوع ... بنان خود بَان للتوديع)
(يَوْم النَّوَى من كم ثوب أَزْرَق ... أَو هودج يطوي السرى فِي الْمشرق)
(فصوص بلور على فيروزج ... تشرق فِي الجو بِنور مبهج)
)
(وَجَاء بالشيراز والبواري ... ضدين مثل الْوَصْل والهجران)
(كَأَن هذاك بذا إِذا خلط ... صبح مشيب بدجى شعر وَخط)
(ثمَّ لنا جدي قُرَيْش مشرق ... كَأَنَّمَا أهابه مخلق)
(ثمَّ لنا فرخ إوز يبتهج ... فِي قدر جوذاب لَهَا تصبو المهج)
(رطب نضيج فائق لذيذ ... يقوم فِي الدّهن بِهِ السميذ)
(شبهته بمرضع فِي مهد ... عَلَيْهِ ثوب أَحْمَر كالورد)
(وَقد حكت فِي قدرهَا الجوذابه ... سبيكةً من ذهب مذابه)
(ويعد هَذَا نرجسيةً سبت ... بحسنها عَقْلِي لما أَن بَدَت)
(كَأَنَّهَا فِي زيها عروس ... قد فتنت بحسنها النُّفُوس)
(شبهتها لما أَتَت فِي قدرهَا ... بروضة زاهية بزهرها)
(كَأَنَّمَا الفستق واللوز مَعًا ... فصوص مَا زهر ودر جمعا)
(أَو أقحوان للعيون يسحر ... أَو نرجس فِي وسط زهر يزهر)
(والجبن لونان فقان قد قلي ... وناصح يبهر عين المجتلي)
(وَالْبيض مفقوص بهَا ينجم ... كَأَنَّهُ لما علاها أنجم)
(مَا بَين زيتون وعناب مزج ... لَاحَ لنا مِنْهُ عقيق وسبج)
(مثل شوابير لجين وَذهب ... نيطت بسرسيق أنيق كالرطب)
(ثمَّ لنا من بعد هَذَا مسمع ... من كل ذِي طبع مليح أطبع)
(يشدو فيحيي صَوته القلوبا ... وَيذْهب الأحزان والكروبا)
(كَأَنَّهُ بدر على قضيب ... تميله الرِّيَاح فِي كثيب)(21/33)
(كَأَنَّمَا طلعته وطرته ... صبح وليل قد أناخت ظلمته)
(كَأَنَّمَا عذاره وخده ... ضدان لاحا وَصله وصده)
(كَأَنَّمَا رضابه عقار ... كَأَنَّمَا خداه جلنار)
(حَتَّى إِذا مَالَتْ إِلَى الْغُرُوب ... شبهتها بالقدح المكبوب)
(والبدر فِي وسط النُّجُوم زَاهِر ... كالملك قد حفت بِهِ العساكر)
(كَأَنَّمَا عُطَارِد لما طلع ... أدْركهُ وَقد بدا الْبَدْر الْجزع)
)
(فَهُوَ من الخيفة مِنْهُ يرتعد ... كقلب صب راعه الْحبّ بصد)
(وقابل المريخ فِي الْأُفق زحل ... كَأَنَّهُ شهَاب نَار تشتعل)
(ولاحت الزهرة وَهِي تزهر ... فنوره لكل نجم يبهر)
(فَلم أزل لكل نجم أرصد ... حَتَّى تولى للغروب الفرقد)
(وَسَار للغرب الظلام يطْلب ... كَأَنَّهُ من الصَّباح يهرب)
(ثمَّ بدا الصُّبْح بِوَجْه مُسْفِر ... وَغَابَتْ الجوزاء إِثْر المُشْتَرِي)
(وانهزمت عَسَاكِر اللَّيْل وَلم ... يبْق الصَّباح إِذْ بدا على الظُّلم)
(وهتكت ستر الدجا أنواره ... وأسبلت على الورى أستاره)
(وَلم يكن فِي الأَرْض نور للقمر ... حَتَّى كَأَن لم يَك لِليْل أثر)
(فَقلت يَا مولى الْعقيلِيّ أجب ... عَبدك فِي نومك ذَا لما طلب)
(وقم بِنَا بِلَا خلاف نصطبح ... فيومنا يَوْم سرُور وَفَرح)
(قد غَابَتْ الأحزان عَنهُ فاغتنم ... غَفلَة صرف الدَّهْر مَا مولى الْأُمَم)
(فقد أَتَى الطاهي لنا قبل السحر ... بجونة فِيهَا جَمِيع مَا حضر)
(وَذَاكَ أَنِّي عِنْد بَدْء الحندس ... قلت لَهُ إيت بهَا فِي الْغَلَس)
(فجَاء الصُّبْح بهَا كَمَا طلع ... كَأَنَّهُ لما استنار ولمع)
(شيب بدا فِي عَارض الظلام ... يلوح أَو كصفحة الحسام)
(مثل عروس للجلا مزينه ... وَهِي بأنواع الطَّعَام مشحنه)
(قد ألبست من الرقَاق الناعم ... غلائلاً لذيذة المطاعم)
(وَالْبيض والجبن مَعَ الزَّيْتُون ... والنعنع الْمَخْلُوط بالطوخون)(21/34)
(مقطع مَعَ الكرفس الْمصْرِيّ ... كَمثل هداب ثِيَاب خضر)
(على خروف وافر مدور ... كَأَنَّهُ مرصع بالجوهر)
(والخل وَالْملح فَمَا نسيهما ... علما بِأَنِّي مِنْهُ اشتهيهما)
(كَأَنَّمَا يسفر عَن صياح ... كَأَنَّمَا يبسم عَن أقاحي)
(وَذَات عقد أبرزت من خدرها ... لَا تدْرك الْأَيَّام حصر عمرها)
(زفت فَمَا تدْرك بالعيان ... لطول مَا أفنت من الزَّمَان)
)
(تكَاد تخفي رقةً عَن كاسها ... تبدو فيخفى الكاس عَن جلاسها)
(بكر عروس ذَات نور يلمع ... وَذَات أنفاس كمسك يسطع)
(كَأَنَّهَا فِي كاسها إِذْ مزجت ... عقيقة فِي درة قد أسرجت)
(أَو كالشقيق الغض أَو كالنار ... أَو كنضار فِي لجين جَار)
(يَحْكِي عَلَيْهَا حِين يَعْلُو الحبب ... نُجُوم در فِي سَمَاء من ذهب)
(أَو كدموع فَوق خد جؤذر ... أَو كرداء فَوق خد أَحْمَر)
(فَهُوَ على دور الْإِنَاء حَائِل ... كَأَنَّهُ إِذْ أرَاهُ الناهل)
(منْطقَة من لُؤْلُؤ قد نظمت ... أَو مقل بِلَا جفون قد رنت)
(مدامة تسلب باللطف الحجى ... ونورها يهتك أَسْتَار الدجا)
(تكَاد أَيدي الشّرْب مِنْهَا تختضب ... لَوْلَا المزاج أشفقوا أَن تلتهب)
(أطيب من طيب الْحَيَاة شربهَا ... مُمكن من النُّفُوس حبها)
(مُعينَة النَّفس على لذاتها ... وراحة الْأَرْوَاح من علاتها)
(وملجأ من كل هم وترح ... مُنْتَهى كل سرُور وَفَرح)
(يُغني عَن الْمسك الفتيق نشرها ... وَعَن جَمِيع مَا يسر ذكرهَا)
(قد فَازَ من واصلها وَلم يخب ... لِأَنَّهَا أجلب شَيْء للطرب)
(يسْعَى بهَا رَود كغصن البان ... كَأَنَّهَا وكاسها شمسان)
(فللكثيب حِين تبدو ردفها ... وللغزال جيدها وطرفها)
(وللقضيب لينها وقدها ... وللرحيق والشقيق خدها)
(فِي رَوْضَة تزهى بزهر زَاهِر ... وَحسن نوار وَنبت ناضر)(21/35)
(جَادَتْ عَلَيْهَا أدمع السَّحَاب ... حَتَّى كستها حلل العتابي)
(يُبْدِي لنا ريحانها جماجماً ... حمراً وخضراً قد حكت عَمَّا بهَا)
(والنرجس البزري زهر مونق ... مثل عُيُون لعيون ترمق)
(أَو كنجوم فِي ذرى الأغصان ... أَو دُرَر تَبَسم عَن عقيان)
(وَقد ترَاءى الْقطر فِي الشَّقِيق ... كلؤلؤ رطب على عقيق)
(كَأَنَّهُ فِي وسط روض معشب ... مَا بَين شيح كمشيب الأشيب)
)
(خد أسيل سَالَ فِيهِ سالف ... لَيْسَ لَهُ غير اللحاظ قاطف)
(كَأَنَّمَا الْورْد أنيق المنظر ... مداهن من العقيق الْأَحْمَر)
(كَأَنَّمَا بهارها إِذْ طلعا ... تبر بِهِ فيروزج قد رصعا)
(كَأَن آذريونها لما ابتدر ... والياسمين حوله مثل الدُّرَر)
(يزهى على الزهر برياه الأرج ... كؤوس تبر فِي أقاصيها سبج)
(كَأَنَّمَا منثورها لما انتثر ... جَوَاهِر تبددت على حبر)
(ناصعة تزهر بَين الخيري ... كَمثل صلبان من البلور)
(سوسنها يَحْكِي لكل عين ... روس بوقات من اللجين)
(وَقد تبدى أَزْرَق البنفسج ... كالقرص فِي خد غرير غنج)
(أَو لازورد فَوق وشي قد نثر ... يهدي فتيق الْمسك رياها الْعطر)
(وَقد بدا فِي الرَّوْض نشر العنبر ... يغشى الرِّبَا من برك النيلوفر)
(كَأَنَّهُ أسنة من عسجد ... مودعة غلفًا من الزمرد)
(إِن جَاءَت الشَّمْس عَلَيْهِ وَانْفَتح ... وهام كل نَاظر من الْفَرح)
(شبهه ذُو النَّاظر المبهوت ... لَهُ بطاسات من الْيَاقُوت)
(حَتَّى إِذا مَا غَابَتْ الشَّمْس انطبق ... وَغَابَ للْوَقْت كصب ذِي أرق)
(جد على تغريقه لمهجته ... فِي اللج من لوعته وحسرته)
(لما أَزَال الهجر عَنهُ حسه ... غمض عَيْنَيْهِ وأخفى نَفسه)
(كَأَنَّمَا أنهارها أراقم ... كَأَنَّمَا غدرانها دَرَاهِم)
(وَقد زها تفاحها المضرج ... لما بدا لفاحها المدبج)(21/36)
(وَقد علا ليمونها اصفراره ... كمستهام خانه اصطباره)
(كَأَنَّهُ فِي القضب الموايل ... كرات عاج أَو نضال نَازل)
(كَأَنَّمَا النارنج مَا بَين الثَّمر ... إِذا بدا للناظرين فِي الشّجر)
(نُجُوم تبر فِي سَمَاء سندس ... لحسنه يحدث طيب الْأَنْفس)
(وَقد بدا الأترج فِي الْأَشْجَار ... مثل قناديل من النضار)
(وَقد زها رمانها مَعَ مَا زها ... لما حوى حسنا وطيباً وَبهَا)
)
(فَهُوَ كأحقاق على الأغصان ... قد أدعت حبا من المرجان)
(والسرو مَا بَين مياه تجْرِي ... كَمثل غيد فِي ثِيَاب خضر)
(وَالنَّخْل مَا بَين الرِّيَاح باسق ... وَالطير فِي أوكارها نواطق)
(والقبج والدراج والشحرور ... والصعو والشفنين والزرزور)
(والغر والفاخت والطاووس ... كَأَنَّهُ بَينهمَا عروس)
(والبط وَالسمان بَين النعنيط ... بَعضهم ببعضهم قد اخْتَلَط)
(تلهيك مِنْهُم نَغمَة القماري ... عَن نغمات الناي والأوتار)
(فبعضهم كَأَنَّهُ يُحَاسب ... وَبَعْضهمْ كَأَنَّهُ يُطَالب)
(وَبَعْضهمْ كَأَنَّهُ يفكر ... وَبَعْضهمْ على الغصون يصفر)
(فَقَالَ لي أقصر عَن الْوَصْف فقد ... وصفت مَا لست ترَاهُ من أحد)
(وَأَنت مَعَ ذَا للصبوح عاشق ... وأنني إِلَى الغبوق تائق)
(فَقلت خُذ مَا فِي الغبوق من نكد ... واسمع وَكن لما أَقُول مُعْتَقد)
(إِن كَانَ صعلوكاً وَكَانَ فِي الشتا ... وَأَقْبل اللَّيْل عَلَيْهِ وأتى)
(وَلم يعره حيطة جِيرَانه ... وَبَات فِي منزله إخوانه)
(فَلم يزل فِي لَذَّة وقصف ... وَفِي جَمِيع مَا يفوت وصفي)
(من حادثات الدَّهْر فِي أَمَان ... وَفِي سرُور ونعيم دَان)
(وبعضنا لبعضنا مؤات ... حَتَّى رمانا الدَّهْر بالشتات)(21/37)
(وَخَربَتْ صروفه مَا عمرا ... فَالْحَمْد لله على مَا قدرا)
قلت كَذَا وجدت هَذِه المزدوجة مثبتة فِي ديوَان العقي وَالظَّاهِر أَن النَّاسِخ لما وصل إِلَى آخر قَوْله وَبَات فِي منزله إخوانه قلب الورقة فَانْقَلَبَ مَعَه ورقتان وَلم يعلم فَكتب مَا ظهر لَهُ لِأَن الْكَلَام هُنَا أَبيض لِأَنَّهُ يلْزمه أَن يذكر عُيُوب الغبوق كَمَا ذكر محَاسِن الصبوح وَفِي هَذِه المزدوجة أَلْفَاظ لَا يجوز اسْتِعْمَالهَا عِنْد الفصحاء تظهر لِذَوي الْأَلْبَاب
قَاضِي الْقُضَاة الزَّيْنَبِي عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس أَبُو)
الْقَاسِم بن أبي طَالب الزَّيْنَبِي من بَيت مَشْهُور بالنقابة والتقدم والرياسة ولاه المسترشد قَضَاء الْقُضَاة فِي الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وَخمْس مائَة وَكَانَ صَدرا مهيباً ذَا ثبات وصيانة ونزاهة وديانة وعفة وغزارة فضل سمع من أَبِيه وَعَمه طراد وَأبي الْخطاب ابْن البطر وَأبي عبد الله ابْن البشري وَأبي الْحسن ابْن العلاف وَأبي الْقَاسِم ابْن بَيَان وَغَيرهم ولد سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي يَوْم الْأَضْحَى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
قيل إِنَّه رَآهُ رجل فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي ثمَّ أنْشد من الطَّوِيل
(وَإِن امْرَءًا ينجو من النَّار بَعْدَمَا ... تزَود من أَعماله لسَعِيد)
ابْن قرطاميز عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن قرطاميز كَانَ هُوَ وَإِخْوَته أَرْبَعَة قصاراً متشابهي القدود فَقَالَ فيهم بركَة بن الْمُقَلّد أَمِير بني عقيل من المتقارب
(بَنو قطرميز قصار الخطا ... بحاتر أشباه جعلان)
(أَرْبَعَة لَو وصلوا كلهم ... لم يبلغُوا قامة إِنْسَان)
من شعر أبي الْحسن الْمَذْكُور لغز كتبه لِابْنِ صاعد من الرجز
(مَا أسود لم ينش بَين الْعَرَب ... من غير أم حملت وَلَا أَب)
(ينعشنا بدمعه المنسكب ... يُوقن من أبصره بالسلب)(21/38)
(وَمَا لَهُ فِي سلبه من أرب ... أعجوبة تزري بِكُل الْعجب)
فَأجَاب وَهُوَ فِي حمام من الرجز
(سَأَلت عَن مستحسن مستغرب ... عِنْد الأعاريب الْكِرَام النجب)
(بِأَرْض نجد وَربَاع يعرب ... لكنه الحضري المعجب)
(بَيت سرُور ونعيم طيب ... بَيت يرى كالقائم المنتصب)
(وَتارَة كالنائم المحدودب ... نجومه طالعة لم تغب)
(مُقِيمَة فِي صَحبه والغيهب ... يجمع بَين مطفئ وملهب)
(مَا فاض من دمعه المنسكب ... فِيهِ انْتِفَاع للمسن وَالصَّبِيّ)
(يحسن فِيهِ الدَّهْر ترك الْأَدَب ... وَيَسْتَوِي الْفَقِير مَعَ ذِي النشب)
(فِيهِ أنَاس بمدى كالقضب ... حربهم فِيهِ لغير الْحَرْب)
)
(بِلَا دم من الجسوم مسرب ... ناهيك يَا صَاح بذا من عجب)
ابْن شيخ العوينة عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن عَليّ هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل المتبحر الْمُفْتِي الْعَلامَة الأصولي الْفَقِيه النَّحْوِيّ الْكَامِل زين الدّين أَبُو الْحسن ابْن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الشَّيْخ زين الدّين شيخ العوينة الْموصِلِي كَانَ هَذَا الشَّيْخ زين الدّين الْأَعْلَى من أهل الثروة والسعادة بالموصل فآثر الِانْقِطَاع وَالْعُزْلَة فأوى إِلَى الْجَبانَة بِبَاب الميدان ظَاهر الْموصل وَلَا مَاء هُنَاكَ إِلَّا من آبار محفورة طول الْبِئْر خَمْسُونَ ذِرَاعا وَسِتُّونَ ذِرَاعا وَأكْثر وَأَقل وَكَانَ الشَّيْخ زين الدّين الْمَذْكُور يتَوَجَّه كل يَوْم إِلَى الشط ويملأ إبريقين ويحملهما وَيَجِيء بهما لأجل شربه ووضوئه فَمَكثَ على ذَلِك مُدَّة وَهُوَ يقاسي مشقة لبعد الْمسَافَة فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو الإِمَام عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَقُول لَهُ إحفر عنْدك حفيرة يظْهر لَك المَاء فَلَمَّا انتبه استبعد ذَلِك لِأَن الْآبَار هُنَاكَ بعيدَة الْغَوْر ولبث مُدَّة فَرَأى تِلْكَ الرُّؤْيَا فاستبعد ذَلِك ولبث مُدَّة ثمَّ رأى تِلْكَ الرُّؤْيَا وَقَالَ لَو حفرت بعكازك طلع لَك المَاء فَقص ذَلِك على بعض أَصْحَابه وحفر فِي ذَلِك الْمَكَان تَقْدِير ثَلَاثَة أَذْرع أَو أَكثر فَأجرى الله تَعَالَى لَهُ هُنَاكَ عينا وَهِي مَشْهُورَة هُنَاكَ فَمن ثمَّ قيل لَهُ شيخ العوينة وَكَانَ من الصلحاء(21/39)
الْكِبَار
وَأما الشَّيْخ زين الدّين صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة فَإِنِّي اجْتمعت بِهِ بِدِمَشْق فِي شهر شَوَّال سنة خمسين وَسبع مائَة بِالْمَدْرَسَةِ القليجية وَقد حضر مُتَوَجها إِلَى الْحجاز مَعَ بَيت صَاحب ماردين فرأيته حسن الشكل نير الْوَجْه أَحْمَر الْخَدين نقي الشيب يعلوه بهاء ورونق وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ بالموصل ثَانِي عشر شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست مائَة قَرَأَ الْقُرْآن فِي بَغْدَاد على الشَّيْخ عبد الله الوَاسِطِيّ الضَّرِير لعاصم من طَرِيق أبي بكر وَشرح الشاطبية على الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْوراق الْموصِلِي وَحفظ الْحَاوِي الصَّغِير وَشَرحه على أقضى الْقُضَاة عز الدّين أبي السعادات عبد الْعَزِيز بن عدي الْبَلَدِي وَشَرحه أَيْضا على السَّيِّد ركن الدّين أَيْضا وَقَرَأَ أصُول الدّين والمعقولات على السَّيِّد ركن الدّين أَيْضا وَقَرَأَ ألفية ابْن معط على الشَّيْخ شمس الدّين المعيد الْمَعْرُوف بِابْن عَائِشَة وَقَرَأَ اللمع أَيْضا لِابْنِ جني بِبَغْدَاد على مهذب الدّين النَّحْوِيّ وعَلى شمس الدّين الحجري بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم التبريزي مدرس الْعَرَبيَّة)
فِي المستنصرية وَقَرَأَ الْحساب على القَاضِي عز الدّين الْمَذْكُور آنِفا وَقَرَأَ عَلَيْهِ الطِّبّ أَيْضا
وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن بلدجي الْحَنَفِيّ وَسمع عَلَيْهِ بعض جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَكَانَ يرويهِ عَن الحامض عَن المُصَنّف وَسمع أَكثر شرح السّنة لِلْبَغوِيِّ على الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الله بن الْمعَافى وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْوراق الْموصِلِي الْحَنْبَلِيّ وَقدم إِلَى دمشق سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَسمع على الشَّيْخ جمال الدّين الْمزي صَحِيح البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ ومسند الشَّافِعِي وأجزاء كَثِيرَة وعَلى الشَّيْخ شمس الدّين السلاوي صَحِيح مُسلم وعَلى الشَّيْخ زين الدّين عَمْرو بن تَيْمِية التنوخي النَّسَائِيّ وعَلى الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ سنَن ابْن ماجة وَسمع على الشَّيْخ شمس الدّين ابْن النَّقِيب قَاضِي حلب بعض سنَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَجَازَهُ الْبَاقِي وَسمع على الشَّيْخ علم الدّين البرزالي كتاب علم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح وَأَجَازَ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن شكاره الْمُؤَدب الْموصِلِي المقامات الحريرية
وروى مصنفات الشَّيْخ موفق الدّين الكواشي عَن الشَّيْخ شمس الدّين ابْن عَائِشَة عَن السَّيِّد ركن الدّين عَن المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى وَله من التصانيف تَفْسِير بنج الْحَمد وَهُوَ خمس سور من الْقُرْآن الْكَرِيم أول كل سُورَة ألحمد وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي مُجَلد وَشرح البديع لِابْنِ الساعاتي الْحَنَفِيّ وَشرح مُخْتَصر المعالمين للسَّيِّد ركن الدّين وَكتاب تَنْقِيح الأفهام فِي جملَة الْكَلَام اخْتِصَار مَقَاصِد السول فِي علم الْأُصُول للسَّيِّد ركن الدّين ونظم الْحَاوِي الصَّغِير فِي دون الْخَمْسَة آلَاف بَيت وَشرح الْمَنْظُومَة الأسعردية فِي الْحساب شرح التسهيل لِابْنِ مَالك وَلم يكمل(21/40)
وَشرح قصيدة فِي الْفَرَائِض للشَّيْخ عبد الله الْجَزرِي وَله كتاب عرف العبير فِي عرف التَّعْبِير
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ مَا كتب بِهِ إِلَى الشَّيْخ شمس الدّين الحيالي من الوافر
(سَلام مثل أنفاس العبير ... على من حبه زَاد الْمسير)
(ونهج سَبيله حرز الْأَمَانِي ... ومصباح الْهِدَايَة للبصير)
(عوارفه لأهل الْكَشْف قوت ... وإحياء لعلمهم الغزير)
(إِشَارَته النجَاة لمن وعاها ... ومنطقه شِفَاء للصدور)
(تَحِيَّة من ذريعته إِلَيْهِ ... خُلَاصَة نِيَّة وَصفا ضمير)
(وَفِي جمل الْفُصُول لَهُ مثير ... إِلَى الْمَقْصُور فِي تِلْكَ الْقُصُور)
)
(وَلَو واتاه تيسير وَفَوْز ... بتكميل الْمَقَاصِد وَالسُّرُور)
(وَقَائِل سره وَجه التهاني ... ولاح طوالع السعد الْمُنِير)
(سعى وَرمى جمار الْبعد عَنهُ ... وَطَاف بكعبة الْحرم الخطير)
(وَلم يقنع بتحفة بنت فكر ... وَلَا اعتاض السطور عَن الْحُضُور)
وأنشدني لنَفسِهِ يمدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنشدها فِي الْحرم الشريف سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة من الطَّوِيل
(دَعَاهَا تواصل سَيرهَا بسراها ... وَلَا تردعاها فالغرام دَعَاهَا)
(وَلَا تخشيا مِنْهَا كلالاً من السرى ... وحقكما أَن الكلال عَداهَا)
(فَإِن مل حاديها وحار دليلها ... هداها إِلَى تِلْكَ القباب سناها)
(عَسى يَنْقَضِي فِي مَسْجِد الْخيف خوفها ... وتلقى مناها فِي نزُول مناها)
(وتجزع من مَاء الأجيرع شربة ... وتنقع من حر الذميل صداها)
(مَتى مَا تخللت النخيل بِيَثْرِب ... عدمت تثريبها وعناها)
(وَلم يبْق من أكوارها فِي ظُهُورهَا ... ظُهُور إِذا مَا بطن مر حواها)
(إِلَيْك رَسُول الله سعي عِصَابَة ... تعد خطاها فِيك محو خطاها)
(أَتَت وقراها موقر بذنوبها ... فَأحْسن كعادات الْكِرَام قراها)(21/41)
(وَلَيْسَ لَهَا عِنْد الْإِلَه وَسِيلَة ... سواك إِذا مَا النَّار شب لظاها)
وأنشدني مَا كتبه لصَاحب مادرين يودعه وَقد توجه لِلْحَجِّ سنة خمسين وَسبع مائَة من الْكَامِل
(ودعتكم وَتركت قلبِي عنْدكُمْ ... ورحلت بالمخلوق من صلصال)
(فالقلب فِي الفردوس يشْهد حسنكم ... والجسم فِي نَار التَّفَرُّق صال)
وكتبت إِلَيْهِ لما قدم إِلَى دمشق مُتَوَجها إِلَى الْحجاز سنة خمسين وَسبع مائَة سؤالاً كنت كتبته إِلَى الشَّيْخ نجم الدّين دَاوُد بن عَليّ القحفيزي وَهُوَ من الطَّوِيل
(أَلا إِنَّمَا الْقُرْآن أكبر معجز ... لأَفْضَل من يهدى بِهِ الثَّقَلَان)
(وَمن جملَة الإعجاز كَون اختصاره ... بإيجاز أَلْفَاظ وَبسط مَعَاني)
(ولكنني فِي الْكَهْف أَبْصرت آيَة ... بهَا الْفِكر فِي طول الزَّمَان عناني)
(وَمَا ذَاك إِلَّا استطعما أَهلهَا فقد ... نرى استطعماهم مثله بِبَيَان)
)
(فَمَا الْحِكْمَة الغراء فِي وضع ظَاهر ... مَكَان ضمير إِن ذَاك لشان)
فَأَجَابَنِي الشَّيْخ زين الدّين نظماً ونثراً من الطَّوِيل
(سَأَلت لماذا استطعما أَهلهَا أَتَى ... عَن استطعماهم إِن ذَاك لشان)
(وَفِيه اخْتِصَار لَيْسَ ثمَّ وَلم تقف ... على سَبَب الرجحان مُنْذُ زمَان)
(فهاك جَوَابا رَافعا لنقابة ... يصير بِهِ الْمَعْنى كرأي عيان)
(إِذا مَا اسْتَوَى الحالان فِي الحكم رجح الض ... مير وَأما حِين يَخْتَلِفَانِ)
(بِأَن كَانَ فِي التَّصْرِيح إِظْهَار حِكْمَة ... كرفعة شَأْن أَو حقارة جَان)
(كَمثل أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول ذَا ... وَمَا نَحن فِيهِ صوحوا بِأَمَان)
(وَهَذَا على الإيجاز وَاللَّفْظ جَاءَ فِي ... جوابي منثوراً بِحسن بَيَان)
(فَلَا تمتحن بالنظم من بعد عَالما ... فَلَيْسَ لكل بالقريض يدان)
(وَقد قيل أَن الشّعْر يزري بهم فَلَا ... تكَاد ترى من سَابق برهَان)
(وَلَا تنسني عِنْد الدُّعَاء فإنني ... سأبدي مزاياكم بِكُل مَكَان)
(وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لما طَغى ... بِهِ قلمي أَو طَال فِيهِ لساني)
وَالْجَوَاب الْمَبْسُوط بالنثر فَهُوَ(21/42)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سَأَلَ بعض الْفُضَلَاء عَن الْحِكْمَة فِي فَاسْتَطْعَمَا أَهلهَا دون فاستطعماهم مَعَ أَنه أخصر قلت وَالله الْمُوفق إِنَّه لما كَانَت الْأَلْفَاظ تَابِعَة للمعاني لم يتحتم الْإِضْمَار بل قد يكون التَّصْرِيح أولى بل رُبمَا يكَاد يصل إِلَى حد الْوُجُوب كَمَا سنبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيدل على الْأَوْلَوِيَّة قَول أَرْبَاب علم الْبَيَان مَا هَذَا ملخصه لما كَانَ للتصريح عمل لَيْسَ للكناية كَانَ إِعَادَة اللَّفْظ من الْحسن والبهجة والفخامة مَا لَيْسَ لرجوع الضَّمِير انْتهى كَلَامهم فقد يعدل إِلَى التَّصْرِيح إِمَّا للتعظيم وَإِمَّا للتحقير وَإِمَّا للتشنيع والنداء بقبح الْفِعْل وَإِمَّا لغَيرهم فَمن التَّعْظِيم قَوْله تَعَالَى قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد دون هُوَ وَقَوله تَعَالَى وبالحق أَنزَلْنَاهُ وبالحق نزل وَلم يقل وَبِه وَقَوله الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج فقد كرر لفظ الْحَج مرَّتَيْنِ دون أَن يُقَال فَمن فَرْضه فِيهِنَّ وَلَا جِدَال فِيهِ إعلاماً بعظامه صدلر هَذِه الْعِبَادَة من حَيْثُ أَنَّهَا فَرِيضَة الْعُمر وفيهَا شبه عَظِيم بِحَال الْمَوْت والبعث)
فَنَاسَبَ حَال تَعْظِيمه فِي الْقُلُوب التَّصْرِيح باسمه ثَلَاث مَرَّات وَمِنْه قَول الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ نرسم بِكَذَا دون إِنَّا إِمَّا لتعظيم ذَلِك الْأَمر أَو لتقوية دَاعِيَة الْمَأْمُور أَو نَحْوهمَا
وَقَول الشَّاعِر من الرجز نفس عصامٍ سودت عصاما وَقَول أبي تَمام من الْخَفِيف
(قد طلبنا فَلم نجد لَك فِي السؤ ... دَد وَالْمجد والمكارم مثلا)
فَإِن إِيقَاع الطّلب على الْمثل أوقع من إِيقَاعه على ضَمِيره لَو قَالَ طلبنا لَك مثلا فَلم نجده
وَقَول بعض أهل الْعَصْر من الطَّوِيل
(إِذا برقتْ يَوْمًا أسرة وَجهه ... على النَّاس قَالَ النَّاس جلّ الْمنور)
وَأما مَا يكَاد يصل إِلَى حد الْوُجُوب فَمثل قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك إِلَى قَوْله وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها إِن عدل عَن الْإِضْمَار إِلَى التَّصْرِيح وَكرر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنْبِيها على أَن تَخْصِيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(21/43)
بِهَذَا الحكم أَعنِي النِّكَاح بِالْهبةِ عَن سَائِر النَّاس لمَكَان النُّبُوَّة وَكرر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنْبِيها على عَظمَة شَأْنه وجلالة قدره إِشَارَة إِلَى عِلّة التَّخْصِيص وَهِي النُّبُوَّة
وَمن التحقير فبدل الَّذين ظلمُوا مِنْهُم قولا غير الَّذِي قيل لَهُم فأنولنا على الَّذين ظلمُوا دون عَلَيْهِم وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف بل لعنهم الله بكفرهم أضمر هُنَا ثمَّ لما أُرِيد الْمُبَالغَة فِي ذمهم صرح فِي الْآيَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة بكفرهم فَقيل لعنة الله على الْكَافرين ووللكافرين عَذَاب مهين وَأَمْثَاله كثير إِذا تقرر هَذَا الأَصْل فَيَقُول لما كَانَ أهل الْقرْيَة موصوفين بالشح الْغَالِب واللؤم اللازب بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا أهل قَرْيَة لِئَامًا وَقد صدر مِنْهُم فِي حق هذَيْن الْعَبْدَيْنِ الكريمين على الله تَعَالَى مَا صدر من الْمَنْع بعد السُّؤَال كَانُوا حقيقين عَلَيْهِم بِسوء الصنع فَنَاسَبَ ذَلِك التَّصْرِيح باسمهم لما فِي لفظ الْأَهْل من الدّلَالَة على الكره مَعَ حرمَان هذَيْن الفقيرين من خير لَهُم مَعَ استطعامهما إيَّاهُم وَلما دلّ عَلَيْهِ حَالهم من كدر قُلُوبهم وعمى بصائرهم حَيْثُ لم يتفرسوا فيهمَا مَا تفرسه صَاحب السَّفِينَة فِي قَوْله أرى وُجُوه الْأَنْبِيَاء هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالْمَعْنَى وَأما مَا يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ فَلَمَّا فِي جمع الضميرين فِي كلمة وَاحِدَة من استثقال فَلهَذَا كَانَ قَلِيلا فِي الْقُرْآن الْمجِيد وَأما)
قَوْله تَعَالَى فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَقَوله أنلزمكوها فَإِنَّهُ لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل لِأَنَّهُ عدُول عَن الِانْفِصَال إِلَى الِاتِّصَال الَّذِي هُوَ أخصر وَعند فك الضَّمِير لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّصْرِيح باسم ظَاهر بل يُقَال فسيكفيك إيَّاهُم الله وأنلزمكم إِيَّاهَا فَكَانَ الِاتِّصَال الأولي لِأَنَّهُ أخصر
ومؤداهما وَاحِد بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا ثمَّ هُنَا سُؤَالَات فَالْأول مَا الْفرق بَين الاستطعام والضيافة فَإِن قلت إنَّهُمَا بِمَعْنى قلت فَلم خصصهما بالاستطعام والأهل بالضيافة
وَالثَّانِي فَلم قيل فَأَبَوا أَن دون فَلم مَعَ أَنه أخصر
الثَّالِث لم قيل أَتَيَا أهل قَرْيَة دون أَتَيَا قَرْيَة وَالْعرْف بخلافة تَقول أتيت إِلَى الْكُوفَة دون أهل الْكُوفَة كَمَا قَالَ تَعَالَى ادخُلُوا مصر وَالْجَوَاب عَن الأول أَن الاستطعام وضيفة السَّائِل والضيافة وضيفة المسؤول لِأَن الْعرف يقْضِي بذلك فيدعو الْمُقِيم إِلَى منزله القادم يسْأَله ويحمله إِلَى منزله وَعَن الثَّانِي أَن فِي الإباء من قُوَّة الْمَنْع مَا لَيْسَ فِي فَلم لِأَنَّهَا تقلب الْمُضَارع إِلَى الْمَاضِي وسفيه فَلَا يدل على أَنهم لم يضيفوهم فِي الِاسْتِقْبَال بِخِلَاف الإباء المقرون ب أَن فَإِنَّهُ يدل على النَّفْي مُطلقًا وآبنه ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره أَي حَالا واستقبالاً وَعَن الثَّالِث أَنه مَبْنِيّ على أَن مُسَمّى الْقرْيَة مَاذَا(21/44)
أهوَ الجدران وَأَهْلهَا مَعًا حَال كَونهم فِيهَا أم هِيَ فَقَط أم هم فَقَط وَالظَّاهِر عِنْدِي أَنه يُطلق عَلَيْهَا مَعَ قطع النّظر إِلَى وجود أَهلهَا وعدمهم بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على عروشها سَمَّاهَا قَرْيَة وَلَا أهل وَلَا جِدَار قَائِما وَلعدم تنَاول لفظ الْقرْيَة إيَّاهُم فِي البيع إِذا كَانَت الْقرْيَة وَأَهْلهَا ملكا للْبَائِع وهم فِيهَا حَالَة البيع وَلَو كَانَ الْأَهْل داخلين فِي مسماها لدخلوا فِي البيع ولبدت المعايرة بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ذكر الْأَهْل لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود من سِيَاق الْكَلَام دون الجدران لِأَنَّهُ بمعرض حِكَايَة مَا وَقع مِنْهُم من اللوم فَإِن قلت فَمَا نصْنَع بقوله تَعَالَى وَكم أهلكنا من قَرْيَة بطرت معيشتها وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا بياتاً أَو هم قَائِلُونَ
وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت آمِنَة إِلَى آخِره واسأل الْقرْيَة فَإِن المُرَاد فِي هَذِه الْآيَات وأمثالها الْأَهْل والجدران قلت هُوَ من بَاب الْمجَاز بِالْقَرِينَةِ لِأَن الإهلاك إِنَّمَا ينْسب إِلَيْهِم دونهَا بِدَلِيل أَو هم قَائِلُونَ فأذاقها الله لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف وبطرت معيشتها والاستحالة السُّؤَال من غير الْأَهْل على أَنا نقُول لَو تصور وُقُوع الْهَلَاك على نفس الْقرْيَة بالخسف والحريف والغريق وَنَحْوه لم تتَعَيَّن الْحَقِيقَة لما ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم وَهَذَا عجالة الْوَقْت وَنحن على جنَاح)
السّفر
وَمن شعر الشَّيْخ زين الدّين الْمشَار إِلَيْهِ يمدح الْملك الصَّالح صَاحب مادرين من الطَّوِيل
(إلهي إِن الصَّالح المصلح الَّذِي ... بدا عزة فِي آل أرتق تزهر)
(وألبسته من نور وَجهك حلَّة ... تكَاد لأبصار الْخَلَائق تبهر)
(إِذا برقتْ يَوْمًا أسرة وَجهه ... على النَّاس قَالَ النَّاس جلّ الْمنور)
(وَقَالُوا كَمَا قَالَت صَوَاحِب يُوسُف ... أذا ملك أم آدَمِيّ مُصَور)
(يؤمل أَن أَدْعُوك ظنا بأنني ... لديك وجيه مستجاب موقر)
(إلهي فَلَا تخلف بِي الظَّن عِنْده ... وَإِن لم أكن أَهلا فحلمك يستر)
(وهذي يَدي مَرْفُوعَة بتضرع ... فيسر عَلَيْهِ كلما يتعسر)
(وآمنه من خوف فقد أَمن الورى ... بهيبته مِمَّا يخَاف ويحذر)
(وَأحسن لَهُ العقبى وبلغه بَيْتك ... الْحَرَام على وَجه تحب وتؤثر)
(وَحط ملكه حَتَّى يؤوب مُسلما ... وَقد حطت الأوزار وَهُوَ مطهر)
(فَمَا فِي اعتقادي فِي السلاطين مثله ... وَأَنت بِمَا يخفى ويعلن أخبر)(21/45)
(فَإِن لم يكن فاجعله حَيْثُ ظننته ... فَأَنت على قلب الْحَقَائِق أقدر)
ابْن بِشَارَة الْحَنَفِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن بِشَارَة الْفَاضِل أَبُو الْحسن الشبلي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ ولد سنة تسعين وست مائَة فِي غَالب الظَّن وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة
وَسمع كثيرا من اليونيني وَسمع بِنَفسِهِ وَكتب وَأعَاد وتأهل للفتيا
الملجكاني الْمروزِي عَليّ بن الحكم بن ظبْيَان الْمروزِي الملجكاني روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن رجلٍ عَنهُ وَأحمد بن حَنْبَل وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
الأودي الْكُوفِي عَليّ بن حَكِيم الأودي الْكُوفِي روى عَنهُ مُسلم وروى النَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وروى البُخَارِيّ عَنهُ فِي كتاب الْأَدَب وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
الْكَرْخِي الشَّاعِر)
عَليّ بن الحليل هُوَ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَلَام ثَانِيَة هَكَذَا وجدته مُقَيّدا بخطوط جمَاعَة من الْفُضَلَاء فِي النّسخ الْمُعْتَبرَة وَقد وهم فِيهِ محب الدّين ابْن النجار وَذكره فِي حرف الْخَاء فِي الْآبَاء توهمه الْخَلِيل وَكَانَ عَليّ الْمَذْكُور كرخياً شَاعِرًا وَمن شعره من السَّرِيع
(لَا أظلم اللَّيْل وَلَا أَدعِي ... أَن نُجُوم اللَّيْل لَيست تَزُول)
(ليلِي كَمَا شَاءَت قَصِيرا إِذا ... جَادَتْ وَإِن ضنت فليلي يطول)
قلت أَخذه عَليّ بن بسام بعده فَقَالَ من السَّرِيع
(لَا أظلم اللَّيْل وَلَا أَدعِي ... أَن نُجُوم اللَّيْل لَيست تغور)(21/46)
(ليلِي كَمَا شَاءَت فَإِن تَجِد ... طَال وَإِن جَادَتْ فليلي قصير)
وَأورد الصولي لِابْنِ الحليل من الطَّوِيل
(يَقُولُونَ طَال اللَّيْل وَاللَّيْل لم يطلّ ... وَلَكِن من يهوى من الشوق يسهر)
(أَنَام إِذا مَا الْوَصْل مهد مضجعي ... وأفقد نومي حِين أجفى وأهجر)
(فكم لَيْلَة طَالَتْ عَليّ لصدها ... وَأُخْرَى ألاقيها بوصل فتقصر)
حسام الدّين الْحَاجِب نَائِب خلاط عَليّ بن حَمَّاد الْأَمِير حسام الدّين الْحَاجِب مُتَوَلِّي خلاط نِيَابَة عَن الْأَشْرَف مُوسَى كَانَ بطلاً شجاعاً خَبِيرا سايساً أرسل الْأَشْرَف مَمْلُوكه عز الدّين أيبك وَأمره بِالْقَبْضِ على حسام الدّين وَقَتله غيلَة قَالَ ابْن الْأَثِير وَلم نعلم شَيْئا يُوجب الْقَبْض عَلَيْهِ وَكَانَ مشفقاً عَلَيْهِ ناصحاً لَهُ حسن السِّيرَة وَحمى خلاط من جلال الدّين خوارزم شاه حفظا يعجز عَنهُ غَيره وَبنى بخلاط جَامعا وبيمارستاناً فَلم يُمْهل الله أيبك بل ورد عَلَيْهِ خوارزم شاه ونازله وَأخذ خلاط وَأسر هُوَ وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء فَلَمَّا اتّفق هُوَ والأشرف أطلق الْجَمِيع وَقيل بل قتل أيبك وَكَانَت قَتله حسام الدّين سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة
عماد الدّين الجيزاني عَليّ بن حَمَّاد بن مُحَمَّد الْفَقِيه عماد الدّين أَبُو الْحسن الجيزاني نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ بخلاط سنة سِتّ وست مائَة من الرجز
(مهلا بهَا فَمَا لَهَا وللسرى ... من بعد مَا لَاحَ لَهَا وَادي الْقرى)
)
(لَا تعرفن بالوجى لحومها فقد بَرى ... أشباحها جذب البرى)
(أما ترَاهَا كالقسي نحلا ... قداحها ركبانها أما ترى)
(راحت وَقد راحت نسيم رَاحَة ... تسوف من رياه مسكاً أذفرا)
(كَأَنَّمَا تكْتب من حبر الدجا ... أخفافها من الغرام أسطرا)
(لَاحَ لَهَا على العذيب بارق ... وَبَرقَتْ أبصارها لما سرى)(21/47)
(كَأَنَّهُ لما أَضَاء بالدجا ... يفتر عَن ثغر الشهَاب سحرًا)
3 - (عَليّ بن حَمْزَة)
الْكسَائي عَليّ بن حَمْزَة بن عبد الله بن فَيْرُوز الْأَسدي مَوْلَاهُم الْكُوفِي إِنَّمَا قيل لَهُ الْكسَائي لِأَنَّهُ دخل الْكُوفَة وأتى حَمْزَة بن حبيب الزيات وَهُوَ ملتف بكساء فَقَالَ حَمْزَة من يقْرَأ فَقيل لَهُ صَاحب الكساء فَبَقيَ علما عَلَيْهِ وَقيل بل أحرم فِي كسَاء شيخ الْقُرَّاء وَأحد السَّبْعَة وَإِمَام النُّحَاة نزل بَغْدَاد وأدب الرشيد ثمَّ أَوْلَاده قَرَأَ الْقُرْآن على حَمْزَة الزيات أَربع مَرَّات وَقَرَأَ على مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى عرضا وروى عَن جَعْفَر الصَّادِق وَالْأَعْمَش وَسليمَان بن أَرقم وَأبي بكر ابْن عَيَّاش وَاخْتَارَ لنَفسِهِ قِرَاءَة صَارَت إِحْدَى الْقرَاءَات السَّبع
وَتعلم النَّحْو على كبر سنه وجالس الْخَلِيل فِي الْبَصْرَة وَكَانُوا يكثرون عَلَيْهِ حَتَّى لَا يضبطهم
وَكَانَ يجمعهُمْ وَيجْلس على كرْسِي وَيَتْلُو الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وهم يسمعُونَ ويضبطون عَنهُ حَتَّى المقاطع والمبادئ مَاتَ مَعَ الرشيد فِي قَرْيَة زنبويه وَمَات مَعَه مُحَمَّد بن الْحسن فَقَالَ الرشيد لما عَاد إِلَى الْعرَاق دفنت النَّحْو وَالْفِقْه بزنبويه وَذَلِكَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وزنبويه بِالريِّ وَلم يكن لَهُ فِي الشّعْر يَد حَتَّى قيل إِنَّه لَيْسَ فِي عُلَمَاء الْعَرَبيَّة أَجْهَل مِنْهُ بالشعر
اجْتمع يَوْمًا بِمُحَمد بن الْحسن فِي مجْلِس الرشيد فَقَالَ الْكسَائي من تبحر فِي علم يهدى إِلَى جَمِيع الْعُلُوم فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن الْحسن مَا تَقول فِي من سَهَا فِي سُجُود السَّهْو هَل يسْجد مرّة أُخْرَى فَقَالَ الْكسَائي لَا قَالَ لماذا قَالَ لِأَن النُّحَاة يَقُولُونَ التصغير لَا يصغر وَقيل إِن هَذِه جرت لمُحَمد بن الْحسن وَالْفراء النَّحْوِيّ فَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فَمَا تَقول فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْملكِ قَالَ لَا يَصح قَالَ لم قَالَ لِأَن السَّيْل لَا يسْبق الْمَطَر وَسَيَأْتِي ذكر مَا)
جرى لَهُ مَعَ سِيبَوَيْهٍ فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَكتب إِلَى الرشيد يشكو الْعزبَة من الْكَامِل
(قل للخليفة مَا تَقول لمن ... أَمْسَى إِلَيْك بِحرْمَة يُدْلِي)(21/48)
(مَا زلت مذ صَار الْأمين معي ... عَبدِي يَدي ومطيتي رجْلي)
(وعَلى فِرَاشِي من ينهنهني ... من نومتي وقيامه قبلي)
(أسعى بِرَجُل مِنْهُ ثَالِثَة ... موفورة مني بِلَا رجل)
(وَإِذا ركبت أكون مرتدفاً ... قُدَّام سرجي رَاكِبًا مثلي)
(فَامْنُنْ عَليّ بِمَا يسكنهُ ... عني وأهد الغمد للنصل)
فَأمر لَهُ الرشيد بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَجَارِيَة حسناء وخادم وبرذون وَجَمِيع مَا تحْتَاج الْجَارِيَة إِلَيْهِ
وَحكي أَنه كَانَ يشرب الشَّرَاب وَيَأْتِي الغلمان قيل إِنَّه أَقَامَ غُلَاما مِمَّن عِنْده فِي الْكتاب يفسق بِهِ وَجَاء بعض الْكتاب ليسلم عَلَيْهِ فَرَآهُ الْكسَائي وَلم يره الْغُلَام فَجَلَسَ الْكسَائي فِي مَكَانَهُ وَبَقِي الْغُلَام قَائِما مبهوتاً فَلَمَّا دخل الْكَاتِب قَالَ مَا شَأْن هَذَا الْغُلَام قَائِما قَالَ وَقع الْفِعْل عَلَيْهِ فانتصب ذكر ذَلِك ياقوت فِي مُعْجم الأدباء
وأشرف الرشيد عَلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ لَا يرَاهُ فَقَامَ الْكسَائي ليلبس نَعْلَيْه فابتدر الْأمين والمأمون فوضعاها بَين يَدَيْهِ فَقبل رؤوسهما وأيديهما وَأقسم عَلَيْهِمَا أَن لَا يعاودوا ذَلِك أبدا فَلَمَّا جلس الرشيد مَجْلِسه قَالَ أَي النَّاس أكْرم خدماً قَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه الله تَعَالَى فَقَالَ بل الْكسَائي يَخْدمه الْأمين والمأمون وَحَدَّثَهُمْ الحَدِيث
وَقَالَ الْفراء مدحني رجل من النَّحْوِيين فَقَالَ لي مَا اختلافك إِلَى الْكسَائي وَأَنت مثله فِي النَّحْو فأعجبتني نَفسِي فَأَتَيْته فناظرته مناظرة الْأَكفاء وَكَأَنِّي كنت طائراً يغْرف من الْبَحْر بمنقاره وَقَالَ الْفراء مَاتَ الْكسَائي وَهُوَ لَا يدْرِي حد نعم وَبئسَ وَلَا حد أَن الْمَفْتُوحَة وَلَا حد الْحِكَايَة وَلم يكن الْخَلِيل يحسن حد النداء وَلَا كَانَ سِيبَوَيْهٍ يدْرِي حد التَّعَجُّب
وَكَانَ سَبَب تعلم الْكسَائي النَّحْو أَنه جَاءَ إِلَى قوم من الهباريين وَقد أعيى فَقَالَ قد عييت فَقَالُوا لَهُ أتجالسنا وتلحن فَقَالَ كَيفَ لحنت فَقَالُوا إِن كنت أردْت من انْقِطَاع الْحِيلَة والتحير فِي الْأَمر فَقل عييت مخففاً وَإِن كنت أردْت من التَّعَب فَقل أعييت فَأَنف من هَذِه)
الْكَلِمَة ثمَّ قَامَ من فوره وأتى إِلَى معَاذ الهراء ولازمه حَتَّى أَخذ مَا عِنْده وَخرج إِلَى الْبَصْرَة فَأتى الْخَلِيل وَجلسَ فِي حلقته فَقَالَ لَهُ رجل من الْإِعْرَاب تركت أَسد الْكُوفَة وتميماً وَعِنْدهَا الفصاحة وَجئْت إِلَى الْبَصْرَة فَقَالَ الْخَلِيل من أَيْن أخذت علمك هَذَا فَقَالَ من بوادي الْحجاز ونجد وتهامة فَخرج وَرجع وَقد أنفذ خمس عشرَة قنينة حبرًا فِي الْكِتَابَة عَن الْعَرَب سوى مَا حفظ فَلم يكن لَهُ هم غير الْبَصْرَة والخليل فَوجدَ الْخَلِيل قد مَاتَ وَجلسَ فِي مَوْضِعه(21/49)
يُونُس النَّحْوِيّ فمرت بَينهمَا مسَائِل أقرّ لَهُ يُونُس فِيهَا وصدره مَوْضِعه
وَلما أَتَى حَمْزَة الزيات وَتقدم ليقْرَأ عَلَيْهِ رمقه الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ وَقَالُوا إِن كَانَ حائكاً فسيقرأ سُورَة يُوسُف وَإِن كَانَ ملاحاً فسيقرأ سُورَة طه فسمعهم فَقَرَأَ بِسُورَة يُوسُف فَلَمَّا بلغ إِلَى قصَّة الذِّئْب قَرَأَ فَأَكله الذيب بِغَيْر همزٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَة الذِّئْب بِالْهَمْز فَقَالَ لَهُ الْكسَائي وَكَذَلِكَ أهمز الْحُوت فالتقمه الْحُوت قَالَ لَا قَالَ فَلم همزت الذِّئْب وَلم تهمز الْحُوت وَهَذَا فَأَكله الذِّئْب وَهَذَا فالتقمه الْحُوت فَرفع حَمْزَة بَصَره إِلَى خَلاد الْأَحول وَكَانَ أجمل غلمانه فَتقدم إِلَيْهِ جمَاعَة من الْمجْلس فناظروا فَلم يصنعوا شَيْئا فَقَالَ أفدنا رَحِمك الله فَقَالَ الْكسَائي تفهموا عَن الحائك تَقول إِذا نسبت الرجل إِلَى الذِّئْب قد استذأب الرجل وَلَو قلت قد استذاب بِغَيْر همز لَكُنْت إِنَّمَا نسبته إِلَى الهزال أَي استذاب شحمه بِغَيْر همز وَإِذا نسبته إِلَى الْحُوت تَقول قد استحات الرجل أَي كثر أكله لِأَن الْحُوت يَأْكُل كثيرا لَا يجوز فِيهِ الْهَمْز فلتلك الْعلَّة همز الذِّئْب وَلم يهمز الْحُوت وَفِيه معنى آخر لَا يسْقط الْهَمْز من مفرده وَلَا من جمعه وأنشدهم من الْخَفِيف
(أَيهَا الذِّئْب وَابْنه وَأَبوهُ ... أَنْت عِنْدِي من أذؤب ضاريات)
قَالَ سَلمَة كَانَ عِنْد الْمهْدي ولد يُؤَدب وَلَده الرشيد فَدَعَاهُ الْمهْدي يَوْمًا وَهُوَ يستاك فَقَالَ لَهُ كَيفَ تَأمر من السِّوَاك فَقَالَ إستك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الْمهْدي إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
ثمَّ قَالَ التمسوا لنا من هُوَ أفهم من هَذَا فَقَالُوا رجل يُقَال لَهُ عَليّ بن حَمْزَة الْكسَائي من أهل الْكُوفَة قدم من الْبَادِيَة قَرِيبا فَأمر بإحضاره من الْكُوفَة فساعة دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا عَليّ بن حَمْزَة قَالَ لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ كَيفَ تَأمر من السِّوَاك قَالَ سك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أَحْسَنت وأصبت وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
وَقَالَ الْكسَائي حججْت مَعَ الرشيد فَقدمت لبَعض الصَّلَوَات فَصليت فَقَرَأت ذُرِّيَّة ضعافاً)
خَافُوا عَلَيْهِم فَأَمْلَتْ ضعافاً فَلَمَّا سلمت ضربوني بِالْأَيْدِي وَالنعال وَغير ذَلِك حَتَّى غشي عَليّ واتصل الْخَبَر بالرشيد فَوجه بِمن استنفذني فَلَمَّا جِئْته قَالَ لي مَا شَأْنك فَقلت قَرَأت لَهُم بِبَعْض قراءات حَمْزَة الرَّديئَة فَفَعَلُوا بِي مَا بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ بئس مَا صنعت ثمَّ إِن الْكسَائي ترك كثيرا من قراءات حَمْزَة
وَقَالَ أحضرني الرشيد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَأخرج إِلَيّ مُحَمَّد الْأمين وَعبد الله الْمَأْمُون كَأَنَّهُمَا بدران فَقَالَ امتحنهما بِشَيْء فَمَا سألتهما عَن شَيْء إِلَّا أحسنا الْجَواب عَنهُ فَقَالَ لي كَيفَ تراهما فَقلت من الطَّوِيل(21/50)
(أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد)
(يسدان آفَاق السَّمَاء بهمة ... يؤيدهما حزم ورأي وسؤدد)
(سليلي أَمِير الْمُؤمنِينَ وحائزي ... مَوَارِيث مَا أبقى النَّبِي مُحَمَّد)
(حَيَاة وخصب للْوَلِيّ وَرَحْمَة ... وَحرب لأعداء وَسيف مهند)
ثمَّ قلت فرع زكا أَصله وطاب مغرسه وتمكنت فروعه وعذبت مشاربه وأوراق غصنه وأينع ثمره وزكا فَرعه إِذا هما ملك أغر نَافِذ الْأَمر وَاسع الْعلم عَظِيم الْحلم أعلاهما فعلوا وسما بهما فسموا فهما يتطاولان بطولة ويستضيئان بنوره وينطقان بِلِسَانِهِ فأمتع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ بهما وبلغه الأمل فيهمَا فَقَالَ الرشيد تعهدهما فَكنت أختلف إِلَيْهِمَا فِي الْأُسْبُوع طرفِي نهارهما وَمن شعر الْكسَائي من الرمل
(إِنَّمَا النَّحْو قِيَاس يتبع ... وَبِه فِي كل أَمر ينْتَفع)
(فَإِذا مَا أبْصر النَّحْو الْفَتى ... مر فِي الْمنطق مرا فاتسع)
(فاتقاه كل من جالسه ... من جليس نَاطِق أَو مستمع)
(وَإِذا لم يبصر النَّحْو الْفَتى ... هاب أَن ينْطق حينا فَانْقَطع)
(فتراه يرفع النصب وَمَا ... كَانَ من خفض وَمن نصب رفع)
(يقْرَأ الْقُرْآن لَا يعرف مَا ... صرف الْإِعْرَاب فِيهِ وصنع)
(وَالَّذِي يعرفهُ يقرأه ... فَإذْ مَا شكّ فِي حرف رَجَعَ)
(نَاظرا فِيهِ وَفِي إعرابه ... فَإِذا مَا عرف اللّحن صدع)
(كم وضيع رفع النَّحْو وَكم ... من شرِيف قد رَأَيْنَاهُ وضع)
)
(فهما فِيهِ سَوَاء عنْدكُمْ ... لَيست السّنة فِينَا كالبدع)
وَحضر مجْلِس الْكسَائي أَعْرَابِي وهم يتحاورون فِي النَّحْو فأعجبه ذَلِك ثمَّ تنَاظرُوا فِي التصريف فَلم يهتد إِلَى مَا يَقُولُونَ ففارقهم وَقَالَ من الْبَسِيط
(مَا زَالَ أَخذهم فِي النَّحْو يُعجبنِي ... حَتَّى تعاطوا كَلَام الزنج وَالروم)
(بمفعلٍ فعل لَا طَابَ من كلمٍ ... كَأَنَّهُ زجل الْغرْبَان والبوم)
وَله من التصانيف كتاب مَعَاني الْقُرْآن كتاب مُخْتَصر فِي النَّحْو كتاب الْقرَاءَات كتاب الْعدَد كتاب النَّوَادِر الْكَبِير كتاب النَّوَادِر الْأَوْسَط كتاب النَّوَادِر الصَّغِير كتاب اخْتِلَاف الْعدَد كتاب الهجاء كتاب مَقْطُوع الْقُرْآن وموصوله كتاب(21/51)
المصادر كتاب الْحُرُوف كتاب أشعار المعاياه وطرائقها كتاب الهاءات المكني بهَا فِي الْقُرْآن
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ أسمعني أَبُو بكر عَن بعض مشايخه أَن الْكسَائي كَانَ يقوم فِي الْمِحْرَاب يؤم فتشذ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة حَتَّى لَا يقوم بِقِرَاءَة الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ ينحرف فَيقبل عَلَيْهِم فيملي الْقُرْآن حفظا وَتَفْسِيره بمعانيه وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي يرثيه ويرثي مُحَمَّد بن الْحسن من الطَّوِيل
(تصرمت الدُّنْيَا فَلَيْسَ خُلُود ... وَمَا قد ترى من بهجة ستبيد)
(سيفنيك مَا أفنى الْقُرُون الَّتِي مَضَت ... فَكُن مستعداً فالفناء عتيد)
(أسيت على قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد)
(وَقلت إِذا مَا الْخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يَوْمًا وَأَنت فقيد)
(وأوجعني موت الْكسَائي بعده ... وكادت بِي الأَرْض الفضاء تميد)
(وأذهلني عَن كل عَيْش وَلَذَّة ... وأرق عَيْني والعيون هجود)
(هما عالمانا أوديا وتخرما ... وَمَا لَهما فِي الْعَالمين نديد)
الإصبهاني عَليّ بن حَمْزَة بن عمَارَة بن حَمْزَة بن يسَار بن عُثْمَان أَبُو الْحسن الإصبهاني كَانَ أحد الأدباء الْمَشْهُورين بِالْعلمِ وَالْفضل وَالشعر شَائِع الذّكر صنف كتبا مِنْهَا كتاب الشّعْر كتاب فقر البلغاء كتاب قلائد الشّرف فِي مفاخر إصبهان وَمن شعره من الْخَفِيف
(قد عزمنا على الصبوح فبادر ... قبل أَن تضحي السَّمَاء المخيله)
)
(فَلِذَا الدجن يَا خليلي إِمَام ... لم أزل مذ عقلت أَمْرِي خَلِيله)
(وَهُوَ يَوْم أغر أَبْلَج يهمي ... بحياً يستمد مِنْهُ سيوله)
(وَدَعَانِي إِلَيْهِ أدهم داج ... قد رحمنا بكاءه وعويله)
أَبُو الْحسن الأديب عَليّ بن حَمْزَة أَبُو الْحسن الأديب مُصَنف رِسَالَة الحمارية قدم دمشق ومدح بهَا أَبَا الْفَتْح صَالح بن أَسد الْكَاتِب وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة روى عَنهُ عَليّ بن عبد السَّلَام الصُّورِي وَتُوفِّي بطرابلس(21/52)
أَبُو النَّعيم اللّغَوِيّ عَليّ بن حَمْزَة أَبُو النَّعيم الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ كَانَ من أَعْيَان الْفُضَلَاء العارفين بِصَحِيح اللُّغَة وسقيمها لَهُ ردود على جمَاعَة من أهل اللُّغَة كَابْن دُرَيْد وَابْن الْأَعرَابِي والأصمعي وَغَيرهم
وَلما ورد أَبُو الطّيب إِلَى بَغْدَاد كَانَ بهَا وَفِي دَاره نزل توفّي سنة خمس وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَمن تصانيفه كتاب الرَّد على أبي زِيَاد الْكلابِي كتاب الرَّد على أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي نوادره كتاب الرَّد على أبي حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات كتاب الرَّد على أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي المُصَنّف كتاب الرَّد على ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق كتاب الرَّد على ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود كتاب الرَّد على الجاحظ فِي كتاب الْحَيَوَان كتاب الرَّد على ثَعْلَب فِي الفصيح قَالَ ياقوت رَأَيْت هَذِه الْكتب كلهَا بِمصْر
ابْن طَلْحَة علم الدّين الْكَاتِب عَليّ بن حَمْزَة بن طَلْحَة بن عَليّ الرَّازِيّ الأَصْل الْبَغْدَادِيّ المولد توفّي بِمصْر سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وكنيته أَبُو الْحُسَيْن ويلقب بِعلم الدّين ولي حجبة الْبَاب أَيَّام المستضيء ثمَّ نِيَابَة الْمقَام بِبَغْدَاد وسافر إِلَى الشَّام وَهُوَ صَاحب الْخط الْمليح على طَريقَة ابْن البواب خُصُوصا قلم الْمَصَاحِف فَإِنَّهُ لم يَكْتُبهُ أحد مثله مِمَّن تقدم وَكَانَ يتقعر فِي كَلَامه وَيسْتَعْمل السجع وحوشي اللُّغَة
ابْن القبيطى عَليّ بن حَمْزَة بن فَارس بن مُحَمَّد بن عبيد أَبُو الْحسن ابْن القبيطى التَّاجِر الْحَرَّانِي قدم بَغْدَاد سنة عشر وَخمْس مائَة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَقد تجَاوز)
الثَّمَانِينَ وَقَرَأَ لأبي عَمْرو على أبي الْعِزّ القلانسي وَسمع من أبي بكر المزرفي وَأبي غَالب أَحْمد وَيحيى ابْني الْحسن بن أَحْمد بن الْبناء وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا صَالحا عفيفاً نزهاً وَمن شعره من الرمل(21/53)
(نَاظر السخط كذوب أبدا ... عِنْده تبر الْمَعَالِي شبه)
(فاستعر لي مقلة أكحلها ... بِالرِّضَا كَيْمَا تَزُول الشّبَه)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(أَتَمَنَّى والعمر أقصر من أَن ... أتهنى لَو نلْت مَا أَتَمَنَّى)
ابْن حمشاذ النَّيْسَابُورِي عَليّ بن حمشاذ بن سختويه بن نصر أَبُو الْحسن النَّيْسَابُورِي الْمعدل الإِمَام صنف الْمسند الْكَبِير فِي أَربع مائَة جُزْء وَعمل الْأَبْوَاب فِي مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ جُزْءا وَالتَّفْسِير فِي مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءا وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
أَبُو نصر الْقرشِي الشَّامي عَليّ بن أبي حَملَة أَبُو نصر الْقرشِي مَوْلَاهُم الشَّامي قَرَأَ الْقُرْآن على عَطِيَّة بن قيس وَرَأى وائلة بن الْأَسْقَع وَقيل أدْرك مُعَاوِيَة وَهُوَ من عُلَمَاء دمشق وَكَانَ نَاظرا على دَار الضَّرْب بِدِمَشْق أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة
النَّاصِر الْأَمِير أَبُو الْحسن عَليّ بن حمود بن مَيْمُون بن أَحْمد بن عَليّ بن عبيد الله بن عمر بن إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب بَقِي فِي الإمرة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين شهرا وَقَتله غلمانه الصقالبة فِي الْحمام سنة ثَمَان وَأَرْبع مائَة وتلقب النَّاصِر وَكَانَ قد ملك قرطبة وَغَيرهَا بَعْدَمَا التقى هُوَ والمستعين الْأمَوِي وَكسر المستعين وَجِيء بِهِ إِلَى ابْن حمود الْمَذْكُور فَضرب عُنُقه وعنق أَبِيه وعنق أَخِيه وَولي بعد النَّاصِر عَليّ بن حمود أَخُوهُ الْقَاسِم بن حمود وَسَيَأْتِي ذكره مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْقَاف(21/54)
ابْن الصّباغ الْعَارِف عَليّ بن حميد بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الزَّاهِد الْعَارِف الْكَبِير أَبُو الْحسن ابْن الصّباغ توفّي بقنا من صَعِيد مصر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وست مائَة وَدفن برباطه لَقِي الْمَشَايِخ وَالصَّالِحِينَ وانتفع)
بِهِ جمَاعَة وَظَهَرت بركاته على الَّذين صحبوه وَهدى الله بِهِ خلقا كثيرا وَكَانَت لَهُ أَحْوَال ومقامات وَعنهُ أَخذ مَشَايِخ إقليم الصَّعِيد وَلَو لم يكن من أَصْحَابه إِلَّا الشَّيْخ أَبُو يحيى بن شَافِع لكفاه قَرَأَ الْقُرْآن على الْفَقِيه ناشي وَسمع من الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن عمر الْقُرْطُبِيّ وَمن كَلَامه الْعقل القامع قل من يؤتاه وَقَالَ يرْزق العَبْد من الْيَقِين بِقدر مَا يرْزق من الْعقل وَسُئِلَ عَن التَّوْحِيد فَقَالَ إِثْبَات الذَّات بِنَفْي الْجِهَة وَإِثْبَات الصِّفَات بِنَفْي التَّشْبِيه
وَمن شعره من قصيدة طَوِيلَة من الطَّوِيل
(تجردت من دنياي وَالسيف لم يكن ... ليبلغ نجح السَّعْي حَتَّى يجردا)
وَمن شعره أَيْضا من الْبَسِيط
(عَلَيْك يَا هَذَا بِعلم الْوَاحِد الْأَحَد ... تجني ثمار جنان الْخلد لِلْأَبَد)
(واجمع همومك فِيهِ لَا تفرقها ... لَعَلَّ أَنَّك تحظى مِنْهُ بِالرشد)
الْمروزِي عَليّ بن خشرم الْمروزِي ابْن أُخْت بشر الحافي روى عَنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ توفّي سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (عَليّ بن الْخطاب)
المحدثي الشَّافِعِي عَليّ بن الْخطاب بن مقلد أَبُو الْحسن الْفَقِيه الشَّافِعِي(21/55)
المحدثي من سَواد وَاسِط الْمُقْرِئ الضَّرِير كَانَ بارعاً فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف درس وَأعَاد وَأفَاد وَكَانَ يقْرَأ فِي شهر رَمَضَان تسعين ختمة وَفِي بَاقِي السّنة كل يَوْم ختمة وَكَانَ قيمًا بِعلم الْعَرَبيَّة أَقبلت الدُّنْيَا عَلَيْهِ آخر عمره وجالس الْمُسْتَنْصر بِاللَّه فَأَقَامَ عِنْده نَحْو خَمْسَة أشهر لتعليم بعض الْجَوَارِي الْقُرْآن
وَوَصله بإنعام كثير ثمَّ أَصَابَهُ فالج يَوْمَيْنِ وَمَات سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة وَكَانَ قد قَرَأَ على أبي بكر عبد الله بن مَنْصُور الباقلاني وَسمع من أبي طَالب مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الكتاني وَأبي الْعَبَّاس ابْن الجلخت وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول على أبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَأبي عَليّ ابْن الرّبيع
ابْن بطال الْأَشْعَرِيّ عَليّ بن خلف بن عبد الْملك بن بطال أَبُو الْحسن الْقُرْطُبِيّ وَيعرف أَيْضا بِابْن اللجام بِالْجِيم الْمُشَدّدَة قَالَ ابْن بشكوال كَانَ من أهل الْعلم والمعرفة والفهم مليح الْخط حسن الضَّبْط عني بِالْحَدِيثِ الْعِنَايَة التَّامَّة وَشرح صَحِيح البُخَارِيّ فِي عدَّة مجلدات وَرَوَاهُ النَّاس عَنهُ وَكَانَ ينتحل الْكَلَام على طَريقَة الْأَشْعَرِيّ وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
3 - (عَليّ بن خَليفَة)
ابْن المنقى الْموصِلِي النَّحْوِيّ عَليّ بن خَليفَة بن عَليّ أَبُو الْحسن ابْن المنقى الْموصِلِي النَّحْوِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا تأدب عَلَيْهِ أَكثر أهل عصره من بَلَده توفّي على مَا ذكره الشَّيْخ شمس الدّين سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَقَالَ ياقوت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ يجلس بِالْمَسْجِدِ الْمَعْرُوف بِمَسْجِد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بالموصل وصنف مُقَدّمَة فِي النَّحْو سَمَّاهَا المعونة وَكَانَ زاهداً ورعاً مقداماً ذَا سَوْرَةٍ وَغَضب دخل إِلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ من أَيْن أَقبلت قَالَ من عِنْد عَلامَة الدُّنْيَا يَعْنِي سعيد بن الدهان فَقَالَ ارتجالاً من الوافر
(وَقَالُوا الْأَعْوَر الدهان حبر ... يفوق النَّاس فِي أدب وكيس)(21/56)
(فَقلت بحيس خير مِنْهُ علما ... وَإِن الْكَلْب خير من بحيس)
قلت أحسن مِنْهُ قَول الآخر من الْخَفِيف
(خير من فيهم الْخَطِيب وجعس ال ... كلب خير من ذَلِك الْمَذْكُور)
وَقَالَ وَقد طلب مِنْهُ ملك النُّحَاة حلاوةً بعد كَلَام جرى بَينهمَا فِي مجْلِس تَاج الدّين ابْن الشهرزوري من السَّرِيع
(عِنْدِي للشَّيْخ مليك النحاه ... رمح شناج سكنت فِي خصاه)
(لَا عسل عِنْدِي وَلَا سكر ... فليعذر الشَّيْخ وَيَأْكُل خراه)
وَقَالَ وَقد عتب عَلَيْهِ جمال الدّين الاصبهاني الْوَزير فِي ترك ك التَّرَدُّد إِلَيْهِ فَجَاءَهُ بعد ذَلِك فَمَنعه البواب من غير أَن يعرفهُ من الْكَامِل
(إِنَّنِي أَتَيْتُك زَائِرًا وَمُسلمًا ... كَيْمَا أقوم بِبَعْض حق الْوَاجِب)
(فَإِذا ببابك حَاجِب متبرطم ... فعمود دَارك فِي حرَام الْحَاجِب)
(وَلَئِن رَأَيْتُك رَاضِيا بفعاله ... فَجَمِيع ذَلِك فِي جر آم الصاحب)
رشيد الدّين ابْن أبي أصيبعة الطَّبِيب عَليّ بن خَليفَة بن يُونُس ابْن أبي الْقَاسِم الْعَلامَة رشيد الدّين الْأنْصَارِيّ الخزرجي ابْن أبي أصيبعة الطَّبِيب نَشأ بِالْقَاهِرَةِ وبرع فِي الطِّبّ وَالْحكمَة وَكَانَ رَأْسا فِي الموسيقى وَلعب الْعود وَكَانَ طيب الصَّوْت وَقَرَأَ الْأَدَب على الْكِنْدِيّ واشتغل بالطب وَله خمس وَعِشْرُونَ)
سنة وحظي عِنْد أَوْلَاد الْعَادِل وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وست مائَة وَهُوَ شَاب لَهُ سبع وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ يتَكَلَّم بالتركي والعجمي وينظم بالعجمي ويشعر ويترسل وَلبس خرقَة التصوف من شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين ابْن حمويه بِدِمَشْق وَله كتاب الموجز الْمُفِيد فِي الْحساب أَربع مقالات وَضعه للْملك الأمجد كتاب المساحة كتاب فِي الطِّبّ كتاب طب السُّوق أَلفه لبَعض تلاميذه مقَالَة فِي نِسْبَة النبض وموازنته للحركات الموسيقارية مقَالَة فِي السَّبَب الَّذِي خلقت لَهُ الْجبَال كتاب الأسططسات تعاليق وتجارب فِي الطِّبّ وَطول ابْن أبي أصيبعة تَرْجَمته فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء وَمن شعره من المجتث
(يَا صَاح قد ضَاعَ نسكي ... مذ صرت فِي بعلبك)
(وَكَيف يسلم ديني ... بعد افتتاني وهتكي)(21/57)
(بِكُل أهيف لدن ال ... قوام للبدر يَحْكِي)
(يرنو بصارم لحظ ... مَا زَالَ إِلَّا لفتك)
(كَأَن فِي فِيهِ خمرًا ... شيبت بشهد ومسك)
(جذلان يضْحك تيهاً ... إِذا رَآنِي أبْكِي)
3 - (عَليّ بن دَاوُد)
الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي النَّحْوِيّ الْحَنَفِيّ عَليّ بن دَاوُد بن يحيى بن كَامِل بن يحيى بن جبارَة بن عبد الْملك بن يحيى بن عبد الْملك بن مُوسَى بن جبارَة بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء بن كُلَيْب بن جميل بن عبد الله بن مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الفريد الْكَامِل نجم الدّين أَبُو الْحسن ابْن القَاضِي عماد الدّين الْقرشِي الْأَسدي الزبيرِي القحفازي بِالْقَافِ والحاء الْمُهْملَة وَفَاء بعْدهَا ألف وزاي الْحَنَفِيّ شيخ أهل دمشق فِي عصره خُصُوصا فِي الْعَرَبيَّة قَرَأَ عَلَيْهِ الطّلبَة وانتفع بِهِ الْجَمَاعَة وَله النّظم والنثر وَالْكِتَابَة المليحة القوية المنسوبة وَله التندير الحلو والتنديب الرَّائِق يكثر من ذَلِك فِي كَلَامه ويشحن أشغاله الطّلبَة بالزوائد ويورد لَهُم النَّوَادِر والحكايات الظريفة والوقائع الغريبة المضحكة
سمعته يَوْمًا يَقُول لمنصور الكتبي رَحمَه الله تَعَالَى يَا شيخ مَنْصُور هَذَا أَوَان الْحجَّاج اشْتَرِ لَك مِنْهُم مِائَتي جراب وارمها خلف ظهرك إِلَى وَقت موسمها تكسب فِيهَا جملَة فَقَالَ لَهُ وَالله الَّذِي يشْتَغل عَلَيْك فِي الْعلم يحفظ مِنْك حرافاً قدره عشر مَرَّات
وَحكى لي نور الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل الصَّفَدِي قَالَ أنْشد الشَّيْخ نجم الدّين يَوْمًا لغزاً للْجَمَاعَة وهم بَين يَدَيْهِ فِي الْحلقَة يشتغلون وَهُوَ فِي مجزوء الْكَامِل
(يَا أَيهَا الحبر الَّذِي ... علم الْعرُوض بِهِ امتزج)
(إبني لنا دَائِرَة ... فِيهَا بسيط وهزج)
ففكر الْجَمَاعَة فِيهَا زَمَانا فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم هَذِه الساقية فَقَالَ لَهُ دورت فِيهَا زَمَانا حَتَّى ظَهرت لَك يُرِيد أَنه ثَوْر يَدُور فِي الساقية
وَجئْت إِلَيْهِ فِي سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وَسَأَلته فِي أَن أَقرَأ عَلَيْهِ المقامات الحريرية فَقَالَ وَالله أَنا قَلِيل الْأَدَب وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَقُول بانبساط وَسُرْعَة(21/58)
وَقيل لي إِنَّه لنما عمر الْأَمِير سيف الدّين تنكر رَحمَه الله الْجَامِع الَّذِي لَهُ بِدِمَشْق كَانَ قد عينوا لَهُ شخصا من الْحَنَفِيَّة يلقب الكشك ليَكُون خَطِيبًا فَلَمَّا كَانَ يَوْم وَهُوَ يمشي فِي الْجَامِع الْمَذْكُور أجري لَهُ ذكر الشَّيْخ نجم الدّين ومجموع فضائله وَأَنه فِي الْحَنَفِيَّة مثل الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني فِي الشَّافِعِيَّة فَأحْضرهُ وَاجْتمعَ بِهِ وتحدثا ثمَّ قَالَ لَهُ وهم فِي الْجَامِع)
يَمْشُونَ أيش تَقول فِي هَذَا الْجَامِع فَقَالَ مليح وصحن مليح لَكِن مَا يَلِيق أَن يكون فِيهِ كشك
فأعجب ذَلِك الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَأمر لَهُ بخطابه الْجَامِع الْمَذْكُور ثمَّ بعد مُدَّة رسم لَهُ بتدريس الركنية فباشرها مديدة ثمَّ نزل عَنْهَا وَقَالَ لَهَا شَرط لَا أقوم بِهِ ومعلومها فِي الشَّهْر جملَة تَركه تورعاً
وَهُوَ مَعَ هَذِه الْعُلُوم يعرف الإسطرلاب جيدا وَيحل التقاويم فِيمَا أَظن وَهُوَ فريد عصره يشغل فِي الْمُخْتَصر لِابْنِ الْحَاجِب وَفِي مذْهبه الْحَنَفِيّ وَفِي الحاجبية والمقرب ويعرفهما جيدا إِلَى الْغَايَة وَفِي ضوء الْمِصْبَاح وَغَيره من كتب الْمعَانِي وَالْبَيَان مولده ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وست مائَة نقلت مولده وَنسبه من خطه وَمن شعره فِي مليحة اسْمهَا قُلُوب من السَّرِيع
(عَاتَبَنِي فِي حبكم عاذل ... يزْعم نصحي وَهُوَ فِيهِ كذوب)
(وَقَالَ مَا فِي قَلْبك اذكره لي ... فَقلت فِي قلبِي الْمَعْنى قُلُوب)
وَمِنْه فِي مليح نحوي من السَّرِيع
(أضمرت فِي الْقلب هوى شادنٍ ... مشتغلٍ فِي النَّحْو لَا ينصف)
(وصفت مَا أضمرت يَوْمًا لَهُ ... فَقَالَ لي الْمُضمر لَا يُوصف)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ من أَبْيَات كتبهَا جَوَابا إِلَى الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ من المديد
(بِأبي بكر خصصت بهَا ... من أخي الْأَفْضَل والمنن)
(أَقبلت تختال فِي حلل ... وشيها من صَنْعَة اليمني)
(فرعها يملي خلاخلها ... مَا يَقُول القرط فِي الْأذن)
وكتبت إِلَيْهِ لما وضعت هَذَا المعجم أطلب مِنْهُ مَا أستعين بِهِ على تَرْجَمته الْعَادة فِي مثل ذَلِك وَمِنْه من الْخَفِيف
(يَا مُفِيد الورى مَعَاني الْمَعَالِي ... وَإِمَام الْأَنَام فِي كل علم)(21/59)
(إِن لي معجماً كأفق فسيح ... أشتهي أَن يزان مِنْك بِنَجْم)
فَتَأَخر جَوَابه فَكتبت إِلَيْهِ ثَانِيًا من الطَّوِيل
(ظَفرت بوعد مِنْك بَلغنِي المنى ... وجودك نجم الدّين لَيْسَ يحول)
)
(وَقد طَال ليلِي لانتظار وُرُوده ... ولي الَّذِي يرْعَى النُّجُوم طَوِيل)
وكتبت مَعَه سؤالاً يتَعَلَّق بالمعاني فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا وَهُوَ من الطَّوِيل
(أَلا إِنَّمَا الْقُرْآن أكبر معجز ... لأَفْضَل من يهدى بِهِ الثَّقَلَان)
(وَمِنْه جملَة الإعجاز كَون اختصاره ... بإيجاز أَلْفَاظ وَبسط معَان)
(ولكنني فِي الْكَهْف أَبْصرت آيَة ... بهَا الْفِكر فِي طول الزَّمَان عناني)
(وَمَا ذَاك إِلَّا استطعما أَهلهَا فقد ... نرى استطعما هم مثله بِبَيَان)
(فَمَا الْحِكْمَة الغراء فِي وضع ظَاهر ... مَكَان ضمير إِن ذَلِك لشان)
فَكتب إِلَيّ بِخَطِّهِ مجيباً عَن الأول وَالثَّانِي من مجزوء الرجز على الله توكلت
(يَا سائلي عَن نسبي ... ومولدي وأدبي)
(وَمَا قَرَأت فِي الْعُلُوّ ... م من شرِيف الْكتب)
وَمَا أخذت ذَاك عَنهُ من شُيُوخ مذهبي
(وَغَيرهم مِمَّن حوى ... سر كَلَام الْعَرَب)
(وَمَا الَّذِي سمعته ... عَن النَّبِي الْعَرَبِيّ)
(صلى عَلَيْهِ الله مَا اح ... لولك جنح غيهب)
(وَذكرت شَيْئا صغته ... من شعري الْمُنْتَخب)
(وَمَا الَّذِي صنفته ... من كتب وخطب)
(لَوْلَا وجوب حُرْمَة ال ... قصد ورعي الرتب)
(مَا قلت ذَاك خشيَة ... من حَاسِد مؤنب)
(يَقُول إِنِّي قلته ... مفتخراً بحسبي)
(لكنما الْبُخْل بِمَا ... سُئِلت لَا يحسن بِي)(21/60)
(والمقتضى مني لَهُ ... لَا يأتلي فِي الطّلب)
(وَهُوَ خَلِيل فِي الرخا ... وعدة فِي الكرب)
(وهمه فِي جمع شم ... ل الْفضل لَا فِي الشنب)
)
(وَمَا صَلَاح الدّين إل ... افي اقتناء الْقرب)
(هَذَا الَّذِي أوجب لي ... يَا صَاح كشف الْحجب)
(عَن محتدي ومولدي ... وفضلي المحتجب)
(فَقلت غير آمن ... من عائب مندب)
(مُخْتَصرا مُقْتَصرا ... معتذراً من رهبي)
(مَا ستراه وَاضحا ... مرتسماً عَن كثب)
(لَا زلت للفضل حمى ... ولبنيه كَالْأَبِ)
(تجمع شَمل ذكرهم ... مخلداً فِي كتب)
أما الْعُلُوم وَمن أخذت عَنهُ فالقرآن الْعَزِيز عَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن الْمُطَرز وَكَانَ قد أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن عماد الدّين بن وهران الْموصِلِي قَرَأت عَلَيْهِ رِوَايَة أبي عَمْرو من طَرِيق الدوري والسوسي إفراداً وجمعاً وَأما الْفِقْه فَعَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن الحريري قبل أَن يُبَاشر الحكم ثمَّ عَن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين قبل أَن يُبَاشر الحكم أَيْضا مَعَ الْفَرَائِض
وَأما أصُول الْفِقْه فَعَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ عناية بمختصر ابْن الْحَاجِب وَعَن الشَّيْخ جلال الدّين الْخَبَّازِي الْحَنَفِيّ وَأما أصُول الدّين فَحفِظت فِيهِ عقيدة الطَّحَاوِيّ واعتنيت بحلها وبمطالعة كتب الْأُصُول لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَغَيرهم وَأما علم النَّحْو فَعَن الشَّيْخ شرف الدّين الْفَزارِيّ ثمَّ عَن الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ مَعَ علم التصريف
وَأما علم البلاغة فَعَن الشَّيْخ بدر الدّين ابْن النَّحْوِيّ الْحَمَوِيّ حِين جَاءَ إِلَى دمشق فِي سنة تسع وَتِسْعين مَعَ الجفال وَنزل بالباذرائية قَرَأت عَلَيْهِ فِي كِتَابه ضوء الْمِصْبَاح وَفِي شَرحه الَّذِي سَمَّاهُ إسفار الصَّباح عَن ضوء الْمِصْبَاح وَأما الْمنطق وَعلم الجدل فَعَن الشَّيْخ سراج الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ مدرس الفرخشاتية والسفينة بالجامع الْأمَوِي وَأما علم الْوَقْت فَعَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فِي مقدمته الَّتِي صنفها فِي علم الاصطرلاب ثمَّ عَن الشَّيْخ بدر الدّين ابْن دانيال بِمَدِينَة الكرك حِين جفل جمَاعَة من الْأَعْيَان إِلَيْهَا خوفًا من الْعَدو المخذول سنة سبع مائَة فِي مقدمته الَّتِي صنفها فِي علم الاصطرلاب وَهِي مُطَوَّلَة مفيدة وَأما علم الْعرُوض فَمن الْكتب الْمَوْضُوعَة فِي ذَلِك وَأما حل المترجم فَوجدت فِي بعض الْكتب فِيهِ كلَاما غير شافي ثمَّ أَخَذته بِالْقُوَّةِ حَتَّى كتب لي فِيهِ(21/61)
)
إِن زرزوراً ووزة زودا دَاوُد زادا وحللته مَعَ قلَّة مَا يسْتَدلّ بِهِ فِيهِ وَأما الَّذين سَمِعت عَلَيْهِم الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة على قَائِلهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فالشيخ برهَان الدّين ابْن الدرجي وَكَانَ معمراً سَمِعت أَجزَاء كَثِيرَة عَلَيْهِ فِيمَا حول سنة ثَمَانِينَ وست مائَة وقاضي الْقُضَاة جمال الدّين الْمَالِكِي سَمِعت مِنْهُ موطأ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَالشَّيْخ نجم الدّين الشقراوي الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم مِمَّن لم يحضرني اسْمه الْآن
وَسمعت مُخْتَصر الرِّعَايَة للمحاسبي على قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماه حِين قدم إِلَى دمشق قَاصِدا الْحَج
وَأما الرِّوَايَة فَإِنِّي لم أسمح لأحد بِأَن يروي عني مسموعاتي لصعوبة مَا شَرطه أَصْحَابنَا فِي الضَّبْط بِالْحِفْظِ من حِين سمع إِلَى حِين روى وَأَن الْكتب الَّتِي سَمعتهَا لم تكن مَحْفُوظَة عِنْدِي فضلا عَن حفظ مَا سمعته وَأما مَا صنفته من الْكتب فَإِنِّي رغبت عَن ذَلِك لمواخذتي للمصنفين فَكرِهت أَن أجعَل نَفسِي غَرضا لمن يَأْخُذ عَليّ غير أَنِّي جمعت منسكاً لِلْحَجِّ أفردت فِيهِ أَنْوَاع الْجِنَايَات وَمَعَ كل نوع مَا يجب من الْجَزَاء على من وَقع فِيهِ ليَكُون أسهل فِي الْكَشْف ومعرفته وَكَانَ ذَلِك بسؤال امْرَأَة صَالِحَة لَا أعلم فِي زَمَاننَا أعبد مِنْهَا وانتفع بِحسن الْقَصْد فِيهِ وبركتها خلق كثير وَأما مَا سمحت بِهِ القريحة الجامدة والفكرة الخامدة فَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ إِلَى عماد الدّين بن مزهر وَقد كَانَ يجْتَمع مَعنا فِي ليَالِي الشتَاء عِنْد بعض الْأَصْحَاب فَلَمَّا مَاتَ عَمه تزوج جَارِيَته وَانْقطع عَنَّا فَقلت من الْخَفِيف
(إِن يكن خصك الزَّمَان بخودٍ ... ذَات قدٍ لدنٍ وخدٍ أسيل)
(فَلَقَد فزت بالسعادة والرح ... ب وفارقتنا بِوَجْه جميل)
وَقلت متذكراً لزيارة الْكَعْبَة وزيارة سيد الْمُرْسلين عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْبَسِيط
(يَا ربة السّتْر هَل لي نَحْو مغناك ... من عودة أجتلي فِيهَا محياك)
(أم هَل سَبِيل إِلَى لقياك ثَانِيَة ... لمغرم مَا مناه غير لقياك)
(لَهُ نوازع شوق بَات يضرمها ... بَين الجوانح والأحشاء ذكراك)
(لم ننس طيب لياليك الَّتِي سلفت ... وَكَيف ينساك صب بَات يهواك)
(يَا ربة الْخَال كم قد طل فِيك دم ... فَمَا أجل بِعرْض البيد قتلاك)
(أسرت بالْحسنِ ألباب الْأَنَام فَمَا ... أعز فِي ذل ذَاك الْأسر أسراك)
)
(مَاذَا عساها ترى تنأى الديار بِنَا ... لَو كنت فِي مسْقط الشعرى لجئناك)(21/62)
(وَلَو تحجبت بالسمر الذوابل عَن ... زوار ربعك يَا سمرا لزرناك)
(ذلت لعزك أَعْنَاق الْمُلُوك فَمَا ... أعلاك يَا مُنْتَهى سولي وأغلاك)
(تهتكت فِيك أَسْتَار الْهوى وَلها ... لما بدا خلال السّتْر معناك)
(يَا هَل ترى يسمح الدَّهْر المشت بِمَا ... أرجوه من قرب مغناك لمضناك)
(واجتلى من محياك الْجَمِيل ضحى ... مَا بَات يحكيه لي من حسنك الحاكي)
(من بعد حط رحالي فِي حمى أرج ... إِلَّا رجا بالمصطفى الْهَادِي الرضي الزاكي)
(خير الْخَلَائق طراً عِنْد خالقه ... وَخَاتم الرُّسُل ماحي كل إشراك)
(سباق غايات أقْصَى الْفضل والشرف ... الْأَعْلَى وراقي الْعلَا من غير إِدْرَاك)
(مهْدي المعارف مبدي كل غامضة ... مسدي العوارف مردي كل فتاك)
(مُحَمَّد ذِي الْمقَال الصَّادِق الْحسن ... المصدوق فِي القَوْل مقصي كل أفاك)
(يَا نفس إِن بلغتك العيس حجرته ... وصافحت يمن ذَاك الرّبع يمناك)
(ونلت مأمولك الْأَقْصَى بلثم ثرى ... أعتابه وَبَلغت الْقَصْد من ذَاك)
(وَقمت بَين يَدَيْهِ للسلام على ... أَقْدَام ذَلِك تذري الدمع عَيْنَاك)
(وَقد مددت يَد الإملاق طالبةً ... سُؤَاله لَك عفوا عِنْد مَوْلَاك)
(فقد بلغت المنى والسول فاجتهدي ... هُنَاكَ واستنجدي لي طرفك الباكي)
(عساك أَن ترزقي عطفا عَلَيْك فَإِن ... رزقت ذَاك فيا وَالله بِشِرَاك)
(وليهنك السعد إِذْ حطت رحالك فِي ... ربع بِهِ لم تزل تحدي مطاياك)
(فثم أندى الورى كفا وأعظمهم ... جاهاً وأرحبهم صَدرا لملقاك)
(وَخَيرهمْ لنزيل فِي حماه وأو ... فاهم ذماماً وأملاهم بجدواك)
(واحر قلباه من شوقي لرُؤْيَته ... فقد تقادم عهد الشيق الشاكي)
(بِاللَّه يَا نفس كوني لي مساعدة ... حاشاك أَن تخذليني الْيَوْم حاشاك)
(وجددي الْعَزْم فِي ذَا الْعَام واجتهدي ... عَسى بذلك تخبو نَار أحشاك)
(فَإِن حرمت لقاه تِلْكَ معذرة ... وَإِن ظَفرت بِهِ يَا نجح مسعاك)
(صلى عَلَيْهِ إِلَه الْعَرْش مَا قطعت ... كواكب الْأُفق لَيْلًا برج أفلاك)
)(21/63)
وَقلت عِنْد قدوم الْحَاج فِي بعض السنين أبياتاً وأنشدني بدار الحَدِيث الأشرفية من الْخَفِيف
(يَا نياق الحجيج لَا ذقت سهداً ... بعْدهَا لَا وَلَا تجشمت وخدا)
(لَا فدينا سواك بِالروحِ منا ... أَنْت أولى من بَات بِالروحِ يفدى)
(يَا بَنَات الذميل كَيفَ تركتن ... شعاب الغضا وسلعاً ونجدا)
(مرْحَبًا مرْحَبًا وَأهلا وسهلاً ... بِوُجُوه رَأَتْ معالم سعدى)
وَلم يحضرني بَاقِيهَا
وَلما ظفر قازان سنة تسع وَتِسْعين ثمَّ جَاءَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة فَكسر وَقيل لي إِن قازان عِنْدهم اسْم للقدر قلت من الرجز
(لما غَدا قازان فخاراً بِمَا ... قد نَالَ بالْأَمْس وأغراه البطر)
(جَاءَ يرجي مثلهَا ثَانِيَة ... فَانْقَلَبَ الدست عَلَيْهِ فانكسر)
وَلما ذهب بدر الدّين ابْن بضحان مَعَ الجفال إِلَى مصر وَأقَام هُنَاكَ كتبت إِلَيْهِ من الْكَامِل
(يَا غَائِبا قد كنت أَحسب قلبه ... بسوى دمشق وَأَهْلهَا لَا يعلق)
(إِن كَانَ صدك نيل مصر عَنْهُم ... لَا غرو فَهُوَ لنا الْعَدو الْأَزْرَق)
وَكَانَ من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة شخص يُقَال لَهُ شهَاب الدّين التعجيزي ينظم شعرًا فِي زعله فَعمل أبياتاً فِي شخص كَانَ يُحِبهُ وكتبها لي أَولهَا
(أيا المعرض لَا عَن سَببا ... أصلحك الله وصالي الأربا)
وَفِي هَذَا مَا يُغني عَن بَاقِيهَا فَكتبت إِلَيْهِ من الْخَفِيف
(يَا شهاباً أهْدى إِلَيّ قريضاً ... خَالِيا عَن تعسف الألغاز)
(جَاءَنِي مُؤذنًا برقة طبع ... حِين رشحته بِبَاب الْمجَاز)
(إِن تكن رمت عَنهُ مني جَزَاء ... فأقلني فلست مِمَّن يجازي)
وَمن خطب فَاتِحَة خطْبَة رَأس السّنة الْحَمد لله الَّذِي لَا تدْرك كنه عَظمته ثواقب الأفهام وَلَا يُحِيط بمعارف عوارفه خطرات الأوهام وَلَا تبلغ مدى شكر نعْمَة محامد الْأَنَام الَّذِي طرز بعسجد الشَّمْس حَوَاشِي الْأَيَّام ورصع بجواهر النُّجُوم حلَّة الظلام وَفصل بلجين الْأَهِلّة عُقُود الشُّهُور والأعوام
أَحْمَده على نعمه الجلائل الْعِظَام ومننه الشوامل الجسام واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا)
شريك لَهُ شَهَادَة لَا ينقص لَهَا تَمام وَلَا يخفر لَهَا ذمام وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ وسوق الْبَاطِل قد قَامَ ومحب الضلال قد هام وطرف الرشد قد نَام وأفق(21/64)
الْحق قد غام فَجرد سيف الْعَزْم وشام وعنف على الغي وَلَام واقتاد الْخَلِيفَة إِلَى السَّعَادَة بِكُل زِمَام
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْخيرَة الْكِرَام صَلَاة لَا انْفِصَال لمتتابعها وَلَا انفصام
وَقلت فِي فَاتِحَة عيد الْأَضْحَى الْحَمد لله الْعَظِيم شانه الْعَزِيز سُلْطَانه الْقَدِيم إحسانه العميم غفرانه الَّذِي دعت عوارف إحسانه إِلَى عَرَفَات عزماته من كل طَرِيق فلبتها قُلُوب أولي الْإِنَابَة مسرعة فِي الْإِجَابَة وأمتها من كل فج عميق أَحْمَده على نعمه الَّتِي أحلّت مغنى الْغنى فتحلت بفرائدها الأجياد ومننه الَّتِي بلغت مني المنى وكل الْأَيَّام بهَا أعياد واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة لَا يخلق الملوان جديدها وَلَا تنَال يَد الشَّك مشيدها وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ رَحْمَة للبرايا ومحذراً من شَرّ عواقب الْخَطَايَا فطهر من رجسها السجايا وسَاق إِلَى محلهَا الْهَدَايَا وَبعث الهمم على الضَّحَايَا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله المبرإين من الدنايا صَلَاة لَا تنفك بتعاهد معاهدهم فِي البكور والعشايا
وَأما خطب الأصدقة فكثير وَكَذَا مَا كتبته لمن عرض عَليّ كتابا مِمَّا يُنَاسب اسْمه وَكتابه كثيرا أَيْضا وَمن عَجِيب مَا اتّفق فِي ذَلِك من براعة الاستهلال مَا كتبته للْمولى الْمَالِك شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الْمولى شرف الدّين ابْن الْمولى شمس الدّين ابْن المرحوم شهَاب الدّين مَحْمُود أعزه الله تَعَالَى ورحم سلفه حِين عرض عَليّ مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى
أما بعد حمد الله الَّذِي جعل شرف الْعلم مَنُوطًا بشرف الدّين فَحق لمن تحلى بهما أَن يكون جده مَحْمُودًا وعاقبته أَحْمد وَفِي ذكره طول وَهُوَ عِنْد الْمولى شهَاب الدّين أَحْمد الْمَذْكُور
وَمِمَّا يلْحق بالشعر الْمُتَقَدّم مَا كتبته للْمولى الْمَالِك جمال الدّين ابْن المرحوم عَلَاء الدّين بن غَانِم حِين جَاءَنِي توقيع بتدريس العذراوية بِخَطِّهِ وإنشائه وَقد تصدق بهَا ملك الْأُمَرَاء تغمده الله برحمته من غير سُؤال من المجتث
(وافى إِلَيّ كتاب ... حُلْو من الدّرّ حَالي)
(صاغته فكرة سَار ... إِلَى العلى غير سالي)
(يسري وَرَاء سراة ... تشتاقهن الْمَعَالِي)
)
(مرصع بلآل ... مشرف بمثال)(21/65)
(من عِنْد أكْرم مولى ... يُعْطي بِغَيْر سُؤال)
(فَمَا رَآهُ صديق ... من الصُّدُور الموَالِي)
(إِلَّا وَقَالَ سَرِيعا ... هَذَا بديع الْجمال)
وَأما الْجَواب عَن إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا وَلم يقل استطعماهم وَالْمحل مَحل الْإِضْمَار وَفِيه الإيجاز فقد علم أَن البلاغة لَا تخْتَص بالإيجاز وَإِنَّمَا هُوَ نوع من أَنْوَاعهَا وَأَن مدَار حسن الْكَلَام وارتفاع شَأْنه فِي الْقبُول بإيراده مطابقاً لمقْتَضى الْحَال فَإِن كَانَ مُقْتَضى الْحَال خليقاً ببسط الْكَلَام تعلّقت البلاغة ببسطه وَإِن كَانَ حَقِيقا بالإيجاز كَانَت البلاغة فِي إِيرَاده كَذَلِك ثمَّ قد يعرض للبليغ أُمُور يحسن مَعهَا إِيرَاد الْكَلَام على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر فَينزل غير السَّائِل منزلَة من يسْأَل إِذا كَانَ قد لوح لَهُ بِمَا يَقْتَضِي السُّؤَال وَينزل غير الْمُنكر منزلَة الْمُنكر إِذا ظَهرت عَلَيْهِ مخايل الْإِنْكَار
ويوقع الْمُضمر فِي مَوضِع الظَّاهِر وَالظَّاهِر فِي مَوضِع الْمُضمر إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الْمَذْكُورَة فِي علم البلاغة وَالَّذِي حسن إِيقَاع الظَّاهِر موقع الْمُضمر فِي الْآيَة الْكَرِيمَة أَن الظَّاهِر أدل على الْمَعْنى الَّذِي وضع اللَّفْظ لَهُ من الْمُضمر لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ والمضمر يدل عَلَيْهِ بِوَاسِطَة مَا يفسره وَقصد الْمُتَكَلّم هُنَا الْإِخْبَار عَن الَّذين طلب مِنْهُم الْإِطْعَام أَنهم أهل الْقرْيَة لِأَن من غشية الضَّيْف فِي منزله وَلم يعْتَذر بِعُذْر عَن إكرامه بل قابله بِالْمَنْعِ مَعَ ظُهُور حَاجته الَّتِي أوجبت لَهُ أَن يسْأَل مِنْهُ ذَلِك لِأَن الْمَسْأَلَة آخر أَسبَاب الْكسْب يعلم بذلك أَن الْحَامِل لَهُ على الِامْتِنَاع من إِضَافَته لؤم الطَّبْع وَاتِّبَاع مَذْمُوم الْبُخْل وَالشح المطاع كَمَا قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل
(حَرِيص على الدُّنْيَا مضيع لدينِهِ ... وَلَيْسَ لما فِي بَيته بمضيع)
حَتَّى روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَانُوا أهل قَرْيَة لِئَامًا وَمن كَانَت هَذِه سجيته وَهَذَا حَاله كَانَ حرياً بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ وَعدم مُقَابلَته بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ إصْلَاح الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام لجدار مشرف على السُّقُوط فِي الْقرْيَة الَّتِي هَؤُلَاءِ أَهلهَا من غير طلب أجر على ذَلِك مِنْهُم مَعَ الْحَاجة إِلَى ذَلِك عجب من ذَلِك وَأنْكرهُ حَتَّى كَأَنَّهُ نسي مَا قدمه من وعده إِيَّاه بِالصبرِ وبعدم المصاحبة إِن سَأَلَهُ عَن شَيْء بعد ذَلِك)
مَعَ حرصه على صحبته والتعلم مِنْهُ وَكَانَ فِي إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة إِقَامَة لعذر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الِاعْتِرَاض فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهَا حَالَة لَا يصبر عَن الِاعْتِرَاض فِيهَا لِأَن حَالهم يَقْتَضِي بذل الْأُجْرَة فِي إصْلَاح أَمر دنياوي لحرصهم وشحهم فَترك طلب الْأُجْرَة(21/66)
على إصْلَاح ذَلِك مَعَ الضَّرُورَة وَالْحَاجة وَقع إحساناً إِلَى أَهلهَا الَّذين قابلوهما بِالْمَنْعِ عَن الضِّيَافَة
وَكَانَت البلاغة مُتَعَلقَة بِلَفْظِهِ الْأَهْل الَّتِي هِيَ الحاملة على الْإِعْرَاض ظَاهرا فأطلعه الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن الْجِدَار إِنَّمَا كَانَ ليتيمين من أَهلهَا واليتيم مَحل الرَّحْمَة وَلَيْسَ محلا لِأَن يطْلب مِنْهُ أُجْرَة إِمَّا لعَجزه لفقره وَهُوَ الظَّاهِر أَو لِأَنَّهُ لَا يجوز تصرفه فِي مَاله وَلِهَذَا قَالَ رَحْمَة من رَبك وَلم يكن لأَهْلهَا الَّذين أَبَوا أَن يضيفونا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم قلت جَوَاب الشَّيْخ نجم الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي غَايَة الْحسن وَهُوَ كَلَام عَارِف بِهَذَا الْفَنّ جَار على الْقَوَاعِد وَالَّذِي قَالَه الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْجَواب عَن ذَلِك ملخصه أَنه إِنَّمَا أعَاد اللَّفْظ بِلَفْظ الظَّاهِر لأمرين أَحدهمَا أَن استطعم صفة ل قَرْيَة فَلَو قَالَ استطعماها لَكَانَ مجَازًا إِذْ الْقرْيَة لَا تستطعم فَلَا بُد من ذكر الضَّمِير وَلَا يُمكن ذكره وَهُوَ مُضَاف إِلَيْهِ إِلَّا بِذكر الْمُضَاف وَلَا يُمكن ذكر الْمُضَاف مضمراً فَتعين ذكره مظْهرا وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن استطعما جَوَاب ل إِذا لَا صفة ل قَرْيَة لأَنا نقُول لقَوْله فِي الْقِصَّة الْأُخْرَى حَتَّى إِذا لقيا غُلَاما فَقتله فَقَالَ هَا هُنَا جَوَاب إِذا مُتَعَيّن وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون فَقتله جَوَابه إِذْ الْمَاضِي الْوَاقِع فِي جَوَاب إِذا لَا يكون بِالْفَاءِ فَتعين فِيهِ قَالَ وَالظَّاهِر أَن الْجَواب فِي الْقِصَّة الْأُخْرَى هَكَذَا لِأَنَّهَا فِي مساق وَاحِد
الثَّانِي أَن الْأَهْل لَو أضمر لَكَانَ مَدْلُوله مَدْلُول الأول وَمَعْلُوم أَنه جمع الْأَهْل أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أتيت أهل قَرْيَة كَذَا إِنَّمَا تَعْنِي وصلت إِلَيْهِم فَلَا خُصُوصِيَّة لبَعْضهِم والاستطعام فِي الْعَادة إِنَّمَا يكون لمن يَلِي النَّازِل بهم وهم بَعضهم فَوَجَبَ أَن يُقَال استطعما أَهلهَا لِئَلَّا يفهم أَنهم استطعموا جَمِيع الْأَهْل وَلَيْسَ كَذَلِك وَقد أجابني عَن هَذَا السُّؤَال أَيْضا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ أمتعنا الله بفوائده بِجَوَاب طَوِيل نظم ونثر وَقد كتبته بخطي وقرأته عَلَيْهِ وَهُوَ مُثبت فِي التَّذْكِرَة
الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن)
عَليّ بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد أَبُو يحيى سيف الْإِسْلَام ابْن الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين ابْن الْملك المظفر ابْن الْملك الْمَنْصُور نور الدّين هُوَ صَاحب الْيمن قد تقدم ذكر وَالِده دَاوُد وَسَيَأْتِي(21/67)
ذكر جده يُوسُف وَذكر جد أَبِيه عمر فِي مكانيهما
ولد الْملك الْمُجَاهِد تَقْرِيبًا سنة إِحْدَى وَسبع مائَة بتعز وَولي الْملك بعد وَالِده وَجَرت لَهُ حروب وكروب ذكرتها مُخْتَصرا فِي تَرْجَمَة وَالِده قَرَأَ الْقُرْآن وختمه وَحفظ التَّنْبِيه وَبحث وَشرح وَتخرج على أَشْيَاخ مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الصَّنْعَانِيّ وتأدب على الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ وَأخذ بَقِيَّة الْعلم عَن الْأَشْيَاخ بِالْيمن وَعَن الغرباء الْفُضَلَاء الداخلين إِلَى الْيمن
وَنظر فِي الْعُلُوم وناظر وشارك وَله فهم وذوق فِي الْأَدَب
أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام صدر الدّين سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عبد الْحق وَقد تقدم ذكره أَنه عِنْده ذكاء مفرط وَأَنه قَرَأَ عَلَيْهِ الْمَنْظُومَة بحثا وفهماً وَكِتَابَة وضبطاً وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا الْمِصْبَاح لِابْنِ مَالك قَالَ ويلعب بِالرُّمْحِ وَيَرْمِي بالنشاب جيدا وَقَالَ إِنَّه برز وَحده لسبع مائَة نفر من مماليك وَالِده وجماعته لما خرج عَلَيْهِ النَّاصِر بعد وَالِده بزبيد وَوصف لي من لطفه وآدابه مَعَ من يحاضره وَيخْتَص بِهِ شَيْئا كثيرا وَقَالَ إِن فِيهِ كرماً ومحبة لأهل الْعلم وللفقراء وكتابته أَنا رَأَيْتهَا وَهِي فِي غَايَة الْقُوَّة والسرعة وقفت أَنا عَلَيْهَا فِي عدَّة مراسلات إِلَى صدر الدّين الْمَذْكُور وأنشدني الشَّيْخ صدر الدّين قَالَ كتبت إِلَى الْملك الْمُجَاهِد لما طلع من زبيد سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة وَقد ركب فِي شختور فِي الْبَحْر وَتصدق وأغدق من الطَّوِيل
(وَلم أنس يَوْم الشرم وَالْبَحْر سَاكن ... وَقد سَار شختور وَفِي وَسطه الْبَدْر)
(عَليّ بن دَاوُد الَّذِي حَيْثُمَا سرى ... سرى الْجُود وَالْإِحْسَان والبشر واليسر)
(تملك كل الأَرْض قهرا بِسَيْفِهِ ... وَأدنى عطاياه الصواهل والدر)
(عجبت لشختور الْمُجَاهِد إِذْ سرى ... وَمن فَوْقه بَحر وَمن تَحْتَهُ بَحر)
قَالَ فَأَجَابَنِي عَن ذَلِك من الطَّوِيل
(لقد جَاءَ صدر الدّين بالنظم فاخراً ... وأوجز مَا يحْكى بِمَا بَين الشّعْر)
(حكايات ليل النَّحْل لَا كَانَ وَاديا ... لقد تعبت مِنْهُ القوائم وَالظّهْر)
(وَقد زَاد قبحاً بِالسُّيُوفِ فغيرت ... بِهِ طرقاً قد حَار فِي وصفهَا الْفِكر)
)
(وَلَكِن تسلينا عَن الْهم كُله ... تعز حماها الله وأسعدها الدَّهْر)
وَمن شعر الْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن
(عَجِيب على ذَا الْقلب من جنبو ... فِي عشق من لَا فِي الْهوى جن بو)(21/68)
(وَمن يرحمو من يتحفو حج بو ... من جور من شخصو عَلَيْهِ حجبو)
(للنجم يُمْسِي مسامر ... على أهيل شعب عَامر)
فالحب ناهي وآمر
(هجرو وبعدو يَا رفاق اتعبو ... وَأَن عاتبو خلو فَهُوَ يعتبو)
(حكم عَليّ الْحبّ أبقى كَذَا ... مَا حيلتي ساآصبر لهَذَا وَذَا)
(من ذَا يلمني فِي هواكم هذى ... فمذهبي فِي الْعِشْق غير مذهبو)
(مَا حول آنا عَن ودادي ... لَو أطالوا بعادي)
واحسرتي وافؤادي
(فَلَيْسَ وَالله من يخن صاحبو ... وآن لم يطيعو كلما صَاح بو)
(الْأَمر أمرو وَمَا اشْتهى فِيهِ أَمر ... وآن قَالَ أذْنب فمثلو غفر)
(العَبْد يعرف سيدو من قدر ... عَفا وَقَالَ الذَّنب لَا أطلبو)
(فاصفحوا يَا موَالِي ... فانا الْمُحب الموَالِي)
وارحموا ضعف حَالي
(قُولُوا نعم نعفو الَّذِي اذنبو ... فَمن رضانا قد معو اذن بو)
(بالخيف والمسعى أطيل الْغَزل ... واشتاق من فِيهِ طيبَة قد نزل)
(على مديح الْمُصْطَفى لم أزل ... من قاب قوسين الْإِلَه قربو)
(يَا هاشمي يَا مُشَفع ... نرجو بك الرب ينفع)
مَا نخشى بك ندفع
(يَا سَاكِنا فِي طيبَة مَا أطيبو ... مذ حل فِي الشّعْر وَمَا أعذبو)
وكتبت أَنا إِلَى الشَّيْخ صدر الدّين وَقد ورد من الْحجاز سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسبع مائَة إِلَى دمشق وَقصد الْعود إِلَى الْيمن فَسَأَلَهُ الْإِقَامَة أَهله وَأَصْحَابه فَأبى عَلَيْهِم وصمم وَذكر من إِحْسَان الْملك الْمُجَاهِد إِلَيْهِ مَا أوجب أَن أسلمنَا إِلَيْهِ المقادة وَتَرَكْنَاهُ وَمَا أَرَادَهُ من الْبَسِيط)
(يَا من أباع دمشق الشَّام بِالْيمن ... وَقد السّير لَا يلوي على سكن)
(مَا كنت أَحسب إنْسَانا سواك رأى ... جنَّات عدن فعداها إِلَى عدن)
(هَذَا وَكم نلْت من ساحاتها وطراً ... وَكم عمرت بهَا فِي اللَّهْو من وَطن)(21/69)
(وَكم رشفت سلافاً من أقاح فَم ... وَكم رَأَيْت بهَا بَدْرًا على غُصْن)
(وَكم ظَفرت بِمن لَوْلَا محاسنه ... ولطفه خلت الدُّنْيَا من الْفِتَن)
(وَمَا بَرحت امْرَءًا فِينَا أَخا حكم ... وكل أَفعاله تجْرِي على سنَن)
(فَكيف تخدع عَن هذي المحاسن أَو ... تجوز العذل فِيهَا مِنْك فِي أذن)
(لَكِن عذرك باد فِي الرُّجُوع إِلَى ... الْملك الْمُجَاهِد مَوْلَانَا أبي الْحسن)
(ابْن المؤيدذي الْبَطْش الشَّديد هزب ... ر الدّين دَاوُد رب الْفضل والمنن)
(ابْن المظفر بالأعداء يُوسُف لَا ... جَفتْ مضاجعه هطالة المزن)
(ابْن الْملك الَّذِي قاد العساكر ... نور الدّين والنصر مَعَه انْقَادَ فِي رسن)
(الْعَارِض الهتن ابْن الْعَارِض الهتن ... ابْن الْعَارِض الهتن ابْن الْعَارِض الهتن)
(مُلُوك بَيت إِلَى أَيُّوب نسبته ... أكْرم بِبَيْت على تقوى الْإِلَه بني)
(أيامهم للورى نور بِلَا ظلم ... وَالظُّلم لَو حل فِي أفنائهم لفني)
(قد ذللوا كل صَعب من سياستهم ... بالمرهفات أَو الخطارة اللدن)
(سلوا السيوف فَسَلُوا من ضمائرها ... مَا كَانَ فِيهَا على الْأَعْدَاء من إحن)
(كم وردوا خد أَرض من عدوهم ... وَقومُوا أوداً من قامة الزَّمن)
(وَكم أسالوا دَمًا فِي يَوْم حربهم ... فخضبوا السَّيْف لما زَينُوا الْيَزنِي)
(وَأَنت عنْدك من كل البضائع فِي ... شَتَّى عُلُوم الورى والسوق بِالْيمن)
(فَلَيْسَ يُنكر أَن تهدي نفائسها ... لمن غَدا يبْذل الغالي من الثّمن)
(من رَاح يعرف مَا استصحبت من دُرَر ... بل عِنْده ضعف مَا تهديه من حسن)
(وفضله فِي عُلُوم النَّاس فض لَهُ ... ختم الْبَدَائِع فاستفتيه وامتحن)
(تَجدهُ بحرا وحبراً فِي فَوَائده ... تزري فَصَاحَته بالقالة اللسن)
(وكفه وكفه بالجود مُتَّصِل ... فَكل من هُوَ فِي تِلْكَ الديار غَنِي)
(نَام الْأَنَام بِعدْل طَابَ عيشهم ... بِهِ فهم من جنى الجنات فِي جنن)
)
(يعْنى بِفضل قضايا كل مشكلة ... حَتَّى يفرق بَين المَاء وَاللَّبن)
(دع الْمُلُوك الْكِرَام الذاهبين فه ... ذَا سيف الْإِسْلَام لَا سيف ذِي يزن)
(وَمن تكن هَذِه الْأَوْصَاف سؤدده ... تجب مدائحه فِي السِّرّ والعلن)(21/70)
(فاحثث لأبوابه الْعليا بَنَات سرى ... فِي الْبر بالعيس أَو فِي الْبَحْر بالسفن)
(واسعد بِرُؤْيَتِهِ وَابْشَرْ بطلعته ... واملأ جفونك بعد السهد بالوسن)
(فَفِي تعز تعز النَّفس مِنْك مَتى ... حلت وتغسل مَا لاقيت من درن)
(فاذكر هُنَاكَ محباً لم يخنك وَلَا ... تنس الْوَفَاء لَهُ إِن كنت ذَا شجن)
(إِن الْكِرَام إِذا مَا أسهلوا ذكرُوا ... من كَانَ يألفهم فِي الْمنزل الخشن)
3 - (عَليّ بن دبيس)
أَبُو الْحسن الْموصِلِي النَّحْوِيّ عَليّ بن دبيس النَّحْوِيّ الْموصِلِي أَبُو الْحسن قَرَأَ النَّحْو على ابْن وَحشِي صَاحب ابْن جني وَأخذ عَنهُ زيد مرزكه الْموصِلِي وَهُوَ مَذْكُور فِيمَا تقدم من حرف الزَّاي وَلأبي الْحسن هَذَا شعر يصف فِيهِ قواداً من الوافر
(يسهل كل مُمْتَنع شَدِيد ... وَيَأْتِي بالمراد على اقتصاد)
(فَلَو كلفته تَحْصِيل طيف ال ... خيال ضحى لزار بِلَا رقاد)
صَاحب الْحلَّة عَليّ بن دبيس الْأَسدي أَمِير الْعَرَب وَصَاحب الْحلَّة كَانَ شجاعاً جوداً ممدحاً كَبِير الشَّأْن
سقِِي السم فِيمَا قيل فَمَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَتَوَلَّى بعده وَلَده مهلهل وَكَانَ عَليّ قد استوحش من السُّلْطَان فَبعث إِلَيْهِ يتهدده فَقَالَ لرَسُوله قل لَهُ مثلي مَا يهدد لِأَن قصارى أَمْرِي أَن يخرجني من جدران الْحلَّة ويبعدني عَن أوساخها فأسكن فِي فيافي بني أَسد وأقنع بخيام الشّعْر وتلال الرمل وثماد الْمِيَاه وخشن الْعَيْش وَهُوَ وَأَمْثَاله قد تعود إيقاد الشمع ودخان الند وألوان الْأَطْعِمَة ونعيم الحمامات
وَتُوفِّي بعلة السكتة وَقيل إِنَّه سم واتهم بِهِ طبيبه مُحَمَّد بن صَالح بِأَنَّهُ قصر فِي أمره وَقيل توفّي بعلة القولنج
الْأَمِير جمال الدّين الْحميدِي)
عَليّ بن درباس بن يُوسُف الْأَمِير جمال الدّين الْحميدِي ولد سنة أَربع وست مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة كَانَ عالي الهمة وافر الْبر والأفضال جواداً لَهُ مهابة شَدِيدَة وسطوة(21/71)
لما توفّي الظَّاهِر أحضرهُ نَائِب دمشق وحبسه وصادره لِأَنَّهُ كَانَ فِي نَفسه مِنْهُ ثمَّ أخرجه وَبَقِي بطالاً من الْولَايَة فِي منزله بجبل قاسيون وخبزه عَلَيْهِ وَلما عزل تَابَ وأقلع عَن الْمَظَالِم وَصلى بِاللَّيْلِ وَبكى وَكَانَ فَاضلا
أَبُو المتَوَكل النَّاجِي عَليّ بن داؤد أَبُو المتَوَكل النَّاجِي بالنُّون وَالْجِيم حدث عَن عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
أَبُو الْحسن الزاذاني عَليّ بن الراهب أَبُو الْحسن الزاذاني من بَغْدَاد الشَّاعِر من شعره من الطَّوِيل
(إِذا هَب من أَرض الْعرَاق بوارح ... وجدت لَهَا بردا وَإِن لم تكن بردا)
(وَمَا ذَاك إِلَّا أَنَّهَا إِذْ تمر بِي ... مضوعة من نشر أحبابنا تندى)
(وَمن أَوْطَفُ بَين القناطر كلما ... تَذكرته أهْدى الصبابة والوجدا)
(وإخوان صدق إِن نأيت تأوهوا ... لبعدي وَإِن دانيتهم أَحْسنُوا الودا)
اللَّخْمِيّ الْمصْرِيّ عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ الْمصْرِيّ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين اسْمه عَليّ لكنه صغر قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ كَانَت بَنو أُميَّة إِذا سمعُوا بمولود اسْمه عَليّ قَتَلُوهُ فَبلغ ذَلِك رباحاً فَقَالَ هُوَ عَليّ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين هَذَا لَا يَسْتَقِيم لِأَن عليا هَذَا ولد فِي زمن عُثْمَان أَو قبل ذَلِك بِقَلِيل وَكَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة رجلا لَا مولوداً
سمع من عمر بن الْعَاصِ وَعقبَة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة وَأبي قَتَادَة وفضالة بن عبيد وعدة من الصَّحَابَة وعمَّر مائَة سنة إِلَّا قَلِيلا وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
قلت فِي تَارِيخ ابْن الفرضي وَقَالَ يحيى بن معِين يَقُول أهل الْعرَاق يَقُولُونَ عُلَيّ وَأهل مصر يَقُولُونَ عَلِيّ وَقَالَ اللَّيْث بن سعد سَمِعت مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح(21/72)
يَقُول من قَالَ لي مُوسَى بن عَليّ لم أجعله فِي حل وَولد سنة خمس عشرَة عَام اليرموك وَكَانَ أَعور ذهبت)
عينه يَوْم ذِي الصوارير فِي الْبَحْر مَعَ عبد الله بن سعد سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَكَانَت لَهُ من عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان منزلَة وَهُوَ الَّذِي زف أم الْبَنِينَ ابْنه عبد الْعَزِيز إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك
ثمَّ عتب عَلَيْهِ عبد الْعَزِيز فأغزاه أفريقية فَلم يزل بأفريقية إِلَى أَن توفّي بهَا
3 - (عَليّ بن ربيعَة)
الْوَالِبِي الْكُوفِي عَليّ بن ربيعَة الْوَالِبِي الْأَسدي الْكُوفِي روى عَن عَليّ والمغيرة وَأَسْمَاء بن الحكم الْفَزارِيّ وَابْن عمر فِي حُدُود الْمِائَة لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْأَرْبَعَة
نور الدّين الْمَقْدِسِي عَليّ بن رزق الله بن مَنْصُور الشَّيْخ نور الدّين الْمَقْدِسِي سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَأبي حَامِد ابْن الصَّابُونِي أجَاز لي بِخَطِّهِ سنة ثَمَان وَعِشْرُونَ وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ
الْحَرْبِيّ الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن رشيد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حُسَيْنًا الْبَغْدَادِيّ الْحَرْبِيّ صحب عَمه أَخا أَبِيه لأمه أَبَا الْمَعَالِي سعد بن عَليّ الخطيري وَقد تقدم ذكره فِي حرف السِّين وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَدَب وَحفظ الْقُرْآن وتفقه لِابْنِ حَنْبَل وَسمع من أبي الْوَقْت عبد الأول وَنصر بن نصر بن عَليّ العكبري وَسَعِيد بن أَحْمد بن الْبناء وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن نصر الزغوني وَغَيرهم
وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة عفيفاً نزهاً ووكله الإِمَام النَّاصِر وكَالَة جَامِعَة وارتفع قدره ومنزلته(21/73)
وَكَانَ يكْتب خطا مليحاً طَرِيق ابْن مقلة وَكَانَ يكره الرِّوَايَة ويقل مُخَالطَة النَّاس توفّي سنة خمس وست مائَة
الطَّبِيب الْمصْرِيّ عَليّ بن رضوَان بن عَليّ بن جَعْفَر أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ رَئِيس الْأَطِبَّاء للْحَاكِم صَاحب مصر
لم يكن لَهُ معلم فِي صناعَة الطِّبّ ينْسب إِلَيْهِ وَله مُصَنف فِي أَن التَّعَلُّم من الْكتب أوفق من المعلمين ورد عَلَيْهِ ابْن بطلَان هَذَا الرَّأْي وَغَيره فِي كتاب مُفْرد وَذكر فصلا فِي الْعِلَل الَّتِي من أجلهَا صَار المتعلم من أَفْوَاه الرِّجَال أفضل من المتعلم من الصُّحُف إِذا كَانَ قبولهما وَاحِدًا وَأورد عدَّة علل الأولى مِنْهَا تجْرِي هَكَذَا وُصُول الْمعَانِي من النسيب إِلَى النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إِلَى النسيب)
وَالنّسب النَّاطِق أفهم للتعليم بالنطق وَهُوَ الْمعلم وَغير النسيب لَهُ حَمَّاد وَهُوَ الْكتاب وَبعد الجماد من النَّاطِق مطيل طَرِيق الْفَهم وَقرب النَّاطِق من النَّاطِق مقرب للفهم فالنسيب تفهيمه أقرب وأسهل من غير النسيب وَهُوَ الْكتاب
الثَّانِيَة مِنْهَا النَّفس الْعَلامَة عَلامَة بِالْفِعْلِ وصدور الْفِعْل عَنْهَا يُقَال لَهُ التَّعْلِيم والتعليم من الْمُضَاف وَكلما هُوَ للشَّيْء بالطبع أخص بِهِ مِمَّا لَيْسَ هُوَ بالطبع وَالنَّفس المتعلمة عَلامَة بِالْقُوَّةِ وَقبُول الْعلم فِيهَا يُقَال لَهُ تعلم والمضافان مَعًا بالطبع فالتعليم من الْمعلم أخص بالمتعلم من الْكتاب
الثَّالِثَة المتعلم إِذا استعجم عَلَيْهِ مَا يفهمهُ الْمعلم من لَفظه نَقله إِلَى لفظ آخر الْكتاب لَا ينْقل لفظ فَافْهَم من الْمعلم أصلح للمتعلم من الْكتاب وَكلما هُوَ بِهَذِهِ الصّفة فَهُوَ فِي اتِّصَال الْعلم أصلح للمتعلم
الرَّابِعَة الْعلم مَوْضُوعَة اللَّفْظ وَاللَّفْظ على ثَلَاثَة أضْرب قريب من الْعقل وَهُوَ الَّذِي صاغه الْعقل مِثَالا لما عِنْده من الْمعَانِي ومتوسط وَهُوَ المتلفظ بِهِ بالصوت وَهُوَ مِثَال الْعقل وبعيد وَهُوَ الْمُثبت فِي الْكتاب وَهُوَ مِثَال مَا خرج بِاللَّفْظِ فالكتاب مِثَال مِثَال مِثَال الْمعَانِي الَّتِي فِي الْعقل والمثال الأول لَا يقوم مقَام الممثل لعوز الْمثل فَمَا ظَنك بمثال مِثَال مِثَال الممثل فالمثال الأول لما عِنْد الْعقل أقرب فِي الْفَهم من مِثَال الْمِثَال والمثال الأول هُوَ اللَّفْظ وَالثَّانِي هُوَ الْكتاب وَإِذا كَانَ الْأَمر على هَذَا فالفهم من لفظ الْمعلم أسهل وَأقرب من لفظ الْكتاب
الْخَامِسَة وُصُول اللَّفْظ الدَّال على الْمَعْنى إِلَى الْعقل يكون من جِهَة حاسة غَرِيبَة من اللَّفْظ وَهُوَ الْبَصَر لِأَن حاسة النسيبة للفظ هِيَ السّمع لِأَنَّهُ تصويت وَالشَّيْء الْوَاصِل من(21/74)
النسيب وَهُوَ اللَّفْظ أقرب من وُصُوله من الْغَرِيب وَهُوَ الْكِتَابَة فالفهم من الْمعلم بِاللَّفْظِ أسهل من الْفَهم من الْكِتَابَة بالخط
السَّادِسَة يُوجد فِي الْكتاب أَشْيَاء تصد عَن الْعلم وَهِي مَعْدُومَة عِنْد الْمعلم وَهِي التَّصْحِيف الْعَارِض من اشْتِبَاه الْحُرُوف مَعَ عدم اللَّفْظ والغلط بزوغان الْبَصَر وَقلة الْخِبْرَة بالإعراب أَو عدم وجوده مَعَ الْخِبْرَة بالإعراب أَو فَسَاد الْمَوْجُود مِنْهُ وَإِصْلَاح الْكتاب مَا لَا يقْرَأ وَقِرَاءَة مَا لَا يكْتب وَنَحْو التَّعْلِيم ونمط الْكَلَام وَمذهب صَاحب الْكتاب وسقم النّسخ ورداءة النَّقْل وإدماج الْقَارئ مَوَاضِع المقاطع وخلط مبادئ التَّعْلِيم وَذكر أَلْفَاظ مصطلح عَلَيْهَا فِي تِلْكَ)
الصِّنَاعَة وألفاظ يونانية لم يُخرجهَا النَّاقِل من اللُّغَة كالثوروس وَهَذِه كلهَا معوقة عَن الْعلم
وَقد استراح المتعلم من تكلفها عِنْد قِرَاءَته على الْمعلم وَإِذا كَانَ الْأَمر على هَذِه الصُّورَة فالقراءة على الْعلمَاء أفضل وأجدى من قِرَاءَة الْإِنْسَان لنَفسِهِ وَهُوَ مَا أردنَا بَيَانه قَالَ وَأَنا آتِيك بِبَيَان سَائِغ أَظُنهُ مُصدقا لما عنْدك وَهُوَ مَا قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي الِاعْتِيَاض عَن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فَإِنَّهُم مجمعون على أَن هَذَا الْفَصْل لَو لم يسمعهُ من أرسطو تلميذاه ثامسطيوس وأوذيموس لما فهم قطّ من كتاب انْتهى كَلَام ابْن بطلَان
قلت وَلِهَذَا قَالَ الْعلمَاء لَا تَأْخُذُوا الْعلم من صحفي وَلَا مصحفي يَعْنِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن على من قَرَأَ من الْمُصحف وَلَا الحَدِيث وَغَيره على من أَخذ ذَلِك من الصُّحُف وحسبك بِمَا جرى لحماد لما قَرَأَ فِي الْمُصحف وَمَا صحفه وَذَلِكَ مَذْكُور فِي تَرْجَمَة حَمَّاد الراوية وَقد وَقع لِابْنِ حزم وَابْن الْجَوْزِيّ أَوْهَام وتصحيف مَعْرُوفَة عِنْد أَهلهَا وناهيك بِهَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ وَهَذَا الرئيس أَبُو عَليّ ابْن سينا وَهُوَ مَا هُوَ لما استبد بِنَفسِهِ فِي الْأَدْوِيَة المفردة اتكالاً على ذهنه لما سلم من سوء الْفَهم لم يسلم من التَّصْحِيف فَإِنَّهُ أثبت البنطافلن وَهُوَ بِتَقْدِيم الْبَاء على النُّون وَمَعْنَاهُ ذُو خمس أوراق فِي حرف النُّون وَكَانَ لِابْنِ رضوَان دَار تعرف بِهِ فِي مصر فِي قصر الشمع قدمه الْحَاكِم وَجعله رَئِيس الْأَطِبَّاء وَكَانَ كثير الرَّد على أَرْبَاب مذْهبه وَفِيه تشنيع فِي بَحثه إِلَّا أَنه كَانَ يرجع إِلَى خير وَدين وتوحيد وَشرح عدَّة كتب لِجَالِينُوسَ وَله مقَالَة فِي دفع المضار بِمصْر عَن الْأَبدَان وَكتاب فِي أَن حَال عبد الله بن الطَّبِيب حَال السوفسطائية والانتصار لأرسطاليس وَتَفْسِير ناموس الطِّبّ لأبقراط وَكتاب المعاجين والأشربة مقَالَة فِي إحصاء عدد الحميات ورسالة فِي الأورام رِسَالَة فِي علاج دَاء الْفِيل
رِسَالَة فِي الفالج مسَائِل جرت بَينه وَبَين إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم فِي المجرة وَالْمَكَان الْأَدْوِيَة المفردة رِسَالَة فِي بَقَاء النَّفس بعد الْمَوْت مقَالَة فِي فضل الفلسفة مقَالَة فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّوْرَاة والفلسفة مقَالَة فِي حدث الْعَالم مقَالَة فِي تَوْحِيد(21/75)
الفلاسفة الرَّد على ابْن زَكَرِيَّاء الرَّازِيّ فِي الْعلم الإلهي إِثْبَات الرُّسُل مقَالَة فِي التَّنْبِيه على حيل المنجمين ويصف شرفها مقَالَة فِي كل السياسة مقَالَة فِي الشّعير وَمَا يعْمل مِنْهُ مقَالَة فِي الْحلف أَن كل وَاحِد من الْأَعْضَاء يغتذي من الْخَلْط المشاكل لَهُ مقَالَة فِي أَن ابْن بطلَان لَا يعرف كَلَام نَفسه فضلا عَن كَلَام غَيره رِسَالَة إِلَى أطباء مصر والقاهرة فِي خبر ابْن بطلَان وَالرَّدّ عَلَيْهِ)
مقَالَة فِي عدد حميات الأخلاط مقَالَة فِي الأورام رِسَالَة فِي الْكَوْن وَالْفساد مقَالَة فِي أَن فِي الْوُجُود نقط وخطوط طبيعية وَله غير ذَلِك أَشْيَاء كَثِيرَة
ابْن الغبيري عَليّ بن روح بن أَحْمد بن الْحسن بن عبد الْكَرِيم النهرواني الْمَعْرُوف بِابْن الغبيري قَرَأَ الْفِقْه على أبي النجيب السهروردي وَصَحبه مُدَّة وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي مُحَمَّد ابْن الجواليقي وَأبي الْحسن ابْن الْعَطَّار وَغَيرهمَا حَتَّى برع فِي جَمِيع ذَلِك ورتب على الْخَبَر بِبَاب النوبي واستنابه قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن الْحُسَيْن الدَّامغَانِي فِي الحكم بحريم دَار الْخلَافَة وَمَا يَليهَا وَكَانَ غزير الْفضل وَله نظم ونثر وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وست مائَة ومولده قبل الْأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَمن شعره لما عَاد أَبُو الْفرج ابْن رَئِيس الرؤساء إِلَى الوزارة من الْخَفِيف
(لم تغب شمسك المنيرة حاشا ... ك وَلم ينْسَخ الضياء ظلام)
(إِنَّمَا حَال دون أَن يدْرك الضو ... ء قتام وانجاب ذَاك القتام)
وَمِنْه لما أعطي فَخر الدّين النوقاني الْمدرسَة الجهتية من السَّرِيع
(لم تعط من حَقك معشاره ... فيحمد الطالع والزجر)
(وَإِنَّمَا أيامك استيقظت ... فَحق لاستيقاظها السكر)
3 - (عَليّ بن زُرَيْق)
ابْن زُرَيْق الْكَاتِب عَليّ بن زُرَيْق الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ لَهُ القصيدة الَّتِي مدح بهَا(21/76)
العميد أَبَا نصر وَزِير طغرلبك الَّتِي قَالَ فِيهَا أَبُو عبد الله الْحميدِي قَالَ لي أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد ابْن حزم يُقَال من تختم بالعقيق وَقَرَأَ لأبي عَمْرو وتفقه للشَّافِعِيّ وَحفظ قصيدة ابْن زُرَيْق فقد اسيتكمل الظّرْف
وَالْقَصِيدَة الْمَذْكُورَة من الْبَسِيط
(لَا تعذليه فَإِن العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ)
(جَاوَزت فِي لومه حد المضر بِهِ ... من حَيْثُ قدرت أَن اللوم يَنْفَعهُ)
(فاستعملي الرِّفْق فِي تأنيبه بَدَلا ... من عسفه فَهُوَ مضنى الْقلب موجعه)
(قد كَانَ مضطلعاً بالخطب يحملهُ ... فضلعت بخطوب الْبَين أضلعه)
(يَكْفِيك من روعة التفنيد أَن لَهُ ... من النَّوَى كل يَوْم مَا يروعه)
(مَا آب من سفر إِلَّا وأزعجه ... رَأْي إِلَى سفر بالرغم يجمعه)
(تأبى المطالب إِلَّا أَن تجشمه ... للرزق كدحاً وَكم مِمَّن يودعه)
(كَأَنَّمَا هُوَ من حل ومرتحل ... مُوكل بفضاء الأَرْض يذرعه)
(إِذا الزَّمَان أرَاهُ فِي الرحيل غنى ... وَلَو إِلَى السَّنَد أضحى وَهُوَ مربعه)
(وَمَا مجاهدة الْإِنْسَان واصلةً ... رزقا وَلَا دعة الْإِنْسَان تقطعه)
(قد وزع الله بَين النَّاس رزقهم ... لم يخلق الله من خلق يضيعه)
(لكِنهمْ كلفوا رزقا فلست ترى ... مسترزقاً وَسوى الغايات تقنعه)
(والحرص فِي الرزق والأرزاق قد قسمت ... بغي أَلا إِن بغي الْمَرْء يصرعه)
(والدهر يُعْطي الْفَتى من حَيْثُ يمنعهُ ... أرباً ويمنعه من حَيْثُ يطمعه)
(أستودع الله فِي بَغْدَاد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه)
(ودعته بودي أَن يودعني ... صفو الْحَيَاة وَأَنِّي لَا أودعهُ)
(وَكم تشفع فِي أَن لَا أفارقه ... وللضرورة حَال لَا تشفعه)
(وَكم تشبث فِي خوف الْفِرَاق ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه)
(لَا أكذب الله ثوب الْعذر منخرق ... عني بفرقته لَكِن أرقعه)
)
(إِنِّي أوسع عُذْري فِي جِنَايَته ... بالبين عني وجرمي لَا يوسعه)(21/77)
(رزقت ملكا فَلم أحسن سياسته ... وكل من لَا يسوس الْملك يخلعه)
(وَمن غَدا لابساً ثوب النَّعيم بِلَا ... شكر عَلَيْهِ فَإِن الله يَنْزعهُ)
(اعتضت من وَجه خلي بعد فرقته ... كأساً تجرع مِنْهَا مَا أجرعه)
(كم قَائِل لي ذقت الْبَين قلت لَهُ ... الذَّنب وَالله ذَنبي لست أدفعه)
(أَلا أَقمت وَكَانَ الرشد أجمعه ... لَو أنني يَوْم بَان الرشد أتبعه)
(إِنِّي لأقطع أيامي وأنفدها ... بحسرة مِنْهُ فِي قلبِي تقطعه)
(بِمن إِذا هجع النوام بت لَهُ ... بلوعة مِنْهُ ليلِي لست أهجعه)
(لَا يطمئن لجنبي مَضْجَع وَكَذَا ... لَا يطمئن لَهُ مذ بنت مضجعه)
(مَا كنت أَحسب ريب الدَّهْر يفجعني ... بِهِ وَلَا أَنِّي بِي الْأَيَّام تفجعه)
(حَتَّى جرى الْبَين فِيمَا بَيْننَا بيد ... عسراء تمنعني حظي وتمنعه)
(فَكنت من ريب دهري جازعاً فرقا ... فَلم أوق الَّذِي قد كنت أجزعه)
(بِاللَّه يَا منزل القصف الَّذِي درست ... آثاره وعفت مذ بنت أَرْبَعه)
(هَل الزَّمَان معيد فِيك لذتنا ... أم اللَّيَالِي الَّتِي أمضته ترجعه)
(فِي ذمَّة الله من أَصبَحت منزله ... وجاد غيثاً على يمناك يمرعه)
(من عِنْده لي عهد لَا يضيعه ... كَمَا لَهُ عهد صدق لَا أضيعه)
(وَمن يصدع قلبِي ذكره وَإِذا ... جرى على قلبه ذكري يصدعه)
(لأصبرن لدهر لَا يمتعني ... بِهِ وَلَا بِي فِي حَال يمتعه)
(علما بِأَن اصْطِبَارِي معقب فرجا ... فأضيق الْأَمر إِن فَكرت أوسعه)
(عَسى اللَّيَالِي الَّتِي أضنت بفرقتنا ... جسمي ستجمعنا يَوْمًا وتجمعه)
(وَإِن تغل أحدا منا منيته ... فَمَا الَّذِي فِي قَضَاء الله يصنعه)
وَقلت وَقد مر فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن جَعْفَر الدبيثي لَهُ قصيدة فِي وَزنهَا ورويها وأراها أحسن من هَذِه
قَالَ يرثي ديكاً من الْكَامِل
(خطب طرقت بِهِ أَمر طروق ... فظ الْحُلُول عَليّ غير شفيق)
)
(فَكَأَنَّمَا نوب الزَّمَان مُحِيطَة ... بِي راصدات لي بِكُل طَرِيق)(21/78)
(هَل مستجار من فظاظة جورها ... أم هَل أَسِير صروفها بطليق)
(حَتَّى مَتى تنحي عَليّ بخطبها ... وتغصني فجعاتها بالريق)
(ذهبت بِكُل مُوَافق ومرافق ... ومناسب ومصاحب وصديق)
(وطريفة وتليدة وحبيرة ... صنت وركن للزمان وثيق)
(حَتَّى بديك كنت آلف قربه ... حُلْو الشَّمَائِل فِي الديوك رَشِيق)
(ألْقى عَلَيْهِ الدَّهْر مِنْهُ كلكلاً ... يفني الورى ويشت كل فريق)
(ورماه مِنْهُ بِحَدّ سهم صائب ... لذخائر المستظهرين علوق)
(حزني عَلَيْهِ دَائِما مَا غردت ... ورق الْحمام ضحى بِذرْوَةِ نيق)
(أربيب منزلنا ونشو حجورنا ... وغذي أَيْدِينَا نِدَاء مشوق)
(لهفي عَلَيْك أَبَا النذير لَو انه ... دفع المنايا عَنْك لهف مشوق)
(وعَلى شمائلك اللواتي مَا نمت ... حَتَّى ذوت من بعد حسن سموق)
(لما نَفَعت وصرت علق مضنة ... ونشأت نشء الْمقبل الموموق)
(وتكاملت جمل الْجمال بأسرها ... لَك من خَلِيل صَادِق وصديق)
(وغدوت ملتحفاً بمرط حبرت ... فِيهِ بديع الوشي كف أنيق)
(كالجلنارة أَو صفاء عقيقة ... أَو لمع نَار أَو وميض بروق)
(أَو قهوة تختال فِي بلورة ... بتأنق التزويق والتصفيق)
(وكأنما الجادي جاد بِصِيغَة ... لَك أَو طلعت مضمخاً بخلوق)
(ولبست كالطاووس ريشاً لامعاً ... متلألئاً ذَا رونق وبريق)
(من حمرَة مَعَ صفرَة فِي زرقة ... تحتلها تخفي على التَّحْقِيق)
(عرض يجل عَن الْقيَاس وجوهر ... لطفت مَعَانِيه على التدقيق)
(وَكَأن سالفتيه تبر سَائل ... وعَلى المفارق مِنْك تَاج عقيق)
(وَكَأن مجْرى الصَّوْت مِنْك إِذا جَفتْ ... وَنبت عَن الأسماع بح حلوق)
(ناي رَقِيق ناعم قرت بِهِ ... نعم تؤلفه من الموسيقي)
(تزقو وتصفق بالجناح كمنتش ... وصلت يَدَاهُ النقر بالتصفيق)
)
(وتميس ممتطياً لسبع دجائج ... مثل المهاري أحدقت بفسيق)(21/79)
(فتميرنا مِنْهُنَّ بيضًا دَائِما ... رزقا هَنِيئًا لَيْسَ بالممحوق)
(فِيهَا بَدَائِع صَنْعَة ولطائف ... ألفن بالتهذيب والتوفيق)
(فبياضها ورق وتبر محها ... فِي جَوف عاج بطنت بدبيق)
(خلطان مائيان مَا اختلطا على ... سيل ومختلط المزاج رَقِيق)
(يَغْدُو عَلَيْهِ من طهاه بعجة ... وَيروح بالمشوي والمصلوق)
(نعم لعمرك لَو تدوم هنيئةً ... هَل دَامَ رزق لامرئ مَرْزُوق)
(أبْكِي إِذا عَايَنت ربعك مقفراً ... بتحنن وتفجع وشهيق)
(ويزيدني جزعاً لفقدك صادح ... فِي منزل دَان إِلَيّ لصيق)
(فتأسفي أبدا عَلَيْك مواصل ... بسواد ليل والتماع يروق)
(وَإِذا أَفَاق ذَوُو المصائب سلوة ... وتأسيا أمسيت غير مُفِيق)
(صبرا لفقدك لَا قلى لَكِن كَمَا ... صَبر الْأَسير لشدَّة ولضيق)
(لَا تبعدن وَإِن نأت بك نِيَّة ... فِي منزل نائي المزار سحيق)
(وَسَقَى عظامك صوب مزن هاطل ... غدق رعود فِي ثراك بروق)
الباذرائي عَليّ بن زُهَيْر بن الْقَيْن الشَّيْبَانِيّ أَبُو الْحسن الباذرائي رأى أَبُو فراس وروى عَنهُ شَيْئا من شعره وَكَانَ أديباً لَهُ شعر كتب عَنهُ فَارس بن حُسَيْن الذهلي توفّي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره من الْخَفِيف
(فتكت بِي حوادث الدَّهْر حَتَّى ... جَعَلتني رقا لمن كَانَ رقي)
(فتصورت أَن هَذَا لذنب ... كَانَ مني وَأَن ذَا بعض حَقي)
وَكتب على مشط عاج من الْخَفِيف
(كنت أسْتَعْمل السوَاد من الْأُم ... شاط وَالشعر كالليالي الدياجي)
(أتلقى مثلا بِمثل فَلَمَّا ... صَار عاجاً سرحته بالعاج)
3 - (عَليّ بن زِيَاد)
الْأنْصَارِيّ المعري عَليّ بن زِيَاد الْأنْصَارِيّ أَبُو الْحسن قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ وقوراً حسن الْملح والمفاكهات نَاظرا فِي الطِّبّ لطيفاً حَيْثُ توجه أنيق الْكَلَام وَأورد لَهُ قَوْله يصف الجمارة من السَّرِيع(21/80)
(جمارة جاءتك من نَخْلَة ... باسقة قد أفرطت فِي البسوق)
(كَأَنَّهَا فِي كف معشوقة ... قد خضبت راحتها بالخلوق)
(مهاة بلور وَقد أشرقت ... فِي جامة مخروطة من عقيق)
(فَاشْرَبْ على الْجمار من كفها ... والورد من وجنتها والشقيق)
وَقَوله فِي تفاحة من الْبَسِيط
(أحبب بتفاحة صفراء ناولها ... من لست أفكر مَا أولاه من نعم)
(وَقَالَ صفها بِوَصْف لَيْسَ يُدْرِكهُ ... أهل البلاغة من عرب وَمن عجم)
(فَقلت والدمع يهمي عِنْد قولته ... من الجفون على الْخَدين كالديم)
(اللَّوْن لي وَلكم طيب النسيم كَذَا ... حكم الْهوى بَيْننَا أفديه من حكم)
وَقَوله فِي الْفَخر يذكر قومه من السَّرِيع
(من كل عالي الْقدر سامي الذرى ... ينميه للخزرج أنصار)
(لَيْسَ على من قد علا فخره ... إِن طاله فَخْرهمْ عَار)
وَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُسلم ابْن عبدون الْكَاتِب وَكَانَ خليعاً يستهديه نبيذاً فِي زكرة يَوْم شتاء من مجزوء الْكَامِل
(يَا مَعْدن الْأَدَب الَّذِي ... مَا زَالَ للأدباء كهفا)
(أمنن عَليّ بزكرة ... للخندريس تكون ظرفا)
(ومخدة من نفخها ... وَترى لَهَا فِي الرَّأْس عرفا)
(كالمسك عِنْد مشمها ... فمشمه مَا لَيْسَ يخفى)
(واعتدني عبدا بهَا ... عمر الزَّمَان عمرت ألفا)
(مَا الْعَيْش إِلَّا كَونهَا ... أبدا تكون عَليّ وَقفا)
)
(وَمن السَّعَادَة ملؤُهَا ... مِمَّا تجود بِهِ فأكفا)
سَأَلتك إِيَّاهَا أيدك الله لتَكون مِمَّا يحمل فِيهَا فِي أَمن لما فِي هَذَا الْيَوْم من الزلق فَابْعَثْ بهَا لَو كَانَت من جلد نَاقَة صَالح أَو كَبْش إِبْرَاهِيم أَو عجل السامري فَأَجَابَهُ من مجزوء الْكَامِل
(كلفتني يَا ابْن الكرا ... م وَمن غَدا للمجد حلفا)
شططاً لحمل الخندريس إِلَيْك مِمَّا كَانَ ظرفا(21/81)
(إِنِّي أحرم شربهَا ... فَأرى بهَا حرجاً ووكفا)
(وكشربها عِنْدِي وَحقّ ... ك ظرفها لم تخط حرفا)
(فشربتها لَك عَاصِيا ... لله واستغفرت ألفا)
(وملأتها ريحًا وَذَا ... ك لمستراب الظَّن أنفى)
(ترضيك فِي نظر العيا ... ن وَطيب رَائِحَة وَعرفا)
فاعذر أَخَاك فقد حللت برسم دَار قد تعفى التّونسِيّ الْفَقِيه عَليّ بن زِيَاد التّونسِيّ الْفَقِيه أَبُو الْحسن الْعَبْسِي شيخ الْمغرب أَصله من بِلَاد الْعَجم ومولده بأطرابلس كَانَ إِمَامًا ثِقَة متعبداً بارعاً فِي الْعلم توفّي فِي حُدُود تسعين وَمِائَة
3 - (عَليّ بن زيد)
ابْن جدعَان عَليّ بن زيد بن جدعَان هُوَ ابْن زيد بن أبي ملكية أَبُو الْحسن الْقرشِي التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ الضَّرِير أحد أوعية الْعلم فِي زَمَانه روى عَن أنس بن مَالك وَسَعِيد بن المسيَّب وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَجَمَاعَة ولد أعمى وَلما مَاتَ الْحُسَيْن قَالُوا لَهُ إجلس مَوْضِعه قَالَ حَمَّاد بن زيد سَمِعت الْجريرِي يَقُول أصبح فُقَهَاء الْبَصْرَة عمياناً ثَلَاثَة قَتَادَة وَعلي بن زيد وأشعب الْحدانِي وَقَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ أَحْمد ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة لَا أحتج بِهِ لسوء حفظه وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف وَقَالَ التِّرْمِذِيّ صَدُوق قَالَ خَليفَة مَاتَ فِي الطَّاعُون وَقَالَ مطين سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَقيل سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَكَانَ يقلب الْأَحَادِيث وَهُوَ شيعي وروى لَهُ الْأَرْبَعَة وَمُسلم مَقْرُونا
التسارسي الْمَالِكِي عَليّ بن زيد بن عَليّ بن مفرج أَبُو الرِّضَا الجذامي السَّعْدِيّ(21/82)
التسارسي بتاء ثَالِثَة الْحُرُوف وسينين مهملتين بَينهمَا ألف وَرَاء وتسارس قَرْيَة من بِلَاد برقة ثمَّ الاسكندراني الْمَالِكِي الْخياط الضَّرِير ولد سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وست مائَة أَو مَا بعد الثَّلَاثِينَ سمع من السلَفِي وَقدم دمشق شَابًّا وَكَانَ شَاعِرًا فَاضلا حسن السمت
وروى عَنهُ جمَاعَة وَمن شعره النجار الإشبيلي الْكَاتِب عَليّ بن زيد أَبُو الْحسن النجار الْكَاتِب الإشبيلي كتب للسُّلْطَان بعد وَفَاة أبي الْحسن عبد الْملك بن عَيَّاش سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وعاجلته منيته فَتوفي بمراكش فِي الطَّاعُون سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة من شعره من المتقارب
(تغار بهَا الشَّمْس فِيمَن تغار ... ويعشقها الْبَدْر فِيمَن عشق)
(ثوى الْفَرْع فِي موج أردافها ... وَقد كَاد يغرق أَو قد غرق)
(وتبصر قلَّة حَظّ الوشا ... ح مِنْهَا فتعذره فِي القلق)
(تساقط لفظا نثير الجما ... ن وَتَبَسم عَن مثله متسق)
)
(وتهديك أنفاس رَيْحَانَة ... تنفس عَنْهَا صديع الفلق)
(وتظلم من فرعها فِي الصَّباح ... وتصبح من وَجههَا فِي الغسق)
وَمِنْه يرثي من الطَّوِيل
(أما تشتفي مني صروف زماني ... وهلاًّ كفي الْأَيَّام أَنِّي فان)
(وَحسب المنايا أَن خلعت شبيبتي ... وَلَوْلَا حذاريها خلعت عناني)
(فغيضت أمواه الدُّمُوع بمقلتي ... وأخمدت نيران الجوى بجناني)
(ونزهت عَن سمع القيان مسامعي ... وقدست عَن بنت الدنان بناني)
(فأشرق عُذْري للنهى فعذرنني ... وأظلم فِي عَيْني الصِّبَا فلحاني)
(وَلم تقنع الْأَيَّام حَتَّى رمينني ... بِعرْض شمام أَو بِرُكْن أبان)
(فطار فؤاد الْبَرْق يَحْكِي جوانحي ... وَأرْسل عَيْنَيْهِ للحيا فبكاني)
القاشاني النَّحْوِيّ عَليّ بن زيد القاشاني أَبُو الْحسن النَّحْوِيّ أحد أَصْحَاب ابْن(21/83)
جني قَالَ ياقوت وجدت بِخَطِّهِ مَا كتبه سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبع مائَة وَهُوَ صَاحب الْخط الْكثير الضَّبْط المعقد سلك فِيهِ طَرِيق شَيْخه أبي الْفَتْح
أَبُو الْحسن الْبَيْهَقِيّ عَليّ بن زيد أَبُو الْحسن ابْن أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَولد سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة قَالَ فِي كتاب مشارب التجارب حفظت فِي عهد الصِّبَا كتاب الهاوي للشادي تصنيف الميداني وَكتاب السَّامِي فِي الْأَسَامِي وَكتاب المصادر للْقَاضِي الزوزني وغريب الْقُرْآن للعزيزي وَإِصْلَاح الْمنطق والمنتحل للميكالي وَشعر المتنبي والحماسة والمعلقات وَالتَّلْخِيص فِي النَّحْو ثمَّ حفظ الْمُجْمل فِي اللُّغَة وَكتاب تَاج المصادر
وقرأت على أبي جَعْفَر الْمُقْرِئ إِمَام الْجَامِع الْقَدِيم بنيسابور نَحْو ابْن فضال والأمثال لأبي عبيد وأمثال أبي الْفضل الميكالي وَحَضَرت دروس الميداني وصححت عَلَيْهِ السَّامِي والمصادر للْقَاضِي والمنتحل وغريب الحَدِيث لأبي عبيد وَإِصْلَاح الْمنطق وَمجمع الْأَمْثَال لَهُ وصحاح الْجَوْهَرِي
وَكنت فِي أثْنَاء ذَلِك أختلف إِلَى الإِمَام إِبْرَاهِيم الخراز الْمُتَكَلّم وَإِلَى الإِمَام مُحَمَّد الفراوي)
وَسمعت مِنْهُ غَرِيب الحَدِيث للخطابي وَذكر أَشْيَاء من حَاله وَتَوَلَّى قَضَاء بيهق سنة سِتّ وَعشْرين وَخمْس مائَة وَقَرَأَ الْحساب والجبر والمقابلة على الْأُسْتَاذ عُثْمَان بن حاد وكار
وَعقد الْمجْلس بِجَامِع نيسابور
وَله من التصانيف كتاب أسئلة الْقُرْآن مَعَ الْأَجْوِبَة مُجَلد كتاب إعجاز الْقُرْآن مُجَلد كتاب الإفادة فِي كلمة الشَّهَادَة مجلدة كتاب الْمُخْتَصر فِي الْفَرَائِض مُجَلد كتاب الْفَرَائِض مجدول مُجَلد كتاب أصُول الْفِقْه مُجَلد كتاب قَرَائِن آيَات الْقُرْآن مُجَلد كتاب معارج نهج البلاغة مُجَلد وَهُوَ شرح الْكتاب كتاب نهج الرشاد فِي الْأُصُول مُجَلد كتاب إِيضَاح الْبَرَاهِين فِي الْأُصُول مُجَلد كتاب الإفادة فِي إِثْبَات الْحَشْر والإعادة مُجَلد كتاب تحفة السَّادة مُجَلد كتاب التَّجْرِيد فِي التَّذْكِير مجلدان كتاب الوقيعة فِي مُنكر الشَّرِيعَة مُجَلد كتاب تَنْبِيه الْعلمَاء على تمويه المشبهين بالعلماء كتاب أزاهير الرياض المريعة فِي تَفْسِير أَلْفَاظ المحاورة والشريعة مُجَلد ديوَان شعره مُجَلد كتاب دُرَر السَّحَاب ودرر السخاب ترسل مُجَلد كتاب ملح البلاغة مُجَلد كتاب الرسائل بالفارسي(21/84)
مُجَلد كتاب البلاغة الْخفية كتاب طرائق الْوَسَائِل إِلَى حدائق الرسائل مُجَلد كتاب رسائله المتفرقة مُجَلد كتاب عُقُود اللآلي مُجَلد كتاب غرر الْأَمْثَال مجلدان كتاب الِانْتِصَار على الأشرار مجلدان كتاب الِاعْتِبَار بالإقبال والإدبار مُجَلد كتاب وشاح دمية الْقصر مُجَلد كَبِير كتاب أسرار الِاعْتِذَار كتاب شرح مُشكل المقامات الحريرية كتاب درة الوشاح كتاب الْعرُوض مجلدة كتاب أزهار الْأَشْجَار كتاب آدَاب السّفر كتاب مجامع الْأَمْثَال وبدائع الْأَقْوَال أَربع مجلدات كتاب مسارب التجارب أَربع مجلدات كتاب ذخائر الحكم مُجَلد كتاب شرح الموجز المعجز مجلدة كتاب أسرار الحكم مجلدة كتاب عرائس النفائس مُجَلد كتاب أَطْعِمَة المرضى مُجَلد كتاب المعالجات الاعتبارية مُجَلد كتاب تَتِمَّة صوان الْحِكْمَة مُجَلد كتاب السمُوم مجلدة كتاب فِي الْحساب مُجَلد كتاب خُلَاصَة الدبحة مُجَلد كتاب إسلامي الْأَدْوِيَة وخواصها ومنافعها مُجَلد وَهُوَ معنون بتفاسير العقاقير مُجَلد كَبِير كتاب جَوَامِع الْأَحْكَام ثَلَاث مجلدات كتاب أَمْثِلَة الْأَعْمَال النجومية مُجَلد كتاب مؤامرات الْأَعْمَال النجومية مجلدة كتاب عزو الأقيسة مُجَلد كتاب معرفَة ذَات الْحلق والكرة والاسطرلاب مُجَلد كتاب الإزاحة عَن شَدَائِد المساحة مُجَلد كتاب حصص الأصفياء فِي قصَص الْأَنْبِيَاء على طَرِيق البلغاء بالفارسي مجلدان كتاب المشتهر فِي نقض الْمُعْتَبر الَّذِي)
صنفه الْحَكِيم أَبُو البركات مُجَلد كتاب بساتين الْأنس ودساتين الحدس فِي براهين النَّفس مُجَلد
كتاب مناهج الدَّرَجَات فِي شرح كتاب النجَاة ثَلَاث مجلدات كتاب الأمارات فِي شرح الإشارات مُجَلد كتاب قضايا التشبيهات على خفايا المختلطات بالجداول مُجَلد كتاب شرح رِسَالَة الطير مُجَلد كتاب شرح الحماسة مُجَلد كتاب الرسَالَة العطارة فِي مدح نَبِي الزِّيَارَة كتاب تعليقات فُصُول أبقراط كتاب شرح شعر البحتري وَأبي تَمام مُجَلد كتاب شرح الشهَاب مُجَلد وتاريخ بيهق بالفارسي مُجَلد كتاب لباب الْأَنْسَاب وَمن شعره من الطَّوِيل
(سرى طيفه وَهنا ولي يه مطمع ... وبرق الْأَمَانِي فِي دجى الهجر يلمع)
(ويأبى خفير الهجر غدرة طيفه ... فَلم أدر فِي مهوى الْهوى كَيفَ أصنع)
(لقد يحمد الْقَوْم السرى فِي صباحهم ... زمَان تلاق عِنْده الشمل يجمع)
(وَهَا أَنا أسرِي فِي ظلامي وإنني ... أَذمّ صباحي وَالْخَلَائِق هجع)
(أَقُول لصبري أَنْت ذخري لَدَى النَّوَى ... وَذخر الْفَتى حَقًا شَفِيع مُشَفع)
(فسكن مَاء الْعين نَارِي وَإِنَّمَا ... هَوَاء الْهوى فِي تربة الطيف أَنْفَع)
(رَأَيْت معيدي الخيال فَقَالَ من ... جُهَيْنَة أَخْبَار المعيدي تسمع)(21/85)
(دَعَوْت إِلَى جَيش الْهوى جُنْدُب الْهوى ... فولى وطرف الْعين فِي النّوم يرتع)
(وَقَالَ لنَفْسي لَا تموتي صبَابَة ... لَعَلَّ زَمَانا قد مضى لَك يرجع)
(لم يبْق مني غير مَا قلت منشداً ... حشاشة نفس ودعت يَوْم ودعوا)
قلت شعر متوسط واستعارات بعيدَة وَأَرَادَ بقوله فسكن مَاء الْعين الْبَيْت أَن يذكر الْأَرْبَع عناصر كَمَا قَالَ الآخر من الطَّوِيل
(جفون تذكي مَاؤُهَا نَار حسرتي ... إِذا الرّيح جَاءَتْنِي بريا ترابها)
فَلم يلطف مثل هَذَا
3 - (عَليّ بن سَالم)
الْعَبَّادِيّ عَليّ بن سَالم بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْعَبَّادِيّ من أهل الحديثة قدم بَغْدَاد وملح بهَا الأكابر
وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة وَمن شعره من الْبَسِيط
(هم الْفَتى من طلاب الْمجد مُتَّصِل ... وصادق الْعَزْم مقرون بِهِ الأمل)
(والمرء ساع فإمَّا بَالغ أملاً ... أقاصر يختليه دونه الْأَجَل)
(فانهض إِلَى شرف الْعليا وَكن رجلا ... تسمو بِهِ همم من دونهَا زحل)
(وَلَا تخف مَا يخَاف الْقَوْم من عطب ... فِي مأزق لحم يعنو لَهُ البطل)
(فالعمر منتهب والغمر مستلب ... والعيش منقضب أَيَّامه دوَل)
(لَا تقنعاً بالأماني والخمول فَمَا ... نَالَ الْمَعَالِي قَدِيما معشر خمل)
(وَلَا حوى السَّبق فِي الغايات منسدر ... فِي الملاهي عَاجز وكل)
(وَلَا تقم بديار الْهون مقتنعاً ... ببلغة فالمعالي أَصْلهَا النَّقْل)
(وَلَا مُفَارقَة الأغماد مَا شكرت ... بيض الصفاح وَلَا الخيطة الذبل)
(وَلَا سما الدّرّ والأصداف موطنه ... مفارقاً دونهَا الْأَبْصَار تنعزل)
قلت شعر متوسط
ابْن أبي طَلْحَة الْهَاشِمِي عَليّ بن سَالم أَبُو الْحسن ابْن أبي طَلْحَة الْهَاشِمِي مولى(21/86)
الْعَبَّاس الْجَزرِي نزيل حمص توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
عَلَاء الدّين الحصني وَالِي زرع عَليّ بن سَالم بن سلمَان عَلَاء الدّين الحصني وَالِي زرع صودر وَطلب مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم وعصر فشنق نَفسه بالعذراوية سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست مائَة سمع الْكثير من ابْن عبد الدَّائِم وَخلق وَكتب الْأَجْزَاء وَحدث ووقف أجزاءه
القَاضِي عَلَاء الدّين الْكِنَانِي عَليّ بن سَالم بن عبد النَّاصِر القَاضِي عَلَاء الدّين الْكِنَانِي الْغَزِّي الشَّافِعِي أحد الاخوة كَانَ حسن السمت وَالْوَجْه والعمة تَامّ الْقَامَة بَاشر التوقيع بغزة بعد شمس الدّين بن مَنْصُور لما)
توجه إِلَى طرابلس فِيمَا أَظن وَغَضب عَلَيْهِ الْأَمِير سيف الدّين تنكز وعزله ثمَّ إِنَّه بَاشر التدريس بالقدس الشريف بِالْمَدْرَسَةِ الجراحية والمواعيد بالصخرة الشَّرِيفَة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فِيمَا أَظن وَكَانَ يتحدث بالتركي وَله قدرَة عَظِيمَة على مداخلة النَّاس والاجتماع بأرباب السيوف وأرباب الأقلام
وَكتب إِلَيّ أبياتاً أَيَّام غضب الْأَمِير سيف الدّين تنكز عَلَيْهِ الْتزم فِيهَا الجناس وَهِي من الوافر
(غَدا حَالي بِحَمْد الله حَالي ... وبالي قد تخلص من وبالي)
(وَرَاح الْخَيْر منحل العزالي ... عَليّ وَقيل ذَا كَانَ العزالي)
(وحزت الْعِزّ مذ يممت حيراً ... كبحر لَا يكدر بالقلال)
(فحياني وأحياني وَأبْدى ... مَكَارِم لم يشبها بالقلالي)
(وأرشفني على ظمإ زلالاً ... بمحض الْجُود فاكتمل الدوا لي)
(وداوى مَا أكابد من غرام ... بمحض الْجُود فاكمل الدوالي)
(وشنف مسمعي ببديع لفظ ... فَقلت أتيت بِالسحرِ الْحَلَال)
(فزدني من قريضك يَا خليلي ... فَإِن بليغ لفظك قد حلا لي)
(أبث لديك خطباً قد دهاني ... نَوَائِب أذهب جاهي وَمَالِي)
(وَقد فني اصْطِبَارِي واحتمالي ... وَقد خَان المناصح والموالي)(21/87)
(فَعجل يَا أَخا العلياء جبري ... وعاملني مُعَاملَة الموَالِي)
(فقد ذقت المنايا لَا المنايا ... إِمَامًا قد تفرد بالمعالي)
(وَقد قدتني الأحزان قداً ... بوخذ الْبيض والسمر العوالي)
(وأنبني ونيبني زماني ... وصيرني على جمر المقالي)
(وَأَنت أَبَا الصفاء تقيم عُذْري ... وتغضي عَن عُيُوب فِي مقالي)
(أيا من علمه عَم البرايا ... وَحشِي حلمه فِي كل خَالِي)
(فبلغني وَلَا ترجئ رجائي ... فسيف الْغم يَا ابْن الْعم خَال)
(رجوتك من قديم ثمَّ لما ... عَلَوْت مكانةً زَاد الرجا لي)
(فلاحظني بِعَين الْجَبْر واعطف ... حماك الله من غلب الرِّجَال)
قلت شعر متوسط وَقد خانته العوالي والمعالي وتكررت مَعَه لَفْظَة لي بلام الْجَرّ وياء)
الْمُتَكَلّم وَهُوَ إيطاء وَبَعْضهمْ تسمح فِي ذَلِك وَكتب إِلَيّ نظماً ونثراً كثيرا وَهَذَا نموذج مِنْهُ يَكْفِي
3 - (عَليّ بن سعد)
أَبُو الْفرج الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن سعد بن الْحسن بن قضاعة أَبُو الْفرج كَانَ أديباً شَاعِرًا مدح الإِمَام المقتفي من شعره من الطَّوِيل
(نبت بمقام الأعوجي الأباطح ... وَضَاقَتْ عَلَيْهِ سرحها والمسارح)
(فطافت بِهِ بعد الْكرَى عزماته ... فجذ عناناً من يَد الذب جامح)
(وَمن يخْش هَذَا الْمَوْت مدرك ... يَعش مثل من رضت عَلَيْهِ الصفائح)
(وَمن يلْتَمس جلّ العني بحسامه ... ينل فَضله الداني وَمن هُوَ نازح)
(فَلَا خير فِي يَوْم دنا من أصيله ... وَلم يُعْط فِيهِ أَو تسل صَفَائِح)
(أَبى الله لي أَن أطْعم الضيم والقنا ... ظماء تباريها الْجِيَاد السوابح)
(وَأَن أتخشى الدَّهْر أَو أَن أرى ... بِهِ جزوعاً وَإِن أكدت عَلَيْهِ المنارح)
(فلست أَخا الهيجاء إِن لم أثر بهَا ... ثرى البيد يتلوها أزل وجارح)
(وَإِن لم أقِم فِي كل حَيّ إغارةً ... يقوم عَلَيْهَا فِي الصَّباح النوائح)(21/88)
(وَإِنِّي وَإِن كَانَت عداتي كَثِيرَة ... فَمَا لي إِلَّا مشرفي وقارح)
ابْن مسْهر الْموصِلِي عَليّ بن سعد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن عبد القاهر بن أَحْمد بن مسْهر مهذب الدّين أَبُو الْحسن الشَّاعِر كَانَ صَدرا رَئِيسا مدح الْمُلُوك والكبار وديوانه فِي مجلدين توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَقيل سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَقد أناف على التسعين وَمن شعره من الْكَامِل
(الوجد مَا قد هيج الطللان ... مني وأذكرني حمام البان)
(أَنا والحمائم حَيْثُ تندب شجوها ... فَوق الأرائك سحرة سيان)
(فَأَنا الْمَعْنى بالقدود أمالها ... شرخ الشَّبَاب وَهن بالأغصان)
مِنْهَا فِي المديح)
(فافخر فَإنَّك من سلالة معشر ... عقدوا عمائمهم على التيجان)
(كل الْأَنَام بَنو أَب لكنما ... بِالْفَضْلِ تعرف قيمَة الْإِنْسَان)
وَمِنْه فِي صفة فَهد من الْبَسِيط
(من كل أهرت بَادِي السخط مطرح ال ... حَيَاء جهم الْمحيا سيء الْخلق)
(وَالشَّمْس مذ لقبوها بالغزالة أع ... طته الرشا حسداً من لَوْنهَا اليقق)
(ونقطته حباء كي يسالمها ... على المنايا نعاج الرمل بالحدق)(21/89)
(هَذَا وَلم يبرزا يَوْمًا لناظره ... مَعَ سلم جَانِبه إِلَّا على فرق)
وَمِنْه فِي صفة الْخَيل
(سود حوافرها بيض جحافلها ... صبغ تولد بَين الصُّبْح والغسق)
(من طول مَا وطِئت ظهر الدجا خبباً ... وَطول مَا كرعت فِي منهل الفلق)
قَالَ ابْن خلكان وَهَذِه الأبيات الَّتِي فِي الفهد مَعَ أَنَّهَا جَيِّدَة مَأْخُوذَة من أَبْيَات الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد السراج الصُّورِي وَكَانَ معاصره من جملَة قصيدة من الْبَسِيط
(شتن البراثن فِي فِيهِ وَفِي يَده ... مَا فِي الصوارم والعسالة الذبل)
(تنافس اللَّيْل فِيهِ وَالنَّهَار مَعًا ... فقمصاه بجلباب من الْمقل)
(وَالشَّمْس مُنْذُ دَعُوهَا بالغزالة لم ... تبرز لناظره إِلَّا على وَجل)
قلت وَأَخذه أَيْضا الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود أَنْشدني لنَفسِهِ قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ يصف الْعقَاب من جملَة رِسَالَة من المتقارب
(ترى الطير والوحش فِي كفها ... ومنقارها ذَا عِظَام مزاله)
(فَلَو أمكن الشَّمْس من خوفها ... إِذا طلعت مَا تسمت غزاله)
وَمن شعر ابْن مسْهر من المتقارب
(وَلما اشتكيت اشْتَكَى كل من ... على الأَرْض واعتل شَرق وَغرب)
(لِأَنَّك قلب لجسم الزَّمَان ... وَمَا صَحَّ جسم إِذا اعتل قلب)
وَمِنْه من المديد
(حسرت عَن يَوْمنَا النوب ... واكتسى من نوره العشب)
(واستقامت فِي مجرتها ... بالأماني السَّبْعَة الشهب)
)
(يَا خليلي أَي مصطبح ... فِيهِ للذات مصطحب)
(وثغور الزهر ضاحكةً ... ودموع الْقطر تنسكب)
(وَلنَا فِي كل جارحةٍ ... من غنا أطياره طرب)
(إسقنيها بنت دسكرة ... هِيَ أم حِين تنتسب)
(خندريس دون مدَّتهَا ... جَاءَت الْأَزْمَان والحقب)
(طَاف يجلوها لنا رشأ ... قصرت عَن لحظه القضب)
(أوقدتها نَار وجنته ... فَهِيَ فِي كفيه تلتهب)(21/90)
(وَلها من ذَاتهَا طرب ... فَلهَذَا يرقص الحبب)
قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب قَرَأت فِي تَارِيخ السَّمْعَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا الْفَتْح عبد الرَّحْمَن بن أبي الْغَنَائِم مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْغفار بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن الْوَزير أبي الصَّقْر إِسْمَاعِيل بن بلبل الشَّيْبَانِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الاخوة البيع الأديب الْكَاتِب مذاكرة يَقُول رَأَيْت فِي مَنَامِي منشداً ينشدني هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من الطَّوِيل
(أعاتب فِيك اليعملات على السرى ... وأسأل عَنْك الرّيح من حَيْثُ هبت)
(وأطبق أحناء الضلوع على جوى ... جَمِيع وصبر مُسْتَحِيل مشتت)
قَالَ أَبُو الْفَتْح فَلَمَّا انْتَبَهت جعلت دأبي السُّؤَال عَن قَائِل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مُدَّة فَلم أجد مخبرا عَنْهُمَا وَمضى على ذَلِك مُدَّة سِنِين ثمَّ اتّفق نزُول أبي الْحسن عَليّ بن مسْهر الْمَذْكُور فِي ضيافتي فتجارينا فِي بعض النكت إِلَى ذكر المنامات فَذكرت لَهُ حَال الْمَنَام الَّذِي رَأَيْته وأنشدته الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين فَقَالَ أقسم بِاللَّه أَنَّهُمَا من شعري من جملَة قصيدة وأنشدني مِنْهَا
(إِذا مَا لِسَان الدمع نم على الْهوى ... فَلَيْسَ بسر مَا الضلوع أجنت)
(فو الله مَا أَدْرِي عَشِيَّة ودعت ... أناحت حمامات اللوى أم تغنت)
(وأعجب من صَبر القلوص الَّتِي سرت ... بهودجك المزموم أَنى اسْتَقَلت)
أعاتب فِيك اليعملات الْبَيْتَيْنِ
قَالَ فعجبنا من هَذَا الِاتِّفَاق وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب حكى لي كَمَال الدّين ابْن الشهرزوري أَنه كَانَ إِذا أعجبه معنى لشاعر أَو بَيت عمل عَلَيْهِ قصيدة وادعاه لنَفسِهِ
وَاجْتمعَ مرّة هُوَ والأبيوردي وَهُوَ لَا يعرف ابْن مسْهر فَجرى حَدِيث ابْن مسْهر وَأَنه سرق)
بَيت الأبيوردي فَقَالَ ابْن مسْهر بل الأبيوردي سرق شعري قلت يُرِيد قَوْله من المديد
(وَلها من نَفسهَا طرب ... فَلهَذَا يرقص الحبب)
3 - (عَليّ بن سعيد)
ابْن أثردي الطَّبِيب عَليّ بن سعيد بن أثردي أَبُو الْحسن الطَّبِيب كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ من حذاق الْأَطِبَّاء وَله أدب وَفضل قَالَ محب الدّين ابْن النجار علقت عَنهُ توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس مائَة أَو فِيمَا بعْدهَا فِي بعض الحبوس قَالَ أَظُنهُ بواسط وَلم يبلغ السِّتين(21/91)
الْحَافِظ عَلَيْك الرَّازِيّ عَليّ بن سعيد بن بشير بن مهْرَان أَبُو الْحسن الرَّازِيّ الْحَافِظ نزيل مصر كَانَ يعرف بعليك والعجم إِذا أَرَادوا أَن يصغروا اسْما زادوه كافاً فَهِيَ عَلامَة التصغير فِي لسانهم توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
البيع الْفَاسِد الشَّافِعِي عَليّ بن سعيد بن الْحسن بن عَليّ بن العريف أَبُو الْحسن الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِالْبيعِ الْفَاسِد الْبَغْدَادِيّ كَانَ حنبلي الْمَذْهَب فانتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَصَحب أَبَا الْقَاسِم ابْن فضلان وتفقه عَلَيْهِ وَكَانَ خصيصاً بِهِ وَهُوَ الَّذِي لقبه بِالْبيعِ الْفَاسِد لِأَنَّهُ كَانَ قد حفظه مَسْأَلَة البيع الْفَاسِد هَل يَصح أم لَا وَكَانَ يكثر تكرارها وَالسُّؤَال عَنْهَا والاعتراض فِيهَا قَالَ محب الدّين ابْن النجار وَيُقَال أَنه صَار فِي آخر عمره متشيعاً غالياً ينتحل مَذْهَب الإمامية
وَكَانَ من محَاسِن البغداديين وظرفائهم توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
الْعَسْكَر الْمُحدث عَليّ بن سعيد بن عبد الله أَبُو الْحسن العسكري من أهل عَسْكَر سامراء كَانَ من حفاظ الحَدِيث صنف الشُّيُوخ والمسند وَغَيره وَحدث بالكثير بأصبهان ونيسابور وجرجان وَكَانَ من الثِّقَات الْأَثْبَات سمع من عَليّ بن مُسلم الطوسي وَعبد الرَّحِيم بن سَلام بن الْمُبَارك الوَاسِطِيّ وَعبد السَّلَام بن عبيد ابْن أبي فَرْوَة النصيبي وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وطاهر بن خَالِد نزار الايكي وَغَيرهم وروى عَنهُ أهل إصبهان مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن الْمَدِينِيّ وَالْقَاضِي أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْعَسَّال وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مائَة)
ابْن ذؤابة الْمُقْرِئ عَليّ بن سعيد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْقَزاز الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بِابْن ذؤابة كَانَ من جلة أهل الْأَدَاء ضابطاً محققاً توفّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة
الْعَبدَرِي الشَّافِعِي عَليّ بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحرز الْعَبدَرِي أَبُو الْحسن(21/92)
ابْن أبي عُثْمَان الْفَقِيه الشَّافِعِي من أهل ميورقة من الأندلس نزل بَغْدَاد واستوطنها قَرَأَ على الشَّيْخ أبي إِسْحَق الفيروزآبادي وعَلى أبي بكر الشَّاشِي وبرع وصنف فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف كتبا حَسَنَة وَكَانَ دينا حسن الطَّرِيقَة سمع من القاضيين أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهم وَكَانَ يؤم بالوزير أبي شُجَاع وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
ابْن حمامة الشَّاعِر عَليّ بن سعيد بن حمامة أَبُو الْحسن الشَّاعِر الْمَشْهُور صنف كتابا سَمَّاهُ نفائس الأعلاق فِي الْعرُوض توفّي سنة أَربع وست مائَة وَقيل فِيهِ عَليّ بن إِسْمَاعِيل وَقد تقدم فِي مَوْضِعه وَأَظنهُ الْمَعْرُوف بِابْن السيوري
ابْن القيني المغربي عَليّ بن سعيد أَبُو الْحسن عَليّ ابْن القيني بِالْقَافِ وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا نون قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ شَاعِرًا مَسْتُورا لطيفاً قَلِيل الشّعْر لَا يقدر على التَّطْوِيل كثير الرِّوَايَة ينْسَخ شعر أبي الطّيب عَن صَدره آخِره عَن أَوله حفظا لَا يسْقط مِنْهُ حرفا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ يفعل فِي شعر أبي تَمام وَكَانَ فكهاً مزاحا مزوراً للحكايات ظريف النادرة أَخذ عهد هَؤُلَاءِ الْقَوْم قبل قتل أَوْلِيَائِهِمْ بِنصْف شهر وَكَانَ مَوْصُوفا مَشْهُورا بالبعد والحرمان فَلَمَّا أَصَابَتْهُم تِلْكَ الْوَاقِعَة هَمت الْعَامَّة بقتْله فَقَالَ مَا لكم قبحكم الله هَذَا جزائي الَّذِي فِي مَذْهَبهم حَتَّى نحس وظفر ثمَّ ظفره الله بهم فَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم صدق وَالله مَا تعمد ذَلِك إِلَّا بغضاً فيهم حَتَّى هَلَكُوا وَإِلَّا فَهُوَ سني مَحْض
وتخلص فنجا إِلَى دَار الدَّاعِي وَكَانَ ينافس الروافض ويزري بهم طبعا مِنْهُ لَا اسْتِعْمَالا فيريدون قَتله وَيَقُولُونَ مَا أَنْت وَالله منا وَلَا نَحن مِنْك وَإنَّك لمن عويجا أهل القيروان)
النواصب فَيَقُول كَذبْتُمْ عَليّ بل أَنا كَمَا قَالَ الله عز وَجل مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَالله لَو نفعتني شهادتكم عِنْد ابْن خلدون لكتمتموها وَكَانَ الدَّاعِي يداريه ويصدهم عَنهُ وَإِلَيْهِ تنسي القصيدة الَّتِي وجدت فِي دَار الدَّاعِي يَوْم انتقالهم إِلَى قصر الْمَنْصُور حِين ضَاقَ بهم الْأَمر وَكثر فيهم الْقَتْل أَولهَا من الْخَفِيف
(الْجِهَاد الْجِهَاد قومُوا حمية ... قد تمادت فِي هرها الْمَالِكِيَّة)
وفيهَا كفر عَظِيم خَارج عَن الْقيَاس وَسَب شنيع فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أَصْحَابه وأزواجه رَضِي الله عَنْهُم وجاوبه عَنْهَا جمَاعَة من شعرائنا وَبَعْضهمْ يزْعم أَنَّهَا لعماد بن جميل(21/93)
وَسمعت من ينحلها ابْن المراق وَهِي بِكَلَامِهِ أشبه مِنْهَا بِكَلَام ابْن جميل وَابْن القيني لَا سِيمَا أَن التَّطْوِيل لَيْسَ من طاقته وَلم أحفظ لَهُ شعرًا إِلَّا قَوْله من الوافر
(شربنا والقناني مترعات ... وشمس الْأُفق تطلب العشيا)
(أعاطي بِالْيَمِينِ شُمُول رَاح ... أراحتني وَقد غلبت عليا)
(إِلَى أَن راعني صَوت الْمُنَادِي ... بحي على الصَّلَاة فَقُمْت حَيا)
(وَلَوْلَا الصَّاد لم أعها وَلَكِن ... تَخَيَّلت الصبوح بمسمعيا)
لِأَن أَكثر شعره على قلته من هَذَا النَّوْع وَكَانَ ضنيناً بِهِ كَاتِما لَهُ وَخرج مَدِينَة باعايه فِيمَن خرج من أهل مذْهبه سنة تسع وَأَرْبع مائَة فَقتلُوا هُنَالك انْتهى قلت وَلابْن القيني ذكر فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أَحْمد الطَّبِيب الْمَعْرُوف بِابْن الماعز
الْعَادِل الْوَزير ابْن السلار عَليّ بن السلار الْوَزير أَبُو الْحسن الملقب بالعادل الْكرْدِي العبيدي سيف الدّين وَزِير الظافر صَاحب مصر كَانَ كردياً زرزارياً رَبِّي فِي الْقصر وتنقل بِهِ الْحَال فِي الولايات بالصعيد وَغَيره إِلَى أَن تولى الوزارة وَكَانَ شهماً مقداماً مائلاً إِلَى أهل الْعلم وَالصَّلَاح سنياً شافعياً
ولي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة واحتفل بالسلفي وأكرمه وَبنى لَهُ الْمدرسَة العادلية وَلَيْسَ بالثغر شافعية غَيرهَا وَلما كَانَ جندياً دخل على الْمُوفق بن مَعْصُوم التنيسِي مُتَوَلِّي الدِّيوَان وشكا إِلَيْهِ غَرَامَة لَزِمته فِي ولَايَته بالغربية فَقَالَ إِن كلامك لَا يدْخل أُذُنِي فحقدها عَلَيْهِ فَلَمَّا وزر اختفى الْمُوفق فَنُوديَ فِي الْبَلَد من أخفاه أهْدر دَمه فَأخْرجهُ الَّذِي خبأه عِنْده فَخرج فِي زِيّ امْرَأَة فأحضر الْعَادِل لوح خشب ومسماراً طَويلا وَعمل اللَّوْح تَحت أُذُنه وَضرب المسمار)
فِي الْأذن الْأُخْرَى فَكَانَ كلما صرخَ قَالَ لَهُ دخل كَلَامي فِي أُذُنك أَو لَا
ثمَّ إِن الْعَادِل قَتله نصر ابْن امْرَأَته على فرَاشه بِاتِّفَاق من أُسَامَة بن منقذ وَنصر هَذَا هُوَ الَّذِي قتل الظافر بن الْحَافِظ أَيْضا وَكَانَت قَتله الْعَادِل سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة لِأَن أَبَا الْفضل عَبَّاس بن أبي الْفتُوح بن يحيى بن تَمِيم بن الْمعز بن باديس وصل إِلَى الْقَاهِرَة وَهُوَ صبي وَمَعَهُ أمه بلازة فَتَزَوجهَا الْعَادِل وأقامت عِنْده زَمَانا ورزق عَبَّاس ولدا سَمَّاهُ نصرا(21/94)
وَكَانَ عِنْد جدته فِي دَار الْعَادِل والعادل يحنو عَلَيْهِ ويعزه ثمَّ إِن الْعَادِل جهز عباساً إِلَى الشَّام للْجِهَاد وَكَانَ مَعَه أُسَامَة بن منقذ فَلَمَّا وصلا إِلَى بلبيس وَهُوَ مقدم الْجَيْش تَذَاكر طيب الديار المصرية وَمَا هِيَ عَلَيْهِ وَكَونه يفارقها وَيتَوَجَّهُ للقاء الْعَدو ومقاساة البيكار فَأَشَارَ عَلَيْهِ أُسَامَة على مَا قيل بقتل الْعَادِل واستقلاله بالوزارة ويستريح من البيكار وتقرر بَينهمَا أَن نصرا ولد عَبَّاس يقتل الْعَادِل فَإِنَّهُ إِذا رقد الْعَادِل فَإِنَّهُ مَعَه فِي الدَّار وَلَا يُنكر عَلَيْهِ فَقتله نصر
وَكَانَ السلار وَالِد الْعَادِل صُحْبَة سقمان بن أرتق صَاحب الْقُدس فَلَمَّا أَخذ الْأَفْضَل الْقُدس من سقمان وجد طَائِفَة من جمَاعَة سقمان فضمهم إِلَيْهِ الْأَفْضَل وَكَانَ فِي تِلْكَ الْجَمَاعَة السلار وَالِد الْعَادِل فَأَخذه وضمه إِلَيْهِ وحظي عِنْده وَسَماهُ ضيف الدولة وَأكْرم وَلَده هَذَا وَجعله فِي صبيان الْحجر عِنْدهم وَذَلِكَ أَن يكون لكل وَاحِد من صبيان الْحجر فرس وعدة فَإِذا قيل لَهُ عَن شغل مَا يحْتَاج أَن يتَوَقَّف فِيهِ فَإِذا تميز صبي من هَؤُلَاءِ قدم للإمرة فترجح الْعَادِل وتميز بِصِفَات فَأمره الْحَافِظ وولاه إسكندرية وَكَانَ يعرف بِرَأْس الْبَغْل ثمَّ كَانَ من أَمر وزارته وَمَوته مَا كَانَ
كَمَال الدّين الشَّافِعِي عَليّ بن سَلام وَالِد الْمُفْتِي شرف الدّين وَقد تقم ذكره فِي المحمدين كَانَ على هَذَا يدعى كَمَال الدّين وَهُوَ دمشقي شَافِعِيّ توفّي شَابًّا فِي حريق اللبادين تِلْكَ اللَّيْلَة سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست مائَة
القَاضِي ضِيَاء الدّين الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن سليم بن ربيعَة القَاضِي الْفَقِيه الأديب أقضى الْقُضَاة ضِيَاء الدّين الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي
تنقل فِي قَضَاء النواحي نَحوا من سِتِّينَ سنة من جِهَة ابْن الصايغ وَغَيره أكبرها طرابلس)
وأعمالها وناب بِدِمَشْق أَيَّامًا سنة تسع وَعشْرين وَله نظم كثير من ذَلِك نظم التَّنْبِيه فِي سِتَّة عشر ألف بَيت وَكَانَ منطبعاً بساماً عَاقِلا مَاتَ بالرملة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَله أَربع وَثَمَانُونَ سنة
3 - (عَليّ بن سلمَان)
الأديب الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن سلمَان الأديب الْبَغْدَادِيّ أَبُو الْحسن أحد الْفُضَلَاء(21/95)
المبرزين والظرفاء الْمَشْهُورين قَالَ الأبيوردي فَمن مليح مَا أسمعنيه أَنه قَالَ سَأَلنَا أَبَا الْقَاسِم ابْن ناقياء البغداي عَن المتنبي وَابْن نباتة والرضي فَقَالَ إِن مثلهم عِنْدِي مثل رجل بني أبنية شاهقة وقصوراً عالية وَهُوَ المتنبي فجَاء آخر وَضرب حولهَا سرادقاً وخيماً وَهُوَ ابْن نَبَاته ثمَّ جَاءَ الرضي ينزل تَارَة عِنْد هَذَا وَتارَة عِنْد ذَاك
3 - (عَليّ بن سُلَيْمَان)
الْأَخْفَش الصَّغِير عَليّ بن سُلَيْمَان بن الْفضل أَبُو الْحسن الْأَخْفَش الصَّغِير والأخفش أَرْبَعَة وَقد ذكرتهم فِي الألقاب فِي حرف الْهمزَة توفّي الْأَخْفَش هَذَا سنة خمس عشرَة وَثَلَاث مائَة قَالَ المرزباني وَلم يكن بالمتسع فِي الرِّوَايَة للْأَخْبَار وَالْعلم والنحو وَمَا عَلمته صنف شَيْئا الْبَتَّةَ وَلَا قَالَ شعرًا وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن مسَائِل النَّحْو ضجر وانتهر كثيرا مِمَّن يواصل مساءلته ويتابعها
قَالَ وشهدته يَوْمًا وَقد صَار إِلَيْهِ رجل من حلوان كَانَ يُكرمهُ فحين رَآهُ قَالَ لَهُ من الْكَامِل
(حياك رَبك أَيهَا الْحلْوانِي ... وَكَفاك مَا يَأْتِي من الْأَزْمَان)
ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا وَقَالَ مَا يحسن من الشّعْر إِلَّا هَذَا وَمَا يجْرِي مجْرَاه وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم فِي كتاب الفهرست لَهُ من التصانيف كتاب الأنواء كتاب تَفْسِير رِسَالَة كتاب سِيبَوَيْهٍ كتاب التَّثْنِيَة وَالْجمع كتاب شرح سِيبَوَيْهٍ كتاب الْحداد قَالَ ياقوت وَوجدت أهل مصر ينسبون إِلَيْهِ كتابا فِي النَّحْو هذبه أَحْمد بن جَعْفَر الدينَوَرِي وَسَماهُ الْمُهَذّب
وَكَانَ ابْن الرُّومِي الشَّاعِر كثير الهجاء للأخفش لِأَن ابْن الرُّومِي كَانَ كثير الطَّيرَة وَكَانَ الْأَخْفَش كثير المزح وَكَانَ يباكره قبل كل أحد ويطرق الْبَاب عَلَيْهِ فَيَقُول من بِالْبَابِ فَيَقُول الْأَخْفَش حَرْب بن مقَاتل وَمَا أشبه ذَلِك فَقَالَ لَهُ اختر على أَي قافية تُرِيدُ أَن أهجوك فَقَالَ)(21/96)
على رُوِيَ قصيدة دعبل الشينية فَقَالَ من المتقارب
(أَلا قل لنحويك الْأَخْفَش ... أنست فقصر وَلَا توحش)
(وَمَا كنت فِي عيه مقصرا ... وأشلاء أمك لم تنبش)
مِنْهَا
(أما والقريض ونقاده ... وبحشك فِيهِ مَعَ البحش)
(ودعواك عرفان نقاده ... بِفضل النقي على الأنمش)
(لَئِن جِئْت ذَا بشر حالك ... لقد جِئْت ذَا نسب أبرش)
(وَمَا وَاحِد جَاءَ من أمة ... بِأَعْجَب من ناقد أخفش)
(كَأَن سنا الشتم فِي عرضه ... سنا الْفجْر فِي السحر الأغبش)
(أَقُول وَقد جَاءَنِي أَنه ... ينوش هجائي مَعَ النوش)
(إِذا أغطش الدَّهْر أَحْكَامه ... سَطَا أَضْعَف الْقَوْم بالأبطش)
(وَمَا كل من أفحشت أمه ... تعرض للمقذع الأفحش)
وَهِي طَوِيلَة فَلَمَّا سَار هجاؤه جمع أَصْحَابه وَكَانَ للأخفش جمَاعَة أَصْحَاب من الرؤساء ودخلوا على ابْن الرُّومِي فَكف عَن هجائه وسألوه أَن يمدحه فَقَالَ من الْخَفِيف
(ذكر الْأَخْفَش الْقَدِيم فَقُلْنَا ... إِن للأخفش الحَدِيث لفضلا)
(وَإِذا مَا حكمت وَالروم قومِي ... فِي كَلَام مُعرب كَانَ عدلا)
(أَنا بَين الْخُصُوم فِيهِ غَرِيب ... لَا أرى الزُّور للمحاباة أَهلا)
(وَمَتى قلت بَاطِلا لم ألقب ... فيلسوفاً وَلم أسم هرقلا)
وَقدم الْأَخْفَش مصر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَخرج مِنْهَا سنة سِتّ وَثَلَاث مائَة إِلَى حلب مَعَ أَحْمد بن بسطَام صَاحب الْخراج وَلم يعد إِلَى مصر وَضَاقَتْ بِهِ الْحَال إِلَى أَن أكل السلجم النيء فَقيل أَنه قبض على قلبه فَمَاتَ فَجَاءَهُ فِي شعْبَان وَكَانَ قد سمع أَبَا العيناء وثعلباً والمبرد وَالْفضل الزيدي
الفرغليطي الشَّافِعِي عَليّ بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن سُلَيْمَان أَبُو الْحسن الْمرَادِي(21/97)
الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الشقوري الفرغليطي بِالْفَاءِ قبل الرَّاء وغين مُعْجمَة قبل اللَّام وَبعدهَا يَاء آخر الْحُرُوف وطاء مُهْملَة)
هَكَذَا وجدته مُقَيّدا أَبُو الْحسن قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الْفَقِيه الشَّافِعِي الْحَافِظ خرج من الأندلس وَدخل بَغْدَاد وَكَانَ ثبتاً صلباً فِي السّنة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
أَبُو الطريف اليمامي عَليّ بن سلمَان أَبُو الطريف السّلمِيّ اليمامي الشَّاعِر قدم بَغْدَاد فوصله عَليّ بن يحيى بن المنجم بالمعتمد على الله فمدحه وَصَارَ من شعرائه وَمن شعره من الْبَسِيط
(أتهجرون فَتى أغري بكم تيها ... حَقًا لدَعْوَة صب أَن تجيبوها)
(أهْدى إِلَيْكُم على نأي تحيته ... حيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو فردوها)
(شيعتهم فاسترابوني فَقلت لَهُم ... إِنِّي بعثت مَعَ الأجمال أحدوها)
(قَالُوا فَمَا نفس يَعْلُو كَذَا صعداً ... وَمَا لعينك مَا ترقا مآقيها)
(قلت التنفس من تدآب سيركم ... ودمع عَيْني تجْرِي من قذى فِيهَا)
(حَتَّى إِذا ارتحلوا وَاللَّيْل معتكر ... خفضت فِي جنحه صوتي أناديها)
(يَا من بهَا أَنا هيمان ومختبل ... هِيَ لي إِلَى الْوَصْل من عُقبى أرجيها)
حيدة النَّحْوِيّ عَليّ بن سُلَيْمَان أَبُو الْحسن الملقب حيدة اليمني النَّحْوِيّ التَّمِيمِي كَانَ من وُجُوه أهل الْيمن وأعيانهم علما ونحواً وشعراً صنف كتبا مِنْهَا كتاب فِي النَّحْو سَمَّاهُ كشف الْمُشكل فِي مجلدين وَقَالَ فِيهِ يمدحه من الْكَامِل(21/98)
(صنفت للمتأدبين مصنفاً ... سميته بِكِتَاب كشف الْمُشكل)
(سبق الْأَوَائِل مَعَ تَأَخّر عصره ... كم آخر أزرى بِفضل الأول)
(قيدت فِيهِ كلما قد أرْسلُوا ... لَيْسَ الْمُقَيد كَالْكَلَامِ الْمُرْسل)
وَمن شعره يحصره جمع التكسير من الطَّوِيل
(سَأَلت عَن التكسير فَاعْلَم بِأَنَّهَا ... ثَمَانِيَة أوزان جمع المكسر)
(فَأَرْبَعَة أوزان كل مقلل ... وَأَرْبَعَة أوزان كل مكثر)
(فعال وأفعال وَفعل وأفعل ... وأفعلة مِنْهَا وفعلان فَانْظُر)
(وَمِنْهَا فعول يَا أخي فعلة ... وتمثيلها إِن كَانَ لم تتَصَوَّر)
(جمالب وأفراس وَأسد وأكبش ... وأكسية حمر لفتيان حمير)
)
(أَتَانَا عشَاء فِي ربوع لفتية ... من التغلبيين الْكِرَام ويشكر)
(وكل خماسي إِذا مَا جمعته ... فآخره فاحذف وَلَا تتعثر)
(فتجمع قرطعباً قراطع سالكاً ... بِهِ مَسْلَك الْجَمِيع الرباعي الموقر)
قَالَ ياقوت قلت هَذَا عجب مِمَّن يصنف كتابا كَبِيرا فِي النَّحْو وَيَقُول جمع المكثر أَرْبَعَة أوزان وَهِي تَجِيء على نَحْو من خمسين وزنا قلت
الزهراوي الطَّبِيب عَليّ بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الزهراوي قَالَ ابْن أبي أصيبعة كَانَ عَالما بِالْعدَدِ والهندسة معتنياً بِعلم الطِّبّ وَله كتاب شرِيف فِي الْمُعَامَلَات على طَرِيق الْبُرْهَان وَهُوَ الْكتاب الْمُسَمّى بِكِتَاب الْأَركان وَكَانَ قد أَخذ كثيرا من الْعُلُوم الرياضية عَن أبي الْقَاسِم المجريطي وَصَحبه مُدَّة
الطَّبِيب عَليّ بن سُلَيْمَان أَبُو الْحسن الطَّبِيب قَالَ ابْن أبي أصيبعة كَانَ طَبِيبا فَاضلا متقناً للحكمة والعلوم الرياضية متميزاً فِي صناعَة الطِّبّ أوحد فِي أَحْكَام النُّجُوم(21/99)
وَكَانَ فِي زمن الْعَزِيز وَولده الْحَاكِم وَلحق أَيَّام الظَّاهِر وَله من الْكتب اخْتِصَار الْحَاوِي فِي الطِّبّ كتاب الْأَمْثِلَة والتجارب والنكت وَالْأَخْبَار والخواص الطبية المنتزعة من كتب أبقراط وجالينوس وَكتاب التَّعَالِيق الفلسفية مقَالَة فِي أَن قبُول الْجِسْم التجزي لَا يقف وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا لَا يتَجَزَّأ وتعديل شكوك تلْزم مقَالَة أرسطو فِي الْأَبْصَار وتعديل شكوك كواكب الذَّنب
ابْن عَم الْمَنْصُور عَليّ بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس ولي نِيَابَة الجزيرة وَغَيرهَا وَهُوَ ابْن عَم الْمَنْصُور وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة
ابْن السباك الْحَنَفِيّ عَليّ بن سنجر الإِمَام الْعَالم تَاج الدّين ابْن قطب الدّين أبي الْيمن الْبَغْدَادِيّ ابْن السبك الْحَنَفِيّ عَالم بَغْدَاد قَالَ ولدت فِي شعْبَان سنة سِتِّينَ أَو سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وست مائَة سمع وَهُوَ كهل نصف صَحِيح البُخَارِيّ من ابْن أبي الْقَاسِم وَأَحْكَام ابْن تَيْمِية مِنْهُ وإحياء عُلُوم الدّين من كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْمُبَارك المخرمي ومسند الدَّارمِيّ من سِتّ الْمُلُوك وَله إجَازَة من أبي)
الْفضل ابْن الدباب وَمُحَمّد بن المزيح وَأخذ السَّبع عَن أَمِين الدّين مبارك بن عبد الله الْموصِلِي والمنتجب التكريتي وتفقه على ظهير الدّين مُحَمَّد بن عمر البُخَارِيّ وعَلى مظفر الدّين أَحْمد بن عَليّ بن تغلب ابْن الساعاتي صَاحب مجمع الْبَحْرين وَقَرَأَ الْفَرَائِض على أبي الْعَلَاء مَحْمُود الكلاباذي وَالْأَدب على حُسَيْن بن إياز وَحفظ اللمع فِي الْمفصل والبداية وأصول ابْن الْحَاجِب وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب بالمستنصرية وَكتب الْمَنْسُوب وَقَالَ الشّعْر وَله أرجوزة فِي الْفِقْه وَشرح أَكثر الْجَامِع الْكَبِير وَكَانَ فصيحاً بليغاً ذكياً كَبِير الشَّأْن وَمن شعره من الْخَفِيف
(هَل أرى للفراق آخر عهد ... إِن عمر الْفِرَاق عمر طَوِيل)
(طَال حَتَّى كأننا مَا اجْتَمَعنَا ... فَكَأَن التقاءنا مُسْتَحِيل)
وأنشدني تَقِيّ الدّين ابْن رَافع قَالَ أنشدنا المطري قَالَ أنشدنا المطري قَالَ أنشدنا تَاج الدّين ابْن السباك لنَفسِهِ من الْبَسِيط(21/100)
(الْأَمر أعظم مِمَّا يزْعم الْبشر ... لَا عقل يُدْرِكهُ كلا وَلَا نظر)
(فَانْظُر بِعَيْنِك أَو فاغمض جفونك واح ... ذَر أَن تَقول عَسى أَن ينفع الحذر)
(فَكل قَول الورى فِي جنب مَا هُوَ فِي ... نفس الْحَقِيقَة إِن هم فَكروا هذر)
(فَاسْتَغْفر الله قولا قد نطقت بِهِ ... مضى وَهُوَ فِي الألواح مستطر)
وأنشدني من لَفظه الْفَاضِل نجم الدّين أَو الْخَيْر سعيد بن عبد الله الدهلي الحريري صناعَة قَالَ أنشدنا لنَفسِهِ من الْخَفِيف
(يَا نَهَار الهجير قد طلت بالصو ... م كَمَا طَال ليل هجر الحبيب)
(ذَاك قد طَال بانتظار طُلُوع ... مِثْلَمَا طلت بانتظار مغيب)
وَرَأَيْت بِخَطِّهِ الْمليح الْمَنْسُوب نُسْخَة بالكشاف قل أَن رَأَيْت مثلهَا
3 - (عَليّ بن سهل)
النَّيْسَابُورِي الْمُفَسّر عَليّ بن سهل بن الْعَبَّاس أَبُو الْحسن النَّيْسَابُورِي الْمُفَسّر الْعَالم الدّين ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق وَقَالَ مَاتَ فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَوَصفه فَقَالَ نَشأ فِي طلب الْعلم وتبحر فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ من تلامذة أبي الْحسن الواحدي
الْأنْصَارِيّ الْمدنِي عَليّ بن سهل بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قدم بَغْدَاد ومدح الشَّيْخ أَبَا إِسْحَق الشِّيرَازِيّ بقصيدة رَوَاهَا عَنهُ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن عبد الرَّزَّاق الزَّعْفَرَانِي وَهِي من الْبَسِيط
(يَا من لوحظها أمضى من الأسل ... بِي مثل مَا بك فِي الأجفان من علل)
(يَا غادةً سلبت عَقْلِي محاسنها ... فالعين فِي جذل وَالْقلب فِي وَجل)
(لم تخش مني قصاصا فِي الَّذِي فعلت ... وَلَا قصاص على فتانة الْمقل)
(كحلاء تشبه حور الْعين قد منحت ... حور المدامع مَا فِيهِنَّ من كحل)(21/101)
(تمج فِي فِيك من فِيهَا إِذا انْتَبَهت ... أحلى من الْبرد الممزوج بالعسل)
الطَّبَرِيّ الطَّبِيب عَليّ بن سهل بن ربن أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ قَالَ ابْن أبي أصيبعة قَالَ ابْن النديم البغداذي الْكَاتِب عَليّ بن زيل بِاللَّامِ وَقَالَ عَنهُ إِنَّه كَانَ يكْتب للمازيار بن قَارن فَلَمَّا أسلم على يَد المعتصم قربه وَظهر فَضله بالحضرة وَأدْخلهُ المتَوَكل فِي جملَة الندماء وَكَانَ بِموضع من الْأَدَب وَهُوَ معلم الْعين زَرْبِي وَكَانَ مولده ومنشأه بطبرستان وَمن كَلَامه الطَّبِيب الْجَاهِل مستحث الْمَوْت وَله من التصانيف كتاب فردوس الْحِكْمَة جعله سَبْعَة أَنْوَاع والأنواع تحتوي على ثَلَاثِينَ مقَالَة والمقالات تحتوي على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ بَابا وَكتاب إرفاق الْحَيَاة وَكتاب تحفة الْمُلُوك وَكتاب كناس الحضرة وَكتاب مَنَافِع الْأَطْعِمَة والأشربة والعقاقير كتاب حفظ الصِّحَّة كتاب فِي الرقى كتاب فِي الْحجامَة كتاب فِي تَرْتِيب الأغذية
الرَّمْلِيّ عَليّ بن سهل بن مُوسَى الرَّمْلِيّ توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وروى)
عَنهُ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
الأديب أَبُو الْحسن عَليّ بن شاهنشاه الأديب أَبُو الْحسن قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أَظُنهُ مصرياً توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة وَمن شعره الْأَمِير أَبُو الْحسن البغداذي عَليّ بن شُجَاع بن هبة الله بن روح الْأَمِير أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
كَمَال الدّين الْمُقْرِئ الشَّافِعِي عَليّ بن شُجَاع بن سَالم بن عَليّ بن مُوسَى بن حسان بن طوق بن سَنَد بن عَليّ ابْن الْفضل بن عَليّ الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو الْحسن بن أبي الفوارس الْهَاشِمِي العباسي الْمصْرِيّ الْمُقْرِئ الشَّافِعِي الضَّرِير مُسْند الْآفَاق فِي الْقرَاءَات فَإِنَّهُ(21/102)
قَرَأَ السَّبع لكل رُوَاة الْأَئِمَّة سوى رِوَايَة اللَّيْث عَن الْكسَائي وجامعاً لَهُم إِلَى سُورَة الْأَحْقَاف على حمية الإِمَام الشاطبي تزوج بعد الشاطبي بابنته وَسمع الشاطبية وصححها دروساً على الشاطبي وروى بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة عَن السلَفِي وَكَانَ أحد الْأَئِمَّة المشاركين فِي فنون الْعلم وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة كَبِيرَة مِنْهُم الدمياطي وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم الوزيري وَالشَّيْخ نصر المنبجي وروى عَنهُ الدواداري وَجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وست مائَة
التمار عَليّ بن شُعَيْب التمار أَبُو الْحسن روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (عَليّ بن صَالح)
الْهَمدَانِي الْكُوفِي عَليّ بن صَالح بن صَالح الْهَمدَانِي الْكُوفِي أَبُو الْحسن توفّي فِي حُدُود السِّتين وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
3 - (عَليّ بن أبي طَالب)
أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله وَجهه عَليّ بن أبي طَالب أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله وَجهه يَأْتِي ذكره فِي عَليّ بن عبد منَاف فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ابْن الشواء الْكَاتِب عَليّ بن أبي طَالب بن عَليّ بن عَليّ بن عَليّ ثَلَاثَة بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن كَمَال الدّين الْكَاتِب الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن الشواء توفّي سنة أَرْبَعِينَ وست مائَة كتب الْكثير الْمليح الْمَنْسُوب الْفَائِق وَلَا أعرف من كتب فِي الْمَنْسُوب الْفَائِق أَكثر مِنْهُ لِأَن الَّذِي ملكته أَنا بِخَطِّهِ إِلَى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة مَا أذكرهُ وَهُوَ مصحف كريم ديوَان ابْن الساعاتي مقامات الحريري محشاة جُزْء كَبِير إِلَى الْغَايَة من الأغاني الْكَبِير كتاب فِي البيزرة حَدِيث سمراء الْكَثِيب وَرَأَيْت بِخَطِّهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي ثَلَاث مجلدات وديوان أبي الطّيب وَشرح المقامات(21/103)
وفصول أبقراط ومسائل حنين وديوان فتيَان الشاغوري كَبِير إِلَى الْغَايَة
3 - (عَليّ بن طَاهِر)
السّلمِيّ النَّحْوِيّ عَليّ بن طَاهِر بن جَعْفَر أَبُو الْحسن السّلمِيّ النَّحْوِيّ كَانَ ثِقَة دينا توفّي سنة خمس مائَة
سمع أَبَا عبد الله بن سلوان وَأَبا الْقَاسِم الشمشاطي وَأَبا نصر أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الكفرطابي وَجَمَاعَة وروى عَنهُ غيث بن عَليّ وَغَيره وَكَانَت لَهُ حَلقَة فِي الْجَامِع وقف فِيهَا خزانَة كَانَت فِيهَا كتبه وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (عَليّ بن طَلْحَة)
ابْن كردان النَّحْوِيّ عَليّ بن طَلْحَة بن كردان أَبُو الْقَاسِم النَّحْوِيّ كَانَ يعرف بِابْن السحناتي وَلم يبع قطّ السحناة وَإِنَّمَا كَانَ أعداؤه يلقبونه بذلك صحب أَبَا عَليّ الْفَارِسِي وَعلي بن عِيسَى الرماني وَقَرَأَ عَلَيْهِمَا سِيبَوَيْهٍ والواسطيون يفضلونه على ابْن جني والربعي صنف كتابا فِي إِعْرَاب الْقُرْآن
كَانَ يُقَارب خَمْسَة عشر مجلداً ثمَّ بدا لَهُ فِيهِ قبل مَوته فَغسله وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ متنزهاً متصوناً قلت أَظُنهُ عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن طَلْحَة الْمُقدم ذكره وَلَكِن رَأَيْت ياقوت ذكره ثمَّ وَذكر هَذَا هُنَا وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا وَاحِد فَإِن الوفاتين وَاحِدَة والترجمة وَاحِدَة
3 - (عَليّ بن طراد)
الْوَزير أَبُو الْقَاسِم الزَّيْنَبِي عَليّ بن طراد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن الْوَزير الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم ابْن نقيب النُّقَبَاء الْكَامِل أبي الفوارس الْهَاشِمِي العباسي الزَّيْنَبِي وَزِير الخليفتين المسترشد والمقتفي كَانَ شجاعاً جريئاً خلع الراشد الَّذِي اسْتخْلف بعد أَن قتل أَبوهُ وَجمع النَّاس على خلعه وعَلى مبايعة المقتفي فِي يَوْم وَاحِد وَكَانَ النَّاس يعْجبُونَ من(21/104)
ذَلِك وَلم يزل مُسْتَقِيم الْحَال إِلَى أَن تغير عَلَيْهِ المقتفي فَأَرَادَ الْقَبْض عَلَيْهِ فالتجأ إِلَى دَار السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد إِلَى أَن قدم السُّلْطَان بَغْدَاد فَأمر بِحمْلِهِ إِلَى دَاره مكرماً وَجلسَ فِي دَاره ملاصقاً للخليفة وَهُوَ ملازم الْعِبَادَة وكل من كَانَ لَهُ عَلَيْهِ إدرار لم يقطعهُ فِي عَزله إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
وَسمع الْكثير من أَبِيه وعميه أبي نصر مُحَمَّد وَأبي طَالب الْحُسَيْن وَمن عَليّ بن أَحْمد البشري ورزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي وَنصر بن أَحْمد بن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَلْحَة النعالي والوزير نظام الْملك أبي عَليّ الْحسن وَغَيرهم وَكَانَت لَهُ إجَازَة من أبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة وَحدث بِأَكْثَرَ مروياته
الْحَاجِب عَليّ بن طغريل الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاجِب الْكَبِير بِدِمَشْق حضر من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق حاجباً فِي شهر ربيع الآخر سنة ثمانٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فِي أَوَاخِر أَيَّام الْأَمِير سيف الدّين يلبغا فَمَا أَقَامَ إِلَّا يَسِيرا حَتَّى جرى مَا جرى ليلبغا على مَا هُوَ مَذْكُور فِي تَرْجَمته وَكَانَت الملطفات قد جَاءَت من السُّلْطَان المظفر حاجي إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الْمَذْكُور وَإِلَى الْأُمَرَاء بإمساك يلبغا فَلَمَّا هرب يلبغا سَاق خَلفه عَليّ بن طغريل وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء ورد من ورد مِنْهُم وَبَقِي هُوَ وَرَاءه إِلَى أَن اضطره إِلَى حماه
حكى لي الْأَمِير سيف الدّين تمر المهمندار أَنه رَآهُ وَقد جَاءَهُ اثْنَان من جمَاعَة يلبغا وطعناه برمحيهما وَأَنه عطل ذَلِك بقفا سَيْفه وَلم يؤذ أحدا مِنْهُمَا وَكَانَ يَحْكِي ذَلِك ويتعجب من فروسيته وَلم يزل بِدِمَشْق إِلَى أَن وصل الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه فَلم يزل يدْخل عَلَيْهِ وَيطْلب الْإِقَالَة من الشَّام وَالرُّجُوع إِلَى مصر إِلَى أَن كتب لَهُ إِلَى بَاب السُّلْطَان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَحضر الْأَمِير سيف الدّين)
منجك عوضه إِلَى دمشق حاجباً وَأقَام الْأَمِير عَلَاء الدّين ابْن طغريل بِالْقَاهِرَةِ بطالاً إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بالطاعون
الزَّيْنَبِي النَّقِيب عَليّ بن طَلْحَة بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الزَّيْنَبِي قَلّدهُ الإِمَام المستنجد نقابة العباسيين وَالصَّلَاة والخطابة بِمَدِينَة السَّلَام بعد وَفَاة أَبِيه فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة وَكَانَ شَابًّا حَدثا أَمْرَد لَهُ من الْعُمر مَا يُقَارب الْعشْرين سنة فَبَقيَ على ولَايَته إِلَى أَن ظهر لَهُ أَنه يُكَاتب قوما من الْمُخَالفين للديوان فَقبض عَلَيْهِ فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَقطعت أَصَابِع يَده الْيُمْنَى وَبَقِي فِي محبسه بدار الْخلَافَة إِلَى أَن أخرج مَيتا فِي شهر(21/105)
ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائ ة
ابْن الْمَعْتُوه الطَّبِيب عَليّ بن الطّيب أَبُو الْحسن المتطيب الْمَعْرُوف بِابْن الْمَعْتُوه الْبَغْدَادِيّ توفّي فِي طَرِيق مَكَّة أَو فِي مَكَّة وَهُوَ الصَّحِيح سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبع مائَة وَكَانَ فِيهِ دين وَخير
ابْن طيدمرككز عَليّ بن طيدمر الْأَمِير عَلَاء الدّين أحد أُمَرَاء العشرات بِدِمَشْق ابْن الْأَمِير سيف الدّين كَانَ وَالِده يعرف بطيدمرككز بكافين مضمومتين بعدهمَا زَاي وَالِده من مماليك السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَكَانَ هَذَا عَلَاء الدّين عَليّ مليح الْوَجْه ظريفاً إِلَى الْغَايَة توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَلم يبقل وَجهه فِي طاعون دمشق فِي أَوَائِل شهر رَجَب سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
ابْن ظافر الْمصْرِيّ عَليّ بن ظافر بن حُسَيْن الْفَقِيه الْوَزير جمال الدّين أَبُو الْحسن الْأَزْدِيّ الْمصْرِيّ الْمَالِكِي ابْن الْعَلامَة أبي مَنْصُور ولد سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وتفقه على وَالِده وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة وَقَرَأَ الْأَدَب وبرع فِيهِ وَقَرَأَ على وَالِده الْأُصُول وَكَانَ بارعاً فِي التَّارِيخ وأخبار الْمُلُوك وَحفظ من ذَلِك جملَة وافرة ودرس بِمَدِينَة الْمَالِكِيَّة بِمصْر بعد أَبِيه وَترسل إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز وَولي وزارة الْملك الْأَشْرَف ثمَّ انْصَرف عَنهُ وَقدم مصر وَولي وكَالَة السلطنة مُدَّة وَكَانَ متوقد الخاطر طلق الْعبارَة وَمَعَ تعلقه بالدنيا لَهُ ميل كثير إِلَى أهل الْآخِرَة محباً لأهل الدّين وَالصَّلَاح أقبل فِي آخر عمره على مطالعة الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وأدمن)
النّظر فِيهَا وروى عَنهُ القوصي وَغَيره وَله تواليف مِنْهَا الدول المنقطعة وَهُوَ كتاب مُفِيد جدا فِي بَابه وبدائع البدائه والذيل عَلَيْهِ وأخبار الشجعان وأخبار الْمُلُوك السلجوقية وأساس السياسة ونفائس الذَّخِيرَة لِابْنِ بسام وَلم يكمل وَلَو كمل كَانَ مَا فِي الْأَدَب مثله وملكته بِخَطِّهِ(21/106)
وَكتاب التشبيهات وَكتاب من أُصِيب وابتدأ بعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَغير ذَلِك
نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ من الْبَسِيط
(إِنِّي لأعجب من حبي أكتمه ... جهدي وجفني بفيض الدمع يعلنه)
(وَكَون من أَنا أهواه وأعشقه ... يخرب الْقلب عمدا وَهُوَ مَسْكَنه)
(وأعجب الْكل أمرا أَن مبسمه ... من أَصْغَر الدّرّ جرما وَهُوَ أثمنه)
قلت وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا من الرجز
(كم من دم يَوْم النَّوَى مطلول ... بَين رسوم الْحَيّ والطلول)
(بانو فَلَا جسم وَلَا ربع لَهُم ... إِلَّا رَمَاه الْبَين بالنحول)
(يَا راحلين والفؤاد مَعَهم ... مسابقاً فِي أول الرعيل)
(ردوا فُؤَادِي إِنَّه مَا باعكم ... إِيَّاه إِلَّا طرفِي الْفُضُولِيّ)
(وَرب ظَبْي مِنْكُم يخَاف من ... سطوة عَيْنَيْهِ أسود الغيل)
(أنار مِنْهُ الْوَجْه حَتَّى كدت أَن ... أَقُول لَوْلَا الدّين بالحلول)
(ينقص بِالْعِلَّةِ كل كَامِل ... فِي الْحسن غير لحظه العليل)
وَقَالَ فِي بَدَائِع البدائه اجْتمعَا لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان بالجامع وَجَلَسْنَا بعد انْقِضَاء الصَّلَاة للْحَدِيث وَقد وَفد فانوس السّحُور فاقترح بعض الْحُضُور على الأديب أبي الْحجَّاج يُوسُف بن عَليّ بن الرّقاب المنبوز بالنعجة أَن يصنع قِطْعَة فِي فانوس السّحُور وَإِنَّمَا طلب بذلك إِظْهَار عَجزه فَصنعَ من الطَّوِيل
(وَنجم من الفانوس يشرق ضوؤه ... وَلكنه دون الْكَوَاكِب لَا يسري)
(وَلم أر نجماً قطّ قبل طلوعه ... إِذا غَار ينْهَى الصائمين عَن الْفطر)
فانتدبت لَهُ من بَين الْجَمَاعَة وَقلت لَهُ هَذَا التَّعَجُّب لَا يَصح لِأَنِّي والحاضرين قد رَأينَا نجوماً لَا تدخل تَحت الْحصْر وَلَا تحصى بِالْعدَدِ إِذا غارت نهي الصائمون عَن الْفطر وَهِي نُجُوم)
الصَّباح فأسرف الْجَمَاعَة بعد ذَلِك فِي تقريعة وَأخذُوا فِي تمزيق عرضه وتقطيعه فَصنعَ أَيْضا من الْبَسِيط
(هَذَا لِوَاء سحور يستضاء بِهِ ... وعسكر الشهب فِي الظلماء جرار)(21/107)
(والصائمون جَمِيعًا يَهْتَدُونَ بِهِ ... لِأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار)
وَلما أَصْبَحْنَا سمع من كَانَ غَائِبا من أَصْحَابنَا مَا جرى بَيْننَا فَصنعَ الرشيد أَبُو عبد الله بن منانو رَحمَه الله تَعَالَى من السَّرِيع
(أحبب بفانوس غَدا صاعداً ... وضوءه دَان من الْعين)
(يقْضِي بفطر وبصوم مَعًا ... فقد حوى وصف الهلالين)
وصنع الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد القلعي من الْبَسِيط
(وكوكب من ضرام الزند مطلعه ... تسري النُّجُوم وَلَا يسري إِذا رقبا)
(يراقب الصُّبْح خوفًا أَن يفاجئه ... فَإِن بدا طالعاً فِي أفقه غربا)
(كَأَنَّهُ عاشق وافى على شرف ... يرْعَى الحبيب فَإِن لَاحَ الرَّقِيب خبا)
ثمَّ إِنِّي صنعت بعد ذَلِك من الطَّوِيل
(أَلَسْت ترى شخص الْمنَار وَعوده ... عَلَيْهِ لفانوس السّحُور لهيب)
(كحامل منظوم الأنابيب أسمر ... عَلَيْهِ سِنَان بالدماء خضيب)
(ترى بَين زهر الزهر مِنْهُ شَقِيقَة ... لَهَا الْعود غُصْن والمنار كثيب)
(ويبدو كخد أَحْمَر والدجى لمى ... بدا فِيهِ ثغر للنجوم شنيب)
(كَأَن لزنجي الدجى من لهيبه ... من خفقه قلب دهاه وجيب)
(ترَاهُ يُرَاعِي الشهب لَيْلًا فَإِن دنا ... طُلُوع صباح كَانَ مِنْهُ غرُوب)
(فَهَل كَانَ يرعاها لعشق ففر إِذْ ... رأى أَن رومي الصَّباح رَقِيب)
وَقلت فِي اخْتِصَار الْمَعْنى الأول من هَذِه الْقطعَة من الرجز المجزوء
(أنظر إِلَى الْمنَار وَال ... فانوس فِيهِ يرفع)
(كحامل رمحاً سنا ... نه خضيباً يلمع)
وَقَالَ أَيْضا من الطَّوِيل
(أَلَسْت ترى حسن الْمنَار ونوره ... يرفع من جنح الدجنة أستارا)
)
(ترَاهُ إِذا مَا اللَّيْل جن مراقباً ... لَهُ مضرماً فِي رَأس فانوسه نَارا)(21/108)
(كصب بخود من بني الزنج سامها ... وصالاً وَقد أبدى ليرغب دِينَارا)
وَقَالَ أَيْضا من الطَّوِيل
(وَلَيْلَة صَوْم قد سهرت بجنحها ... على أَنَّهَا من طيبها تفضل الدَّهْر)
(حكى اللَّيْل فِيهَا سقف سَاج مسمراً ... من الشهب قد أضحت مَسَامِيرهُ تبرا)
(وَقَامَ الْمنَار الْمشرق اللَّوْن حَامِلا ... لفانوسه وَاللَّيْل قد أظهر الزهرا)
(كَمَا قَامَ رومي بكأس مدامة ... وَحيا بهَا زنجية وشحت درا)
وَحين صنعت هَذِه الْقطع ندبت أَصْحَابنَا للْعَمَل فَصنعَ شهَاب الدّين يَعْقُوب من المتقارب
(رَأينَا الْمنَار وجنح الظلام ... من الجو يسدل أستاره)
(وَحلق فِي الجو فانوسه ... فَذهب بِالنورِ أقطاره)
(فَقلت المحلق قد شب فِي ... ظلام الدجى للقوى ناره)
(وخلت الثريا يدا والنجو ... م وَرقا غَدا الْبَدْر قسطاره)
(وخلت الْمنَار وفانوسه ... فَتى قَامَ يصرف ديناره)
قَالَ وأنشدني ابْن النبيه لنَفسِهِ من الْخَفِيف
(حبذا فِي الصّيام مئذنة الجا ... مَعَ وَاللَّيْل مُسبل أذياله)
(خلتها والفانوس إِذْ رفعته ... صائداً وَاقِفًا لصيد الغزاله)
قَالَ وأنشدني أَبُو الْقَاسِم ابْن نفطويه لنَفسِهِ من الْبَسِيط
(يَا حبذا رُؤْيَة الفانوس فِي شرف ... لمن يُرِيد سحوراً وَهُوَ يتقد)
(كَأَنَّمَا اللَّيْل والفانوس مُرْتَفع ... فِي الجو أَعور زنجي بِهِ رمد)
قَالَ وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ من الْكَامِل
(نصبوا لِوَاء للسحور وأوقدوا ... من فَوْقه نَارا لمن يترصد)
(فَكَأَنَّهُ شَبابَة قد قمعت ... ذَهَبا فأومت فِي الدجى تتشهد)
قَالَ وأنشدني أَبُو يحيى السيولي لنَفسِهِ من الْبَسِيط
(وَلَيْلَة مثلت أسدافها لعسا ... واستوضحت غرر من زهرها شنبا)
(ولاح كَوْكَب فانوس السّحُور على ... إِنْسَان مقلتها النجلاء واشتهبا)
)(21/109)
(حَتَّى كَأَن دجاها وَهُوَ ملتهب ... زنجية حملت فِي كفها ذَهَبا)
وصنع أَبُو الْعِزّ مظفر الْأَعْمَى وَكتب بهَا إِلَيّ من الطَّوِيل
(أرى علما للنَّاس فِي الصَّوْم ينصب ... على جَامع ابْن الْعَاصِ أَعْلَاهُ كَوْكَب)
(وَمَا هُوَ فِي الظلماء إِلَّا كَأَنَّهُ ... على رمح زنجي سِنَان مَذْهَب)
(وَمن عجب أَن الثريا سماؤها ... مَعَ اللَّيْل تلهي كل من يترقب)
(فطوراً تحييه بباقة نرجس ... وطوراً يُحْيِيهَا بكأس تلهب)
(وَمَا اللَّيْل إِلَّا قَابض لغزالة ... بفانوس نَار نَحْوهَا يتطلب)
(وَلم أر صياداً على الْبعد قبله ... إِذا قربت مِنْهُ الغزالة يهرب)
قَالَ وأنشدني الشريف جَعْفَر لنَفسِهِ من مجزوء الرجز
(كَأَنَّمَا الفانوس فِي ... صاريه لما اتقدا)
(لِوَاء نصر مَذْهَب ... فِي رَأس رمح عقدا)
وَمن شعر ابْن ظافر من الوافر
(وَقد بَدَت النُّجُوم على سَمَاء ... تَكَامل صحوها فِي كل عين)
(كسقف أَزْرَق من لازوردٍ ... بَدَت فِيهِ مسامر من لجين)
وَمِنْه من الْكَامِل
(وَاللَّيْل فرع بالكواكب شائب ... فِيهِ مجرته كَمثل المفرق)
(ولربما يَأْتِي الْهلَال بسحرة ... متصيداً حوت النُّجُوم بزورق)
(حَتَّى إِذا هبت على المَاء الصِّبَا ... وألاح نور تَمَامه بالمشرق)
(أبدى لنا علما بهيجاً مذهبا ... قد لَاحَ فِي تجعيد كم أَزْرَق)
وَحكى برادة عسجد قد رام صانعها يولف بَينهَا بالزئبق وَمِنْه من الْكَامِل
(أنظر فقد أبدى الأقاحي مبسماً ... ضحِكت بدر من قدود زنرجد)
(كفصوص در لطفت أجرامها ... وتنظمت من حول شمسة عسجد)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(ترى حمرَة النارنج بَين اخضرارها ... كحمرة خد واخضرار عذار)
)
إِذا لَاحَ فِي كف الندامى عجبت من حنان تحايا ساكنوه بِنَار(21/110)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أنظر إِلَى النارنج والطلع الَّذِي ... جَاءَ الْغُلَام لجمعه متماثلا)
(وكأنما النارنج قد صاغوه من ... ذهب قناديلاً وَذَاكَ سلاسلا)
أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب مولى قريبَة بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ
ولد سنة خمس وَمِائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ كَانَ من أهل الدّين وَالصَّلَاح وَالْخَيْر البارع مِنْهُم من تكلم فِي سوء حفظه وَمِنْهُم من أنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْخَطَأ والغلط قَالَ ابْن حَنْبَل أما أَنا فأحدث عَنهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي سَمِعت أَبَا عَليّ الزَّمن يَقُول رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر عَن يَمِينه وَعمر عَن يسَاره وَعُثْمَان أَمَامه وَعلي خَلفه حَتَّى جاؤوا فجلسوا على رابية فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن عَليّ بن عَاصِم أَيْن عَليّ بن عَاصِم فجيء بِهِ فَلَمَّا رَآهُ قبل بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ أَحييت سنتي قَالُوا يَا رَسُول الله يَقُولُونَ إِنَّه أَخطَأ فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود من عزى مصاباً فَلهُ مثل أجره فَقَالَ أَنا حدثت بِهِ ابْن مَسْعُود قَالَ الباغندي فَجئْت إِلَى عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ فَحَدَّثته بذلك فَركب إِلَى أبي عَليّ فَسَمعهُ مِنْهُ وَتُوفِّي ابْن عَاصِم بواسط وروى لَهُ ابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
أَبُو الْقَاسِم الْفَزارِيّ عَليّ بن عَامر بن إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس أَبُو الْقَاسِم(21/111)
الْفَزارِيّ كَانَ فهما نحريراً حسن الْخطاب سريع الْجَواب فصيح اللِّسَان حسن الْبَيَان لَهُ نظر فِي اللُّغَة وَمَعْرِفَة بالنحو وأخبار الْعَرَب
وَهُوَ من بَيت شعراء أَبوهُ شَاعِر وجده شَاعِر وَإِخْوَته شعراء خرج مَعَ أَبِيه إِلَى مَكَّة وَعَاد إِلَى القيروان وَمن شعره من الْبَسِيط
(تلألأ الْبَرْق علوياً لَهُ فصبا ... وجد إِذْ جد فِي إيماضه طَربا)
(سرى بجود الدجا وَهنا فَبين من ... شوارد اللَّيْل مَا أخْفى وَمَا حجبا)
(إِذا استطل على أرجاء مزنته ... حسبته لمع نَار طَار فالتهبا)
(كَأَن رَجَعَ سناه وَهُوَ ملتهب ... فِيهَا إِشَارَة أيد جردت قضبا)
)
(يهدا فتلبس أقطار الْبِلَاد دجا ... حينا وتسطع أَحْيَانًا إِذا اضطربا)
3 - (عَليّ بن عباد)
أَبُو الْحسن الاصبهاني عَليّ بن عباد أَبُو الْحسن المستوفي من إصبهان كَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا قَالَ القَاضِي يحيى بن الْقَاسِم التكريتي كَانَ يحفظ كثيرا من الأراجيز والأشعار حكى لنا أَنه يحفظ جَمِيع أراجيز العجاج وَولده رؤبة وَجَمِيع أراجيز أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَكُنَّا نمتحنه ونطلب مِنْهُ أَن ينشدنا أراجيز على حُرُوف المعجم وَكَانَ ينشدنا على أَي حرف طلبنا مِنْهُ وَكَانَ يدْخل على الْوَزير أبي المظفر ابْن هُبَيْرَة فيحترمه وَيرْفَع مَجْلِسه وَيَقُول لَهُ إِذا دخل جَاءَ رؤبة والعجاج وَكَانَ يَقُول أَنا قَادر على أَن أصنف غَرِيب الْقُرْآن وأستشهد على كل كلمة فِيهِ من الأراجيز وَقَالَ محب الدّين ابْن النجار دخل بَغْدَاد وَقَرَأَ على أبي مَنْصُور الجواليقي قَدِيما ثمَّ دَخلهَا ثَانِيًا سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة ومدح الْوَزير أَبَا المظفر ابْن هُبَيْرَة وَغَيره وَمَا كَانَ يمدح إِلَّا بالأراجيز وروى عَنهُ أَحْمد بن طَارق وَمن شعره من الرجز
(أطالعتنا بالظباء جاسم ... أم هَذِه الكواعب النواعم)
(سفرن فانجاب الظلام الظَّالِم ... يَا بِأبي من حبها ملازم)
(خوذ كَأَن الطّرف مِنْهَا الصارم ... تعذب فِي وصالها المآثم)
(غَيرهَا شيب برأسي باسم ... والشيب خطب لَيْسَ مِنْهُ عَاصِم)(21/112)
(يَا دهر كم أَنْت لمثلي غاشم ... أَمن أعادي أهلك الأكارم)
3 - (عَليّ بن الْعَبَّاس)
أَبُو الْحسن النوبختي عَليّ بن الْعَبَّاس النوبختي كَانَ وَكيل المقتدر فِيمَا يُرِيدُونَ بَيْعه من الضّيَاع وَحقّ بَيت المَال
وَكَانَ فَاضلا أديباً شَاعِرًا محسناً راوية للْأَخْبَار والأشعار روى عَن البحتري وَابْن الرُّومِي وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة كَانَ مَعَ جمَاعَة من أَهله على سطح أبي سهل النوبختي فِي لَيْلَة من ليَالِي النّصْف يشربون وَمَعَهُمْ إِبْرَاهِيم بن الْقَاسِم بن زرزر الْمُغنِي وَكَانَ أَمْرَد حسن الْوَجْه وَكَانَ فِي السَّمَاء غيم ينجاب مرّة ويتصل أُخْرَى فانجاب الْغَيْم عَن الْقَمَر فانبسط فَقَالَ عَليّ بن الْعَبَّاس وَأَقْبل على إِبْرَاهِيم من الْبَسِيط
(لم يطلع الْبَدْر إِلَّا من تشوقه ... إِلَيْك حَتَّى يوافي وَجهك النظرا)
وَلم يتم الْبَيْت حَتَّى غَابَ الْقَمَر تَحت الْغَيْم فَقَالَ
(وَلَا تغيب إِلَّا عِنْد خجلته ... لما رآك فولى عَنْك واستترا)
وَكتب لِابْنِ عَمه أبي سهل إِسْمَاعِيل بن عَليّ النوبختي وَقد شرب دَوَاء من المنسرح
(يَا محيي العارفات وَالْكَرم ... وَقَاتل الحادثات والعدم)
كَيفَ رَأَيْت الدَّوَاء أعقبك الله شِفَاء بِهِ من السقم
(إِذا تخطت إِلَيْك نائبة ... حطت بقلبي ثقلاً من الْأَلَم)
(شربت هَذَا الدَّوَاء مرتجياً ... دفع أَذَى من عطائك الْعظم)
(والدهر لَا بُد مُحدث طبعا ... فِي صفحتي كل صارم خذم)
وَكَانَ ابْنه مُدبر دولة ابْن رائق
ابْن الرُّومِي الشَّاعِر عَليّ بن الْعَبَّاس بن جريج أَبُو الْحسن ابْن الرُّومِي شَاعِر وقته(21/113)
هُوَ والبحتري فِي بَغْدَاد توفّي فِي حُدُود التسعين وَمِائَتَيْنِ كَانَ شَدِيد التطير أسبخ منهوماً فِي الْأكل جعلياً فَكَانَ يغلق أبوابه وَلَا يخرج إِلَى أحد خوفًا من التطير فَأَرَادَ بعض أَصْحَابه أَن يحضر إِلَيْهِم فِي يَوْم أنس فسيروا إِلَيْهِ غُلَاما نظيف الثَّوْب طيب الرَّائِحَة حسن الْوَجْه فَتوجه إِلَيْهِ فَلَمَّا طرق الْبَاب عَلَيْهِ وَخرج لَهُ أعجبه حَاله ثمَّ سَأَلَهُ عَن اسْمه فَقَالَ لَهُ إقبال فَقَالَ إقبال مقلوبه لَا بَقَاء وَدخل وأغلق الْبَاب وجهز إِلَيْهِ يَوْمًا غُلَام آخر وأزاحوا جَمِيع مَا يخشاه فَإِذا خرج وَمر مَعَه كَانَ)
على بَابه دكان خياط وَقد صلب درابتي الْبَاب وَهُوَ يَأْكُل تَمرا فَقَالَ هَاتَانِ الدرابتان مثل لَا وتمر هَذَا مَعْنَاهُ لَا تمر فَرجع وأغلق الْبَاب وَلم يتَوَجَّه إِلَيْهِم
وَقد تقدم فِي ذكر الْأَخْفَش على مَا يتَعَلَّق بِابْن الرُّومِي مَعَه فِي الطَّيرَة وعبثه بِهِ وَكَانَ سَبَب مَوته أَن الْوَزير أَبَا الْحُسَيْن الْقَاسِم بن عبد الله بن سُلَيْمَان بن وهب يخَاف هجوه وفلتات لِسَانه بالفحش فَدس عَلَيْهِ ابْن فرَاش فأطعمه خشكنانجة مَسْمُومَة وَهُوَ فِي مَجْلِسه فَلَمَّا أكلهَا أحس بالسم فَقَامَ فَقَالَ لَهُ الْوَزير أَيْن تذْهب فَقَالَ إِلَى الْموضع الَّذِي بعثتني إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سلم على وَالِدي فَقَالَ مَا طريقي على النَّار وَخرج من عِنْده وأتى منزله وَأقَام بِهِ أَيَّامًا وَمَات
وَكَانَ وسخ الثَّوْب قَالَ أَبُو عُثْمَان الناجم دخلت على ابْن الرُّومِي أعوده فَوَجَدته يجود بِنَفسِهِ فَلَمَّا قُمْت من عِنْده قَالَ لي من الوافر
(أَبَا عُثْمَان أَنْت حميد قَوْمك ... وجودك للعشيرة دون لومك)
(تزَود مِن أخِيك فَما أرَاهُ ... يَراكَ وَلاَ تَراهُ بعد يَوْمك)
وَقيل أَن الطَّبِيب كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فَزعم أَنه غلط عَلَيْهِ فِي عقار فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بنفطويه رَأَيْت ابْن الرُّومِي يجود بِنَفسِهِ فَقلت لَهُ مَا حالك فَأَنْشد من الْكَامِل
(غلط الطَّبِيب عَليّ غلطة مورد ... عجزت موارده عَن الإصدار)
(وَالنَّاس يلحون الطَّبِيب وَإِنَّمَا ... غلط الطَّبِيب إِصَابَة الْمِقْدَار)
وَابْن الرُّومِي من الشُّعَرَاء الفحول المطولين الغواصين على الْمعَانِي كَانَ إِذا أَخذ الْمَعْنى لَا يزَال يستقصى فِيهِ حَتَّى لَا يدع فِيهِ فَضله وَلَا بقيّة فَرُبمَا سمج بعض الْأَوْقَات ومعانيه(21/114)
غَرِيبَة جَيِّدَة وَكَانَ إِذا أعجبه الْمَعْنى كَرَّرَه فِي عدَّة مَوَاضِع فِي قواف مُخْتَلفَة وَقَالَ الخالديان لم نر كَابْن الرُّومِي إِذا انْفَرد بِالْمَعْنَى جوده وَإِذا تنَاوله من غير قصر فِيهِ قلت أَنا الْعلَّة فِيهِ أَنه شَاعِر فَحل فَإِذا أَخذ بكرا جوده وأتى فِيهِ بأجود مَا يُقَال وَهُوَ لَا يَأْخُذ إِلَّا من فحلٍ مثله وَيكون ذَلِك قد أَخذ الْمَعْنى بكرا فَذهب بجيده وَترك رويه وَقد بَالغ ابْن سناء الْملك رَحمَه الله حَيْثُ أجَاب القَاضِي الْفَاضِل وَقد أمره بِاخْتِيَار شعر ابْن الرُّومِي فَقَالَ وَأما مَا أَمر بِهِ فِي شعر ابْن الرُّومِي فَمَا الْمَمْلُوك من أهل اخْتِيَاره وَلَا من الغواصين الَّذين يستخرجون الدّرّ من بحاره لِأَن بحاره زخارة وأسوده زآره ومعدن تبره مردوم بِالْحِجَارَةِ)
وعَلى كل عقيلة مِنْهُ ألف نقاب بل ألف ستارة يطْمع ويؤيس ويوحش وَيُؤْنس وينير وَيظْلم وَيُصْبِح ويعتم شذره وبعره ودره وآجره وَقَبله تجانبها السبة وصرة بجوارها قحبة ووردة قد خف بهَا الشوك وبراعة قد غطى عَلَيْهَا النوك لَا يصل الِاخْتِيَار إِلَى الرّطبَة حَتَّى يخرج بالسلى وَلَا يَقُول عاشقها هَذِه الْملح قد أَقبلت حَتَّى يرى الْحسن قد تولى فَمَا الْمَمْلُوك من جهابذته وَكَيف وَقد تفلس فِيهِ الْوَزير وَلَا من صيارفته ونقاده وَلَو اخْتَارَهُ جرير لأعياه تَمْيِيز الخيش من الوشي والوبر من الْحَرِير
حكى ابْن رَشِيق وَغَيره أَن لائماً لَام ابْن الرُّومِي فَقَالَ لَهُ لم لَا تشبه كتشبيهات ابْن المعتز وَأَنت أشعر مِنْهُ قَالَ لَهُ أَنْشدني شَيْئا من قَوْله الَّذِي استعجزتني فِي مثله فأنشده قَوْله فِي الْهلَال من الْكَامِل
(وَانْظُر إِلَيْهِ كزورقٍ من فضةٍ ... قد أثقلته حمولة من عنبر)
فَقَالَ لَهُ زِدْنِي فأنشده قَوْله من مجزوء الرجز
(كَأَن آذريونها ... وَالشَّمْس فِيهَا كاليه)
(مداهن من ذهب ... فِيهَا بقايا غاليه)
فصاح واغوثاه تالله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا ذَاك إِنَّمَا يصف ماعون بَيته لِأَنَّهُ ابْن خَليفَة وَأَنا أَي شَيْء أصف وَلَكِن انْظُرُوا إِذا أَنا وصفت مَا أعرف أَيْن يَقع قولي من النَّاس هَل لأحد قطّ مثل قولي فِي قَوس الْغَمَام وَأنْشد من الطَّوِيل
(وسَاق صبيح للصبوح دَعوته ... فَقَامَ وَفِي أجفانه سنة الغمض)(21/115)
(يطوف بكاسات الْعقار كأنجم ... فَمن بَين منقض علينا ومنفض)
(وَقد نشرت أَيدي الْجنُوب مطارفاً ... على الجو دكناً والحواشي على الأَرْض)
(يطرزها قَوس السَّحَاب بأخضر ... على أَحْمَر فِي أصفر فَوق مبيض)
(كأذيال خود أَقبلت فِي غلائل ... مصبغة وَالْبَعْض أقصر من بعض)
وَقَوْلِي فِي صانع الرقَاق من الْبَسِيط
(لَا أنس لَا أنس خبازاً مَرَرْت بِهِ ... يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر)
(مَا بَين رؤيتها فِي كَفه كرة ... وَبَين رؤيتها قوراء كَالْقَمَرِ)
(إِلَّا بِمِقْدَار مَا تنداح دَائِرَة ... فِي صفحة المَاء يلقى فِيهِ بِالْحجرِ)
)
وَزَاد أَبُو بكر النَّحْوِيّ أَنه أنْشدهُ فِي قالي الزلابية من الْبَسِيط
(ومستقر على كرسيه تَعب ... روحي الْفِدَاء لَهُ من منصب تَعب)
(رَأَيْته سحرًا يقلي زلابية ... فِي رقة القشر والتجويف كالقصب)
(كَأَنَّمَا زيته المغلي حِين بدا ... كالكيمياء الَّتِي قَالُوا وَلم تصب)
(يلقى الْعَجِين لجيناً من أنامله ... فيستحيل شبابيكاً من الذَّهَب)
وَمن قصائده الغر قَوْله من الطَّوِيل
(بَكَيْت فَلم تتْرك لعينيك مدمعا ... زَمَانا طوى شرخ الشَّبَاب فودعا)
مِنْهَا
(أعاذل إِن أعْط الزَّمَان عنانه ... فقد كنت أثني مِنْهُ رَأْسا وأخدعا)
(سقى الله أَيَّامًا مَضَت وليالياً ... تقطع من أَسبَابهَا مَا تقطعا)
(ليَالِي ينسين اللَّيَالِي حِسَابهَا ... بلهنية أَقْْضِي بهَا الْعُمر أجمعا)
(ليَالِي لَو نازعتها رَجَعَ أَمسهَا ... ثنت جيدها طَوْعًا إِلَيّ لترجعا)
(وَقد أغتذي للطير وَالطير هجع ... وَلَو علمت مغداي مَا بتن هجعا)
(بخلين تما بِي ثَلَاثَة إخْوَة ... جسومهم شَتَّى وأرواحهم مَعًا)
(كمنطقة الجوزاء لاحت بسدفة ... بعقب غمام عَمها ثمَّ قشعا)
(كَأَنِّي مَا روحت صحبي عَشِيَّة ... بساحل مخضر الجنابين مترعا)
(إِذا رنقت شمس الْأَصِيل ونفضت ... على الْأُفق الغربي ورسا مدعدعا)(21/116)
(وودعت الدُّنْيَا لِتَقضي نحبها ... وسرك بَاقِي عمرها فتسعسعا)
(ولاحظت النوار وَهِي مَرِيضَة ... وَقد وضعت خداً على الأَرْض أضرعا)
(كَمَا لاحظت عوادها عين مدنف ... توجع من أوصابها مَا توجعا)
(وظلت عُيُون النُّور يخضل بالندى ... كَمَا اغرورقت عين الشجي لتدمعا)
(وَقد ضربت فِي خضرَة النُّور صفرَة ... من الشَّمْس فاخضر اخضراراً مشعشعا)
(كَأَن جفوني لم تبت ذَات لَيْلَة ... كراها قذاها لَا تلاوم مضجعا)
(فثاروا إِلَى آلاتهم فتقلدوا ... خرائط حمراً تحمل السم منقعا)
(مثقفة مَا استودع الْقَوْم مثلهَا ... ودائعهم إِلَّا لِأَن لَا تضيعا)
)
(محملة زاداً قَلِيلا مناطه ... من البندق الْمَوْزُون قل فأمتعا)
(نَكِير لَئِن كَانَت ودائع مثلهَا ... حقائب أمثالي ويذهبن ضيعا)
(هُنَالك تَغْدُو الطير ترتاد مرتعا ... وحسبانها المكذوب ترتاد مصرعا)
(فَللَّه عين من رَآهُمْ إِذا انْتَهوا ... إِلَى موقف المرمى وأقبلن برعا)
(وَقد وقفُوا للحانيات وشمروا ... إِلَى موقف الْإِنْصَاف سوقاً وأذرعا)
(وَقد أغلقوا عقد الثَّلَاثِينَ مِنْهُم ... بمجدولة الأقفاء جدلاً موسعا)
(وجدت قسي الْقَوْم فِي الطير جدها ... فخرت سجوداً للرماة وركعا)
(هُنَالك تلقى الطير مَا طيرت بِهِ ... على كل شعبٍ جامعٍ فتصدعا)
(فظل صَحَابِيّ ناعمين ببؤسها ... وظلت على حَوْض الْمنية شرعا)
(طرائح من سود وبيض نواصع ... تخال أَدِيم الأَرْض مِنْهُنَّ أبقعا)
(يؤلف مِنْهَا بَين شَتَّى وَإِنَّمَا ... يشتت من ألافها مَا تجمعَا)
(فكم ظاعن مِنْهُنَّ مزمع رحْلَة ... قَصرنَا نَوَاه بَعْدَمَا كَانَ أزمعا)
(كَأَن لباب التبر عِنْد انتصابها ... جرى مَاؤُهُ فِي ليطها فتربعا)
(كَأَنَّك إِذْ ألقيت عَنْهَا ثِيَابهَا ... سفرت بِهِ عَن وَجه عذراء برقعا)
(كَأَن قراها والفروز الَّتِي بِهِ ... وَإِن لم تجدها الْعين إِلَّا تتبعا)
(مذر سحيق الورس فَوق صلاية ... يخالطه من أرجل الْعَمَل أكرعا)
(لَهَا أول طوع الْيَدَيْنِ وَآخر ... إِذا سمته الإغراق فِيهَا تمنعا)(21/117)
(وَلَا عيب فِيهَا غير أَن نذيرها ... يروع قُلُوب الطير حَتَّى تضعضعا)
(على أَنَّهَا مكفولة الرزق ثقفة ... وَإِن رَاع مِنْهَا مَا يروع فأفزعا)
(مَتَاع لراميها الرمايا كَأَنَّمَا ... دَعَاهَا لَهُ دَاعِي المنايا فأسمعا)
(تؤوب بهَا قد أكسبتك وغادرت ... من الطير مفجوعاً بِهِ ومفجعا)
(لَهَا عولة أولى بهَا من تصيبه ... وأجدر بالإعوال من كَانَ موجعا)
(وَمَا ذَاك إِلَّا زجرها لبناتها ... مَخَافَة أَن يذْهبن فِي الجو ضيعا)
(تقلب نَحْو الطير عينا بَصِيرَة ... كعينيك بل أذكى ذكاءً وأسرعا)
(مربعة مسقومة بشبابها ... كتمثال بَيت الوشي حيك مربعًا)
)
(تقاذف عَنْهَا كلما سَاءَ حذرة ... يمر مروراً بالفضاء مشيعا)
(فَإِن أخطأته استوهلته لأختها ... فتلحقه الْأُخْرَى مروعاً مفزعا)
(وَإِن ثقفته أنفذته وقدرت ... لَهُ مَا يوازيه من الأَرْض مصرعا)
(كَأَن بَنَات المَاء فِي صرح مَتنه ... إِذا مَا علا رأد الضُّحَى فترفعا)
(زرابي كسْرَى بثها فِي صحابه ... ليحضر وَفْدًا أَو ليجمع مجمعا)
(تريك ربيعاً فِي خريف وروضة ... على لجة بدعاً من الأَرْض مبدعا)
(وأخضر كالطاووس يحْسب رَأسه ... بخضراء من مَحْض الْحَرِير مقنعا)
(يلوح على إسطامه وشي صفرَة ... ترقش مِنْهَا متنها فتلمعا)
(كملعقة الصيني أحكمها يدا ... صناع وَإِن كَانَت يَد الله أصنعا)
(وعينان حمراوان يطرف عَنْهُمَا ... كَأَن حجاجيه بفصين رصعا)
(وَمن أعقف أحذاه منقاره اسْمه ... أضد بديع الْحسن فِيهِ فأبدعا)
(مطرف أَطْرَاف الْجنَاح تخاله ... بنان عروس بِالثُّرَيَّا مقنعا)
هَذِه القصيدة العينية طَوِيلَة اخْتَرْت مِنْهَا هَذَا الَّذِي أثْبته وَمن قصائده الغر قَوْله فِي عبد الْملك بن صَالح الْهَاشِمِي وَيذكر الْجَارِيَة السَّوْدَاء وأبدع فِي أوصافها مِنْهَا من المنسرح تبَارك الله خَالق الْكَرم البارع من حمأة وَمن علق
(مَاذَا رَأَيْنَاهُ فِي جناب فَتى ... كالبدر يجلو جَوَانِب الغسق)(21/118)
(أزمانه كلهَا بنائله ... مثل زمَان الرّبيع ذِي الأنق)
(أشهر فِي النَّاس بالجميل من ال ... أبلق بَين الْجِيَاد بالبلق)
(تركت فِيك المنى مفرقة ... وَأَنت مِنْهَا بمجمع الطّرق)
مِنْهَا
(لَدَى دنان كَأَنَّهَا جثث ... من قوم عَاد عَظِيمَة الْخلق)
(تلقاك فِي رقة الشَّرَاب وَفِي ... نشر الخزامي وصفرة الشَّفق)
مِنْهَا
(سَوْدَاء لم تنتسب إِلَى برص الش ... قر وَلَا كلفهٍ وَلَا بهق)
(لَيست من العبس الأكف وَلَا ال ... فلح الشفاه الْخَبَائِث الْعرق)
)
(تجْرِي وَيجْرِي رسيلها مَعهَا ... شأوين مستعجلين فِي طلق)
(فِي لين سمورة تخبرها ال ... فراء أَو لين جيد الدلق)
(هيفاء زينت بخمص مُخْتَصر ... أوفى عَلَيْهِ نهود معتنق)
(غُصْن من الآبنوس ركب فِي ... مؤتزر معجب ومنتطق)
(يَهْتَز من ناهديه فِي ثَمَر ... وَمن نواحي ذراه فِي ورق)
(أكسبها الْحبّ أَنَّهَا صبغت ... صبغة حب الْقُلُوب والحدق)
(فَانْصَرَفت نَحْوهَا الضمائر وَال ... أبصار يعنقن أَيّمَا عنق)
(يفتر ذَاك السوَاد عَن يققٍ ... من ثغرها كاللآلئ النسق)
(كَأَنَّهَا والمزاح يضحكها ... ليل تفرى دجاه عَن فلق)
(لَهَا حر تستعير وقدته ... من قلب صب وَصدر ذِي حنق)
(كَأَنَّمَا حره لخابره ... مَا ألهبت فِي حشاه من حرق)
(يزْدَاد ضيقا على المراس كَمَا ... تزداد ضيقا أنشوطة الوهق)
(يَقُول من حدث الضَّمِير بِهِ ... طُوبَى لمفتاح ذَلِك الغلق)
(لَهُ إِذا مَا القمد خالطه ... أزم كأزم الخناق بالعنق)
(أخلق بهَا أَن تقوم عَن ذكر ... كالسيف يغري مضاعف الْحلق)
(إِن جفون السيوف أَجودهَا ... أسود وَالْحق غير مختلق)(21/119)
(خُذْهَا أَبَا الْفضل كسْوَة لَك من ... خر الأماديح لَا من الْخرق)
(وصفت فِيهَا الَّذِي هويت على ال ... وهم وَلم تختبر وَلم تذق)
(حاشا لسوداء منظر سكنت ... دَارك إِلَّا من مخبر يقق)
(يَا لَك من خلعة تشف أَخا الض ... غن وَلَا تستشف عَن خرق)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(يَا ابْن وهب كسوتْنَي طيلساناً ... يُزْرَعُ الرفُو فِيهِ وَهُوَ سباخُ)
(تستطيل الفزور طولا وعرضاً ... فِيهِ حَتَّى كأنهن رخاخ)
وَمِنْه من الْكَامِل
(يَا من يسائل عَن عشيرة خَالِد ... النَّاس كلهم عشيرة ذاكا)
)
(فَمَتَى هجوت أَبَا الْوَلِيد هجوتهم ... وهجوت فِي عرض الهجاء أباكا)
وَمِنْه من الوافر
(أَلا يَا هِنْد هَل لَك فِي قمد ... غليظ تفرحين بِهِ متين)
(فَمن يره يَبُول يَقُول أثنى ... هوى من فرجهَا ثلثا جَنِين)
وَمِنْه وَهُوَ غَرِيب من الطَّوِيل
(توددت حَتَّى لم أدع متودداً ... وأفنيت أقلامي عتاباً مرددا)
(كَأَنِّي أستدعي بك ابْن حنيةٍ ... إِذا النزع أدناه من الصَّدْر أبعدا)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(وشمول أرقها الدَّهْر حَتَّى ... مَا يوارى أقذاءها بلبوس)
(وردة اللَّوْن فِي خدود الندامى ... وَهِي صفراء فِي خدود الكؤوس)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(كَأَن رنو الشَّمْس حِين غُرُوبهَا ... وَقد جعلت فِي مجنح الغرب تمرض)
(تخاوص عين بَين أجفانها الْكرَى ... ترنق فِيهَا النّوم ثمَّ تغمض)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أَتَيْتُك فِي عرض مصون طويته ... ثَلَاثِينَ عَاما فَهُوَ أَبيض ناصع)(21/120)
(وَمثلك من لم يلق فِي ثوب بذلة ... وَلَا ملبس قد دنسته المطامع)
وَمِنْه من الْكَامِل
(آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... فِي الحادثات إِذا دجون نُجُوم)
(مِنْهَا معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدجى والأخريات رجوم)
وَمِنْه من الوافر
(صُدُور فوقهن حقاق عاج ... وثغر زانه حسن اتساق)
(يَقُول الناظرون إِذا رَأَوْهُ ... أَهَذا الْحلِيّ من هَذَا الحقاق)
وَمِنْه من الْكَامِل
(لَوْلَا اطراد الصَّيْد لم تَكُ لَذَّة ... فتطاردي لي بالوصال قَلِيلا)
(ودعي الزِّيَارَة دون من أحببته ... لَا تكثري لَيْسَ الْخَلِيل خَلِيلًا)
)
(هَذَا الشَّرَاب أَخُو الْحَيَاة وَمَاله ... من لَذَّة حَتَّى يُصِيب غليلا)
وَمِنْه وَهُوَ مخترع من الطَّوِيل
(أَقُول وَمَرَّتْ ظبيتان فصدتا ... وراعهما مني مفارق شيب)
(أأطيش مَا كَانَت سهامي عنكما ... تراعان مني إِن ذَا لعجيب)
وَمِنْه وَهُوَ غَرِيب من الوافر
(تلاقينا لِقَاء لافتراق ... كِلَانَا مِنْهُ ذُو قلب مروع)
(فَمَا افترت شفَاه عَن ثغور ... بل افترت جفون عَن دموع)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أصف الحبيب وَلَا أَقُول كَأَنَّهُ ... كلا لقد أَمْسَى من الْأَفْرَاد)
(إِنِّي لأستحيي محَاسِن وَجهه ... أَن لَا أنزهها عَن الأنداد)
وَمِنْه من الْكَامِل
(بلد صَحِبت بِهِ الشبيبة وَالصبَا ... ولبست فِيهِ الْعَيْش وَهُوَ جَدِيد)
(فَإِذا تمثل فِي الضَّمِير رَأَيْته ... وَعَلِيهِ أَغْصَان الشَّبَاب تميد)
وَمِنْه من الطَّوِيل(21/121)
(وحبب أوطان الرِّجَال إِلَيْهِم ... مآرب قَضَاهَا الشَّبَاب هنالكا)
(إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصِّبَا مِنْهَا فحنوا لذالكا)
وَمِنْه من المنسرح يَا حسن الْجيد كم تدل على الصب كَأَن قد نحلته جيدك
(عجبت من ظلمك الْقوي وَلَو ... شَاءَ ضَعِيف ثناك أَو عقدك)
وَمِنْه وَهُوَ أَجود مَا اسْتَعْملهُ لِأَنَّهُ كَرَّرَه من الْكَامِل
(نظرت فأقصدت الْفُؤَاد بسهمها ... ثمَّ انْثَنَتْ عَنهُ فكاد يهيم)
(ويلاه إِن نظرت وَإِن هِيَ أَعرَضت ... وَقع السِّهَام ونزعهن أَلِيم)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أعانقها وَالنَّفس بعد مشوقة ... إِلَيْهَا وَهل بعد العناق تداني)
(وألثم فاها كي تَمُوت حرارتي ... فيشتد مَا ألْقى من الهيمان)
)
(كَأَن فُؤَادِي لَيْسَ يشفى غليله ... إِلَى أَن يرى الروحين يمتزجان)
وَمِنْه يهجو الْورْد ويفضل النرجس من الْكَامِل
(خجلت خدود الْورْد من تفضيله ... خجلاً توردها عَلَيْهِ شَاهد)
(لم يخجل الْورْد المورد لَونه ... إِلَّا وناحله الْفَضِيلَة عاند)
(للنرجس الْفضل الْمُبين وَإِن أَبى ... آبٍ وحاد عَن المحجة حائد)
(فصل الْقَضِيَّة أَن هَذَا قَائِد ... زهر الرّبيع وَأَن هَذَا طارد)
(شتان بَين اثْنَيْنِ هَذَا موعد ... بتسلب الدُّنْيَا وَهَذَا وَاعد)(21/122)
(هذي النُّجُوم هِيَ الَّتِي ربتهما ... بحيا السَّحَاب كَمَا يُربي الْوَالِد)
(فَانْظُر إِلَى الْوَلَدَيْنِ من أدناهما ... شبها بوالده فَذَاك الْمَاجِد)
(أَيْن الْعُيُون من الخدود نفاسة ... ورياسة لَوْلَا الْقيَاس الْفَاسِد)
وناقضه جمَاعَة من شعراء بَغْدَاد وعاكسوه مِنْهُم أَحْمد بن يُونُس الْكَاتِب حَيْثُ قَالَ من الْكَامِل
(إِن الْقيَاس لمن يَصح قِيَاسه ... بَين الْعُيُون وَبَينه متباعد)
(إِن قلت أَن كواكباً ربتهما ... بحيا السَّحَاب كَمَا يُربي الْوَالِد)
(قُلْنَا أحقهما بطبع أَبِيه فِي ... الجدوى هُوَ الزاكي النجيب الراشد)
(زهر النُّجُوم تروقنا بضيائها ... وَلها مَنَافِع جمة وفوائد)
(وَكَذَلِكَ الْورْد الأنيق يروقنا ... وَله فَضَائِل جمة وعوائد)
(إِن كنت تنكر مَا ذكرنَا بَعْدَمَا ... وضحت عَلَيْهِ دَلَائِل وشواهد)
(فَانْظُر إِلَى المصفر لوناً مِنْهُمَا ... وافطن فَمَا يصفر إِلَّا الْحَاسِد)
وَقَالَ سعيد بن هَاشم الخالدي من الوافر
(أبحت النرجس الرقي ودي ... وَمَالِي باجتناب الْورْد طاقه)
(كلا الْأَخَوَيْنِ معشوق وَإِنِّي ... أرى التَّفْضِيل بَينهمَا حماقه)
(هما فِي عَسْكَر الْأَنْوَار هَذَا ... مُقَدّمَة تسير وَذَاكَ سَاقه)
وَقَالَ أَبُو بكر الصنوبري من الْخَفِيف
(زعم الْورْد أَنه هُوَ أزهى ... من جَمِيع الأزهار وَالريحَان)
)
(فأجابته أعين النرجس الغض ... بذلٍّ من قَوْلهَا وهوان)
(أَيّمَا أحسن التورد أم مق ... لَة ريمٍ مَرِيضَة الأجفان)
(أم فَمَاذَا يَرْجُو بحمرته الور ... د إِذا لم يكن لَهُ عينان)
(فزهي الْورْد ثمَّ قَالَ فَجِئْنَا ... بقياسٍ مستحسنٍ وَبَيَان)
(إِن ورد الخدود أحسن من عي ... ن بهَا صفرَة من اليرقان)
وَقَالَ مُسلم بن الْوَلِيد يفضل الْورْد من السَّرِيع
(كم من يَد للورد مَشْهُورَة ... عِنْدِي وَلَيْسَت كيد النرجس)
(الْورْد يَأْتِي ووجوه الرِّبَا ... تضحك عَن ذِي برد أملس)
(وَقد تحلت بعقود الندى ... نابتة فِي الأَرْض لم تغرس)
(وَلنْ ترى النرجس حَتَّى ترى ... روض الخزامى رثَّة الملبس)
(وتخلق النكباء مَا جددت ... أَيدي الغوادي من سنا السندس)
(هُنَاكَ يَأْتِيك غَرِيبا على ... شوق من الْأَعْين والأنفس)
قلت وَفِي تَرْجَمَة عبد الْوَهَّاب بن سَحْنُون مجاراة فِي ذكر الْورْد والنرجس والمفاضلة بَينهمَا فلتطلب من هُنَاكَ(21/123)
الْمَجُوسِيّ الطَّبِيب عَليّ بن الْعَبَّاس الْمَجُوسِيّ كَانَ من الأهواز طَبِيبا مجيداً متميزاً فِي الطِّبّ وَهُوَ مُصَنف الْكتاب الملكي فِي الطِّبّ صنفه لعضد الدولة الديلمي وَهُوَ كتاب جليل وَكَانَ عَليّ بن الْعَبَّاس قد اشْتغل على أبي ماهر مُوسَى بن سيار وتتلمذ لَهُ وَله من الْكتب أَيْضا
3 - (عَليّ بن عبد الله)
أَبُو الْحسن ابْن النَّقِيب الْعلوِي عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن المعمر أَبُو الْحسن ابْن النَّقِيب الطَّاهِر أبي طَالب الْعلوِي هُوَ معرق فِي الرياسة والتقدم والنقابة وَكَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا وجيهاً مُعظما متواضعاً لطيف الْأَخْلَاق حسن الطَّرِيقَة حميد السِّيرَة توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة
وَمن شعره من الرجز
(زِيَارَة زورها الغرام ... فَفِيمَ تمتن بهَا الأحلام)
(وَإِنَّمَا أَخُو الْهوى مخادع ... شائم مَا عَارضه جهام)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وليل سرى فِيهِ الخيال وبرده ... يضوعه نشر الصَّباح الممسك)
(فَلَو كَانَ للآمال كف لأقبلت ... بقالص أذيال الدجى تتمسك)
وَمِنْه من الوافر
(إِذا رقصت وأيقظت المثاني ... وطرف رقيبها العاني نؤوم)
(أرتك الرَّوْض مطلول الْحَوَاشِي ... يهينم مسحراً فِيهِ النسيم)
(وفت حركاتها بِسُكُون عقل ... وأحشاء ترقصها الهموم)
قلت شعر جيد
الْجَعْفَرِي عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب أَبُو الْحسن الْجَعْفَرِي ذكره أَبُو بكر الصولي وَقَالَ شَاعِر مقل قَالَ لما حَملَنِي عمر بن فرخ إِلَى سُرَّمن رأى حبست بهَا فَاسْتَأْذن عَليّ شخص من الْكتاب فَلَمَّا دخل(21/124)
قَالَ أَيْن هُوَ هَذَا الْجَعْفَرِي الَّذِي يتريث فِي شعره فَقلت لَهُ أَتُرِيدُ قولي من الطَّوِيل
(وَلما بدا لي أَنَّهَا لَا تحبني ... وَأَن هَواهَا لَيْسَ عني بمنجلي)
(تمنيت أَن تهوى وتجفى لَعَلَّهَا ... تذوق مرارات الْهوى فترق لي)
فَأَما الَّذِي أقوله فِي الْغيرَة عَلَيْهَا فقد محا هَذَا ذَاك من الْخَفِيف
(إِنَّمَا سرني صدودك عني ... وطلابيك وامتناعك مني)
)
(ذَاك أَن لَا أكون مِفْتَاح غَيْرِي ... فَإِذا مَا خلوت كنت التَّمَنِّي)
(حسب نَفسِي أَن تعلمي أَن قلبِي ... لكم وامق وَلَو بالتظني)
قَالَ فَنَهَضَ وَهُوَ يَقُول إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات قلت وَفِي تَرْجَمَة عبد المحسن الصُّورِي شَيْء من التديث فِي الشّعْر
وَقَالَ عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر مرت بِي امْرَأَة فِي الطّواف وَأَنا جَالس أنْشد صديقا لي هَذَا الْبَيْت من الْبَسِيط
(أَهْوى هوى الدّين وَاللَّذَّات تعجبني ... وَكَيف لي بهوى اللَّذَّات وَالدّين)
فالتفتت إِلَيّ وَقَالَت دع أَيهمَا شِئْت وَخذ بِالْآخرِ
وَمن شعر عَليّ بن عبد الله قَوْله من الْبَسِيط
(وَالله لَا نظرت عَيْني إِلَيْك وَلَا ... سَالَتْ مساربها شوقاً إِلَيْك دَمًا)
(إِلَّا مفاجأة عِنْد اللِّقَاء وَلَا ... راجعتها الدَّهْر إِلَّا نَاسِيا كلما)
(إِن كنت خُنْت وَلم أضمر خيانتكم ... فَالله يَأْخُذ مِمَّن خَان أَو ظلما)
(سماحة بمحب خَان صَاحبه ... مَا خَان قطّ محب يعرف الكرما)
ابْن الْمَدِينِيّ عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر بن نجيح مولى عُرْوَة بن عَطِيَّة(21/125)
السَّعْدِيّ الإِمَام أَبُو الْحسن ابْن الْمَدِينِيّ الْبَصْرِيّ أحد الْأَعْلَام وَصَاحب التصانيف ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ سمع أَبَاهُ وَحَمَّاد بن زيد وهشيماً وَابْن عُيَيْنَة والدراوردي وَعبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد الْعمي وجعفر بن سُلَيْمَان الضبعِي وَجَرِير بن عبد الحميد وَابْن وهب وَعبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم وَعبد الْوَارِث والوليد بن مُسلم وغندراً وَيحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَابْن علية وَعبد الرَّزَّاق وخلقاً سواهُم
وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وَأحمد بن حَنْبَل والذهلي وَجَمَاعَة آخِرهم وَفَاة عبد الله بن مُحَمَّد بن أَيُّوب الْكَاتِب وأقدمهم وَفَاة شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ الْخَطِيب وَبَين وفاتيهما مائَة وثمان وَعِشْرُونَ سنة قَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ ابْن الْمَدِينِيّ علما فِي معرفَة الحَدِيث والعلل وَمَا سَمِعت أحدا قطّ وَإِنَّمَا كَانَ يكنيه إجلالاً لَهُ
وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يُسَمِّيه حَيَّة الْوَادي قَالَ أَبُو قدامَة السَّرخسِيّ رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الثريا)
تدلت حَتَّى تناولتها وَقَالَ ابْن معِين كَانَ ابْن الْمَدِينِيّ إِذا قدم علينا أظهر السّنة وَإِذا ذهب إِلَى الْبَصْرَة أظهر التَّشَيُّع وَقَالَ الفرهياني وَغَيره أعلم أهل وقته بالعلل عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالظَّاهِر أَنه أجَاب ابْن أبي داؤد إِلَى مقَالَته خوفًا من السَّيْف
وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ يَقُول قبل أَن يَمُوت بِشَهْر الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَقَالَ النَّوَوِيّ الإِمَام أَبُو زَكَرِيَّاء لِابْنِ الْمَدِينِيّ فِي الحَدِيث نَحْو مِائَتي تصنيف قَالَ عَبَّاس الْعَنْبَري بلغ عَليّ بن الْمَدِينِيّ مَا لَو قضى أَن يتم على ذَلِك لَعَلَّه كَانَ يقدم على الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ النَّاس يَكْتُبُونَ قِيَامه وقعوده ولباسه وكل شَيْء يَقُول أَو يفعل أَو نَحْو هَذَا وَمَات رَحمَه الله ليومين بقيا من ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ بسامراء
سيف الدولة ابْن حمدَان عَليّ بن عبد الله بن حمدَان بن الْحَرْب بن لُقْمَان بن رَاشد أَبُو الْحسن بن أبي الهيجاء التغلبي سيف الدولة صَاحب حلب ممدوح المتنبي وَغَيره أَصله من الجزيرة وَنَشَأ بِبَغْدَاد ولقبه الإِمَام المتقي لله سيف الدولة كَانَ(21/126)
فَارِسًا بطلاً فَقِيها شَاعِرًا أديباً بليغاً ملك ديار مصر وديار بكر ودمشق وحلب وَكَانَت حلب دَار ملكه ومقر عزه وَله مَعَ الرّوم أَرْبَعُونَ وقْعَة لَهُ وَعَلِيهِ وَمَعَ غَيرهم مَا لَا يُحْصى قَالَ سِنَان بن ثَابت أحصى من وَفد عَلَيْهِ من الأجناد وَأَصْحَاب السُّلْطَان وَالْكتاب وَالشعرَاء وعرب الْبَريَّة وأصناف النَّاس وَذَلِكَ فِي عشر الْأَضْحَى فَكَانُوا اثْنَي عشر ألفا وَمِائَتَيْنِ فأنفذ لكل وَاحِد من الْأُضْحِية على قدره من مائَة إِلَى شَاة وَلَزِمَه فِي فدَاء الأسرى سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مائَة سِتّ مائَة ألف دِينَار وَكَانَ ذَلِك خَاتِمَة عمله لِأَنَّهُ مَاتَ بعد ذَلِك بِقَلِيل وَاشْترى كل أَسِير من الضُّعَفَاء بِثَلَاثَة وَثَمَانِينَ دِينَارا وَثلث دِينَار رُومِية فَأَما الجلة من الأسرى ففادى بهم أُسَارَى عِنْده من الرّوم من رُؤَسَائِهِمْ وَكَانَت أُخْته قد توفيت وخلفت خمس مائَة ألف دِينَار فصرفها فِي هَذَا الْوَجْه فَقَالَ الببغاء من الْكَامِل
(مَا المَال إِلَّا مَا أَفَادَ ثَنَاء ... مَا الْعِزّ إِلَّا مَا حمى الْأَعْدَاء)
(وفديت من أسر الْعَدو معاشراً ... لولاك مَا عرفُوا الزَّمَان فدَاء)
(كَانُوا عبيد نداك ثمَّ شريتهم ... فَغَدوْا عبيدك نعْمَة وَشِرَاء)
)
وَكَانَ سيف الدولة بليغاً كتب إِلَى أبي فراس كتابي ويدي فِي الْكتاب ورجلي فِي الركاب وَأَنا أسْرع من الرّيح الهبوب وَالْمَاء إِلَى الأنبوب ومولده بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَثَلَاث مائَة بالفالج وَقيل بعسر الْبَوْل بحلب فِي شهر صفر وَحمل إِلَى ميافارقين وَدفن عِنْد أمه وَكَانَ قد جمع من نفض الْغُبَار الَّذِي يجْتَمع عَلَيْهِ أيا الحروب مَا جَاءَ مِنْهُ لبنة بِقدر الْكَفّ فأوصى أَن يوضع خَدّه عَلَيْهَا فِي قَبره فَفعل بِهِ ذَلِك
وَلما مَاتَ سيف الدولة تولى أمره القَاضِي أَبُو الْهَيْثَم ابْن أبي حُصَيْن وغسله عبد الحميد بن سهل الْمَالِكِي قَاضِي الْكُوفَة سبع مَرَّات أَولا بِالْمَاءِ والسدر ثمَّ بالصندل ثمَّ بالذريرة ثمَّ بالعنبر ثمَّ بالكافور ثمَّ بِمَاء الْورْد ثمَّ بالمسك ثمَّ بِمَاء قراح ونشف بِثَوْب دبيقي ثمنه خَمْسُونَ دِينَارا
وكفن فِي سَبْعَة أَثوَاب تَسَاوِي ألفي دِينَار فِيهَا قَمِيص قصب بعد أَن صَبر بِمِائَة مِثْقَال غَالِيَة ومنوين كافور وَصلى عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الأقساسي الْعلوِي الْكُوفِي وَكبر عَلَيْهِ خمْسا وَحمل فِي تَابُوت إِلَى ميافارقين
وَملك بعده ابْنه سعد الدولة وَيُقَال إِنَّه فِي أَيَّامه لَقِي جندي جندياً من أَصْحَاب سيف الدولة فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَنْتُم فَقَالَ كَيفَ نَحن وَقد بلينا بشاعر كَذَّاب وسلطان خَفِيف الركاب يَعْنِي بذلك المتنبي فِي أمداحه لسيف الدولة وَكَانَ سيف الدولة قد استولى أَولا(21/127)
على وَاسِط ونواحيها
وتنقلب بِهِ الْأَحْوَال فَانْتزع حلب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ من أَحْمد بن سعيد الْكلابِي نَائِب الإخشيد
وَكَانَ إمامياً متظاهراً بالتشيع كثير الافضال على الطالبيين وأشياعهم ومنتحلي مذاهبهم وَكَانَ نَاصِر الدولة الْحسن أَخُوهُ يحب سيف الدولة وَهُوَ أكبر مِنْهُ قَالَ أنفقت من المَال مائَة ألف دِينَار حَتَّى يلقب عَليّ سيف الدولة وَكَانَ سيف الدولة يعظم أَخَاهُ نَاصِر الدولة وَله فِيهِ من الْأَشْعَار مَا تقدم فِي تَرْجَمَة نَاصِر الدولة
وَعَاد سيف الدولة من بعض غَزَوَاته وَجلسَ للتهنئة وَالشعرَاء ينشدونه فَدخل رجل من أهل الشَّام طَوِيل الرَّقَبَة كَبِير الذقن فأنشده أبياتاً مرذولة إِلَى أَن قَالَ مِنْهَا من الطَّوِيل
(فَكَانُوا كفارٍ وشوشوا خلف حَائِط ... وَكنت كسنور عَلَيْهِم تسلقا)
فَأمر بِهِ سيف الدولة فوجيء فِي حلقه حَتَّى أخرج فَلَمَّا انْقَضى الْمجْلس سَأَلَ هَل بِالْبَابِ أحد فَقيل ذَلِك الشَّاعِر جَالس فِي الدهليز يبكي ويتألم فَأمر بإحضاره وَقَالَ لَهُ مَا حملك على قَتله فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير مَا أنصفتني لِأَنِّي أَتَيْتُك بِكُل جهدي أطلب بعض مَا عنْدك فنالني مِنْك مَا)
نالني فَقَالَ من يكون هَذَا نثره يكون ذَلِك نظمه كم كنت أملت بِهَذِهِ القصيدة قَالَ خمس مائَة دِرْهَم فَقَالَ أضعفوها لَهُ
وَقدم إِلَيْهِ أَعْرَابِي رث الْهَيْئَة وأنشده من المنسرح
(أَنْت عَليّ وَهَذِه حلب ... قد نفذ الزَّاد وانْتهى الطّلب)
(بِهَذِهِ تَفْخَر الْبِلَاد وبالأمير ... تزهى على الورى الْعَرَب)
(وَعَبْدك الدَّهْر قد أضرّ بِنَا ... إِلَيْك من جور عَبدك الْهَرَب)
فَأمر لَهُ بِمِائَتي دِينَار من دَنَانِير الصلات كل دِينَار عشرَة دَنَانِير عَلَيْهِ اسْمه وَصورته وَطلب رَسُول سيف الدولة لما قدم الحضرة بِبَغْدَاد من إِبْرَاهِيم بن هِلَال الصابي شَيْئا من شعره فَكتب إِلَيْهِ من الْكَامِل
(إِن كنت خنتك فِي الْمَوَدَّة سَاعَة ... فذممت سيف الدولة المحمودا)
(وَزَعَمت أَن لَهُ شَرِيكا فِي العلى ... وجحدته فِي فَضله التوحيدا)
(قسما لواني حَالف بغموسها ... لغريم دين مَا أَرَادَ مزيدا)
فَبعث إِلَيْهِ ثَلَاث آلَاف دِينَار لكل بَيت ألف دِينَار وَقَالَ الببغا مَا حفظنا على سيف(21/128)
الدولة خرماً قطّ إِلَّا فِي يَوْم وَاحِد فَإِنَّهُ كَانَ فِي مجْلِس خلْوَة وَنحن قيام بَين يَدَيْهِ فَدخل أَبُو فراس وَكَانَ بديعاً فِي الْحسن فَقبل يَده فَقَالَ فمي أَحَق من يَدي
وَالنَّاس يسمون عصره وزمانه الطّراز الْمَذْهَب لِأَن الْفُضَلَاء الَّذِي كَانُوا عِنْده وَالشعرَاء الَّذين مدحوه لم يَأْتِ بعدهمْ مثلهم خَطِيبه ابْن نباتة ومعلمه ابْن خالويه وطباخه كشاجم والخالديان كتبه والمتنبي والسلامي والوأواء والببغاء وَغَيرهم شعراؤه وَقد غلط النَّاس ونسبوا إِلَيْهِ أشعاراً لَيست لَهُ من ذَلِك الأبيات الَّتِي فِي وصف قَوس قزَح وأولها من الطَّوِيل
(وسَاق صبيح للصبوح دَعوته ... فَقَامَ وَفِي أجفانه سنة الغمض)
وَهِي لِابْنِ الرُّومِي ذكرت فِي تَرْجَمته وَقيل لغيره وَكَذَا الأبيات الَّتِي أَولهَا من الْخَفِيف
(راقبتني فِيك الْعُيُون فأشفق ... ت وَلم أخل قطّ من إشفاق)
الأبيات لَيست لَهُ قيل إِنَّهَا لعبد المحسن الصُّورِي
وَمن شعره يصف مخدة من الرجز المجزوء
(نمرقة مِنْهَا استفا ... د الزهر أَصْنَاف الْملح)
)
(تلمح فِيهَا الْعين من ... ريش الطواويس لمح)
كَأَنَّمَا دَار على سمائها قَوس قزَح وَمِنْه من الوافر
(أقبله على جزعي ... كشرب الطَّائِر الْفَزع)
(رأى مَاء فأطمعه ... وَخَافَ عواقب الطمع)
(وصادف خلسةً فَدَنَا ... وَلم يلتذ بالجرع)
وَقيل إِنَّهَا لغيره وَمن شعره من الطَّوِيل
(تجنى عَليّ الذَّنب ذَنبه ... وعاتبني ظلما وَفِي يَده العتب)
(وَأعْرض لما صَار قلبِي بكفه ... فَهَلا جفاني حِين كَانَ لي الذَّنب)
(إِذا برم الْمولى بِخِدْمَة عَبده ... تجنى لَهُ ذَنبا وَإِن لم يكن لَهُ ذَنْب)(21/129)
ويحكى أَن أَبَا فراس كَانَ يَوْمًا بَين يَدَيْهِ فِي نفر من ندمائه فَقَالَ لَهُم سيف الدولة أَيّكُم يُجِيز قولي وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا سَيِّدي يَعْنِي أَبَا فراس وأنشدني من الْخَفِيف المجزوء
(لَك جسمي تعله ... قدمي لم تطله)
(لَك من قلبِي المكا ... ن فَلم لَا تحله)
فارتجل أَبُو فراس وَقَالَ
(قَالَ إِن كنت مَالِكًا ... فلي الْأَمر كُله)
فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَعْطَاهُ ضَيْعَة بمنبج تغل ألفي دِينَار وَمن شعره من المديد
(قد جرى فِي دمعه دَمه ... فَإلَى كم أَنْت تظلمه)
(رد عَنهُ الطّرف مِنْك فقد ... جرحته مِنْهُ أسهمه)
(كَيفَ يسطيع التجلد من ... خطرات الْوَهم تؤلمه)
وَمِنْه من المنسرح
(كَأَنَّمَا النَّار والرماد مَعًا ... وضوءها فِي ظلامه يحجب)
(وجنة عذراء مَسهَا خجل ... واستترت تَحت عنبر أَشهب)
وَمِنْه من الْكَامِل المجزوء وَالْمَاء يفصل بَين زهر الرَّوْض فِي الشطين فصلا)
(كبساط وشي جردت ... أَيدي القيون عَلَيْهِ نصلا)
الْأمَوِي أَبُو العميطر عَليّ بن عبد الله بن خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان خرج بِدِمَشْق وَغلب عَلَيْهَا ودعا إِلَى نَفسه والمأمون بخراسان ثمَّ اضمحل أمره وَأمه نفيسة بنت عبيد الله بن الْعَبَّاس بن عَليّ بن أبي طَالب يلقب بِأبي العميطر لِأَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابه أيش كنية الجردون فَقَالُوا لَا نَدْرِي فَقَالَ أَبُو العميطر فلقبوه بِهِ وَكَانَت دَاره بالمزة وَله دَار أُخْرَى برحبة البصل بِدِمَشْق(21/130)
ودعا إِلَى نَفسه وبويع بالخلافة فِي سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة واشتغل عَنهُ الْأمين بمحاربة أَخِيه الْمَأْمُون وَقيل أَنه أُرِيد على الْخُرُوج فَأبى فحفر لَهُ خطاب ابْن وَجه الْفلس الدِّمَشْقِي مولى الْوَلِيد بن عبد الْملك وَأَصْحَابه سرباً تَحت بَيته ودخلوه فِي اللَّيْل ونادوه اخْرُج فقد آن لَك أَن تخرج فَقَالَ هَذَا شَيْطَان فَأتوهُ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَنَادَوْهُ كَذَلِك فَوَقع فِي نَفسه فَخرج لما أصبح فَقَالَ الإِمَام أَحْمد أفسدوه
وَبَايَعَهُ أهل الشَّام وحمص وقنسرين والسواحل إِلَّا القيسية فنهب دُورهمْ وأحرقها وقتلهم وَكَانَت مُضر مَعَه وَكَانَ أَصْحَابه ينادون فِي الْأَسْوَاق قومُوا فَبَايعُوا الْمهْدي الْمُخْتَار الَّذِي اخْتَارَهُ الله عَليّ بني هَاشم الأشرار وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَكَانَ أَبُو العميطر يفخر بِنَفسِهِ وَيَقُول أَنا ابْن شَيْخي صفّين
السَّجَّاد العباسي عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي أَبُو مُحَمَّد السَّجَّاد وَالِد مُحَمَّد وَعِيسَى وَدَاوُد وَسليمَان وَعبد الصَّمد وَصَالح وَعبد الله ولد أَيَّام قتل عَليّ بن أبي طَالب فَسُمي باسمه وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة روى عَن أَبِيه وَأبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر وَجَمَاعَة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة وَكَانَ وسيماً جسيماً طَويلا إِلَى الْغَايَة جميلاً مهيباً ذَا لحية مليحة يخضب بالوسمة
ذكر الْأَوْزَاعِيّ أَنه كَانَ يسْجد كل يَوْم ألف سَجْدَة وَقَالَ عبد الْملك لَا لاْحتمل لَك الِاسْم والكنية جَمِيعًا فَغَيره وكناه أَبَا مُحَمَّد وَقيل أَنه كَانَ لَهُ خمس مائَة شَجَرَة يُصَلِّي عِنْد شَجَرَة رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ كَبِير الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْغَايَة سكن الحميمة من البلقاء وَهُوَ جد الْخُلَفَاء بني)
الْعَبَّاس وَهُوَ أَصْغَر ولد أَبِيه وأجمل قرشي على وَجه الأَرْض وَكَانَ يدعى ذَا التفنات قَالَ الْمبرد ضرب بالسياط مرَّتَيْنِ ضربه الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي تزَوجه لبَابَة(21/131)
ابْنة عبد الله بن جَعْفَر ابْن أبي طَالب وَكَانَت عِنْد عبد الْملك فعض تفاحة وَرمى بهَا إِلَيْهَا وَكَانَ أبخر فتناولت سكيناً فَقَالَ مَا تصنعين بهَا فَقَالَت أميط الْأَذَى عَنْهَا فَطلقهَا فَتَزَوجهَا عَليّ بن عبد الله فَضَربهُ الْوَلِيد وَقَالَ إِنَّمَا تتَزَوَّج بأمهات الْخُلَفَاء لتَضَع مِنْهُم لِأَن مَرْوَان بن الحكم إِنَّمَا تزوج بِأم خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة ليضع مِنْهَا فَقَالَ عَليّ بن عبد الله إِنَّمَا أَرَادَت الْخُرُوج من هَذَا الْبَلَد وَأَنا ابْن عَمها فتزوجتها لأَكُون لَهَا محرما
وَكَانَ عَليّ أَقرع لَا يُفَارق قلنسوته فَبعث الْوَلِيد بن عبد الْملك جَارِيَة وَهُوَ جَالس مَعَ لبَابَة فكشف رَأسه على غَفلَة لترى مَا بِهِ فَقلت لبَابَة لِلْجَارِيَةِ هاشمي أَقرع أحب إِلَيْنَا من أموي أبخر
وضربه الْمرة الثَّانِيَة وَدَار بِهِ على بعير وصائح يَصِيح بِهِ هَذَا عَليّ بن عبد الله الْكذَّاب لِأَنَّهُ بلغه عَنهُ أَنه قَالَ إِن هَذَا الْأَمر سَيكون فِي وَلَدي قَالَ عَليّ لمن سَأَلَهُ ذَلِك أَحَق هُوَ قَالَ وَالله لَيَكُونن فيهم حَتَّى تملكهم عبيدهم الصغار الْعُيُون العراض الْوُجُوه الَّذين كَأَن وُجُوههم المجان المطرفة وجاءتهم مرّة غَارة وَقت الصَّباح فصاح بِأَعْلَى صَوته واصباحاه فَلم تسمعه حَامِل فِي الْحَيّ إِلَّا وضعت وَكَانَ يقف على جبل سلع وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فينادي غلمانه وَهُوَ بِالْغَابَةِ فَيسْمعهُمْ وَذَلِكَ من آخر اللَّيْل وَبَين الغابة وسلع ثَمَانِيَة أَمْيَال وَكَانَ لَا يعرف من وَلَده مُحَمَّد
حفيد السَّجَّاد عَليّ بن عبد الله بن عَليّ السَّجَّاد بن الْحسن المثلث بن الْحسن المثني بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم كَانَ من شعراء بَيته وفضلائهم من شعره من الْبَسِيط
(أَشْكُو إِلَى الله حَالا قد بليت بهَا ... مَعَ ارتقائي فِي بحبوحة الشّرف)
(وَلَو بهَا الْكَلْب يَوْمًا يبتلى لعوى ... وَاخْتَارَ عَنْهَا ارْتِكَاب الهلك والتلف)
وَمِنْه من الوافر
(وَلست بِمُسلم نَفسِي مُطيعًا ... إِلَى من لست آمن أَن يجورا)
(وَلَكِنِّي إِذا حذرت مِنْهُ ... أُخَالِف صَارِمًا عضباً بتورا)
)
(وَأنزل كل رابية براح ... أكون على الْأَمِير بهَا أَمِيرا)
وَمِنْه قد دَعَتْهُ جَارِيَة لَهُ إِلَى نَفسهَا من الطَّوِيل
(دعتني إِلَى مَا قد نهاني منصبي ... وديني عَنهُ فادعت أنني الدَّاعِي)
(بِلَا يَا بني بنت الرَّسُول كَثِيرَة ... منوعة لَكِن ذَا شَرّ أَنْوَاع)(21/132)
ابْن سلمَان الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة عَليّ بن عبد الله بن سلمَان أَبُو الْحسن الْحلِيّ من الْحلَّة السيفية تولى بهَا الْقَضَاء مُدَّة لما عزل الْقَاسِم بن يحيى الشهزوري عَن قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد قدم هَذَا إِلَى بَغْدَاد وسعى بالمنصب وبذل أَمْوَالًا كَثِيرَة فَقبل مِنْهُ وَتَوَلَّى المنصب فِي رَابِع عشْرين صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَكَانَ حَنَفِيّ الْمَذْهَب وَكَانَ خَبِيث العقيدة يرتشي على الْأَحْكَام ويرتكب العظائم فعقد لَهُ مجْلِس بدار ابْن مهْدي وحضره الْفُقَهَاء والأعيان والولاة وَظهر فسقه وَرفع طيلسانه وعزل يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى سنة سِتّ مائَة وَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْحلَّة واعتقل بهَا مُدَّة وَأطلق بعد ذَلِك وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة وَلعلَّة قد جَاوز الثَّمَانِينَ
أَبُو الْحسن الْقَزاز عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو الْحسن الْقَزاز الْبَغْدَادِيّ لَهُ مدائح ومراثي فِي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من شعره من الطَّوِيل
(أَقُول إِذا أَبْصرت غرَّة شادن ... يتيه بتمريض الجفون النواعس)
(ترى الشَّمْس تسري فَوق غُصْن مهفهف ... أم الْبَدْر ثاو بَيْننَا فِي الْمجَالِس)
(تعطفني مِنْهُ وَلَا عطف عِنْده ... تعطف إعطاف وَحسن تمايس)
قلت شعر نَازل النَّاشِئ الْأَصْغَر عَليّ بن عبد الله بن وصيف أَبُو الْحُسَيْن الحلاء بِالْحَاء الْمُهْملَة وَاللَّام الْمُشَدّدَة كَانَ يعْمل حلية المداخن والمقدمات وَيعْمل الصفر ويخرمه وَله فِيهِ صَنْعَة بديعة وَكَانَ يعرف بالناشيء الْأَصْغَر بالنُّون وَبعد الْألف شين مُعْجمَة وَكَانَ من متكلمي الشِّيعَة الإمامية الْفُضَلَاء وَله شعر مدون وروى عَن ابْن المعتز والمبرد وروى عَنهُ ابْن فَارس اللّغَوِيّ وَعبد الله بن أَحْمد بن)
مُحَمَّد بن روزبة الهمذاني وَغَيرهمَا وَقَالَ كَانَ ابْن(21/133)
الرُّومِي يجلس فِي دكان أبي وَهُوَ عطار ويلبس الدراعة وثيابه وسخة وَأَنا لَا أعرفهُ وَانْقطع مُدَّة فَسَأَلت أبي عَنهُ مَا فعل ذَلِك الشَّيْخ فَقَالَ وَيلك ذَاك ابْن الرُّومِي وَقد مَاتَ فندمت إِذْ لم أكن أخذت عَنهُ شَيْئا
وأشعار الناشيء لَا تحصى كثرفة فِي مدح أهل الْبَيْت حَتَّى عرف بهم وَقصد كافوراً الإخشيدي ومدحه ومدح الْوَزير ابْن حنزابة ونادمه ومدح سيف الدولة وَابْن العميد وعضد الدولة وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ يمِيل إِلَى الْأَحْدَاث وَلَا يشرب النَّبِيذ وَله فِي المجون طبقَة عالية وَعنهُ أَخذ مجان بَاب الطاق كلهم هَذِه الطَّرِيقَة
قَالَ الخالع كَانَت للناشيء جَارِيَة سَوْدَاء تخدمه فَدخل يَوْمًا إِلَى دَار أُخْته وَأَنا مَعَه فَرَأى صَبيا صَغِيرا أسود فَقَالَ لَهَا من هَذَا فَسَكَتَتْ فألح عَلَيْهَا فَقَالَت ابْن بِشَارَة فَقَالَ مِمَّن فَقَالَت من أجل ذَلِك أَمْسَكت فاستدعى الْجَارِيَة فَقَالَ لَهَا هَذَا الصَّبِي من أَبوهُ فَقَالَت مَا لَهُ أَب فالتقت إِلَيّ وَقَالَ سلم لي على الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام إِذا
وَكَانَ شَيخا طَويلا جسيماً عَظِيم الْخلقَة عريض الألواح موفر الْقُوَّة جَهورِي الصَّوْت عمر نيفاً وَتِسْعين سنة وَلم تضطرب أَسْنَانه وناظر يَوْمًا عَليّ بن عِيسَى الرماني فِي مَسْأَلَة فَانْقَطع الرماني فَقَالَ أعاود النّظر وَرُبمَا كَانَ فِي أَصْحَابِي من هُوَ أعلم مني بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَإِن ثَبت الْحق مَعَك وافقتك عَلَيْهِ فَأخذ يندد بِهِ فَدخل عَلَيْهِمَا عَليّ بن كَعْب الْأنْصَارِيّ المعتزلي فَقَالَ فِي أَي شَيْء أَنْتُمَا يَا أَبَا الْحُسَيْن فَقَالَ فِي ثيابنا فَقَالَ دَعْنَا من مجونك وَأعد الْمَسْأَلَة فَلَعَلَّنَا أَن نقدح فِيهَا فَقَالَ كَيفَ تقدح وحراقك رطب وناظر أشعرياً فصفعه فَقَالَ مَا هَذَا يَا أَبَا الْحُسَيْن فَقَالَ هَذَا فعله الله بك فَلم تغْضب مني فَقَالَ مَا فعله غَيْرك وَهَذَا سوء أدب وخارج عَن المناظرة فَقَالَ ناقضت إِن أَقمت على مذهبك فَهُوَ من فعل الله وَإِن انْتَقَلت فَخذ الْعِوَض فَانْقَطع الْمجْلس بالضحك وَصَارَت نادرة
قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء لَو كَانَ الْأَشْعَرِيّ ماهراً لقام إِلَيْهِ وصفعه أَشد من تِلْكَ ثمَّ يَقُول لَهُ صدقت تِلْكَ من فعل الله بِي وَهَذِه من فعل الله بك فَتَصِير النادرة عَلَيْهِ لَا لَهُ وَقَالَ كنت بِالْكُوفَةِ سنة خمس وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَأَنا أملي شعري فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بهَا وَالنَّاس يكتبونه عني وَكَانَ المتنبي إِذْ ذَاك يحضر وَهُوَ بعد لم يعرف وَلم يلقب بالمتنبي فأمليت)
القصيدة الَّتِي أَولهَا من الوافر
(بآل مُحَمَّد عرف الصَّوَاب ... وَفِي أبياتهم نزل الْكتاب)(21/134)
وَقلت مِنْهَا
(كَأَن سِنَان ذابله ضمير ... فَلَيْسَ عَن الْقُلُوب لَهُ ذهَاب)
(وصارمه كبيعته بخم ... مقاصدها من الْخلق الرّقاب)
فلمحته يكْتب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ومنهما أَخذ مَا أنشدتموني الْآن لَهُ من قَوْله من الوافر
(كَأَن الْهَام فِي الهيجا عُيُون ... وَقد طبعت سيوفك من رقاد)
(وَقد صغت الأسنة من هموم ... فَمَا يخطرن إِلَّا فِي فؤاد)
قلت وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة أبي الطّيب المتنبي هَذَانِ البيتان وَمَا أشبههما وَمن شعر النَّاشِئ من الطَّوِيل
(إِذا أَنا عاتبت الْمُلُوك فإنني ... أخط على صفح من المَاء أحرفا)
(وهبه أرعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودته طبعا فَصَارَت تكتلفا)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وليل توارى النَّجْم من طول مكثه ... كَمَا ازور مَحْبُوب لخوف رقيبه)
(كَأَن الثريا فِيهِ باقة نرجس ... يحيي بهَا ذُو صبوة لحبيبه)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(دنان كرهبان عَلَيْهَا برانس ... من الْخَزّ دكن يَوْم فصح تقصف)
(ينظم مِنْهَا المزج سلكاً كَأَنَّهُ ... إِذا مَا بدا فِي الكأس در منصف)
أَبُو الْحسن الطوسي عَليّ بن عبد الله أَبُو الْحسن الطوسي حدث بسر من رأى عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَعرَابِي وروى عَنهُ أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُوسَى الطوسي وقاسم بن مُحَمَّد الْأَنْبَارِي وَابْنه عمر وَأحمد بن عَليّ وَكَانَ أَبُو الْحسن أحد أَعْيَان عُلَمَاء الْكُوفَة وَكَانَ عدوا لِابْنِ السّكيت لِأَنَّهُمَا أخذا عَن نصران الْخُرَاسَانِي وَاخْتلفَا فِي كتبه بعد مَوته(21/135)
وَكَانَ أَبُو الْحسن قد لَقِي مَشَايِخ الْكُوفِيّين والبصريين رِوَايَة لأخبار الْقَبَائِل وأشعار الفحول وَكَانَ شَاعِرًا وَلَا مُصَنف لَهُ وَمن شعره من الْخَفِيف)
هجم الْبرد والشتاء وَلَا أملك إِلَّا رِوَايَة الْعَرَبيَّة وقميصاً لوهبت الرّيح لم يبْق على عَاتِقي مِنْهُ بقيه وتقل الْغناء عني فنون الْعلم إِن أعصفت شمال عريه وَلما مَاتَ الطوسي قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر يرثيه من الْبَسِيط
(من عَاشَ لم يخل من هم وَمن حزن ... بَين المصائب من دُنْيَاهُ والمحن)
(وَالْمَوْت قصر امْرِئ مد الْبَقَاء لَهُ ... فَكيف يسكن من عَيْش إِلَى سكن)
(وَإِنَّمَا نَحن فِي الدُّنْيَا على سفر ... فراحل خلف الْبَاقِي على ظعن)
(وَلَا أرى زَمنا أودى أَبَا حسن ... وخان فِيهِ على حر بمؤتمن)
(لقد هوى حَبل للمجد لَو وزنت ... بِهِ الْجبَال الرواسِي الشم لم تزن)
(وَأصْبح الْحَبل حَبل الدّين منتشراً ... وأدرج الْعلم والطوسي فِي كفن)
(من لم يكن مثله فِي سالف الزَّمن ... وَلم يكن مثله فِي غابر الزَّمن)
ابْن الشبيه الْعلوِي عَليّ بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن زيد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو الْقَاسِم الْعلوِي الْمَعْرُوف بِابْن الشبيه سمع مُحَمَّد بن المظفر وَكتب عَنهُ عَليّ بن أَحْمد الْحَافِظ وَكَانَ دينا حسن الِاعْتِقَاد يورق بِالْأُجْرَةِ وَيَأْكُل من كسب يَده ويواسي الْفُقَرَاء
مولده سنة سِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ خطه مليحاً وَقد رَأَيْت بِخَطِّهِ رقْعَة مليحة بقلم النّسخ
ابْن أبي الطّيب النَّيْسَابُورِي عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الطّيب كَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيره توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مائَة ومولده بنيسابور وموطنه سانزوار وَبهَا توفّي عمل لَهُ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن مُحَمَّد بن(21/136)
الْحُسَيْن بن عَمْرو مدرسة باسمه فِي محلّة إسفريين سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ تِلْمِيذه وَله كتاب التَّفْسِير الْكَبِير ثَلَاثُونَ مجلداً وَالتَّفْسِير الْأَوْسَط أحد عشر مجلداً والأصغر ثَلَاث مجلدات وَكَانَ يملي ذَلِك من حفظه وَلما مَاتَ لم يُوجد فِي خزانَة كتبه إِلَّا أَربع مجلدات أَحدهَا فقهي وَالْآخر أدبي ومجلدان فِي التَّارِيخ وَحمل إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ جلس بِغَيْر إِذن)
وَشرع فِي رِوَايَة خبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر أَمر فَقَالَ السُّلْطَان لغلام يَا غُلَام ده رَأسه فلكمه على رَأسه لكمة كَانَت سَببا لطرشه ثمَّ إِن السُّلْطَان عرف مَنْزِلَته من الدّين وَالْعلم والورع فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَأمر لَهُ بِمَال فَلم يقبله وَقَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ فَإِن اسْتَطَعْت أَن ترد عَليّ مَا أخذت مني قبلته وَهُوَ سَمْعِي فَقَالَ السُّلْطَان إِن للْملك صولة وَهُوَ مفتقر إِلَى السياسة ورأيتك قد تعديت الْوَاجِب فَجرى مني مَا جرى وَأحب أَن تجعلني فِي جلّ فَقَالَ الله بيني وَبَيْنك بالمرصاد إِنَّمَا أحضرتني لسَمَاع الْوَعْظ وأخبار الرَّسُول والخشوع لَا لإِقَامَة قوانين الْملك وَاسْتِعْمَال السياسة فَإِن ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق بالملوك لَا بالعلماء فَخَجِلَ السُّلْطَان وجذب إِلَيْهِ وعانقه وَله ديوَان شعر مِنْهُ قَوْله من الْكَامِل
(فلك الأفاضل أَرض نيسابور ... مرسى الْأَنَام وَلَيْسَ مرسى بور)
(دعيت أَبُو شهر الْبِلَاد لِأَنَّهَا ... قطب وسائرها رسوم السُّور)
(هِيَ قبَّة الْإِسْلَام نائرة الصوى ... فَكَأَنَّهَا الأقمار فِي الديجور)
(من تلق مِنْهُم تلقه بمهابة ... زقت عَلَيْهِ بفضله الموفور)
(لَهُم الْأَوَامِر والنواهي كلهَا ... ومدى سواهُم رُتْبَة الْمَأْمُور)
ابْن موهب الجذامي عَليّ بن عبد الله بن موهب الجذامي أَبُو الْحسن روى عَن ابْن عبد الْبر وَغَيره وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة ومولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَله مؤلف عَظِيم فِي تَفْسِير الْقُرْآن(21/137)
أَبُو الْحسن الْهَرَوِيّ عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الهيضم الْهَرَوِيّ الإِمَام الْفَاضِل ذكره أَبُو الْحسن الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الوشاح وَأثْنى عَلَيْهِ وَله تصانيف مِنْهَا كتاب مِفْتَاح البلاغة كتاب الْبَسْمَلَة كتاب نهج الرشاد كتاب عُقُود الْجَوَاهِر كتاب لطائف النكت كتاب تصفية الْقُلُوب وديوان شعره وَمِنْه من الْكَامِل
(ضحك الرّبيع لعبرة الأنداء ... وَمن الْعَجَائِب ضَاحِك ببكاء)
(خرجت لَهُ نَحْو الشتَاء كَتِيبَة ... ذعرت مواكبه عَن الصَّحرَاء)
(ركبت فوارسه الْهَوَاء فجردت ... سَيْفا جلا جَيش الدجى بضياء)
)
(رق الرّبيع لَهَا فَأرْسل نَحْوهَا ... بشرى نعيم فِي نسيم هَوَاء)
(والغصن قرط أُذُنه بِدَرَاهِم ... مَضْرُوبَة من فضَّة بَيْضَاء)
(وَالرَّوْض ألبس حلَّة موشيةً ... أحسن بهَا من صَنْعَة الأنداء)
(قضبان نبل أخرجت ذَهَبا لنا ... أعجب بهَا من صيرف معطاء)
(وشقائق النُّعْمَان تشبه صَارِخًا ... متظلماً متشحطاً بدماء)
(والزعفران كَأَنَّمَا فرشت بِهِ ... ديباجة نسجت من القمراء)
(ساءلتها هلا برزت لناظر ... صب كئيب هائم ببكاء)
(فَأَبت وآلت لَا يحل نقابها ... إِلَّا مجير الدولة الغراء)
قلت شعر متوسط ابْن أبي جَرَادَة الْعقيلِيّ عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن أبي جَرَادَة الْعقيلِيّ أَبُو الْحسن الْأَنْطَاكِي من أهل حلب غزير الْفضل وافر الْعقل دمث الْأَخْلَاق حسن الْعشْرَة لَهُ معرفَة بالأدب واللغة والحساب والنجوم وَيكْتب خطا حسنا ورد بَغْدَاد وَسمع بهَا وبغيرها سمع بحلب عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن أبي عِيسَى الْجَلِيّ الْحلَبِي وَأَبا الفتيان ابْن حيوس الشَّاعِر وَرمي بالتشيع ورأي الْأَوَائِل واعتقاد النُّجُوم مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة نَيف وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَمن شعره من الرمل
((21/138)
يَا ظباء البان قولا بَينا ... من لنا مِنْكُم بِظَبْيٍ ملنا)
(مشبه الْبَدْر بعاداً وسنا ... من نفى عَن مقلتي الوسنا)
(فتكت ألحاظه فِي مهجتي ... فتك بيض الْهِنْد أَو سمر القنا)
(يصرع الْأَبْطَال فِي نجدته ... إِن رمى عَن قوسه أَو إِن رنا)
(دَان أهل الدل وَالْحسن لَهُ ... مِثْلَمَا دَانَتْ لمولانا الدنا)
قلت شعر متوسط وَقد مر ذكر وَلَده الْحسن بن عَليّ فِي حرف الْحَاء الْمُهْملَة
الهمذاني الصُّوفِي عَليّ بن عبد الله بن الْحسن بن جَهْضَم بن سعيد أَبُو الْحسن الهمذاني الصُّوفِي نزيل مَكَّة
مُصَنف كتاب بهجة الْأَسْرَار فِي أَخْبَار الْقَوْم توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة)(21/139)
عُلْوِيَّهُ الْمُغنِي عَليّ بن عبد الله بن سيف هُوَ عُلْوِيَّهُ الْمُغنِي صغدي مولى لبني أُميَّة وَكَانَ ضَارِبًا باليسار وأوتار عوده مَقْلُوبَة البم فِي مَوضِع الزير وَكَانَت لَهُ حِكَايَة حَسَنَة وَإِشَارَة لَطِيفَة طيب الصَّوْت كثير الرِّوَايَة يطرب بِالْغنَاءِ ويلهي بالصوت ويضحك بحكاياته وَكَانَ ترب مُخَارق ورفيقه مُنْذُ أَيَّام الرشيد مَاتَ فِي خلَافَة الواثق بعث إِلَيْهِ ابْن ماسويه بدواء مسهل ليشربه ودواء ليطلى بِهِ فَشرب الطلاء واطلى بالدواء المسهل فَمَاتَ وَله غناء كثير يرْوى عَن عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر أَنه قَالَ لَو أخذت بالاقتصار على قدر وَاحِد مَا عدوت الزيرباجه لِأَنِّي إِن زِدْت فِيهَا بيا صَارَت ديكراكه وَإِن زِدْت فِي قَلبهَا صَارَت مطجنة وَلَو أخذت بالاقتصار على رجل وَاحِد لما عدوت عُلْوِيَّهُ لِأَنَّهُ إِن حَدثنِي ألهاني وَإِن غناني شجاني وَإِن رجعت إِلَى رَأْيه كفاني وَهُوَ تلميذ إِبْرَاهِيم وأخباره فِي كتاب الأغاني لأبي الْفرج وَإِبْرَاهِيم الرَّقِيق فِي الأغاني وَكَانَ الواثق يَقُول غناء عُلْوِيَّهُ مثل نقر الطست يبْقى سَاعَة فِي السّمع بعد سُكُوته
ابْن الاستجي الْقُرْطُبِيّ عَليّ بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو الْحسن الْأَزْدِيّ المهلبي الْقُرْطُبِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الاستجي بعد الْهمزَة سين مُهْملَة وتاء ثَالِثَة الْحُرُوف وجيم شيخ مُسْند قديم الْعِنَايَة بِطَلَب الْعلم شَاعِر مطبوع حسن الْخط صنف كتبا كَثِيرَة توفّي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره ابْن النِّعْمَة الأندلسي عَليّ بن عبد الله بن خلف بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك الإِمَام أَبُو الْحسن ابْن النِّعْمَة الْأنْصَارِيّ الأندلسي المري تصدر لِلْقُرْآنِ وَالْفِقْه والنحو وَالرِّوَايَة وَنشر الْعُلُوم صنف كتاب ري الظمآن فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَهُوَ كَبِير وصنف كتاب الإمعان فِي شرح مُصَنف النَّسَائِيّ أبي عبد الرَّحْمَن وَبلغ فِيهِ الْغَايَة من الاحتفال والإكثار وانتفع النَّاس بِهِ وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة(21/140)
ابْن قطرالّ الأندلسي عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن ابْن قطرال بِالْقَافِ والطاء)
الْمُهْملَة وَرَاء بعْدهَا ألف وَلَام مُشَدّدَة الْأنْصَارِيّ الأندلسي الْقُرْطُبِيّ ذكره ابْن الْأَبَّار ولي قَضَاء أبذة فَأسرهُ الْعَدو وتخلص وَولي قَضَاء شباطة ثمَّ قَضَاء شريش ثمَّ قَضَاء قرطبة وَقَضَاء شاطبة وخطابتها وَولي قَضَاء سبتة وَقَضَاء فاس وَكَانَ من رجال الْكَمَال علما وَعَملا يُشَارك فِي عدَّة فنون ويتميز بالبلاغة توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وست مائَة بمراكش بعد ولَايَته قَضَاء أغمات ومولده سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ قد سمع أَبَا عبد الله ابْن حَفْص وَأَبا الْقَاسِم ابْن الشراط وَأَبا الْعَبَّاس ابْن مضاء وناظر عَليّ بن مضاء فِي أصُول الْفِقْه وَأَبا الْقَاسِم ابْن رشد وَأخذ قِرَاءَة نَافِع وَعلم الْعَرَبيَّة عَن أبي جَعْفَر بن يحيى الْخَطِيب
وَسمع بغرناطة أَبَا خَالِد ابْن رِفَاعَة وَأَبا الْحسن ابْن كوثر وَسمع بالمنكب عبد الْحق بن بونه وبمقالة أَبَا عبد الله ابْن الفخار وبسبتة أَبَا مُحَمَّد بن عبيد الله وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عبد الله ابْن زرقون وَأَبُو بكر ابْن الْجد وَجَمَاعَة
الشَّيْخ الشاذلي عَليّ بن عبد الله بن عبد الْجَبَّار بن تَمِيم بن هُرْمُز بن حَاتِم بن قصي بن يُوسُف بن يُوسُف أَبُو الْحسن الشاذلي بالشين والذال المعجمتين وَبَينهمَا ألف وَفِي الآخر لَام وشاذلة قَرْيَة بأفريقية
المغربي الزَّاهِد نزيل الْإسْكَنْدَريَّة وَشَيخ الطَّائِفَة الشاذلية وَقد انتسب فِي بعض مصنفاته إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ بعد يُوسُف الْمَذْكُور ابْن يُوشَع بن برد بن بطال بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين هَذَا نسب مَجْهُول لَا يَصح وَلَا يثبت وَكَانَ الأولى بِهِ تَركه وَترك كثير مِمَّا قَالَه فِي تواليفه من الْحَقِيقَة
وَهُوَ رجل كَبِير الْقدر كثير الْكَلَام عالي الْمقَام لَهُ شعر ونثر فِيهِ متشابهات وعبارات يتَكَلَّف لَهُ فِي الِاعْتِذَار عَنْهَا وَرَأَيْت شَيخنَا عماد(21/141)
الدّين قد فتر عَنهُ فِي الآخر وَبَقِي وَاقِفًا فِي هَذِه الْعبارَات حائراً فِي الرجل لِأَنَّهُ كَانَ قد تصوف على طَرِيقَته وَصَحب الشَّيْخ نجم الدّين الاصبهاني نزيل الْحرم وَنجم الدّين صحب الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس المرسي صَاحب الشاذلي وَكَانَ الشاذلي ضريراً حج مَرَّات وَتُوفِّي بصحراء عيذاب قَاصد الْحَج فَدفن هُنَاكَ فِي أول ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية مُصَنف فِي الرَّد على مَا قَالَه الشاذلي فِي الحزب وَله حزبان كَبِير وصغير وَلَا بَأْس بِذكر الصَّغِير وَهُوَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يَا عَليّ يَا عَظِيم يَا حَلِيم يَا عليم أَنْت رَبِّي وعلمك حسبي فَنعم)
الرب رَبِّي وَنعم الْحسب حسبي تنصر من تشَاء وَأَنت الْعَزِيز الْحَكِيم نَسْأَلك الْعِصْمَة فِي الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام الساترة للقلوب عَن مطالعة الغيوب فقد ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالاً شَدِيدا ليقول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا فثبتنا يَا رب وَانْصُرْنَا وسخر لنا هَذَا الْبَحْر كَمَا سخرت الْبَحْر لمُوسَى وسخرت النَّار لإِبْرَاهِيم وسخرت الْجبَال وَالْحَدِيد لداود سخرت الرّيح وَالشَّيَاطِين وَالْجِنّ لِسُلَيْمَان وسخر لنا كل بَحر هُوَ لَك فِي الأَرْض وَالسَّمَاء وَالْملك والملكوت وبحر الدُّنْيَا وبحر الْآخِرَة وسخر لنا كل شَيْء يَا من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء كهيص كهيعص كهيعص انصرنا فَإنَّك خير الناصرين وَافْتَحْ لنا فَإنَّك خير الفاتحين وارزقنا فَإنَّك خير الرازقين واغفر لنا فَإنَّك خير الغافرين وارحمنا فَإنَّك خير الرَّاحِمِينَ واهدنا ونجنا من الْقَوْم الظَّالِمين وهب لنا ريحًا طيبَة كَمَا هِيَ فِي علمك وانشرها علينا من خَزَائِن رحمتك واحملنا بهَا حمل الْكَرَامَة مَعَ السَّلامَة والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّك على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ يسر لنا أمورنا مَعَ الرَّاحَة لقلوبنا وأبداننا والسلامة والعافية فِي دُنْيَانَا وَدِيننَا وَكن لنا صاحباً فِي سفرنا وَخَلِيفَة فِي أَهْلينَا واطمس على وُجُوه أَعْدَائِنَا وامسخهم على مكانتهم فَلَا يَسْتَطِيعُونَ الْمُضِيّ وَلَا الْمَجِيء إِلَيْنَا وَلَو نشَاء لطمسنا على أَعينهم فاستبقوا الصِّرَاط فَأبى يبصرون وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم فَمَا اسْتَطَاعُوا مضياً وَلَا يرجعُونَ يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين على صِرَاط مُسْتَقِيم تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم لينذر قوما مَا أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القَوْل على أَكْثَرهم فهم لَا يُؤمنُونَ إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً فَهِيَ إِلَى الأذقان فهم مقمحون وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً فأغشيناهم فهم لَا يبصرون شَاهَت الْوُجُوه شَاهَت الْوُجُوه شَاهَت الْوُجُوه للحي القيوم وَقد خَابَ من حمل ظلما طس حم عسق مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان حم حم حم حم حم حم حم حُمَّ الْأَمر وَجَاء النَّصْر فعلينا لَا تنْصرُونَ(21/142)
حم تَنزيلُ الكِتابِ منَ اللهِ العَزيزِ العَليمِ غافرِ الذنبِ وقابلِ التَّوبِ شَديدِ العِقَابِ ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير
بِسم الله بابنا تبَارك حيطاننا يس سقفنا كهيعص كفايتنا حم عسق حمايتنا فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم من الوافر
(وَستر الْعَرْش مسبول علينا ... وَعين الله ناظرة إِلَيْنَا)
)
(بحول الله لَا يقدر علينا ... وَالله من ورائهم مُحِيط)
بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ الله خير حفظا وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ إِن وليي الله الَّذِي نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين فَإِن توَلّوا فَقُل حَسبيَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم
بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
المالقي الأديب عَليّ بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ المالقي الأديب الشَّاعِر روى عَن مُحَمَّد بن عبد الْحق بن سُلَيْمَان لقبه بتلمسان وَقَرَأَ عَلَيْهِ برنامجه فِيهِ خفَّة لَا تخل بمروءته توفّي بمالقة سنة سبعين وست مائَة
القَاضِي نور الدّين السينَانِي عَليّ بن عبد الله بن رَيَّان بن حَنْظَلَة بن مَالك السينَانِي بِالسِّين الْمُهْملَة وَنون بعد الْيَاء آخر الْحُرُوف نور الدّين الحضرموتي الْحَضْرَمِيّ أَخْبرنِي العلاّمة أثير الدّين أَبُو حَيَّان من لَفظه قَالَ ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وست مائَة بدمريط من الشرقية وَتَوَلَّى الْقَضَاء بجهات من الشرقية وَله معرفَة بِالنّسَبِ ومشاركة فِي الْفِقْه وَحفظ جملَة من الحَدِيث وَله أدب ونظم على طَريقَة الْعَرَب وسينان الصَّحِيح أَنَّهَا من حمير وأنشدني لنَفسِهِ من الرجز
(لَقِي فؤاد مذ نأوا تلهبا ... وصارمته الغيد ربات الخبا)
(نَار أسى تضرم فِي أحشائه ... تشب من وَقد الغرام مَا خبا)
(يَا رَاكب الوجناء من خزاعه ... يرقلها طوراً وطوراً خببا)
(كَأَنَّهَا إِذا انبرت بارقة ... تقطع أجواز الفلا والحدبا)
(حَيّ أَبيت اللَّعْن ربع زَيْنَب ... إِن جزت بِالربعِ وَحي زينبا)
(مَا أنصفت زَيْنَب لما أَن نأت ... وغادرتني دنفاً معذبا)
(أسامر النَّجْم إِذا جن الدجا ... شوقاً إِلَى غيد كأمثال الظبا)(21/143)
(بيض حسان خرد كواعب ... إِذا رنوا عجبا رَأَيْت العجبا)
(يسفرن عَن مثل الشموس أوجهاً ... ويختلين القانت المهذبا)
)
قلت شعر جيد فِي بَابه من عدم التَّكَلُّف
تَاج الدّين التبريزي عَليّ بن عبد الله بن أبي الْحسن بن أبي بكر الْعَلامَة الأوحد الْمُفْتِي الْمُتَكَلّم تَاج الدّين الأردبيلي المولد التبريزي الدَّار الشَّافِعِي الصُّوفِي مولده سنة أَربع وَسبعين وست مائَة قَالَ سَمِعت من جَامع الْأُصُول على القطب الشِّيرَازِيّ وَبَعض الْوَسِيط على شمس الدّين ابْن الْمُؤَذّن وَأخذت النَّحْو وَالْفِقْه عَن الرُّكْن الحديثي وَعلم الْبَيَان عَن النظام الطوسي وَالْحكمَة والمنطق عَن السَّيِّد برهَان الدّين عبيد الله وَشرح الحاجبية عَن السَّيِّد ركن الدّين الْمُؤلف
وأجازني شمس الدّين العبيدي وَعلم الْخلاف عَن عَلَاء الدّين النُّعْمَان الْخَوَارِزْمِيّ وَأخذت أَكثر أَقسَام الرياضي وإقليدس وأوطاوقس وبادوسيوس ومالاناوس والحساب والهيئة عَن فيلسوف الْوَقْت كَمَال الدّين حسن الشِّيرَازِيّ الْأَصْبَهَانِيّ والوجيه فِي الْفِقْه عَن شيخ الزَّمَان تَاج الدّين حَمْزَة الأردبيلي وَعلم الْحساب والجبر والمساحة والفرائض عَن الصّلاح مُوسَى وَشرح السّنة والمصابيح عَن فَخر الدّين جَار الله الجندراني وألبسني خرقَة التصوف ولقنني الذّكر تَاج الدّين الملقب بالشيخ الزَّاهِد عَن شمس الدّين التبريزي عَن الرُّكْن السحاسي عَن القطب الْأَبْهَرِيّ عَن أبي النجيب السهروردي عَن أَحْمد الْغَزالِيّ عَن أبي بكر النَّيْسَابُورِي عَن مُحَمَّد النساج عَن الشبلي عَن الْجُنَيْد وَأدْركت كَمَال الدّين أَحْمد بن عربشاه بأردبيل دَعَا لي ولقنني الذّكر عَن أوحد الدّين الْكرْمَانِي وَأدْركت شَيخا كَبِيرا أجَاز لي أدْرك الْفَخر الرَّازِيّ وَأدْركت نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ وَمَا أخذت عَنهُ شَيْئا وجالست ابْن المطهر الْحلِيّ وَمَا أخذت عَنهُ لتشيعه واشتغلت وَأَنا ابْن عشْرين إِلَى تسع وَعشْرين سنة وأفتيت ولي ثَلَاثُونَ سنة وَوليت الخانقاه والتدريس وَأَنا ابْن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة وَخرجت إِلَى بَغْدَاد بعد سنة عشر وَسبع مائَة وأتيت المشهد والحلة والسلطانية ومراغة ثمَّ حججْت ثمَّ دخلت مصر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع مائَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين هُوَ عَالم كَبِير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة كاتبني غير مرّة وَحصل نُسْخَة بالميزان وذكرني فِي تواليفه
انْتهى(21/144)
وَقَالَ تَقِيّ الدّين ابْن رَافع قدم فَسمع عَليّ بن عمر الواني وَيُونُس الدبابيسي ويوسف الختني وَابْن جمَاعَة وَكتب طباقاً وَحصل جملَة من الْكتب الحديثية وشغل النَّاس فِي فنون ودرس)
بالطرنطائية وناظر وَكَثُرت طلبته وصنف فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول وأقرأ الْحَاوِي كُله فِي نصف شهر رَوَاهُ عَن شرف الدّين عَليّ بن عُثْمَان العنقي عَن مُصَنفه انْتهى قلت أَنا وَقد رَأَيْته وَسمعت كَلَامه وتوجهت إِلَيْهِ إِلَى الْمدرسَة الطرنطائية وَمَعِي كتاب كشف الْحَقَائِق للأبهري وَطلبت الِاشْتِغَال فَقَالَ مَا عِنْدِي عَلَيْهِ شرح وَكَلَامه عقد ففارقته وَسمعت غير وَاحِد من المصريين أَنه أَقرَأ الْحَاوِي من أَوله إِلَى آخِره فِي شهر وَاحِد تسع مَرَّات وَكَانَ يشغل فِي هَذِه الْعُلُوم الَّتِي ذكرهَا كلهَا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
ابْن أبي الْقَاسِم الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن عبد الله بن عمر بن أبي الْقَاسِم الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ أَخُو الإِمَام رشيد الدّين وَعمر هَذَا هُوَ الشَّيْخ زين الدّين أَبُو الْحسن ولد بعد الْأَرْبَعين وست مائَة وَأَجَازَ لَهُ ابْن العليق وَجَمَاعَة وَسمع من فضل الله الجيلي ثَلَاثَة أجراء أبي الْأَحْوَص وَمن عَليّ بن مُحَمَّد بن خطاب ابْن الخيمي جُزْء التراجم للنجاد وَمن ابْن تيميه أَحْكَامه وَمن محيي الدّين الْجَوْزِيّ كثيرا من تواليف أَبِيه وَتفرد فِي وقته وَكتب فِي الإجازات لكنه كَانَ عامياً يتهاون بِالدّينِ كَانَ أَخُوهُ يزْجر عَن السماع مِنْهُ قَالَ السراج الْقزْوِينِي تركته لما فِيهِ مِمَّا لَا يَلِيق وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (عَليّ بن عبد الْجَبَّار)
الْهُذلِيّ التّونسِيّ اللّغَوِيّ عَليّ بن الْجَبَّار بن سَلامَة بن عبدون أَبُو الْحسن الْهُذلِيّ اللّغَوِيّ التّونسِيّ ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبع مائَة يَوْم النَّحْر بتونس وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة بالإسكندرية كَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة حَافِظًا لَهَا لم يكن فِي زَمَانه مثله فِي اللُّغَة لَهُ قصيدة رد فِيهَا على الْمُرْتَد الْبَغْدَادِيّ أحد عشر ألف بَيت على قافية(21/145)
وَاحِدَة فِيهَا فَوَائِد أديبة وسمعيه رأى ابْن رَشِيق القيرواني أَبَا الْحسن عليا وَابْن القطاع أَبَا الْقَاسِم الصّقليّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ وروى عَن إِبْرَاهِيم الحصري وَمن شعره إِبْنِ الزيات السُّوسِي عَليّ بن عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن ابْن الزيات شرف الدّين أَبُو الْحسن السُّوسِي من بِلَاد إفريقية سكن الشَّام مُدَّة وَقدم الْموصل وبغداد وَسمع بهَا من جمَاعَة وَتُوفِّي بالموصل سنة ثَلَاث وَعشْرين وست مائَة وَمن شعره من الْكَامِل
(منعت رَقِيب الْحَيّ أَن يترقبا ... وبدت وحشو نقابها لن يحجبا)
(طلعت فَقُلْنَا الشَّمْس لاحت مشرقاً ... وثنت فَقُلْنَا الْبَدْر رام المغربا)
(ماست فَكَانَ الْغُصْن طي وشاحها ... ورنت فخلناها تحاكي الربربا)
(سحبت على حِين الونا أذيالها ... جر الرِّيَاح ذيولهن على الرِّبَا)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(وأغيد من ظباء الشَّام ذِي دعجٌ ... لدات يُوسُف من أدنى صواحبه)
(أذابت قلبِي مضفوراً ذوائبه ... وَمَال للترب جسمي من ترائبه)
(مَا شام عَن مهجتي هندي مقلته ... إِلَّا رَمَاهَا بنبل قَوس حَاجِبه)
الغضائري عَليّ بن عبد الحميد بن عبد الله بن سُلَيْمَان أَبُو الْحسن الغضائري نزيل حلب وثقة الْخَطِيب وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مائَة
3 - (عَليّ بن عبد الرَّحْمَن)
ابنُ ابنِ الْجَوْزِيّ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن الْجَوْزِيّ تقدم(21/146)
ذكر الْعَلامَة وَالِده أسمعهُ والدُهُ الْكثير فِي صِباه من أبي الْفَتْح ابْن البطي وَأبي زرْعَة طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأحمد بن المقرب الكرضي وشهدة الكاتبة وَيحيى بن ثَابت بن بنْدَار وَغَيرهم وَعقد مجْلِس الْوَعْظ فِي صباه مياومة مَعَ وَالِده لكنه غلب عَلَيْهِ اللَّهْو واللعب وَعشرَة المفسدين فَأَبْعَده وَالِده وهجره إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ يتَكَلَّم فِي أَبِيه وَكتب الْحفاظ عَنهُ قَالَ محب الدّين ابْن النجار سَمِعت وَالِده يَقُول إِنِّي لأدعو عَلَيْهِ كل لَيْلَة السحر وَكَانَ يورق للنَّاس بِالْأُجْرَةِ يُقَال أَنه كَانَ يكْتب فِي كل يَوْم عشر كراريس من قطع ربع الكاغد المخزني إِلَّا أَنه قَلِيل الْمعرفَة بِالْعلمِ عَامي الطَّبْع مَعَ كيس ولطف كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا مثبتاً فِي الرِّوَايَة توفّي سنة ثَلَاثِينَ وست مائَة قلت أَظُنهُ الَّذِي كَانَ يدعى عليشة
حكى أَن وَالِده الْعَلامَة أَبُو الْفرج دخل يَوْمًا إِلَى الطَّهَارَة وَترك منشفة كَانَ فِيهَا سِتَّة دَنَانِير مربوطة فَتَنَاول عليشة الذَّهَب فَلَمَّا خرج وَالِده افْتقدَ الذَّهَب فَوَجَدَهُ قد ذهب وَنظر إِلَى ابْنه فَوَجَدَهُ ناعساً يخط فَقَالَ لَهُ والك عليشة هَذَا الذَّهَب كَانَ بنج فانتبه وَقَالَ لَا وَالله إِلَّا شش
السمنجاني الحديثي الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بابويه أَبُو الْحسن السمنجاني الحديثي من حَدِيثه الْموصل تفقه ببخارا على أبي سهل الأبيوردي وَسمع مِنْهُ وَمن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الطيوري وَمُحَمّد بن عبد الْعَزِيز الْقَنْطَرِي وَمُحَمّد بن أَحْمد البرقي وَسكن أَصْبَهَان وَكَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة تخرج عَلَيْهِ جمَاعَة وَكَانَ كثير الْعِبَادَة دَائِم التِّلَاوَة وَالذكر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمْس مائَة وَكَانَ صلباً فِي مذْهبه
أَبُو الْخطاب ابْن الْجراح الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن هرون بن عبد(21/147)
الرَّحْمَن بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح الْكَاتِب أَبُو الْخطاب ابْن أبي عَليّ كَانَ من أَعْيَان الْقُرَّاء صنف فِي الْقرَاءَات كتابا ونظم فِي الْقرَاءَات قصيدة سَمَّاهَا المسعدة وَكَانَ يؤم بالمقتدي بِاللَّه ثمَّ بالمستظهر وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب قَرَأَ بالروايات على الْحسن بن عَليّ بن الصَّقْر الْكَاتِب وَمُحَمّد بن عمر بن بكير النجار وَأحمد بن)
مسرور بن عبد الْوَهَّاب الخباز وَغَيرهم وَسمع من جمَاعَة وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة وَيكْتب خطا حسنا ولد سنة تسع وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي بِبَغْدَاد سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره من الْبَسِيط
(لَا ينسينك ميعاداً مننت بِهِ ... تقادم الْعَهْد فالميعاد مِيثَاق)
(وَافْتَحْ بلطفك بَاب النجح مُجْتَهدا ... فَفِي الْأَنَام مَفَاتِيح وأغلاق)
(تزكو الصنيعة عِنْدِي إِن مننت بهَا ... كَمَا زكتْ مِنْك أَخْلَاق وأعراق)
أَبُو الْعَلَاء السُّوسِي اللّغَوِيّ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الخراز السُّوسِي أَبُو الْعَلَاء اللّغَوِيّ من سوس خوزستان قَالَ ياقوت من أهل الْأَدَب واللغة سمع الْمحَامِلِي أَبَا عبد الله روى عَنهُ أَبُو نصر السجْزِي الْحَافِظ وَلَا أعلم من حَاله غير هَذَا
إِبْنِ يُونُس الْحَافِظ صَاحب الزيج عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي الْمصْرِيّ سمع وروى قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ لِأَنَّهُ صنف الزنج للْحَاكِم فِي أَربع مجلدات توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة فَجْأَة فَلت وَقَالَ ابْن خلكان بسط القَوْل فِيهِ وَالْعَمَل وَمَا أقصر فِيهِ حَرَّره وَلم أر فِي الأزياج مثله وَلَا أطول فِيهَا مِنْهُ على كثرتها وَذكر أَن الَّذِي أمره بِعَمَلِهِ الْعَزِيز فابتدأه لَهُ وَكَانَ مُخْتَصًّا بِعلم النُّجُوم متصرفاً فِي سَائِر الْعُلُوم بارعاً فِي الشّعْر وَخلف ولدا مُتَخَلِّفًا بَاعَ كتبه وَجَمِيع تصانيفه بالأرطال فِي الصابونيين وَكَانَ قد أفنى عمره فِي الرصد والتسيير للمواليد وَكَانَ يقف للكواكب
قَالَ المسبحي أَخْبرنِي أَبُو الْحسن المنجم الطَّبَرَانِيّ أَنه طلع مَعَه إِلَى الْجَبَل المقطم وَقد وقف للزهرة فَنزع ثَوْبه وعمامته وَلبس ثوبا نساوياً أَحْمَر ومقنعة حَمْرَاء وتقنع بهَا وَأخرج عوداً فَضرب بِهِ والبخور بَين يَدَيْهِ فَكَانَ عجبا من الْعَجَائِب وَكَانَ أبله مغفلاً يعتم على طرطور طَوِيل وَيجْعَل رِدَاءَهُ فَوق الْعِمَامَة وَكَانَ طَويلا فَإِذا ركب ضحك النَّاس مِنْهُ وَمَعَ هَذِه الْحَالة كَانَت لَهُ إِصَابَة بديعة غَرِيبَة فِي النجامة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره وَكَانَ أحد الشُّهُود(21/148)
عدله القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن النُّعْمَان سنة ثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ يضْرب بِالْعودِ على سَبِيل التأدب قَالَ الْحَاكِم صَاحب مصر دخل يَوْمًا إِلَيّ ومداسه فِي يَده فَقبل الأَرْض وَجلسَ)
وَترك المداس إِلَى جَانِبه وَأَنا أرَاهُ وأراها وَهُوَ بِالْقربِ مني فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف قبل الأَرْض وَقدم مداسه ولبسه وَانْصَرف وَمن شعره من الطَّوِيل
(أحمل نشر الرّيح عِنْد هبوبه ... رِسَالَة مشتاق لوجه حَبِيبه)
(بنفسي من تحيا النُّفُوس بِقُرْبِهِ ... وَمن طابت الدُّنْيَا بِهِ وبطيبه)
(وجدد وجدي طائف مِنْهُ فِي الْكرَى ... سرى موهناً فِي خُفْيَة من رقيبه)
(لعمري لقد عطلت كأسي بعده ... وغيبتها عني لبعد مغيبه)
قلت شعر جيد
ابْن عَلَيْك عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَلَيْك بِفَتْح الْعين وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا كَاف أَبُو الْقَاسِم النَّيْسَابُورِي كَانَ فَاضلا عَالما من أَوْلَاد الْمُحدثين تنقل فِي الْبِلَاد وَسمع وَحدث وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
ابْن أبي الْبشر الصّقليّ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي الْبشر الصّقليّ الْكَاتِب من الطارئين على مصر من شعره فِي الشريف فَخر الدولة النَّقِيب من الْكَامِل
(مَا سَافَرت هممي إِلَى أكرومة ... فِي غَايَة إِلَّا وَجَدْتُك عِنْدهَا)
(فَاسْلَمْ سَلامَة مَا أَقُول فَإِنَّهُ ... تتصرم الدُّنْيَا وَتبقى بعْدهَا)
وَفِيه أَيْضا من الطَّوِيل
(وَفِي مدح فَخر الدولة الْفَخر كُله ... لذِي منطق ماضي الْغِرَاس مفلق)
(ثمال لمحروم وَعز لخاضع ... وغوث لملهوف وكنز لمملق)(21/149)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(إِذا تهلل وانهلت مواهبه ... فقد تَبَسم غب الديمة الزهر)
(وقاتم النَّقْع جلاه بطلعته ... كَأَنَّهُ قمر فِي كَفه قدر)
(لما رأتني صروف الدَّهْر عذت بِهِ ... جَاءَت إِلَيّ من الزلات تعتذر)
وَمِنْه فِي الْوَزير يحيى بن عبد الله بن الْمُدبر من الْكَامِل
(شيدت للوزراء يَا ابْن مُدبر ... شرفاً لَهُم يبْقى على الأعقاب)
)
(وجمعت بَين طَهَارَة الْأَخْلَاق وَال ... أعراق وَالْأَفْعَال والأثواب)
(جعل الْإِلَه لكل قوم سادةً ... وَبَنُو الْمُدبر سادة الْكتاب)
وَمِنْه فِي عز الدولة مقلد وَقد جرح من الطَّوِيل
(لقد خضت بَحر الْمَوْت ركضاً وصافح ال ... حَدِيد جَدِيدا مِنْك غير كليل)
(فَأَنت حسام والجروح فلوله ... وَلَا خير فِي سيف بِغَيْر فلول)
وَمِنْه من الوافر
(شربنا مَعَ غرُوب الشَّمْس شمساً ... مشعشعةً إِلَى وَقت الطُّلُوع)
(وضوء الشمع فَوق النّيل باد ... كأطراف الأسنة والدروع)
وَمِنْه من الْكَامِل
(هذي الخدود وَهَذِه الحدق ... فليدن من بفؤاده يَثِق)
(ومسربل بالْحسنِ معتجر ... مِنْهُ بأكمله ومنتطق)
(مَا كنت أعلم قبل ضمته ... أَن الجوانح كلهَا تمق)
قلت قدم لبَعض الصُّوفِي رُؤُوس مغمومة وَهُوَ متخوم فَأَنْشد أَصْحَابه وهم مثله
(هذي الخدود وَهَذِه الحدق ... فليدن من بفؤاده يَثِق)
وَمن شعر هَذَا الْمَذْكُور من الْكَامِل
(إِحْدَى مواشطه ملاحته ... فالحلي يحسن فِيهِ والعطل)
(لَوْلَا سِهَام جفونه انتظمت ... عقدا على وجناته الْقبل)
وَمِنْهَا
(أَو مَا ترى غيماً تجلله ... غسق دجا والسجف منسدل)
(داج على داج كَأَنَّهُمَا ... فِي مقلتيك الْكحل والكحل)(21/150)
وَمن شعر عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الصّقليّ الْمَذْكُور وَالْأول يجمع حُرُوف المعجم وَقيل أَنَّهُمَا لِابْنِ حمديس من الْبَسِيط
(مزرفن الصدغ يَسْطُو لحظه عَبَثا ... بالحلي جذلان إِن تَشْكُو الْهوى ضحكا)
(لَا تعرضن لوردٍ فَوق وجنته ... فَإِنَّمَا نصبته عينه شركا)
وَمِنْه فِي مُغنِي ثقيل الرمل المجزوء)
أفسدت كأسك يَا أَحمَق كفيك وحسك قلت حقق مَا تغنيه فقد غيرت حسك
(قَالَ غنيت ثقيلاً ... قلت قد غنيت نَفسك)
وَمِنْه من الرمل
(وجليس قد شنينا شخصه ... مذ عَرفْنَاهُ ملحاً مبرما)
(ثقل الْوَطْأَة فِي زورته ... ثمَّ مَا ودع حَتَّى سلما)
عكس قَول الآخر من الرمل
(زائر نم عَلَيْهِ حسنه ... كَيفَ يخفي اللَّيْل بَدْرًا طلعا)
(ركب الْأَهْوَال فِي زورته ... ثمَّ مَا سلم حَتَّى ودعا)
ابْن الْأَخْضَر الإشبيلي عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مهْدي بن عمرَان أَبُو الْحسن ابْن الْأَخْضَر التنوخي الإشبيلي اللّغَوِيّ كَانَ مقدما فِي علم اللُّغَة والعربية وَالْأَدب أَخذ عَن الأعلم وَكَانَ مَوْصُوفا بِالدّينِ والذكاء والاتقان والثقة وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَخمْس مائَة
فَخر الدّين مفتي نابلس عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة بن سُلْطَان بن سرُور الْمَقْدِسِي فَخر الدّين مفتي نابلس كَانَ من الْعلمَاء الأتقياء أفتى نَحوا من(21/151)
أَرْبَعِينَ سنة وارتحل وَسمع من ابْن الجميزي وسبط السلَفِي وَابْن رواج ومحيي الدّين بن الْجَوْزِيّ وَكتب شمس الدّين عَنهُ وَهُوَ وَالِد مفتي نابلس عماد الدّين وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة
نور الدّين ابْن المغيزل عَليّ بن عبد الرَّحْمَن نور الدّين ابْن المغيزل الْحَمَوِيّ الْكَاتِب خدم الْملك الْمَنْصُور بحماة كَاتب درج مُدَّة وَكَانَت لَهُ بحماة منزلَة ووجاهة فِي أَيَّام الْمَنْصُور وَهُوَ من نسل بَنَات الشَّيْخ شرف الدّين شيخ الشُّيُوخ بحماة وَحضر إِلَى دمشق أول سنة إِحْدَى وَسبع مائَة عِنْد توجه الْأَمِير سيف الدّين أسندمر إِلَى طرابلس نَائِبا فلازمه وَتوجه مَعَه فرتبه عوض نور الدّين ابْن رَوَاحَة كَاتب درج وَتقدم عِنْده أَقَامَ من بعض صفر إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بطرابلس سنة إِحْدَى وَسبع مائَة وأعيد ابْن رَوَاحَة إِلَى مَكَانَهُ)
3 - (عَليّ بن عبد الرَّحِيم)
مهذب الدّين ابْن العصار عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن الْحسن بن عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم السّلمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العصار بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ اللّغَوِيّ الرقي ورد بَغْدَاد وَقَرَأَ بهَا الْعلم وَأقَام بالمطبق من دَار الْخلَافَة مولده سنة ثَمَان وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة معرفَة اللُّغَة والعربية قَرَأَ على أبي مَنْصُور ابْن الجواليقي ولازمه حَتَّى برع فِي فنه وَسمع من أَحْمد بن عبد الله بن كادش وَالْقَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَاضِي المارستان وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيرهم وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْبَقَاء العكبري الضَّرِير
وَكَانَ تَاجِرًا مُوسِرًا ضابطاً ممسكاً سَافر الْكثير إِلَى الديار المصرية وَأخذ عَن أَهلهَا وروى عَنْهُم وخطه مَرْغُوب فِيهِ متنافس فِي تَحْصِيله وَكَانَ عَارِفًا بديوان المتنبي علما(21/152)
وَرِوَايَة قَرَأَهُ عَلَيْهِ جمع كَبِير بالعراق وَالشَّام ومصر وَلم يكن فِي النَّحْو مثل اللُّغَة وَاجْتمعَ فِي مصر بِابْن بري وَابْن الْخلال الْكَاتِب
عَلَاء الدّين ابْن شِيث الأسنائي عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن إِسْحَق أَبُو الْحسن عَلَاء الدّين أَخُو كَمَال الدّين إِبْرَاهِيم بن شِيث تقدم ذكر أَبِيه وأخيه وَكَانَ أكبر من أَخِيه حدث بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي سنة أَربع وَسبعين وست مائَة وَسمع من أبي الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي وَأبي المنجا ابْن الْمثنى بِبَغْدَاد وبدمشق من ابْن الحرستاني
ابْن الْأَثِير الأرمنتي عَليّ بن عبد الرَّحِيم كَمَال الدّين ابْن الْأَثِير الأرمنتي فَقِيه شَافِعِيّ تولى قَضَاء أشموم الرُّمَّان والشرقية قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي أَخْبرنِي القَاضِي زين الدّين أَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن مُوسَى بن عبد الْخَالِق السفطي قَاضِي قوص قَالَ كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد قد عزل نَفسه ثمَّ أُعِيد إِلَى الْقَضَاء فولاني بلبيس وَقَالَ لَا تعلم أحدا وتتوجه إِلَيْهَا عجلاً فتوجهت ثَانِي يَوْم الْولَايَة إِلَيْهَا وَلم يشْعر أحد فَلَمَّا جَلَست للْقَضَاء بلغ الْكَمَال الأرمنتي وَكَانَ قَاضِيا بهَا فَلم يصدق وَأرْسل إِلَى أَصْحَاب الشَّيْخ يسألهم فسألوا الشَّيْخ هَل)
عَزله فَقَالَ مَا عزلته فَكَتَبُوا إِلَيْهِ فَأخذ فِي الحَدِيث فِي الحكم فَلَمَّا بلغ الشَّيْخ قَالَ أَنا مَا عزلته وَإِنَّمَا انْعَزل بعزلي وَلم أَوله وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبع مائَة بِمصْر وَهُوَ من بَيت أَصَالَة ورئاسة بالصعيد وَكَانَ أَبوهُ حَاكما بِالْأَعْمَالِ القوصية
ابْن مراجل عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن مراجل الصَّدْر عَلَاء الدّين الْحَمَوِيّ الأَصْل الْكَاتِب تصرف وَالِد شهَاب الدّين عبد الرَّحِيم كَاتبا فِي الْجِهَات بحلب ودمشق وَنَشَأ وَلَده عَلَاء الدّين وَقَرَأَ الْأَدَب عدَّة جِهَات من مشارفة وَنظر وباشر أخيراً اسْتِيفَاء النّظر بِدِمَشْق وَكَانَ فِيهِ مَعَ تسرعه فَضِيلَة توجه إِلَى مصر بعد السَّبع مائَة وَتَأَخر مقَامه بهَا شهوراً فَقَالَ من الْبَسِيط
(أَقُول فِي مصر إِذْ طَال الْمقَام بهَا ... وساء من سوء ملقى أَهلهَا خلقي)
(يَا أهل مصر أجِيبُوا فِي السُّؤَال عَسى ... يسكن الله مَا ألْقى من القلق)
(هَل فِيكُم من يُرْجَى للنوال وَمن ... يلقى لوفد بِوَجْه ضَاحِك طلق)(21/153)
(أم عنْدكُمْ لغريب فِي دِيَاركُمْ ... بَقِيَّة من ندى أَو عَارض غدق)
(فَقيل ذَلِك مِمَّا لَيْسَ نعرفه ... وَإِنَّمَا سقينا يجْرِي على الملق)
فَبلغ ذَلِك الصاحب تَاج الدّين ابْن حنا فَأرْسل طلبَهَا مِنْهُ فَزَاد عَلَاء الدّين ابْن مراجل يمدح الصاحب تَاج الدّين
(لَكِن رَأَيْت بهَا مولى خلائقه ... أعاذها الله بالاخلاص والفلق)
(السَّيِّد الصاحب الْمولى الْوَزير وَمن ... فاق الورى كلهم بالخلق والخلق)
(تَاج الْمَعَالِي وتاج الدّين قد جمعت ... فِيهِ المكارم تَأتي مِنْهُ فِي نسق)
(سترا على أهل مصر لم يزل أبدا ... مغطياً مِنْهُم للوم والحمق)
(فالنيل من جود كفيه يفِيض بهَا ... كالسيل لكنه يُنجي من الْغَرق)
فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أرسل لَهُ شَيْئا لَهُ صُورَة وَتُوفِّي عَلَاء الدّين بِدِمَشْق سنة ثَلَاث وَسبع مائَة
ابْن الْقطَّان عَليّ بن الرَّزَّاق بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن نصر الله بن حجاج الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْفَضَائِل العامري الْمَقْدِسِي ثمَّ الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بَان الْقطَّان ولد سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة تَقْرِيبًا وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وست مائَة سمع من البوصيري وَمُحَمّد بن عبد الله)
اللبني ولي نظر الْأَوْقَاف بِمصْر وعدة ولايات وَهُوَ من بَيت حشمة وَتقدم روى عَنهُ الدمياطي
الأرمنازي عَليّ بن عبد السَّلَام بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الأرمنازي ولد سنة سبع وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة توفّي رَحمَه الله سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَسمع الحَدِيث وَكَانَ شَاعِرًا توفّي بِدِمَشْق وَمن شعره من الطَّوِيل
(أَلا إِن خير النَّاس بعد مُحَمَّد ... وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَان)
(أنَاس أَرَادَ الله إحْيَاء دينه ... بِحِفْظ الَّذِي يرْوى عَن الأول وَالثَّانِي)
(أَقَامُوا حُدُود الشَّرْع بعد نَبِيّهم ... بِمَا أوضحوه من دَلِيل وبرهان)
(وَسَارُوا مسير الشَّمْس فِي جمع علمه ... فأوطانهم أضحت لَهُم عزا وَكَانَ)
(فلست ترى مَا بَينهم غير نَاطِق ... بتصحيح علم أَو تِلَاوَة قُرْآن)
أَبُو الْحسن الشَّاعِر عَليّ بن عبد السَّيِّد أَبُو الْحسن الرئيس أديب شَاعِر روى(21/154)
عَن أصبهدوست الديلمي وَأبي مَنْصُور ابْن الطّيب شَيْئا من شعرهما وروى عَنهُ أَبُو بكر بن كَامِل وَأَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن محمويه اليزدي وَمن شعره من مجزوء الرمل
(سقني يَا صَاح رَاحا ... فضياء الصُّبْح لاحا)
(سقني رَاحا تريني ... كل مَحْظُور مُبَاحا)
(بنت كرم خدروها ... ثمَّ زفوها سِفَاحًا)
(خضبت أَيدي الندامى ... من سنا الكاس وشاحا)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أَحْبَبْت ظَبْيًا أهيفاً أغيدا ... أمرض قلبِي بتجنيه)
(قد قلت لما أَن بدا مُقبلا ... كغصن بَان فِي تثنيه)
(لنسوة لاموا على حبه ... هَذَا الَّذِي لمتنني فِيهِ)
قلت شعر جيد وَقد مر فِي تَرْجَمَة أيدمر السنائي شعر من هَذِه الْمَادَّة وَذَلِكَ أكمل
ضِيَاء الدّين القوصي)
عَليّ بن عبد الستار بن ظافر القوصي ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ هَذَا الْفَقِيه ضِيَاء الدّين ابْن أُخْتِي جمع لَهُ بَين الْقرَاءَات السَّبع وَالْفِقْه مَعَ جودة الشّعْر اغتالته الْمنية فِي شبيبته مولده بقوص سنة تسعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة ثَمَان عشرَة وست مائَة وَكتب إِلَيّ إِلَى حماة جَوَابا من الْبَسِيط
(وافى كتابك فاستبشرت من فرحٍ ... وجال طرفِي فِيمَا فِيهِ من ملح)
(وَكَانَ كالوصل بعد الهجر منزلَة ... أَو الرَّسُول بِمَا مول ومقترح)
(ومازج الرّوح مني من لطافته ... تمازج الْخمر مَاء المزن فِي الْقدح)
وَفِي أثْنَاء كِتَابه الْمَذْكُور من السَّرِيع
(مَا زَالَ فضل الله مسترفداً ... بالسعي للداني مَعَ القَاضِي)
(كَذَاك من معجز آيَاته ... أَن تجمع الطائع والعاصي)(21/155)
3 - (عَليّ بن عبد الصَّمد)
ابْن الرماح الْمُقْرِئ الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن مفرج الشَّيْخ عفيف الدّين ابْن الرماح الْمصْرِيّ الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَخمسين وَخمْس مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وست مائَة سمع من السلَفِي وَقَرَأَ الْقرَاءَات على الجيوش عَسَاكِر بن عَليّ وَالْإِمَام أبي الْجُود وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي الْحُسَيْن يحيى بن عبد الله وتصدر للإقراء بالسيفية والمدرسة الْفَاضِلِيَّةِ مُدَّة وَحمل عَنهُ جمَاعَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قَرَأت الْقُرْآن كُله على النظام مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم التبريزي وَأَخْبرنِي أَنه قَرَأَهُ على ابْن الرماح وَلم يحدثني أحد عَنهُ وَآخر من روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ القَاضِي تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان روى عَنهُ الزكي الْمُنْذِرِيّ وَكَانَ حسن السمت يحب الِانْفِرَاد مُقبلا على خويصة نَفسه منتصباً للإفادة رَاغِبًا فِي الإقراء اتَّصل بالسلطان مُدَّة وَلم يتَغَيَّر عَن طَرِيقه وعادته
بدر الدّين ابْن الزَّاهِد عَليّ بن عبد الصَّمد بن عبد الْجَلِيل بن عبد الْملك الأديب بدر الدّين أَبُو الْحسن الرَّازِيّ الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بِابْن الزَّاهِد ولد بحارة الْخَاطِب سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وست مائَة نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ)
أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ من الوافر
(عجبت لمعشر فِي النَّاس سادوا ... فنالوا بالجهالة مَا أَرَادوا)
(شربوا باللوم ذماً فاستفادوا ... أُلُوف المَال لَكِن مَا أفادوا)
(فَمَا جادوا على حر وَلَكِن ... على العواد والقواد جادوا)
3 - (عَليّ بن عبد الْعَزِيز)
قَاضِي بَغْدَاد الْجَزرِي عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد الْجَزرِي الشِّيرَازِيّ أَبُو(21/156)
الْقَاسِم ابْن أبي الْحسن القَاضِي كَانَ وَالِده من أَعْيَان الْفُقَهَاء على مَذْهَب دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَكَانَ قَاضِيا بِبَغْدَاد وَلما توفّي ولي وَلَده هَذَا الْقَضَاء بِبَغْدَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ لليلة بقيت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
وَبَقِي مديدة قُم عزل وَولي نظر البيمارستان وَحدث عَن وَالِده وَأبي حَفْص عمر بن أَحْمد بن شاهين وَأبي الْحسن عَليّ بن عمر الْحَرْبِيّ السكرِي
القَاضِي الْجِرْجَانِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن الْحسن بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَبُو الْحسن الْجِرْجَانِيّ ولي الْقَضَاء بهَا ثمَّ انْتقل إِلَى الرّيّ قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ من مفاخر جرجان وصنف تَارِيخا وَله فِي الْأَدَب الْيَد الطُّولى وشعره وبلاغته إِلَيْهِمَا الْمُنْتَهى وَله الوساطة بَين المتنبي وَأبي تَمام وَله تَفْسِير الْقُرْآن وَكَانَ حسن الْخط حسن السِّيرَة فِي الْقَضَاء شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَله قَالَ الصاحب بن عباد من الطَّوِيل
(إِذا نَحن سلمنَا لَك الْعلم كُله ... فَدَعْنَا وهذي الْكتب نجني صدورها)
(فأنهم لَا يرتضون مجيئنا ... بجزع إِذا نظمت أَنْت شذورها)
وَكَانَ فِي صباه قد خلق الخضرفي قطع عرض الأَرْض وتدويخ بِلَاد الْعرَاق وَالشَّام وَفِيه يَقُول بعض أهل عصره من المتقارب
(أيا قَاضِيا قد دنت كتبه ... وَأَن أَصبَحت دَاره شاحطه)
(كتاب الوساطة فِي حسنه ... لعقد معاليك كالواسطه)
وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل
(يَقُولُونَ لي فِيك انقباض وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رجلا عَن موقف الذل أحجما)
)
(أرى النَّاس من داناهم هان عِنْدهم ... وَمن أكرمته عزة النَّفس أكرما)(21/157)
(وَمَا زلت منحازاً بعرضي جانباً ... من الذَّم أَعْتَد الصيانة مغنما)
(إِذا قيل هَذَا مشرب قلت قد أرى ... وَلَكِن نفس الْحر تحْتَمل الظما)
(وَمَا كل برق لَاحَ لي يسنفزني ... وَلَا كل أهل الأَرْض أرضاه منعما)
(وَلم أقض حق الْعلم إِن كَانَ كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما)
(وَلم أبتذل فِي خدمَة الْعلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لَكِن لأخذما)
(أأشقى بِهِ غرساً وأجنيه ذلة ... إِذا فاتباع الْجَهْل قد كَانَ أحزما)
(وَلَو أَن أهل الْعلم صانوه صانهم ... وَلَو عظموه فِي النُّفُوس تَعَظُّمًا)
(وَلَكِن أذالوه جهاراً ودنسوا ... محياه بالأطماع حَتَّى تجهما)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أفدي الَّذِي قَالَ وَفِي كَفه ... مثل الَّذِي أشْرب من فِيهِ)
(الْورْد قد أينع فِي وجنتي ... قلت فمي باللثم يجنيه)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وَقَالُوا اضْطربَ فِي الأَرْض فالرزق وَاسع ... فَقلت وَلَكِن مطلب الرزق ضيق)
(إِذا لم يكن فِي الأَرْض حر يُعِيننِي ... وَلم يَك لي كسب فَمن أَيْن أرزق)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أحب اسْمه من أَجله وسميه ... ويتبعه فِي كل أخلاقه قلبِي)
(ويجتاز بالقوم العدى فأحبهم ... وَكلهمْ طاوي الضَّمِير على حَرْبِيّ)
وَمِنْه من السَّرِيع
(قد برح الشوق بمشتاقك ... فأوله أحسن أخلاقك)
(لَا تجفه وارع لَهُ حَقه ... فَأَنَّهُ خَاتم عشاقك)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أنثر على خدي من وردك ... أَو دع فمي يقطفه من خدك)(21/158)
(إرحم قضيب البان وارفق بِهِ ... قد خفت أَن ينْقد من قدك)
(وَقل لعينيك بنفسي هما ... يخففان السقم عَن عَبدك)
)
وَمِنْه فِي حسن التَّخَلُّص من الْكَامِل
(أوما أنثنيت عَن الْوَدَاع بلوعةٍ ... مَلَأت حشاك صبَابَة وغليلا)
(ومدامع تجْرِي فتحسب أَن فِي ... آماقهن بنان إسماعيلا)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وَلما تداعت للغروب شموسهم ... وقمنا لتوديع الْفَرِيق الْمغرب)
(تلقين أَطْرَاف السجوف بمشرق ... لَهُنَّ وأعطاف الحرور بمغرب)
(فَمَا سرن إِلَّا بَين دمع مضيع ... وَلَا قمن إِلَّا بَين قلب معذب)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(بِجَانِب الكرخ من بغداذ لي سكن ... لَوْلَا التجمل لم أَنْفك أندبه)
(وَصَاحب مَا صَحِبت الدَّهْر مذ بَعدت ... دياره وَأرَانِي لست أَصْحَبهُ)
(فِي كل يَوْم لعَيْنِي مَا يؤرقها ... من ذكره ولقلبي مَا يعذبه)
(مَا زَالَ يبعدني عَنهُ وَأتبعهُ ... وَيسْتَمر على ظلمي وأعتبه)
(حَتَّى أوت لي النَّوَى من طول جفوته ... وسهلت لي سَبِيلا كنت أرهبه)
(وَمَا البعاد دهاني بل تباعده ... وَلَا الْفِرَاق شجاني بل تجنبه)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وَفَارَقت حَتَّى لَا أسر بِمن دنا ... مَخَافَة نأي أَو جذر صدود)
(فقد جعلت نَفسِي تَقول لمقلتي ... وَقد قربوا خوف التباعد جودي)
(فَلَيْسَ قَرِيبا من يخَاف بعاده ... وَلَا من يُرْجَى قربه بِبَعِيد)
وَمِنْه من المنسرح
(بِاللَّه فض العقيق عَن برد ... يروي أقاحيه من مدام فَمه)
(وامسح غوالي العذار عَن قمر ... يقصر بالورد خد ملتثمه)
(قل السقام الَّذِي بناظره ... دَعه واشرك حشاي فِي سقمه)
(كل غرام تخَاف فتنته ... فَبين ألحاظه ومبتسمه)(21/159)
الفكيك الْحلَبِي عَليّ بن عبد الْعَزِيز أَبُو الْحسن الْحلَبِي الْمَعْرُوف بالفكيك قَالَ أَبُو الصَّلْت حَدثنِي عبد الْجَبَّار)
بن حمديس قَالَ رَأَيْت أَبَا الْحسن الفكيك بَين يَدي الْمُعْتَمد بن عباد وَهُوَ ينشده من قصيدة من المتقارب
(وَأَنت سُلَيْمَان فِي ملكه ... كَمَا أَنا قدامك الهدهد)
وَيسْجد ثمَّ يُعِيد وَيسْجد فعل ذَلِك مرَارًا فَضَحِك الْمُعْتَمد وَأمر لَهُ بجائزة سنية وَالْأَصْل فِي هَذَا قَول ابْن حجاج فِي عضد الدولة
(كَأَن سُلَيْمَان فَوق السرير ... يخاطبني وَأَنا الهدهد)
وَقَالَ الثعالبي إِن البديع الهمذاني دخل مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير على الصاحب بن عباد فَجعل يسْجد مرَارًا فَقَالَ لَهُ الصاحب يَا بني أقعد لم تسْجد كَأَنَّك هدهد وَقَالَ الفكيك أَيْضا فِي المقتدر من مُلُوك الأندلس من المتقارب
(لعزك ذلت مُلُوك الْبشر ... وعفرت تيجانهم فِي العفر)
(وأصبحت أخطرهم بالقنا ... وأركبهم لجواد الْخطر)
(سهرت وناموا عَن المأثرات ... فَمَا لَهُم فِي الْمَعَالِي أثر)
(وجليت من حَيْثُ صلى الْمُلُوك ... فَكل بذيل المنى قد عثر)
(بدور تجرد سيف الندى ... وتغمده فِي رُؤُوس الْبَدْر)
(وَأَنْتُم مُلُوك إِذا سافروا ... أظلتهم من قناهم شجر)
وَقَالَ أَيْضا من الْبَسِيط
(غنى حسامك فِي أرجاء قرطبة ... صَوتا أباد العدى والنفع معتكر)
(حَيْثُ الدِّمَاء مدام والقنا زهر ... وَالْقَوْم صرعى بكأس الحتف قد سَكِرُوا)
وَكتب لبَعض الإسكندريين من الطَّوِيل
(أَبَا جَعْفَر أنفذت أطلب عمَّة ... أَفَاضَ عَلَيْهَا الدَّهْر رونق حسنه)
(كرقة دين البابلي ولونها ... كمطبخه المبيض فِي طول قرنه)
(فأنفذتها بالضد فِي لون عرضه ... وهمته قصراً وَفِي سلك ذهنه)
(وفصاً من الْيَاقُوت أَحْمَر ناصعاً ... كأخوته بردا وَفِي ثقل آبنه)(21/160)
(فأنفذت لي فصاً كخفة عقله ... وسخنة عين قلبت تَحت جفْنه)
(قصدت خلافي فِي جَمِيع مآربي ... فأنشرت ميت السخط من بعد دَفنه)
)
(فَلَو قلت قبل رَأسه وبنانه ... خريت اعْتِمَاد الْخلف فِي جَوف ذقنه)
أَبُو الْحسن الْبَغَوِيّ عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن الْمَرْزُبَان بن سَابُور أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي الْبَغَوِيّ عَم أبي الْقَاسِم نزيل مَكَّة صَاحب أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام روى عَنهُ غَرِيب الحَدِيث وَكتاب الْحيض وَكتاب الطّهُور وَغير ذَلِك وَحدث عَن أبي نعيم وحجاج بن الْمنْهَال وَمُحَمّد بن كثير الْعَبْدي وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ والقعنبي وَعَاصِم بن عَليّ وَغَيرهم وصنف الْمسند وَحدث عَنهُ ابْن أُخْته عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ ودعلج السجْزِي وَسليمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة مَأْمُون توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ سمع مِنْهُ أُمَم من المشارقة والمغاربة وَلم يكن حجَّة
ابْن حَاجِب النُّعْمَان الْكَاتِب عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن إِبْرَاهِيم بن بَيَان بن حَاجِب النُّعْمَان أَبُو الْحسن كَانَ من الفصحاء البلغاء صنف كتبا وَأَنْشَأَ رسائل وَله ديوَان شعر وَكَانَ أَبوهُ يكْتب لأبي مُحَمَّد المهلبي وَزِير معز الدولة وَكتب أَبُو الْحسن للطائع ثمَّ للقادر وخوطب برئيس الرؤساء ولد سنة أَرْبَعِينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين(21/161)
وَأَرْبع مائَة وَولي ابْنه أَبُو الْفضل مَكَانَهُ فَلم يسده فعزل بعد أشهر
أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن عبد الْعَزِيز أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحِيم اللّغَوِيّ ابْن العصار قصيدة أَولهَا من الْبَسِيط
(يَا صَاحِبي ألما بِي على الدمن ... كَيْمَا نسائلها عَن أَهلهَا الظعن)
(وَهل تجيب وَقد عفى مرابعها ... عصف الرِّيَاح وَصوب الْعَارِض الهتن)
(لَا تنظر الْعين إِلَّا من نواغقها ... فِينَا ينوح بِشَتٍّ الشمل فِي فنن)
(أَو سرب عين رباع فَوق دمنتها ... مَوَاضِع الخفرات الْبيض فِي الدمن)
(وَرب عَيْش غرير قد قطعت بهَا ... خلوا من الْهم فِي أَمن من الْحزن)
(بِكُل بَيْضَاء تبدي فِي ذوائبها ... ووجهها الشَّمْس والظلماء فِي قرن)
(تبدو كبدر الدجا يفتر عَن دررٍ ... تبدو كظبي المها تهتز كالغصن)
)
قلت شعر متوسط وَدَعوى أَن الناغق وَهُوَ الْغُرَاب ينوح فِي الفنن دَعْوَى بَاطِلَة لِأَن الغرباء لَيست من طيور الأفنان وَإِضَافَة الظبي إِلَى المها إِضَافَة بعيدَة
تَقِيّ الدّين ابْن المغربي الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن جَابر الْفَقِيه الأديب البارع تَقِيّ الدّين ابْن المغربي الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر اعتنى الْفَقِيه قوام الدّين الْحَنَفِيّ يجمع ديوانه توفّي ابْن المغربي فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست مائَة لَهُ القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا من مجزوء الرجز
(يَا دبدبه تدبدبي ... أَنا عَليّ بن المغربي)
(تأدبي وَيحك فِي ... حق أَمِير الْعَرَب)
(وَأَنت يَا بوقاته ... تألفي تركبي)
(وابتدري وهدري ... ونقري وطربي)
وَهِي قصيدة طَوِيلَة تنيف على الْمِائَتَيْنِ وَقد سقتها كَامِلَة فِي الْجُزْء التَّاسِع وَالْعِشْرين من التَّذْكِرَة وَمن شعره فِي أسود كَانَ يُحِبهُ من مجزوء الرمل
(قل لمن أنكر وجدي ... بلطيف الْقد أغيد)(21/162)
(إِن يكن هندي أصل ... فَهُوَ من وصف المهند)
(وَهُوَ حظي من زماني ... فَلهَذَا صَار أسود)
وَمِنْه وَقد وَقع من سطح دَار من المنسرح
(أشكر رَبِّي فشكره فرض ... وَقعت فاستقبلتني الأَرْض)
(خاطرت لما ارْتَفَعت فِي عَبث ... وَذَاكَ رفع من شَأْنه الْخَفْض)
(فاعجب لجسمي وَثقل أعظمه ... إِذا لم يصبهَا كسر وَلَا رض)
(خفَّة رَأْسِي لَا شكّ قد نَفَعت ... وَالْبَعْض يحظى بنفعه الْبَعْض)
وَلابْن المغربي هَذَا الرسَالَة الْمَعْرُوفَة بالنيرين سلك فِيهَا مَسْلَك الوهراني وَهِي رِسَالَة حَسَنَة أودعتها الْجُزْء الثَّالِث وَالْعِشْرين من التَّذْكِرَة
تَقِيّ الدّين الْمُقْرِئ الإربلي عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن الإربلي شيخ الْقُرَّاء بالعراق كَانَ مُقيما بدار الْقُرْآن الَّتِي أَنْشَأَهَا بهاء الدّين الدنبلي بدار الْخلَافَة كَانَ فَاضلا خيرا كثير الرِّوَايَة خرج)
لَهُ جمال الدّين القلانسي عوالي مسموعاته ومروياته وَكَانَ كثير الْمَحْفُوظ ولد سنة عشر وست مائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وست مائَة وَدفن بِقرب بشر الحافي
ابْن السكرِي عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْخَطِيب عماد الدّين ابْن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين ابْن السكرِي درس بِالْمَدْرَسَةِ الْمَعْرُوفَة بمنازل الْعِزّ بِمصْر وَأرْسل إِلَى ملك التتار سنة ثَلَاث وَسبع مائَة وَعَاد فِي شهور سنة أَربع وَأحسن السفارة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي أَوَاخِر صفر سنة ثَلَاث عشرَة وَسبع مائَة وَأَظنهُ كَانَ مفتي دَار الْعدْل
3 - (عَليّ بن عبد الْغَنِيّ)
الحصري الْمُقْرِئ المغربي عَليّ بن عبد الْغَنِيّ أَبُو الْحسن الفِهري الْمُقْرِئ(21/163)
الحصري الشَّاعِر الضَّرِير أَقرَأ النَّاس بسبته وَغَيرهَا لَهُ قصيدة مايتا بَيت وَتِسْعَة أَبْيَات نظمها فِي قِرَاءَة نَافِع توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة قَالَ ابْن خلكان هُوَ ابْن خَالَة أبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم الحصري صَاحب زهر الْآدَاب
بعث الْمُعْتَمد بن عباد إِلَى أبي الْعَرَب مُصعب بن مُحَمَّد بن صَالح الزبيرِي الصّقليّ الشَّاعِر خمس مائَة دِينَار وإلي أبي الْحسن الحصري هَذَا مثلهَا وَأَمرهمَا بالمصير إِلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ أَبُو الْعَرَب من الْبَسِيط
(لَا تعجبن لرأسي كَيفَ شَاب أسى ... وأعجب لأسود عَيْني كَيفَ لم يشب)
(الْبَحْر للروم لَا تجْرِي السفين بِهِ ... إِلَّا على غرر وَالْبر للْعَرَب)
وَكتب إِلَيْهِ الحصري من الْبَسِيط
(أَمرتنِي بركوب الْبَحْر أقطعه ... غَيْرِي لَك الْخَيْر فاخصصه بذا الدَّاء)
(مَا أَنْت نوح فتنجيني سفينته ... وَلَا الْمَسِيح أَنا أَمْشِي على المَاء)
وَمن شعره الحصري من الوافر
(أَقُول لَهُ وَقد حَيا بكأس ... لَهَا من مسك ريقته ختام)
(أَمن خديك تعصر قَالَ كلا ... مَتى عصرت من الْورْد المدام)
وَمن شعره من المتقارب
(وَلما تمايل من سكره ... ونام دببت لأعجازه)
)
(فَقَالَ وَمن ذَا فجاوبته ... عَم يسْتَدلّ بعكازه)
وَمِنْه من الوافر
(وَقَالُوا قد عميت فَقلت كلا ... وَإِنِّي الْيَوْم أبْصر من بَصِير)
(سَواد الْعين زَاد سَواد قلبِي ... ليجتمعا على فهم الْأُمُور)
وَلما كَانَ الحصري مُقيما بطنجة أرسل غُلَامه إِلَى الْمُعْتَمد بن عباد والمغاربة يسمون إشبيلية حمص فَأَبْطَأَ عَنهُ وبلغه أَن الْمُعْتَمد لم يحتفل بِهِ فَقَالَ من الرمل المجزوء
(نبه الركب الهجوعا ... وَلم الدَّهْر الفجوعا)(21/164)
(حمص الْجنَّة قَالَت ... لغلامي لَا رُجُوعا)
(رحم الله غلامي ... مَاتَ فِي الْجنَّة جوعا)
ومدح بعض الْمُلُوك فأبطأت جائزته وَأَرَادَ السّفر فَدخل عَلَيْهِ وأنشده من مخلع الْبَسِيط
(محبتي تَقْتَضِي مقَامي ... وحالتي تَقْتَضِي الرحيلا)
(هَذَانِ خصمان لست أَقْْضِي ... بَينهمَا خوف أَن أميلا)
(وَلَا يزَالَانِ فِي خصام ... حَتَّى ترى رَأْيك الجميلا)
وللحصري القصيدة الْمَشْهُورَة وَهِي من المتدارك
(يَا ليل الصب مَتى غده ... أقيام السَّاعَة موعده)
(رقد السمار فَأَرقهُ ... أَسف للبين يردده)
عَلَاء الدّين ابْن تَيْمِية عَليّ بن عبد الْغَنِيّ الْفَقِيه المعمر الْعدْل عَلَاء الدّين ابْن تَيْمِية ابْن خطيب حران ومفتيها الشَّيْخ مجد الدّين كَانَ أَبُو الْحسن عَلَاء الدّين شروطياً بِمصْر
روى عَن الْمُوفق عبد اللَّطِيف وَابْن روزبة وَكَانَ شَاهدا عَاقِلا عدلا مرضياً ولد سنة تسع عشرَة وست مائَة بحران وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبع مائَة حمل عَنهُ المصريون
ابْن آسه الفرضي عَليّ بن عبد القاهر بن الْخضر بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الفرضي الْمَعْرُوف بِابْن آسه بِأَلف ممدودة وسين مُهْملَة وَبعدهَا هَاء الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْفَرَائِض والحساب على أبي حَكِيم عبد الله بن إِبْرَاهِيم الخبري وَأبي الْفضل عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الهمذاني وبرع فيهمَا وَسمع من القَاضِي)
أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُهتدي وَأبي الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ بن الْمَأْمُون وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَغَيرهم وَكَانَ شَيخا صَالحا مولده سنة خمس وَأَرْبَعين مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
3 - (عَليّ بن عبد الْكَافِي)
نجم الدّين الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عبد الْملك بن عبد الْكَافِي الْفَقِيه الْحَافِظ نجم الدّين أَبُو الْحسن ابْن الْخَطِيب الإِمَام جمال الدّين ابْن الربعِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي سمع ابْن عبد الدايم وَغَيره وَكتب العالي والنازل وَكَانَ شَابًّا ذكياً فهما كثير الإفادة جيد التَّحْصِيل وَكَانَ مليح الْكِتَابَة سريع الْقَلَم توفّي شَابًّا سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة وأجزاؤه مَوْقُوفَة بالنورية بِدِمَشْق(21/165)
قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام بن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن مسوار بن سوار بن سليم الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْعَامِل الْوَرع الناسك الفريد البارع الْمُحَقق المدقق المفنن الْمُفَسّر الْمُقْرِئ الْمُحدث الأصولي الْفَقِيه المنطقي الخلافي النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الأديب الْحَافِظ أوحد الْمُجْتَهدين سيف المناظرين فريد الْمُتَكَلِّمين شيخ الْإِسْلَام حبر الْأمة قدوة الْأَئِمَّة حجَّة الْفُضَلَاء قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمصْرِيّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ الْحَاكِم بِالشَّام أما التَّفْسِير فيا إمْسَاك ابْن عَطِيَّة وَوُقُوع الرَّازِيّ مَعَه فِي رزية وَأما الْقرَاءَات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السَّبع المثاني وَأما الحَدِيث فيا هزيمَة ابْن عَسَاكِر وعي الْخَطِيب لما أَن يذاكر وَأما الْأُصُول فيا كلال حد السَّيْف وعظمة فَخر الدّين كَيفَ تحيفها الحيف وَأما الْفِقْه فيا وُقُوع الْجُوَيْنِيّ فِي أول مهلك من نِهَايَة الْمطلب وجر الرَّافِعِيّ إِلَى الْكسر بعد انتصاب علمه الْمَذْهَب وَأما الْمنطق فيا إدبار دبيران وقذى عَيْنَيْهِ وانبهار الْأَبْهَرِيّ وغطاء كشفه بِيَمِينِهِ وَأما الْخلاف فيا نسف جبال النَّسَفِيّ وعمى العميدي فَإِن إرشاده خَفِي وَأما النَّحْو فالفارسي ترجل يطْلب إعظامه والزجاجي تكسر جمعه وَمَا فَازَ بالسلامة وَأما اللُّغَة فالجوهري مَا لصحاحه قيمَة والأزهري أظلمت لياليه الْبَهِيمَة وَأما الأديب فَصَاحب الذَّخِيرَة استعطى وَوَاضِع الْيَتِيمَة تَركهَا وَذهب إِلَى أَهله يتمطى وَأما الْحِفْظ فَمَا سد السلَفِي خلة ثغره وَكسر قلب الْجَوْزِيّ لما أكل الْحزن لبه وَخرج)
من قشره هَذَا إِلَى إتقان فنون يطول سردها وَيشْهد الامتحان أَنه فِي الْمَجْمُوع فَردهَا وإطلاع على معارف أخر وفوائد مَتى تكلم فِيهَا قلت بَحر زخر إِذا مَشى النَّاس فِي رقراق علم كَانَ هُوَ خائض اللجة وَإِذا خبط الْأَنَام عشواء سَار هُوَ فِي بَيَاض الْمحبَّة من الْكَامِل
(عمل الزَّمَان حِسَاب كل فَضِيلَة ... جمَاعَة كَانَت لتِلْك محركه)(21/166)
(فَرَآهُمْ مُتَفَرّقين على المدى ... فِي كل فن وَاحِد قد أدْركهُ)
(فَأتى بِهِ من بعدهمْ فَأتى بِمَا ... جاؤوا بِهِ جمعا فَكَانَ الفذلكه)
وتصانيفه تشهد لي بِمَا ادعيت وتؤيد مَا أتيت بِهِ وَرويت فدونك وَإِيَّاهَا ورشف كؤوس حمياها وَتَنَاول نجومها إِن وصلت إِلَى ثرياها
ولد أول يَوْم من صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وست مائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن الْعَظِيم بالسبع واشتغل بالتفسير والْحَدِيث وَالْفِقْه والأصولين والنحو والمنطق وَالْخلاف العميدي والفرائض وَشَيْء من الْجَبْر والمقابلة وَنظر فِي الْحِكْمَة وَشَيْء من الهندسة والهيئة وَشَيْء يسير من الطِّبّ
وتلقى كل مَا أَخذه من ذَلِك عَن أَكثر أَهله مِمَّن أدْركهُ من الْعلمَاء الأفاضل فَمن مشاهير شُيُوخه فِي الْقرَاءَات تَقِيّ الدّين الصَّائِغ وَفِي التَّفْسِير علم الدّين الْعِرَاقِيّ وَفِي الحَدِيث الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي وَبِه تخرج فِي الحَدِيث وَأخذ بَاقِي الْعُلُوم عَن جمَاعَة غَيرهم فالفقه أَخذه عَن الإِمَام نجم الدّين ابْن الرفعه وَالْأُصُول أَخذهَا عَن عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ والنحو عَن الْعَلامَة أثير الدّين أبي حَيَّان وَغير ذَلِك عَن غَيرهم
ورحل فِي طلب الحَدِيث إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَالشَّام فَمن مشاهير أشياخه فِي الرِّوَايَة ابْن الصَّواف وَابْن جمَاعَة والدمياطي وَابْن الْقيم وَابْن عبد الْمُنعم وَزَيْنَب هَؤُلَاءِ بِمصْر والإسكندرية وَالَّذين بِالشَّام ابْن الموازيني وَابْن مشرف والمطعم وَغَيرهم وَالَّذين بالحجاز رَضِي الدّين إِمَام الْمقَام وَغَيره وصنف كثيرا إِلَى الْغَايَة من ذَلِك الدّر النظيم فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم عمل مِنْهُ مجلدين وَنصفا وتكملة الْمَجْمُوع فِي شرح الْمُهَذّب وَلم يكمل والابتهاج فِي شرح الْمِنْهَاج فِي الْفِقْه بلغ فِيهِ يؤمئذ وَالتَّحْقِيق فِي مَسْأَلَة التَّعْلِيق ردا على الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فِي الطَّلَاق وَكَانَ النَّاس قد عمِلُوا عَلَيْهِ ردوداً ووقف عَلَيْهَا فَمَا أثنى على شيءٍ مِنْهَا غير هَذَا وَقَالَ هَذَا رد فَقِيه وَكتاب شِفَاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام ردا عَلَيْهِ أَيْضا فِي إِنْكَاره سفر الزِّيَارَة وقرأته عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع)
وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة من أَوله إِلَى آخِره وكتبت عَلَيْهِ طبقَة جَاءَ مِمَّا فِيهَا نظماً من المتقارب
(لقَوْل ابْن تَيْمِية زخرف ... أَتَى فِي زِيَارَة خير الْأَنَام)
(فَجَاءَت نفوس الورى تَشْتَكِي ... إِلَى خير حبر وأزكى إِمَام)
(فصنف هَذَا وداواهم ... فَكَانَ يَقِينا شِفَاء السقام)(21/167)
وَرفع الشقاق فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق والرياض الأنيقة فِي قسْمَة الحديقة ومنبه الباحث فِي حكم دين الْوَارِث ولمعة الْإِشْرَاق فِي أَمْثِلَة الِاشْتِقَاق وإبراز الحكم من حَدِيث رفع الْقَلَم وإحياء النُّفُوس فِي حِكْمَة وضع الدُّرُوس وكشف القناع فِي إِفَادَة لَو للامتناع وضوء المصابيح فِي صَلَاة التَّرَاوِيح وَمَسْأَلَة كل وَمَا عَلَيْهِ تدل وَمَسْأَلَة ضع وتعجل لما وقف عَلَيْهَا الْفَاضِل سراج الدّين عبد اللَّطِيف ابْن الكويك كتب عَلَيْهَا ونقلته من خطه من الْكَامِل
(لله در مسَائِل هذبتها ... ونفيت خلفا عد خلفا نَقله)
(وحللت إِذْ قيدت بالشرطين مَا ... أعيى على الْعلمَاء قبلك حلّه)
(فعلا على الشَّرْطَيْنِ قدرك صاعداً ... أوج الْعُلُوم وَفَوق ذَاك مَحَله)
والرسالة العلائية والتحبير الْمَذْهَب فِي تَحْرِير الْمَذْهَب وَالْقَوْل الموعب فِي الْقَضَاء بِالْمُوجبِ ومناسك أولى ومناسك أُخْرَى وَبيع الْمَرْهُون فِي غيبَة الدُّيُون وَبَيَان الرَّبْط فِي اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط وَنور الرّبيع من كتاب الرّبيع والرقم الأبريزي فِي شرح التبريزي وعقود الجمان فِي عُقُود الرَّهْن وَالضَّمان وطليعة الْفَتْح والنصر فِي صَلَاة الْخَوْف وَالْقصر وَالسيف المسلول على من سبّ الرَّسُول والسهم الصائب فِي بيع دين الْغَائِب وَفصل الْمقَال فِي هَدَايَا الْعمَّال وَالدّلَالَة على عُمُوم الرسَالَة والتهدي إِلَى معنى التَّعَدِّي
والنقول البديعة فِي أَحْكَام الْوَدِيعَة وكشف الْغُمَّة فِي مِيرَاث أهل الذِّمَّة والطوالع المشرقة فِي الْوُقُوف على طبقَة بعد طبقَة وَحسن الصنيعة فِي حكم الْوَدِيعَة وأجوبة أهل طرابلس وتلخيص التلخيض وتاليه والابهاج فِي شرح الْمِنْهَاج فِي الْأُصُول وَرفع الْحَاجِب فِي شرح ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَالرَّدّ على الشَّيْخ زين الدّين ابْن الكتاني
وكشف اللّبْس فِي الْمسَائِل الْخمس وَمُنْتَخب طَبَقَات الْفُقَهَاء وقطف النُّور فِي دراية الدّور
والغيث المغدق فِي مِيرَاث ابْن الْمُعْتق وتسريح النَّاظر فِي انعزال النَّاظر والملتقط فِي النّظر الْمُشْتَرك وَغير ذَلِك)
وَمن مسموعاته الحديثية الْكتب السِّتَّة والسيرة النَّبَوِيَّة وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ ومعجم الطَّبَرَانِيّ وَحلية الْأَوْلِيَاء ومسند الطَّيَالِسِيّ ومسند الْحَارِث بن أُسَامَة ومسند الدَّارمِيّ ومسند عبد ومسند الْعَدنِي ومسند الشَّافِعِي وَسنَن الشَّافِعِي وَاخْتِلَاف الحَدِيث للشَّافِعِيّ ورسالة الشَّافِعِي ومعجم ابْن الْمُقْرِئ ومختصر مُسلم ومسند أبي يعلى والشفاء للْقَاضِي عِيَاض ورسالة الْقشيرِي ومعجم الْإِسْمَاعِيلِيّ والسيرة للدمياطي وموطأ يحيى بن يحيى وموطأ القعْنبِي وموطأ ابْن بكير والناسخ والمنسوخ للحازمي وَأَسْبَاب النُّزُول لِلْوَاحِدِيِّ وَأكْثر(21/168)
مُسْند أَحْمد وَمن الْأَجْزَاء شَيْء كثير وَلَقَد شاهدت مِنْهُ أموراً مَا أكاد أَقْْضِي الْعجب مِنْهَا من تدقيق وَتَحْقِيق ومشاحة فِي أَلْفَاظ المصنفين وَمَا ينظر فِيهِ من أَقْوَال الْفُقَهَاء وَغَيرهم
وَالَّذِي أَقُول فِيهِ إِنَّه أَي مَسْأَلَة أَخذهَا وَأَرَادَ أَن يملي فِيهَا منصنفاً فعل وَلم أر من اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الِاجْتِهَاد غَيره نعم والعلامة ابْن تَيْمِية إِلَّا أَن هَذَا أدق نظرا وَأكْثر تَحْقِيقا وأقعد بطرِيق كل فن تكلم فِيهِ وَمَا فِي أشياخه مثله وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين الجابي الدوادار لَا يكَاد يُفَارِقهُ ويبيت عِنْده فِي القلعة ليَالِي وَيُقِيم أَيَّامًا وَلما توفّي قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي بِالشَّام جَاءَ الْخَبَر وَنحن بِالْقَاهِرَةِ فِي خدمَة الْأَمِير سيف الدّين تنكز سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَطلب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة وَطَلَبه وَطلب الشَّيْخ شمس الدّين ابْن عَدْلَانِ فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَ لَهُ يَا شيخ تَقِيّ الدّين قد وليتك قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام وألبس تشريفه وَخرج صُحْبَة نَائِب الشَّام وَكنت فِي خدمته فِي الطَّرِيق فالتقطت الْفَوَائِد وجمعت الفرائد وسهلت بسؤاله مَا كَانَ عِنْدِي من الغوامض الشدائد ووددت أَن النَّوَى لم تلق لَهَا عَصا وَأَن اليعملات فِي كل هاجرة تَنْفِي يداها الْحَصَى من الْبَسِيط
(يود أَن ظلام اللَّيْل دَامَ لَهُ ... وَزيد فِيهِ سَواد الْقلب وَالْبَصَر)
وباشر الْقَضَاء بصلف زَاد وَمَشى مَا حَال عَن جادة الْحق وَلَا حاد منزه النَّفس عَن الحطام منقاداً إِلَى الزّهْد بِخِطَام مُقبلا على شَأْنه فِي الْعلم وَالْعَمَل منصرفاً إِلَى تَحْصِيل السَّعَادَة الأبدية فَمَا لَهُ فِي غَيرهَا أمل ناهيك بِهِ من قَاض حكمه فِي هَذَا الأقليم متصرف الْأَوَامِر وَحَدِيثه فِي الْعِفَّة عَن الْأَمْوَال علالة السامر لَيْسَ فِي بَابه من يَقُول لخصم هَات وَلَا من يجمجم الْحق أَو يموه بالترهاب وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تنكز رَحمَه الله وَهُوَ يعظمه ويختار)
أكبر الْجَوْهَر للثناء عَلَيْهِ وينظمه من الْبَسِيط
(أثنى عَلَيْك بِأَنِّي لم أخف أحدا ... يلحى عَلَيْك وماذا يزْعم اللاحي)
(مهذب تشرق الدُّنْيَا بطلعته ... عَن أَبيض مثل نصل السَّيْف وضاح)
طلبت مِنْهُ ذكر شَيْء من حَاله ومولده وتصانيفه لأستعين بذلك على هَذِه التَّرْجَمَة فَكتب مسموعاته وأشياخه ومصنفاته وَلم يكْتب شَيْئا من نظمه فَكتبت إِلَيْهِ من السَّرِيع
(مولَايَ يَا قَاضِي الْقُضَاة الَّذِي ... أبوابه من دَهْرنَا حرز)
(أفدتني تَرْجَمَة لم تزل ... بِحسن أقمار الدجى تهزو)
(لبست مِنْهَا حلَّة وشيها ... أعوزه من نظمك الطرز)(21/169)
فَكتب الْجَواب من السَّرِيع
(لله مولى فَضله باهر ... من كل علم عِنْده كنز)
(يَا وَاحِد الدَّهْر قد علا ... مِنْهُ على هام الورى الغرز)
(تَسْأَلنِي النّظم وَمن لي بِهِ ... وَعِنْدِي التَّقْصِير وَالْعجز)
(قبل الدَّاعِي طرساً ... قد سما نورا ونفسا)
جمع أفانين الْعُلُوم فِي شبه الوشي المرقوم مَا بَين خطّ أذا رمقته الْعُيُون قَالَت هَذَا خطّ ابْن مقلة ونظم لَا يُطيق حبيب أَن يُنكر فَضله ونثر يرى عبد الرَّحِيم عَلَيْهِ طوله صدر عَمَّن توقل ذرْوَة البلاغة وسنامها وامتطى غاربها وَملك زمانها وكملها من كل علمٍ بأكمل نصيب ضَارِبًا فِيهِ بِالسَّهْمِ الْمُصِيب مشمراً فِيهِ عَن سَاق الْجد وَالِاجْتِهَاد متوقداً ذكاءً مَعَ ارتياض وارتياد إِلَى من هُوَ عَن ذَلِك كُله بمعزل وَمن قعد بِهِ قصوره إِلَى حضيض منزل يطْلب مِنْهُ شَيْئا مِمَّا نظم ولعمري لقد استسمن ذَا ورم وَمن أَيْن لي النّظم والرسائل إِلَّا بنغبة من الْمسَائِل على تبلد خاطر وكلال قريحة وتقسم فكر بَين أُمُور سقيمة وصحيحة فَأبى لمثلي شعر وَلَا شُعُور أَو يكون لي منظوم ومنثور غير أَنِّي مَضَت لي أَوْقَات استخفني فِيهَا إِمَّا محبَّة التَّشَبُّه بِأَهْل الْأَدَب وَإِمَّا ذُهُول عَمَّا يحذرهُ الْعُقَلَاء من العطب وَإِمَّا حَالَة تعرض للنَّفس فتنضح بِمَا فِيهَا وَأَقُول دعها تبلغ من أمانيها
فنظمت مَا يستحى من ذكره وَيسْتَحق أَن يُبَالغ فِي ستره وَلَكِنَّك أَنْت الحبيب الَّذِي لَا يستر عَنهُ معيب أذكر لَك مِنْهُ حسب مَا أمرت نبذاً وأقطع لَك مِنْهُ فَلِذَا فَمن ذَلِك فِي سنة سِتّ وَسبع)
مائَة من الْبَسِيط
(ترى الصاب وزمان اللَّهْو يرجع لي ... أم هَل يداوى عليل الْأَعْين النجل)
(أم هَل يجود بوصل من يضن بِهِ ... على معنى صريع الهدب ومقل)
وَمن ذَلِك سنة أَربع عشرَة يرثي الْبَاجِيّ من أَبْيَات من الطَّوِيل
(فَلَا تعزليه أَن يبوح بوجده ... على عَالم أودى بلحد مقدس)
(تعطل مِنْهُ كل درس وَمجمع ... وأقفر مِنْهُ كل نَاد ومجلس)
(وَمَات بِهِ إِذْ مَاتَ كل فَضِيلَة ... وَبحث وَتَحْقِيق وتصفيد مبلس)
(وإعلاء دين الله إِن يبد زائغ ... فيخزيه أَو يهدي بِعلم مؤسس)
وَمن ذَلِك فِي سنة عشر من الْكَامِل
(أبني لَا تهمل نصيحتي الَّتِي ... أوصيك واسمع من مقالي ترشد)(21/170)
(إحفظ كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... صحت وَفقه الشَّافِعِي مُحَمَّد)
(وَتعلم النَّحْو الَّذِي يدني الْفَتى ... من كل فهم فِي الْقرَان مُسَدّد)
(وَاعْلَم أصُول الْفِقْه علما محكماً ... يهديك للبحث الصَّحِيح الأيد)
(واسلك سَبِيل الشَّافِعِي وَمَالك ... وَأبي حنيفَة فِي الْعُلُوم وَأحمد)
(وارفع إِلَى الرَّحْمَن كل ملمة ... بضراعة وتمسكن وَتعبد)
(واقطع عَن الْأَسْبَاب قَلْبك واصطبر ... واشكر لمن أولاك خيرا وَاحْمَدْ)
وَمن ذَلِك فِي سنة ثَمَان عشرَة حِين رد على ابْن تَمِيمَة فِي الطَّلَاق وَقد أَكثر ابْن تَمِيمَة من الِاحْتِجَاج بِيَمِين ليلى من الْبَسِيط
(فِي كل وَاد بليلى واله شغف ... مَا إِن يزَال بِهِ من مَسهَا نصب)
(فَفِي بني عَامر من حبها دنف ... وَلابْن تيميمة من عهدها شغب)
وَمِنْه فِي معنى قَول امْرِئ الْقَيْس وَمَا ذرفت عَيْنَاك الْبَيْت
من الْكَامِل المجزوء
(قلبِي ملكت فَمَا بِهِ ... مرمى لواش أَو رَقِيب)
(قد حزت من أعشاره ... سهم الْمُعَلَّى والرقيب)
)
يحييه قربك إِن مننت بِهِ وَلَو مِقْدَار قيب
(يَا متلفي ببعاده ... عني أما خفت الرَّقِيب)
قلت لَيْسَ لهَذِهِ القوافي خَامِس فِيمَا أَظن وتلطف فِي القافية الثَّالِثَة حَتَّى تركبت مَعَه وأمتزجت من كَلِمَتَيْنِ وقيب لُغَة فِي قاب وفيهَا معنى أدبي مِمَّا يمْتَحن بِهِ الأدباء فِي قَول امْرِئ الْقَيْس وَمَا ذرفت عَيْنَاك الْبَيْت لِأَن الْأَصْمَعِي قَالَ فِيهِ مَا هُوَ باد لكل أحد وَهُوَ أَن عينيها سَهْمَان ضربت بهما فِي قلبه المقتل الَّذِي هُوَ أعشار أَي مكسر من قَوْلهم برمة أعشار إِذا كَانَت كَذَلِك وَأما ابْن كيسَان فَقَالَ مَا هُوَ أدق من هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ ضربت بسهميك اللَّذين هما من سِهَام الميسر لتملكي أعشار الْقلب وَهِي جَمِيع مَا يخص الميسر من القداح فالمعلى لَهُ سَبْعَة أسْهم والرقيب لَهُ ثَلَاثَة أسْهم فيستغرق السهْمَان جَمِيع الأعشار وَهَذَا وَإِن كَانَ دَقِيقًا وَفِيه غوص فَفِيهِ تعسف وَتَأْويل فِيهِ بعد وَأما هَذَا الَّذِي نظمه قَاضِي الْقُضَاة فَهُوَ صَرِيح فِي هَذَا الْمَعْنى(21/171)
ونقلت من خطه قَالَ أحضر لي كتاب لِابْنِ تَيْمِية فِي الرَّد على ابْن مطهر الْحلِيّ فِي تصنيفه فِي الرَّفْض فَقلت فِيهِ وَقد صرح ابْن تَيْمِية بحوادث لَا أول لَهَا بِذَات الْبَارِي تَعَالَى من الْبَسِيط
(إِن الروافض قوم لَا خلاق لَهُم ... من أَجْهَل الْخلق فِي علم وأكذبه)
(وَالنَّاس فِي غنية عَن رد كذبهمْ ... لهجنة الرَّفْض واستقباح مذْهبه)
(وَابْن المطهر لم تطهر خلائقه ... دَاع إِلَى الرَّفْض غال فِي تعصيه)
(لقد تَقول فِي الصحب الْكِرَام وَلم ... يستحي مِمَّا افتراه غير منجبه)
(وَلابْن تَمِيمَة رد عَلَيْهِ وفى ... بمقصد الرَّد وَاسْتِيفَاء أضربه)
(لكنه خلط الْحق الْمُبين بِمَا ... يشوبه كدراً فِي صفو مشربه)
(يحاول الحشو أَنى كَانَ فَهُوَ لَهُ ... حثيث سير بشرق أَو بمغربه)
(يرى حوادث لَا مبدا لَهَا وَلها ... فِي الله سُبْحَانَهُ عَمَّا يظنّ بِهِ)
(لَو كَانَ حَيا يرى قولي ويفهمه ... رددت مَا قَالَ أقفو إِثْر سبسبه)
(كَمَا رددت عَلَيْهِ فِي الطَّلَاق وَفِي ... ترك الزِّيَارَة ردا غير مشتبه)
)
(وَبعده لَا أرى للرَّدّ فَائِدَة ... هَذَا وجوهره مِمَّا أَظن بِهِ)
(وَالرَّدّ يحسن فِي حَالين وَاحِدَة ... لقطع خصم قوي فِي تغلبه)
(وَحَالَة لانتفاع النَّاس حَيْثُ بِهِ ... هدى وَربح لديهم فِي تكسبه)
(وَلَيْسَ النَّاس فِي علم الْكَلَام هدى ... بل بِدعَة وضلال فِي تطلبه)
(ولي يَد فِيهِ لَوْلَا ضعف سامعه ... جعلت نظم بسيطي فِي مهذبه)
ونقلت مِنْهُ مَا نظمه فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة من الْكَامِل
(إِن الْولَايَة لَيْسَ فِيهَا رَاحَة ... إِلَّا ثَلَاث يبتغيها الْعَاقِل)
(حكم بِحَق أَو إِزَالَة بَاطِل ... أَو نفع مُحْتَاج سواهَا بَاطِل)
ونقلت مِنْهُ لَهُ من المجتث
(مِثَال عَم وخال ... بقول صدق وجيه)
(بنى بأخت أَخِيه ... لأمه لِأَبِيهِ)
(وَذَاكَ لَا بَأْس فِيهِ ... فِي قَول كل فَقِيه)
(فيحله هُوَ دَاع ... بِذَاكَ لَا شكّ فِيهِ)(21/172)
ونقلت مِنْهُ لَهُ من الْبَسِيط
(يَا من يشبه بالكمون مرتجياً ... وَعوده كل يَوْم فِي غَد أهب)
(غنمت قلباً عليلاً تَارِكًا خمْسا ... خُذْهُ صَحِيحا فَمَا تخميسه يجب)
(جِئْنَا بقلب صَحِيح سَالم وَلكم ... من صِحَة الأَصْل جود دونه السحب)
قلبه العليل نومك وَالصَّحِيح نؤمك مهموزاً من الْأُم وَهُوَ الْقَصْد وَصِحَّة أصل الكمون يَجِيء كم مُؤَن وَركبت أَنا مغلطةً من مغالطات الْمنطق ونظمتها شعرًا وكتبت بهَا إِلَيْهِ وَهِي من الوافر
(أيا قَاضِي الْقُضَاة بقيت ذخْرا ... لتشفي مَا يعالجه الضَّمِير)
(فَأَنت إمامنا فِي كل فن ... وَمثلك لَا تَجِيء بِهِ الدهور)
(كَأَنَّك للغوامض قطب فهم ... عَلَيْك غَدَتْ دقائقها تَدور)
(بلغت بِالِاجْتِهَادِ إِلَى مدى ... لَا يخونك فِي معارفه فتور)
(وبابك عَاصِم من كل جور ... وعلمك نَافِع وَلنَا كثير)
)
(وَقُلْنَا أَنْت شمس علا وعلمٍ ... فَكيف بنوك كلهم بدور)
(إِلَيْك المشتكى من فهم سوء ... يعسر إِذْ يسير لَهُ الْيَسِير)
(بليت بفكرة قد أتعبتني ... تخور إِلَيّ كسلى إِذْ تخور)
(مقدمتان سلمتا يَقِينا ... وَلَكِن أنتجا مَا لَا يصير)
(تَقول الْبَدْر فِي فلك صَغِير ... وَذَلِكَ فِي كَبِير يستدير)
(فَيلْزم أَن بدر التم ثاو ... بجانحة الْكَبِير وَذَاكَ زور)
(فأوضح مَا تقاعس عَنهُ فهمي ... فَأَنت بحله طب خَبِير)
وعلمك للأنام هدى وَنور فَكتب الْجَواب فِي ليلته وَفرع عَلَيْهِ ثَلَاثَة أجوبة من الوافر
(سؤالك أيا الحبر الْكَبِير ... سمت فِي حسن هالته البدور)
(وهمتك الْعلية قد تعالت ... فدون طلابها الْفلك الْأَثِير)
(ونظمك فَوق كل النّظم عالٍ ... على هَذَا الزَّمَان لَهُ وفور)
(فَلَو سمحت بك الْأَيَّام قدماً ... لقدمك الجحاجحة الصُّدُور)(21/173)
(سَأَلت وَأَنت أذكى النَّاس قلباً ... وعندك كل ذِي عسر يسير)
(وَقلت المشتكى من سوء فهم ... وحاشى أَن فهمك مستطير)
(وفكرتك الصَّحِيحَة لن تجارى ... وَلم أرها تحور وَلَا تخور)
(وَلَا كسل بهَا كلا وأنى ... وَدون نشاط أَولهَا السعير)
(فهاك جاب مَا قد سلت عَنهُ ... وَأَنت بِمَا تضمنه خَبِير)
(مقدمتان شَرطهمَا اتِّحَاد ... بأوسط إِن يفت فَاتَ السرُور)
(وَهَذَا مِنْهُ فالإنتاج عقم ... وأعقبه عَن التَّصْدِيق زور)
(وَذَلِكَ أَن قَوْلك فِي صَغِير ... هُوَ الْمَحْمُول لَيْسَ هُوَ الصَّغِير)
(وَفِي الْكُبْرَى هُوَ الْمَوْضُوع فَاعْلَم ... فَمن ذياك للشّرط الثبور)
(وَإِن رمت التَّوَصُّل باجتلابٍ ... مُقَدّمَة بهَا يَقع العثور)
(على تَحْقِيق مظروف وظرف ... فمشترك عَن الْمَعْنى قصير)
(فَمن الْبَدْر فِي فلك صغيرٍ ... يُخَالف مَا تصمنه الكسير)
)
(فَلم يحصل لشرطهما وجود ... لذَلِك أنتجا مَا لَا يصير)
(وَفِي التَّحْقِيق لَا إنتاج لَكِن ... لِأَجلِك قلت قَوْلك يَا عُزَيْر)
(وَأما إِن أردْت عُمُوم كونٍ ... وَذَلِكَ فيهمَا معنى شهير)
(فينتج آمنا من كل شكٍ ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِيرَاد يضير)
(فَأَنت الْبَدْر حسنا وانتقالاً ... بأفلاك مضاعفةً تسير)
(لحامله السَّرِيع وتالييه ... دَلِيل أَن خالقه قدير)
(يرى ذُو الْهَيْئَة النحرير فِيهَا ... عجائب لَيْسَ يحويها الضَّمِير)
(فسبحان الَّذِي أنشاه بر ... رَحِيم قاهر رب غَفُور)
(وَصلى الله رب على نَبِي ... هُوَ الْهَادِي بِهِ قد تمّ نور)
وأنشدني من لَفظه مَا كمل بِهِ الأبيات الْقَدِيمَة الْمَشْهُورَة من الوافر
(فَقَالَ اذْهَبْ إِذا فاقبض زكاتي ... بِرَأْي الشَّافِعِي من الْوَالِي)
(فَقلت لَهُ فديتك من فَقِيه ... أيطلب بِالْوَفَاءِ سوى الملي)
(نِصَاب الْحسن عنْدك ذُو امْتنَاع ... بلحظك والقوام السمهري)
(فَإِن أَعطيتنَا طَوْعًا وَإِلَّا ... أخذناه بقول الشَّافِعِي)(21/174)
وَقَالَ لي نظمت بَيْتا مُفردا من ثَمَان عشرَة سنة وزدت عَلَيْهِ الْآن فِي هَذِه السّنة وَكَانَت سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وأنشدنيهما من لَفظه وهما من الوافر
(لعمرك إِن لي نفسا تسامى ... إِلَى مَا لم ينل دَارا بن دَارا)
(فَمن هَذَا أرى الدُّنْيَا هباء ... وَلَا أرْضى سوى الفردوس دَارا)
فأعجباني وَقلت فِي مادتهما دون مدتهما إِلَّا أَن بيتيه أحسن وأصنع من قولي من الوافر
(لعمرك إِن للْبَاقِي التفاتي ... وَمَا لي نَحْو مَا يفنى طَرِيقه)
(أرى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مجَازًا ... وَمَا عِنْدِي سوى الْأُخْرَى حقيقه)
عَلَاء الدّين الكحال الصَّفَدِي عَليّ بن عبد الْكَرِيم بن طرخان بن تَقِيّ الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن ابْن مهذب الدّين الْحَمَوِيّ الصَّفَدِي وَكيل بَيت المَال بصفد كَانَ شكلاً حسنا أَحْمَر الْوَجْه منور الشيبة كَانَ يعرف بعلاء الدّين الكحال رَأَيْته غير مرّة بصفد لَهُ تصانيف مِنْهَا كتاب القانون فِي أمراض الْعين)
وَكتاب الْأَحْكَام النَّبَوِيَّة فِي الصِّنَاعَة الطبية وَكتاب مطالع النُّجُوم فِي شرف الْعلمَاء والعلوم
وَله غير ذَلِك من المجاميع الحديثية توفّي رَحمَه الله فِي حُدُود الْعشْرين وَسبع مائَة بصفد أَظُنهُ فِي سنة تسع عشرَة أَو مَا قبلهَا أَو مَا بعْدهَا
ابْن غَالب عَليّ بن عبد الْكَرِيم الْمَعْرُوف بِابْن غَالب من أَبنَاء المهدية بهَا تأدب قَالَ ابْن رَشِيق شَاعِر مَذْكُور كثير الافتنان وَاسع العطن فِي أَنْوَاع عُلُوم الدّين وَالدُّنْيَا قدير فِي التَّطْوِيل وركوب القوافي الصعبة العويصة سريع الصَّنْعَة يذهب فِي الشّعْر كل مَذْهَب وينحو فِي الرجز نَحوا عجيباً ويتعرب كثيرا وَأَنا اقْتصر من كَلَامه على مَا جانس الْوَقْت وناسب الطَّبَقَة وَمن ذَلِك قَوْله أول قصيدة من الطَّوِيل
(دموع بأسرار الْمُحب نواطق ... وقلب لما يلقى من الشوق خافق)
(يذكرنِي أهل الْحمى كل ليلةٍ ... خيال لَهُم تَحت الدجنة طَارق)
(ولي بعد نومات الخلي من الْهوى ... حُقُوق سجاياها الدُّمُوع الدوافق)(21/175)
مِنْهَا
(أَجلك إِلَّا عَن عتاب ونظرة ... وَهَذَا المنى لَو أَن عَيْشًا يُوَافق)
(وَإِنِّي لعف النَّفس عَن طرق الْخَنَا ... كَذَاك الْهوى للنَّاس فِيهِ طرائق)
وَأورد لَهُ قَوْله من الطَّوِيل
(يَقُول صَحَابِيّ والنجوم حوائر ... أشدت بأمراس أم اللَّيْل سرمد)
(كَأَن نُجُوم اللَّيْل بدل سَيرهَا ... فَصَارَت إِلَى نَحْو الْمَشَارِق تقصد)
وَأورد قَوْله من الطَّوِيل
(سأصنع فِي ذمّ العذار بدائعاً ... فَمن شَاءَ يقْضِي بِالدَّلِيلِ كَمَا أَقْْضِي)
(أَلا إِنَّه كاللام وَاللَّام شَأْنهَا ... إِذا ألصقت بِالِاسْمِ صَار إِلَى نقض)
قَالَ ابْن رَشِيق وَكنت صنعت قَدِيما من الْبَسِيط
(يَا رب أحور أحوى فِي مراشفه ... لَو جاد لي بارتشاف برْء أسقامي)
(خطّ العذار لَهُ لاماً بعارضه ... من أجلهَا يستغيث النَّاس بِاللَّامِ)
وَأورد ابْن رَشِيق لنَفسِهِ أَيْضا من الوافر)
(رضيت بحبه فِي كل حَال ... وَلم أعطف على قيل وَقَالَ)
(فَلَا تنقص بلامي عارضيه ... فَإِن اللَّام خَاتِمَة الْكَمَال)
وَأورد لنَفسِهِ أَيْضا من السَّرِيع
(لم أسل إِذْ عذر من شفني ... عدراً وَبَعض الْعذر إِيهَام)
(وَعَن قَلِيل يلتحي أَمْرَد ... قد خطّ من لحيته لَام)
وَأورد لنَفسِهِ أَيْضا من المجتث
(غزا الْقُلُوب غزال ... حجت إِلَيْهِ الْعُيُون)
(قد خطّ فِي الصدغ خطا ... وَآخر الْحسن نون)
وَأورد لِابْنِ غَالب من الرجز المجزوء
(وساحر حفت بِهِ ... من حوله الحبائل)
(فَكل من يعشقه ... أَيَّامه قَلَائِل)(21/176)
(من مل من حَيَاته ... فَفِيهِ موت عَاجل)
(كَأَنَّمَا أجفانه ... فِيهِنَّ سيف قَاتل)
(كَأَنَّمَا عذاره ... من تحتهَا الحمائل)
3 - (عَليّ بن عبد الْملك)
أَبُو الْحسن الطرسوسي عَليّ بن عبد الْملك بن سُلَيْمَان بن دهثم الْفَقِيه أَبُو الْحسن الطرطوسي نزيل نيسابور كَانَ أديباً فصيحاً إِلَّا أَنه كَانَ متهاوناً بِالسَّمَاعِ وَالرِّوَايَة توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
أَبُو طَالب النَّحْوِيّ الْقزْوِينِي عَليّ بن عبد الْملك بن الْعَبَّاس الْقزْوِينِي أَبُو طَالب النَّحْوِيّ كَانَ أَبوهُ أَبُو عَليّ عبد الْملك من أهل الْعلم وَرِوَايَة الحَدِيث وَقد سمع أَبُو طَالب جمَاعَة مِنْهُم مهرويه وَأَبا الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْقطَّان قَالَ الخليلي هُوَ إِمَام فِي شَأْنه قَرَأنَا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ الْخلق توفّي آخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وَخلف أَوْلَادًا صغَارًا فاشتغلوا بِمَا لَا يعنيهم فضلوا وَأَخُوهُ أَبُو عَليّ الْحسن سمع الحَدِيث لكنه كَانَ كَاتبا فَلم يسمع مِنْهُ
أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن أبي طَالب عَليّ بن عبد منَاف أبي طَالب بن عَامر عبد الْمطلب بن هَاشم عَمْرو بن عبد منَاف الْمُغيرَة بن قصي زيد أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب الْقرشِي الْهَاشِمِي كرم الله وَجهه أمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَهِي أول هاشمية ولدت هاشمياً توفيت مسلمة قبل الْهِجْرَة وَقيل أَنَّهَا هَاجَرت وَسَيَأْتِي ذكرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْفَاء
كَانَ عَليّ أَصْغَر ولد أَبِيه كَانَ جَعْفَر أكبر مِنْهُ بِعشر سِنِين وَعقيل أكبر من جَعْفَر بِعشر(21/177)
سِنِين وطالب أكبر من عقيل بِعشر سِنِين وَرُوِيَ عَن سلمَان وَأبي ذَر والمقداد وخباب وَزيد بن أسلم أَن عليا أول من أسلم وفضله هَؤُلَاءِ على غَيره وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لعَلي أَربع خِصَال لَيست لأحد غَيره هُوَ أول عَرَبِيّ وعجمي صلى مَعَ رَسُول الله صلى اللهُ عليهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَه لِوَاؤُهُ فِي كل زحف وَهُوَ الَّذِي صَبر مَعَه يَوْم فرَّ غَيره عَنهُ وَهُوَ الَّذِي غسله وَأدْخلهُ فِي قَبره وَعَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ أول هَذِه الْأمة وروداً على نبيها الْحَوْض أَولهَا إسلاماً عَليّ بن أبي طَالب
قَالَ ابْن عبد الْبر وَرَفعه أولى لِأَنَّهُ لَا يدرى بِالرَّأْيِ وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنْت ولي كل مُؤمن بعدِي وَعَن قَتَادَة عَن الْحسن قَالَ أسلم عَليّ وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة أَو سِتّ عشرَة سنة وَقيل ابْن عشر وَقيل ابْن ثَلَاث عشرَة وَقيل ابْن)
اثْنَي عشرَة وَقيل ابْن ثَمَان وَكَانَ عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي سنّ وَاحِد وَأَجْمعُوا على أَنه صلى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر وَشهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وَسَائِر الْمشَاهد وَأَنه أبلى ببدرٍ وأحدٍ وَالْخَنْدَق وخيبر بلَاء عَظِيما وَأَنه أغْنى فِي تِلْكَ الْمشَاهد وَقَامَ قِيَامهَا مقَام الْكَرِيم وَلم يتَخَلَّف عَن مشْهد شهده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ قدم الْمَدِينَة إِلَّا تَبُوك فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه على الْمَدِينَة وعَلى عِيَاله بعده وَقَالَ لَهُ أَنْت مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي قَالَ ابْن عبد الْبر وَقد روى أَنْت مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى جمَاعَة من الصَّحَابَة وَهُوَ من أثبت الْأَخْبَار وأصحها
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي أَنْت أخي وصاحبي وَعَن أبي الطُّفَيْل لما احْتضرَ عمر جعلهَا شُورَى بَين عَليّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد فَقَالَ عَليّ أنْشدكُمْ الله هَل فِيكُم أحد آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينه وَبَينه إِذْ آخى بَين الْمُسلمين غَيْرِي فَقَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ ابْن عبد الْبر وروينا من وُجُوه عَن عَليّ أَنه كَانَ يَقُول أَنا عبد الله وأخو رَسُول الله لَا يَقُولهَا أحد غَيْرِي إِلَّا كَذَّاب وَكَانَ مَعَه على حراء حِين تحرّك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت حراء فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَكَانَ عَلَيْهِ يومئذٍ الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ
وروى بُرَيْدَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر والبراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم كل واحدٍ مِنْهُم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَوْم غَدِير خم من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر وَعمْرَان بن الْحصين وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع كلهم بِمَعْنى وَاحِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَوْم خَيْبَر لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله لَيْسَ بفرارٍ يفتح الله على يَدَيْهِ ثمَّ دَعَا بعلي وَهُوَ أرمد فتفل فِي عَيْنَيْهِ وَأَعْطَاهُ الرَّايَة فَفتح الله عَلَيْهِ(21/178)
قَالَ ابْن عبد الْبر وَهِي كلهَا آثَار ثَابِتَة
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَهُوَ شَاب ليقضي بَينهم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ صَدره وَقَالَ اللَّهُمَّ اهد قلبه وسدد لِسَانه قَالَ عَليّ فو الله مَا شَككت بعْدهَا فِي قَضَاء بَين اثْنَيْنِ وَلما نزلت إِنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرَّجسَ أَهلَ الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة وعلياً وحسناً وَحسَيْنا فِي بَيت أم سَلمَة وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَاذْهَبْ)
عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وروت طَائِفَة من الصَّحَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي لَا يحبك إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضك إِلَّا مُنَافِق وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهْلك فِيك رجلَانِ محب مطرٍ وَكَذَّاب مفترٍ وَقَالَ لَهُ تفترق فِيك أمتِي كَمَا افْتَرَقت بَنو إِسْرَائِيل فِي عِيسَى وَقَالَ من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن آذَى عليا فقد آذَى الله عز وَجل وَرُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَنا مَدِينَة الْعلم وبابها عَليّ فَمن أَرَادَ الْعلم فليأت من بَابه وَقَالَ فِي أَصْحَابه أقضاكم عَليّ بن أبي طَالب وَقَالَ عمر عَليّ أقضانا وَأبي أقرأنا وَإِنَّا لنترك أَشْيَاء من قِرَاءَة أبي وَعَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ قلت لِلشَّعْبِيِّ أَن مُغيرَة حلف بِاللَّه مَا أَخطَأ عَليّ فِي قَضَاء قضى بِهِ فَقَالَ لقد أفرط وَعَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَانَ عمر يتَعَوَّذ من قَضِيَّة معضلةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن وَقَالَ فِي الْمَجْنُونَة الَّتِي أَمر برجمها وَفِي الَّتِي وضعت لسِتَّة أشهر فَأَرَادَ عمر رَجمهَا فَقَالَ لَهُ عَليّ إِن الله يَقُول وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا الحَدِيث وَقَالَ لَهُ إِن الله رفع الْقَلَم عَن الْمَجْنُون الحَدِيث
وَكَانَ عمر يَقُول لَوْلَا عَليّ هلك عمر وَقد رُوِيَ مثل هَذِه الْقِصَّة لعُثْمَان مَعَ ابْن عَبَّاس وَعَن عَليّ أَخذهَا ابْن عَبَّاس وَالله أعلم وَعَن سعيد بن الْمسيب قَالَ مَا كَانَ أحد من النَّاس يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب وَعَن قليب بن جسرة قَالَ قَالَت عَائِشَة من أفتاكم بِصَوْم عَاشُورَاء قَالُوا عَليّ قَالَت أما إِنَّه أعلم النَّاس بِالسنةِ وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر بن حُبَيْش قَالَ جلس رجلَانِ يتغديان مَعَ أَحدهمَا خَمْسَة أرغفة وَمَعَ الآخر ثَلَاثَة أرغفة فَلَمَّا وضعا الْغَدَاء بَين أَيْدِيهِمَا مر بهما رجل فَسلم فَقَالَا لَهُ الْغَدَاء فَجَلَسَ وَأكل مَعَهُمَا واستوفوا فِي أكلهم الأرغفة الثَّمَانِية فَقَامَ الرجل وَطرح إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَقَالَ خذا هَذَا عوضا مِمَّا أكلت لَكمَا ونلته من طعامكما فتنازعا فَقَالَ صَاحب الأرغفة الْخَمْسَة لي خَمْسَة دَرَاهِم وَلَك ثَلَاثَة دَرَاهِم فَقَالَ صَاحب الثَّلَاثَة لَا أرْضى إِلَّا أَن تكون الدَّرَاهِم بَيْننَا نِصْفَيْنِ فارتفعا إِلَى(21/179)
أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب فقصا عَلَيْهِ قصتهما فَقَالَ لصَاحب الثَّلَاثَة قد عرض لَك صَاحبك مَا عرض وخبزه أَكثر من خبزك فارض بِالثَّلَاثَةِ قَالَ لَا وَالله لَا رضيت مِنْهُ أَلا بمر الْحق فَقَالَ لَهُ عَليّ لَيْسَ لَك فِي مر الْحق إِلَّا دِرْهَم وَاحِد وَله سَبْعَة قَالَ الرجل سُبْحَانَ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هُوَ يعرض عَليّ ثَلَاثَة وَلم أَرض فأشرت عَليّ بأخذها)
فَلم أَرض وَتقول لي الْآن لَا يجب لَك فِي مر الْحق إِلَّا دِرْهَم وَاحِد فَقَالَ لَهُ عَليّ عرض عَلَيْك صَاحبك أَن تَأْخُذ الثَّلَاثَة صلحا فَقلت لَا أرْضى إِلَّا بمر الْحق وَلَا يجب لَك فِي مر الْحق إِلَّا وَاحِد فَقَالَ لَهُ الرجل فعرفني فِي مر الْحق حَتَّى أقبله فَقَالَ عَليّ أَلَيْسَ الثَّمَانِية الأرغفة أَرْبَعَة وَعشْرين ثلثا أكلتموها وَأَنْتُم ثَلَاثَة أنفس وَلَا نعلم الْأَكْثَر مِنْكُم أكلا وَلَا الْأَقَل فتحملون فِي أكلكم على السوَاء قَالَ بلَى قَالَ فَأكلت أَنْت ثَمَانِيَة أَثلَاث وَإِنَّمَا لَك تِسْعَة أَثلَاث وَأكل صَاحبك ثَمَانِيَة أَثلَاث وَله خَمْسَة عشر ثلثا أكل مِنْهَا ثَمَانِيَة وَبَقِي لَهُ سَبْعَة وَأكل لَك وَاحِدًا من تِسْعَة فلك وَاحِد بواحدك وَله سَبْعَة بسبعته فَقَالَ الرجل رضيت الْآن
وَكَانَ مُعَاوِيَة يكْتب فِيمَا ينزل بِهِ ليسأل بِهِ عَليّ بن أبي طَالب عَن ذَلِك فَلَمَّا بلغه قَتله قَالَ ذهب الْفِقْه وَالْعلم بِمَوْت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ لَهُ عتبَة أَخُوهُ لَا يسمع هَذَا أهل الشَّام فَقَالَ دَعْنِي عَنْك وَكَانَ يَأْخُذ فِي الْجِزْيَة من أهل كل صناعَة من صناعته وَعمل يَده يَأْخُذ من أهل الإبر الإبَر والمساك والخيوط والحبال ويقسمها بَين النَّاس وَكَانَ لَا يدع فِي بَيت المَال مَالا يبيت حَتَّى يقسمهُ إِلَّا أَن يغلبه شغل فَيُصْبِح إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا دنيا لَا تغريني غُرّي غَيْرِي هَذَا جناي وخياره فِيهِ وكل جَان يَده إِلَى فِيهِ وَعَن مجمع التَّيْمِيّ أَن عليا قسم مَا فِي بَيت المَال بَين الْمُسلمين ثمَّ أَمر بِهِ فكنس ثمَّ صلى فِيهِ رَجَاء أَن يشْهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة
وَثَبت عَن الْحسن بن عَليّ من وُجُوه أَنه قَالَ لم يتْرك أبي إِلَّا ثمانماية دِرْهَم فضل من عطائه كَانَ يعدها لخادمةٍ يَشْتَرِيهَا لأَهله وَعَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ رَأَيْت عليا خرج علينا وَعَلِيهِ قَمِيص غليظ رازي إِذا مد كم قَمِيصه بلغ إِلَى الظفر وَإِذا أرْسلهُ صَار إِلَى نصف الساعد وَكَانَ يطوف فِي الْأَسْوَاق وَمَعَهُ درة يَأْمُرهُم بتقوى الله وَصدق الحَدِيث وَحسن البيع وَالْوَفَاء فِي الْكَيْل وَالْمِيزَان وَقَالَ هرون بن إِسْحَق سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول من قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعرف لعَلي سابقته وفضله فَهُوَ صَاحب سنة وَمن قَالَ أَبُو بكرٍ وَعمر وَعُثْمَان وَعرف لعُثْمَان سابقته وفضله فَهُوَ صَاحب سنة فَذكرت لَهُ هَؤُلَاءِ الَّذين يذكرُونَ أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان ويسكتون فَتكلم فيهم بِكَلَام غليظ
قَالَ ابْن عبد الْبر وقف جمَاعَة من أَئِمَّة أهل السّنة فِي عَليّ وَعُثْمَان فَلم يفضل وَاحِدًا(21/180)
مِنْهُمَا على صَاحبه مِنْهُم مَالك بن أنس وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَأما اخْتِلَاف السّلف فِي تَفْضِيل)
عَليّ فقد ذكر ابْن خَيْثَمَة فِي كِتَابه من ذَلِك مَا فِيهِ كِفَايَة وَأهل السّنة الْيَوْم على تَقْدِيم أبي بكر على عمر وَتَقْدِيم عمر على عُثْمَان وَتَقْدِيم عُثْمَان على عَليّ وعَلى هَذَا عَامَّة أهل الحَدِيث من زمن أَحْمد بن حَنْبَل إِلَّا خَواص من جلة الْفُقَهَاء وأئمة الْعلمَاء فَإِنَّهُم على مَا ذكرنَا عَن مَالك وَيحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَكَانَ بَنو أُميَّة ينالون مِنْهُ وينتقصونه فَمَا زَاده الله بذلك إِلَّا سموا وعلواً ومحبة عِنْد الْعلمَاء
وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ رجلا آدم شَدِيد الأدمة ثقيل الْعَينَيْنِ عظيمهما ذَا بطن أصلع ربعَة إِلَى الْقصر لَا يخضب وَقَالَ أَبُو إِسْحَق السبيعِي رَأَيْت عليا أَبيض الرَّأْس واللحية وَقد رُوِيَ أَنه رُبمَا خضب وصفر لحيته وبويع رَضِي الله عَنهُ بالخلافة يَوْم قتل عُثْمَان وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف مِنْهُم نفر لم يهجهم وَلم يكرههم وَسُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل وتخلف عَنْهَا مُعَاوِيَة وَمن مَعَه من أهل الشَّام وَكَانَ مِنْهُم فِي صفّين بعد الْجمل مَا كَانَ تغمدهم الله برحمته وغفرانه جَمِيعًا ثمَّ خرجت عَلَيْهِ الْخَوَارِج وكفروه وكل من مَعَه إِذْ رَضِي التَّحْكِيم بَينه وَبَين أهل الشَّام وَقَالُوا لَهُ حكمت الرِّجَال فِي دين الله وَالله يَقُول إِن الحكم إِلَّا لله ثمَّ اجْتَمعُوا وشقوا عَصا الْإِسْلَام ونصبوا راية الْخلاف وسفكوا الدِّمَاء وَقَطعُوا السَّبِيل فَخرج إِلَيْهِم بِمن مَعَه ورام رجعتهم فَأَبَوا إِلَّا الْقِتَال فَقَاتلهُمْ بالنهروان وقتلهم واستأصل جمعهم أَو جمهورهم وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير
وانتدب لَهُ من بقاياهم عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي فَقتله وَقد مر ذَلِك فِي تَرْجَمَة عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور وَكَانَت قتلته لَيْلَة الْأَحَد لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر رَمَضَان ضربه بِسيف مسمومٍ وَهُوَ خَارج إِلَى صَلَاة الصُّبْح سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وَاخْتلف فِي لَيْلَة قَتله وَفِي سنة فَقيل لثلاث عشرَة لَيْلَة الْجُمُعَة وَقيل لثمان عشرَة وَقيل أول لَيْلَة من الْعشْر الْأَوَاخِر وَقيل عمره سبع وَخَمْسُونَ سنة وَقيل ثَمَان وَخَمْسُونَ وَقيل ثَلَاث وَسِتُّونَ وَقيل ابْن خمس وَسِتِّينَ وَقيل ثَلَاث وَقيل أَربع وَسِتُّونَ وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَاخْتلف فِي مَوضِع دَفنه فَقيل فِي مصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ وَقيل فِي رحبة الْكُوفَة وَقيل بنجف الْحيرَة وَقيل إِنَّه وضع فِي صندوق وَكثر عَلَيْهِ من الكافور وَحمل على بعير يُرِيدُونَ بِهِ الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانُوا بِبِلَاد طيءٍ أَضَلُّوا الْبَعِير لَيْلًا فَأَخَذته طَيء ودفنوه ونحروا الْبَعِير وَقَالَ(21/181)
الْمبرد عَن مُحَمَّد بن حبيب أول من حول من قبرٍ إِلَى قبرٍ عَليّ)
بن أبي طَالب وَقَالَت عَائِشَة لما بلغَهَا قَتله لتَضَع الْعَرَب مَا شَاءَت فَلَيْسَ لَهَا أحد يَنْهَاهَا
وَاخْتلف فِي ضرب ابْن ملحم لَهُ هَل كَانَ فِي الصَّلَاة أَو قبل الدُّخُول فِيهَا وَهل اسْتخْلف من أتم بهم الصَّلَاة أَو هُوَ أتمهَا فالأكثرون على أَنه اسْتخْلف جعدة بن هُبَيْرَة فصلى بهم تِلْكَ الصَّلَاة وَالله أعلم
وَقَالَ الْحسن بن عَليّ أَنه سمع أَبَاهُ فِي ذَلِك السحر يَوْم قتل يَقُول يَا بني رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نومهٍ نمتها فَقلت يَا رَسُول الله مَاذَا لقِيت فِي أمتك من الْأَوْلَاد واللدد فَقَالَ أدع الله عَلَيْهِم فَقلت اللَّهُمَّ أبدلني بهم خيرا مِنْهُم وأبدلهم بِي من هُوَ شَرّ لَهُم مني وجاءه مؤذنه بِالصَّلَاةِ فَخرج فاعتوره الرّجلَانِ فقتلاه وَجمع الْأَطِبَّاء لَهُ وَكَانَ أبصرهم بالطب أثير بن عمر السكونِي وَكَانَ صَاحب كسْرَى يتطبب لَهُ وَهُوَ الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ صحراء أثير فَأخذ أثير رئة شَاة حارة فتتبع عرقا مِنْهَا فاستخرجه فَأدْخلهُ فِي جِرَاحَة عَليّ ثمَّ نفخ الْعرق فاستخرجه فَإِذا عَلَيْهِ بَيَاض دماغ وَإِذا الضَّرْبَة قد وصلت إِلَى أم رَأسه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إعهد عَهْدك فَإنَّك ميت وَقَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي وَأَكْثَرهم يَرْوِيهَا لأم الْهَيْثَم بنت الْعُرْيَان النخعية من الوافر
(أَلا يَا عين وَيحك أسعدينا ... أَلا تبْكي أَمِير المؤمينا)
(تبْكي أم كُلْثُوم عَلَيْهِ ... بعيرتها وَقد رَأَتْ اليقينا)
(أَلا قل للخوارج حَيْثُ كَانُوا ... فَلَا قرت عُيُون الشامتينا)
(أَفِي شهر الصّيام فجعتمونا ... بِخَير النَّاس طراً أجمعينا)
(قتلتم خير من ركب المطايا ... وذللها وَمن ركب السفينا)
(وَمن لبس النِّعَال وَمن حذاها ... وَمن قَرَأَ المثاني والمئينا)
(وكل مَنَاقِب الْخيرَات فِيهِ ... وَحب رَسُول رب العالمينا)
(لقد علمت قُرَيْش حَيْثُ كَانَت ... بأنك خَيرهمْ حسباً ودينا)
(إِذا اسْتقْبلت وَجه أبي تُرَاب ... رَأَيْت الْبَدْر فَوق الناظرينا)
(وَكُنَّا قبل مَقْتَله بِخَير ... نرى مولى رَسُول الله فِينَا)
(يُقيم الْحق لَا يرتاب فِيهِ ... ويعدل فِي العدى والأقربينا)
(وَلَيْسَ بكاتم علما لَدَيْهِ ... وَلم يخلق من المتجبرينا)
)
(كَأَن النَّاس إِذْ فقدوا عليا ... نعام حَار فِي بلد سنينا)
(فَلَا تشمت مُعَاوِيَة بن صَخْر ... فَإِن بَقِيَّة الْخُلَفَاء فِينَا)(21/182)
وَقَالَ الْفضل بن عَبَّاس بن عتبَة بن أبي لَهب من الْبَسِيط
(مَا كنت أَحسب أَن الْأَمر منصرف ... عَن هاشمٍ ثمَّ مِنْهَا عَن أبي حسن)
(أَلَيْسَ أول من صلى لقبلته ... وَأعلم النَّاس بِالْقُرْآنِ وَالسّنَن)
(وَآخر النَّاس عهدا بِالنَّبِيِّ وَمن ... جِبْرِيل عون لَهُ فِي الْغسْل والكفن)
(من فِيهِ مَا فيهم لَا يمترون بِهِ ... وَلَيْسَ فِي الْقَوْم مَا فِيهِ من الْحسن)
وَقَالَ السَّيِّد الْحِمْيَرِي من الْبَسِيط
(سَائل قُريْشًا بهَا أَن كنت ذاعمه ... من كَانَ أثبتها فِي الدّين أوتادا)
(من كَانَ أقدمها سلما وأكثرها ... علما وأطهرها علما وأولادا)
(من وحد الله إِذْ كَانَت مكذبة ... تَدْعُو مَعَ الله أوثاناً وأولادا)
(من كَانَ يقدم فِي الهيجاء إِن نكلوا ... عَنْهَا وَإِن بخلوا فِي أزمة جدا)
(من كَانَ أعدلها حكما وأبسطها ... علما وَأصْدقهَا وَعدا وإيعادا)
(إِن يصدقوك فَلَنْ تعدو أَبَا حسن ... إِن أَنْت لم تلق للأبرار حسادا)
(إِن أَنْت لم تلق أَقْوَامًا ذَوي صلف ... وَذَا عناد لحق الله جحادا)
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْحُسَيْنِي من السَّرِيع
(غَدا عَليّ بن أبي طَالب ... فاغتاله بِالسَّيْفِ أَشْقَى مُرَاد)
(شلت يَدَاهُ وهوت أمه ... أَي امْرِئ قد دب تَحت السوَاد)
(عز على عَيْنَيْك لَو أَبْصرت ... مَا اجترحت بعْدك أَيدي الْعباد)
(لانت قناة الدّين واستأثرت ... بالفيء أَفْوَاه الْكلاب العواد)
وَفِي تَرْجَمَة عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي أَبْيَات قَالَهَا بكر بن حَمَّاد التاهرتي فِيهَا رثاء لعَلي أبي طَالب ورد على عمرَان بن حطَّان فلتطلب هُنَاكَ وَكَانَت خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَفِي تَهْذِيب اللُّغَة للأزهري قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني لم يَصح عندنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ تكلم من الشّعْر بِشَيْء غير هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من الْبَسِيط)
(تلكم قُرَيْش تمناني لتقتلني ... فَلَا وَجدك مَا بروا وَمَا ظفروا)
(فَإِن هَلَكت فرهن ذِمَّتِي لَهُم ... بِذَات روقين لَا يعْفُو لَهَا أثر)
يُقَال داهية ذَات روقين وَذَات ودقين إِذا كَانَ عَظِيمَة وَقَالَ الْحَافِظ فتح الدّين(21/183)
مُحَمَّد بن سيد النَّاس وَمِمَّا روينَا من شعر عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم بدر من الطَّوِيل
(ألم تَرَ أَن الله أبلى رَسُوله ... بلَاء عَزِيز ذِي اقتدار وَذي فضل)
(بِمَا أنزل الْكفَّار دَار مذلة ... فألفوا إساراً من هوان وَمن ذل)
(فأمسى رَسُول الله قد عز نَصره ... وَكَانَ رَسُول الله أرسل بِالْعَدْلِ)
فِي أَبْيَات ذكرهَا وَمِمَّا ذكر لَهُ يذكر إجلاء بني النَّضِير وَمَا تقدم ذَلِك من قتل كَعْب بن الْأَشْرَف من الوافر
(فَأصْبح أَحْمد فِينَا عَزِيزًا ... عَزِيز المقامة والموقف)
(فيا أَيهَا الموعدوه سفاهاً ... وَلم يَأْتِ جوراً وَلم يعنف)
(ألستم تخافون أدنى الْعَذَاب ... وَمَا آمن الله كالأخوف)
(وَإِن تصرعوا تَحت أسيافه ... كمصرع كَعْب أبي الْأَشْرَف)
وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء وَمِمَّا أَن مُعَاوِيَة كتب إِلَى عَليّ بن أبي طَالب إِن لي فَضَائِل كَانَ أبي سيداً فِي الْجَاهِلِيَّة وصرت ملكا فِي الْإِسْلَام وَأَنا صهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخال الْمُؤمنِينَ وَكَاتب الْوَحْي فَقَالَ عَليّ أَبَا الْفَضَائِل يفتخر عَليّ ابْن آكِلَة الأكباد أكتب إِلَيْهِ يَا غُلَام من الوافر
(مُحَمَّد النَّبِي أخي وصهري ... وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء عمي)
(وجعفر الَّذِي يُضحي ويمسى ... يطير مَعَ الْمَلَائِكَة ابْن أُمِّي)
(وَبنت مُحَمَّد سكني وعرسي ... مشوب لَحمهَا بدمي ولحمي)
(وسبطا أَحْمد ولداي مِنْهَا ... فَأَيكُمْ لَهُ سهم كسهمي)
(سبقتكم إِلَى الْإِسْلَام طراً ... صَغِيرا مَا بلغت أَوَان حلمي)
فَقَالَ مُعَاوِيَة اخفوا هَذَا الْكتاب لَا يقرأه أهل الشَّام فيميلون إِلَيْهِ وعدة من قتل فِي وقته الْجمل ثَمَانِيَة آلَاف مِنْهُم الأزد خَاصَّة أَرْبَعَة آلَاف وَمن ضبة ألف وَمِائَة وباقيهم من سَائِر النَّاس
هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الَّذين كَانُوا مَعَ عَائِشَة وَقتل من أَصْحَاب عَليّ نَحْو ألف وَكَانَت الْوَقْعَة لعشر)
خلون من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ ثمَّ إِنَّه التقى بعد ذَلِك مَعَ مُعَاوِيَة بصفين غرَّة صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَقيل كَانَ عَليّ فِي تسعين ألفا وَكَانَ مُعَاوِيَة فِي مائَة وَعشْرين ألفا وَقيل الْعَكْس وَقتل من أَصْحَاب عَليّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وَمن أَصْحَاب مُعَاوِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَقيل غير ذَلِك(21/184)
وَكَانَ الْمقَام بصفين مائَة يَوْم وَعشرَة أَيَّام وَكَانَت الوقائع بَينهمَا تسعين وقْعَة ثمَّ كَانَت وَاقعَة الْحكمَيْنِ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعَمْرو بن الْعَاصِ بدومة الجندل بعد ذَلِك بِخَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ كَانَ خُرُوج عَليّ إِلَى الْخَوَارِج بالنهروان بعد سنة وشهرين وللشيخ شمس الدّين كتاب سَمَّاهُ فتح المطالب فِي فضل عَليّ بن أبي طَالب قرأته عَلَيْهِ من أَوله إِلَى آخِره ذكر فِيهِ أَن أَوْلَاده رَضِي الله عَنهُ تِسْعَة وَثَلَاثُونَ ولدا أما الذُّكُور فالحسن وَالْحُسَيْن وَمُحَمّد وَعمر الْأَكْبَر وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر وَهَؤُلَاء الْخَمْسَة هم الَّذين أعقبوا والمحسن طرح وَمُحَمّد الْأَصْغَر قتل بالطف وَالْعَبَّاس الْأَصْغَر وَعمر الْأَصْغَر وَعُثْمَان قتل بالطف وَعُثْمَان طِفْل وجعفر قتل بالطف وجعفر مَاتَ طفْلا وَعبد الله الْأَكْبَر قتل بالطف وَعبد الله درج طفْلا وَعبد الله أَبُو عَليّ وَيُقَال قتل بالطف وَعبد الرَّحْمَن وَحَمْزَة درجا وَأَبُو بكر عَتيق يُقَال بالطف وَعون درج وَيحيى مَاتَ طفْلا
وَأما الْبَنَات فزينب الْكُبْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى وَأم كُلْثُوم وَأم كُلْثُوم الصُّغْرَى ورقية ورقية الصُّغْرَى وَفَاطِمَة وَفَاطِمَة الصُّغْرَى وفاختة وَأمة الله جمانة ورملة وَأم سَلمَة وَأم الْحسن ونفيسة وَأم الْكِرَام ومَيْمُونَة خَدِيجَة وأمامة قَالَ ياقوت والعقب لِلْحسنِ من زيد وَالْحسن
والعقب لزيد من الْحسن بن زيد والعقب لِلْحسنِ بن الْحسن من جَعْفَر وَدَاوُد وَعبد الله وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم والعقب للحسين من عَليّ الْأَصْغَر بن الْحُسَيْن والعقب لعَلي بن الْحُسَيْن من مُحَمَّد وَعبد الله وَعمر وَزيد وَالْحُسَيْن بني عَليّ والعقب لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة من جَعْفَر وَعلي وَعون وَإِبْرَاهِيم والعقب لجَعْفَر بن مُحَمَّد من عبد الله ولعلي بن مُحَمَّد من عون ولعون بن مُحَمَّد ولإبراهيم بن مُحَمَّد وَأما أَبُو هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ أكبر وَلَده فقد ظن قوم أَنه لَا عقب لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك والعقب لعمر بن عَليّ بن أبي طَالب من مُحَمَّد بن عمر والعقب لمُحَمد بن عمر من عمر وَعبد الله وجعفر والعقب للْعَبَّاس من عبيد الله بن الْعَبَّاس والعقب لِعبيد الله من الْحُسَيْن وَعبد الله قَالَ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الألقاب وَمِمَّا يمْتَحن بِهِ)
الْحفاظ أَن يُقَال أتعرفون فِي الصَّحَابَة رجلا يُقَال لَهُ أَسد بن عبد منَاف بن شيبَة بن عَمْرو بن الْمُغيرَة بن زيد وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ لقبه حيدرة والحيدرة الْأسد وَعبد منَاف هُوَ أَبُو طَالب وَشَيْبَة اسْمه عبد الْمطلب وَعَمْرو اسْمه هَاشم والمغيرة اسْمه عبد منَاف وَزيد إسم قصي
عَليّ بن عبد الْمُؤمن بن عبد الْعَزِيز بن الح(21/185)
الْمسند نور الدّين الشَّافِعِي سمع من جده لِأَبِيهِ وَمن جده لأمه إِسْمَاعِيل بن أبي الْيُسْر وَأَجَازَ لي بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة بِخَطِّهِ
3 - (عَليّ بن عبد الْوَاحِد)
الْبري قَاضِي طرابلس عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن الْحر أَبُو الْحُسَيْن الْبري قَاضِي طرابلس وصل من مصر خادمان فقطعا رَأس هَذَا القَاضِي لكَونه سلم عزاز إِلَى مُتَوَلِّي بِغَيْر إِذن الْحَاكِم وَكَانَ قَتله فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبع مائَة
القوسان عَليّ بن عبد الْوَاحِد أَبُو الفياح السَّعْدِيّ القوسان بِالْقَافِ وَالْوَاو وَالسِّين الْمُهْملَة وَبعد الْألف نون الحصري رَفِيق عبد الْقوي النوشاذر وَقد تقدم ذكره فِي مَوْضِعه كَانَا متصاحبين وهما ماجنان خليعان ينظمان البلاليق ويأتيان فِيهَا بالسخف الْفَاحِش إِلَّا أَنه ظريف إِلَى الْغَايَة وَلَهُمَا فِي تِلْكَ البلاليق الْمَشْهُورَة أمداح فِي الْمُلُوك أَوْلَاد الْعَادِل فَمن ذَلِك قَوْله
(لي زب قد أوضح عذرو ... من يدخلو يربح أجرو)
عُرْيَان فَقير زادبو الإفلاس غَرِيب وَيطْلب مسْقط راس
(لَعَلَّ فِيكُم يَا جلاس ... من يسكنو مخزن جحرو)
أعمى ترَاهُ يبكي حسره إِذا دخل وسط السفره
(يدْخل وَيخرج مية مره ... يبْقى محير فِي أمرو)
كتب وَصِيَّة يتكفن)
إِن مَاتَ فِي الأكساس يدْفن
(صَاح الْخصي ذَا مَا يحسن ... بَين الفقاح نجْعَل قبرو)
قرف من البوري المشقوق وَقد تنزه فِي البرقوق
(وَصَارَ غداه تين المعشوق ... هُوَ الَّذِي قوى ظهرو)(21/186)
فَارس جواد مَا يكبا قصاف مَعَ الْخمر أتربا
(يرقص تغني لَو الثقبا ... جاني المعربد فِي سكرو)
فِي السخف أبكيت الْكَاذِب وَمَا مضى عمري خايب
(إِذا لي مدايح فِي الصاحب ... نجا من النيرَان شكرو)
وَمن ذَلِك
(لي زب إِذا قَامَ الشَّارِب ... ولى الْأسد منو هارب)
مَمْلُوك من الأتراك جَبَّار عمل بِبَيْت مَال الأجحار
(جاريه على الثقبة مدرار ... فِي كل سَاعَة لَو راتب)
رماح إِن هز الحربه سياف كم خَنْدَق ضربه
(رامي إِذا أطلق فِي الثقبه ... سَهْمه مدى الْأَيَّام صايب)
بركو معصفر من ظرفو أَمِير واقطاعو أتفو
(خصويه سلَاح دَاره خلفو ... من حشمته مَا لَو حَاجِب)
فِي الْحجر يدْخل مَا ينحاش وَإِن داخ من أكل الخشخاش
(صَاح الخصا لَو يَا خشداش ... أخرج على انحس قالب)
)
يرجع يُقَاتل بالدبوس وَالْقَذْف يعْمل فِي البركوس
(والدبر يضْرب لَو بالكوس ... والبوق حَيّ يخرج كاسب)
ترَاهُ بخلعه يتزوق كالسهم لكنو يسْبق(21/187)
(فِي شفر امْرَأَة الأحمق ... من يبغض أَيَّام الصاحب)
وَمن ذَلِك وَقد جَاءَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد
(مركب قمدي يَا جلاس ... جلس على بر الأكساس)
أقلع وكل بِالرِّيحِ بغنوس لَا يدْرِي الوحلات منحوس
(ووافقوا ادبار الطاروس ... وَعَاد فِي اللجة برجاس)
رجعت خوفي أَن لَا نغرق وصرت بِالرِّيحِ نتعلق
(خرج لي من خلفو زورق ... وَمن ورا الزورق دكاس)
حبطنت أيري فِي الْبقْعَة وَقمت فِي آسطامو سرعه
(سديت بخصويه الترعه ... وَصحت يَا زبي لَا باس)
حطمت مركب خصويه لَا كَانَ سفر المهديه
(كَانُوا الْبِلَاد الْقبلية ... أخير من بحري للنَّاس)
حب الْعلُوق الجمريه أخير لي من بختيه
(اقلع وَأَنا فَوق الليه ... بالأردمون مَعَ بو الْعَبَّاس)
وتبصر الْمركب بكرا يسير وَكم يقطع مجْرى)
(وَأَنا على فَم السفرا ... وسطي قمدي كالقياس)
وَمن ذَلِك
(لي زب كالليث العابس ... رَاكب خصاه مثل الْفَارِس)
ترَاهُ يرْكض فِي البطحا على ميادين الفقحا(21/188)
(مناه من التينة سلحا ... طول الزَّمَان فِيهَا غاطس)
البوق بحملاته يضْرب فِي السرم إِذا لَاحَ لَو مضرب
(ترى الخصا خلفو يجنب ... كنو أَتَى يفتح قابس)
عَمْرو مُجَرّد فِي البيكار كالأسمر الخطي خطار
(أَمِير فِي طعن الأجحار ... وَفِي القبا يرجع سايس)
أَقرع ورا أكتافو جمه أطروش وَيسمع من كَلمه
(أعمى ويقشع فِي الظلمه ... للدبر فِي اللَّيْل الدامس)
على الأساتي يتجرا يفتح مصرات السفرا
(كَأَن لَو دَاخل صرا ... وَقد فتحهَا من آمس)
يعم عُذْري فِي الأسمر يعم عُذْري فِي الأسمر الْخَال والخد الْأَحْمَر
(والخصر إِذا كَانَ مُضْمر ... والردف وَالْقد المايس)
يطعن بِحَال طعنات عنتر إِذا وصل جوا المبعر
(يخرج على راسو مغفر ... وكازغند أصفر لابس)
)
وَمن ذَلِك
(مَعَ اللُّصُوص زبي آتربا ... يفش أقفال الثقبا)
من البزاق يعْمل مِفْتَاح من فَوق يافوخو يَا صَاح
(وَتارَة جندي رماح ... راسو ترَاهَا كالحربا)
يشد وسطو كالفراش(21/189)
وَإِذا رأى المبعر قد طاش
(ترَاهُ يحمل كالتركاش ... والخصوتين خلفو جعبا)
زب ململم يملا الْعين يلقى من التينات أَلفَيْنِ
(طوله ثَلَاثَة فِي ثلثين ... تخرا أَنْت من هذي الحسبا)
على الخصا يعْقد ناموس يجلس بِحَال فار البركوس
(كنو يرى وَجه القطوس ... فِي الْجُحر يدْخل يستخبا)
يَرْمِي براسو فِي المبعر عُرْيَان وخصويه يتجرجر
(يخرج عَلَيْهِ دقاج أصفر ... من الخرا لابس جبا)
وَمن ذَلِك
(لي زب يخْطب فِي المردان ... من هيبتو يخري الديَّان)
لما رَآهُ فَوق الْمِنْبَر قايم على خصويه كبر
(وَأسلم وعنو يتنصر ... ويتخذ راسو قرْبَان)
جت لَو الْيَهُود تسمع قولو فِي الأير لما دَار حولو
(نَادَى لَهُم أيا زولوا ... حللت لي دهن الْأَبدَان)
)
بِاللَّيْلِ يَدُور كالحرابة يلْعَب بخصويه الكآبه
(يرقص لضرب الشبابه ... على الفقاح رقص السودَان)
أعمى وللثقبه يسْبق لَا بُد بِالدرةِ يسفق
(يُمْسِي وَمَا فِي آيدو مطرق ... كنو مظفر فِي العميان)(21/190)
إِذا انتفخ عَاد كالقربه والخصوتين تَحْتَهُ دبه
(يزعق على بَاب الثقبه ... المَاء مبرد يَا عطشان)
بالسخف أرضيت الْفُسَّاق لم تخش من نَار الإحراق
(إِذْ لي مديح فِي بو إِسْحَق ... السَّيِّد النّدب الْبُرْهَان)
وَمن ذَلِك
(نيك الكس ... يَا لقومي غثى الْأَنْفس)
(لَو أشداق ... واسعه مَعَ فَم أفقم)
(فِيهِ رقراق ... مقدم الأير عنو يَنْضَم)
(للفساق ... طول ليلو يمصي البلغم)
(جسو جس ... شعر راسو مثل الخنفس)
(لَا تجرد ... النسا قد غثو نَفسِي)
(نتجرد ... للواط مثل أبنا جنسي)
(فالأمرد ... يخرجو لي بعدا مكسي)
(فِي برنس ... مَعَ عمامه لون السندس)
(أيخلف ... مَا أَنْت عِنْدِي فِي صُورَة عز)
(كن منصف ... فِي صِفَات التينه وَالْحر)
(قَالَ يحلف ... إِن للفقحات عِنْدِي سر)
)
(فِيهِ ندرس ... ولفضلو عمري يخرس)
(اللَّذَّات ... خلقت فِي تين المعشوق)
(هاتو هَات ... فِيهِ عسل مَعَ سمسم مسحوق)
(والآفات ... جعلت فِي البوري المشقوق)
(لَا تلمس ... فِيهِ راويح عطنا ترمس)
(آغلما ... لَو تروا أيري كَيفَ يفشر)(21/191)
(لَو هما ... وشهامه وَقت يخْطر)
(ذِي الغرما ... ردَّتْ البنية لَو تزمر)
(تَقول اكدس ... لَك خلع مَعَ عَمه قندس)
(كم فقحا ... ردَّتْ الأير لما جاها)
(فِي فَرحا ... وخلوق لَو ريت مَا أذكاها)
(مَعَ طرحا ... أكستو لما أغناها)
(وَهِي تعطس ... كنها قد شمت كندس)
(آجلاس ... من ناك الْأَمْرَد قد فَازَ)
(مَا نم باس ... أَو لَا ريبه فِي الأطياز)
(والأكساس ... بالخروق محشية والجاز)
(شي بالكدس ... لَا تصفهم يَا صحبي أس)
وَمن ذَلِك مَا قَالَه وَقد نقشت جَارِيَة للْملك الْعَزِيز على خديها صُورَة عقرب وحية
(من نقش ... فِي صورك عقرب وارقش)
(قد أغرب ... من رقم فِي الخد الْعَقْرَب)
(أَو كتب ... جنه فِي الخد الْمَذْهَب)
(نتعجب ... من رامه عقله يذهب)
(وان حمش ... فِي الرياض يضْرب أَو ينهش)
(من يطفي ... لوعتي مَعَ حر أشواقي)
(والهفي ... لم أجد فِي الدُّنْيَا راقي)
)
(من حتفي ... وَالْقَتْل فِيهَا درياقي)
(كَيفَ ينعش ... من عدوه خلقه يفتش)
(الْعَقْرَب ... زوق من فَوق مَا خدك)
(فِيهِ ركب ... كل من ينجو من صدك)
(كالأنجب ... الْعَزِيز الَّذِي كَانَ سعدك)
(قد فتش ... فِي السها صاب ملكه عرش)(21/192)
(الْعليا ... بالعزيز نَالَتْ منيتها)
(وَالدُّنْيَا ... بك تنورنا ديباجتها)
(والحيا ... كالعصا عَادَتْ سيرتها)
(لَا تدهش ... فالأسود مِنْك ترعش)
(الإِمَام ... اسْمه عَن شعر الأفراح)
(وَأهل الشَّام ... وَالْعراق سعد لَك ترتاح)
(والأقلام ... طَاعَتك وَالْبيض والأرماح)
(لم تعطش ... وَهِي بالأعدا مرش)
وَقَالَ وَقد اعْترض عَلَيْهِ فِيهَا مظفر الْأَعْمَى
(من فتش ... فِي الخرا دقنه يطرش)
(يَا أعمى ... لحسك ينقاس بالقوسن)
(سَوف ترمى ... بالأهاجي قبل أَن تدفن)
(لَك كلما ... فِي القريض مثلي تدون)
(فاتمعش ... أَو فمت لَو كنت الْأَخْفَش)
(ابْن سعرك ... أوموا قبل سَهَا الْيَوْم)
(زَاد أَمرك ... مَا أَنا الا ندريك يَا قوم)
(هان قدرك ... مَا يطيب فِي أفمام الْقَوْم)
(اوبرش ... فاندفن فِي زبلك وانخش)
(سح بو الْعِزّ ... ذَا الهجا فِي عُنُقك دره)
)
(أَو تعجز ... فِي ادعا مَا لَيْسَ لَك قدره)
(تَمُوت بالزز ... وتعود فِي الْعَالم شهره)
(سفش ... ذَا الْأَدَب من راسك ينفش)
(تتفرزن ... مَا أَنْت عِنْدِي إِلَّا بيذق)(21/193)
(مور واركن ... عِنْد غَيْرِي هُوَ لَك ألفق)
(مَعَ القوسن ... هيبتك أمست تتمزق)
(ومكرمش ... وصحيح عرضك يتهرش)
(نشربندي ... وَأَنا أقعد بالعصل)
(وَمن جدى ... المغاسل ملعل التَّأْوِيل)
(ظهر سعدي ... وَأَنا الْقَائِل بالسطيل)
(من يفش ... فِي حلق كل عقرب وارقش)
عَلَاء الدّين ابْن الزملكاني عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن خلف بن نَبهَان الإِمَام عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن ابْن الْعَلامَة كَمَال الدّين أبي المكارم خطيب زملكا الأتصاري السماكي وَالِد الْعَلامَة كَمَال الدّين ابْن الزملكاني وَقد تقدم ذكره فِي المحمدين كَانَ إِمَامًا جليل الْقدر وافر الْحُرْمَة حسن البزة مليح الصُّورَة تَامّ الشكل مهيباً درس بالأمينية مُدَّة وَسمع وَلم يحدث توفّي سنة تسعين وست مائَة
عَلَاء الدّين ابْن السَّابِق عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن الْخضر الرئيس عَلَاء الدّين ابْن السَّابِق بِالْبَاء الْمُوَحدَة قبل الْقَاف الْحلَبِي نزيل دمشق شيخ جليل متميز من رُؤَسَاء الدولة الناصرية خدم فِي الْجِهَات وَولي نظر البيمارستان وَمَات على نظر الْعشْر توفّي سنة سبع وَتِسْعين وست مائَة وَسَيَأْتِي ذكر عَلَاء الدّين عَليّ بن عُثْمَان ابْن السايق إِلَّا أَنه بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَصَاحب هَذِه التَّرْجَمَة بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة ووفاتهما قريبَة لِأَن عَلَاء الدّين بن عُثْمَان توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وست مائَة وَإِنَّمَا نبهت على ذَلِك لِئَلَّا يَقع التَّصْحِيف وتؤيده الْوَفَاة فيظن أَنَّهُمَا وَاحِد
ابْن بنت الْأَعَز)
عَليّ بن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن خلف بن بكر عَلَاء الدّين ابْن القَاضِي تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي كَانَ بِمصْر ونزح مِنْهَا هَارِبا من الشجاعي إِلَى أَن وصل حلب وبلادها وَأقَام بحماة ثمَّ حضر إِلَى دمشق وسعى أَخُوهُ القَاضِي تَقِيّ الدّين فِي ترتيبه نَاظرا بديوان الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي بِدِمَشْق رَفِيق بدر الدّين المَسْعُودِيّ وَحكى بدر الدّين المَسْعُودِيّ قَالَ لما بَاشر عَلَاء الدّين عندنَا فِي الدِّيوَان لم يكن لَهُ من الملبوس إِلَّا مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقد أخلق وَلم يكن مَعَه شَيْء فَأرْسلت إِلَيْهِ جملَة دَرَاهِم وقماشاً غير مفصل من مَالِي وَبحث فَلم يجدني تعرضت إِلَى درهمٍ واحدٍ من مَال مخدومي قَالَ وذكرني بِكُل سوء(21/194)
وَلما تولى الشجاعي نِيَابَة دمشق حضر عِنْده وتوصل إِلَيْهِ بِمَا يلائمه وولاه نظر ديوانه
وَبعد ذَلِك توجه إِلَى مصر وَولي الْحِسْبَة وَكَانَ فِيهِ قلق وثلب للنَّاس توفّي رَحمَه الله بِمصْر سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة قَالَ ابْن الصقاعي وَكَانَ فِيهِ قلق وثلب للنَّاس وَمن شعره من الوافر
(حماة غزالة الْبلدَانِ أضحت ... لَهَا من نهر عاصيها عُيُون)
(وقلعتها لَهَا جبل بديع ... وَمن سود التلول لَهَا قُرُون)
وَله فِي دمشق من الْكَامِل
(إِنِّي أدل على دمشق وطيبها ... من حسن وصفي بِالدَّلِيلِ الْقَاطِع)
(جمعت جَمِيع محَاسِن فِي غَيرهَا ... وَالْفرق بَينهمَا بِنَفس الْجَامِع)
3 - (عَليّ بن عَبدة)
الْأَنْبَارِي عَليّ بن عَبده الْأَنْبَارِي قَالَ محب الدّين بن النجار رَأَيْت لَهُ قصيدة مدح بهَا سيف الدولة صَدَقَة بن مزِيد أَمِير الْعَرَب أَولهَا من الْبَسِيط
(لما رَأَيْت شَقِيق النَّفس قد ظعنا ... بذلت للبين دمعاً كَانَ قد خزنا)
(وَلم أطق رد توديع غَدَاة غَدَتْ ... بِهِ السفين على موج كأدمعنا)
(لما رأى فيض دمعي عِنْد فرقته ... رنا إِلَيّ كَمثل الخشف حِين رنا)
(وَقَالَ لي بلحاظ غير ناطقةٍ ... قل الْبكاء لَعَلَّ الله يجمعنا)
(فَقلت وَالصَّبْر قد زَالَت عَزَائِمه ... مَا كَانَ أوحى وَحقّ لله فرقتنا)
3 - (عَليّ بن عبيد الله)
ابْن الباقلاني الدباس عَليّ بن عبيد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عمر الْبَزَّاز أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الباقلاني الدباس من أَوْلَاد الْمُحدثين تفقه بالنظامية بِبَغْدَاد وَكَانَ متديناً ذَا أَمَانَة ونزاهة ولي قَضَاء الْكُوفَة فِي عشْرين الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة فَأَقَامَ نَحوا من شهر وعزل وَعَاد إِلَى الْمدرسَة فَقِيها بهَا ومشرفاً على خزانَة الْكتب الناصرية إِلَى أَن توجه ابْن فضلان رَسُولا إِلَى بِلَاد الرّوم فَمضى مَعَه وأدركه أَجله هُنَاكَ فِي سيواس سنة ثَلَاثِينَ وست مائَة(21/195)
الزَّاغُونِيّ الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن السّري أَبُو الْحسن الزَّاغُونِيّ الْبَغْدَادِيّ
كَانَ من أَعْيَان الْحَنَابِلَة ووجوههم سمع الْكثير وَطلب بِنَفسِهِ وَحصل وَكتب بِخَطِّهِ واشتهر بالصلاح والديانة وَله مجموعات فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول والوعظ وَجمع تَارِيخا على السنين من أول ولَايَة المسترشد إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ ثِقَة سمع عبد الصَّمد بن عَليّ بن الْمَأْمُون وَمُحَمّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الصريفيني وَأحمد بن مُحَمَّد بن النقور وَعلي بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن البسري وَجَمَاعَة وروى عَنهُ ابْن نَاصِر أَبُو الْفضل وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهمَا ولد سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَخمْس مائَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ صحبته زَمَانا وعلقت عَنهُ الْفِقْه والوعظ)
الدقيقي النَّحْوِيّ عَليّ بن عبيد الله ابْن الدقاق أَبُو الْقَاسِم الدقيقي النَّحْوِيّ أحد الْأَئِمَّة الْعلمَاء فِي هَذَا الشَّأْن أَخذ عَن الْفَارِسِي والسيرافي والرماني وَكَانَ مُبَارَكًا فِي التَّعْلِيم تخرج عَلَيْهِ خلق كثير لحسن خلقه وسجاحة سيرته ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مائَة
وَله تصانيف مِنْهَا كتاب شرح الْإِيضَاح قَالَ ياقوت رَأَيْته مَنْسُوبا إِلَيْهِ وَأَنا أَظُنهُ شرح عَليّ بن عبيد الله السمسمي لِأَنَّهُ محشو بقوله قَالَ السمسماني وَمَا أرى الدقاق مِمَّن يَأْخُذ من السمساني وَهُوَ أكبر سنا مِنْهُ ومشايخهما ووفاتهما وَاحِدَة وَلَكِن اشْتبهَ الِاسْم فنسب إِلَى هَذَا لشهرته بالنحو وَله أَيْضا كتاب شرح الْجرْمِي كتاب الْعرُوض كتاب الْمُقدمَات
السمسماني الْكَاتِب عَليّ بن عبيد الله بن عبد الْغفار أَبُو الْحسن السمسمي(21/196)
وَيُقَال السمسماني اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ كَانَ جيد الْمعرفَة بفنون الْعَرَبيَّة صَحِيح الْخط غَايَة فِي الضَّبْط قَرَأَ على الْفَارِسِي والسيرافي
وَكَانَ ثِقَة فِيمَا يرويهِ توفّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مائَة وَكَانَ أَبُو الْحسن مليح الْخط وَمن هَذَا الْبَيْت جمَاعَة كتاب مجيدون وَكَانَ أَبُو الْحسن متطيراً خرج يَوْم عيد من دَاره فَلَقِيَهُ بعض النَّاس فَقَالَ لَهُ مهنئاً عرف الله سيدنَا الشَّيْخ بركَة شُؤْم هَذَا الْيَوْم فَقَالَ وَإِيَّاك يَا سَيِّدي
وَعَاد فأغلق الْبَاب وَلم يخرج يَوْمه وَنسب إِلَيْهِ من الشّعْر هَذِه الأبيات من الْكَامِل
(دع مقلتي تبْكي عَلَيْك بأربعٍ ... إِن الْبكاء شِفَاء قلب الموجع)
(ودع الدُّمُوع تكف جفني فِي الْهوى ... من غَابَ عَنهُ حَبِيبه لم يهجع)
(وَلَقَد بَكَيْت عَلَيْك حَتَّى رق لي ... من كَانَ فِيك يلومني وَبكى معي)
الريحاني عَليّ بن عُبَيْدَة الريحاني أحد البلغاء الفصحاء من النَّاس من فَضله على الجاحظ فِي البلاغة وَحسن التصنيف وَكَانَ لَهُ اخْتِصَاص بالمأمون يسْلك فِي تصانيفه طَرِيق الْحِكْمَة وَكَانَ يرْمى بالزندقة وَله مَعَ الْمَأْمُون أَخْبَار مِنْهَا أَنه كَانَ بِحَضْرَة الْمَأْمُون فجمش غُلَاما فَرَآهُ الْمَأْمُون فَأحب أَن يعلم هَل علم عَليّ أم لَا فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْت فَأَشَارَ عَليّ بِيَدِهِ وَفرق أَصَابِعه أَي خَمْسَة وتصحيف خَمْسَة جمشة وَغير ذَلِك من الْأَخْبَار الْمُتَعَلّقَة بالفطنة والذكاء وَله من الْكتب كتاب المصون كتاب التدرج كتاب زَائِد الرَّد كتاب الْمُخَاطب كتاب الطارف)
كتاب الْهَاشِمِي كتاب الناشيء كتاب الموشح كتاب الْحَد كتاب شَمل الألفة كتاب الزِّمَام كتاب المتجلي كتاب الصَّبْر كتاب سفر الْجنَّة كتاب الْأَنْوَاع كتاب صفة الدُّنْيَا كتاب روشناندل كتاب مهرازد حشيش كتاب ستاربها كتاب الوشيج كتاب الْعقل وَالْجمال كتاب أدب جوانشير كتاب شرح الْهوى كتاب الطارس كتاب المسيحي كتاب أَخْلَاق(21/197)
هرون كتاب الْأَسْنَان كتاب الْخطب كتاب الناجم كتاب صفة الْفرس كتاب الْبَيِّنَة كتاب المشاكل كتاب فَضَائِل إِسْحَق كتاب صفة الْمَوْت كتاب السّمع وَالْبَصَر كتاب الْيَأْس والرجاء كتاب صفة الْعلمَاء كتاب أنيس الْملك كتاب المؤمل والمهيب كتاب وُرُود وودور الْملكَيْنِ كتاب النملة والبعوضة كتاب المعاقبات كتاب مدح النديم كتاب الْجمل كتاب خطب المنابر كتاب النِّكَاح كتاب الْإِيقَاع كتاب الْأَوْصَاف كتاب امتحان الدَّهْر كتاب الأجواد كتاب المجالسات كتاب المنادمات
قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر كنت فِي مجْلِس بعض أصدقائي وَكَانَ معي عَليّ بن عبيد الريحاني وَفِي الْمجْلس جَارِيَة كَانَ يُحِبهَا عَليّ فجَاء وَقت الظّهْر فقمنا إِلَى الصَّلَاة وَعلي وَالْجَارِيَة فِي الحَدِيث فأطالا حَتَّى كَادَت الصَّلَاة تقرب فَقلت لَهُ يَا أَبَا الْحسن قُم إِلَى الصَّلَاة فَأَوْمأ بِيَدِهِ إِلَى الْجَارِيَة وَقَالَ حَتَّى تَزُول الشَّمْس أَي حَتَّى تقوم الْجَارِيَة فعجبت من كنايته
حضرني ثَلَاثَة تلاميذ فَجرى لي كَلَام حسن فَقَالَ أحدهم حق هَذَا الْكَلَام أَن يكْتب بالغوالي على خدود الغواني وَقَالَ الآخر بل حَقه أَن يكْتب بأنامل الْحور على النُّور وَقَالَ الآخر بل حَقه أَن يكْتب بقلم الشُّكْر على ورق النعم وَقَالَ أتيت الْحسن بن سهل فأقمت بِبَابِهِ ثَلَاثَة أشهر لَا أحظى مِنْهُ بطائل فَكتبت إِلَيْهِ من الطَّوِيل
(مدحت ابْن سهل ذَا الأيادي وَمَاله ... بِذَاكَ يَد عِنْدِي وَلَا قدم بعد)
(وَمَا ذَنبه وَالنَّاس إِلَّا أقلهم ... عِيَال لَهُ إِن كَانَ لم يَك لي جد)
(سأحمده للنَّاس حَتَّى إِذا بدا ... لَهُ فِي رَأْي عَاد لي ذَلِك الْحَمد)
فَبعث إِلَيّ بَاب السُّلْطَان يحْتَاج إِلَى ثَلَاث خلال مَال وعقل وصبر فَقلت للواسطة قل لَهُ عني لَو كَانَ لي مَال لأغناني عَن الطّلب مِنْك أَو صَبر لصبرت عَن الذل ببابك أَو عقل لاستدللت بِهِ على النزاهة عَن رفدك فَأمر لي بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم
الْكلابِي الْكُوفِي)
عَليّ بن غثام ابْن عَليّ الْكُوفِي الإِمَام أَبُو الْحسن الْكلابِي(21/198)
العامري الْكُوفِي نزيل نيسابور روى عَن شريك بن عبد الله وَحَمَّاد بن زيد وَعبد السَّلَام بن حَرْب وَعبد الله بن الْمُبَارك وفضيل بن عِيَاض وَدَاوُد بن نضير الطَّائِي وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ووالده عثام وَطَائِفَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن يحيى الذهلي وَسَلَمَة بن شبيب وَأَيوب بن الْحسن الزَّاهِد وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب الْفراء وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَجَمَاعَة وثقة أَبُو حَاتِم وروى مُسلم عَن رجل عَنهُ وَكَانَ لَا يحدث إِلَّا بعد جهد وأجود مَا أَخذ عَنهُ الحكايات والزهديات
3 - (عَليّ بن عُثْمَان)
نظام الدّين ابْن دنينة عَليّ بن عُثْمَان بن مجلي أَبُو الْحسن نظام الدّين الْجَزرِي الْوَاعِظ ابْن دنينة بدال مُهْملَة مَضْمُومَة ونونين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة الشَّاعِر كَانَ كثير التطواف والأسفار مدح الْأُمَرَاء وَقَرَأَ الْوَعْظ على ابْن الْجَوْزِيّ وتفقه على ابْن الْخلّ وَسمع من أبي الْفَتْح ابْن المنداى وَكَانَ ظريفاً خَفِيف الرّوح توفّي بَين قارا والنبك سنة تسع وَعشْرين وست مائَة وَمن شعره ابْن الوجوهي الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن عُثْمَان بن عبد الْقَادِر بن مَحْمُود بن يُوسُف الإِمَام شمس الدّين أَبُو الْحسن ابْن الوجوهي الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ شيخ الْقُرَّاء وَشَيخ رِبَاط ابْن الْأَثِير ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة قَرَأَ بالسبع على الْفَخر الْموصِلِي وَسمع من شهَاب الدّين السهروردي وَابْن روزبة
عَلَاء الدّين ابْن السايق عَليّ بن عُثْمَان بن يُوسُف بن عبد الْوَهَّاب الرئيس عَلَاء الدّين ابْن الْعدْل شرف الدّين الدِّمَشْقِي التغلبي الْكَاتِب ابْن السايق بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف بعد الْألف وَالله أعلم شيخ جليل بديع الْخط لَهُ فضل وأدب وَشعر نسخ كتبا كَثِيرَة روى عَن الرشيد بن مسلمة وَكَانَ متخلياً منقطعفا عَن النَّاس حصل لَهُ صمم وَكَانَ إِذا حدث يكْتب لَهُ فِي الأَرْض أَو فِي الْهَوَاء فَيعرف وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وست مائَة وَمن شعره)
أَمِين الدّين السُّلَيْمَانِي(21/199)
عَليّ بن عُثْمَان بن عَليّ بن سُلَيْمَان أَمِين الدّين السُّلَيْمَانِي الإربلي الصُّوفِي الشَّاعِر كَانَ من أَعْيَان شعراء الْملك النَّاصِر بن الْعَزِيز كَانَ جندياً فتصوف وَصَارَ فَقِيرا توفّي بالفيوم وَهُوَ فِي معترك المنايا سنة سبعين وست مائَة وَمن شعره من الْكَامِل
(قتل الْمُحب بهجركم من حلله ... يقْضِي وَعقد وصالكم مَا انحل لَهُ)
(إِن تَطْلُبُوا لغناكم عَن وَصله ... بَدَلا فَذَاك لفقره لَا بُد لَهُ)
(مزقتم أفراحه وجمعتم ... ذل الغرام لَهُ وذل المسأله)
(ولهان قد سكنت إِلَيْكُم روحه ... وغدت بأنواع الغرام مقلقله)
(هُوَ كَالَّذي فِي سقمه هَل عَائِد ... من نحوكم يحيى بِهِ هَل من صله)
(أعلمتم فعل الجوى فِي قلبه ... مُتَعَدِّيا فَلهُ دموع مهمله)
(وصرفتموه مُنْكرا بسقامه ... فَردا فَعرف حَاله لَام الوله)
(مَا كَانَ أول عاشق جذب الْهوى ... بعنانه وسطا عَلَيْهِ فذلله)
(يشكو الْفِرَاق إِلَى فريق لم يزل ... لَهُم وعود بالوعيد مؤوله)
(ومرنح الأعطاف من خمر الصِّبَا ... كم قلب صب بالصبابة بلبله)
(قابلته بالبدر لَيْلَة تمه ... فتأملوا بدر السَّمَاء ومخجله)
(فالقوس حَاجِبه وَفِي وجناته ... مريخه وَالشعر مِنْهُ سنبله)
(وَمن الْعَجَائِب أَنه لمحبه ... يهوى الْخلاف وَلَيْسَ يعرف مَسْأَلَة)
(لَو أَنه الْكَشَّاف عَن لمع الْهوى ... لرَأى مفصل ذَا الغرام ومجمله)
(أَو لَو رأى إِيضَاح نور حَبِيبه ... جعل الْوِصَال لعاشقيه تكمله)
(هَب أَن وَاو الصدغ عاملة لَهُ ... عطف الْقُلُوب فَقده من أعمله)
(مَا غَابَ معنى من بديع جماله ... إِلَّا تذكره الضَّمِير وَمثله)
(لله كم أعنى محلا بالجوى ... قفراً وآهل ربع صبرٍ أمحله)
(يَا أهل ودي حل دين وعودكم ... فتأملوا كتب السقام مسجله)
(حتام تحيى فِي أكاذيب المنى ... نفس غَدَتْ بعسى وعل معلله)
قلت ولشهاب الدّين التلعفري قصيدة فِي هَذِه الْمَادَّة وَالْوَزْن والروي وَهِي من الْكَامِل)
(هَذَا الْعُدُول عَلَيْكُم مَا لي وَله ... أَنا قد رضيت بذا الغرام وَذَا الوله)
(شَرط الْمحبَّة أَن كل متيم ... صب يُطِيع هَوَاهُ يَعْصِي عذله)
(وأخذتموني حِين سَار بحبكم ... مثلي ومثلي سره لن يبذله)
(مَا أعربت وَالله عَن وجدي بكم ... وصبابتي إِلَّا دموعي المهمله)(21/200)
(جزتم مداكم فِي قطيعتكم فَلَا ... عطف لعائدكم يرام وَلَا صله)
(أألومكم فِي هجركم وصدودكم ... مَا هَذِه فِي الْحبّ مِنْكُم أَوله)
(قسما بكم قد حرت مِمَّا أشتكي ... حسبي الدجى فعدمته مَا أطوله)
(ليلِي كَيَوْم الْحَشْر معنى إِن يكن ... لَا ليل ذَاك لَهُ فَذا لَا صبح لَهُ)
(يَا سائلي من بعدكم عَن حالتي ... ترك الْجَواب جَوَاب هذي المسأله)
(عِنْدِي جوى يذر الفصيح مبلداً ... فاترك مفصله ودونك مجمله)
(الْقلب لَيْسَ من الصِّحَاح فيرتجى ... إِصْلَاحه وَالْعين سحب مثقله)
(حَالي إِذا حدثت لَا لمع وَلَا ... جمل إيضاحي لَهَا من تكمله)
(يَا راحلين وَفِي أكله عيسهم ... رشأ عَلَيْهِ حَشا الْمُحب مقلقله)
(قمر لَهُ فِي الْقلب أَو فِي الطّرف أَو ... فِي النثرة الحصداء أشرف منزله)
(الصدغ مِنْهُ عقرب ولحاظه ... أَسد وَخلف الظّهْر مِنْهُ سنبله)
(مَا أجور الألحاظ مِنْهُ إِذا رنا ... وَإِذا انثنى فقوامه مَا أعدله)
(لَو لم يصب خديه عَارض صُدْغه ... مَا أَصبَحت فِي سالفيه مسلسله)
وَقَالَ السُّلَيْمَانِي قصيدة فِي كل بَيت نوع من البديع هِيَ من الْخَفِيف
(بعض هَذَا الدَّلال والإدلال ... حَال بالهجر والتجنب حَالي)
الجناس اللَّفْظِيّ
(صرت إِذْ حزت ربع قلبِي وَإِذ لَا ... لي صَبر أكثرت من إذلالي)
الجناس الخطي رق يَا قاسي الْفُؤَاد لأجفان قصار أسى لَيَال طوال الطباق شارحات بدمعها مجمع الْبَحْرين فِي حب مجمع الْأَمْثَال)
الِاسْتِعَارَة
(نفت النُّون فِي هَوَاك قصاصا ... حَيْثُ أدني مِنْهَا خداع الخيال)
الْمُقَابلَة(21/201)
أَنا بَين الرَّجَاء وَالْخَوْف فِي حبك مَا بَين صِحَة واعتلال التَّفْسِير
(لست أَنْفك فِي هَوَاك ملوماً ... فِي معاد يسوءني أَو موَالِي)
التَّقْسِيم
(عمر يَنْقَضِي وأيامي الأيا ... م بالهجر والليالي اللَّيَالِي)
الْإِشَارَة
(لَيْسَ ذَنبي سوى مُخَالفَة اللا ... حِين فِيهِ واخيبة العذال)
الإرداف
(سَائل بزتي وَمَا هِيَ إِلَّا ... الْعُمر رفقا بِهَذِهِ الأسمال)
الممائلة
(طلب دونه منال الثريا ... وَهوى دونه زَوَال الْجبَال)
الغلو
(وغرام أَقَله يذهل الآ ... سَاد فِي خيسها عَن الأشبال)
الْمُبَالغَة
(أَنا أُخْفِي هَوَاك صونا وَإِن ب ... تُّ طعين القنا جريح النبال)
الْكِنَايَة والتعريض
(فشمالي لم يستعن بيميني ... ويميني لم يستعن بشمالي)
الْعَكْس
(لذ طول المطال مِنْك وَلَوْلَا ... الحتب مَا لذ مِنْك طول المطال)
التذييل
(خُنْت عهدي فدام وجدي فَهَل تَكُ ... بت ضدي بِطيب الْوِصَال)
الترصيع)
(لَك ألحاظ مقلتين سباها ... كالحسام الْهِنْدِيّ غب الصقال)
الإيغال(21/202)
(كملت وصفهَا بمدح عَليّ ... فِي عَليّ رب الحجى والكمال)
التوشيح
(مَا جد بعض فَضله بذله الما ... ل وَقل الَّذِي يجود بِمَال)
رد الْعَجز على الصَّدْر
(يغعل المكرمات طبعا فَإِن ج ... ود أفنى رغائب الآمال)
التتميم والتكميل
(طَال شكري نداه حَتَّى لقد أُفٍّ ... حم فضل لَا زَالَ ذَا إفضال)
الِالْتِفَات
(هُوَ مَا لم يزل وَذَلِكَ أبقى ... عصمَة المرملين ذِي الْأَطْفَال)
الِاعْتِرَاض
(ذُو وداد للأصفياء بعيد ... عَن زَوَال وَهل بِهِ من زَوَال)
الرُّجُوع
(أفترب الأنواء تخضب مِنْهُ ال ... أَرض أم سيب جوده الهطال)
تجاهل الْعَارِف
(جاد حَتَّى للمكتفين فأثروا ... فنداه كَالْمَاءِ فِي سيمال)
الاستطراد
(جَامع الْعلم والفصاحة والحل ... م وَحسن الْأَخْلَاق وَالْأَفْعَال)
جمع المؤتلف والمختلف
(لَا يعد الْفِعْل الْجَمِيل لدُنْيَا ... هـ وَلَكِن يعده لِلْمَالِ)
السَّلب والإيجاب لَيْسَ فِيهِ عيب يعدده الحساد إِلَّا الْعَطاء قبل السُّؤَال الِاسْتِثْنَاء
(عَالم أَن من يعِيش كمن زا ... ال وَإِن دَامَ والورى فِي زَوَال)
)
الْمَذْهَب الكلامي(21/203)
(يجتلى وَجهه الْكَرِيم من الح ... ب ويغضى عَنهُ من الإجلال)
التشطير
(أَيهَا الصاحب الَّذِي نلْت مِنْهُ ... مَا أَرْجَى فاليوم حاليَ حَالي)
المحاورة
(عاين الناظمون شعري وَلَا يذ ... هَب فضل الْمَعْنى بِلبْس النصال)
الاستشهاد والاحتجاج
(هِيَ آل للمدح فِي مجلدك السا ... مي الْمعَانِي وَغَيرهَا لمع آل)
التعطف
(آب يَوْم الهناء بِالْخَيرِ فِي رب ... عك يَحْكِي نوالك المتوالي)
المضاعف
(فلك الْمَدْح دَائِما ولشاني ... ك القطوعان منصلي ونصالي)
التطريز
(أعجز الواصفين فضلك فَاجْعَلْ ... شين شكري فِيهِ كسين بِلَال)
التلطف وَقَالَ وَهُوَ حسن بديع من الطَّوِيل
(أضيف الدجى معنى إِلَى ليل شعره ... فطال وَلَوْلَا ذَاك مَا خص بِالْجَرِّ)
(وحاجبه نون الْوِقَايَة مَا وَقت ... على شَرطهَا فعل الجفون من الْكسر)
وَقَالَ أَيْضا من أَبْيَات من المتقارب
(وتعجبني حَاجِب نونها ... دلالاً مَعَ الْجمع لَا تنفتح)
وَقَالَ من الطَّوِيل
(تموج تَحت الخصر أسود شعره ... فإياك والحيات فِي كثب الرمل)
(وَلَو لم يقم بالْحسنِ مُرْسل صُدْغه ... لما نزلت فِي خَدّه سُورَة النَّمْل)
وَقَالَ من الطَّوِيل
(وَمَا غرني فِي حبكم لمع خافق ... لآل وَلَكِن برد مَاء لآل)(21/204)
)
(شموس وعودي بالوصال لديكم ... تعلّقت من مكذوبها بحبال)
وَقَالَ من الْخَفِيف
(بدر تمّ لَهُ على الخد خَال ... فِي احمرار ينشق مِنْهُ الشَّقِيق)
(كتب الْحسن بالمحقق مَعنا ... هـ وَلَكِن عذاره تَعْلِيق)
وَقَالَ من المنسرح
(يعذلني عاذلي عَلَيْك وَلَا ... يحصل مني إِلَّا على التَّعَب)
(فعاذلي ظلّ فِي هَوَاك كمن ... يقْرَأ تبت على أبي لَهب)
ابْن الْخَرَّاط عَليّ بن عُثْمَان بن محَاسِن الْفَقِيه الْعَالم الْمُقْرِئ الْمُحدث عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الدِّمَشْقِي الشاغوري الشَّافِعِي ابْن الْخَرَّاط معيد الباذرائية ونائب الخطابة ولد سنة أَربع وَخمسين وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة سمع من ابْن عَلان وَالقَاسِم الإربلي وَالْفَخْر عَليّ وَأكْثر وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَسمع الْمسند كُله والكتب المطولة وتلا بالسبع على برهَان الدّين الإسكندري وشارك فِي الْفَضَائِل مَعَ الصيانة والانجماع عَن النَّاس وملازمة الْجَمَاعَات قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سمعنَا مِنْهُ وَسمع مني وَنسخ كتبا كبارًا مِنْهَا تَفْسِير الطَّبَرِيّ اخْتَصَرَهُ
الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن التركماني الْحَنَفِيّ عَليّ بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفى الشَّيْخ الإِمَام الْمُفْتِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن التركماني تقدم ذكر وَالِده وأخيه الإِمَام تَاج الدّين أَحْمد مولد الشَّيْخ عَلَاء الدّين هَذَا فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وست مائَة أفنى عمره فِي الِاشْتِغَال بالعلوم وتفنن فِيهَا وصنف التصانيف العديدة وَجمع المجاميع الْحَسَنَة المفيدة من ذَلِك بهجة الأريب بِمَا فِي الْكتاب الْعَزِيز من الْغَرِيب والمننتخب فِي عُلُوم الحَدِيث وَكتاب المؤتلف والمختلف كتاب فِي الضُّعَفَاء(21/205)
والمتروكين وَكتاب الرَّد على الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ وَلم يكمل مُخْتَصر المحصل فِي الْكَلَام مُقَدّمَة فِي أصُول الْفِقْه الْكِفَايَة فِي مُخْتَصر الْهِدَايَة مُخْتَصر رِسَالَة الْقشيرِي وَكتب كَثِيرَة شرع فِيهَا وَلم يكمل ومقدمات فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والعربية وَمن شعره قصيدة كتبهَا إِلَى الْأَمِير سيف الدّين الجابي الدوادار من الوافر)
(إِذا شغل الْبَريَّة فِيك فاها ... فَكل عَنْك بالخيرات فاها)
(فَإنَّك فِي الشبيبة والمبادي ... بلغت من الْفَضَائِل مُنْتَهَاهَا)
(وحزت جَمِيع أَنْوَاع الْمَعَالِي ... وفزت بهَا وجزت إِلَى مداها)
(وَصمت عَن الْحَرَام مَعَ اقتدارٍ ... وصنت النَّفس عَنهُ فِي صباها)
(وملت بهَا إِلَى عمل وعلمٍ ... فأضحى ذَا الورى حَقًا وراها)
(فَلَا برح الْوُجُود لَهَا مُطيعًا ... وَلَا زَالَ العدى أبدا فداها)
ولي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بالديار المصرية فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَلبس الخلعة وَنزل من القلعة وَلم يشْعر بِهِ قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين ابْن البسطامي إِلَّا وَقد دخل إِلَيْهِ على تِلْكَ الصُّورَة وَلم يزل على تِلْكَ الْحَال إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْحرم سنة خمسين وَسبع مائَة وَتَوَلَّى مَكَانَهُ ابْنه القَاضِي جمال الدّين عبد الله
عفيف الدّين النَّحْوِيّ عَليّ بن عَدْلَانِ بن حَمَّاد بن عَليّ الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين أَبُو الْحسن الربعِي الْموصِلِي النَّحْوِيّ المترجم ولد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست مائَة
سمع بِبَغْدَاد وَأخذ عَن أبي الْبَقَاء وَغَيره وَسمع من ابْن الْأَخْضَر وَابْن منينا وَيحيى بن ياقوت وَعلي بن مُحَمَّد الْموصِلِي وبرغش عَتيق ابْن حمدي وَجَمَاعَة سمع مِنْهُ ابْن الظَّاهِرِيّ والأبيوردي والدمياطي والشريف عز الدّين والدواداري وأقرأ الْعَرَبيَّة زَمَانا وتصدر بِجَامِع الْملك الصَّالح بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ عَلامَة فِي الْأَدَب من أذكياء بني آدم انْفَرد بالبراعة فِي حل المترجم والألغاز وَله فِي ذَلِك تصانيف من ذَلِك عقلة المجتاز فِي حل الألغاز ومصنف فِي المترجم للْملك الْأَشْرَف مُوسَى قَالَ وَكتب إِلَيّ الْعلم السخاوي بِدِمَشْق باللبادين قَول الْحُسَيْن بن عبد السَّلَام مولى الكردوسيين كتبه إِلَيّ مُحَمَّد بن الجهم فِي المعمى من الْخَفِيف
(رُبمَا عالج القوافي رجال ... فِي القوافي فتلتوي وتلين)
(طاوعتهم عين وَعين وَعين ... وعصتهم نون وَنون وَنون)(21/206)
وعماهما لي نكداً فَإِنَّهُ كتب ع وع وع هَكَذَا فصعبا عَليّ وحللتهما فِي مِقْدَار ساعتين وَقلت لَهُ كَيفَ يحل لَك أَن يعْمل لغزاً مترجماً وتعمل حُرُوف الهجاء بَدَلا من الْكَلِمَات هَذِه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض فَقَالَ لي مَا سَمِعت هَذَا الشّعْر قبل هَذَا فَقلت لَا)
وَالله فَقَالَ وَالله لَو أَخْبرنِي بِهَذَا الَّذِي رَأَيْته مِنْك أحد مَا صدقته قَالَ وَلَقَد حمله الْحَسَد على أَن ذكر الْبَيْتَيْنِ فِي مؤلف لَهُ وَلم يذكر أَنِّي حللتهما فسبحان الله مَا هَذِه إِلَّا طباع دغله وبواطن سَيِّئَة مَا الَّذِي كَانَ ينقصهُ لَو ذكر ذَلِك بل كَانَ وَالله يرْتَفع وينسب إِلَى الْإِنْصَاف
وَمعنى الْبَيْتَيْنِ أَن الْموَاد تكون حَاصِلَة وَلَا يَتَأَتَّى نظم وَلَا نثر وَلَا نقد فالعين الأولى عين الْعَرَبيَّة وَهِي النَّحْو خَاصَّة وَالثَّانيَِة عين الْعرُوض وَالثَّالِثَة إِمَّا عين الْعبارَة وَهِي الْأَلْفَاظ المتخيرة أَو الْعين الَّتِي هِيَ الذَّهَب فَإِنَّهَا تعين على نظم الشّعْر لرفاهية سر الشَّاعِر ثمَّ قَالَ بعد كَلَام أوردهُ وَقد علمت فيهمَا جُزْءا مُفردا سميته إِظْهَار السِّرّ الْمكنون فِي عين وَعين وَعين وَنون ونوو وَنون
قلت قد تقدم فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ جمال الدّين أبي عَمْرو عُثْمَان ابْن الْحَاجِب ذكر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَقد حلهما هُنَاكَ غير هَذَا الْحل وَأرى قَول ابْن الْحَاجِب هُنَاكَ أَسد وأدق
وَقَالَ عفيف الدّين أَيْضا أَنْشدني إِسْمَاعِيل المسمول الَّذِي ينتسب إِلَى الصّلاح بن شعْبَان الإربلي للصلاح من الوافر
(وَمَا نبت لَهُ فِي كل غُصْن ... عُيُون لَيْسَ تنكرهَا الْعُقُول)
(إِذا بسطوه تَلقاهُ قَصِيرا ... وَإِن قبضوه تبصره يطول)
فَقلت لَهُ هَذَا شبكة صياد طيور فَأخذ يباهت فَقلت لَهُ قد نزلته وَلَا يلْزَمنِي أَكثر من هَذَا فَلم يرجع وَأخذ فِي المباهتة فَقلت لَهُ هَذَا فِي خركاه فاعترف أَنه هُوَ قَالَ وَمن أعجب مَا وَقع لي أَن أنساناً أَنْشدني قَول سيف الدّين عَليّ بن قزل من الطَّوِيل
(وَمَا فِئَة فِي النَّاس تَأْكُل قَلبهَا ... وَلَيْسَ لَهَا فِي ذَاك وَجه وَلَا راس)
(مصحفها طير صَغِير وَعَكسه ... مصحفه حق ويكرهه النَّاس)
فحللته فِي ثوم وقلب قَلبهَا لبها وثوم تصحيفه بوم وَعَكسه مُصحفا موت وَهُوَ حق ويكرهه النَّاس فَقَالَ قد نزلته وَمَا هُوَ هَذَا ثمَّ خطر لي ذكره بعد مُدَّة تَأْكُل قَلبهَا ميته أَي عكسها وَعكس تصحيفه منيه قلت كَذَا وجدته وَلَيْسَ بِالْأولِ وَلَا بِالثَّانِي لِأَنَّهُ قَالَ الشَّاعِر وَمَا فِئَة والفئة لَيست ثوماً وَإِنَّمَا هِيَ الْجَمَاعَة من النَّاس أَو الطَّائِفَة واللغز إِنَّمَا هُوَ فِي(21/207)
هتيم وهم الْعَرَب الَّذين سكنوا الْبَريَّة الْفُقَرَاء لأَنهم يَأْكُلُون الْميتَة لمجاعتهم وميتة قلب هتيم)
قَالَ وَكتب إِلَيّ بعض الْعَوام لغزاً وَهُوَ من السَّرِيع
(يَا حاسباً قد فك إقليدساً ... لم يخط فِي شكل من اشكاله)
(اسْمَع مقَالا حَار ذُو اللب فِي ... إِيضَاح مَعْنَاهُ وإشكاله)
(فَأَي شَيْء عشره نصفه ... وَنصفه تِسْعَة أَمْثَاله)
(وَلَيْسَ يخفى ذَاك عَن حاسب ... يشْهد لله بأفعاله)
فأجبته على اللُّزُوم
(يَا ملغزاً حسبان أَمْوَاله ... فِي عزه دَامَ وإجلاله)
(سَأَلتنِي عَن اسْم شخص غَدَتْ ... ربوعه قفراً كأطلاله)
(كَانَت لَهُ فِيهَا تجاراته ... وَهُوَ غَنِي بعد إقلاله)
(واسْمه مندو لَهُ أطلس ... قد وَقع الشَّيْء بحلاله)
(وَهَكَذَا الْقُرْآن شانيه قد ... عاجله الله بإذلاله)
كَانَ عندنَا بالموصل من تجار الدنابلة من اسْمه مندو وَمن جملَة بضائعه أطلس وجمل كل وَاحِد من مندو وأطلس مائَة م أَرْبَعُونَ ن خَمْسُونَ د أَرْبَعَة وَسِتَّة وَا اُحْدُ ط تِسْعَة ل ثَلَاثُونَ س سِتُّونَ فميم وَنون تسعون وهما نصفه ودال وواو عشرَة وهما نصفه وَألف وطاء عشرَة وهما نصفه وَلَام وسين تسعون وهما نصفه وكل وَاحِد من النصفين عشر والنصفان الْآخرَانِ تِسْعَة أمثالهما
قَالَ وأنشدني أيدمر مَمْلُوك محيي الدّين الْجَزرِي رحمهمَا الله فِي لانس فِي قيسارية جهاركس فِي الْخَال من السَّرِيع
(مَا اسْم إِذا أَعْطيته كتبه ... مُصحفا إِن كَانَ ملك الْيَمين)
(يبين إِن صحف مَعَ حذف لَا ... وَهُوَ إِذا أثبتها لَا يبين)
فحللته وَأنْكرت عَلَيْهِ لَفظه اسْم لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب لَا يَسْتَعْمِلهُ القدماء إِلَّا فِي الْأَعْلَام وَكتب ابْن البطريق بِحَضْرَة شرف الدّين ابْن عنين لِابْنِ عَدْلَانِ الْمَذْكُور بَيْتَيْنِ مترجمين وهما من الْخَفِيف المجزوء
(ابْن عَدْلَانِ نَحوه ... فائق والتراجم)(21/208)
(فَهُوَ نحترجم البلا ... د كَقَوْلي كشاجم)
)
فحلهما ابْن عَدْلَانِ فِي الْحَال
وَاجْتمعَ ابْن عَدْلَانِ يَوْمًا هُوَ وَأَبُو الْحسن الجزار فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن عِنْدِي تفصيلة صوف عرسي وَبَالغ فِي وصفهَا بالْحسنِ فَقَالَ ابْن عَدْلَانِ أعطنيها فَلَمَّا عَاد الجزار إِلَى منزله سَيرهَا إِلَيْهِ وَكتب مَعهَا من السَّرِيع
(لَو أَنَّهَا عرسي لأرسلتها ... فَكيف بالتفصيلة العرسي)
(وَلَا تقل لَيْسَ لَهُ غَيره ... فَأَنت مَأْمُون على عرسي)
فَلَمَّا اجْتمعَا بعد ذَلِك قَالَ لَهُ الْعَفِيف تَقول فَأَنت الْمَأْمُون فَقَالَ الجزار من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن لقبك عفيف الدّين وَالثَّانِي أَنَّك من الْموصل فَقَالَ لَهُ نسخت بالْكلَام الثَّانِي حكم الأول
كتبت إِلَيْهِ نَاصِر الدّين حسن بن النَّقِيب من المجتث
(تالله مَا الْعِيد عِنْدِي ... مذ غبت عني عيد)
(وَهل يسر بعيد ... من أَنْت عَنهُ بعيد)
فَكتب الْجَواب إِلَيْهِ
(إِنِّي إِذا مَا اجْتَمَعنَا ... بعد الشَّقَاء سعيد)
(مَا ذَلِك الْيَوْم عيد ... بل ألف عيد وَعِيد)
(مولَايَ تبدأ بالفض ... ل ثمَّ أَنْت بعيد)
(إِن كَانَ لي مِنْك وعد ... فَلَيْسَ يخْشَى وَعِيد)
وَكتب إِلَيْهِ نَاصِر الدّين أَيْضا ملغزاً فِي سيف من مجزوء الرمل
(يَا عفيف الدّين يَا من ... دق فِي الْفَهم وجلا)
(وَالَّذِي سموهُ فِي النا ... س عليا وَهُوَ أَعلَى)
(يَا أَخا الْفضل الَّذِي فِي ... هـ لنا الْقدح الْمُعَلَّى)
أَي شَيْء طعمه مر وَإِن كَانَ محلى
(وَهُوَ شيخ لَا يُصَلِّي ... وَلكم بِالضَّرْبِ صلى)
(مَاله عقل وَكم من ... هـ اسْتَفَادَ النَّاس عقلا)
(جفْنه من غير سهد ... مَا يَذُوق النّوم أصلا)(21/209)
(وَهُوَ لَا يحسن قولا ... وَلَقَد يحسن فعلا)
)
(وَهُوَ إِذْ تعكسه قي ... س فصحفه وَإِلَّا)
(وَهُوَ مطبوع نحيف ... عِنْدَمَا يلقاك سلاً)
(وَلكم بدد جمعا ... وَلكم جدد شملا)
(وَلكم قد سبق العذ ... ل وَكم قطع وصلا)
(فَأَبِنْ عَنهُ بأحلى ... مِنْهُ فِي اللَّفْظ وَأجلى)
(وابق فِي إيوَان عز ... وَبِنَاء لَيْسَ يبْلى)
فَكتب الْجَواب
(نَاصِر الدّين الَّذِي فا ... ق جَمِيع النَّاس فضلا)
(وَالَّذِي وَافق فِي الاس ... م الَّذِي وَافق فعلا)
(وَالَّذِي أشعاره أح ... لى من الْحل وَأحلى)
(هُوَ حُلْو فِي فَم النا ... س وَفِي الْعَينَيْنِ يجلى)
(إِن تسلني عَن رقيقٍ ... لَك يجلى حِين يحلا)
(هُوَ أثنى فِي زمَان ... وَيرى فِي ذَاك فحلا)
(يشرب المَاء وَلَا يَأ ... كل إِلَّا اللَّحْم أكلا)
(والندى يُؤْذِيه والنا ... ر لَهُ ألف فيصلى)
وَهُوَ يعمي الْعين لَا شكّ مَتى مَا كَانَ كحلا
(محرم فِي كل وقتٍ ... مَا رَآهُ النَّاس حلا)
(أعجمي وفصيح ... جمع الوصفين كلا)
(وَهُوَ كالمرآة يُبْدِي ... مثل رَأْي الشكل شكلا)
ولموع برقه الخلب لَا يمطر وَبلا وَأَخُوهُ نشأة الْخط وَلَا يكْتب فصلا عينه مذ فَارق الجفن فقرن الْقرن حلا
(يألف الْكَلْب فقد أش ... بِهِ أهل الْكَهْف قبلا)
(وَعَلِيهِ أَبَد الدَّهْر ... ذُبَاب مَا تولى)(21/210)
(وَهُوَ مثل النَّاس فِي النش ... أة مذ قد كَانَ طفْلا)
)
(وَيرى شرخاً وشيخاً ... بَعْدَمَا قد كَانَ كهلا)
سبق التَّصْحِيف ذَا الشَّيْء وشنف الْأذن حلى
(وَهُوَ نَار وَكَذَا التص ... حيف فِي الْعَكْس وَإِلَّا)
قلت لما جَاءَنِي أَهلا بذا اللغز وسهلا لغز كَالشَّمْسِ دقَّتْ مَعَانِيه وجلا وَفِي ابْن عَدْلَانِ يَقُول ابْن قلاقس الشَّاعِر من المنسرح إِن ابْن عَدْلَانِ حَاز يقظته ورثهَا عَن دماغ عدلانه
(فَإِن تشككت فِي الحَدِيث إِذا ... فَانْظُر إِلَى لبها بِأَسْنَانِهِ)
البطائحي الْمُقْرِئ عَليّ بن عَسَاكِر بن المرجب بن الْعَوام أَبُو الْحسن البطائحي الضَّرِير المعري من قَرْيَة المحمدية قدم بَغْدَاد صَغِيرا واستوطنها إِلَى أَن توفّي بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة قَرَأَ بهَا الْقُرْآن على أبي الْعِزّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن القلانسي وَأبي عبد الله الْحُسَيْن الدباس وَأبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن المزرفي وسبط أبي مَنْصُور الْخياط وَغَيرهم وَقَرَأَ الْأَدَب على الشريف أبي البركات عمر بن إِبْرَاهِيم الزيدي الْكُوفِي وَسمع الْكثير من أَحْمد بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي وَعبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف وَمُحَمّد بن أبي يعلى ابْن الْفراء وَأحمد بن الْحسن ابْن الْبناء وَغَيرهم
وَحدث وأقرأ النَّاس وصنف فِي الْقُرْآن عدَّة مُفْرَدَات وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا فِي الْقرَاءَات ووجوهها وعللها وطرقها وَحسن الْأَدَاء والإتقان والثقة والصدق وَكَانَ يعرف النَّحْو جيدا وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة روى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَأَبُو الْعَبَّاس الْبَنْدَنِيجِيّ وَدَاوُد بن معمر الْقرشِي
النمدجاني الشَّاعِر عَليّ بن عَطاء أَبُو الْحسن النمدجاني قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ شَاعِرًا مشتهراً بالمجانة سكيراً لَا يكَاد يرى صَاحِيًا الْبَتَّةَ سلك طَرِيق أبي(21/211)
الرقعمعق فِي التهكم والتحامق وَصَحبه بِمصْر مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ رَجَعَ فَاسْتحْسن الْإِقَامَة بِجَزِيرَة صقيلية لما فِيهَا من الشَّرَاب
وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبع مائَة وَقد أسن وَكَانَ شَيخا أعرج وَفِي نَفسه يَقُول من الهزج
(تبديت إِلَى النَّاس ... فَقَالُوا أَنْت إِبْلِيس)
)
(رَأَوْا شَيخا قَبِيح الْوَجْه ... فِي طمريه تدنيس)
(ورجلاً فعلهَا فِي الأ ... ض لَا تَفْعَلهُ ألفوس)
(فَلَمَّا استثبتوا أَمْرِي ... وأمري فِيهِ تلبيس)
(رموني بِالَّذِي فِي ... وَقَالُوا إِنَّه بيس)
(فَقلت الْحسن مَحْمُود ... هبوا أَنِّي طَاوُوس)
وَقَالَ أَيْضا من مخلع الْبَسِيط
(رَأَتْ مشيبي فأنكرته ... فَقلت لم تنكري لذاك)
(قَالَت من العرج أَنْت أَيْضا ... فَقلت لَا إِنَّمَا أحاكي)
ابْن الزقاق عَليّ بن عَطِيَّة بن مطرف أَبُو الْحسن اللَّخْمِيّ البلنسي الشَّاعِر(21/212)
الْمَشْهُور الْمَعْرُوف بِابْن الزقاق
أَخذ عَن ابْن السَّيِّد واشتهر وامتدح الأكابر وجود النّظم وَتُوفِّي دون الْأَرْبَعين سنة ثَمَان وَعشْرين وَخمْس مائَة من شعره يصف قوساً من الْكَامِل
(أفديك من نبعية زوراء ... مشغوفة بمقاتل الْأَعْدَاء)
(ألفت حمام الأيك وَهِي نضيرة ... وَالْيَوْم تألفها بِكَسْر الْحَاء)
قلت أَخذه من قَول أبي تَمام من الْكَامِل
(هن الْحمام فَإِن كسرت عيافة ... من حائهن فَإِنَّهُنَّ حمام)
وَمِنْه من الرمل
(كلما مَال بهَا سكر الصِّبَا ... مَال بِي سكر هَواهَا والتصابي)
(أسعرت فِي عبراتي خجلاً ... إِذْ تجلت فتغطت بالنقاب)
(كذكاء الدجن مهما هطلت ... عِبْرَة المزن تَوَارَتْ بالحجاب)
وَمِنْه من الوافر
(عذيري من هضيم الكشح أحوى ... رخيم الدل قد لبس الثيابا)
(أعد الهجر هاجرة لقلبي ... وصير وعده فِيهَا سرابا)
وَمِنْه من المنسرح
(وأغيد طَاف بالكؤوس ضحى ... فحثها والصباح قد وضحا)
)
(وَالرَّوْض يُبْدِي لنا شقائقه ... وآسه الْعَنْبَري قد نفحا)
(قُلْنَا وَأَيْنَ الأقاح قَالَ لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا)
(فظل ساقي المدام يجْحَد مَا ... قَالَ فَلَمَّا تَبَسم افتضحا)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(ألمت فَبَاتَ اللَّيْل من قصر بهَا ... يطير وَمَا غير السرُور جنَاح)
(وَبت وَقد زارت بأنعم لَيْلَة ... يعانقني حَتَّى الصَّباح صباح)
(على عَاتِقي من ساعديها خمائل ... وَفِي خصرها من ساعدي وشاح)
وَمِنْه من الْكَامِل
(مَا كَانَ أحسن شملنا ونظامه ... لَو كنت لَا تصغي لقَوْل الْكَاشِح)
(إِنِّي لأعجب كَيفَ يغرب عَنْك مَا ... أضمرت فِيك وَأَنت بَين جوانحي)(21/213)
وَمِنْه من الْخَفِيف نثر الْورْد فِي الغدير وَقد دَرَجه بالهبوب نشر الرِّيَاح مثل درع الكمي مزقها الطعْن فسالت بِهِ دِمَاء الْجراح وَمِنْه فِي بلنسية من الوافر
(بلنسية إِذا فَكرت فِيهَا ... وَفِي آياتها أَسْنَى الْبِلَاد)
(وَأعظم شَاهِدي مِنْهَا عَلَيْهَا ... بِأَن جمَالهَا للعين باد)
(كساها رَبنَا ديباج جسنٍ ... لَهُ علمَان من بَحر ووادي)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(بذلت لَهَا من أدمع الْعين جوهرا ... وقدما حَكَاهَا فِي الصيانة والستر)
(فَقَالَت وأبدت مثله إِذْ تبسمت ... غنيت بِهَذَا الدّرّ عَن ذَلِك الدّرّ)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(سقتني بيمناها وفيهَا فَلم أزل ... يجاذبني من ذَاك أَو هَذِه سكر)
(ترشفت فاها إِذْ ترشفت كأسها ... فَلَا والهوى لم أدر أَيهمَا الْخمر)
وَمِنْه من المتقارب
(وَمَا شقّ وجنته عابثاً ... وَلكنهَا آيَة للبشر)
)
(جلاها لنا الله كَيْمَا نرى ... بهَا كَيفَ كَانَ انْشِقَاق الْقَمَر)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(شموس جلتهن النُّجُوم الشوابك ... وقضب أَرَاك روضهن الأرائك)
(أوانس حلاها الشَّبَاب قلائداً ... جواهرها مَا هن عَنهُ ضواحك)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(بانوا وَمَا عهِدت نَفسِي شموس ضحى ... أضحت مطالعهن الأينع الذلل)
(حلوا بساحات أجراع الْحمى ونأوا ... فَمَا لنا غير أنفاس الصِّبَا رسل)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وَشهر أدرنا لارتقاب هلاله ... عيُونا إِلَى جو السَّمَاء موائلا)
(إِلَى أَن بُد أحوى المدامع أحور ... يجر لأبراد الشَّبَاب ذلاذلا)(21/214)
(فَقلت لَهُ أَهلا وسهلاً ومرحبا ... ببدر حوى طيب الشُّمُول شمائلا)
(أتطلبك الْأَبْصَار فِي الجو نَاقِصا ... وَأَنت كَذَا تمشي الأَرْض كَامِلا)
وَمِنْه أَيْضا من الْكَامِل
(لله شهر مَا انتظرت هلاله ... إِلَّا كنون أَو كعطفة لَام)
(حَتَّى تبدى لي أغن مهفهف ... لضيائه ينجاب كل ظلام)
(فعطفت أهتف فِي الْأَنَام ضللتم ... وغلطتم فِي عدَّة الْأَيَّام)
(مَا جَاءَنَا شهر لأوّل لَيْلَة ... مذ كَانَت الدُّنْيَا ببدر تَمام)
قلت معنى جيد وَلكنه طول بِهِ فِي إِتْيَانه فِي أَرْبَعَة أَبْيَات وَمَا هُوَ مُتَمَكن فَقلت من الطَّوِيل
(وَلما تراءينا الْهلَال بدا لنا ... محيا حبيب لم يغب قطّ عَن فكري)
(فَقلت عَجِيب أَن يرى الْبَدْر هَكَذَا ... تَمامًا وَنحن الْآن فِي غرَّة الشَّهْر)
وَمِنْه من السَّرِيع
(لي سكن شطت بِهِ غربَة ... جَادَتْ لَهَا عَيْنَايَ بالمزن)
(مَا حسن الصُّبْح وَلَا راقني ... بياضه مذ بَان فِي الظعن)
(كَأَنَّمَا الصُّبْح لنا بعده ... عين قد ابْيَضَّتْ من الْحزن)
وَمِنْه فِي فرس أغر من الْكَامِل)
(وأغر مصقول الْأَدِيم تخاله ... يَوْمًا إِذا جمع الْعتاق رهان)
(يطَأ الثرى متحيراً فَكَأَنَّهُ ... من لحظ من فِي مَتنه نشوان)
(فَكَأَن بدر التم فَوق سراته ... حسنا وَبَين جفونه كيوان)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(تطلع مثل الْبَدْر فِي غسق الدجى ... فجنت قُلُوب حائمات وأجفان)
(تود سويداواتهن لَو أَنَّهَا ... إِذا مَا بدا فِي صحن خديه خيلان)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وسَاق يحث الكأس حَتَّى كَأَنَّمَا ... تلألأ مِنْهَا مثل ضوء جَبينه)
(سقاني بهَا صرف الحميا عَشِيَّة ... وثنى بِأُخْرَى من رحيق جفونه)(21/215)
(هضيم الحشا ذُو وجنة عِنْد مية ... تريك جني الْورْد فِي غير حِينه)
(فأشرب من يمناه مَا فَوق خَدّه ... وألثم من خديه مَا فِي يَمِينه)
وَمِنْه من الوافر
(أديريها على الزهر المندى ... فَحكم الصُّبْح فِي الظلماء مَاض)
(وكأس الراح تنظر عَن حباب ... تنوب لنا عَن الحدق المراض)
(وَمَا غربت نُجُوم الْأُفق لَكِن ... نقلن من السَّمَاء إِلَى الرياض)
وَمِنْه من الْكَامِل
(وَعَشِيَّة لبست رِدَاء شَقِيق ... تزهى بلون للخدود أنيق)
(لَو أَسْتَطِيع شربتها كلفاً بهَا ... وَعدلت فِيهَا عَن كؤوس رحيق)
(أبقت بهَا الشَّمْس المنيرة مِثْلَمَا ... أبقى الْحيَاء بوجنة المعشوق)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أَتَرَى مخصرها أعير سوارها ... والجيد لُؤْلُؤ ثغرها الْبراق)
(فتطوقت من ثغرها بقلادة ... وتوشحت من حليها بنطاق)
وَمِنْه من الرمل
(يفضح الْبَدْر كمالاً إِن بدا ... والدمى العفر جمالاً إِن رَمق)
(أطلعت خجلته فِي خَدّه ... شفقاً فِي فلق تَحت غسق)
)
وَمِنْه من الْكَامِل
(ومهفهف أحوى اللمى ذِي مقلة ... تزري ظباها بالكمي الْفَارِس)
(فعلت شمائله الْعَذَاب بمهجتي ... فعل النعامى بالقضيب المائس)
(كالغصن هز على كثيب أهيل ... كالصبح أطلع تَحت ليل دامس)
وَقَالَ رَحمَه الله وأظنها كتبت على قَبره من الطَّوِيل
(أإخواننا وَالْمَوْت قد حَال دُوننَا ... وللموت حكم نَافِذ فِي الْخَلَائق)
(سبقتكم للْمَوْت والعمر طية ... وَأعلم أَن الْكل لَا بُد لاحقي)
(بعيشكم أَو باضطجاعي فِي الثرى ... ألم نك فِي صفو من الْعَيْش رائق)
(فَمن مر بِي فليمض بِي مترحماً ... وَلَا يَك منسياً وَفَاء الأصادق)(21/216)
وَمِنْه من الوافر
(ومقلة شادن أودت بنفسى ... كَأَن السقم لي وَلها لِبَاس)
(يسل اللحظ مِنْهَا مشرفياً ... لقتلي ثمَّ يغمده النعاس)
وَمِنْه وَلم أره لغيره من الْبَسِيط
(كم زورة لي بالزوراء خضت بهَا ... عباب بَحر من اللَّيْل الدجوجي)
(وَكم طرقت قباب الْحَيّ مرتدياً ... بصارم مثل عزمي هندواني)
(وَاللَّيْل يسترني غربيب سدفته ... كأنني خفر فِي خد زنجي)
وَأَعْجَبهُ هَذَا الْمَعْنى فكرره فَقَالَ من الْكَامِل
(زارت على شحط المزار متيماً ... بالرقمتين ودارها تيماء)
(فِي لَيْلَة ذوائبها بهَا ... فتضاعفت بعقاصها الظلماء)
(والطيف يخفى فِي الظلام كَمَا اختفى ... فِي وجنة الزنْجِي مِنْهُ حَيَاء)
وَقَالَ فِي حمام من مجزوء الرمل
(رب حمام تلظى ... كتلظي كل وامق)
(ثمَّ أذرى عبرات ... صوبها بالوجد نَاطِق)
(فغدا مني وَمِنْه ... عاشق فِي جَوف عاشق)
وَقَالَ من الْكَامِل)
(ومسددين إِلَى الطعان ذوابلاً ... فازوا بهَا يَوْم الْهياج قداحا)
(متسربلي قمص الْحَدِيد كَأَنَّهَا ... غُدْرَان مَاء قد ملأن بطاحا)
(شبوا ذبال الزرق فِي ليل الوغى ... فأنار كل مذرب مصباحا)
(سرج ترى الْأَرْوَاح تطفي غَيرهَا ... عَبَثا وهذي تطفىء الأرواحا)
(لَا فرق بَين النيرات وَبَينهَا ... إِلَّا بِتَسْمِيَة الوشيج رماحا)
(هبها فِي الظلام كواكباً ... لم لَا تغور مَعَ النُّجُوم صباحا)
(هزت متون صعادها فَاسْتَيْقَظت ... بَأْسا وضرجت الجسوم جراحا)
(وجنى الكماة النَّصْر من أطرافها ... لما انْثَنَتْ بأكفها أدواحا)
(لَا غرو أَن راحت نشاوى واغتدت ... فَلَقَد شربن دم الفوارس رَاحا)
قلت هَكَذَا يكون الشّعْر فَإِنَّهُ شُعُور بغوامض الْمعَانِي(21/217)
3 - (عَليّ بن عقيل)
أَبُو الْوَفَاء الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن عقيل بن مُحَمَّد بن عقيل بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْوَفَاء الظفري الْحَنْبَلِيّ الْبَغْدَادِيّ
كَانَ من أَعْيَان الْحَنَابِلَة وكبار شيوخهم قَرَأَ الْقرَاءَات على أبي الْفَتْح عبد الْوَاحِد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن شيطا وَغَيره وَقَرَأَ الْفِقْه على القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء وَمُحَمّد بن رزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي وَقَرَأَ الْأُصُول وَالْخلاف على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وعَلى أبي نصر بن الصّباغ وعَلى قَاضِي الْقُضَاة أبي عبد الله الدَّامغَانِي وَقَرَأَ الْفَرَائِض على عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الهمذاني وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي عَليّ بن الْوَلِيد وعَلى أبي الْقَاسِم بن التبَّان والوعظ على أبي طَاهِر بن العلاف صَاحب ابْن سمعون وَالْأَدب على أبي الْقَاسِم بن هرونن وَالشعر والرسائل على أبي عَليّ بن الشبل وَأبي مَنْصُور بن الْفضل الشَّاعِر
وَصَحب من الزهاد أَبَا بكر الدينَوَرِي وَأَبا مَنْصُور بن زَيْدَانَ وَسمع من مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بَشرَان وَأبي الْفَتْح بن شيطا وَأحمد بن عَليّ بن التوزي وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأبي يعلى بن الْفراء وَغَيرهم وَكَانَ مبرزاً مناظراً حاد الخاطر بعيد الْغَوْر جيد الفكرة بحاثاً عَن الغوامض مقاوماً للخصوم درس وَأفْتى وناظر وصنف كتبا فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْخلاف وَجمع كتابا سَمَّاهُ الْفُنُون قَالَ محب الدّين ابْن النجار يشْتَمل على ثَلَاث مائَة مجلدة أَو أَكثر)
وحشاه من خواطره وواقعاته ومناظراته وملتقطاته شَيْئا كثيرا طالعت أَكْثَره قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين رُؤِيَ مِنْهُ المجلد الْفُلَانِيّ بعد الْأَرْبَع مائَة وَتكلم على النَّاس بِلِسَان الْوَعْظ وَلما جرت الْفِتْنَة بَين الأشاعرة والحنابلة سنة خمس وَسبعين وَأَرْبع مائَة ترك الْوَعْظ وَاقْتصر على الدَّرْس ومتعه الله بسمعه وبصره وجوارحه وَكَانَ كَرِيمًا ينْفق مَا يجده وَلم يخلف سوى كتبه وَثيَاب بدنه وَكَانَت بِمِقْدَار كَفنه وَقَضَاء دينه مولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة ووفاته سنة ثَلَاث عشرَة وَخمْس مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل
(يَقُولُونَ لي مَا بَال جسمك ناحل ... ودمعك من آماق عَيْنَيْك هامل)
(وَمَا بَال لون الْجِسْم بدل صفرَة ... وَقد كَانَ محمراً فلونك حَائِل)
(فَقلت سقاماً حل فِي دَاخل الحشا ... ولوعة قلب بلبلته البلابل)
(وَأَنِّي لمثلي أَن يبين لناظر ... ولكنني للْعَالمين أجامل)
(فَلَا تغترر يَوْمًا ببشري وظاهري ... فلي بَاطِن قد قطعته النَّوَازِل)(21/218)
(وَمَا أَنا إِلَّا كالزناد تَضَمَّنت ... لهيباً وَلَكِن اللهيب مدَاخِل)
3 - (عَليّ بن عَليّ)
أَبُو الْقَاسِم الوَاسِطِيّ الْمُقْرِئ عَليّ بن عَليّ بن جَعْفَر بن شيران أَبُو الْقَاسِم الضَّرِير الْمُقْرِئ الوَاسِطِيّ قَرَأَ الْقرَاءَات بالعشر على أبي عَليّ الْحسن بن الْقَاسِم غُلَام الهراس وَكَانَ مقرئاً مجوداً مَوْصُوفا بِالصّدقِ وَالتَّحْقِيق
قَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَسمع من الْحسن بن أَحْمد الغندجاني وَأبي نعيم الجماري وَأبي الْفَتْح بن مُخْتَار النَّحْوِيّ وَغَيرهم ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مائَة
شرف السَّادة عَليّ بن عَليّ بن حسان شرف السَّادة الْبَغْدَادِيّ ذكره الباخرزي فِي دمية الْقصر وَأورد لَهُ من الْكَامِل المجزوء
(سقيا لأيام التصابي ... مَعَ كل خرعبة كعاب)
(إِذْ نَحن نرتع فِي الْهوى ... ونجر أردية الشَّبَاب)
(والدهر عَنَّا غافل ... كالسيف يُؤمن فِي القراب)
)
(فاستنهزوا فرص المنى ... فالعمر يرْكض كالسحاب)
وَمن شعره من الْكَامِل المجزوء
(يَا حبذا الخد المورد ... والعطف فِي الصدغ المجعد)
(والمبسم العذب الرِّضَا ... ب وَحسن لؤلؤه المنضد)
(قمر أَقَامَ قيامتي ... بقوامه لما تأود)
(قد سل من أجفانه ... سَيْفا على ضعْفي مُجَرّد)
(لما تطاول هجره ... وخشيت أَن الْعُمر ينْفد)
(خليت عَنهُ يَد الْهوى ... وَتركته والهجر فِي يَد)(21/219)
وَأورد الباخرزي أَيْضا لشرف السَّادة من السَّرِيع
(وَكَيف أَرْجُو رَاحَة من هوى ... كلفني هَوَاهُ مَا لَا أُطِيق)
(بَين ضلوعي زفرَة كلما ... أخفيتها نم عَلَيْهَا الشهيق)
(ويلي على قلبِي وَمَا ناله ... من حب ظَبْي لم يكن بِي رَفِيق)
(رمى فُؤَادِي بسهام القلى ... وَلم أكن مِنْهُ بِهَذَا حقيق)
(واقتداني بالرفق حَتَّى إِذا ... ملكته مني ذل الرَّقِيق)
(وَحقّ لي وجدي على شادن ... أدق جسمي مِنْهُ خصر دَقِيق)
(ومبسم عذب حكى لؤلؤاً ... مركبا فِي سفط من عقيق)
(وَشَاهد يشْهد فِي خَدّه ... أَن لَيْسَ فِي الدُّنْيَا لهَذَا رَفِيق)
(فَكلما عذبني هجره ... صحت من الوجد الحريقَ الْحَرِيق)
(يَا أَيهَا النَّاس ارحموا مدنفاً ... قَيده الْعِشْق بِقَيْد وثيق)
(أسكره الْعِشْق بكاساته ... فَلَيْسَ يَرْجُو أبدا أَن يفِيق)
قلت شعر عذب ونظم رطب
البرقي النَّحْوِيّ عَليّ بن عَليّ أَبُو الْحسن البرقي النَّحْوِيّ الشَّاعِر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مائَة
وَمن شعره أَبُو إِسْمَاعِيل الرِّفَاعِي)
عَليّ بن عَليّ بن نجاد بن رِفَاعَة أَبُو إِسْمَاعِيل الرِّفَاعِي الْبَصْرِيّ روى عَن الْحسن وَأبي المتَوَكل النَّاجِي عَليّ بن دَاوُد وروى عَنهُ وَكِيع وَأَبُو أُسَامَة وَعَفَّان وَعلي بن الْجَعْد وشيبان بن فروخ قَالَ أَبُو نعيم وَعَفَّان كَانَ يشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ حسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ لَيْسَ بِهِ بَأْس وثقة أَبُو حَاتِم وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمَّار زَعَمُوا أَنه كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم سِتّ مائَة رَكْعَة وَكَانَ عابداً وَعَن مَالك بن دِينَار أَنه كَانَ يُسمى عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي رَاهِب الْعَرَب وَكَانَ شُعْبَة يَقُول اذْهَبُوا بِنَا إِلَى سيدنَا وَابْن سيدنَا عَليّ بن عَليّ وَتُوفِّي بعد السِّتين وَمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة(21/220)
أَبُو المظفر الْكَاتِب عَليّ بن عَليّ بن روزبهار بن باكير أَبُو المظفر الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ وزر للسُّلْطَان شاه السلجوقي مُدَّة مقَامه بالعراق فِي أَيَّام المقتفي وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا أَيَّام العطلة من الأدبيات والدواوين وَكَانَ شِيعِيًّا وقف كتبه بمشهد مُوسَى بن جَعْفَر وَشرط أَن لَا تعار وَكَانَ من ذَوي الهيئات لَازِما لبيته حسن الْأَخْلَاق متواضعاً افْتقر آخر عمره وَطلب الْحَج مثل الْفُقَرَاء فأدركه أَجله بِذَات عرق وَلم يحجّ سنة إِحْدَى وست مائَة عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة
الْمُفِيد الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن عَليّ بن سَالم ابْن الشَّيْخ أَبُو الْحسن ابْن أبي البركات الْمَعْرُوف بالمفيد من أهل الكرخ وَكَانَ من شعراء الدِّيوَان قَالَ محب الدّين ابْن النجار كتبنَا عَنهُ وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق ولد سنة سبع وَخمسين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سبع عشرَة وست مائَة وَمن شعره من المنسرح
(قصر نومي طَوِيل تسهيدي ... لذات قد كالغصن أملود)
(بَيْضَاء كالدرة النقية قد ... زينت بِحسن الغدائر السود)
(أبدت لنا سَاعَة الْوَدَاع وَقد ... زموا المطايا بِسَاحَة البيد)
(الدّرّ من دمعها ومبسمها ... وَمن حَدِيث لَهَا وَمن جيد)
أَبُو الْحسن الفارقي الشَّافِعِي عَليّ بن عَليّ بن سعيد أَبُو الْحسن الْفَقِيه الشَّافِعِي الميافارقي تفقه على ابْن أبي عَمْرو ثمَّ قدم بَغْدَاد وتفقه بهَا على يُوسُف الدِّمَشْقِي حَتَّى برع وتولَّى الْإِعَادَة بالنظامية واستنابه قَاضِي)
الْقُضَاة أَبُو طَالب عَليّ بن عَليّ بن البُخَارِيّ فِي الحكم وَالْقَضَاء وَأذن للشُّهُود فِي الشَّهَادَة عِنْده ثمَّ إِنَّه عزل نَفسه عَن الْقَضَاء واستعفى وَولي التدريس بمدرسة الْجِهَة الشَّرِيفَة أم النَّاصِر وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ(21/221)
وست مائَة وَكَانَ غزير الْفضل حسن السمت مليح الشيبة وقوراً قَلِيل المخالطة للنَّاس ذَا مكانة عِنْد الْمُلُوك والأكابر سمع من أبي زرْعَة الْمَقْدِسِي بِبَغْدَاد وبتبريز من مُحَمَّد بن أسعد العطاري وَكَانَ أحفظ أهل زَمَانه لمَذْهَب الشَّافِعِي
ابْن سكينَة عَليّ بن عَليّ بن عبيد الله بن الْحسن أَبُو مَنْصُور الْأمين الْمَعْرُوف بِابْن سكينَة سمع الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي كَانَ من الْأَعْيَان النبلاء أولي الثروة وَالنعْمَة وَكَانَ مَشْهُورا بالديانة وَالْأَمَانَة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
ابْن الخازن عَليّ بن عَليّ بن مَنْصُور ابْن الخازن أَبُو الْقَاسِم من أهل الْحلَّة السيفية نزل بَغْدَاد مُدَّة وَكَانَ يُؤَدب الصّبيان وَهُوَ أَخُو نصر ابْن الخازن النَّحْوِيّ وَكَانَ الْأَصْغَر شَابًّا ذكياً توفّي سنة إِحْدَى وست مائَة وَمن شعره من الْخَفِيف
(ويحييك بالمدامة ظَبْي ... إِن بدا قلت بدر تمّ تبدا)
(قد حوى وجنة أرق من المسا ... ء وَقَلْبًا أَمْسَى من الصخر صَلدًا)
(فَهِيَ من رِيقه وَمن وجنتيه ... فترى فِي الْإِنَاء نَارا ووردا)
أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ الْكَاتِب عَليّ بن عَليّ بن نصر بن سعد بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ أَبُو الْحسن بن أبي تُرَاب الْكَاتِب قدم بَغْدَاد صَبيا وَكَانَ يكْتب لنقيب الطالبيين عَليّ بن المعمر الْعلوِي وَكَانَ أديباً فَاضلا سمع من مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى الْوَكِيل وَالْمبَارك بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي وَعلي بن مُحَمَّد بن عَليّ بن العلاف وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو يعلى حَمْزَة بن عَليّ بن القبيطي الْحَرَّانِي توفّي سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة وَمن شعره من الْخَفِيف
(قلت للنَّفس لَيْسَ فِي كل حِين ... تودعيني صبَابَة فدعيني)
(كنت عوناً على النهى تورديني ... كل عذب من الصّلاح معِين)
)
فَمَتَى مَا انثنيت عَن مَنْهَج النصح فبيني عَن نهج ودي وبيني إِبْنِ نما الْحلِيّ الشَّاعِر عَليّ بن عَليّ بن نما بن حمدون أَبُو الْحسن بن أبي(21/222)
الْقَاسِم الْكَاتِب من أهل الْحلَّة السيفية وَهُوَ أَخُو الْحُسَيْن وَكَانَ الْأَكْبَر تصرف فِي الْأَعْمَال الديوانية وَكَانَ فَاضلا أديباً مدح الأكابر وسافر الشَّام وَكَانَ غالياً فِي التَّشَيُّع مبالغاً فِي الرَّفْض خَبِيث العقيدة مجاهراً بتكفير الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم توفّي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة من شعره من الْخَفِيف
(يَا غزالاً غازلت فِيهِ غرامي ... فَأبى أَن يدين لي أَو يديني)
(لَا وَمَا رق من مدامة خدي ... ك وَمَاء أريقه من جفوني)
(وَعَذَاب يحملن ظلمك حملي ... لعذاب ظلما بِهِ تبتليني)
مِنْهَا فِي مدح عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
(أصف السَّيِّد الَّذِي يعجز الوا ... صف عَن عد فَضله فِي السنين)
(خاصف النَّعْل خائض الدَّم فِي بُد ... ر وَأحد وَالْفَتْح خوض السفين)
(ذَا القضايا الَّتِي بهَا حصل التميي ... ز بَين الْمَفْرُوض والمسنون)
مِنْهَا فِي هجو الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وأخزاه
(سل براة عَمَّن تولت وأفكر ... أَن طلبت النجَاة فكر ضنين)
(أيولى على الْبَريَّة من لي ... س على حمل سُورَة بأمين)
(إِن فِي مرحب وخيبر والبا ... ب بلاغاً لكل عقل رصين)
(وَرُجُوع التَّيْمِيّ أخيب بالرا ... ية كفا من صَفْقَة المغبون)
(ألشك من شَوْكَة الْحَرْب حادوا ... يَوْم أحد أم خيفة للمنون)
(وَأرى الْحَالَتَيْنِ توجب للإب ... طَال إبِْطَال مَا ادّعى من فتون)
(وَكفى فتح مَكَّة لمن استي ... قظ أَو نَالَ رشده بعد حِين)
(حِين ولى النَّبِي رايته سع ... د المفدى من قومه بالعيون)
(فشجاه الأعسى عَلَيْهِم وللأو ... سي شعب من قلبه غير دون)
(فَرَأى أَن عَزله بعلي ... هُوَ أحمى لمجده من أفون)
(عجب الْبَيْت إِذْ رقت قدماه ... كَتفًا جلّ عَن يَدي جبرين)
)
(رُتْبَة لَو سما سواهُ إِلَيْهَا ... قابلته الْأَصْنَام من غير هون)
(ثمَّ قَالَت أتكسروني يَا قو ... م وبالأمس كُنْتُم تعبدوني)
(وَإِذا مَا عددت سبق ذَوي الهج ... رة يَوْمًا هجانهم والهجين)(21/223)
(شركت لَيْلَة الْفراش بِفضل ... الْكل شت النَّوَى بحي قطين)
واشرحوا الْقلب فِي أُسَامَة إِذا أبطل تَسْرِيح جَيْشه وسمولى
(حَيْثُ لَا يُمكن الْوُثُوب أَخُو العذ ... ل وَلَا عَادل أَخُو التَّمْكِين)
(إِن غصب الزهراء إِرْث أَبِيهَا ... وادكار ارتجاعها بعد حِين)
(لفظيع لم يحفظوا فِيهِ إِلَّا ... للنَّبِي الْهَادِي وَلَا إلَّ ديني)
(يَا لَهَا من فريسة أنقذتها ... بعد بطء فراسة الميمون)
مِنْهَا
(سيف صدق لم يأل فِي الله جهداً ... بجهاد مستحقب للضغون)
فاقتضاه يَوْم السَّقِيفَة مَا استسلف فِي بدر سَيْفه من دُيُون
(إحن أعجزتهم أَن يلوها ... وَهِي من طي كفرهم فِي كمين)
قَالَ محب الدّين ابْن النجار ينشدها الرافضة فِي المواسم فِي مشَاهد أهل الْبَيْت وَمن شعره من الْكَامِل
(ومهفهف جمع النحول بأسره ... لشقاوتي فِي مقلتيه وخصره)
(قمر يُبِيح ثغور صبري مَا حمى ... واشيه عمدا من سلافة ثغره)
قَاضِي القضاه ابْن البُخَارِيّ عَليّ بن عَليّ بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن البُخَارِيّ أَبُو طَالب بن أبي الْحُسَيْن بن أبي البركات نَشأ بِبَغْدَاد وتفقه على أبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَسمع من أبي الْوَقْت وَغَيره وَدخل بِلَاد الرّوم وَأقَام باقصرا عِنْد وَالِده وَكَانَ قَاضِيا هُنَاكَ نَحوا من عشْرين سنة ثمَّ عَاد إِلَيّ بَغْدَاد وقلده النَّاصِر الْقَضَاء بِبَغْدَاد وخوطب بأقضى الْقُضَاة وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن توفّي قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الدَّامغَانِي فتقلد ابْن البُخَارِيّ قَضَاء الْقُضَاة وناب فِي الوزارة وَجلسَ بديوان الْمجْلس وعزل عَن النِّيَابَة وَالْقَضَاء وألزم بَيته ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن جَاءَ نعي(21/224)
الْوَزير ابْن القصاب فناب ابْن البُخَارِيّ فِي)
الوزارة وَبَقِي كَذَلِك إِلَى أَن تولى نِيَابَة الوزارة نصير الدّين ابْن مهْدي الْعلوِي نقيب الطالبيين
فاستقل ابْن البُخَارِيّ بِقَضَاء الْقُضَاة إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا جيد المناظرة فِيهِ دهاء وَحسن تَدْبِير وَمَعْرِفَة بالأمور وَلم يكن مَحْمُود الطَّرِيقَة فِي الحكم وَلَا مرضِي السِّيرَة
أَبُو الْمجد ابْن النَّاصِر الْعلوِي الْحَنَفِيّ عَليّ بن عَليّ بن يحيى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر بن الْحسن النَّاصِر الْكَبِير الأطروش بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن عمر الْأَشْرَف بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو الْمجد كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة درس بِجَامِع السُّلْطَان بعد وَفَاة الْأَمِير السَّيِّد
وَكَانَ متديناً حسن الِاعْتِقَاد سمع من مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَحدث باليسير حبس أَبُو الْمجد فِي الدِّيوَان لسَبَب فَرَأى الإِمَام النَّاصِر فِي الْمَنَام امْرَأَة تَقول لَهُ أطلق وَلَدي من الْحَبْس فَقَالَ لَهَا من أَنْت وَمن ولدك قَالَت أَنا فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوَلَدي ابْن النَّاصِر فَأمر بِإِطْلَاقِهِ فِي الْحَال وخلع عَلَيْهِ وَذكر لَهُ الْمَنَام فَبكى وَقَالَ وَالله مَا فرحت بإطلاقي وتشريفي كفرحي بِصِحَّة نسبي ووإقرار السيدة أنني من وَلَدهَا ولد سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَمن شعره من الْكَامِل
(كل الْأُمُور شواغل وقواطع ... فتخل عَنْهَا أَيهَا الرجل)
(وكل الْأُمُور إِلَى مدبرها ... وخف الْفَوات فقد دنا الْأَجَل)
الْأَمِير نور الدّين ابْن الظَّاهِر عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب الْأَمِير هُوَ نور الدّين ابْن الْملك الظَّاهِر ابْن الْملك الْعَزِيز ابْن الْملك الظَّاهِر ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين كَانَ شَابًّا بديع الْجمال تَامّ الْخلقَة كَرِيمًا شجاعاً رَئِيسا توفّي سنة ثَمَانِينَ وست مائَة وَأمه يَوْمئِذٍ زَوْجَة البيسري وعمره نَيف عَن عشْرين سنة
الْعَلامَة سيف الدّين الْآمِدِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن أبي عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم بن مُحَمَّد الْعَلامَة سيف الدّين الْآمِدِيّ التغلبي الشَّافِعِي
قَالَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خلكان فِي بعض تعاليقه مَا عَسى أَن يُقَال فِي أعجوبة الدَّهْر وَإِمَام الْعَصْر وَقد مَلَأت تصانيفه(21/225)
الأسماع وَوَقع على تقدمه وفضله الْإِجْمَاع إِمَام علم)
الْكَلَام وَمن أقرّ لَهُ فِيهِ الْخَاص وَالْعَام صَاحب المصنفات الْمَشْهُورَة والتعاليق الْمَذْكُورَة وَمن أكبر جهانذة الْإِسْلَام وَمن يرجع إِلَى قَوْله فِي الْحل والإبرام والحلال وَالْحرَام من الوافر
(إِذا قَالَت حذام فصدقوها ... فَإِن القَوْل مَا قَالَت حذام)
ولد بآمد سنة أحدى وَخمسين وَخمْس مائَة وَلما بلغ أَربع عشرَة سنة انحدر إِلَى بَغْدَاد واشتغل على الإِمَام أبي الْفَتْح نصر بن فتيَان ابْن الْمَنِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي الْخلاف على مذْهبه مُدَّة ثمَّ صحب الإِمَام الْعَلامَة أَبَا الْقَاسِم يحيى بن أبي الْحسن عَليّ بن الْفضل بن هبة الله بن بركَة الْبَغْدَادِيّ ابْن فضلان الشَّافِعِي وَأخذ عَنهُ الْخلاف وتميز فِيهِ وَحفظ طَريقَة الشريف والزوائد لأسعد الميهني وَحفظ أَرْبَعِينَ جدلاً على مَا قيل وَقدم إِلَى حلب وَاجْتمعَ بالشهاب السهروردي الْحَكِيم الْمَقْتُول وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي شربت الْبَحْر وَهَذَا الْمَنَام رَآهُ ابْن تومرت وعزم على الدُّخُول إِلَى الديار المصرية أَخْبرنِي عَنهُ بعض أَصْحَابه أَنه سَمعه يَقُول لما أردْت الدُّخُول إِلَى الديار المصرية كررت على طَريقَة الشريف ثمَّ دخل مصر والإسكندرية واشتغل عَلَيْهِ الطّلبَة وَعقد لَهُ مجْلِس المناظرة وَاسْتدلَّ بِالتَّعْيِينِ ثمَّ خرج مِنْهَا فاجتاز بحماة فأرغبه صَاحبهَا وَأحسن إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مدرسة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ إِن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل كتب إِلَيْهِ ووعده إِن قدم إِلَيْهِ أَن يحسن إِلَيْهِ وحبب إِلَيْهِ سُكْنى دمشق وَكَانَ سيف الدّين يُحِبهَا ويؤثر الْمقَام بهَا فَخرج من حماة لَيْلًا وَلم يعلم بِهِ صَاحبهَا وَدخل دمشق فَأحْسن إِلَيْهِ الْمُعظم وولاه الْمدرسَة العزيزية الْمُجَاورَة لتربة الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين وَأَقْبل على الاشغال والاشتغال والتصنيف عقد لَهُ مجْلِس المناظرة لَيْلَة الْجُمُعَة وَلَيْلَة الثُّلَاثَاء بِالْحَائِطِ الشمالي من جَامع دمشق وَكَانَ يحضرهُ الأكابر من كل مَذْهَب ورحل إِلَيْهِ الطّلبَة من جَمِيع الْآفَاق من سَائِر الطوائف لطلب الْعلم وَكَانَ خير الطباع سليم الْقلب حسن الِاعْتِقَاد قَلِيل التعصب رَأَيْت عِنْده جمَاعَة من أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد يشتغلون عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الإِمَام أبي حنيفَة وَمَالك رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ فِي غَايَة الْإِكْرَام لَهُم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم حَتَّى قيل لَهُ يَا مَوْلَانَا تراك تُؤثر الْحَنَابِلَة وتزيد فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِم فَقَالَ على سَبِيل المزاح الْمُرْتَد لَا يحب كسر الْمُسلمين يَعْنِي أَنه كَانَ قَدِيما حنبلياً
حكى لي تِلْمِيذه القَاضِي أَبُو الرّوح عِيسَى ابْن القَاضِي أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن دَاوُد الرشتي)
الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي تل بَاشر قَالَ سَمِعت شَيخنَا الإِمَام سيف الدّين يَقُول رَأَيْت فِي النّوم كَأَن قَائِلا يَقُول لي هَذَا الْبَيْت للْإِمَام الْغَزالِيّ قَالَ فَدخلت فَوجدت تابوتاً فكشفته فَوجدت(21/226)
الْغَزالِيّ فِيهِ وَعَلِيهِ كَفنه وَهُوَ فِي الْقطن قَالَ فَكشفت عَن وَجهه وقبلته فَلَمَّا انْتَبَهت قلت فِي نَفسِي يَلِيق أَن أحفظ كَلَام الْغَزالِيّ فَأخذت كِتَابه الْمُسْتَصْفى فِي أصُول الْفِقْه فحفظته فِي مُدَّة يسيرَة قَالَ وَسمع الحَدِيث بِبَغْدَاد من الشَّيْخ أبي الْفَتْح عبيد الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن نجا بن مُحَمَّد بن شاتيل الدباس الْبَغْدَادِيّ وَحدث عَنهُ بِدِمَشْق رَحمَه الله
أَنْشدني الأديب الْكَاتِب الشَّاعِر فَخر الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح نصر الله بن هبة الله بن عبد الْبَاقِي بن أبي البركات الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن بصاقة لنَفسِهِ وَكتب بهَا إِلَى الإِمَام سيف الدّين الْآمِدِيّ فِي حق صاحبنا عماد الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل بن خَلِيل السَّلمَانِي الْكَاتِب وَقد عزم أَن يقْرَأ على الشَّيْخ سيف الدّين شَيْئا من تصانيفه يوصيه بهَا وينبهه على مكانته من الْبَسِيط
(يَا سيداً جمل الله الْوُجُود بِهِ ... وَأَهله من جَمِيع الْعَجم وَالْعرب)
(العَبْد يذكر مَوْلَاهُ بِمَا سبقت ... وَعوده لعماد الدّين عَن كثب)
(وَمثل مولَايَ من جَاءَت مواهبه ... من غير وعد وجدواه بِلَا طلب)
(فأصف من بحرك الْفَيَّاض مورده ... وأغنه من كنوز الْعلم لَا الذَّهَب)
(وَاجعَل لَهُ نسبا يُدْلِي إِلَيْك بِهِ ... فلحمة الْعلم تعلو لحْمَة لنسب)
(وَلَا تكله إِلَى كتب تنبئه ... فالسيف أصدق أنباء من الْكتب)
فَوَقَعت هَذِه الأبيات من الإِمَام سيف الدّين أحسن موقع وَأَقْبل على الْعِمَاد وَأحسن إِلَيْهِ وَقَرَأَ بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَأَخْبرنِي بعض أَصْحَاب الإِمَام سيف الدّين أَن بعض الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين والمدرسين الْمَذْكُورين ذهب عني اسْمه حضر درس الإِمَام سيف الدّين وَلزِمَ مَعَه الْأَدَب وَجعل دأبه الِاسْتِمَاع وَالِانْتِفَاع دون الجدل وَترك القيل والقال فَقَالَ لَهُ الإِمَام سيف الدّين يَا فلَان الدّين لم لَا تشرفنا وتشنف أسماعنا بفوائدك وفرائدك فَكَانَ جَوَابه أَن أنْشد من الطَّوِيل
(وَفِي حينا نَحن الموَالِي لأَهله ... وَفِي حَيّ ليلى نَحن بعض عبيدها)
فَدَعَا لَهُ سيف الدّين أَيْضا وبجله وأكرمه وَسَأَلت شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة عز الدّين بن عبد السَّلَام عَن درس الإِمَام سيف الدّين فَقَالَ مَا سَمِعت أحدا يلقِي الدَّرْس أحسن مِنْهُ كَأَنَّهُ)
يخْطب وَإِذا غير لفظا من الْوَسِيط كَانَ لَفظه أمس بِالْمَعْنَى من لفظ صَاحبه أَو كَمَا قَالَ فَإِنِّي علقته من حفظي وَكَفاك بِهِ جلالة ونبلاً أَن الإِمَام عز الدّين من أَصْحَابه وَمن كبار طلابه ملازماً لدرسه رَاضِيا طَرِيقَته مَعَ خبْرَة عَلَانِيَته وسريرته وَلَقَد سمعته يَوْمًا يَقُول مَا عرفنَا(21/227)
قَوَاعِد الْبَحْث إِلَّا من الشَّيْخ سيف الدّين أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ وَكَانَ يعظمه ويجله ويبجله
وَسمعت عَنهُ أَنه قَالَ لَو ورد على الْإِسْلَام مُتَكَلم أَو مشكك أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ لتعين الإِمَام سيف الدّين لمناظرته لِاجْتِمَاع أهليه ذَلِك فِيهِ أَو كَمَا قَالَ وَسمعت الإِمَام جمال الدّين أَبَا عَمْرو عُثْمَان بن أبي بكر الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب يَقُول مَا صنف فِي أصُول الْفِقْه مثل كتاب سيف الدّين الْآمِدِيّ الإحكام فِي أصُول الْأَحْكَام وَمن محبته لَهُ اخْتَصَرَهُ رَحمَه الله تَعَالَى
وَلما مَاتَ الشَّيْخ سيف الدّين رَحمَه الله تَعَالَى أَخْبرنِي صاحبنا زين الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ ابْن أبي المحاسن بن طَاهِر الْأنْصَارِيّ الْمَقْدِسِي قَالَ أَخْبرنِي بعض الْفُضَلَاء أَنه رأى الشَّيْخ سيف الدّين فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا مَا فعل الله بك فَقَالَ أجلسني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لي اسْتدلَّ على وحدانيتي بَين ملائكتي فَقلت الْحَوَادِث اقْتَضَت تعلقاً بمحدث لتخرج عَن حد الاستحالة وَكَانَ لَا بُد من مُحدث ثمَّ كَانَ القَوْل بالاثنين مثل القَوْل بِالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَة إِلَى مَا لَا يتناهى فَلم يتَرَجَّح مِنْهَا شَيْء فَسقط مَا وَرَاء الْوَاحِد وَبَقِي الْوَاحِد صَحِيحا أَو كَمَا قَالَ ثمَّ أدخلني الْجنَّة
وَكَانَ صَاحب آمد الْملك المسعود ركن الدّين مودود بن الْملك الصَّالح أبي الْفَتْح مَحْمُود بن نور الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين قرا أرسلان بن ركن الدولة سقمان بن أرتق بن أكسب قد رغب أَن يكون الشَّيْخ سيف الدّين الْآمِدِيّ فِي آمد وكاتبه ووعده أَن يَجعله قَاضِي الْقُضَاة ويقطعه جَارِيا كَبِيرا وَجهد فِي ذَلِك وَكَانَ أَصْحَاب الشَّيْخ يؤثرون ذَلِك ليتسع الرزق عَلَيْهِم فَإِن الشَّيْخ كَانَ يُؤثر الرَّاحَة والقناعة وَكَانَ يحب سُكْنى دمشق فَلَمَّا تكَرر طلبه وعد بالإجابة وَجعل يدافع من وَقت إِلَى وَقت فَلَمَّا أَخذ الْملك الْكَامِل آمد من صَاحبهَا ورتب فِيهَا النواب أَرَادَ أَن يولي فِيهَا قَاضِيا من جِهَته فأجري الحَدِيث فِي ذَلِك وَالسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بن الْعَادِل وَصَاحب آمد يسمع فَقَالَ صَاحب آمد يَا مَوْلَانَا كَانَ الْمَمْلُوك قد كَاتب الشَّيْخ سيف الدّين الْآمِدِيّ فِي أَن يَجعله قَاضِيا فِي آمد وَأجَاب إِلَى ذَلِك وَأَرَادَ أَن ينفع الشَّيْخ سيف الدّين بِهَذَا القَوْل فَنظر الْكَامِل إِلَى الْأَشْرَف كالمنكر عَلَيْهِ أَن يكون فِي بَلَده مثل هَذَا الرجل وَقد)
عزم على مفارقتها وَهُوَ يُكَاتب ملكا آخر فَبَقيت فِي نفس الْأَشْرَف إِلَى أَن ورد دمشق فَأخذ الْمدرسَة العزيزية مِنْهُ وَوَقع بهَا لمحيى الدّين ابْن الزكي وَقطع جاريه وَأمره أَن يلْزم بَيته
فَبَقيَ على هَذِه الْحَال إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى
أَنْشدني الأديب الْعَارِف نجم الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن سوار بن إِسْرَائِيل لنَفسِهِ بِدِمَشْق وَقد عزل سيف الدّين كَمَا ذكرنَا من السَّرِيع(21/228)
(قد عزل السَّيْف وَولى القراب ... دهر قضى فِينَا بِغَيْر الصَّوَاب)
(فاضحك على الدَّهْر وأربابه ... وابك على الْفضل وَفصل الْخطاب)
وحضرنا فِي بُسْتَان للشَّيْخ سيف الدّين بِأَرْض المزة بِدِمَشْق بعد مَوته مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابه وَفينَا نجم الدّين ابْن إِسْرَائِيل فَكتب على سَارِيَة تَحت عَرِيش كَانَ كثيرا مَا يجلس الشَّيْخ سيف الدّين رَحمَه الله إِلَيْهَا حِين يقْرَأ عَلَيْهِ الْعلم من السَّرِيع
(يَا مربعًا قلبِي لَهُ مربع ... جادك غيث أبدا يهمع)
(عهدي بمغناك وَفِي أفقه ... شمس الْمَعَالِي والحجى تطلع)
(وَكنت غمد السَّيْف حَتَّى قضى ... والغمد بعد السَّيْف لَا يقطع)
وأنشدني نجم الدّين ابْن إِسْرَائِيل أَيْضا لنَفسِهِ من أَبْيَات يرثي بهَا الشَّيْخ سيف الدّين وَقد كَانَ جَادَتْ السَّمَاء عِنْد دَفنه بمطر عَظِيم من الْكَامِل
(بَكت السَّمَاء عَلَيْهِ عِنْد وَفَاته ... بمدامع كَاللُّؤْلُؤِ المنثور)
(وأظنها فرحت بمصعد روحه ... لما سَمِعت وتعلقت بِالنورِ)
(أوليس دمع الْغَيْث يهمي بَارِدًا ... وَكَذَا تكون مدامع المسرور)
وَتُوفِّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَقت صَلَاة الْمغرب ثَانِي صفر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة بِدِمَشْق وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ بسفح قاسيون رَحمَه الله وَلما مَاتَ توقف الأكابر وَالْعُلَمَاء بِدِمَشْق عَن حُضُور جنَازَته خوفًا من الْملك الْأَشْرَف إِذا كَانَ متغيراً عَلَيْهِ فَخرج الإِمَام عز الدّين فِي جنَازَته وَجلسَ تَحت قبَّة النسْر حَتَّى صلى عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى النَّاس ذَلِك بَادرُوا إِلَيْهِ وصلوا عَلَيْهِ
وتصانيفه أبكار الأفكار فِي أصُول الدّين ثَلَاث مجلدات وَاخْتَصَرَهُ فِي كتاب منائح القرائح مُجَلد مُجَلد لطيف فِي أصُول الْفِقْه الإحكام فِي أصُول الْأَحْكَام فِي مجلدين كتاب مُنْتَهى السول فِي علم الْأُصُول مُجَلد كتاب رموز الْكُنُوز مُجَلد لباب الْأَلْبَاب مُجَلد فِي الْمنطق)
فرائد الْفَوَائِد فِي الْحِكْمَة مُجَلد الغرائب وكشف الْعَجَائِب فِي الاقترانات الشّرطِيَّة مُجَلد شرح جدل الشريف مُجَلد غَايَة الأمل فِي الجدل الباهر فِي الحكم الزواهر حِكْمَة ثَلَاث مجلدات غَايَة المرام فِي علم الْكَلَام مجلدتان ثَلَاث تعاليق خلاف كشف التمويهات على الإشارات والتنبيهات مجلدة كَبِيرَة مآخذ على الْمَحْصُول مجلدة المآخذ الجلية فِي المواخذات الجدلية جُزْء انْتهى مَا نقلته من كَلَام القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان
وَقَالَ غَيره أَقرَأ العقليات بالجامع الظافري بِمصْر وَأعَاد بمدرسة الشَّافِعِي وَتخرج بِهِ(21/229)
جمَاعَة فَقَامُوا عَلَيْهِ ونسبوه إِلَى انحلال العقيدة وَكَتَبُوا محضراً وَوَضَعُوا خطوطهم فِيهِ بِمَا يستباح بِهِ دَمه يُقَال أَن بعض الْفُضَلَاء لما أَتَوا إِلَيْهِ بالمحضر ليكتب فِيهِ بِمَا كتبُوا فَأخذ الْقَلَم وَكتب من الْكَامِل
(حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم)
وَكَانَ ذَلِك سَببا لفل جمعهم فَخرج سيف الدّين إِلَى الشَّام مستخفياً وَكَانَ فِيهِ رقة قلب وَسُرْعَة دمعة وَمن عَجِيب مَا يحْكى عَنهُ أَنه مَاتَت لَهُ قطة بحماة فدفنها وَلما جَاءَ إِلَى دمشق نقل عظامها فِي كيس ودفنها فِي تربة بقاسيون وَمن تلاميذه القَاضِي صدر الدّين ابْن سني الدولة وَالْقَاضِي محيى الدّين ابْن الزكي وَغَيرهمَا
ابْن الشَّيْخ عَليّ الحريري عَليّ بن عَليّ ابْن أبي الْحسن الشَّيْخ عَليّ ابْن الشَّيْخ عَليّ الحريري توفّي ببسر عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة فِي سنة خمس عشرَة وَسبع مائَة
النَّاسِخ المغربي عَليّ بن أبي عَليّ النَّاسِخ المغربي قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج شَاعِر مجيد يطْلب البديع وَيُحب الصَّنِيع ويحرص عَلَيْهِ ويحترس من تَوَابِع الانتقاد حضرت عِنْده الْمكتب فِي جملَة غلمانه فَكنت أرَاهُ وَهُوَ لَا يلقِي بِي بَالا رُبمَا تنَاول رقْعَة لَطِيفَة وَكتب بِخَط رَقِيق شَيْئا أَظُنهُ يحفظه فأخالفه إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ شعر من صَنْعَة وقته لَا تسويد فِيهِ إِلَّا الْيَسِير فِي النادرة ثمَّ ترك التَّأْدِيب وجاور فِي شطر حَانُوت كنت فِيهَا بسوق الْبَز فَكَانَ يصنع الشّعْر إملاءً عَليّ وَهُوَ فِي أسبق الْبيُوع والأشربة وَمَا لَهُ بِهِ اكتراث وَأورد لَهُ قَوْله يُخَاطب وَلَده وَقد سَافر إِلَى مصر وَهُوَ صَغِير السن من الْبَسِيط)
(أحلّت رَأيا تجلى عَن ذراك علا ... أَو الردى العذب بَين الْبيض والعذب)
(وَالله يَا وَلَدي المجذوب من كَبِدِي ... للرأي ذَاك وَإِن أَمْسَى بِهِ عطبي)
(فَمَا الْحَيَاة إِلَى نَفسِي بمعجبةٍ ... إِن لم تجزبي أَعلَى السَّبْعَة الشهب)
(رمى بك البيد مرمى السهْم فِي وتر ... هم تبيت بِهِ للمجد فِي نصب)
(لقد تأهلت من عقل بِلَا كبر ... وَقد تأدبت من طبع بِلَا أدب)
وَأورد لَهُ قَوْله من المنسرح
(مَا عذره حَيْثُ لم يمت أسفا ... وَإِن غَدا الْمَوْت خير مَا ألفا)
(هَل يفضل الْمَوْت عيشةً وقفت ... بِهِ بِحَيْثُ الغرام قد وَقفا)(21/230)
(يصرف اللحظ كالغريق وَلَا ... يرى بشاطئ النجَاة منصرفا)
(عاين للْمَوْت قبله عظما ... صير من بعده الردى تحفاً)
(تحييه بعض المنى وتقتله ... باليأس أس تزيده دنفا)
(أَشْكُو إِلَى الله من شَكَوْت لَهُ ... فَمَا أنثنى نخوة وَلَا انعطفا)
وَأورد لَهُ من أَبْيَات من الْبَسِيط
(فَإِن ظَفرت فَلم أشدد عَلَيْك يَدي ... شدّ الغريق على الطافي من السفن)
(فعاود الله بِي هَذَا الغرام فقد ... قاسيت فِيهِ زَوَال الرّوح من بدني)
3 - (عَليّ بن عمر)
خَازِن الْكتب بالنظامية عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ خَازِن دَار الْكتب النظامية قَرَأَ النَّحْو على الشريف أبي السعادات ابْن الشجري واللغة والعربية على أبي مَنْصُور الجواليقي وَحصل طرفا صَالحا من ذَلِك وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا من كتب الْأَدَب وَكَانَ مليح الْخط جيد الضَّبْط توفّي سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة
ابْن ابْن زين العابدين عَليّ بن عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم هُوَ حفيد زين العابدين توفّي بعد السِّتين وَمِائَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد
الدَّارَقُطْنِيّ الْحَافِظ عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن مهْدي بن مَسْعُود بن النُّعْمَان بن دِينَار بن عبد الله أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب التصانيف الدَّارَقُطْنِيّ سمع من أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأبي بكر ابْن أبي دَاوُد وَابْن صاعد وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن نيروز وَخلق كثير بِالْبَصْرَةِ والكوفة وواسط ورحل فِي الكهولة إِلَى الشَّام ومصر وَحدث عَنهُ أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَجَمَاعَة من الْكِبَار ومولده سنة سِتّ(21/231)
وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ووفاته سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
قَالَ الْحَاكِم صَار الدَّارَقُطْنِيّ أوحد أهل عصره فِي الْحِفْظ والفهم والورع وإماماً فِي الْقُرَّاء والنحويين وَأشْهد أَنه لم يخلف على أَدِيم الأَرْض مثله وَإِلَيْهِ انْتهى علم الْأَثر والمعرفة بعلل الحَدِيث وَالرِّجَال مَعَ الصدْق والثقة وَصِحَّة الِاعْتِقَاد والاضطلاع فِي عُلُوم سوى علم الحَدِيث مِنْهَا الْقرَاءَات فَإِن لَهُ فِيهَا مصنفاً مُخْتَصرا جمع الأَصْل فِي أَبْوَاب عقدهَا فِي أول الْكتاب والمعرفة بمذاهب الْفُقَهَاء فَإِن كِتَابه السّنَن يدل على ذَلِك ودرس فقه الشَّافِعِي على الاصطخري أبي سعيد وَقيل على غَيره وَمِنْهَا الْمعرفَة بالأدب وَالشعر قيل كَانَ يحفظ دواوين جمَاعَة من الشُّعَرَاء وَقيل كَانَ يحفظ ديوَان السَّيِّد الْحِمْيَرِي وَلِهَذَا نسب إِلَى التَّشَيُّع
وَقَالَ البرقاني كَانَ يملي عَليّ الْعِلَل من حفظه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَهَذَا شَيْء مدهش
وَقَالَ أَبُو نصر عَليّ بن هبة الله بن مَاكُولَا رَأَيْت فِي الْمَنَام فِي شهر رَمَضَان كَأَنِّي أسأَل عَن)
حَال الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْآخِرَة فَقيل لي ذَاك يدعى فِي الْجنَّة الإِمَام وَتُوفِّي ثامن ذِي الْقعدَة
وَقبل القَاضِي ابْن مَعْرُوف شَهَادَته فِي سنة سِتّ وَسبعين وَثَلَاث مائَة فندم على ذَلِك وَقَالَ كَانَ يقبل قولي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بانفرادي فَصَارَ لَا يقبل قولي على نقل إِلَّا مَعَ آخر وَقد صنف كتاب السّنَن والمختلف والمؤتلف
وَتوجه من بَغْدَاد إِلَى مصر لأجل الْوَزير أبي الْفضل جَعْفَر بن حنزابة ليساعده على عمل الْمسند فَأَقَامَ عِنْده وَبَالغ فِي أكرامه وَأَعْطَاهُ شَيْئا كثيرا وَأنْفق عَلَيْهِ نَفَقَة وَاسِعَة وَكَانَ يجْتَمع هُوَ والحافظ عبد الْغَنِيّ ابْن سعيد على تَخْرِيج الْمسند وكتابته إِلَى أَن فرغ
ابْن الْقصار قَاضِي بَغْدَاد الْمَالِكِي عَليّ بن عمر بن أَحْمد الْفَقِيه أَبُو الْحسن ابْن الْقصار الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي قَالَ أَبُو إِسْحَق الشِّيرَازِيّ لَهُ كتاب فِي مسَائِل الْخلاف كَبِير لَا أعرف لَهُم فِي الْخلاف كتابا أحسن مِنْهُ ولي قَضَاء بَغْدَاد وَكَانَ ثِقَة قَلِيل الحَدِيث توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
ابْن حمصة الصَّواف عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي الْمصْرِيّ(21/232)
الصَّواف الْمَعْرُوف بِابْن حمصة لم يرو شَيْئا غير مجْلِس البطاقة وَلكنه تفرد بِهِ مُدَّة سِنِين وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
القوصي عَليّ بن عمر أَبُو الْحسن الْهَاشِمِي القوصي ذكره الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة وَقَالَ شَاب بقوص لَهُ بالأدب خُصُوص وَأورد لَهُ قصيدة لَيْسَ فِيهَا نقطة مِنْهَا من الْكَلَام
(أأطاع مسمعه الْأَصَم ملاما ... أم هَل كراه أَعَارَهُ إلماما)
(كلا وأحور كالمهاة مصارم ... كل أطَاع لَهُ هَوَاهُ وهاما)
(وَأعد عَام وصاله لَك سَاعَة ... وَأعد سَاعَة صده لَك عَاما)
(أمحرماً وصلا أرَاهُ محللاً ... ومحللاً وصلا أرَاهُ حَرَامًا)
وَذكره ابْن سعيد المغربي فِي كِتَابه الْمغرب وَأورد لَهُ قَوْله من الْكَامِل
(عَيناهُ تسند لي الحَدِيث البابلي ... وتري فُؤَادِي كَيفَ وَقع النابل)
(ظَبْي يلاقي اللَّيْث وَهُوَ مدرع ... بأساور وخلاخل وغلائل)
وَأورد لَهُ من المتقارب)
(عدا طوره حمقاً وَادّعى ... فخاراً وَقد جحدته الْمَعَالِي)
(وَقَالَ ألم أبلغ الفرقدين ... فَقلت بلَى بقرون طوال)
ابْن الْقزْوِينِي عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْحسن الْحَرْبِيّ الزَّاهِد الْمَعْرُوف بِابْن الْقزْوِينِي ولد سنة سِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة تفقه وَقَرَأَ النَّحْو وَسمع الْكثير وَكَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين كَانَ الْقَائِم يَأْتِي إِلَيْهِ يزوره ليَالِي الْجمع وتجتمع عِنْده قصَص النَّاس فيوقع على الْجَمِيع عِنْده(21/233)
قَامَ لَيْلَة يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فطلع الدَّلْو ملآن دَنَانِير فَرده إِلَى الْبِئْر وَقَالَ مَا طلبت إِلَّا مَاء مَا طلبت دَنَانِير قَالَ أَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل شهِدت جنَازَته وَكَانَ يَوْمًا لم ير فِي الْإِسْلَام مثله بعد جَنَازَة أَحْمد بن حَنْبَل غلقت لَهُ الْمكَاتب والحمامات وَبَلغت الْمقْبرَة بِبَاب الطاق مَعَ كَون الجسر ممدوداً أَرْبَعَة دَنَانِير وَلم يُمكن أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ إِمَام معِين وَكَانَ كل قبيل فِيهِ أُلُوف من النَّاس يُصَلِّي بهم رجل يصلح للتقدم عَلَيْهِم وَكَانَت الضجة تمنع التَّبْلِيغ بِالتَّكْبِيرِ
سيف الدّين المشد عَليّ بن عمر بن قزل بن جِلْدك التركماني الياروقي الْأَمِير سيف الدّين المشد صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور ولد بِمصْر سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة اشْتغل فِي صباه وَقَالَ الشّعْر الرَّائِق وَتَوَلَّى شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق للناصر مُدَّة وَكَانَ ظريفاً طيب الْعشْرَة تَامّ الْمُرُوءَة وَهُوَ ابْن أخي الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان أستاذ دَار الْملك الْكَامِل ونسيب الْأَمِير جمال الدّين ابْن يغمور روى عَنهُ الدمياطي وَالْفَخْر إِسْمَاعِيل ابْن عَسَاكِر وَلما مَاتَ رثاه الْكَمَال العباسي وَكَانَت وَفَاته يَوْم تاسوعاء من الطَّوِيل
(أيا يَوْم عاشورا جعلت مُصِيبَة ... لفقد كريم أَو عَظِيم مبجل)
(وَقد كَانَ فِي قتل الْحُسَيْن كِفَايَة ... فقد جلَّ بالرزء الْمُعظم فِي عَليّ)
وَمن شعر ابْن قزل من الْكَامِل
(هِيَ قامة أم صغدة سمراء ... وذؤابة أم حَيَّة سَوْدَاء)
(وأذا نظرت إِلَى اللحاظ وَجدتهَا ... هن السِّهَام ورشقها الْإِيمَان)
(إِن أنْكرت نجل الْعُيُون جراحتي ... فدليل قلبِي أَنَّهَا نجلاء)
)
(وبمهجتي من لَو سرى متبرقعاً ... فِي ظلمَة لأنارت الظلماء)
(بدر جعلت الْقلب أخبية لَهُ ... كي لَا يرَاهُ رقيبه العواء)
(خلعت عَلَيْهِ الشَّمْس رونق حسنها ... وحبته رونق ثغره الجوزاء)
(فِي نمل عَارضه وَنور جَبينه ... تتنافس الْأَحْزَاب وَالشعرَاء)
(فبخده الزاهي نهيم صبَابَة ... وبصدغه يتغزل الوأواء)(21/234)
وَمِنْه من الْكَامِل
(فِي يَوْم غيم من لذادة جوه ... غنى الْحمام وَطَابَتْ الأنداء)
(وَالرَّوْض بَين تكبر وتواضع ... شمخ الْقَضِيب بِهِ وخر المَاء)
وَمِنْه من الْخَفِيف إِن ترقا إِلَى الْمَعَالِي أولو الْفضل وَسَاخَتْ تَحت الثرى السُّفَهَاء
(فحباب المدام يَعْلُو على الكأ ... س محلا وترسب الأقذار)
وَمِنْه فِي مطرب من مخلع الْبَسِيط
(ترى ابْن سيناء فِي يَدَيْهِ ... أقل معلوبه الْغناء)
(قانونه المرتضى نجاة ... كل إشاراته شِفَاء)
وَمِنْه مضمناً من الطَّوِيل
(كَأَن دُخان الْعود والند بَيْننَا ... وأقداحنا ليل تهاوى كواكبه)
(ولاحت لنا شمس الْعقار فمزقت ... دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه)
وَمِنْه من الوافر
(وَلما زار من أهواه لَيْلًا ... وخفنا أَن يلم بِنَا مراقب)
(تعانقنا لأخفيه فصرنا ... كأنا وَاحِد فِي عقد حاسب)
قَالَ بَعضهم لما سمع هَذَا كَانَ قواقيا لِأَن الصَّغِير كَانَ من فَوق وَمن شعره من الْكَامِل
(يَا مطرباً أغْنى النديم غناؤه ... عَن طيب مشموم وَعَن مشروب)
(شَبَّبَ إِذا غنيتنا متغزلاً ... إِن الْغناء يطيب بالتشبيب)
وَمِنْه من الوافر
(أيا رام رمت فأصبن قلبِي ... سِهَام لحاظه قسي الحواجب)
)
(فَلَا تهدر دمي فدمي جليل ... وعقلي طَائِر وَالْقلب وَاجِب)
وَمِنْه من السَّرِيع
(لَئِن تفرقنا وَلم نَجْتَمِع ... وزادت الْفرْقَة عَن وقتِها)
(فَهَذِهِ العينان مَعَ قربهَا ... لَا تنظر الْعين إِلَى أُخْتهَا)(21/235)
وَقَالَ من مجزوء الرجز
(أقْصَى مرادي فِي الْهوى ... بِأَن تحلوا ساحتي)
(وراحتي فِي قدح ... أنظرهُ فِي راحتي)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أَقْسَمت من دمعي بالذاريات ... وَمن دموع الْعين بالمرسلات)
(إِنِّي على الاخلاص فِي حبكم ... حَتَّى ترى روحي فِي النازعات)
(يَا جيرة الْحَيّ الَّذِي قد سروا ... على متون البزل العاديات)
(أما رأى حاديكم فِي الدجا ... نَار ضلوعي وَهِي الموريات)
(وصالكم منتسخ حكمه ... وَبَيْنكُم آيَاته بَيِّنَات)
(فحملوا ريح الصِّبَا نشركم ... إِن تحيات الصِّبَا طَيّبَات)
وَمِنْه بَيت بديع كل كلمة مِنْهُ قلب نَفسهَا وَهُوَ من الْكَامِل المجزوء
(ليل أَضَاء هلاله ... أَنا يضيء بكوكب)
وَمِنْه يشبه دجَاجَة تشوى على النَّار من السَّرِيع
(دجَاجَة صفراء من شحمها ... حَمْرَاء كالورد من الوهج)
(كَأَنَّهَا والجمر من تحتهَا ... أترجة من فَوق نارنج)
وَمِنْه فِي تَشْبِيه سكردان من السَّرِيع
(وافى السكردان وَفِي ضمنه ... مطجنات من دراريح)
(كَأَنَّهُ بدر وَقد رصعت ... فِيهِ ثريا من سكاريج)
وَمِنْه فِي الشبابة من الطَّوِيل
(وعارية من كل عيب حَبِيبَة ... إِلَى كل قلب بالبين مجروحا)
(لَهَا جَسَد ميت يعِيش بنفخة ... مَتى داخلته الرّيح صَارَت بِهِ روحا)
)
(تعيد الَّذِي يلقِي عَلَيْهَا بلذة ... تزيد فؤاد الصب وجدا وتبريحا)
(وتنطق بِالسحرِ الْحَلَال عَن الْهوى ... وتوحي إِلَى الأسماع أطيب مَا يُوحى)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(لله يَوْم شربناها مشعسعة ... تهدي إِلَيْنَا سُرُورًا دَائِما وَفَرح)(21/236)
(والمزن تهمي وقوس الْغَيْم ذُو حبك ... وَالشَّمْس تبدو وقمري الرعود صدح)
(والجنك يخْفق فِي كفي منعمة ... يَحْكِي الَّذِي نَحن فِيهِ نزهة وملح)
(فصوته الرَّعْد والأوتار صوب حَيا ... والغادة الشَّمْس حسنا وَهُوَ قَوس قزَح)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(يَا حبيباً جعلته نصب عَيْني ... حِين أَمْسَى فِي الْحسن وَهُوَ فريد)
(أَنْت قصدي وَقد جعلت ندائي ... لَك دون الورى فَهَلا تجود)
(والمنادى الْمَنْصُوب إِن جَاءَ يَوْمًا ... لَفظه مُفردا هُوَ الْمَقْصُود)
وَمِنْه من السَّرِيع
(لعبت بالشطرنج مَعَ شادن ... رشاقة الأغصان من قده)
(أحل عقد البند من خصره ... وألثم الشامات من خَدّه)
وَمِنْه فِي أرمد من مخلع الْبَسِيط
(وشادن هَمت فِيهِ وجدا ... لما غَدَتْ مقلتاه رمدا)
(لم ينتقص حسنه وَلَكِن ... نرجس عَيْنَيْهِ صَار وردا)
وَمِنْه من السَّرِيع
(قد أفحم الوأواء صدغ لَهُ ... والخد أودى بالأبيوردي)
(وشعره الطايل فِي حسنه ... أربى على النَّابِغَة الْجَعْدِي)
وَمِنْه من مجزوء الْكَامِل
(صنم فِي الْحسن خدا ... هـ لطرق الغي تهدي)
عدت فِيهِ جاهلي الْحبّ من غير تعد
(لحظ عَيْني عبد شمس ... وفؤادي عبد ود)
وَمِنْه من الْبَسِيط)
(كَأَنَّمَا النَّهر إِذا مر النسيم بِهِ ... والغيم يهمي وضوء الْبَرْق حِين بدا)
(رشق السِّهَام ولمع الْبيض يَوْم وغى ... خَافَ الغدير سطاها فاكتسى زردا)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(يَا جيرة الْحَيّ من جرعاء كاظمة ... طري لبعدكم مَا التذ بِالنّظرِ)(21/237)
(لَا تسألوا عَن حَدِيث الدمع كَيفَ جرى ... فقد كفى مَا جرى مِنْهُ على بَصرِي)
قلت هَذَا الْمَعْنى تداوله الْمُتَأَخّرُونَ كثيرا ولي فِيهِ عدَّة مقاطع مِنْهَا قولي من الْخَفِيف
(إنَّ عَيْني مذ غابَ شخصك عَنْهَا ... يَأْمر السُّهْدُ فِي كراها ويَنْهَى)
(بدموعٍ كأَنهنّ الغوادي ... لَا تسلْ مَا جرى على الخدِّ مِنْهَا)
وَمِنْه فِي غُلَام يُبَاع فِي الدكة من السَّرِيع
(يسام للْبيع على أَنه ... أبهى من الزهرة وَالْمُشْتَرِي)
(دمعي لذاك الْخَال فِي خَدّه ... أرسل للأسود والأحمر)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(كَأَنَّمَا ثغرها حباب ... أطاف من رِيقهَا بِخَمْر)
(مقرها فِي صميم قلبِي ... وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(وافى إِلَيّ وكأس الراح فِي يَده ... فخلت من لَفظه أَن النسيم سرى)
(لَا تدْرك الراح معنى من شمائله ... وَالشَّمْس لَا يَنْبَغِي أَن تدْرك القمرا)
وَمِنْه فِي مليح نَصْرَانِيّ من الْبَسِيط
(وَبِي غرير يحاكي الظبي ملتفتا ... أغن أحور عَقْلِي فِيهِ قد حارا)
(يصبو الْحباب إِلَى تَقْبِيل مبسمه ... ويكتسي الراح من خديه أنوارا)
(من آل عِيسَى يرى بعدِي تقربه ... وَلم يخف دم العشاق أوزارا)
(لأَجله أصبح الراووق منعكفا ... على الصَّلِيب وَشد الكاس زنارا)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(أول عشقي فتور عَيْني ... ك مَا لَهُ فِي الغرام آخر)
(وعاشق المقلتين يفنى ... وَلَيْسَ يسلو إِلَى الْمَقَابِر)
)
وَمِنْه لغز فِي رمح من الْخَفِيف
(أَي شَيْء يكون مَالا وذخراً ... راق حسنا عِنْد اللِّقَاء ومخبر)
(أسمر الْقد أَزْرَق السن وَصفا ... إِنَّمَا قلبه بِلَا شكّ أَحْمَر)
وَمِنْه من الْخَفِيف
((21/238)
إِن عنابنا الَّذِي قد أَتَانَا ... راقنا منْظرًا كَمَا طَابَ مُخَيّر)
(جَازَ ضدين يانعين فَوَافى ... أَحْمَر اللَّوْن قانياً وَهُوَ أَخْضَر)
وَمِنْه فِي حليق من السَّرِيع
(وأمرد كالجبل الراسي ... أثقل من حمى وإفلاس)
(لحيته تسبح من خفَّة ... بِرَأْسِهِ فِي بَحر أمواس)
وَمِنْه من السَّرِيع
(شتان مَا بَين قضيب النقا ... وَبَين من فِي حبه أخضع)
(لِأَن ذَا يُوصل مَعَ قسوة ... وَذَاكَ مَعَ لين بِهِ يقطع)
وَمِنْه فِي مليح سَاق من المنسرح
(لما رَآنِي وَقد فتنت بِهِ ... من عظم وجدي وَكثر أشواقي)
(غنى وكاس المدام فِي يَده ... قَامَت حروب الْهوى على سَاق)
وَمِنْه فِي جَارِيَة عروس من الرجز
(بَدَت عروساً عجنوا جناءها ... بِمَاء ورد لم يزل ممسكا)
(للنقش فِي معصمها حلاوة ... لما علا من فَوْقه مشبكا)
وَمِنْه من مجزوء الرمل
(وغزال قلت مَا الِاسْم ... حَبِيبِي قَالَ مَالك)
(قلت صف لي وَجهك الزا ... هِيَ وصف حسن اعتدالك)
قَالَ كالبدر وكالغصن وَمَا أشبه ذَلِك وَمِنْه من مجزوء الرجز
(كَاتب ذَاك الخد قد ... قومه إِذْ مشقه)
(نسخ مجَاز خصره ... سرته المحققه)
)
(حيرني حَاجِبه ... بنونه المعرقه)
(وعقرب الصدغ الَّذِي ... بواوه معلقه)(21/239)
وَمِنْه لغز فِي هاروت من الرجز المجزوء
(مَا اسْم إِذا صحفته ... فَهُوَ نَبِي مُرْسل)
(وَهُوَ إِذا عكسته ... كِتَابه الْمنزل)
وَمِنْه من الوافر
(أساود شعره لبست فُؤَادِي ... وأمست بَين أحشائي تجول)
(كَأَن الشّعْر يطلبني بدين ... فكم يجفو عَليّ ويستطيل)
واختلسته أَنا فَقلت من مخلع الْبَسِيط
(يَا سَاكِنا حل فِي ضميري ... وألزم الْقلب أَن تحول)
(تعلم الشّعْر مِنْك لما ... رأى غرامي جَفا وَطول)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط
(لعبت بالنرد مَعَ رَشِيق ... مهفهف لين القوام)
(قَالَ تمامي فَقلت مهلا ... مَا أحسن الْبَدْر فِي التَّمام)
وَقلت أَنا فِي لاعب نرد من الْكَامِل
(كلفي بنردي يَقُول لصبه ... وفؤاده مَا قر مِنْهُ قراره)
(شعري الطَّوِيل جباله مَنْصُوبَة ... فلذاك غُصْن الْقد طَار هزاره)
وَقلت فِيهِ أَيْضا من مخلع الْبَسِيط
(لعبت بالنرد مَعَ رَشِيق ... مِنْهُ غصون النقا حيارى)
(عشاقه فِي الْأَنَام سادوا ... بصبرهم إِذْ رَأَوْهُ جارا)
وَمن شعر ابْن قزل من السَّرِيع
(إِنِّي وَإِن أَصبَحت سنيها ... أحب آل الْمُصْطَفى الْهَاشِمِي)
(فِي حَالَة السخط أوالي الرِّضَا ... وأقتدي فِي الغيظ بالكاظم)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(ومجلس راق من واش يكدره ... وَمن رَقِيب لَهُ فِي اللوم إيلام)
)
(مَا فِيهِ ساع سوى الساقي وَلَيْسَ بِهِ ... على الندامى سوى الريحان نمام)(21/240)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(الْحَمد لله فِي حلي ومرتحلي ... على الَّذِي نلْت من علم وَمن عمل)
(بالْأَمْس كنت إِلَى الدِّيوَان منتسباً ... وَالْيَوْم أَصبَحت والديوان ينْسب لي)
وَمِنْه يمدح الْملك النَّاصِر من الطَّوِيل
(أيا ملكا تَأتي الخماص لبابه ... وتغدو بطاناً من نوال وَمن جاه)
(إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح بعده ... وتبت يَد الْأَعْدَاء فَالْحَمْد لله)
وَمِنْه فِي فَقير أعجمي من الْخَفِيف
(يَقْتَدِي فِي طَرِيقه بالحريري ... ويبغي مَذَاهِب الصوفيه)
(أعجمي اللِّسَان حُلْو الثنايا ... عَنهُ تروى الْحَلَاوَة العجمية)
وَمِنْه من الْكَامِل
(فصل كَأَن الْبَدْر فِيهِ مطرب ... يَبْدُو وهالته لَدَيْهِ طاره)
(وَالشَّمْس فِي أفق السَّمَاء خريدة ... والجو سَاق والأصيل عقاره)
(وَكَأن قَوس الْغَيْم جنك مَذْهَب ... وكأنما صوب الحيا أوتاره)
وَمِنْه يمدح الْملك النَّاصِر من الْخَفِيف
(سمت فِي الكاس لؤلؤاً منثورا ... حِين أضحى مزاجها كافورا)
(وتوسمت حَامِل الكأس فِي الل ... يل هلالاً يجلو سِرَاجًا منيرا)
(بدر تمّ مَا زَالَ يهدي لقلبي ... ولعيني نظرة وسرورا)
(تجتلي النَّفس دَائِما من عِذَارَيْ ... هـ وصدغيه جنَّة وَحَرِيرًا)
(وسقاني من رِيقه الْبَارِد العذ ... ب كؤوساً حوت شرابًا طهُورا)
(بقوارير فضَّة من ثنايا ... قدروها بلؤلؤ تَقْديرا)
(وغيوم مثل الْجنان فَمَا تن ... ظر فِيهَا شمساً وَلَا زمهريرا)
(نصب روض مشي النسيم عَلَيْهِ ... فانبرى سَعْيه بِهِ مشكورا)
(أَيهَا الْحَاسِد المفند إِمَّا ... أَن ترى شاكراً وَإِمَّا كفورا)
(كَيفَ تجفو الَّتِي يطير بهَا اله ... م وَإِن كَانَ شَره مُسْتَطِيرا)
)
(عبد إِحْسَان يُوسُف الْملك النا ... صر أفديه سيدا وَحَصُورًا)(21/241)
(منهل الواردين ذخر الْيَتَامَى ... كم فَقير أغْنى وَفك أَسِيرًا)
(ملك مَا ترَاهُ يَوْمًا عبوساً ... عِنْد بذل الندى وَلَا قمطريرا)
(وَإِذا مَا استشاط فِي الْحَرْب غيظاً ... كَانَ يَوْمًا على العداة عسيرا)
(يَا مليكاً أَفَادَهُ الله علما ... ونعيماً جماً وملكاً كَبِيرا)
(لم أكن قبل خدمتي وَدُعَائِي ... لَك شَيْئا وَلم أكن مَذْكُورا)
(أسمعتني نعماك بل بصرتني ... فتيممتها سميعاً بَصيرًا)
(عش سعيداً وانحر أعاديك واسلم ... كل عيد مؤيداً منصورا)
وَمِنْه فِي مليحة عمياء وَهُوَ بديع من السَّرِيع
(علقتها نجلاء مثل المهى ... فخان فِيهَا الزَّمن الغادر)
(أذهب عينيها فإنسانها ... فِي ظلمَة لَا يَهْتَدِي حائر)
(تجرح قلبِي وَهِي مَكْفُوفَة ... وَهَكَذَا قد يفعل الباتر)
(نرجس اللحظ غَدا ذابلاً ... واحسرتا لَو أَنه ناضر)
قلت وَللَّه الْقَائِل فِي عمياء لقد أَجَاد من الْبَسِيط
(قَالُوا تعشقتها عمياء قلت لَهُم ... مَا شانها ذَاك فِي عَيْني وَلَا قدحا)
(بل زَاد وجدي فِيهَا أَنَّهَا أبدا ... لَا تنظر الشيب فِي فودي إِذا وضحا)
(إِن يجرح السَّيْف مسلولاً فَلَا عجب ... وَإِنَّمَا أعجب لسيف مغمد جرحا)
(كَأَنَّمَا هِيَ بُسْتَان خلوت بِهِ ... ونام ناطوره سَكرَان قد طفحا)
(تفتح الْورْد فِيهِ من كمائمه ... والنرجس الغض فِيهِ بَعْدَمَا انفتحا)
واختلست أَنا هَذَا فَقلت من السَّرِيع
(وَرب أعمى وَجهه رَوْضَة ... تنزهي فِيهَا كثير الدُّيُون)
(فِي خَدّه ورد غنينا بِهِ ... عَن نرجس مَا فَتحته الْعُيُون)
وَقلت أَيْضا من الطَّوِيل
(أيا حسن أعمى لم يجد حد طرفه ... محب غَدا سَكرَان فِيهِ وَمَا صَحا)
(إِذا طَال قلب يرتعي فِي خدوده ... غَدا آمنا من مقلتيه الجوارحا)(21/242)
)
وَمن شعر ابْن قزل من الْكَامِل
(إِن الْحُصُون لكالعيون فهدبها ... شرفاتها وجفونها الأسوار)
(وَكَذَا محاجرها الْخَنَادِق حولهَا ... والحافظون لَهَا هم الْأَنْوَار)
وَمِنْه من السَّرِيع
(يَا من عذاره وأصداغه ... حدائق هَمت بأزهارها)
(لَو لم يكن خداك لي كعبةً ... لما تعلّقت بأستارها)
وَمِنْه هجو فِي البان من الْكَامِل المجزوء
(وَرمي بَيَان خلته ... لما تناثر دود قَز)
(بشع الروائح يَابِس ... وَكَأَنَّهُ ذرق الإوز)
وَمِنْه من المجتث
(لَئِن صرفت وحاشا ... ك فالدنانير تصرف)
(وَمَا اعتقلت كَرِيمًا ... إِلَّا وَأَنت مثقف)
وَمِنْه من السَّرِيع
(وشاطدن أوردني حبه ... لهيب حر الشوق والفرقه)
(أَصبَحت حراناً إِلَى رِيقه ... فليت لي من قلبه رقّه)
قلت وَلم تصح مَعَه التورية فيهمَا وَقد ذكرت هَذَا فِي كتاب فض الختام عَن التورية
ابْن مجلي نَائِب حلب عَليّ بن عمر بن مجلي الْأَمِير نور الدّين الهكاري ولي ابْن مجلي هَذَا نِيَابَة السلطنة بحلب مُدَّة وَكَانَ حسن السِّيرَة عالي الهمة متواضعاً لين الْكَلِمَة محسناً إِلَى الْعلمَاء والفقراء عزل عَن النِّيَابَة قبل مَوته فَأَقَامَ بحلب إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان وَسبعين وست مائَة وَكَانَ أَبوهُ عز الدّين من الْأُمَرَاء الْكِبَار
نور الدّين الطوري عَليّ بن عمر الْأَمِير نور الدّين الطوري أحد الْأَبْطَال الفرسان لم يبرح هُوَ وعشيرته مرابطين بالسَّاحل وَلم يزل مُحْتَرما فِي الدول وَولي عدَّة جِهَات بِالشَّام وَحضر المصاف مَعَ سنقر الْأَشْقَر بِظَاهِر دمشق فجرح وَضعف فَسقط بَين حوافر الْخَيل وَمَات بعد أَيَّام سنة تسع)
وَسبعين وست مائَة وَقد جَاوز التسعين(21/243)
نور الدّين الواني الْمصْرِيّ عَليّ بن عمر بن أبي بكر الشَّيْخ الصَّالح المعمر الْمسند أَبُو الْحسن نور الدّين الْمصْرِيّ الصُّوفِي الواني الأَصْل ولد تَقْرِيبًا سنة خمس وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة سمع من ابْن رواح أَرْبَعِينَ الثَّقَفِيّ وَمن السبط أَرْبَعِينَ السلَفِي وجزء ابْن عُيَيْنَة وَالسَّابِع من أمالي الْمحَامِلِي والعاشر من الثقفيات وَسمع صَحِيح مُسلم من المرسي والبكري وَحدث بِهِ خمس مَرَّات وَسمع من يُوسُف الساوي وَتفرد وَألْحق الصغار بالكبار وأضر بآخرة ثمَّ عولج فأبصر وَكَانَ شَيخا صَالحا سهل القياد أَكثر المصريون عَنهُ وَغَيرهم
نجم الدّين الكاتبي الْقزْوِينِي عَليّ بن عمر بن عَليّ الْعَلامَة نجم الدّين الكاتبي دبيران بِفَتْح الدَّال وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف رَاء وَألف وَنون الْقزْوِينِي المنطقي الْحَكِيم صَاحب التصانيف
توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وست مائَة ومولده فِي شهر رَجَب سنة سِتّ مائَة
لَهُ الْعين فِي الْمنطق والرسالة الشمسية مختصرها وَله جَامع الدقائق وَحِكْمَة الْعين وَله كتاب جمع فِيهِ الطبيعي والرياضي والإلهي وَإِضَافَة إِلَى الْعين ليَكُون حِكْمَة كَامِلَة وَله غير ذَلِك مثل شرح المحصل للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَشرح الملخص لفخر الدّين أَيْضا وَشرح كشف الْأَسْرَار لأَفْضَل الدّين الخونجي
ابْن الْعِزّ عمر عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن أبي بكر بن عبد الله بن سعد الصَّدْر الْمعدل بهاء الدّين ابْن الْعِزّ الْمَقْدِسِي الْأنْصَارِيّ سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَعمر بن مُحَمَّد الْكرْمَانِي وَغَيرهمَا كَانَ يكْتب خطا حسنا مَنْسُوبا لَهُ دربة كَثِيرَة وَمَعْرِفَة تَامَّة بِالشُّرُوطِ متعهُ الله بحواسه وذهنه إِلَى أَن توفّي ذبولاً رَحمَه الله تَعَالَى عَشِيَّة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر الْمحرم سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ومولده وست مائَة
قَالَ لي الْعَلامَة تَقِيّ الدّين قَاضِي الْقُضَاة السُّبْكِيّ إِذا أشكل عَليّ قِرَاءَة مَكْتُوب امحى خطه لقدمه أدفعه إِلَيْهِ فيقرأه وَكَانَ يستحضر أَسمَاء النَّاس وألقابهم وتواريخهم عجبا فِي ذَلِك وَله مشيخة حدث بهَا وَأَجَازَ لي بِخَطِّهِ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة وَفِي سنة ثَلَاثِينَ أَيْضا)
بِخَطِّهِ
الْحِمصِي الْأَلْهَانِي الْبكاء عَليّ بن عَيَّاش بن مُسلم الْأَلْهَانِي الْحِمصِي الْبكاء(21/244)
روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى الْأَرْبَعَة عَن رجل عَنهُ وَأحمد بن حَنْبَل وَعَمْرو بن مَنْصُور النَّسَائِيّ وَغَيرهم وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ
الإسكندري عَليّ بن عياد الإسكندري ضرب الْحَافِظ عُنُقه لمدحه ولد الْأَفْضَل لما سجن الْخَلِيفَة وَغلب على الْأَمر وَمن شعره من الْبَسِيط
(والأقحوانة هيفا وَهِي ضاحكة ... عَن وَاضح غير ذِي ظلم وَلَا شنب)
(كَأَنَّهَا شمسة من فضَّة حرست ... خوف الْوُقُوع بمسمار من الذَّهَب)
3 - (عَليّ بن عِيسَى)
الْوَزير الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب وَزِير المقتدر والقاهر كَانَ على الْحَقِيقَة غَنِيا شاكراً صَدُوقًا خيرا صَالحا عَالما من خِيَار الوزراء وَهُوَ كثير الْبر وَالْمَعْرُوف وَالصَّلَاة وَالصِّيَام ويجالس الْعلمَاء توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وزر للمقتدر مرَّتَيْنِ لَهُ كتاب جَامع الدُّعَاء كتاب مَعَاني الْقُرْآن وَتَفْسِيره أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ وَأَبُو بكر بن مُجَاهِد وَكتاب ترسله وَكَانَ يستغل ضيَاعه فِي السّنة سبع مائَة ألف دِينَار وَيخرج مِنْهَا فِي وُجُوه الْبر مائَة ألف دِينَار وَسِتِّينَ ألف دِينَار وَينْفق أَرْبَعِينَ ألف دِينَار على خاصته وَكَانَت غَلَّته عِنْد عطلته وَلُزُوم بَيته نيفاً وَثَمَانِينَ ألف دِينَار ينْفق على نَفسه وخاصته ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَيصرف الْبَاقِي فِي وُجُوه الْبر(21/245)
قَالَ الصولي لَا أعرف أَنه وزر لبني الْعَبَّاس وَزِير يُشبههُ فِي زهده وعفته وَحفظه الْقُرْآن وَعلمه بمعانيه وَكَانَ يَصُوم نَهَاره وَيقوم ليله وَلَا أعلم أنني خاطبت أحدا أعلم مِنْهُ بالشعر وَكَانَ يُوقع بِيَدِهِ فِي جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلما عزل فِي وزارته الثَّانِيَة وَولي ابْن الْفُرَات لم يقنع المحسن بن أبي الْحسن بن الْفُرَات إِلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَن بَغْدَاد فَتوجه إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا مُهَاجرا وَقَالَ فِي نكبته من الطَّوِيل)
(وَمن يَك عني سَائِلًا لشماتة ... لما نالني أَو شامتاً غير سَائل)
(فقد أبرزت مني الخطوب ابْن حرَّة ... صبوراً على أهوال تِلْكَ الزلازل)
(إِذا سر لم يبطر وَلَيْسَ لنكبة ... إِذا نزلت بالخاشع المتضائل)
وَلما حبس كَانَ يلبس ثَوْبه وَيتَوَضَّأ للصَّلَاة وَيقوم ليخرج لصَلَاة الْجُمُعَة فَيردهُ المتوكلون فيرفع يَده إِلَى السَّمَاء وَيَقُول اللَّهُمَّ اشْهَدْ لي أنني أُرِيد طَاعَتك ويمنعني هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ على المقتدر أَن يقف الْعقار بِبَغْدَاد على الْحَرَمَيْنِ والثغور وغلتها ثَلَاثَة عشر ألف دِينَار فِي كل شهر والضياع الموروثة بِالسَّوَادِ وغلتها نَيف وَثَمَانُونَ ألف دِينَار فَفعل ذَلِك وَأشْهد على نَفسه الشُّهُود وأفرد لهَذِهِ الْوُقُوف ديواناً وَسَماهُ الْبر وخدم السُّلْطَان سبعين سنة لم يزل فِيهَا نعْمَة عَن أحد وأحصي لَهُ أَيَّام وزارته نَيف ثَلَاثُونَ ألف توقيع من الْكَلَام السديد وَلم يقتل أحدا وَلَا سعى فِي دَمه وَكَانَ على خَاتمه من المجتث
(لله صنع خَفِي ... فِي كل أَمر يخَاف)
وعزى وَلَدي القَاضِي أبي الْحسن عمر بن أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف قَالَ مُصِيبَة قد وَجب أجرهَا خير من نعْمَة لَا يُؤدى شكرها وَكَانَ يجْرِي على خَمْسَة وَأَرْبَعين إِنْسَان جرايات تكفيهم
الْأَمِير الْكَبِير عَليّ بن عِيسَى بن ماهان الْأَمِير كام من كبار قواد الدولة هُوَ الَّذِي أَشَارَ على الْأمين بخلع الْمَأْمُون وَقتل طَاهِر بن الْحُسَيْن بِظَاهِر الرّيّ فِي حُدُود الْمِائَتَيْنِ(21/246)
ابْن الْقيم عَليّ بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن رَمَضَان بن أبي الْكَرم التغلبي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْكَاتِب الشَّيْخ الرئيس الْفَاضِل المعمر بهاء الدّين أَبُو الْحسن ابْن الشَّيْخ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين نَاظر الْأَوْقَاف وصهر الْوَزير بهاء الدّين ابْن حنا سمع من الْفَخر الْفَارِسِي وَعبد الْعَزِيز بن باقا وسبط السلَفِي وَتفرد مُدَّة عَن الْفَارِسِي وَكَانَ فِيهِ قُوَّة وهمة يركب الْخَيل ويتصرف فِي مَصَالِحه
وَفِيه دين وَخير وتواضع ولطف ولد سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة وَتُوفِّي سنة عشر وَسبع مائَة سمع مِنْهُ الدمياطي والحارثي وَابْن سيد النَّاس وَابْن حبيب وقاضي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ والواني والنور الْهَاشِمِي وَابْن سامة وَابْن المهندس وَالشَّيْخ رَافع وَولده تَقِيّ الدّين)
حضوراً وَابْن الْفَخر وَابْن خلف وَقَرَأَ عَلَيْهِ شمس الدّين الأول من عوالي ابْن عُيَيْنَة للرئيس الثَّقَفِيّ
الكحال عَليّ بن عِيسَى بن عَليّ الكحال كَانَ مَشْهُورا بالحذق فِي صناعَة الْكحل وبكلامه يقْتَدى فِي أمراض الْعين ومداواتها وَكتابه الْمَشْهُور بتذكرة الكحالين هُوَ الَّذِي لَا بُد لكل من عانى الْكحل أَن يحفظه وَقد اقْتصر النَّاس عَلَيْهِ دون غَيره من سَائِر الْكتب الَّتِي ألفت فِي هَذَا الْفَنّ وَكَلَامه فِي أَعمال صناعَة الْكحل أَجود من كَلَامه فِيمَا يتَعَلَّق بالأمور العلمية وَتُوفِّي سنة
وَأَرْبع مائَة
الرماني النَّحْوِيّ عَليّ بن عِيسَى بن عَليّ بن عبد الله أَبُو الْحسن الرماني الْوراق(21/247)
الاخشيذي كَانَ تلميذ ابْن الاخشيذ الْمُتَكَلّم أَو كَانَ على مذْهبه فِي الاعتزال وَله فِي ذَلِك تصانيف مَشْهُورَة وَكَانَ عَلامَة فِي الْعَرَبيَّة وَهُوَ فِي طبقَة أبي عَليّ الْفَارِسِي وَأبي سعيد السيرافي وَكَانَ قد شهد عِنْد أبي مُحَمَّد ابْن مَعْرُوف مولده سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ووفاته سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
وَكَانَ يمزج نَحوه بالْمَنْطق حَتَّى قَالَ الْفَارِسِي إِن كَانَ النَّحْو مَا يَقُوله الرماني فَلَيْسَ مَعنا مِنْهُ شَيْء وَإِن كَانَ مَا نقُوله نَحن فَلَيْسَ مَعَ الرماني مِنْهُ شَيْء وَكَانَ يُقَال النحويون فِي زَمَاننَا ثَلَاثَة وَاحِد لَا يفهم كَلَامه وَهُوَ الرماني وَوَاحِد يفهم بعض كَلَامه وَهُوَ الْفَارِسِي وَوَاحِد يفهم جَمِيع كَلَامه بِلَا أستاذ وَهُوَ السيرافي
وَمن تصانيفه تَفْسِير الْقُرْآن كتاب الْحُدُود الْأَكْبَر كتاب الْحُدُود الْأَصْغَر كتاب مَعَاني الْحُرُوف كتاب شرح الصِّفَات كتاب شرح الموجز لِابْنِ السراج كتاب شرح الْألف وَاللَّام لِابْنِ الْمَازِني كتاب شرح مُخْتَصر الْجرْمِي كتاب إعجاز الْقُرْآن كتاب شرح أصُول ابْن السراج كتاب شرح سِيبَوَيْهٍ كتاب الْمسَائِل المفردة من كتاب سِيبَوَيْهٍ كتاب شرح الْمدْخل للمبرد كتاب التصريف كتاب الهجاء كتاب الايجاز فِي النَّحْو كتاب الِاشْتِقَاق الْأَكْبَر كتاب الِاشْتِقَاق الْأَصْغَر كتاب الألفات فِي الْقُرْآن كتاب شرح المقتضب كتاب شرح مَعَاني الزّجاج وَقيل لَهُ أَن لكل كتاب تَرْجَمَة فَمَا تَرْجَمَة الْقُرْآن فَقَالَ هَذَا بَلَاغ للنَّاس ولينذروا بِهِ)
الربعِي النَّحْوِيّ عَليّ بن عِيسَى بن الْفرج بن صَالح الربعِي الزهيري أَبُو الْحسن أحد أَئِمَّة النَّحْو كَانَ دَقِيق النّظر جيد الْفَهم وَالْقِيَاس توفّي فِي الْمحرم سنة عشْرين وَأَرْبع مائَة أَخذ عَن أبي سعيد السيرافي وَهَاجَر إِلَى شيراز ولازم الْفَارِسِي أَبَا عَليّ عشْرين سنة فَقَالَ لَهُ أَبُو عَليّ مَا بقيت تحْتَاج إِلَى شَيْء وَلَو سرت من الْمشرق إِلَى الْمغرب لم(21/248)
تَجِد أنحا مِنْك فَرجع إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ عَن نَيف وَتِسْعين سنة
كَانَ يرْمى بالجنون مر يَوْمًا بسكران وَجعل يضرط ويشمه وَيَقُول من الوافر(21/249)
(تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار)
وَكَانَ قد شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ فجَاء إِلَيْهِ يَوْمًا أحد بني رضوَان التَّاجِر فنازعه فِي مَسْأَلَة فَقَامَ مغضباً وَأخذ الشَّرْح فَجعله فِي إجانة وصب عَلَيْهِ المَاء وغسله وَجعل يلطم بِهِ الْحِيطَان وَيَقُول لَا أجعَل أَوْلَاد البقالين نحاة
وَكَانَ مبتلى بالكلاب سَأَلَ يَوْمًا أَوْلَاد الأكابر الَّذين يحْضرُون عِنْده أَن يمضوا مَعَه إِلَى كلواذا فظنوا ذَلِك لحَاجَة عرضت لَهُ هُنَاكَ فَرَكبُوا خيولاً وَخَرجُوا وَجعل هُوَ يمشي بَين أَيْديهم فَسَأَلُوهُ الرّكُوب فَأبى عَلَيْهِم فَلَمَّا صَار بخرابها أوقفهم على ثلم وَأخذ كسَاء وعصاً وَمَا زَالَ يعدو إِلَى كلب هُنَاكَ وَالْكَلب يثب عَلَيْهِ تَارَة ويهرب مِنْهُ أُخْرَى حَتَّى أعياه فعاونوه حَتَّى أمسكوه وعض على الْكَلْب بِأَسْنَانِهِ عضاً شَدِيدا وَالْكَلب يستغيث ويزعق فَمَا تَركه حَتَّى اشتفى وَقَالَ هَذَا عضني مُنْذُ أَيَّام وَأُرِيد أُخَالِف قَول الأول من السَّرِيع
(شاتمني كلب بني مسمعٍ ... فصنت عَنهُ النَّفس والعرضا)
(وَلم أجبه لاحتقاري بِهِ ... وَمن يعَض الْكَلْب إِن عضا)
وصنف كتاب شرح الْإِيضَاح للفارسي كتاب شرح مُخْتَصر الْجرْمِي كتاب البديع فِي النَّحْو كتاب شرح الْبلْغَة كتاب مَا جَاءَ فِي الْمَبْنِيّ على فعال كتاب التَّنْبِيه على خطأ ابْن جني فِي فسر شعر المتنبي
إِبْنِ وهاس الْعلوِي اليمني عَليّ بن عِيسَى بن حَمْزَة بن وهاس بن أبي الطّيب يعرف بِابْن وهاس من ولد سُلَيْمَان بن حسن بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب توفّي بِمَكَّة سنة نَيف وَخمسين وَخمْس مائَة وَهُوَ فِي)
عشر الثَّمَانِينَ وَأَصله من الْيمن وَكَانَ شريفاً جَلِيلًا من أهل مَكَّة وشرفائها وَله قريحة فِي النّظم والنثر وَله تصانيف مفيدة قَرَأَ على الزَّمَخْشَرِيّ بِمَكَّة وبرز عَلَيْهِ وصرفت عَنهُ الطّلبَة إِلَيْهِ توفّي فِي أول ولَايَة الْأَمِير عِيسَى بن فليتة وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ مَا جمع الله لنا بَين ولَايَة عِيسَى وَبَقَاء عَليّ بن عِيسَى وَمن شعره من الوافر
(صلي حَبل الْمَلَامَة أَو فبتي ... ولمي من عتابك أَو أشتي)
(هِيَ الأنضاء عَزمَة ذِي هموم ... فحسبك والملام وَلَا هبلت)
(إِلَيْك فلست مِمَّن يطبيه ... ملام أَو يريع إِذا أهبت)
(حَلَفت بهَا تواهق كالحنايا ... بقايا أَصبَحت كثمال قلت)
(سواهُم كالجنايا زاحرات ... تراكع من وجاً ودباً وعنت)
(جوازع بطن نَخْلَة عابرات ... تؤم الْبَيْت من خمس وست)
(أَزَال أذيب أنضاء طلاحاً ... بِكُل ملمع القفرات مرت)
(وأرغب عَن مَحل فِيهِ أضحت ... حبال الْمجد تضعف عِنْد متي)
النقاش الْبَغْدَادِيّ الطَّبِيب عَليّ بن عِيسَى بن هبة الله أَبُو الْحسن النقاش سمع من هبة الله بن الْحصين حضوراً سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مائَة وَقَرَأَ الطبيعيات واشتغل بهَا واشتهر عَنهُ التهاون بِأُمُور الشَّرْع ومداومة شرب الْخمر وَنقل عَنهُ إِلَى الصاحب الْوَزير ابْن هُبَيْرَة أَنه تكلم فِي الْقُرْآن بِمَا لَا يجوز فأهدر دَمه فَخرج من بَغْدَاد وَسكن دمشق إِلَى أَن توفّي بهَا سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة
واتصل بِنور الدّين الشَّهِيد وَقدم رَسُولا إِلَى بَغْدَاد سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَحدث بهَا عَن أَبِيه وَابْن الْحصين كَذَا قَالَ محب الدّين ابْن النجار انْتَهَت قلت وَأَظنهُ مهذب الدّين ابْن النقاش الطَّبِيب الأديب صَاحب أَمِين الدولة ابْن التلميذ طب بِدِمَشْق وَرَأس بهَا واشتهر ذكره
وخدم نور الدّين بالطب والإنشاء وباشر فِي مارستانه ثمَّ خدم صَلَاح الدّين وأوقعه الله فِي لِسَان الوهراني وَفِيه وضع الْمَنَام الْمَشْهُور عَنهُ وَقد مر طرف فِي تَرْجَمَة الوهراني
وَتُوفِّي مهذب الدّين سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة وَمن شعره من المتقارب
(رزقت يساراً فوافيت من ... قدرت بِهِ حِين لم يرْزق)
)
(وأتلفت من بعده فاعتذرت ... إِلَيْهِ اعتذار أَخ مملق)
(وَإِن كَانَ يشْكر فِيمَا مضى ... بذا فسيعذر فِيمَا بَقِي)
وَمن شعر النقاش من الْكَامِل المجزوء كَيفَ السلو وَقد تملك مهجتي من غير أَمْرِي(21/250)
قمر ترَاهُ إِذا استسر كَمثل أَرْبَعَة وَعشر يرنو بنجلاوين يسقم من سقامهما ويبري
(وَإِذا تَبَسم فِي دجى ... ليل شهِدت لَهُ بفجر)
قلت شعر جيد عماد الدّين القيمري عَليّ بن عِيسَى بن عَليّ بن يُوسُف الْأَمِير عماد الدّين ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْأَمِير سيف الدّين أبي الْحسن ابْن الْأَمِير أَسد الدّين ابْن أبي الفوارس القيمري الْكرْدِي ابْن صَاحب قلعة قيمر بَطل الْخدمَة وَأقَام بِالْجَبَلِ مُدَّة وَتُوفِّي بالنيرب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست مائَة وَدفن بتربة جده سيف الدّين تجاه مارستانه بِالْجَبَلِ وقلعة قيمر بِقرب اسعرد
بهاء الدّين الإربلي الْكَاتِب عَليّ بن عِيسَى بن عِيسَى الصاحب بهاء الدّين ابْن الْأَمِير فَخر الدّين ابْن أبي الْفَتْح الإربلي المنشيء الْكَاتِب البارع لَهُ شعر وَترسل كَانَ رَئِيسا كتب لمتولي إربل ابْن صلايا ثمَّ خدم بِبَغْدَاد فِي ديوَان الْإِنْشَاء أَيَّام عَلَاء الدّين صَاحب الدِّيوَان ثمَّ إِنَّه فتر سوقه فِي دولة الْيَهُود ثمَّ تراجع بعدهمْ وَسلم وَلم ينكب إِلَى أَن مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست مائَة وَكَانَ صَاحب تجمل وحشمة وَمَكَارِم وَفِيه تشيع وَكَانَ أَبوهُ والياً بإربل وَقد أفرد لَهُ الْعِزّ الإربلي تَرْجَمَة فِي جُزْء كَبِير ولبهاء الدّين مصنفات أدبية مثل المقامات الْأَرْبَع ورسالة الطيف الْمَشْهُورَة وَغَيرهمَا وَخلف تَرِكَة عَظِيمَة بِنَحْوِ الْألف ألف دِرْهَم تسلمها ابْنه أَبُو الْفَتْح ومحقها وَمَات صعلوكاً بإربل
الْكَاتِب عَليّ بن عِيسَى بن يزدانبروذ تَأتي تَرْجَمَة عِيسَى أَبِيه فِي مَكَانهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى تصرف بعد موت وَالِده فِي الْأَعْمَال وَلم تزل حَاله تترقى وتزداد إِلَى أَن اتَّصل بإسحق بن إِبْرَاهِيم)
الظَّاهِرِيّ وَكتب لَهُ وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَيَّام المتَوَكل وَإِلَيْهِ السوَاد يدبره ويعمله وَهُوَ يُزَاد نمواً وارتفاعاً إِلَى أَن توفّي إِسْحَق واستخلف مُحَمَّدًا ابْنه فعادى عَليّ بن عِيسَى وَأخذ فِي إغراء المتَوَكل بِهِ ثمَّ توفّي مُحَمَّد بن إِسْحَق فَطلب المتَوَكل من عَليّ مَالا كثيرا فَامْتنعَ عَلَيْهِ
وَلم يزل ينزله فِيمَا التمسه مِنْهُ حَتَّى صير ذَلِك مائَة ألف دِينَار(21/251)
فخلف أَنه مَا ملك ثلثهَا قطّ وأصر على الِامْتِنَاع فنكبه واستصفى مَاله وَأخذ مِنْهُ أَضْعَاف مَا التمسه
القَاضِي الْفَزارِيّ الْكُوفِي عَليّ بن غراب القَاضِي أَبُو الْحسن وَقيل أَبُو الْوَلِيد الْفَزارِيّ الْكُوفِي روى عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد والأحوص بن حَكِيم وَهِشَام بن عُرْوَة وَعمر مولى عفرَة وروى عَنهُ أَحْمد وَزِيَاد بن أَيُّوب وَالْحُسَيْن بن الْحسن الْمروزِي وَمُحَمّد بن عبد الله بن عمار وَجَمَاعَة قَالَ ابْن معِين صَدُوق وَضَعفه أَبُو دَاوُد توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى عَنهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة
الْمَالِكِي الْمصْرِيّ عَليّ بن غَنَائِم بن عمر بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ الْخرقِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي الْمصْرِيّ
سمع بِمصْر أَبَا الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن النحاسة وَمُحَمّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء وصلَة بن المؤمل بن خلف البغداذي وَجَمَاعَة بِمَكَّة وبغداد وَقدم بَغْدَاد وَأقَام بهَا وَحدث عَن عَامَّة شُيُوخه وَكَانَ من الصَّالِحين توفّي سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مائَة
إِبْنِ ريشا عَليّ بن أبي الْفرج بن أبي الْفَتْح أَبُو الْحسن القسام الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن ريشا كَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ يحضر حلقات الحَدِيث فِي كل جُمُعَة من صباه إِلَى آخر عمره قَالَ محب الدّين ابْن النجار سمع مَعنا كثيرا وَكَانَ صَالحا متديناً كثير الْعِبَادَة سليم الْجَانِب سَاكِنا توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة
الفرزدقي الْمُجَاشِعِي عَليّ بن فضال بن عَليّ بن غَالب بن جَابر بن(21/252)
عبد الرَّحْمَن يَنْتَهِي إِلَى مجاشع ابْن دارم أَبُو الْحسن الْمُجَاشِعِي القيرواني النَّحْوِيّ كَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة والنحو وَالتَّفْسِير وَله نظم ومصنفات سَافر مَا بَين الْعرَاق وخراسان وَدخل غزنة وَأقَام بهَا مُدَّة وصادف قبولاً بهَا وصنف عدَّة مصنفات بأسماء أكابرها ثمَّ عَاد إِلَى الْعرَاق واتصل بالوزير نظام الْملك وَتُوفِّي)
بِبَغْدَاد سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَحدث بِبَغْدَاد عَن شُيُوخه بالغرب وَكَانَ يعرف بالفرزدقي القيرواني
قَالَ هبة الله السَّقطِي كتبت عَن ابْن فضال أَحَادِيث وعرضتها على عبد الله بن سَبْعُونَ القيرواني وَقَالَ أسانيدها مركبة على متون مَوْضُوعَة وَاجْتمعَ بِهِ ابْن سَبْعُونَ فِي جمَاعَة من الْمُحدثين وأنكروا عَلَيْهِ فَقَالَ وهمت فِيهَا وَمن تصانيفه كتاب التَّفْسِير الْكَبِير الَّذِي سَمَّاهُ الْبُرْهَان العميدي فِي عشْرين مجلدة كتاب النكت فِي الْقُرْآن كتاب شرح بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي مجلدة كَبِيرَة كتاب إكسير الْمَذْهَب فِي صناعَة الْأَدَب فِي النَّحْو خمس مجلدات كتاب العوامل والهوامل فِي الْحُرُوف خَاصَّة كتاب الْفُصُول فِي معرفَة الْأُصُول كتاب الْإِشَارَة فِي تَحْسِين الْعبارَة كتاب شرح عنوان الْإِعْرَاب كتاب المذمة فِي النَّحْو كتاب الْعرُوض كتاب شرح مَعَاني الْحُرُوف كتاب الدول فِي التَّارِيخ قَالَ ياقوت رَأَيْت فِي الْوَقْف السلجوقي بِبَغْدَاد مِنْهُ ثَلَاثِينَ مجلداً ويعوزه شَيْء آخر كتاب شَجَرَة الذَّهَب فِي معرفَة أَئِمَّة الْأَدَب وَقيل إِنَّه صنف كتابا فِي تَفْسِير الْقُرْآن فِي خَمْسَة وَثَلَاثِينَ مجلداً سَمَّاهُ كتاب الإكسير فِي علم التَّفْسِير وَكتاب معارف الْأَدَب نَحْو ثَمَانِيَة مجلدات وَله غير ذَلِك وَمن شعره من السَّرِيع
(لَا عذر للصب إِذا لم يكن ... يخلع فِي ذَاك العذار العذار)(21/253)
(كَأَنَّهُ فِي خَدّه إِذا بدا ... ليل تبدى طالعاً فِي نَهَار)
(تخاله جنح ظلام وَقد ... صَاح بِهِ ضوء صباح فحار)
وَمِنْه من السَّرِيع(21/254)
(كَأَن برهام وَقد عارضت ... فِيهِ الثريا نظر المبصر)
(ياقوته يعرضهَا بَائِع ... فِي كَفه وَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِي)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(خُذ الْعلم عَن رَاوِيه واجتلب الْهدى ... وَإِن كنت رَاوِيه أَخا عمل زاري)
(فَإِن رُوَاة الْعلم كالنخل يَانِع ... كل التَّمْر مِنْهُ واترك الْعود للنار)
وَمِنْه من المتقارب
(أحب النَّبِي وَأَصْحَابه ... وَأبْغض مبغض أَزوَاجه)
)
(وَمهما ذهبتم إِلَى مَذْهَب ... فَمَا لي سوى قصد منهاجه)
وَمِنْه من السَّرِيع
(وَالله إِن الله رب الْعباد ... وخالص النِّيَّة والاعتقاد)
(مَا زادني صدك إِلَّا هوى ... وَسُوء أفعالك إِلَّا وداد)
(وإنني مِنْك لفي لوعة ... أقل مَا فِيهَا يذيب الجماد)
(فَكُن كَمَا شِئْت فَأَنت المنى ... واحكم بِمَا شِئْت فَأَنت المُرَاد)
(وَمَا عَسى تبلغه طاقتي ... وَإِنَّمَا بَين ضلوعي فؤاد)
وَقَالَ من الْكَامِل
(مَا هَذِه الْألف الَّتِي قد زدتم ... فدعوتم الخوان بالإخوان)
وَزَاد على ذَلِك الْحَافِظ شمس الدّين عبد الرَّحِيم بن وهبان من الْكَامِل
(مَا صَحَّ لي أحد فأجعله أَخا ... فِي الله مَحْضا أَو فَفِي الشَّيْطَان)
(إِمَّا مول عَن ودادي مَا لَهُ ... وَجه وَإِمَّا من لَهُ وَجْهَان)
وَدخل ابْن ناقياء دَار الْعلم بِبَغْدَاد فَوجدَ ابْن فضال يدرس النَّحْو فَقَالَ وَلَكِن يَوْمًا بَارِدًا من السَّرِيع
(الْيَوْم يَوْم قارس بَارِد ... كَأَنَّهُ نَحْو ابْن فضال)
(لَا تقربُوا النَّحْو وَلَا شعره ... فيعتري الفالج فِي الْحَال)
المغربي عَليّ بن فضال بن عَليّ أَبُو الْحسن المغربي القيرواني توفّي رَحمَه الله فِي شهر ربيع الأول سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة بغزنة وَمن شعره من السَّرِيع
(إِن تلقك الغربة فِي معشر ... قد أَجمعُوا فِيك على بغضهم)
(فدارهم مَا دمت فِي دَارهم ... وأرضهم مَا دمت فِي أَرضهم)
وَمِنْه من السَّرِيع
(كَأَن بهْرَام وَقد عارضت ... فِيهِ الثريا نظر المبصر)
(ياقوته يعرضهَا بَائِع ... فِي كَفه وَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِي)
3 - (عَليّ بن الْفضل)
الْمُزنِيّ النَّحْوِيّ عَليّ بن الْفضل أَبُو الْحسن الْمُزنِيّ النَّحْوِيّ صنف فِي علم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتابا سَمَّاهُ الْبَسْمَلَة يَقع فِي ثَلَاث مائَة ورقة وَله فِي النَّحْو والتصريف مصنفات لَطِيفَة نافعة وَقد روى عَن إِسْحَق بن مُسلم عَم أبي سعيد الضَّرِير كَانَ ابْن جرير يحثه أبدا على قصد الْعرَاق علما مِنْهُ لَو دخل بَغْدَاد لقبل فَوق قبُول غَيره وَكَانَ أستاذاً مقدما
الستوري السامري عَليّ بن الْفضل بن إِدْرِيس الستوري أَبُو الْحسن السامري توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة حدث بِأَحَادِيث يسيرَة عَن الْحسن بن عَرَفَة وروى عَنهُ يُوسُف القواس وَابْن حسنون النَّرْسِي وَالْحُسَيْن بن برهَان وروى ابْن البن عَن جده عَن أبي الْعَلَاء عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الروزبهان بِبَغْدَاد جُزْء ابْن عَرَفَة عَنهُ
الْمَكِّيّ الزَّاهِد عَليّ بن الفضيل بن عِيَاض التَّمِيمِي الْمَكِّيّ الزَّاهِد سمع قَارِئًا(21/255)
يَتْلُو وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار فَقَالُوا يَا ليتنا نرد فشهق وَسقط مَيتا فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَمِائَة وَله أَخْبَار كَثِيرَة فِي الغشي عِنْد التِّلَاوَة وَتُوفِّي فِي حَيَاة أَبِيه وروى عَن معَاذ بن مَنْصُور وَعبد الْعَزِيز بن أبي رواد وروى عَنهُ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس وروى لَهُ النَّسَائِيّ
ابْن مَحْفُوظ الْحلَبِي عَليّ بن الْفضل بن يُوسُف بن مَحْفُوظ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْحلَبِي الشَّاعِر عمر سبعين سنة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وست مائَة وَمن شعره من الْكَامِل
(قد طَابَ فِيك تهتكي وجنوني ... وسمحت فِيك بعبرتي وجفوني)
(وكففت إِلَّا فِي جفاك مدامعي ... وسترت إِلَّا فِي هَوَاك شجوني)
(ولبست فِيك السقم حَتَّى لم يكن ... يهدي إِلَيّ الطيف غير أنيني)
(فهواك أول مَا عرفت من الْهوى ... فِيهِ لبست ملابس المحزون)
(عَيْني بَقِيَّة مهجة أفنيتها ... أسفا يقطعهَا عَلَيْك حنيني)
(وَلَقَد صبرت على جفاك وَإِنَّمَا ... فاضت على صبري بحار شؤوني)
)
الْخُزَاعِيّ الْكُوفِي عَليّ بن قادم أَبُو الْحسن الْخُزَاعِيّ الْكُوفِي روى عَن سعيد بن أبي عرُوبَة وَفطر بن خَليفَة ومسعر بن كدام وسُفْيَان وَشعْبَة وأسباط بن نصر وَجَمَاعَة وَعنهُ أَحْمد بن الْفُرَات وَأحمد بن عبد الحميد الْحَارِثِيّ وَأحمد بن حَازِم الْغِفَارِيّ وَأحمد بن ميثم بن أبي نعيم وَأحمد بن يحيى الصُّوفِي وعباس الدوري وَأَبُو أُميَّة الطرسوسي وَيَعْقُوب الْفَسَوِي وَطَائِفَة قَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَقَالَ ابْن معِين صعيف وَقَالَ مطين مَاتَ سنة اثْنَتَيْ عشرةَ وَمِائَتَيْنِ وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
3 - (عَليّ بن الْقَاسِم)
القسنطيني الْأَشْعَرِيّ عَليّ بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد التَّمِيمِي أَبُو الْحسن القسنطيني الْأَشْعَرِيّ المغربي دخل بَغْدَاد وَقَرَأَ بهَا الْكَلَام على مُحَمَّد بن أبي بكر القيرواني حَتَّى برع وَلم يكن لَهُ عناية بِالْحَدِيثِ وَكَانَ أديباً وروى عَنهُ السلَفِي فِي مُعْجَمه شَيْئا من شعره وَقدم(21/256)
دمشق وَسمع مِنْهَا صَحِيح البُخَارِيّ من الْفَقِيه نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي وأكرمه رَئِيس دمشق أَبُو الذواد المفرج ابْن الصُّوفِي وَكَانَ يذكر عَنهُ أَنه كَانَ يعْمل كيمياء الْفضة توفّي سنة تسع وَخمْس مائَة وَله كتاب سَمَّاهُ تَنْزِيه الإلهية وكشف فضائح المشبهة الحشوية وَمن شعره من الطَّوِيل
(رحلت بروحي يَوْم وليت راحلاً ... وخلفت أحشائي عَلَيْك تقطع)
(فو الله مَا فَارَقت بعْدك حسرة ... وَلَا جف لي من بعد نأيك مدمع)
القاساني الْكَاتِب عَليّ بن الْقَاسِم القاساني الْكَاتِب أَبُو الْحسن ذكره الثعالبي وَأثْنى عَلَيْهِ وعده من الْكتاب الْمُتَقَدِّمين فِي البراعة وَمن شعره من الطَّوِيل
(وَإِنِّي وَإِن أقصرت من غير بغضة ... لراع لأسباب الْمَوَدَّة حَافظ)
(وَمَا زَالَ يدعوني إِلَى الصد مَا أرى ... فآبى وتثنني إِلَيْك الْحَافِظ)
(وأنتظر العتبى وأغضي على القذى ... ألاين طوراً فِي الْهوى وأغالظ)
وَبَينه وَبَين الصاحب بن عباد مُرَاجعَة فِي قصيدة قافية
السنجاني)
عَليّ بن الْقَاسِم السنجاني سنجان قَصَبَة خواف ذكره الباخرزي فِي الدمية وَهُوَ مُخْتَصر كتاب الْعين من شعره يرثي نَفسه من الْبَسِيط
(دبت إِلَيّ بَنَات الأَرْض مسرعةً ... حَتَّى تمشين فِي قلبِي وَفِي كَبِدِي)
(وَالْعين مني فويق الخد سَائِلَة ... وطالما كنت أحميها من الرمد)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(خليلي قوما فاحملا لي رِسَالَة ... وقولا لدنيانا الَّتِي تتصنع)
(عرفناك يَا خداعة الْخلق فاغربي ... أَلسنا نرى مَا تصنعين ونسمع)
(فَلَا تتحلي للعيون بزينة ... فَإنَّا مَتى مَا تسفري نتقنع)
(نغطي بِثَوْب الْيَأْس مِنْك عيوننا ... إِذا لَاحَ يَوْمًا من مخازيك مطمع)
(وَهل أَنْت إِلَّا مُتْعَة مستعارة ... وَهل طَابَ يَوْمًا بالعواري تمتّع)(21/257)
(رتعنا وجلنا فِي مراعيك كلهَا ... فَلم يهننا مِمَّا رعيناه مرتع)
(فَأَنت خلوب كالغمامة كلما ... رجاها مرجي الْغَيْث ظلت تقشع)
(طُلُوع قبوع كالمغازلة الَّتِي ... تطلع أَحْيَانًا وحيناً تقبع)
قلت شعر متوسط مائل إِلَى النُّزُول مَعَ لحن فِيهِ
الذَّهَبِيّ الْحلَبِي الشَّاعِر عَليّ بن الْقَاسِم بن مَسْعُود أَبُو الْحسن الذَّهَبِيّ الْحلَبِي الشَّاعِر توفّي سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وَله ثَلَاثُونَ سنة كتبُوا عَمه من شعره وَمن شعره قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الْحَنَفِيّ عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم ابْن الْمدرس صفي الدّين البصروي الْحَنَفِيّ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة بقلعة صرخد وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة تفقه على وَالِده وَقدم دمشق ولازم القَاضِي ابْن عَطاء وبرع فِي الْمَذْهَب وَتزَوج بِأمة شَيْخه ابْن عَطاء ودرس فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأفْتى وَسمع الصَّحِيح من ابْن عبد الدَّائِم وَغير ذَلِك وَكَانَ بَصيرًا بمذهبه مليح الشكل حسن الشارة حُلْو المذاكرة
وَكَانَ قد سمع من صفي الدّين إِسْمَاعِيل الدرجي وَحج غَيره مرّة وَكَانَ كثير الْأَمْلَاك أوصى بِثُلثِهِ فِي الْبر تولى قَضَاء دمشق نَحوا من عشْرين سنة وحمدت سيرته سمع مِنْهُ الشَّيْخ)
شمس الدّين وَالْجَمَاعَة فِي بستانه بِنَاحِيَة سطرا وَدفن بسفح قاسيون
ابْن يونش النَّحْوِيّ عَليّ بن الْقَاسِم بن يونش بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَبعد الْوَاو نون وشين مُعْجمَة أَبُو الْحسن ابْن الزقاق الإشبيلي النَّحْوِيّ نزيل الجزيرة خطب بِرَأْس عين الخابور مُدَّة وَسكن دمشق وَشرح الْجمل فِي أَربع مجلدات وَألف مُفْرَدَات الْقُرْآن وَكَانَ أَبوهُ من كبار الْقُرَّاء توفّي سنة خمس وست مائَة
عماد الدّين ابْن عَسَاكِر عَليّ بن الْقَاسِم بن عَليّ هُوَ الْمُحدث الْحَافِظ عماد(21/258)
الدّين أَبُو الْقَاسِم ابْن الْمُحدث بهاء الدّين ابْن الْحَافِظ الْكَبِير أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر ولد فِي شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة سِتّ عشرَة وست مائَة وَكَانَ مُجْتَهدا فَاضلا ذكياً أدْركهُ أَجله فِي بَغْدَاد بعد عوده من خُرَاسَان
الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن قراسنقر الْأَمِير عَلَاء الدّين بن الْأَمِير الدّين لم يزل مُقيما بالديار المصرية على إمرته إِلَى أَن جَاءَ الْخَبَر بوفاة وَالِده فِي الْبِلَاد الشرقية فَأخْرجهُ السُّلْطَان حِينَئِذٍ إِلَى دمشق
فجَاء إِلَيْهَا وَأقَام بهَا أَمِيرا فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين تنكز يُحِبهُ ويقربه ويؤثره وَلما توجه الْأَمِير سيف الدّين تمر الساقي إِلَى مصر فِي نوبَة الفخري أَو لما أَنه مَاتَ أَخذ الْأَمِير عَلَاء الدّين تقدمته فَكَانَ مقدم ألف إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله عَشِيَّة الْأَحَد ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَكَانَ هشاً بشاً فِيهِ ود يحضر الْعُقُود والمحافل للمتعممين وَغَيرهم ويجمل النَّاس وَهُوَ وَالِد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أحد أُمَرَاء الطبلخانات بِدِمَشْق
الصَّالح بن قلاوون عَليّ بن قلاوون الْملك الصَّالح ابْن الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي وأخو الْملك الْأَشْرَف وأخو الْملك النَّاصِر تقدم ذكر أَخَوَيْهِ وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْقَاف عهد إِلَيْهِ وَالِده وخطب لَهُ ذَلِك فَأَدْرَكته الْمنية وَهُوَ شَاب وَكَانَ عَاقِلا مليح الْكِتَابَة توفّي فِي شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وست مائَة بعد أَخِيه غَازِيَة خاتون زوج الْملك السعيد ابْن)
الْملك الظَّاهِر بِشَهْر ودفنا عِنْد أمهما فِي تربة بَين مصر والقاهرة فِي حَيَاة أَبِيه وَخلف ابْنه مُوسَى وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَكَانَهُ من حرف الْمِيم وَولي الْعَهْد بعده أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف وَكَانَ الصَّالح ذَا همة عالية وَنَفس كَبِيرَة يُخَالف أَبَاهُ وينكر عَلَيْهِ أُمُوره
وَكتب القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر فِي مَوته عدَّة كتب رَأَيْتهَا بِخَطِّهِ ونقلتها مِنْهَا بِعِلْمِهِ أَن قَضَاء الله لَا يردهُ ذُو سُلْطَان بحوله وَلَا حيله وَلَا بمماليكه وَلَا بخوله وَلَا بكنوزه وَلَا بأمواله وَلَا بجيوشه وَلَا بِرِجَالِهِ وَكَانَ من قَضَاء الله أَن ولدنَا الْملك الصَّالح اخْتَار(21/259)
الله لَهُ مَا عِنْده فنقله إِلَى جواره سعيدا وَقرب لَهُ من الْأَجَل مَا كُنَّا نرَاهُ بَعيدا ورزقنا صبرا سلمنَا فِيهِ لأَمره طائعين وأذعنا لمقدوره سَامِعين وَمَا كَانَت إِلَّا مُصِيبَة آجرنا الله فِيهَا ونازلة أعَان الله صَبرنَا على تلقيها وبحمد الله تَعَالَى مَا وَهِي ملك نَحن رُكْنه الشَّديد وَلَا هِيَ صير ترمق كَيفَ نبدي بالتثبيت ونعيد وَالشَّمْس طالعة إِن غيب وَإِذا بَقِي الأَصْل وَذَوي غُصْن من أغصانه لم يَنْقَطِع الزهر وَلَا الثَّمر
وَمن آخر وَالْيَد الَّتِي تصافحها الْأَيْدِي بِالطَّاعَةِ هِيَ يدنا وَالْخَلَائِق لَهَا تصافيح وَمَا كُنَّا لنختار طالح التفجع على الْأجر فِيهِ فنبيع الصَّالح بالطالح وبحمد الله حزنا بِالصبرِ المثوبة الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة وَكَانَ من غرضنا أَن نجعله فِي الدُّنْيَا فَجعله الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَمن آخر أَيْضا وَكَانَ من الْأَمر الفادح وَالْقدر الَّذِي فِي زناد الْقُلُوب أعظم قَادِح متجدد أقرح القرائح وجرح الْجَوَارِح وَخيَّب الأمل الَّذِي كَانَ يَقُول هَذَا على الْحَقِيقَة الْملك الصَّالح وَقَالَ أَيْضا من الْخَفِيف قيل حزن السُّلْطَان ينسيه مُوسَى ابْنه قلت حزنه لَيْسَ ينسى
(كل قلب بِهِ جريح فَقولُوا ... بمُوسَى رَأَيْتُمْ الْجرْح يؤسى)
وَقَالَ أَيْضا قصيدة من الْبَسِيط
(الْيَوْم آخر تأميلي وتأميني ... وَأول الثكل للدنيا وللدين)
(وَأقرب الْأَمر من هم وَمن حزن ... وَأبْعد الْعَهْد من صَبر وتسكين)
(مَاتَ الَّذِي كنت أَرْجُو أَن يعِيش وَأَن ... يُبَارك الله فِي عمري ويبقيني)
(آهاً لَهَا حسرة واست بحسرتها ... أَسد العرين وداست كل عرنين)
(قد أصبح الْملك مشلول الْيَمين بهَا ... وليت لَا صوفحت بالحين فِي الْحِين)
)
وَمن أمداح السراج الْوراق فِيهِ من الطَّوِيل
(لقد عف فِي سُلْطَانه وجماله ... فَللَّه ملك فيهمَا قد تعففا)
(وَمَا صده شرخ الشَّبَاب عَن التقى ... وَلَا هز مِنْهُ اللَّهْو حاشاه معطفا)
(وَلَا مَال للدنيا بعصمة عافر ... وَكم أبدت الدُّنْيَا لعينيه زخرفا)
(نجا من تجافيها عَليّ بيمنه ... فسدد فِي ذَات الْإِلَه وأخلفا)
(وَعرف خيرا كَانَ مِنْهَا مُنْكرا ... ونكر شَيْئا كَانَ مِنْهَا مُعَرفا)
(وَأغْرب فِي تصنيف أَفعاله الَّتِي ... روينَا بهَا عَنهُ الْغَرِيب المصنفا)(21/260)
الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قليج الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين صَاحب الْمدرسَة القليجية بداخل دمشق إِلَى دَار الْفُلُوس وَكَانَ أَبوهُ من الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة الحلبية عمل سيف الدّين نِيَابَة دمشق وَكَانَت مدرسته دَار خَالِد بن الْوَلِيد توفّي بِدِمَشْق فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة وَدفن بداره دَار الْفُلُوس وَكَانَ أَبوهُ يلقب غرس الدّين روى عَنهُ القوصي فِي مُعْجَمه وَله وضع الْمَجْمُوع الَّذِي سَمَّاهُ الرَّوْض البهيج وَالْعرْف الأريج المخدوم بِهِ الْأَمِير سيف الدّين ابْن قليج
وَكَانَ يعرف أَشْيَاء ويحفظ شعرًا كثيرا ويورده
نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ رشيد الدّين عمر بن إِسْمَاعِيل الفارقي فِي الْأَمِير سيف الدّين ابْن قليج وَقد سكن بدار أُسَامَة من الْخَفِيف
(لَاحَ ثغر الْعَلَاء يبسم إِذا وَا ... فى عَليّ فَلَا عدمنا ابتسامه)
(واغتدا بشره بشيرا وَقد أق ... سم وَالْعين صدقت أقسامه)
(إِن هَذَا الْأَمِير لَيْث عرين ... وسم الله وَجهه بالوسامه)
قاطن فِي مَوَاطِن الْأسد لَا يَنْفَكّ عَنْهَا فِي رحْلَة أَو إقامه فَهُوَ إِن غَابَ الأسل السمر وَإِن حل حل دَار أسَامَه ابْن السكزي عَليّ بن قيران عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الكركي السكزي بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْكَاف وَالزَّاي الدِّمَشْقِي الجندي ثمَّ الصُّوفِي نزيل الْقَاهِرَة سمع الْكثير سنة سبع عشرَة فِي الكهولة وَأخذ عَن جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن الزبيدِيّ وَحدث وَنسخ قَلِيلا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سمع معي)
قلت ولد سنة ثَمَان وَخمسين وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يكْتب أَسمَاء السامعين فِي الميعاد وَكَانَ مخلاً رَحمَه الله تَعَالَى
الْمعَافِرِي الْكَاتِب عَليّ بن لب بن عَليّ بن شلبون أَبُو الْحسن الْمعَافِرِي البلنسي كتب لولاه بلنسية ثمَّ وزر لمُحَمد بن يُوسُف بن هود فِي أول ثورته بمرسية سنة خمس وَعشْرين وست مائَة وَكَانَ من الأدباء النجباء وَتُوفِّي بمراكش سنة تسع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل
(أوجهك والألفاظ وَالْقد والردف ... أم الْبَدْر واليعفور والغصن والحقف)
(ورياك سد الْخَافِقين أريجها ... أم الْمسك من دارين نم لَهُ عرف)(21/261)
وَالْقَصِيدَة طَوِيلَة مِنْهَا من الطَّوِيل
(خليلي فِيمَا عشتما هَل سمعتما ... بليث عرين طل يَسْطُو بِهِ الْخَسْف)
(ويصمي بِسَهْم الْحبّ حَبَّة قلبه ... وللصعدة الصماء فِي زوره نصف)
(عدلت بحبي نَحْوهَا وصرفته ... فَلم يَك لي عدل لَدَيْهَا وَلَا صرف)
(وصدت بأيامي وَكَانَت بوجهها ... حوالك تحكيها ذوائبها الوجف)
(وَيَا رب ليل بت فِيهِ ضجيعها ... إِلَى أَن بدا من برق أَصْحَابه خطف)
(تنيل كَمَا أَهْوى وأسأل ملحفاً ... وَتشهد بالتقوى لَهَا الأزر واللحف)
(أساقطها در الحَدِيث وشذره ... فَهَذَا لَهَا عقد وَهَذَا لَهُ شنف)
(ويكذب مَا ظنوه أَنِّي من الأولى ... إِذا مَا خلوا عفوا وَإِن قدرُوا كفوا)
(وَنَفس علت طور التصابي وهمه ... تسامي مناطق النيرات لَهَا أنف)
(أعاف وُرُود المَاء غصان صادياً ... إِذا كَانَ من شرب الدنية لَا يصفو)
(وأرضى بمرعى الجدب أحميه عزة ... وأهجر روض الخصب يألفه الْخَسْف)
(وَإِن عتادي من تلادي وطارفي ... لنيل مدى الآمال ذُو ميعة طرف)
(وخطيه عسالة ومهند ... طرير عراراه وسابغة زغف)
(وَحط من الزلفى لَدَى السَّيِّد الَّذِي ... مآثر سَادَات الإِمَام بِهِ تَعْفُو)
3 - (عَليّ بن الْمُبَارك)
الْبكْرِيّ الْكَاتِب عَليّ بن الْمُبَارك بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن ابْن أبي الْفَتْح الْبَغْدَادِيّ من أَوْلَاد المحدثيتن كتب فِي ديوَان الْمجْلس مُدَّة وعزل وَكَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا وَكَانَ طبقَة فِي الشطرنج وَكَانَ جده من ديار بكر سمع من مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن الْمهْدي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمُهْتَدي وَأبي الْقَاسِم هبة الله بن الْحصين وَغَيرهم ولد سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل(21/262)
(أومت إِلَى عشاقها بيد ... نقش الخضاب بكفها حلك)
(لَا غرو إِن صَاد الْقُلُوب لَهَا ... نقش الخضاب فَإِنَّهُ شَبكَ)
وَمِنْه فِيمَا يكْتب على قَوس البندق من الرمل المجزوء
(أَنا فِي الْكَفّ هِلَال ... وعَلى الطير هَلَاك)
(حركاتي تتْرك الطير ... وَمَا فِيهِ حراك)
وَمِنْه من الوافر
(نظرت إِلَى جوَار سافرات ... حللن بروضة مثل البدور)
(فقابلن الشقائق والأقاحي ... بتوريد الخدود وبالثغور)
وَمِنْه من المجتث
(يَا من فُؤَادِي فِيهَا ... متيما لَا يزَال)
(إِن كَانَ لِليْل بدر ... فَأَنت للصبح خَال)
الْهنائِي الْبَصْرِيّ عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَتُوفِّي فِي حُدُود السِّتين وَالْمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
الْأَحْمَر النَّحْوِيّ عَليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر شيخ الْعَرَبيَّة وتلميذ الْكسَائي أدب الْأمين بِتَعْيِين الْكسَائي لَهُ وَهُوَ الَّذِي نَاظر سِيبَوَيْهٍ بِحَضْرَة يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي توفّي فِي حُدُود الْمِائَتَيْنِ
تَقِيّ الدّين ابْن باسويه الْمَقْدِسِي)
عَليّ بن الْمُبَارك بن الْحسن بن أَحْمد بن(21/263)
إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ البرجوني الْفَقِيه الْمُقْرِئ تَقِيّ الدّين ابْن باسويه وَهُوَ لقب لِأَحْمَد قَرَأَ بالعشر على أبي الْحسن عَليّ بن المظفر الْخَطِيب وَأبي بكر بن مَنْصُور الباقلاني وَسمع جمَاعَة وَقدم دمشق وسكنها وأقرأ بهَا وَحدث وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وست مائَة
ابْن الزاهدة النَّحْوِيّ عَليّ بن الْمُبَارك بن عَليّ بن الْمُبَارك بن عبد الْبَاقِي بن بانويه أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الزاهدة وَكَانَ اسْمهَا أمة السَّلَام وَكَانَت واعظة وَلها رِبَاط يخْتَص بهَا قَرَأَ على الشريف أبي السعادات ابْن الشجري وبرع فِي اللُّغَة والنحو وَقَالَ الشّعْر وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق طيب الْملقى متواضعاً سمع مُحَمَّد بن عمر الأموري وَأَبا الْوَقْت عبد الأول وَأَبا الْفَتْح مُحَمَّد بن البطي وَعبد الله بن أَحْمد بن الخشاب وَلم يحدث بِشَيْء بل روى شَيْئا من الْكتب الأدبية وتصدى لإقراء الْعَرَبيَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ محب الدّين ابْن النجار اللمع لِابْنِ جني وَسمع مِنْهُ التصريف الملوكي وَبَعض الْإِيضَاح وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل
(أرى الدَّهْر منكوساً على أم رَأسه ... يحط الأعالي حَيْثُ حكم الأسافل)
(فكم من حَلِيم يَتَّقِي ذَا سفاهة ... وَمن عَالم يخْشَى معرة جَاهِل)
(مَرضت من الحمقى فَلَو أدْرك المنى ... تمنيت أَن أشفى بِرُؤْيَة عَاقل)
وَمن شعره من الطَّوِيل
(إِذا اسْم بِمَعْنى الْوَقْت يبْنى لِأَنَّهُ ... تضمن معنى الشَّرْط مَوْضِعه النصب)
(وَيعْمل فِيهِ النصب معنى جَوَابه ... وَمَا بعده فِي مَوضِع الْجَرّ يَا ندب)
البيع الْبَغْدَادِيّ عَليّ بن الْمُبَارك بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن هرثمة أَبُو الْحسن البيع الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْأَدَب على أبي مُحَمَّد ابْن عُبَيْدَة وَأبي الْفرج ابْن الدّباغ وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف وَسمع كثيرا وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَقبلت شَهَادَته ثمَّ عزل عَنْهَا وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وست مائَة(21/264)
إِبْنِ روح الْأمين الْحَاجِب)
عَليّ بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن روح الْأمين أَبُو الْحسن بن أبي شُجَاع الْبَغْدَادِيّ كَانَ حَاجِب الْحجاب فِي أَيَّام الإِمَام النَّاصِر وَنفذ رَسُولا إِلَى صَاحب سنجار وَكَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا ظريفاً سمجاً ذَا مُرُوءَة عَاد من سنجار مَرِيضا وَتُوفِّي شَابًّا سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
وَمن شعره من الْكَامِل المجزوء
(لكم على الدنف العليل ... حكم الْعَزِيز على الذَّلِيل)
(يَا هاجري تظلما ... لمقال واش أَو عذول)
(مَالِي إِذا مَا جرتم ... شَيْء سوى صبري الْجَمِيل)
(من لي بأسمر كالقضيب ... ضِيَاء طلعته دليلي)
(من لحظه سحر العيو ... ن وَلَفظه شرك الْعُقُول)
أَبُو الْحسن اللحياني عَليّ بن الْمُبَارك وَقيل عَليّ بن حَازِم أَبُو الْحسن اللحياني أَخذ عَنهُ الْكسَائي وَأبي زيد وَأبي عَمْرو وَأبي عُبَيْدَة والأصمعي وعمدته على الْكسَائي لَهُ كتاب النَّوَادِر سمي اللحياني لعظم لحيته وَقيل بل لِأَنَّهُ من بني لحيان بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس امْتنع الْكسَائي من إقرائه فشفع فِيهِ عِنْده فَقَالَ هُوَ ثقيل الرّوح فَقيل لَهُ ذَلِك فَقَالَ دَعونِي وإياه فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي النَّبِيذ أحسوه ثمَّ أفسوه فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ ظريف أَنْت فاكتم مَا سَمِعت واقرأ مَا أَحْبَبْت فَقَرَأَ وَخرج فَإِذا الْحِجَارَة تَأْخُذ كَعبه فَالْتَفت فَإِذا الْكسَائي فِي منظر لَهُ يَقُول من كنت تقْرَأ عَلَيْهِ الْيَوْم حَتَّى صدعته
3 - (عَليّ بن المحسن)
القَاضِي التنوخي عَليّ بن المحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْفَهم دَاوُد بن(21/265)
إِبْرَاهِيم بن تَمِيم بن جَابر القَاضِي أَبُو الْقَاسِم التنوخي سمع أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن كيسَان النَّحْوِيّ وَإِسْحَق بن سعد بن الْحسن بن سُفْيَان النسوي ولد يَوْم الثُّلَاثَاء نصف شعْبَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمَا زَالَ يشْهد من سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة إِلَى أَن توفّي وَمَا وقف لَهُ على زلَّة قطّ
كَانَ شِيعِيًّا معتزلياً وَكَانَ عِنْده كتاب الْقدر لجَعْفَر الْفرْيَابِيّ وَأَصْحَاب الحَدِيث يتحاشون من مُطَالبَته بِإِخْرَاجِهِ قَالَ الْخَطِيب فطالبته بِهِ وقرأته عَلَيْهِ وسمعوه وَكَانَ التنوخي سَاكِنا لم يعْتَرض على شَيْء من تِلْكَ الْأَحَادِيث وَكَانَ يدْخلهُ فِي الشَّهْر من الْقَضَاء وَدَار الضَّرْب وَغَيرهمَا سِتُّونَ دِينَارا فيمر الشَّهْر وَلَيْسَ لَهُ شَيْء وَكَانَ ينْفق على أَصْحَاب الحَدِيث وَكَانَ الْخَطِيب والصوري وَغَيرهمَا يبيتُونَ عِنْده وَكَانَ ثِقَة متحفظاً فِي الشَّهَادَة محتاطاً صَدُوقًا فِي الحَدِيث وتقلد قَضَاء عدَّة نواحي مِنْهَا الْمَدَائِن وأعمالها ودررنجان والبردان وقرميسين وَقَالَ كَانَ ظريفاً نبيلاً جيد النادرة
اجتاز يَوْمًا فِي بعض الدروب فَسمع امْرَأَة تَقول لأخرى كم عمر بنتك يَا أُخْتِي قَالَت لَهَا رزقتها يَوْم شُهِّر بِالْقَاضِي التنوخي وَضرب بالسياط فَرفع رَأسه إِلَيْهَا وَقَالَ يَا بظراء صَار صفعي تاريخك مَا وجدت تَارِيخا غَيره وَكَانَ أعمش الْعَينَيْنِ لَا تهدأ جفونه من الانخفاض والارتفاع والتغميض والانفتاح وَفِيه يَقُول ابْن بابك من الرجز
(إِذا التنوخي انتشا ... وغاض ثمَّ انتعشا)
أخْفى عَلَيْهِ إِن مشيت وَهُوَ يخفى إِن مشا فَلَا أرَاهُ قلَّة وَلَا يراني عمشًا وَفِيه يَقُول البصروي وَقد تولى دَار الضَّرْب من مخلع الْبَسِيط
(وَفِي أنض الْأَعْمَال قَاض ... لَيْسَ بأعمى وَلَا بَصِير)
(يقضم مَا يجتنى إِلَيْهِ ... قضم ابْن أذين للشعير)
وَدفع إِلَيْهِ رجل رقْعَة وَهُوَ رَاكب فَلَمَّا فضها وجد فِيهَا من السَّرِيع)
(إِن التنوخي بِهِ أبنة ... كَأَنَّهُ يسْجد للفيش)
(لَهُ غلامان ينيكانه ... بعلة الترويح فِي الخيش)(21/266)
فَقَالَ ردوا زوج القبحة فَردُّوهُ فَقَالَ يَا كشخان يَا قرنان يَا زوج ألف قحبة هَات زَوجتك وأختك وأمك إِلَى دَاري وَانْظُر مَا يكون مني وَبعد ذَلِك احكم بِمَا حكمت بِهِ قَفاهُ قَفاهُ فصفعوه
وَكَانَ يَوْمًا نَائِما فاجتاز وَاحِد غث وأزعجه مِمَّا يَصِيح شِرَاك النِّعَال شِرَاك النِّعَال فَقَالَ لغلامه اجْمَعْ كل نعل فِي الْبَيْت واعطيها لهَذَا يصلحها ويشتغل بهَا فَنَامَ وَاكْتفى وَمضى ذَلِك الرجل لشأنه فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي فعل ذَلِك وَلم يَدعه ينَام فَقَالَ للغلام أدخلهُ فَأدْخلهُ فَقَالَ لَهُ يَا ماص بظر أمه أمس أصلحت كل نعل كَانَت عندنَا وَالْيَوْم تصيح على بابنا هَل بلغك أننا نتصافع بالنعال ونقطعها قَفاهُ قَفاهُ فَقَالَ يَا سَيِّدي أَتُوب وَلَا أَعُود أَدخل إِلَى هَذَا الدَّرْب أبدا وَهَذَا أَبُو الْقَاسِم من أهل بَيت كلهم فضلاء وَسَيَأْتِي ذكر أَبِيه المحسن فِي حرف الْمِيم فِي مَكَانَهُ وَيَأْتِي قَرِيبا ذكر جده عَليّ بن مُحَمَّد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
أَبُو خلف العكبري عَليّ بن المحسن أَبُو خلف العكبري من شعره فِي أرمد من الْبَسِيط
(لم تستعر عينه من ورد وجنته ... إِلَّا امتعاصاً وحاشاها من الوصب)
(لَكِن رَأَتْ من محب كَانَ يألفها ... شَوَاهِد الْغدر فاحمرت من الْغَضَب)
3 - (عَليّ بن مُحَمَّد)
الوشاء الْكُوفِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الخصيب الْكُوفِي الوشاء قَالَ ابْن أبي حَاتِم مَحَله الصدْق وروى عَنهُ ابْن ماجة وَتُوفِّي سنة ثمانٍ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَسمع الوشاء ابْن عُيَيْنَة ووكيعاً وَعَمْرو بن مُحَمَّد الْعَنْقَزِي وروى عَنهُ أَيْضا إِبْرَاهِيم بن متوية الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبُو بكر بن أبي دَاوُد والبرديجي وَابْن أبي حَاتِم(21/267)
الْوَاعِظ الْمصْرِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ الْوَاعِظ الْبَغْدَادِيّ أَقَامَ بِمصْر مُدَّة وصنف فِي الزّهْد كتبا كَثِيرَة توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
إِبْنِ ماشاذة الفرضي الصُّوفِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن ميله بن خرة يعرف أَبوهُ بماشاذة أَبُو الْحسن الْأَصْبَهَانِيّ الزَّاهِد الفرضي أحد الْأَعْلَام الصُّوفِيَّة توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة
صَاحب الزنج عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الزنج الْخَبيث أَبُو الْحسن كَانَ يَدعِي أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عِيسَى بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَقيل أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن رجيب رجل من الْعَجم من أهل ورزنين من قرى الرّيّ ذكرت قره بنت عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الشَّامي وَهِي أمه أَن أَبَاهَا كَانَ يحجّ ويمر بِالْمَدِينَةِ فِي كل سنة وَينزل على شيخ من آل أبي طَالب فيبره ويكرمه وَكَانَ يحمل إِلَيْهِ الْهَدَايَا فِي كل عَام من الرّيّ فحج بهَا سنة فَإِذا ابْنه مُحَمَّد وَهُوَ أَبُو عَليّ فِي عشرَة أَعْوَام فَلَمَّا حج أَبوهَا قَابلا وجد الشَّيْخ توفّي وَبَقِي ابْنه مُحَمَّد فبره بِمَا مَعَه وَعرض عَلَيْهِ الْمَجِيء مَعَه فَأبى وَقَالَ تمنعني والدتي وأختي فحج أَبوهَا قَابلا فوجدهما قد توفيا فَأخذ مُحَمَّدًا مَعَه وَحضر بِهِ إِلَى قَرْيَة ورزنين وَعرض عَلَيْهِ الزواج بِي فَأبى وَقَالَ إِنِّي كنت رَأَيْت فِي الْمَنَام أَنِّي بلت بولة أحرقت نصف الدُّنْيَا فنهاني أبي عَن الزواج ثمَّ إِنَّه تزوج بِي فَولدت لَهُ ابْنَتَيْن ماتتا صغيرتين ثمَّ مَاتَ أبي ثمَّ ولدت لَهُ ابْنه عَليّ بن مُحَمَّد ثمَّ إِن مُحَمَّدًا أتلف مَالِي ومزقه وفارقته لأجل جَارِيَة اشْتَرَاهَا فَخرج بِابْنِهِ من عِنْدِي وَلم أعرف لَهما خَبرا عدَّة سِنِين ثمَّ رَجَعَ الْوَلَد إِلَيّ)
وَأخْبر بِمَوْت وَالِده وَأقَام عِنْدِي بِالريِّ مُدَّة لَا يدع أحدا عِنْده أدباً وَلَا(21/268)
رِوَايَة إِلَّا أَخذهَا وَتوجه إِلَى خُرَاسَان وَغَابَ سنتَيْن أَو ثَلَاثَة وَعَاد فَأَقَامَ مديدة ثمَّ غَابَ الْغَيْبَة الَّتِي خرج فِيهَا وَورد كِتَابه من الْبَصْرَة بِمَا صَار إِلَيْهِ وَمَعَهُ مَال فَلم أقبله لما صَحَّ عِنْدِي من أمره
وَقَالَ عَليّ صَاحب الزنج اعتللت عِلّة غَلِيظَة وَأَنا صَغِير فجَاء أبي يعودنِي فَوجدَ أُمِّي قَاعِدَة عِنْد رَأْسِي فَقلت لَهُ إِنَّه يَمُوت فَقَالَ إِذا مَاتَ هَذَا من يخرب الْبَصْرَة قَالَ فَمَا زَالَ فِي قلبِي ذَلِك إِلَى أَن خرجت بهَا
وَكَانَ بسر من رأى وَتصرف فِي أشغال الدِّيوَان وَقَالَ الشّعْر واستماح بِهِ ثمَّ حدث فِي نَفسه الْكفْر والخبث وَدَعوى الْإِمَامَة وَعلم الْغَيْب وَالْخُرُوج على الْأَئِمَّة وَضرب النَّاس بَعضهم بعض فَقدم الْبَصْرَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَأقَام بهجر ودعا إِلَى طَاعَته فَمَال إِلَيْهِ عميد هجر وَخلق من الْبَحْرين وباينه قوم وسفكت بَينهم الدِّمَاء فانتقل إِلَى الأحساء فأطاعه أَهلهَا حَتَّى كَانُوا لَا يدعونَ شَيْئا من فضلاته يسْقط إِلَى الأَرْض ويأخذونه تبركاً بِهِ وَكثر أَتْبَاعه وجبي لَهُ الْخراج وَنفذ حكمه ودافع الْوُلَاة وَجَرت بَينهم وقائع فخاف أهل الْبَحْرين وَخرج إِلَى الْبَادِيَة بأَهْله وَمن تبعه وجال فِي الْبَادِيَة واستغوى من لقبه من الْأَعْرَاب وأوهمهم أَنه يعلم منطق الطير فَأَغَارَ بِمن تَابعه على فرضة من فرض الْبَحْرين فنهبها وَأخذ أموالها وخربها
ثمَّ قوتل فنبت بِهِ الْبَادِيَة فهرب إِلَى الْبَصْرَة فِيمَن تبعه سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فَدَعَا هُوَ وَأَصْحَابه النَّاس إِلَيْهِ فثار الْجند عَلَيْهِم فهرب وَقبض على بعض شيعته وعَلى ابْنه الْأَكْبَر وَأمه وَابْنَته فحبسوا فَصَارَ إِلَى مَدِينَة السَّلَام وَأقَام بهَا حولا يستغوي النَّاس من الحاكة والأراذل وَمَات وَالِي الْبَصْرَة وَفتحت الحبوس فخلص أَهله فَرجع إِلَى الْبَصْرَة وَاسْتولى على غلْمَان النَّاس من الزنوج يبْذل لَهُم الْأَمْوَال ويطمعهم من النهب حَتَّى أَتَاهُ مِنْهُم خلق كثير
وَعمد إِلَى حريرة فَكتب فِيهَا بالأحمر والأخضر إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة إِلَى آخر الْآيَة وَكتب اسْمه وَاسم أَبِيه وعلقها فِي رَأس بردي وَخرج فِي السحر لَيْلَة السبت لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فَاجْتمع عَلَيْهِ ألفا عبد من الزنج فَقَامَ خَطِيبًا وَوَعدهمْ أَن يقودهم ويملكهم الْأَمْوَال وَلما كَانَ يَوْم الْعِيد نصب اللِّوَاء وَصلى بهم وخطب خطْبَة ذكرهم مَا كَانُوا فِيهِ من سوء الْحَال وَإِن الله أنقذهم بِهِ ثمَّ إِنَّه قَود قواداً ورتب أَصْحَابه وَلم يزل ينهب وَيقتل وكلمن قَاتله يستظهر عَلَيْهِ حَتَّى تفحل أمره)
وغنم خيلاً وسلاحاً وَكَانَ كلمن يَأْتِيهِ ويكسره يتحيز إِلَيْهِ وَلم يزل يستولي على نواحي الْبَصْرَة إِلَى أَن وافى الْبَصْرَة رَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وَجمع لَهُ أهل الْبَصْرَة وَوَقع الْقِتَال بَينهم فَهَزَمَهُمْ وَقتل خلقا كثيرا فَوَقع لَهُ(21/269)
الرعب فِي الْقُلُوب وَلم يزل فِي العيث وَالْفساد إِلَى أَن استولى الزنج على الأبلة وأضرموا فِيهَا النَّار فاحترقت بأجمعها وَقتل خلقا كثيرا وغرق خلق كثير وحوى الأسلاب وَضعف أهل عبادان فَدَخَلُوا فِي سلمه وَأخذ مَا كَانَ فِيهَا من سلَاح وَغَيره وانجفل النَّاس إِلَى الأهواز هَذَا وسراياه فِي الْقرى تعيث وتفسد
فَترك أهل الْبَصْرَة الْمقَام بهَا وهربوا إِلَى سَائِر النواحي ثمَّ إِنَّه دخل إِلَى الْبَصْرَة سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَقتل وأحرق إِلَى يَوْم السبت ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ فَتفرق الْجند ونادى أهل الْبَصْرَة بالأمان فَأَمنَهُمْ وَلما ظهر النَّاس قَتلهمْ فَلم يسلم إِلَّا الشاذ وأحرق الْجَامِع وَمن كَانَ فِيهِ فَعم الْحَرِيق النَّاس وَالدَّوَاب وَالْمَتَاع وَغير ذَلِك واستخرج الْأَمْوَال من أَرْبَابهَا وَقتل الْفُقَرَاء فَأقبل الْمُوفق فِي جَيش عَظِيم وحاربه مَرَّات ينَال كل وَاحِد من الآخر
وتحصن الْخَبيث فِي أَمَاكِن وقصور فِي مَدِينَة بناها بنهر أبي الخصيب وَكَانَت سَرَايَا الْخَبيث تصل إِلَى وَاسِط ودخلوها سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقتلُوا من بهَا وأحرقوها واستولوا على نَوَاحِيهَا والموفق مَشْغُول بمحاربة الصفار
وَلم تزل عَسَاكِر الزنج تعيث وتفسد وَتغَير فِي أَعمال الأهواز وعسكر مكرم وتستر وَمَا صاقب هَذِه النواحي يقتلُون الرِّجَال ويسبون النِّسَاء وَالْأَوْلَاد وينهبون الْأَمْوَال فَحصل الْخَبيث على أَمْوَال وجواهر استأثرها وَأَعْطَاهَا نِسَاءَهُ وَأَوْلَاده فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم فَقَالَ نسَائِي لَيْسَ كنسائكم إنَّهُنَّ امتحن بصحبتي وحرمن من بعدِي على الرِّجَال ولي بذلك أُسْوَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأئمة الْهدى من بعده فَقيل لَهُ أَن أَبَا بكر وَعمر تزوج النَّاس بنسائهما فَقَالَ لَيْسَ فيهمَا قدوة وَأما عَليّ فقد أَثم من تزوج نِسَاءَهُ بعده وَادّعى أَن قَوْله تَعَالَى أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ قد أنزلت فِيهِ وَأَنا عبد الله الَّذِي قَامَ يَدعُوهُ
وَكَانُوا عَلَيْهِ لبدا وَادّعى أَنه الرجل الَّذِي جَاءَ رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى وَقَالَ أنزل فِي سُورَة من الْقُرْآن مُجَرّدَة لَيْسَ فِيهَا ذكر غَيْرِي وَهِي لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَادّعى أَنه تكلم فِي المهد صَبيا وَأَنه صِيحَ بِهِ يَا عَليّ فَقَالَ لبيْك فَلَمَّا كثرت حَاشِيَته كف أَيدي الزنج عَن النّخل والمزارع وجبي الْخراج مِنْهُم وَصَرفه إِلَى أَصْحَابه)
فتغلثت قُلُوب الزنج فَسَاءَتْ أَحْوَالهم وهموا بالوثوب عَلَيْهِ
ثمَّ إِن الْمُوفق بِاللَّه ندب وَلَده أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد المعتضد لِحَرْب هَذَا الْخَبيث فتجرد لَهُ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فِي عشرَة آلَاف فَارس فَهزمَ عَسَاكِر الزنج وَأسر خلقا وَقتل خلقا ووافاه وَالِده الْمُوفق فِي شهر صفر سنة سبع وَسِتِّينَ فِي عَسْكَر جرار ووصلوا إِلَى مَدِينَة الشعراني أحد مقدمي الزنج وَأَحَاطُوا بمدينته وفتحوها قهرا وَقتلُوا جمَاعَة ثمَّ قصدُوا الْمَدِينَة الني بناها سُلَيْمَان بن جَامع وَهِي المنصورة فاستولوا عَلَيْهَا ونهبوها وَكَانَ سُلَيْمَان(21/270)
الْمَذْكُور من أكبر المقدمين وهدموها وطموا خنادقها وَكَانَت حَصِينَة ثمَّ إِن الْمُوفق كتب إِلَى الْخَبيث يُؤمنهُ وَيطْلب مِنْهُ الرُّجُوع وَالتَّوْبَة والإنابة فقرأه وَلم يجب عَنهُ بِشَيْء فَتوجه الْمُوفق بعساكره إِلَى المختارة مَدِينَة الْخَبيث فَرَأى حصانتها بالأسوار والخنادق وَبِمَا فِيهَا من المناجيق وَغَيرهَا من آلَات الْحصار فهاله ذَلِك وأكبره وَكَانَ الْمُوفق فِي خمسين ألف رجل والخبيث فِي زهاء ثَلَاث مائَة ألف فَنَادَى الْمُوفق بالأمان للنَّاس أسودهم وأبيضهم إِلَّا الْخَبيث وَكتب بذلك رِقَاعًا ورماها فِي السِّهَام إِلَى دَاخل الْمَدِينَة وَأمر بِبِنَاء مَدِينَة سَمَّاهَا الموفقية بأزاء مَدِينَة المختارة وَأقَام بهَا الْأَسْوَاق وَكثر التُّجَّار وَبنى الْجَامِع وَصلى النَّاس فِيهِ وَاتخذ بهَا دور ضرب وَرغب النَّاس فِي سكناهَا فاستأمن من أَصْحَاب الْخَبيث خَمْسَة آلَاف رجل من بَين أسود وأبيض وَبث الْمُوفق السَّرَايَا فَمَا كَانَ يَخْلُو يَوْم من أَن يُؤْتى برؤوس الْقَتْلَى من أَصْحَاب الْخَبيث وَكَانَ يَرْمِي بالرؤوس إِلَى مَدِينَة الْخَبيث فِي المنجنيقات فاستولت الرهبة على أَصْحَاب الْخَبيث وَمنعُوا من الْميرَة وَلم تزل الحروب بَينهم إِلَى أَن استولى الْمُوفق على أسوار المختارة فَأحرق مَا هُنَاكَ من آلَات الْحصار وَاسْتَأْمَنَ كثير من خَواص الْخَبيث وهرب مِنْهُم جمَاعَة وقحطوا وأكلوا السرطانات والضفادع والحشرات وَلُحُوم الْقَتْلَى وَالْكلاب والسنانير وذبحوا الْأَطْفَال وطبخوهم وأكلوهم لعدم وُصُول الْميرَة إِلَيْهِم وملكوا دور الْخَبيث فهرب بأولاده إِلَى مضايق أشبة فِي نهر الخصيب لَا تصل السفن إِلَيْهَا وَلَا الْخَيل وسد المنافذ فَجمع الْمُوفق العساكر وزحف إِلَيْهِ فبرز إِلَيْهِ الْخَبيث بِنَفسِهِ فِيمَن بَقِي مَعَه وَهُوَ يَقُول من الطَّوِيل
(سأغسل عني الْعَار بِالسَّيْفِ جالباً ... عَليّ قَضَاء الله مَا كَانَ جالبا)
(وأذهل عَن دَاري وَأَجْعَل نهبها ... لعرضي من بَاقِي المذلة حالبا)
)
(فَإِن تهدموا بالغدر دَاري فَإِنَّهَا ... تراث كريم لَا يُبَالِي العواقبا)
(إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ عزمه ... ونكب عَن ذكر العواقب جانبا)
(وَلم يستشر فِي رَأْيه غير نَفسه ... وَلم يرض إِلَّا قَائِم السَّيْف صاحبا)
فالتحم الْقِتَال وَكَثُرت الْجراح وَصدق الْمُسلمُونَ الْقِتَال وَثَبت أَصْحَاب الْخَبيث ثمَّ هزموا وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَأسر جمَاعَة من أكَابِر خواصه فَضرب الْمُوفق أَعْنَاقهم وَدخل أَصْحَاب الْمُوفق دَار الْخَبيث وَأخذُوا حُرْمَة وَأَوْلَاده الذُّكُور وَالْإِنَاث وَكَانُوا أَكثر من مائَة وهرب الْخَبيث
فجهزت العساكر خَلفه فَلم يزَالُوا فِي طلبه إِلَى أَن قَتَلُوهُ وَجِيء بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُوفق فَلَمَّا رَآهُ وعرفه سجد لله تَعَالَى شكرا وعلق رَأسه على رمح وطيف بِهِ فِي الْعَسْكَر وهرب من جمَاعَة الْخَبيث نَحْو ألفي زنجي فماتوا فِي الْبَريَّة عطشاً واستأصل الله شأفتهم(21/271)
وَكَانَت قتلة الْخَبيث يَوْم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ دُخُوله إِلَى الْبَصْرَة وغلبته عَلَيْهَا فِي شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين فَبَقيَ مُحَاربًا أَربع عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر يسفك فِيهَا الدِّمَاء ويستحل الْمَحَارِم وَمن شعره من الْكَامِل
(وعزيمتي مثل الحسام وهمتي ... نفس أصُول بهَا كَنَفس القسور)
(وأذا تنازعني أَقُول لَهَا اسكتي ... قَتْلِي مريحك أَو صعُود الْمِنْبَر)
(مَا قد قضى سَيكون فاصطبري لَهُ ... وَلَك الْأمان من الَّذِي لم يقدر)
وَلما هرب من الدَّار الَّتِي كَانَ فِيهَا قَالَ من الطَّوِيل
(عَلَيْك سَلام الله يَا خير منزل ... خرجنَا وخلفناه غير ذميم)
(فَأن تكن الْأَيَّام أحدثن فرقة ... فَمن ذَا الَّذِي من ريبها بسليم)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أما وَالَّذِي أسرى إِلَى ركن بَيته ... حراجيج بالركبان مُقَوَّرَة حدبا)
(لأدرعن الْحَرْب حَتَّى يُقَال لي ... قضيت ذمام الْحَرْب فاهتجر الْحَرْب)
وَمِنْه يُخَاطب بني الْعَبَّاس من الطَّوِيل
(بني عمنَا إِنَّا وَأَنْتُم أنامل ... تضمنها من راحتيها عقودها)
(بني عمنَا لَا توقدوا نَار فتْنَة ... بطيء على مر الزَّمَان خمودها)
(بني عمنَا وليتم التّرْك أمرنَا ... وَنحن قَدِيما أَصْلهَا وعديدها)
)
(فَمَا بَال عجم التّرْك تقسم فيئنا ... وَنحن لَدَيْهَا فِي الْبِلَاد شهودها)
(فأقسم لَا ذقت القراح وَإِن أذق ... فبلغة نفس أَو سَاد عميدها)
وَمِنْه من السَّرِيع
(مَتى أرى الدُّنْيَا بِلَا مجبر ... وَلَا حروري وَلَا ناصب)
(مَتى أرى السَّيْف دَلِيلا على ... حب عَليّ بن أبي طَالب)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(لهف نَفسِي على قُصُور ببغدا ... د وَمَا قد حوته من كل عَاص)
(وخمور هُنَاكَ تشرب جَهرا ... وَرِجَال على الْمعاصِي حراص)
(لست بِابْن الفواطم الغر إِن ... لم أجل الْخَيل حول تِلْكَ العراص)(21/272)
وَمِنْه من الْكَامِل
(إِن الْخلَافَة لم تزل محجوبة ... خمسين عَاما تبتغي أَرْبَابهَا)
(تَدْعُو إِلَيْنَا كل عَام مرّة ... حَتَّى إِذا بلغ الْكتاب أجابها)
وَكَانَ هَذَا صَاحب الزنج قد تسمى بِالظَّاهِرِ وَفِي ذَلِك يَقُول من الْكَامِل
(إِن الَّذِي جعل النُّجُوم زواهراً ... جعل الْخلَافَة فِي الإِمَام الظَّاهِر)
(قاد العساكر من بلنجر مسحراً ... بأتم إقبال وأيمن طَائِر)
(حَتَّى أَنَاخَ على الأبلة بَعْدَمَا ... ترك البصيرة كالهشيم الدائر)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وَفِي كل أَرض أَو بِكُل محلّة ... أَخُو غربَة منا يكَاد مطمعا)
(كأنا خلقنَا للنوى وكأنما ... حرَام على الْأَيَّام أَن نتجمعا)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(أورقت فِي أوانها الْأَشْجَار ... وتهادت فِي وَكرها الأطيار)
(ومقام الْفَتى على النَّقْص لؤم ... وأخو الذل معجل مسيار)
(جرد المشرفي وارحل كَرِيمًا ... فالتواني مذلة وصغار)
(لَا ينَال الضَّعِيف بالضعف غنما ... إِنَّمَا يغنم الْفَتى السيار)
(وَهِي نفس إِمَّا تؤوب بهلك ... أَو بِملك وَلَيْسَ فِي الهلك عَار)
)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أَحْلف بِالْقَتْلِ وبالذبح ... مجانباً للعفو والصفح)
(لَا عَايَنت عَيْني أطلالكم ... إِلَّا أَمِيرا أَو على رمح)
الصريفيني عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَق أَبُو الْحسن الصريفيني وَكَانَ يتمذهب بِالْإِمَامَةِ ويتظاهر بهَا ويجرد القَوْل فِيهَا وَكَذَلِكَ وَالِده وجده وَكَانَ ينظم ويترسل وَآخر الْعَهْد بِهِ فِي سنة نَيف وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وَكَانَ من أَبنَاء الْخمسين وَمن شعره من الْخَفِيف هان قدري على الزَّمَان وَمَا زلت كريم الْآبَاء والأجداد
(إِن أكن مملق الْيَدَيْنِ فَإِنِّي ... لَغَنِيّ من النهى والسداد)
أَبُو الْقَاسِم الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ النَّقِيب عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن(21/273)
عِيسَى يَنْتَهِي إِلَى معبد بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو الْقَاسِم الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ كَانَ من أَعْيَان الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد وَتَوَلَّى النقابة على الهاشميين بالحضرة سمع بحلوان مُحَمَّد بن نصر الصايغ وبنيسابور عبد الله بن يُوسُف بن رامويه الْأَصْبَهَانِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْمُزَكي وَحدث باليسير توفّي سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة فِي حَال حَيَاة أَبِيه
ابْن الْحلْوانِي الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود أَبُو الْقَاسِم ابْن الْحلْوانِي الْحَنَفِيّ كَانَ فَاضلا مناظراً مجوداً سَافر من بَغْدَاد وَلَقي الْمُلُوك وصنف فِي عدَّة فنون وَله مصنفات حَسَنَة وَله شعر توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن سعيد الْمحَامِلِي أَبُو الْقَاسِم الْفَقِيه الشَّافِعِي تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَق الشِّيرَازِيّ وَسمع من الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَعبد الْجَبَّار بن عبد الله بن بزْرَة الْجَوْهَرِي الرَّازِيّ وَأبي بكر الْخَطِيب وَغَيرهم وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
ابْن غَرِيبَة الْوراق الْحَنْبَلِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْقَاسِم بن الأحدب أَبُو الْحسن ابْن غَرِيبَة الْوراق الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ قَرَأَ على ابْن شنيف الْفِقْه وعَلى غَيره والفرائض على أبي بكر الْأنْصَارِيّ وَسمع من هبة الله بن الْحصين وَأحمد بن الْحسن بن الْبناء وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وسافر إِلَى خُرَاسَان وَسمع الحَدِيث بمرو وَكَانَ فَاضلا حسن الْكَلَام تولى الْمَظَالِم أَيَّام الْوَزير أبي المظفر ابْن هُبَيْرَة وَكتب خطا رديئاً وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة
القليوبي الْكَاتِب عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبيب التَّمِيمِي القليوبي الْكَاتِب نقلت من خطّ أبي سعيد المغربي قَالَ وَصفه ابْن الزبير فِي كتاب الْجنان بالإجادة فِي التشبيهات وغلا فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ إِن أنصف لم يفضل ابْن المعتز عَلَيْهِ وَذكر أَنه أدْرك الْعَزِيز العبيدي ومدح قواده وَكتابه وعاش إِلَى أَيَّام الظَّاهِر من شعره من الطَّوِيل
(وصافية بَات الْغُلَام يديرها ... على الشّرْب فِي جنح من اللَّيْل أدعج)(21/274)
(كَأَن حباب المَاء فِي وجناتها ... فرائد در فِي عقيق مدحرج)
(وَلَا ضوء إِلَّا من هِلَال كَأَنَّمَا ... تفرق مِنْهُ الْغَيْم عَن نصف دملج)
(وَقد حَال دون المُشْتَرِي من شعاعه ... وميض كَمثل الزئبق المترجرج)
(كَأَن الثريا فِي أَوَاخِر لَيْلهَا ... تَحِيَّة ورد فَوق زهر بنفسج)
وَمِنْه من الْكَامِل
(فِي لَيْلَة أنف كَأَن هلالها ... صدع تبين فِي إِنَاء زجاج)
(كفل الزَّمَان لأختها بِزِيَادَة ... فِي نوره فَبَدَا كوقف العاج)
(وكأنما كيوان ثغرة فضَّة ... وكأنما المريخ ضوء سراج)
(تتطاول الجوزاء تَحت جنَاحه ... وَكَأَنَّهَا من نورها فِي تَاج)
(ليل كَمثل الرَّوْض فتح جنحه ... زهر الْكَوَاكِب فِي ذرى الأبراج)
(أحييته حَتَّى رَأَيْت صباحه ... من لَونه يختال فِي دواج)
(وَالشَّمْس من تَحت الْغَمَام كَأَنَّهَا ... نَار تضرم خلف جَام زجاج)
وَمِنْه من الْخَفِيف)
(وَكَأن السَّمَاء مصحف قار ... وَكَأن النُّجُوم رسم عشور)
(وَكَأن النُّجُوم زهر رياض ... قد أحاطت من بدرها بغدير)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(أَقمت بِالْبركَةِ الغراء مدهقة ... وَالْمَاء مُجْتَمع فِيهَا ومسفوح)
(إِذا النسيم جرى فِي مَائِهَا اضْطَرَبَتْ ... كَأَنَّمَا رِيحه فِي جسمها روح)
وَمِنْه من الْكَامِل
(نجمت نُجُوم الزهر إِلَّا أَنَّهَا ... فِي رَوْضَة فلكية الْأَنْوَار)
(وكأنما الجوزاء مِنْهَا شَارِب ... وكأنما المريخ كأس عقار)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(وَكَأن الْهلَال حافة جَام ... شف مِنْهَا مَا لم تنله عقار)
(وَكَأن المجر رسم طَرِيق ... وَعَلِيهِ من الثريا منار)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أَلا فاسقنيها قد قضى اللَّيْل نحبه ... وَقَامَ لشوال هِلَال مُبشر)(21/275)
(بدا مثل عرق السام واسترجعت لَهُ ... صروف اللَّيَالِي قرصه وَهُوَ مقمر)
(إِلَى أَن رَأَيْنَاهُ ابْن سبع كَأَنَّمَا ... على الْأُفق مِنْهُ طيلسان مقور)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(وصفراء من مَاء الكروم كَأَنَّمَا ... دجى اللَّيْل مِنْهَا فِي رِدَاء معصفر)
(كَأَن حباب المَاء فِي وجناتها ... من الدّرّ تكليل على تَاج معصر)
(قطعت بهَا لَيْلًا كَأَن نجومه ... إِذا اعترضتها الْعين نيران عَسْكَر)
(ترَاهَا بآفاق السَّمَاء كَأَنَّمَا ... مطالعها مِنْهَا معادن جَوْهَر)
(ومنطقة الجوزاء تبدو كَأَنَّمَا ... وسائط در فِي قلادة عنبر)
(وباتت بعيني الثريا كَأَنَّمَا ... على الْأُفق مِنْهَا غُصْن ورد منور)
(فَبت أراعي الْفجْر حَتَّى تشمرت ... ديول الدجى عَن مائَة المتفجر)
وَمِنْه فِي الْهلَال من الطَّوِيل
(بدا مستدق الْجَانِبَيْنِ كَأَنَّهُ ... على الْأُفق الغربي مخلب طَائِر)
)
(ولاح لمسرى لَيْلَتَيْنِ كَأَنَّمَا ... تفرق مِنْهُ الْغَيْم عَن أثر حافر)
وَفِيه أَيْضا من الطَّوِيل
(إِذا استثبتته الْعين لَاحَ كَأَنَّهُ ... على هَامة من جنحه خطّ مفرق)
(وشمر عَنهُ الْغَيْم ذيلاً كَأَنَّمَا ... تكشف مِنْهُ عَن جنَاح محلق)
وَمِنْه فِي رَوْضَة من الطَّوِيل
(وحالية لَا يكتم اللَّيْل ضوءها ... إِذا أزهرت صلت لَهَا الأنجم الزهر)
(يفرق مِنْهَا النشر مَا ألف الثرى ... ويضحك مِنْهَا الشَّمْس مَا استدمع الْقطر)
ابْن حريق البلنسي عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلمَة بن حريق أَبُو الْحسن(21/276)
المَخْزُومِي البلنسي شَاعِر بلنسية كَانَ متبحراً فِي اللُّغَة وَالْأَدب حَافِظًا لأشعار الْعَرَب وأيامها اعْترف لَهُ بِالسَّبقِ بلغاء وقته وَله مَقْصُورَة كالدريدية قَالَ ابْن الْآبَار سَمعتهَا مِنْهُ وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة
ومدح مُلُوك الأندلس وَأخذ صلَاتهم وَتصرف فِي أَعمال الدِّيوَان وَمن شعره فِي غُلَام أَعور من الْخَفِيف
(لم يشنك الَّذِي بِعَيْنَيْك عِنْدِي ... أَنْت أَعلَى من أَن تعاب وأسى)
(لطف الله رد سَهْمَيْنِ سَهْما ... رأفة بالعباد فازددت حسنا)
وَمِنْه من الرجز
(وَكَاتب أَلْفَاظه وَكتبه ... بغيضة إِن خطّ أَو تكلما)
(ترى أُنَاسًا يتمنون الْعَمى ... وَآخَرين يحْمَدُونَ الصمما)
وَمِنْه وَقد زَارَهُ حَبِيبه فجَاء مطر وسيل مَنعه من الْعود من مخلع الْبَسِيط
(يَا لَيْلَة جَادَتْ الْأَمَانِي ... فِيهَا على رغم أنف دهري)
(للقطر فِيهَا عَليّ نعمى ... يقصر عَنْهَا طَوِيل شكري)
(إِذا بَات فِي منزلي حَبِيبِي ... وَقَامَ فِي أَهله بعذري)
(فَبت لَا حَالَة كحالي ... ضجيع بدر صريع سكر)
(يَا لَيْلَة السَّيْل فِي اللَّيَالِي ... لأَنْت خير من ألف شهر)
وَمن شعره مَا أوردهُ ابْن مسدي فِي مُعْجَمه من الْكَامِل)
(يَا صَاحِبي وَمَا الْبَخِيل بصاحبي ... هذي الْخيام فَأَيْنَ تِلْكَ الأدمع)
(أنمر بالعرصات لَا نبكي بهَا ... وَهِي الْمعَاهد مِنْهُم والأربع)
(يَا سعد مَا هَذَا الْقيام وَقد نأوا ... أتقيم من بعد الْقُلُوب الأضلع)
(هَيْهَات لَا ريح اللواعج بعدهمْ ... رهو وَلَا طير الصبابة وَقع)
(جاروا على قلبِي بِسحر جفونهم ... لَا زَالَ يشعبه الأسى ويصدع)
(وأبى الْهوى إِلَّا الْحُلُول بلعلع ... وَيْح المطايا أَيْن مِنْهَا لعلع)
(لم أدر أَيْن ثوروا فَلم أسأَل بهم ... ريحًا تهب وَلَا بريقاً يلمع)
(وَكَأَنَّهُم فِي كل مدرج ناسم ... فَعَلَيهِ مني رقة وتضوع)
(فَإِذا منحتهم السَّلَام تبادرت ... تبليغه عني الرِّيَاح الْأَرْبَع)(21/277)
شرف الدّين اليونيني الْحَنْبَلِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الشَّيْخ الإِمَام الْمُحدث الْحَافِظ الْفَقِيه الْمُفْتِي شيخ جماعته شرف الدّين أَبُو الْحُسَيْن ابْن الإِمَام البارع الشَّيْخ الْفَقِيه اليونيني البعلبكي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة وَسمع حضوراً من الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن وَسمع من ابْن صباح وَابْن اللتي والإربلي وجعفر الْهَمدَانِي ومكرم ومُوسَى بن مُحَمَّد صَاحب دمشق وَفِي الرحلة من ابْن رواج وَابْن الجميزي والحافظ الْمُنْذِرِيّ عبد الْعَظِيم وعدة وعني بِالْحَدِيثِ وَضَبطه بالفقه وباللغة وَحصل الْكتب النفسية وَمَا كَانَ فِي وقته مثله وَكَانَ حسن اللِّقَاء خيرا دينا كثير الهيبة منور الْوَجْه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين انتفعت بِصُحْبَتِهِ وَأَكْثَرت عَنهُ وَحدث بِالصَّحِيحِ مَرَّات دخل عَلَيْهِ مُوسَى الْمصْرِيّ الناشف فتجانن ثمَّ ضربه بسكين فِي دماغه فَأخذ وَضرب مرَارًا وَهُوَ يظْهر الاختلال وَحصل للشَّيْخ حمى وحقن وَتُوفِّي بعد أَيَّام فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبع مائَة وَقد تقدم ذكر وَالِده وَنسبه فِي المحمدين
إِبْنِ خشنام الْمَالِكِي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خشنام أَبُو الْحسن الْمَالِكِي قَرَأَ الْقُرْآن على أبي بكر مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الزَّيْنَبِي صَاحب قنبل وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة
أَبُو الْحسن القهندزي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله القهندزي أَبُو الْحسن الضَّرِير النَّحْوِيّ الأديب)
النَّيْسَابُورِي شيخ فَاضل سمع من أبي الْعَبَّاس المناسكي الْمحَامِلِي وَغَيره وَحدث وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وتخرجوا بِهِ قَرَأَ عَلَيْهِ مثل الواحدي وَقَالَ الواحدي كَانَ من أبرع أهل زَمَانه ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق(21/278)
النَّقِيب بهاء الدّين ابْن أبي الْجِنّ عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس يَنْتَهِي إِلَى مُحَمَّد الباقر رَضِي الله عَنهُ السَّيِّد الشريف بهاء الدّين أَبُو الْحسن الْعلوِي النَّقِيب ابْن أبي الْجِنّ ولد فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين وروى عَنهُ الدمياطي وَدفن بتربته الَّتِي بالديماس سنة سِتِّينَ وست مائَة
الْكَاتِب الْمروزِي عَليّ بن مُحَمَّد بن أرسلان بن مُحَمَّد المنتجب أَبُو الْحسن ابْن أبي عَليّ الْكَاتِب من أهل مرو كَاتب شَاعِر بليغ جال فِي آفَاق الْعرَاق وَكَانَ مليح الْحَظ وَكَانَ يحفظ القصيدة أَرْبَعِينَ بَيْتا من مرّة وَاحِدَة وَلَعَلَّه مَا رأى مثل نَفسه فِي فنه اجْتمعت فِيهِ أَسبَاب المنادمة وَالْكِتَابَة وصحبة الْمُلُوك قتل فِي الْوَقْعَة الخوارزم شاهية سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره من الطَّوِيل
(إِذا الْمَرْء لم تغن العفاة صلَاته ... وَلم ترغم الْقَوْم العدى سطواته)
(وَلم يرض فِي الدُّنْيَا صديقا وَلم يكن ... شَفِيعًا لَهُ فِي الْحَشْر مِنْهُ نجاته)
(فَأن شَاءَ فليهلك وَإِن شَاءَ فليعش ... فسيان عِنْدِي مَوته وحياته)
الْأَنْطَاكِي الْمُقْرِئ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن بشر أَبُو الْحسن الْأَنْطَاكِي الْمُقْرِئ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَرَأَ بِبَلَدِهِ على إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّزَّاق الْأَنْطَاكِي بالروايات وصنف قِرَاءَة ورش وَدخل الأندلس وَكَانَ بَصيرًا بِالْعَرَبِيَّةِ والحساب وَله حَظّ من الْفِقْه وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة
الْحَنْبَلِيّ الزَّاهِد عَليّ بن مُحَمَّد بن بشار أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الزَّاهِد روى عَن صَالح ابْن الإِمَام أَحْمد وَكَانَ من أَعْيَان حنابلة بغداذ وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مائَة(21/279)
الشريف فتح الدّين)
عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد بن حجون الشريف فتح الدّين ابْن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القنائي سمع الحَدِيث من أبي بكر ابْن الْأنمَاطِي وخاله قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيرهمَا وَكَانَ من الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء الأدباء الشُّعَرَاء مرتاض النَّفس سَاكِنا عفيفاً كثير الاتضاع جمع وَألف وَكتب وصنف وَاخْتصرَ الرَّوْضَة وَله الْيَد الطُّولى فِي حل الألغاز وَله فِيهَا نظم كثير وَتُوفِّي بقوص رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبع مائَة وَمن شعره لغز فِي كمون من السَّرِيع
(يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا ... عَن اسْم شَيْء قل فِي سومك)
(تبصره بِالْعينِ فِي يقظة ... كَمَا يرى بِالْقَلْبِ فِي نومك)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(كم من خليلين صَحَّ الود بَينهمَا ... دهراً وداما على الْإِنْصَاف واتفقا)
(رماهما الدَّهْر إِمَّا بالمنية أَو ... بالبعد أَو بانصرام الود فَافْتَرقَا)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(مَا بَال ليلِي أَمْسَى لَا نَفاذ لَهُ ... وَكَانَ قبل النَّوَى فِي غَايَة الْقصر)
(وَلم يخص النَّوَى دو اللقا سهر ... حَتَّى أعلل طول اللَّيْل بالسهر)
(وَإِنَّمَا عيشي الصافي بقربكم ... تبدل الْآن مِنْهُ الصفو بالكدر)
ابْن ابْن العميد الْوَزير عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل هُوَ الْوَزير أَبُو الْفَتْح ابْن العميد تقدم ذكر وَالِده كَانَ وَزِير ركن الدولة بعد أَبِيه أبي الْفضل وَتَوَلَّى ذَلِك وسنه اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة
وَكَانَ ذكياً متوقداً أديباً متوسطاً وَله نظم وَترسل(21/280)
لكنه ولد نعْمَة شَدِيد الْعجب والدالة وَحمل النَّفس على مَا تَدعُوهُ إِلَيْهِ الحداثة فسد رَأْي عضد الدولة فِيهِ فَلَمَّا توفّي ركن الدولة وَسَار مؤيد الدولة من إصبهان إِلَى الرّيّ استصحب مَعَه الصاحب بن عباد كَاتبه وأقرأ أَبَا الْفَتْح ابْن العميد على حَملته ورتبه فِي مَنْزِلَته وَقدمه ومكنه فاستمر على عَادَته فِي الإدلال والاستبداد والمضي على وَجهه فِي كل الْأَحْوَال فاستوحش مِنْهُ مؤيد الدولة وترددت بَينه وَبَين عضد الدولة مكاتبات ومراسلات فِي بَابه فَقبض عَلَيْهِ مؤيد الدولة فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَلما حبس وعذب لاستخراج الْأَمْوَال سملت عينه وجزت لحيته)
وجدع أَنفه ففتق جيب جبته وَأخرج مِنْهُ رقْعَة تشْتَمل على ودائع أَمْوَاله وذخائره فألقاها فِي النَّار وَقَالَ للْمُوكل بِهِ اصْنَع مَا شِئْت فو الله لَا يصل إِلَيْكُم من أَمْوَالِي المستورة حَبَّة وَاحِدَة
فَمَا زَالَ يعذبه إِلَى أَن مَاتَ وَقد ذكر أَبُو حَيَّان التوحيدي سَبَب الْقَبْض عَلَيْهِ مُسْتَوفى وَأوردهُ ياقوت فِي تَرْجَمَة أبي الْفَتْح ابْن العميد وَأنْشد فِي آخر حَاله من الْبَسِيط
(راعوا قَلِيلا فَلَيْسَ الدَّهْر عبدكم ... كَمَا تظنون وَالْأَيَّام تنْتَقل)
وَمن شعره وَهُوَ فِي الْحَبْس من السَّرِيع
(بدل من صُورَتي المنظر ... لكنه مَا بدل الْمخبر)
(وَلَيْسَ لي حزن على فَائت ... لَكِن على من لَيْسَ يستعبر)
(وواله الْقلب بِمَا مسني ... مستخبر عني فَلَا يخبر)
(فَقل لمن سر بِمَا سَاءَنِي ... لَا بُد للمسلك أَن يعبر)
وَوجد على حَائِط محبس ابْن العميد بعد قَتله من الْخَفِيف
(ملك شدّ لي عرى الْمِيثَاق ... بِأَمَان قد سَار فِي الْآفَاق)
(لم يحل رَأْيه وَلَكِن دهري ... حَال عَن رَأْيه فَشد وثاقي)
(فقرى الْوَحْش من عِظَامِي ولحمي ... وَسَقَى الأَرْض من دمي المهراق)
(فعلى من تركته من قريب ... أَو حبيب تَحِيَّة المشتاق)
وَفِي بني العميد يَقُول الْقَائِل من الوافر
(مَرَرْت على ديار بني العميد ... فألفيت السَّعَادَة فِي خمود)
(فَقل للشامت الْبَاغِي رظويداً ... فَإنَّك لم تبشر بالخلود)
وَكَانَ أَبوهُ أَبُو الْفضل قد جعل عَلَيْهِ عيُونا يَرْصُدُونَهُ ويطالعونه بأخباره ومتجدداته فَقَالَ(21/281)
لَهُ بَعضهم إِنَّه اللَّيْلَة كتب إِلَى فلَان يَسْتَدْعِي مِنْهُ شرابًا فَحمل ذَلِك إِلَيْهِ مَا يَحْتَاجهُ من نقل ومشموم ومشروب فَدس أَبوهُ إِلَى ذَلِك الرجل من يَأْتِيهِ بِالْوَرَقَةِ فَأَتَاهُ بهَا وَإِذا فِيهَا بِخَطِّهِ بعد الْبَسْمَلَة قد اغتنمت اللَّيْلَة أَطَالَ الله بَقَاء سَيِّدي ومولاي رقدة من عين الدَّهْر وانتهزت فِيهَا فرْصَة من فرص الْعُمر وانتظمت مَعَ أَصْحَابِي فِي سمط الثريا فَإِن لم تحفظ علينا النظام بإهداء المدام عدنا كبنات نعش وَالسَّلَام)
فاستطير أَبوهُ فَرحا وإعجاباً بِهَذِهِ الرقعة البديعة وَقَالَ الْآن ظهر لي أثر براعته ووثقت بجريه فِي طريقي ونيابته منابي وَوَقع لي بألفي دِينَار
(لَئِن كَفَفْت وَإِلَّا ... شققت مِنْك ثِيَابِي)
فأصغى أَبُو الْفَتْح وَقَالَ فِي الْوَقْت من المجتث
(يَا مُولَعا بعذابي ... أما رحمت شَبَابِي)
(تركت قلبِي تيهاً ... نهب الأسى والتصابي)
(إِن كنت تنكر مَا بِي ... من ذلتي واكتئابي)
(فارفع قَلِيلا قَلِيلا ... عَن الْعِظَام ثِيَابِي)
وَمن شعره من الطَّوِيل
(يَقُول لي الواشون كَيفَ تحبها ... فَقلت لَهُم بَين المقصر والغالي)
(وَلَوْلَا حذَارِي مِنْهُم لصدقتهم ... وَقلت هوى لم يهوه قطّ أمثالي)
(وَكم من شفيق قَالَ مَا لَك واجماً ... فَقلت أَبى مَالِي وتسألني مَالِي)
وَمن شعره من الْكَامِل
(إِنِّي مَتى أهزز قناتي تنتثر ... أوصالها أنبوبة أنبوبا)
(أَدْعُو بعاليها العلى فتجيبني ... وأقي بِحَدّ سنانها المهروبا)
وَمن شعره من الْكَامِل
(مَا زلت فِي سكري ألمع كفها ... وذراعها بالقرص والْآثَار)
(حَتَّى تركت أديمها وكأنما ... غرس البنفسج فِيهِ بالجمار)
وَقَالَ الثعالبي كنت عِنْد أبي الْفَتْح ابْن العميد فِي يَوْم شَدِيد الْحر وَقد رمت الهاجرة(21/282)
بجمراتها فَقَالَ لي مَا قَول الشَّيْخ فِي قلبه فَلم أفطن مَا أَرَادَ فَلَمَّا كَانَ بعد قَلِيل أَتَى من استدعاني إِلَى مجْلِس وَالِده فَلَمَّا مثلت بَين يَدَيْهِ تَبَسم وَقَالَ لي مَا قَول الشَّيْخ فِي قلبه فبهت وَسكت وَمَا زلت أفكر حَتَّى تنبهت أَنه أَرَادَ الخيش لِأَنَّهُ كَانَ على أبي الْفَتْح من جِهَة وَالِده من يطالعه بأخباره فَكتب إِلَى أَبِيه بِتِلْكَ اللَّفْظَة فِي تِلْكَ السَّاعَة فدعاني لفرط اهتزازه لَهَا
وَوجد لَهُ أَبوهُ يَوْمًا رقْعَة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ فِيهَا بيتان وهما من السَّرِيع
(أديبنا الْمَعْرُوف بالكردي ... يولع بالغلمان والمرد)
)
(أدخلني يَوْمًا إِلَى بَيته ... فناكني والأير من عِنْدِي)
فَغَضب وَقَالَ أمثل وَلَدي يكْتب بِهَذَا الْفُحْش والفجور أما وَالله لَوْلَا وَلَوْلَا وَلَوْلَا ثمَّ أمسك كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا حكم لَهُ من سوء الْعَاقِبَة وَقصر الْعُمر
الْأَسدي الفارقي عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى بن عَليّ بن مَيْمُون أَبُو الْحسن الْأَسدي الْحَنَفِيّ الفارقي الْبَغْدَادِيّ كَانَ غالياً فِي التَّشَيُّع مليح النادرة ذَا مجون ودعابة سمع شئياً من الحَدِيث من أبي ابْن مخلد وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
ابْن النيار الْمُقْرِئ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن شيخ الشُّيُوخ أَبُو الْحسن إِبْنِ النيار الْمُقْرِئ الْبَغْدَادِيّ صدر الدّين
هُوَ الَّذِي لقن المستعصم بِاللَّه ونال فِي خِلَافَته الحشمة والجاه وَالْحُرْمَة روى عَنهُ الدمياطي وَغَيره وَذبح بدار الْخلَافَة مَعَ الْجُمْلَة فِي من قَتله التتار سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة
الْبَزْدَوِيّ الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن مُجَاهِد أَبُو الْحسن فَخر الْإِسْلَام الْحَنَفِيّ الْبَزْدَوِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْوَاو شيخ الْحَنَفِيَّة وأستاذ الْأَئِمَّة صَاحب الطَّرِيقَة على الْمَذْهَب وتنبيه الْأَعْلَام(21/283)
وبزدة الْمَنْسُوب إِلَيْهَا قلعة حَصِينَة على سِتَّة فراسخ من نسف توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
القَاضِي أَبُو تَمام الوَاسِطِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن يزْدَاد القَاضِي أَبُو تَمام الْعَبْدي الوَاسِطِيّ مُسْند أهل وَاسِط كَانَ معتزلياً كَذَا قَالَه الْخَطِيب توفّي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبع مائَة
إِبْنِ كاس الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم النَّخعِيّ الْكُوفِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كاس ولي قَضَاء دمشق وَغَيرهَا وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه كَبِير الْقدر من ولد الأشتر النَّخعِيّ غرق يَوْم عَاشُورَاء فَأخْرج ثمَّ مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَله كتاب يغض فِيهِ من الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ورد عَلَيْهِ نصر الْمَقْدِسِي وَكَانَ قد سمع الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان العامري وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله الْقصار وَإِبْرَاهِيم بن أبي العنبس وَالْحسن بن مكرم وَأحمد بن أبي عزْرَة)
وَأحمد بن يحيى الأودي وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو عَليّ بن هرون وَأَبُو بكر الربعِي وَابْن زير وَالدَّارَقُطْنِيّ والمعافا بن زَكَرِيَّاء وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين وَعبد الْوَهَّاب الْكلابِي
ابْن النبيه الشَّاعِر عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن يُوسُف بن يحيى الأديب الشَّاعِر البارع كَمَال الدّين أَبُو الْحسن ابْن النبيه الْمصْرِيّ صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور مدح بني الْعَبَّاس واتصل بِالْملكِ الْأَشْرَف مُوسَى وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء وَسكن نَصِيبين
توفّي حادي عشْرين جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وست مائَة بنصيبين وَهَذَا ديوانه الْمَشْهُور أَظن أَنه هُوَ الَّذِي جمعه من شعره وانتقاه لِأَنَّهُ كُله منقى منقح الدرة وَأُخْتهَا وَإِلَّا فَمَا هَذَا شعر من(21/284)
لَا نظم لَهُ إِلَّا هَذَا الدِّيوَان الصَّغِير
نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ بِدِمَشْق فِي صبي يشْتَغل بِعلم الهندسة من الطَّوِيل
(وَبِي هندسي الشكل يسبيك لحظه ... وخال وخد بالعذار مطرز)
(ومذ خطّ بيكار الْجمال عذاره ... كقوس علمنَا أَنما الْخَال مَرْكَز)
وَقلت أَنا أَيْضا من الْكَامِل
(يَا أَيهَا الرشأ الَّذِي لما بدا ... محيت لَدَيْهِ محَاسِن الأقمار)
(مَا رَاح خدك وَهُوَ دَائِرَة المنى ... إِلَّا وخالك مَرْكَز البركار)
ونقلت مِنْهُ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي مبقلة من السَّرِيع
(مبقلة أعجبني شكلها ... يسرح مِنْهَا الطّرف فِي مرج)
(كَأَنَّمَا قسْمَة أبياتها ... لما بَدَت رقْعَة شطرنج)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من الطَّوِيل
(تعلمت علم الكيمياء لحبه ... غزال بجسمي مَا بِعَيْنيهِ من سقم)
(فَصَعدت أنفاسي وقطرت أدمعي ... فحصت بذا التَّدْبِير تصفيرة الْجِسْم)
ونقلت مِنْهُ قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي صبي يَهُودِيّ رَآهُ بِدِمَشْق فَأَحبهُ من السَّرِيع
(من آل إِسْرَائِيل علقته ... أسقمني بالصد والتيه)
(قد أنزل السلوى على قلبه ... وَأنزل الْمَنّ على فِيهِ)
)
وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ من السَّرِيع
(لَاحَ على وجنته عَارض ... كالعرض الْقَائِم بالجوهر)
(يَا شعر لَا تكذب على خَدّه ... مَا ذَاك إِلَّا صدأ المغفر)
وَقَالَ دخلت أَنا وَهُوَ على الصاحب الْوَزير صفي الدّين ابْن شكر رَحمَه الله وَقد حم بقشعريرة فِي بعض أمراضه فأنشده من مجزوء الرجز
(تَبًّا لحماك الَّتِي ... أضنت فُؤَادِي وَلها)
(هَل سَأَلتك حَاجَة ... فَأَنت تهتز لَهَا)(21/285)
فَكَانَت جَائِزَة هذَيْن الْبَيْتَيْنِ استخدامه لَهُ على ديوَان أوقاف الْجَامِع الْمَعْمُور بِدِمَشْق بجراية وافرة وجار موفور قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من قصيدة أشرفية من المتقارب
(بَرَزْنَا إِلَى الرَّمْي فِي حلبة ... حسان الْوُجُوه خفاف الْمضَارب)
(بنادقهم فِي عُيُون القسيّ ... كأحداقهم تَحت قسي الحواجب)
(فَتلك لَهَا طَائِر فِي السما ... وهذي لَهَا طَائِر الْقلب وَاجِب)
وَمِنْهَا فِي وصف البزاة من المتقارب
(بزاة لَهَا حدق الأفعوان ... وأظفارها كحماة العقارب)
(فللأفق نسران ذَا وَاقع ... وَذَا طَائِر حذر الْمَوْت هارب)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من أَبْيَات من الْبَسِيط
(يَا جاذب الْقوس تَقْرِيبًا لوجنته ... والهائم الصب مِنْهَا غير مقترب)
(أَلَيْسَ من نكد الْأَيَّام يحرمها ... فمي ويلثمها سهم من الْخشب)
قَالَ وأنشدني لنسه يمدح الْوَزير يُوسُف بن الْحُسَيْن من الْخَفِيف
(بدر تمّ لَهُ من الشّعْر هاله ... من رَآهُ من المحبين هاله)
(قصر اللَّيْل حِين زار وَلَا غ ... رو غزال غارت عَلَيْهِ الغزالة)
(يَا نسيم الصِّبَا عساك تحمل ... ت لنا من سكان نجد رساله)
(كل معسولة المراشف بيضًا ... ء حمتها سمر القنا العسالة)
(عانقتني كصارمي وأدارت ... معصميها فِي عَاتِقي كالحماله)
(إِن بالرقمتين ملعب لَهو ... بسطت دوحه علينا ظلاله)
)
(معلم معلم وشى بَسطه الزه ... ر وحاكته دِيمَة هطاله)
(وَكَأن الْحمام فِيهِ قيان ... أعربت لحنها على غير آله)
وَكَأن الْقَضِيب شمر للرقص سحيراً عَن سَاقه أذياله
(إِن خوض الدِّمَاء أطيب عِنْدِي ... من مطايا أمست تشكى كلاله)
(فَهِيَ مثل القسي شكلاً وَلَكِن ... هِيَ فِي السَّبق أسْهم لَا محاله)
تركتهَا الحداة بالخفض وَالرَّفْع حروفها فِي جرها عماله
(نَحْو بَاب الْوَزير يُوسُف نجم ال ... دين نجل الْحُسَيْن زين الجلاله)(21/286)
(كم لَهُ من رِسَالَة تعجز الْخلّ ... ق كَأَن الْبَارِي بهَا أوحى لَهُ)
(ذُو يَد موسوية ومحيا ... يوسفي إِذا رَأَيْت جماله)
(بسط الْجُود عِنْدَمَا بسط السا ... ئل فِي نيل جوده آماله)
(دَاره جنَّة النَّعيم فَمن فا ... ز بتقبيل تربها طُوبَى لَهُ)
قلت وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن يُوسُف التلعفري لَهُ قصيدة على هَذَا الْوَزْن وَقلت أَنا وَهِي من مبادي مَا نظمت فِي زمن الصِّبَا من الْخَفِيف
(ذكر البان بالعقيق وضاله ... عِنْدَمَا شام برقه فأضاله)
(واعتراه إِلَى الديار حنين ... كَاد يقْضِي أَو قضى لَا محاله)
(أَي عَيْش يهنا بِقَوْلِي ... عساهم والأماني على الْمحَال محاله)
(بِأبي أهيف تعلم مِنْهُ ... غُصْن البان ميله واعتداله)
(وَحَكَاهُ الخطي لوناً وليناً ... لم يزده وَذَاكَ شَرط العداله)
(مَا تثنى عطفاه إِلَّا وأمست ... ألف الْقد بالنسيم مماله)
(شمس أفق فَإِن أدَار لثاماً ... قلت بدر السَّمَاء فِي وسط هاله)
(نقط الْحسن خَدّه سَواد ... فاعترى الْقلب غيرَة حِين خَاله)
(قيل لي ذَا الَّذِي غَدَوْت ترَاهُ ... عَمه بالجمال أصبح خَاله)
(إِن تكلفت فِي هَوَاهُ سلواً ... جَاءَنِي حسنه بألفي دلاله)
(أصل مَا بِي دلاله قد دهاني ... وبراني فَلَا عدمت دلاله)
(وَكَأَنِّي بِهِ تخيل دمعي ... أَنه قد أساله فأساله)
)
(وأذاب الْفُؤَاد بالوجد حَتَّى ... رق مِمَّا بِهِ العدى والأسى لَهُ)
(لست أنسى ليالياً قد تولت ... نلْت فِيهَا من الحبيب وصاله)
(كلما مدت النُّجُوم شباكاً ... منع الصُّبْح أَن تصاد الغزاله)
(أَو تبدت فِيهَا طلائع فجر ... سل برق الدجى عَلَيْهِ نصاله)
(أَيهَا الْقلب عد عَن ذكر هَذَا ... إِن عين الزَّمَان فِيهَا كلاله)
(مَا فؤاد الْمُحب إِلَّا مذاب ... ودموع المشوق إِلَّا مذاله)
(وَكَلَام العذول إِلَّا ملام ... ونفار الحبيب إِلَّا ملاله)(21/287)
ونقلت من خطه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ قصيدته الرقطاء يعجم مِنْهَا حرف وَيُطلق حرف وسماها مضمار الخواطر يمدح بهَا الْوَزير علم الدّين يحيى بن الصاحب صفي الدّين ابْن شكر وَهِي من مجزوء الرجز قد فَازَ عِنْدِي رجل بحبه يستعجل
(ريم غرير نافر ... شويدن مخلخل)
(أضلنا فَلَا ترى ... لنا برشد سبل)
(فويح قلب صبه ... قلب مشوق وَجل)
(لَيْسَ يُطِيع قلبه ... فَلَا تلح عذل)
(قُم يَا نديم ترتوي ... من كف ريم يرفل)
(أَبْلَج حيانا بصبح ... تَحت ليل يسبل)
(بكفه قد شعشعت ... كبرق ليل يعجل)
(جلّ فَلَا يدْخل غم ... قطّ قلباً تدخل)
يحياي كن لي إِن هَذَا زمن مزلزل
(لَا خوف من آفاته ... بِرَبّ عزم يكفل)
(هَذَا قصيد بك قد ... جلّ فَلَا يمثل)
وَقَالَ وأنشدني لنَفسِهِ من الطَّوِيل
(رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا ... فَمَا أَكثر الْقَتْلَى وَمَا أرخص الأسرى)
(خُذُوا حذركُمْ من خارجي عذاره ... فقد جَاءَ زحفاً فِي كتيبته الخضرا)
)
(غُلَام أَرَادَ الله إطفاء فتْنَة ... بعارضه فاستأنفت فتْنَة أُخْرَى)
(فزرفن بالأصداغ جنَّة خَدّه ... وأرخى عَلَيْهَا من ذوائبه سترا)
(أغن يُنَاجِي شعره حلي خصره ... كَمَا يعتب المعشوق عاشقه سرا)
(وصلت بداجي شعره ليل وَصله ... فَلم أر صبحاً غير غرته الغرا)
(أخوض عباب الْمَوْت من دون ثغره ... كَذَاك يغوص الْبَحْر من طلب الدرا)
(غزال رخيم الدل فِي يَوْم سلمه ... وَلَيْث لَهُ فِي حربه البطشة الْكُبْرَى)
(دري بِحمْل الكأس فِي يَوْم لَذَّة ... وَلَكِن بِحمْل السَّيْف يَوْم الوغى أدرى)(21/288)
(أهيم بِهِ فِي عقده أَو نجاده ... فَلَا بُد فِي السَّرَّاء مِنْهُ وَفِي الضرا)
(وظامية الخلخال إِن وشاحها ... فَهَذَا قد اسْتغنى وَذَاكَ اشْتَكَى الفقرا)
(تلأتلأ در العقد تيهاً بجيدها ... وَسَاكن ذَاك النَّحْر لَا يذكر الْبَحْر)
(لَهَا معصم لَوْلَا السوار يصده ... إِذا حسرت أكمامها لجرى نَهرا)
(دعتني إِلَى السلوان عَنهُ بحبها ... فَمَا كنت أرْضى بعد إيماني الكفرا)
(بِأَيّ اعتذار ألتقي حسن وَجهه ... إِذا خدعتني عَنهُ غانية عذرا)
(تَقول وَقد أزرى بهَا حسن وَصفه ... لحى الله رب الشّعْر أَو ناظم الشعرا)
(ألم ترني بَين السماطين منشداً ... كَأَنِّي على شاه أرمن أنثر الدرا)
(مليك كريم باسل عَم عدله ... فَمن حَاتِم وَابْن الْوَلِيد وَمن كسرا)
(أَنِّي سخي تَحت سطوته الْغنى ... فخف وتيقن أَن فِي عسره يسرا)
(هُوَ الْبَحْر بل اسْتغْفر الله إِن فِي ... بنان يَدَيْهِ للندى أبحراً عشرا)
(إِذا قَامَ ينميه الْخَطِيب بمنبر ... تأود تيهاً واكتسى وَرقا خضرًا)
(لحى الله حَربًا لم يكن قلب جيشها ... ومجلس عدل لَا يكون بِهِ صَدرا)
وَقَالَ أنْشد الصاحب صفي الدّين بحضوري هَذِه الأبيات من الْخَفِيف
(قُمْت ليل الصدود إِلَّا قَلِيلا ... ثمَّ رتلت ذكركُمْ ترتيلا)
(ووصلت السهاد أقبح وصل ... وهجرت الرقاد هجراً جميلا)
(مسمع كل من كَلَام عذولي ... حِين ألْقى عَلَيْهِ قولا ثقيلا)
(وفؤاد قد كَانَ بَين ضلوعي ... أَخَذته الأحداق أخذا وبيلا)
)
(قل لرامي الجفون أَن لعَيْنِي ... فِي بحار الدُّمُوع سبحاً طَويلا)
(مَاس عجبا عَن كَأَنَّهُ مَا رَآنِي ... غصناً طليحاً وَلَا كثيباً مهيلا)
(وَحمى عَن محبه كاس ثغر ... حِين أضحى مزاجها زنجبيلا)
(بَان عني فَصحت فِي أثر العي ... س ارحموني ومهلوهم قَلِيلا)
(أَنا عبد للصاحب ابْن عَليّ ... قد تبتلت للثنا تبتيلا)
(لَا تسمه وَعدا نبيل نوال ... إِنَّه كَانَ وعده مَفْعُولا)
(رَاع أعداءه بصفر اليراعا ... ت فأنسى صريرهن الصهيلا)(21/289)
(وَإِذا كَانَ خصمك الدَّهْر والحك ... م إِلَى الله فاتخذه وَكيلا)
(إِن مدحي لَهُ أَشد وطآء ... وقرضي أقوى وأقوم قيلا)
(جلّ عَن سَائِر الْبَريَّة قدرا ... فاخترعنا لمدحه التنزيلا)
قلت وَمن شعره من الْبَسِيط
(باكر صبوحك أهنى الْعَيْش باكره ... فقد ترنم فَوق الأيك طَائِره)
(وَاللَّيْل تجْرِي الدراري فِي مجرته ... كالروض تطفو على نهر أزاهره)
(وكوكب الصُّبْح نجاب على يَده ... مخلق تملأ الدُّنْيَا بشائره)
(فانهض إِلَى ذوب ياقوت لَهَا حبب ... تنوب عَن ثغر من تهوى جواهره)
(جمراء فِي وجنة الساقي لَهَا شبه ... فَهَل جناها مَعَ العنقود عاصره)
(سَاق تكون من صبحٍ وَمن غسقٍ ... فابيض خداه واسودت غدائره)
(مفلج الثغر معسول اللمى غنج ... مؤنث الجفن فَحل اللحظ شاطره)
(مهفهف الْقد يندى جِسْمه ترفاً ... مخصر الخصر عبل الردف وافره)
(بيض سوالفه لعس مراشفه ... نعس نواظره خرس أساوره)
(تعلمت بانة الْوَادي شمائله ... وزورت سحر عَيْنَيْهِ جآذره)
(كَأَنَّهُ بسواد الصدغ مكتحل ... وَركبت فَوق خديه محاجره)
(نَبِي حسن أظلتنا ذوائبه ... فَقَامَ فِي فَتْرَة الأجفان ناظره)
(فَلَو رَأَتْ مقلتا هاروت آيَته ال ... كبرى لآمن بعد الْكفْر ساحره)
(قَامَت أَدِلَّة صدغيه لعاشقه ... على عذول أَتَى فِيهِ يناظره)
)
(خُذ من زَمَانك مَا أَعْطَاك مغتنماً ... وَأَنت ناه لهَذَا الدَّهْر آمره)
(فالعمر كالكأس تُسْتَحْلى أوائلُهُ ... لكنّهُ رُبمَا مُجَّتْ أواخرُهُ)
وَمِنْه من قصيدة من الطَّوِيل
(وَفِي الكلة الْحَمْرَاء بَيْضَاء طفلة ... بزرق عُيُون السمر يحمى احورارها)
(أثار لَهَا نقع الْجِيَاد سرادقاً ... بِهِ دون ستر الخدر عَنَّا استتارها)
(لَهَا طلعة من شعرهَا وجبينها ... تعانق فِيهَا لَيْلهَا ونهارها)
(لَهَا من مهاة الرمل جيد ومقلة ... وَلَيْسَ لَهَا استيحاشها ونفارها)(21/290)
(وَمَا سكنت وَادي العقيق وَلَا الغضا ... وَلَكِن بعيني أَو بقلبي دارها)
(إِذا مَا الثريا والهلال تقارنا ... أشكك هَل ذَا قُرْطهَا وسوارها)
(فَأَي قضيب جال فِيهِ وشاحها ... وَأي كثيب ضَاقَ عَنهُ إزَارهَا)
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل لُؤْلُؤ ثغرها ... بِأَن نفيسات اللآلي صغارها)
(هِيَ الْبَدْر إِلَّا أَن عِنْدِي محاقه ... هِيَ الْخمر إِلَّا أَن حظي خمارها)
(أيا كعبة من خالها حجر لَهَا ... بعيد علينا حَجهَا واعتمارها)
(فَإِن بلغتهَا النَّفس يَوْمًا بشقها ... فقلبي لَهَا هدي ودمعي جمارها)
وَمِنْه من الْكَامِل
(طَابَ الصبوح لنا فهاك وهات ... واشرب هَنِيئًا يَا أَخا اللَّذَّات)
(كم ذَا التواني والشباب مُطَاوع ... والدهر سمح والحبيب مواتي)
(قُم فاصطبح من شمس كاسك واغتبق ... بكواكب طلعت من الكاسات)
(صفراء صَافِيَة توقد بردهَا ... فعجبت للنيران فِي الجنات)
(ينسل من قار الظروف حبابها ... والدر مجتلب من الظُّلُمَات)
(عذراء وَاقعهَا المزاج أما ترى ... منديل عذرتها بكف سقاني)
(وتريك خيط الصُّبْح مقتولاً إِذا ... مرقت من الراووق فِي الطاسات)
(يسْعَى بهَا عبل الروادف أهيف ... خنث الشَّمَائِل شاطر الحركات)
(يهوي فتسبقه أساود شعره ... ملتفة كأساود الْحَيَّات)
(يدْرِي منَازِل نيرات كؤوسه ... مَا بَين منصرف وَآخر آتٍ)
)
(لَو قسمت أرزاقنا بِيَمِينِهِ ... عدل الزَّمَان على ذَوي الْحَاجَات)
(حظي من الزَّمن الْقَلِيل وَهَذِه ... نفثات فِي وَهَذِه كلماتي)
وَمِنْه من السَّرِيع
(سواي فِي سلوته يطْمع ... فعنفوا إِن شِئْتُم أَو دعوا)
(أوضحتم الرشد فَمن يَهْتَدِي ... وقلتم الْحق فَمن يسمع)
(بِي ضيق الْعين وَإِن أطنبوا ... فِي الحدق النجل وَإِن أوسعوا)
(اللَّيْل من شعرته مُسبل ... وَالشَّمْس من طلعته تطلع)(21/291)
وَمِنْه من الوافر
(أَمَانًا أَيهَا الْقَمَر المطل ... فَفِي جفنيك أسياف تسل)
(يزِيد جمال وَجهك كل يَوْم ... ولي جَسَد يذوب ويضمحل)
(وَمَا عرف السقام طَرِيق جسمي ... وَلَكِن دلّ من أَهْوى يدل)
(يمِيل بطرفه التركي عني ... صَدقْتُمْ إِن ضيق الْعين بخل)
(إِذا نشرت ذوائبه عَلَيْهِ ... ترى مَاء يرف عَلَيْهِ ظلّ)
قلت أخذت هَذَا الْمَعْنى من الرَّابِع وَقلت من السَّرِيع
(أترك هوى الأتراك إِن شِئْت أَن ... لَا تبتلي فيهم بهم وضير)
(وَلَا ترج الْجُود من وصلهم ... مَا ضَاقَتْ الْأَعْين مِنْهُم لخير)
وَمن شعر ابْن النبيه من الوافر
(جد وجدي بحب لاه وأودى ... بفؤاده تذكاره وَهُوَ نَاس)
(من بني التّرْك لين الْعَطف قاسي ال ... قلب سهل القياد صَعب المراس)
(ضيق الْعين وَهِي من صفة البخ ... ل فَإِن جاد كَانَ ضد الْقيَاس)
وَمِنْه من الْكَامِل
(قُم يَا غُلَام نصيحة من نصح ... فالديك قد صدع الدجا لما صدح)
(خَفِيف تباشير الصَّباح فسقني ... مَا ضل فِي الظلماء من قدح الْقدح)
(صهباء مَا لمعت بكف مديرها ... لمقطب إِلَّا تهلل وانشرح)
(وَالله مَا مزج المدام بِمَائِهَا ... لكنه مزج المسرة بالفرح)
)
(وضحت فلولا أَنَّهَا تروي الظما ... قُلْنَا شراب أَو سراب قد طفح)
(هِيَ صفوة الْكَرم الْكَرِيم فَمَا بَدَت ... سراؤها فِي باخل إِلَّا سمح)
(من كف فتان القوام بِوَجْهِهِ ... عذر لمن خلع العذار أَو اطرَح)
(قمر شقائق مرج وجنته حمى ... مَا شقها سرج العذار وَلَا سرح)
(ولى بِشعر كالظلام إِذا دجا ... وأتى بِوَجْه كالصباح إِذا وضح)
(يَهْتَز كالغصن الرطيب على النقا ... ذَا خف فِي طي الوشاح وَذَا رجح)
(النرجس الْغُصْن اسْتَحى من طرفه ... وشعره زهر الأقاح قد انْفَتح)
(وَكَأَنَّهُ متبسم بعقوده ... أَو بالثنايا قد تقلد واتشح)(21/292)
قلت وَلابْن سناء الْملك قصيدة على هَذَا الْوَزْن تَأتي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن شعره أَيْضا من الْبَسِيط
(يَا سَاكِني السفح كم عينٍ بكم سفحت ... نزحتم فَهِيَ بعد الْبعد قد نزحت)
(لهفي لطيبة أنس مِنْكُم نفرت ... لَا بل هِيَ الشَّمْس زَالَت بَعْدَمَا جنحت)
(بَيْضَاء حجبها الواشون حِين سرت ... عني فَلَو لمحت صبغ الدجا لمحت)
(يقْتَصّ من وجنتيها قلت عاشقها ... إِن ضرجت قلبه باللحظ أَو جرحت)
(يَهْتَز بَين وشاحيها قضيب نقاً ... حمائم الْحلِيّ فِي أفنانه صدحت)
(وأسود الْخَال فِي محمر وجنتها ... كمسكة نفحت فِي جَمْرَة لفحت)
(لَهَا جفون وأعطاف عجبت لَهَا ... بِالسقمِ صحت وبالسكر الشَّديد صحت)
(وروضة وجنات الْورْد قد خجلت ... فِيهَا ضحى وعيون النرجس اتقحت)
(تشاجر الطير فِي أشجارها سحرًا ... ومالت القضب للتعنيق واصطلحت)
(والقطر قد رش ثوب الدوح حِين رأى ... مجامر الزهر من أذياله نفحت)
(باكرتها وحمام الرَّوْض نافرة ... عَن البروج بكف الصُّبْح إِذا وضحت)
(مَا بَين عذران مَاء مَسهَا لبست ... ثوب الْحباب حَيَاء مِنْهُ واتشحت)
(تشعشعت فِي يَد الساقي وَقد مزجت ... كَأَنَّهَا بنصال المَاء قد ذبحت)
(يسْعَى بهَا أهيف خفت معاطفه ... لَكِن روادفه من ثقلهَا رجحت)
(لِلْحسنِ مَاء ومرعى وفْق وجنته ... ربيع عَيْني فِيهِ كلما سرحت)
)
(قَالُوا تعشق سوى هَذَا فَقلت لَهُم ... لي همة لدني قطّ مَا طمحت)
(فِي أحسن النَّاس أشعاري إِذا نسبت ... وَفِي أجل مُلُوك الأَرْض قد مدحت)
قلت وَفِي تَرْجَمَة صفي الدّين عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا الحلِّي قصيدة على وزن هَذِه ذكرتها هُنَاكَ وَهَذِه أصنع ولي أَنا قصيدة فِي هَذَا الْوَزْن وعَلى هَذَا الروي أستحيي أَن أذكرها بعد هَذِه وَلَكِن فتْنَة الْإِنْسَان بكلامة أوجبت إيرادها وَهِي من الْبَسِيط
(وفى لَهَا الْحسن طَوْعًا بِالَّذِي اقترحت ... فَلَو رأتها بدور التم لافتضحت)
(كَأَنَّهَا الْبَدْر فِي ليل الذوائب قد ... تقلدت بالنجوم الزهر واتشحت)
(صحت على سقم أجفانها وَكَذَا ... أعطافه وَهِي سكرى بالشباب صحت)
(تفري حشاي وتفنيها لواحظها ... مَا ضرّ تِلْكَ الصفاح الْبيض لَو صفحت)(21/293)
(مهاة حسن أداريها إِذا نفرت ... عني وأعطفها بالعتب إِن جمحت)
(قد حَار فِي وصف أغزالي العذول بهَا ... وَقَالَ كَيفَ حلت فِي غادة ملحت)
(بذلت فِي وَصلهَا روحي فقد خسرت ... تِجَارَة الْحبّ فِي روحي وَمَا ربحت)
(ولي أمالي نفس طالما كذبت ... فِيهَا وَلَو جنحت نَحْو الوفا نجحت)
(زارت لتمنحني من وَصلهَا منناً ... أَهلا بهَا وَبِمَا منت وَمَا منحت)
(أَقْسَمت مَا سجعت ورق الحمائم فِي ... روض على مثل عطفيها وَلَا صدحت)
(وَكلما اعتدلت بالميل قامتها ... رَأَيْتهَا فَوق حسن الْغُصْن قد رجحت)
(وَمَا اكتسى خدها من لُؤْلُؤ عرقاً ... لَكِنَّهَا وردة بالطل قد رشحت)
(وَرب ليل خَفِيف الْغَيْم أنجمه ... أزاهر قد طفت فِي لجة طفحت)
(يَتْلُو الْهلَال الثريا فِي مطالعها ... كَأَنَّهَا شفة للكأس قد فتحت)
(وللنسيم رسالات مرددة ... وَحُمرَة الْبَرْق فِي فَحم الدجا قدحت)
(والزهر قد أوقت مِنْهُ مجامره ... فَكلما لفحت ريح الصِّبَا نفحت)
وَقَالَ ابْن النبيه من الطَّوِيل
(خدمت بديوان الْمحبَّة نَاظرا ... على غرَّة يَا لَيْتَني فِيهِ عَامل)
(وحاسب فرط السقم جسمي فَلم تكن ... توافيه إِلَّا أعظم ومفاصل)
وَقَالَ ابْن النبيه بَيْتا أبدع فِيهِ تقْرَأ كل كَلِمَتَيْنِ مِنْهُ مقلوباً وَهُوَ من الرمل)
(لبق أقبل فِيهِ هيف ... كل مَا أملك إِن غنى هبه)
وَقَالَ يمدح الْأَشْرَف مُوسَى بزجل وَهُوَ
(الزَّمَان سعيد مواتى ... والحبيب حُلْو رَشِيق)
(وَالربيع بساطو أَخْضَر ... وَالشرَاب أصفر مروق)
(والنسيم سحر تنفس ... عَن عبير أَو مسك أذفر)
(والغصون بِحَال ندامى ... من سلاف الْغَيْم تسكر)
(والغدير يمد معصم ... ينجلي فِي نقش أَخْضَر)
(والهزار يعْمل طرايق ... فِي الْغِنَا مزموم وَمُطلق)
(هَات يَا ساقي الحميا ... إِن نجم اللَّيْل غرب)(21/294)
(من يكون الْبَدْر سَاقيه ... كَيفَ لَا يشرب ويطرب)
(أَنْت والأوتار والكاس ... للهموم دوا مجرب)
(لَا تخَاف الصُّبْح يهجم ... دع يجي ويركب أبلق)
(ذَا قبس يَا بني فِي يدك ... أَو فصوص ياقوت أَحْمَر)
(لَا تَقربهَا لخدك ... تشتغل بالنَّار وتسكر)
(خجلت من نور وَجهك ... إِذْ رَأَتْ أجل منظر)
(والحباب باهت لثغرك ... من حَيَّاهُ يعوم ويغرق)
(ذَا الْمليح فِي الْجنَّة يَبْدُو ... وَأَنا مِسْكين فِي جَهَنَّم)
(آه على قبْلَة فِي جيدو ... وَأُخْرَى فِي ذَاك الفميم)
(لَو ترى حمرَة خدودو ... وعذاره المنمنم)
(كَانَ ترى ثوب أطلس ... أَحْمَر معدني بأخضر مُعتق)
(يَا نديم اسْمَع نصيحا ... لَا تنم مَا دمت يُمكن)
(الصَّباح وَمثله فِي الكاس ... مَا ترى مَا أبهج وَمَا أحسن)
(والشقيق حمرا فِي صفرا ... كَأَنَّهُ رايت شاه أرمن)
(ملك تخال جمالو ... مَا خلق وَلَيْسَ يخلق)
(الْكَرم والعفاق والباس ... عنْدك أَبُو الْفَتْح مُوسَى)
)
(الْأسد إِذا تنمر ... والعدو بِحَال فريسا)
(لم يدع فِي الدُّنْيَا يذكر ... لَا جليل وَلَا نفيسا)
(وكسا الاسلام جَلَاله ... ان ذَا سعيد موفق)
(ورشيقه المعاطف ... رأتو بَين السناحق)
(وَالْغُبَار بِحَال غمائم ... وَالسُّيُوف بِحَال بوارق)
(وسنا جبينو يَرْمِي ... بشعاع على الْخَلَائق)
(زعقت حر اّمِ زَوجي ... وَالنَّبِيّ غَدا تطلق)
فَأَرَدْت معارضته وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فَقلت وَهُوَ أول زجل نظمته
(أبْصر النّيل كَيفَ صفا لي ... وانطبع لما تملق)(21/295)
(وفرش فِي الرَّوْض بساطو ... وَهُوَ بالأزهار مُزَوق)
(هَات كاسي يَا نديمي ... مَا بَقِي للهو عاقه)
(الْفَرح شاليشو عِنْدِي ... وَالسُّرُور من خلفو سَاقه)
(والمليح عبى لي خصره ... كل باقه بلباقه)
(وَالشرَاب قَاعد مجْلِس ... حِين رأى الرواق مُعَلّق)
(أصبح النرجس فِي بَهته ... حِين رأى للورد صوله)
(والشقيق يحمل مشاعل ... وَالربيع قد صَار لَو دوله)
(والنسيم لما تحرّك ... رقص الأغصان فِي جوله)
(وَعَلِيهِ الطير غنى ... والغدير بالموج صفق)
(مَا نجومي غير ندامى ... طردوا بالسعد عكسي)
(سبقوا للهو بَدْرِي ... واحتسوا فِي الكاس شمسي)
(وَغدا يومي بنعمه ... وَعَلَيْهَا أطلب أمسي)
(فاضربوا إِلَى الرَّعْد كوسات ... وانشروا إِلَى الْبَرْق بيرق)
(أَي مليح يسبي فُؤَادِي ... عِنْدَمَا تسحر عيونو)
(مَا ينَال الصب منو ... فِي مناه إِلَّا منونو)
(لَو ثنى أعطاف قدو ... أَو تبدى نور جبينو)
)
(تبصر الأغصان فِي كَسره ... والصباح من غيظو ينشق)
(قلت قلبِي قد تقلى ... قَالَ لي من ذِي العوينات)
(قلت فِي ثغرك حلاوه ... قَالَ هِيَ سكر سنينات)
(قلت يَا زهرَة حَياتِي ... قَالَ هِيَ فِي ذِي الوجينات)
(قلت مثل الْغُصْن قدك ... قَالَ لي واحلا وأرشق)
(يَا فُؤَادِي لَا تحل عَن ... حب هَذَا الظبي الاحور)
(إياك أَن يطغيسك لائم ... قَالَ كنك بو تعذر)
(مَا ترى كافور خدو ... وَعَلِيهِ الْخَال كعنبر)
(لَا تخف صولة عذارو ... دع يجي ويركب أبلق)(21/296)
(أَبْصرت معشوق قلبِي ... جارتي يَوْم وَهُوَ دَاخل)
(فسباها بانعطافو ... وتثنيه فِي الغلائل)
(فتحت لَو قَالَت ادخل ... نعملو يَا سيد وَاصل)
(وزويجي إِن تكلم ... أكل الدره وَفرق)
وَلما مَاتَ رثاه شهَاب الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن الربعِي المنفوشي من قَرْيَة المنفوشة من قرى النّيل بِبِلَاد الْعرَاق من الْخَفِيف
(شعراء الزَّمَان إِن الْمعَانِي ... والمعالي تبْكي على ابْن النبيه)
مَاتَ روح القريض واخترم الْفضل وَحسن البديع والتشبيه
(كَانَ عِنْد الإنشاد نِيَّة مُوسَى ... فالقوافي من بعده فِي التيه)
القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن(21/297)
الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ الشَّافِعِي صَاحب التصانيف المليحة الجيدة روى عَنهُ الْخَطِيب وَوَثَّقَهُ وَمَات فِي شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبع مائَة وَبَينه وَبَين القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ فِي الْوَفَاة أحد عشر يَوْمًا ولي الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة ثمَّ سكن بَغْدَاد وتفقه على أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ بِالْبَصْرَةِ وارتحل إِلَى أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ ودرس بِالْبَصْرَةِ سِنِين كَثِيرَة وَمن تصانيفه تَفْسِير الْقُرْآن سَمَّاهُ النكت والعيون وَكتاب الْحَاوِي فِي الْفِقْه يدْخل فِي عشْرين مجلداً وَكتاب الْإِقْنَاع فِي الْفِقْه أَيْضا وأدب الدّين)
وَالدُّنْيَا وَالْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وسياسة الْملك وقوانين الوزارة وتعجيل النَّصْر وتسهيل الظفر وَكتاب فِي النَّحْو
وَكَانَ عَظِيم الْقدر مُتَقَدما عِنْد السُّلْطَان قَالَ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح وَهُوَ مُتَّهم بالاعتزال وَكنت أتأول لَهُ وأعتذر عَنهُ حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْأَوْقَات أَقْوَالهم قَالَ فِي تَفْسِيره فِي الْأَعْرَاف لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى جعلنَا لكل نَبِي عدوا على وَجْهَيْن مَعْنَاهُ حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء وَالثَّانِي تركناهم على الْعَدَاوَة فَلم نمنعهم مِنْهَا وَتَفْسِيره عَظِيم الضَّرَر لكَونه مشحوناً بتأويلات أهل الْبَاطِل وَكَانَ لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى أهل الاعتزال بل يتكتم وَلكنه لَا يوافقهم على خلق الْقُرْآن ويوافقهم فِي الْقدر وَلَا يرى صِحَة الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ وَذكر أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ الْقَادِر قد تقدم إِلَى أَرْبَعَة من الْأَئِمَّة فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ليضع كل وَاحِد مُخْتَصرا فِي الْفِقْه فَوضع الْمَاوَرْدِيّ الْإِقْنَاع وَوضع الْقَدُورِيّ مُخْتَصره وَوضع عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي مُخْتَصرا وَوضع من الْحَنَابِلَة وَاحِد مُخْتَصرا وَعرضت عَلَيْهِ فَخرج الْخَادِم إِلَى الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ لَهُ قَالَ لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ حفظ الله عَلَيْك دينك كَمَا حفظت علينا ديننَا وَكَانَ قد سلك طَرِيقا فِي تَوْرِيث ذَوي أَرْحَام الْقَرِيب والبعيد سَوَاء فجَاء إِلَيْهِ كَبِير من الشَّافِعِيَّة فَقَالَ لَهُ اتبع وَلَا تبتدع فَقَالَ بل أجتهد وَلَا أقلد فَانْصَرف عَنهُ
وَلما تلقب بأقضى الْقُضَاة أنكر الصَّيْمَرِيّ والطبري أَبُو الطّيب وَغَيرهمَا ذَلِك هَذَا بعد أَن كتبُوا خطوطهم لجلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بِجَوَاز أَن يتسمى بِملك الْمُلُوك الْأَعْظَم فَلم يلْتَفت إِلَيْهِم وتلقب بأقضى الْقُضَاة إِلَى أَن توفّي وَقيل أَنه لم يظْهر شَيْئا من تصانيفه فِي حَيَاته وَجَمعهَا كلهَا فِي مَكَان وَلما دنت وَفَاته قَالَ لشخص يَثِق إِلَيْهِ إِن كتبي لم أظهرها لِأَنِّي لم أجد نِيَّة خَالِصَة لله تَعَالَى لم يشبها كدر فَإِذا أَنا وَقعت فِي النزع وعاينت الْمَوْت اجْعَل يدك على يَدي فَإِن قبضت عَلَيْهَا وعصرتها فَاعْلَم أَنه لم يقبل مني شَيْء مِنْهَا واعمد إِلَى الْكتب وألقها فِي دجلة وَإِن بسطت يَدي وَلم أقبضها على يدك فَاعْلَم أَنَّهَا قد قبلت وَأَنِّي قد ظَفرت بِمَا كنت أرجوه قَالَ فَلَمَّا وَقع النزع وضع يَده فِي يَده فبسطها(21/298)
وَلم يقبضهَا فَعلم أَنه قبل فأظهرت كتبه وَفِي كتاب سر السرُور لمحمود النَّيْسَابُورِي بيتان منسوبان إِلَى الْمَاوَرْدِيّ وهما من الطَّوِيل)
(وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله ... فأجسادهم دون الْقُبُور قُبُور)
(وَإِن امْرَءًا لم يحي بِالْعلمِ صَدره ... فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النشور نشور)
عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ الشَّافِعِي عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ المغربي الأصولي الْمصْرِيّ ولد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة اختصر كتاب الْمُحَرر وَكتاب عُلُوم الحَدِيث والمحصول فِي أصُول الْفِقْه وَالْأَرْبَعِينَ وَكَانَ عُمْدَة فِي الْفَتْوَى وروى جُزْء ابْن حوصا عَن أبي الْعَبَّاس التلمساني وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ العلامتان قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وأثير الدّين أَبُو حَيَّان وَرَأَيْت قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يعظمه كثيرا إِلَى الْغَايَة ويثني عَلَيْهِ فضائله وَكَانَ دينا صيناً وقوراً
أَخْبرنِي من لَفظه الْعَلامَة أَبُو حَيَّان قَالَ كَانَ مفتياً فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي قَرَأت عَلَيْهِ يَسِيرا من مُخْتَصره فِي أصُول الْفِقْه وَسمعت عَلَيْهِ دروساً وأنشدني لنَفسِهِ من الوافر
(رثى لي عذلي إِذْ عاينوني ... وسحب مدامعي مثل الْعُيُون)
(وراموا كحل عَيْني قلت كفوا ... فَأصل بليتي كحل الْعُيُون)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ دوبيت
(بالبلبل والهزار والشحرور ... يسبى طَربا قلب الشجي المهجور)
(فانهض عجلاً وانهب من اللَّذَّة مَا ... جَادَتْ كرماً بِهِ يَد الْمَقْدُور)
أَبُو سعد بن خلف الْكَاتِب عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو سعد الْكَاتِب النيرماني بالنُّون وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الرَّاء وَالْمِيم ألف وَنون ونيرمان قَرْيَة من قرى الْجَبَل بِالْقربِ من همذان كَانَ من جلة الْكتاب الْفُضَلَاء والرؤساء النبلاء كَانَ يخْدم فِي ديوَان بني بويه بِبَغْدَاد ومدح الإِمَام الْقَادِر وَكَانَ قد اتَّصل ببهاء الدولة ابْن عضد الدولة فصنف لَهُ(21/299)
المنثور البهائي فِي مجلدة وَهُوَ نثر كتاب الحماسة وَغَيرهَا وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَمن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة وَهِي من الطَّوِيل
(خليلي فِي بَغْدَاد هَل أَنْتُمَا ليا ... على الْعَهْد مثلي أم غَدا الْعَهْد بَالِيًا)
(وَهل ذرفت يَوْم النَّوَى مقلتاكما ... عَليّ كَمَا أمسي وَأصْبح باكيا)
)
(وَهل أَنا مَذْكُور بِخَير لديكما ... إِذا مَا جرى ذكر لمن كَانَ نَائِيا)
(وَهل فيكما من إِن تنزل منزلا ... أنيقاً وبستاناً من النُّور حاليا)
(أجد لَهُ طيب الْمَكَان وَحسنه ... منى يتمناها فَكنت الأمانيا)
(كتابي عَن شوق شَدِيد إلَيْكُمَا ... كَأَن على الأحشاء مِنْهُ مكاويا)
(وَعَن أدمع منهلة فتأملا ... كتابي تنر آثارها فِي كتابيا)
(وَلَا تيأسا أَن يجمع الله بَيْننَا ... كأحسن مَا كُنَّا عَلَيْهِ تصافيا)
(فقد يجمع الله الشتيتين بَعْدَمَا ... يظنان كل الظَّن أَن لَا تلاقيا)
(وَلَا تأنسا بالورد بعدِي واعربا ... مقَال ابْن عبد الله يخدع ساجيا)
(وَلما تفرقنا تطيرت أَن أرى ... مَكَانك مني لَا خلا مِنْك خَالِيا)
(فضمنته وردا كرياك رِيحه ... يذكرنِي مِنْك الَّذِي لست نَاسِيا)
(وَلَا تطلبا صوني إِذا مَا تغنتا ... تسر وَفَوْز جادتا لي الأغانيا)
(وخبرتما أَن تيماء منزل ... لليلى إِذا مَا الصَّيف ألْقى المراسيا)
(فهذي شهور الصَّيف عَنَّا قد انْقَضتْ ... فَمَا للنوى ترمي بليلي المراميا)
(فدى لَك يَا بَغْدَاد كل مَدِينَة ... من الأَرْض حَتَّى خطتي ودياريا)
(فقد سرت فِي سرق الْبِلَاد وغربها ... وطوقت خيلي بَينهَا وركابيا)
(فَلم أر فيهمَا مثل بَغْدَاد منزلا ... وَلم أر فِيهَا دجلة وَاديا)
(وَلَا مثل أهليها أرق شمائلاً ... وأعذب ألفاظاً وَأحلى معانيا)
(وَكم قَائِل لَو كَانَ ودك صَادِقا ... لبغداد لم ترحل وَكَانَ جوابيا)
(يُقيم الرِّجال الموسرون بأرضهم ... وَتَرْمِي النَّوى بالمقترين المراميا)
وَمن شعره يمدح الْقَادِر من الْبَسِيط
(لَا زلت تحيا لنعمى لَا نفاد لَهَا ... فِي ظلّ عز على الدولات تحتكم)(21/300)
(تغني وتفني وتستبقي وتهلك من ... ناوى وترجى ويخشى بأسك الْأُمَم)
وَكتب إِلَيْهِ من رِسَالَة طَوِيلَة من المنسرح
(خدمت لما عرفت من خدمك ... ودام عِنْدِي النَّعيم من نعمك)
(وَكَانَت النائبات تألفني ... فاحتشمتني إِذْ صرت من حشمك)
)
وَأورد لَهُ ابْن النجار فِي ذيله من الْكَامِل
(يَا ظالمي قسما عَلَيْك بِحرْمَة ال ... إِيمَان فَهِيَ نِهَايَة الْإِيمَان)
(لَا تسفكن دمي فَإِنِّي خَائِف ... جدا عَلَيْك عُقُوبَة الْعدوان)
(وَإِذ مَرَرْت على زرود فَلَا تغر ... بِالْمَشْيِ فِيهِ موائل الأغصان)
(بِاللَّه واستر ورد خدك فِيهِ لَا ... ينشق قلب شقائق النُّعْمَان)
وَأورد لَهُ أَيْضا من الْكَامِل
(عجبا لضرسك كَيفَ يشكو عِلّة ... وبجنبه من ريقك الدرياق)
(هَذَا نَظِير سقام ناظرك الَّذِي ... عافاك وابتليت بِهِ العشاق)
(أَو عقربي صدغيك إِذْ لدغا الورى ... وحماك من حميتهما الخلاق)
وَمن شعر أبي سعد ابْن خلف من الْكَامِل
(جرت النَّوَى بهم فَمَا حنوا ... رفقا بِنَا ونأوا فَمَا أنوا)
(إِن كَانَ عِنْدهم وَقد رحلوا ... أَنا نُقِيم فبئس مَا ظنُّوا)
(لَا بُد مِنْهُم أَيَّة سلكوا ... إِن أسعفوا بالوصل أَو ظنُّوا)
(لي عِنْدهم دين فوا عجبا ... الدّين لي وفؤادي الرَّهْن)
وَله ولد يعرف بِأبي الْفرج ابْن أبي سعيد الهمذاني مَذْكُور فِي شعراء الدمية لَهُ شعر جيد
الْقَابِسِيّ الْمَالِكِي عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف الإِمَام أَبُو الْحسن الْمعَافِرِي الْقَرَوِي(21/301)
الْقَابِسِيّ الْمَالِكِي عَالم إفريقية
سمع وَحدث وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وَعلله وَرِجَاله فَقِيها أصولياً متكلماً صَالحا متقناً وَكَانَ أعمى لَا يرى شَيْئا وَألف تواليف بديعة وَسمي الْقَابِسِيّ لِأَن عَمه كَانَ يشد عمَامَته شدَّة قابسية توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبع مائَة ورثاه الشُّعَرَاء وَضربت الأخبية على قَبره وَولد سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة رَحل إِلَى الْمشرق وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ بِمَكَّة من أبي زيد وَرجع إِلَى القيروان قَالَ أَبُو بكر الصّقليّ قَالَ لي أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ كذب عَليّ وَعَلَيْك سموني بالقابس وَمَا أَنا بقابسي وَإِنَّمَا السَّبَب فِي ذَلِك أَن عمي كَانَ يشد عمَامَته شدَّة قابسية فَقيل لِعَمِّي قابسي واشتهرنا بذلك وَإِلَّا فَأَنا قروي وَأَنت فَدخل أَبوك مُسَافِرًا إِلَى صقلية نسب إِلَيْهَا)
وَأول جُلُوسه للمناظرة بأثر موت أبي مُحَمَّد قَالَ من الوافر
(لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى ... لمكرمة وَفِي الدُّنْيَا كريم)
(وَلَكِن الرياض إِذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم)
ثمَّ بَكَى حَتَّى أبكى النَّاس وَقَالَ أَنا الهشيم ثَلَاثًا وَالله لَو أَن فِي الدُّنْيَا خضراء مَا رعيت أَنا
وَشَيْخه الْمَذْكُور هُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن أبي هَاشم التجِيبِي وَسمع شخصا يَقُول فِي مَجْلِسه مَا قصر المتنبي فِي قَوْله من المتقارب
(يُرَاد من الْقلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على النَّاقِل)
فَقَالَ يَا مِسْكين أَيْن أَنْت عَن قَوْله تَعَالَى لَا تَبْدِيل لخلق الله
وَمن تصانيفه الممهد فِي الْفِقْه وَأَحْكَام الديانَات والمنقذ من شبه التَّأْوِيل والمناسك والاعتقادات
أَبُو الْحسن البلنسي عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف بن أَحْمد الخزرجي أَبُو الْحسن الأندلسي البلنسي قدم بَغْدَاد طَالب الْعلم وروى بهَا شعره وَكتب عَنهُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد وروى عَنهُ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن حَمْزَة السّلمِيّ الدِّمَشْقِي فِي مشيخته وَمن شعره من المنسرح
(عَاد إِلَى الْوَصْل بعد مَا هجرا ... وَتَابَ مِمَّا جناه واعتذرا)
(وَقَامَ بِالرَّاحِ فَوق رَاحَته ... كَأَنَّهَا الشَّمْس تحمل القمرا)
أَبُو الْقَاسِم التنوخي الْحَنَفِيّ عَليّ بن مُحَمَّد بن دَاوُد أبي الْفَهم بن إِبْرَاهِيم أَبُو(21/302)
الْقَاسِم التنوخي القَاضِي قدم بَغْدَاد وتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَكَانَ حَافِظًا للشعر ذكياً وَله عرُوض بديع ولي الْقَضَاء بعدة بلدان وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة وَهُوَ جد القَاضِي التنوهي عَليّ بن المحسن وَقد تقدم ذكره وَهُوَ وَالِد أبي عَليّ المحسن التنوخي صَاحب نشوار المحاضرة وَغَيره وَسَيَأْتِي ذكره
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم هَذَا بَصيرًا بِعلم النُّجُوم قَرَأَ على الْكسَائي المنجم وَيُقَال إِنَّه كَانَ يقوم بِعشْرَة عُلُوم وَكَانَ يحفظ للطائيين سبع مائَة قصيدة ومقطوعة سوى مَا يحفظ لغَيرهم من الْمُحدثين وَغَيرهم
وَكَانَ يحفظ من النَّحْو واللغة شَيْئا كثيرا وَكَانَ فِي الْفِقْه والفرائض والشروط غَايَة واشتهر)
بالْكلَام والمنطق والهندسة وَكَانَ فِي الْهَيْئَة قدوة وَكَانَ لَهُ غُلَام يؤثره على غَيره من غلمانه يُسمى نسيماً فَكتب إِلَى القَاضِي بعض أَصْحَابه من الرمل
(هَل عَليّ لامه مدغمة ... لاضطرار الْوَزْن فِي مِيم نسيم)
فَوَقع تَحْتَهُ نعم وَلم لَا وَمن شعره من الطَّوِيل
(وَلَيْلَة مشتاق كَأَن نجومها ... قد اغتصبت عَيْني الْكرَى فَهِيَ نوم)(21/303)
(كَأَن عُيُون الساهرين لطولها ... إِذا شخصت للأنجم الزهر أنجم)
(كَأَن سَواد اللَّيْل وَالْفَجْر ضَاحِك ... يلوح وَيخْفى أسود يتبسم)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(عهدي بهَا وضياء الصُّبْح يطفئها ... كالسرج تطفأ أَو كالأعين العور)
(أعجب بِهِ حِين وافى وَهِي نيرة ... فظل يطمس مِنْهَا النُّور بِالنورِ)
وَمِنْه من الْكَامِل
(لم أنس دجلة والدجى متصوب ... والبدر فِي أفق السَّمَاء مغرب)
(فَكَأَنَّهُ فِيهَا بِسَاط أَزْرَق ... وَكَأَنَّهُ فِيهَا طراز مَذْهَب)
وَمِنْه من المنسرح
(فَحم كَيَوْم الْفِرَاق نشعله ... نَار كنار الْفِرَاق فِي الكبد)
(أسود قد صَار تَحت حمرتها ... مثل الْعُيُون اكتحلن بالرمد)
وَمِنْه فِي مليح جسيم من الْبَسِيط
(من أَيْن أستر وجدي وَهُوَ منهتك ... مَا للمتيم فِي فتك الْهوى دَرك)
(قَالُوا عشقت عَظِيم الْجِسْم قلت لَهُم ... الشَّمْس أعظم جرم حازه الْفلك)
وَمِنْه من المنسرح
(لم أنس شمس الضُّحَى تطالعني ... وَنحن من رَقَبَة على فرق)
(وجفن عَيْني بدمعه شَرق ... لما بَدَت فِي معصفر شَرق)
(كَأَنَّمَا أدمعي ووجنتها ... لما رمتنا الوشاة بالحدق)
(ثمَّ تغطت بكمها خجلاً ... كَالشَّمْسِ غَابَتْ فِي حمرَة الشَّفق)
وَمِنْه من السَّرِيع)
(فديت عَيْنَيْك وَإِن كَانَتَا ... لم تبقيا من جَسَدِي شَيْئا)
(إِلَّا خيالاً لَو تأملته ... فِي الشَّمْس لم تبصر لَهُ فَيْئا)
وَمِنْه فِي الناعورة من الْكَامِل
(باتت تَئِنُّ وَمَا بهَا وجدي ... وحننت من وجد إِلَى نجد)
(فدموعها تحيا الرياض بهَا ... ودموع عَيْني قرحت خدي)(21/304)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(تخير إِذا مَا كنت فِي الْأَمر مُرْسلا ... فمبلغ آراء الرِّجَال رسولها)
(ورد وفكر فِي الْكتاب فَإِنَّمَا ... بأطراف أَقْلَام الرِّجَال عقولها)
وَمِنْه من الْكَامِل
(وبدت نُجُوم اللَّيْل من خلل الدجى ... تَدْنُو كَمَا يتفتح النوار)
(أقبلن والمريخ فِي أوساطها ... مثل الدَّرَاهِم وَسطهَا دِينَار)
(والجو تجلوه النُّجُوم على الدجا ... فِي قمص وشي مَا لَهَا أزرار)
(وكأنما الجوزا وشاح خريدة ... والنجم تَاج والوشاح خمار)
وَقَالَ مَنْصُور الخالدي كنت لَيْلَة عِنْد التنوخي فِي ضِيَافَة فأعفى إعفاءه فَخرجت مِنْهُ ريح فَضَحِك بعض الْقَوْم فانتبه بضحكة وَقَالَ لَعَلَّ ريحًا فسكتنا من هيبته فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ من الطَّوِيل
(إِذا نَامَتْ العينان من متيقظ ... تراخت بِلَا شكّ تساريج فقحته)
(فَمن كَانَ ذَا عقل فيعذر نَائِما ... وَمن كَانَ ذَا جهل فَفِي جَوف لحيته)
وَقَالَ التنوخي راداً على ابْن المعتز فِي قصيدته الَّتِي يفخر فِيهَا ببني الْعَبَّاس على آل أبي طَالب وأولها من الطَّوِيل
(أَبى الله إِلَّا مَا ترَوْنَ فَمَا لكم ... غضابى على الأقدار يَا آل طَالب)
وأبيات التنوخي من الطَّوِيل
(من ابْن رَسُول الله وَابْن وَصِيّه ... إِلَى مدغل فِي عقدَة الدّين ناصب)
(نَشأ بَين طنبور وزق ومزهر ... وَفِي حجر شاد أَو على ظهر ضَارب)
(وَمن ظهر سَكرَان إِلَى بطن قينه ... على شبه فِي ملكهَا وشوائب)
)
يَقُول فِيهَا
(وَقلت بَنو حَرْب كسوكم عمائماً ... من الضَّرْب فِي الهامات حمر الذوائب)
(صدقت منايانا السيوف وَإِنَّمَا ... تموتون فَوق الْفرش موت الكواعب)
(وَنحن الأولى لَا يسرح الذَّم بَيْننَا ... وَلَا تَدْرِي أعراضنا بالمعايب)
(إِذا مَا انتدوا كَانُوا شموس نديهم ... وَإِن ركبُوا كَانُوا بدور الركائب)
(وَإِن عبسوا يَوْم الوغى ضحك الردى ... وَإِن ضحكوا بكوا عُيُون النوائب)(21/305)
(وَمَا للغواني والوغى إِن شغلها ... بقرع المثاني عَن قراع الْكَتَائِب)
(وَيَوْم حنين قلت حزنا فخاره ... وَلَو كَانَ يدْرِي عدهَا فِي المثالب)
(أَبوهُ مُنَاد وَالْوَصِيّ مضَارب ... فَقل فِي مُنَاد صيت ومضارب)
(وجئتم مَعَ الْأَوْلَاد تبغون إِرْثه ... فأبعد مَحْجُوب بحاجب حَاجِب)
(وقلتم نهضنا ثائرين شعارنا ... بثارات زيد الْخَيْر عِنْد التجارب)
(فهلاًّ بإبراهيم كَانَ شِعَاركُمْ ... فترجع دعواكم تَحِلَّة خائب)
وَفِي تَرْجَمَة صفي الدّين عبد الْعَزِيز الْحلِيّ أَيْضا جَوَاب آخر عَن غير هَذِه القصيدة وَالْأُخْرَى بائية لِابْنِ المعتز وَمن شعره من الطَّوِيل
(بنفسي من لم يبد قطّ لعاذل ... فَيرجع إِلَّا وَهُوَ لي فِيهِ عاذر)
(وَلَا لحظت عَيناهُ ناه عَن الْهوى ... فَأصْبح إِلَّا وَهُوَ بالحب آمُر)
(يُؤثر فِيهِ نَاظر الْفِكر بالمنى ... وتجرحه باللمس مِنْهَا الضمائر)
وَمِنْه من المتقارب
(وَرَاح من الشَّمْس مخلوقة ... بَدَت لَك فِي قدح من نَهَار)
(هَوَاء وَلكنه سَاكن ... وَمَاء وَلكنه غير جاري)
(إِذا مَا تأملته وَهُوَ فِيهِ ... تَأَمَّلت مَاء محيطاً بِنَار)
(فهذي النِّهَايَة فِي الابيضاض ... وَهَذَا النِّهَايَة فِي الاحمرار)
(وَمَا كَانَ فِي الحكم أَن يوجدا ... لفرط التَّنَافِي وفرط النفار)
(وَلَكِن تجَاوز سطحاهما ... البسيطان فاتفقا فِي الحوار)
(كَأَنَّ المديرَ لَهَا باليمينِ ... إِذا قَامَ للسقْيِ أَو باليَسارِ)
)
(تدرع ثوبا من الياسمين ... لَهُ فَرد كم من الجلنار)
وَكَانَ التنوخي من جملَة الْقُضَاة الَّذين ينادمون الْوَزير المهلبي ويجتمعون عِنْده فِي الْأُسْبُوع لَيْلَتَيْنِ على اطراح الحشمة والتبسط فِي القصف والخلاعة وهم ابْن قريعة وَابْن مَعْرُوف وَالْقَاضِي الإيذجي وَغَيرهم وَمَا مِنْهُم إِلَّا أَبيض اللِّحْيَة طويلها وَكَذَلِكَ كَانَ المهلبي فَإِذا طابوا وَأخذ الشَّرَاب مِنْهُم وهبوا ثوب الْوَقار للعقار وَأخذ كل مِنْهُم طاس ذهب من ألف مِثْقَال مملوءاً شرابًا قطربلياً أَو عكبرياً فيغمس لحيته فِيهَا وينقعها ثمَّ يرش بهَا بَعضهم بَعْضًا ويرقصون جَمِيعًا وَعَلَيْهِم المصبغات ومخانق المنثور وإياهم عَنى السّري بقوله من المنسرح(21/306)
(مجَالِس ترقص الْقُضَاة بهَا ... إِذا انتشوا فِي مخانق الْبرم)
(وَصَاحب يخلط المجون لنا ... بشيمة حلوة من الشيم)
(يخضب بِالرَّاحِ شَيْبه عَبَثا ... أنامل مثل حمرَة العنم)
(حَتَّى تخال الْعُيُون شيبته ... شيبَة تَيْس قد خضبت بِدَم)
ووفد التنوخي على سيف الدولة فَأكْرم نزله ومثواه وَأَجَازَهُ وزوده وَكتب لَهُ إِلَى الحضرة فأعيد إِلَى مناصبه وَزيد فِي معاليمه إِكْرَاما لَهُ
أَبُو الْحسن الْبَزَّار عَليّ بن مُحَمَّد بن دلف أَبُو الْحسن بن أبي المظفر الْبَزَّاز الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْأَدَب على كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن الْأَنْبَارِي وجالس الْفُضَلَاء واقتبس مِنْهُم وَكَانَ فَاضلا لَهُ نظم ونثر وَهُوَ فصيح الْإِيرَاد توفّي سنة ثَمَان وست مائَة
ابْن دفترخوان الْموصِلِي عَليّ بن مُحَمَّد بن الرِّضَا بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أميركا الشريف أَبُو الْحسن الْحُسَيْنِي الموسوي الطوسي الأديب الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن دفترخوان ولد فِي رَابِع صفر سنة بحماة وَبهَا توفّي سنة خمس وَخمسين وست مائَة وَله سِتّ وَسِتُّونَ سنة لَهُ مصنفات أدبية وَغير أدبية امتدح الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَغَيره وملكت من تصانيفه بِخَطِّهِ كتاب شاهناز وَهُوَ سُؤَالَات نظم أَبْيَات وأجوبتها نثر بَين حكيمين طبيعي وإلهي وَكتاب الطَّلَائِع وَكتاب الحكم الموجزة فِي الرسائل الملغزة وَقَالَ فِي آخِره هُوَ ثَان وَأَرْبَعُونَ كتابا وَضعته وَله كتاب الغلمان من نظمه فِي ألف غُلَام وَله شعر كثير مقاطيع وَغَيرهَا وَله أرجوزتان سماهما)
الهاديتين إِحْدَاهمَا فِي آدَاب الزائر وَالْأُخْرَى فِي أدب المزور وَهُوَ غواص على الْمعَانِي وَمن شعره من السَّرِيع
(طَال عَليّ اللَّيْل والصب مو ... قوف على التسهيد فِي صبوته)
(وَكَيف أَرْجُو الصُّبْح فِيهِ ونا ... ر الشَّمْس لَا تعْمل فِي فحمته)
وَمِنْه من الرمل المجزوء
(إِن علا نجم أديب ... ونسيب فبذين)
(أَو توالى فِي احتراق ... فَهُوَ بَين النيرين)(21/307)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(سَابق النَّاس بِالسَّلَامِ فَفِي ذَا ... ك إِذا مَا اعْتبرت خمس خِصَال)
(كاشف الريب قَاطع الْعَيْب مح ... يى الود ستر الأحقاد بَاب الْوِصَال)
وَمِنْه فِي الفانوس من الرمل المجزوء
(إِن فانوساً لَهُ ... من ثَوْبه الآنس ذيل)
(يحمل الْحَامِل مِنْهُ ... قبَّة فِيهَا سُهَيْل)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(ثمَّ اهوى صنف من الطير للما ... ء وَمَال الرياض غير مكيس)
(كنجوم تساقطت فِي اسْتِوَاء ... وشبيه الرَّايَات حِين تعكس)
وَمِنْه من المتقارب
(وفاختة لحنها وَاحِد ... تكَاد تشق بِهِ صدرها)
(كمطربة عشقت رخمة ... فظلت تكررها عمرها)
وَمِنْه من السَّرِيع
(انْظُر إِلَى شقشقة الْفَحْل إِذْ ... يهدر والأزباد فِي الخد)
(كَأَنَّهُ ينْفخ فِي قربَة ... ويمطر الثَّلج من الرَّعْد)
وَمِنْه فِي الدِّينَار الْبَرْمَكِي وَهُوَ مائَة دِينَار من الْكَامِل
(إِن البرامكة الَّذين تقدمُوا ... عَن عصرنا نهبوا بيُوت المَال)
(ضربوا على شكل الرَّحَى دينارهم ... ليدور ذكرهم على الْأَحْوَال)
)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أعجب من التسماح حَيا ولل ... أَحيَاء مِنْهُ الْحِين فِي الْحِين)
(وَإِن بدا يفتح فَاه رَأْي ... ت الْجذع قد شقّ بنصفين)
وَمِنْه من السرطان من السَّرِيع
(محدب عَيناهُ فِي رَأسه ... مَسْكَنه فِي المَاء كالعش)
(معوج فِي مُسْتَقِيم مَشى ... كَأَنَّهُ قنطرة تمشي)
وَمِنْه من مخلع الْبَسِيط(21/308)
(إِن الدَّنَانِير ضرب مصر ... سحر بِهِ يخدع الْبَخِيل)
(من معجزات الْإِلَه فِيهَا ... أَن يعشق الْأَصْفَر الْبَخِيل)
وَمِنْه من السَّرِيع
(محجل أشقر قُلْنَا لمن ... يعجز عَن نطق بأوصافه)
(هَذَا هُوَ الْبَرْق وتحجيله ... تعلق الْغَيْم بأطرافه)
وَمِنْه من السَّرِيع
(أعجب من المريخ مشتعلاً ... بَين النُّجُوم يشابه البرقا)
(كشقيقة فِي الأقحوان ... أَو الدِّينَار بَين دَرَاهِم ملقى)
وَمِنْه من الهزج
(ودولاب إِذا أَن ... يزِيد الْقلب أشجانا)
(سقى الْغُصْن وغناه ... فَمَا يبرح نشوانا)
وَمِنْه من السَّرِيع
(كَأَنَّمَا السحب إِذا مَا سرت ... يحثها العاصف من جايب)
(أَجْنِحَة النعام مَفْتُوحَة ... للطرد فِي مصطخب لاجب)
وَمِنْه فِي الشمعة من الْكَامِل
(وعجيبة تحكي بقد نَخْلَة ... ذهبية لهبية تَشْكُو الصدا)
(ومقطها مِنْهَا يُعِيد حمامة ... بيضًا ويلقيها غراباً أسود)
وَمِنْه من الْكَامِل)
(المَاء عنصره بسيط وَاحِد ... لكنما أجزاؤه مُتَفَرِّقَة)
(وَالْمَاء ثوب الأَرْض إِلَّا أَنَّهَا ... قَامَت فَصَارَ لَهَا شَبيه المنطقه)
وَمِنْه من السَّرِيع
(إِذا بدا من شرقه النير ال ... أَعلَى وزالت دولة الْفجْر)
(تزاحم الْغَيْم على بَابه ... لفوزها بِالْخلْعِ الْحمر)
وَمِنْه من الوافر
(تروق الطّرف تدريجات غيم ... تكسرها بتصحيح الْهَوَاء)(21/309)
(كَأَن الشَّمْس تبني من زجاج ... لَهَا درجاً إِلَى بَاب السَّمَاء)
وَمِنْه من المتقارب
(أرى الْغَيْث ترسم شكل النَّبَات ... وللأرض من بعد ذَا ضَبطه)
(كَمَا دوروا للصَّغِير الْحُرُوف ... بنقط فحققها خطه)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أعجب لزوبعة تدير لوالباً ... فِي الأَرْض تحكي وَهِي فِي جولانها)
(رقاصة هيفاء دارت خفَّة ... وثيابها تلتف فِي دورانها)
وَمِنْه من السَّرِيع
(مقطعات النّيل من حولهَا ... بخضرة الأقراط جنَّات)
(وتشتهي الْأَنْفس رشقاً لَهَا ... كَأَنَّهَا فِي الأَرْض كاسات)
وَمِنْه من الْبَسِيط
(أنظر إِلَى النّخل للأردان نافضة ... كَأَن فِي أَعلَى نَخْلَة فيلا)
(مثل السَّوَارِي تدلى حملهَا نسقاً ... كَأَنَّمَا عَلقُوا فِيهَا قناديلا)
(كَأَنَّمَا سعف مِنْهَا تطرحه ... عواصف الرّيح تَشْبِيها وتمثيلا)
(غيد على طرب من شرب صَافِيَة ... رقصن لهواً وطوحن المناديلا)
وَمِنْه فِي شجر الحيلاف من الْبَسِيط
(أنظر إِلَى شجر الحيلاف مشتعلاً ... لمن يرَاهُ على بعد كنيران)
(فِي حَال حمرتها من قبل خضرتها ... تخال أَغْصَانهَا قضبان مرجان)
)
وَمِنْه فِي البان من الْكَامِل
(بَانَتْ لَك البانات فَاشْرَبْ فَوْقهَا ... صفراء تؤذن بالمسرة والسخا)
(وتلبست زغب الْحمام كَأَنَّمَا ... باض الرّبيع على الغصون وفرخا)
آخر الْجُزْء الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من كتاب الوافي بالوفيات يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَليّ بن مُحَمَّد بن رستم بن هردوز بهاء الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على محمدٍ وَآله وَصَحبه وَسلم(21/310)
(الْجُزْء الثَّانِي وَالْعِشْرين)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(ربِّ أَعِنْ)
3 - (ابْن الساعاتي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن رُستم بن هَرْدُوز بهاء الدّين أَبُو الْحسن الشَّاعِر ابْن الساعاتي صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور ولد بِدِمَشْق سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وست مائَة
وَكَانَ أَبوهُ يعْمل السَّاعَات بِدِمَشْق فبرع هُوَ فِي الشّعْر ومدح الْمُلُوك وتعانى الجندية وَسكن مصر وروى شعره جمَاعَة مِنْهُم القوصي وَغَيره وَهُوَ أَخُو الطَّبِيب العلاّمة فَخر الدّين رضوَان طَبِيب الْملك المعظَّم وَقد تقدَّم ذكره فِي حرف الرَّاء
وحُكي أنَّ بهاء الدّين الْمَذْكُور كَانَ مليح الصُّورَة ظريفاً وَأَنه كَانَ ممَّن يتعشَّقه أَرْبَعُونَ شَاعِرًا وَأَنه كَانَ إِذا نظم القصيدة أَلْقَاهَا بَينهم فينقِّحها الْجَمِيع لَهُ فَلذَلِك جاد شعره وديوانه كَبِير ثَلَاث مجلدات كبار وَهُوَ عِنْد أَكثر النَّاس أَنه شَاعِر عَظِيم وَأَنا مَا أرَاهُ يداني ابْن النَّبيه وَإِن كَانَ ابْن الساعاتي قَادِرًا مكثاراً طَوِيل النَّفس وَقيل أَنه قَالَ يَوْمًا وَهُوَ فِي حداثته ابنُ منقذ أجيء وَأُحَدِّثكُمْ فَقَالَ لَهُ ابْن الساعاتي مُرَّ ويْكَ وَكِلَاهُمَا أَرَادَ التَّصْحِيف قَالَ ابْن منقذ أخي وَاحِد بكم فَقَالَ ابْن الساعاتي مُروءتك وَهَذَا لطف مِنْهُ نقلت من خطّ القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(قُم يَا نديم إِلَى مُبَاشرَة الوغى ... فالحربُ قائمةٌ وَنحن هجودُ)
(واللَّيلُ قد أودى وقهقه عندنَا ... الإبريقُ من طربٍ وناح العودُ)(22/5)
(وَلَئِن زعمتَ بأنَّ ذَلِك باطلٌ ... فلنا عَلَيْهِ أدلَّةٌ وشهودُ)
)
(القطرُ نَبلٌ والغدير سوابغٌ ... والبرق بِيض والغمام بنودُ)
وَقَالَ القوصي أَنْشدني لنَفسِهِ
(ومواقفٍ بالنَّيْرَبَيْنِ شهدتُها ... والعيشُ غَضٌّ والزمانُ غلامُ)
(جَمَدَ المُدام بهنَّ فَهُوَ فواكهٌ ... تُجنى وذاب التبر فَهُوَ مُدامُ)
(مخطوبةٌ جُليت فنقَّطها الحيا ... بعقود دُرٍّ خانهنَّ نظامُ)
(والدَّوح يرقص والبروق بجوّها ... مثل الصَّوارم بالرّقاب تُشامُ)
(سَفَرَتْ فنرجسُها المضاعفُ أعيُنٌ ... والوردُ خدٌّ والقضيبُ قوامُ)
وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي سَوْدَاء أَحبَّها
(زَعَمُوا أنَّني بجهلي تعشَّق ... تُكِ سوداءَ دون بِيض الغواني)
(لَيْسَ معنى الْجمال فيكِ بخافٍ ... إنَّما أنتِ خالُ خدّ الزَّمانِ)
وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(لَا تعجبنَّ لطالبٍ بلغَ المنى ... كهلاً وأخفق فِي الشَّباب المقبلِ)
(فالخمرُ تحكم فِي العقولِ مسنَّةً ... وتُداس أَوَّلَ عصرها بالأرجلِ)
وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ يشبّه الباذنجان
(يَا مُهْدِيَ الأَبْذنج أَهلا بِمَا ... أهديتَ إذْ كنتَ لنا مُنْعِما)
(شبَّهتُه لمَّا تأمَّلتُه ... وَلم أكن فِي مثله مُعْدما)
(أقماعَ كِيمُخْتٍ على أُكرةٍ ... من أَدَمٍ قد حُشِيَتْ سِمْسِما)
وَقَالَ ابْن الساعاتي
(وَلَقَد نزلتُ بروضة حَزْنِيَّةٍ ... رتعت نواظرنا بهَا والأَنفسُ)(22/6)
(فظللتُ أعجبُ حَيْثُ يحلف صَاحِبي ... والمسكُ من حافاتها يتنفَّسُ)
(مَا الجوُّ إلاَّ عنبرٌ والدَّوح إِ ... لاَّ جَوْهَر والأَرض إلاَّ سُندسُ)
(سفرتْ شقائقها فهمَّ الأُقحوا ... ن بلثمها فرنا إِلَيْهِ النرجسُ)
(فكأَنَّ ذَا خدٌّ وَذَا ثغر يحا ... وَله وَذَا أبدا عُيُون تحرسُ)
وَقَالَ أَيْضا
(أَما ترى البدرَ يجلوه الغدير وَقد ... حفَّت بِهِ قُضُبٌ بالنَّوْرِ فِي لُثُمِ)
)
(كخوذةٍ فَوق درعٍ حولهَا أسَلٌ ... سُمْرٌ أسنَّتها مخضوبةٌ بدمِ)
وَقَالَ أَيْضا من أَبْيَات فِي وصف الثَّلج
(السحب راياتٌ ولمعُ بروقها ... بيضُ الرُّبا والأَرضُ طِرْفٌ أشهبُ)
(والندُّ قسطله وزُهر شموعِنا ... صمُّ القنا والفحمُ نَبلٌ مُذهبُ)
وَقَالَ أَيْضا
(لله يومٌ فِي سُيُوطَ وليلةٌ ... صَرْفُ الزَّمان بأختها لَا يغلطُ)
(بتنا وعُمْرُ اللَّيْل فِي غُلوائهِ ... وَله بِنور الْبَدْر فرعٌ أَشمطُ)
(والطَّلُّ فِي سلكِ الغصون كلؤلؤٍ ... نَظْمٍ يصافحه النَّسيم فيسقطُ)
(والطيرُ تقْرَأ والغديرُ صحيفةٌ ... والرِّيحُ تكْتب والغمامُ ينقِّطُ)
وَرَأَيْت لَهُ لغزاً فِي الْوَسخ الَّذِي يركب جسم الْإِنْسَان وَهُوَ
(وثوبٍ إِلَى العاري بغيض لباسُه ... وتقرعه كفُّ الجليسِ ويُغسلُ)
(ويُغزلُ من بعد اللبَاس خيوطه ... وكلُّ الثِّيَاب قبل ذَلِك تُغْزَلُ)
فَأَعْجَبَنِي هَذَا الْمَعْنى فَأَخَذته فَقلت
(وَمَا ثوبٌ لبستُ بِلَا اختيارٍ ... وَقد أضحى بأعضائي مُحيطا)
(أُمزِّقهُ لبغضٍ واحتقارٍ ... ولكنِّي أُفتِّلهُ خيوطا)(22/7)
وَقَالَ أَيْضا
(البرقُ طَلْقٌ كالأَحبَّة ضاحكٌ ... فِي حِجر غيمٍ كالرَّقيب معبَّسِ)
(والرَّوضُ فِيهِ من الحسان ملامحٌ ... وضَّاحة للناظرِ المتفرِّسِ)
(فخدوده وردٌ وهِيف قدودِه ... قُضْبٌ ودُعْجُ عيونه من نرجسِ)
وَقَالَ أَيْضا
(إِذا راشَ سهمَ الناظِرَيْنِ بهُدبهِ ... وَإِن كَانَ سِلماً غيرَ يومِ هياجِ)
(غَدا مُوتِراً من حاجبيه حَنِيَّةً ... لَهَا البَلَجُ الشفَّافُ قبضةُ عاجِ)
وَقَالَ أَيْضا فِي عُشاريّ
(وَلما توسَّطنا مدى النّيل غُدوةً ... ظننتُ وقلبُ اليومِ باللَّهو جذلانُ)
(عُشاريَّةُ انْساناً لهُ الماءُ مقلةٌ ... وَلَيْسَ لَهَا إلاَّ المجاذيفَ أجفانُ)
)
وَقَالَ وَهُوَ بديع الْمَعْنى
(وعُصبةٍ كَانَ يُرجى سَيْبُ واحدهم ... مَا فيهمُ الْآن من للجُود يرتاحُ)
(كالرُّوح تَشرُف نفعا وَهِي واحدةٌ ... تُسمَى وَلَا خيرَ فِيهَا وَهِي أرواحُ)
وَقَالَ أَيْضا
(وساقي طِلا قاسٍ عليَّ فؤادُهُ ... فَمَا شئتَ من منع لَدَيْهِ ومِن مَنْحِ)
(إِذا مَا حبا ربَّ النديِّ بكأسه ... وريّاهُ فَانْظُر مَا يجلُّ عَن الشرحِ)
(إِلَى الْبَدْر يَسْتَقِي الشمسَ نجماً سماؤه ... سحابُ بَخورٍ فِي إناءٍ من الصبحِ)
وَقَالَ يذكر عليّ بن أبي طَالب
(أَمجادلي فِي مَن رويتُ صِفَاته ... عَن هَل أَتَى وشرُفنَ مِن أوصافِ)
(أتظنُّ تأخيرَ الإِمَام نقيصةً ... والنقصُ للأطراف لَا للأشرافِ)(22/8)
(زوجُ البتول ووالد السِّبطين وَال ... فادي النبيَّ ونجلُ عبد مَنافِ)
(أَوما ترى أنَّ الكواكبَ سبعةٌ ... والشَّمسُ رابعةٌ بغيرِ خلافِ)
وَقَالَ
(يحمي برامَةَ كلَّ شَيْء مثله ... من كلِّ ساجي مقلةٍ وَسْنانِها)
(فالسُّمر دون السُّمر يثنيها الصَّبا ... وَالْبيض دون اللحظ من غزلانِها)
(أَنا بِالثَّلَاثَةِ مَا حييت معذَّبٌ ... برماحهم وقدودهنَّ وبانِها)
(يُحجبنَ فالأَقمار فِي هالاتها ... ويمسنَ فالأَغصان فِي كثبانِها)
(فسُلِبْتُ من جَسَدِي سوى أسقامِهِ ... وعدمتُ من كَبِدِي سوي خفقانِها)
(لم يبقُ فِي جسمي لروحي حاجةٌ ... لَوْلَا تعطُّفها على أوطانِها)
وَقَالَ
(بُليتُ بشمسٍ والسحابُ نِقابها ... وإلاّ فدرٍّ والنجومُ عقودُها)
(فللغصنِ عِطفاها وللدِعصِ رِدفُها ... وللوَرد خدَّاها وللظبي جيدُها)
(لقد سقمتْ مثل الجسوم جفونُها ... فلولا عمومُ السُّقم كنَّا نعودُها)
وَقَالَ
(يَا خليليَّ خلِّيا من عِناني ... عِشْرَةُ الحبّ مَا لَهَا من إقالهْ)
)
(وقتيلُ الْعُيُون هيهاتِ أَن يحي ... يه غيرُ اللواحظِ القتَّالهْ)
(وبروحي معسولة الرِّيق تَحْمِي ... هَا الظُّبَى والذوابل العسَّالهْ)
(صحَّ وجدي غَدَاة عاينتُ بالتو ... ديع تكسيرَ جفنها واعتلالَهْ)
وَقَالَ
(هَبوا بحياة الحبّ لُبًّا لعاشقٍ ... مَتى مَا دَعَاهُ البرقُ من نحوكم لبَّى)
(لقد فلَّ من قلبِي شَبا الصبرِ لمعُه ... وأيَّةُ نارٍ فِي الجوانح مَا شبَّا)
(كأنَّ الغوادي خِلن دمعيَ عَاصِيا ... فقد جرَّدتْ مِنْهُ على مقلتي عَضْبا)(22/9)
وَقَالَ
(لَا وَمن قصَّر الْوِصَال وَمن صيَّ ... رَ ساعاتِ هجركمْ أعواما)
(مَا وجدْنا اللحاظ إلاَّ سيوفاً ... أُرهفتْ والجفونَ إلاَّ سهاما)
(مُقَلٌ تجرح الْقُلُوب ويحمي ... ن ثغوراً عدَّلنَ فِينَا البَشاما)
(يَا لنجدٍ وأينَ منيَ نجدٌ ... بَعُدَتْ شُقَّةً وشطَّت مقَاما)
(تُربةٌ تُنبت الغصون رشاقاً ... لُدُناً تُثمر البدورَ تَمامًا)
(كلُّ بيضاءَ حجَّبوها بسمرا ... ءَ فأدنى مزارها أَن تُراما)
(تجْعَل اللَّيْل بالسفور صباحاً ... وسنا الصُّبْح باللثام ظلاما)
(وتُريك الدُّرَّين فِي النّظم والنث ... ر حَدِيثا لِتربها وابتساما)
(تفضح البدرَ والغزالَ وخُوطَ ال ... بَان وَجها ومقلةً وقَواما)
(كم وقفنا فِيهَا مَعَ الغيثِ مثلي ... ن جفوناً وكَّافةً وغماما)
وَقَالَ
(عَاد مِن عِيد وَصله مَا تولَّى ... وسرى طيفُه فأهلاً وسهلا)
(وَهُوَ الْبَدْر حلَّ منزلَ قلبِي ... كَيفَ أشتاقه وَفِي الْقلب حلاّ)
(يَا جليدَ الْفُؤَاد ليتك تحنو ... مَاتَ هجراً من كنتَ أحييتَ وصلا)
(كلَّما ضمَّنا محلُّ عتابٍ ... بِتُّ أبْكِي ذُلاًّ ويضحك دَلاّ)
وَقَالَ
(آهاً لموقفِ سَاعَة ولَّى بهِ ... نَفسِي وَمَا ملكتْ جزاءُ مُعيدِهِ)
)
(أَرأَيتَ أَحسنَ من لواحظ سِربه ... ترنو وأَلينَ من رماحِ قدودِهِ)
(زمن حكى رُمَّانُه وغصونه ال ... حلوَين من قاماته ونهودِهِ)
(سُكري بخمرَي رِيقه وسُلافه ... طَربا لزهرَي ورده وخدودِهِ)
(والوُرق فِي أوراقه وكأَنَّما ... عبثتْ بمزمارٍ يدا داودِهِ)(22/10)
وَقَالَ
(ولربَّ ليلةِ موعدٍ كصدودهِ ... لَا تهتدي فِيهَا النجومُ لمطلعِ)
(نازلتُها بالأبلجين جبينِه ... وسُلافِ كأسِ يَمِينه المتشعشعِ)
(وحللتُ بندَ قَبائه عَن بانةٍ ... هيفاءَ تحكيها الغصونُ وتدَّعي)
(والنجمُ خفَّاق كمقلة خائفٍ ... مترقّبٍ أَو مثل قلبِ مروَّعِ)
(أخْشَى الوشاةَ بهَا فلولا ثغرُه ... لبكَيتُ من ضَحِكِ البروق اللمَّعِ)
(وأخادع الأَرواح عَن أنفاسِهِ ... كتماً ويأبى المسكُ غيرَ تضوّعِ)
(حتَّى لوَ انَّ الليلَ ينشد بدرَه ... فِي تمِّه لأصابه فِي مضجعي)
(آهاً لشملٍ كالدُّموعِ مُبدَّدٍ ... فِيهِ وعهدٍ كالهجوع مضيعِ)
وَقَالَ
(من لي بقاسي الْقلب لَيْسَ يَزُول من ... بالي ولستُ بخاطرٍ فِي بالِهِ)
(وكأَنَّ فجراً فِي بقيَّة ليلةٍ ... فِي جمر ذَاك الخدّ فحمةُ خالِهِ)
(أَمَّلتُ لثم عِذاره ومُنحتُه ... فنسيتُ مَا أمّلتُ من إجلالِهِ)
(وقنعتُ بِالنّظرِ الخفيِّ تنزُّهاً ... ووهبت طيبَ حرَامه لحلالِهِ)
(يَا عاذليّ على هوى متجنّب ... مَا ذقتما مَا ذقتُ من بَلبالِهِ)
(ألْقى الغصونَ فَأَيْنَ لِينُ قوامِهِ ... وَأرى البدورَ فَأَيْنَ حُسن كمالِهِ)
وَقَالَ
(ثَنَتِ الشمولُ من الشمائلْ ... كالبانِ فِي ورَق الغلائلْ)
(هَيَفٌ يُناط بأعينٍ ... مثل الأَسنَّة فِي الذوابلْ)
(من كلِّ مخشيِّ الخلا ... فِ لأَجله جَدَلُ العواذلْ)
(هنَّ الظباء نواصباً ... هُدْبَ الجفون لنا حبائلْ)
)
(سَقَماً يُشاب بصحَّةٍ ... فلذاك يُحيي وَهُوَ قاتلْ)
(وثغورها أحلى وأح ... سنّ من رياض فِي مناهلْ)(22/11)
(يختال فِي عَصْب الوصا ... ئلِ كلُّ شاكي الطّرف صائلْ)
(حرسوا الْعُيُون ببيضهم ... فحموا المناصلَ بالمناصلْ)
(ولطالما منعتْ جنى ... عَسَلِ اللّمى تِلْكَ العواسلْ)
(وبحبِّها أَسرتْ فؤا ... دَ محبِّها تِلْكَ العواملْ)
وَقَالَ
(أهلَكَ والليلَ منضياً جملكْ ... شمِّر فَخير الْبِلَاد مَا حملكْ)
(لَا خيرَ فِي بقعةٍ تروق من ... الأَرض إِذا لم تنَلْ فِيهَا أملكْ)
(لِنْ جانباً للكريم واصفُ لهُ ... واغلُظْ على من جفاك أَو جهلكْ)
(فاعْزِزْ وَإِن سامك الهوان وصن ... نفسكَ صونَ الطنين إِن بذلكْ)
(فَلَا تَخَلْه ظلما خُصصتَ بِهِ ... فالدهر يقْضِي كَذَا عَلَيْك ولكْ)
(حتَّامَ لَا تُعْمِلُ الجيادَ وَلَا ... تُعمِلُ فِي أمّ غايةٍ إبِلكْ)
(لقد تربَّصتَ خيفة الْأَجَل ال ... محتوم لَو كَانَ دافعاً أجلكْ)
(وحبَّذا ذَاك لَو وجدت فَتى ... أفضلَ يَوْمًا عَلَيْك أَو فضلكْ)
(كن عَتْبَك المُرُّ إِن أرداك بالسّ ... وء وَإِن لم يُرد فَكُن عَزَلَكْ)
(والخلُّ من ناش فِي الخطوب بضب ... عَيْكَ وَمن سدّ رتقُهُ خَلَلكْ)
(مَا أنزر العِليةَ الكرامَ وَمَا ... أكثرَ يَا دهرُ بَيْننَا سِفَلكْ)
(يَا قَائِد الْخَيل والقلوب مَعًا ... أَهْوى أسيليك خَائفًا أسلكْ)
(يردّني راجياً رضاك فَإِن ... وافاك واشٍ ثناك أَو نَقَلكْ)
(وكيفَ أقبلتَ غيرَ معتذرٍ ... قبّلك المستهامُ أَو قبِلكْ)
(مَا زلت أَهْوى وَأَنت فِي شُغُلٍ ... حَلْيَك طوراً وَتارَة عَطَلَكْ)
(أسرفتَ يَا ظبيُ فِي النِّفار فَلَو ... أمنتُ يَا غصنُ سَاعَة مَيَلَكْ)
(يحفظ قلبِي دنيا هَوَاك كَمَا ... ضيّع سَمْعِي من قبلهَا عذلكْ)
(وأنتَ من جيل ذَا الزَّمَان فَمَا ... أرهبُ إلاَّ قِلاك أَو مَلَلَكْ)(22/12)
)
وَقَالَ
(يَا زَمَانا بالخَيْفِ كَانَ وكنَّا ... عَنُفَ الشوقُ بالمحبِّ المعنَّى)
(أَيْن لُبنى أختُ الشَّباب وَمَا لذّ ... ةُ من فَارق الشَّبابَ ولُبنى)
(أَتَمَنَّى تِلْكَ اللَّيَالِي المنيرا ... تِ وجهدُ المحبِّ أَن يتمنَّى)
(كم جنيْنا حُوَّ المراشف لُعساً ... وهصرنا هِيفَ المعاطفِ لُدنا)
(وعَتَبْنا الأَيَّامَ بَعدُ وَمَا تز ... داد إلاَّ حقداً علينا وضغنا)
(مَا عَلَيْهِم أنِّي شُغلتُ بخالٍ ... فارغ الْقلب أَو سهرت لوسنى)
(أَنا أبْكِي أقسى من الصخر قلباً ... بدموعٍ أندى من الْغَيْث جفنا)
(تَابعا سُنَّةً الغرامِ وَإِن خا ... لفتِ مَا شرَّع الغرامُ وسنَّا)
(مَا حكيتِ المهاةَ طرفا وَلَا الغص ... نَ قواماً كلاّ وَلَا البدرَ حُسنا)
(أنتِ أسجى لحظاً وأهيفُ أعطا ... فاً وأسبى وَجها يشوق وأسنى)
(حسدتْ قَدَّكِ الغصونُ فلمَّا ... بِنْتِ بانتْ رواقصاً تتثنَّى)
(وادَّعَى وجديَ الحَمامُ فلمَّا ... جَدَّ وشكُ النَّوَى بكيتُ وغنَّى)
(فاحبسي مرسَلَ النسيم وَإِن بلَّ ... غ بُخلاً على شذاكِ وضنَّا)
(واقطعي عادَةَ الخيالِ فَمَا أه ... داه وَهْنٌ إلاَّ وجدّد وَهنا)
وَقَالَ
(ومَن لي بطَرف الريم أحورَ زانَهُ ... فتورٌ وخُوطِ البان لدنا مقوَّما)
(وهيفاءَ بيضاءِ الترائب طفلةٍ ... هِيَ الْبَدْر أبدت بالقلائد أنجما)
(إِذا سفرتْ وَجها وألقتْ ذوائباً ... فَلَا تَنْسَه يَوْمًا أضاءَ وأظلما)
(لقد هجّعتْ ليلَ السَّلِيم ونبَّهتْ ... لُباناتِ طيفٍ جَاءَ مِنْهَا مسلّما)
(سرتْ تقطع الْبَيْدَاء والليلُ عابسٌ ... فَمَا فطن الواشون حتَّى تبسَّما)
(وَلَو كنتَ فِي حيثُ الوداعُ عشيَّةً ... تعجبتَ من ضدَّينِ يُعْجَبُ مِنْهُمَا)
(لرقَّة جسمٍ يُكسب القلبَ قسوةً ... وطرفٍ شجٍ يبكي جبيناً ومبسما)(22/13)
(وشاهدتَ نظم الدرّ وَهُوَ مبدَّدٌ ... دموعاً ونثرَ الأُقحوان منظَّما)
وَقَالَ)
(بِأبي ذَلِك القوامُ وَمَا رنَّ ... ح من عِطفه نسيمُ الدلالِ)
(رَاح يقْضِي بِالْعَدْلِ والميل فِينَا ... كلُّ غُصْن للميل والاعتدالِ)
(قامة الرمْح طلعة الْبَدْر خدّ ال ... ورد ريق السُّلاف جفن الغزال)
(يَا ولاةَ القلوبِ والحسنِ من حكَّ ... مَ غيدَ الْآجَال فِي الآجالِ)
وَقَالَ
(تجلَّى لطرفي وجهُها تَحت شَنفها ... فقابلتُ مِنْهَا بدرها وثريَّاها)
(فَلَا سمعتْ إلاَّ بكاءَ حمامةٍ ... وَلَا ضاحكت إلاَّ من الْبَرْق أفواها)
وَقَالَ
(ترقُّ أحاديثُ النَّسيمِ مَعانِياً ... وتخفى إشارات البروق فتُفهمُ)
(فيا فيضَ ذَاك الماءِ لَو برّد الحشا ... وَيَا حُسنَ ذَاك النثرِ لَو كَانَ يُنظمُ)
(وعهدي بِذَاكَ السفحِ وَهُوَ كأنّهُ ... من النبت خدٌّ بالعذار منمنمُ)
(ترفَّع عَن أَيدي الرِّكاب فتُربهُ ... يقبَّلُ منا بالشفاهِ ويُلثمُ)
(وَلَو يَسْتَطِيع البدرُ والجوُّ سافرٌ ... لمرَّ بِذَاكَ الأفْق وَهُوَ ملثَّمُ)
(ووسنانَ يغزونا وتُهوى لحاظهُ ... وتظلمنا أجفانُه وتُحكَّمُ)
(ينير سنا وجهٍ ويدجو ذوائباً ... فيا حسنَهُ يَوْمًا يضيءُ ويُظلِمُ)
وَقَالَ
(تحدّث البرقُ عَن سُعدى فَمَا كذبا ... والدمعُ يشْرَح مَا أمْلى بِمَا كتبا)
(يفترُّ معترِضاً عَن مثل مَبْسمها ... لَو كَانَ يملك ذَاك الظَّلم والشَّنبا)(22/14)
(سيفٌ من الوجد مَا شيمت مضاربُه ... على مقَاتل صبرٍ عنهمُ فَنَبا)
(وَإِن سرى فِي هزيع اللَّيْل لامِعُه ... أشاب من لِمَمِ الظلماء مَا خَضَبا)
(نارٌ إِذا هاجها لَيْلًا نسيمُ صَباً ... أصار فحمَ الدياجي ومضُها ذَهَبا)
يَا غائبينَ وَلَا والوجدِ مَا فقدتْعيني وحاشا فُؤَادِي مثلَهم غَيَبا
(لَو كنت أملك مَا بِتُّم أحقَّ بهِ ... منّي لسكّنتُ قلباً طالما وَجَبا)
(أبْكِي القدودَ وَمَا ضمّت مآزرُها ... وعاذلي ظنَّها الأغصانَ والكُثُبا)
وَقَالَ)
(أَخذ الْكرَى مني وَأَعْطَانِي الأسفْ ... قَدٌّ أخافُ عَلَيْهِ سلطانَ الهَيَفْ)
(متأوِّدُ الأعطاف من سكر الصِّبا ... متلوِّن الْأَخْلَاق من تيه الصَّلَفْ)
(ذُد عَن حمى قلبِي مغيرَ جفونهِ ... فجفونه نَبْلٌ لَهَا قلبِي هدفْ)
(جسمٌ وروحٌ رِدفه مَعَ خصرِه ... والأثقلُ الأرضيّ يلطُفُ بالأخفْ)
(مَا إِن رَآهُ ناظرٌ إلاَّ جرى ... متنزِّهاً أَو خاطرٌ إلاَّ وقفْ)
(ذُو الْقلب يَحْكِي صُدغه بسوادهِ ... لَو أنَّ لي لحظاً حَكَاهُ إِذا انعطفْ)
(ذُو مقلةٍ كالصَّاد حُفَّ بحاجبٍ ... كالنون زانا قامةً مثلَ الألِفْ)
وَقَالَ
(حجبوا القدودَ بِمِثْلِهَا فموائدُ ال ... خِرصان دون موائس الأغصانِ)
(وحموا الْعُيُون من الهُجوع وغادروا ... بَين الضلوع ودائعَ الأشجانِ)
(أتُرى يعود زمَان وصلٍ مَرَّ لي ... بالجِزع فِي أمنٍ من الهجرانِ)
(أَو أجتني ورد الخدود وأجتلي ... تِلْكَ البدور على غصون البانِ)
(يَا سَاكِني قلبِي الكئيب فبينهمْ ... إلفُ الديار وصُحبة الجيرانِ)
(خرَّبتمُ ربع السلوّ بجوركمْ ... وعمارةُ الأوطان بالسكّانِ)
(أمَّلتُكم فحُرمتُ مَا أمَّلتُهُ ... ورجوتكم فرجعتُ بالحرمانِ)
(ذُو وجنة حمراءَ فَوق عذارِه ... وَكَذَا تكون شقائقُ النُّعْمَان)(22/15)
وَقَالَ
(رشأٌ إِذا لبس الحيا ... ءَ فبدرُ تمٍّ فِي شَفَقْ)
(فالوجهُ يقْرَأ وَالضُّحَى ... والفَرعُ يَتْلُو والغسق)
(ولرُبَّ رَبِّ ملامةٍ ... فِيهِ كفرتُ بِمَا نطقْ)
(دافعتُ عنهُ فَمَا كذب ... تُ وَقَالَ فِيهِ فَمَا صدقْ)
(طَال الدُّجى واحمرَّ دم ... عُ الْعين من سود الحدقْ)
وَقَالَ
(وثغرِ أقاح قبّلتْ نظمَه الصَّبا ... ونُقِّط بالتِّبرين دمعي وطلِّهِ)
(ورُبَّ حليمِ الْجَهْل فِي عَرَصاتها ... بكي ليَ من دمعي الهَتون بجهلهِ)
)
(وَألبسهُ عطفا عليَّ ورقَّةً ... ضيَاع الْفُؤَاد المستهام وعدلهِ)
(وَقَالُوا سلا بعضَ السلوّ عَن الْحمى ... لقد كذبُوا واشغلَ كلٍّ بكلّهِ)
(وأهيفَ من أعطافه ولحاظهِ ... بُليتُ بقدّ السمهريّ وفعلهِ)
وَقَالَ
(لم يبقَ فِي هَذِه الدُّنْيَا لنا أربٌ ... فَقل سَلام عَلَيْهَا غيرَ محتشمِ)
(وحبّذا وقفةٌ فِي الحيِّ من يَمَنٍ ... على المنيعين من سلعٍ وَمن إضَمِ)
(أبْكِي وأُنشد فِي غِزلانها غزلي ... فالدُّرُّ مَا بَين منثور ومنتظمِ)
وَقَالَ
(أما واللمى وجدا بساكنة المَلا ... لقد ضَاقَ بَاعَ الصَّبْر أَن يتجمّلا)
(إِذا الحسنُ أَعْطَاهَا من الأنفُس المنى ... فَمَا شأنُ أجلابِ القطيعة والقِلا)
(وَفِي شُعَبِ الأكوار كلُّ ابْن لوعةٍ ... إِذا هاجه برد النسيم تململا)(22/16)
(يُشافه أذيال المُروط وينثني ... فيُلقي إِلَيْهِ نشره مَا تحمّلا)
(أتبصرُ نَارا باليَفاع كأنَّما ... يَسُلُّ سناها هامةُ الطود مُنْصُلا)
(إِذا مَا علا إفرندَه صدأُ الدجى ... فأُغمدَ لم يعْدم من الرّيح صيقلا)
(وَفِي الحبّ يَا ذاتَ الوشاحين ذِلَّةٌ ... وَمن لم يَجِدْ عزَّ السلوّ تذلّلا)
(أُذادُ كَمَا شَاءَ الدَّلال فَلَا أرى ... بخدّك روضاً أَو بثغرك منهلا)
(وحمّلتِني ذَنْب الدُّمُوع وَلم يكن ... بأوّل دمعٍ أَو دمٍ طلَّهُ طَلا)
(تنقّلتِ عَن عهد الغواية والصِّبا ... وَمن عَادَة الأقمار أَن تتنقّلا)
(وملتِ إِلَى الواشينَ غيرَ ملومةٍ ... وَمن عَادَة الأغصان أَن تتميّلا)
(أعاذلتي مَا أفضحَ السقمَ واشياً ... وأفصحَ نمّاماً وأثقلَ مَحْمِلا)
(تلومين فِي نُعمٍ ونعمانَ ساهراً ... وَقد نمتِ عَن ليل بنعمان أليلا)
(وَلَوْلَا فراقُ المالكيّةِ لم أكن ... لأبكي خليطاً خفَّ أَو منزلا خلا)
(تملَّك قلبِي وَهُوَ قفرٌ وآهلٌ ... وَأطلق دمعي حالياً ومعطَّلا)
(وكل هلاليّ يزِيد طلاقةً ... على شدةٍ من دهرهِ وتهلُّلا)
(إِذا هزّه دَاعِي الوغى هزّ صبوةٍ ... أَفَاضَ غديراً أَو تقلّد جدولا)
)
(فقبّلها وَجها من الْبيض أبلجاً ... وغازلها طرفا من النَّقع أكحلا)
(فرِدْ ذابلاً من قبلِ وردٍ وروضةٍ ... فَكل ربيع بالأسنَّة يُجْتَلى)
وَقَالَ
(أمذكِّري ظَبَياتِ سَلعٍ والنَّقا ... هيجتَ ذَا شجن وشُقتَ مُشوَّقا)
(وَلَقَد مددتُ إِلَى السُّلوِّ يدَ الأسى ... فوجدتُ باعَ الصَّبرِ عنهُ ضيِّقا)
(ويزيدني قِدَمُ العهود صبَابَة ... وكذاك فعل البابليّ معتَّقا)
(يَا سَعْدُ هَل لمياء تَبَسم موهناً ... أم ذَاك برقُ الأَبرَقينَ تألَّقا)
(مَا كلُّ لامعةٍ على أطلالهم ... لكنَّني أُعطيتُ قلباً شيِّقا)
(حَكَمَ الفراقُ بظلمهِ فوجدتُ إِ ... لاَّ شامتاً وعدمتُ إلاَّ مُشْفِقَا)
(غدرَ الْغنى والغانياتُ بِنَا وَمَا ... كَانَا بأوَّل من أضاعَ المَوْثِقا)
(فلأجل ذَا أَضحى الوصالُ تكلُّفاً ... والعتبُ مَذقاً والوداد تملُّقا)(22/17)
(لَا نلتُ مَا فوقَ المطيِّ من المها ... إِن كَانَ قلبِي قرَّ أَو دمعي رقا)
(ووراءَ تِلْكَ العِيسِ قلبُ مدلَّةٍ ... لم يلقَ من رقّ الصَّبابة معتِقا)
(حرَّان يسْأَل أدمعي لغليله ... ولطالما سَأَلَ الْأَسير المطلَقا)
(وسقيمَةِ الألحاظِ بيض جفونِها ... فتكاً لسود جفونِها لَا يتَّقى)
(نشرتْ ذوائبها وهزَّ قوامها ... شرخُ الشَّباب فهزَّ غصناً مورِقا)
(كَلَفي بذاتِ الْخَال ليسَ بحادثٍ ... فَيكون فِي نسبِ الملاحةِ مُلحَقا)
(مَنَعَتْ زَكَاة الحُسن فِي الْعشْرين كَا ... مِلَّة وكنتُ ابْن السَّبيلِ المملقا)
وَقَالَ
(لَوْلَا صدُودكِ يَا أُمامَهْ ... مَا كنتُ أندب عهد رامهْ)
(وَلما وقفتُ على القدو ... دِ الهِيف أسجعُ كالحمامهْ)
(أبْكِي لياليَ غِبطةً ... كَانَت لخدّ الشَّامِ شامَهْ)
(وأغنَّ مَا ضرّ الصَّبا ... لَو أنَّا حملت سلامَهْ)
(فأُغالط الواشي بنش ... رِ الأُقحوانَةِ والثُّمامَهْ)
(إِن حلَّ طرفِي طيفُه ... فالبدر يسري فِي الغمامَهْ)
)
(أزرى بظبيِ الرَّملِ نَا ... ظرةً وخُوطِ البان قامَهْ)
(وَأرى المدامَ بخدهِ ... والوردُ لَيْسَ لَهُ مدامَهْ)
(أَمرَ العذولُ بهجرهِ ... قل للعذول وَلَا كرامَهْ)
(واطلب أمانَ جفونهِ ... إِن كنت ترغبُ فِي السلامَهْ)
وَقَالَ
(هِيَ دَار ميَّة يَا طليقَ العذَّلِ ... قف بالمطايا إِن وقفتَ بمنزلِ)
(فهناك أفواهُ البروقِ ضواحكٌ ... والدوحُ راقصةٌ لشدو البلبلِ)
(مَا بَين درع من غَدِير مانعٍ ... نبل القطار وصارمٍ من جدولِ)
(صافٍ إِذا مَا المدُّ ألبس جسمَه ... صدأَ القذى صقلتْهُ ريحُ الشمألِ)
(وَكَأن رمحاً فَوق متن نظيمةٍ ... زَغْفٍ قضيبُ البانِ فوقَ المنهلِ)(22/18)
(والمزنُ تسفح منهراتُ جراحِها ... وَترى حسام البرقِ غيرَ مفلَّلِ)
(حَربٌ حنينُ الرعدِ صَوت نسيمها ... والغيمُ أسودهُ غُبَار القسطلِ)
(وقفت بهَا الأَبصار وقفةَ حائرٍ ... ومشتْ إِلَيْهَا السحبُ مِشية مثقلِ)
(فالأَرض باسمةٌ ثغور أقاحها ... طَربا لوجهِ العارضِ المتهلِّلِ)
وَقَالَ
(ألم تحتلف أَن لَا تعود إِلَى ظلم ... فَلم جُرِّدت أسيافُ عَيْنَيْك فِي السِّلمِ)
(وَمَا بَال كفّ الدّلّ نَحْو مقاتلي ... تسدِّدُ من عطفيك بعض القنا الصّمِّ)
(وَلم أرَ موتا قبل طرفك مشتهًى ... وَلَا صحَّةً زِينت بشافٍ من السّقمِ)
(عدمتُ الْغنى من وجنةٍ ذهبيَّةٍ ... تُصان وَهَذَا خالها طابعُ الختمِ)
(وَقد بلّغت عنِّي بلاغة أدمُعي ... وباحَ نُحولي بالخفيّ من الكتمِ)
(فَمَا شافها العذَّال مثلُ مدامعي ... وَلَا خاطبَ الواشين أفصحُ من سُقمي)
(وبِكْرٍ من اللذاتِ نِلتُ بهَا المُنى ... وبِتُّ نديمَ الْإِثْم فِيهَا بِلَا إثمِ)
(أضمُّ قضيب البان فِي ورَق الصِّبا ... وألثمُ بدر التمِّ فِي سحُب اللثمِ)
وَقَالَ
(أجنّها الْفِكر وأبداها العَبَقْ ... مَا كتمَ اللَّيْل وَلَا نمَّ الفلقْ)
)
(لَا ذنبَ للصبح وشمسٌ مَا أرى ... والعذر للَّيلِ ومسكٌ مَا انتشَقْ)
(بِالْقَلْبِ مَا بقلبها من غُصَّة ... وجدا وَمَا لوشْحها من القلقْ)
(إِذا تثنّى قدُّها فِي فَرعها ... بَان بِهِ معنى الْقَضِيب فِي الورقْ)
(ومُقلةٍ مَا لي بهَا من مقلةٍ ... يدٌ على طول الْبكاء والأرقْ)
(لَوْلَا خيالات الدجى مَا فضَّلت ... بنفسجَ اللَّيْل على ورد الشفقْ)
(يَا راقدينَ ورقادي بعدَهم ... أَخُو الهدوِّ مدَّعًى أَو مُسترَقْ)
(قطعتمُ نومي وجفني سارقٌ ... وإنَّما يُقطع شرعا من سرقْ)
(أخلقتُ ثوبَ السقمِ فِي حبّكمُ ... وعادةٌ أَن يُنزعَ الثوبُ الخَلَقْ)
(من لي بكافور الصَّباح قولةً ... من ساهرٍ أمَّله مسك الغَسَقْ)
(وَلَو وفيتُ لخؤون غادرٍ ... تبعتُ قلبِي مَعكُمْ حَيْثُ انْطلق)(22/19)
(أباسمٌ بالغور أَو برقٌ حفا ... أم صارمٌ جُرِّد أم سهمٌ مرقْ)
(إِذا استطار جَمْرَة فِي فحمةٍ ... من الدجى جلَّ بِهِ الشوق ودقْ)
(أفهمني وحيَ الغرام ومضُهُ ... والشأنُ أَن يُفْهِم ثغرٌ مَا نطقْ)
وَقَالَ
(حالَ الشبابُ وَمَا حَالَتْ صبابتهُ ... وخانه دهرُه فيهم وَلم يَخُنِ)
(لَو كنتُ أبقيتُ دمعاً يَوْم بينهمُ ... لما تَحَمَّلتُ فِيهَا مِنَّةَ المُزُنِ)
(غَابُوا وَمَا فِكَري فيهم بغائبةٍ ... فاللحظُ للقلبِ لَا للعينِ والأُذنِ)
(وربَّما ليلةٍ كَانَت بقربهمُ ... خالاً لهوت بِهِ فِي وجنة الزمنِ)
(وَمَا سلوتُ كَمَا ظنَّتْ وُشاتُهمُ ... لكنَّ قلبِي حليمُ الوجد والشجنِ)
(وَأنكر الركبُ منِّي يومَ كاظمةٍ ... عَيَّ اللسانِ وفوزَ الدمعِ باللسَنِ)
(وسُنَّة الحبِّ فِي الْآثَار ماضيةٌ ... وإنَّما الناسُ بالعادات والسُنَنِ)
وَقَالَ
(سرتْ زينبٌ والبرقُ مبتسمُ الثغرِ ... كَمَا سحبتْ كفٌّ شريطاً من التِّبْرِ)
(وَقد جمعتنَا شملةُ اللَّيْل والهوى ... كَمَا اشْتَمَلت أحناء صدرٍ على سِرِّ)
(بَكت وأرانا عِقدها دَهَشُ النَّوَى ... فَقُلْنَا لَهَا مَا أشبه النّظم بالنثرِ)
)
(ولاحت ثريَّا شَنفها فَوق خدّها ... وشرطُ الثريَّا أنَّها منزل البدرِ)
(وبتنا وَلَا لثمي قلادةَ جِيدها ... عفافاً وَلَا ضمِّي وشاحاً على الخصرِ)
(وَيَوْم وصالٍ كَانَ أبيضَ ناصعاً ... ولكنَّه كالخالِ فِي وجنَةِ الدهرِ)
(لهونا بِهِ والشمسُ فِي الدّجنِ تجتلى ... كنظم حبابٍ فَوق كأسٍ من الخمرِ)
(ورحنا وَفِي أفعالنا صحوة الحجى ... وَإِن كَانَ فِي ألبابنا نشوَةُ السكرِ)
(نعفِّي بأذيال المروط مَعَ الدجى ... لما كتبتْ مِنْهَا الذوائبُ فِي العفرِ)
(سلوها هَل ارتابتْ بلحظِ ضَجيعها ... وَهل حُطَّ عَن شمس الضُّحَى سُحُبُ الخُمْرِ)
(على طول مَا أبكت جفوني من الأسى ... وَمَا أضحكتْ بالشيبِ رَأْسِي من الصبرِ)
(منزَّهةٌ فِي الحربِ أقلامُ سُمْرهم ... عَن الدَّم حتَّى لَيْسَ تكْتب فِي ظهرِ)
(إِذا مَا ابتدا منَّا امرؤٌ قَالَت العلى ... ليُخْلَ مكانُ الصَّدْر للفارس الحبرِ)(22/20)
(وَمَا كَانَ نظم الشّعْر عادةَ مثلنَا ... لمسألةٍ لَوْلَا الإرادَةُ للفخرِ)
(أريت أخاها النجمَ ليلةَ نظمها ... أشفّ بُيُوتًا من كواكبها الزهرِ)
(وَلَو أَن هاروتاً رأى حُسن وَجههَا ... تعلَّم من أجفانها صنعَةَ السحرِ)
3 - (ابْن دفتر خُوان الموسوي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الرِّضَا بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أميركا الشريف أَبُو الْحسن الْحُسَيْنِي الموسوي الطوسي الأديب الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن دفتر خوان ولد بحماة وَبهَا توفّي سنة خمس وَخمسين وست مائَة وَله سِتّ وَسِتُّونَ سنة لَهُ مصنفات أدبية وَغير أدبية امتدح الْمُنْتَصر بِاللَّه وَغَيره وملكت من تصانيفه بِخَطِّهِ كتاب شاهناز وَهُوَ سُؤَالَات نظم أَبْيَات وأجوبتها نثر بَين حكيمين طبيعي وإلهي وَكتاب الطَّلَائِع
3 - (أَبُو تُرَاب الكَرْميني)
عَليّ بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ أَبُو تُرَاب التَّمِيمِي الكرميني أحد الأئمَّة الْكِبَار أديب عَظِيم حَافظ لأصول اللُّغَة عديم النظير فِي زَمَانه ورع عفيف كثير التِّلَاوَة توفّي سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة
3 - (الصاحب بهاء الدّين بن حِنَّا)
عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم الصاحب الْوَزير الْكَبِير بهاء الدّين بن حنَّا الْمصْرِيّ أحد رجال)
الدَّهْر حزماً وعزماً ورأياً ودهاءً وخبرةً وتصرّفاً استوزره الظَّاهِر وفوض إِلَيْهِ الْأُمُور وَلم يكن على يَده يَد وَقَامَ بأعباء المملكة وأخمل خلقا مِمَّن ناوأه وَكَانَ وَاسع الصَّدْر عفيفاً نزهاً لَا يقبل لأحد شَيْئا إلاَّ أَن يكون من الصلحاء والفقراء وَكَانَ قَائِلا بهم يُحسن إِلَيْهِم ويحترمهم ويدرّ عَلَيْهِم الصلات وَقد قَصده غير وَاحِد بالأَذى فَلم يَجدوا مَا(22/21)
يتعلقون بِهِ عَلَيْهِ
ووزر بعد الظَّاهِر لِابْنِهِ سعيد وزادت رتبته وَله مدرسة وبرٌّ وأوقاف ابتُلي بفقد ولديه فَخر الدّين ومحيي الدّين فَصَبر وتجلَّد وعاش أَرْبعا وَسبعين سنة وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وست مائَة وشيَّع الْخلق جنَازَته
وحُكي أنَّ من جملَة سعادته أَوَّلَ وزارته أَنه نزل إِلَى دَار الْوَزير الفائزي ليتبع ودائعه وَيَأْخُذ ذخائره فَوجدَ ورقة فِيهَا أَسمَاء من أودع عِنْده أَمْوَاله فَعرف الْحَاضِرُونَ كلَّ من سمِّي فِي الورقة وطُلب وأُخذ مِنْهُ المَال وَكَانَ فِي الْأَسْمَاء مَكْتُوب الشَّيْخ ركن الدّين أَرْبَعُونَ ألف دِينَار فَلم يعرف الْحَاضِرُونَ من هُوَ هَذَا الشَّيْخ الَّذِي يودع أَرْبَعِينَ ألف دِينَار ففكر الصاحب بهاء الدّين زَمَانا وَقَالَ احفروا هَذَا الرُّكْن وَأَشَارَ إِلَى ركن فِي الدَّار فحفروه فوجدوا المَال
وَكَانَ ينتبه قبل الآذان للصبح وَيشْرب قدحاً فِيهِ ثَمَانِي أواقٍ شرابًا بالمصري وَيَأْكُل طيري دجاجٍ مصلوقةً وَإِذا أذَّن صلَّى الصُّبْح وَركب إِلَى القلعة وَأقَام طول النَّهَار لَا يَأْكُل شَيْئا فِي الْمُبَاشرَة ويُظنّ أنَّه صائمٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة صائمٌ لَا يحْتَاج إِلَى غذَاء مَعَ ذَلِك الشَّرَاب والدجاج
وَكَانَ الْملك الظَّاهِر يعظِّمه ويدعوه يَا أبي وحُكي أنَّ الْأُمَرَاء الكبراء اشتوروا فِيمَا بَينهم أنَّهم يخاطبون السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر فِي عزل الصاحب بهاء الدّين وَلم تزل الْعُيُون للسُّلْطَان على عامّة النَّاس وخاصّتهم يطالعونه بالأَخبار فاطّلع بعض الْعُيُون على ذَلِك وَكَانَ قد قرَّروا أنَّ ابْن بركَة خَان هُوَ الَّذِي يفتح الْبَاب فِي ذَلِك والأُمراء يراسلونه فلمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك وَكَانُوا قد عزموا على مخاطبته فِي بكرَة ذَلِك النَّهَار فِي الْخدمَة فلمَّا جَاءُوا ثَانِي يَوْم ادَّعى السُّلْطَان أنَّه أصبح بِهِ مَغْسٌ عجز مَعَه عَن الْجُلُوس للْخدمَة فَجَلَسَ الأُمراء إِلَى طالع نَهَار ثمَّ خرج إِلَيْهِم جَمدار وَقَالَ بِسم الله ادخُلُوا فَدَخَلُوا يعودون السُّلْطَان وَهُوَ متقلق فجلسوا عِنْده سَاعَة فَجَاءَهُ خَادِم وَقَالَ يَا خَوَند كَانَ مَوْلَانَا السُّلْطَان قد دفع إليَّ فِي وقتٍ قَعْبَة صيني فِيهَا حلاوة مسير يَقْطِين وَقَالَ لي دعها عنْدك فَإِن هَذِه أهداها لي رجل صَالح وَهِي تَنْفَع من)
الْأَمْرَاض فَقَالَ السُّلْطَان نعم ذكرت أحضِرها فأحضَرها فَأكل مِنْهَا شَيْئا قَلِيلا وادَّعى أَنه سكّن مَا يجده من الْأَلَم ففرح الأُمراء وسرُّوا بذلك فَقَالَ يَا أُمراء أتعرفون من هُوَ الَّذِي أهْدى إليَّ هَذِه الْحَلْوَى من الصلحاء فَقَالُوا لَا قَالَ هَذَا أبي الصاحب بهاء الدّين فَسَكَتُوا
ولمَّا خَرجُوا قَالَ بَعضهم لبَعض إِذا كَانَ يعْتَقد فِيهِ أنَّ طَعَامه يُشفي من الْمَرَض أيّ شيءٍ تَقولُونَ فِيهِ كتب إِلَيْهِ القَاضِي محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر
(زادك الله تَعَالَى ... أيُّها العبدُ جلالا)(22/22)
(حَيْثُ قد صرتَ سِنيناً ... لِعَلِيٍّ تتوالى)
(من يَزُر فِي الْعَام يَوْمًا ... حقُّه أَن يتغالى)
وَكتب إِلَيْهِ السِّراج الورَّاق وَمن خطِّه نقلتُ
(لَا تَلُمْنا فأيُّ بابٍ سوى با ... بك تأوي إِلَى حِماهُ الوفودِ)
(لم تكد تَقْصرُ الْمسَائِل منّا ... ولدينا عطاؤكَ الممدودُ)
(كلّنا مُؤمن يحبُّ عليًّا ... ونُوالي نداهُ وَهُوَ يزيدُ)
وَقَالَ يمدحه وَقد خلع عَلَيْهِ خلعة زرقاء وعوفي من مَرضه
(لبستَ ثَوْبَيْنِ تَشْرِيفًا وعافيةً ... لم تُبلِ حسنَهما يَوْمًا يدُ الغَيرِ)
(أرضيتَ ربَّكَ والسلطانَ فاصطفَيا ... مَا قد لبست فجُرَّ الذيلَ وافتخرِ)
(من صحّة طالما كُنَّا نؤمِّلها ... فَالله يعطيك مِنْهَا أطولَ العُمُر)
(وخلعةٍ إِن بدتْ لونَ السماءِ لنا ... فقد بدا مِنْك مَا يُزهى على القمرِ)
(قَالَت سعادةُ مَوْلَانَا لصابغها ... دعها سماويّةً تمْضِي على قَدَرِ)
(قل للعدى قد شفى الله الوزيرَ وَمَا ... لجأتمُ من أمانيكم إِلَى وَزَرِ)
(دعوا عليًّا فإنَّ الله فضَّله ... عَلَيْكُم واسمعوا التفضل من عُمَرِ)
وَقَالَ فِيهِ سعد الدّين الفارقي الْكَاتِب
(يمَّمْ عليًّا فهْو بَحْر الندى ... ونادِه فِي المُظْلِعِ المُعْضِلِ)
(فرِفده مُجْدٍ على مجدبٍ ... وجوده مُفْضٍ إِلَى مُفْضِلِ)
وَفِيه يَقُول أَبُو الْحُسَيْن الجزّار من قصيدة)
(وَغدا لأشياخ الرسَالَة مُشبهاً ... إذْ رَاح وَهُوَ بوصفهم موصوفُ)
(فَأَبُو يزيدٍ كلّ يَوْم مجدُهُ ... وَهُوَ السَّريُّ وفضلُه معروفُ)
3 - (الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن غَانِم)
عَليّ بن مُحَمَّد بن سلمَان بن حمائل الشَّيْخ الْفَاضِل(22/23)
البليغ الْكَاتِب الشَّاعِر صدرُ الشَّام القَاضِي عَلَاء الدّين بن غَانِم بَقِيَّة الْأَعْيَان تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَانِم فِي الأحمدين توفّي بتبوك رَحمَه الله تَعَالَى فِي المحرَّم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَله سِتّ وَثَمَانُونَ سنة
كَانَ حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمَان وبقيَّةً ممَّا ترك الأَعيان ذَا مُرُوءَة فَاتَت الْوَصْف وجودٍ أخجل الْغَمَام الواكف تأذَّى من الدولة مرَّات وَمَا رَجَعَ عمَّا لَهُ فِي الْخَيْر والعصبيَّة من كرّات قَالَ الشَّيْخ صدر الدّين بن الْوَكِيل مَا أعرف أحدا فِي الشَّام إلاَّ ولعلاء الدّين بن غَانِم فِي عُنُقه منَّةٌ قلَّدها بصنيعه أَو جاهه أَو مَاله وَكَانَ الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزَّمِلْكاني يكرههُ فَيَقُول مَا أَدْرِي مَا أعمله بِهَذَا عَلَاء الدّين بن غَانِم أيُّ من أردتُ أَن أذكرهُ عِنْده بِسوء يَقُول مَا فِي الدُّنْيَا مثل عَلَاء الدّين بن غَانِم أَو كَمَا قَالَ
وَكَانَ وقوراً مليحَ الْهَيْئَة مُنوَّر الشيبة ملازم الْجَمَاعَة مطَّرح التكلّف حدث عَن ابْن عبد الدَّائِم والزين خَالِد وَابْن النُّشْبي وَجَمَاعَة وَأَجَازَ لي بخطِّه فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة بِدِمَشْق
وَكَانَ بَيته رَحمَه الله مأوى كلّ غَرِيب وبابه مقصد كلّ ملهوف وَله النّظم والنثر ومدحه شعراء عصره وَكَانَ آخر من بَقِي من رُؤَسَاء دمشق كتب إِلَيْهِ جمال الدّين بن نباتة
(عَلَوْت اسْما ومقداراً وَمعنى ... فيا لله من فضلٍ جَليِّ)
(كأَنَّكمُ الثلاثةُ ضربُ خيطٍ ... عليٌّ فِي عليٍّ فِي عليِّ)
وَأَجَازَ لي رَحمَه الله بخطِّه وأنشدني كثيرا من شعره من لَفظه كتب إِلَى العلاَّمة شهَاب الدّين مَحْمُود
(لقد غبتَ عنَّا وَالَّذِي غابَ محسودُ ... وأنتَ على مَا اخترتَ من ذَاك محمودُ)
(حَلَلْنا محلا بعدَ بُعدك مُمْحِلاً ... بِهِ كلُّ شيءٍ مَا خلا الشرَّ مفقودُ)
(بِهِ الْبَاب مفتوحٌ إِلَى كلِّ شَقْوَةٍ ... ولكنْ بِهِ بابُ السَّعَادَة مسدودُ)
فَكتب إِلَيْهِ الْجَواب)
(أَأَحبابَنا بِنتم وشطَّ مزارُكم ... برغمي وحالت دون وصلكمُ البِيدُ)
(وروَّعتمُ روض الْحمى بفراقكم ... فشابت نواصي بانِهِ وَهُوَ مولودُ)
(وَمن لم تَهِجْه الوُرْق وجدا عليكمُ ... توهَّم أنَّ النَّوْحَ فِي الدَّوْحِ تغريدُ)(22/24)
وَكتب إِلَيْهِ الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي
(شَنِّفِ الأَسماعَ بالنظمِ الَّذِي ... قد حكى الأَنجمَ فِي ظلمائها)
(وبدا كالشَّمس إلاَّ أنَّهُ ... زَاد فِي الحُسن على لألائها)
فَكتب الْجَواب
(لَيْسَ للمملوكِ إلاَّ مِدحةٌ ... فِي معاليكَ وَفِي آلائها)
(وبحارُ الْفضل تجْرِي مِنْك لي ... فمقالي قَطْرَة من مَائِهَا)
وَأَخْبرنِي من لَفظه قَالَ عتبني شهَاب الدّين مَحْمُود وَهُوَ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء وَقَالَ بَلغنِي أَن جمَاعَة ديوَان الْإِنْشَاء يذمُّونني وَأَنت حَاضر مَا تردّ غيبتي فَكتب إِلَيْهِ
(وَمن قَالَ إنَّ الْقَوْم ذمُّوك كاذبٌ ... وَمَا مِنْك إلاَّ الفضلُ يُوجد والجدُ)
(وَمَا أحدٌ إلاَّ لفضلك حامدٌ ... وَهل عِيبَ بَين النَّاس أَو ذُمَّ محمودُ)
فَكتب إليَّ بِأَبْيَات مِنْهَا
(علمتُ بأنِّي لم أُذمَّ بمجلسٍ ... وَفِيه كريمُ القومِ مثلُك موجودُ)
(وَلست أُزكِّي النَّفس إذْ لَيْسَ نافعي ... إِذا ذُمَّ منِّي الفعلُ والاسمُ محمودُ)
(وَمَا يكره الإنسانُ من أكل لَحْمه ... وَقد آنَ أَن يبْلى ويأكلَه الدودُ)
قَالَ فَلم يكن بعد ذَلِك إلاَّ أَيَّام قَلَائِل حتَّى توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَأكله الدُّود وَكتب على كتابي جنان الجناس لمَّا وقف عَلَيْهِ
(لقد ضمَّ أَجنَاس الجناس فأطربا ... وأعجزَ من باراه فِيهَا فأتعبا)
(صلاحٌ لدين الله أَبدى بدائعاً ... تروق بألفاظٍ أرقَّ من الصَّبا)
(يرَاهُ بليغ جَاءَ بالمدح سَائِلًا ... مجيزاً مجيباً قولَه لَا مخيِّبا)
(بإنشاده هَذَا وإنشائه لقد ... بِهِ فَاتَ من قد فاق فضلا ومنصِبا)
(فَقُسُّ إيادٍ عِنْد ذَا الْفضل ناقلٌ ... وَلَفظ امْرِئ الْقَيْس البديع هُنا هَبا)
وَمن شعره لمَّا أُمسك الْأَمِير سيف الدّين كَراي الْمَنْصُور نَائِب دمشق)
(أَنا راضٍ بحالتي لَا مزيدي ... وَبِأَن أَزَال عبدَ الحميدِ)
(إنَّ فِي أَمر كافل الْملك بالشا ... م عظاتٍ للحازم المستفيدِ)(22/25)
(جَاءَهُ بالتقليد أَرْغُون بالأَم ... س وولَّى وَعَاد بالتقييد)
وَمِنْه
(سَلَبَ المهجةَ منِّي ... بالجفونِ الفاتراتِ)
(لم يزور الْبَيْت لم يَرْ ... مِ الحشا بالجَمَراتِ)
وَمِنْه
(وَكم سرحةٍ لي فِي الرُبى زمنَ الصِّبَا ... أشاهدُ مرأى حسنها متملِّيا)
(ويُسكرِني عَرْفُ الشذا من نسيمها ... فأقضي هوى من طيبه حتفَ أَنفيا)
(وأسأل فِيهَا مَبْسِم الرَّوْض قُبلةً ... فيُبرز من أكمامه ليَ أيديا)
(فَللَّه روضٌ زرتُه متنزّهاً ... فأبدى لعَيْنِي حُسن مرأى بِلَا رِيا)
(غَدا الغُصن فِيهِ راقصاً ونسيمُهُ ... يكرُّ على من زَارَهُ متعدّيا)
(ترجَّلَتِ الأَشجار وَالْمَاء خَرَّ إذْ ... نسيمُ الصَّبا أضحى بِهِ متمشِّيا)
(تُغَنِّي لَدَيْهِ الوُرْق والغصنُ راقصٌ ... فيعرقُ وَجه الأَرض من كَثرة الحيا)
وَمِنْه
(فَعُدَّ نفسكَ من أهل الْقُبُور بهَا ... فَعَن قَلِيل إِلَيْهَا سَوف تنقلُ)
(وَاذْكُر مصَارِع قومٍ قد قضوا ومضوا ... كأَنَّهم لم يَكُونُوا بَعْدَمَا رحلوا)
(يَا ليتَ شعريَ مَا قَالُوا وَقيل لَهُم ... وَمَا الَّذِي قد أجابوا عِنْدَمَا سُئِلوا)
وَمن نثره رَحمَه الله تَعَالَى يصف قلعة ذَات أَوديَة ومحاجر لَا ترَاهَا الْعُيُون لبعد مرماها إلاَّ شَزْراً وَلَا ينظر ساكنها الْعدَد الْكثير إلاَّ نَزْراً وَلَا يظنّ ناظرها إلاَّ أنَّها طالعة بَين النُّجُوم بِمَا لَهَا من الأبراج وَلها من الْفُرَات خَنْدَق يحفُّها كالبحر إلاَّ أَن هَذَا عذبٌ فراتٌ وَهَذَا ملح أُجاج وَلها وادٍ لَا يقي لفحة الرمضاء وَلَا حرّ الهواجر وَقد توعَّرت مسالكه فَلَا يُداس فِيهِ إلاَّ على المحاجر وتفاوت مَا بَين مرآه العليّ وقراره العميق ويقتحم رَاكِبه الهول فِي هُبُوطه فكأَنَّما خرَّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق)
وَمِنْه فِي صدر كتاب وَجعله لحقيقة العلياء نفسا وعيناً وَلَا أعدم الْملك مِنْهُ نَاظرا وَلَا عينا وَلَا زَالَ على الأَعداء يُرْسل من مهابته رقيبين أذنا وعينا وأغنى بمكارمه من أَن نشيم من السَّمَاء خالاً(22/26)
وعينا أَو نَرِدَ من الأَرْض منهلاً وعينا وأطلع طلعة لوائه فِي الخافقَيْن حتَّى تخال لشمس عينا وسيَّر ركائب ذكره فِي الْآفَاق لَا تَشْتَكِي أَيْناً وَلَا عينا وَأقَام ميزَان الْقسْط بَين الرعايا لَا يجد فِيهِ عينا وَلَا عينا واستبعد لخدمته كلَّ أصيَدَ من الْمُلُوك لكل جحفل قلباً وَلَكِن محفِل عينا وَأهْلك كلَّ عدوّ لَهُ وحاسد تَارَة فَجْأَة وَتارَة عينا وأنطق لسانَ كرمه للأولياء بنُون وَعين وَمِيم إذْ كتب سواهُ ميماً ونوناً وعينا ومتَّعَهُ بِمَا خصَّه من استجلاء عرائس الْحور العِين بمجاهدته إِذا شغل سواهُ عَيْناءُ من أَسمَاء وعينا وسطَّر آثَار مآثره محكمَة على صفحات الْأَيَّام إذْ لم يُبْقِ لمن سلف من الْمُلُوك أثرا وَلَا عينا
3 - (أَبُو حيَّات التوحيدي الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو حيَّات التوحيدي شيرازي وَقيل نَيْسابوري وَقيل واسطي
صوفي السَّمْت والهيئة قَالَ ياقوت كَانَ يتألَّه وَالنَّاس على ثِقَة من دينه وَقَالَ محبُّ الدّين بن النجَّار كَانَ صَحِيح العقيدة وَكَذَا قَالَ غَيره والمتأخّرون حكمُوا بزندقته قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ سيِّئ الِاعْتِقَاد نَفَاهُ الْوَزير المهلَّبي قَالَ ابْن فَارس فِي كتاب الخريدة والفريدة كَانَ كذَّاباً قَلِيل الدّين والورع عَن الْقَذْف والمجاهرة بالبُهتان تعرَّض لأُمور جسام من الْقدح فِي الشَّرِيعَة وَالْقَوْل بالتعطيل ووقف الصاحب كَافِي الكُفاة على بعض مَا كَانَ يخفيه من ذَلِك فَطَلَبه لقَتله فهرب والتجأ إِلَى أعدائه ونفق عَلَيْهِم بزخرفة كذبه ثمَّ عثروا مِنْهُ على ذَلِك فَطَلَبه الْوَزير المهلَّبي فهرب مِنْهُ وَمَات فِي الاستتار
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه زنادقة الْإِسْلَام ثَلَاثَة ابْن الراوَندي وَأَبُو حيَّان التوحيدي وَأَبُو الْعَلَاء المعري وأشرّهم على الْإِسْلَام أَبُو حيَّان التوحيدي لأنَّهما صرَّحا وَهُوَ جَمْجَم وَهُوَ من تلامذة الرماني(22/27)
قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ فِي تَهْذِيب الأَسماء أَبُو حيَّان التوحيدي من أَصْحَابنَا المصنَّفين
من غَرَائِبه أنَّه قَالَ فِي بعض رسائله لَا رِباء فِي الزَّعفران وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو حَامِد المَرْوَزي وَالصَّحِيح تَحْرِيم الرِّبَا فِيهِ)
قَالَ ياقوت وَصَحب ابْن عبَّاد وابنَ العميد فَلم يحمدهما وصنَّف فِي مثالبهما كتابا وَكَانَ متفنناً فِي جَمِيع الْعُلُوم من النَّحْو واللغة وَالشعر والأَدب وَالْفِقْه وَالْكَلَام على رَأْي الْمُعْتَزلَة
وَكَانَ جاحظيًّا يسْلك فِي تصانيفه مسلكه ويشتهي أَن يَنْتَظِم فِي سلكه فَهُوَ شيخ الصُّوفِيَّة وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة ومحقّق الْكَلَام ومتكلّم الْمُحَقِّقين وَإِمَام البلغاء وعُمدة لبني ساسان سخيف اللِّسَان قَلِيل الرِّضَا عِنْد الْإِسَاءَة إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان الذمّ شَأْنه والثلب دكَّانه وَهُوَ مَعَ ذَلِك فَرد الدُّنْيَا الَّذِي لَا نَظِير لَهُ ذكاءً وفطنةً وفصاحةً ومُكْنَةً كثير التَّحْصِيل للعلوم فِي كلّ فنّ حُفَظة وَاسع الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَكَانَ مَعَ ذَلِك محدوداً محارفاً يتشكَّى صرف زَمَانه ويبكي فِي تصانيفه على حرمانه انْتهى
وَمن تصانيفه كتاب الصّديق والصداقة كتاب الردّ على ابْن جنّي فِي شعر المتنبي كتاب الإمتاع والمؤانسة مجلدان كتاب الإشارات الإلهية جزءان كتاب الزُّلْفَة كتاب المقابسة كتاب رياض العارفين كتاب تقريظ الجاحظ كتاب ثلب الوزيرين كتاب الْحَج الْعقلِيّ إِذا ضَاقَ الفضاء عَن الْحَج الشَّرْعِيّ كتاب الرسَالَة فِي صلات الْفُقَهَاء فِي المناظرة كتاب الرسَالَة البغداذية كتاب الرسَالَة فِي أَخْبَار الصُّوفِيَّة كتاب الرسَالَة الصُّوفِيَّة أَيْضا كتاب الرسَالَة فِي الحنين إِلَى الأَوطان كتاب البصائر والذخائر فِي عشر مجلدات وَله فَاتِحَة وخاتمة كتاب المحاضرات والمناظرات
وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَالثَّلَاث مائَة أَو مَا بعد الثَّمَانِينَ وَالله أعلم وَقد طوَّل ياقوت تَرْجَمته زَائِدا إِلَى الْغَايَة وَمن شعره
(يَا صاحبيَّ دَعَا الْمَلَامَة واقصرا ... تركُ الهَوَى يَا صاحبيَّ خسارَهْ)
(كم لمتُ قلبِي كي يُفيق فَقَالَ لي ... لَجَّت يمينٌ مَا لَهَا كفَّارَهْ)
(أَن لَا أُفيقَ وَلَا أُفَتِّرَ لَحْظَة ... إِن أَنْت لم تعشق فَأَنت حجاره)(22/28)
(الحبُّ أولُ مَا يكون بنظرة ... وَكَذَا الحريقُ بَداؤه بشرارَهْ)
(يَا من أُحِبُّ وَلَا أُسمِّي باسمها ... إيَّاكِ أَعنِي فاسمعي يَا جارَهْ)
3 - (الْمَدَائِنِي الأخباري)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي سيف الْمَدَائِنِي أَبُو الْحسن مولى سَمُرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف بَصرِي سكن الْمَدَائِن وانتقل إِلَى بغداذ وَتُوفِّي بهَا سنة خمس وَعشْرين)
وَمِائَتَيْنِ وَولد سنة خمس وَثَلَاثِينَ مائَة سرد الصومَ قبل وَفَاته بِثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ قد قَارب الْمِائَة قيل لَهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَا تشْتَهي قَالَ أشتهي أَن أعيش وَكَانَ قد اتَّصل بِإسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المَوْصِلي فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ وَفِي منزله توفّي وَكَانَ ثِقَة إِذا حدَّث عَن الثِّقَات وتصانيفه كَثِيرَة جدا
كتبه فِي أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب أُمَّهات النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم كتاب صفة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب أَخْبَار الْمُنَافِقين كتاب عهود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام والْمُسْتَهْزِئِين كتاب رسائل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب كتب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمُلُوك كتاب آيَات النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب إقطاع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب فتوح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب صلح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب خُطَب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب عهود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب الْمَغَازِي كتاب سَرَايَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب دُعَاء النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب خبر الْإِفْك كتاب أَزوَاج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب عُمَّال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كتاب مَا نهى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام كتاب الْخَاتم وَالرسل كتاب من كتب لَهُ كتابا أَو أَمَانًا كتاب أَمْوَال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَمن كَانَ يردّ عَلَيْهِ الصَّدَقَة من الْعَرَب كتاب أَخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
كتبه فِي أَخْبَار قُرَيْش كتاب نسب قُرَيْش وأخبارها كتاب الْعَبَّاس كتاب أَخْبَار أبي طَالب وَولده كتاب خُطَب عليّ بن أبي طَالب كتاب عبد الله بن عَبَّاس كتاب عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس كتاب آل أبي الْعَاصِ كتاب أبي العِيص كتاب خبر الحكم بن أبي الْعَاصِ كتاب عبد الرَّحْمَن بن سَمُرة كتاب ابْن أبي عَتيق كتاب عَمْرو بن الزبير كتاب فَضَائِل مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة كتاب فَضَائِل جَعْفَر بن أبي طَالب(22/29)
كتاب فَضَائِل الْحَارِث بن عبد الْمطلب كتاب عبد الله بن جَعْفَر كتاب مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر كتاب أم مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس كتاب الْعَاصِ بن أميَّة كتاب عبد الله بن عَامر بن كُرَيْز كتاب بِشر بن مَرْوَان بن الحكم كتاب عمر ابْن عبيد الله بن مَعْمَر بن المثنَّى كتاب هجاء حسَّان لقريش كتاب فَضَائِل قُرَيْش كتاب عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ كتاب يحيى بن عبد الله بن الْحَارِث كتاب أَسمَاء من قتل من الطالبيين كتاب أَخْبَار زِيَاد بن أَبِيه كتاب مناكح زِيَاد وَولده ودِعوته كتاب الجوابات لقريش جوابات)
مُضر جوابات ربيعَة جوابات الموَالِي جوابات الْيمن
كتبه فِي أَخْبَار مناكح الْأَشْرَاف وأخبار النِّسَاء كتاب الصّداق كتاب الولائم كتاب المناكح كتاب النواكح كتاب المغتربات كتاب المقيّنات كتاب المتردِّيات من قُرَيْش كتاب من جمع بَين أُخْتَيْنِ وَمن تزوج ابْنه امْرَأَته وَمن جمع أَكثر من أَربع وَمن تزوج مجوسيَّة كتاب من كُرِه مناكحته كتاب من قتل عَنْهَا زَوجهَا كتاب من نُهيت عَن تَزْوِيج رجل فتزوجته كتاب من تزوج من الْأَشْرَاف فِي دُلَف كتاب من هجاها زَوجهَا كتاب من شكت زَوجهَا أَو شكاها كتاب مناقضات الشُّعَرَاء وأخبار النِّسَاء كتاب من تزوج فِي ثَقِيف من قُرَيْش كتاب الفاطميَّات كتاب من وصف امْرَأَة فَأحْسن كتاب العواتك كتاب الكلبيَّات
كتبه فِي أَخْبَار الْخُلَفَاء كتاب من تزوَّج من نسَاء الْخُلَفَاء كتاب تَسْمِيَة الْخُلَفَاء وَكُنَاهُمْ وأعمارهم كتاب أَعمار الْخُلَفَاء كتاب حُليّ الْخُلَفَاء الْكَبِير ابتدأه بأخبار أبي بكر الصّديق وختمه بأخبار المعتصم كتبه فِي الْأَحْدَاث كتاب الرّدّة كتاب الجَمَل كتاب الغارات كتاب النَّهْرَوان كتاب الْخَوَارِج كتاب خبر ضابئ بن الْحَارِث البُرجمي كتاب تَوْبَة بن مضرّس كتاب بني نَاجِية ومصقلة بن هُبيرة كتاب مُخْتَصر الْخَوَارِج خُطَب عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكتبه إِلَى عمَّاله كتاب عبد الله بن عَامر الْحَضْرَمِيّ كتاب إِسْمَاعِيل بن هبَّار كتاب عَمْرو بن الزبير كتاب مرج راهط كتاب الرَّبَذة ومقتل حُبَيْش كتاب أَخْبَار الْحجَّاج ووفاته كتاب عبَّاد بن الْحصين كتاب حرَّة واقم كتاب ابْن الْجَارُود كتاب مقتل عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ كتاب زِيَاد بن عَمْرو بن(22/30)
الْأَشْرَف العَتَكي كتاب خلاف عبد الْجَبَّار الْأَزْدِيّ ومقتله كتاب سلْم بن قُتيبة ورَوْح بن حَاتِم كتاب المِسور بن عَمْرو بن عبَّاد الحبطي وَعَمْرو بن سهل كتاب مقتل ابْن هُبيرة كتاب سَنْبيل كتاب الدولة العبَّاسيَّة وَهُوَ كتاب يشْتَمل على عدَّة كتب لم يذكرهُ ابْن النديم قَالَ ياقوت وَقع إليَّ بِخَط السكّري بعضه وَقد قَرَأَهُ عليَّ الْحَارِث بن أُسامة
كتبه فِي الْفتُوح كتاب فتوح الشَّام إِلَى آخر أَيَّام عُثْمَان كتاب فتوح الْعرَاق إِلَى آخر أَيَّام عمر كتاب خبر)
الْبَصْرَة وفتوحها وفتوح مَا يقاربها كتاب فتوح خُرَاسَان وأخبار أمرائها كتاب نَوَادِر قُتَيْبَة بن مُسلم كتاب ولَايَة أَسد بن عبد الله الْقَسرِي كتاب ولَايَة نصر بن سيَّار كتاب ثغر الْهِنْد كتاب أَعمال الْهِنْد كتاب فتوح سجستان كتاب فَارس كتاب فتح الأُبُلَّة كتاب أَخْبَار إرمينية كتاب كرمان كتاب كابُل وزابُلِستان كتاب طبرستان أَيَّام الرشيد كتاب القِلاع والأَكراد كتاب عُمان كتاب فتوح مصر كتاب الريّ وَأمر الْعلوِي كتاب أَخْبَار الْحسن بن زيد وَمَا مُدح بِهِ من الشّعْر وعمَّاله كتاب فتوح الجزيرة كتاب فتوح البامي كتاب فتوح الأهواز كتاب أَمر الْبَحْرين كتاب فتح سهرك كتاب فتح برقة كتاب فتح مُكران كتاب فتوح الْحيرَة كتاب موادعة النَّوبة كتاب خبر سَارِيَة بن زُنَيْم كتاب فتوح الريّ كتاب فتوح جرجان وطبرستان
كتبه فِي أَخْبَار الْعَرَب كتاب البيوتات كتاب الْجِيرَان كتاب أَشْرَاف عبد الْقَيْس كتاب أَخْبَار ثَقِيف كتاب من نُسب إِلَى أُمّه كتاب من سُمِّي باسم أُمّه كتاب الْخَيل والرهان كتاب بِنَاء الْكَعْبَة كتاب خبر خُزَاعَة كتاب الْمَدِينَة وجبالها وأوديتها
كتبه فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وَغَيرهم كتاب أَخْبَار الشُّعَرَاء كتاب من نُسب إِلَى أُمّه من الشُّعَرَاء كتاب العمائر كتاب الشُّيُوخ كتاب الْغُرَمَاء كتاب من هادن أَو غزا كتاب من اقْترض من الأَعراب فِي الدُّيُون وَنَدم فَقَالَ شعرًا كتاب المتمثّلين كتاب من تمثَّل بِشعر فِي مَرضه كتاب الأَبيات الَّتِي جوابها كَلَام كتاب النَّجَاشِيّ كتاب من وقف على قبر فتمثَّل بِشعر كتاب من بلغه موت رجل فتمثَّل بِشعر أَو كَلَام كتاب من تشَّبه من النِّساء بالرِّجال كتاب من فضل الأَعراب على الحضريَّات كتاب من قَالَ شعرًا(22/31)
على البديهة كتاب من قَالَ شعرًا فِي الأَوابد كتاب الاستعداء على الشُّعَرَاء كتاب من قَالَ شعرًا فَسُمي بِهِ كتاب من قَالَ فِي الْحُكُومَة من الشُّعَرَاء كتاب تَفْضِيل الشُّعَرَاء بَعضهم على بعض كتاب من نَدم على المديح وَمن نَدم على الهجاء كتاب من قَالَ شعرًا فَأُجِيب بِكَلَام كتاب أبي الْأسود الدُّؤلي كتاب بن خَالِد صَفْوَان كتاب مهاجاة عبد الرَّحْمَن بن حسَّان للنجاشي كتاب قصيدة خَالِد بن يزِيد فِي الْمُلُوك والأَحداث كتاب أَخْبَار الفرزدق كتاب قصيدة عبد الله بن إِسْحَاق بن الْفضل بن عبد الرَّحْمَن كتاب خبر عمرَان بن حطَّان)
وَمن كتبه المؤلّفة كتاب الْأَوَائِل كتاب المتيّمين كتاب التَّعازي كتاب المنافرات كتاب الأَكَلَة كتاب المسيَّرين كتاب القيافة والزجر والفأل كتاب من حرد من الأَشراف كتاب الْمُرُوءَة كتاب الحمقى كتاب اللزَّاطين كتاب الْجَوَاهِر كتاب المقيّنين كتاب المسمومين كتاب كَانَ يُقَال كتاب ذمّ الْحَسَد كتاب من وقف على قبر كتاب الْخَيل كتاب من استُجيبت دَعوته كتاب قُضَاة الْمَدِينَة كتاب قُضَاة أهل الْبَصَر كتاب أَخْبَار رَقَبَة بن مصقلة كتاب مفاخرة الْعَرَب والعجم كتاب مفاخرة أهل الْبَصْرَة والكوفة كتاب ضرب الدَّرَاهِم وَالصرْف كتاب أَخْبَار إِيَاس بن مُعَاوِيَة كتاب خبر أَصْحَاب الْكَهْف كتاب خطْبَة وَاصل كتاب إصْلَاح المَال كتاب أَدب الإخوان كتاب النَّحْل كتاب المقطّعات المتحيِّرات كتاب أَخْبَار ابْن سِيرِين كتاب الرسَالَة إِلَى ابْن أبي دؤاد كتاب النَّوَادِر كتاب الْمَدِينَة كتاب مكَّة كتاب المختضرين كتاب المراعي وَالْجَرَاد ويحتوي على الكور والطساسيج وجباياتها
3 - (أَبُو نصر ابْن رَئِيس الرؤساء)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن هبة بن المظفر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن المُسْلِمَة أَبُو نصر ابْن الْوَزير أبي الْفرج ابْن رَئِيس الرؤساء كَانَ زاهداً ناسكاً محبًّا لأهل الْعلم كثير المصاحبة لَهُم ولأشياخ الصُّوفِيَّة ويتزيَّا بزيّهم وَبنى رِباطاً حسنا بِالْقصرِ من دَار الْخلَافَة وَوَقفه عَلَيْهِم
وَلم يدْخل فِي شيءٍ من الولايات وَلَا أُمُور الدُّنْيَا سمع من القَاضِي مُحَمَّد ين عمر بن يُوسُف الأُرْموي وَأبي الْوَقْت السِّجزي وَيحيى بن ثَابت بن بُندار(22/32)
وَغَيرهم وَكَانَ يكْتب خطًّا حسنا وَيَقُول الشّعْر توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره
(قف باللوى إِن تناءتِ الدارُ ... فَعِنْدَ تِلْكَ الأوطانِ أَوطارُ)
(وَشِمْ لَهَا بارقَ السحابِ فإنْ ... ضنَّ فماء الجفون مدرارُ)
(أحبابُنا أَزمعوا الرحيل وَمَا ... أظنُّ أنِّي أعيشُ إِن سَارُوا)
(راحوا بقلبي وخلَّفوا جسداً ... جَار عَلَيْهِ السَّقام مذ جاروا)
(أحبُّ نجداً إِن أنجدوا فَإِذا ... غاروا فعندي للغور إيثارُ)
(لَا عذرَ لي فِي الحياةِ بعدهمُ ... النارُ فِي حبِّهم وَلَا العارَ)
3 - (ابْن الْمهْدي)
)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس هُوَ أَخُو مُوسَى الْهَادِي وَهَارُون الرشيد أَوْلَاد الْمهْدي لمَّا انْصَرف الرشيد من غَزْوَة الرّوم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة عقد لَهُ الْمهْدي العهدَ بعد أَخِيه مُوسَى الْهَادِي وسمّى هارونَ الرشيدَ وَبَايَعَهُ النَّاس ثمَّ عقد مِن بعده لعَلي بن الْمهْدي وأُمُّه رَيْطة بنت أبي الْعَبَّاس السفَّاح فلمَّا صَار الأَمر إِلَى الرشيد بعد الْهَادِي خلع عليًّا وعوَّضه عشْرين ألفَ ألفِ دِرْهَم وَخرج الصَّك بهَا إِلَى الدَّوَاوِين وَقبض ذَلِك وَتُوفِّي عَليّ الْمَذْكُور فِي الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وكنيته أَبُو مُحَمَّد وَكَانَ جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الكرديَّة قد عنَّف عليَّ بن الْمهْدي على فعله وَحمله على أَن يطْلب بحقّه وَأَن يَجعله وليَّ الْعَهْد من بعده فَقبل مِنْهُ وَبَايَعَهُ وَمَات عليّ من قبل أَن يظْهر ذَلِك فصلَّى عَلَيْهِ الرشيد وَقَامَ على قَبره فَقيل لَهُ مَا كَانَ من جَعْفَر فَقبض عَلَيْهِ وقيَّده وحبسه
3 - (الْحَافِظ الزَّبَحي الْجِرْجَانِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن الْحسن بن زكريَّاء الْحَافِظ أَبُو الْحسن الزَّبَحي الْجِرْجَانِيّ مصنّف تَارِيخ جرجان وخال الْحَافِظ عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ توفّي سنة ثمانٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة(22/33)
3 - (أَبُو الْحسن الجُذامي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله الجُذامي من أهل المَرِيَّة وينسب إِلَى بَرجة من عَملهَا يُكنى أَبَا الْحسن سمع من الغسَّاني والصَّدَفي وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها مشاوراً صادعاً بِالْحَقِّ أوجب فِي كتب أبي حَامِد الْغَزالِيّ المُحْرَقة بقرطبة على يَد قاضيها أبي عبد الله أَحْمد بن حمدين بِأَمْر وَالِي الْمغرب إذْ ذَاك تأديبَ محرقها وتضمينَه قيمتهَا وَتُوفِّي سنة تسع وَخمْس مائَة
3 - (ابْن سَدير الطَّبِيب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْحسن بن سَدير الطبيبُ كَانَ من أهل الْمَدَائِن وَكَانَ عَالما بصناعة الطِّبّ والمداواة وَكَانَت فِيهِ دَماثة ودَعابة توفّي فُجاءةً فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان سنة ستّ وستّ مائَة وَمن شعره
(أَيا منقذي من معشرٍ زَاد لؤمهم ... فأعيا دوائي واستكان لَهُ طيّي)
(إِذا اعتلَّ مِنْهُم وَاحِد فَهُوَ صحّتي ... وَإِن ظلَّ حيًّا كدتُ أَقْْضِي بِهِ نحبي)
)
(أُداويهمُ إلاَّ من اللؤم إنَّه ... ليُعيي علاجَ الحاذق الفطن الطبِّ)
3 - (العَلَوي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب تقدَّم ذكر أَبِيه الْمهْدي الْعلوِي فِي المحمدين فِي مَكَانَهُ كَانَ عليٌّ هَذَا يُشبَّه بِأَبِيهِ فِي الْعلم وَلم يكن لَهُ رَأْي أَبِيه فِي الْخُرُوج بل كَانَ مُقبلا على شَأْنه وَبنى لَهُ بِالْمَدِينَةِ دَارا حسَّنها واجتهد فِيهَا ولمَّا فرغ مِنْهَا قَالَ
(حسَّنْتُ دَاري بعد علمي أنَّها ... سيفوز بعدِي الوارثون بحُسنِها)
(فلئن بنَيتُ وَكَانَ غَيْرِي نازلاً ... فلكم نزلتُ منازلاً لم أبنها)(22/34)
وهرب بعد مقتل أَبِيه وَعَمه وَكَانَ يجول فِي السَّنَد والهند وَكتب حَفْص ابْن عمر صَاحب السَّنَد إِلَى الْمَنْصُور يُخبرهُ أنَّه وُجد فِي بعض خانات المُولْتان مكتوبٌ يَقُول عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن الْحسن انتهيتُ إِلَى هَذَا الْموضع بعد أَن مشيت إِلَى أَن انتعلتُ الدَّم وَقد قلت
(عَسى منهل يصفو فتَروي ظميئةٌ ... أَطَالَ صداها المنهلُ المتكدِّرُ)
(عَسى جَابر الْعظم الكسير بلطفهِ ... سيرتاح للعظم الكسير فيَجبُرُ)
(عَسى صُوَرٌ أَمْسَى لَهَا الْجور دافناً ... سيبعثها عدلٌ يَجِيء فتَظهرُ)
(عَسى اللهُ لَا تيأس من الله إنَّهُ ... يسيرٌ عَلَيْهِ مَا يعِزُّ ويَعسُرُ)
فَكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور قد قَرَأت كتابك والأَبيات وَأَنا وعليٌّ وأهلُه كَمَا قيل
(يحاول إذلالَ الْعَزِيز لأنَّهُ ... بدانا بظلمٍ واستمرَّت مرائرُهْ)
إِن وقفت على خَبره فأعطِه وأَحسِنْ إِلَيْهِ وَقيل إنَّ هَذِه الْوَاقِعَة والأَبيات للقاسم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب على مَا ذكره ابْن الجرَّاح فِي الورقة
3 - (عَلَاء الدّين بن عبد الظَّاهِر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الظَّاهِر بن نشوان الجذامي الْمصْرِيّ الصَّدْر الرئيس النَّبِيل الْكَبِير عَلَاء الدّين ابْن القَاضِي فتح الدّين وَقد مرّ ذكره فِي المحمدين ابْن القَاضِي محيي الدّين وَقد مرّ ذكره فِي العبادلة وَتقدم ذكر أبي جدّه عبد الظَّاهِر فِي مَكَانَهُ كَانَ بَيته مجمع)
الأدباء والفضلاء نسخ عدَّة كتب بِخَطِّهِ الْفَائِق الْمَنْسُوب سمع بِقِرَاءَة الشَّيْخ شمس الدّين من ابْن الخلاّل ولد سنة ستّ وَسبعين وست مائَة وَكتب فِي الدولة المنصورية وعمره إِحْدَى عشرَة سنة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة رَحمَه الله ورثاه القَاضِي شهَاب الدّين رَحمَه الله بقصيدة أنشدنيها إجَازَة أَولهَا
(الله أكبرُ أيُّ ظلٍّ زَالا ... عَن آمليه وأيُّ رُكنٍ مَالا)
وسأذكرها كَامِلَة فِي آخر هَذِه التَّرْجَمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى(22/35)
وَكَانَ من الوجاهة فِي الدولة الناصرية أَولا فِي المحلّ الْأَقْصَى وَفِي الدولة الْمَذْكُورَة بعد قدوم السُّلْطَان من الكرك أَيْضا فِي محلٍّ دون الأوّل يرَاهُ النَّاس بِالْعينِ الأولى ويعظّمونه جدا وَكَانَ فِي خدمَة الْأَمِير سيف الدّين سلاّر يكْتب قدّامه ويوقّع أَيَّام نيابته فكرهه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله من لَفظه قَالَ قَالَ لي السُّلْطَان مَا كرهته لأجل شَيْء وَإِنَّمَا خَان مخدومه يَعْنِي سلاْر لِأَنَّهُ اسْتَكْتَبَهُ شَيْئا واستكتمه فجَاء إليَّ وعرّفني بِهِ وَأَخْبرنِي أَيْضا عَنهُ قَالَ لما جَاءَ السُّلْطَان فِي المرّة الْأَخِيرَة من الكرك واستمرَّ الْأَمر لَهُ قَالَ للأمير عز الدّين أيدمر الدَّوادار السَّاعَة يَجِيء إِلَيْك طعامٌ من عِنْد ابْن عبد الظَّاهِر فاقبله مِنْهُ فَلم يكن قليلٌ حتَّى جَاءَ ذَلِك فَقبله مِنْهُ وعرَّف السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ السَّاعَة يبْعَث إِلَيْك خرفاناً وإوزًّا وسكرًا وَيَقُول يَا خَوَند أَنا مَا عِنْدِي من يطْبخ مَا يصحّ لَك دع مماليكك يشوون لَك هَذَا فَمَا كَانَ إلاَّ عَن قَلِيل حتَّى جَاءَ ذَلِك فَأَخذه وعرَّف السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ السَّاعَة يجهّز إِلَيْك ذَهَبا وَيَقُول أُرِيد يكون هَذَا وَدِيعَة فِي خزانَة الْأَمِير فَإِنَّهُ أحرز من بَيْتِي فَمَا كَانَ إلاَّ أَن جرى ذَلِك وَقَالَ لي يَا خوند قد أبعتُ لي ملكا وأخاف يسرقُ ثمنه وَقد أرصدته للحجاز وأسأل أَن يكون فِي خزانتك فَأخذ الورقة وعرضها على السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ إِلَيْهِ فِي قفاها يَا علاءَ الدّين نَحن مَا نغيِّر شرف الدّين بن فضل الله وَإِن غيَّرناه فَمَا نولّي إلاَّ عَلَاء الدّين بن الْأَثِير فوفَّر ذهبك عَلَيْك وخلّيه عنْدك انْتفع بِهِ انْتهى
وَكَانَ السُّلْطَان إِذا رَآهُ بعض الْأَوْقَات يَقُول سُبْحَانَ الرازق وَالله مَا أشتهي أرَاهُ وَهُوَ يَأْكُل رزقه وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ كَانَ رَئِيس الديار المصرية وجاهةً وشكلاً وإحساناً ونفعاً للنَّاس يحسن إِلَى الغرباء وَيَقْضِي حوائج النَّاس وَهُوَ عِنْد النَّاس مثل من هُوَ صَاحب الدِّيوَان وَلم يزل يُوقع فِي دست السُّلْطَان إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله)
وَكَانَ حسن البزّة حسن السَّمت نظيف اللبَاس إِلَى الْغَايَة طيّب الرَّائِحَة لَهُ مَكَارِم وَفِيه تجمُّل زَائِد وإحسان إِلَى من ينتمي إِلَيْهِ وَله نثر جيد عمل مقامةً سمَّاها مراتع الغزلان وجوَّدها ولمَّا دخلت الديار المصرية سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة طلب منِّي نظيرها فأنشأت المقامة الَّتِي وسمتُها ب عِبْرَة الكئيب بعثرة الكئيب وَمَا أظنّه كَانَ ينظم شَيْئا وَمن لإنشائه رَحمَه الله رسالةٌ فِي المفاضلة بَين الرمْح وَالسيف وجوَّدها وَهِي بعثتُ إِلَيْك رسالتي وَفِي علمي أنَّك الكميّ الَّذِي لَا يجاريك ندّ والشجاع الَّذِي أظهر حسن لوثتك للضدّ والبطل المنيع للْجَار والأسد الَّذِي لَك الأسَل وجَّار والباسل الَّذِي كمّ(22/36)
لخمر الغمود بتجريدك عَن وُجُوه الْبيض انحسار وَلَك الْمعرفَة فِي الْحَرْب ولاماتها والشجاعة وآلاتها وَإِلَيْك فِي أمرهَا التَّفْضِيل ولديك علم مَا لجملتها من تَفْصِيل وَهَا هِيَ احتوت على المفاضلة بَين الرُّمح وَالسيف وَلم تدر بعد ذَلِك كَيفَ فإنَّ السَّيْف قد شرَع يَتَقوَّى بحدّه وَلَا يقف بِمَعْرِِفَة نَفسه عِنْد حدّه وَالرمْح يتكثّر بأنابيبه ويستطيل بِلِسَان سنانه وَلم يثنِ فِي وصف نَفسه فضلَ عِنانه وَقد أطرقتُها حماك لتَحكم بَينهمَا بالحقِّ السويّ وتُنصف بَين الضَّعِيف وَالْقَوِي أمَّا السَّيْف فإنَّه يَقُول أَنا الَّذِي لصفحتي الغُرَر ولحدِّي الغِرار وَتَحْت ظِلالي فِي سَبِيل الله الجنَّة وَفِي إظلالي على الأَعداء النَّار ولي البُروق الَّتِي هِيَ للبصائرِ لَا الأَبصارِ خاطفة وطالما لمعت فَسَحَّتْ سحب النَّصْر واكفة ولي الجفون الَّتِي مَا لَهَا غير نصر الله من بصر وَكم أغفت فمرَّ بهَا طيف من الظفر وَكم بَكت عليَّ الأَجفان لمَّا تعوَّضتُ عَنْهَا الأَعناقَ عُمودا وَكم جلبتُ الْأَمَانِي بيضَ والمنايا سُودًا وَكم ألحقتُ رَأْسا بقدم وَكم رعيت فِي خصيبٍ نبته اللّمم وَكم جَاءَ النَّصْر الْأَبْيَض لما أسلتُ النجيع الْأَحْمَر وَكم اجتُني ثَمَر التأييد من ورق حديدي الْأَخْضَر وَكم من آيَة ظفرٍ تلوتها لمَّا صلَّيتُ واتَّقد لهيب فكري فأصليت فوصفي هُوَ كذاتي الْمَشْهُور وفضلي هُوَ الْمَأْثُور فَهَل يَتَطَاوَل الرمْح إِلَى مفاخرتي وَأَنا الْجَوْهَر وَهُوَ الْعرض وَهُوَ الَّذِي يُعتاض عَنهُ بِالسِّهَامِ وَمَا عنِّي عوض وَإِن كَانَ ذَاك ذَا أسنَّة فَأَنا أُتَقَلَّدُ كالمِنَّة كم حَملته يدٌ فَكَانَت حمَّالة الْحَطب وَكم فَارس كَسبه بحَمَلاته فَمَا أغْنى عَنهُ مَا كسب حدّه لَيْسَ من جنسه ونفعه لَيْسَ من شَأْن نَفسه وَأَيْنَ سمر الرماح من بيض الصّفاح وَأَيْنَ ذُو الثعالب من الَّذِي يُحمى بِهِ أُسود الضرائب وَهل أَنْت إلاَّ طَوِيل بِلَا بركَة وعاملٌ كم عزلتك النبال بزائد حَرَكَة فَنَطَقَ الرمْح بِلِسَان سنانه مفتخراً وَأَقْبل فِي علمه)
معتجراً وَقَالَ أَنا الَّذِي طُلتُ حتَّى اتَّخذت أسنَّتي الشُّهب وعلوتُ حتَّى كَادَت السَّمَاء تعقدُ عليَّ لِوَاء من السحُب كم مَيَّل نسيم النَّصْر غصني وميَّد وَكم وَهِي بِهِ للملحدين ركنٌ وللموحِّدين تشيّد وَكم شمس ظفرٍ طلعت وَكَانَت أسنَّتي شعاعها وَكم دِمَاء أطرت شَعاعها وطالما أثمر غصني الرؤوس فِي رياض الْجِهَاد وغدت أسنَّتي وكأنما صيغت من سرُور فَمَا يخطرن إلاَّ فِي فؤاد وَكم شبّهت أعطاف الحسان بِمَا لي من مَيَل وَضرب بطول ظلّ قناتي الْمثل وزاحمت فِي المواكب للرياح بالمناكب وحسبي الشّرف الْأَسْنَى أنَّ أَعلَى الممالك مَا عليَّ يبْنى مَا لمع سناني فِي الظلماء إلاَّ خَاله المارد من رجوم السَّمَاء فَهَل للسيف فخرٌ يطاول فخري أَو قدرٌ يُسامي قدري وَلَو وقف السَّيْف عِنْد حدّه لعلم أنَّه الْقصير وَإِن كَانَ ذَا الحلى وَأَنا الطَّوِيل ذُو العلى وطالما صدع هاماً فعادك هاماً وَقصر عِنْد العِدى وألمَّ بصفحته كَلَف الصدى وفلَّ حدّه وأذابه الرُّعب لَوْلَا غمده فَهَل يطعن فيَّ بِعَيْب وَأَنا الَّذِي أطعن حَقِيقَة بِلَا ريب وَمن هَاهُنَا آن أَن أمسك عَنْك لِسَان سناني وَنَرْجِع(22/37)
إِلَى من يحكم برفعة شانك وشاني ونسعى إِلَى بَابه ونبثُّ محاورتنا برحابه وَقد أوردهما الْمَمْلُوك حماك فاحكم بَينهمَا بِمَا بصَّرك الله وأراك
وَقَالَ وَقد رُتّب معاليمهم على شَطَّنوف
(يَا أَمِيرا لَهُ من الْجُود بَحر ... فَهُوَ جارٍ لنا بِغَيْر وقُوف)
(قد غرقنا فِي بَحر همًّ وغمًّ ... فطلعنا بِذَاكَ من شَطَّنوف)
وأنشدني لنَفسِهِ إجَازَة العلامةُ شهَاب الدّين مَحْمُود مَا قَالَه فِي بُسْتَان القَاضِي عَلَاء الدّين الَّذِي بالمنشأة وَمن خطِّه نقلت
(إيوانُنا للجِنان عنوانُ ... كأنَّه فِي سَناه كيوانُ)
(حُلْو الْمعَانِي كَلَفْظِ مُنشئهِ ... يَقصُرُ فِي الوصفِ غُمدانُ)
(تقابلتْ إذْ عَلَتْ سُرُرٍ ... من المسرّات فِيهِ إخوانُ)
(تركض فِي العيونُ فَهُوَ على ... لُطْفٍ بِهِ للعيون مَيْدانُ)
(يسْتَقْبل الرَّوْحَ من صَباه وَمن ... شذاه رَوْحٌ سارٍ ورَيْحانُ)
(تخُرُّ فِيهِ الْمِيَاه مطربةً ... كأنَّها فِي السماع ألحانُ)
(فأرضه روضةٌ مُنَوَّرةٌ ... دارتْ بهَا للرُّخام غُدرانُ)
)
(أَو وَجَناتٌ غُرٌّ تلوح بهَا ... من سود تِلْكَ الفصوص خيلانُ)
(أوافِقٌ زُهْرُهُ أزاهرَهُ ... لكنّها لؤلؤٌ ومَرجانُ)
(لَهُ جَنَاحَانِ من هُنَا وَهنا ... زاداهُ حسنا بحْرٌ وبستانُ)
(ذَا ترقص السُّفْنُ فِي ذراه إِذا ... حُرِّكَ من ذَا للوُرقِ عيدانُ)
(وَقد بَدَت كالطاووس فِي حللِ ال ... وشيِ سقوفٌ لَهُ وأركانُ)
(دارت عَلَيْهِ لحسنهِ وعلتْ ... فَهِيَ عقودٌ لَهُ وتيجانُ)
(كَأَنَّمَا قائمُ الرُّخامِ بهِ ... فِي خدمَة الجالسين غِلمانُ)
(أَو حِبَرٌ أُلِّفَتْ ونوّعها ال ... راقمُ حُسناً فهنَّ ألوانُ)
(أَو شجرٌ أسْبَلَتْ خمائلها ... فَمَا لَهَا فِي العيان أغصانُ)
(أنشأه للأضياف مالكهُ ... فكمَّل الحُسْنَ فِيهِ إحسانُ)
(يسْتَقْبل الْوَفْد قبل رُؤْيَته ال ... بِشرُ فَقل جنةٌ ورضوانُ)(22/38)
(فجَاء فَردا كبيته أرِجاً ... كذكرهم مشرقاً كَمَا كَانُوا)
(أَحْيَا عليٌّ آثَارهم فبهِ ... بَان سنا مجدهم وَقد بانوا)
(صَدْرٌ رحيبٌ وملتقًى حَسَنٌ ... ونائلٌ كالغمام هتّانُ)
(بنى فعلَّى لَكِن تقى وندًى ... فَلَا وَهِي من عُلاه بُنيانُ)
(ودام يجني ثمارَ أنعُمهِ ... فالشكر نَوْرٌ والجود أفنانُ)
وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ إجَازَة قَالَ يرثي عَلَاء الدّين الْمَذْكُور وَكتب بذلك إِلَى نَاصِر الدّين شَافِع رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ
(الله أكبرُ أيُّ ظلِّ زَالا ... عَن آمليه وأيُّ طَود مَالا)
(أنعى إِلَى النَّاس المكارم والندى ... والجود وَالْإِحْسَان والإفضالا)
(أنعى علاءَ الدّين صدرَ زمانهِ ... خَلْقاً وخُلْقاً بارعاً وجلالا)
(ومهذّباً مَلأ القلوبَ مهابةً ... والسمعَ وَصفا والأكفَّ نوالا)
(حَاز الرِّئَاسَة فاغتدى فيهابهُ ... أهلُ المفاخر تضرب الأمثالا)
(وحوى من الْآدَاب مَا أضحى بِهِ ... أهل الْبَيَان على علاهُ عيالا)
(طلقُ المحيّا لَو يُقَابل وجهَهُ ... الأنواءُ ظلَّ جَهامُها هطّالا)
)
(متمكنٌ من عقله فكأنَّهُ ... قد شَدَّ فِيهِ عَن الهنات عِقالا)
(رَحب الندى تُنسي بشاشةُ وَجهه ... مَا زَاده أوطانه والآلا)
(طرقته أَيدي الحادثات فزحزحت ... منهُ مَآلًا للعُفاة ومالا)
(وسطتْ على الشّرف الرفيع فقلَّصت ... عَن ذَلِك الحَرَم المنيع ظلالا)
(فُجِعَت يتامى من ذؤابة هاشمٍ ... أَمْسَى أَبَا لهمُ وَإِن يكُ خالا)
(فقدت أيامهم بفقدِ عليِّهم ... وَكَذَا الْيَتَامَى عِصمةً وثِمالا)
(ونضت ملاءةَ كلِّ مكرُمةٍ ضَفَتْ ... عَنْهَا فَعَاد لباسُها الأسمالا)
(وأعادت الْمجد المؤثَّلَ بَعدهُ ... كَانَا غديرَ حَيا فعادا آلا)
(من للسماحة والفصاحة بَعدهُ ... قولا يُقَال وَكَانَ قبلُ فِعالا)
(من للوجاهة والنباهة بعدهُ ... إِن جال فِي نَادِي الندى أَو قَالَا)
(من للفتوة والمروءة أزمعا ... لمّا ترحَّل بعدهُ الترحالا)(22/39)
(من للكتابة حِين أضحى جيدُها ال ... حَالي بِدُرِّ بيانهِ مِعْطالا)
(قد كَانَ فارسها الَّذِي بيراعهِ ... كم رَاع قبلُ أسنَّةً ونصالا)
(وجوادَها إِن رام سبقاً حازهُ ... فِيهَا وقَرْطَسَ إِن أَرَادَ نضالا)
(وخطيبها مَا أمَّ مِنبر كفِّهِ ... قلمٌ فغادر للأنام مقَالا)
(من للبلاغة رامها من بعدهِ ... كُلٌّ وَكَانَت كَالنُّجُومِ منالا)
(يَا نَجْلَ فتحِ الدّين أغلق رُزؤكم ... بابَ الرَّجَاء وأوثقَ الأقفالا)
(لَهْفي على تِلْكَ البشاشةِ كم بهِ ... بسطتْ لِوفد ربعه آمالا)
(لهفي على تِلْكَ المكارم كم سقتْ ... ظامي الرجاءِ الباردَ السلسالا)
(لهفي على تِلْكَ الْمُرُوءَة كم قضتْ ... سؤلاً لمن لم يُبْدِ فِيهِ سؤالا)
(لهفي على آلائه كم أثقلتْ ... ظهرا وَكم قد خفَّفت أثقالا)
(لهفي على تِلْكَ المآثر لم تُطِع ... فِي فعلهَا اللُوّامَ والعُذّالا)
(أبْكِي عَلَيْهِ وقلَّ مني أنني ... أبْكِي عَلَيْهِ وأُكثرُ الإعوالا)
(أَدْعُو دموعي والعزا فيجيبُني ... ذَا هاملاً ويصدُّ ذَا إهمالا)
(وَإِذا اعتبرتُ الحزنَ كَانَ حَقِيقَة ... وَإِذا اعتبرتُ الصبرَ كانَ مُحالا)
)
(وَإِذا غفلتُ أَقَامَ لي إحسانهُ ... فِي كل وقتٍ من سناه مِثالا)
(وَإِذا هجعتُ فإنَّما زار الْكرَى ... ليروعَ قلبِي أَن أرَاهُ خيالا)
(قد كَانَ يُكرم جَانِبي ويجلُّني ... وَإِذا ذُكِرْتُ أطابهُ وأطالا)
(ويُحِلُّني كأبيه فِي تبجيله ... حتَّى أَقُول قد استوينا حَالا)
(فعلامَ لَا أبْكِي وأستسقي لهُ ... سُحُبَ الْقبُول من الْكَرِيم تَعَالَى)
(وَلَقَد صحبتُ أَبَاهُ قبلُ وجدَّهُ ... وهما هما مجداً سما وكمالا)
(فوجدتُهُ قد حَاز مجدهما مَعًا ... فَرْداً ونال من العُلى مَا نالا)
(وَمضى حميدا طَاهِرا مَا دنَّست ... أَيدي الهَوَى لبرودهِ أذيالا)
(عَجِلَ الحِمامُ على صباهُ فَلَا ترى ... إلاَّ دموعاً تستفيضُ عجالى)
(يَا ناصرَ الدّين ادّرِعْ صبرا فقد ... فَارَقت ثمَّ صبرتَ ذَاك الخالا)
(ورزئتَ قبل فِرَاق خالِكَ بِابْنِهِ ... فحملتَ أعباء الخطوب ثقالا)(22/40)
(وختامُ هاتيك الْحَوَادِث فقدُ ذَا ... فأعادَ حُزناً كَانَ مرَّ وزالا)
(فَاسْلَمْ لتبلغَ بابنهِ الْعليا الَّتِي ... فسحت لَهُم فِيهَا النجومُ مجالا)
(فالأجرُ جمٌّ والعزاء طريقهُ ... فاصبر فلستَ ترى لَهَا أَمْثَالًا)
(هِيَ هَذِه الدُّنْيَا كشمسٍ إِن عَلَتْ ... وافت غروباً بعده وزوالا)
(كم خيَّبت أملاً وأتبعت الرجا ... بَأْسا وغادرت المَصونَ مُذالا)
(تسري بِنَا الآمالُ فِيهَا غِرّةً ... فيُزيرُنا ذَاك السُّرى الآجالا)
(تبًّا لَهَا من غفلةٍ فَإلَى مَتى ... نرجو البقاءَ فنُرجئ الأعمالا)
(أوما ترى فعلَ الْمنون بغيرنا ... نادتهُمُ فتتابعوا أَرْسَالًا)
(سيَما لمن قد جَازَ معترك الردى ... فغدا لقطب رَحا الْمنون ثِفالا)
(عجبا لبالٍ فِي غدٍ تَحت الثرى ... أنَّى يُرى فِي الْيَوْم يَنْعَم بَالا)
(كم تخطئ الأسقامُ من أضحى لَهَا ... هدفاً وَقد بعثتْ إِلَيْهِ نبالا)
(سيَّان من نزل القبورَ الْيَوْم وَال ... سَّفْرُ الَّذين غدوا غَدا نُزّالا)
(مَعَ أَنهم قطعُوا الطَّرِيق وخلَّفوا ... للخالفِ الأوجاعَ والأوجالا)
(فأعاننا الربُّ الرَّحِيم على مدًى ... بلغُوا وأحسنَ للْجَمِيع مَآلًا)
)
(وسقتهُ من عفوِ الْإِلَه سحائبٌ ... يَتْلُو سُرى غدواتها الآصالا)
3 - (الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار أَبُو الْحسن الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ توفّي يَوْم السبت لثلاث بَقينَ من صفر سنة ستّ عشرَة وَأَرْبع مائَة من شعره
(رَنَتْ إليَّ بِعَين الريمِ والتفتت ... بجيده وثنت من قَدِّها ألفا)
(فخِلتُ بدر الدُّجى يسري على غُصُنٍ ... هزّته ريح الصَّبا فاهتزَّ وانعطفا)
(وأبصَرتْ مقلتي ترنو مُسارقةً ... إِلَى سواهَا فعضَّت كفَّها أسفا)
(ثمَّ انْثَنَتْ كالرشا المذعور نافرةً ... ووردُ وجنتها بالغيظ قد قُطفا)
(تَقول يَا نِعمَ قومِي كي ترى عجبا ... هَذَا الَّذِي يدّعي التهيام والشغفا)
(يُرِيد منّا الوفا والغدرُ شيمتُه ... هَيْهَات أَن يتأتّى للغَدور وفا)
وَمِنْه
(قَالَت أنِمْتَ فَقلت لَا قَالَت بلَى ... هَذَا الخيال بِمَا فعلتَ خبيرُ)
(قلتُ الخيالُ أَتَى خيالي زَائِرًا ... أينامُ صبٌّ هائمٌ مهجورُ)(22/41)
(فالصدُّ يمنعهُ الصدودُ من الْكرَى ... والوصلُ يمنعهُ الرقادَ سرورُ)
قلت فِي تَرْجَمَة تَاج الدّين عبد الْبَاقِي اليمني لَهُ شيءٌ من هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ أحسن من هَذَا
قَالَ محبُّ الدّين بن النجَّار أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم الحذَّاء عَن أبي غَالب الذهلي قَالَ ثَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أَنْشدني أَبُو الْحسن عليّ بن مُحَمَّد ابْن عبد الْجَبَّار قَالَ أُريتُ فِي مَنَامِي كأنِّي دخلتُ دَار عضد الدولة ووصلت إِلَى الصُّفَّة الْكَبِيرَة الَّتِي على الْبُسْتَان فرأيته جَالِسا فِي صدرها وَبَين يَدَيْهِ أَبُو عبد الله بن المنجّم وَهُوَ يغنِّي فَقَالَ لي عضد الدولة كَيفَ ترَاهُ يغنِّي طيبا فَقلت نعم فَقَالَ فاعمل لَهُ قِطْعَة يغنِّيها فَانْصَرَفت من حَضرته وَجَلَست على طرف الْبُسْتَان وَمَعِي دَوَاة وكاغد لأعمل وبدأت لأفكر فَإِذا شيخٌ قد وافاني من عِنْده وَعَلِيهِ رِدَاء فَقَالَ مَاذَا تصنع قلت أعمل قِطْعَة لأبي عبد الله بن المنجّم يغنِّي بهَا فَقَالَ فنتعاون عَلَيْهَا
فَقلت افْعَل فَقَالَ إِن شِئْت أَن تعْمل الصُّدُور وأعمل الأعجاز فَقَالَ افْعَل فَبَدَأت وَقلت فبتنا وسادانا ذراعٌ ومِعصمٌ فَقَالَ فِي الْحَال)
وعَضْدٌ على عَضْدٍ وخدٌّ على خدِّ فَقلت نكُرُّ التشاكي فِي حديثٍ كأنَّهُ فَقَالَ فِي الْحَال تِساقُطُ دُرِّ العِقْد أَو عنبرِ الهِنْدِ فَقلت وَقد لفَّ جيدينا عناقٌ مُضَيَّقٌ فَقَالَ فَلم تدرِ عينٌ أَيُّنا لابسُ العقدِ فَقلت أضنُّ على بدر السَّمَاء بوجهها فَقَالَ وأستُره من أَن يلاحظهُ جهدي ثمَّ قَالَ أَلَسْت تعلم أنَّ قَوْلك هَذَا فِي النّوم فَقلت بلَى فَقَالَ كرِّرْها حتَّى تحفظها حتَّى تُثبتها إِذا انتبهتَ وَلَا تنساها وَأخذ الرقعة بِيَدِهِ وطفِقتُ أقرأُها عَلَيْهِ مرَّاتٍ حتَّى حَفظتهَا ثمَّ انْتَبَهت فَعمِلت لَهَا أوَّلاً وصرَّعاً وَهُوَ
(بنفسي الَّتِي للشوق زارت بِلَا وعدِ ... تسير من الواشين فِي غابَةِ الأُسْدِ)(22/42)
وبعدُ الأَبيات
(إِلَى أَن ثنتْ ريحُ الصَّبا من خمارها ... فأبصرَ أبهى مِنْهُ مِنْهَا بِلَا حمدِ)
(وَلم أدرِ أنَّ البدرَ أَمْسَى متيَّماً ... يجنُّ بهَا مَا فِي حشاي من الوجدِ)
(وكنتُ مَرُوعاً فِيهِ يفضحُ سِرَّنا ... وَلم أدرِ أنَّ البدرَ يُفضح مِن عِنْدِي)
3 - (ابْن دِينَار الْكَاتِب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن دِينَار الْكَاتِب أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ الوَاسِطِيّ سمع أَبَا بكر بن مِقسَم وَلَقي المتنبي وَسمع من ديوانه ومدحه بقصيدة أَولهَا
(ربَّ القريض إِلَيْك الحَلُ والرِحَلُ ... ضَاقَتْ إِلَى الْعلم إلاَّ نحوَك السُّبُلُ)
)
(تضاءلَ الشعراءُ اليومَ عِنْد فَتى ... صِعابُ كلِّ قريضٍ عِنْده ذُلُلُ)
وَكَانَ شَاعِرًا مُجيداً شَارك المتنبي فِي أَكثر ممدوحيه كسيف الدولة وَابْن العميد وَكَانَ حسن الْخط على طَريقَة ابْن مقلة مَاتَ سنة تسع وَأَرْبع مائَة وَأخذ النَّاس عَنهُ وَرووا وَمِمَّا رَوَاهُ كتاب الجمهرة لِابْنِ دُريد عَن أبي الْفَتْح عبيد الله بن أَحْمد جَخجَخ النَّحْوِيّ عَن ابْن دُريد وروى غير ذَلِك وَأخذ عَن أبي سعيد السيرافي والفارسي أبي عَليّ وَقَرَأَ على الْأَصْبَهَانِيّ جَمِيع كتاب الأغاني وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة
3 - (علم الدّين السَّخاوي الشَّافِعِي الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد العلاّمة علم الدّين أَبُو الْحسن الهَمْداني السَّخاوي الْمصْرِيّ شيخ القرّاء بِدِمَشْق ولد سنة ثمانٍ أَو تسع وَخمسين وَخمْس مائَة وتوُفي بِدِمَشْق لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة وَلما حَضرته الْوَفَاة أنْشد لنَفسِهِ
(قَالُوا غَدا نأتي ديارَ الْحمى ... وَينزل الركب بمغناهمُ)(22/43)
(وكلُّ من كَانَ مُطيعاً لهُمْ ... أصبح مَسْرُورا بلُقياهمُ)
(قلتُ فلي ذَنْب فَمَا حيلتي ... بأيِّ وَجه أتلقّاهمُ)
(قَالُوا أَلَيْسَ الْعَفو من شَأْنهمْ ... لَا سيّما عمّن ترجّاهمُ)
سمع بالثغر من السِّلفي وَابْن عَوْف وبمصر من أبي الجيوش بن عَسَاكِر بن عَليّ والبوصيري وَابْن ياسين وَجَمَاعَة وبدمشق من الْكِنْدِيّ وَابْن طَبَرْزَد وحنبل وَسمع الْكثير من الإِمَام الشاطبي وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقرَاءَات وعَلى أبي الْجُود غياث بن فَارس وعَلى أبي الْفضل مُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنَوي وبدمشق على الْكِنْدِيّ قَرَأَ عَلَيْهِمَا ب المُبهج لسبط الخيّاط وَلَكِن لم يُسند عَنْهُمَا الْقرَاءَات قيل إِنَّه رأى الشاطبي قَالَ لَهُ إِذا مضيت إِلَى الشَّام فاقرأ على الْكِنْدِيّ وَلَا يرو عَنهُ وَقيل إِنَّه رأى الشاطبي فِي النّوم فَنَهَاهُ أَن يقْرَأ بِغَيْر مَا أقرأه
وَكَانَ السخاوي إِمَامًا علاّمةً مقرئاً محقِّقاً مجوِّداً بَصيرًا بالقراءات وعللها إِمَامًا فِي النَّحْو واللغة وَالتَّفْسِير وَله معرفةٌ تامّةٌ بالفقه وَالْأُصُول وَكَانَ يُفْتِي على مَذْهَب الشَّافِعِي وتصدّر للإقراء بِجَامِع دمشق وازدحم عَلَيْهِ الطّلبَة وتنافسوا فِي الْأَخْذ عَنهُ وقصدوه من الْبِلَاد قَالَ ابْن خلِّكان رَأَيْته مرَارًا رَاكِبًا بَهِيمَة إِلَى الْجَبَل وَحَوله اثْنَان وَثَلَاثَة يقرؤون عَلَيْهِ فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة دفْعَة وَاحِدَة وَهُوَ يردُّ على الْجَمِيع قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَفِي نَفسِي شَيْء من)
صحّة هَذِه الرِّوَايَة على هَذَا النَّعْت لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر لَهُ أَن يسمع مَجْمُوع الْكَلِمَات فَمَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه وَأَيْضًا فإنَّ هَذَا الْفِعْل من خلاف السنَّة وَلَا أعلم أحدا من شُيُوخ المقرئين كَانَ يترخَّص فِي هَذَا إلاَّ الشَّيْخ علم الدّين وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى أقعد بِالْعَرَبِيَّةِ والقراءات من الْكِنْدِيّ ومحاسنه كَثِيرَة وَكَانَت حلقته عِنْد قبر زكريّاء
وَمن تصانيفه شرح الشاطبيّة فِي مجلدين وَشرح الرائية فِي مُجَلد وَكتاب جمال الْقُرَّاء وتاج الإقراء وَكتاب مُنِير الدياجي فِي تَفْسِير الأحاجي وَكتاب التَّفْسِير إِلَى الْكَهْف فِي أَربع مجلدات وَكتاب المفضَّل فِي شرح المفصَّل وَله قصيدة سَمَّاهَا ذَات الحُلل وَهِي على طَرِيق اللغز وَشَرحهَا فِي مُجَلد وَكتاب تحفة الفرَّاض وطُرفة تَهْذِيب المرتاض وَكتاب هِدَايَة المرتاب وَغَايَة الْحفاظ والطلاب فِي متشابه الْكتاب وأرجوزة تسمّى الْكَوْكَب الوقّاد فِي تَصْحِيح الِاعْتِقَاد وَله القصيدة الناصرة لمَذْهَب الأشاعرة تائيّة وعروس السَّمَر فِي منَازِل الْقَمَر نونيّة وَله مدائح فِي النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَله كتاب سفر السَّعَادَة وسفير الإفادة وَهُوَ كتاب كثير الْفَوَائِد فِي اللُّغَة والعربية(22/44)
وممّن رثاه جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن عَطاء الشُهبي فَقَالَ
(مضى السخاوِيُّ فانْبتَّتْ عُرى الجدَلِ ... وبُدِّلت مذ توارى صنعةُ البدَلِ)
(وَكَانَ حُجَّتهُ فِي الْفضل بَالِغَة ... وَمِنْه عين الْمعَانِي المُرْهِ فِي كَحَلِ)
(بكتْ عَلَيْهِ عيونُ النَّحْو جازعةً ... لفقده مذ توارى وَهُوَ علم عَليّ)
(فَقلت للعين كفي وَهِي سافحةٌ ... لما خشيتُ عَلَيْهَا صولةَ السَّبَلِ)
(فَقَالَ إنسانها والدمعُ منحدرٌ ... أَنا الغريقُ فَمَا خوفي من البللِ)
3 - (تَاج الدّين بن الدُّرَيْهِم)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن فتوح بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن أبي الْقَاسِم ابْن سعيد بن مُحَمَّد بن هِشَام بن عمر هُوَ الصَّدْر الرئيس الْفَاضِل المفنّن تَاج الدّين أَبُو الْحسن بن الصاحب موفق الدّين بن نجم الدّين بن أبي الْفَتْح التغلبي المَوصلي الْمَعْرُوف بِابْن الدُّرَيْهم مصغَّر دِرْهَم والدُّريهم لقبٌ لسَعِيد أخي مُحَمَّد بن هِشَام قَالَ فِي وقتٍ دريهما فَلَزِمَهُ ذَلِك سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس منتصف شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسبع مائَة بالموصل قَالَ لي قرأتُ الْقُرْآن بالروايات على الشَّمْس أبي بكر بن الْعلم سَنْجَر الْموصِلِي وتفقَّهت على)
الشَّيْخ زين الدّين عَليّ بن شيخ العُوَينة الشَّافِعِي وحفظت الْهَادِي وبحثت الْحَاوِي الصَّغِير على الْأَشْيَاخ مِنْهُم القَاضِي شرف الدّين عبد الله بن يُونُس من شرح وَالِده كَمَال الدّين الصَّغِير وحفظت فِي الْعَرَبيَّة المُلحة وألفيّة ابْن معطٍ وألفيّة ابْن مَالك وبحثت فِي التسهيل على الشَّيْخ زين الدّين بن العُوَينة وَهُوَ الَّذِي كمَّل شرح الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك للتسهيل
وقرأت شَيْئا كثيرا من الرياضي على الشَّيْخ زين الدّين بن العوينة وَسمعت بالديار المصرية على الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن التركماني وشمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَنور الدّين بن الهمذاني صَحِيح البُخَارِيّ وَسمعت بهَا صَحِيح مُسلم وَسنَن أبي دواد وَبَعض التِّرْمِذِيّ وأجازني الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حيَّان وقرأت عَلَيْهِ بعض تصانيفه وأجازني جمَاعَة أَشْيَاخ انْتهى
قلت أول قدومه إِلَى الديار المصرية فِي المَتْجَر سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ثمَّ رَجَعَ(22/45)
إِلَى الْبِلَاد ثمَّ إِنَّه تردَّد إِلَى الشَّام ومصر غير مرَّة وصنَّف فِي المترجَم وأسرار الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّور وَلم أرَ أحدا أَحدّ ذهناً مِنْهُ فِي الْكَلَام على الْحُرُوف وخواصّها وَمَا يتعلَّق بالأوفاق وأوضاعها وَرَأَيْت مِنْهُ عجبا وَهُوَ أَن يُقَال لَهُ ضميرٌ على شَيْء فيكتبه حروفاً مقطَّعة ثمَّ إِنَّه يكسِّر تِلْكَ الْحُرُوف على الطَّرِيقَة الْمَعْرُوفَة عِنْدهم فَيخرج الْجَواب شعرًا لَيْسَ فِيهِ حرف خَارِجا عَن حُرُوف الضَّمِير وَكَونه يُخرج ذَلِك نظماً قدرةٌ مِنْهُ على تأليف الْكَلَام
وَله مُشَاركَة فِي غير مَا علمٍ من عربيةٍ وقراءات وأصول دين ومقالات وأصول فقه وفروع فِي غير مَا مَذْهَب وَتَفْسِير وَغير ذَلِك يتكلَّم فِيهِ جيدا كلامَ مَن ذهنه حادٌّ وقَّاد وَكَانَت لَهُ خصوصيَّة بِالْملكِ الْكَامِل شعْبَان وَبِغَيْرِهِ من أُمَرَاء الدولة الخاصكية وَغَيرهم من المنعَّمين إِلَى أَن أُغرِي بِهِ المظفَّر حاجّي فَأخْرجهُ إِلَى الشَّام قبل قَتله بِقَلِيل وَورد إِلَى دمشق بعد شهر رَمَضَان سنة ثمانٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَبهَا اجتمعتُ غير مرَّة وكتبتُ إِلَيْهِ
(نَصَحْتُك عَن علم فَكُن لي مُسلما ... إِذا كنت مشغوفاً بحلِّ المترجَمِ)
(تتلمذْ لتاج الدّين تظفر بكلِّ مَا ... أردتَ وزُرْ بَحر الْفَضَائِل واغنمِ)
(فلابن دُنَيْنيزٍ تصانيفُ مَا لَهَا ... نظيرٌ وَلَكِن فاقها ابنُ الدُّريهمِ)
وَلم يزل إِلَى أَن ورد كتاب الحاجّ بهادُر دَوادار الْأَمِير يُوسُف الدّين بَيْبُغا آروس كافل الممالك بالديار المصرية إِلَى الْأَمِير سيف الدّين قَرابُغا دَوادار نَائِب الشَّام بِإِخْرَاجِهِ من دمشق فكُبس بَيته وأُخذت كتبه وأُخرج من دمشق فِي إِحْدَى الجمادين سنة تسع وَأَرْبَعين)
وَسبع مائَة وتوجَّه إِلَى حلب وَتُوفِّي بعده الدواداران بأَرْبعَة أشهر ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي شهر رَمَضَان سنة خمسين وَسبع مائَة على نيَّة الْحَج وَلم يقدَّر لَهُ الْحَج وَعَاد إِلَى حلب
3 - (قَاضِي الْقُضَاة ابْن أبي الشَّوَارِب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب قَاضِي الْقُضَاة روى عَنهُ ابْن صاعد وَأَبُو بكر النجَّاد وَابْن قَانِع وَآخَرُونَ قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة وَلما مَاتَ إِسْمَاعِيل مكثتْ بغداذ بِغَيْر قاضٍ ثَلَاثَة أشهرٍ وَنصفا حتَّى ولي عليّ بن(22/46)
أبي الشَّوَارِب مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من قَضَاء سامرَّاء توفّي فِي شوَّال سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
3 - (ابْن القطَّان الْحَافِظ الْفَارِسِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الكُتامي الحِمْيَري المغربي الفاسي الْحَافِظ ابْن الْقطَّان كَانَ من أبْصر النَّاس بصناعة الحَدِيث وأحفظهم لأسماء الرِّجَال وأشدّهم عنايةً بالرواية نَالَ بِخِدْمَة السُّلْطَان بمرَّاكُش دنيا عريضة وَله تواليف ودرَّس وحدَّث توفِّي على قَضَاء سِجِلْماسَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين طالعت جَمِيع كِتَابه الْوَهم وَالْإِيهَام الَّذِي عمله على تَبْيِين مَا وَقع من ذَلِك لعبد الحقّ فِي الأَحكام يدلُّ على تبحُّره فِي علم الحَدِيث وسيلان ذهنه لكنه تعنَّتَ وتكلَّم فِي حَال الرِّجَال فَمَا أنصف بِحَيْثُ أنَّه زعم أنَّ هِشَام بن عُرْوَة وَسُهيْل بن أبي صَالح ممَّن تغيَّر وَاخْتَلَطَ وَهنا فَاتَتْهُ سكتة وَلَكِن محاسنه جمَّة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وست مائَة
3 - (الشَّيْبَانِيّ الْكَاتِب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن الحُصين أَبُو الْحسن الشَّيْبَانِيّ البغداذي الْكَاتِب من بَيت مَشْهُور بالرياسة والتقدّم وَرِوَايَة الحَدِيث كَانَ كَاتبا أديباً وتوفِّي سنة سبع وَخمسين وَخمْس مائَة فِي شهر رَجَب وَله خمس وَثَمَانُونَ سنة وَمن شعره فِي الْوَزير ابْن هُبيرة
(لكَ اللهُ من ريب الزَّمَان لَك اللهُ ... وَلَا زلتَ تُعْطَى كلَّ مَا تتمنَّاهُ)
(أَتَى الْعِيد مشتاقاً إِلَيْك لأنَّهُ ... غَدا وَهُوَ لفظٌ أَنْت بالجود معناهُ)
(تتوَّجَ من علياك تاجَ مفاخرٍ ... تُباهي بهَا فِي غَايَة الدَّهْر علياهُ)
3 - (ابْن الْكُوفِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبيد بن الزبير أَبُو الْحسن الأسَدي البغداذي الْمَعْرُوف بِابْن الْكُوفِي كَانَ)
من خواصّ ثَعْلَب روى عَنهُ كثيرا مولده سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وتوفِّي سنة ثمانٍ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة(22/47)
وَمن تصانيفه كتاب الْهَمْز كتاب مَعَاني الشّعْر كتاب الفرائد والقلائد قَالَ ياقوت رَأَيْت بخطِّه عدّة كتب فَلم أرَ أحسن ضبطاً وإتقاناً للكتابة مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجْعَل الْإِعْرَاب على الْحَرْف بِمِقْدَار الْحَرْف احْتِيَاطًا وَيكْتب على الْكَلِمَة الْمَشْكُوك فِيهَا عدَّة مرار صَحَّ صَحَّ صَحَّ وَكَانَ من جمَّاعي الْكتب وأرباب الهَوَى فِيهَا أنْفق على الْعلم ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكتب إِلَيْهِ أَبُو الهَيْذام كَلاّب بن حمزةَ العُقيلي اللّغَوِيّ وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَوْضِعه أبياتاً طَوِيلَة مِنْهَا
(أَبَا حسنٍ أَرَاك تمدُّ حبلي ... لتقطعَه وأرسلُه بجهدي)
(وأتبعُهُ إِذا قَصُرَ احْتِيَاطًا ... وأنتَ تشدُّ جذبك أيَّ شدِّ)
(أُخَيَّ فكم يكون بَقَاء حبلٍ ... يُتَلْتَلُ بَين إرْسَال ومدِّ)
3 - (ابْن عَبدُوس الْكُوفِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبدُوس الْكُوفِي النَّحْوِيّ ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَله من الْكتب كتاب ميزَان الشّعْر بالعروض كتاب الْبُرْهَان فِي علل النَّحْو كتاب مَعَاني الشّعْر
3 - (الْهَادِي بن الْجواد)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن أبي طَالب وَهُوَ أَبُو الْحسن الْهَادِي بن الْجواد بن الرِّضَا بن الكاظم بن الصَّادِق بن الباقر بن زين العابدين أحد الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر عِنْد الإمامية كَانَ قد سُعي بِهِ إِلَى المتوكّل وَقيل إنَّ فِي منزله سِلَاحا وكتباً وَغَيرهَا من شيعته وأوهموه أنَّه يطْلب الْأَمر لنَفسِهِ فوجَّه إِلَيْهِ عدَّةً من الأتراك فَهَجَمُوا منزله على غفلةٍ فوجدوه فِي بَيت مغلق وَعَلِيهِ مِدرعة من شعر وعَلى رَأسه مِلحفة من صوف وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة يترنَّم بآياتٍ من الْقُرْآن فِي الْوَعْد والوعيد لَيْسَ بَينه وَبَين الأَرْض بِسَاط إلاَّ الرمل والحصى فأُخذ على الصُّورَة الَّتِي وُجد عَلَيْهَا فِي جَوف اللَّيْل فَمثل بَين يَدَيْهِ والمتوكّل فِي مجْلِس شرابه وَبِيَدِهِ(22/48)
كأس فلمَّا رَآهُ أعظمه وَأَجْلسهُ إِلَى جَانِبه فَنَاوَلَهُ الكأس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا خامر لحمي وَدمِي قطُّ فاعفني مِنْهُ فأعفاه وَقَالَ أَنْشدني شعرًا أستحسنه فَقَالَ إنِّي لَقليل الرِّوَايَة مِنْهُ فَقَالَ لَا بدَّ فأنشده)
(باتوا على قُلَلِ الأَجبال تحرسهمْ ... غُلْبُ الرِّجَال فَمَا أغنتهمُ القُلَلُ)
(واستُنزلوا بعد عِزٍّ من معاقلهم ... فأُودعوا حُفَراً يَا بئسَ مَا نزلُوا)
(ناداهمُ صارخٌ من بعدِ مَا قُبِروا ... أَيْن الأَسرّة والتيجان والحُلَلُ)
(أَيْن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت منعَّمةً ... من دونهَا تُضربُ الأَستار والكِلَلُ)
(فأفصح الْقَبْر عَنْهُم حِين ساءلهمْ ... تِلْكَ الْوُجُوه عَلَيْهَا الدُّود يَقْتَتِلُ)
(قد طَال دهراً مَا أكلُوا وَمَا شربوا ... فَأَصْبحُوا بعد طول الْأكل قد أُكلوا)
فأشفق من حضر على عليّ وخافوا أنَّ بادرةً تبدر إِلَيْهِ فَبكى المتوكّل بكاء طَويلا حتَّى بلَّت دُمُوعه لحيته وَبكى من حَضَره ثمَّ أَمر بِرَفْع الشَّرَاب وَقَالَ يَا أَبَا الْحسن أعليك دين قَالَ نعم أَرْبَعَة آلَاف دِينَار فَأمر بدفعها إِلَيْهِ وردَّه إِلَى منزله مكرَّماً وَكَانَ المتوكّل قد اعتلَّ فَقَالَ إِن برأت لأتصدَّقنَّ بِمَال كثير فلمَّا عوفي جمع الْفُقَهَاء وسألهم عَن ذَلِك فَأَجَابُوهُ مُخْتَلفين فَبعث إِلَى عليٍّ الْهَادِي فَقَالَ يتصدَّق بِثَلَاثَة وَثَمَانِينَ دِينَارا قَالُوا من أَيْن لَك هَذَا قَالَ لأنَّ الله تَعَالَى قَالَ لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة وروى أهلنا أَن المواطن كَانَت ثَلَاث وَثَمَانِينَ موطناً ومولده يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر شهر رَجَب وَقبل يَوْم عَرَفَة سنة أَربع وَقيل سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وتُوفي بسرَّ من رأى يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة وَقيل لأَرْبَع بَقينَ مِنْهَا وَقيل فِي رَابِعهَا وَقيل فِي ثَالِث شهر رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (الْحَافِظ بن السقَّاء)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن بن شَاذان الحاكمُ أَبُو الْحسن ابْن السقَّاء الْحَافِظ الإِسْفِرَايِينِيّ المحدّث الثِّقَة من أَوْلَاد الشُّيُوخ توفِّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة
3 - (الْعلوِي الْحَنْبَلِيّ الْمُقْرِئ الصَّالح)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم العَلَوي(22/49)
الْحُسَيْنِي الزيدي الحرَّاني الْحَنْبَلِيّ السُّني الْمُقْرِئ
كَانَ صَالحا كَبِير الْقدر توفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (الصُّليحي صَاحب الْيمن)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الصُّلَيحي بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وسمون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا حاء مُهْملَة الْقَائِم بِالْيمن كَانَ أَبوهُ مُحَمَّد قَاضِي الْيمن سنِّيَّ الْمَذْهَب وَكَانَ أَهله)
وجماعته يطيعونه وَكَانَ الدَّاعِي عَامر بن عبد الله الزَّواخي يلاطفه وَيكْتب إِلَيْهِ ويركب إِلَيْهِ لرياسته وسؤدده وَعلمه وصلاحه فَلم يزل عَامر الْمُذكر إِلَى أَن استمال قلب وَلَده عَليّ وَهُوَ دون الْبلُوغ ولاحت لَهُ فِيهِ مخايل النجابة وَقيل كَانَت عِنْده حِلية الصليحي فِي كتاب الصُوَر من الذَّخَائِر الْقَدِيمَة فأوقفه على تنقّل حَاله وَأمره بكتمان أمره عَن أَهله وَأوصى لَهُ بكتبه
ورسخ فِي ذهن عَليّ من كَلَامه مَا رسخ وَعَكَفَ على الدَّرْس وَكَانَ ذكيًّا فَمَا بلغ حتَّى تضلّع من الْعُلُوم وَكَانَ فَقِيها فِي مَذْهَب الإمامية بَصيرًا بالتأويل ثمَّ إنَّه صَار يحجّ بِالنَّاسِ دَلِيلا على طَرِيق السَّراة والطائف خمس عشرَة سنة وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ لَهُ بلغنَا أنَّك تملك الْيمن جَمِيعه فينكر هَذَا القَوْل وشاع ذَلِك فِي أَفْوَاه النَّاس فلمَّا كَانَ فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة ثار فِي رَأس مسار وَهُوَ أَعلَى ذرْوَة فِي جبال الْيمن وَمَعَهُ سِتُّونَ رجلا قد حالفهم بمكَّة فِي موسم سنة ثَمَان وَعشْرين على الْمَوْت وَالْقِيَام بدعوته وَمَا مِنْهُم إلاَّ من هُوَ من قومه وعشيرته فِي مَنَعَة وَعدد كثير وَلم يكن فِي ذرْوَة الْجَبَل إلاَّ قُلَّةٌ منيعة فلمَّا ملكهَا لم ينتصف النَّهَار إِلَى اللَّيْلَة إلاَّ وَقد أحَاط بِهِ عشرُون ألف ضَارب سيف وحصروه وسبّوه وسفَّهوا رَأْيه وَقَالُوا إِن نزلت وإلاّ قتلناك وَمن مَعَك بِالْجُوعِ فَقَالَ لم أفعل هَذَا إلاَّ خوفًا علينا وَعَلَيْكُم أَن يملكهُ غَيرنَا فَإِن تركتموني حرسته وَإِلَّا نزلت فانصرفوا عَنهُ وَلم يمض شهر حتَّى حصَّنه وأتقنه واستفحل أمره ودعا للمستنصر صَاحب مصر فِي الْخفية وَلذَلِك سمِّي الدَّاعِي وَخَافَ من(22/50)
نجاح صَاحب تهَامَة فَكَانَ يلاطفه وَفِي الْبَاطِن يعْمل على قَتله وَلم يزل حتَّى قَتله بالسم مَعَ جَارِيَة أهداها إِلَيْهِ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة بالكَدْراء
وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين كتب الصليحي إِلَى الْمُسْتَنْصر يَسْتَأْذِنهُ فِي إِظْهَار الدولة فَأذن لَهُ فطوى الْبِلَاد والحصون والتهائم وَلم تخرج سنة خمس وَخمسين إلاَّ وَقد ملك الْيمن كلّه سهله وجبله ووعره وبحره وَهَذَا أَمر لم يُعهد مثله فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام حتَّى قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يخْطب فِي جَامع الْجند وَفِي مثل هَذَا الْيَوْم يُخطب على مِنْبَر عدن وَلم يكن ملكهَا بعد فَقَالَ بعض الْحَاضِرين سُبُّوح قُدُّوس مستهزئاً فَأمر بالحوطة عَلَيْهِ وخطب الصليحي فِي مثل ذَلِك الْيَوْم على مِنْبَر عدن فَقَامَ ذَلِك الْإِنْسَان وتغالى فِي القَوْل وَأخذ الْبيعَة وَدخل فِي الْمَذْهَب
وَأخذ مُلُوك الْيمن الَّذين أَزَال ملكهم وأسكنهم مَعَه وولّى فِي الْحُصُون غَيرهم واختطَّ فِي)
صنعاء عدّة قُصُور وَحلف أَن لَا يولِّي تهَامَة إلاَّ مَن وزن مائَة ألف دِينَار فوزنت لَهُ زَوجته أَسمَاء عَن أَخِيهَا أسعد شهَاب الدّين فولاّه وَقَالَ لَهَا يَا مولاتنا أنَّى لكِ هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله الْآيَة فَتَبَسَّمَ وَعلم أَنه من خزانته فَقَبضهُ وَقَالَ هَذِه بضاعتنا ردَّت إِلَيْنَا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا
وعزم سنة ثَلَاث وَسبعين على الْحَج فَأخذ مَعَه الْمُلُوك الَّذين يخافهم وزوجتَه واستخلف عِوَضه وَلَده الْملك المكرَّم أَحْمد وَهُوَ وَلَدهَا أَيْضا وتوجَّه فِي ألفي فَارس فلمَّا كَانَ بالمَهْجَم وَنزل فِي ظَاهرهَا بضيعة يُقَال لَهَا أمّ الدُّهيم وبئر أمّ مَعْبَد وخيَّمت عساكره لم يشْعر النَّاس حتَّى قيل لَهُم قُتل الصليحي فانذعر النَّاس وكشفوا عَن هَذَا الْأَمر وَكَانَ سعيد الْأَحول بن نجاح الْمَذْكُور قد استتر فِي زَبيد وَخرج هُوَ وَأَخُوهُ ومعهما سَبْعُونَ رَاجِلا بِلَا مركوب وَلَا سلَاح بل مَعَ كل وَاحِد جَرِيدَة فِي رَأسهَا مِسْمَار حَدِيد وسلكوا غير الطَّرِيق الجادَّة وَكَانَ بَينهم وَبَين المهجم ثَلَاث ليالٍ للمُجِدّ وَكَانَ الصليحي سمع بخروجهم فسيَّر خَمْسَة آلَاف حَرْبَة من الْحَبَشَة لقتالهم فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فوصل سعيد وَمن مَعَه إِلَى أَطْرَاف المخيم وَقد أَخذ مِنْهُم الحفا والتعب وقلَّة المادَّة فظنَّ النَّاس أنَّهم من جملَة عبيد الْعَسْكَر وَلم يشْعر بهم إلاَّ عبد الله أَخُو عَليّ الصليحي فَقَالَ لَهُ اركب فإنَّ هَذَا الْأَحول سعيد بن نجاح وَركب عبد الله فَقَالَ الصليحي إنِّي لَا أَمُوت إلاَّ بالدُّهيم وبئر أمّ مَعْبَد مُعْتَقدًا أنَّها أمّ معبد الَّتِي نزل بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه قاتلْ عَن نَفسك فَهَذِهِ وَالله الدُّهيم وبئر أمّ مَعبد فلمَّا سمع ذَلِك زمِع ولحقه الْيَأْس من الْحَيَاة(22/51)
وبال وَلم يبرح من مَكَانَهُ حتَّى قُطع رَأسه بِسَيْفِهِ وقُتل أَخُوهُ وَسَائِر الصُّليحيِّين وَذَلِكَ ثامن ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع مائَة
ثمَّ أرسل سعيد إِلَى الْخَمْسَة آلَاف الَّذين أرسلهم الصليحي لقتاله يُخْبِرهُمْ بقتل الصليحي وَقد أخذتُ بثأر أبي وَأَنا رجل مِنْكُم فقدموا عَلَيْهِ وأطاعوه واستعان بهم على قتال عَسْكَر الصليحي وَرفع رَأس الصليحي على عود المظلَّة وَقَرَأَ الْقَارئ اللَّهُمَّ مالِك المُلك تُؤتي الملكَ من تشَاء الْآيَة
وَرجع إِلَى زبيد وَقد جَازَ الْغَنَائِم وَملك ملكا عقيماً وَملك بِلَاد تهَامَة وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن قُتل سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة بتدبير الحُرَّة وَهِي امْرَأَة من الصُّليحيِّين وَخبر ذَلِك)
يطول وَفِي رفع رَأس الصليحي قَالَ العُثماني القَاضِي
(بكرتْ مظلَّته عَلَيْهِ فَلم ترح ... إلاَّ على الْملك الأجلِّ سعيدِها)
(مَا كَانَ أقبحَ وجهَه فِي ظلّها ... مَا كَانَ أحسن رأسَه فِي عودِها)
(سودُ الأراقم قَاتَلت أُسْدَ الشرى ... وارحمتا لأسودها من سودِها)
وَمن شعر الصليحي الْمَذْكُور
(أنكحتُ بيضَ الْهِنْد سمرَ رقابهم ... فرؤوسهم دون النثار نُثارُ)
(وَكَذَا العُلَى لَا يستباح نكاحُها ... إلاَّ بِحَيْثُ تطلَّق الأعمارُ)
وَمِنْه
(وألذُّ من قرع المثاني عِنْده ... فِي الحربِ ألْجِمْ يَا غلامُ وأسْرِجِ)
(خيلٌ بأقصى حضرموتٍ أَسْرُها ... وزئيرها بَين الْعرَاق ومَنْبِجِ)
وَمن شعر الصليحي قصيدةٌ أوَّلها
(لباسيَ دِرْعِي ... لَا لباسُ الغلائل)
وَمِنْهَا
(وسَرجي لجامي والحسامُ مضاجعي ... وعُدة حَرْبِيّ لَا ذواتُ الخلاخلِ)
(ورمحي يعاطيني الْبعيد لأنّني ... تناولت مَا أعيا على المتناولِ)
(ولي همَّة تسمو على كل همَّةٍ ... ولي أمل على كل آملِ)
(ولي من بني قحطان أنصارُ دولةٍ ... بطاريقُ من أنجاد كلّ القبائلِ)(22/52)
فَأَجَابَهُ الْحُسَيْن بن يحيى الحكَّاك المكِّي بقوله
(رُوَيدَك لَيْسَ الحقُّ ينفى بباطلٍ ... وَلَيْسَ مُجِدٌّ فِي الأُمور كهازلِ)
(كزعمك أَن الدرْع لِبْسُكَ فِي الوغى ... وَذَاكَ لجبنٍ فِيك غيرِ مُزايلِ)
(وَهل ينفعنَّ السيفُ يَوْمًا ضجيعَهُ ... إِذا لم يضاجعه بيقظة باسلِ)
(فهلاّ اتَّخذت الصَّبْر درعاً وجُنَّةً ... كَمَا الصبرُ دِرْعِي فِي الخطوب النوازلِ)
(وتفخرْ أنْ أصبحتَ مأمولَ عُصبةٍ ... فأخسِسْ بمأمولٍ وأخسِسْ بآملِ)
(وَهل هِيَ إلاَّ فِي تراثٍ جمعتَهُ ... فهلاّ غَدَت فِي بذل عُرف ونائلِ)
(كَمَا هَاهُنَا فَاعْلَم إغاثة سائلٍ ... وإسعاف ملهوفٍ وإغناء عائلِ)
)
(فَلَا تغترر بالليث عِنْد خدورهِ ... فكم خادرٍ فاجا بوثبة صائلِ)
3 - (الْوَزير ابْن ابْن مقلة)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُقلة أَبُو الْحُسَيْن الْوَزير ابْن أبي عَليّ الْوَزير تقدَّم ذكر وَالِده فِي المحمدين لمَّا كَانَ أَبوهُ وَزِير الراضي استنابه فِي الوزارة وَأمر الراضي أَن يُخَاطب بالوزارة أَيْضا وَأَن يكون نَاظرا فِي جَمِيع الْأُمُور مَعَ وَالِده وَلَا ينفذ لِأَبِيهِ توقيع إلاَّ بعد عرضه على أبي الْحُسَيْن وتوقيعه عَلَيْهِ وَولي الوزارة للمتَّقي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة فِي شهر رَمَضَان ثمَّ عُزل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ لعشر بَقينَ من صفر ولمَّا ورد معزّ الدولة بغداذ قلَّده النّظر فِي الْأَعْمَال وجباية الْأَمْوَال فِي المحرَّم سنة خمس وَثَلَاثِينَ فمدَّ يَده إِلَى المصادرة وجازف وظلم فَشَكَاهُ النَّاس إِلَى معزّ الدولة فَعَزله فَأَقَامَ بمنزله إِلَى حِين وَفَاته بالفالج سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة وسنُّه ثمانٍ وَثَلَاثُونَ سنة وَمن شعره
(قُم فاحيِ بالكاسِ قوما ... مَاتُوا صَلَاة وصوما)
(لم يَطعَموا لذَّةُ العي ... شِ مذ ثَلَاثِينَ يَوْمًا)
وَمِنْه
(لستُ ذَا ذلَّة إِذا عظَّني الده ... ر وَلَا شامخاً إِذا واتاني)
(أَنا نارٌ فِي مرتقى نَفَسِ الحا ... سدِ ماءٌ جارٍ مَعَ الإخوانِ)(22/53)
3 - (البغداذي الأزَجي المفسِّر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن الأزَجي الضَّرِير المفسِّر كَانَ عَالما بتفسير الْقُرْآن وَقد صنَّف فِيهِ كتابا وتوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
3 - (الخيَّاط الْمُقْرِئ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن فَارس أَبُو الْحسن البغداذي الخيَّاط الْمُقْرِئ كَانَ من أَعْيَان القرَّاء قَرَأَ بالروايات على عبد الْملك بن بكران القطَّان النَّهرواني وعَلى ابْن أَحْمد بن عمر الحَمَّامي وَبكر بن شَاذان الْوَاعِظ وَجَمَاعَة كَثِيرَة غَيرهم وَسمع من جمَاعَة وصنَّف فِي الْقرَاءَات تصانيف حَسَنَة مِنْهَا الْجَامِع وَغَيره وحدَّث وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن السوَاد الوَاسِطِيّ)
)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عُبيد الله أَبُو الْحسن بن السَّوادي الوَاسِطِيّ الْكَاتِب الأَديب الشَّاعِر قدم بغداذ وحدَّث بهَا عَن القَاضِي أبي تمَّام عَليّ بن مُحَمَّد العَبدي وتوفِّي سنة تسعٍ وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره
(فَإِن تجمعِ الأَيَّامُ بيني وَبَيْنكُم ... بواسِطَ أشفي بالعتاب غليلي)
(وَإِن تكنِ الْأُخْرَى فَتلك سبيلُ مَن ... تقدَّم قبلي راحلاً وسبيلي)
3 - (إلْكِيا الهرَّاسي الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ عماد الدّين أَبُو الْحسن إلْكِيا بِكَسْر الْكَاف وبعدُ الياءُ آخر الْحُرُوف الهرَّاسي بتَشْديد الرَّاء وَبعد الْألف سين مُهْملَة تفقَّه بنيسابور مُدَّة على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ مليح الْوَجْه جَهورِي الصَّوْت فصيحاً مطبوع الحركات زكي الأَخلاق
ولي تدريس النظامية ببغداذ إِلَى مَاتَ سنة أَربع وَخمْس مائَة وحظي بالحشمة والجاه والتجمّل وتخرّج بِهِ الْأَصْحَاب وروى عَنهُ السّلفي وَكَانَ يسْتَعْمل الحَدِيث فِي مناظراته
والكِيا بالعجمي هُوَ الْكَبِير الْقدر الْمُقدم ومولده سنة خمسين وَأَرْبع مائَة وَنسبه بعض الجهَّال إِلَى أنَّه كَانَ يرى رَأْي الإسماعيلية فِي الْبَاطِن وَلَيْسَ كَذَلِك(22/54)
وإِنَّما الكِيا هُوَ ابْن الصبَّاح صَاحب الألَموت فافهمه
وَمن كَلَامه إِذا جالت فرسَان الأَحاديث فِي ميادين الكفاح طارت رُؤُوس المقاييس فِي مهابّ الرّيح وَقَالَ السّلفي استفتيتُ شَيخنَا أَبُو الْحسن الكِيا الهرَّاسي ببغداذ سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة مَا يَقُول الإِمَام وفّقه الله فِي رجل أوصى بِثلث مَاله للْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء هَل يدْخل كتبة الحَدِيث تَحت هَذِه الْوَصِيَّة أَو لَا فَكتب الشَّيْخ تَحت السُّؤَال نعم كَيفَ لَا وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم من حفظ على أمَّتي أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي أَمر دينهَا بَعثه الله يَوْم الْقِيَامَة فَقِيها عَالما وَأفْتى فِي أَمر يزِيد بن مُعَاوِيَة بِمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة يزِيد فِي مَكَانَهُ وَحضر دَفنه قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الدَّامغَانِي والشَّريف أَبُو طَالب الزَّيْنَبِي وَكَانَا مقدّمي الطَّائِفَة الْحَنَفِيَّة وَكَانَ بَينهمَا وَبَينه مُنَافَسَة فَوقف أَحدهمَا عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ فَقَالَ الدَّامغَانِي متمثّلاً
(وَمَا تُغني النَّوادب والبواكي ... وَقد أصبحتَ مثل حَدِيث أمسِ)
وَأنْشد الزبيني متمثّلاً)
(عُقِمَ النساءُ فَمَا يَلِدْنَ شبيهَهُ ... إنَّ النساءَ بِمثلِهِ عُقْمُ)
ولمَّا توفّي رثاه أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الغزِّي ارتجالاً فَقَالَ
(هيَ الحوادثُ لَا تُبقي وَلَا تَذَرُ ... مَا للبريَّة من محتومها وزَرُ)
(لَو كَانَ يُنجي عُلُمٌّ من بوائقها ... لم يُكسفِ النيِّرانِ الشمسُ والقمرُ)
(قل للجبان الَّذِي أَمْسَى على حذرٍ ... من الحِمام مَتى ردَّ الردى حَذَرُ)
(بَكَى على شمسه الإسلامُ إذْ أفَلَت ... بأدمعٍ قلَّ فِي تشبيهها المطرُ)
(حَبْرٌ عهدناه طلقَ الوجهِ مُبْتَسِمًا ... والبِشرُ أحسنُ مَا يُلْقى بِهِ البشرُ)
(لَئِن طوتهُ المنايا تَحت أخمصها ... فَعلمه الجمُّ فِي الْآفَاق منتشرُ)
(سقى ثراك عمادَ الدينِ كلَّ ضحى ... صَوْبُ الْغَمَام مُلِثُّ الوَدْقِ منهمرُ)
(عِنْد الوَرَى من أسًى أبقيته خبرٌ ... فَهَل أَتَاك من استيحاشهمْ خبرُ)
(أَحْيَا ابنَ إدريسَ درسٌ كنتَ توردهُ ... تحار فِي نظمهِ الأذهانُ والفِكَرُ)
(من فازَ منهُ بتعليقٍ فقد علقتْ ... يمينُهُ بشهابٍ لَيْسَ ينكدرُ)(22/55)
(كأنَّما مشكلاتُ الْفِقْه توضحها ... جباهُ دُهْمٍ لَهَا من لَفظه غُرَرُ)
(وَلَو عرفتُ لَهُ مِثلاً دعوتُ بهِ ... وقلتُ دهري إِلَى شرواه مُفْتَقِرُ)
3 - (ابْن السَّقَّاء)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَنْصُور الحَوْزي أَبُو الْحسن الأديب ابْن السَّقَّاء قَالَ ياقوت رجل فَاضل شَاعِر كَاتب سمع الحَدِيث من متأخّري الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَمن مَشَايِخنَا وَمَات كهلاً سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
3 - (الفصيحي النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن بن أبي زيد الفصيحي الإستراباذي قَرَأَ النَّحْو على عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ وَأخذ عَنهُ ملك النُّحَاة والحيص بيص توفِّي سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مائَة
درَّس النَّحْو بالنظامية بعد أبي زكريَّاء التبريزي ثمَّ اتُّهم بالتشيّع فَقَالَ لَا أجحد أَنا متشيّع من الفرْق إِلَى الْقدَم فأُخرج من النظامية ورتب موهوب بن الجواليقي مَكَانَهُ فقصده التلامذة يقرؤون عَلَيْهِ فَقَالَ منزلي الْآن بالكراء وَالْخبْز بِالشِّرَاءِ وَأَنْتُم تدّحرجون إليّ اذْهَبُوا إِلَى من عُزلنا بِهِ وسمِّي الفصيحي لتكراره على فصيح ثَعْلَب حتَّى إِنَّه دخل يَوْمًا على مَرِيض)
يعودهُ فَقَالَ شفَاه وأرخيت السّتْر لِكَثْرَة اعتياده لَهُ وَقد طوّل تَرْجَمته ياقوت وَذكر فِيهَا الْجراحَة المنقلة من جملَة الشجاج هَل هِيَ بِفَتْح الْقَاف أَو بِكَسْرِهَا
3 - (قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ البغداذي تفقّه على وَالِده وبرع فِي الْمَذْهَب وَكَانَ كثير(22/56)
الْمَحْفُوظ ولي الْقَضَاء بعد أبي بكر الشَّامي سنة ثمانٍ وَثَمَانِينَ إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَخمْس مائَة وَشهد عِنْد وَالِده وسنُّه سبع عشرَة سنة فولاّه يَوْمئِذٍ قَضَاء بَاب الطاق وَلم يسمع أنَّ قَاضِيا ولّي فِي هَذِه السنّ وناب فِي الوزارة أَيَّام المستظهر والمسترشد وَقَامَ بِأخذ الْبيعَة وعقدها للمسترشد وَلَا يعلم قاضٍ ولي لأربعة من الْخُلَفَاء غَيره وَغير شُريح وَكَانَ ذَا دين وعفاف ومروءة وصدقات وَهُوَ أحد من قَتله الطبّ لأنَّ جَوْفه علا فظنُّوه استسقاءً فَأَعْطوهُ الحرارات وحموه البوارد وَكَانَ فِي جَوْفه مادَّة داؤها البقلة فَلم يمكّنوه من شرب المَاء فلمَّا أنضجتها الحرارات بَان لَهُم الْخَطَأ وَأنْشد عِنْد مَوته
(والناسُ يَلْحَوْن الطَّبيب وإِنَّما ... غلط الطَّبيب إِصَابَة المقدورِ)
3 - (أَبُو مَنْصُور الْأَنْبَارِي الْوَاعِظ الْحَنْبَلِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أَبُو مَنْصُور الْوَاعِظ الْأَنْبَارِي قَرَأَ بالروايات على أبي عَليّ الشَّرمقاني وتفقَّه على القَاضِي أبي يعلى بن الفرَّاء وبرع فِي الْفِقْه وَأفْتى وَكَانَ يعظ فِي جَامع الْقصر وجامع الْمَنْصُور وجامع الْمهْدي وَكَانَ فصيح الْعبارَة حسن الْإِيرَاد عذب الأَلفاظ طيب التِّلَاوَة وَولي الْقَضَاء بِبَاب الطاق وَكَانَ نزهاً عفيفاً سمع الْكثير من أبي طَالب ابْن غيلَان وَأبي مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَأبي إِسْحَاق الْبَرْمَكِي وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بَشرَان وَجَمَاعَة وَكتب بخطِّه الْكثير ولد سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبع مائَة وتوفِّي سنة سبع وَخمْس مائَة
3 - (ابْن رَئِيس الرؤساء الْأُسْتَاذ دَار)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن الْحسن بن الْمسلمَة أَبُو الْحُسَيْن بن أبي نصر ابْن رَئِيس الرؤساء من بَيت الوزارة والرئاسة تولى الأستاذدارية أَيَّام المسترشد وَولده الراشد وَسمع من عَليّ بن مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن الْخَطِيب الْأَنْبَارِي وَعلي بن)
مُحَمَّد بن عَليّ العلاّف وَأبي الخطَّاب نصر بن البَطر وَغَيرهم وحدّث باليسير مولده سنة سبعين وَأَرْبع مائَة وتوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وَخمْس مائَة
3 - (النَيْريزي الْخَطِيب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن النَّيريزي الْخَطِيب(22/57)
الشِّيرَازِيّ رَأَيْت نيريز مضبوطاً بالنُّون وَالْيَاء آخر الْحُرُوف توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة وَمن شعره
(ألمَّ بِنَا طيفٌ يجِلُّ عَن الوصفِ ... وَفِي طرفه خمرٌ وخمرٌ على الكفِّ)
(فأسكر أَصْحَابِي بخمرة كفّهِ ... وأسكرني واللهِ من خمرة الطرفِ)
3 - (ابْن دوَّاس القَنا)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي الْعَنْبَري ابْن دوَّاس القَنا الْبَصْرِيّ قدم وَاسِط وسكنها إِلَى أَن توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مائَة وَمن شعره يمدح الْوَزير عَليّ بن طِراد الزَّيْنَبِي
(لَو أنَّك الناجم من أميَّةٍ ... مَا لجَّ فِي طغيانها وليدُها)
(أَو كنتَ من قبلُ لآل طالبٍ ... مَا نَالَ من حُسينهم يزيدُها)
وَمِنْه
(وَمن يعْتَمد يَوْمًا على اللهِ يكفِهِ ... مخافَةَ مَا فِي الْيَوْم والأمس والغدِ)
(فَلَا ترجُ غيرَ اللهِ فِي كلِّ حالةٍ ... مُعيناً فَمَا لَا يُصلح اللهُ يفسُدِ)
وَمِنْه
(رُمِ الفضلَ مَا دَامَ الزمانُ مساعداً ... فَمَا كلُّ مَا يَأْتِي بِمَا شئتَ آتِيَا)
(وَمن لم يُجِدْ بُنيانَه فِي شبابهِ ... يَجِدْ كلَّ مَا يبنيه فِي الشَّيب واهيا)
(وإنَّ ثمارَ الْعود مَا دَامَ أخضراً ... تُرجَّى وَلَا تُرجَى إِذا صَار ذاويا)
(وَلَيْسَ على الْإِنْسَان إنجاحُ سعيهِ ... ولكنْ عليهِ أَن يُجيد المساعيا)
3 - (ابْن خروف النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد نظامُ الدّين أَبُو الْحسن(22/58)
ابْن خروف الأندلسي حضر من إشبيلية وَكَانَ إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة محقِّقاً مدقِّقاً ماهراً مشاركاً فِي علم الْأُصُول صنَّف شرحاً لكتاب سِيبَوَيْهٍ جليلَ الْفَائِدَة حمله إِلَى صَاحب الغرب فَأعْطَاهُ ألف دِينَار وشرحاً للجُمل)
وكتاباً فِي الْفَرَائِض وَله ردٌّ على أبي زيد السُّهيلي وعَلى جمَاعَة فِي الْعَرَبيَّة أَقرَأ النَّحْو بعدة بِلَاد وَأقَام بحلب مدَّة واختلَّ عقله بأَخَرَة حتَّى مَشى فِي الْأَسْوَاق عُرياناً باديَ الْعَوْرَة مَكْشُوف الرَّأْس وَبَعْضهمْ يَقُول مُحَمَّد بن عَليّ وَالصَّحِيح أنَّه عَليّ بن مُحَمَّد كَمَا أثبت هَاهُنَا وَالله أعلم وتوفِّي سنة تسع وست مائَة وَقيل سنة خمس وست مائَة ملكتُ ديوَان ابْن بابَك بخطّه فِي مجلَّدة واحدَةُ وكتابته ظريفة فِيهَا مغربيةٌ مَا فِي غَايَة الصِّحَّة وَالْفَاء بِوَاحِدَة وَالْقَاف بِاثْنَتَيْنِ على عَادَة المشارقة وَكَانَ يلقّب بضياء الدّين وَقَالَ العلاّمة أثير الدّين أَبُو حيَّان هُوَ قيسيٌّ قيذافيٌّ بقاف أولى وَفَاء ثَانِيَة وَبَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف وذال مُعْجمَة وَألف قرطيٌّ وَأنْشد أثير الدّين لَهُ فِي كأس
(أَنا جسمٌ للحُميّا ... والحُميَّا ليَ روحُ)
(بَين أهل الظَّرفِ أغدو ... كلَّ يومٍ وأروحُ)
وَقَالَ لي أَنه مدح الْملك الْأَفْضَل بن الْملك النَّاصِر ومدح الظَّاهِر بن النَّاصِر أَيْضا انْتهى
قلت وذكرتُ هُنَا مَا للمشدّ سيف الدّين بن قِزِل وَهُوَ مَا يكْتب على قَفَص المَسْمُوع(22/59)
(أَنا للطائر سِجنٌ ... أقتني كلَّ مَليحِ)
(قُضُب البانِ ضلوعي ... وحمَامُ الأيكِ روحي)
وَذكرت أَيْضا مَا نظمته وَهُوَ مَا يكْتب على قدح ساذج
(كؤوس المُدام تحبُّ الصَّفَا ... فكنْ لتصاويرها مُبطِلا)
(ودعها سواذجَ من نقشها ... فأحسنُ مَا ذُهِّبت بالطِّلا)
نقلتُ من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ بِدِمَشْق فِي صبي جميل الصُّورَة حَبسه الْحَاكِم
(أَقاضي المسلمينَ حكمتَ حُكْماً ... أَتَى وجهُ الزَّمَان بهِ عَبُوسا)
(حبستَ على الدراهمِ ذَا جمالٍ ... وَلم تسجُنْهُ إذْ سلبَ النُّفوسا)
قَالَ وَكتب على يَدي إِلَى قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين بن الزكي يستقيله من مشارفة البيمارستان النوري وَكَانَ بوَّابُه يسمَّى السيِّد وَهُوَ فِي اللُّغَة الذِّئْب
(مولايَ مولايَ أجرني فقدْ ... أصبحتُ فِي دَار الأسى والحُتوفْ)
(وَلَيْسَ لي صبرٌ على منزلٍ ... بوَّابُهُ السيِّدُ وجَدّي خَروفْ)
)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَقد دَعَاهُ نجم الدّين بن اللُّهَيْب إِلَى طَعَامه فَلم يُجِبْهُ وَقَالَ
(ابنُ اللُّهَيْبِ دَعَاني ... دعاءَ غيرِ نبيهِ)
(إِن سرتُ يَوْمًا إِلَيْهِ ... فوالدي فِي أبيهِ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِيهِ
(يَا ابنَ اللُّهَيْبِ جعلتَ مذهبَ مالكٍ ... يَدْعُو الأنامَ إِلَى أبيكَ ومالكِ)
(يبكي الهُدى مِلءَ الجفونِ وإِنَّما ... ضحكَ الفسادُ من الصلاحِ الهالكِ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِيهِ
(لابنِ اللُّهَيْبِ مذهبٌ ... فِي كلِّ غَيٍّ قد ذهبْ)
(يَتْلُو الَّذِي يُبصرُهُ ... تَبَّتْ يدا أبي لهبْ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ مَا كتبه إِلَى القَاضِي بهاء الدّين بن شدَّاد فِي طلب فَروة خراف
(بهاءَ الدينِ وَالدُّنْيَا ... ونورَ الْمجد والحَسَبِ)(22/60)
(طلبتُ مخافةَ الأنوا ... ءِ من نُعماك جلدَ أبي)
(وفضلُكَ عالمٌ أنِّي ... خروفٌ بارعُ الأدبِ)
(حَلَبْتُ الدهرَ أَشطُرَهُ ... وَفِي حلبٍ صفا حَلَبي)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِي نِيل مصر
(مَا أعجبَ النيلَ مَا أحلى شمائلَهُ ... فِي ضفَّتيهِ من الأشجارِ أدواحُ)
(من جنةِ الخلدِ فيَّاضٌ على تُرَعٍ ... تهبُّ فِيهَا هبوبَ الريحِ أرواحُ)
(لَيست زيادتُهُ مَاء كَمَا زَعَمُوا ... وإنَّما هِيَ أرزاقٌ وأرواحُ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ لُغزاً فِي بَاب المعمَّى
(وَاشْرَبُوا كلَّ صباحٍ لَبَنًا ... وَاشْرَبُوا كلَّ أصيلٍ عَسَلا)
(واعكسوا ذَاك إِلَى أعدائكم ... من قِسِيِّ النَّبل أَو رُقْشِ الفلا)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ
(لَا ترجونَّ لمثلي ... من هَذِه الراحِ تَوْبَهْ)
(فَإِنَّمَا هِيَ ليلى ... وَإِنَّمَا أَنا تَوْبَهْ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِي بدر الدّين الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر العادلي)
(بشمس الدّين ذِي الهمم المنيفَه ... سما رأيُ الإِمَام أبي حنيفَهْ)
(مذاهبُ أهلِ ملَّتنا ملوكٌ ... ومذهبُهُ الشريفُ هُوَ الخليفَهْ)
وَقَالَ شهَاب الدّين القوصي وَقع ابْن خروف فِي جُبٍّ لَيْلًا فَمَاتَ رَحمَه الله وَأحسن مَا بَلغنِي أَن جمال الدّين عليا الْمَعْرُوف بِابْن السُنَيْنيرة حضر إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة الملكية الظَّاهِرِيَّة لَيْلًا لينشد قصيدةً فَمضى هزيعٌ من اللَّيْل وَلم يُؤْذن لَهُ بِسَبَب ابْن شَرف العُلى كَانَ يقْرَأ على السُّلْطَان كتابا فطوَّل عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ
(العبدُ قد وافى ليُنشد خدمَة ... بُنِيَتْ قواعدها على التَّخْفِيف)
(وأخافُ من شرف العُلى تطويلَهُ ... لَيْلًا فأُلحق مُلْحَقَ ابْن خروفِ)
3 - (العِمراني الأديب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن هَارُون يلقَّب حجّة(22/61)
الأفاضل وفخر الْمَشَايِخ الأديب أَبُو الْحسن العِمراني الْخَوَارِزْمِيّ مَاتَ سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة تَقْرِيبًا قَرَأَ الْأَدَب على الزَّمَخْشَرِيّ وَصَارَ من أكبر أَصْحَابه لَا يُشَقُّ لَهُ غُبَار فِي حسن الْخط وَاللَّفْظ سمع من الزَّمَخْشَرِيّ وَالْإِمَام عمر التَّرْجُماني وَالْحسن بن سُلَيْمَان الخُجَنْدي وَعبد الْوَاحِد الباقَرْحي وَغَيرهم وَكَانَ ولوعاً بِالسَّمَاعِ كَتوباً وَكَانَ مَعَ الْعلم الغزير الوافر فِيهِ دين وَصَلَاح وزهادة وَكَانَ يذهب مَذْهَب الرَّأْي وَالْعدْل
وَمن تصانيفه كتاب الْمَوَاضِع والبلدان وَكتاب اشتقاق الْأَسْمَاء كتاب تَفْسِير الْقُرْآن وَمن شعره
(رأيتكَ تدّعي علم العَروضِ ... كأنَّك لست مِنْهَا فِي عَروضِ)
(فكم تُزري بشعرٍ مستقيمٍ ... صحيحٍ فِي مَوَازِين العَروضِ)
(كَأَنَّك لم تُحِطْ مذ كنت علما ... بمخبون الضُّروب وَلَا العَروضِ)
وَمِنْه قصيدة مدح بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أَضَاء برقٌ وسجفُ اللَّيْل مسدولُ ... كَمَا يُهزُّ الْيَمَانِيّ وَهُوَ مصقولُ)
(فهاج وجدي بسُعْدى وَهِي نائيةٌ ... عنِّي وقلبيَ بالأشواق متبولُ)
(لم يبقَ لي مذ تولَّى الظعنُ باكرةً ... صبرٌ وَلم يبْق لي قلبٌ ومعقول)
(مهما تذكَّرتها فاض الجمانُ على ... خدَّيَّ حتَّى نِجادُ السيفِ مبلولُ)
)
3 - (الْحَافِظ الشارّي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى الصدرُ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الغافقي السَّبْتي الشارّي نزيل مالَقة والشارَّة بشرق الأندلس وَهِي بالشين مُعْجمَة وَبعد الْألف رَاء مشدَّدة كَذَا وَجدتهَا مقيَّدة ولد سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وست مائَة
وَسمع الْكثير من أبي مُحَمَّد عبيد الله وشارك فِي عدَّة فنون مَعَ الشّرف والحشمة والمروءة الظَّاهِرَة واقتنى من الْكتب شَيْئا كثيرا وحصَّل الْأُصُول العتيقة وروى الْكثير وَكَانَ محدِّث تِلْكَ النَّاحِيَة
3 - (ضِيَاء الدّين البالِسي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَنْصُور بن(22/62)
مؤمَّل المحدّث الْعَالم ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن البالسي المعدّل الْخَطِيب ولد سنة خمس وست مائَة بِدِمَشْق وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة وَأَجَازَ لَهُ الْكِنْدِيّ وَغَيره وَنسخ بِخَطِّهِ الْمَنْسُوب الْكثير وعُني بِالطَّلَبِ وروى عَنهُ الدمياطي وَغَيره
3 - (موفق الدّين الْآمِدِيّ الْكَاتِب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الرئيس موفَّق الدّين الْآمِدِيّ الْكَاتِب كَانَ متعيّناً لنظر الدَّوَاوِين وَطَالَ عمره وتقلّب فِي الخِدَم ثمَّ صَار إِلَى نظر الكَرك والشَّوْبَك وَمَات هُنَاكَ وَكَانَ قد قدم إِلَى هَذِه الْبِلَاد زمن الْكَامِل هُوَ وَأَخُوهُ ووفاته سنة أَربع وَسبعين وست مائَة
3 - (المَصِّيصي الشَّافِعِي الفرضي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي الْعَلَاء أَبُو الْقَاسِم المَصِّيصي الأَصْل الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الفَرَضي سمع وحدَّث وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (السُّلَمي الشَّافِعِي ابْن الشَّهْرُزوري)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُسَلَّم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفَتْح بن عَليّ السُّلَمي الْفَقِيه شرف الدّين أَبُو الْحسن بن أبي بكر الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي مدرس الأمينيّة كَانَ فَقِيه الشَّام ومحدِّثه
سمع فِي صباه أَبَا العشائر مُحَمَّد بن خَلِيل الْقَيْسِي وَأَبا يَعْلى حَمْزَة بن عليّ الحُبوبي وَالْحُسَيْن بن الْحسن الْأَسدي وَغَيرهم وأُخرج عَن دمشق مُزعَجاً فتوجّه إِلَى بغداذ مستشفعاً إِلَى الدِّيوَان فِي عوده سنة إِحْدَى وست مائَة وحدَّث ببغداذ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس)
مائَة بِدِمَشْق وَتُوفِّي بحمص سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة
وَكتب فُقَهَاء الْمدرسَة الأمينية إِلَى شرف الدّين المدرّس الْمَذْكُور فِي زمن المشمش
(يَا بَحر علمٍ زاخرٍ ... أمواجُه تُلْقي الدُّرَرْ)(22/63)
(لَا تمنعنَّ عِصابةً ... والَتْكَ من دون البشرْ)
(لوزيّةً ذهبيّةً ... بَين الغصونِ لَهَا شَرَرْ)
(وَإِن امْتنعت فَنحْن لَا ... نبقي عَلَيْك وَلَا نذر)
فَكتب لَهُم بِمَا يشْتَرونَ بِهِ مشمشاً فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه يَا مَوْلَانَا خفت مِنْهُم فَقَالَ كَيفَ لَا أَخَاف مِنْهُم وَقد قَالُوا
(وَإِن امتنعتَ فَنحْن لَا ... نُبْقي عَلَيْك وَلَا نَذَرْ)
وَدخل عَلَيْهِ الشهَاب فتيَان الشاغوري فغمز شرف الدّين بعض الطّلبَة فَسرق مداسه فَلَمَّا قَامَ وَمَا وجده الْتفت إِلَيْهِ وأنشده بديهاً
(إِن يسرقِ الفقهاءُ نع ... لي يَفْعَلُوا فعلا قبيحا)
(إذْ يشْهدُونَ على المدرّ ... س أَنه يأوي الشُّلوحا)
فَقَالَ أَعْطوهُ مداسه وأريحونا مِنْهُ
3 - (ابْن سَدير الطَّبِيب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن سدير بِالسِّين الْمُهْملَة مَفْتُوحَة وَالدَّال الْمُهْملَة مَكْسُورَة وَيَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَرَاء أَبُو الْحسن الطَّبِيب الْمَدَائِنِي كَانَ أديباً يَقُول الشّعْر وَله معرفَة بالطبّ
تردَّد إِلَى بغداذ كثيرا وَتُوفِّي بِالْمَدَائِنِ فَجْأَة سنة سِتّ وست مائَة
3 - (القُطَيْطُ المعرّي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْحسن المعرّي الْمَعْرُوف بالقُطَيْط وبالبديع أَيْضا من شعراء الخريدة أورد لَهُ الْعِمَاد قَوْله
(نَداك ابْن عبد الله لَيْسَ بِمُقْتَضى ... ومثلُك فِي الكُرْبات من دفعَ الجُلَّى)
(وأعتدُّ تقليدي لغيرك مِنَّةً ... وَإِن هِيَ حلّتْ منهُ فِي عُنُقي غُلاّ)
(تعافُ سؤالَ الْفَرْع نَفسِي نفاسةً ... إِذا وجدتْ فِيمَا تحاولُه أصلا)
(وَلَا سيّما العَضبُ الَّذِي مِنْك جَرَّدَتْ ... يدُ الْمجد مَا أنباه خطبٌ وَلَا فلاّ)
)
(أعمُّ الوَرَى جوداً وأمنعُهم حِمًى ... وأوفاهمُ قولا وأحسنُهم فِعلا)(22/64)
3 - (جلال الدّين الْوَزير)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور جلال الدّين أَبُو الْحسن ابْن الْوَزير جمال الدّين الْجواد وَقد تقدَّم ذكر وَالِده فِي المحمدين مَكَانَهُ كَانَ من الأدباء الْفُضَلَاء البلغاء الكرماء لَهُ ديوَان رسائل جمعه مجد الدّين أَبُو السعادات بن الْأَثِير الجزَري وسمّاه كتاب الْجَوَاهِر واللآلي من الْإِمْلَاء المولوي الوزيري الجلالي لِأَن مجد الدّين كَانَ فِي أول الْأَمر كَاتبا بَين يَدَيْهِ وَكَانَت بَين الْوَزير وَبَين الحَيْص بَيْص مكاتبات أورد بَعْضهَا ابْن الْأَثِير فِي الْكتاب الْمَذْكُور
وَكَانَ الْوَزير جلال الدّين الْمَذْكُور وَزِير سيف الدّين غَازِي بن قُطب الدّين وَتُوفِّي الْوَزير رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة بدُنَيْسَر وحُمل إِلَى الْموصل ثمَّ نُقل مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة المنورة النبويَّة ودُفن فِي تربة وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى
3 - (أَبُو ابْن الْجَوْزِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ هُوَ وَالِد الْحَافِظ العلاّمة الشَّيْخ جمال الدّين بن الْجَوْزِيّ وَقد تقدَّم نسبه فِي تَرْجَمَة أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن وَلَده كَانَ يعْمل الصُّفْر بنهر القلاّيين ببغداذ توفّي رَحمَه الله سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مائَة
3 - (الفرّاء الْموصِلِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ عَلَاء الدّين الْموصِلِي الْمَعْرُوف بالفرّاء عاصر الصاحب كَمَال الدّين بن العديم وَمن شعره
(ومائس الْقَامَة نادمتُهُ ... فِيمَا عهدناهُ من الأوَّلِ)
(فَقَالَ مَا تنظر حبّي وَقد ... ولَّى بنبت الْعَارِض المقبلِ)
(فَقلت روضٌ قد زها نبتُهُ ... وأنتَ تَدْرِي أنَّني مَوْصلي)
كَانَ الصفيّ بن مهَاجر بالموصل قد أعْطى مَمْلُوكا مليحاً وَألف دِينَار لرجلٍ يُقَال لَهُ ابْن الحصان فعشق الْغُلَام فَكتب عَلَاء الدّين الموصليّ إِلَى الصفيّ
(قل لصفيِّ الدّين مَاذَا الَّذِي ... غرَّكَ إذْ بِتُّ على غِرَّه)
(ابنُ الحصان الفَسْلُ فِي زُهدِهِ ... الباردُ تلميذُ أبي مُرَّه)
(بأيِّ سِحرٍ جَاءَ حتَّى لَهُ ... سمحتَ بالبدر وبالبَدْرَه)
)
فَلَمَّا بلغت الأبيات صفيِّ الدّين ارتجع الْغُلَام وَالذَّهَب من الصفيّ بن مهَاجر الْمَذْكُور(22/65)
وَمِنْه
(زارني وَالشُّكْر يثنيه مرحْ ... ثمَّ حيّاني وحيّا بالقدَحْ)
(بحُميّا لحظهِ مُغْتَبِقاً ... وبخمرٍ من ثناياه اصطبَحْ)
(خدُّهُ كالورد لوناً وشذًى ... مَا ترى الطلَّ عَلَيْهِ قد رشَحْ)
3 - (عَلَاء الدّين المَرّاكُشي الْكَاتِب)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن المَرّاكشي الْكَاتِب ولد سنة عشر وست مائَة بِدِمَشْق وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست مائَة وروى صَحِيح البُخَارِيّ
وَكَانَ ذَا رُواءٍ ووقار وخبرة بِأُمُور الدِّيوَان والحساب بِحَيْثُ إِنَّه يرجع إِلَى قَوْله فِي ذَلِك
وَكَانَ تركُ ذَلِك كلِّه أولى بِهِ وَكَانَ لَهُ وِردٌ بَين العشائين ويركب الْحمار وَيَأْتِي الدِّيوَان
وَسمع مِنْهُ غيرُ وَاحِد
3 - (الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهَذَباني)
أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ بن باشاك الْأَمِير الْكَبِير حسام الدّين الهذباني الْمَعْرُوف بِابْن أبي عَليّ كَانَ رَئِيسا مدبِّراً خَبِيرا قويَّ النَّفس طلبه الْملك النَّاصِر يَوْمًا فَقَالَ وددت الْمَوْت السَّاعَة فَإِن نَاصِر الدّين ابْن القيمُري عَن يسَاره وَابْن يَغمور عَن يَمِينه وَالْمَوْت أَهْون من الْقعُود تَحت أَحدهمَا فسمح لَهُ ابْن القيمري بالقعود فَوْقه وَدخل فأكرموه وَجلسَ إِلَى جَانب السُّلْطَان وَكَانَ لَهُ اخْتِصَاص بالصالح نجم الدّين أَيُّوب فَلَمَّا تملّك إِسْمَاعِيل الصَّالح حَبسه وضيَّق عَلَيْهِ ثمَّ أطلقهُ فتوجَّه إِلَى مصر وناب فِي السلطنة بِدِمَشْق لنجم الدّين أَيُّوب عقيب الخوارزمية وحاصر بعلبك وفيهَا أَوْلَاد الصَّالح فسلَّموها لَهُ بالأمان وناب السلطنة بِمصْر وَأَصله من إربل وَله شعر وأدب وَتُوفِّي سنة ثمانٍ وَخمسين وست مائَة
3 - (ابْن تقيّ الدّين دَقِيق الْعِيد)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطيع محبّ(22/66)
الدّين بن الشَّيْخ تقيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد
سمع من أَبِيه وَحضر عِنْد عبد الْوَهَّاب بن عَسَاكِر وَسمع من الزَّاهِد عمر الحريري القوصي وحدَّث بِالْقَاهِرَةِ سمع مِنْهُ أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الواني الدِّمَشْقِي وَغَيره وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب علَّق على كتاب التَّعْجِيز شرحاً جيدا لم يكمله وناب فِي الحكم أَيَّام أَبِيه)
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأُدْفوي ذكر لي بعض أَقَاربه أَن الْخَلِيفَة هُوَ الَّذِي ولاّه النِّيَابَة عَن أَبِيه فَإِنَّهُ كَانَ تزوَّج بنت الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس أَحْمد العباسي
ودرَّس بالفاضليّة والمدرسة الصالحيّة نِيَابَة عَن أَبِيه ودرَّس بالهكّاريّة والسيفيّة وَكَانَ عَزِيز النَّفس مترفِّعاً قَالَ كَمَال الدّين حكى لي القَاضِي سراج الدّين يُونُس بن عبد الْمجِيد الأرْمَنْتي قَالَ كنت حَاكما بإخميم عَن أَبِيه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فصحب محبَّ الدّين شخصٌ من أَهلهَا وَطلب مِنْهُ كتابا إليَّ فِي حاجةٍ لذَلِك الشَّخْص فرسم بكتابته إليَّ فَلَمَّا كتب قَالَ لَهُ ذَلِك الشَّخْص إِن أَرَادَ سيّدُنا أَن تُقْضى حَاجَتي يكْتب لَهُ الْمَمْلُوك فَلم يُوَافق فَحلف عَلَيْهِ ذَلِك الشَّخْص بِالطَّلَاق فَكتب الْمَمْلُوك بِاللَّه وَكَانَ يَقُول عَنهُ إِنَّه يقبل الهديّة فِي حَال نيابته وَيَأْخُذ مَعْلُوما على السَّعْي عِنْد وَالِده فِي الْحَاجَات ولد بقوص سنة سبع وَخمسين وست مائَة وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ عشرَة وَسبع مائَة
3 - (ابْن ابْن الحريري أحد التوأمين)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الشَّيْخ حفيد الشَّيْخ عَليّ الْكَبِير الحريري كَانَ هَذَا عَليّ أحد الْأَخَوَيْنِ التوأمين الملقبين بالحِنّ والبنّ كَانَا قد دخلا فِي أذيَّة النَّاس أيّام قازان فغرق هَذَا عَليّ بالسيل فِي جَامع بعلبك سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وَهُوَ الَّذِي لم يُسمع بِمثلِهِ بعد الطوفان
3 - (ابْن السكاكري)
على بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم الشُّروطي البارع الْمَشْهُور عَلَاء الدّين ابْن الْعدْل بدر الدّين العَدَوي الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بِابْن السكاكري ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة وَأَجَازَ لَهُ عبد الْعَزِيز بن الزَّبيدي(22/67)
وَابْن العُلَّيق وَعبد الْخَالِق النَّشْتبري وَابْن خَلِيل وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم ومحيي الدّين بن الزكي وَجَمَاعَة وعُرف بإتقان المكاتيب وَله معرفَة بغوامضها وَشهد على الحُكّام وَكَانَ قويَّ النَّفس ثمَّ كبر وَعجز واعتراه نِسْيَان وغفلة وافتقر وَكَانَ ملازماً للْجَمَاعَة حدَّث وتفرَّد بِالْإِجَازَةِ من بعض شُيُوخه
3 - (ابْن البرقي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن البرقي القوصي ذكره الْعِمَاد فِي الخريدة وَقَالَ كَانَ بَينه وَبَين ابْن النَّضْر صداقة وَأورد لَهُ شعرًا وَذكره ابْن الزبير فِي الْجنان وَقَالَ توفّي)
سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مائَة وَقَالَ الْحَافِظ الرشيد عَليّ بن عَليّ وَقَالَ ابْن مُيَسّر عَليّ بن عَليّ أَيْضا وَمن شعره
(ولي سنةٌ لم أدرِ مَا سِنَةُ الْكرَى ... كأنَّ جُفوني مِسْمَعٌ والكرى العَذْلُ)
وَمِنْه
(رماني الدهرُ مِنْهُ بكلِّ سهمٍ ... وفرَّق بَين أحبابي وبيني)
(فَفِي قلبِي حرارةُ كلِّ قلبٍ ... وَفِي عَيْني مَدامعُ كلِّ عينِ)
وَمِنْه
(لَا تكْذِبنَّ فَمَا كنّا لنوجِبَ من ... حقٍّ وَأَنت تراهُ عَنْك قد سَقَطا)
(ولَّيْتَ عصر شَبَابِي شاغلاً أملي ... بك اغتباطاً وَهَا فَوْدايَ قد شَمِطا)
3 - (جلال الْملك صَاحب طرابلس)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عمار أَبُو الْحسن جلال الْملك صَاحب طرابلس لما كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمْس مائَة اجْتمع مُلُوك الفَرَنج فِي سِتِّينَ(22/68)
مركبا مشحونة بالمقاتلة وَفِيهِمْ رَيْمُنْد وطَنْكري صَاحب أنطاكية وبَغْدَوين صَاحب الْقُدس وضايقوا طرابلس من أول شعْبَان إِلَى حادي عشر ذِي الْحجَّة وَكَانَ الأسطول من مصر كلما قصدُوا طرابلس للنجدة ردَّتها الرّيح فَهَجَمُوا على طرابلس وملوكها وَقتلُوا الرِّجَال وَسبوا الْحَرِيم والأطفال وهرب ابْن عمار سالما إِلَى شَيْزَرَ فَأكْرمه صَاحبهَا سُلْطَان بن عَليّ بن مُنقذ وَعرض عَلَيْهِ المُقام فَأبى وَجَاء إِلَى دمشق فَأكْرمه طُغْتِكين وأنزله فِي دَار وأقطعه الزَّبداني وأعمالها
وَلأبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد الْخياط الدمشقيّ فِيهِ عدَّة مدائح مِنْهَا قَوْله
(أما والهوى يومَ استقلَّ فريقُها ... لقد حمّلتْني لوعةً لَا أطيقُها)
وَمِنْهَا
(وخَرقٍ كأنَّ اليمَّ موجُ سرابهِ ... ترامت بِنَا أجوازُهُ وخُروقُها)
(كأنّا على سُفْنٍ من العيسِ فوقَهُ ... مجاذيفُها أَيدي المَطيِّ وسوقُها)
(نُرجِّي الحَيا من رَاحَة ابْن محمدٍّ ... وأيُّ سماءٍ لَا تُشامُ بروقُها)
(فَمَا نُوِّخَتْ حتَّى أسونا بجودِه ... جراحَ الخُطوب المُنْهرات فتوقُها)
(عَلوْنَ بآفاق الْبَلَد يَحِدْن عَن ... مُلُوك بني الدُّنْيَا إِلَى من يفوقُها)
)
(إِلَى ملكٍ لَو أنَّ نورَ جبينهِ ... لَدَى الشَّمْس لم يُعْدَم بلبلٍ شروقُها)
3 - (قَاضِي أَصْبَهَان الطَّبَرِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن أبان أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ قَاضِي أَصْبَهَان كَانَ رَأْسا فِي الْفِقْه والْحَدِيث والتصوف توفّي سنة ثمانٍ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
3 - (نجم الدّين بن هِلَال)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن هِلَال الصَّدْر الْكَبِير الْعَالم نجم الدّين أَبُو عبد الله الْأَزْدِيّ الدِّمَشْقِي من رُؤَسَاء دمشق ولد سنة تسعٍ وَأَرْبَعين وست مائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة وَأَجَازَ لَهُ بهاء الدّين بن الجُمَّيزي وَسمع من ابْن البُرهان وَابْن أبي اليُسر والكِرماني وَطَائِفَة وَطلب بِنَفسِهِ وحصَّل أصولاً وَدَار على الْمَشَايِخ وَكَانَ يذاكر بأَشْيَاء حَسَنَة من التواريخ
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قَرَأت عَلَيْهِ بكَفْرَ بَطنا موافقات الموطَّأ(22/69)
3 - (الكِناني النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عُمَيْر أَبُو الْحسن الكِناني النَّحْوِيّ كَانَ أحد الْفُضَلَاء من أَصْحَاب أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن مِقْسَم روى عَنهُ أمالي ثَعْلَب فِي سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبع مائَة وسَمعه مِنْهُ الْحسن بن أَحْمد بن الثلاّج وَأَبُو الْفَتْح بن المقدِّر
3 - (ابْن كرّاز الوَاسِطِيّ الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن المؤمَّل أَبُو الْحسن الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن كرّاز بكاف وَرَاء مشدَّدة وَبعد الْألف زَاي من أهل وَاسِط ورد بغداذ شَابًّا وَقَرَأَ الْقُرْآن على الشريف عبد القاهر بن عبد السَّلَام العباسي وعَلى غَيره وَالْفِقْه على إلْكِيا الهرّاسي وناظر وتكلَّم فِي مسَائِل الْخلاف وَسمع بواسط من أبي الْفضل بن العجمي وَأبي غَالب مُحَمَّد بن حمد الخازن البغداذي وَسمع بِالْبَصْرَةِ وتولّى الْقَضَاء ببادَرايا ونواحي الْجَبَل وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
3 - (مجد الْعَرَب العامري)
عَليّ بن مُحَمَّد بن غَالب أَبُو فراس العامريّ الْمَعْرُوف بمجد الْعَرَب شَاعِر جال مَا بَين الْعرَاق وَالشَّام ومدح الْمُلُوك والأكابر وَلبس أخيراً لُبْسَ الأتراك وَتُوفِّي بالموصل سنة ثَلَاث)
وَسبعين وَخمْس مائَة وَمن شعره
(أمُتْعِبَ مَا رَقَّ من جسمِهِ ... بِحمْل السيوف وَثقل الرماحِ)
(علامَ تَكلَّفْتَ حُملانَها ... وَبَين جفونكَ أمضى السِّلَاح)
وَمِنْه
(كلِفتُ بِهِ وقلتُ بياضُ وجهٍ ... فَقيل أسأتَ فاكْلَفْ بِالنَّهَارِ)
(فَلَمَّا حفَّ بالإصباحِ ليلٌ ... وعذَّر قَامَ عُذْري بالعِذار)
وَمِنْه
(فارقْ تجدْ عِوضاً عمّن تفارقُهُ ... فِي الأَرْض وانصب تُلاقِ الرَّفْهَ فِي النَّصَبِ)
(فالأُسْدُ لَوْلَا فراقُ الخيس مَا فَرَسَتْ ... والسهمُ لَوْلَا فراقُ القوسِ لم يُصِبِ)(22/70)
وَمِنْه
(وفاتن الخَلقِ ساحرِ الخُلُقِ ... مُنْتَطقٍ حَيْثُ حلَّ بالحَدَقِ)
(خِفْتُ ضَلالاً فِي ليلِ طُرَّتِهِ ... فناب لي وجهُهُ عَن الفَلَقِ)
(بَات ضجيعي وبتُّ مُعْتَنِقاً ... لطيفَ كشحٍ شهيَّ مُعْتَنَقِ)
(وَقد خفينا عَن الرَّقِيب فَمَا ... نمَّ بِنَا غيرُ نشرهِ العَبِقِ)
قلت شعر متوسط
3 - (ابْن النصير كَاتب الحُكم)
عَليّ بن مُحَمَّد بن غَالب بن مرّي العَدْلُ الْفَقِيه المحدّث كَاتب الحُكم عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن بن الإِمَام نصير الدّين بن القَاضِي كَمَال الدّين الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي مولده سنة خمس وَأَرْبَعين وست مائَة وروى الشاطبية بِسَمَاعِهِ بقوله من ابْن الْكَمَال الضَّرِير وَسمع بِدِمَشْق من ابْن عبد الدَّائِم وَابْن أبي اليُسر وعدّة وَطلب الحَدِيث وَقَرَأَ النَّحْو على ابْن مَالك وَقَرَأَ كتبا وأجزاء وَكَانَ يعرف نَحوا وحساباً وشروطاً وحصَّل من الشُّرُوط مَالا كثيرا وَتُوفِّي سنة خمس وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (ابْن غُلَيْسٍ الصَّالح)
عَليّ بن مُحَمَّد بن غُلَيْس بِضَم الْغَيْن وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا سينٌ مُهْملَة أَبُو الْحسن الزَّاهِد من أهل الْيمن كَانَ رجلا من الرِّجَال طوَّف الْبِلَاد مَا بَين الْحجاز)
واليمن وَصَحب الْأَوْلِيَاء وَله مجاهدات ورياضات شَدِيدَة وَقُوَّة على الْجُوع والعطش والسهر ومقاساة البراري والقفاز وَالْجِبَال ظَهرت كرامتُه وأطلع الله عباده على أَحْوَاله قدم بغداذ سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة ودوَّن النَّاس كَلَامه وسمعوا مِنْهُ قَالَ قَالَ لي شَيْخي عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الحدّاد من اعْتقد أَنه يصل إِلَى الله بِعِلْمِهِ فَهُوَ مُتَمَنٍّ وَمن اعْتقد أَنه يصل بِعِلْمِهِ فَهُوَ مُتَعَنٍّ لَكِن اعملْ وانسَ فلكَ من لَا ينسى قَالَ وحفظت مِنْهُ هَذَا الدُّعَاء يَا من لوجهه عَنَتِ الْوُجُوه بيِّض وَجْهي بِالنّظرِ إِلَيْك واملأ قلبِي من المحبَّة لَك وأجِرْني من زلَّة التوبيخ فقد آنَ لي الحياءُ مِنْك وحان لي الرجوعُ عَن الْإِعْرَاض عَنْك لَوْلَا حِلمُك لم يسعني عَمَلي وَلَوْلَا عفوك لم ينبسط فِيمَا لديك أملي فأسألك بك أَن تغْفر لي وتختار لي مَا لم أختره لنَفْسي وَتفعل بِي مَا أَنْت أَهله وَلَا تفعل بِي مَا أَنا أَهله إِنَّك أهل التَّقْوَى وَالْمَغْفِرَة اللَّهُمَّ صلَّ على مُحَمَّد وَآله(22/71)
وَتُوفِّي بِدِمَشْق لَيْلَة سَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة ثمانٍ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَكَانَ يكْتب خادمه عليّ بن غليس الَّذِي لَا يسوى فُلَيْس وَمن شعره
(أَلا قلْ لمن كَانَ يهوى سوانا ... هواهُ حرامٌ وَلَكِن هوانا)
(وَمن كَانَ يَبْغِي رضَا غَيرنَا ... لَهُ الويلُ أخطا وَلَكِن رضانا)
(أَلا قف وخيِّم على بابنا ... تَرَ الخيرَ مِنّا جِهاراً عيَانًا)
3 - (المِلْحيّ الشَّاعِر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الْفَتْح بن أبي العَصَب الشَّاعِر البغداذي المِلْحيّ نِسْبَة إِلَى الْملح مولى المتوكِّل على الله سمع وروى وثَّقه الْخَطِيب توفّي سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مائَة كتب إِلَيْهِ ابْن سُكَّرة الهاشميّ
(يَا صديقا أفادَينه زمانٌ ... فِيهِ ضيقٌ بالأصدقاء وشُحُّ)
(بَين شخصي وَبَين شخصك بُعْدٌ ... غيرَ أنَّ الخيالَ بالوصلِ سمحُ)
(إِنَّمَا أوجب التباعد منّا ... أنني سُكَّرٌ وأنَّك مِلْحُ)
فَكتب ابْن أبي العصب الْجَواب
(هَل يَقُول الإخوان يَوْمًا لخلٍّ ... شابَ منهُ محضَ المودَّةِ قَدْحُ)
بَيْننَا سُكَّرٌ فَلَا تُفْسدَنْهُأم يَقُولُونَ بَيْننَا وَيْكَ ملحُ)
3 - (ابْن فَرِحُونَ المَدَني)
عَليّ بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ نور الدّين أَبُو الْحسن اليَعمري المَدَني الْمَالِكِي قدم علينا دمشق ورأيته مرّات سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وأنشدني كثيرا من لَفظه لنَفسِهِ كتب إليَّ يطْلب مني تَمام شرح لامية الْعَجم الَّذِي وَضعته وسميته غيث الْأَدَب الَّذِي انسجم
(قد طَال هَذَا الوعدُ يَا سيِّدي ... فانظرْ لمقصودي وَكن مسعدي)(22/72)
(أنتَ صلاحُ الدّين حقًّا فكنْ ... صلاحَ دنيايَ الَّتِي تعتدي)
وجد بغيث الْأَدَب الْمُنْتَقى واسق رعاك الله قلباً صدي
(بدأت بِالْإِحْسَانِ فاختم بِهِ ... يَا خَاتم الخيرِ وَيَا مُبْتَدي)
فَكتبت الْجَواب إِلَيْهِ معتذراً عَن تَجْهِيزه لِأَنَّهُ كَانَ فِي العاريَّة
(أقسمتُ لَو كَانَ الَّذِي تبتغي ... عنديَ لم أمنعْهُ من سيِّدي)
(يَا من لَهُ نظمٌ علا ذِروةً ... وهادُها تعلو على الفَرْقَدِ)
(لقد تطوَّلتَ وَلم تَقتصر ... وَمن بدا فِي فَضله يزدَدِ)
وأينَ من نَالَ نهاياتِهِممّن كَمَا قلتَ لَهُ مبتدي وصنع هُوَ للامية الْعَجم أعجازاً وصدوراً أوقفني عَلَيْهَا بِخَطِّهِ وَطلب مني أَن أكتب عَلَيْهَا تقريضاً فَكتبت عَلَيْهَا حَسْبَمَا قَصده وقفتُ على هَذَا النمط الْغَرِيب والأسلوب الَّذِي مَا سلك شِعبه أديب والألفاظ الَّتِي تجيد الْجيد وَمَا تُريب أَنَّهَا حَلْيُ التَّريب والعبارة الَّتِي هِيَ أشهى من عصر شبابٍ مَا شيب بمشيب وَالنّظم الَّذِي شَاب مِنْهُ الْوَلِيد وَنقص أَبُو تمامٍ فَلَيْسَ بحبيب والمعاني الَّتِي هِيَ أوقع فِي النُّفُوس من وصل حبيب نزّهتْه اللذةُ عَن الرَّقِيب الْقَرِيب والسطور الَّتِي هِيَ جداول الرَّوْض والهمزةُ على ألفها حمامةٌ على قضيب
(وَفِي تَعَبٍ من يحسُدُ الشمسَ ضوءها ... ويزعُمُ أَن يَأْتِي لَهَا بضريب)
لقد أمتع ناظمها أمتع الله بمحاسنه وحلّى جيدَ الزَّمَان بدُرِّه الَّذِي يُثيره من معادنه فَجعل لآفاقها مشارقَ ومغارب ولبيوتها فِي شعاب الْقُلُوب مراكز ومضارب كَيفَ أفادها أعجازاً وصدوراً وَكَيف تنوَّع فِي الْحسن حتَّى أَفَادَ الخصور أردافاً وركَّب على الأرداف خصورا وَكَيف اقتدر على البلاغة فَأطلع فِي أفلاكها شموساً وبدورا فَلَو عاينها الطُغرائي رَحمَه الله)
جعلهَا لمنشور ديوانه طُغرى وَعلم أَن روض نظمه إِن كَانَ فِيهِ زهرَة فَهَذَا أُفُقٌ أطلع فِي كل منزلَة مِنْهُ شمساً وبدراً وزُهَرَة فَالله يُعِزُّ حمى الْأَدَب مِنْهُ بِفَارِس الجولة ويُديم لأيامه بفوائده خير دولة ويلُمُّ شَعَثَ بنيه الَّذين لَا صون لَهُم وَلَا صولة ويمتّعهم بمحاسنه الَّتِي لَا تُذكر مَعهَا أبياتُ عَزَّة وَلَا أطلال خَوْلة بمَنَّة وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقد أثبتُّ هَذِه الأعجاز والصدور بمجموعها فِي الْجُزْء الْعشْرين من كتاب التَّذْكِرَة(22/73)
وَطلب مني المقامات الجَزَرية ليقف عَلَيْهَا فجهّزتها إِلَيْهِ فَأَعَادَهَا وَقد كتب عَلَيْهَا بِخَطِّهِ يَقُول الفقيرُ إِلَى الله تَعَالَى عليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن فَرِحُونَ اليَعمَري الْمدنِي عَفا الله عَنهُ لما نظرت مقامات الجَزَري رَأَيْت ألفاظها حوشيّة وحُلَل أسجاعها غير مطرَّزة وَلَا موشيّة لم يَسْقِ روضها ماءُ البلاغة المستعذَب فَمَا أنبتت أرضُها زهرَ اللَّفْظ المهذَّب وَمَعَ هَذَا فطالما كلَّف نَفسه قيها وعذَّب وَعِنْدِي أَن من لم يستحسن كذبَها لم يُكَذَّب
(ظنَّ الفصاحةَ فِي الْغَرِيب فأثَرَهْ ... فَلَكَمْ لَهُ من فِقرة هِيَ فاقِرهْ)
(قَرَحَتْ قريحتهُ وفاتَ قبولُها ... يَا كرّةً من بعد ذَلِك خاسِرهْ)
وَقد أثبتُّ مِنْهَا عِنْدِي المقامةَ الأولى ورأيتُ أنَّ ترك مَا سواهَا أولى
(إذِ الأسلوبُ فِي الْمَجْمُوع واحِدْ ... وَلَيْسَ على كتَابَتهَا مُساعِدْ)
وبلغتني وَفَاته بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة فِي سنة ستّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
3 - (التهامي الشَّاعِر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن فَهد أَبُو الْحسن التهامي الشَّاعِر وَهُوَ من الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ المجيدين أَصْحَاب الغوص مولده ومنشؤه بِالْيمن وطرأ على الشَّام وسافر مِنْهَا إِلَى الْعرَاق والى الْجَبَل وَلَقي الصاحب بن عبَّاد وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَانْتَحَلَ مَذْهَب الاعتزال وَأقَام ببغداذ وروى بهَا شعره ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام وتنقَّل فِي بلادها وتقلَّد الخطابة بالرّملة وتزوَّج بهَا وَكَانَت نَفسه تحدّثه بمعالي الْأُمُور وَكَانَ يكتم نَسَبَه فَيَقُول تَارَة إنَّه من الطالبيِّين وَتارَة من بني أميَّة وَلَا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين وَكَانَ متورِّعاً صَلِفَ النَّفس متقشِّفاً يطْلب الشَّيْء من وَجهه وَلَا يُريدهُ إلاَّ من حِلِّه نسخ شعر البحتري فَلَمَّا بلغ أبياتاً فِيهَا هجوٌ امْتنع من كتبهَا وَقَالَ لَا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ النَّاس وَكَانَ قد وصل إِلَى الديار المصرية مستخفياً وَمَعَهُ كتبٌ كَثِيرَة من حسَّان بن مفرّج بن دَغْفَل البدوي وَهُوَ متوجِّه إِلَى بني قُرَّة فظفروا بِهِ فَقَالَ أَنا من)
تَمِيم فلمَّا انْكَشَفَ حَاله عُلم أَنه التهامي الشَّاعِر(22/74)
فاعتُقل بخزانة البنود بِالْقَاهِرَةِ لأَرْبَع بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبع مائَة ثمَّ إنَّه قُتل سرًّا فِي سجنه تَاسِع جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ أصفر اللَّوْن ورُئيَ بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي قيل لَهُ بأيِّ الأَعمال قَالَ بِقَوْلِي فِي مرثية ولدٍ لي صَغِير وَهُوَ
(جَاوَرت أعدائي وجاور ربه ... شتان بَين جواره وجواري)
وَمن شعره قَوْله
(قلتُ لخِلِّي وزهورُ الربى ... مبتسماتٌ وثغورُ المِلاحْ)
(أيُّهما أحلى تُرى منْظرًا ... فَقَالَ لَا أعلم كلٌّ أقاحْ)
وكرَّر هَذَا النَّوْع فَقَالَ
(أَلَمَّ وليلي بالكواكبِ أشيبُ ... خيالٌ على بُعد المدى يتأوَّبُ)
(أَلَمَّ وَفِي جفني وجفنِ مُهنَّدي ... غِراران ذَا نومٌ وَذَاكَ مُشَطَّبُ)
وَقَالَ أَيْضا
(ألمَّتْ بِنَا بعد الهُدُوِّ سعادُ ... بليلٍ لباسُ الجوِّ فِيهِ حِدادُ)
(ألمَّتْ وَفِي جفني وجفن مُهنَّدي ... غِراران ذَا سيفٌ وَذَاكَ رقادُ)
قلت وَهَذَا الْمَعْنى أولع بِهِ الأرَّجاني فَقَالَ
(وَأَيْنَ من الْمَنَام لَقَى همومٍ ... يبيتُ ونِضوهُ مُلقى الجِرانِ)
(يَشيمُ البرقَ وَهُوَ ضجيعُ عَضْبٍ ... فَفِي الجفنين منهُ يَمانِيانِ)
وَقَالَ الأرَّجاني أَيْضا
(وأرَّقني والمَشرِفيُّ مُضاجعي ... سنا بارقٍ أسرى فهيَّجَ أحزاني)(22/75)
(ثلاثةُ أجفانٍ فَفِي طيِّ واحدٍ ... غِرارٌ وخالٍ من غِراريهما اثنانِ)
وأُولع بِهِ قبله عبد الصَّمد الطَّبَرِيّ فَقَالَ
(فبِتُّ على مراصدهمْ وحيداً ... كلا جفنيَّ رَأْرَأَهُ الغِرارُ)
وَقَالَ عبد الصَّمد أَيْضا
(بانوا بهيفاءَ يَغْزُو سيفُ مُقلتها ... قلبَ المتيَّم فِي جيشٍ من الفتنِ)
(شمسٌ على غُصُنٍ هام الفؤادُ بهَا ... يَا ويحَ قلبيَ من شمسٍ على غُصُنِ)
)
(وطالما غابَ عَن جفني لِزَوْرتها ... وجفن سَيفي غِرارُ النصل والوَسَنِ)
وَقَالَ عبد الصَّمد أَيْضا
(وربَّ بيضاءَ ريَّا الخِدر فاءَ لَهَا ... رَيعان من تَرفٍ غَضٍّ ورَيعانِ)
(طرقتُها والسُّرى والعزمُ قد شهرا ... وَهْناً غِرارينِ من جفني وأجفاني)
وَقَالَ التهامي فِي تِلْكَ الْمَادَّة أَيْضا
(وضاحكنَ نَوْرَ الأُقحوان فَقَالَ لي ... خليليَّ أيُّ الأُقحوانين أعجبُ)
(فقلتُ لهُ لَا فرقَ عِنْدِي وإِنَّما ... ثغورُ الغواني فِي المذاقَةِ أعذبُ)
وَمن شعر التهامي
(قَالُوا قُتِلْتَ بصارم من طرفه ... فِيمَا زعمتَ وَمَا نراهُ بِقانِ)
(فأجبتُ خيرُ البِيض مَا سفك الدّما ... فَمضى وَلم يتخضَّبِ الغَرْبانِ)
وَمِنْه
(لولاهُ لم يقضِ فِي أعدائهِ قَلَمٌ ... ومِخلبُ اللَّيْث لَوْلَا الليثُ كالظُّفُرِ)
(مَا صَلَّ إلاَّ وصلَّتْ بِيضُ أنصُلِهِ ... فِي الهامِ أَو أطّتِ الأرماحُ فِي الثُّغُرِ)
(وغادرتْ فِي العدى طَعنا يحف بِهِ ... ضرب كَمَا حفت الأعكان بالسُّرَرِ)
قلت وَمن هَذِه الْمَادَّة قَول الآخر
(خرقنا بأطراف القنا فِي ظُهُورهمْ ... عيُونا لَهَا وقعُ السيوفِ حواجبُ)(22/76)
وَقَالَ التهامي فِي الثريَّا والمجرَّة
(وللمجرَّة فَوق الأَرْض مُعْتَرَضٌ ... كأنَّها حَبَبٌ تطفو على نَهَرِ)
(وللثريَّا ركودٌ فَوق أَرحُلِنا ... كأنَّها قطعةٌ من فَرْوَة النَّمِرِ)
وَقَالَ
(يَحْكِي جنى الأَقحوانِ الغضِّ مَبْسِمُها ... فِي اللونِ والريحِ والتفليجِ والأشَرِ)
(لَو لم يكن أُقحواناً ثغرُ مبسمِها ... مَا كَانَ يزدادُ طِيباً ساعَةَ السَّحَرِ)
وَقَالَ
(كأنَّ على الجوِّ فضفاضةً ... مساميرها فضةٌ أَو ذهبْ)
(كأنَّ كواكبهُ أعينٌ ... تُراعي سنا الفجرِ أَو ترتقبْ)
)
(فلمَّا بدا صفَّقتْ هَيْبَة ... تُسَتِّر أحداقها بالشُّهُبِ)
(وشقَّتْ غلائلَ ضوء الصباحِ ... فَلَا هُوَ بادٍ وَلَا محتجبِ)
وَقَالَ
(كأنَّ سنانَ الرمْح سلكٌ لناظمٍ ... غَداة الوغى والدَّارِعون جواهرُ)
(تَرُدُّ أنابيبُ الرماح سواعداً ... وَمن زَرَدِ الماذيِّ فِيهَا أساورُ)
وَقَالَ
(هُوَ الطاعنُ النجلاءَ لَا يبلغ امرؤٌ ... مداها وَلَو أنَّ الرماحَ مسابرُ)
(يلبّيه من آل المفرّج إِن دَعَا ... أسودٌ لَهَا بيضُ السيوفِ أظافرُ)
(تراهُ لقرعِ البِيضِ بالبِيضِ مُصغياً ... كأنَّ صليلَ الباتراتِ مزاهرُ)
(وحفَّتْ بِهِ الآمالُ من كلِّ جانبٍ ... كَمَا حفَّ أرجاءَ العيونِ المحاجرُ)
وَله القصيدة الرائيَّة الْمَشْهُورَة الَّتِي رثى بهَا ابْنه وَقد سَارَتْ مسير الشَّمْس وَهِي(22/77)
(حكم الْمنية فِي الْبَريَّة جَار ... مَا هَذِه الدُّنْيَا بدار قَرَار)
(بَينا يرى الْإِنْسَان فِيهَا مُخبراً ... حتَّى يُرى خَبرا من الأَخبارِ)
(طُبِعَتْ على كَدَرٍ وَأَنت تريدها ... صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ)
(ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها ... متطلِّبٌ فِي الماءِ جَذوةَ نارِ)
(وَإِذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّما ... تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ)
(العيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ ... والمرءُ بَينهمَا خيالٌ سارِ)
(فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما ... أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ)
(وتراكضوا خيلَ الشبابِ وَبَادرُوا ... أَن تُسْتَرَدَّ فإنَّهنَّ عَوارِ)
(فالدهر يخدع بالمنى ويُغِصَّ إنْ ... هَنَّا ويهدم مَا بنى ببَوارِ)
(لَيْسَ الزمانُ وَإِن حرصتَ مسالماً ... خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ)
(إنِّي وُتِرْتُ بصارمٍ ذِي رَوْنَقٍ ... أعددتُه لطلابةِ الأوتارِ)
(أُثني عَلَيْهِ بأثرِهِ وَلَو أنَّهُ ... لَو يُغْتَبَط أثنيتُ بالآثارِ)
(يَا كوكباً مَا كانَ أقصرَ عمرَهُ ... وَكَذَا تكون كواكبُ الأسحارِ)
(وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ ... بَدْرًا وَلم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ)
)
(عَجِلَ الخُسوفُ عَلَيْهِ قبل أوانِهِ ... فغطَّاهُ قبل مَظِنَّةِ الإبدارِ)
(واستُلَّ من لأقرانِهِ ولداتِهِ ... كالمُقلَةِ استُلَّتْ من الأشفارِ)
(فكأنَّ قلبِي قبرُهُ وكأنَّهُ ... فِي طيِّهِ سِرٌ من الأسرارِ)
(إنْ تَحْتَقِرْ صغراً فربَّ مُفخَّمٍ ... يَبْدُو ضئيلَ الشَّخْص للنُّظَّارِ)
(إنَّ الكواكبَ فِي علوِّ محلِّها ... لَتُرى صِغاراً وَهِي غيرُ صغارِ)
(وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فَإِذا مضى ... بعضُ الْفَتى فالكلُّ فِي الآثارِ)
(أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً لهُ ... وُفِّقْتَ حينَ تركتَ ألأم دارِ)
(جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ ... شتَّانَ بَين جوارهِ وجواري)
(أَشْكُو بعادك لي وَأَنت بموضعٍ ... لَوْلَا الرَّدى لسمعتَ فِيهِ سِراري)
(مَا الشرقُ نَحْو الغرب أبعدَ شُقَّةً ... من بُعد تِلْكَ الخمسةِ الأشبارِ)
(هيهاتَ قد علِقتكَ أسبابُ الرَّدى ... وأبادَ عمرَك قاصمُ الأعمارِ)(22/78)
(وَلَقَد جريتَ كَمَا جريتُ لغايةٍ ... فبلغتَها وأبوكَ فِي المِضمارِ)
(فَإِذا نطقتُ فأنتَ أوَّلُ مَنطقي ... وَإِذا سكتُّ فَأَنت فِي إضماري)
(أُخفي من البُرَحاءِ نَارا مثلَ مَا ... يُخفي من النارِ الزنادُ الواري)
(وأُخفِّضُ الزَّفَراتِ وَهِي صواعدٌ ... وأُكفكفُ العَبَراتِ وَهِي جَوارِ)
(وأكُفُّ نيرانَ الْأسر ولربَّما ... غُلِبَ التصبُّرُ فارتمتْ بشَرارِ)
(وشهاب زَند الْحزن إِن طاوعتهُ ... وارٍ وَإِن عاصيتهُ متوارِ)
(ثوبُ الرئاءِ يشِفُّ عمَّا تحتهُ ... فَإِذا التحفتَ بهِ فإنَّكَ عارِ)
(قصُرَتْ جفوني أم تبَاعد بَينهَا ... أمْ صُوِّرَتْ عَيْني بِلَا أشفارِ)
(جَفَتِ الْكرَى حتَّى كأنَّ غِرارهُ ... عِنْد اغتماضِ الطّرف حدُّ غِرارِ)
(ولوِ استعارتْ رقدةً لدحا بهَا ... مَا بَين أجفاني من التيَّارِ)
(أُحيي ليَالِي التِّمِّ وَهِي تُميتُني ... ويُميتهنَّ تبلُّجُ الأسحارِ)
(والصبحُ قد غمرَ النجومَ كأنَّهُ ... سيلٌ كَمَا فطفا على النُوَّارِ)
(لَو كنتَ تُمنعُ خَاضَ دُونك فتيةٌ ... منَّا بُحُرَ عواملٍ وشِفارِ)
(فدَحَوْا فُويقَ الأرضِ أَرضًا من دمٍ ... ثمَّ انثنَوا فبنَوا سَمَاء غُبارِ)
)
(قومٌ إِذا لبسوا الدروع حسبتَها ... سُحُباً مُزَرَّرةً على أقمارِ)
(وَترى سيوفَ الدارعينَ كأنَّها ... خُلُجٌ تُمَدُّ بهَا أكفُّ بحارِ)
(لَو أشرعوا أَيْمَانهم من طولهَا ... طعنوا بهَا عِوَضَ القنا الخطَّارِ)
(شُوسٌ إِذا عدِموا الوغى انتجعوا لَهَا ... فِي كلِّ آنٍ نُجعَةَ الأمطارِ)
(جَنبُوا الجيادَ إِلَى المطيِّ فراوحوا ... بَين السُّرُوج هُنَاكَ والأكوارِ)
(وكأنَّهم ملأوا عِيابَ دروعهمْ ... وغُمودَ أنصُلِهم سرابَ قفارِ)
(وكأنَّما صَنَعُ السوابغِ غَرَّهُ ... ماءُ الحديدِ فصاغَ ماءَ قَرارِ)
(زَرَداً وَأحكم كلَّ مَوْصِلِ حلقةٍ ... بحَبابةٍ فِي مَوضِع المسمارِ)
(فتدرَّعوا بمتون ماءٍ راكدٍ ... وتقنَّعوا بحَباب ماءٍ جارِ)
(أُسْدٌ وَلَكِن يؤثرون بزادهمْ ... والأُسدُ لَيْسَ تدين بالإيثارِ)
(يتعطَّفونَ على المُجاورِ فيهمُ ... بالمُنْفِسات تعطُّفَ الآظارِ)(22/79)
(يتزيَّنُ النادي بحُسن وجوههمْ ... كتزيُّنِ الهالات بالأقمارِ)
(من كلِّ مَن جعل الظُّبى أنصارَهُ ... وكَرُمْنَ فاستغنى عنِ الأنصارِ)
(والليثُ إِن ساورْتَهُ لم يَتِّكِل ... إلاَّ على الأنيابِ والأظفارِ)
(وَإِذا هُوَ اعتقل القناةَ حسبتَها ... صِلاًّ تأبَّطَهُ هِزَبْرٌ ضارِ)
(زَرَدُ الدِّلاصِ من الطِّعان برمحهِ ... مثل الأساور فِي يَد الإسوارِ)
(ويجرُّ ثمَّ يجرُّ صعدَةَ رمحِهِ ... فِي الجحفلِ المتضايقِ الجرَّارِ)
(مَا بَين ثوبٍ بالدماء مُضَمَّخٍ ... خَلَقٍ ونقعٍ بالطِّراد مُثارِ)
(والهُونُ فِي ظِلِّ الهُوَيْنا كامنٌ ... وجلالةُ الأخطارِ فِي الإخطارِ)
(تندى أسِرَّةُ وجههِ ويمينهُ ... فِي حالةِ الإعسارِ والإيسارِ)
(يحوي المعاليَ خالِباً أَو غَالِبا ... أَبداً يُدارى دونهَا ويُداري)
(ويمدُّ نَحْو المكرُماتِ أناملاً ... للرزقِ فِي أثنائهنَّ مجارِ)
(قد لاحَ فِي ليل الشَّبَاب كواكبٌ ... إِن أُمهلتْ آلتْ إِلَى الإسفارِ)
(وتلَهُّبُ الأحشاءِ شيَّبَ مَفْرقي ... هَذَا الضياءُ شُواظُ تِلْكَ النارِ)
(شابَ القَذالُ وكلُّ غصنٍ صائرٌ ... فَينانهُ الأحوى إِلَى الأزهارِ)
)
(والشبه منجذبٌ فلِمْ بيضُ الدُّمى ... عَن بيضِ مفرقهِ ذواتُ نفارِ)
(وتوَدُّ لَو جعلتْ سوادَ قلوبها ... وسوادَ أعينها خِضابَ عِذاري)
(لَا تنفر الظَّبيات منهُ فقد رَأَتْ ... كَيفَ اختلافُ النبت فِي الأطوارِ)
(شَيْئَانِ ينقشعان أوَّلَ وهلةٍ ... ظلُّ الشَّبَاب وصُحبةُ الأشرارِ)
(لَا حبَّذا الشيبُ الوفيُّ وحبَّذا ... شرخُ الشبابِ الخائنِ الغدَّارِ)
(وَطَري من الدُّنيا الشَّبَاب ورَوقهُ ... فَإِذا انْقَضى فقد انقضتْ أوطاري)
(قَصُرَتْ مسافتُهُ وَمَا حسناتُهُ ... عِنْدِي وَلَا آلاؤُهُ بقصارِ)
(نزداد همًّا كلَّما ازددنا غنى ... فالفقر كلُّ الفقرِ فِي الإكثارِ)
(مَا زَاد فَوق الزادِ خُلِّفَ ضائعاً ... فِي حادثٍ أَو وارثٍ أَو عارِ)
(إنِّي لأرحم حاسدِيَّ لحرِّ مَا ... ضمَّت صدورهمُ من الأوغارِ)
(نظرُوا صَنِيع الله بِي فعيونُهمْ ... فِي جنَّةٍ وَقُلُوبهمْ فِي نَار)(22/80)
(لَا ذنبَ لي قد رمتُ كتمَ فضائلي ... فكأنَّني بَرْقَعْتُ وجهَ نهارِ)
(وسترتها بتواضعي فتطلَّعَت ... أعناقها تعلو على الأستارِ)
(وَمن الرِّجَال مجاهلٌ ومعالمٌ ... وَمن النُّجُوم غوامضٌ ودراري)
(والناسُ مشتبهون فِي إيرادهمْ ... وتباينُ الأقوام فِي الإصدارِ)
(عَمْري لقد أوطأتُهم طُرُقَ العُلى ... فعمُوا وَلم يطأوا على آثاري)
(لَو أبصروا بعيونهم لاستبصروا ... لكنَّها عميتْ عَن الإبصارِ)
(أَلا سعَوا سعيَ الْكِرَام فأدركوا ... أَو سلّموا لمواقع الأقدارِ)
(ذهبَ التكرُّمُ والوفاءُ من الوَرَى ... وتصرَّما إلاَّ من الأشعارِ)
(وفشتْ جنايات الثِّقَات وغيرهمْ ... حتَّى اتَّهمنا رؤيةَ الأبصارِ)
(ولربَّما اعتضد الحليمُ بجاهلٍ ... لَا خير فِي يُمنى بِغَيْر يسارِ)
ورثى ابْنه بقصيدة أُخْرَى رائية أوَّلها
(أَبَا الْفضل طَال اللَّيلُ أم خانني صبري ... فخُيِّلَ لي أنَّ الكواكبَ لَا تسري)
وَله فِيهِ غير ذَلِك وَمن شعره
(أبرزنَ من تِلْكَ الْعُيُون أسِنَّةً ... وهززْن من تِلْكَ الْقُيُود رماحا)
)
(يَا حبَّذا ذَاك السلاحُ وحبَّذا ... وقتٌ يكون الحُسنُ فِيهِ سِلَاحا)
(أَهْوى الْفَتى يُعلي جنَاحا فِي العلى ... أبدا ويخفض للجليس جنَاحا)
(وأُحِبُّ ذَا الْوَجْهَيْنِ وَجها فِي الندى ... نَدِياً ووجهاً فِي اللِّقَاء وَقاحا)
وَمِنْه
(يَرْمِي الكتيبَةَ بِالْكتاب إليهمُ ... فيرون أحرفهُ الخميسَ كفاحا)
(مِن نِقْسِهِ دُهماً وَمن ميماتهِ ... زَرَداً وَمن أَلِفاتهِ أرماحا)
وَمِنْه(22/81)
(خليليَّ هَل من رقدةٍ أستعيرها ... لعلِّي بأحلام الْكرَى أستزيرها)
(وَلَو علمتْ بالطيف عاقتهُ دُوننَا ... لقد أفرطتْ بخلا بِمَا لَا يضيرها)
وَمِنْه
(تهيمُ ببدرٍ والتَّنَقُّلُ والنوى ... على البدرِ محتومٌ فَهَل أَنْت صابرُ)
(لهُ من سنا الفجرِ المُوَرَّدِ غُرَّةٌ ... وَمن حَلَكِ اللَّيْل البهيمِ غَدائرُ)
وَمِنْه
(وَكم رجلٍ أثوابه فَوق قدرهِ ... وَقد يُلْبَسُ السِّلْكُ الجمانَ الفرائدا)
(فَلَا يُعْجِبَنْ ذَا البخلِ كثرةُ مالهِ ... فإنَّ الشَّغا نقصٌ وَإِن كَانَ زَائِدا)
3 - (النَّهْرِي الْحَنْبَلِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الْمُبَارك أَبُو الْحسن النَّهْرِي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ البغداذي قَرَأَ على القَاضِي أبي يَعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الفرَّاء وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَكَانَ قيِّماً بالفرائض ودرَّس فِي حَيَاة شَيْخه وَكَانَ ظريفاً من ملاح البغادِدَة سمع من شَيْخه ابْن الفرَّاء وَمن أَحْمد بن أبي الْفضل المخبزي قَالَ محبُّ الدّين بن النجَّار وَمَا أظنُّه روى شَيْئا توفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (كَمَال الدّين بن الْأَعْمَى)
عَليّ بن مُحَمَّد بن المبارَك الأديب كَمَال الدّين بن الْأَعْمَى الشَّاعِر صَاحب المقامة الَّتِي فِي الْفُقَرَاء المجرَّدين روى عَن ابْن اللَّتِّي وَغَيره وَكَانَ شَيخا كَبِيرا من بقايا شعراء الدولة الناصرية انْقَطع فِي آخر عمره بالقليجيَّة وَكَانَ مقرئاً بالتُربةِ الأشرفية وَالْأَعْمَى وَالِده الشَّيْخ)
ظهير الدّين الضَّرِير النَّحْوِيّ الَّذِي كَانَ خطيب الْقُدس وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست مائَة
وَمن شعره(22/82)
(لَا تَحْسَبَنْ ذَاك العِذارَ بخدِّهِ ... شَعراً بدا لَك فِي الهَوَى لمَّا بدا)
(لكنَّهُ ماءُ الشبابِ بخدِّهِ ... هبَّتْ عَلَيْهِ صَبا الصِّبا فتجعَّدا)
3 - (خطيب الأنبار الْحَنَفِيّ ابْن الْأَخْضَر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يحيى بن شُعَيْب بن حسن الشَّيْبَانِيّ أَبُو الْحسن الْأَنْبَارِي بن الْأَخْضَر خطيب الأنبار تفقَّه على مَذْهَب أبي حنيفَة ببغداذ وَكَانَ ثِقَة نبيلاً وتوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة كَانَ ابْن الْأَخْضَر يَقُول رَأَيْت جدّ جدّي وَأَنا جدّ جدّ وَسمع ببغداذ فِي صباه من عُبيد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الفَرَضي وَعبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَهدي وَمُحَمّد بن أَحْمد بن رزق البزَّاز وَعلي بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بِشران وَغَيرهم
وحصَّل النّسخ وَالْأُصُول وعُمِّر طَويلا وحدَّث بِجَمِيعِ مرويَّاته وَمن شعره فِي الْمُقْتَدِي أَمِير الْمُؤمنِينَ
(يَا أيُّها الْمولى الإما ... مُ ومَن تُناطُ بِهِ الأُمورُ)
(يَا وَاحِدًا فِي المكرُما ... تِ فَمَا يعادلُهُ نظيرُ)
(مثلي يُعانُ على الزما ... نِ فَمَا بَقَى منِّي يسيرُ)
3 - (الحصّار المغربي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَبُو الْحسن الْفَقِيه الخزرجي الإشبيلي الفاسي الْمَعْرُوف بالحصَّار كَانَ إِمَامًا فَاضلا كثير التصنيف فِي أُصول الْفِقْه وصنَّف كتابا فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَالْبَيَان فِي تَنْقِيح الْبُرْهَان وأرجوزة فِي أصُول الدّين شرحها فِي أَربع مجلدات وتقريب المدارك فِي رفع الْمَوْقُوف وَوصل الْمَقْطُوع من حَدِيث مَالك اختصر فِيهِ بعض كتاب التَّمْهِيد لِابْنِ عبد البرّ وتوفِّي سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة
3 - (ابْن المعلِّم الحَمامي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان الْمَعْرُوف بِابْن المعلِّم أَبُو الْقَاسِم البغداذي هُوَ ابْن أبي عبد الله الْمُفِيد كَانَ وَالِده من شُيُوخ الشِّيعَة وَرُؤَسَائِهِمْ وتقدَّم ذكره فِي المحمّدين وَكَانَ عليٌّ هَذَا يلْعَب بالحمام توفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة(22/83)
)
3 - (سِبط الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْبَيْضَاوِيّ أَبُو الْقَاسِم البغداذي الشَّافِعِي سِبط القَاضِي أبي الطّيب طَاهِر بن عبد الله الطَّبَرِيّ كَانَ شابًّا فَاضلا صَالحا توفِّي سنة خمسين وَأَرْبع مائَة
3 - (الديناري النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْحسن الديناري بن أبي الْفَتْح النَّحْوِيّ كَانَ عَليّ ممَّن يُشار إِلَيْهِ فِي النَّحْو والأَدب درَّس النَّحْو ببغداذ بعد وَفَاة أبي الْقَاسِم الرَّقِّي وتوفِّي بِبَلَد النّيل سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (الحلِّي النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن السَّكُون الحلِّيّ أَبُو الْحُسَيْن من حِلِّة بني مزِيد بِأَرْض بابل كلن عَارِفًا باللغة والنحو حسن الْفَهم جيد النَّقْل حَرِيصًا على تَصْحِيح الْكتب لم يضع قطُّ فِي طِرسه إلاَّ مَا وعاه قلبه وَكَانَ ينظم الشّعْر قَالَ ياقوت وَحكى لي عَنهُ الفصيحُ بن عَليّ الشَّاعِر أنَّه كَانَ نُصَيْرِيًّا وَله تصانيف توفِّي فِي حُدُود سنة سِتّ وست مائَة وَقَالَ محبُّ الدّين بن النجَّار قَرَأَ النَّحْو على ابْن الخشَّاب واللغة على ابْن العصَّار وَقَرَأَ الْفِقْه على مَذْهَب الشِّيعَة وبرع فِيهِ وَكَانَ يدرِّسه وَذكر لي الْحسن بن معالي الحلِّيّ النَّحْوِيّ أنَّه كَانَ متديِّناً كثير الصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَفِيه سخاء ومروءة سَافر إِلَى مَدِينَة النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَأقَام بهَا وَصَارَ كَاتبا لأميرها ثمَّ قدم الشَّام ومدح السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَمن شعره
(خُذا من لذيذ العيشِ مَا رقَّ أَو صفا ... ونفسَكما عَن باعثِ الهمِّ فاصرِفا)
(ألمْ تعلما أنَّ الهمومَ قَواتلٌ ... وأحجَى الوَرَى من كَانَ للنَّفس مُنصِفا)
(خليليَّ إنَّ العيشَ بيضاءُ طفلةٌ ... إِذا رشفَ الظمآنُ رِيقتَها اشتفى)
(من المُشرقاتِ الآنساتِ كأنَّها ... سَقِيَّةُ بَرْدِيٍّ توسَّطتِ الحَفا)
3 - (الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُقبة بن همَّام أَبُو الْحسن(22/84)
الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي قدم بغداذ وحدَّث عَن الْخضر بن أبان وَغَيره قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة أَمينا توفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة
3 - (البسطامي الشَّافِعِي)
)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو الْحُسَيْن البسطامي قَرَأَ على القَاضِي أبي عبيد الله الصَّيْمَري وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِبَاب الطاق وَنظر المارستان العَضُدي وروى عَن خَاله بعض شعره توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن المغازلي الوَاسِطِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطيّب بن أبي يَعلى أَبُو الْحسن الجُلاّبي ابْن المغازلي الوَاسِطِيّ
سمع كثيرا وَكتب بخطِّه وحصَّل الأُصول وخرَّج التخاريج وَجمع مجموعات مِنْهَا الذيل على تَارِيخ وَاسِط لبَحْشَل ومشيخةٌ لنَفسِهِ وَكَانَ كثير الْغَلَط قَلِيل الْحِفْظ والمعرفة نزل إِلَى دجلة يتوضَّأ فَوَقع فِي المَاء وأُخرج من وقته مَيتا سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (زعيم الرؤساء ابْن جَهِير)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَهِير أَبُو الْقَاسِم بن أبي نصر الْوَزير زعيم الرؤساء أَخُو الْوَزير عميد الدولة ولي النّظر بديوان الزِّمَام بعد وَفَاة مُحَمَّد بن أَحْمد بن حُمَيلة صَاحب الدِّيوَان فَنظر فِيهِ أَربع عشرَة سنة إِلَى أَن عَزله الْمُقْتَدِي وَنظر بعد وَفَاة وَالِده فِي الْموصل وديار ربيعَة ثمَّ ورد الْعرَاق فِي وزارة أَخِيه أبي الْمَنْصُور ووزَرَ للمستظهر ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة أشهر وأيَّاماً وَنفذ سيف الدولة مَن أخذَه وَأَعَادَهُ إِلَى الحِلَّة فَأَقَامَ إِلَى أَن قُتل سيف الدولة فاستدعاه السُّلْطَان مُحَمَّد ووزر لَهُ إِلَى أَن توفّي سنة ثمانٍ وَخمْس مائَة وَكَانَ مَعْرُوفا بالحِلم والرزانة وجودة الرَّأْي وَالتَّدْبِير وحُسن التأتَّي
3 - (ابْن النَّقِيب الشهرستاني)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النَّقِيب الشهرستاني أَبُو الْحسن رُتّب نَائِب الْحِسْبَة ببغداذ عَن القَاضِي أبي الْعَبَّاس الكَرْخي وَكَانَ مشدِّداً وَكَانَت ولَايَته سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره
(خفِّفي يَا نفسُ عنِّي ... ويكِ كم هَذَا التَّجَنِّي)(22/85)
(واتركي الْجَهْل فقد ته ... وَينَ مِنْهُ كلَّ فنِّ)
(ودعي الْحِرْص مَعَ الآ ... مَال فِيهِ والتَّمنِّي)
(عَجَباً والموتُ يَأْتِي ... بَغتةً إذْ تطمئنِّي)
3 - (مجد الدّين بن المُطّلب الْكَاتِب)
)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُطّلب أَبُو المكارم ابْن أبي جَعْفَر بن أبي عبد الله بن الْوَزير أبي الْمَعَالِي قَرَأَ الأَدب وبرع فِيهِ وَسمع من مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الأرموي وَعبد الْخَالِق بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن يُوسُف وَأحمد بن عَليّ بن عَليّ بن السّمين وَأبي المعمَّر الْأنْصَارِيّ واقتنى كتبا ملاحاً بخطوط الْعلمَاء وصنَّف كتبا حسانا مِنْهَا كتاب الْإِيضَاح فِي اخْتِصَار كتاب الْإِصْلَاح لِابْنِ السّكيت رتَّبه على حُرُوف المعجم وَاخْتصرَ كتاب الغريبين للهَرَوي وسافر إِلَى الشَّام سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وتولَّى المناصب واتَّصل بالملوك وَكتب لتقيّ الدّين عمر ابْن شاهِنشاه بن أَيُّوب صَاحب حماة
وَكَانَ قيِّماً بالنحو واللغة كَاتبا بليغاً حسن الْخط
وَمن شعره
(تَحَلَّ لحاجتي واشدُدْ عُراها ... فقد أضحتْ بِمَنْزِلَة الضياعِ)
(إِذا أرضعتها بلِبان أُخرى ... أضرَّ بهَا مشاركةُ الرضاعِ)
3 - (ابْن الْأَثِير المؤرّخ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد العلاّمة عزّ الدّين أَبُو الْحسن بن الْأَثِير أبي الْكَرم الشَّيْبَانِيّ الجَزَري الْحَافِظ المؤرخ أَخُو مجد الدّين وضياء الدّين ولد بالجزيرة العمريَّة سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة تحوَّل بِهِ وبأخويه والدهم إِلَى الْموصل فَسَمِعُوا بهَا وَاشْتَغلُوا وَسمع بالموصل من الْخَطِيب أبي الْفضل ويحي الثَّقفي وَمُسلم بن عَليّ السِّيحي وَغَيرهم وَسمع ببغداذ لما سَار إِلَيْهَا رَسُولا من عبد الْمُنعم بن كُليب ويعيش بن صَدَقَة الْفَقِيه وَعبد الْوَهَّاب بن سُكينة وَكَانَ(22/86)
إِمَامًا نسَّابةً مؤرّخاً أخباريًّا أديباً نبيلاً محتشماً وبيته مأوى الطّلبَة أقبل آخر عمره على الحَدِيث وَسمع العالي والنازل حتَّى إنَّه سمع من أبي الْقَاسِم بن صَصْرَى وزين الأُمناء بِدِمَشْق وصنَّف التَّارِيخ الْمَشْهُور المسمَّى ب الْكَامِل على الْحَوَادِث والسنين وَاخْتصرَ الْأَنْسَاب للسمعاني وهذَّبه وَأفَاد فِيهِ أَشْيَاء وَهُوَ فِي مِقْدَار النّصْف أَو أقل وصنَّف كتابا حافلاً فِي معرفَة الصَّحَابَة وَجمع فِيهِ بَين كتاب ابْن مَنْدَه وَكتاب أبي نُعيم وَكتاب ابْن عبد البرّ وَكتاب أبي مُوسَى فِي ذَلِك وَزَاد وَأفَاد وَشرع فِي تَارِيخ الْموصل وحدَّث بِدِمَشْق وحلب وروى عَن الدُّبَيْثي والقُوصي شهَاب الدّين وَالْمجد بن أبي جَرَادَة ووالده أَبُو الْقَاسِم فِي تَارِيخه توفّي فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة)
ثَلَاثِينَ وست مائَة على قَول القَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ
3 - (ابْن النَّضر)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النَّضر أحد قُضَاة الصَّعِيد كَانَ عَالما أديباً نحويًّا روى عَنهُ من شعره ابْن بَرِّي النَّحْوِيّ وَعلي بن هبة الله بن عبد الصَّمد الكاملي وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم الْمُقْرِئ الكِيزاني وَمُحَمّد بن حسن بن يحيى الدَّاني الْحَافِظ وَذكره ابْن عرَّام فِي سيرة بني الْكَنْز وَأثْنى عَلَيْهِ الْعِمَاد الْكَاتِب قَالَ أَبُو الْحسن الْمَذْكُور أملقتُ سنة وَكنت أحفظ كتاب سِيبَوَيْهٍ وَغَيره عَن ظهر قلب حتَّى قلت إنَّ حِرْفَة الأَدب قد أدركتني فعزمتُ على أَن أَقُول شعرًا فِي وَالِي عَيْذابَ فأقمت إِلَى السَّحَر فَلم يساعدني القَوْل وأجرى الله الْقَلَم فَكتبت
(قَالُوا تعطَّفْ قُلُوب النَّاس قلتُ لهمْ ... أدنى من النَّاس عطفا خالقُ الناسِ)
(وَلَو علمتُ بسعيي أَو بمسألتي ... جدوى أتيتهمُ سعياً على الراسِ)
(لكنّ مثليَ فِي ساحات مثلهمُ ... كمَزجر الْكَلْب يرْعَى غفلةَ النَّاسِي)
(وَكَيف أبسط كفّي بالسؤال وَقد ... قبضتُها عَن بني الدُّنْيَا على الياس)
(تَسْلِيم أَمْرِي إِلَى الرَّحْمَن أمْثَلُ بِي ... من استلاميَ كفَّ البَرِّ والقاسي)
قَالَ فقنعت نَفسِي وَمَا أَقمت إلاَّ ثَلَاثَة أَيَّام وَورد كتاب وَالِي عَيْذب يولّيني فِيهِ خِطَّة الصَّعِيد وَزَادَنِي إخميم ولقّبني قَاضِي الْقُضَاة(22/87)
وَمن شعره
(يَا نفسُ صبرا واحتساباً إنّها ... غَمَرات أيامٍ تمرُّ وتنجلي)
(فِي الله هُلْكُكِ إِن هلَكتِ حميدةً ... وَعَلِيهِ أجرك فاصبري وتوكّلي)
(لَا تيأسي من روح ربِّك واحذري ... أَن تستقري بالقُنوط فتُحذَلي)
وَله ديوَان شعر وَبَنُو النَّضر بإسنا ولعلّه مِنْهُم
3 - (عَلَاء الدّين بن القلانسي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن بن الصَّدْر شرف الدّين القلانسي التَّمِيمِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي أَخُو القَاضِي جمال الدّين وَقد تقدّم ذكره ومحيي الدّين ولد سنة ثَلَاث وَسبعين وست مائَة وَتُوفِّي فجاءةً سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة تفقَّه وتأدَّب وَرَأس وتقدَّم وَكَانَ كيِّساً متواضعاً خدم موقِّعاً مُدَّة وَأخذ نوبَة قازان هُوَ وَبدر الدّين بن فضل الله وَابْن شُقير وَابْن الْأَثِير رهينة إِلَى الْبِلَاد أذْرَبيجان وَبَقِي معتقلاً مُدَّة ثمَّ تنكَّر وخلص محتالاً)
وهرب فَنُوديَ عَلَيْهِ فاختفى بتبريز شَهْرَيْن وسمى نَفسه يُوسُف وتوصّل إِلَى الْبِلَاد فِي زيِّ فَقير وَقدم فَأكْرمه نَائِب حلب وَبَعثه على الْبَرِيد وسرًّ بِهِ أَهله وَوصل فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبع مائَة وَولي نظر ديوَان الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُز وَنظر البيمارستان والتوقيع فِي الدَّست فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ جمال الدّين أَخذ وظائفه نظر الظَّاهِرِيَّة ودرّسها ودرّس العصرونية ووكالة بَيت المَال وَقَضَاء الْعَسْكَر مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ وتدريس الأمينية فَأعْطى ابْن أَخِيه القاضيَ أَمِين الدّين نظر الظَّاهِرِيَّة وتدريس العصرونية وَانْفَرَدَ هُوَ بِالْبَاقِي ثمَّ إِن الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُر تغيَّر عَلَيْهِ وصادره وَأخذ مِنْهُ جملَة وَلم يتْرك مَعَه إلاَّ تدريس الأمينية والظاهرية وَكَانَ أخيراً يعاني التقعير فِي كَلَامه وَكَانَ حسن الشكل وَالْوَجْه رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (الْمسند الرفّاء)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الْمسند الْمُقْرِئ المجوَّد الزَّاهِد العابد أَبُو الْحسن البغداذي الرفّاء هُوَ سبط الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بن الزجّاج فسمَّعَه كثيرا سمع جَامع المسانيد من ابْن أبي الدنيّة وجزء الْأنْصَارِيّ من عبد الله ابْن ورد صَاحب ابْن الْأَخْضَر وَمن البُخَارِيّ على أبي الْحسن الوُجوهي وَبَعض مُسْند الإِمَام أَحْمد من الشَّيْخ عبد الصَّمد بن أَحْمد وَمن جدّه وَأَجَازَ لَهُ من وَاسِط الشريف الدّاعي صَاحب ابْن(22/88)
الباقلاّني وحدّث ب جَامع المسانيد ثَلَاث مَرَّات وَأول مَا سمع مِنْهُ فِي سنة ثَلَاث وَسبع مائَة فرّ من رُؤْيَة الْمُنْكَرَات ببغداذ إِلَى قَرْيَة برفطا وَاشْترى أَرضًا كَانَ يستغل مِنْهَا كِفَايَته فلقَّن هُنَاكَ خلقا كتاب الله تَعَالَى
مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة أَو فِي الَّتِي تَلِيهَا أَكثر عَنهُ أَبُو الْخَيْر الذُّهلي وَأهل بغداذ
وَتُوفِّي ببرفطا فِي وسط سنة أَرْبَعِينَ وَسبع مائَة وَحمل إِلَى مَقْبرَة الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فَدفن بهَا وَكَانَ يعرف الْقرَاءَات السَّبع
3 - (ابْن الكازَروني)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الشَّيْخ الإِمَام المؤرّخ الأديب ظهير الدّين الكازروني ثمَّ البغداذي المعدَّل قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كتب إليَّ بمرويّاته عَام سبع وَتِسْعين وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب سنة سبع وَتِسْعين وست مائَة وَسمع من الْحَافِظ أبي عبد الله بن الدُّبَيْثي وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن اليوسفي وَغَيره وَله)
تَارِيخ وَله شعر
3 - (الدبّاغ الْمَالِكِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مسرور أَبُو الْحسن الْفَقِيه الدبّاغ الْمَالِكِي القيرواني كَانَ إِمَامًا عَاقِلا كثير الْحيَاء والورع والصيانة توفّي فِي حُدُود السِّتين وَالثَّلَاث مائَة
3 - (الْبَنْدَنِيجِيّ الصُّوفِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن ممدوح بن جَامع الشَّيْخ المعمَّر الْمسند أَبُو الْحسن الْبَنْدَنِيجِيّ ثمَّ البغداذي
كَانَ صوفياً بخانقان الشُّمَيْساطية حدّث غير مرّة ب صَحِيح مُسلم عَن أَحْمد بن عمر الباذبيني وبجامع التِّرْمِذِيّ عَن ابْن الهَينيّ وَقد كتبُوا لَهُ سَمَاعا سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة مِنْهُم عبد الْخَالِق النَّشْتَبري وَعبد الله بن(22/89)
أبي السعادات وَمُحَمّد بن السبّاك وَظهر لَهُ سَماع من مُحَمَّد بن الهَنِيّ بعد مَوته سنة ثمانٍ وَثَلَاثِينَ وَكَانَ يتعاسر على الطّلبَة وَيطْلب على الرِّوَايَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَله ثَلَاث وَتسْعُونَ سنة
بَقِي مُدَّة بوّاب دَار وكَالَة بغداذ وَسمع مُسْند ابْن رَاهَوَيْه من العزّ أَحْمد بن يُوسُف الأكّاف بإجازته من ابْن الخيِّر بن الطَّالقَانِي وَقيل سمع من ابْن الخيِّر سمعتُ عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق فِي مُدَّة آخرهَا سادس عشر شهر رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة بِقِرَاءَة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن طُغْريل وَأَجَازَ لي بخطّه سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة بِدِمَشْق وَكَانَ شَيخا طُوالاً وَيجْلس والقارورة مشدودة فِي وَسطه للبول
3 - (زين الدّين بن المنيِّر الْمَالِكِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أبي الْقَاسِم بن مُخْتَار بن أبي بكر القَاضِي زيد الدّين أَبُو الْحسن بن القَاضِي أبي الْمَعَالِي أَخُو القَاضِي العلاّمة نَاصِر الدّين ابْن المنيِّر تقدم ذكر أَخِيه
وَكَانَ هَذَا زين الدّين صَدرا جَلِيلًا محتشماً وافر الحُرمة مليح الصُّورَة حسن البِزَّة كَامِل الْفَضِيلَة ولي قَضَاء الثغر مُدَّة وَأفْتى وصنَّف ودرَّس قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين روى لنا الْأَرْبَعين السِّلفيَّة عَن يُوسُف بن المَخيلي وَولد سنة تسع وَعشْرين وست مائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَتِسْعين وست مائَة يَوْم عيد الْأَضْحَى وحدّث بِمَكَّة والثغر
3 - (الطَّبَرِيّ الْأَشْعَرِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الْمهْدي أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ المتكلّم الْأَشْعَرِيّ حصب الشَّيْخ أَبَا الْحسن)
وتخرَّج بِهِ وصنَّف التصانيف وتبحَّر فِي علم الْكَلَام وَهُوَ مصنِّف كتاب مُشكل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصِّفَات توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (محيي الدّين القرميسيني الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مهْرَان بن عَليّ بن مهْرَان الإِمَام محيي الدّين أَبُو الْحسن القرميسيني ثمَّ الإسكندري الْفَقِيه الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست مائَة وأتقن الْمَذْهَب وتأدب وَقَالَ الشّعْر وَأفْتى ودرَّس بالثغر وتخرَّج بِهِ جمَاعَة وَكَانَ ديِّناً صينا(22/90)
3 - (الْوَزير ابْن الْفُرَات)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْحسن بن الْفُرَات أَبُو الْحسن بن أبي جَعْفَر الْكَاتِب من أهل هُمَيْنيا قَرْيَة بَين بغداذ وواسط وَقَالَ الصولي هُوَ من قَرْيَة بابلا قريبَة من صَريفين تولّى أَمر الدَّوَاوِين أيّام المكتفي وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى المقتدر أَخِيه ووزيره الْعَبَّاس بن الْحسن بَقِي ابْن الْفُرَات على ولَايَته فَلَمَّا وَقعت فتْنَة ابْن المعتزّ وَقتل الْعَبَّاس ولاّه المقتدر الوزارة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وفوَّض إِلَيْهِ الْأُمُور كلَّها فَسَار بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَالْعَفو عَن الجُناة والإفضال وَكَانَ أَخُوهُ أَحْمد أكبر سنًّا مِنْهُ وَأَرْفَع طبقَة فِي الْآدَاب والعلوم وَأَبُو الْحسن هَذَا يتقدَّم أَخَاهُ فِي الْحساب وَالْخَرَاج وَله فِيهِ مصنَّف وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد أَبُو أَحْمد المُحَسِّن وَأَبُو نصر الْفضل وَالْحُسَيْن وعزل عَن الوزارة سنة تسع وَتِسْعين وَكَانَت وزارته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وأعيد إِلَى الوزارة ثَانِيًا بعد عزل عَليّ بن عِيسَى ثمَّ عزل وَكَانَت وزارته الثَّانِيَة سنة وَاحِدَة وَخَمْسَة أشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَولي حَامِد بن الْعَبَّاس ثمَّ إِنَّه أُعِيد إِلَى الوزارة مرّة ثَالِثَة وولَّى المحسِّن وَلَده أمرَ الدَّوَاوِين فَبسط يَده وصادر النَّاس وعذَّبهم حتَّى هَلَكُوا وجاهر الأكابر بالعداوة فعُزل أَبوهُ وَكَانَت وزارته الثَّالِثَة عشرَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَوصل الشُّعَرَاء فِي وزارته الثَّالِثَة بِعشْرين ألف دِرْهَم وَأطلق لطلاب الحَدِيث والآداب عشْرين ألف دِرْهَم وَكَانَ رجلٌ من أَرْبَاب الْحَوَائِج قد اشْترى خبْزًا وجبناً وَأكله فِي الدهليز فَبلغ الْوَزير فَأمر بِنصب مطبخ لمن يحضر من أَرْبَاب الْحَوَائِج وَلم يزل طول أَيَّامه وَمَا ردَّ أحدا قطُّ عَن حَاجَة إلاَّ وعلّق أمله إِمَّا يَقُول عاودني أَو أعوِّضك أَو تمهَّل قَلِيلا أَو شَيْئا من هَذَا وَكَانَ يُجري على خَمْسَة آلَاف من النَّاس وأقلُّ)
جاري أحدهم خَمْسَة دَرَاهِم وَنصف قفيز دَقِيق إِلَى مائَة دِينَار وَعشرَة أَقْفِزَة فِي كل شهر
وَمن شعره وَلم يُوجد لَهُ غَيرهمَا
(معذِّبتي هَل لي إِلَى الْوَصْل حيلةٌ ... وَهل لي إِلَى استعطاف قلبكِ من وَجه)(22/91)
(فَلَا خيرَ فِي الدُّنْيَا وَأَنت بخيلةٌ ... وَلَا خيرَ فِي وصلٍ يكون على كَرْهِ)
وَأورد لَهُ هِلَال بن المُحسِّن فِي كتاب الوزراء
(خليليَّ قد أمسيتُ حيران موجَعا ... وَقد بَان شَرخٌ للشباب فودَّعا)
(وَلَا بدَّ أَن أُعطي اللذاذة حقَّها ... وَإِن شَاب رَأْسِي فِي الهَوَى وتصلَّعا)
(إِذا كنتُ للأعمال غيرَ مُضيِّعٍ ... فَمَا حقُّ نَفسِي أَن أكون مضيَّعا)
وَكَانَ كثير الْمَوَاهِب والصلات وَإِنَّمَا فِي وزارته الثَّالِثَة سلّط ابْنه المحسِّن على النَّاس وَكَانَ سَبَب هلاكهما على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة المحسِّن ولمَّا قبض عَلَيْهِ سُلِّما إِلَى نازوك فَضرب عنق ابْنه وأحضر إِلَى أَبِيه فَلَمَّا رَآهُ ارتاع ثمَّ ضربت عنق أَبِيه وَحمل رأساهما إِلَى المقتدر وغُرِّق جسداهما ثمَّ بعد أيامٍ رمي برأسيهما فِي دجلة وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَلَاث مائَة
وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق البهلول لما أمسك بن الْفُرَات
(قل لهَذَا الْوَزير قولَ مُحِقٍّ ... بَثَّهُ النُصحَ أيَّما إبثاثِ)
(قد تقلَّدتَها ثَلَاثًا ثَلَاثًا ... وطلاقُ الْبَنَات عِنْد الثلاثِ)
وَفِيهِمْ يَقُول الصولي
(ذلَّل الدهرُ آل الفراتِ ... وَرَمَاهُمْ بفُرقةٍ وشتاتِ)
(لَيْت آلَ الفراتِ عُدُّوا جَمِيعًا ... قبلَ مَا قد رَأَوْهُ فِي الأمواتِ)
(فلَعَمري لراحةُ الْمَوْت خيرٌ ... من صغارٍ وذِلَّةٍ فِي الحياةِ)
(لم يزَالُوا للمُلك أنجُمَ عزٍّ ... وضياءٍ فَأَصْبَحت كاسفاتِ)
وَمِمَّا قيل فيهم
(يَا أَيهَا اللَحِزُ الضنينُ بمالهِ ... يحمي بتقطيبٍ قليلَ نوالهِ)
(أوَما رأيتَ ابْن الْفُرَات وَقد أَتَى ... إدبارُهُ من بعد مَا إقبالهِ)
(أيامَ تطرقُه السعادةُ بالمنى ... وينال مَا يهواهُ من آمالهِ)
)
(فَخَلا من النُّعمى وَأصْبح يشتكي ... أقياده ألماً على أغلالِهِ)
(وَكَذَا الزمانُ بأهلهِ متقلّبٌ ... فاسمح لما أعطيتَ قبل زوالهِ)(22/92)
روى ابْن النجّار فِي ذيله بِسَنَدِهِ إِلَى أبي النَّصر المفضَّل بن عَليّ الْأَزْدِيّ كَاتب المقتدر ومؤدّبه أَنه حضر مجْلِس أبي الْحسن بن الْفُرَات وَعَن يَمِينه أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الجرَّاح وَعَن يسَاره القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن يُوسُف وَقد تأخَّر حَامِد بن الْعَبَّاس عَن الْحُضُور فَقَالَ الْوَزير أتعلمون السَّبَب فِي تَأَخّر حَامِد فَقَالُوا لَا قَالَ ولكنَّني أعلم سَبَب ذَلِك انْصَرف البارحة مسَاء وداره بعيدَة فَأَبْطَأَ على جَارِيَته فلمَّا وصل استقبلته وقبَّلت جَبينه وَقَالَت يَا مولَايَ أقلقتني بتأخّرك فَمَا الَّذِي بطَّأ بك فَقَالَ مُوَافقَة الْوَزير أعزَّه الله على الْحساب فَقَالَت يَا مولَايَ حسابٌ فِي الدُّنْيَا وحساب فِي الْآخِرَة حمل الله عَنْك ثمَّ نزعت خفَّيه وقدَّمت نَعْلَيْه وأفرغت عَلَيْهِ دست ثِيَاب قد بخَّرتها وَأخذت ثِيَابه عَنهُ وقدَّمت إِلَيْهِ الطّهور فلمَّا صلى الْمغرب وعشاء الْآخِرَة قدَّمت إِلَيْهِ طبقًا تولَّت لغيبته ألوانه وَقد وقفت مَعَ الطبّاخة تحرِّياً لنظافتها وَأخذت تلقمه وتأكل مِنْهُ ثمَّ تولَّت غسل يَدَيْهِ وقدَّمت إِلَيْهِ الشَّرَاب وأصلحت عودهَا فَشرب ثَلَاثَة أَرْطَال وشربت مثلهَا واغتبقا فلمَّا أصبح دخل الْحمام وَخرج فسقته من الجلاّب بالثلج مَا قطع خماره وقدَّمت إِلَيْهِ طبقًا من المحمَّضات ألواناً طيّبة وَهُوَ الْآن يَأْكُل ثمَّ قَالَ غسل يَده وَلبس ثِيَابه ثمَّ قَالَ ركب وتوجَّه إِلَيْنَا ثمَّ لم يزل ينزله الطَّرِيق إِلَى أَن قَالَ هُوَ فِي الدهليز ثمَّ قَالَ يدْخل حَامِد فَرفع السّتْر وَدخل حَامِد فلمَّا رَأَيْنَاهُ مَا تمالكنا أَن ضحكنا فلمَّا سلَّم وَأخذ مَوضِع جُلُوسه قَالَ مَا الَّذِي أضحككم عِنْد مشاهدتي قُلْنَا صحّة حدس الْوَزير فَإِن شِئْت اقتصصناه فَقَالَ تفضَّلوا
فاقتصصنا مَا جرى بأسره فتحيَّر ثمَّ قَامَ على قَدَمَيْهِ وَحلف بِاللَّه جلّت أسماؤه لَوْلَا أنَّه يعلم أَن الْوَزير أعف خلق الله لقدَّرت أنَّها هِيَ حدَّثته مَا جرى فَمَا أخلَّ بشيءٍ مِنْهُ فَضَحِك الْجَمَاعَة فَالْتَفت الْوَزير إِلَى عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن مَا أَنْفَع الْأَشْيَاء للمخمور حتَّى ينجلي خماره فَقَالَ وَالله مَا عاقرتُ عَلَيْهَا وَلَا سكرت مِنْهَا وَلَا أعرف داءها وَلَا دواءها فَأَعْرض عَنهُ والتفت إِلَى القَاضِي أبي عمر فَقَالَ أيُّها القَاضِي أفتِنا فِيمَا سألْنا عَنهُ أَبَا الْحسن أعزَّه الله فَلم يجبنا فَقَالَ القَاضِي نعم أَطَالَ الله بَقَاء الْوَزير قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فانتهُوا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
(داوِ ماري من خُمارهِ ... بابنة الدنِّ وقارِهْ)(22/93)
(من شرابٍ خُسْرَوِيٍّ ... مَا تعنَّوا باعتصارِهْ)
(طبختهُ الشَّمْس لمّا ... بخل العِلجُ بنارِهْ)
فنرى وَبِاللَّهِ توفيقنا أَن من تنَاول مِنْهَا شَيْئا قطع بِهِ الْخمار وَكسر سَورته فَقَالَ الْوَزير لأبي الْحسن أما كنتَ بِهَذَا الْجَواب أولى للطف الكتّاب ودماثتهم وَلَكِن أَبى الله إلاَّ أَن يدلَّ على فضل قَاضِي الْقُضَاة ولطف نَفسه وَحسن استخراجه وَقُوَّة حسِّه وَكَمَال فتّوته
3 - (الشَّيْخ عَليّ بن نَبهَان)
عَليّ بن مُحَمَّد بن نَبهَان الشَّيْخ عَليّ بن الشَّيْخ مُحَمَّد شيخ بَيت جِبْرين شيخ الْبِلَاد الحلبية
تقدّم ذكر وَالِده فِي المحمدين لما مَاتَ وَالِده رَضِي الله عَنهُ جلس هُوَ مَكَانَهُ وحجّ سنة ثمانٍ وَأَرْبَعين أَو سنة سبع وَأَرْبَعين وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسعٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائةٍ فِي طاعون حلب فِي شهر ذِي الْقعدَة
3 - (اللبّان الدينَوَري)
عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر أَبُو الْحسن اللبّان الدَّينَوَري نزيل غَزْنَة أحد الجوّالين فِي الحَدِيث المعتنين فِي جمعه منع من الحَدِيث وَكَانَ ذَلِك فِي آخر عمره وَتُوفِّي سنة ثمانٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن بسّام البغداذي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر بن مَنْصُور بن بسّام أَبُو الْحسن البغداذي العَبَرْتاني الأخباري أحد الشُّعَرَاء البلغاء وَهُوَ ابْن أُخْت أَحْمد بن حمدون بن إِسْمَاعِيل النديم وَله هجاء خَبِيث واستفرغ شعره فِي هجاء وَالِده وهجاء جمَاعَة من الوزراء كالقاسم بن عبيد الله وَأبي جَعْفَر بن الزيّات وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ مَعَ فَصَاحَته وَبَيَانه لَا حظَّ لَهُ فِي التَّطْوِيل إِنَّمَا يحسن فِي المقاطيع وَهُوَ من بَيت كِتَابَة وَله من التصانيف أَخْبَار عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَكتاب المعاقرين وَكتاب مناقضات الشُّعَرَاء وَكتاب أَخْبَار الْأَحْوَص وديوان رسائله(22/94)
وَمن شعره)
(يَا من هجوناهُ فغنّانا ... أنتَ وحقِّ الله أهجانا)
وَقَالَ كنت أتعشّق خَادِمًا لخالي أَحْمد بن حمدون فقمتُ لَيْلَة لأدبَّ إِلَيْهِ فَلَمَّا قربت مِنْهُ لسعتني عقرب فصرخت فَقَالَ خَالِي مَا تصنع هَا هُنَا فَقلت جِئْت لأبول فَقَالَ صدقت فِي است غلامي وَقلت لوقتي
(وَلَقَد سريتُ مَعَ الظلامِ لموعدٍ ... حصَّلتُهُ من غادرٍ كذّابِ)
(فَإِذا على ظهر الطَّرِيق مُغِذَّةٌ ... سوداءُ قد عرفت أَوَان ذهابي)
(لَا بَارك الرحمنُ فِيهَا عقرباً ... دبّابةً دبَّتْ إِلَى دبّابِ)
فَقَالَ خَالِي قبَّحك الله لَو تركت المجون يَوْمًا لتركته فِي هَذَا الْحَال
وَقَالَ ابْن بسّام كنت أتقلَّد الْبَرِيد بقُمّ فِي أَيَّام عبيد الله بن سُلَيْمَان وَالْعَامِل بهَا أَبُو عِيسَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن خَالِد الْمَعْرُوف بأخي أبي صَخْرَة فأهدى إليَّ فِي لَيْلَة عيد الْأَضْحَى بقرة للأضحيّة فاستقللتها ورددتها وكتبت إِلَيْهِ
(كم من يدٍ لي إِلَيْك سالفةٍ ... وَأَنت بالحقّ غيرُ معترفِ)
(نفسُك أَهْدَيْتهَا لأذبحها ... فصنتُها عَن مواقع التلفِ)
وَله من قصيدة يهجو فِيهَا الكتّاب
(وعبدونَ يحكم فِي المسلمينَ ... وَمن مثله تُؤْخَذ الجاليَهْ)
(ودِهقانُ طيٍّ تولّى العراقَ ... وسقيَ الْفُرَات وزُرْفانيَهْ)
(وحامدُ يَا قوم لَو أمرُهُ ... إليَّ لألزمتهُ الزاويَهْ)
(نعم ولأرجعتهُ صاغراً ... إِلَى بيعِ رمّانِ خُسراويَهْ)
(أيا ربُّ قد ركب الأرذلونَ ... ورجليَ من بَينهم ماشيَهْ)
(فَإِن كنتَ حاملها مثلهمْ ... وَإِلَّا فأرجِلْ بني الزانيَهْ)
وَله فِي وزارة بني الْفُرَات
(إِذا حكم النَّصَارَى فِي الفروجِ ... وباهوا بالنِّعال وبالسروجِ)
(فَقل لِلْأَعْوَرِ الدَّجّال هَذَا ... أوانك إِن عزمت على الْخُرُوج)(22/95)
3 - (عَلَاء الدّين بن نصر الله)
عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر الله هُوَ الصاحب عَلَاء الدّين بن مُنتَجَب الدّين الْحلَبِي وَزِير صَاحب)
حماة وزَرَ لَهُ إِلَى أَن مَاتَ فِي الكهولة سنة أَربع وَسبعين وست مائَة كَانَ من الرؤساء الْأَعْيَان وَلزِمَ خدمَة الْملك النَّاصِر يُوسُف من حِين حُضُوره إِلَى دمشق وَكَانَ من جُلَسَائِهِ وندمائه وَكَاتب جَيْشه وَلما انْقَضتْ الدولة الناصرية توجّه إِلَى مصر وَأقَام بهَا وَكَانَ الظَّاهِر يعرفهُ فرسم لَهُ أَن لَا يخرج من مصر فَكتب الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة إِلَى الظَّاهِر يسْأَل تَجْهِيزه إِلَيْهِ ليرتّبه وَزِير حماة فَأرْسل إِلَيْهِ ووصّاه بِهِ فَأَقَامَ بحماة هُوَ وَأَهله فَأحْسن الْمَنْصُور صَاحب حماة إِلَيْهِم وَولي بعده صفي الدّين نصر الله
3 - (ابْن هَارُون الثَّعْلَبِيّ الْمسند نور الدّين)
عَليّ بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون بن عَليّ بن حمد الثَّعْلَبِيّ الدِّمَشْقِي نزيل الْقَاهِرَة الشَّيْخ الْمُقْرِئ المحدِّث الصَّالح المعمَّر الْمسند نور الدّين أَبُو الْحسن كَانَ قَارِئ العامّة ولد سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسبع مائَة سمع حضوراً فِي الرَّابِعَة وَفِي الْخَامِسَة من ابْن صبّاح وَابْن الزَّبيدي والناصح الْحَنْبَلِيّ وَسمع من الْفَخر الإربلي والمُسلَّم الْمَازِني ومُكرَم بن أبي الصَّقر وعدّة وروى الْكثير وتفرّد فِي وقته وَأكْثر عَنهُ الطّلبَة والرحّالة وَكَانَ خيِّراً ناسكاً متواضعاً طيِّب الْقِرَاءَة محبَّباً إِلَى العامّة خرّج لَهُ العلاّمة تَقِيّ الدّين قَاضِي الْقُضَاة السُّبكي مشيخةً وَسمع مِنْهُ البرزالي وَفتح الدّين بن سيِّد النَّاس وَالشَّيْخ شمس الدّين وَهُوَ آخر من سمع من ابْن صبّاح
3 - (ثِقَة الدولة بن الْأَنْبَارِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى أَبُو الْحسن الدُّرَيني ثِقَة الدولة بن الْأَنْبَارِي كَانَ خصيصاً بِالْإِمَامِ المقتفي بنى مدرسة للشَّافِعِيَّة على شاطئ دجلة بِبَاب الأزج وَإِلَى جَانبهَا رِبَاطًا للصوفية وأوقف عَلَيْهِمَا وقوفاً حَسَنَة سمع من النَّقِيب طِراد بن مُحَمَّد الزَّينبي وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَلْحَة النعالي وَأبي الْخطاب(22/96)
نصر بن أَحْمد بن البَطِر ولد سنة خمس وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَكَانَ خيِّراً كثير الصَّدَقَة وَكَانَ يخْدم أَبَا نصر الإبَري وزوّجه ابْنَته شُهْدَة وَمن شعره
(أَلا هَل لأيام الصِّبا من يعيدُها ... فيطربَ صبٌّ بالغضا يستعيدُها)
(وَهل عذبات الدَّوح من رمل حاجرٍ ... يمِيل إِلَى نَوحي مَعَ الوُرق عودُها)
(سقى الله أيّامي بهَا كل مُزنةٍ ... تَصوبُ ثراها بالحيا وتجودُها)
)
(وردَّ ليالينا بجرعاءِ مالكٍ ... فقد طَال مَا ابيضَّت من الْعَيْش سودُها)
3 - (الزيدي الْكُوفِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن يحيى يتَّصل بالحسين ابْن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو الْقَاسِم الزيدي الحُسيني الْكُوفِي قدم بغداذ ومدح المقتفي لأمر الله والوزير ابْن هُبَيْرة
وَمن شعره لما نُكب الْعَزِيز عمّ الْعِمَاد الْكَاتِب
(بني حامدٍ إِن جَار دهرٌ أَو اعْتدى ... عليكمْ فكم للدهر عندكمُ وتْرُ)
(أجرتمْ عليهِ مَن أخافتْ صروفُهُ ... فَأصْبح يستقضيكمُ ولهُ العُذرُ)
وَمِنْه
(أجرني على الدهرِ فِيمَا بقى ... بقيتَ فَمَا قد مضى قد مضى)
(فلستُ أُبَالِي بسُخط الزَّمَان ... وأنتَ تراني بِعَين الرضى)
وَمِنْه
(خلعتُ فِي حبِّه عِذاري ... لِلُبسهِ خِلعةَ العِذار)
(كَأَنَّهَا إذْ بَدَت عَلَيْهِ ... خطّةُ ليلٍ على نَهَار)
وَمِنْه
(لله معسولُ الثنايا واضحٌ ... مجدولُ مَا تحوي الغلائلُ أهيفُ)
(ظلمتْ محيّاه اللحاظُ بِمَا جنتْ ... فِيهِ فآلى أنّه لَا يُنصف)
(أنكرتُ قلبِي حِين أنكر ودُّهُ ... وعرفتُ فِي حُبِّيه من لَا أعرفُ)(22/97)
3 - (القَاضِي زكي الدّين الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن بن أبي الْمَعَالِي بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن بن أبي مُحَمَّد زكيْ الدّين القُرَشي كَانَ قَاضِي دمشق هُوَ وَأَبوهُ وجده وَكَانَ فَقِيها خيِّراً ديِّناً مَحْمُود السِّيرَة استعفى من الْقَضَاء وحجّ من بغداذ وَعَاد إِلَيْهَا فأدركه الْمَوْت بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَولد بِدِمَشْق سنة سبع وَخمْس مائَة وَسمع بِدِمَشْق من هبة الله بن أَحْمد بن الْأَكْفَانِيِّ وَعبد الْكَرِيم بن حَمْزَة الحدّاد وطاهر بن سهل الإِسْفِرَايِينِيّ وَغَيرهم وَسمع ببغداذ وَلم يغمص فِي ولَايَة الْقَضَاء بِشَيْء رَحمَه الله)
تَعَالَى
3 - (وَاقِف الشميساطية)
عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم السُّلَمي الحُبيشي الْمَعْرُوف بالشُّميساطي وَاقِف الخانقاه وقبره بهَا روى عَن أَبِيه وَغَيره توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَدفن بداره ووقفها على الصوفيّة ووقف علوَّها على الْجَامِع نقلت من خطِّ عَلَاء الدّين الوادعي مَا كتبه على حَائِط الخانقاه الشميساطية
(يَا سالكاً طُرُقَ التصوّف وَالَّذِي ... يَبْغِي نزولَ خَوانكِ النسّاكِ)
(مَا مثلُ منزلةِ الدُّوَيْرَةِ منزلٌ ... يَا دارُ جادكِ وابلٌ وسقاكِ)
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور مقدَّماً فِي علم الْهَيْئَة والهندسة وفاضلاً فِي فنون يعرفهَا رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (ضِيَاء الدّين الغرناطي)
عَليّ بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عفيف ضِيَاء الدّين أَبُو الْحسن الخَزْرَجي الغرناطي الصُّوفِي الشَّاعِر ينتسب إِلَى سعد بن عبَادَة وَقَالَ الشّعْر على طَرِيق محيي الدّين بن عَرَبِيّ وَله مدائح مُؤْنقة فِي النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وأضرَّ بأخَرَة وزَمن وعُمِّر وروى عَنهُ الدِّمياطي والبِرزالي وَكَانَ مقَامه بالإسكندرية توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست مائَة(22/98)
3 - (العُطاردي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن العُطاردي البغداذي شَاعِر مدح عضد الدولة وقاضي قُضَاة أَبَا مُحَمَّد بن مَعْرُوف وَجَمَاعَة من الْمُلُوك والوزراء وَكَانَ مَاجِنًا مزّاحاً يعاشر الْأَحْدَاث ويحضر مجْلِس قَاضِي المُردان وَيعْمل أشعار الهَتف وَمن شعره
(انْظُرْ إِلَى دجلةَ مستظرفاً ... سكونَها والقمرَ الساري)
(كأنّها من فضةٍ وَسْطَها ... ساقيةٌ من ذهبٍ جاري)
وَمِنْه
(كأنّما دجلةُ والجسرُ وَمَا ... مُدَّ من السُّفْن لَهُ حتَّى وقَف)
(خيلٌ على مِذْوَدِها مربوطةٌ ... رافعةٌ رؤوسها من العَلَفْ)
3 - (الشمشاطي)
)
عَليّ بن مُحَمَّد الشِّمشاطي بالشين الْمُعْجَمَة مرْتين وَبَينهمَا مِيم وَبعد الْألف طاء وَهِي من بِلَاد إرمينية من الثغور كَانَ معلِّم أبي تغلب بن نَاصِر الدولة بن حمدَان وأخيه ثمَّ نادمهما
وَهُوَ شَاعِر مصنِّف مُفِيد وَاسع الرِّوَايَة قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَفِيه تزيّد كَذَا كنت أعرفهُ قَدِيما وَقيل إِنَّه ترك كثيرا من أخلاقه عِنْد علوّ سنّه وَهُوَ يحيا فِي عصرنا سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة قَالَ ياقوت وَكَانَ رَافِضِيًّا دجّالاً يَأْتِي فِي كتبه بالأعاجيب من أَحَادِيثهم
وَمن تصانيفه كتاب النُزَه والابتهاج وَكتاب الْأَنْوَار فِي المُلح والتشبيهات والأوصاف وَكتاب الديارات كتاب أَخْبَار أبي تَمام كتاب الْعلم كتاب المثلَّث الصَّحِيح كتاب تَفْضِيل أبي نواس على أبي تمّام
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم المنجِّم الرَّقّي يهجوه(22/99)
(حفُّ خديكَ دلَّ يَا شمشاطي ... أنَّهُ دَائِم لغير لِواطِ)
(وانبساطُ الغلامِ يُعلمُني أنّ ... كَ تحتَ الغلامِ فوقَ الْبسَاط)
(وشروطٍ صبرت كُرهاً عَلَيْهَا ... لَا لَهَا بلْ لِلَذَّة المشراطِ)
قَالَ الشمشاطي كُنَّا لَيْلَة عِنْد أبي تغلبَ بن حمدَان وَعِنْده جمَاعَة بَعضهم يلْعَب بالنرد وَالسَّمَاء تهطل حتَّى مضى هزيع من اللَّيْل فَقَالَ أَبُو البركات لفتح بن نظيف يَا فتحُ كم قد مضى من اللَّيْل فَقلت لَهُ هَذَا نصف بَيت شعر فَقَالَ لبَعض من فِي حَضرته أتِمَّه فَقَالَ هَذِه قافية صعبة لَا تطّرِد إلاَّ أَن تجْعَل بدل الْيَاء واواً فعملتُ فِي الْوَقْت
(يَا فتح كم قد مضى من الليلِ ... قُلْ وتجنَّبْ مقالَ ذِي المَيْلِ)
(فعارضُ النّوم مُسْبِلٌ خُمُراً ... وعارضُ المُزن مسبلُ الذَّيْلِ)
(والليلُ فِي الْبَدْر كالنهار إِذا ... أضحت وَهَذَا السَّحابُ كالليلِ)
(يسكبُ دمعاً على الثرى فترى ال ... ماءَ بكلّ الدروب كالسَّيْلِ)
(والنردُ تُلهي عَن الْمَنَام إِذا ال ... فصوصُ جالت كجولة الخَيْلِ)
(إِذا لذيذُ الكَرى تدافعَ عَن ... وقتِ رُقادٍ أضرَّ بالحَيْلِ)
(إنَّ أَمِير الهيجاء فِي مأزِقِ ال ... حربِ الهمامُ الجوادُ والقَيْلِ)
(من حزبُهُ السعدُ طالعٌ لهمُ ... وحربُهُ موقنون بالوَيْلِ)
(نجيبُ أمٍّ لم تَغْذُهُ سيِّئ ال ... قَسْمِ وَلَا أَرْضَعَتْه من غَيْلِ)
)
(يحملُ أعباءَ كلِّ مُعضلةٍ ... تجلُّ أَن تُستقلَّ بالشَّيْلِ)
(أموالُهُ والطعامُ قد بُذِلا ... لآمِليهِ بِالْوَزْنِ والكَيْلِ)
(جاوزَ عَمْراً بَأْسا وقصَّر عَن ... جود يَدَيْهِ الضَّحيان والسَّيل)
(لَا زَالَ فِي نعمةٍ مجدَّدةٍ ... يشربُ صفوَ الغبوقِ والقَيْلِ)
وَقَالَ فِي رُمّانة
(يَا حُسنَ رُمّانةٍ تقاسمها ... كلُّ أديبٍ بالظَّرفِ منعوتِ)
(كأنَّها قبل كسرهَا كُرَةٌ ... وَبعد كسرٍ حبّاتُ ياقوتِ)(22/100)
3 - (الطاهري)
عَليّ بن مُحَمَّد الطاهري من ولَدِ الشاه بن مكيال كَانَ ظريفاً أديباً طيبا مفاكهاً فِي نِهَايَة الظَّرف والنظافة يسْلك مَسْلَك أبي العَنْبَس الصَّيْمَري فِي تصانيفه
لَهُ من التصانيف كتاب دَعْوَة التجّار كتاب فَخر الْمشْط على الْمرْآة كتاب حَرْب الجُبن مَعَ الزَّيْتُون كتاب الرُّؤْيَا كتاب اللَّحْم والسمك كتاب عجائب الْبَحْر كتاب قصيدة وَخيَار يَا مكانس وَمن شعره
(فُؤَادِي عليلٌ وجسمي نحيلُ ... وليلي طويلٌ ونومي قليلُ)
(وقلبي عليلٌ ودائي دخيلُ ... وسُقمي دليلٌ على مَا أقولُ)
(وطَرفي كليلٌ فَمَا لي مَقيلُ ... وأمري جليلٌ فصبري جميلُ)
3 - (أَبُو الْقَاسِم الإسكافي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم الإسكافي النَيْسابوري بَاشر التَّأْدِيب والتدريس ذكره الثعالبي وَأثْنى عَلَيْهِ وَكَانَ أعلم النَّاس بطرِيق التدريج إِلَى التَّخْرِيج وحرَّر مُدَيْدَةً فِي بعض الدَّوَاوِين فَخرج مُنْقَطع القرين وَقَالَ فِيهِ الهُزَيْمي
(سبقَ الناسَ بَيَانا فغدا ... وَهُوَ بالإجماعِ بِكرُ الفَلَكِ)
(أصبح المُلكُ بِهِ مُتَّسِقاً ... لسيل المُلك عبد الْملك)
هُوَ عبد الْملك بن نوح آخر مُلُوك بني سامان وَكتب فِي ديوَان الرسائل لأبي عبد الله الحُسين بن العميد الْمَعْرُوف بكُله وَهُوَ وَالِد أبي الْفضل بن العميد وَكَانَ الِاسْم للعميد وَالْعَمَل لأبي الْقَاسِم فَقَالَ فِيهِ بعض مُجّان الحَضْرة)
(تَبَظْرم الشَّيْخ كُلَهْ ... وَلست أرْضى ذَاك لَهْ)
(كأنَّهُ لم يَرَ مَنْ ... أُقْعد عنهُ بَدَلَهْ)
(وَالله إِن دَامَ على ... هَذَا الجنونِ والبَلَهْ)
(فإنَّهُ أوَّلُ من ... يُنْتَف مِنْهُ السَّبَلَهْ)(22/101)
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يهجوه فَقَالَ فِيهِ وَكَانَ يحضر الدِّيوَان فِي مِحَفَّة لأثر النِّقْرِس بِهِ
(يَا ذَا الَّذِي ركب المِحَ ... فَّةَ جَامعا فِيهَا جِهازَهْ)
(أتُرى الزمانَ يُعيشُني ... حتَّى يُرينها جِنازَه)
فَلم تطل الْأَيَّام حتَّى أدْركْت العميد منيَّتُه وَبلغ أَبُو الْقَاسِم أمنيَّتَه وتولّى الْعَمَل بِرَأْسِهِ وَكَانَ من أكتب النَّاس فِي السلطانيات فَإِذا تعاطى الإخوانيات كَانَ قصير الباع وَكَانَ يُقَال إِذا اسْتعْمل أَبُو الْقَاسِم نون الْكِبْرِيَاء تكلّم من السَّمَاء وَلما مَاتَ رثاه الهُزَيمي الأبيوردي فَقَالَ
(ألمْ تَرَ ديوانَ الرسائلِ عُطِّلت ... لفِقدانه أقومهُ ودفاتِرُهْ)
(كثغرٍ مضى حاميه لَيْسَ يَسُدُّه ... سواهُ وكالكسرِ الَّذِي عزَّ جابرُهْ)
(ليبكِ عَلَيْهِ خطُّهُ وبيانهُ ... فَذا مَاتَ واشيهِ وَذَا مَاتَ ساحرهْ)
حُكي أَن الحَميد أمره يَوْمًا أَن يكْتب كتابا إِلَى بعض الْأَطْرَاف وَركب متصيّداً واشتغل أَبُو الْقَاسِم بِمَجْلِس أنس عقده لأَصْحَابه وَرجع الحميد من صَيْده وَطلب الْكتاب فَأجَاب داعيه وَقد أَخذ مِنْهُ الشَّرَاب وَمَعَهُ طومارٌ بياضٌ أوهم أَنه مَكْتُوب بِمَا رسم بِهِ لَهُ وَقعد بَعيدا عَنهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ كتابا طَويلا بليغاً سديداً أنشأه عَن ظهر قلب فارتضاه الحميد وَهُوَ يظنّ أَنه قَرَأَهُ من سَواد فَرجع إِلَى منزله وَكتب مَا أَرَادَ وختمه وسفَّرَه
3 - (ابْن الخلاّل الْكَاتِب)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن بن الخلاّل الأديب النَّاسِخ صَاحب الْخط الْمليح والضبط الصَّحِيح معروفٌ مَشْهُور بذلك توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (أَبُو الْحسن الْهَرَوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْهَرَوِيّ وَالِد أبي سهل مُحَمَّد بن عَليّ الْهَرَوِيّ الَّذِي كَانَ يكْتب الصَّحاح تقدّم ذكره وَكَانَ أَبُو الْحسن هَذَا(22/102)
عَالما بالنحو إِمَامًا فِي الْأَدَب جيّد الْقيَاس صَحِيح القريحة حسن الْعِنَايَة بالأدب وَكَانَ مُقيما بالديار المصرية وَله تصانيف مِنْهَا كتاب)
الذَّخَائِر فِي النَّحْو أَربع مجلدات وَكتاب الأزْهِيَة فِي العوامل والحروف وهما كِتَابَانِ جليلان
3 - (الْأَهْوَازِي النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْأَهْوَازِي النَّحْوِيّ الأديب قَالَ ياقوت رَأَيْت لَهُ كتابا فِي علل الْعرُوض نَحْو عشر كريريس ضيّقة الْخط جيدا فِي بَابه غَايَة وَلَا أعرف من حَاله غير هَذَا
3 - (الخَيْطالُ بن السيِّد)
عَليّ بن مُحَمَّد بن السيِّد البَطَلْيوسي أَبُو الْحسن ويُعرف بالخَيطال بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة والطاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف لَام وَهُوَ أَخُو أبي مُحَمَّد عبد الله بن السَّيِّد النَّحْوِيّ وَقد تقدّم ذكره فِي مَكَانَهُ روى عَن أبي بكر بن الْغُرَاب وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن يُونُس وَغَيرهمَا أَخذ عَنهُ أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد كثيرا من كتب الْأَدَب وَغَيرهَا وَكَانَ مقدَّماً فِي علم اللُّغَة وحفظها وضبطها وَمَات معتقلاً بقلعة رَباح من قبل ابْن عُكاشة قائدها سنة ثمانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (الْأَخْفَش النَّحْوِيّ)
عَليّ بن مُحَمَّد الْأَخْفَش النَّحْوِيّ قَالَ ياقوت لم أجد ذكره إِلَّا على كتاب الفصيح بِخَط عَليّ بن عبد الله بن أخي الشيبة العَلوي بِمَا صورته حَذَق عليَّ هَذَا الْكتاب وَهُوَ كتاب الفصيح أَبُو الْقَاسِم سُلَيْمَان بن الْمُبَارك الخاصَّةُ الشَرَفي أدام الله أيّامه من أَوله إِلَى آخِره قِرَاءَة فهمٍ وَتَصْحِيح وقرأت أَنا على عليّ بن عُميْرة رَحمَه الله فِي محلّة بَاب الْبَصْرَة عِنْد الْمَسْجِد الْجَامِع الْكَبِير وَقَرَأَ هُوَ على أبي بكر بن مِقْسمٍ النَّحْوِيّ عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب وَكتب عليّ بن مُحَمَّد الْأَخْفَش النَّحْوِيّ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة عَرَبِيَّة(22/103)
3 - (الوزّان الحلبيّ النحويّ)
عَليّ بن مُحَمَّد الوزّان النَّحْوِيّ أَبُو الْحسن الْحلَبِي سمع مِنْهُ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المُحسِّن التَّنوخي قَالَ ياقوت وَأَظنهُ كَانَ فِي زمن سيف الدولة بن حمدَان وَله كتاب فِي الْعرُوض
3 - (الْأَسدي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْأَسدي قَالَ محبّ الدّين بن النجّار قرأتُ فِي كتاب أبي الْوَفَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحُصين بِخَطِّهِ قَالَ أنشدنا الرئيس الأديب ذُو البراعتين أَبُو الْحسن عَليّ)
بن مُحَمَّد الْأَسدي لنَفسِهِ
(يَا فاضحَ الغُصن الرطي ... بِ تنعُّماً من رَطبِهِ)
(ومُعيرَ قلبِي بالغرا ... مِ تلهُّفاً من هجرِهِ)
(أَلا عطفتَ على الغري ... بِ مُسلِّماً فِي حُبِّهِ)
(فَهَبِ الْفَتى هِبة الكرا ... مِ تعطُّفاً من وِزْرِهِ)
3 - (الخبّازي الْمُقْرِئ)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن النَّيْسابوري الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بالخبّازي صَاحب التصانيف توفّي سنة ثمانٍ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
3 - (الْعلوِي)
عَليّ بن مُحَمَّد الْعلوِي أَنْشدني العلامةُ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(رأيتُ لسانَ الْمَرْء رائدَ عقلِهِ ... وعنوانَهُ فَانْظُر بِمَاذَا يُعَنْوَنُ)
(فَلَا تعدُ إصلاحَ اللسانِ فإنَّهُ ... يخبِّر عمّا عندهُ ويُبَيِّنُ)
(ويعجبني زِيُّ الْفَتى وجمالُهُ ... فيسقطُ من عينيَّ ساعةَ يلحَنُ)
3 - (السِّنبِسي)
عَليّ بن مُحَمَّد السِّنبسي شَاعِر مدح المستظهر بِاللَّه بقصيدة أَولهَا
(نَادَى الرحيلَ مُنَادِي الحيّ فابتكروا ... كَادَت لذاك حصاةُ القلبِ تنفطرُ)
(ثمَّ استقلّوا فَلم أملك غداةَ نَأَوْا ... نُطقاً لديهم فَكَانَ المُخبرَ النَظَرُ)
(أُبدي الَّذِي كَانَت الأسرارُ تُضمِرُهُ ... يومَ الرحيلِ بدمعٍ فيضُه دِرَرُ)
3 - (الْمَدَائِنِي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي مدح الْإِمَامَيْنِ المستظهر(22/104)
والمسترشد وَعَامة أَرْبَاب دولتيهما وَمن مديحه فِي المستظهر
(ليلُ ذِي الوجدِ ألْيَلُ ... والمَصوناتُ أقتلُ)
(وَكَذَا الراحُ راحةٌ ... وَهوى الغيد أميلُ)
(والتصابي إليَّ أش ... هى وَأحلى وأقبلُ)
(إنَّ جيرانَ عالجٍ ... حرَّموا ثمَّ حلَّلوا)
)
(والخيامُ الَّتِي ثووا ... أوحشوها ورحَّلوا)
3 - (أَبُو الْفَتْح البُسْتي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح البُسْتي الْكَاتِب الشَّاعِر لَهُ طَرِيق مَعْرُوف وأسلوب مَشْهُور فِي التَّجْنِيس سمع الْكثير من أبي حَاتِم بن حِبّان وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبع مائَة وَمن شعره
(لم ترَ عَيْني مثلَهُ كَاتبا ... لكل شيءٍ شَاءَ وشّاءا)
(يُبْدِعُ فِي الكُتْبِ وَفِي غَيرهَا ... بدائعاً إِن شَاءَ إنشاءا)
وَمِنْه
(ترحَّلتُ عَنهُ لفرط الشقاءِ ... وخلّفت رُشدي ورأيي ورائي)
(فنائي قريبٌ إِذا غبتُ عنهُ ... وإمّا رجعتُ فناءٍ فنائي)
وَمِنْه
(العُمر مَا عُمِّرّتَ فِي ... ظلِّ السرُور مَعَ الْأَحِبَّهْ)(22/105)
(فَمَتَى نأيتَ عَن الأحبّ ... ةِ لم يساوِ العمرُ حبَّهْ)
وَمِنْه
(يَقُول لغلمانِهِ أَبْشِرُوا ... فإنّي إِذا رُمْتُ أمرا عدلتُ)
(وَلَا تَحْسَبُنّي ظلوماً فإنّي ... أشاطركُمْ إنْ فعلتُ انفعلتُ)
وَمِنْه
(قد مرّ أمسِ وَلم يعبأ بِهِ أحَدٌ ... من التواءٍ وبؤسٍ مَرَّ أم رَغَدِ)
(وعنديَ اليومَ قوتٌ أسْتَعِفُّ بِهِ ... وَإِن بقيتُ غَدا أصلحتُ أمرَ غَدِ)
وَمِنْه
(يَا مُغْرَماً بوصالِ عيشٍ ناعمٍ ... ستُصَدُّ عنهُ طَائِعا أَو كارِها)
(إنَّ الحوادثَ تُزعج الآساد عَن ... ساحاتها والطيرَ عَن أوكارها)
وَمِنْه
(يَا من عقدتُ بِهِ الرجاءَ فَلم يكن ... لي منهُ إرفادٌ وَلَا إيناسُ)
(إِن كَانَ قد جرح المطامعُ عفّتي ... فوراء ذَاك الْجرْح يأسٌ ياسو)
وَمِنْه)
(وَقَالُوا رُضِ النفسَ الحرونَ وكُفَّها ... تُعَدَّلْ وألْزِمْها أداءَ الْفَرَائِض)
(وَإِن لم تَرُضْها أَنْت وَحدك مُصلحاً ... وجَدْتَ لَهَا من دهرها ألفَ رائضِ)
وَمِنْه
(يَا أَكثر الناسِ إحساناً إِلَى الناسِ ... وأكرمَ الناسِ إغضاءً على النَّاسِي)
(نسيتُ وعدَك وَالنِّسْيَان مُغْتَفرٌ ... فاعذر فَأول ناسٍ أولُ الناسِ)(22/106)
وَمِنْه
(تَقِ الله واطلبْ هدى دينه ... وبعدهما فاطلبِ الفلسفهْ)
(ودع عَنْك قوما يَعيبونها ... ففلسفةُ الْمَرْء فَكُّ السَّفَهْ)
وَمِنْه
(ولي أخٌ مُطرَّفٌ ... أصبح ظَرْفَ الظَّرْفِ)
(إِن قلتُ صِرْ فِي صِرْفي ... يَقُلْ لي رِد فِي رِدْفي)
وَمِنْه
(وَبِي رغبةٌ فِيك إمّا وفيتَ ... فَهَل راغبٌ أنتَ فِي أَن تَفي)
(فأرعى ذِمَامك مَا دمتُ حيًّا ... فَلَا أستحيل وَلَا أنتفي)
وَمِنْه
(يَا ناقهاً من مرضٍ مَسَّهُ ... يفديك من عاداك من ناقِهِ)
(كم قلتُ إذْ قيل بِهِ فَترةٌ ... يَا ربَّنا بِالروحِ مِنَّا قِهِ)
وَمِنْه
(الْآن نوِّلْنِيَ مَا أَبْتَغِي ... إِن كنتَ تنوي ليَ تنويلا)
(يَا ليتَ شعري هَل أرى حَضْرَة ... تُثْبِتُ تنفيلاً وتنفي لَا)
وَمِنْه
(أما حَان أَن يشتفي المستهامُ ... بِزَورة وصلٍ وتأوي لَهُ)
(تُجمجم عَن سُؤله هَيْبَة ... وَيعلم قلبُك تأويلَهُ)
وَمِنْه
(أَضَاء ليل من أضاليلي ... وحان تعطيلُ أباطيلي)(22/107)
)
(نادانيَ الشيبُ ولكنني ... أصمُّ عَن قيل الْمُنَادِي لي)
(وابْيَضَّ منديليَ من بعْدهَا ... قد كنتُ مسوَدَّ المناديلِ)
وَمِنْه
(عجبتُ لوغدٍ قد جذبتُ بضَبْعِهِ ... فَأصْبح يلقاني بتيهٍ وبئسَ مَا)
(يروم مساماتي وَمن دونهَا السما ... وَكَيف يباريني سموا وَبِي سَما)
وَمِنْه
(عدوُّكَ إمَّا مُعْلِنٌ أَو مكاتِمٌ ... فكلٌّ بِأَن يُخْشى وَأَن يُتَّقى قَمِنْ)
(فكنْ حَذِراً مِمَّن يكاتم أمرَهُ ... فَلَيْسَ الَّذِي يرميك جَهرا كَمَنْ كَمِنْ)
وَمِنْه
(إِذا تحدَّثتَ فِي قومٍ لتؤنسَهمْ ... بِمَا تُحَدِّث من ماضٍ وَمن آتِ)
(فَلَا تُعِدْ لحديثٍ إنَّ طبعَهُمُ ... موكَّلٌ بمعاداةِ المُعاداتِ)
وَمِنْه
(إنّي على مَا بيَ من قوةٍ ... عِنْد الخطوبِ الصعبة الوافيهْ)
(أجبنُ بل أرعدُ من خيفةٍ ... أيامَ ألْقى فِئَة القافيهْ)
وَمِنْه
(إِن هزَّ أقلامه يَوْمًا ليُعلمها ... أنساك كلَّ كَمِيٍّ هزَّ عاملَهُ)
(وَإِن أقَرَّ على رَقٍّ أناملَهُ ... أقرَّ بالرِّقِّ كُتّابُ الأنامِ لَهُ)
3 - (الشابُشتي)
عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحُسَيْن الْكَاتِب الشابُشتي بشينين معجمتين وَبَينهمَا ألف وبعدهما بَاء موحَّدة وَبعد السِّين الثَّانِيَة تَاء ثَالِثَة الْحُرُوف كَانَ أديباً فَاضلا تعلّق بِخِدْمَة الْعَزِيز بن المعزّ العُبَيدي صَاحب مصر فولاه أَمر خزانَة كتبه وَجعله(22/108)
دَفتر خُوان يقْرَأ لَهُ الْكتب ويجالسه وينادمه وَكَانَ حُلْو المحاورة لطيف المعاشرة لَهُ مصنَّفات حَسَنَة مِنْهَا كتاب الديارات ذكر فِيهِ كل دير بالعراق وَالشَّام ومصر وَجمع الْأَشْعَار المقولة فِي كل دير وَكتاب الْيُسْر بعد الْعسر وَكتاب مَرَاتِب الْفُقَهَاء وَكتاب التَّوْقِيف والتخويف وَله كتاب مراسلات توفّي بِمصْر سنة ثمانٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَقيل سنة تسعين وَثَلَاث مائَة وَقيل سنة تسع وَتِسْعين وَقيل)
اسْمه م بن إِسْحَاق وكنيته أَبُو عبد الله وَقد مرّ ذكره فِي المحمدين أَيْضا أخصر من هَذِه التَّرْجَمَة
3 - (عَلَاء الدّين بن الكلاّس)
عَليّ بن مُحَمَّد عَلَاء الدّين الدَّواداري الْكِنَانِي يعرف بِابْن الريِّس وَابْن الكلاّس كَانَ جندياً بِدِمَشْق رَأَيْته بهَا غير مرّة كَانَ فَاضلا أديباً ناظماً ناثراً لَهُ تعاليق ومجاميع يدل حسن اخْتِيَاره فِيهَا على فَضله توفّي بحطّين وَهِي قَرْيَة من قرى صَفَد قبل الثَّلَاثِينَ وَسبع مائَة أَو فِيمَا بعْدهَا وَالله أعلم وَمن شعره
(خليليّ مَا أحلى الهَوَى وأمرَّهُ ... وأعلمَني بالحلو مِنْهُ وبالمرِّ)
(بِمَا بَيْننَا من حرمةٍ هَل رَأَيْتُمَا ... أرقَّ من الشكوى وأقسى من الهجرِ)
وَمِنْه
(سقطتْ نفوسُ بني الْكِرَام فَأَصْبحُوا ... يتطلَّبون مكاسب الأنذالِ)
(ولقلّما طلب الزَّمَان مساءتي ... إلاَّ صبرتُ وَإِن أضرَّ بحالي)
(نَفسِي تراودني وتأبى همّتي ... أَن أستفيدَ غنى بذلِّ سُؤَالِي)
وَمِنْه
(تقدَّمتُ فضلا من تأخَّر مُدَّة ... بَوادي الحيا طَلٌّ وعُقباه وابلُ)
(وَقد جَاءَ وِتْرٌ فِي الصَّلَاة مؤخَّراً ... بِهِ خُتِمَتْ تِلْكَ الشفوع الأوائلُ)
وَمِنْه
(فكّرتُ فِي الْأَمر الَّذِي أَنا قاصدٌ ... تحصيلَهُ فوجدتهُ لَا ينجحُ)
(وعلمتُ من نصف الطَّرِيق بأنَّ مَن ... أرجوه يقْضِي حَاجَتي لَا يُفلحُ)
وَمِنْه يلغز فِي رغيف(22/109)
(ومستدير الْوَجْه كالتُّرسِ ... يجلسُ للنَّاس على كُرْسي)
(يدْخل مِنْهُ البدرُ حمامَهُ ... وَبعدهَا يخرج كالشمسِ)
(يواصل السلطانَ فِي دستهِ ... واللصَّ فِي هاوية الحبسِ)
(لَو غَابَ عَن عنترةٍ لَيْلَة ... وَهَتْ قوى عنترة الْعَبْسِي)
وَمِنْه يلغز فِي الْقَلَم)
(مَا اسمٌ لَهُ فِي السماءِ فِعلٌ ... والأرضُ فِيهَا لَهُ مكانُ)
(ينْطق بينَ الأنامِ حقًّا ... بِصَمْتِه إذْ لهُ لسانُ)
(فاعجبْ لَهُ ناطقاً صموتاً ... لَهُ على الصمت تَرْجُمانُ)
وَمِنْه
(من مبلغٌ غبريلَ أنَّ رحيلهُ ... جلب السرورَ وأذهب الأحزانا)
(والناسُ من فرط الشماتة خلفهُ ... كسروا القدورَ وأوقدوا النيرانا)
وَمِنْه
(وأهيفَ يَحْكِي البدرَ طلعةُ وجههِ ... وَإِن لم يكن فِي حُسن صورته البدرُ)
(خلوتُ بِهِ لَيْلًا يُدير مُدامةً ... وجنحُ الدجى دون الرَّقِيب لنا سِتْرُ)
(فَلَمَّا سرت كأسُ الحُميّا بعِطفِهِ ... ومالت بِهِ تيهاً ورنّحه السكرُ)
(هممتُ برشف الثغرِ مِنْهُ فصدّني ... عِذارٌ لَهُ فِي منع تقبيله عُذْرُ)
(حَمى ثغرَه المعسولَ نملُ عِذارِه ... وَمن عجَبٍ نملٌ يُصانُ بِهِ ثغرُ)
3 - (الجَزَري)
عَليّ بن مُحَمَّد بن الجَزَري قَالَ الباخرزي فِي الدمية وَقع من بعض الجزائر إِلَى باخَرز فَارْتَبَطَ بهَا للتأديب وَبَقِي بَين كبرائها موفورَ النَّصِيب وَبلغ من الغلوّ فِي التشيّع مبلغا حقَّره حتَّى ادَّرع اللَّيْل وشمَّر الذيل وشدَّ الأقتاد وطوى الْبِلَاد وَأقَام فِي مجاورة قبر مُعَاوِيَة بِالشَّام سنة جرداء يطوف ببنيانه ويتبرَّك باستلام أَرْكَانه ووراء تملّقه ذَلِك أَمر وخلل رماده وميض جمر وَلم يزل ينتهز الفرصة حتَّى خلا وَجهه يَوْمًا من الأيَّام وانفضَّ عَنهُ بعض أُولئك الأقوام فنفض على الْقَبْر عِيابه وأسال فَوْقه مزرابه وَألقى بِهِ جَبينه وخلط بِذِي بَطْنه طينه فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقَّب قَالَ ربِّ نجِّني من الْقَوْم الظَّالِمين(22/110)
وَفِي هَذَا الْمَعْنى يَقُول
(رأيتُ بني الطوامثِ والزواني ... بمقتٍ ينظرُونَ ليَّ شَزْراً)
(لأنِّي بالشآم أقمتُ حولا ... على قبر ابْن هندٍ كنتُ أَخرى)
انْتهى مَا أوردهُ الباخرزي قلت أَنا رادًّا على هَذَا الأحمق
(أتحسب أنَّ ذَا يُرْضِي عليًّا ... عليكَ وَقد خَرئتَ خُزيتَ شرَّا)
(وَكَيف يكون وجهُك حِين تَأتي ... غَدا وَيُقَال هَذَا وَجه خَرَّا)
)
(وَلَكِن كَانَ هَذَا نقصَ عقلٍ ... ودينٍ مَنْ تحرَّى مَا تجرَّا)
3 - (نور الدّين الهمَذاني)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْقَادِر الشَّيْخ الإِمَام نور الدّين أَبُو الْحسن ابْن الإِمَام كَمَال الدّين أبي عبد الله الهمَذاني كتب لي فِي إِجَازَته لي ولأخي إِبْرَاهِيم ولأختي بواش بخطِّه فِي سنة ثمانٍ وَعشْرين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ
(من بعد حمد الله ذِي الْإِحْسَان ... ثمَّ الصَّلَاة على الرضِي المنَّانِ)
(لهمُ أجزتُ جَمِيع مَا لي أَن أُرَوِّ ... يَهُ على مَا نصَّ أهلُ الشانِ)
(وَأَنا عَليّ بنُ مُحَمَّد بن عليٍّ ب ... ن الشيخِ عبد القادرِ الهمَذاني)
(وَإِلَى تميمٍ نجلِ مُرٍّ نسبتي ... لأبي وأُمِّي قَالَ ذَا الجدَّانِ)
(ووُلدتُ عَام اثْنَي ثمانينَ الَّتِي ... بعد المِئينَ الستّ فِي رمضانِ)
قلت قَوْله المنَّان فِي وصف النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم لَا يجوز فإنَّ النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم يطْلب الْجَزَاء على إبلاغ رِسَالَة ربِّه وَلم يَمُنُّ على أحدٍ بذلك كَيفَ وَقد قَالَ الله تَعَالَى وَلَا تَمْنُنْ تستكثِر بلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان
3 - (ابْن الرسَّام الشَّافِعِي)
عَليّ بن مُحَمَّد هُوَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الرسَّام الشَّافِعِي وَكيل بَيت المَال بصفد ومدرّسها اشْتغل أوَّل أمره على شَيخنَا الشَّيْخ نجم الدّين بن الْكَمَال الْخَطِيب بصفد وَنزل إِلَى دمشق واختصّ بالشيخ صدر الدّين بن الْوَكِيل بِدِمَشْق وبمصر وَقَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى غَيره وَسمع بِمصْر ودمشق وَصَحب الْأَمِير سيف الدّين بَكْتَمر الْحَاجِب وتوكَّل لَهُ
ولمَّا حضر إِلَى صفد جَاءَ إِلَيْهِ وَأخذ بهَا تدريس الْجَامِع(22/111)
الظَّاهِرِيّ ثمَّ فِيمَا بعد أَخذ وكَالَة بَيت المَال وَكَانَ يكْتب خطًّا جيِّداً إِلَى الْغَايَة والغريب أَنه كَانَ يكْتب هَذِه الْكِتَابَة المليحة بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَلَا يحسن يكْتب باليمنى شَيْئا وَكَانَ قد حفظ التَّعْجِيز ويدري طرفا جيّداً من الْعَرَبيَّة وَعِنْده مُشَاركَة فِي أُصول الدّين وَالْفِقْه وَكَانَ يلثغ فِي الْجِيم فيجعلها كافاً يُشِمُّها شيناً مُعْجمَة وَلَو أكل فستقة عرق لَهَا من فرقه إِلَى قدمه وَكَانَ متديّناً قَلِيل الشرّ حسن الود والصحبة رَحمَه الله تَعَالَى
وَتُوفِّي بصفد فِي طاعونها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر ربيع الآخر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع)
مائَة وَكَانَ وَالِده جنديًّا
3 - (الصاحب عَلَاء الدّين بن الحرَّاني)
عَليّ بن مُحَمَّد الصاحب عَلَاء الدّين بن الحرَّاني أوَّل مَا عرف من أمره أنَّه كَانَ يكْتب الدرجَة عَن فَخر الدّين أَقْجُبا الْفَارِسِي منشئ الدَّوَاوِين بصفد وَكَانَ يعرف إذْ ذَاك بعلاء الدّين بن الْمُقَابل لأنَّ أَبَاهُ كَانَ بهَا مُقَابل الِاسْتِيفَاء ثمَّ إنَّه خدم كَاتبا للأمير عزّ الدّين أيْدَمُر الشُّجاعي نَائِب قلعة صفد وَكَانَ فِيهِ كَيس ولطف عشرَة وبيته مجمع الْأَصْحَاب والعشراء
ثمَّ إنَّ الشُّجاعي توجَّه إِلَى البيرة نَائِبا فَلم يتوجَّه مَعَه ثمَّ إنَّ الشُّجاعي حضر إِلَى الْقُدس الشريف نَاظر الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ الصاحب عَلَاء الدّين عِنْده ثمَّ إنَّه ترك ذَلِك جَمِيعه وتجرَّد وَلبس زِيَّ الْفُقَرَاء وتوجَّه إِلَى الْيمن بالكَجْكول وَالثَّوْب العسلي وَغَابَ مدَّة وَجَرت لَهُ أُمورٌ شاقَّة حَكَاهَا لي من الْأَمْرَاض والوحدة والفقر ثمَّ حضر إِلَى دمشق وتوجَّه إِلَى مصر فِي سنة ثمانٍ وَعشْرين وَسبع مائَة ثمَّ إنَّه خدم كَاتبا عِنْد الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الْحَاجِب ولمَّا مَاتَ خدم عِنْد الْأَمِير عَلَاء الدّين مُغْلَطاي الجمالي الْوَزير وَظَهَرت مِنْهُ عفَّة وكفاية ولمَّا مَاتَ خدم عِنْد الْأَمِير سيف الدّين طُغاي تَمُر صهر السُّلْطَان ولمَّا مَاتَ جهَّزه السُّلْطَان إِلَى الكرك نَاظرا ثمَّ إِنَّه حضر وخدم الْأَمِير سيف الدّين قَوْصون فِيمَا أَظن مُدَّة يسيرَة ثمَّ إنَّ السُّلْطَان جهَّزه إِلَى دمشق وزيراً عوضا عَن الصاحب أَمِين الدّين فَأَقَامَ بهَا وباشرها مُبَاشرَة حَسَنَة بعفَّة وصلف زَائِد وَجَاء الفخري وَجرى مَا جرى وَقَامَ لَهُ بذلك المُهمّ وَمنعه من أَشْيَاء كَانَ يُرِيد يَأْخُذ فِيهَا أَمْوَال النَّاس فَقَالَ مهما أردْت عِنْدِي وتوجَّه مَعَ الفخري إِلَى مصر وَطلب الْإِقَالَة فرتِّب لَهُ راتب وَأقَام مُدَّة فِي بَيته ثمَّ طُلب أيَّام الْكَامِل وجهّز وزيراً إِلَى دمشق ثَانِيًا فَحَضَرَ إِلَيْهَا فاتَّفق لَهُ خُرُوج يَلْبُغا على الْكَامِل فَقَامَ لَهُ بذلك المُهمّ وتوجَّه لمصر وَعمل تَقْديرا للشام وَحضر بِهِ ثمَّ عُزل وتوجَّه إِلَى الْقُدس مُقيما بِهِ ثمَّ حضر للحُوطة على مَوْجُود يلبغا فضبطه وتوجَّه للإقامة فِي الْقُدس إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ(22/112)
وَخمسين وَسبع مائَة بالقدس الشريف من فتقٍ كَانَ بِهِ فِي عانته عظم وَزَاد بِهِ إِلَى أَن عُلِّقَ فِي عُنُقه وَكَانَ قد أقبل على شَأْنه وَانْقطع بالقدس لسَمَاع الحَدِيث وَالْعِبَادَة رَحمَه الله تَعَالَى
(عَليّ بن مَحْمُود)
3 - (الزَّوزني الصُّوفِي)
عَليّ بن مَحْمُود بن ماخُرَّة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَبعدهَا هَاء وَفِي أوَّله مِيم بعْدهَا ألف أَبُو الْحسن الزَّوزني الصُّوفِي من كبار الْمَشَايِخ رَحل وَسمع وتوفِّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَإِلَيْهِ يُنسب الرِّبَاط الْمُقَابل لجامع الْمَنْصُور ببغداذ كَانَ يَقُول صحبتُ ألف شيخ وأحفظ من كل شيخ حِكَايَة
3 - (ابْن النجَّار)
عَليّ بن مَحْمُود بن الْحسن بن هبة الله أَبُو الْحسن البغداذي البزَّاز أَخُو الْحَافِظ محبّ الدّين بن النجَّار قَرَأَ الْفَرَائِض والحساب وبرع فيهمَا وَصَارَ أبرع أهل زَمَانه بقسمة التَّركات
وَكَانَ يعرف الْجَبْر والمقابلة ويستخرج العويص من الْمسَائِل من غير أَن يكْتب بِيَدِهِ شَيْئا وَسَأَلَهُ أَبُو الْبَقَاء العُكْبَري عَن مسَائِل عويصة فَأَجَابَهُ عَنْهَا من غير توقُّف فَعجب مِنْهُ وَقَالَ مَا رَأَيْت مثل هَذَا الرجل وَأمره بِأَن يضع خطَّه فِي الفتاوي وَكَانَ يُفتي إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة وَولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ كثير الصَّوْم وَالصَّلَاة والذِّكر وَله أوراد بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وولاّه أَبُو الْقَاسِم بن الدَّامَغاني النّظر فِي أَمْوَال الْأَيْتَام فلمَّا عُزل القَاضِي قُبض عَلَيْهِ وأُهلك
3 - (علم الدّين بن الصَّابُونِي)
عَليّ بن مَحْمُود بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد علم الدّين أَبُو الْحسن بن الْعَارِف الزَّاهِد أبي الْفَتْح بن الصَّابُونِي المحمودي الجَوِّيثي الصُّوفِي ولد سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة بالجَوِّيث وَهِي بِالْجِيم وَالْوَاو المشدَّدة وبعدهما يَاء آخر(22/113)
الْحُرُوف وثاء مثلَّثة وَهِي حَاضر كَبِير بِظَاهِر الْبَصْرَة بَينهمَا دجلة سمع من جمَاعَة وَأَجَازَهُ كثيرٌ وروى عَنهُ جمَاعَة وأمَّ السُّلْطَان الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن يُوسُف وَولي مشيخة جَامع الفِيلَة وبالرباط الخاتوني وَله عدَّة سفرات إِلَى الشَّام ومصر وحدَّث بِمصْر ودمشق وحلب وتوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وست مائَة
3 - (ابْن حَكَم الحِمصي)
عَليّ بن مَحْمُود بن عِيسَى أَبُو الْحسن الأَديب الْمَعْرُوف بِابْن حكم الْحِمصِي وَمن شعره
(عَن الْبَدْر يَوْم البَين مِيطَ نِقابها ... ولِيثَ على غصنِ الأَراك ثيابُها)
)
(غريبَةُ أوصافٍ فأمَّا اقترابُها ... فأيَّةُ أوصابٍ وأمَّا اغترابُها)
(وقفتُ على أطلالها لتجيبَ إِن ... سألتُ وَمَا يُجدي عليَّ جوابُها)
(إِذا دِمْنَةٌ أقوتْ وخفَّ قطينُها ... وَبَانَتْ سُلَيْماها ومانتْ ربابُها)
(فَلَا جَرَّتِ الأَرواحُ لطفاً ذيولَها ... بهَا لَا وَلَا روَّى ثَراها ربابُها)
(وإنِّي لأهوى أَن أُلمَّ بزينبٍ ... برامَةَ لَوْلَا عُربُها وعِرابُها)
(وليلةَ زارتنا عقيبَ ازوِرارِها ... كَمَا انجاب عَن شمس النَّهَار ضبابُها)
(فبتنا وكلٌّ مُظْهِرٌ مُضْمَرَ الهَوَى ... ودأبي لَهَا الإعتابُ والعتبُ دابُها)
(ويأبى نصابي أَن أُلمَّ بريبةٍ ... وَتلك إِذا يَأْبَى الدنايا نصابُها)
(وَمَا ريقُها إلاَّ سلافَةُ بابلٍ ... ومبسِمُها الوضَّاح إلاَّ حَبابُها)
(وغرَّد ديكٌ كَانَ ميعادَ بَيْنِها ... فيا ليتها دَامَت ودام عتابُها)
(لَئِن نلتُ من شهد الزِّيَارَة مَذْقَةً ... لقد نَالَ منِّي غبَّ ذَلِك صابُها)
(ولمَّا دعتنا للنوى غربةُ النَّوَى ... وَصَاح بتفريق الْفَرِيق غُرابُها)
(أحببنا نداها ليتنا لم نُجب لَهَا ... نِدَاء وَلم توجَفْ بركبٍ رِكابُها)
(ودارت علينا للفراق مُدامةٌ ... فَأصْبح كلٌّ قد دهاه شرابُها)
(فلينا الفلا باليعمَلات سُرًى وَقد ... تهادى بِنَا وهادها وهضابُها)
(طَغى آلُها فِي ألِها وسرى بهَا ... غرُورًا ليشفى من صداها سَرابُها)(22/114)
(وحامت على عاصي حماةٍ ظواميا ... فَزَاد بهَا غِبَّ الوُرود التهابُها)
(وبتنا بهَا فِي لَيْلَة نابغيةٍ ... نساور رُقشاً ينفث السمَّ نابُها)
(إِلَى أَن فرى سيفُ الصَّباح أديمَها ... وأجفل خوفًا بدرُها وشهابُها)
(رمينَا بهَا صُورانَ وَهِي جوانحٌ ... تَلَفَّتُ صُوراً نَحْو حمصٍ رقابُها)
وَمِنْه
(أيجمعني وشمسَ الْخمر شمسُ ال ... خمارِ بغفلَتَيْ واشٍ ودهرِ)
(فأخلُوَ بابنتَيْ كَرَمٍ وكَرْمٍ ... وأرشفَ ريقَتَيْ قدحٍ وثغرِ)
3 - (المأرِبي)
عَليّ بن مَحْمُود بن زِيَاد بن المأرِبي بالراء وَالْبَاء ثَانِيَة الْحُرُوف اليمني الشَّاعِر ابْن الشَّاعِر)
وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده فِي حرف الْمِيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ عَليّ فِي انْتِقَال ذِي جِبْلَة من الْمَنْصُور بن المفضَّل إِلَى الدَّاعِي مُحَمَّد بن سبأ
(بِذِي جِبْلَةٍ إِلَيْك وإنَّها ... لتُظهر للشَّيْخ الَّذِي لَيْسَ تُضمرُ)
(عوائدُ للغيدِ الغواني وإنَّها ... من الشَّيْخ نَحْو ابْن الثَّلَاثِينَ تَنْفِرُ)
3 - (مُدَرِّسُ القَيْمُرِيَّة الشَّافِعِي)
عَليّ بن مَحْمُود بن عَليّ القَاضِي شمس الدّين أَبُو الْحسن الشهرَزُوري الْكرْدِي الشَّافِعِي مدرِّس القيمريَّة وَأَبُو مدرِّسها الصّلاح وجدُّ مدرِّسها شمس الدّين كَانَ شَيخا فَقِيها إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ مَوْصُوفا بجودة النَّقْل وَحسن الدّيانَة بنى الْأَمِير نَاصِر الدّين مدرسته بالخُرَيْميّين وفوَّض تدريسها إِلَيْهِ وَإِلَى أَوْلَاده وَأهل الأهليَّة من ذرِّيته وناب فِي الْقَضَاء عَن ابْن خلِّكان وتكلَّم بِحَضْرَة السُّلْطَان عِنْد الحوطة على الْأَمْلَاك والبساتين فَقَالَ المَاء والكلأ والمرعى لله لَا يُملك وكلّ من بِيَدِهِ ملك فَهُوَ لَهُ فبُهت لَهُ السُّلْطَان وَقد سمع ببغداذ من جمَاعَة مَعَ ابْن العديم وَلم يروِ وتوفِّي سنة خمس وَسبعين وست مائَة(22/115)
3 - (الشَّاعِر المنجِّم اليشكُري)
عَليّ بن مَحْمُود بن حسن بن نَبهَان بن سَنَدٍ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن اليشكُري ثمَّ الرَّبَعي البغداذي الأَصْل الْمصْرِيّ المولد الشَّاعِر المنجِّم ولد سنة خمس وَتِسْعين وست مائَة سمع بِدِمَشْق من ابْن طَبَرْزَد والكندي أَخذ عَنهُ الدِّمياطي وَغَيره وتورَّع كثير من الطّلبَة عَن الْأَخْذ عَنهُ لكَونه منجِّماً وَسمع مِنْهُ البِرزالي وَكَانَت لَهُ يَد طولى فِي علم الْفلك والتقاويم وَعمل الأزياج مَعَ النّظم الْحسن وَحسن الْخط توفّي فِي سَابِع عشْرين شهر رَمَضَان
وَمن شعره
(أكرمتَني وأهنتَني متعمِّداً ... إنِّي بفلك مَا حييتُ لَراضِ)
(فالماءُ قوتٌ للنفوسِ وإنَّهُ ... لَيُهانُ بعد العِزِّ فِي المرحاضِ)
(والشَّعرُ يُكرمه الأنامُ جميعُهم ... ويُهانُ بالأمواسِ والمِقراضِ)
3 - (نجم الدّين الدامَغاني الْحَكِيم)
عَليّ بن مَحْمُود نجم الدّين الأَسْطُرلابي الْحَكِيم الدامَغاني كَانَ رَأْسا فِي علم الرياضي تقرَّر فِي رَصَدِ مَراغة وَمَات ببغداذ سنة ثَمَانِينَ وست مائَة)
3 - (الأَفضل بن صَاحب حماة)
عَليّ بن مَحْمُود هُوَ الْأَمِير عَليّ بن السُّلْطَان الْملك المظفَّر تَقِيّ الدّين بن الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَكَانَ عَليّ هَذَا يلقَّب بِالْملكِ الْأَفْضَل وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ووالد الْملك المؤيَّد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة وَقد تقدَّم ذكر وَلَده هَذَا وَذكر حفيده الْأَفْضَل مُحَمَّد صَاحب حماة توفّي عَليّ الْمَذْكُور بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست مائَة ووُضع فِي تَابُوت وصلُّوا عَلَيْهِ وتوجَّهوا بِهِ(22/116)
إِلَى حماة ودُفن عِنْد آبَائِهِ وَحضر الْحَمَوِيّ نَائِب السلطنة بِدِمَشْق الصَّلَاة عَلَيْهِ وامتدحه السرَّاج الورَّاق بقصيدة وَهِي
(لي لَا لدمعي وقفةٌ فِي المنزلِ ... عَنْهَا التجلُّدُ والسلُوُّ بمعزِلِ)
(ولأدمعي والغيثِ فِي عَرَصاتها ... شَوْطانِ للوسميِّ فِيهَا والولِي)
(وعليَّ أَن أُعطي المنازلَ حقَّها ... حفظا لعهد الظاعن المتحمِّلِ)
وَمِنْهَا
(مَن للقلوب من الْعُيُون فإنَّها ... جارتْ وَيَا مَن للشجيِّ من الخلي)
(ولِطيبِ أيَّامٍ مضينَ كأنَّها ... فِي الْحسن أيَّامُ الشبابِ المُقبلِ)
(والدارُ آنسةٌ بقربِ أوانسٍ ... يملأن حُسناً ناظرَ المتأمّلِ)
(فلهَا الملاحَةُ والصيانَةُ والجوى ... لي والمكارمُ للمليكِ الأفضلِ)
(ملكٌ إِذا انهلَّتْ سواكبُ كفِّهِ ... شاهدتَ سيلاً قد تحدَّر من علِ)
(ورأيتَ معنى فاق مَعنا فِي الندى ... وطوى بِنَا الطائيّ بالحقِّ الْجَلِيّ)
(من آل أيوبَ الَّذين سُيوفُهم ... ورماحهم شهبٌ بليلِ القسطَلِ)
(الَّلابسينَ من العُلى حُللاً غَدَتْ ... تمتاز مِنْهُم بالطرازِ الأوَّلِ)
(بمحمَّدٍ وعليٍّ ابتهجتْ لنا ال ... دنيا بحمدِ محمَّدٍ وعُلى عَليّ)
(لله درُّ قُلاوُنٍ فَلَقَد رأى ... ورعى لكم حقَّ الضيوف النُّزَّلِ)
(يَا ثالثَ الْملكَيْنِ والتثليثُ مح ... مودٌ فَمَا لَك عَنهُ من مُتَحَوَّلِ)
3 - (الْأَمِير عَلَاء الدّين بن مَعبد)
عَليّ بن مَحْمُود بن مَعبد الْأَمِير عَلَاء الدّين البعلبكّي توفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة ودُفن بالمزَّة وَهُوَ أَخُو الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن معبد كَانَ شكلاً طُوالاً جسيماً إِلَى الْغَايَة)
بديناً إِذا نَام لَهُ من يَحْرُسهُ حتَّى إِذا انْقَطع شخيره أنبهه وَكَانَ داهية خَبِيرا بالأُمور دَرِباً بالسياسة والأَحكام تولَّى شدَّ الدَّوَاوِين مدَّةً ثمَّ تولَّى ولَايَة الْوُلَاة بالصَّفقَةِ القبليَّة وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُز يحبّه كثيرا ويقرّبه(22/117)
3 - (القونَوي الْحَنَفِيّ الصُّوفِي شيخ الشُّيُوخ)
عَليّ بن مَحْمُود بن حُمَيد العلاّمة البارع عَلَاء الدّين القونَوي الصُّوفِي الْحَنَفِيّ المدرِّس بالقِلِيجيَّة بِدِمَشْق إمامٌ ديِّنٌ متواضعٌ صيِّنٌ سمع من الحجَّار والجَزَري وعدَّة وَدَار على الْمَشَايِخ قَلِيلا وحُبِّب إِلَيْهِ الْآثَار ولد سنة تسعين وست مائَة وخُرِّجت لَهُ مشيخة ولازم الكلاّسة يُقرئ الطّلبَة فِي مَذْهَب أبي حنيفَة فِي البَرْذَوي وَابْن الساعاتي وَفِي منهاج الْبَيْضَاوِيّ وَفِي مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَفِي الحاجبيَّة وربَّما أَقرَأ فِي الْحَاوِي الصَّغِير للشَّافِعِيَّة ولمَّا توفّي قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَالِكِي تولَّى الشَّيْخ عَلَاء الدّين مشيخة الشُّيُوخ بِالشَّام مَكَانَهُ وَكَانَ القَاضِي شرف الدّين يَأْخُذ من كل خانقاه فِي الشَّام عشرَة دَرَاهِم فِي الشَّهْر ونصيبين فَأبْطل ذَلِك وَلَو يتَنَاوَلهُ وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ يُعرِّب الْكتب الْوَارِدَة على ديوَان الْإِنْشَاء باللغة العجمية وتولَّى مشيخة الشُّيُوخ بعد القَاضِي نَاصِر الدّين كَاتب السرّ بِالشَّام متبرِّعاً
3 - (ابْن الْجمل الإسكندري)
عَليّ بن مُخْتَار بن نصر بن طُغان جمال الْملك أَبُو الْحسن العامري المحلّي المولد الإسْكَنْدراني الْمَعْرُوف بِابْن الْجمل هُوَ أحد أَوْلَاد الدولة العُبيدية وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْمِيم فِي مَكَانَهُ وحدَّث عَليّ هَذَا غير مرَّة عَن السَّلفي وَغَيره وتوفِّي سنة ثمانٍ وَثَلَاثِينَ وست مائَة
3 - (قَاضِي الْقُضَاة ابْن مخلوف الْمَالِكِي)
عَليّ بن مخلوف بن ناهض بن مُسلم النُّويري قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْمَالِكِي حَاكم الديار المصرية نيِّفاً وَثَلَاثِينَ سنة حدَّث عَن الشّرف المُرسي وَابْن عبد السَّلَام وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة وَاحْتِمَال ورفق بالفقهاء وَله دُربة بالقضايا والأَحكام حكم بعد ابْن شَاس وَولي بعده القَاضِي تقيّ الدّين الإخْنائي وتوفِّي سنة(22/118)
ثَمَان عشرَة وَسبع مائَة وَله خمس وَثَمَانُونَ سنة)
3 - (النَّخَعي الْكُوفِي)
عَليّ بن مُدرك النَّخَعي الْكُوفِي روى عَن أبي زُرعة البَجَلي وَإِبْرَاهِيم النَّخَعي وهلال بن يَساف وثَّقه غيرُ وَاحِد وتوفِّي سنة عشْرين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (السَّيِّد الْأَمِير عَليّ الْحَنَفِيّ)
عَليّ بن المرتضى بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الدَّاعي بن زيد يَنْتَهِي إِلَى الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب الأميرُ السَّيِّد أَبُو الْحسن بن أبي الْحسن بن أبي الْحسن نَشأ بأصبهان والدُه وَقدم بغداذ فولد لَهُ عَليّ هَذَا وَقَرَأَ الْفِقْه لأبي حنيفَة وبرع فِيهِ وَفِي الْخلاف وَقَرَأَ الأَدب وحصَّل مِنْهُ طرفا وَسمع الحَدِيث وَولي التدريس بِجَامِع السُّلْطَان وانتهت إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة وَكَانَ متديِّناً زاهداً فِي الولايات كريم النَّفس دَاره مجمع الْفُضَلَاء وَكَانَ يكْتب خطًّا مليحاً وَله كتب كَثِيرَة أصُول بخطوط الْمَشَايِخ حدَّث باليسير ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة ثمانُ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره
(صُنْ حاضرَ الوقتِ عَن تضييعه ثِقَة ... أنْ لَا بقاءَ لمخلوقٍ على الدَّوْمِ)
(وهَبْكَ أنَّكَ باقٍ بعدهُ أبدا ... فَلَنْ يعودَ إِلَيْنَا عينُ ذَا اليومِ)
وَمِنْه
(لَا تحزننَّ لذاهبٍ ... أبدا وَلَا تجزعْ لآتِ)
(واغنمْ لنَفسك حظَّها ... فِي البينِ من قبلِ الفواتِ)
3 - (ابْن مُنقذ)
عَليّ بن مُرشد بن عَليّ بن مُقلَّد بن نصر بن مُنقذ عزّ الدولة أَبُو(22/119)
الْحسن الكِناني الشَّيزَري كَانَ ذكيًّا شَاعِرًا جنديًّا دخل بغداذ وَسمع من قَاضِي المارستان وَغَيره وَكَانَ أكبر إخْوَته وَسَيَأْتِي ذكر جدّه قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة واستُشهد بعَسقلان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَمَا كَانَ لَهُ صبوة وَلَا ميل إِلَى لَهو وَمن شعره
(مَا فهتُ مَعَ مُتحدِّثٍ متشاغلاً ... إلاَّ رأيتكَ خاطراً فِي خاطري)
(فَلَو استطعتُ لزرتُ أرضكَ مَاشِيا ... بسوادِ قلبِي أَو بأسودِ ناظري)
وَمِنْه
(أقمتَ فكنتَ فِي بَصرِي ميماً ... وغبتَ فكنتَ فِي ضمنِ الفؤادِ)
)
(وَمَا شطَّتْ بِنَا دارٌ ولكنْ ... نُقِلْتَ من السَّوادِ إِلَى السَّوادِ)
وَمِنْه
(ودَّعتُ صبري وقلبي يَوْم فُرقتكم ... وَمَا علمتُ بأنَّ الدَّمعَ يُدَّخرُ)
(وضلَّ قلبِي عَن صَدْرِي فعدتُ بِلَا ... قلبٍ فيا ويحَ مَا آتِي وَمَا أذرُ)
(وَلَو علمتُ ذَخَرْتُ الصبرَ مبتغياً ... إطفاءَ نارٍ بقلبي مِنْك تستعرُ)
وَمِنْه
(ولمَّا أعارتني النَّوَى مِنْك نظرةً ... أحبَّ إِلَى قلبِي من الباردِ العذبِ)
(تعقَّبها البينُ المُشِتُّ فليتنا ... بَقينَا على تأميلنا لذَّةَ القُربِ)
وَمِنْه
(ظننتُ وظنُّ الألمعيِّ مُصدَّقٌ ... بأنَّ سَقام المرءِ سجنُ حِمامِهِ)
(فَإِن لم يكن موتٌ مريحٌ فإنَّهُ ... عذابٌ تملُّ النفسُ طولُ مُقامِهِ)
(وَكم يلبثُ المسجونُ فِي قبضةِ الْأَذَى ... يجرِّب فِيهِ الموتُ غَرْبَ حسامِهِ)
3 - (الجازري القَاضِي)
عَليّ بن المُسَبِّح أَبُو الْحسن الجازِري بِالْجِيم وَبعد الْألف زَاي وَرَاء من أهل الجازِرة من عمل وَاسِط كَانَ من قضاتها وَكَانَ شَاعِرًا قدم بغداذ ومدح الوزيرين أَبَا عَليّ بن صَدَقة وَأَبا الْحسن عَليّ بن طِراد الزَّيْنَبي وَمن شعره فِي ابْن صَدَقَة(22/120)
(مدحتُ الوزيرَ بطنَّانةٍ ... كأنَّ المعانيَ فِيهَا رياضُ)
(فأُبتُ بتوقيعه ظافراً ... وعنديَ أَن لَيْسَ فِيهِ اعتراضُ)
(فَلم يُمتثل وحصلنا على ... سَواد الوجوهِ وضاعَ البياضُ)
وَمِنْه
(مَا أناديك من وراءِ حجابٍ ... فأذمّ البُعاد بالاقترابِ)
(أَنْت فِي ناظريَّ فِي موضعِ اللح ... ظِ وَمن منطقي مكانَ الصوابِ)
3 - (أَبُو الْقَاسِم البغداذي)
عَليّ بن مسَرَّة أَبُو الْقَاسِم البغداذي وَمن شعره
(زعمتْ إنَّما هوايَ مُحالٌ ... أتُراها ظنَّت نُحولي انتحالا)
)
(وَلَقَد زارني الخيالُ فَمَا صا ... دفَ منِّي الخيالُ إلاَّ خيالا)
(بتُّ أرعى فِيهَا النُّجُوم وباتتْ ... من وراءِ السُّجوفِ تنعمُ بَالا)
(وشكوتُ الهَوَى إِلَيْهَا فَقَالَت ... حَضَرِيٌّ يُنَمِّقُ الأَقوالا)
3 - (الْموصِلِي الْحَنْبَلِيّ)
عَليّ بن مَسْعُود بن نَفِيس بن عبد الله الْفَقِيه المحدِّث الصَّالح الزَّاهِد الْمُفِيد نور الدّين أَبُو الْحسن المَوْصلي ثمَّ الْحلَبِي نزيل دمشق ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي صفر سنة أَربع وَسبع مائَة سمع من أبي الْقَاسِم ابْن رَوَاحَة وَغَيره بحلب وَمن إِبْرَاهِيم بن خَلِيل قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وحدَّثني أَنه سمع من يُوسُف بن خَلِيل وَلم يظفر بذلك وَسمع بِمصْر من الْكَمَال الضَّرِير والرشيد وَأَصْحَاب البُصيري وعُني بِالْحَدِيثِ ودرَّبَ قِرَاءَته وَكَانَت مفسّرة نافعة وحصَّل الأُصول ثمَّ ارتحل إِلَى دمشق فَأكْثر عَن ابْن عبد الدَّائِم والكِرماني وَابْن أبي اليُسر والموجودين إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ يجوع وَيَشْتَرِي الأَجزاء ويقنع بكسرة فيسوء خلقه مَعَ التَّقْوَى وَالصَّلَاح قَرَأَ كتبا كبارًا مرَّات وَكَانَ يتفقَّه للْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وينقل من مذْهبه(22/121)
(عَليّ بن مُسلم)
3 - (الطوسي البغداذي)
عَليّ بن مُسلم الطوسي ثمَّ البغداذي روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد والنَّسائي وتوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (جمال الْإِسْلَام السّلمِيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ)
عَليّ بن الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفَتْح أَبُو الْحسن السُلَمي الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الفَرَضي جمال الْإِسْلَام تفقَّه على القَاضِي أبي المظفَّر المَرْوَزي وَأعَاد الدَّرْس للفقيه نصر وبرع فِي الْفِقْه قَالَ ابْن عَسَاكِر بَلغنِي عَن الْغَزالِيّ أنَّه قَالَ خَلَّفتُ بِالشَّام شابًّا إِن عَاشَ كَانَ لَهُ شَأْن حفظ كتاب تَجْرِيد التَّجْرِيد لأبي حَاتِم الْقزْوِينِي وَكَانَ حسن الخطّ موفَّقاً فِي الفتاوي وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي طَبَقَات الأشاعرة وتوفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
3 - (القَاضِي الْحَافِظ)
عَليّ بن مُسْهِر أَبُو الْحسن القُرِشي مَوْلَاهُم الْحَافِظ قَاضِي الْموصل وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن قَاضِي جَبُّل كَانَ ثِقَة جمع الْفِقْه والْحَدِيث وَولي قَضَاء إرمينية فلمَّا قدمهَا اشْتَكَى عينَه فَقَالَ قاضٍ كَانَ قبله للكحَّال اكحله بِمَا يُذهِبُ عينه حتَّى أُعطيك مَالا فكحله فَذَهَبت عينه فَرجع إِلَى الْكُوفَة أعمى توفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (القَاضِي الرَّقِّي)
عَليّ بن مُشْرِق القَاضِي الرَّقِّي ذكره الْعِمَاد الْكَاتِب وَقَالَ(22/122)
فِيهِ شَاعِر بني الصُّوفِي قصد شَيْزَر فَلم يحظَ عِنْد أَهلهَا فَقَالَ
(أَلا نادِ فِي شرقِ الْبِلَاد وغربها ... بصوتٍ لَهُ فِي الْخَافِقين أغاريدُ)
(قضى الخيرُ والمعروفُ فِي أَرض شَيْزَرٍ ... وَمَات بهَا من لؤمِ صَاحبهَا الجودُ)
(وأعجبُ مَا لله أولادُ مُنقذٍ ... قدورُهمُ بيضٌ وأعراضُهم سودُ)
3 - (عليّ بن المُطَهَّر الدينَوَرِي بن مِقْلَاص)
عَليّ بن المطهَّر بن مكّي بن مِقلاص أَبُو الْحسن الدينَوَرِي الشَّافِعِي تفقَّه على أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَسمع من النَّقِيب طِراد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّينبي وَأبي الخطَّاب نصر بن البَطِر وَمَنْصُور بن بكر بن حِيد النَّيْسَابُورِي وحدَّث باليسير وَكَانَ إِمَام الصَّلَوَات بالنظاميَّة توفِّي)
سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
(عَليّ بن المظَفَّر)
3 - (ابْن الخَلوقي الشَّافِعِي)
عَليّ بن المظفَّر بن بدر أَبُو الْحسن الشَّافِعِي الضَّرِير الْمَعْرُوف بِابْن الخَلوقي من أهل البَنْدَنِيجَيْن سمع بِالْبَصْرَةِ عبد الْأَعْلَى بن أَحْمد بن عبد الله بن مَالك البَجَلي وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن بكر الورَّاق وَعلي بن وصيف القطَّان وَغَيرهم وَقَرَأَ بالعسكر على أبي حَامِد العسكري وروى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وتوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
3 - (السَّيِّد الدَّبوسي الشَّافِعِي)
عَليّ بن المظفَّر بن حَمْزَة بن زيد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد يَنْتَهِي إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو الْقَاسِم بن أبي يَعلى الْعلوِي من أهل دَبُوسِيَة بَين سَمَرْقَنْد وبُخارى كَانَ من أئمَّة الشَّافِعِيَّة كَامِل الْمعرفَة بالفقه وَالْأُصُول وَله يدٌ فِي الأَدب وباعٌ ممتدٌّ فِي المناظرة وَالْخلاف مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والعفاف وَحسن الْخلق سمع من مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز القَنطري وَأحمد بن عَليّ الأبيوردي وَأحمد بن مُحَمَّد النُّصيري وَغَيرهم وَقدم بغداذ ودرَّس بالنظاميَّة إِلَى أَن(22/123)
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَإِلَيْهِ انْتَهَت رئاسة الشَّافِعِيَّة
وَمن شعره
(أقولُ بنصحٍ يَا ابنَ دُنياكَ لَا تنمْ ... عَن الخيرِ مَا دَامَت فإنَّك عادِمُ)
(وإنَّ الَّذِي يصنعِ العُرْف فِي غنى ... إِذا مَا علاهُ الفقرُ لَا شكَّ نادمُ)
(فقدِّم صنيعاً عِنْد يسركَ واغتنمْ ... فأنتَ عَلَيْهِ عِنْد عُسرك قادمُ)
3 - (ابْن ابْن رَئِيس الرؤساء)
عَليّ بن المظفَّر بن عَليّ بن الْحسن بن المُسلمة أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفَتْح بن رَئِيس الرؤساء أَخُو أبي الْحسن مُحَمَّد كَانَ أديباً فَاضلا لَهُ نظم ونثر ورسائل مدونة ولد سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة وتوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره
3 - (عَلَاء الدّين الوَداعي)
عَليّ بن المظفَّر بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن زيد الأَديب البارع الْمُقْرِئ المحدِّث المنشئ عَلَاء الدّين الكِندي الإسْكَنْدراني ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالوَادعي كَاتب ابْن وَداعة ولد سنة أَرْبَعِينَ)
وست مائَة تَقْرِيبًا وتوفِّي سنة سِتّ عشرَة وَسبع مائَة
تَلا بالسبع على علم الدّين الْقَاسِم وشمس الدّين بن أبي الْفَتْح وَطلب الحَدِيث وَنسخ الأَجزاء وَسمع من عبد الله الخُشوعي وَعبد الْعَزِيز الكَفَرْطابي والصدر الْبكْرِيّ وَعُثْمَان بن خطيب القَرافَة وَإِبْرَاهِيم بن خَلِيل والنقيب ابْن أبي الجِنّ وَابْن عبد الدَّائِم ومَن بعدهمْ وَنظر فِي الْعَرَبيَّة وَحفظ كثيرا من أشعار الْعَرَب وَكتب الْمَنْسُوب فِيمَا بعد وخدم مُوقِّعاً بالحصون مدَّةً وتحوَّل إِلَى دمشق وَهُوَ صَاحب التَّذْكِرَة الكنديَّة الْمَوْقُوفَة بالشميساطية فِي خمسين مجلداً بخطِّه فِيهَا عدَّة فنون قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ يُخِلُّ بالصلوات فِيمَا بَلغنِي وَتُوفِّي ببستانه عِنْد قبّة المُسَجَّف قلت وَكَانَ شيعيًّا وَدخل ديوَان(22/124)
الْإِنْشَاء بِدِمَشْق سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع مائَة تَقْرِيبًا وَمَعَ فضائله لَا رَاح فِي الدِّيوَان وَلَا جَاءَ وَلَا استقلَّ بِكِتَابَة شَيْء كَمَا جرى لبَعض النَّاس حتَّى قلت
(لقد طالَ عهدُ الناسِ بابنِ فلانةٍ ... وَمَا جَاءَ فِي الدِّيوَان إلاَّ إِلَى وَرا)
(فَقلت كَذَا قاسَ الوَداعيُّ قبلَهُ ... وَلَا شكَّ فِيهِ أنَّه كَانَ أشعرا)
أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله مَا كتبه على ديوَان الوداعي
(بعثتُ بديوان الوَداعيِّ مُسرعاً ... إِلَيْك وَفِي أَثْنَائِهِ المدحُ والذمُّ)
(حكى شجرَ الدِّفلَى رُواءً ومَخبراً ... فظاهرهُ شمٌّ وباطنه سمُّ)
وَكَانَ شَاهدا بديوان الْجَامِع الْأمَوِي وَولي مشيخة النفيسيَّة وَكَانَ شَيخا وَله ذُؤابةٌ بَيْضَاء إِلَى أَن مَاتَ ونقلت من خطّه
(يَا عائباً منِّي بقاءَ ذؤابتي ... مهلا فقد أفرطتَ فِي تعييبِها)
(قد واصَلَتْني فِي زمانِ شبيبتي ... فعلامَ أقطعها أوانَ مشيبِها)
وإِنَّما عُرف بالوَداعي لأنَّه كَانَ كَاتبا لِابْنِ وَداعة وَلذَلِك قَالَ
(وَلَقَد خدمتُ الصاحبَ اب ... نَ وَداعةٍ دهراً طَويلا)
(فلقيتُ مِنْهُ مَا التقى ... أنَسٌ وَقد خدمَ الرسولا)
أَنْشدني الشَّيْخ شمس الدّين قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور من لَفظه لنَفسِهِ
(من زارَ بابكَ لم تَبْرَح جوارحُهُ ... تروي محاسنَ مَا أوليتَ من مِنَنِ)
(فالعينُ عَن قُرَّةٍ والكفُّ عَن صِلَةٍ ... والقلبُ عَن جابرٍ والأُذنُ عَن حَسَنِ)
)
وملكتُ ديوانه بخطّه وَجَمِيع مَا أوردهُ هُنَا من خطّه قَالَ
(تَراه إِذا أَنْت حيَّيْتَهُ ... ثقيلاً بطرحته الباردَهْ)
(كمثلِ الدَّجَاجَة منشورةَ ال ... جنَاح على بيضها قاعدَهْ)
وَقَالَ
(وزائرٍ مبتسمٍ ... يقولُ لمَّا جا أَنا)
(فَقَالَ أيري مُنشداً ... أَهلا بتينٍ جَاءَنَا)
وَقَالَ فِي مليح بقباء حَرِير أسود
(لله مَا أرشقه من كاتبٍ ... لَيْسَ لَهُ سوى دموعي مُهرقُ)(22/125)
(يميسُ رقصاً فِي قباءٍ أسودٍ ... فقلتُ هَذَا أَلِفٌ مُحقَّقُ)
وَقَالَ
(وَذي دلالٍ أحورٍ أجحرٍ ... أصبح فِي عقد الهَوَى شَرطي)
(طافَ على الْقَوْم بكاساته ... وَقَالَ ساقي قلتُ فِي وَسطي)
وَقَالَ فِي مليح يلقَّب بالحامِض
(وقريبٍ من القلوبِ بعيدٍ ... عَن محبِّيه بالقِلَى والصدودِ)
(لقَّبُوه بحامضٍ وَهُوَ حلوٌ ... قولَ مَن لم يَصل إِلَى العُنقودِ)
وَقَالَ فِي مليح ينتف
(تعشقتُ ظَبْيًا ناعسَ الطَّرفِ نَاعِمًا ... إِلَى أَن تبدَّى الشَّعرُ والعشقُ ألوانُ)
(وَقَالُوا أفِق من حبِّه فَهُوَ ناتفٌ ... فقلتُ عكستم إنَّما هُوَ فتَّانُ)
وَقَالَ وَقد هبَّت ريح عَظِيمَة يَوْم جرى ساعٍ من حمص
(ثارَ الهواءُ عجاجا ... فِي يَوْم ساعي الحنايا)
(كأنَّه رَاح يَأْتِي ... برِيح حمصٍ هَدَايَا)
وَقَالَ
(وَلم أرِدِ الْوَادي وَلَا عدتُ صادراً ... مَعَ الرَّكْبِ إلاَّ قلتُ يَا حاديَ النُّوقِ)
(فديتُكَ عرِّجْ بِي وعرِّسْ هنيهةً ... لعلِّي أبلُّ الشوقَ من آبل السُّوقِ)
وَقَالَ)
(سقيا لكرم مُدامةٍ ... أنشتْ لنا النَّشَواتِ لَيْلًا)
(خلعتْ علينا سكرةً ... بدويَّةً كُمًّا وذيلا)
وَقَالَ
(موسويُّ الغرام يهوى بسَمْعَيْ ... هِـ ويشكو من رُؤْيَة الْعين ضُرَّا)
(يتوكَّا على قضيبٍ رطيبٍ ... ولهُ عِنْده مآربُ أُخْرَى)
وَقَالَ
(أَشكو إِلَى الحمن بوَّابكمْ ... وَمَا أرى من طول تعميرهِ)
(ملازمُ البابِ مقيمٍ بهِ ... كأنَّهُ بعضُ مساميرهِ)(22/126)
وَقَالَ
(ويومٍ لنا بالنَّيْرَبَيْنِ رقيقةٌ ... حَوَاشِيه خالٍ من رقيبٍ يَشينُهُ)
(وقفنا فسلَّمنا على الدَّوحِ غُدوةً ... فردَّتْ علينا بالرؤوسِ غصونُهُ)
وَقَالَ فِي مليح فحَّام
(يَا عائبَ الفحَّامِ جهلا أنَّه ... أضحى لواصف حسنه فحَّاما)
(وَإِذا غُبارُ الفحم برقَعَهُ غَدا ... كالبدر دَار بِهِ الغَمامُ لِثاما)
وَقَالَ
(ذُكِرْتَ شوقاً وَعِنْدِي مَا يصدِّقُهُ ... قلبٌ تُقلِّبه الذكرى وتُقلقُهُ)
(هَذَا على قُربِ دارَيْنا وَلَا عجبٌ ... فالطَّرفُ للطَّرفِ جارٌ لَيْسَ يرمُقُهُ)
قلتُ أَخذ الْمَعْنى من الأوَّل وَهُوَ أحسن سبكاً وألطف حبكاً وَهُوَ
(لَئِن تفرَّقنا وَلم نَجْتَمِع ... وعاقتِ الأَقدارُ عَن وقتِها)
(فَهَذِهِ العينان مَعَ قربهَا ... لَا تنظر الْأُخْرَى إِلَى أختِها)
وَقَالَ
(لَو رآنا العَذولُ يومَ الْتَقَيْنَا ... بعد طول الصدود والهجرانِ)
(لرَأى العشقَ كلَّه قد تلاقى ... هُوَ والحسنُ كلُّه فِي مكانِ)
وَقَالَ
(لَا أرى لَقْطَ عارضيه قبيحاً ... يَا عذولاً عَن حبِّه ظلَّ يَنْهَى)
)
(وَجهه روضةٌ وَلَيْسَ عجيباً ... أنَّه يُلتقطُ البنفسجُ مِنْها)
وَقَالَ
(أحببتهُ رشأً عَلَتْهُ شُقرةٌ ... من أجلهَا ذهبُ العِذارُ مُفَضَّضُ)
(قل للعواذل فِيهِ هَل أنكرتمُ ... أنَّ البنفسج مِنْهُ زهرٌ أبيضُ)
وَقَالَ
(أتيتُ إِلَى البلقاء أبغي لقاءكم ... فَلم أرَكم فازداد شوقي وأشجاني)
(فَقلت ليَ الأَقوامُ مَن أنتَ راصدٌ ... لرؤياه قلتُ الشمسُ قَالُوا بحسبان)
وَقَالَ وظرَّف
(لنا صاحبٌ قد هذَّب الطبعُ شِعرَهُ ... فَأصْبح عاصيه على فِيهِ طيِّعا)(22/127)
(إِذا خمَّس الناسُ القصيدَ لحُسنهِ ... فحُقَّ لشعرٍ قالَه أَن يُسبَّعا)
وَقَالَ فِي بَيْطار
(وبَيْطارٍ يفوق البدرَ حسنا ... يَقُول إِذا رأى وجهَ الهلالِ)
(إِذا افتخرتْ سماءٌ أَنْت فِيهَا ... فكم فِي الأَرضِ مثلك من نعالي)
وَقَالَ فِي قباقبي
(إنَّ هَذَا القباقِبيَّ سَباني ... حسنُ نقشِ العذار فِي وجنتيهِ)
(يَا نديميَّ فِي المدامة إنِّي ... أشتهي أَن أدُقَّ يَوْمًا عليهِ)
وَقَالَ
(الغربُ خيرٌ وَعند ساكنهِ ... أمانةٌ أوجبتْ تقدُّمَهُ)
(فالشرقُ من نيِّريه عندهُمُ ... يُودِعُ دينارَهُ ودرهمَهُ)
وَقَالَ أَيْضا
(حوى كلٌّ من الأُفقين فضلا ... يُقِرُّ بِهِ الغبيُّ مَعَ النَّبيهِ)
(فَهَذَا مَطلعُ الْأَنْوَار مِنْهُ ... وَهَذَا منبعُ الْأَنْوَار فِيهِ)
قلت الوداعيّ أَخذ مَعْنَاهُ الأول وَبَعض الثَّانِي من قَول القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله تَعَالَى وَتلك الْجِهَة وَإِن كَانَت غربيَّة فإنَّها مستودَع الْأَنْوَار وكنز دِينَار الشَّمْس ومصب أَنهَار الْأَنْهَار وَقَالَ الوداعي)
(قل للَّذي بالرفضِ أتْ ... هَمَني أضلَّ اللهُ قصدَهْ)
(أَنا رافضيٌّ ألعنُ ال ... شيخين والدَهُ وجَدَّهْ)
وَقَالَ
(خلعَ الخريفُ ثيابَهُ لبشيرِهِ ... إنَّ الشتَاء لَهُ من الطُّرَّاقِ)
(وانظرْ إِلَيْهِ فرحةً بقدومِهِ ... قد خلَّقَ الآفاقَ بالأَوراقِ)
وَقَالَ
(قُم بِنَا نلحقُ من حَ ... ثَّ إِلَى مصر قَلوصَهْ)
(لَا تقل فِيهَا غلاءٌ ... فالتواقيعُ رخيصه)(22/128)
وَقَالَ
(قَالُوا حبيبُك قد دَامَت ملاحتهُ ... وَمَا أَتَاهُ عِذارٌ إنَّ ذَا عَجَبُ)
(فقلتُ خدَّاه تِبرٌ والعذارُ صدا ... وَقد زعمتُمْ بأنْ لَا يصدأُ الذهبُ)
وَكتب إِلَى بعض أصدقائه بِمصْر
(روِّ بمصرٍ وبسكَّانها ... شوقي وجدِّدْ عهديَ الْبَالِي)
(وصفْ ليَ القُرط وشنّف بِهِ ... سَمْعي وَمَا العاطلُ كالحالي)
(واروِ لنا يَا سعدُ عَن نِيلها ... حديثَ صفوانَ بن عسَّالِ)
(فَهُوَ مرادي لَا يزيدٌ وَلَا ... ثوراً وإنْ رقَّا وراقا لي)
وَقَالَ
(يَا جنَّةً كوثرُها ... رُضابُها المروَّقُ)
(وفوقَ غصنِ خدِّها ... عِذارُها مطوَّقُ)
وَقَالَ أَيْضا
(فَدَيْتُ مَن مبسِمُهُ ... زهرٌ لغُصْنِ قدِّهِ)
(وصُدْغُهُ مطوَّقٌ ... فِي روضةٍ من خدِّهِ)
وَقَالَ
(خضَّبنُ بالوَسْمَةِ مِن ... بعد المشيب مفرقي)
(كالغصن كَانَ مُزهراً ... ثمَّ اكتسى بالورقِ)
)
وَقَالَ فِي مليح سمين كثير الشّعْر
(تعشَّقتُ فلاحاً بنَيْرَبِ جِلِّقٍ ... فَفِي حُسنه لَا فِي الرياضِ تفرُّجي)
(وَقَالُوا اسْلُ فَهُوَ عَبْلٌ ومُشْعِرٌ ... وَمَا هُوَ إلاَّ من جبال البنفسجِ)
وَقَالَ
(أَلا خلِّ الملامَةَ فِي هَوَاهُ ... كَبِيرا رِدفهُ مِلءَ الإزارِ)
(فلي أيرٌ بِهِ كِبَرٌ وكِبْرٌ ... فَلَيْسَ يقومُ إلاَّ للكبارِ)
وَقَالَ
(رمتني سود عينيهِ ... فأصْمَتْني وَلم تبطي)(22/129)
(وَمَا فِي ذَاك من بِدْعٍ ... سهامُ اللَّيْل مَا تخطي)
وَقَالَ
(أَيُّها الجنديُّ كم تج ... بُنُ عَن ملقى الخصومِ)
(إنَّ أكل الْخبز بَال ... جُبْنِ مضرٌّ بالجُسومِ)
وَقَالَ
(قد أقبلَ النبيُ فِي جيوشٍ ... ورَنْكُهُ حالكُ السوادِ)
(وسلَّ أوراقَه سيوفاً ... ليقتلَ المَحْلَ فِي البلادِ)
وَقَالَ
(أرى الكُتَّابَ والحُسَّابَ فيهم ... لصوصٌ يسرقون الناسَ طُرَّا)
(فقومٌ يسرقون اللَّفْظ جَهرا ... وقومٌ يسرقون المَال سِرَّا)
وَقَالَ
(عجبا لمن قتلَ الحسينَ وأهلُهُ ... حرَّى الجوانحِ يومَ عاشوراءِ)
(أعطاهمُ الدُّنيا أبوهُ وجدُّه ... وَعَلِيهِ قد بخلوا بِشَربَة ماءِ)
وَقَالَ
(سمعتُ بأنَّ الكحلَ للعين قوَّةٌ ... فكحَّلْتُ فِي عاشورَ مقلةَ ناظري)
(لتقوى على سحِّ الدُّمُوع على الَّذِي ... أذاقوه دون المَاء حَرَّ البواترِ)
وَقَالَ على لِسَان شخص يشتكي النِّقرِس)
(أعاذكَ الرحمنُ من نِقْرِسٍ ... ومِن أَذَى طاعونه الضَّاربِ)
(كأنَّما الرِّجلان من وَقْدِهِ ... لابسةٌ نعلَ أبي طالبِ)
وَقَالَ
(يَا من لَهَا كَرْمُ شَعْرٍ ... فِي الثغر مِنْهُ شَمُولُ)
(عُنقودُ صُدغِك حلوٌ ... وَمَا إِلَيْهِ وُصولُ)
وَقَالَ وَقد قرَّر عَلَيْهِ الدِّيوَان سِيَاقَة بغلين
(أعِدْ نظرا فِي حَالنَا إنَّ حَالنَا ... من الضعْف للعميان حاشاك بارْزهْ)
(وَكَيف لنا يَوْمًا ببغلين طاقةٌ ... وقدرتُنا عَن بَغْلَطاقَيْن عاجِزهْ)(22/130)
وَقَالَ فِي السَّاعِي وَلم يصل إِلَى اللَّيْل
(لامَ الوَرَى ساعيَ الحنايا ... وَكَيف يدْرِي من لَيْسَ يَجْري)
(إِن لم يكن جَاءَنَا بشمسٍ ... فإنَّه جَاءَنَا ببدرِ)
وَقَالَ
(وَلَا تَسْأَلُونِي عَن ليالٍ سهرتُها ... أراعي نُجُوم الأُفْق فِيهَا إِلَى الفجرِ)
(حديثيَ عالٍ فِي السَّماءِ لأنَّني ... أخذتُ الأَحاديثَ الطوَال عَن الزُّهْري)
وَقَالَ
(يَا لائمي فِي هَواهَا ... أفرطتَ بالحبِّ جهلا)
(مَا يعلمُ الشوقَ إلاَّ ... وَلَا الصبابةَ إلاَّ)
وَقَالَ
(يجدِّدُ عاشوراءُ حزني وحسرتي ... على سيِّدِ الشبَّانِ فِي جنَّة الخُلْدِ)
(ولستُ أرَاهُ غيرَ يَوْم قيامةٍ ... لما فِيهِ من طولٍ يُضاف إِلَى مدِّ)
وَقَالَ
(كم رُمْتُ أنْ أدعَ الصبابة والصِّبا ... فَثنى الغرامُ العامريُّ زِمامي)
(بذوائبٍ ذَابَتْ عَلَيْهَا مُهجتي ... ومناطقٍ نَطَقَتْ بفرط سَقامي)
وَقَالَ
(امْرُؤ الْقَيْس بن حُجر جَدُّنا ... كَانَ من أعجب أَمْلَاك الزمانِ)
)
(ضلَّ لمَّا ظلَّ يَبْغِي ملكهمْ ... وَهدى الناسَ إِلَى طُرْقِ الْمعَانِي)
وَقَالَ
(مَا آلةُ الخطِّ إلاَّ ... كآلةِ الحرثِ فِعلا)
(مَا دخلتْ دارَ قومٍ ... إلاَّ وصاروا أذِلا)
وَقَالَ
(براغيثُ فِيهَا كثرةٌ فكأنَّما ... علينا من الآكامِ يحتفرونها)
(يَقُولُونَ لي صِفْها فقلتُ أعِيذكم ... قوارصُ تَأتِينِي وتحتقرونها)(22/131)
وَقَالَ
(أَيُّها النفسُ ثقي من خالقي ... بدوام الرزق مَا احتجتِ إليهِ)
(يرْزق الْكَلْب وَلَا يَرْزُقنِي ... أَيْن تكريمي وتفضيلي عَلَيْهِ)
وَقَالَ
(لم تصقلِ الأنواءُ أَو ... راقَ الخريف من الولوعِ)
(إلاَّ لتُذهِبَ كلَّ مَا ... كتبتْه فِي فصل الربيعِ)
وَقَالَ
(وعاذلٍ عارَضَهُ ... عارِضُهُ فِي خدِّهِ)
(فَقَالَ لستُ عارضاً ... بل أَنا غيم وَردهِ)
وَقَالَ
(لم لَا تجيبُ إِلَى الكا ... سِ والحَمامُ يُنَادي)
(والنبتُ قد نَام سُكراً ... من شرب الْخمر الغوادي)
وَقَالَ
(تأمَّل إِلَى الزهر فِي دوحه ... وَمن زَارَهُ من ملاح الفنونِ)
(تظنُّ الوجوهَ الَّتِي تَحْتَهُ ... تَساقطن من فَوْقه من عيونِ)
وَقَالَ
(شرب النَّكريشُ خنقاً ... فغدا غيرَ مُفيقِ)
(فَعلمنَا أَنه ممّ ... ن يرى شرب العتيقِ)
)
وَقَالَ وَقد أُهدي إِلَيْهِ مشط
(كَيفَ أُؤدِّي شكرَ مولى لم يزل ... لي بالرفيع واللطيف مُتحِفا)
(أَهْدَت إليَّ كفُّه هَدِيَّة ... أُعيذها بقلبها مُصَحِّفا)
وَقَالَ
(لي من الطّرف كاتبٌ يكْتب الشو ... ق إِلَيْكُم إِذا الفؤادُ أمَلَّهْ)
(سلسل الدمعَ فِي صحيفَة خدي ... هَل رَأَيْتُمْ مُسَلْسَلاتِ بن مُقْلَهْ)
وَقَالَ
(ومُبَخَّلٍ لَا يُوقد ال ... مصباحَ عمدا فِي ذراهُ)(22/132)
(كي لَا يرِيه ظِلَّهُ ... فيظنَّه ضيفاً أتاهُ)
وَقَالَ
(دقَّتْهُ بالخُفِّ إِلَى أَن عَمِي ... وعام فِي السَّلْحِ إِلَى الذَّقنِ)
(وَقَالَ تهديداً لَهَا كلّما ... تلكّأتْ هَذَا لَهَا مني)
وَقَالَ
(يومٌ يَقُول بشكله ... قومُوا اعبدوا الله الأحدْ)
(قُزَحٌ كمحرابٍ بدا ... والبرقُ قِنديل وَقَدْ)
(والرعدُ فِيهِ مًسَبِّحٌ ... حبّاتُ سُبْحَتِه بَرَدْ)
وَقَالَ
(كلّما جئناه كي نُرْ ... وى ونَروي عَنهُ جودا)
(حدثتْنا راحتاهُ ... عَن عَطاء ابْن يزيدا)
وَقَالَ
(وفدُه يروون عَنهُ ... خبرَ الجودِ)
(عَن عطاءِ ابْن يزيدٍ ... وعطاءِ ابْن يسارِ)
وَقَالَ
(لما تبدَّى نَبَات عارِضه ... مستقطراً ماءَ وردةِ الخدِّ)
(ناديتُ من أَيْن ذَا السوادُ أَتَى ... فَقَالَ ذَا من حُراقة الوردِ)
)
وَقَالَ
(إِن الحشيشَ حَضْرَةٌ ... أنيقةٌ ومُسْكِرُ)
(فِي الكفِّ روضٌ أخضرٌ ... والعينِ خمرٌ أحمرُ)
وَقَالَ
(سُئِلَ الوردُ عِنْدَمَا استقطروه ... لِمَ ذَا عذَّبوكَ بالنيرانِ)
(قَالَ مَا لي جنايةٌ غير أَنِّي ... جئتُ بعضَ السنينَ فِي رمضانِ)
وَقَالَ
(طُبْشِيَّةٌ لم تزلْ مكارشةً ... زوجا لَهَا عادياً وبطّاشا)(22/133)
(كم لَقَّ جوكانُ رجلهَا كُرةً ... من رَأسه فاغتدى لَهَا باشا)
وَكتب عَن نَائِب البيرة سيف الدّين طوغان مطالعةً إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر يبشِّره بِمَوْت قازان
(قد مَاتَ قازانُ بِلَا مِريَةٍ ... وَلم يَمُتْ فِي الحِجج الماضيهْ)
(بل شنَّعوا عَن مَوته فانثنى ... حيًّا وَلَكِن هَذِه القاضيهْ)
فجَاء الْجَواب بخطِّ شهَاب الدّين مَحْمُود وَمن جملَة إنشائه
(مَاتَ من الرعب وَإِن لم تكن ... بِمَوْتِهِ أسيافُنا راضيهْ)
(وَإِن يَفُتْها فأخوه إِذا ... رأى ظُباها كانتِ القاضيهْ)
3 - (ابْن معبد البغداذي)
عَليّ بن معبَد البغداذي سكن مصر وروى عَنهُ النَّسائي وَعَن رجل عَنهُ قَالَ العِجليّ ثِقَة صَاحب سنّة ولي أَبوهُ طرابلس الغرب
3 - (الإِمَام اللّغَوِيّ)
عَليّ بن المُغيرة أَبُو الْحسن الْأَثْرَم صَاحب اللُّغَة كَانَ صَاحب كتبٍ مصحَّحة قد لَقِي بهَا الْعلمَاء وضبطها وَلم يكن لَهُ حفظ لَقِي أَبَا عُبيدة والأصمعي وَأخذ عَنْهُمَا مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ لَهُ كتاب النَّوَادِر كتاب غَرِيب الحَدِيث وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن صُبيح الْكَاتِب قد أقدم أَبَا عُبَيْدَة من الْبَصْرَة إِلَى بغداذ أَيَّام الرشيد وأحضر الْأَثْرَم وَهُوَ يومئذٍ ورّاق وَجعله فِي دارٍ من دوره وأغلق عَلَيْهِ الْبَاب وَدفع إِلَيْهِ كتب أبي عُبَيْدَة وَأمره بنسخها قَالَ أَبُو)(22/134)
(كبرتُ وَجَاء الشيبُ والضعفُ والبلى ... وكلُّ امرئٍ يَبلى إِذا عَاشَ مَا عشتُ)
(أقولُ وَقد جاوزتُ تسعين حِجّةً ... كأنْ لم أكن فِيهَا وليداً وَقد كنتُ)
(وأنكرتُ لمّا أَن مضى جُلُّ قوّتي ... وتزدادُ ضعفا قوتي كلما زِدْتُ)
(كَأَنِّي إِذا أسرعتُ فِي الْمَشْي واقفٌ ... لقرب خُطًى مَا مسَّها قِصَرٌ وقتُ)
(وصرتُ أَخَاف الشَّيْء كَانَ يخافني ... أُعَدُّ من الْمَوْتَى لضعفي وَمَا مُتُّ)
(وأسهر من برد الْفراش وَلينه ... وَإِن كنتُ بَين الْقَوْم فِي مجلسٍ نمتُ)
3 - (ابْن المنجِّم)
عَليّ بن مُفرِّج الْأَمِير نشءُ الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المنجِّم أَبُو الْحسن المعرِّي الأَصْل المصريُّ الدَّار والوفاة وَمن شعره
(وظبيٍ فَوق وجنته ضِرامٌ ... وَفِي قلبِي لَهُ أثرُ الحريقِ)
(وَقد دبَّ العِذارُ بِهِ فلمّا ... أحسَّ النارَ عاجَ عَن الطريقِ)
(ومالَ بهَا إليَّ فقلتُ كلاّ ... فَبِرُّك بِي أشدُّ من العُقوقِ)
(فخمرٌ لم تخالط قطُّ كفّي ... وَلَا عَقْلِي وَلَا سكنتْ عُروقي)
(فَقَالَ لقد شربتَ فَقلت كلاّ ... مَتى ذَا قَالَ حِين رشفتَ ريقي)
نقلت من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني رشيد الدّين عمر بن مظفر الفُوّي قَالَ أَنْشدني ابْن المنجّم لنَفسِهِ فِي النفيس القُطْرُسي وَقد أنْشد مرثيةً لبَعض بني عُثْمَان فِي وسط العزاء بِمصْر يتهكَّم عَلَيْهِ
(حسبُكَ يَا قُطْرُسيُّ مَرْثيةً ... سارتْ مسير النُّجُوم فِي الفَلَكِ)
(أضحكتَ من ختمة العزاء بهَا ... أضعافَ مَا نيحَ قَلبهَا وبُكي)
(وأبلغُ الناسِ فِي العزاء فَتى ... بدَّل فِيهِ البكاءَ بالضَّحِكِ)
قَالَ وأنشدني ابْن المنجم فِي ابْن رَجَاء الْعَاقِد وَقد ولاّه الْحَاكِم الْعُقُود بِمصْر)
(يَا ابْن رجاءٍ غير أنَّ نقطته ... من فوقُ والراءُ مِنْهُ فِي الوسطِ)(22/135)
(مَا حاكمُ الْمُسلمين فِيك وإنْ ... ولاّك أمرَ الْعُقُود ذَا غَلَطِ)
(أَنْت لَعَمري عينُ الْخَبِير بأنْ ... تجمع بَين الرأسينِ فِي نمطِ)
قَالَ وأنشدني ابْن المنجم لنَفسِهِ فِي ابْن أبي حُصينة الأحدب وَقد جلس فِي وسط الْحلقَة
(إنْ حلَّ وَسْطَ الحَلقةِ الأحدبُ ... وأظلمتْ مِنْهُ فَلَا تَعجبوا)
(كأنّما الحلقةُ عينٌ وَقد ... حلَّ بهَا فَهُوَ بهَا كوكبُ)
قَالَ وأنشدني ابْن المنجّم لنَفسِهِ فِي ابْن الْأَصْبَهَانِيّ عِنْد تَوليته وَهُوَ أعمى دَار الزَّكَاة
(إِن يَكُنِ ابنُ الأصبهانيِّ من ... بعد الْعَمى فِي الخدمةِ استُنهِضا)
(فالثورُ فِي الدولاب لَا يَحسُن اس ... تعمالهُ إلاَّ إِذا غُمِّضا)
وَقَالَ وأنشدني ابْن المنجّم لنَفسِهِ يهجو مظفَّراً الْأَعْمَى
(قَالُوا يقودُ أَبُو الع ... زِّ قلتُ هَذَا عنادُ)
(أعمى يقودُ وعهدي ... بِكُل أعمى يُقادُ)
3 - (الْحَافِظ بن الأنجب المالكيّ)
عَليّ بن المفضَّل بن عَليّ بن أبي الغَيث مُفَرِّج بن حَاتِم بن الْحسن بن جَعْفَر العلاّمة الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو الْحسن ابْن القَاضِي الأنجب أبي المكارم اللَّخْمِيّ الْمَقْدِسِي الأَصْل الإسْكَنْدراني الْمَالِكِي القَاضِي كَانَ إِمَامًا محدّثاً لَهُ تصانيف مفيدة فِي الحَدِيث وَغَيره وَكَانَ ورعاً خيِّراً حسن الْأَخْلَاق كثير الإغضاء توفّي سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة
3 - (الحمويّ التَّاجِر)
عَليّ بن مقَاتل هُوَ عَلَاء الدّين التَّاجِر الْحَمَوِيّ صَاحب الأزجال الْمَشْهُورَة لَهُ الْمعَانِي الجيدة وَلكنه عاميُّ النّظم قَلِيلا رَأَيْته بحماة سنة تسع(22/136)
وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَبعد ذَلِك بِدِمَشْق وَسَأَلته بحماة عَن مولده فَقَالَ فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وست مائَة وأنشدني كثيرا من شعره وَمن أزجاله ونقلت من خطِّه لَهُ
(ومليحٍ عمَّه الحُسْ ... نُ بخالٍ مثلِ حظِّي)
(وَقع البحثُ عَلَيْهِ ... بَينه وَبَين لَفْظِي)
(قَالَ هَذَا خَال خدِّي ... قلت بل ابنُ أختِ لحظي)
)
ونقلتُ مِنْهُ لَهُ
(يَا مُرْقِصاً يَا مُطرباً غنَّى لنا ... أنعِمْ لإخوانِ الصَّفَا بِتَلاقِ)
(فَلَقَد رميتَ مقاتلَ الفرسانِ بِي ... نَ يديكَ عِنْد مصَارِع العشّاقِ)
ونقلت مِنْهُ وَالثَّانِي تَصْحِيف الأول
(شفائي وجنّاتي حبيبٌ بِسرْبهِ ... لَعوبٌ بمَرْجٍ تُفرجُ الباسَ شيمتُهْ)
(سقاني وحيّاني حَييتُ بشربةٍ ... لغوتُ بمَزْحٍ تُفرح الناسَ سيمَتُهْ)
ونقلتُ مِنْهُ لَهُ
(خدودٌ وأصداغٌ وقدٌّ ومقلةٌ ... وثغرٌ وأرياقٌ ولحنٌ ومُعرِبُ)
(وُرودٌ وسَوسانٌ وبانٌ ونرجسٌ ... وكأسٌ وجريالٌ وجَنْكٌ ومُطربُ)
ونقلتُ مِنْهُ لَهُ
(فُضُّوا كتابي واعذروا فأناملي ... مِنْهَا اليراعُ إِذا ذُكرتم يسقُطُ)
(والقلبُ يخفِقُ لاضطراب مفاصلي ... والخطُّ يُشْكِلُ والمدامعُ تنقُطُ)
ونقلتُ مِنْهُ لَهُ
(لَا تُنكروا حمرةَ خطِّي وَقد ... فارقتُ من أحباب قلبِي جموعْ)
(فإنني لما كتبتُ الَّذِي ... أرسلتُه رمَّلْتُه بالدموعْ)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(إنَّ الخراسانيَّ لمّا حوى ... حلاوةَ الإيمانِ من خوفِهِ)
(فضَّله الله على نِدِّهِ ... أما ترى قلبين فِي جوفِهِ)(22/137)
ونقلتُ مِنْهُ لَهُ
(أسهرتْني مليحةٌ أسهرتْني ... طولَ ليلٍ ظلامهُ الطرفَ يُعْشي)
(والثُريّا كَأَنَّهَا رَاحَة تل ... طِم خدَّ المِرّيخ والجوُّ مغشي)
(والسُّهى خيفةَ الْفِرَاق من السُّق ... م مُسَجًّى على بُنيّات نَعشِ)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(ربَّ كانونَ فِي الكوانين أَمْسَى ... وَبِه حفلةٌ من النيرانِ)
(كصديقٍ لَهُ ثلاثُ وجوهٍ ... كلُّ وجهٍ مِنْهَا بِأَلف لسانِ)
)
ونقلت مِنْهُ لَهُ دوبيت كل كَلِمَتَيْنِ قلب نفسهما
(الخِلُّ خَللا مِنْ نَمّ عانق بقناع ... قانِع بعناق ألف لَا عَاد وداع)
(مَا دَامَ معانق ناعم عَاشَ مشَاع ... ألمى يملى مَا أمّ عاطى وأطاع)
ونقلت مِنْهُ لَهُ مواليّا
(على وفاكي وفاكي كم ذهب من عَين ... وَفِي شفاكي شفاكي للَّذي بُو عَين)
(مَا أحلى وماكي وماكي نبع أعيذب عين ... وَقد حَماكي حِماكي أَن تراكي عين)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(كلَّمت من لَو بقلبي ألف تَكْليمَهْ ... بِسيف لحظو الَّذِي مَا فِيهِ تَثْليمَهْ)
(وَقلت بعد الوفا تبخل بتسليمَهْ ... أرخصتَ دمعي وَمَا تغلى بتعليمَهْ)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(قَالَ الَّذِي من يرَاهُ الطّرف مَا يسْني ... أَنا الَّذِي إِن نظرت الْبَدْر مَا يسْني)
(والغصن يَا خجلتو إِن قَامَ مَا يسْني ... وعاشقي إِن هجرتُو شهر مَا يسني)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ زجلاً جآ الرَّسُول من حبّي أهلابمجيتو وَألف سهلاقلت قل لي نعم أَو لَا قَالَ وَكم من نعم أولى جآ البشير من عِنْد حبّيلي بشير بِقرب قربيسرَّني وسرَّ قلبِي وملا سَمْعِي وأَمْلَى جاني فِي عقيب رسوليمن هُوَ مأمولي وسولي(22/138)
وَقَالَ اقطعتك وصولي فاختلى بِي وتملَّى ذَا الغزال الْإِنْسِي الأغيَدكم رعى قُلُوب وأزيَدفي الْجَوَارِح مَا يُرى أصيَد من شَرَك أجفانو أصلى لحظو سيف فِي الجفن يجرححليتو الصُّدغ المسرَّحما رَأَتْ عَيْنَيْهِ أَمْلَح من ذَاك السَّيْف المحلَّى حبّي شطرنجي يفتنبالنفوس يلْعَب ويفتنبيذق أوصافو المفرزن قَط بَيت منو مَا يخلى)
يَوْم لعب معي فِي الأبياتصار يموه لي بشاماتويغ الطني بنقلات وَإِن دخل للبيت مَا يملى قلت لَو العب نقلة نقلة على ايش ماشيت بجملة قَالَ على دِينَار وقُبلة قلت لُو من فمك أحلى قلت لُو هَبْ لي يَا ذَا الألمى عُنُقه فِي الْجيد الْمُسَمّى قَالَ بروحك قلت مهما سمتني فِي الْجيد مَا يغلى كل مَا تسمع من أقواللا أَنا قلت وَلَا هُوَ قالإنَّما معنَى فِي الأَزجال مثل هَذَا مَا يِخْلَى
3 - (البحراني العُيوني)
عَليّ بن المقرَّب بن مَنْصُور بن المقرَّب بن الْحسن بن عزّ بن ضَبّار بن عبد الله بن عَليّ أَبُو عبد الله الرَّبعي البحراني العُيوني من أهل العُيون بِأَرْض الْبَحْرين ذكر أَنه من ربيعَة الْفرس ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَمن شعره
(أَلا رحلت نُعمٌ وأقفر نَعمانُ ... فَنُحْ بأسًى إِن عزَّ صبرٌ وسُلوانُ)
(شُرَيكيَّةٌ مُرِّيَّةٌ حَلَّ أهلُها ... بِحَيْثُ تلاقى بطنُ مَرٍّ ومَرّانُ)
(وعهدي بهَا إذْ ذَاك والشملُ جَامع ... وصفو التداني لم يكدِّرْه هجرانُ)
(نروح ونغدو لَا نرى الغدرَ شِيمَة ... وَلَا بَيْننَا فِي الْوَصْل مَطْلٌ ولِيّانُ)(22/139)
(عَليّ بن مُقَلَّد)
3 - (البوّاب)
عَليّ بن مُقَلَّد بن عبد الله بن كَرَامَة بن المغار أَبُو الْحسن البوّاب البغداذي الْمَعْرُوف بالأطهري كَانَ صَاحب الأطهر أبي مُحَمَّد الْحسن بن المُرتضى عَليّ بن الْحُسَيْن الموسوي
وَكَانَ بوّاباً لباب الْمَرَاتِب مَوْصُوفا بِالْخَيرِ وَالْأَمَانَة سمع وروى وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (النديم البغداذي المغنّي)
عَليّ بن مُقلَّد أَبُو الْحسن النديم كَانَ من مَشَايِخ المغنين وأعيانهم كَانَت لَهُ معرفَة بِالْغنَاءِ والألحان وَله كتاب فِي الأغاني ونظم وَقد نادم المستظهر والمسترشد توفّي فِي سنة سبع عشرَة وَخمْس مائَة وَمن شعره
(يَا مليحَ الشمائلِ ... يَا قضيب الغلائلِ)
(لَك فِي اللحظِ أسهمٌ ... قد أَصَابَت مَقاتلي)
(أَنْت عَن كل مَا تُسَ ... رُّ بِهِ النفسُ شاغلي)
(لَو يذوقُ الَّذِي أذو ... قُ من الوجدِ عاذلي)
(لبكى من صبابتي ... ورثى من بلابلي)
3 - (سديد الْملك بن منقذ صَاحب شَيْزَر)
عَليّ بن مُقلَّد بن نصر بن مُنقذ بن مُحَمَّد الْأَمِير سديد الْملك أَبُو الْحسن الكِناني صَاحب شَيْزَر أديب شَاعِر قدم دمشق مَرَّات وَاشْترى حصن شيزر من الرّوم وَكَانَ أَخا مَحْمُود بن صَالح صَاحب حلب من الرِّضاعة وَكَانَ جواداً ممدَّحاً مدحه ابْن الخيّاط والخَفاجي وَغَيرهمَا وَهُوَ أول من ملك شيزر من بني مُنقذ وَلم يزل حصن شيزر وبلاده فِي يَده إِلَى أَن جَاءَت الزلزلة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة فهدمتها وَقتلت كل من فِيهَا من بني مُنقذ وَغَيرهم تَحت الرَّدم وشغرت فجَاء نور الدّين الشَّهِيد فِي بَقِيَّة السّنة وَأَخذهَا وَجَاءَت زَلْزَلَة أُخْرَى فِي ثَانِي عشر شَوَّال سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة بحلب وأخربت بلاداً كَثِيرَة وَقد خرج من بَيته جمَاعَة فضلاء وَأُسَامَة بن منقذ هُوَ حفيده وَتُوفِّي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى(22/140)
وَمن شعره)
(أسطو عَلَيْهِ وقلبي لَو تمكَّن من ... كفَّيَّ غلَّهما غيظاً إِلَى عُنُقي)
(وأستعيرُ إِذا عاتبتُه حَنَقاً ... وَأَيْنَ ذُلُّ الهَوَى من عِزَّةِ الحَنَقِ)
وَمِنْه
(مَاذَا النجيعُ بوجنتيكَ وَلَيْسَ من ... شَرط الأنوف على الخدودِ رُعافُ)
(ألحاظنا جَرَحتْك حِين تعرَّضتْ ... لَك أم أديمُك جوهرٌ شفّافُ)
وَمِنْه
(إِذا ذكرتُ أياديكَ الَّتِي سَلَفَتْ ... معْ سوء فعلي وزلاّتي ومُجْتَرَمي)
(أكاد أقتل نَفسِي ثمَّ يَمْنعنِي ... علمي بأنّكَ مجبولٌ على الكَرَمِ)
وَمِنْه
(لَا تَعْجَلوا بالهجر إنَّ النَّوَى ... تحمل عَنْكُم مِنَّةَ الهَجرِ)
(وظاهرونا بوفاءٍ فقد ... أغناكمُ البَيْنُ عَن العُذْرِ)
وَمِنْه
(كَيفَ السُلُوُّ وحبُّ من هُوَ قاتلي ... أدنى إليَّ من الوريد الأقربِ)
(إِنِّي لأُعْمِلُ فكرتي فِي سَلْوَةٍ ... عَنهُ فَيظْهر فيَّ ذُلُّ المُذْنبِ)
وَمِنْه
(من كَانَ يرضى بِذُلٍّ فِي ولَايَته ... من خوف عزلٍ فَإِنِّي لست بالراضي)
(قَالُوا فتركبُ أَحْيَانًا فقلتُ لَهُم ... تحتَ الصَّلِيب وَلَا فِي موكب القَاضِي)
وَمِنْه
(بكرتْ تنظرُ شيبي ... وثيابي يومَ عيدِ)
(ثمَّ قَالَت لي بهُزءٍ ... يَا خليقاً فِي جديدِ)
(لَا تُغالطني فَمَا تص ... لح إلاَّ للصدودِ)
وَمِنْه
(أحبابَنا لَو لَقِيتُم فِي مُقامكمُ ... من الصَّبابة مَا لاقيتُ فِي ظَعَني)(22/141)
(لأصبح البحرُ من أنفاسكم يَبَساً ... كالبَرِّ من أدمعي ينشقُّ بالسُّفُنِ)
قلت شعرٌ جيد فِيهِ غَوْصٌ وتخيُّلٌ صَحِيح)
وَقد مدحه أَحْمد بن مُحَمَّد الخيّاط الدِّمَشْقِي الشَّاعِر بقصيدة أَولهَا
(يقيني يقيني حادثاتِ النوائبِ ... وحزميَ حزمي فِي ظُهُور النجائِبِ)
مِنْهَا فِي المديح
(من القومِ لَو أنَّ اللَّيَالِي تقلَّدتْ ... بإحسانهم لم تحتفِل بالكواكبِ)
(إِذا أظلمتْ سُبْلُ السُّراة إِلَى العُلى ... سَرَوا فاستضاءوا بَينهَا بالمَناسبِ)
3 - (حَاجِب الْعَرَب)
عَليّ بن مقلَّد عَلَاء الدّين صَاحب الْعَرَب بِدِمَشْق كَانَ أسمر طُوالاً يتحنَّك بعمامته ويتقلَّد بِسَيْفِهِ زِيَّ الْعَرَب قدَّمه الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُز رَحمَه الله تَعَالَى وأهَّله لهَذِهِ الْوَظِيفَة وَصَارَ عِنْده مكيناً حكى لي من لَفظه قَالَ توجَّهتُ إِلَى الرَّحْبَة فِي شغل فعدتُ وَقد حصل لي ثَمَانِيَة عشر ألف دِرْهَم أَو قَالَ خَمْسَة عشر ألف دِرْهَم من العربان وَكَانَ يسْأَل عَنهُ ناصرَ الدّين دوادارَه وَيَقُول لَهُ إِن هَذَا ابْن مقلَّد مَا يُعجبنِي حَاله وَرُبمَا إنّه يشرب فَيَقُول مَا أظنُّ ذَلِك وَلَا يقدر يفعل ذَلِك وحاجَّه فِيهِ مرّاتٍ فَلَمَّا كَانَت وَاقعَة حَمْزَة التُّركماني ودخوله إِلَى تُنْكُز ورميه لناصر الدّين الدوادار وجماعته خرج لوالي دمشق وَقَالَ أُرِيد تكبس ابْن مقلّد
فكبسه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَعِنْده جمَاعَة نسْوَة وحُرَفاؤهنّ فَلَمَّا أصبح دخل حَمْزَة إِلَيْهِ وعرَّفه الصُّورَة فأحضر الدوادار وَأنكر عَلَيْهِ ووبَّخَهُ وعنَّفه وَكَانَ سَبَب الْإِيقَاع بِهِ وأحضر ابْن مقلّد قدّامه وَقَتله بالمقارع قتلا عَظِيما مُبرَّحاً وكحله وَقطع لِسَانه لِأَنَّهُ تكلم بِمَا لَا يَلِيق وأُحضر لِسَانه إِلَيْهِ على ورقة فَأَقَامَ فِي اعتقال القلعة مُدَيْدة وَمَات فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة رَحمَه الله وسامحه بَعْدَمَا سُلب نعْمَة عَظِيمَة
3 - (الدوري البغداذي)
عَليّ بن مكّي بن مُحَمَّد بن هُبَيْرة أَبُو الْحسن الدُّوري بن أبي جَعْفَر ابْن أخي الْوَزير أبي المظفر يحيى كَانَ أديباً فَاضلا بليغاً لَهُ النّظم والنثر وَله رِسَالَة فِي الصَّيْد رَوَاهَا عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن عمر بن الغزال الْوَاعِظ(22/142)
وَمن شعره
(هَذَا الربيعُ يُسدِّي من زخارفِهِ ... وَشْياً يكَاد على الألحاظ يلتهبُ)
(كأنّما هُوَ أيّامُ الْوَزير غَدَتْ ... مُحَلَّياتٍ بِمَا يُعطي وَمَا يهَبُ)
وَمِنْه يصف فهدين)
(يتعاوران من الْغُبَار مُلاءةً ... بيضاءَ مُحْدَثَةً هما نَسَجاها)
(تُطوى إِذا وطئا مَكَانا جاسِياً ... وَإِذا السنابكُ أسهلتْ نَشَراها)
3 - (ابْن الصَّيْرَفِي الْكَاتِب)
عَليّ بن مُنجب بن سُلَيْمَان أَبُو الْقَاسِم الصَّيرفي كَانَ أحد كتاب المصريِّين وبلغائهم كَانَ أَبوهُ صيرفيًّا واشتهى هُوَ الْكِتَابَة فمهر فِيهَا وَكتب خطًّا مليحاً واشتهر ذكره وخطّه مَعْرُوف
توفّي بعد الْخمسين وَخمْس مائَة أَيَّام الصَّالح بن رُزِّيك واشتغل بِكِتَابَة الْجَيْش وَالْخَرَاج مدَّةً ثمَّ إنَّ الْأَفْضَل بن أَمِير الجيوش استخدمه فِي ديوَان المكاتبات وَرفع من قدره وشهره وَأَرَادَ عزل الشَّيْخ ابْن أُسَامَة وإفراد ابْن الصَّيْرَفِي بالمنصب فَمَاتَ الْأَفْضَل قبل ذَلِك وَلابْن الصَّيْرَفِي من التصانيف كتاب الْإِشَارَة فِي من نَالَ رُتَب الوزارة كتاب عُمدة المحادثة كتاب عقائل الْفَضَائِل كتاب استنزال الرَّحْمَة كتاب منائح القرائح كتاب ردّ الْمَظَالِم كتاب لمح المُلَح كتاب فِي الشُّكْر وَاخْتَارَ ديوَان مِهيار اخْتِيَارا جيدا وَاخْتَارَ شعر أبي الْعَلَاء المعري وديوان ابْن السرَّاج وَغير ذَلِك ورسائله فِي أَربع مجلدات وَمن شعره
(هذي مناقبُ قد أغناهُ أيسرُها ... عَن الَّذِي شرَعَتْ آباؤه الأُوَلُ)
(قد جَاوَزت مطلِعَ الجوزاء وارتفعتْ ... بِحَيْثُ ينحطّ عَنْهَا الحُوت والحَمَلُ)
وَمِنْه
(لَا يبلغُ الغايةَ القصوى بهمَّته ... إلاَّ أَخُو الحربِ والجُردِ السَّلاهيبِ)
(يطوي حشاه إِذا مَا اللَّيْل عانقهُ ... على وشيجٍ من الخطيِّ مخضوبِ)(22/143)
وَمِنْه
(لما غدوتَ مليكَ الأَرْض أفضلَ مَن ... جلَّتْ مفاخرهُ عَن كلِّ إطراءِ)
(تغايرتْ أدواتُ النطقِ فيكَ على ... مَا يصنع الناسُ من نظمٍ وإنشاءِ)
وَهَذَانِ البيتان لِابْنِ الصَّيْرَفِي غيَّر قافيتهما إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين قافية على عدد حُرُوف المعجم ونقلتُ أَنا من خطه مَا صورته تضمَّن كتاب الوزراء لِابْنِ عَبدوس أَن فَتى حَدِيث السنّ قدم على عَمْرو بن مسْعدَة متوسِّلاً إِلَيْهِ بالبلاغة فامتحنه بِأَن رمى إِلَيْهِ كتاب صَاحب الْبَرِيد فِي بعض النواحي يخبر فِيهِ أَن بقرة ولدت غُلَاما وَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فِي هَذَا الْمَعْنى فَكتب الْحَمد لله خَالق الأَنام فِي بطُون الْأَنْعَام فلمَّا رأى ذَلِك عَمْرو غَار على صناعته)
ومحلّه فَجَذَبَهُ من يَده وَأحسن إِلَيْهِ وردَّه إِلَى بَلَده
وَمَا علمتُ أحدا كمّل الْبَاب وتمَّممه فعمدت إِلَى هَذَا الِابْتِدَاء فأنشأت عَلَيْهِ مَا يقْرَأ على النَّاس وَهُوَ الْحَمد لله خَالق الأَنام فِي بطُون الأَنعام ومصوّرهم بِحِكْمَتِهِ فِيمَا يَشَاء من الأَرحام ومخرج النَّاطِق من الصَّامِت مَعَ اخْتِلَاف الأَشكال وتباين الأَجسام إبانةً على ماهر آيَته فِيمَا ابتدع وإظهاراً لما اسْتَحَالَ فِي الْعَادَات وَامْتنع ليدلّ على أنَّ قدرته أبعد غَايَة ممَّا يتخيَّله الْفِكر ويتوهَّمه وَأَن مصنوعاته شَوَاهِد وحدانيَّته لمن يتبيَّن معجزها ويتفهّمه يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا اختصَّ بِهِ أَيَّامه من بَدَائِع مخلوقاته ويشكره على غرائب صنعه الَّتِي أَصبَحت من دَلَائِل فَضله وعلاماته إذْ كَانَ جلَّ وَعلا قد جعل آيَاته مَوْقُوفَة على أزمنة أصفيائه ومعجزاته مَقْصُورَة على عصور أنبيائه وأوليائه على أنَّ لَدَيْهِ من خَلِيله وفتاه وصفيّه الَّذِي أوجه السعد نَحوه وَأَتَاهُ السيّد الأجلّ الْأَفْضَل الَّذِي اكتسى الدِّين بنصرته ثوب الشَّبَاب والبهجة واقترنت الْمُبَالغَة فِي صِفَاته بقول الْحق وَصدق اللهجة ملكا غَدا الزَّمَان جذلاً بدولته ومغتبطاً وَسَيِّدًا ارْتَفع أَن يَأْتِي المكارم إلاَّ مخترعاً لَهَا مستنبطاً وسلطاناً يفعل الْحسن عذرا ويتنزّه أَن يَفْعَلهَا عواناً وهماماً يتأنّس فِي العزمات بِنَفسِهِ فَلَا يستنجد أنصاراً فِيهَا وَلَا أعواناً
لَا جَرَم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يرفل من تَدْبيره فِي ملابس العزّ الفاخرة ويتحقّق أَن النِّعْمَة بِهِ فِي الدُّنْيَا برهانٌ على مَا أعدَّ لَهُ فِي الدَّار الْآخِرَة ويرغب إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة على جدِّه محمَّدٍ سيّد ولد آدم وأشرف من تأخَّر وقته وتقادم والمبعوث بشيراً وَنَذِيرا إِلَى كَافَّة الْبشر(22/144)
والمخصوص بتسبيح الْحَصَى وحنين الجِذعِ وانشقاق الْقَمَر صلّى الله عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه وَابْن عمّه أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب مستودع سرِّه ومنتهى علمه ومقرّه والمحبُوِّ بِمَا يدل على شرِيف مَنْزِلَته وَقدره وَمن قَاتل الجنّ فسُقوا بغضبه كأس الْمنون وردَّت لَهُ الشَّمْس كَمَا ردَّت من قبله ليوشع بن نون وعَلى آلهما الهداة الأئمَّة الَّذين زَالَت بإرشادهم كلّ شُبْهَة وغمَّة وَنسخت بأنوارهم ظلم الشكوك المدلهمَّة وتنقَّلت فيهم سيادة هَذَا الْعَالم وسياسة هَذِه الأمَّة ويلَّم عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ تَسْلِيمًا وَزَادَهُمْ تَشْرِيفًا وتكريماً وتعظيما
وإنَّ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا تأمَّل مَا ينشئه الله ويبدعه وتدبر مَا يبديه سُبْحَانَهُ ويخترعه وجد من غرائب الْفِعْل وغوامض الْقُدْرَة وعجائب الصنع وسرائر الْفطْرَة مَا يبْعَث على الضراعة لَهُ)
والخشوع وَيَدْعُو إِلَى الاستكانة لعظمته والخضوع ويضطر كلّ ذِي لبٍّ وتصوُّر ويقتاد كلَّ ذِي عقلٍ وتفكُّر إِلَى صِحَة الْعلم بأنَّه الله الَّذِي لَا إِلَه إلاَّ هُوَ الواحدُ لَا من حِسَاب عَاد والقاهر بِلَا مدافعٍ لأَمره وَلَا رادّ والرازقُ المنشئ المقدّر والخالق البارئ المصوّر مخرج الْعَالم من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وفاطرُ النَّسم على غير الْمِثَال الْمَعْهُود والدالُّ على حكمته بإتقان ذَلِك وَحسن تركيبه ومصرِّف الأَفكار فِيمَا تحدثه قدرته النافذة وَتَأْتِي بِهِ وَهَذَا برهَان أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا هُوَ لهِجٌ بِهِ من الذّكر والتوحيد وحجَّته فِيمَا هُوَ متوفّر عَلَيْهِ من مُوَاصلَة التَّحْمِيد والتنجيد وَالله عزّ وجلّ يُضَاعف لَهُ ثَوَاب الْمُجْتَهدين وينيله الزُّلْفة بِمَا يُعينهُ عَلَيْهِ من إعزاز الدّين
وإنَّه عُرض بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ كتاب مُتَوَلِّي الْبَرِيد يتضمَّن أمرا أبان عَن العظمة الْقَاهِرَة وأعرب عَن المعجزة الباهرة وأوضح المعذرة لمن يَعْتَقِدهُ من شَرَائِط الساهرة وَذَلِكَ أنَّه أنهى أنَّ بقرة جرت حَالهَا على غير الْقيَاس فنتجت حَيَوَانا على هَيْئَة النَّاس وَفِي هَذَا مُخَالفَة المنتوج جنس الناتج وَذَاكَ ممَّا يضلِّل الْفَهم ويستوقفه ومباينته إيَّاه وَهُوَ ممَّا تنكره الْعُقُول وَلَا تعرفه وَهَذَا من الأَنذار المنبِّهة الموقظة والإبداعات الَّتِي تضمَّنت بَالغ الموعظة وفيهَا تحذير لمن تَمَادى على الآثام والمعاصي وتذكير بيومٍ يُؤْخَذ المجرمون فِيهِ بالأَقدام والنواصي
فتأمَّلوا معشر الْمُسلمين رحمكم الله هَذِه الْحَادِثَة وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْوَعيد وتدبَّروا مَا خطب بِهِ لِسَان التخويف فِيهَا مسمعاً للقريب والبعيد إنَّ فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد وَبَادرُوا وفَّقكم الله إِلَى الدُّعَاء والابتهال وَاعْمَلُوا بِمَا ندبتم إِلَيْهِ من صَالح الأَعمال وأقلعوا عمَّا كُنْتُم تُمسون عَلَيْهِ من الْخَطَايَا(22/145)
وتصبحون وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أيُّها الْمُؤْمِنُونَ لعلَّكم تفلحون وتوسَّلوا عِنْده بتعميركم مظانَّ الْخَيْر ومواطنه وانتهوا إِلَى مَا أَمركُم بِهِ فِي قَوْله وذَروا ظَاهر الْإِثْم وباطنه واعتقدوا الْإِخْلَاص فِي ذَلِك وأضمروه وَاعْلَمُوا أنَّ الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ فَهَذَا إِذا عكفتم عَلَيْهِ واجتهدتم فِيهِ واعتمدتم مِنْهُ مَا يذهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان وينفيه حزتم من الثَّوَاب جزيلاً جسيماً ونلتم فِي العاجلة حظًّا عَظِيما وكنتم فِي الآجلة ممَّن قَالَ الله فيهم تبييناً لصَادِق وعده وتفهيماً تحيّتهم يَوْم يلقونه سلامٌ وأعدَّ لَهُم أجرا كَرِيمًا وَقد دعَاكُمْ إِيثَار أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ ونصح الله تبَارك)
وَتَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فِيكُم فسارعوا إِلَى أمره ترشدوا وتمسَّكوا بهدايته توفَّقوا وتسعدوا فاعلموا هَذَا وَاعْمَلُوا بِهِ وانتهوا إِلَيْهِ انتهاءَ من الطَّاعَة غَايَة مَطْلُوبه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
3 - (الْكُوفِي العلاّف)
عَليّ بن الْمُنْذر أَبُو الْحسن الطريقي الأوْدي الْكُوفِي العلاّف الْأَعْوَر قَالَ النَّسائي شيعيٌّ محضٌ ثِقَة توفّي سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ التّرمذي والنَّسائي وَابْن ماجة
(عَليّ بن مَنْصُور)
3 - (دَوْخَلة بن القارح)
عَليّ بن مَنْصُور بن طَالب الْحلَبِي الملقّب دَوْخَلَة ويُعْرف بِابْن القارح أَبُو الْحسن وَهُوَ الَّذِي كتب إِلَى أبي الْعَلَاء المعرّي رِسَالَة مَشْهُورَة تُعرف ب رِسَالَة ابْن القارح وأجابه المعرّي ب رِسَالَة الغفران كَانَ شَيخا من أهل الْأَدَب راوية للْأَخْبَار حَافِظًا لقطع كَثِيرَة من اللُّغَة والأشعار قيِّماً بالنحو وَكَانَ ممّن خدم أَبَا عليٍّ الْفَارِسِي فِي دَاره وَهُوَ صبيّ ثمَّ لَازمه وَقَرَأَ عَلَيْهِ قَرَأَ على زَعمه جَمِيع كتبه وسماعاته وَكَانَت معيشته من التَّعْلِيم بِالشَّام ومصر
وَكَانَ مؤدِّباً للوزير أبي الْقَاسِم المغربي وَله فِيهِ هجو كثير وَكَانَ يذمّه ويعد معايبه(22/146)
قَالَ ابْن عبد الرَّحِيم وَكَانَ آخر عهدي بِهِ بتَكريت سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع مائَة وبلغتني وَفَاته من بعد وَذكر أَن مولده بحلب سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَلَاث مائَة وَلم يتزوَّج وَمن شعره
(أَيْن من كَانَ يوضَع الأيرُ إجلا ... لَا على الرأسِ عِنْده ويُباسُ)
(أَيْن من كَانَ عَارِفًا بمقادي ... رِ الأيورِ الكبارِ ماتَ الناسُ)
وَمِنْه فِي الكسرَويّ
(إِذا الكِسْرَوِيُّ بدا مُقبلاً ... وَفِي يَده ذيلُ دُرّاعتِهْ)
(وَقد لبسَ العُجْبَ مُسْتَنْوِكاً ... يتيه ويختالُ فِي مِشيتهْ)
(فَلَا يمنعنَّك بأواؤُهُ ... ضُراطاً يُقَعْقِعُ فِي لحيتهْ)
وَمِنْه يهجو الْوَزير المغربي
(لُقِّبْتَ بالكاملِ سترا على ... نقصكَ كالباني على الخُصِّ)
(فصرتَ كالكُنْفِ إِذا شُيِّدَتْ ... بُيِّضَ أعلاهُنَّ بالجِصِّ)
)
(يَا عُرَّة الدُّنْيَا بِلَا غُرَّةٍ ... وَيَا طُوَيْسَ الشُّؤْم والحِرْصِ)
(قتلتَ أهليكَ وأنهيتَ بِي ... تَ الله بالمَوْصل تستعصي)
3 - (الأجَلُّ اللّغَوِيّ الشَّافِعِي)
عَليّ بن مَنْصُور بن عبيد الله الخَطيبي الْمَعْرُوف بالأجلّ اللّغَوِيّ أَبُو عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ الأَصْل وَولد ببغداذ وَنَشَأ بهَا وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لغويًّا قَرَأَ على ابْن العصّار وَأبي بَرَكَات بن الْأَنْبَارِي وَغَيرهمَا وتفقّه للشَّافِعِيّ بالنظامية قَالَ ياقوت وَلَا أعلم لَهُ نظيراً فِي اللُّغَة فِي زَمَانه فَإِنَّهُ حدَّثني أَنه كَانَ فِي صباه يكْتب كل يَوْم نصف جزءٍ وَخمْس قَوَائِم من كتاب مُجمل اللُّغَة لِابْنِ فَارس ويحفظه ويقرؤه على ابْن العصّار حتَّى أنهى الْكتاب حفظا وَكِتَابَة
وَحفظ إصْلَاح الْمنطق فِي أيسر مُدَّة وَحفظ غير ذَلِك من كتب اللُّغَة وَالْفِقْه والنحو وَهُوَ حُفظَةٌ لكثير من الْأَشْعَار وَالْأَخْبَار مُمْتع المحاضرة لَا يتصدَّى للإقراء وَلَقَد سَأَلته فِي ذَلِك وخضعتُ لَهُ بِكُل وَجه فَلم يَنْقَد لذَلِك وَلَا يكَاد أحد يرَاهُ جَالِسا وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَمِيع أوقاته قَائِم مولده سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة(22/147)
وَمن شعره
(فؤادٌ مُعَنًّى بالعيون الفواترِ ... وصبوةُ بادٍ مُغرمٍ بالحواضرِ)
(سميرانِ ذادا عَن جفون متيَّمٍ ... كراه وباتا عِنْده شرَّ سامرِ)
وَمِنْه
(لمن غزالٌ بِأَعْلَى رامةٍ سَنَحا ... فعاود القلبَ سُكْرٌ كَانَ مِنْهُ صَحا)
(مقسَّمٌ بَين أضدادٍ فَطُرَّتُهُ ... جِنْحٌ وغُرَّتُه فِي الجِنْحِ ضوءُ ضحى)
3 - (أَبُو الْحسن الطُّنبوري)
عَليّ بن مَنْصُور بن هبة الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمهْدي بن عبد الله الْمَنْصُور أَبُو الْحسن العباسي كَانَ أديباً فَاضلا ينادم الْخُلَفَاء روى عَن جحظة الْبَرْمَكِي وروى عَنهُ أَبُو عليّ المُحسِّن التَّنوخي وَولده أَبُو الْقَاسِم عليّ التنوخي أَيْضا وَكَانَ يغنّي بالطُّنبور وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (العابسي)
عَليّ بن مَنْصُور أَبُو الْحسن العابسيّ كَانَ أديباً شَاعِرًا مدح الْوَزير أَبَا مَنْصُور بن جَهير)
وَغَيره كتب عَنهُ أَبُو عبد الله الْبَلْخِي وَمن شعره
(نَارا جنى القلبُ من نارَنْجَةٍ بُذِلَتْ ... ممَّن غَدا مَالِكًا للسمعِ والبَصَرِ)
(حُلْو الشَّمَائِل مثل الغصنِ يجذبُهُ ... يدُ الشَّمال مَعَ الآصالِ والبُكَرِ)
(كأنَّما خَدُّه لونُ الشَّمول إِذا ... راحتْ براحة ريمٍ ريمَ فِي نَفَرِ)
(فقلتُ لما تبدَّتْ فِي أنامله ... يُزْهى بهَا وَبِه تُزهي على البشرِ)
(تأمَّلوا صنعَ باريه وبارِئها ... شمسُ النَّهَار بدتْ فِي راحةِ القمرِ)
3 - (الظَّاهِر بن الْحَاكِم الفاطمي)
عَليّ بن مَنْصُور بن نزار بن مَعَدّ بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبيد الله هُوَ الظَّاهِر لإعزاز دين الله ابْن الْحَاكِم العُبيدي أَبُو هَاشم أَمِير الْمُؤمنِينَ بَايعُوهُ لما قتل أَبوهُ فِي شوّال سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبع مائَة ومصر وَالشَّام وإفريقية فِي حكم أَبِيه فَلَمَّا قَامَ الظَّاهِر طمع فِيهِ من طمع فِي أَطْرَاف بِلَاده وَقصد صَالح بن(22/148)
مِرْداس حلب فملكها وتغلَّب حسّان بن مفرِّج البدوي صَاحب الرملة على أَكثر الشَّام وتضعضعت دولة الظَّاهِر
استوزر نجيب الدولة عَليّ بن أَحْمد الجَرْجَرائي كَمَا استوزره فِيمَا بعد ابْنه الْمُسْتَنْصر إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة وَكَانَ الْوَزير الْمَذْكُور أقطع الْيَدَيْنِ قطعهمَا الْحَاكِم لكَونه خَان فِي سنة أَربع مائَة وَأَرْبع وَكَانَ يكْتب الْعَلامَة عَنهُ أَبُو عبد الله القُضاعي صَاحب كتاب الشهَاب القَاضِي وَهِي الْحَمد لله شكرا لنعمته وَاسْتعْمل الْوَزير الْمَذْكُور العفاف وَالْأَمَانَة الزَّائِدَة والاحتراز والتحفُّظ وَفِي ذَلِك يَقُول جاسوس الْفلك
(يَا أحمقاً اسمعْ وقُلْ ... ودعِ الرَّقاعةَ والتحامُقْ)
(أأقمتَ نفسكَ فِي الثقا ... ت وهَبْك فِيمَا قلتَ صادِقْ)
(فَمن الأمانةِ والتُّقى ... قُطِعَت يداك من المرافِقْ)
وَكَانَت ولادَة الظَّاهِر سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
3 - (السَّروجي)
عَليّ بن مَنْصُور أَبُو الْحسن السَّروجي الأديب مؤدِّب أَوْلَاد أتابك زَنْكي ابْن آقْسُنْقُر كَانَ يَأْخُذ المَاء بِفِيهِ وَيكْتب بِهِ على الْحَائِط كِتَابَة حَسَنَة كأنَّها كُتبت بقلم طومار وينقط مَا يَكْتُبهُ)
ويشكله توفّي رَحمَه الله سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة وَمن شعره
(فصلُ الرّبيع زمانٌ نَوْرُهُ نورُ ... أنفاسُ أسحاره مِسكٌ وكافورُ)
(تظلُّ تشدو بِهِ الأطيارُ من طَرَبٍ ... فَذا هزارٌ وقُمريٌّ وزُرزورُ)
(كأنَّ أصواتها فَوق الغصون ضُحًى ... زِيرٌ وبَمٌّ ومِزمارٌ وطُنبورُ)
(تميل أَغْصَانهَا وجدا إِذا سجعت ... وُرقُ الْحمام وغنَّتْها الشحاريرُ)
قلت شعرٌ منحطّ منحلّ
3 - (الْهَمدَانِي التَّمِيمِي)
عَليّ بن مَنْصُور بن زيد أبي ق الْهَمدَانِي التَّمِيمِي أَخْبرنِي العلاّمة أثير الدّين أَبُو حيَّان قَالَ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وست مائَة بمَشهَد الإِمَام(22/149)
عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بالنجف من الْعرَاق قدم الْقَاهِرَة وَعَاد إِلَى الشَّام ونُعي بِمصْر سنة سبع وَسبع مائَة قَرَأَ على الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك النَّحْوِيّ
3 - (الهوَّاس)
عَليّ بن مَنْصُور الأَرْمَنْتيّ يُعرف بالهوَّاس كَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا يُنسب إِلَى التشيُّع توفّي بأَرْمَنت سنة خمس وَتِسْعين وست مائَة من شعره
(أُهَيْلَ الحِمى رِقُّوا لحاليَ والشكوى ... فإنَّ فُؤَادِي للصبابة لَا يقوَى)
(وقلبي وطرفي فِي اشتعالٍ كِلَاهُمَا ... سَفُوحٌ وَذَا من نَار جمرته يكوَى)
(وصبري عزيزٌ عَن لِقَاء أحبَّتي ... وعيشهمُ لَا أضمرت نفسيَ السلوَى)
(أَقُول وَقد لاحت بروقٌ على قُبا ... وعنقُ اشتياقي عَن رفاقيَ لَا يُلوَى)
قلت شعر نَازل
3 - (ابْن شَوَّاق الطَّبِيب)
عَليّ بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن الْمُبَارك شمس الدّين الإسنائي يُعرف بِابْن شوَّاق اشْتغل بالفقه وناب فِي الحكم بأَصْفّون وَغَيرهَا وَأخذ الطِّبّ عَن ابْن بَيان وَمهر فِيهِ واشتهر فِيهِ بالمعرفة والحذق كَانَ يُقصد من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة وَكَانَ الْحَكِيم المكرَّم بإِسنا دونه فِي الْمعرفَة وَكَانَ يُتبارك بطب المكرَّم دون شمس الدّين فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ المكرَّم يُطلب فِي ابْتِدَاء الأَمراض وَفِي الأَمور السهلة وَأَنا مَا أُطْلَب إلاَّ إِذا أُيس من الْمَرِيض أَو كَانَ المرضُ)
3 - (قَاضِي إسنا)
عَليّ بن مَنْصُور بن حَاتِم بن أَحْمد بن عَليّ بن مَنْصُور بن حَاتِم بن أَحْمد بن حَدِيد القيرواني
أَقَامَ بالصعيد وَولي الْقَضَاء بإسنا دخل خطيب أرْمَنْت على مَنْصُور وَهُوَ حَاكم إسنا وَقد ولَّى ابْنه عليًّا هَذَا قَضَاء أرمنت وأنشده
(وَمن يربطِ الكلبَ العقورَ بِبَابِهِ ... فعَقْرُ جميعِ الناسِ من رابط الكلبِ)
فَقَالَ لَهُ مَنْصُور اسكتْ وأنشده ارتجالا(22/150)
(كَذَلِك من ولَّى ابنَه وَهُوَ ظالمٌ ... فظلمُ جميعِ الناسِ من ذَلِك الأبِ)
وَأشْهد على نَفسه فِي الْحَال بعزل ابْنه عَليّ
3 - (أَبُو الْحسن الديلمي)
عَليّ بن مَنْصُور الدَّيلمي كَانَ أَبوهُ من جند سيف الدولة بن حمدَان وَكَانَ شَاعِرًا مُجيداً خليعاً وَكَانَ أَعور وَله فِي عوره أَشْيَاء مليحة من ذَلِك قَوْله
(يَا ذَا الَّذِي لَيْسَ لَهُ شاهدٌ ... فِي الحبِّ معروفٌ وَلَا شاهدَهْ)
(شواهدي عينايَ إنِّي بهَا ... بكيتُ حتَّى ذهبتْ واحدهْ)
(وأعجبُ الأَشياء أنَّ الَّتِي ... قد بقيت فِي صحبتي زاهدهْ)
وَله فِي غُلَام أَعور جميل الصُّورَة
(لَهُ عينٌ أَصَابَت كلَّ عينٍ ... وعينٌ قد أصابتها العيونُ)
وَله أَيْضا
(بِالْهِنْدِ تُطبع أسيافُ الْحَدِيد وَفِي ... بغداذَ تُطبع أسيافٌ من الحَدَقِ)
وَله أَيْضا
(سقاني شَمول الراح ساقٍ كَأَنَّمَا ... سوالفُه مسروقةٌ من سُلافِها)
(بليلة فطرٍ قَامَ فِيهَا طوائفٌ ... فصلَّوْا وقُمنا جَهرةً بِخِلَافِهَا)
(ولاحَ هلالُ الفطرِ نِضواً كأنَّه ... مِراةٌ تجلَّى بعضُها من غلافِها)
وَله أَيْضا
(فِي ابتداءِ الشبابِ عاجلني الشَّيْ ... بُ فَهَذَا من أوَّلِ الدَّنِّ دُرْدِي)
)
وَله أَيْضا
(يَا من فقدتُ سروري بعدَ بُعدهمُ ... قد صارَ بعدَكُمُ طولُ الأسى سَكَنا)
(إِن كَانَ يُعرفُ إنسانٌ بِلَا أجلٍ ... يموتُ من شدَّة الأَشواق فَهُوَ أَنا)
وَله أَيْضا
(ناديتُ وجنتَهُ وَقد رُقِمَتْ ... بالمِسك رَقْمَ الثَّوْب بالقزِّ)
(يَا أرفعَ البَزِّ اختصصتَ على ... رغم العدوِّ بأرفعِ الطُّرْزِ)
3 - (الْحُسَيْنِي الْفَارِسِي)
عَليّ(22/151)
بن مَنْكِدِيم بن مُحَمَّد بن السيِّد أَبُو الْحسن الْعلوِي الْحُسَيْنِي الْفَارِسِي الشَّاعِر توفّي فُجاءةً سنة سبع عشرَة وَخمْس مائَة فِي شوَّال من شعره
(عَليّ بن مهديّ)
3 - (الْهِلَالِي الطَّبِيب الدِّمَشْقِي)
عَليّ بن مهْدي بن مُفرِّج أَبُو الْحسن الْهِلَالِي الدِّمَشْقِي الطَّبِيب كَانَ يطبّ بالبيمارستان سمع الحَدِيث وَنسخ الْكثير وروى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
3 - (الكِسروي)
عَليّ بن مهْدي أَبُو الْحُسَيْن الْأَصْبَهَانِيّ الْمَعْرُوف بالكِسروي كَانَ أديباً شَاعِرًا راوية للْأَخْبَار عَارِفًا بِكِتَاب الْعين خاصَّة وَكَانَ يؤدِّب هَارُون بن عَليّ المنجِّم وَبعد ذَلِك اتَّصل ببدر المُعْتَضدي روى عَن أَبِيه وَعَن الجاحظ وديك الجنّ وروى عَنهُ عَليّ بن يحيى بن المنجِّم وَأَبُو عَليّ الكوكبي وَتُوفِّي فِي خلَافَة المعتضد وَله كتاب الْخِصَال وَهُوَ حكم وأمثال وأشعار وَكتاب الأعياد والنواريز ومراسلات الإخوان ومحاورات الخِلاّن وَكتاب مناقضات مَن زعم أنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يَقْتَدِي الْقُضَاة
كتب إِلَيْهِ ابْن المعتزّ بِاللَّه
(أَبَا حسنٍ أَنْت ابنُ مهديِّ فارسٍ ... فرفقاً بِنَا لستَ ابنَ مهديِّ هاشمِ)
(وأنتَ أخٌ فِي يومِ لهوٍ ولذَّةٍ ... ولستَ أَخا عِنْد الأُمورِ العظائمِ)(22/152)
فَأجَاب ابْن مهْدي)
(أيا سيِّدي إنَّ ابنَ مهديِّ فارسٍ ... فداءٌ وَمن يهوى لمهديِّ هاشمِ)
(بلوتَ أَخا فِي كلِّ أمرٍ تحبُّه ... وَلم تَبْلُهُ عِنْد الأُمور العظائمِ)
(وإنَّكَ لَو نبَّهته لمُلِمَّةٍ ... لأنساكَ صَوْلاتِ الأسودِ الضراغمِ)
وَبَينه وَبَين ابْن المعتزّ مراجعاتٌ كَثِيرَة وَمن شعر الكسروي
(قُم سلِّ نَفسِي بالمدا ... مِ فَفِيهِ همٌّ قد أمضَّهْ)
(أوَمَا ترى بدرَ السما ... ءِ كأَنَّه تعويذُ فِضَّهْ)
(فَإِذا المِحاقُ أذابه ... فكأَنَّهُ آثارُ عضَّهْ)
وَمِنْه
(ولمَّا أَبى أَن يستقيمَ وصلتُه ... على حالتيه مُكرهاً غيرَ طائعِ)
(حِذاراً عَلَيْهِ أَن يميلَ بودِّهِ ... فأُبلى بقلبٍ لَيْسَ عَنهُ بنازعِ)
(فأُصبحُ كالظمآنِ يُهْرِيقُ ماءهُ ... لضوءِ سَرابٍ فِي المهامِهِ لامعِ)
(فَلَا الماءَ أبقى للحياة وَلَا أَتَى ... على منهل يُجدي عَلَيْهِ بنافعِ)
وَمِنْه فِي الْعود من أَبْيَات
(وكأَنَّه فِي جِحرها ... طِفْل تمهَّد حِجر ظِيرِ)
(مَيْتٌ ولكنَّ الأك ... فَّ تذيقه طعمَ النُّشورِ)
(تومي إِلَيْهِ بنانُها ... فيريكَ تَرْجَمَة الضميرِ)
(فترى النفوسَ معلَّقا ... تٍ مِنْهُ فِي بمٍّ وزيرِ)
(فَإِذا لَوَتْ آذانه ... جازَ الأنينَ إِلَى الزفيرِ)
(قالتْ لَهُ قُل مُطرباً ... وعظتكَ واعظةُ القَتيرِ)
وَمِنْه فِي ضَرْطَة وهب بن سُلَيْمَان
(إنَّ وَهْبَ بنَ سليما ... نَ بنِ وَهْبِ بنِ سعيدِ)
(حمل الضَّرْط إِلَى الرِّ ... يِّ على ظهرِ البريدِ)
(فِي مُهمَّاتِ أُمورٍ ... مِنْهُ بالركضِ الشديدِ)
(إستُهُ تنطق يومَ ال ... حفل بِالْأَمر الرشيدِ)
(لم يُجِدْ فِي القَوْل فاحتا ... جَ إِلَى دبر مجيد)(22/153)
)
3 - (الْمهْدي الْحِمْيَرِي)
عَليّ بن مهْدي الْحِمْيَرِي الملقَّب بالمهدي ذكره صَاحب الخريدة وادَّعى الْإِمَامَة وسفَك الدِّمَاء وسبى الْمُسلمين وَكَانَ يحدث نَفسه بِالْمَسِيرِ إِلَى مَكَّة فَمَاتَ قبل بُلُوغ مَا فِي نَفسه سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة وتولَّى بعده أَخُوهُ وَمن بَيتهمْ أَخذ اليَمَنَ السلطانُ صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب على يَد أَخِيه شمس الدولة وَكَانَ ظُهُور الْمهْدي هَذَا بالحُصَيْب من معاقل الْيمن وَفِي ذَلِك يَقُول
(أَيُشربُ الْخمر فِي رُبى عدنٍ ... والمَشرفيَّاتُ بالحُصَيْبِ ظِما)
(ويُلجمُ الدينُ فِي محافلها ... والخيلُ حوليَ تعلك اللُّجُما)
وَقَالَ من أَبْيَات
(لأعتنقنَّ البِيضَ لَا البِيضَ كالدُّمى ... وأرغبُ عَن نَهْدٍ إِلَى سابقٍ نَهْدِ)
(وَمَا ليَ من مَالِي الَّذِي كسبتْ يَدي ... تراثٌ أُبَقِّيه سوى الشكرِ والحمدِ)
(قسمتُ الردى والجودَ قسمَيْنِ فِي الوَرَى ... فللمُعتدي جِدِّي وللمُجْتَدي رِفدي)
(عَليّ بن مُوسَى)
عَليّ بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَبُو طَالب أَبُو الْحسن الرِّضَا بن الكاظم بن الصَّادِق بن الباقر بن زين العابدين أُمُّه أُمّ ولدٍ نوبيَّة أُمُّها سُكينة تكنَّى أُمَّ الْبَنِينَ ولد بِمَدِينَة النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم سنة ثمانٍ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَتُوفِّي بطوس فِي سَناباذ وَهُوَ ابْن تسع وَأَرْبَعين سنة وَسِتَّة أشهر سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ لتسْع بَقينَ من شهر رَمَضَان وخلَّف من الْوَلَد مُحَمَّدًا وَالْحُسَيْن وجعفراً وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن وَعَائِشَة وروى عَن أَبِيه وَعَن عبيد الله بن أطأة وَهُوَ أحد الأئمَّة الاثْنَي عشر كَانَ سيد بني هَاشم فِي زَمَانه وَكَانَ الْمَأْمُون يخضع لَهُ ويتغالى فِيهِ حتَّى إِنَّه جعله وليَّ عَهده من(22/154)
بعده وَكتب إِلَى الْآفَاق بذلك فثار بَنو الْعَبَّاس لذَلِك وتألَّموا وَكَانَ الْمَأْمُون قد زوَّجه ابنتَه أُمَّ حبيب ومدحه دِعبِل الخُزاعي فَأعْطَاهُ سِتّ مائَة دِينَار وجبَّة خزّ بذل لَهُ فِيهَا أهل قمّ ألف دِينَار فَامْتنعَ وسافر فأرسلوا من قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق وَأخذ الجبَّة فَرجع إِلَى قمّ فَقَالُوا لَهُ أمَّا الجبَّة فَلَا وَلَكِن هَذِه ألف دِينَار وَأَعْطوهُ مِنْهَا خرقَة
قَالَ المبرّد سُئل عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا أيكلّف اللهُ العبادَ مَا لَا يُطِيقُونَ فَقَالَ هُوَ أعدل من)
ذَلِك قيل لَهُ فيستطيعون أَن يَفْعَلُوا مَا يُرِيدُونَ قَالَ هم أعجز من ذَلِك
وَقيل إِن الْمَأْمُون همَّ مرَّةً أَن يخلع نَفسه من الْخلَافَة ويولِّيها عليَّ بن مُوسَى الرِّضَا ولمَّا جعله وليَّ عَهده نزع السوَاد العباسي وألبس الناسَ الخضرةَ وَضرب اسْم الرِّضَا على الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأمر يَوْمًا لَهُ بِأَلف ألف دِرْهَم
يُقَال إنَّه أكل عنباً وَأكْثر مِنْهُ فَمَاتَ فُجاءةً واغتمَّ الْمَأْمُون كثيرا وَدَفنه عِنْد قبر أَبِيه وَقيل إنَّه شقَّ لَهُ قبر الرشيد أَبِيه وَدَفنه فِيهِ وَقيل إنَّه سُمَّ وَمَات فِي شهر صفر وَدفن بطوس وقصده مقصودٌ بالزيارة وَفِيه يَقُول أَبُو نواس
(قيل لي أنتَ أحسنُ النَّاس طرًّا ... فِي فنونٍ من الْمقَال النبيهِ)
(لَك جُنْدٌ من القريض مديحٌ ... يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنيهِ)
(فعلامَ تركتَ مدحَ ابْن مُوسَى ... والخصالِ الَّتِي تجمَّعْنَ فِيهِ)
(قلت لَا أَسْتَطِيع مدحَ إمامٍ ... كَانَ جبريلُ خَادِمًا لأبيهِ)
وَفِيه يَقُول أَيْضا
(مُطهَّرون نقيَّاتٌ جيوبُهُمُ ... تجْرِي الصلاةُ عَلَيْهِم أَيْنَمَا ذُكِروا)
(من لم يكن علَويًّا حِين تنسبه ... فَمَا لَهُ فِي قديم الدَّهْر مُفْتَخرُ)
(الله لمّا برا خلقا فأتقنه ... صفّاكُمُ واصطفاكم أيُّها البَشَرُ)
(فأنتمُ الملأُ الْأَعْلَى وعندكمُ ... علمُ الكتابِ وَمَا جَاءَت بِهِ السُّورُ)
قَالَ لَهُ الْمَأْمُون يَوْمًا مَا يَقُول بَنو أَبِيك فِي جدنا الْعَبَّاس فَقَالَ مَا يَقُولُونَ فِي رجلٍ فرض الله طَاعَة بنيه على خلقه وَفرض طَاعَته على بنيه فَأمر لَهُ بِأَلف دِرْهَم(22/155)
وَكَانَ أَخُوهُ زيد بن مُوسَى بِالْبَصْرَةِ قد خرج على الْمَأْمُون وفتك بِأَهْلِهَا فَأرْسل الْمَأْمُون إِلَيْهِ أَخَاهُ عليًّا يردّه عَن ذَلِك فحجّه وَقَالَ لَهُ وَيلك يَا زيد مَا فعلت بِالْمُسْلِمين بِالْبَصْرَةِ وتزعم أَنَّك ابْن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم يَا زيد يَنْبَغِي لم أَخذ برَسُول الله أَن يعطيَ بِهِ فَبلغ كَلَامه الْمَأْمُون فَبكى وَقَالَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون أهل بَيت رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم
وروى لعَلي الرِّضَا ابْن ماجة قَالَ محبّ الدّين بن النجّار أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب بن عَليّ الْأمين قَالَ كتب إليَّ أَبُو الْغَنَائِم هبة الله بن حَمْزَة الْعلوِي قَالَ أَنا أَبُو عبد الرَّحْمَن الشاذياخي قِرَاءَة)
عَلَيْهِ أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي قَالَ أَنا أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سُورَة الصَّاغَانِي بمرو حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَمْرو الْفَقِيه ثَنَا خَالِد بن أَحْمد بن خَالِد الذهلي ثَنَا أبي قَالَ صلّيت خلف عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا بنيسابور فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي كل سُورَة ويُذكر أَن رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأنْشد النَّوفلي لعَلي بن مُوسَى
(رأيتُ الشيبَ مَكْرُوها وَفِيه ... وقارٌ لَا تلِيق بِهِ الذنوبُ)
(إِذا ركب الذنوبَ أَخُو مَشيبٍ ... فَمَا أحدٌ يقولُ مَتى يتوبُ)
(وداءُ الغانياتِ بياضُ رَأْسِي ... وَمن مُدَّ البقاءُ لَهُ يَشيبُ)
(سأصحبُه بتقوى الله حتَّى ... يفرِّق بَيْننَا الأجلُ القريبُ)
وَآل أمره مَعَ الْمَأْمُون إِلَى أَن سمّه فِي رُمّانة على مَا قيل مداراةً لبني الْعَبَّاس فَلَمَّا أكلهَا وأحسَّ بِالْمَوْتِ وَعلم من أَيْن أُتِي أنْشد متمثِّلاً
(فليتَ كفافاً كَانَ شرُّك كلُّه ... وخيرُك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي)
ثمَّ أرسل إِلَيْهِ الْمَأْمُون وَقَالَ مَا توصيني بِهِ فَقَالَ للرسول قل لَهُ يوصيك أَن لَا تعطيَ أحدا مَا تندم عَلَيْهِ
وَكَانَ أسودَ اللَّوْن لِأَن أمَّه كَانَت سَوْدَاء فَدخل يَوْمًا حمّاماً فَبَيْنَمَا هُوَ فِي مكانٍ من الحمّام إذْ دخل عَلَيْهِ جنديٌّ فأزاله عَن مركزه وَقَالَ صبَّ على رَأْسِي يَا أسود فصبَّ على رَأسه فَدخل من عرفه فصاح بالجندي هَلَكت وأهلكت أتستخدم بن بنت(22/156)
رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَإِمَام الْمُسلمين فانثنى الجندي يقبِّل رجلَيْهِ وَيَقُول هلاّ عَصَيْتنِي إذْ أَمرتك فَقَالَ إِنَّهَا مَثوبة وَمَا أردتُ أَن أعصيك فِي مَا أثابُ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ
(لَيْسَ لي ذنبٌ وَلَا ذنبَ لمن ... قَالَ لي يَا عبدُ أَو يَا أسودُ)
(إنَّما الذنبُ لمن ألبسني ... ظلمَة وَهُوَ سنًى لَا يُحمدُ)
3 - (الْمُفِيد أَبُو سعد النَّيْسَابُورِي)
عَليّ بن مُوسَى بن مُحَمَّد أَبُو سعد السُّكَّري النَّيسابوري من وُجُوه الْفُقَهَاء وحفّاظ الحَدِيث
سمع الْكثير من أَصْحَاب الأصمّ جمع وخرَّج وانتخب على الْمَشَايِخ وَكتب كثيرا سمع جدَّه لأمه عُبيد الله بن عمر بن مُحَمَّد السكرِي المُزكي وَأحمد بن الْحسن الْحِيرِي وَمُحَمّد بن)
مُوسَى الصَّيرفي وَغَيرهم توفّي بعد رُجُوعه من الْحَج فِي الرمل بَين الْبَصْرَة وَالْمَدينَة سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (الدهّان الْمُقْرِئ الْمصْرِيّ)
عَليّ بن مُوسَى بن يُوسُف الإِمَام الْمُقْرِئ الزَّاهِد أَبُو الْحسن السَّعدي الْمصْرِيّ الدهّان ولد بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وست مائَة قَرَأَ الْقرَاءَات على أبي جَعْفَر الهَمْداني وعَلى الصفراوي جمعا إِلَى آخر الْأَعْرَاف وَسمع من جمَاعَة وتصدَّر للإقراء فِي الْمدرسَة الفاضليَّة وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات ووجوهها تامَّ الْمُرُوءَة ساعياً فِي حوائج النَّاس قَرَأَ عَلَيْهِ شمس الدّين الحاضري وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْرَائِيل القصّاع والبرهان أَبُو إِسْحَاق الوزيري وَجَمَاعَة وَتُوفِّي فجاءة
3 - (ابْن سعيد المغربي)
عَليّ بن مُوسَى بن سعيد المغربي الغُماري العَنْسي بالنُّون الأديب نور الدّين يَنْتَهِي إِلَى عمار بن يَاسر ورد من الغرب وجال فِي الديار المصرية(22/157)
وَالْعراق وَالشَّام وَجمع وصنّف ونظم وَهُوَ صَاحب كتاب المُغرب فِي أَخْبَار أهل المَغرب وملكتُه بخطّه وَصَاحب كتاب المُشرق فِي أَخْبَار أهل المَشرق وملكت مِنْهُ ثَلَاث مجلدات بخطّه وَكتاب الغراميّات وملكته بخطّه وَكتاب حلي الرسائل ورأيته بخطّه وكنوز المطالب فِي آل أبي طَالب وملكته بخطّه فِي أَربع مجلدات والمُرقص والمُطرب توفّي يَوْم السبت حادي عشر شعْبَان سنة ثَلَاث وَسبعين وست مائَة
وَفِي تَرْجَمَة بهاء الدّين زُهَيْر شيءٌ من ذكره حكى أنَّه كَانَ فِي جمَاعَة من شعراء عصره المصريين وَفِيهِمْ أَبُو الْحُسَيْن الجزَّار فمرُّوا فِي طريقهم بمليح نَائِم تَحت شَجَرَة وَقد هبَّ الْهَوَاء فكشف ثِيَابه عَنهُ فَقَالُوا قفوا بِنَا لينظم كلٌّ منَّا فِي هَذَا شَيْئا فابتدر الأَديب نور الدّين وَقَالَ
(الرّيح أقْوَد مَا يكون لأنَّها ... تبدي خفايا الرِّدف والأعكانِ)
(وتميِّل الأَغصانَ عِنْد هُبوبها ... حتَّى تقبِّلَ أوجه الغدرانِ)
(فَلذَلِك العُشَّاق يتَّخذونها ... رُسُلاً إِلَى الأَحباب والأَوطانِ)
فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن مَا بَقِي أحدٌ منَّا يَأْتِي بِمثل ذَلِك)
أَخْبرنِي الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس من لَفظه قَالَ دخل عليَّ وَالِدي يَوْمًا وَأَنا أكتب فِي شَيْء من كَلَام ابْن سعيد فَقَالَ لي أيْشٍ هَذَا الَّذِي تنظر فِيهِ فَقلت شيءٌ من كَلَام ابْن سعيد فَقَالَ دَعه فإنَّه لَا بالأَديب الرَّائِق وَلَا المؤرِّخ الواثق انْتهى ولَعمري مَا أنصفه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو فإنَّ ابْن سعيد من أئمَّة الْأَدَب المؤرِّخين المصنِّفين وَمن شعره
(كأَنَّما النهرُ صفحةٌ كُتبتْ ... أسطرُها والنسيمُ مُنشِئُها)
(لمَّا أبانتْ عَن حُسن منظره ... مالتْ عَلَيْهَا الغصونُ تقرؤها)
وَمِنْه
(أَتَى عاطلَ الجيدِ يومَ النَّوَى ... وَقد حَان موعدُنا للفراقِ)
(فقلَّدْتُه بلآلي الدموعِ ... ووشَّحته بنطاقِ العناقِ)(22/158)
وَمِنْه
(لله من أقطار جلِّقَ روضةٌ ... راقتْ لنا حِين السَّحَاب تُراقُ)
(وتلوَّنتْ أزهارُها فكأَنَّها ... نزلتْ بهَا الأَحبابُ والعشَّاقُ)
وَمِنْه فِي فرسٍ أبلق
(وأدهمَ آخرٍ مُبيضِّ صدرٍ ... مُطار بَين أجنحةِ الرياحِ)
(وَمَا هامت بِهِ الأحداقُ حتَّى ... تضمَّن شكله حَدَقَ الملاحِ)
وَمِنْه
(أَنا مَن علمت بشوقه ذِكرُ الْحمى ... وتُساق روحي والركابُ تُساقُ)
(أخلصتُ فِي حبِّي وَكم من عاشقٍ ... فِيمَا ادَّعاه من الغرامِ نِفاقُ)
(يَدْعُو الحمامُ وترقصُ الأغصانُ من ... طربٍ بهم وتصفِّق الأوراقُ)
(وحدي جمعتُ من الهَوَى مثلَ الَّذِي ... جمعُوا كَذَاك تُقَسَّمُ الأرزاقُ)
وَمِنْه
(أشكوكمُ وَإِلَى من أشتكي ألمي ... والكلُّ رهنُ صباباتٍ وأفكارِ)
(مَا ألتقي غير مشغوفٍ بحبّكُمُ ... كَمَا تجاوبُ أطيارٌ بأطيارِ)
(وأرتجي جودَ ذِي بخلٍ بمنطقهِ ... وَقد رأى فِي الهَوَى ذُلِّي وإعساري)
(مَا عذَّبَ الله إلاَّ من يعذِّبُهُ ... كَالْمَاءِ فِي السَّيْف أَو كالنور فِي النارِ)
)
وَمِنْه
(فِي جِلِّقٍ نزلُوا حَيْثُ النعيمُ غَدا ... وطوَّلاً وَهُوَ فِي الْآفَاق مُختصَرُ)
(وكلُّ وادٍ بِهِ مُوسَى يُفجِّرُهُ ... وكلُّ روضٍ على حافاتهِ الخَضِرُ)
وَمِنْه
(يَا غصنَ روضٍ سقتهُ أدمعي مَطَرا ... وَلَيْسَ لي مِنْهُ لَا ظلٌّ وَلَا ثمرُ)
(طَال انتظاري لوعدٍ لَا وفاءَ لَهُ ... وَإِن صبرتُ فقد لَا يصبرُ العُمُرُ)
وَمِنْه فِي جَزِيرَة مصر
(تأمَّلْ لحُسن الصالحيَّةِ إذْ بدتْ ... وأبراجها مثل النُّجُوم تلالا)(22/159)
(ووافى إِلَيْهَا النِّيل من بُعدِ غايةٍ ... كَمَا زار مشغوفٌ يروم وِصالا)
(وعانقها من فرط شوقٍ محبُّها ... فمدَّ يَمِينا نَحْوهَا وشِمالا)
وَمِنْه
(فديتكَ لَا تظُنَّ بأنَّ قلبِي ... يَحولُ وَقد كسا البدرَ الظلامُ)
(على مِقْدَار مَا يَنْمُو حَبِيبِي ... وينمو عمرهُ يَنْمُو الغرامُ)
(عِذارُك مطربي وَيزِيد شدوا ... على الأغصانِ فِي الوَرَقِ الحمَامُ)
وَمِنْه
(يَا واطئ النَّرجسِ مَا تَسْتَحي ... أَن تطَأ الأعينَ بالأرجلِ)
(ابلْ جفوناً بجفونٍ وَلَا ... تَبْتَذِلِ الأرفعَ بالأسفلِ)
وَمِنْه
(أدِرْ كؤوسكَ إنَّ الأُفقَ فِي عُرُسٍ ... وحسبُنا أنتَ ترعى حُسنكَ المُقَلُ)
(البرقُ كفٌّ خصيبٌ والحيا دُرَرٌ ... والأُفقُ يُجلى وطرفُ الصبحِ مُكتحلُ)
وَمِنْه
(أُنْظُرْ إِلَى الغيمِ كَيفَ يَبْدُو ... وَقد أَتَى مُسبَلَ الإزارِ)
(والبرقُ فِي جانبيه يُذْكي ... أنفاسَه وَهُوَ كالشَّرارِ)
(مَا طابَ هَذَا النسيمُ إلاَّ ... والجوُّ فِي عنبرٍ ونارِ)
وَمِنْه)
(وعسجديِّ اللَّوْن أعددتُهُ ... لساعةٍ تُظْلِمُ أنوارُها)
(كأَنَّهُ فِي رَهَجٍ شمعةٌ ... مصفرَّةٌ غُرَّتُهُ نارُها)
وَمِنْه
(جُدْ لي بِنَا ألْقى الخيالُ من الكَرَى ... لَا بدَّ للطيف المُلِمِّ من القِرَى)
(واخجلتي مِنْهُ ومنك مَتى أنَمْ ... عيَّرتَني وَمَتى سهرتُ تَنَكَّرا)
(أَسفي على يومٍ يَمُرُّ وليلةٍ ... لَا أنتَ تَلقانِي وَلَا طيفُ الكَرَى)
(يَا من يروم قِرًى قد أُضرمتْ ... نَار الخدودِ أنِخْ على وَادي القُرى)(22/160)
وَمِنْه
(إنَّ للجبهة فِي قلبِي هوى ... لم يكنْ عنديَ للوجهِ الجميلِ)
(يرقصُ الماءُ بهَا من طربٍ ... ويميل الغصنُ للظلِّ الظليلِ)
(وتودُّ الشمسُ لَو باتتْ بهَا ... فَلِذَا تصفرُّ أوقاتَ الرحيلِ)
وَمِنْه
(وَقد أغتدي والليلُ قد سَلَّ صحبَهُ ... بليلٍ بجلبابِ الصباحِ تلثَّما)
(وأحسبُهُ خالَ الثريَّا لجامَهُ ... فصيَّر هاديه إِلَى الأُفقِ سُلَّما)
وَمِنْه
(وَلَا تُصْغِيَنَّ إِلَى عاذِلٍ ... فَمَا آفةُ الحبِّ إلاَّ العَذَلْ)
(وجازِ بِمَا شئتَ غيرَ الجفا ... وعذِّبْ بِمَا شئتَ إلاَّ المَلَلْ)
وَمِنْه
(إِذا الغصونُ بدتْ خَفَّاقَةَ العَذَبِ ... فاسجدْ هُديتَ إِلَى الكاساتِ واقتربِ)
(وطارحِ الوُرقَ فِي أدواحِها طَربا ... ومِلْ إِذا مالتِ الأغصانُ من طربِ)
(وانهضْ إِلَى أُمِّ أُنسٍ بنتِ دَسْكَرَةٍ ... تُجلى عليكَ بإكليلٍ منَ الذهبِ)
(وانظرْ إِلَى زينةِ الدُّنْيَا وزُخْرُفها ... فِي روضةٍ رَقَمَتْها أنْمُلُ السُّحُبِ)
(وللأزاهرِ أحداقٌ مُحَدِّقَةٌ ... قد كحَّلَتْها يمينُ الشمسِ بالذَّهبِ)
وَمِنْه
(لَا أَنسَ ليلةَ وافينا لموعدنا ... والكاسُ دائرةٌ والغصنُ مُعتنِقي)
)
(فقلتُ إذْ بتُّ أَسْقِي الشَّمْس فِي قدحي ... من ذَا الَّذِي صاغها قُرطاً على الأُفقِ)
وَمِنْه
(تقاسمه الوُرَّادُ من كلِّ وجهةٍ ... وَلَا أثرٌ يَبْدُو بِهِ للتبسُّمِ)
(فلولاه مَا جاد الغمامُ بعَبرةٍ ... وَلَا الروضُ أضحى مُظهراً للتبسُّمِ)
وَكتب إِلَيْهِ السِّراج الورَّاق وَمن خطِّه نقلتُ
(إِذا ابنُ سعيدٍ سادَ أهل زمانِهِ ... فقُلْ لهُمُ مَا سادَ هَذَا الْفَتى سُدى)
(أرى الشُّهْبَ من شرقٍ لغربٍ مسيرُها ... لتحظى بِأَن تهوي لذا النورِ سجدا)(22/161)
وَكتب ابْن سعيد إِلَى السرَّاج الورَّاق
(أَتَى بارتسامي فِي المحبَّة مسطورُ ... فَللَّه منظومٌ هُنَاكَ ومنثورُ)
(أهيمُ بمعناكم وَمعنى جَمالِكم ... وأيُّ سراجٍ لَا يهيم بِهِ النورُ)
فَأجَاب السرَّاج وَمن خطّه نقلت
(كتابُك نورَ نَوْرٌ مُفَتَّحٌ ... أريجُ الشذا من صوبِ عقلك ممطورُ)
(تأرَّجَ لي لمَّا تبلَّجَ حبَّذا ... سطورٌ بهَا قد أشرق النَّوْرُ والنُّورُ)
3 - (صَاحب شذور الذَّهَب)
عَليّ بن مُوسَى بن عَليّ بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو الْحسن بن النَّقَرات الْأنْصَارِيّ السالمي الأندلسي الجَيَّاني نزيل فاس ولي خطابة فاس وَهُوَ صَاحب كتاب شذور الذَّهَب فِي صناعَة الكيمياء توفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة لم ينظم أحدٌ فِي الكيمياء مثل نظمه بلاغَةَ معانٍ وفصاحَةَ أَلْفَاظ وعذوبة تراكيب حتَّى قيل فِيهِ إِن لم يعلِّمك صَنْعَة الذَّهَب فقد علَّمك صَنْعَة الْأَدَب وَقيل هُوَ شَاعِر الْحُكَمَاء وَحَكِيم الشُّعَرَاء وقصيدته الطائيَّة أبرزها فِي ثَلَاثَة مظَاهر مظهر غزل ومظهر قصَّة مُوسَى والمظهر الَّذِي هُوَ فِي الأَصْل صناعَة الكيمياء وَهَذَا دَلِيل الْقُدْرَة والتمكُّن وأوَّلها
(بزيتونة الدُّهنِ المباركةِ الْوُسْطَى ... غنينا فَلم نبدل بهَا الأثلَ والخَمْطا)
(صُفُونا فآنسنا من الطورِ نارَها ... تُشَبُّ لنا وَهْناً وَنحن بِذِي الأرطى)
(فلمَّا أتيناها وقرَّبَ صبرُنا ... على السَّير من بُعد الْمسَافَة مَا اشتطَّا)
(نحاولُ مِنْهَا جذوةً لَا ينالها ... مِنَ النَّاس من لَا يعرف الْقَبْض والبسطا)
)
(هبطنا من الْوَادي المقدِّس شاطئاً ... إِلَى الْجَانِب الغربيِّ نمتَثِلُ الشرطا)
(وَقد أرجَ الأرجاءُ مِنْهَا كأَنَّها ... لطيب شذاها تحرق العُودَ والقُسطا)
(وقمنا فألقينا الْعَصَا فِي طِلابها ... إِذا هِيَ تسْعَى نحونا حيَّةً رَقطا)(22/162)
(وثار لطيفُ النقعِ عِنْد اهتزازها ... فأظلم من نور الظهيرة مَا غطَّى)
(وأهوت إِلَى مَا دُوننَا من رماله ... وأمواهِهِ والصخرِ تنهمها سَرطا)
(فأَدبرَ من لَا يعرفُ السرَّ خِيفةً ... وَأَقْبل مِنْهَا من يروم بهَا سقطا)
(ومدَّ إِلَيْهَا الفيلسوفُ يمينهُ ... فجاذبها أخذا وأوسعَها ضغطا)
(فَصَارَت عَصا فِي كفِّه وأجنَّها ... فأخرجها بيضاءَ تجلو الدُّجى كشطا)
(فَلم أرَ ثعباناً أذلَّ لعالِمٍ ... سواهَا وَلَا مِنْهَا على جاهلٍ أسطى)
(هِيَ المركبُ الصعبُ المرامِ وإنَّها ... ذلولٌ ولكنْ لَا لكلِّ من استمطى)
(فأَعْجِبْ بهَا من آيةٍ لمفكِّرٍ ... يُقصِّر عَن إِدْرَاكهَا كلُّ من أخطا)
(وأعجبُ من أحوالها تِلْكَ عَوْدُها ... إِلَى حَالهَا بَدءاً إِذا ملكتْ هبطا)
(وتفجيرُها من صخرةٍ عَشْرَ أعيُنٍ ... واثنتين تَسْقِي كلُّ واحدةٍ سِبْطا)
(وتفليقُها رَهواً من البحرِ فَاسْتَوَى ... طَرِيقا فمِن ناجٍ وَمن هالكٍ غمطا)
(فَتلك عصانا لَا عَصا خيزرانةٍ ... ولكنَّ لِين الدُّهنِ صيَّرها نِفطا)
(وخضراءَ للشطآنِ تَحت ظلالها ... مَقيلٌ تَقِيّ عَن بردِهِ الرومَ والقِبطا)
(تسيل بِمَاء الخُلد أبيضَ صافياً ... إِذا مَا شرطناها على سَاقهَا شرطا)
(وَمن قبل مَا أغوى أَبَانَا بذوقها ... فذاق فأخطا وَالْقَضَاء فَمَا أخطا)
(قطفتُ جناها واعتصرتُ مياهَها ... فأجمدتُ مَا استعلى وذوَّبتُ مَا انحطَّا)
(وليّنة الأَعطاف قاسية الحشا ... إِذا نفثت فِي الصخر تصدعَهُ هبطا)
(كأَنَّ عَلَيْهَا من زخارفِ جلدهَا ... رِدَاء من الوشيِ المُفوَّفِ أَو مِرطا)
(تَوَصَّلَ إبليسٌ بهَا فِي هُبُوطه ... إِلَى الأَرضِ من عَدْنٍ ففارقها شحطا)
(وَكَانَت وشَيْطائيلُ حَربًا لآدمٍ ... وحوَّاءَ مَا داما على الكرة الْوُسْطَى)
(أمتُّ بهَا حيًّا وسوَّدتُ أبيضاً ... وأسرعتُ فِي قلع السوَاد فَمَا أَبْطَا)
(وأحييتُ تلكَ الأرضَ من بعد مَوتهَا ... بريٍّ وَكَانَت تَشْتَكِي الجدب والقحطا)
)
(ولاقطة حَبَّ الْقُلُوب بحسنها ... تُعذِّبها شوقاً وتقتلها نَحطا)
(كأَنَّ العيونَ الثابتاتِ بخصرها ... عُقِدْنَ نطاقاً أَو على جيدها سِمطا)(22/163)
(كأَنَّ من الْبَدْر الْمُنِير مشابهاً ... وَمن أنجمُ الجوزاء فِي أذنها قُرطا)
(كأَنَّ من الصُّدغ الَّذِي فَوق خدِّها ... على ورده نوناً وَمن خَاله نَقطا)
(ظفرتُ بهَا بِالنَّفسِ من جِسم أُمِّها ... كَمَا ظفرتْ بِالْقَلْبِ فِي صَدره لَقطا)
(ورضعتُها بالدرِّ من ثدي بنتهَا ... فَعَاشَتْ وَكَانَت قبلُ مَاتَت بِهِ عَبطا)
(وصيَّرتُها بِنْتا وصيَّرتُ بنتَها ... لَهَا مُرضعاً فاعْجَبْ لراضعةٍ شَمطا)
(فحالت هُنَاكَ البنتُ والأُم دفْعَة ... فَتى لم يزاحمه العِذارُ وَلَا اخْتطَّا)
(لهُ منظرٌ كَالشَّمْسِ يُعطي ضياءه ... وَلَيْسَ كَمثل الْبَدْر يأخذُ مَا أعْطى)
(فَهَذَا الَّذِي أعيا الأَنامَ فأضمروا ... لمن وضع الأَرمازَ فِي علمه سخطا)
(وَهَذَا هُوَ الْكَنْز الَّذِي وضعُوا لَهُ ... بَرابِيَّ إخميمٍ وخصُّوا بهَا قِفطا)
(وتحصيله سهلٌ بِغَيْر مشقَّةٍ ... لمن عرف التطهيرَ والعقدَ والخلطا)
(وأقدرُ إنسانٍ عَلَيْهِ مُجَرَّبٌ ... أَقَامَ بنورِ الْقلب فِي وَزنه القِسطا)
(أَبَا جعفرٍ خُذْها إِلَيْك يتيمةً ... تَوَرَّع لوقا أَن يورِّثها قُسطا)
(ولكنَّني لمَّا رأيتُك أهلَها ... سمحتُ بهَا لفظا وأثبتُّها خطَّا)
وَمن شعره أَيْضا فِي الصِّنَاعَة
(لقد قلبتْ عَيْنَايَ عَن عينه قلبِي ... بليِّنة الأَعطافِ قاسية القلبِ)
(يهيمُ الْفَتى الشرقيُّ مِنْهَا بغادةٍ ... تشوق إِلَى شرقٍ وترغب عَن غربِ)
(هِيَ الشَّمْس إلاَّ أنَّها قَمَريَّةٌ ... هِيَ البدرُ إلاَّ أنَّه كامنُ الشُّهُبِ)
(إِذا الفلكُ الناريُّ أطلع شهبها ... على الذِّروة الْعليا من الغُصُنِ الرطبِ)
(تراءتْ عروساً بَرْزَةَ الْوَجْه تبتغي ... زِفافاً وَكَانَت خلفَ ألفٍ من الحُجبِ)
(فزوَّجها بِكراً أخاها لأمّها ... أَبوهَا رَجَاء فِي المودَّة والقربِ)
(فَعَاد بهَا حيًّا وَكَانَ فرقُها ... لَهُ سَببا أَن مَاتَ من شدَّة الحبِّ)
(فجُنَّ هوى لمَّا استجنَّتْ بِنَفسِهِ ... وطارا فَقَالَت بعد جَهْدٍ لَهُ حسبي)
(ولمَّا ثَنَتْهُ عَن طَبِيعَته الَّتِي ... بدتْ عنهُ إلاَّ أَن يُباعِلَها قلبِي)(22/164)
)
(تَعَالَى عَن الْأَشْبَاه لوناً وجوهراً ... وجلَّ فَلم يُنْسَبْ إِلَى طينَةِ التُّرْبِ)
قلتُ عدد أَبْيَات الشذور ألف وَأَرْبع مائَة وَتسْعُونَ بَيْتا جَمِيعهَا من هَذِه المادَّة وَهَذَا فنٌّ لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَلَا أعرف لأحدٍ مثل هَذَا نعم المتنبي وَبَعض شعراء الْعَرَب الفحول لَهُم قدرةٌ على إبراز صُورَة الْحَرْب فِي صُورَة الْغَزل فتجد حماساتهم تشبه الأغزال
3 - (القميّ الحنفيّ)
عَليّ بن مُوسَى بن يزْدَاد أَبُو الْحسن القُمِّي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ إِمَام أهل الرَّأْي فِي عصره لَهُ مصنَّفات مِنْهَا كتاب أَحْكَام الْقُرْآن وَهُوَ كتابٌ جليل توفِّي سنة خمس وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن المُوَفَّق العابد)
عَليّ بن الموفَّق العابد صَاحب الكرامات والمقامات قَالَ حَجَجْتُ على قدمَيَّ سِتِّينَ حجَّة مِنْهَا عَن رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم ثَلَاثُونَ حجَّة وَتُوفِّي رَحمَه الله ببغداذ سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ كنتُ فِي الْموقف فَسمِعت ضجيج النَّاس فَقلت اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي هَؤُلَاءِ من لم تقبل حجَّه فقد وهبت حجّي لَهُ ونمت فَرَأَيْت ربَّ العزَّة سُبْحَانَهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول يَا عليّ يَا ابْن الموفَّق أتتساخى عليَّ وَأَنا الْملك وَقد غفرتُ لأهل الْموقف وشفَّعْتُ كلَّ واحدٍ مِنْهُم فِي أهل بَيته وذرّيته وعشيرته
3 - (ابْن عُصفور)
عَليّ بن مُؤمن بن مُحَمَّد بن عَليّ العلاّمة ابْن عُصفور النَّحْوِيّ الْحَضْرَمِيّ الإشبيلي حَامِل لِوَاء الْعَرَبيَّة بالأندلس أَخذ عَن الْأُسْتَاذ أبي الْحسن الدَّبّاج ثمَّ من الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الشَّلوبين وتصدَّر للأشغال مُدَّة لَازم أَبَا عليّ نَحوا من عشرَة أَعْوَام إِلَى أَن ختم عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي نَحْو السّبْعين طَالبا قَالَ العلاّمة أَو حيّان الَّذِي نعرفه أَنه مَا أكمل عَلَيْهِ الْكتاب أصلا وَكَانَ أَصْبِر النَّاس على المطالعة لَا يملُّ من ذَلِك وأقرأ(22/165)
بإشبيلية وشريش ومالقة ولورَقَة ومُرْسية
قَالَ ابْن الزبير لم يكن عِنْده مَا يُؤْخَذ عَنهُ سوى مَا ذكر يَعْنِي الْعَرَبيَّة وَلَا تأهّل لغير ذَلِك
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلَا تعلُّق لَهُ بِعلم الْقرَاءَات وَلَا الْفِقْه وَلَا الحَدِيث وَكَانَ يخْدم للأمير أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن أبي زكريّاء الهِنْتاتي صَاحب تونس
ولد سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة بإشبيلية وَمَات بتونس فِي رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وست مائَة وَقيل سنة تسع وَسِتِّينَ وست مائَة وَلم يكن بِذَاكَ الْوَرع قلت كَانَ)
الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تيميَّة يدَّعي أَنه لم يزل يُرْجَمُ بالنارنج فِي مجْلِس شراب إِلَى أَن مَاتَ
وَمن تصانيفه كتاب المُمتع وَكتاب الْمِفْتَاح وَكتاب الْهلَال وَكتاب الأزهار وَكتاب إنارة الدياجي وَكتاب مُخْتَصر الغُرَّة وَكتاب مُخْتَصر المُحتسب وَكتاب مفاخرة السالف والعِذار وَكتاب المقرَّب فِي النَّحْو يُقَال إِن حُدُوده مَأْخُوذَة من الجزولية وَزَاد فِيهَا مَا أورد على الجزولية وَهُوَ نسختان وَكتاب البديع شرح الجزولية وَشرح المتنبّي وسرقات الشُّعَرَاء وَشرح الْأَشْعَار السِّتَّة وَشرح المقرَّب وَشرح الحماسة وَهَذِه الشُّرُوح لم يكملها وَله غير ذَلِك وَمن شعره
(لما تدنَّستُ بالتفريط فِي كِبَري ... وصرتُ مُغرًى بِشرب الراح واللعَسِ)
(رأيتُ أنَّ خِضاب الشيب أستر لي ... إنَّ البياضَ قليلُ الْحمل للدَّنَسِ)
(عَليّ بن نَاصِر)
3 - (الْمَدَائِنِي)
عليّ بن نَاصِر بن مكّيّ أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي البغداذي وَهُوَ أَخُو نصر بن نَاصِر الْأَكْبَر كَانَ أديباً شَاعِرًا سَافر إِلَى الْموصل وَمضى إِلَى مكّة وَدخل مصر وَكَانَ يمتدح النَّاس ويجتذبهم قَالَ أَبُو الْحسن بن القَطيعي لَقيته بالموصل سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مائَة(22/166)
وَمن شعره
(أعهدَ الهَوَى إنّي لذكراكَ واصلٌ ... وطيفَ الْكرَى إِنِّي لمسراكَ راقبُ)
(وعهدَ التداني هَل إِلَى أربُع الْحمى ... معادٌ وَهل تُقْضى بهنَّ المآربُ)
(فمنذ سرى الركبُ العراقيُّ لم يزل ... يُسامرُ قلبِي بالبكاء النواعبُ)
(ومذ حبسَ الْحَادِي المطيَّ على النَّقا ... وحنَّتْ إِلَى الْوَفْد القلاصُ النجائبُ)
(أراق دمي للبينِ دمعٌ أرَقْنه ... غَدَاة اعتنقنا للفراق الحبائبُ)
(وأصمى فُؤَادِي سهمُ لحظٍ رَمَتْ بِهِ ... وَقد ودَّعتني بِالسَّلَامِ الحواجبُ)
(عَليّ بن نصر)
3 - (أَبُو القَاضِي عبد الوهّاب)
عَليّ بن نصر بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن هَارُون بن مَالك أَبُو الْحسن الْمَالِكِي البغداذي أَبُو القَاضِي عبد الْوَهَّاب كَانَ من أَعْيَان الشُّهُود المعدَّلين توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن سعدٍ الْكَاتِب)
عَليّ بن نصر بن سعد بن مُحَمَّد أَبُو تُرَاب الْكَاتِب وَالِد عَليّ بن عَليّ ولد بعُكْبَرا وَقدم بغداذ وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي الْقَاسِم بن برهَان النَّحوي وَانْحَدَرَ إِلَى الْبَصْرَة وَكتب لنقيب الطالبيين ثمَّ عَاد إِلَى بغداذ وَنزل بالكَرْخ وَولي الْكِتَابَة أَيْضا لنقيب الطالبيين إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان عشرَة وَخمْس مائَة وَكَانَ كَاتبا شَاعِرًا وَمن شعره
(حَالي بِحَمْد الله حالٌ جيّدٌ ... لكنَّه من كلِّ حظٍّ عاطلُ)
(مَا قلتُ للأيام قولَ مُعاتبٍ ... والرزقُ يدْفع راحتي ويُماطلُ)
(إلاَّ وقالتْ لي مقالَةَ واعظٍ ... الرزقُ مقسومٌ وحرصُك باطلُ)
3 - (الفَنْدُورَجي الْكَاتِب)
عَليّ بن نصر بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الفَنْدُورَجي وفَنْدُورَج قريةٌ بنواحي نَيسابور سكن إسفرايين وَكَانَت لَهُ معرفَة باللغة والأَدب وَله ترسل(22/167)
كَانَ ينشئُ من ديوَان الوزارة بخراسان ومولده سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة ووفاته فِي حُدُود خمسين وَخمْس مائَة وَمن شعره
(قد قصَّ أجنحةَ الْوَفَاء وطار من ... وَكْرِ الوداد المحضِ والإخلاصِ)
(والحُرُّ فِي شَبَك الْجفَاء وَمَا لَهُ ... من أسرِ حادثةٍ رجاءُ خلاصِ)
3 - (البَرْنيقي اللّغَوِيّ)
عَليّ بن نصر بن سُلَيْمَان البَرْنيقي أَبُو الْحسن اللّغَوِيّ قَالَ ياقوت رأيتُ بخطِّه كتبا أدبيَّة ولغويَّة ونحويَّة فَوَجَدته حسنَ الْخط مُتقن الضَّبْط وَكَانَ مقَامه بِمصْر ولعلَّه من أَهلهَا وقُرئ عَلَيْهِ كتاب الْهَمْز لأبي زيد الْأنْصَارِيّ بِجَامِع مصر فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن الطَّبِيب النَّصْرَانِي)
عَليّ بن نصر النَّصْرَانِي أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الطَّبِيب الْكَاتِب ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق)
النديم وَقَالَ كَانَ أديباً مصنِّفاً مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَله عدَّة كتب قَالَ وَكَانَ يذاكرني بهَا وَأَحْسبهُ لم يتمِّم أَكْثَرهَا فَمن كتبه كتاب البراعة وَكتاب صُحْبَة السُّلْطَان أَكثر من ألف ورقة وَكتاب إصْلَاح الْأَخْلَاق نَحْو من ألف وَخمْس مائَة ورقة حكم وأمثال
3 - (الجهضميّ)
عَليّ بن نصر الجهضميّ الْبَصْرِيّ وَالِد الْحَافِظ عَليّ بن نصر وَكَانَ من أَصْحَاب الْخَلِيل بن أَحْمد فِي الْعَرَبيَّة وصديقاً لسيبويه توفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (الجهضميّ)
عَليّ بن نصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الجهضميّ الْبَصْرِيّ من(22/168)
أَوْلَاد الْعلمَاء وأظنّه من أَوْلَاد هَذَا الْمَذْكُور قبل توفّي فِي حُدُود الْخمسين وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والنَّسائي
3 - (أَبُو الْحسن المناديلي الْحَافِظ)
عَليّ بن أبي نصر أَبُو الْحسن المناديلي النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ كَانَ من نَوَادِر الزَّمَان جمع مَا لم يجمعه غَيره من أَنْوَاع الْعُلُوم حتَّى فاق أقرانه فِي الْقرَاءَات وَمَعْرِفَة الرِّجَال والمتون والطب وَغير ذَلِك وَبَالغ الْحَافِظ عبد الغافر فِي وَصفه وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن البنَّاء رَاوِي التِّرْمِذِيّ)
عَليّ بن نصر بن الْمُبَارك بن أبي السيّد بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ ثمَّ البغداذي ثمَّ المكّي المولد وَالدَّار الخلاّل الْمَعْرُوف بِابْن البنَّاء رَاوِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن أبي الْفَتْح الكَرُوخي حدَّث بمكَّة والإسكندرية ومصر ودمياط وقُوص وَسمع مِنْهُ هَذَا الْكتاب خلقٌ كثير وَهُوَ آخر من رَوَاهُ عَن الكَرُوخي وتوفِّي سنة نن وَعشْرين وست مائَة
3 - (مهذَّب الدولة)
عَليّ بن نصر أَبُو الْحسن مهذَّب الدولة صَاحب البَطيحة كَانَ جواداً مُمَدَّحاً صَاحب ذمَّةٍ ووفاء وَهُوَ الَّذِي استجار بِهِ الْقَادِر بِاللَّه فأجاره وَمنعه من الْمُطِيع وَقَامَ فِي خدمته أتمّ قيام
وَكَانَ النَّاس يلجأون إِلَيْهِ فِي الشدائد فيجيرهم وَيقوم بأمرهم ويبذل نَفسه وَمَاله دونهم وَكَانَ يرْتَفع لَهُ من المَغَلِّ فِي كلِّ سنة ثَلَاثُونَ ألف كُرّ على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَمن الرزق ألف ألف)
وَسبع مائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم يُنفق معظمها على القُصَّاد وأرباب الْبيُوت عَاشَ نيِّفاً وَسبعين سنة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة تسع وَأَرْبع مائَة وَأقَام بالبطيحة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وشهوراً(22/169)
3 - (نور الدّين الْخَطِيب الْمصْرِيّ الشَّافِعِي)
عَليّ بن نصر الله بن عمر بن عبد الْوَاحِد الْقرشِي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل الْخَطِيب المعمَّر الْمسند نور الدّين كَانَ خطيب قَرْيَة بِظَاهِر الْقَاهِرَة روى أَكثر صَحِيح النَّسائي عَن عبد الْعَزِيز بن باقا وَسمع أَيْضا من جَعْفَر الْهَمدَانِي وَالْعلم ابْن الصَّابُونِي وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْوَفَاء بن مندَه وَأَبُو سعد الْمَدِينِيّ وعدَّة وتفرَّد ورحلوا إِلَيْهِ وَكَانَ خَاتمه من سمع شَيْئا من ابْن باقا سمع مِنْهُ الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكي والواني وَابْن خلف وَابْن المهندس وَابْن حَرَمي وعدة وَظهر للنَّاس بعد رحْلَة الشَّيْخ شمس الدّين من مصر وأثنوا عَلَيْهِ مَاتَ عَن نيِّفٍ وَتِسْعين سنة فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسبع مائَة
3 - (عزَّ الدّين بن الماسح الشَّافِعِي)
عَليّ بن نصر بن جمال الْأَئِمَّة أبي الْقَاسِم عَليّ بن أبي الْفَضَائِل الْحسن بن الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه الرئيس عز الدّين أَبُو الْحسن الْكلابِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن الماسح ولي الْوكَالَة السُّلْطَانِيَّة بحرَّان وَانْقطع إِلَى شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين وَولي التدريس بالجامع الظافري وتوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وست مائَة
3 - (قَاضِي مصر)
عَليّ بن النُّعْمَان بن مُحَمَّد بن مَنْصُور المغربي ثمَّ الْمصْرِيّ قَاضِي مصر أَبُو الْحسن كَانَ متفنِّناً فِي عدَّة عُلُوم شَاعِرًا مجوِّداً توفّي فِي شهر رَجَب وَهُوَ كهل سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَمن شعره
(ولي صديقٌ مَا مسَّني عَدَمٌ ... مذ وقعتْ عينُهُ على عَدَمي)
(أغْنى وأقنى وَمَا يكلّفني ... تقبيلَ كفٍّ لَهُ وَلَا قَدَمِ)
(قَامَ بأَمْري لمَّا قعدتُ بِهِ ... ونمتُ عَن حَاجَتي وَلم ينم)(22/170)
3 - (السديد النيلي)
عَليّ بن النفيس بن خَمِيس الْمَعْرُوف بالسديد النيلي من أهل بغداذ كَانَ أديباً فَاضلا يحفظ)
كتاب الْإِصْلَاح والتكملة وَكتب كثيرا بخطِّه وَله نظم ونثر توفّي بعد التسعين وَخمْس مائَة وَلم يبلغ الثَّلَاثِينَ وَمن شعره
(مَا يستفيقُ القلبُ من إطرابِهِ ... وَلَا يَمَلُّ الطَّرْفُ من تَسكابِهِ)
(أَو تكتسي غصونُ بانات الْحمى ... ويعجب الرائدُ من أعشابِهِ)
(وينبت الربيعُ فِي ربوعه ... وتُبْدَل الظباءُ من ضِبابِهِ)
(وَترجع الوُرْقُ على أفنانه ... سواجعاً كيداً على غُرابِهِ)
3 - (ابْن زرَّاع النَّهْدِيّ)
عَليّ بنُ نُفَيل الحرَّاني هُوَ ابنُ زرَّاع النَّهْدِيّ الحرَّاني جدُّ أبي جَعْفَر النُّفيلي الْحَافِظ روى عَن سعيد بن المسيَّب قَالَ أَبُو حَاتِم لَا بَأْس بِهِ توفِّي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وروى لَهُ النَّسائي وَابْن ماجة
(عَليّ بن هَارُون)
عَليّ بن هَارُون بن عَليّ بن يحيى بن أبي مَنْصُور الشاعرُ المنجِّم أَبُو الْحسن كَانَ نديم المتوكّل خاصًّا بِهِ متقدِّماً عِنْده وانتقل إِلَى مَن بعده من الْخُلَفَاء وَلم يزل مكيناً عِنْدهم حظيًّا لديهم يجلس بَين أَيدي أسرَّتهم ويُفضون إِلَيْهِ بأسرارهم ويأمنونه على أخبارهم وَكَانَ قبل اتِّصَاله بالخلفاء يلوذُ بِمُحَمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المُصْعَبي ثمَّ اتَّصل بِالْفَتْح بن خاقَان وَعمل لَهُ خزانَة كتبٍ أكثرُها حِكْمَة قلت كَذَا قَالَ ابْن خلِّكان وَهُوَ وهم مِنْهُ لِأَن هَذِه التَّرْجَمَة تَرْجَمَة جدِّه عَليّ بن يحيى وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى لأنَّ المتَوَكل توفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ إنَّه قَالَ عَاشَ إِلَى أَن خدم(22/171)
الْمُعْتَمد وَالْمُعْتَمد توفِّي سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَهِي بعد مولد هَذَا عَليّ بن هَارُون بِسنتَيْنِ وإِنَّما هَذَا كلّه من تَرْجَمَة جدّه عَليّ بن يحيى على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَولد سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَقبل سنة ستّ توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَلَاث مائَة
وَمن كتبه كتاب النورُوز والمهرجان كتاب الردّ على الْخَلِيل فِي الْعرُوض كتاب الرسَالَة فِي الْفرق بَين إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي فِي الْغناء كتاب ابْتَدَأَ فِيهِ بِنسَب أَهله عمله للمهلَّبي الْوَزير وَلم يتم كتاب اللَّفْظ الْمُحِيط بِنَقْض مَا لفظ بِهِ اللَّقِيط عَارض بِهِ كتاب أبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ كتاب الْفرق والمعيار بَين الأوغاد والأَحرار كتاب القوافي عمله)
لعضد الدولة وَمن شعره
(بِأبي وَالله مَن طَرَقا ... كابتسام الْبَرْق إنْ خَفَقَا)
(زادني شوقاً بِرُؤْيَتِهِ ... وحشا قلبِي بِهِ حُرَقا)
(مَن لقلبٍ هائمٍ كَلِفٍ ... كلَّما سكَّنتهُ خَفَقَا)
(زارني طيفُ الحبيب فَمَا ... زَاد أَن أغرى بِهِ الأَرَقَا)
وَمِنْه
(بيني وَبَيْنك فِي الهَوَى أسبابُ ... وَإِلَى المحبَّةِ ترجعُ الأَنسابُ)
(يَا غَائِبا بكتابه ووصاله ... هَل يُرْتجى من غيبتيك إيابُ)
(لَوْلَا التعلُّلُ بالرجا لتقطَّعَتْ ... نَفْسٌ عَلَيْك شعارُها الأوصابُ)
(لَا تأسَ من رَوح الْإِلَه فربَّما ... يصلُ القَطوعُ ويَحْضُرُ الغُيَّابُ)
وَمِنْه مَا كتبه إِلَى ابْن الْخَوَارِزْمِيّ وَقد وَثِئت رجله
(كَيفَ نالَ العثارُ مَن لم يول من ... هـ مُقيلاً فِي كلِّ خطبٍ جسيمِ)
(أَو ترقَّى الردى إِلَى قدمٍ لم ... تَخْطُ إلاَّ إِلَى مقامٍ كريمِ)
3 - (القرميسيني النَّحْوِيّ)
عَليّ بن هَارُون بن نصر القرميسيني النَّحْوِيّ أَبُو الْحسن(22/172)
أَخذ عَن عليّ ابْن سُلَيْمَان الْأَخْفَش وَأخذ عَنهُ عبد السَّلَام الْبَصْرِيّ وتوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَلَاث مائَة ومولده سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ
3 - (الخزَّار الْكُوفِي)
عَليّ بن هَاشم بن البَرِيد أَبُو الْحسن الْقرشِي مَوْلَاهُم الخزَّار الْكُوفِي وثَّقه ابْن مَعين وَغَيره وَكَانَ شيعيًّا بغيضاً وَقَالَ أَبُو دَاوُد ثَبْتٌ يتشيَّع وَقَالَ ابْن حِبَّان روى الْمَنَاكِير وتوفِّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
(عَليّ بن هبة الله)
عليّ بن هبة الله بن جَعْفَر بن علكان بن مُحَمَّد بن دلف بن أبي دُلَف الْقَاسِم بن عِيسَى وَتَمام النّسَب سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْقَاسِم أَبُو نصر بن أبي الْقَاسِم بن ماكُولا كَانَ أَبوهُ وَزِير جلال الدولة بن بُوَيه وَكَانَ عمُّه أَبُو عبد الله الْحسن ين جَعْفَر قَاضِي الْقُضَاة ببغداذ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الجَرْباذقاني يُلقَّبُ بالأَمير كَانَ لبيباً عَارِفًا ترشَّح للْحِفْظ حتَّى كَانَ يُقَال لَهُ الْخَطِيب الثَّانِي قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ سمعتُ شَيخنَا عبد الوهَّاب يقْدَح فِيهِ وَيَقُول الْعلم يحْتَاج إِلَى دين
صنَّف كتاب الْمُخْتَلف والمؤتلف جمع فِيهِ بَين كتاب الدَّارَقُطْنِيّ وَعبد الْغَنِيّ والخطيب وَزَاد عَلَيْهِم زيادات كَثِيرَة وَله كتاب الوزراء وَكَانَ نحويًّا مجوِّداً وشاعراً صَحِيح النَّقْل مَا كَانَ فِي البغداذيين فِي زَمَانه مثله سمع أَبَا طَالب بن غَيلان وَأَبا بكر بن بِشران وَأَبا الْقَاسِم بن شاهين وَأَبا الطيِّب الطَّبَرِيّ وسافر إِلَى الشَّام والسواحل وديار مصر(22/173)
والجزيرة والثغور وَالْجِبَال وَدخل بِلَاد خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وجال فِي الْآفَاق وُلد بعُكْبَرا سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبع مائَة وتوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة قَالَ الحُمَيْدي خرج إِلَى خُرَاسَان وَمَعَهُ غلْمَان لَهُ تُرك فَقَتَلُوهُ بجرجان وَأخذُوا مَاله وهربوا وطاح دمُه هدرا ومدحه ابْن صُرَّ دُرَّ الشَّاعِر وَمن شعر ابْن ماكُولا
(ولمَّا تفرَّقنا تباكتْ قُلُوبنَا ... فمُمسكُ دمعٍ عِنْد ذَاك كساكِبهْ)
(فيا نفسيَ الحرَّى الْبسي ثوبَ حسرةٍ ... فراقُ الَّذِي تهوينَه قد كساكِ بهْ)
وَمِنْه
(فؤادٌ مَا يُفيق من التصابي ... أطَاع غرامه وَعصى النواهي)
(وَقَالُوا لَو تصبَّر كَانَ يسلو ... وَهل صبرٌ يساعدُ والنَّوى هِي)
وَمِنْه
(أليسَ وقوفُنا بديارِ هندٍ ... وَقد رَحل القطينُ من الدَّوَاهِي)
(وهندٌ قد غدتْ دَاء لقلبي ... إِذا صدَّت ولكنَّ الدَّوا هِي)
وَمِنْه
(علَّمَتْني بهجرها الصبرَ عَنْهَا ... فهيَ مشكورةٌ على التقبيحِ)
)
(وأرادتْ بِذَاكَ قبحَ صنيعٍ ... فعلتْه فكانَ عينَ المليحِ)
وَمِنْه
(أقولُ لقلبي قد سلا كلُّ واحدٍ ... ونفَّضَ أثوابَ الهَوَى عَن مناكبهْ)
(وحبُّك مَا يزْدَاد إلاَّ تجدُّداً ... فيا لَيْت شِعري ذَا الهَوَى مَن مَناك بِهْ)
وَمِنْه
(تجنَّبتُ أبوابَ الْمُلُوك لأنَّني ... علمتُ بِمَا لم يعلمِ الثَّقَلانِ)
(رأيتُ سُهيلاً لم يَحِدْ عَن طَرِيقه ... من الشمسِ إلاَّ من مقَام هوان)(22/174)
3 - (ابْن أثُرْدي)
عليّ بن هبة الله بن عَليّ بن أثُرْدي وَسَيَأْتِي وَالِده أَبُو الْغَنَائِم فِي حرف الْهَاء فِي مَكَانَهُ وَهُوَ وَالِد أبي الْغَنَائِم سعيد بن عَليّ بن أثُرْدي وَقد تقدَّم ذكره فِي حرف السِّين كَانَ أَبُو الْحسن صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة طَبِيبا فَاضلا مَشْهُورا بالتقدُّم فِي صناعَة الطِّبّ وجودة الْمعرفَة جيِّد المعالجة جيِّد التصنيف وَله شرح مسَائِل كتاب دَعْوَة الأطبَّاء ألَّفه لأبي الْعَلَاء مَحْفُوظ بن المسبِّحي الطَّبِيب
3 - (قوام الدّين بن الزَّاهِد)
عليّ بن هبة الله بن الْعَلَاء بن مَنْصُور بن الْوَلِيد أَبُو الْحسن بن أبي الْمَعَالِي المَخْزُومِي قوام الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الزَّاهِد البغداذي كَانَ من الْأَعْيَان وتولَّى النّظر بالمنائر مدَّةً ثمَّ جُعل مشرفاً على ابْن يُونُس الْوَكِيل بِبَاب الْحُجْرَة وتولَّى الْوكَالَة للأمير بن نصر بن الإِمَام النَّاصِر مدَّةً ثمَّ عُزل سمع الحَدِيث من مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ وَأبي الْوَقْت ونُفي إِلَى الْبَصْرَة توفِّي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس مائَة
3 - (القَاضِي ابْن البُخَارِيّ)
عليّ بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن البُخَارِيّ أَبُو الْحسن البغداذي وَالِد قَاضِي الْقُضَاة أبي طَالب كَانَ فَقِيها فَاضلا حسن المناظرة قَرَأَ الْفِقْه على أسعد المِيهَني وَأبي مَنْصُور بن الرزَّاز وَسمع من وَالِده وَمن عَليّ بن أَحْمد ابْن بَيَان وَمُحَمّد بن سعيد بن نَبهَان وَغَيرهم
وَولي الْقَضَاء بقُونية توفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
3 - (بهاء الدّين بن الجُمَّيْزي الشَّافِعِي)
)
عليّ بن هبة الله بن سَلامَة بن الْمُسلم بن أَحْمد بن عَليّ الإِمَام العلاّمة مُسند الديار المصرية بهاء الدّين أَبُو الْحسن اللَّخْمِيّ(22/175)
الْمصْرِيّ بن الجُمَّيْزي الشَّافِعِي الْخَطِيب المدرِّس ابْن بنت أبي الفوارس ولد سنة تسع وَخمسين وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وست مائَة حفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن عشر سِنِين أَو أقل ورحل مَعَ أَبوهُ وَسمع بِدِمَشْق ورحل مَعَ أَبِيه إِلَى بغداذ وَقَرَأَ بالقراءات الْعشْر على أبي الْحسن عَليّ بن عَسَاكِر البَطائحي بكتابه الَّذِي صنَّفه فِي الْقرَاءَات وَهُوَ آخر من قَرَأَ عَلَيْهِ وَآخر من روى عَنهُ بِالسَّمَاعِ وَسمع بالإسكندرية من السِّلفي وتفرَّد عَنهُ بأَشْيَاء وَعَن غَيره وتفقَّه بِمصْر على أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور القَرافي وخطب مُدَّة بِجَامِع الْقَاهِرَة وَكَانَ رَئِيس الْعلمَاء بِالْقَاهِرَةِ فِي وقته معظَّماً عِنْد الخاصَّة والعامَّة وَلَا يُعلمُ أحدٌ سمع من السِّلفي وَابْن عَسَاكِر وشُهْدَة سواهُ إلاَّ الْحَافِظ عبد الْقَادِر بن عبد الله وروى عَنهُ خلقٌ من أهل دمشق وَأهل مَكَّة وَأهل مصر مِنْهُم الزكيَّان الْمُنْذِرِيّ والبِرْزلي وَابْن النجَّار والدمياطي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَجَمَاعَة
3 - (نور الدّين بن الشهَاب الشَّافِعِي)
عليّ بن هبة الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة نور الدّين بن الشهَاب الإسنائي كَانَ فقيهَّ مُفتياً سمع من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد والحافظ عبد الْمُؤمن وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وَحفظ مُخْتَصر مُسلم للمُنذري وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله بن عبد الله بن سيِّد القِفطي وَالشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد الدِّشناوي وبرع فِي الْفِقْه وَكتب الروضةَ بخطِّه بمكَّة لمَّا حجّ وَهُوَ أوَّل من أدخلها قُوص وَكَانَ يستحضر أَكْثَرهَا وغالبها وتولَّى الحكم بأُدْفو وقِنا وَكَانَت طَرِيقَته حَسَنَة ودرَّس بالعزِّيَّة بقُوص والمدرسة المجديَّة ورباط ابْن الْفَقِيه نَصر ودرَّس بدار الحَدِيث بقُوص ودارت عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَانَ فِيهَا مُسدَّداً وَكَانَ أمَّاراً بِالْمَعْرُوفِ نهَّاءً عَن الْمُنكر وَله تَهَجُّدٌ فِي اللَّيْل وَكَانَ مَهيباً متواضعاً وتزوَّج بأخت الصاحب نجم الدّين حَمْزَة بن الأصْفوني ولمَّا توفّي طُلب أَصْحَابه فهرب الشَّيْخ وتغيَّب سبعين يَوْمًا حفظ فِيهَا المنتخَب فِي الأُصول وَتُوفِّي بقوص سنة سبع وَسبع مائَة
كَانَ بعض النَّصَارَى أسلم وَله ولد نَصْرَانِيّ وَأَوْلَاد ولد أَطْفَال فَقَالَ فِي إلحاقهم بجدِّهم وَأفْتى بِهِ متَّبعاً مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن بَعضهم وَقَالَ إنَّه الْأَقْرَب وَجرى فِي ذَلِك صراع كَبِير وَألْحق بَعضهم بجدّه فَقيل إِن النَّصَارَى تحيَّلوا وسقوه سمًّا فَحصل لَهُ ضعفٌ وإسهال توفّي)
بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ نور الدّين الْمَذْكُور نقل عنِّي بعض أَوْلَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد نقل(22/176)
عنِّي لَهُ كلَاما من جملَته أنِّي قلت أَنا أفقه مِنْهُ وصرت أحضر عِنْد الشَّيْخ الدَّرْس وَأرى فِي نَفسه منِّي شَيْئا فَقَالَ الشَّيْخ يَوْمًا فِي الدَّرْس وَقد ذكر مَوَانِع الْمِيرَاث ثَمَّ مانعٌ آخر وأمهلتكم فِيهِ شهرا قَالَ فَأخذت فِي استحضار الْقُرْآن الْكَرِيم ثمَّ فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ فَجرى على ذهني قَوْله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَث فَقلت يَا سَيِّدي وَإِن كَانَ مفقوداً فِي زَمَاننَا فشعر أنِّي عَرفته فَقَالَ قل فقلتُ النبوَّة
3 - (الأرمنتي)
عليّ بن هبة الله بن مُحَمَّد الأرمنتي ذكره صَاحب الأرج الشائق وَأنْشد لَهُ من قصيدة مدح بهَا ابْن حسَّان الإسنائي
(أرى الظبيَ من بعد الزِّيَارَة مُزْوَرَّا ... وأبدَى من الإعراضِ والصدِّ مَا ضرَّا)
(وفوَّق من قِسْي الحواجب أسهماً ... وجرَّدَ للعشَّاقِ من لحظه بُتْرا)
(وقَدَّ بِذَاكَ القدِّ قلبِي تعمُّداً ... وبَلْبَلَ لي البلبالَ إذْ بَلْبَلَ الشَّعْرا)
(وَلما بدا لي أنَّه غيرُ منصفي ... وأنَّ قُصارى مَا أفوزُ بِهِ نَزْرا)
(صرفتُ اهتمامي بالمديحِ لسيِّدٍ ... يزِيد امتداحي من مناقبه فخرا)
3 - (شرف الدّين الإسنائي)
عليّ بن هبة الله بن عَليّ بن السديد شرف الدّين الإسنائي انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة بَلَده سمع من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَحضر مجْلِس إمْلَائِهِ واشتغل بالفقه مُدَّة بِالْقَاهِرَةِ وَتَوَلَّى الحكم بأَصْفون وناب فِي الحكم بإِسنا وَكَانَ يتصدَّق كثيرا تصدَّق مرَّةً فِي الْعِيد بسبعين إرْدَبًّا ثمَّ بَاشر فِي الخِدَم الديوانيَّة وَولي نظر أُدْفو وإسنا وتوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة
(عَليّ بن هِشَام)
3 - (ابْن أبي قِيرَاط الْكَاتِب)
عَليّ بن هِشَام بن عبد الله بن أبي قِيرَاط أَبُو الْحسن الْكَاتِب البغداذي حدَّث عَن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الحُصَيني وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة النَّحْوِيّ نِفطويه وأبَوَي عبد الله زنجي الْكَاتِب والباقطاي وروى عَنهُ أَبُو عَليّ المحسِّن التنوخي وَكَانَ كَاتبا شَاعِرًا مولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ووفاته سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة وَمن شعره(22/177)
(ضنى جسمي أَبَا حسنٍ وَمَعِي ... شهيدٌ لي بِمَا تُخفي الضلوعُ)
(فشاهد صحَّةِ الْبلوى سَقامي ... وشاهدُ صحَّةِ الشكوى الدموعُ)
وَمِنْه
(أيا بديعاً بِلَا شبيهِ ... وَيَا حَقِيقا بكلِّ تِيهِ)
(يَا مَن جفاني فَلَا أراهُ ... هبْ لي رُقاداً أراكَ فيهِ)
3 - (قَائِد الْمَأْمُون)
عَليّ بن هِشَام بن فرَّخُسْرَو أَبُو الْحسن الْقَائِد المَروزي أحد قوَّاد الْمَأْمُون وندمائه كَانَ قَرِيبا إِلَيْهِ فرُفع إِلَى الْمَأْمُون سوء سيرته فِي الرعيَّة وَكَانَ قد ولاّه كُوَرَ الْجبَال فَقتل الرِّجَال وَأخذ الْأَمْوَال فوجَّه الْمَأْمُون إِلَيْهِ عُجَيف بن عَنْبَسَة فَأَرَادَ أَن يفتك بعجيف ويلحف ببابَك الخُرَّمي فظفر بِهِ عجيف وَقدم بِهِ على الْمَأْمُون فَأمر بِضَرْب عُنُقه فَقتله عَليّ بن الْخَلِيل ابْن أَخِيه وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى بغداذ وخراسان والجزيرة وَالشَّام ومصر وطيف بِهِ ثمَّ أُلقي فِي الْبَحْر وَكتب الْمَأْمُون رقْعَة على الرَّأْس أمَّا بعد فإنَّ أَمِير الْمُؤمنِينَ دَعَا عَليّ بن هِشَام فِي من دَعَا أيَّام المخلوع من أهل خُرَاسَان إِلَى معاونته فَأجَاب فرعى لَهُ ذَلِك وولاّه الأَعمال السنيَّة وَوَصله بالصلات الجزيلة فبلغت أَكثر من خمسين ألف ألف دِرْهَم فمدَّ يَده إِلَى الْخِيَانَة والتضييع لما استرعاه من الْأَمَانَة فباعده عَنهُ وأقصاه ثمَّ استقال أَمِير الْمُؤمنِينَ فأقاله عثرتَه وولاّه الْجبَال وإرمينية وأذربيجان ومحاربَةَ أَعدَاء الله الخُرَّميَّة على أَن لَا يعود إِلَى مَا كَانَ فأساء السِّيرَة وعسف الرعيَّة وَسَفك الدِّمَاء المحرَّمة فَوجه أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ عجيف بن عَنْبَسَة مباشراً لأَمره وداعياً إِلَى)
تلافي مَا كَانَ مِنْهُ فَوَثَبَ على عجيف يُرِيد قَتله فظفر بِهِ وَدفعه عَن نَفسه وَلَو تمَّ مَا أَرَادَ بعجيف لَكَانَ فِي ذَلِك مَا لَا يُستدرك وَلَا يُستقال وَلَكِن إِذا أَرَادَ الله أمرا كَانَ مَفْعُولا فلمَّا أمضى أَمِير الْمُؤمنِينَ من حُكم الله فِي عَليّ بن هِشَام رأى أَن لَا يُؤَاخذ من خلَّف بِذَنبِهِ وأجرى على من ترك من وَلَده وَعِيَاله وَمن أصلابهم بعد مماته مَا كَانَ جَارِيا عَلَيْهِم فِي حَال حَيَاته وَالسَّلَام(22/178)
وَكَانَ عَليّ بن هِشَام فَاضلا شَاعِرًا وَكَانَ الْمَأْمُون يزوره فِي بَيته وَمن شعر عَليّ بن هِشَام
(يَا موقِدَ النَّار يُذكيها فيجمدُها ... قُرُّ الشتَاء بأرياحٍ وأمطارِ)
(قُم فاصطلِ النارَ من أحشايَ مُضرمةً ... بالشوقِ تغنَ بهَا يَا مُوقد النارِ)
(وَيَا أَخا الذَّوْدِ قد طالَ الظَّماءُ بهَا ... مَا تعرفُ الرِّيَّ من جدبٍ وإقتارِ)
(رُدَّ العطاشَ على عَيْني ومَحجرِها ... تُرْوَ العطاشُ بدمعٍ واكفٍ جاري)
(إِن غَابَ شخصُك عَن عَيْني فَلم تَرضهُ ... فإنَّ ذكرك مقرونٌ بإضماري)
(عَليّ بن هِلَال)
3 - (ابْن البوَّاب الْكَاتِب)
عَليّ بن هِلَال أَبُو الْحسن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن البوَّاب وَكَانَ أَبوهُ يُعرف بالسِّتْري بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَبعدهَا رَاء نِسْبَة إِلَى السِّتْر لأنَّ البوَّاب يلازم السّتْر هُوَ صَاحب الخطّ الْفَائِق الَّذِي لم يُرزق أحدٌ فِي الْكِتَابَة سعادته بِإِجْمَاع النَّاس عِلّة أنَّ الوليَّ العجمي كتب خيرا مِنْهُ فِيمَا أرى وَلَا يَجْسُر أحدٌ على قَول ذَلِك وأوَّل من عرَّب الْخط من الْكُوفِي ابْن مُقلة لَكِن بَقِي فِيهِ تكويفٌ مَا إِلَى أَن جَاءَ ابْن البوَّاب هَذَا فزاده تعريباً ودوَّر حروفَه وَوضع هَذَا الضَّبْط على مَا قيل وَقَالَ ابْن البوَّاب مَا كتبتُ يَوْم السبت مثلَ يَوْم الْخَمِيس قطّ قلت معنى هَذَا الْكَلَام أَنه يكتبُ كلَّ يَوْم فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة استراح فَلَا يكْتب شَيْئا وَفَائِدَة هَذَا الْكَلَام أَن الْكِتَابَة تقوى بالإدمان وتضعف بِالتّرْكِ وَيُقَال إِنَّه كَانَ يتصدَّق بالحروف يكْتب الْحَرْف ويهبه للصعلوك فيتوجَّه بِهِ ويبيعه للكتَّاب بِمَا يتَّفِق لَهُ من الثّمن وَيُقَال إِنَّه وُجد لَهُ سريرٌ ملآن مسودَّاتٍ جَمِيعهَا صُورَة الشدَّة كَذَا قيل وَزعم بعض الْفُضَلَاء أنَّ خطَّه ثَلَاث طَبَقَات سفلى ووسطى وعليا فالسفلى أول كِتَابَته واسْمه فِيهَا عَليّ بن هِلَال بِأَلف بَين اللامين وَالْوُسْطَى أَوسط كِتَابَته واسْمه فِيهَا عَليّ بن هليل بياء)
آخر الْحُرُوف بَين اللامين والعليا وَهِي آخر مَا كتب واسْمه فِيهَا عَليّ بن هلل بِحَذْف الْألف مَا بَين اللامين(22/179)
وسمعتُ جمَاعَة من الْيَهُود يدَّعون أنَّه كَانَ فِي عصره شخصٌ من الْيَهُود كتب العبراني طبقَة مثل ابْن البوَّاب فِي الْعَرَبِيّ وأنَّه لم يكْتب العبراني أحدٌ قبله وَلَا بعده مثله
ورأيتُ من خطِّه كثيرا وملكتُ مِنْهُ قِطْعَة بلم الرِّقاع فرآها الشَّيْخ بهاء الدّين مَحْمُود ابْن خطيب بعلبكَّ فَقَالَ لم أرَ لِابْنِ البوَّاب رِقَاعًا قطّ غير هَذِه إلاَّ أنَّ هَذِه الْقطعَة الْمَذْكُورَة كَانَ عَلَيْهَا خطّ القاشي الْكَاتِب المُذَهِّب البوَّاب فَاضلا مُذَهِّباً أَيْضا لَهُ مجاميع أدبيَّة وتواليف وَقد شهد لهَذِهِ الْقطعَة أنَّها من نفائس عُقُود ابْن البوَّاب وَشَيخ ابْن البوَّاب فِي الْكِتَابَة مُحَمَّد بن أَسد الْكَاتِب وَقد تقدَّم ذكره فِي مَكَانَهُ البوَّاب ابْن البوَّاب فِي أوَّل أمره مُزَوِّقاً يُزَوِّقُ الدّور ثمَّ صوَّر الْكتب ثمَّ تعانى الْكِتَابَة قلت التَّصْوِير والتذهيب هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ على استنباط مَا زَاده فِي الْكِتَابَة وغيَّره من الأَوضاع وَلَقَد دَار بيني وَبَين شرف الدّين عِيسَى النَّاسِخ الْكَاتِب وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد المصريين فِي بعض الْأَيَّام كلامٌ أفْضى إِلَى التعجُّب من أَمر ابْن البوَّاب فَقَالَ مَا بَين النَّاس تفاوتٌ إِلَى حدّ يكون قد جَاءَ أحدٌ لم يجِئ بعده مثله قلت لَيْسَ هَذَا بعجيب لأنَّه اتّفق لَهُ أَشْيَاء مَا اتَّفقت لغيره قَالَ مَا هِيَ قلت الأولى أنَّه اسْتَعَانَ على ذَلِك بِمَا عِنْده من التَّصْوِير والتذهيب والمصوِّرون يَقُولُونَ هَذِه الصُّورَة فِي حركاتها رُطوبةٌ هُنَا ويُبْسٌ هُنَا والرطوبةُ عِنْدهم رتبةٌ عليا واليُبُوسَةُ عيب كَمَا ذَلِك عِنْد الكتَّاب الثَّانِيَة أَنه كَانَت أعضاؤه قَابِلَة لما يَضَعهُ على مَا يتصوَّره فِي نَفسه من الأشكال وَلَيْسَ كل النَّاس كَذَلِك الثَّالِثَة أنَّه هُوَ الَّذِي أبرز هَذِه الأوضاع إِلَى الْوُجُود على مَا رَآهُ وقبلته أعضاؤه المفطورة لذَلِك وإلاّ فَلَيْسَتْ هَذِه الأوضاع أمرا تُلُقِّيَ عَن نبيّ وَلَا وصيّ وَلَا هِيَ أوضاعٌ طبيعيَّة وَلَا أشكالٌ لَازِمَة الْوُجُود أَن تكون كَذَا لأنَّ المغاربة يخالفون المشارقة فِي أوضاعهم الرَّابِعَة أنَّه صقلها بالإدمان حتَّى قويتْ وَقَعَدت وكلُّ من كَانَت كِتَابَته مصقولةً قَاعِدَة كَانَت حَسَنَة فِي الْعين وَلَو لم يراعِ كاتبها أصُول ابْن البوَّاب فَهَذَا الشَّيْخ فتح الدّين بن سيِّد النَّاس أَخْبرنِي أَنه لم يكْتب على أحدٍ وكتابته فِي المغربي والعربي طبقَة الْخَامِسَة أَنه وضع شَيْئا على مَا فِي نَفسه لَيْسَ بطبيعي وَلَا شَرْعِي فجوَّده وساعده الْأُمُور الَّتِي ذكرتُها لَك وَالنَّاس يُرِيدُونَ يحاكونه فيتكلَّفون مَا كَانَ فِي طباع الأول لَا جَرَمَ أنَّ النَّاس تفاوتوا فِي ذَلِك فَمن مُقارب وَمن مُباعد)
على طَبَقَات وَهُوَ الغايةُ فِي ذَلِك فسَلَّم لي شرف الدّين النَّاسِخ وَمن كَانَ حَاضرا واعترفوا بِصِحَّة التَّعْلِيل انْتهى
وَكَانَ ابْن البوَّاب فَاضلا وَلِهَذَا يعرف الْفُضَلَاء خطَّه ممَّا زوَّره عَلَيْهِ الوليّ العجميّ وعَتَّقه على خطوطه لأنَّ ابْن البوَّاب لَا يلحن فِيمَا يكْتب والوليّ يَقع لَهُ اللّحن(22/180)
وَكَانَ ابْن البوَّاب قد قَرَأَ على ابْن جنِّي وَسمع من أبي عبيد الله المرزُباني وَصَحب أَبَا الْحُسَيْن بن سمعون الْوَاعِظ وَكَانَ ابْن البوَّاب يعظ النَّاس بِجَامِع الْمَنْصُور ويعبِّر للرؤيا وَله نظم ونثر إلاَّ أنَّ نظمه منحطّ
وَتُوفِّي ابْن البوَّاب سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع مائَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَدفن بجوار قبر أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ ورثاه الشريف المرتضى بقوله وَكَانَ كثير الْمُلَازمَة للشريف
(رُدِّيتَ يَا ابنَ هلالٍ والرَّدى عَرَضٌ ... لم يُحْمَ مِنْهُ على سخط لَهُ البَشَرُ)
(مَا ضرَّ فقدكَ والأَيامُ شاهدةٌ ... بأنَّ فضلك فِيهِ الأنجمُ الزُّهُرُ)
(أغْنيتَ فِي الأرضِ والأقوامِ كلَّهمُ ... من المحاسن مَا لم يُغنه المطرُ)
(فللقلوب الَّتِي أبهجتَها حَزَنٌ ... وللعيون الَّتِي أقررتَها سَهَرُ)
(وَمَا لعيشٍ وَقد ودَّعتَه أَرَجٌ ... وَلَا لليلٍ وَقد فارقتَه سَحَرُ)
(وَمَا لنا بعد أَن أضحت مطالعُنا ... مسلوبةً مِنْك أوضاح وَلَا غُرَرُ)
وَقيل إِن بعض الشُّعَرَاء رثاه بقوله
(استشعَرَ الكُتَّابُ فقدَك سالفاً ... وقضتْ بصحَّة ذَلِك الأَيَّامُ)
(فلذاك سُدِّدَتِ الدُّوِيُّ كآبةً ... أسفا عَلَيْك وشُقَّتِ الأَقلامُ)
وَقَالَ مُحَمَّد بن اللَّيْث الزجَّاج الْموصِلِي يهجوه
(هَبْ لنا الموسويَّ يَا ابنَ هلالِ ... وابغِ من شئتَ من ذَوي الأَحوالِ)
(ذَاك عينُ الْهدى وَأَنت عَمى الأع ... يُنِ فِي النَّقْص مُولَعٌ بالكسالِ)
وَقَالَ أَيْضا فِيهِ
(أَيُّهذا الشريفُ حاشاكَ حاشا ... كَ يُرى فِي فِنائكَ ابنُ هلالِ)
(هُوَ نحسُ النحوس فِي السادةِ الغُ ... رِّ وسعدُ السُّعودِ فِي الأنذالِ)
)
(أنْظُرِ اللامَ من هلالٍ فَخذهَا ... فِيهِ مشكولةً بِلَا إشكالِ)(22/181)
وَقَالَ غَيره
(من ذَا رَأَيْتُمْ من النُّسَّاخ متَّخذاً ... سِبالَ لصٍّ على غُثْنون مُحتالِ)
(هَذَا وأنتَ ابنُ بوَّابٍ وَذُو عَدَمٍ ... فَكيف لَو كنتَ ربَّ الدَّار والمالِ)
وَمن شعر ابْن البوَّاب
(ولَوَ أنّي أهْدَيتُ مَا هُوَ فَرْضٌ ... للرئيس الأجلِّ من أمثالي)
(لنظمتُ النجومَ عِقداً إِذا رصّ ... ع غَيْرِي جواهراً بلآلي)
(ثمَّ أهديتُها إِلَيْهِ وأقرر ... تُ بعجزي فِي القَوْل والأفعالِ)
(غير أَنِّي رأيتُ قدرك يَعْلُو ... عَن نظيرٍ ومُشبهٍ ومثالِ)
(فتفاءلتُ فِي الهديَّة بالأق ... لَام عِلْماً منّي بِصدق الفالِ)
(فاعتقِدْها مفاتحَ الشرق والغر ... ب سَرِيعا والسَّهل والأجبالِ)
(فَهِيَ تستنُّ إِن جَرَيْن على القر ... طاس بَين الأرزاق والآجالِ)
(فاختبرها مُوقِّعاً برسوم ال ... بِرِّ والمكرُمات والإفضالِ)
حكى مُحَمَّد بن هِلَال بن الصَّابِئ فِي كتاب الهفوات أنَّ أَبَا نصر بن مَسْعُود الْكَاتِب لَقِي يَوْمًا ابْن البوَّاب الْكَاتِب فسلَّم عَلَيْهِ وقبَّل يَده فَقَالَ لَهُ ابْن البوَّاب الله الله يَا سيِّدي مَا أَنا وَهَذَا فَقَالَ لَو قبَّلت الأَرض بَين يَديك لَكَانَ قَلِيلا قَالَ ولمَ ذَاك يَا سَيِّدي وَمَا الَّذِي أوجبه واقتضاه قَالَ لأنَّك تفرّدت بأَشْيَاء مَا فِي بغداذ كلّها من يشاركك فِيهَا مِنْهَا الخطُّ الْحسن وأنَّه لم أرَ عمري كَاتبا من طرف عمَامَته إِلَى طرف لحيته ذراعان وَنصف غَيْرك فَضَحِك ابْن البوَّاب وجزاه خيرا وَقَالَ أَسأَلك أَن تكْتم عنِّي هَذِه الْفَضِيلَة وَكَانَت لحية ابْن البوَّاب طَوِيلَة جدًّا
ولمَّا ورد الْوَزير فَخر الْملك أَبُو غَالب مُحَمَّد بن خلف والياً على الْعرَاق من قبل بهاء بن عضد الدولة جعل ابْن البوَّاب نديماً لَهُ واختصَّ بِهِ وَكَانَ ابْن البوَّاب يتصرَّف فِي خزانَة الْكتب الَّتِي لعضد الدولة بشيراز وأمرها مَرْدُود إِلَيْهِ وَله مَعَ عضد الدولة وَاقعَة جرت فِي أَمر أَجزَاء ربعةٍ بخطِّ ابْن مُقلة فإنَّه كمَّل مِنْهَا جُزْءا مخروماً فكمَّله ابْن البوَّاب وذهَّبه وعتَّقه وأحضره إِلَيْهِ فِي جملَة الْأَجْزَاء فَلم يعرفهُ
قلت وللكتَّاب لحنٌ فِي الْوَضع يعدّونه كَمَا يعدُّ أهل الْعَرَبيَّة لحنهم من ذَاك أنَّ الْكَاف لَا)
تكْتب مجلَّسة إِذا وَقعت طرفا فِي مثل إِلَيْك ولديك وَعَلَيْك وَلَك وَمَا أشبه ذَلِك ثمَّ إِذا كتبت طرفا لَا يعْمل لَهَا ردَّة إنَّما الردّة عَلَيْهَا إِذا كَانَت مَكْتُوبَة أوَّلاً وَفِي بعض(22/182)
الْكَلِمَة حَشْوًا وَأَشْيَاء ذكرتها فِي قولي تذنيبٌ فِي مُقَدّمَة هَذَا الْكتاب فأغنت عَن الْإِعَادَة هُنَا
3 - (جَوَنقا الْكَاتِب)
عَليّ بن الْهَيْثَم الْأَنْبَارِي وَالْحسن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بجونقا بجيم وواو بعْدهَا نون وقاف وَألف كَانَ فِي ديوَان الْمَأْمُون وَمن بعده من الْخُلَفَاء وَكَانَ فَاضلا كثير التقعير فِي كَلَامه يسْتَعْمل العويص من اللُّغَة فِي محاوراته حتَّى إنَّ الْمَأْمُون قَالَ أَنا أتكلَّم مَعَ النَّاس أَجْمَعِينَ على سجيَّتي إلاَّ عليّ بن الْهَيْثَم فإنَّي أتحفَّظ إِذا كلَّمته لأنَّه يغرق فِي الإغراب
وَدخل يَوْمًا جونقا إِلَى سوق الدَّوَابّ فَلَقِيَهُ نخَّاسٌ فَقَالَ هَل من حَاجَة قَالَ نعم الْحَاجة أناختنا بعَقْوتك أردْت فرسا قد انْتهى صَدره وتقلقلت عروقه يُشِير بأذنيه ويتعاهدني بِطرف عَيْنَيْهِ ويتشرّف بِرَأْسِهِ ويعقد عُنُقه ويخطر بِذَنبِهِ ويناقل برجليه حسن الْقَمِيص جيّد الفصوص وثيق الْقصب تامّ العصب كأنَّه موج لُجَّة أَو سيلُ حَدور فَأَجَابَهُ النخَّاس بِجَوَاب نزَّهت هَذَا الْكتاب عَنهُ
وَقَالَ الْمَأْمُون يَوْمًا ببابي رجلَانِ أَحدهمَا أُرِيد أَن أَضَعهُ وَهُوَ يرفع نَفسه وَهُوَ عَليّ بن الْهَيْثَم وَالْآخر أُرِيد أَن أرفعه وَهُوَ يضع نَفسه وَهُوَ الْفضل بن جَعْفَر بن يحيى بن الْبَرْمَكِي
وَدخل جونقا يَوْمًا على الْمَأْمُون وَعِنْده أَحْمد بن الْجُنَيْد الإسكافي وَجَمَاعَة من الخاصَّة فَقَالَ الْمَأْمُون يَا عدوَّ الله يَا فَاسق يَا لصّ يَا خَبِيث سرقتَ الْأَمْوَال وانتهبتها وَالله لأفرقنَّ بَين لحمك ودمك وعظمك ولأفعلنَّ وَلَأَفْعَلَن ثمَّ سكن غَضَبه قَلِيلا فَقَالَ أَحْمد بن الْجُنَيْد نعم وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنَّه وإنَّه لم يدع شَيْئا من الْمَكْرُوه إلاَّ قَالَه فِيهِ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون يَا أَحْمد وَمَتى اجترأت عليَّ بِهَذِهِ الجرأة رَأَيْتنِي وَقد غضِبت فَأَرَدْت أَن تزيد فِي غَضَبي أما إنِّي سأؤدّبك أدباً يتأدَّب بِهِ غَيْرك يَا عَليّ بن الْهَيْثَم قد صفحت عَنْك ووهبت لَك مَا قدرت أَن أطالبك بِهِ وَرفع رَأسه إِلَى الْحَاجِب وَقَالَ لَا يبرح ابْن الْجُنَيْد الدَّار حتَّى يحمل لعَلي بن الْهَيْثَم مائَة ألف دِرْهَم ليَكُون لَهُ بذلك عقلٌ فَلم يبرح حتَّى حملهَا إِلَى ابْن الْهَيْثَم(22/183)
وَكَانَ خَالِد بن أبان الْأَنْبَارِي أَخُو عبد الْملك بن أبان بَينه وَبَين ابْن الْهَيْثَم حُرْمَة أَيَّام مُقامهما بالأنبار فاختلَّت حَال خَالِد وَضَاقَتْ وتوجَّه إِلَى مصر فَبَلغهُ مَا وصل إِلَيْهِ عَليّ بن الْهَيْثَم)
فَكتب إِلَيْهِ أبياتاً بِالذَّهَب مِنْهَا
(على الْخَالِق الْبَارِي توكَّلتُ إِنَّه ... يَدُوم إِذا الدُّنْيَا أبادت قُرونَها)
(فداؤكَ نَفسِي يَا عليَّ بن هيثمٍ ... إِذا أكلَتْ عُجْفُ السنين سمينَها)
(رميتُك من مصرٍ بأمٍّ قلائدي ... ترفُّ وَقد أقسمتُ أَن لَا تُهينها)
فوجّه إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار وَكتب إِلَى عَامل مصر فَاسْتَعْملهُ وَحسنت حَاله وعاتبه الْفضل بن الرّبيع يَوْمًا على تأخّره وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ جونقا
(وَجَدَني الفضلُ رخيصاً جدًّا ... فعقَّني وازوَرَّ عنّي صَدّا)
(وظنَّ والظُّنونَ قد تعَدَّى ... أنّي لَا أُصيبُ مِنْهُ بِدّا)
أعُدُّ مِنْهُ ألفَ بِدٍّ عَدّا ثمَّ انْصَرف جونقا وَلم يعْمل بعْدهَا للسُّلْطَان عملا
3 - (خُشكَنانجَة الْكَاتِب)
عَليّ بن وصيف الملقَّب بخُشكنانجة الْكَاتِب البغداذي كَانَ أَكثر مقَامه بالرَّقَّة ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل وَكَانَ من البلغاء وألّف عدَّة كتب ونحلها عَبْدَانِ صَاحب الإسماعلية قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم وَكَانَ لي صديقا وأنيساً توفّي بالموصل وَله من الْكتب كتاب الإفصاح والتثقيف فِي الْخراج ورسومه
3 - (مجد الدّين بن دَقِيق الْعِيد الْمَالِكِي)
عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الإِمَام العلاّمة مجد الدّين أَبُو الْحسن وَالِد شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَقد تقدَّم ذكره فِي المحمدين الْقشيرِي البهزيّ بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدرة المنفلوطي الْمَالِكِي نزيل قُوص ولد سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة(22/184)
سبع وَسِتِّينَ وست مائَة تفقَّه على أبي الْحسن بن المفضّل الْحَافِظ على مَذْهَب مَالك وَسمع مِنْهُ وَمن غَيره ودرَّس وَأفْتى وصنَّف فِي الْمَذْهَب وانتفع بِهِ أهل الصَّعِيد وَكَانَ شيخ تِلْكَ الديار تفقَّه عَلَيْهِ وَلَده وَغَيره وَكَانَ جَامعا لفنون من الْعلم مَعْرُوفا بالصلاح وَالدّين معظَّماً عِنْد الخاصَّة والعامَّة مطّرحاً للتكلُّف كثير السَّعْي فِي قَضَاء حوائج النَّاس على سمت السَّلف ارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الأقطار وتخرَّجوا بِهِ وبرعوا فِي الْفَضَائِل
ولمَّا بنى النجيب بن هبة القوصي مدرسته بقوص أَشَارَ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن الصبَّاغ أَن)
يحضر إِلَيْهَا الشَّيْخ مجد الدّين فَأحْضرهُ وَجرى بِسَبَبِهِ من الْخَيْر وَمن الْعلم مَا جرى بقوص
وَسمع على الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن بنت الجُمَّيزي وَعنهُ أَخذ الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وحدَّث عَن شَيْخه الْمَقْدِسِي وَعَن أبي رَوح عبد المُعزّ بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل الْأنْصَارِيّ وحدَّث عَنهُ ولداه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ سراج الدّين مُوسَى وتلميذه الشَّيْخ بهاء الدّين القِفطي والحافظ مَنْصُور بن سليم والحافظ عبد الْمُؤمن الدمياطي وقاضي الْقُضَاة ابْن جمَاعَة وَالشَّيْخ تَاج الدّين مُحَمَّد بن الدشناوي وَالشَّيْخ المعمّر أَبُو معِين أَحْمد بن التقيّ عبيد وَغَيرهم
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأُدْفوي حكى لي تَقِيّ الدّين عبد الْملك الأرمنتي أَن شَيْخه مجد الدّين مرَّ وتقيّ الدّين عبد الْملك هَذَا مَعَه فَرَأى كلبةً قد ولدت وَمَاتَتْ فَقَالَ يَا تقيُّ هَات هَذِه السجَّادة فَحمل الجراء وَجعلهَا فِي مَكَان قريب ورتَّب لَهَا لَبَنًا يسقيها حتَّى كَبرت وَذكر لَهُ وقائع من هَذَا النَّوْع
وَكَانَ يمشي بِنَفسِهِ فِي قَضَاء حوائج النَّاس قَالَ حكى أَصْحَابنَا أنَّه كَانَ عِنْده شخصٌ يُشفق عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه يَا سَيِّدي هَذَا فِيهِ قلَّة دين لينقّصه عِنْده فَقَالَ الشَّيْخ لَا حول وَلَا قوَّة إلاَّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم كنَّا نشفق عَلَيْهِ من جِهَة الدُّنْيَا صرنا نشفق عَلَيْهِ من جِهَة الدّين
قَالَ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى يسْعَى لطلبته على قدر استحقاقهم فَمن يصلح للْحكم سعى لَهُ فِيهِ وَمن يصلح للتعديل سعى لَهُ فِيهِ وَإِن لم يصلح سعى لَهُ فِي إِمَامَة أَو فِي شغل وإلاّ أَخذ لَهُ على السهمين راتباً حتَّى جَاءَهُ بعض النَّاس وشكا لَهُ ضَرُورَة فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قصَّة للْقَاضِي وَأَنا أتحدَّث مَعَه فَكتب الْمَمْلُوك فلَان يقبِّل الأَرض ويُنهي أنَّ الْمَمْلُوك فَقير مضرور وَكتب مضرور بالظاء وَقَلِيل الْحَظ وَكتبه بالضاد وناولها للشَّيْخ فتبسَّم وَقَالَ يَا فقيهُ ضرّك قَائِم وحظُّك سَاقِط
قَالَ وَكَانَ فِيهِ مَعَ تورُّعه وتقشُّفه بسطة جَاءَهُ بعض الطّلبَة وَقَالَ يَا سَيِّدي هَؤُلَاءِ(22/185)
الْفُقَهَاء يلقِّبونني بِوَجْه سبع الْحَوْض فَنظر إِلَيْهِ الشَّيْخ وَقَالَ مَا أبعدوا
قَالَ وَكَانَ يقْرَأ فِي المذهبين مَالك وَالشَّافِعِيّ والأصولين وَاخْتصرَ الْمَحْصُول اختصاراً جيّداً قَالَ وَحكى عَنهُ أَصْحَابه أنَّه كَانَ يحفظ فِي الأَدب زهر الْآدَاب وَكَانَ لَهُ شعر وَمِنْه أَنْشدني شَيخنَا العلاّمة أثير الدّين قَالَ أنشدنا أَبُو الْفَتْح مُوسَى بن عَليّ بن وهب قَالَ أنشدنا)
وَالِدي لنَفسِهِ
(وزهَّدني فِي الشِّعر أنَّ سجيَّتي ... بِمَا يستجيدُ النَّاس ليسَ تجودُ)
(ويأبى ليَ الخِيم الشريفُ رديئَةُ ... فأطرده عَن خاطري وأذودُ)
وَبِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِ
(أقولُ لدهرٍ قد تناهَى إساءةً ... إليَّ وَلَكِن للأحبَّةِ أحسنَا)
(أَلا دُم على الْإِحْسَان فِي من نحبّهم ... فإنَّهمُ الأولى ودعْ عنكَ أمرنَا)
قلت هُوَ مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل
(أَبى دَهْرنَا إسعافنا فِي نفوسنا ... وأسعَفنا فِي من نجلُّ ونكرمُ)
(فقلتُ لَهُ نعماكَ فيهم أتمَّها ... ودَعْ أمرنَا إنَّ المهمَّ المقدَّمُ)
وَكتب الشَّيْخ مجد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي إجَازَة شمس الدّين عمر بن الْمفضل بالفتوى والتدريس أستخير الله تَعَالَى فِي الْإِيرَاد والإصدار وأعتصم بِهِ من آفتي التَّقْصِير والإكثار وأستغفره فِيمَا فرط فِي الْجَهْر والإسرار وَأَقُول إنِّي ذاكرتُ فلَانا زيَّنه الله بالتقوى وحرسه فِي السّرّ والنجوى فِي فنونٍ من الْعُلُوم الشرعيَّة العقليَّة والنقليَّة فَأَلْفَيْته يرجع إِلَى مَعْقُول صَحِيح ومنقول صَرِيح واطِّلاعٍ على المشكلات واضطلاع بحلِّ المعضلات لَا سيَّما فِي فقه الْمَذْهَب فإنَّه أصبح فِيهِ كَالْعلمِ المُذهب وَقَامَ بِعلم الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير فَصَارَ فيهمَا الْفَاضِل النحير وَقد أَجَبْته إِلَى مَا التمس وَإِن كَانَ غنيًّا بِمَا حصَّل واقتبس فليدرّس مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لطالبيه وليُجب المستفتي بقلمه وفِيه ثِقَة بفضله الباهر وفطرته الوقَّادة وألمعيَّته المنقادة وَالله تَعَالَى يَنْفَعنِي وإيَّاه بِمَا علمناه ويرفعنا بذلك لَدَيْهِ فَمَا الْقَصْد سواهُ تمَّت
وانتفع بالشيخ مجد الدّين جمَاعَة كبار مِنْهُم أَوْلَاده الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ سراج الدّين مُوسَى وَالشَّيْخ تَاج الدّين أَحْمد وتلاميذه الأئمَّة الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله القفطي وَالشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد الدشناوي وَالشَّيْخ محبّ الدّين الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ ضِيَاء الدّين جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الْحُسَيْنِي والنجيب بن مُفْلِح كلُّ هَؤُلَاءِ عُلَمَاء فضلاء(22/186)
أئمَّة ويليهم جمَاعَة كَالْقَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن قدس وَالْقَاضِي سراج الدّين يُونُس الأرمنتي وَالْقَاضِي نجم)
الدّين أَحْمد بن نَاشِئ كلُّهم أَيْضا فُقَهَاء مفتون وَمن الْغَرِيب أنَّه مالكي الْمَذْهَب وَالَّذين تخرَّجوا عَلَيْهِ شافعيَّة قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي لَا نَعْرِف مالكيًّا انتُفع بِهِ ذَلِك الِانْتِفَاع
وَكَانَ كثير الصَّوْم يَصُوم الدَّهْر ويلازم قيام اللَّيْل وَيكثر التِّلَاوَة حكى عَنهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ بهاء الدّين أنَّه كَانَ كلَّ يومٍ يخْتم الْقُرْآن مرَّتَيْنِ مَعَ شغله وتولَّى الحكم بسيوط ومنفلوط وعمَلهما وصنَّف تلاميذه فِي حَيَاته
قَالَ كَمَال الدّين أَخْبرنِي بعض الْجَمَاعَة أَنه قبل مَوته بأيَّام تَذَاكر هُوَ وَأَصْحَابه جمَاعَة مِمَّن مَاتَ فَلَمَّا بَات تِلْكَ اللَّيْلَة رأى قَائِلا ينشده
(أتَعُدُّ كثرةَ من يَمُوت تعجُّباً ... وَغدا لَعَمري سَوف تحصلُ فِي العددْ)
وَكَانَ سَبَب تَسْمِيَة جدّه دَقِيق الْعِيد أنَّه كَانَ عَلَيْهِ يومَ عيدٍ طيلسانٌ شديدُ الْبيَاض فَقَالَ بَعضهم كأَنَّه دقيقُ العي فلُقِّب بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَقَالَ كَمَال الدّين حكى تِلْمِيذه الْبُرْهَان المالِقي أنَّه توجَّه فِي خدمته إِلَى الأقصُر لزيارة الشَّيْخ أبي الْحجَّاج فقدموا وَقت الْمسَاء فَقَالَ الشَّيْخ مَا ندخل على الْفُقَرَاء عشَاء فنزلوا فِي مَكَان فلمَّا كَانَ بعدُ ليلٌ طُرق البابُ فَخَرجُوا فوجدوا الشيخَ أَبَا الْحجَّاج فَقَالَ رَأَيْت النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فَقَالَ الْفَقِيه أَبُو الْحسن قدم قُم فسلّم عَلَيْهِ وَقد حَكَاهَا الشَّيْخ عبد الْغفار فِي كِتَابه
(عَليّ بن يحيى)
عَليّ بن يحيى بن أبي مَنْصُور المنجِّم أَبُو الْحسن كَانَ أَبوهُ يحيى من خدم الْخُلَفَاء من آل المنجِّم وَإِلَيْهِ يُنسبون وأوَّل من خدم الْمَأْمُون وأمَّا ابْنه أَبُو الْحسن هَذَا فإنَّه نادم المتوكّل ومَن بعده إِلَى أيَّام الْمُعْتَمد وَقد نبّهتُ على مَا وهم فِيهِ القَاضِي شمس الدّين بن خلِّكان فِي تَرْجَمَة حفيد هَذَا وَهُوَ عَليّ بن هَارُون بن عَليّ بن يحيى وَكَانَ أَبُو الْحسن هَذَا شَاعِرًا أخباريًّا علاّمةً منجِّماً طبَّاخاً طَبِيبا نديماً عَارِفًا بِأَصْوَات(22/187)
الْغناء لكنَّه كَانَ صَغِير الْخلقَة دَقِيق الْوَجْه صَغِير الْعين توفِّي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ آخر أَيَّام الْمُعْتَمد
كَانَ أوَّلاً خصيصاً بِمُحَمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المُصْعَبي حتَّى لقد مَاتَ وَيَده فِي يَده
وَوَصفه الْفَتْح بن خاقَان للمتوكِّل فَأحْضرهُ وَأَعْجَبهُ واستمرَّ بِهِ نديماً وحُسب جملَة مَا وصل إِلَيْهِ من أنعام المتوكِّل فَكَانَ ذَلِك ثَلَاثَة مائَة ألف دِينَار وَوَصله من المعتزّ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وقلَّده الْمُنْتَصر بن المتَوَكل العمارات والمستَغَلاّت والمرمَّات وكلّ مَا على شاطئ دجلة إِلَى البطيحة من الْقرى وأقرَّه المستعين على ذَلِك ثمَّ حدثت الْفِتْنَة فانحدر مَعَ المستعين وَلم يزل إِلَى أَن خُلع المستعين فَأَقَامَ يَغْدُو إِلَيْهِ وَيروح بعد الْخلْع إِلَى أَن أحلَّه من الْبيعَة الَّتِي كَانَت لَهُ فِي عُنُقه وَلَك يكن المستعين قبل الْخلْع بِسنة يَأْكُل إلاَّ مَا يُحمل إِلَيْهِ من منزل عَليّ بن يحيى فِي الجَوْن فيُفطر عَلَيْهِ لأنّه كَانَ يَصُوم فِي تِلْكَ الأَيام وَلَكِن لما تولى الْمهْدي حقد عَلَيْهِ أَشْيَاء كَانَت تجْرِي بَينه وَبَين الْمُهْتَدي فِي مجَالِس الْخُلَفَاء وسلَّمه الله مِنْهُ وَمضى الْمُهْتَدي لسبيله وَكَانَ الْمُهْتَدي يَقُول لست أَدْرِي كَيفَ يسلم منِّي عَليّ بن يحيى ثمَّ أفْضى الْأَمر إِلَى الْمُعْتَمد فحلَّ مِنْهُ محلا عَظِيما وقدَّمه على النَّاس جَمِيعًا وقلَّده مَا كَانَ يتقلَّده قبله أيامَ الْخُلَفَاء وزاده بِنَاء المعشوق فَبنى لَهُ أَكْثَره وَكَانَ الموفَّق يذكرهُ فِي مجالسه ويثني عَلَيْهِ
أَمر المتوكِّل فِي بعض ليَالِي شرابه مَن يمْضِي إِلَى بَيت عَليّ بن المنجم ويأتيه بِمَا فِي بَيته من طَعَام وَلَا يدع أَهله يُهيِّئون شَيْئا من غير مَا عِنْدهم فَمضى وأتى بجَونةٍ ملأى من ضروب الطَّعَام ففُتحت بَين يَدَيْهِ فأعجبه مَا فِيهَا وأعظمه فصاح المتوكِّل بعلي بن المنجم وَقَالَ لَهُ انْظُر إِلَى هَذِه الجونة أتعلم من أَيْن هِيَ قَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ هِيَ من مَنْزِلك وَالله لقد سرَّني مَا رأيتُ من مروءتك وسَرْوِك كَذَا فَلْيَكُن مَن خدم الْمُلُوك واتَّصل بهم ثمَّ قَالَ لَهُ مَا تحبُّ أَن أهب لَك قَالَ مائَة ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ أَنْت تستحقّها وَأكْثر مِنْهَا)
وَمَا يَمْنعنِي من دَفعهَا إِلَيْك إلاَّ خوفُ الشنَّاع وَأَن يُقَال صرف لنديمه مائَة ألف دِينَار وَقد وصلتك الْآن بِمِائَة ألف دِرْهَم معجَّلةً وعليَّ أَن أصلك الْبَاقِي مفرَّقاً وَلم يزل يُنعم عَلَيْهِ بِشَيْء بعد شَيْء إِلَى أَن أكملها
وَكَانَ عَليّ بن يحيى سَرِيًّا مُمَدَّحاً منزله مأوى الْفُضَلَاء وَمجمع الأدباء يصلهم بالأموال والقماش والخيول وَغير ذَلِك وَفِيه يَقُول إِدْرِيس بن أبي حَفْصَة
(أضحى عليُّ بن يحيى وَهُوَ مشتهرٌ ... بِالصّدقِ فِي الْوَعْد والتصديق فِي الأملِ)
(لَو زيد بالجود فِي رزقٍ وَفِي أجلٍ ... لزاد جودك فِي رزقٍ وَفِي أجل)(22/188)
وَيَقُول أَيْضا
(مَا من دعوتُ ولَبّاني بنائله ... كمن دعوتُ فَلم يسمع وَلم يُجِبِ)
(إنّي وجدت عليًّا إذْ نزلتُ بِهِ ... خيرا من الفضَّة الْبَيْضَاء والذهبِ)
وَفِيه يَقُول أَبُو هِفّان
(وقائلٍ إذْ رأى عزمي عَن الطَّلَبِ ... أتِهْتَ أم نِلْتَ مَا ترجو من النَّشَبِ)
(قلت ابنُ يحيى عليٌّ قد تكفَّل لي ... وصان عِرضي كصون الدِّين للحَسَبِ)
وَيَقُول يعقوبُ بن يزِيد التمّار
(يُذكي لزوّاره نَارا مضرَّمةً ... على يَفاعٍ وَلَا يُذكي على صَبَبِ)
(من فَارس الْخَيْر فِي أبياتِ مملكةٍ ... وَفِي الذوائب من جُرثومةِ الحَسَبِ)
وَيَقُول أَحْمد بن أبي طَاهِر
(لَهُ خلائقُ لم تُطبَع على طَبَعٍ ... ونائلٌ واصلتْ أسبابُه سَبَبي)
(كالغيث يعطيك بعد الرِّي واصلَه ... وَلَيْسَ يعطيك مَا يعطيك عَن طَلَبِ)
وَكَانَ الثَّلَاثَة قد اجْتَمعُوا عِنْده على الشَّرَاب فوصلهم وخلع عَلَيْهِم وَدخل عَلَيْهِ ابْنه هَارُون يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَت رأيتُ فِي النّوم أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُعْتَمد وَهُوَ فِي دَاره على سَرِير إذْ بَصُرَ بِي فَقَالَ لي أقبل عليَّ يَا هَارُون يزْعم أَبوك أَنَّك تَقول الشّعْر فأنشدني طريد هَذَا الْبَيْت
(أسالت على الخدَّين دمعاً لَو أنَّهُ ... من الدُّرِّ عقد كَانَ ذخْرا من الذخر)
فَلم أرد عَلَيْهِ شَيْئا وانتبهتُ فزحف إِلَيْهِ أَبوهُ غَضبا وَقَالَ لَهُ وَيحك لِمَ لمْ تقل)
(فَلَمَّا دنا وَقت الْفِرَاق وَفِي الحشا ... لفرقتها لذع أحرُّ من الجمرِ)
وَلما مَاتَ قَالَ ابْن بسّام
(قد زرتُ قبرك يَا عليُّ مسلِّماً ... وَلَك الزيارةُ من أقلِّ الواجبِ)
(وَلَو استطعتُ حملتُ عَنْك ترابَه ... فلطالما عنّي حملتَ نَوائبي)
وَمن شعر عَليّ بن يحيى الْمَذْكُور يمدح المعتز(22/189)
(بدا لابساً بُرْدَ النبيِّ محمَّدٍ ... بأحسنَ ممّا أقبل الْبَدْر طالعاً)
(سَمِيُّ البنيِّ وَابْن وَارثه الَّذِي ... بِهِ استشفعوا أكْرِمْ بذلك شافعا)
(فَلَمَّا علا الأعوادَ قَامَ بخُطبةٍ ... تزيد هدى من كَانَ للحقِّ تَابعا)
(وكلُّ عزيزٍ خشيَة مِنْهُ خاشعٌ ... وَأَنت ترَاهُ خشيةَ الله خَاشِعًا)
وَقَالَ فِي نَفسه
(عليُّ بن يحيى جامعٌ لمحاسنٍ ... من الْعلم مشغوفٌ بكسب المحامدِ)
(فَلَو قيل هاتوا فيكمُ اليومَ مثله ... لَعَزَّ عَلَيْهِم أَن يجيئوا بواحدِ)
وَله من الْأَوْلَاد أَبُو عِيسَى أَحْمد وَأَبُو الْقَاسِم عبد الله وَأَبُو أَحْمد يحيى وَأَبُو عبد الله هَارُون
3 - (الأرمني صَاحب الْغَزْو)
عَليّ بن يحيى الأرمني صَاحب الْغَزْو وَالْجهَاد كَانَ شجاعاً وَله نكايات فِي الرّوم كَانَ قد قفل من إرمينية إِلَى مَيّافارقين وبلغه مقتل عمر بن عبد الله الأقطع فَعَاد يطْلب الرّوم فالتقوه فقاتلوه قتالاً شَدِيدا وقُتل هُوَ وقُتل مَعَه أَربع مائَة رجل من أبطال الْمُسلمين سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
3 - (صَاحب المهديّة)
عَليّ بن يحيى بن تَمِيم بن المُعزّ بن باديس السُّلْطَان أَبُو الْحسن الصُّنهاجي ملك الغرب ولد بالمهديّة فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة تولى الْملك عِنْد وَفَاته وَالِده وَكَانَ صَارِمًا حازماً صَاحب عزم وشهامة وفوَّض الْأَمر إِلَى وَلَده الْحسن الَّذِي أَخذ الفرنجُ من المهدية وَكَانَ الْحسن آخر سلاطينهم
وَمن شعر عَليّ بن يحيى الْمَذْكُور)
(وسالبةٍ عَقْلِي بحُسن دلالها ... وقدٍّ لَهَا مثلِ السِّنانِ المُقوَّمِ)(22/190)
مِنْهَا
(فمالَتْ إِلَى وَصلي فنلتُ بهَا المنى ... وبتُّ صَرِيعًا بَين جيدٍ ومِعْصَمِ)
(فَلم أرَ أحلى مِنْهُ وصلا فحبَّذا ... وصالٌ أَتَى من بعد هجرٍ مُحَكَّمِ)
وَكَانَ أَبوهُ يحيى بن تَمِيم قد ولاّه سفاقس فَلَمَّا مَاتَ وَالِده فُجاءةً على مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْيَاء فِي مَكَانَهُ اجْتمع أَعْيَان الدولة على كتاب كتبوه إِلَيْهِ عَن أَبِيه يَأْمُرهُ بالوصول إِلَيْهِ مسرعاً فوصله الْكتاب فَخرج مسرعاً وَمَعَهُ جمَاعَة من أُمَرَاء الْعَرَب وجدَّ فِي السّير فوصل إِلَيْهِم وَدخل الْقصر يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي من يَوْم الْعِيد يَوْم مَاتَ وَالِده وَلم يُقدِّم شَيْئا على تجهيز وَالِده وصلّى عَلَيْهِ وَدَفنه وَفِي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ذِي الحجَّة سنة تسع وَخمْس مائَة جلس للنَّاس ودخلوا عَلَيْهِ وسلّموا عَلَيْهِ بالإمارة وَركب فِي جموعه وجيوشه
وَفِي أيّامه توجَّه أَخُوهُ أَبُو الْفتُوح بن يحيى إِلَى مصر وَمَعَهُ زَوجته بُلاّرة بنت الْقَاسِم وَولده الْعَبَّاس الصَّغِير على الثدي وَوصل الْإسْكَنْدَريَّة وأُنزل وَأكْرم بِأَمْر الْآمِر صَاحب مصر فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يسيرَة وَتُوفِّي فتزوّجت بعده بُلاّرة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بالعادل عليّ بن سلاّر
وشبَّ الْعَبَّاس وقدَّمه الْحَافِظ صَاحب مصر وَولي الوزارة بعد الْعَادِل الْمَذْكُور
3 - (نجم الدّين بن بِطريق)
عَليّ بن يحيى بن بِطريق نجم الدّين أَبُو الْحسن الحلِّيّ الْكَاتِب كتب بالديار المصرية أيّامَ الدولة الكاملية ثمَّ اختلّت حَاله فَعَاد إِلَى الْعرَاق وَمَات ببغداذ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة وَكَانَ فَاضلا أُصوليًّا
نقلتُ من خطّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ بِدِمَشْق وَكتب بهما إِلَى ابْن عُنَيْن عِنْد وُصُوله إِلَى دمشق وَكَانَ بِهِ جربٌ انْقَطع بِسَبَبِهِ فِي دَاره
(مولَايَ لَا بِتُّ فِي همّي وَفِي نَصَبي ... وَلَا لقيتَ الَّذِي ألْقى من العربِ)
(هَذَا زماني أَبُو جَهْلٍ وَذَا جربي ... أَبُو مُعَيْطٍ وَذَا قلبِي أَبُو لَهبِ)
قلت كَذَا وجدته وَأَظنهُ وَلَا لقِيت الَّذِي ألْقى من العطب أَو التَّعَب قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَقد بلغه أَن الْملك الْأَشْرَف قد أعْطى شرف الدّين الحلِّي الشَّاعِر سَيْفا محلَّى وتقلَّد بِهِ وتشبّه)
بالحَيْص بَيْص
(تقلَّد رَاجِح الحلّيُّ سَيْفا ... محلَّى واقتنى سمر الرماح)(22/191)
(وَقَالَ النّاسُ فِيهِ فقلتُ كُفُّوا ... فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَا من جُناحِ)
(أيَقْدِرُ أَن يُغيرَ على القوافي ... وأموالِ الملوكِ بِلَا سلاحِ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ
(لي على الرِّيق كلَّ يومٍ رُكوبٌ ... فِي غبارٍ أغَصُّ مِنْهُ بريقي)
(أقصد القلعةَ السَّحوقَ كأنّي ... حَجَرٌ من حجارةِ المنجنيقِ)
(فدوابي تفنى وجسميَ يَضْنى ... هَذِه قلعةٌ على التحقيقِ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ
(مَا كنتَ أولَ مولى كَانَ لي أمَلٌ ... فِيهِ فمذ بلغَ الآمالَ خيَّبَهُ)
(وَمَا أتيت بشيءٍ لست أعرفُه ... كنزُ الْوَفَاء أعَزَّ الله مطلبَهُ)
وَقَالَ نجم الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن بن عَليّ القوصي لما كَانَ ابْن بطرِيق بحماة
(إنَّ ابْن بطريقٍ الملعونَ والدُه ... مُذَبْذَبٌ بَين تنكيدٍ وتعذيبِ)
(يسبُّ كلَّ أبي بكرٍ وشيعته ... وَلَيْسَ يبدأُ إلاَّ بِابْن أيُّوبِ)
فَلَمَّا بلغ ذَلِك صَاحب حماة أبعده وقلاه وَأمر بِإِخْرَاجِهِ ونفاه
حدّث الْوَجِيه ابْن سُوَيْد التكريتي قَالَ عمَّر سراجُ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن يحيى بن طَلْحَة بن حَمْزَة البَجَليّ نَاظر دَار الضَّرْب والجيش ببغداذ دَارا فلمّا فرغ من بنائها صنع دَعْوَة ودعا إِلَيْهَا أكَابِر أهل بغداذ وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ نجم الدّين بن البطريق فَلَمَّا أكلُوا وَخَرجُوا من عِنْده دخل ابْن البطريق إِلَى الْوَزير نصير الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن النَّاقِد فَسَأَلَهُ الْوَزير أَيْن كنت فَقَالَ فِي وَلِيمَة ابْن البَجلِيّ فَقَالَ الْوَزير قيل لي إِن دَاره مليحة فَقَالَ نعم وَقد نظمتُ فِيهَا بَيْتَيْنِ قَالَ وَمَا هما فأنشده
(دارُ السِّراجِ جميلةٌ ... فِيهَا تصاويرٌ بِمُكْنَهْ)
(تحكي كتابَ كليلةٍ ... فَمَتَى أَرَاهَا وَهِي دِمْنَهْ)
فَمَا فرغ من إنشادهما إلاَّ وَقد دخل السِّراج بن البَجلِيّ فَقَالَ لَهُ الْوَزير يَا سراج مَا سَمِعت مَا)
نظمه هَذَا الْفَاضِل الْكَامِل فِي دَارك قَالَ لَا فَالْتَفت الْوَزير إِلَى ابْن البطريق(22/192)
وَقَالَ لَهُ أنشدهما فأنشده فَقَالَ ابْن البجليّ وَأَنا السَّاعَة قد نظمت بَيْتَيْنِ فِيهِ قَالَ وَمَا هما فَأَنْشد
(وَلَيْسَ بالفاضل لكنَّه ... فِي خِسَّةِ المَحْتِدِ كالفاضلِ)
(وَلَيْسَ بالكامل لكنَّه ... عينٌ على الدِّيوَان للكاملِ)
فكُتبت المطالعةُ بذلك فَخرج الجوابُ بِأَن يُقطع جاري ابْن البطريق وَيلْزم بَيته فَأَقَامَ فِي مشْهد مُوسَى بن جَعْفَر إِلَى أَن مَاتَ
3 - (الشَّيْخ الْكَاتِب النَّيْسَابُورِي)
عَليّ بن يحيى بن سَلَمة الشَّيْخ أَبُو الْحسن النَّيسابوري الْكَاتِب هُوَ أَخُو الشَّيْخ أميرك أَحْمد بن يحيى وَقد تقدَّم وَهُوَ من شعراء الدُّمية أورد لَهُ الباخَرْزي من قصيدة مدح بهَا الْوَزير نظام الْملك
(لقد أحسنَ العُذْرُ عمّا جَنى ... زمانٌ وفى بَعْدَمَا قد جَفا)
(وأثمر أشجارَ روض السرُور ... وأسفر بالنُّجح ليلُ المُنى)
(وَعَاد إِلَى الْعود ماءُ الشَّبَاب ... فجدَّد عنديَ عهدَ الصِّبا)
(وكنتُ قصيرَ الخطى فِي السباق ... فصرتُ أسابقُ ريح الصَّبا)
(وكنتُ نزلتُ بدار الهوان ... فطنَّبْتُ عَزْميَ فَوق السُّهى)
قلت شعر مَقْبُول
3 - (ابْن الذِّرْوي)
عَليّ بن يحيى القَاضِي الْوَجِيه أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الذِّرْوي شَاعِر مُجيد توفّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة الْخَمِيس سادس عشر ذِي الحجّة سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة وَمن شعره
(بَكَرَ الحيا تِلْكَ الربوعَ بِدَرِّهِ ... حتَّى يُقَلِّدُها الربيعُ بدُرِّهِ)(22/193)
(وسرى النسيمُ لَهَا بنفحة عنبرٍ ... نقلت شذاها عَن مجامر زهرِهِ)
(دِمنٌ إِذا اقتنص الحشا تذكارُها ... طَار الفؤادُ صبَابَة عَن وَكْرهِ)
(وعَلى العُذَيبِ كَمَا علمتَ مُتيَّمٌ ... كتمَ الهَوَى فوشى النحولُ بسرِّهِ)
(تُذْكي أحاديثُ الغضا زفراته ... حتَّى يخيَّلها الغضا من جمرِهِ)
)
(ويَوَدُّ من زمنٍ تقضَّى باللِّوى ... يَوْمًا يعودُ فيشتريه بعمرِهِ)
(عنِّي بِقَوْلِك يَا نصوحُ فإنَّ لي ... سَمْعاً يَوَقِّرُه الملامُ لِوَقْرهِ)
(حَسْبُ المُفَنِّدِ أنَّه يدْرِي الهَوَى ... أَو لَا فحسبي أنّه لم يَدْرِهِ)
(ومهفهفٍ أبدى الجمالُ بطرفه ... دَعْوَى يُحقِّقُها النحولُ بخصرهِ)
(أيقنتُ أنَّ الجُلَّنارةَ خدُّه ... لما بدا رُمَّانُها فِي صَدْرهِ)
(وعلمتُ أنَّ الخندريسَ رُضابُه ... لما رأيتُ حَبابها فِي ثغرهِ)
(قمرٌ يُذكِّرني الأصيلَ بوصله ... قسراً ويُنسيني الهجيرَ بهجرهِ)
وَقَالَ أَيْضا
(جُنَّ بِهِ العاذلُ لما رآهُ ... وَعَاد يستعذرُ ممّا جَناهْ)
(أَتَاهُ كي يَهدي إِلَى سُلوة ... عَنهُ فضلَّ العقلُ مِنْهُ وتاهْ)
(وَهل يطيعُ القلبُ تفنيدَه ... وَقد عصى لما نهتْهُ نُهاهْ)
(الحبُّ بِالْكِتْمَانِ غُفْلٌ فإنْ ... بُحْتَ بِهِ وشّاهُ قَول الوشاهْ)
(وَمَا على العُذّال من مُغرمٍ ... شفاؤه مَا ضمَّنتْه الشِّفاهْ)
(هويتُه كالروض فِي حسنه ... إِن رَضِيَتْ بِالْوَصْفِ مني حُلاهْ)
(يُنير وَجها وابتساماً فَمَا ... تعرفُ مِنْهُ الثغرَ لَوْلَا لماهْ)
(إِن لم يكن بَدْرًا على بانةٍ ... فإنَّ بَين المنظرين اشتباهْ)
(أنكرَ من قَتْلِي بألحاظه ال ... مرضى دَمًا تعرفه وجنتاهْ)
(وشفَّني سُقْماً فَمَا ضرَّه ... لَو أَبْرَأ الْجِسْم الَّذِي قد براهْ)
وَقَالَ
(ألمَّ وطرفُ النَّجْم قد كَاد يغمضُ ... خيالٌ إِذا دبَّ الْكرَى يتعرَّضُ)(22/194)
(سرى ليَ من أقْصَى الشآم وبيننا ... فيافٍ على الساري تطول وتعرضُ)
(هدتْه من الأشواق نارٌ دخانُها ... همومٌ عَلَيْهِ صبغةَ اللَّيْل تنفضُ)
(وأرواه للعشاق دمعٌ تقطَّرت ... مرائرنا من مَائه فَهِيَ عَرْمَضُ)
قلتُ هَذَا معنى بديعٌ جيدٌ إِلَى الْغَايَة
(لَهُ الله من طيفٍ مَتى ذقتُ هجعةً ... أتتْني بِهِ خيلُ الأمانيِّ تركضُ)
)
(يواصلني عمّن هُوَ الدهرَ هاجرٌ ... ويُقْبِلُ لي عمّن هُوَ الدهرَ مُعْرِضُ)
(وَمَا شاقني إلاَّ تألُّقُ بارقٍ ... أرِقْتُ لَهُ والجوُّ بالصبح يجرضُ)
(وللغيم مسكٌ فِي ذرانا مطبّق ... وللظلّ كافورٌ لدينا مُرَضْرَضُ)
(وَقد أشربُ الصهباءَ من كفِّ شادنٍ ... حلاه على شُربِ المدام يُحَرِّضُ)
(يروقُكَ خَدٌّ من للَّثمِ أحمرٌ ... ويُصبيك ثَغْرٌ مِنْهُ للرشف أبيضُ)
(فللحسن من هَذَا شَقِيق مذهَّب ... وللطيب من ذَا أُقحوانٌ مفضَّضُ)
(ونَدْمانِ صدقٍ قد بلوت وكلُّهم ... لودِّك يُصْفي أَو لنصحك يمحضُ)
(تَرَانَا على بُسْط الأزاهر سحرةً ... نَعودُ نسيمَ الرَّوْض ساعةَ يمرضُ)
وَقَالَ
(يَا بانُ إِن كَانَ سكّانُ الْحمى بانوا ... ففيضُ شاني لَهُ فِي إثرهم شانُ)
(وَيَا حمائمُ إِن لحَّنْتِ مسْعدَة ... فلي على دوحة الأشواق ألحانُ)
(أبْكِي الأحبَّةَ أَو أبْكِي مَنَازِلهمْ ... فَإِن مضى ذكر نُعْمٍ قلتُ نَعمانُ)
(قد كَانَ فِي تِلْكَ أوطارٌ نعمتُ بهَا ... ولَّتْ كَمَا كَانَ من هاتيك أوطانُ)
(من لي بأقمار أُنسٍ فِي دجى طُرَرٍ ... أفلاكها العيسُ والأبراج أظعانُ)
(تِلْكَ القدودُ مَعَ الأرداف إِن خطرتْ ... مَا القضبُ قضبٌ وَلَا الكثبان كثبانُ)
(سُقوا من الحُسن مَاء وَاحِدًا فَبَدَا ... مِنْهُم لنا غيرُ صِنْوانٍ وصنوانُ)
(يَا يومَ توديعهم مَاذَا بِهِ ظفرتْ ... عَيْني من الْحسن لَو ولاه إحسانُ)
(جِئْنَا فولّى بهَا الإعراضُ من حذرٍ ... وَكَيف لم تتلفَّتْ وَهِي غِزلانُ)
(من كلِّ فاتنةِ الخدَّين ناهدةٍ ... لَو كَانَ للَّثمِ أَو للضمِّ إمكانُ)
(يدلُّ فِي وجنتيها الجُلَّنارُ على ... أنّ الَّذِي حَاز مِنْهَا الصَّدْر رُمّانُ)(22/195)
(كم طرتُ شوقاً إِلَيْهَا فِي الرِّيَاح ضَنًى ... فَظُنَّ بلقيسَ وافاها سليمانُ)
وَقَالَ
(نَعم دارُ نُعْمٍ أشرفتْ من فجاجها ... فملْ نَحْوهَا بالناجياتِ وناجِها)
(وإنْ حثَّ ساقي الشوقِ كأسَ تلهُّفٍ ... فَمَا الدمعُ مخلوقاً لغير مزاجها)
(خليليَّ قد لجَّجْتُ فِي الحبِّ رَغْبَة ... فَهَل للُواحي رغبةٌ عَن لجاجها)
)
(وَكم للمطايا يومَ رملةِ عالجٍ ... من البينِ مرضى حُيِّدَت عَن علاجها)
(وَكم من شَجٍ سلَّت عَلَيْهِ يدُ النَّوَى ... ظُباها فأمسى مثخناً من شجاجها)
(فَمَا ضرَّ هاتيك الركائبَ لَو رثَتْ ... فعاجتْ على المُضْنى بدمية عاجها)
(وَبِي قُضْبُ وشيٍ هيَّمَت باهتزازها ... على كُثْب أُزْرٍ تَيَّمَتْ بارتجاجها)
(تحيِّيكَ مِنْهَا للثغور لآلئٌ ... حياةُ المُعنَّى رشفةٌ من مُجاجها)
وَقَالَ
(أقولُ والفجرُ قد لاحتْ بشائره ... والجوُّ قد كَاد ينضو حُلَّةَ السَّدَفِ)
(والليلُ خلفَ عَصا الجوزاء من خَوَرٍ ... قد آل فِي عمره للشيبِ والخَرَفِ)
(راهنتَ يَا نجمُ طرفِي فِي السهاد وَقد ... بدا بأجفانك التغريرُ فاعترفِ)
وَقَالَ
(مَا بَين وَجهك والهلال سوى ... أنَّ الأهلَّة لَا تُميتُ هَوى)
(لله منظرُ من كلفتُ بِهِ ... مَاذَا من الحسنِ البديع حوى)
(والنجم مِنْهُ إِذا هوى وذوى ... مَا ضلَّ مثلي عاشق وغوى)
(ظبيٌ رأى بلهيب وجنته ... للقلب طبًّا آخرا ولوى)
(مَا الغصنُ هزَّته الْجنُوب إِذا ... مَا السكرُ هزَّ قوامَهُ ولوى)
(لَام العذولُ وَقد رَآهُ وَكم ... عاوٍ على الْبَدْر الْمُنِير عوى)
(يَا من غَدا بِنَواهُ يوعدني ... ليكنْ عقابُك لي بِغَيْر نوى)
(انْظُر إِلَى جسمي يذوب ضنًى ... وَانْظُر تجدْ قلبِي يُفَتُّ جوى)(22/196)
وَقَالَ قصيدةً مدح بهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ذَات قوافٍ متعدِّدة مَتى أردتَ أنشدتها على أيِّ رويٍّ شئتَ من السِّين وَالْبَاء وَالدَّال وَالْعين وَالرَّاء وَاللَّام وَالْمِيم وَالنُّون والثاء وَالْفَاء وَالْكَاف وَالضَّاد والغين وَالْخَاء والشين وَالتَّاء والطاء وَالْهَاء وَالصَّاد وَالْقَاف وَالْجِيم والحاء وَالزَّاي وَالْيَاء مَهْمُوزَة أوْلها
(نَوًى أطلعت مِنْهَا القفارُ البسابسُ ... نخيلَ مطيٍّ طلعُهنَّ أوانسُ)
فلكَ أَن تَقول القفارُ السباسبُ القفارُ الفدافدُ القفارُ البلاقعُ القفارُ الحواترُ القفارُ المجاهلُ القفارُ المخارمُ القفارُ الشواطنُ القفارُ البرائثُ القفارُ التنائفُ القفارُ العوانكُ القفارُ)
المرافضُ القفارُ الزوائغُ القفارُ السرابخُ القفارُ العواطشُ القفارُ السبارتُ القفارُ البسائطُ القفارُ المهامهُ القفارُ المراهصُ القفارُ السمالقُ القفارُ الفواتحُ القفارُ الصحاصحُ القفارُ البوارزُ القفارُ المواطئُ وَهَكَذَا تغيرّ كل قافيةٍ من هَذِه الْحُرُوف فَتكون هَذِه القصيدة أَرْبعا وَعشْرين قصيدة وَهِي فِي غَايَة الْحسن وَعدم التكلّف وَدخل الْوَجِيه ابْن الذِّروي يَوْمًا إِلَى الحمَّام وَمَعَهُ ابْن وَزِير الشَّاعِر فَقَالَ ابْن وَزِير
(لله يومي بحمَّامٍ نعمتُ بهَا ... والماءُ مَا بَيْننَا من حَوْضهَا جاري)
(كأَنَّه فَوق شقَّات الرخامِ ضحى ... ماءٌ يسيلُ على أثوابِ قَصَّارِ)
فَقَالَ ابْن الذِّروي
(وشاعرٍ أوقد الطبعُ الذكيُّ لَهُ ... فكاد يُحرقه من فرطِ إذكاءِ)
(أَقَامَ يُعمل أَيَّامًا رويَّته ... وشبَّه المَاء بعد الْجهد بِالْمَاءِ)
وَقَالَ ابْن الذِّروي فِي الحمَّام
(إنَّ عيشَ الحمَّامِ أطيبُ عيشٍ ... غيرَ أنَّ المُقامَ فِيهَا قليلُ)
(هِيَ مثل الْمُلُوك تصفي لَك الو ... دَّ قَلِيلا لكنّه يستحيلُ)
(جنَّةٌ تُكره الإقامةُ فِيهَا ... وجحيمٌ يطيبُ فِيهِ الدخولُ)
(فكأَنَّ الغريقَ فِيهَا كليمٌ ... وكأَنَّ الحريقَ فِيهَا خليلُ)
وَفِي ابْن الذِّروي يَقُول نشءُ الْملك بنُ المنجِّم
(لَا تَنْسُبَنَّ الوجيهَ حِين كسا ... بُردته للغلامِ من غَلَطهْ)
(واللهِ مَا لَفَّهُ ببردته ... إلاَّ لأخذ القضيبِ من وَسَطهْ)(22/197)
وَيَقُول ابْن المنجِّم أَيْضا
(قل لمن تله حِين مَ ... رَّ علينا ببغلِهْ)
(بَعْدَمَا كَانَ لَيْسَ يم ... لَك شِسعاً لنعلِهْ)
(وكسا البردةَ الغلا ... مَ جَزَاء بفعلِهْ)
(أكذا كلُّ شاعرٍ ... بَعْلُهُ خلفَ بغلِهْ)
وَلابْن الذِّروي قصيدة ذاليَّة مليحة مدح بهَا مجد الدّين الْمُبَارك بن منقذ وَهِي مَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة الْمُبَارك فِي مَكَانَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى عمرَان الخندقي قَاضِي طنبذى دخلتُ وَجَمَاعَة من)
أَصْحَابنَا على الْوَجِيه ابْن الذِّروي وَهُوَ يشرب مَعَ قوم فمزحنا مَعَهم وداعبناهم فصُفع الْوَجِيه فَقَالَ مرتجلاً
(ويومٍ قاسمتْنا اللهوَ فِيهِ ... أُناسٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الوَقارا)
(أدَرْنا الصفعَ والكاسات فِيهِ ... فعربدتِ الصُّحاةُ على السُّكارى)
3 - (زين الدّين بن السَّدَّار)
عَليّ بن يحيى بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الرئيس زين الدّين أَبُو الْحسن بن السَّدَّار الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الْكَاتِب المنشئ ولد بِالْقَاهِرَةِ فِي الدولة العُبيدية سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست مائَة وَكتب فِي ديوَان الْإِنْشَاء فِي الدولة الناصرية والعادلية والكاملية وَهُوَ أَخُو الْوَجِيه مُحَمَّد وَكتب الْإِنْشَاء للصاحب صفيّ الدّين بن شُكْر
3 - (ابْن الشاطبي الشَّافِعِي الْمسند)
عَليّ بن يحيى بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي بكر الشَّيْخ الْفَقِيه الْمُقْرِئ الْفَقِيه الْعَالم الْمسند عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن التُّجيبي الشاطبي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الشَّاهِد ولد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وست مائَة وتوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع مائَة سمع من الرشيد بن مسلمة وَالْمجد الإِسْفِرَايِينِيّ والرشيد الْعِرَاقِيّ والنُّور الْبَلْخِي واليَلْداني وَالْجمال الصُّوري وعدة وَأَجَازَ لَهُ ابْن الجُمَّيزي وَغَيره وخرَّج لَهُ الشَّيْخ صَلَاح الدّين(22/198)
العلائي وَطَالَ عمره وتفرَّد وروى الْكثير وَكَانَ لَهُ مسجدٌ وحلقة مدارس وَعجز آخرا وَانْقطع وَكَانَ يُسمع قي القباقبِيِّين
3 - (ابْن نَخْلَة الشَّافِعِي)
عَليّ بن يحيى بن نَخْلَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين مدرِّس الدَّوْلَعية توفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (المسيَّبي الشَّاعِر)
عَليّ بن يحيى أَبُو الْحسن البغداذي المسيَّبي مدح عضد الدولة بِفَارِس قَالَ أَبُو عبد الله الخالع كَانَ منتحلاً وكنَّا نعمل الْأَشْعَار ويمدح بهَا النَّاس وَكَانَ مَاجِنًا ظريفاً سَافر إِلَى ابْن عبَّاد ومدحه بقصيدة كَانَت مَعَه وَعرف من بعد أنَّه كَانَ ينتحل وَسَأَلَهُ أَن يعْمل لَهُ أشعاراً يمدح بهَا سواهُ ممَّن يلقاه فِي تِلْكَ الْبِلَاد فَفعل ابْن عبَّاد ذَلِك وَكَانَ يُعجبهُ أمره ويخفُّ على قلبه)
3 - (القَاضِي عَلَاء الدّين بن فضل الله)
عَليّ بن يحيى بن فضل الله القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء تقدَّم بقيَّة نسبه فِي ذكر أَخِيه القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله
لما نزل أَخُوهُ القَاضِي شهَاب الدّين من القلعة فِي حَيَاة وَالِده القَاضِي محيي الدّين وَلزِمَ بَيته تقدَّم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَى وَالِده أَن يدع القَاضِي عَلَاء الدّين يكون يدْخل يقْرَأ الْبَرِيد وَيخرج وينفِّذ الأَشغال على قَاعِدَة أَخِيه وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَلم يزل كَذَلِك إِلَى توفّي وَالِده فاستقلَّ بالوظيفة بمفرده وَقَامَ بهَا أحسن قيام وخدمته السَّعَادَة وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن توفّي الْملك النَّاصِر وَولي وَلَده الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر فاستمرَّ بِهِ ولمَّا تولى الْملك الْأَشْرَف عَلَاء الدّين كُجُك أَخُوهُ زَاده إنعاماً من الدَّرَاهِم والغلَّة فِي كلِّ سنة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن حضر الْملك النَّاصِر أَحْمد من الكرك ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فتوجَّه مَعَه وَأقَام بالكرك عِنْد السُّلْطَان فلمَّا تولَّى السُّلْطَان الْملك الصَّالح دخل القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد أَخُوهُ وسدَّ الْوَظِيفَة إِلَى أَن جَاءَ القَاضِي عَلَاء الدّين من الكرك فاستمرَّ فِي منصبه على عَادَته وَلَا أعرف أحدا كتب الثُّلث فِي عصره مثله إنَّه جوَّده إِلَى الْغَايَة وَكتب(22/199)
الرّقاع من أحسن مَا يكون وَلَكِن تفرَّد بِالثُّلثِ وإتقانه وقدَّم جمَاعَة فِي أيَّامه وَدخل بأولاد الموقِّعين الدِّيوَان وَزَاد النَّاس وَأحسن إِلَيْهِم
وقف على جُزْء من التَّذْكِرَة الَّتِي لي فَلَمَّا أنهاه مطالعةً كتب عَلَيْهِ بقلمه الْمليح السعيد طالعتُ هَذَا السّفر فَإِذا هُوَ مُسفرٌ عَن روض يَانِع الثِّمَار وبحر تتدفَّق مَعَانِيه الغِزار وكنز ينثر على الطّلبَة سبائك النُّضار وَربع آهل المغاني بمعانٍ تُطرب بالمسموع وَيَدْعُو تَرْجِيع ألحانه الطير إِلَى الْوُقُوع وَجمع بديع لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد وَلَا فِي الجموع فاجتلتِ النفسُ مَعَانِيه البديعة لمَّا استهلَّتْ ونهلتْ مِنْهُ عِنْد موردها وعلَّتْ وَعلمت أَن لَا زبدة لجريها فِي هَذِه الحلبة فتسلَّتْ فَللَّه هَذَا الدوح الَّذِي دحا زهرَ الْآدَاب صلاحُ غرسه وَمَا أبدع مَا نمَّقته يدُ كَاتبه من الوشي المرقوم فِي طِرسه فَلَو أنصفه مَشَايِخ الأدباء لأطلعه كلٌّ مِنْهُم شمساً ينظر إِلَيْهَا بِعَين الحِرباء
وَكتب بعد ذَلِك شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ
(إنَّ الحسود عِنْدَمَا ... عاينَ ذَا الحسنَ افتتنْ)
)
(وَقَالَ لَا بِدْعَ إِذا ... أُتِي عليٌّ بالحَسَنْ)
وَكَانَ الَّذِي كتبه القَاضِي عَلَاء الدّين على أول الْجُزْء وَكتب شمس الدّين بعد ذَلِك فِي آخِره طالعتُ هَذَا الْجُزْء واجتليتُ قمره واجتنيتُ ثمره وسرَّحت النَّاظر وشرحتُ الخاطر وَوَجَدته قد اشْتَمَل على مَا يملأُ الْقلب والسمع وألفيته وَاحِدًا فِي نَوعه يشهدُ لجامعه بِحسن الْجمع فقد سطعت أنوارُه وأينعت أزهارُه ودليلٌ على اللبيب اختيارُه فعلقتُ مِنْهُ طرائفَ بِدعَة ولطائفَ صَنِيعَة وَلَو أنصفتُ لعلقتُه جميعَه فلمَّا وقفتُ على الأول وَالثَّانِي قلت فِي ذَلِك
(إنَّ أوراقاً جمعتُ بهَا ... لفظَ أهلِ الفضلِ والزَّيْنِ)
(طُرِّزتْ من هَاهُنَا وَهنا ... فَأَنا بَين الطرازَيْنِ)
ووقف القَاضِي عَلَاء الدّين على مَا نظمتُه قَدِيما وَهُوَ بيتان
(إنِّي لأعجبُ من صدودكِ والجفا ... من بعدِ ذَاك القربِ والإيناسِ)
(حاشا شمائلكِ اللطيفةَ أَن تُرى ... عوناً عليَّ مَعَ الزَّمَان القاسي)
فكأَنَّهما أعجباه فَقَالَ مجيزاً لَهما
(أَوَثغرُكِ الصافي يردُّ حُشاشتي ... تَشْكُو لهيباً من لظى أنفاسي)(22/200)
(تالله مَا هذي طباعك فِي الْهوى ... لَكِن حظوظٌ قُسِّمتْ فِي الناسِ)
فَأَنْشَدته لي أَيْضا
(يَا مَن تناسى ودادي بعد معرفةٍ ... وَقد غَدا طوعَ لُوَّامٍ وعُذَّالِ)
(مَا أنتَ أوَّلَ محبوبٍ ظفرتُ بِهِ ... من الزَّمَان فخابتْ فِيهِ آمالي)
فأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(هجرتْ عَزَّةٌ وزادت دلالا ... وتوارتْ إذْ زرتُها عَن عِياني)
(لَا تخافي إِذا الْتَقَيْنَا عتابا ... ذَاك حظِّي عرفتُه من زماني)
فنظمتُ فِي هَذِه الْمَادَّة
(إِن أتيتَ الْحمى فقُلْ لبدورٍ ... حبُّهم لذَّ لي وَإِن كَانَ آذَى)
(مَا لكم فِي البعاد وَالله ذنبٌ ... سوءُ حظِّي الَّذِي قضى لي بِهَذَا)
فأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ)
(قَالَ لي عاذلي تَسَلَّ إِلَى كم ... أنتَ تهوى وَذَاكَ بالهجر مُغرى)
(قلتُ أمَّا الجفا فَمن سوء حظِّي ... وسُلُوِّي فَلَا وَهَى وأنتَ أَدرى)
فقلتُ أَنا أَيْضا أَتُحْرِقُ أحشائي وتُجري مدامعيأَأَنتَ عدوٌّ أم تقولُ حبيبُ
(وَمَا أنتَ ممَّن خَان عهدَ محبِّه ... ولكنَّ حظِّي فِي الغرام عجيبُ)
وأنشدني لنَفسِهِ تخميس الأبيات السينيَّة الَّتِي بيني وَبَينه وَهُوَ
(كُفِّي عتابكِ قد جرى مَا قد كفى ... شفَّ الضَّنى جَسَدِي فصرتُ على شفا)
(تعدِينَ وصلا ثن تجتنبي الوفا ... إنِّي لأعجبُ من صدودكِ والجفا)
من بعدِ ذَاك القربِ والإيناسِ
(قد صرتُ أقنع بالخيال إِذا سرى ... فَعدا عليَّ الدهرُ إذْ سلب الْكرَى)
(هَا فاسْكتي لَا تُسعديه على الوَرَى ... حاشا شمائلكِ اللطيفةَ أَن تُرى)
عوناً عليَّ مَعَ الزَّمَان القاسي
(أم أنَّ عدلَك لَا يُزيل ظُلامتي ... وضِيا جبينِك لَا يردُّ ضلالتي)
(أَو حسنُ لفظك لَا يجيبُ مَقَالَتي ... أَو ثغرُك الصافي يردُّ حُشاشتي)(22/201)
يشكو لهيباً من لظى أنفاسي
(خلَّيتِني والعودَ فِي حالٍ سوا ... وتركتني حِلْفَ السُّهادِ مَعَ الجوى)
(من قَالَ إنَّك تقتلي صبًّا غوى ... تالله مَا هذي طباعك فِي الْهوى)
لَكِن حظوظٌ قُسِّمَتْ فِي الناسِ وتقدَّم إليَّ بِأَن أخمِّس الأبيات الْمَذْكُورَة فقلتُ
(يَا من رأى كَلَفي بِهِ فتعطَّفا ... وحنا وجاد بوصله وتلطَّفا)
كَيفَ انخدعتَ وملتَ عَن طرقِ الوفا
(أشمتَّ بِي الأعداءَ من بَين الوَرَى ... ومنعتَ عَيْني أَن ترى طيفَ الْكرَى)
عجبا لحظِّي مِنْك كَيفَ تغيَّرا
(إنِّي أعوذُ بِمن قضى بصبابتي ... أَن لَا ترقَّ وترعوي لكآبتي)
أَو أَن ترى فيَّ المرادَ شوامتي)
(أتساعدُ الأيامَ فِي جَور النَّوى ... وَتَكون عوناً للصبابة والجوى)
وتذيب صبري والتجلُّدَ والقوى وخمَّسها جماعةٌ من شعراء الْعَصْر ورُزقت حظًّا من سعادته وغنَّى بهَا المغنون وكتبتُ إِلَيْهِ من الشَّام وَقد ورد عليَّ كِتَابه من الْقَاهِرَة
(وافى الكتابُ كَمَا أردتُ فعُدتُ من ... إجلاله عِنْدِي أقومُ وأقعدُ)
(وَلكم لثمتُ الثَّرى فِي سجدةٍ ... وأطلتُ حتَّى قيل هَذَا هدهُدُ)
فَكتب الْجَواب على ذَلِك
(أهْدى مشرَّفُكَ السليمانيُّ مَا ... يفنى الزمانُ وحسنُه لَا ينفذُ)
(وفهمتُ سجدَةَ هدهدٍ قد وافقتْ ... وطبتُ حتَّى قلتُ فِيهِ معبدُ)
وَله جمعت كتابي الَّذِي سميتُه المجاراة والمجازاة حَسْبَمَا طلبه منِّي وجهَّزته إِلَيْهِ وكتبتُ مَعَه قصيدةً امتدحتُه بهَا وَهِي
(لَك جفنٌ لَو خَالف الصبُّ أمْرَهْ ... عَاد بالدمع جفنُه وَهُوَ أَمْرَهْ)
(أيُّ عينٍ سوداءَ قد تركتْ فِي ... صحنِ خدِّي من المدامع نُقْرَهْ)
(يَا غزالاً فِيهِ من الغصنِ مَيْلٌ ... وقضيباً فِيهِ من الظَّبي نَفْرَهْ)(22/202)
(أَنا أغْنى الأَنام فِيك لأنِّي ... طالما نلتُ من محيَّاك بَدْرَهْ)
(لَك خدٌّ يُخالُ صفحةَ بدرٍ ... كُسفتْ وَسْطَها من الخالِ زُهْرَهْ)
(وشذًى كلما تذكَّرتُ مِنْهُ ... نَشرَه كلن لي من الدمع نُشْرَهْ)
(يَا لذاك الجبينِ إذْ رحتُ مِنْهُ ... وثيابي بالدمعِ فِي الشمسِ عُصْرَهْ)
(ولذاك الرِّيق الَّذِي مُذْ حلا لي ... كم تجرَّعتُ مُرَّهُ مِنْهُ مَرَّهْ)
(ولذاك العذار إذْ زَان خدًّا ... صَار مِنْهُ للصبِّ ماءٌ وخُضْرَهْ)
(أَتَرَى رَقْمه بكفِّ عَلَاء ال ... دينِ لمَّا بدا وجرَّد سَطْرَهْ)
(قلمٌ فِي بنانه يَجْعَل الطِّر ... سَ مُحَيًّا وطُرَّةً فِيهِ غُرَّهْ)
(هِيَ كفٌّ لَو جفَّتِ الأَرضُ محلا ... لم تعُز من يراعه غيرَ مَطْرَهْ)
(لم يكن حارماً لمن حلب الرز ... قَ وَإِن جَاءَهُ حَماهُ المَعَرَّهْ)
(خلِّ سَمْعِي من قَوْلك ابْن هلالٍ ... بدرُ هَذَا أتمُّ فِي كلِّ نَظْرَهْ)
)
(ولأوضاعه حلاوَةُ معنى ... طالما أرْسلت من الْجُود قَطْرَهْ)
(لَيْسَ كتبٌ يخُطُّها قطُّ كتبا ... بل رياضٌ قد أينعتْ كلَّ زَهْرَهْ)
(تصدرُ الكتبُ فِي الممالك عَنهُ ... فتُسَرُّ القلوبُ مِنْهَا وتَكْرَهْ)
(فَهِيَ عِنْد الوليِّ أطواق جيدٍ ... وَهِي عِنْد العدوِّ تقصد نَحْرَهْ)
(وَإِذا مَا أَرَادَ نظمَ قَريضٍ ... قلتَ سحرًا أدارَ أم كأس خَمْرَهْ)
(بقوافٍ تمكَّنتْ واطمأنَّتْ ... لَا كمن جرَّها إِلَى البيتِ سُخْرَهْ)
(أَيْن لفظٌ يَأْتِي كنسمةِ روضٍ ... من مقالٍ يُلقي على القلبِ صَخْرَهْ)
(ذَاك فِي السّمع دُرَّةٌ وَأرى ذَا ... فِي الْقَفَا مثلهَا وَفِي الدالِ كَسْرَهْ)
(وحسودٍ يَقُول لَا أرضَ هَذَا ... قلتُ تيهاً يَا أسودَ الوجهِ بَعْرَهْ)
(أيُّها السيِّدُ المُمَجَّدُ حَالي ... بك حالٍ وَكَانَ من قبلُ عِبْرَهْ)
(إنَّ هَذَا الْكتاب بِاسْمِك لَمَّا ... صُغْتُه عظَّمَ البريَّةُ قَدْرَهْ)
(صُنهُ عَن جاهلٍ بِمَا قد حواهُ ... مَا ترى كلَّ ذرَّةٍ مِنْهُ دُرَّهْ)
(إنَّ عينا بالوجهِ مِنْك تَمَلَّتْ ... كَحَلَتْ جفنَها بمِيلِ المَسَرَّهْ)
(وفؤاداً لَا يمتلي بكَ حُبًّا ... رزقَ اللهُ ليله منكَ فَجْرَهْ)(22/203)
(لَك باللائذين حولك لطفٌ ... وبمن بَان عَن حماك مَبَرَّهْ)
(أتمنَّى لَو عشتَ لي ألفَ عامٍ ... والمحبُّ الصدوق فِي الوُدِّ يَشْرَهْ)
(فابقَ مَا رقَّصَ النسيمُ غصوناً ... مَيَّلَتْ عِطفها الحمائمُ بُكْرَهْ)
ولي فِيهِ عدَّة مدائح قصائد ومقاطيع وموشَّحات وأزجال وَقد جمعت ذَلِك فِي مُجَلد سميتُه الْكَوَاكِب السمائيَّة فِي المناقب العلائيَّة
3 - (العُمَيْلَة)
عَليّ بن هبة الله اللَّخْمِيّ الْمَعْرُوف بالعُمَيْلَة بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْمِيم وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَلَام بعْدهَا هَاء قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأُنموذج كَانَ شَاعِرًا مَشْهُورا يَأْتِي كلَّ شيءٍ ظريفٍ على بَلَهٍ فِيهِ وبلادة وقلّة علم فِي بثِّ ذَلِك حتَّى جَعَلُوهُ مُدَّعياً سَارِقا وَكَانَت لَهُ بيتوتةٌ فِي الشّعْر فبأشعارهم يُتَّهم وَزعم قومٌ أنَّ أُخْته كَانَت شاعرة تصنع لَهُ إِلَى أَن صنع فِي سيّدنا نصير الدولة قصيدة ذكر فِيهَا وقعته بِزَنانة فِي وَقتهَا)
(أظبيُكِ يَا وَجْرَةُ الأعفرُ ... رماني أمِ الآنسُ الأحورُ)
يَقُول فِيهَا
(وَلم أرَ مثليَ مُستخبراً ... عنِ الشيءِ وَهُوَ بِهِ أخبرُ)
(إِذا ملكَ الحُبُّ حَبَّ القلوبِ ... فعنهُ يَرى وَبِه يُبصرُ)
هَكَذَا الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ تَكْرِير يقبح على الشَّاعِر الحاذق وَإِن سومح فِيهِ وَالَّذِي أرى أَن يُروى فعنهُ يَعي وَبِه يبصرُ ثمَّ إنَّه ذكر انهزام الْقَوْم ومواضع الْقِتَال والوقائع فَقَالَ يُخَاطب مُحَمَّد بن أبي العَرَب
(ولمَّا طَغى وبغى فُلْفُلٌ ... فطاش بِهِ رَأْيه الأخسرُ)
(وغرَّتْهُ أطماعهُ الكاذباتُ ... وإبليسُ دأباً بِهِ يَمكرُ)
(دعَاك إِلَيْهِ نصير الإِمَام ... وَمَا فَوق ذَا لامرئٍ مَفخرُ)
(فأضحكتَ مِنْهُم ضباعَ الفلا ... وزارتهمُ الطُّلْسُ والأَنسرُ)
(فقبر الشَّهِيد عَلَيْهِم شهيدٌ ... كَمَا اعلان لَهُم محشرُ)
(وعادتْ سَبِيبة سبًّا عَلَيْهِ ... وَهَذَا جزاءٌ لمن يَكفرُ)(22/204)
وَأورد لَهُ أرجوزةً قافيَّة طرديَّة مليحة مِنْهَا
(والفجرُ كالسيفِ الخفيِّ الرونقِ ... أَو بدءِ شيبٍ فِي خَفيِّ مفرقِ)
(والديكُ قد صَاح بِهِ أَن أشْرِقِ ... فِي سَدَفٍ مثلِ الرداءِ المخلقِ)
(حتَّى بدا فِي ثَوْبه الممزَّقِ ... كالكِسرويِّ بارزاً فِي يلمَقِ)
وَمِنْهَا
(من كفِّ ظبيٍ أعجميِّ المنطقِ ... مُدلَّلٍ منعَّمٍ مُفتَّقِ)
(أهيفَ ذِي ذؤابةٍ وقُرطَقِ ... مُشنَّفٍ مُوشَّحٍ مُنطَّقِ)
يعشقه لِلْحسنِ من لم يعشقِ وَمِنْهَا فِي الْكَلْب
(بكلِّ ذِي نابٍ حديدٍ أورقِ ... وبُرْثُنٍ كالمبضعِ المُذلَّقِ)
(يجمع مَا بَين اللأَى والخِرْنِقِ ... ويتبعُ الدَّرْدَقَ إثرَ الدَّرْدَقِ)
)
وَمِنْهَا
(وطائرٍ ذِي جُؤْجُؤٍ منمَّقِ ... كأَنَّما استعاره من مُهرَقِ)
(مُسرولٍ مُحجَّلٍ مُسبَّقِ ... لَا يتَّقي مَا مثله لَا يتَّقي)
(وَلَا يَرُدُّ مِنسراً عمَّا لَقِي ... فَمَا تركْنا لائذاً بعَرَقِ)
(وَلَا هتوفاً بَين غصنٍ مورقِ ... تُصاد فِي وكرٍ لَهَا مُعلَّقِ)
(فواغراً أفواهَها كالأَفوقِ ... وَلَا وُعولاً فِي منيعٍ أخلَقِ)
قلتُ أرجوزةٌ جيّدة وَهِي طَوِيلَة وذَكر أنَّه توفّي بتونس سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع مائَة وَقد أشرف على السّبْعين سنة
(عَليّ بن يَعْقُوب)
3 - (نور الدّين الْبكْرِيّ الشَّافِعِي)
عَليّ بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل الإِمَام الْمُفْتِي الزَّاهِد نور(22/205)
الدّين الْبكْرِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي كَانَ مطَّرحاً للكلفة نهَّاءً عَن الْمُنكر وثب مرَّةً على العلاّمة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية ونال مِنْهُ وَنزل دَهْروط وَغَيرهَا توفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة قَرَأَ على بنت المنجّا مُسْند الشَّافِعِي
وَله تواليف وَكَانَ ديِّناً عفيفاً ولمَّا استُعيرت البسُطُ والقناديل من جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر لبَعض كنائس القبط فِي يَوْم من أَيَّام أعيادهم ونُسب هَذَا الْأَمر إِلَى كريم الدّين وَفعل مَا فعل طلع الْبكْرِيّ إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان وكلَّمه فِي ذَلِك وَأَغْلظ القَوْل لَهُ وَكَاد ذَلِك يجوز على السُّلْطَان لَو لم يحلَّ بعض الْقُضَاة الْحَاضِرين عَلَيْهِ وَقَالَ مَا قصَّرَ الشَّيْخ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ فحينئذٍ أغْلظ السُّلْطَان فِي القَوْل للبكري فخارت قواه وَضعف ووهن فازداد تأليبُ بعض الْحَاضِرين عَلَيْهِ فَأمر السُّلْطَان بِقطع لِسَانه فجَاء الْخَبَر إِلَى صدر الدّين بن الْوَكِيل وَهُوَ فِي زَاوِيَة السُّعودي فَركب حمَار مُكارٍ للعجلة وَصعد إِلَى القلعة فَرَأى الْبكْرِيّ وَقد أُخذ ليُمضى فِيهِ مَا أُمر بِهِ فَلم يملك دُمُوعه أَن تساقطت وفاضت على خدِّه وبلَّت لحيته فاستمهل الشرطة عَلَيْهِ ثمَّ صعد الإيوان وَالسُّلْطَان جالسٌ بِهِ فتقدَّم إِلَيْهِ بِغَيْر إِذن وَهُوَ باكٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان خيرٌ يَا صدر الدّين فَزَاد بكاؤه ونحيبه فَلم يزل السُّلْطَان يرفق بِهِ وَيَقُول لَهُ خيرٌ مَا بك إِلَى أَن قدر على الْكَلَام فَقَالَ لَهُ هَذَا البكريُّ من الْعلمَاء الصلحاء وَمَا أنكر إلاَّ فِي مَوضِع الْإِنْكَار ولكنَّه لم يُحسن التلطُّف فَقَالَ السُّلْطَان إِي واللهِ أَنا أعرف هَذَا إلاَّ هَذَا خطبَه ثمَّ)
انْفَتح الْكَلَام وَلم يزل الشَّيْخ صدر الدّين بالسلطان يلاطفه ويرقِّقُه حتَّى قَالَ لَهُ خُذه ورُح فَأَخذه وَانْصَرف هَذَا كلُّه والقضاةُ حضورٌ وأمراء الدولة ملْء الإيوان مَا فيهم مَن ساعده وَلَا من أَعَانَهُ إلاَّ أميرٌ وَاحِد
3 - (ابْن أبي العَقِب الدِّمَشْقِي)
عَليّ بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن شَاكر بن زامل بن أبي العَقِب أَبُو الْقَاسِم الْهَمدَانِي الدِّمَشْقِي محدّث الشَّام الثِّقَة توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَلَاث مائَة وَمن شعره
(أَنِستُ بوحدتي ولزمتُ بَيْتِي ... فدام العيشُ لي ونما السرورُ)
(وأدَّبني الزمانُ فصرتُ فَردا ... وحيداً لَا أُزارُ وَلَا أَزورُ)
(ولستُ بقائل مَا عشتُ يَوْمًا ... أسارَ الجيشُ أم ركبَ الأميرُ)
(مَتى تقنعْ تعِشْ ملكا عَزِيزًا ... يَذِلُّ لعزِّكَ الْملك الفخور)(22/206)
3 - (عماد الدّين الْموصِلِي الْمُقْرِئ الشَّافِعِي)
عَليّ بن يَعْقُوب بن شُجَاع بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي زهران الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الْحسن الْمُقْرِئ المجوِّد الْموصِلِي الشَّافِعِي كَانَ إِمَامًا بارعاً فِي الْقرَاءَات وعللها ومشكلها بَصيرًا بالتجويد والتحرير حاذقاً بمخارج الْحُرُوف انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الإقراء بِدِمَشْق أَخذ الْقرَاءَات عَن أبي إِسْحَاق بن وثيق الأندلسي وَغير وَاحِد وَكَانَ فَقِيها مبرِّزاً يُكَرر على الْوَجِيز للغزالي وَحفظ الْحَاوِي فِي آخر عمره وَكَانَ جيّد الْمنطق والأُصول فصيحاً مفوَّهاً مناظراً وَفِيه عِشرة وبَأْوٌ وتِيه صنف ل الشاطبية شرحاً يبلغ أَربع مجلَّدات لكنَّه لم يكمله وَلم يبيّضه وليَ الإقراء بتربة أم الصَّالح بعد الشَّيْخ زين الدّين الزَّواوي وَكَانَ الشَّيْخ زيد الدّين يعظِّمه ويقدِّمه على نَفسه ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست مائَة وَكَانَ وَالِده فَقِيها فَاضلا شَاعِرًا وَكَذَا جدّه شُجَاع لَهُ شعر دفن بمقبرة بَاب الصَّغِير
3 - (السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم الْوَاعِظ)
عَليّ بن يعلى بن عوض بن مُحَمَّد بن حَمْزَة يَنْتَهِي إِلَى عمر بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الْوَاعِظ من أهل هراة كَانَ من مشاهير خُرَاسَان فِي الْوَعْظ والتذكير وَكَانَ مليح الْعبارَة حُلْو الْإِشَارَة جال فِي بِلَاد خُرَاسَان وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام من النَّاس)
وأحبَّته الْقُلُوب وَقدم بغداذ وصادف قبولاً وأحبَّه الخاصُّ وَالْعَام وَكَانَ يُظهر التسنُّن وَيَقُول أَنا علويٌّ بلخي مَا أَنا علويٌّ كرخي وَسمع بهراة من مُحَمَّد بن عبد الله الهَرَوي العُمري وَعبد الْأَعْلَى بن عبد الْوَاحِد المَليحي والنجيب بن مَيْمُون الوَاسِطِيّ وَسمع بِغَيْر هراة وَتُوفِّي بمرو الرُّوذ سنة سبع وَعشْرين وَخمْس مائَة
3 - (الْكَاتِب البغداذي)
عَليّ بن يلدرك بن أرسلان أَبُو الثَّنَاء بن أبي مَنْصُور التركي(22/207)
الْكَاتِب البغداذي روى عَنهُ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل الْفَقِيه كتابَ الْفُنُون والحافظ بن نَاصِر توفِّي سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة وَمن شعره
(ومُدَلَّهٍ علق الغرامُ بِقَلْبِه ... فمواقد النيرَان من نيرانهِ)
(إِن جنَّ ليلٌ حَنَّ لاعج حبِّه ... أَو مَدَّ سبلٌ كَانَ من أجفانهِ)
(عذبُ العذابُ من الهَوَى بمذاقه ... وحلا مريرُ الجَور من سلطانهِ)
(يرتاحُ مَا حَدَرَ الصباحُ لثامَه ... أَو ناح قُمْرِيٌّ على أغصانه)
(مَا لجَّ عاذلُه عَلَيْهِ بعذله ... إلاَّ ولحَّ عَلَيْهِ فِي عصيانهِ)
(بغداذ موطنُه ولكنَّ الهَوَى ... نجدٌ وَأَيْنَ هَوَاهُ من أوطانهِ)
(لَو كَانَ قيسٌ العامريُّ بعصره ... دُعيَ الخليَّ من الهَوَى لعيانهِ)
وَمِنْه
(رقَّتْ حَوَاشِي الحبِّ بعْدك رقَّةً ... غارتْ لَهَا ببلادنا الصهباءُ)
(وجَفَتْ علينا بعد ذَاك خشونةً ... فكأَنَّها التَّفْرِيق والقُرْباءُ)
وَمِنْه
(يَا نَاظرا من سحرِ بابلْ ... ومُذيبَ جسمي بالبلابلْ)
(صِلني فقد هجر الرقا ... دُ وملَّني عذلُ العواذلْ)
(لَا تأسَ صلْ إنَّ الوصا ... لَ كَمثل هَذَا الهجر قاتلْ)
(بمضيق مُعتركِ الأسا ... ور والدمالج والخلاخلْ)
(ومجال بَلبلة الضفا ... ئر بَين ألوان الغلائلْ)
(وبلطف تَنْفِيذ الرسا ... ئلِ إثرَ ألطاف الْوَسَائِل)(22/208)
)
(عَليّ بن يُوسُف)
3 - (قَاضِي قُضَاة مصر)
عَليّ بن يُوسُف بن عبد الله بن بُندار الدِّمَشْقِي أَبُو الْحسن كَانَ وَالِده مدرّس النظاميَّة ببغداذ
وَولد عليٌّ ببغداذ وتفقَّه على وَالِده وَسمع مُسْند الشَّافِعِي من أبي زُرعة طَاهِر بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي وسافر إِلَى الشَّام وَهُوَ شابٌّ وتوجَّه إِلَى ديار مصر واستوطنها إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة ومولده سنة خمسين وَخمْس مائَة وَولي بِمصْر قَضَاء الْقُضَاة مرَّتين ثمَّ عُزل وَكَانَ شَيخا حسن الْأَخْلَاق محبًّا للْعلم وَأَهله متواضعاً لطلاّبه كريم الْأَخْلَاق متودِّداً إلاَّ أنَّ بضاعته فِي الْعلم مُزجاة قَرَأَ محبّ الدّين بن النجَّار عَلَيْهِ مُسْند الشَّافِعِي عِنْد قَبره
3 - (ابْن البقَّال البغداذي)
عَليّ بن يُوسُف أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن البقَّال البغداذي نادم الْوَزير المهلَّبي ونفقَ عَلَيْهِ
وَكَانَت محاضرته حَسَنَة وَكَانَ منظره مستكرَهاً ومخبَره مستطاباً وَكَانَ ذَا مَال خلَّف لمَّا مَاتَ مَا يزِيد على مائَة ألف دِرْهَم إلاَّ أنَّه كَانَ بَخِيلًا جشعاً
قَالَ المتنبي مَا يجوز أَن يَقع فِي بغداذ اسْم الشَّاعِر على أحد غير ابْن البقَّال وَكَانَ ابْن العميد يقدِّمه على النَّاس كلّهم والرؤساء يقومُونَ لَهُ إِذا دخل عَلَيْهِم وَكَانَ يَقُول بتكافؤ الأدلاّء وَهُوَ بئسَ الْمَذْهَب وَمن شعره
(روعةٌ بالفراق قبل الفراقِ ... شَرِقَتْ بالدموع مِنْهَا المآقي)
(جَدَّ جِدُّ البكا فأههدَيْنَ بَاقِي ال ... دمعِ مِنْهَا إِلَى كرًى غيرِ باقِ)
(فاض تَنْدى بِهِ الخدودُ وَلَو غا ... ضَ لأمست مِنْهُ الحشا فِي احتراقِ)
(وعَذارى تريك من سربها العي ... نُ رُنوَّ الأحداق للأحداقِ)
(مُخْطفاتٍ لَو شئنَ من هَيَف الخص ... ر تبدَّلنَ خَاتمًا من نطاقِ)
(حالياتٍ تُبدي المعاصمَ والسُّو ... قَ وتُخفي الأجيادَ فِي الأطواقِ)
(لَا يَغُرَّنْكَ غفلةُ الدَّهْر فالعز ... مة إمضاؤُها مَعَ الإطراقِ)
وَمِنْه يمدح المهلَّبي
(يُزاحمُ الليلَ ليلٌ من جحافِلِهِ ... ويقذف الوَهَداتِ الجُرْدَ بالأكَمِ)
)
(أطار مِنْهُم قَذاةً فِي عيونهمُ ... لَو أنَّها فِي جفون الدَّهْر لم يَنَمِ)(22/209)
(أبقى لَهُ الخوفَ من إشغالِ يقظتهم ... مَا بَات يُرْسله لَيْلًا إِلَى الحلمِ)
(عافت سيوفُكَ فِي الهيجا لحومَهمُ ... فهنَّ يأكلنَ مِنْهَا إكلةَ البَشِمِ)
وَمِنْه
(يَا مُذنباً ويقولُ إنّي مُذنِبُ ... مَا إِن سمعتُ بظالمٍ يتظلَّمُ)
(لَك صورةٌ ذَلَّ الجمالُ لحسنها ... تقضي بِجَور فِي النُّفُوس وتحكمُ)
(وَمن الْعَجَائِب أنَّ طرفَك مُشْعِرٌ ... سُقْماً وأنتَ بسُقمهِ لَا تعلمُ)
وَمِنْه
(وَلما وقفنا للوداع ودوننا ... عيونٌ ترامى بالظنون ضميرُها)
(أماطتْ عَن الشَّمْس المنيرةِ بُرْقُعاً ... فغيّبنا عَن أعين الناسِ نورُها)
قلتُ شعرٌ جيدٌ طبقَة
3 - (القَاضِي الأكرم ابْن القفطي الْوَزير جمال الدّين)
عَليّ بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد بن مُوسَى يَنْتَهِي إِلَى بكر بن وَائِل وَزِير حَال القَاضِي الأكرم الْوَزير جمال الدّين أَبُو الْحسن القفطي أحد الكتَّاب الْمَشْهُورين المبرزين
وَكَانَ أَبوهُ القَاضِي الْأَشْرَف كَاتبا أَيْضا وأُمّه امْرَأَة بادية من الْعَرَب من قُضاعة وأمَّها جَارِيَة حبشيَّة ولد بقفط من الصَّعِيد الْأَعْلَى بالديار المصريَّة وَأقَام بحلب وَكَانَ يقوم بعلوم من اللُّغَة والنحو وَالْفِقْه والْحَدِيث وعلوم الْقُرْآن والأُصول والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل ولد سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وست مائَة وَكَانَ صَدرا محتشماً كَامِل السؤدد جمع من الْكتب مَا لَا يُوصف وَقصد بهَا من الْآفَاق وَكَانَ لَا يحبُّ من الدُّنْيَا سواهَا وَلم يكن لَهُ دارٌ وَلَا زَوْجَة وَأوصى بكتبه للناصر صَاحب حلب وَكَانَت تَسَاوِي خمسين ألف دِينَار وَله حكايات غَرِيبَة فِي غرامه بالكتب وَهُوَ أَخُو المؤيَّد القفطي ووفاته(22/210)
فِي شهر رَمَضَان وَقَالَ ياقوت أَنْشدني لنَفسِهِ بحلب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة
(ضِدّانِ عِنْدِي قَصَّرا هِمَّتي ... وجهٌ حَيِيٌّ ولسانٌ وَقاحْ)
(إِن رُمْتُ أمرا خانني ذُو الحيا ... ومِقْوَلي يُطْمعُني فِي النجاحْ)
)
(فأنثني فِي حَيْرَةٍ مِنْهُمَا ... لي مِخْلَبٌ ماضٍ وَمَا من جَناحْ)
(شِبْهَ جبانٍ فَرَّ من مَعركٍ ... خوفًا وَفِي يمناه عَضْبُ الكفاح)
قَالَ وأنشدني لَهُ أَيْضا
(شيخٌ لنا يُعْزى إِلَى مُنْذرٍ ... مستقبَحُ الأخلاقِ والعَينِ)
(من عَجَبِ الدَّهرِ فحدِّث بِهِ ... بفرْدِ عينٍ ولسانينِ)
قَالَ وأنشدني
(إِذا وجَفَتْ منكَ الخيولُ لغارةٍ ... فَلَا مانعٌ إلاَّ الَّذِي منع العهدُ)
(نزلتَ بأنطاكيَّةٍ غيرَ حافلٍ ... بقلَّةِ جُنْدٍ إذْ جَمِيع الوَرَى جُنْدُ)
(فكم أهيفٍ جادتْه هيفُ رماحِكم ... وَكم ناهدٍ أودى بهَا فرسٌ نَهْدُ)
(لَئِن حَلَّ فِيهَا ثعلبُ الغدرِ لاوُنٌ ... فَسُحقاً لَهُ قد جَاءَهُ الأسَدُ الوردُ)
(وَكَانَ قد اغترَّ اللعينُ بلينكم ... وأعظمُ نارٍ حَيْثُ لَا لَهبٌ يَبْدُو)
(جَنى النحلَ مغترًّا وَفِي النَّحْل آيةٌ ... فطوراً لَهُ سُمٌّ وطوراً لَهُ شهدُ)
(تَمُدُّكَ أجناد الْمُلُوك تَقرُّباً ... وجندُ السَّخين العينِ جَزْرٌ وَلَا مَدُّ)
(تَهَنَّ بهَا بِكراً خطبتَ مِلاكها ... فأعطت يدَ المخطوب وانتظم العِقدُ)
(فجيشك مَهْرٌ والبُنودُ حُمولُه ... وأسهمُكم نَثْرٌ وسُمْرُ القنا نَقْدُ)
وَله من التصانيف كتاب الضَّاد والظاء وَهُوَ مَا اشْتبهَ فِي اللَّفْظ وَاخْتلف فِي الْخط كتاب الدّرّ الثمين فِي أَخْبَار المتيَّمين كتاب من ألوتِ الْأَيَّام عَلَيْهِ فَرَفَعته ثمَّ ألوت عَلَيْهِ فَوَضَعته كتاب أَخْبَار المصنفين وَمَا صنَّفوه كتاب أَخْبَار النَّحْوِيين كَبِير كتاب تَارِيخ مصر من ابتدائها إِلَى أَيَّام صَلَاح الدّين سِتّ مجلدات كتاب تَارِيخ الْمغرب كتاب تَارِيخ الْيمن كتاب المحلَّى فِي اسْتِيعَاب وُجُوه كلاّ كتاب إصْلَاح خلل الصِّحَاح للجوهري كتاب الْكَلَام على الموطَّأ وَلم يتمّ كتاب الْكَلَام على صَحِيح البُخَارِيّ لم يتمّ كتاب تَارِيخ مَحْمُود بن سبكتكين وبنيه كتاب تَارِيخ السلجوقية كتاب الإيناس فِي أَخْبَار آل(22/211)
مرداس كتاب الرَّد على النَّصَارَى وَذكر مجامعهم كتاب مشيخة الْكِنْدِيّ زيد بن الْحسن كتاب نُهزة الخاطر ونزهة النَّاظر فِي أحاسن مَا نقل من ظُهُور الْكتب
قَالَ ابْن سعيد المغربي نظم الْوَزير الْمَذْكُور بَيْتَيْنِ فِي جاريةٍ اشْتَرَاهَا وهما)
(تَبَدَّتْ فَهَذَا البدرُ من كَلَفٍ بهَا ... وحقَّك مثلي فِي دجى اللَّيْل حائرُ)
(وماستْ فشقَّ الغصنُ غيظاً ثيابَه ... أَلَسْت ترى أوراقه تتناثرُ)
قَالَ وَزعم أَنه لَا يُؤْتى لَهما بثالث فأنشدتُه فِي الْحَال
(وعاجَتْ فَألْقى العودُ فِي النارِ نفسَه ... كَذَا نقلتْ عَنهُ الحديثَ المجامرُ)
(وقالتْ فغارَ الدُّرُّ واصفرَّ لونُه ... كَذَلِك مَا زالتْ تغارُ الضَّرائرُ)
3 - (صَاحب مَرّاكش)
عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين أَمِير السلمين توفّي وَالِده سنة خمس مائَة فَقَامَ بِالْملكِ مَكَانَهُ وتلقَّب بلقبه أَمِير الْمُسلمين وَجرى على سنَنه فِي الْجِهَاد وإخافة العدوّ وَكَانَ حسن السِّيرَة جيّد الطويّة عادلاً نزهاً حتَّى إنَّه كَانَ يعدُّ من الزهَّاد المتبتِّلين وآثر أهل الْعم حتَّى إنَّه لَا يقطع أمرا إلاَّ بمشاورة الْعلمَاء أربعةٍ من الْفُقَهَاء ونفقت فِي زَمَانه كتب مَذْهَب مَالك وَطرح مَا وَرَاءَهَا حتَّى نسي الْعلمَاء النّظر فِي كتب السّنَن وقرَّر الْفُقَهَاء عِنْده تقبيح علم الْكَلَام وَأمر بإحراق كتب الْغَزالِيّ لمَّا دخلت الغرب واعتنى بكتَّاب الْإِنْشَاء وَكَانَ عِنْده مثل ابْن الجدّ الأجدب وَأبي بكر مُحَمَّد بن القبطُرنه وَابْن أبي الْخِصَال وأخيه أبي مَرْوَان وَعبد الْمجِيد بن عبدون
وطالت أَيَّامه إِلَى أَن التقى عَسْكَر بلنسية مَعَ الْعَدو فهزموا الْمُسلمين وَقتلُوا من المرابطين خلقا كثيرا واختلَّت بعْدهَا حَاله وَظَهَرت منكراتٌ كَثِيرَة فِي بِلَاده وَاسْتولى أُمراء المرابطين على الْبِلَاد وادَّعوا الاستبداد وَصَارَ كلُّ واحدٍ يجْهر بأنَّه أَمِير الْمُسلمين وخيرٌ من عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وأنَّه أولى مِنْهُ بِالْأَمر وَاسْتولى النِّسَاء على الْأَحْوَال وكل امرأةٍ من كبار البرابر تشْتَمل على الفسَّاق والخمَّارين واللصوص وقنع بِالِاسْمِ وَالْخطْبَة وَعَكَفَ على الصَّوْم وَقيام اللَّيْل وتوثَّب عَلَيْهِ ابْن تومرت إِلَى أَن ملك الْبِلَاد عبد الْمُؤمن(22/212)
وتوفِّي سنة ابْن تاشفين سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وعهد إِلَى ابْنه تاشفين فعجز عَن الموحّدين وانزوى إِلَى مَدِينَة وهران ولمَّا اشتدَّ الْحصار خرج رَاكِبًا وسَاق إِلَى الْبَحْر فاقتحمه وغرق فَيُقَال إنَّهم أَخْرجُوهُ وصلبوه وأحرقوه ودامت دولة بني تاشفين بمراكش بضعاً وَسبعين سنة وانقطعت الدعْوَة لبني الْعَبَّاس بِمَوْت عَليّ
3 - (الْأَفْضَل بن صَلَاح الدّين)
)
عَليّ بن يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان بن يَعْقُوب السُّلْطَان الْملك الْأَفْضَل نور الدّين أَبُو الْحسن ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين ولد يَوْم عيد الْفطر سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي فُجاءةً بشميساط سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة وَقيل إنَّ مولده سنة ستٍّ
سمع من عبد الله بن برِّي النَّحْوِيّ وَأبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عَوْف الزُّهْرِيّ وَأَجَازَ لَهُ جماعةٌ وَكَانَ أسنّ إخْوَته وَإِلَيْهِ كَانَت ولَايَة الْعَهْد ولمَّا مَاتَ وَالِده بِدِمَشْق كَانَ مَعَه فاستقلَّ بالسلطنة ثمَّ جرت لَهُ ولأخيه الْعَزِيز حروبٌ وَفتن ثمَّ إنَّ الْعَزِيز وعمّه الْعَادِل اتَّفقا على الْأَفْضَل وقصداه فِي دمشق وحارباه وأخذاها مِنْهُ فالتجأ إِلَى صرخد وَأقَام بهَا قَلِيلا فَمَاتَ الْعَزِيز بِمصْر وَأَقَامُوا وَلَده محمَّداً وَهُوَ صبيٌّ فطلبوا لَهُ الْأَفْضَل ليَكُون أتابكه فَقدم وَمَشى فِي ركاب ابْن أَخِيه ثمَّ إنَّ الْعَادِل عمل على الْأَفْضَل وَقصد مصر وَأَخذهَا مِنْهُ لأنَّ عساكره كَانَت مفرَّقةً فِي الرّبيع وَأَعْطَاهُ ميَّافارقين وشميساط فلمَّا توجَّه إِلَيْهِمَا لم يسلّم ابْن الْعَادِل ميَّافارقين وَلم يحصل للأفضل غير شميساط فاستنجد بأَخيه الظَّاهِر غَازِي وَسَار إِلَى دمشق وأشرفا على أَخذهَا فجرت بَينهمَا منازعةٌ بتدبير الْعَادِل آلت إِلَى الرحيل عَنْهَا فلمَّا توفّي الظَّاهِر استنجد الْأَفْضَل بكيكاوس السلجوقي سُلْطَان الرّوم فقصدا الشَّام دمشق سنة خمس عشرَة وست مائَة فلمَّا أَخذ الرُّومِي تلَّ بَاشر ومنبج وَلم يعطِ الْأَفْضَل مِنْهُمَا شَيْئا انثنى عَنهُ فِي الْبَاطِن وَكَانَ الْأَشْرَف مُقيما بحلب لنجدة الْعَزِيز فَخرج بعساكر حلب إِلَى لِقَاء الرُّومِي وَوَقعت العربان على بعض عَسَاكِر الرُّومِي(22/213)
فاستباحوهم قتلا وأسراً وَعلم الرُّومِي بانثناء الْأَفْضَل عَنهُ ومخامرة بعض أمرائه عَلَيْهِ فولى هَارِبا وَتَبعهُ الْأَشْرَف يتخطَّف أَطْرَاف عسكره واسترجع تل بَاشر وَغَيرهَا للْملك الْعَزِيز وَبَقِي الْأَفْضَل بشميساط إِلَى أَن توفّي يَوْم الْجُمُعَة فُجاءةً بعد أَن صلَّى الْجُمُعَة خَامِس عشْرين صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَحمل إِلَى حلب وَدفن بهَا
وَكَانَ صَحِيح العقيدة عِنْده علمٌ وأدب يحبُّ الْعلمَاء ويحترمهم وَله فِي الْجِهَاد مَعَ أَبِيه مشَاهد مَعْرُوفَة وآثار جميلَة ووقف أوقافاً جليلة على قبَّة الصَّخْرَة وَغَيرهَا
ولشعراء عصره فِيهِ أمداح طائلة وقصائد هائلة مثل ابْن الساعاتي وَابْن سناء الْملك وَغَيرهمَا)
فَمن قَول ابْن سناء الْملك فِيهِ من جملَة قصيدة
(مَلِكٌ اسمهُ عليٌّ ولكنْ ... كيدُه فِي حروبه كيدُ عَمرو)
(لَيْسَ ينفكُّ بَين فتكٍ وفتحٍ ... حينَ يختال بَين نصلٍ ونصرِ)
(وَجهه البدرُ فِي الحروب وَلَا تع ... جبْ إِذا كَانَ يومُه يومَ بدرِ)
وَمِنْه من قصيدة أُخْرَى
(حسبي عليٌّ ندًى حسبي عليٌّ هدى ... حسبي عليٌّ جدا حسبي عليٌّ عُلا)
(حسبي أَبُو حَسنٍ فِي كل نائبةٍ ... يستفرغ الحَوْلَ أَو يستفرغ الحِيَلا)
(حمدتُ آخرَ أيّامي بخدمته ... ولستُ أَحْمد من أيّاميَ الأولا)
(ذكري بِهِ سارَ حَالي عِنْده عَظُمَتْ ... قدري بِهِ جَلَّ مقداري لَدَيْهِ عَلا)
وَمن قَول ابْن الساعاتي فِيهِ يمدحه
(وزُرْتُ مصرا بغابٍ من قَنًا وظُبًى ... قلَّتْ لَهُ شامخاتُ المُدْنِ والقُلَلُ)
(سكنتها حِين سكَّنتَ الْبِلَاد بهَا ... جَمْعاً وثُقِّفَ ذَاك الزَّيغُ والخَطَلُ)
(فللقلوب اللواتي طالما وَجَبتْ ... بهَا سكونٌ وللدنيا بهَا زَجَلُ)
(نهارُها بكَ أسحارٌ مقدَّسةٌ ... جَمِيعهَا والليالي كلُّها أُصُلُ)
(حَلأْتَ عَنْهَا وحَلَّيتَ الزمانَ بهَا ... فاليومَ لَا عَطَبٌ يُخشى وَلَا عَطَلُ)(22/214)
(حَيْثُ السحابُ بنودٌ والقِسِيُّ لَهَا ... رعدٌ وللنَّبلِ فِيهَا عارضٌ هَطِلُ)
(فعَلْتَ مَا سَرَّ حتَّى لَا مثالَ لَهُ ... وقلتَ مَا سارَ حتَّى إنَّه مَثَلُ)
(مَا غَلِقَ البحرُ فِيمَا ظنَّ رَاكِبه ... وإِنَّما هزَّ من أعطافه الجَذَلُ)
(يرتاحُ عِنْد أَخِيه حِين جاوره ... فالشملُ مجتمعٌ والحبلُ مُتَّصلُ)
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ فِيهِ تشيُّع وَلم يكن فِي الْمُلُوك مثله قلَّما عاقب على ذَنْب كثير الْعَفو والحلم وَقَالَ كَمَال الدّين بن العديم لم يكن متشيِّعاً وإِنَّما قَالَ هَذَا الشّعْر لموافقة الْحَال وتقرُّباً إِلَى الإِمَام النَّاصِر إذْ كَانَ مَنْسُوبا إِلَى التشيُّع انْتهى قلتُ وَلما تعصَّب أَخُوهُ الْعَزِيز عَلَيْهِ وعمُّه الْعَادِل قَالَ
(ذِي سُنَّةٌ بَين الْأَنَام قديمةٌ ... أبدا أَبُو بكرٍ يجور على عَليّ)
وَكتب إِلَى الإِمَام النَّاصِر)
(مولايَ إنَّ أَبَا بكرٍ وصاحبهُ ... عثمانَ قد غَصَبا بِالسَّيْفِ حقَّ عَليّ)
(وَهُوَ الَّذِي كَانَ قد ولاّه وَالِده ... عَلَيْهِمَا واستقام الأمرُ حِين وَلِي)
(فخالفاه وحلاّ عقد بيعَته ... والأمرُ بَينهمَا والنصُّ فِيهِ جَلي)
(فانظرْ إِلَى حظِّ هَذَا الِاسْم كَيفَ لقِي ... مِنَ الأواخرِ مَا لَاقَى من الأُوَلِ)
فجَاء جَوَاب النَّاصِر من إنْشَاء ابْن زَبادة وَفِيه
(وافى كتابك يَا ابْن يُوسُف مُعْلنا ... بالحقِّ يخبرُ أنَّ أصلك طاهرُ)
(غَصبوا عليًّا حقَّهُ إذْ لم يكن ... بعدَ النبيِّ لَهُ بيثربَ ناصرُ)
(فاصبرْ فإنَّ غَدا عليَّ جزاءهم ... وابْشِرْ فناصرُكَ الإِمَام الناصرُ)
وَفِي ذَلِك يَقُول شرف الدّين بن عُنَين من قصيدةٍ كتبهَا إِلَى أَخِيه من الْهِنْد
(هيهاتَ آتِي دمشقَ ومُلكها ... يُعزى إِلَى غيرِ المليكِ الأفضلِ)
(وَمن العجائبِ أَن يقومَ بهَا أَبُو ... بكرٍ وَقد علمَ الوصيةَ فِي عَليّ)
(مهلا أَبَا حسنٍ فَتلك سحابةٌ ... صيفيَّةٌ عمَّا قليلٍ تنجلي)
وَمن شعر الْأَفْضَل
(قلْ لمن فِي العذارِ أطنبَ جهلا ... ويُباهي بوصفه ويُغالي)
(لم يكن فِي الجِنان يُفقدُ فِي الوِلْ ... دانِ لَو كَانَ من صِفَات الجمالِ)(22/215)
وَمِنْه
(وقبَّلتُ خدًّا للحبيبِ مُورَّداً ... بروحي أُفَدِّي مِنْهُ خدًّا مُورَّدا)
(فَمن حَرَّ أنفاسي علا فَوق خدِّه ... دخانٌ فخالوه عِذاراً مُزَرَّدا)
وَمِنْه
(وحلفتُ أنَّكَ سَوف تهجرُ عَاشِقًا ... وتُذيقُه من هجرك الدَّاء الْخَفي)
(فوفيتَ ثمَّ حلفتَ أَن ستذيقُه ... بَردَ الوفاءِ إِذا وصلتَ فَلم تَفِ)
وَمِنْه فِي ناسخٍ لَهُ
(وَقَالُوا تابَ عَن شربِ الحُمَيَّا ... فقلتُ لَهُم كَذبْتُمْ مَا يتوبوا)
(وَكَيف يتوبُ عَن فعلٍ دَنِيٍّ ... فَتى قد جُمِّعَتْ فِيهِ العيوبُ)
3 - (ابْن الصَّفَّار المارديني)
)
عَليّ بن يُوسُف بن شَيبَان جلال الدّين النُّميري المارديني الْمَعْرُوف بِابْن الصَّفَّار وتوفِّي سنة ثمانٍ وَخمسين وست مائَة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة قَتله التتار لمَّا ملكوا ماردين وَمن شعره
(هلِ اختطَّ فانآد غصناً وريقا ... غريرٌ حكى الكاسَ ثغراً وريقا)
(أمِ الصُّدغُ لمَّا صفا خدُّهُ ... تمثَّل فِيهِ خيالاً دَقِيقًا)
(رنا فَرمى أسهماً وانثنى ... رشيقاً فراح كِلَانَا رشيقا)
(وأبدع فِيهِ فَمَا لي أرى ... لَهُ الخدَّ وهْو فريدٌ شقيقا)
(وَمَا بالُ مبسمه مبسماً ... وَمَا ملكته يمينٌ رَقِيقا)
وَمِنْه
(ويومِ قُرٍّ يَدُ أنفاسه ... تُمزِّقُ الأوجُهُ من قَرْصِها)
(يومٌ تودُّ الشمسُ مِن بردِهِ ... لَو جرَّتِ النارُ إِلَى قرصِها)
قلت أَخذه من قَول القَاضِي الْفَاضِل فِي ليلةٍ جمد خمرُها وخمد جمرها إِلَى يومٍ تودُّ البصلةُ لَو ازدادت إِلَى قُمصها والشمسُ لَو جرَّت النارَ إِلَى قرصها(22/216)
وَمِنْه
(مَا برحتْ يَوْم وداعي لَهَا ... تضمُّني ضمَّةَ مستأنسِ)
(حتَّى تثنَّى الغصنُ فَوق النَّقا ... وانتشر الطلُّ على النرجسِ)
وَمِنْه
(رَدَّتْ يداهُ إِلَى ذؤابته ... صُدغيهِ لمَّا أمكنَ الرَّدُّ)
(فَإِذا أساودُه ثلاثتها ... فردٌ وكلُّ ثلاثةٍ فردُ)
وَمِنْه
(أمِن هلالٍ أنتَ يَا وَجهه ... البادي بِهَذَا المنظر الأزهرِ)
(وجهٌ من الرُّوم ولكنْ لَهُ ... فِي الخدِّ خالٌ من بني العنبرِ)
(بِعني بأغلى ثَمَنٍ نظرةً ... أَحْيَا بهَا يَا طلعةَ المُشْتَرِي)
وَمِنْه
(تعشَّقتهُ أُمِّيَّ حُسن فَمَا لَهُ ... أَتَى بكتابٍ ضِمنهُ سورَةُ النملِ)
(وَمَا لي أَنا المجنونُ فِيهِ وشَعره ... إِذا مرَّ بالكثبانِ خطَّ على الرملِ)
)
قلتُ هُوَ مثل قَول الآخر
(وتركيٍّ نقيِّ الخدِّ ألمى ... بقدٍّ مَاس كالغصنِ الرطيبِ)
(لَهُ شَعرٌ حكى مجنونَ ليلى ... يَخُطُّ إِذا مَشى فَوق الكثيبِ)
وَمن شعر ابْن الصّفّار يذمُّ قلم الْحساب
(مَا لي وللقلم المتهوم صاحبهُ ... وللحساب الَّذِي يُصبي تصفُّحهُ)
(صناعةٌ قلَّ أَن تصفو النفوسُ لَهَا ... وأيُّ وهمٍ طَرا فِيهِ يُصحِّحُهُ)
(وَفِي البطالة للمرءِ السلامَةُ من ... سوءِ الظنونِ وخيرُ العيشِ أَرْوَحهُ)
وَمِنْه
(وأعجبُ شيءٍ أنَّ ريقَك مَاؤُهُ ... يولِّدُ دُرًّا وَهُوَ عذبٌ مروَّقُ)
(وأنَّكَ صاحٍ وَهُوَ فِي فِيك مُسكِرٌ ... وأنتَ جديدُ الحُسنِ وَهُوَ مُعَتَّقُ)
وَكتب جلال الدّين بن الصفار الْمَذْكُور الْإِنْشَاء للْملك النَّاصِر نَاصِر الدّين أَرْتُق صَاحب(22/217)
ماردين ثمَّ عُزل عَن الْكِتَابَة وتولَّى الإشراف بديوان دُنَيْسِر ثمانِ عشرَة سنة وَدخل إِلَى إربل مرتزقاً سنة سبع وَعشْرين وست مائَة وَمن شعره أَيْضا
(ويومٍ حَوَاشِيه مَلمومَةٌ ... علينا تُحاذِرُ أَن تُفرَجا)
(قنصْتُ غزالته والتفتُّ ... أُريدُ اخْتَها فاحتمتْ بالدُّجى)
وَمِنْه
(إِذا هبَّ النسيمُ بطيبِ نشرٍ ... طربتُ وقلتُ إيهٍ يَا رسولُ)
(سوى أنِّي أغارُ لأنَّ فِيهِ ... شذاك وأنَّه مثلي عليلُ)
وَمِنْه
(تجمَّعتِ الأضدادُ فِيهِ وَلم يكن ... ليجتمعَ الإيجابُ فِي الشيءِ والسلبُ)
(فَفِي خدِّه نارٌ وَفِي الثغرِ جنَّةٌ ... وَفِي لَفظه سِلْمٌ وَفِي لحظهِ حربُ)
(وَفِي قدِّهِ لينٌ وَفِي الْقلب قسوةٌ ... وَفِي خصره جدبٌ وَفِي رِدفه خصبُ)
وَمِنْه
(طَاف بهَا فِي الظلام بدرُ دُجى ... حتَّى احتساها فَصَارَ شمسَ ضُحى)
(مدمنُ خمرَيْنِ من يدٍ وفمٍ ... مُعتبِقاً مِنْهُمَا ومُصطحبا)
)
(حَلا بأفواهنا مُقَبَّله ... وإِنَّما فِي عيوننا مَلُحا)
(يُدير من خدِّه وَمن يَده ... وَفِيه من كلِّ واحدٍ قَدَحا)
وَمِنْه
(خادعته بحديثِ لِينِ قوامهِ ... فجفا وهزَّ عليَّ مِنْهُ مُثْقَفا)
(وهربتُ من يَده إِلَى أجفانه ... فَرَقاً فسَلَّ عليَّ مِنْهَا مُرهَفا)
(أحببتُهُ مُتجنِّياً وودِدتُهُ ... مُتجنِّباً وعشقتهُ مُتعطِّفا)
(فاخترتُ للجسم الضنا وجلبتُ لل ... قلب العنا ورَضيتُ للنَّفس الجفا)
3 - (شرف الدّين بن الرَّحَبي الطَّبِيب)
عَليّ بن يُوسُف بن حيدرة الْحَكِيم شرف(22/218)
الدّين بن شيخ الأطبَّاء رَضِي الدّين الرَّحَبي ولد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وست مائَة يَوْم عَاشُورَاء قَرَأَ الطبَّ على وَالِده وبرع فِيهِ وأتقنه وصنَّف وَأخذ أَيْضا عَن الموفَّق عبد اللَّطِيف وحرَّر كثيرا من الْعُلُوم عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على السَّخاوي ولمَّا احتُضر المهذَّب الدَّخْوار جعله مدرِّس مدرسته وَكَانَ مُنهمكاً على علم النُّجُوم زائغاً عَن الطَّرِيق صنف كتاب خلق الْإِنْسَان وهيئة أَعْضَائِهِ ومنافعها أحسن فِيهِ مَا شَاءَ وَكَانَ يَقُول لتلاميذه أموتُ إِذا اقْترن الكوكبان الفلانيَّان وَقُولُوا هَذَا للنَّاس حتَّى يعرفوا مِقْدَار علمي وَمن شعره قصيدة مِنْهَا سهامُ المنايا فِي الوَرَى لَيْسَ تُدفعُوكلٌّ لَهُ يَوْمًا وَإِن عَاشَ مصرعُ
(فَقل للَّذي قد عَاشَ بعد قرينه ... إِلَى مثلهَا عمَّا قليلٍ ستُدفعُ)
(فكلُّ ابْن أُنثى سَوف يُفضي إِلَى ردًى ... وَيَرْفَعهُ بعد الأرائك شَرْجعُ)
(ويدركه يَوْمًا وَإِن عَاشَ بُرهةً ... قضاءٌ تساوى فِيهِ هِمٌّ ومُرضَعُ)
(فَلَا يفرحَنْ يَوْمًا بطول حَيَاته ... لبيبٌ فَمَا فِي عيشةِ الْمَرْء مَطمعُ)
(فَمَا العيشُ إلاَّ مثل لمحةِ بارقٍ ... وَمَا الْمَوْت إلاَّ مِثْلَمَا العينُ تهجعُ)
(وَمَا الناسُ إلاَّ كالنباتِ فيابسٌ ... هشيمٌ وغضٌّ إثرَ مَا باد يطلعُ)
(فتبًّا لدُنيا مَا تزَال تَعِلُّنا ... أفاويقَ كأسٍ مُرَّةٍ لَيْسَ تنفعُ)
(سحابُ أمانيها جَهامٌ وبرقُها ... إِذا شيمَ برقٌ خُلَّبٌ لَيْسَ يهمعُ)
(تَغُرُّ بنيها بالمنى فتقودهم ... إِلَى قَعْر مَهْواةٍ بهَا الْمَرْء يوضعُ)
)
(فكم أهلكتْ فِي حبِّها من مُتيَّمٍ ... وَلم يحظَ مِنْهَا بالمنى فَيُمتَّعُ)
(تُمنِّيه بالآمال فِي نيلِ وَصلهَا ... وَعَن غَيِّه فِي حبِّها لَيْسَ يرجعُ)
(أضاع بهَا عمرا لَهُ غير راجعٍ ... ولمّا يَنلْ مِنْهَا الَّذِي يتوقَّعُ)
(فَصَارَ لَهَا عبدا لجمع حُطامها ... وَلم يَهْنَ فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يجمع)
وَهِي مائةٌ وَثَمَانِية عشر بَيْتا رثى بهَا وَالِده(22/219)
وَمِنْه
(يُساقُ بَنو الدُّنْيَا إِلَى الحتف عَنْوةً ... وَلَا يشْعر الْبَاقِي بِحَالَة من يمْضِي)
(كأنهمُ الْأَنْعَام فِي جهلِ بَعْضهَا ... بِمَا تمَّ من سفك الدِّمَاء على البعضِ)
وَمِنْه
(لَيْسَ يُجدي ذكرُ الْفَتى بعد موتٍ ... فاطَّرحْ مَا يقولهُ السّفهاءُ)
(إنَّما يُدركُ التألُّمَ والل ... ذَّةَ حيٌّ لَا صخرةٌ صمّاءُ)
وسوف يَأْتِي ذكر وَالِده يُوسُف فِي حرف الْيَاء مَكَانَهُ وَقد تقدَّم ذكر وَلَده جمال الدّين عُثْمَان بن عَليّ فِي مَكَانَهُ
3 - (الشَّطَّنوفي)
عَليّ بن يُوسُف الشَّطَّنوفي شيخ القرّاء نور الدّين توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَسبع مائَة وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْوَاو وَالْفَاء وياء النِّسْبَة
3 - (التّونسِيّ)
عَليّ بن يُوسُف التّونسِيّ تأدَّب بالقيروان وَكَانَ مَخْصُوصًا ببني أبي الْعَرَب محظوظاً عِنْدهم وَفِيهِمْ عامَّة شعره أنْشد الْمَنْصُور بن مُحَمَّد قصيدته الَّتِي أوّلها
(يَا عذولي أكثرتَ عذلاً وعدماً ... كم ملامٍ أغرى فهوَّنَ سُقْما)
فَلَمَّا فرغ مِنْهَا دفع إِلَيْهِ كيساً فِيهِ أَربع مائَة دينارٍ عينا ورقعةً بإقطاع قريةٍ من نواحي تونس
قَالَ ابْن رَشِيق القيرواني وَكَانَ عليّ يستضعف شعراء عصره ويهتدم أبياتهم وَرُبمَا اصطرفها جملَة وَاحِدَة وَلَا يرى ذَلِك عَيْبا بل يَقُول أَنا فرزدق هَذِه الطَّبَقَة فَهُوَ يلتهم كَلَام النَّاس فعل ذَلِك بِمُحَمد بن إِبْرَاهِيم الكموني فِي بيتٍ اهتدمه من قصيدةٍ لَهُ وَهُوَ
(يُلقي شذاه بقلبٍ غيرِ منقلبٍ ... وصفحتيه بعطفٍ غير منعطف)
فَسكت واصطرف أبياتاً للجُراوي الْكَاتِب فنازعه إِيَّاهَا وهجاه بقصيدة أنشدنيها(22/220)
لَا أعرف)
مِنْهَا إلاَّ قَوْله لوضح كَانَ بِهِ
(رآك الله تذْهب للمعاصي ... ففضَّض من أديمك كلَّ مُذْهبْ)
وَأورد لَهُ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج جملَة من شعره وَمن ذَلِك
(بنى مَنظراً يُسْمى العروسين رفْعَة ... كأنّ الثريّا عرَّستْ فِي قبابهِ)
(إِذا اللَّيْل أخفاه بحُلكة لَونه ... بدا ضوءه كالبدر تَحت سحابهِ)
(تمكَّن من سعدِ السعودِ محلُّه ... فأضحى ومفتاح الْغنى قَرْعُ بابهِ)
(وَلَو شاده عزمُ المُعزِّ ورأيه ... على قدره فِي ملكه ونصابهِ)
(لَكَانَ حَصى الياقوتِ والتبرُ مُفْرَغاً ... على الْمسك من آجرِّه وترابهِ)
(وَكَانَت أعاليه سموًّا ورفعةً ... تباشرُ مَاء المُزْنِ قبل انسكابهِ)
يَقُول فِي مديحها
(صَدَدْت العدا عَن هَيْجهِ وَهُوَ وادعٌ ... وَقلت لَهُم إنَّ القنا ليثُ غابهِ)
(هُوَ الْبَحْر يجتاح السفينَ إِذا طما ... فَلَا تركبنَّ الْبَحْر وقتَ عُبابهِ)
(وحسبكمُ أَن تَطْلُبُوا السّلمَ عِنْده ... وَأَن تفخروا بِالْمَشْيِ تَحت ركابهِ)
(ألم تعلمُوا أنَّ اللَّيَالِي تعلَّمت ... تنقُّلها من عَفوه وعقابهِ)
وَكَانَ الْمَنْصُور مفتوناً بِشعرِهِ فعُرض عَلَيْهِ يَوْمًا فرسٌ أشهبُ خالصٌ فَقَالَ لَهُ أَلَك شيءٌ فِي هَذَا قَالَ نعم أبياتٌ كنتُ صنعتُها لَك وَأنْشد
(رَغِبَتْ بِهِ الأُمُّ النجيبةُ عَن ... رَقَطِ الغرابِ لهُجْنَةِ البَلَقِ)
(فَأتى كفجر الصَّيف باعَده ... غِلظُ الْهَوَاء وكُدْرَةُ الأُفُقِ)
(حتَّى اعتلت أنوارُه وحَنَتْ ... كفُّ الغزالةِ وردةَ الشَّفَقِ)
وَتُوفِّي سنة عشر وَأَرْبع مائَة وَقد ناهز السّبْعين
3 - (الزَّرَندي الْحَنَفِيّ)
عَليّ بن يُوسُف بن الْحسن الإِمَام المحدّث الأديب نور الدّين أَبُو الْحسن الزَّرَندي ثمَّ الْمدنِي الْحَنَفِيّ مولده بطَيْبَة قبل السَّبع مائَة تفقّه وشارك فِي الْفَضَائِل وَله فهم وذكاء ورزانة
رَحل إِلَى الْعرَاق مَعَ أَخِيه وَسمع ببغداذ وَدخل(22/221)
خوارزم ودمشق ومصر وعُني بالرواية وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على الشَّيْخ شمس الدّين وَسمع مني وأعجبتني فضائله وَله النّظم والنثر)
3 - (الزَّاهِد الصَّالح)
عَليّ الخبّاز الزّهْد كَانَ شَيخا صَالحا كَبِير الْقدر مَشْهُورا لَهُ زَاوِيَة ومريدون وَله أَحْوَال وكرامات قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ شَيخنَا الدَّباهي يعظِّمه ويصفه قتل فِي كائنة بغداذ سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة شَهِيدا
3 - (الشَّيْخ عليّ البكّار)
عَليّ البكّار كَانَ من الْأَوْلِيَاء أَقَامَ مُدَّة ببلدة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ مَقْصُودا بالزيارة قَارب السّبْعين وَتُوفِّي سنة سبعين وست مائَة وقبره ظاهرٌ ببلدة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُزار هُنَاكَ وَفِي مقَامه سِماطٌ يأكلُ مِنْهُ الْفُقَرَاء والزُّوّار
3 - (الْمَالِكِي السَّبْتي)
عَليّ المتيوي الشَّيْخ أَبُو الْحسن المغربي السَّبتي الْمَالِكِي الزَّاهِد أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام كَانَ يحفظ المدوّنة والتفريع لِابْنِ الجلاّب ورسالة ابْن أبي زيد وألّف شرحاً ل الرسَالَة وَلم يكمله وصل فِيهِ إِلَى بَاب الْحُدُود وَكَانَ مَعَ براعته فِي الْفِقْه عجبا فِي الزّهْد والورع يخرج إِلَى الْجُمُعَة مغطَّى الْوَجْه وقبره بِظَاهِر سَبتة يُزار وَلم يكن فِي زَمَانه أحفظ مِنْهُ لمَذْهَب مَالك أَخذ النَّاس عَنهُ وَتُوفِّي سنة سبعين وست مائَة
3 - (الْأَعْرَج الصُّوفِي)
عَليّ الْهَاشِمِي الوَاسِطِيّ الْأَعْرَج كَانَ من أَعْيَان الصوفيّة توفّي ببغداذ سنة خمس وَسبعين وَثَلَاث مائَة حدَّث عَنهُ أَبُو عبد الله بن باكويه قَالَ كنّا فِي دَعْوَة ببغداذ فِيهَا عَليّ الْأَعْرَج الْهَاشِمِي فَأخذ القوّال يَقُول
(يَا مُظْهِرَ الشوق باللسانِ ... لَيْسَ لدعواك من بيانِ)
(لَو كَانَ مَا تدَّعيه حقًّا ... لم تَطْعَمِ الغُمضَ أَو تراني)
فَقَامَ عليّ فرقص على رجلَيْنِ صحيحتين ثمَّ جلس أعرج وَقيل إِنَّه لما قَالَ القوّال الْبَيْتَيْنِ قَامَ وَمَشى بعد عرجته وشهق شهقةً وخرَّ مغشيًّا عَلَيْهِ ودفنوه بعد ثَلَاثَة أَيَّام
3 - (نجم الدّين أَبُو الْحسن)
عَليّ الموصليّ أَبُو الْحسن نجم الدّين كَانَ فَقِيها(22/222)
بالنظامية ببغداذ كَذَا قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب كَانَ فَقِيها مَعنا وأنشدني لنَفسِهِ ممّا يكْتب على كَمَران)
(لما استدرتُ بخصره ... حُزْتُ الْكَمَال بأسرهِ)
(أضحى أسيري شادِنٌ ... كلُّ الوَرَى فِي أسره)
وأنشدني لنَفسِهِ
(سمَّوه باسم جُنَيْدٍ ... وفعلُه فِعْلُ جُنْدي)
3 - (ابْن الطَّستاني)
عَليّ بن الطستاني أَبُو الْحسن الْأَنْبَارِي سَافر إِلَى الْموصل واستوطنها وَدخل ديار بكر
روى عَنهُ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عيشون المنجِّم شَيْئا من شعره وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره
(لَو تراني فِي ليلةِ الْعِيد والنَّا ... سَ لأبصرتَ أعجبَ الأشياءِ)
(كلُّ عينٍ ترنو إِلَى مغربِ الشم ... سِ وعيني ترنو إِلَى البطحاءِ)
(مقلتي تطلب الْهلَال على الأر ... ضِ وهم يطلبونه فِي السماءِ)
وَمِنْه
(وفاترِ الطّرف فِي ألحاظهِ مَرَضٌ ... بهَا من السُّقْمِ مَا عِنْدِي من السَّقَمِ)
(يدمى بإيماءِ ألحاظي وَمَا ألِمَتْ ... وَبَين جنبيَّ مِنْهَا غايةُ الألمِ)
(أسكنتهُ حَيْثُ لَا تَدْرِي الوشاةُ بِهِ ... فَمَا أمنتُ عَلَيْهِ القذفَ بالتُّهَمِ)
(محجَّباً فِي السُّويدا غيرَ أنَّ لَهُ ... محجَّةٌ بَين صَدْرِي وَاخْتِلَاف فمي)
وَمِنْه
(لَا رأتْ عينيَ إِن كَانَت رأتْ ... صُورَة أحسنَ من صورتهِ)
(وَهُوَ يصطاد الْكرَى عَن جفْنه ... قَاعِدا إذْ هبَّ من رقدتهِ)
(سئم اللَّيْل فأبدى وجهَه ... فأضاء الأفقُ من بهجتهِ)
(وانجلى عَنهُ الدجى محتشماً ... فارتقى يعرُج فِي وَفْرَتهِ)
3 - (المنطقي الْبَصْرِيّ)
أَبُو عَليّ المنطقي قَالَ ياقوت لم أظفر باسمه قَالَ الخالع هُوَ من أهل الْبَصْرَة تنقَّل عَنْهَا فِي الْبِلَاد ومدح عضُد الدولة وَابْن عبّاد وَانْقطع مُدَّة من(22/223)
الزَّمَان إِلَى نصر بن هَارُون ثمَّ إِلَى أبي الْقَاسِم الْعَلَاء بن الْحسن الْوَزير وَكَانَ جيّد الطَّبَقَة فِي الشّعْر وَالْأَدب عَالما بالْمَنْطق)
قويَّ الرُّتْبَة فِيهِ جمع ديوانه وَكَانَ نَحْو ألفي بَيت ومولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
وَكَانَ ضَعِيف الْحَال مجازفاً ضيِّق الرزق وَكَانَ مزّاحاً طيّب الْعشْرَة حادَّ النادرة أُصِيب بِعَيْنِه آخر عمره وَله فِي ذَلِك أشعار وَمن شعره
(يَا ريمُ وجدي فِيك لَيْسَ يريمُ ... بينَ الضلوع وإنْ رحلت مقيمُ)
(لَا تحسبي قلبِي كربعك خَالِيا ... فِيهِ وَإِن عفَتِ الرسومُ رسومُ)
(تبلى المنازلُ والهوى مُتجدِّدٌ ... ونبيد خيْماتٌ وَتبقى الخِيمُ)
وَمِنْه
(وقهوةٍ مثل رقراق السراب غَدا ... جيبُ المِزاج عَلَيْهَا غيرَ مَزرورِ)
(تختالُ إنْ بثَّ فِيهَا الماءُ لؤلؤةً ... مَا بَين عقدين منظومٍ ومنثورِ)
(سللتُها مثل سلِّ الْفجْر صارِمهُ ... وأحجم اللَّيْل فِي أَثوَاب موتورِ)
(كأَنَّها إذْ بدتْ والكاسُ تحجبُها ... روحٌ من النارِ فِي جسمٍ من النورِ)
(إِذا تعاطيتُ مَحْزُونا أبارقَها ... لم يَعْدُني كلُّ مفروحٍ ومسرورِ)
(أُمسي غنيًّا وَقد أصبحتُ مُفتقراً ... كأَنَّما المُلكُ بَين البَمِّ والزِّيرِ)
وَمِنْه
(لقد سَهُلَتْ بك الأيامُ حتَّى ... لقَالَ الناسُ لم تكنِ الوُعورُ)
(وَكَيف أخافُ دهراً أَنْت بيني ... وَبَين صُروفه أبدا سفيرُ)
وَمِنْه
(صافيتُ فضلك لَا مَا أَنْت باذله ... وعاشقُ الْفضل يُعرى كلَّما عُذلا)
إنِّي أُعيذك من قولي لسائله إنِّي حدوتُ وَلَكِن لم أجد جَمَلا وَمِنْه
(أَكُفُّكمُ تُعْطِي ويمنعنا الحيا ... وأقلامُكم تَمضي وتنبو الصوارمُ)
(وإنَّ أَبَا الْعَبَّاس إِن يكُ للعُلى ... جنَاحا فَأنْتم للجناحِ القوادمُ)
(مضى وبقيتم أبحُراً وأهلَّةً ... وزهرُ الرُّبا يبْقى وتمضي الغمائمُ)(22/224)
وَمِنْه
(قولي يقصِّر عَن فَعالكْ ... تقصيرَ جَدِّك عَن كمالكْ)
)
(والحمدُ ينبتُ كلَّما ... هطلتْ سماءٌ من نوالكْ)
وَمِنْه
(كأَنَّ دبيبَها فِي كلِّ عضوٍ ... دبيبُ النومِ فِي أجفان ساري)
(صدعتُ بهَا رِدَاء الهمِّ عنِّي ... كَمَا صدعَ الدجى وضحُ النهارِ)
وَمِنْه
(أنامَ جفونَ الحقدِ والحقدُ ساهرٌ ... وأيقظَ طرفَ المجدِ والمجدُ نائمُ)
(إِذا أشكلتْ يَوْمًا لغاتُ انتقامه ... على معشرٍ فالمرهَفاتُ التراجمُ)
(ومَن شاجَر الأيامَ عَن مأثُراتهِ ... فَأمْضى لسانيه القنا والصوارمُ)
وَمِنْه
(وخيلٍ إِذا كَدُّ الطرادِ أراحها ... أصابتْ بحَرِّ الطعنِ بردَ الشرائعِ)
(تكَاد تُرى بالسمعِ حتَّى كأَنَّما ... نواظرُها مخلوفةٌ فِي المسامعِ)
(إِذا مَا دجا ليلُ الكريهة أطلعت ... نجومَ قِنَا يَغْرُبْنَ بَين الأضالعِ)
وَمِنْه
(على الطيفِ أَن يغشى العميدَ المتيَّما ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ ردُّ يومٍ تصرَّما)
(خيالٌ سرى يَبْغِي خيالاً ومُغرمٌ ... بلبسِ قميصِ الليلِ يمَّمَ مُغرما)
(دنا والظلامُ الجَونُ غضٌّ شبابه ... فأهدى إِلَيْهِ الشيبَ لمَّا تبسَّما)
(أتلك اللآلي أم ثناياه ألَّفَتْ ... عَلَيْهِ عقوداً أم تقلَّد أنجُما)
(وليلٍ أكلنَا العِيسَ تَحت رِواقهِ ... بأيدي سُرًى تثني الرواسمَ أَرسُما)
(بهيمٍ نَضَوْنا بُرده وَهُوَ مُخلقٌ ... وكنَّا لبسناه قشيباً مُسَهَّما)
(هداها إِلَى مَغنى الْوَزير نسيمهُ ... وَمن شرفِ الْأَخْلَاق أَن تنسَّما)
(يَصُوبُ على العافين مُزْنُ بنانهِ ... فيكبتُ حسَّاداً ويُنبتُ أَنْعُما)
وَمِنْه
(غيُّ الهَوَى للصبِّ غايةُ رُشده ... فذريه من حَلِّ الملام وعَقدِهِ)(22/225)
(قرَّبْتِ مركبَ وعظِهِ ولَجاجهُ ... فِي الحبِّ يُنتِج قربَه من بُعدِهِ)
(والليلُ تُكحلُ مقلتاه بإثْمِدٍ ... والأُفقُ يُزهرُ دُرُّه فِي عقدِهِ)
)
(وكأَنَّ زِنجيًّا تبسَّم ثغرُهُ ... إسفارُ ذَاك اللَّوْن فِي مُرْبَدِّهِ)
(تَعَبُ الْفَتى جسْرٌ إِلَى راحاتهِ ... يُفضي ونهضَةُ جدِّهِ فِي جِدِّهِ)
(وَإِذا ابنُ عزمٍ لم يقم متجرِّداً ... للحادثاتِ فصارمٌ فِي غمدِهِ)
(فالسيفُ سُمِّي فِي النوائبِ عُدَّةً ... لمضائهِ فيهنَّ لَا لفرِندِهِ)
وَمِنْه
(ولمَّا استردَّ الليلُ عاريَةَ الدُّجى ... تولَّى بطيئاً والدموعُ عِجالُ)
(وَلم أرَ لابنِ الشوقِ كالليل سُلَّماً ... إِلَى حاجةٍ فِي الصُّبْح لَيْسَ تُنالُ)
وَمِنْه
(ظلَّتْ تَغَصُّ لتوديعي أناملَها ... فخِلتها نَظَمَتْ دُرًّا على عَنَمِ)
(يَا رُبَّ لائمةٍ فِي الحبِّ لَو علمتْ ... أنِّي ألَذُّ ملامي فِيك لم تَلُمِ)
وَمِنْه
(نِعَمٌ لوَ انَّ الناسَ وُرْقُ حمائمٍ ... لغدَتْ لَهُم بَدَلا منَ الأطواقِ)
(ومواهبٌ تمْضِي وَيبقى ذكرهَا ... سمةً على وجهِ الزَّمَان الْبَاقِي)
وَمِنْه
(إنِّي إِذا مَا الخِلُّ خادَعه ... عنِّي الزمانُ فحالَ عَن عهدي)
(جانبتُه ولَوَ انَّهُ عُمُري ... وقطعتُه ولَوَ انَّهُ زَندي)
3 - (الصالحُ العابد)
عَليّ الفَرْنَثي الرجلُ الصَّالح الْكَبِير الْقدر صَاحب الكرامات والسياحات والرياضات كَانَ لَهُ أصحابٌ ومريدون وزاوية بسفح قاسيون بِدِمَشْق توفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة
3 - (ابنُ النظَّام الطَّبِيب)
عَليّ بن أبي عبد الله بن النظَّام البغداذي الطَّبِيب البارع توفّي ببغداذ سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة
3 - (نور الدّين القَصْري)
عَليّ نور الدّين القصريّ أَخْبرنِي الْحَافِظ أثير الدّين أَبُو حيَّان من لَفظه قَالَ وقَّع لبَعض الْقُضَاة وَله نظمٌ ونثرٌ جيِّدان أَنْشدني لنَفسِهِ يصف فرسا)(22/226)
(لمَّا جرى شوطاً بعيدَ المدى ... أَلَّفَ بَين الغربِ والشرقِ)
(فَاتَ ارتدادَ الطَّرف ثمَّ انثنى ... يهزأُ بالريحِ وبالبرقِ)
قلتُ اخْتَصَرَهُ من قَول ابْن حجَّاج يصف فرسه من أَبْيَات
(قَالَ لَهُ البرقُ وقالتْ لَهُ ال ... ريحُ جَمِيعًا وهما مَا هما)
(أأنتَ تجْرِي معَنَا قَالَ لَا ... إِن شئتُ أضحكتُكما مِنْكُمَا)
(هَذَا ارتدادُ الطّرف قد فُتُّه ... إِلَى المدى سبقاً فَمن أَنْتُمَا)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِي رَوْضَة مصر
(ذاتُ وَجْهَيْن فيهمَا خيَّمَ الْحس ... نُ فأضحتْ بهَا القلوبُ تَهيمُ)
(ذَا يَلِي مصرَ فَهُوَ مصرٌ وَهَذَا ... يتولَّى وَسيمَ فَهُوَ وسيمُ)
(قد أعادتْ عصر التصابي صَباها ... وأبادَتْ فِيهَا الغمومَ الغيومُ)
قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين وزدتُ أَنا بَيْتا رَابِعا
(فبِلُجِّ البحارِ يسبحُ نُونٌ ... وبِفَجِّ القفارِ يسنحُ رِيمُ)
وَمن نثره جفنٌ علَّم الغمامَ كَيفَ يكف ودمعٌ أَبى حِين وقفتُ بالربعِ أَن يقف
3 - (عَلَاء الدّين الطَّوِيل الرَّمليّ)
عَليّ عَلَاء الدّين الرَّمليُّ الطَّوِيل أَخْبرنِي من لَفظه العلاّمة أثير الدّين قَالَ هُوَ تلميذ الشَّيْخ بهاء الدّين بن النحَّس أَنْشدني من شعره وَلم أكتبْ عَنهُ أنشدنا لَهُ أَبُو الْخَيْر رَجَب الأَرْزَني بَيْتا فِي غَايَة الْحسن
(هَيْهَات إمساكي سوابقَ عبرتي ... وَهِي الْجَوَارِي المُنْشآتُ مِنَ الهَوَى)
3 - (أَمِير عَليّ المارداني)
عَليّ الْأَمِير عَلَاء الدّين أَمِير عَليّ المارداني أوَّل ظُهُوره أنَّه كَانَت لَهُ معرفَة بالأمير سيف الدّين طاجار المارداني الدَّوادار ثمَّ إنَّه تأمَّر طبلخاناه وتقدَّم فِي دولة النَّاصِر حسن تقدُّماً زَائِدا بِحَيْثُ إنَّ السّرّ إِذا كَانَت لَهُ ضَرُورَة بعلامة لَا يصل فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَى السُّلْطَان يُرسلها إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين ولمَّا أُمسك الْوَزير منجك وَأَخُوهُ بَيْبُغا آروس كَانَ هُوَ المُقدَّم
وَلم يلبث غير تَقْدِير خَمْسَة عشر يَوْمًا حتَّى أُخرج إِلَى دمشق على(22/227)
الْبَرِيد فوصلها فِي عشْرين ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة فَأَقَامَ بهَا ساكتاً منجمعا عَن النَّاس إِلَى أَن)
(الألقاب)
ابْن العُلَّيق الأَعزّ بن فَضَائِل
ابْن العُلَّيق بَقَاء بن أَحْمد
3 - (عليلة)
3 - (أَبُو الْعَلَاء الْبَصْرِيّ)
عُلَيْلَة بن بدر الْبَصْرِيّ أَبُو الْعَلَاء ضَعَّفه قُتيبة وَغَيره وَقَالَ النَّسائي مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حِبَّان يروي المقلوبات عَن الثِّقَات وتوفِّي سنة ثمانٍ وَسبعين وَمِائَة وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
(عُلَيَّة)
3 - (أُمُّ السَّائِب بن يزِيد)
عُلَيَّة بنت شُريح بن الْحَضْرَمِيّ أمّ السَّائِب بن يزِيد وَهِي أُخْت مَخْرَمة بن شُريح الَّذِي ذُكر عِنْد النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فَقَالَ ذَاك رجل لَا يتوسَّد الْقُرْآن فَهِيَ فِي عداد الصحابيَّات رَضِي الله عنهنَّ
3 - (أُختُ الرشيد)
عُلَيَّة بنت الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله الْمَنْصُور العبَّاسيَّة أُخْت أَمِير الْمُؤمنِينَ الرشيد أُمُّها مَكنونة اشتُريت للمهدي بِمِائَة ألف دِرْهَم وَكَانَت عُلَيَّة من أحسن النِّسَاء وأظرفهن وأعقلهن ذَات صِيَانة وأدب بارع تزوَّجها مُوسَى بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد العبَّاسي وَكَانَ الرشيد يُبَالغ فِي إكرامها واحترامها(22/228)
وَلها ديوَان شعر معروفٌ بَين الأُدباء عاشت خمسين سنة وَتوفيت سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ سَبَب وفاتها أنَّ الْمَأْمُون سلَّم عَلَيْهَا فضمَّها إِلَيْهِ وَجعل يقبِّل رَأسهَا ووجهُها مغطَّى فشرِقتْ من ذَلِك ثمَّ حُمَّت وَمَاتَتْ لأيام يسيرَة وَكَانَت تتغزَّل فِي خادمين اسْم الْوَاحِد رشأ وَالْآخر طَلّ فَمن قَوْلهَا فِي طَلّ الْخَادِم)
(أَيا سرحَةَ البستانِ طَال تَشَمُّسي ... فَهَل لي إِلَى ظِلٍّ إِلَيْك سبيلُ)
(مَتى يشتفي من ليسَ يُرجى خُرُوجه ... وليسَ لمن يهوى إِلَيْهِ دخولُ)
فَبلغ الرشيد ذَلِك فَحلف أنَّها لَا تذكره ثمَّ تسمَّع عَلَيْهَا يَوْمًا فَوَجَدَهَا وَهِي تدرس آخر سُورَة الْبَقَرَة حتَّى بلغت قَوْله تَعَالَى فَإِن لم يُصِبْها وابلٌ فَطَلٌّ فَلم تلفِظ بِهِ وَقَالَت فَإِن لم يصبهَا وابلٌ فَمَا نَهَانَا عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَدخل الرشيد وقبَّل رَأسهَا وَقَالَ لَهَا لقد وهبت لَك طلاًّ وَلَا منعتكِ بعد هَذَا عمَّا تريدين مِنْهُ ذكر ذَلِك الصولي
وَكَانَت عُلَيَّة من أعفّ النَّاس كَانَت إِذا طهرت لَزِمت الْمِحْرَاب وَإِذا لم تكن طَاهِرَة غنَّتْ
ولمَّا خرج الرشيد إِلَى الرَّيّ أَخذهَا مَعَه فلمَّا وصل إِلَى المرج بهَا نظمت قَوْلهَا
(ومغتربٍ بالمرج يبكي لشجوه ... وَقد غَابَ عَنهُ المسعِدون على الحبِّ)
(إِذا مَا أَتَاهُ الرَّكبُ من نَحْو أرضه ... تنشَّقَ يستشفي برائحة الرَّكبِ)
وصاغت فِي الْحَال لَهما لحناً وغنَّت بِهِ فلمَّا سمع الصوتَ علم أنَّها قد اشتاقت إِلَى الْعرَاق وأهلُها بِهِ فَأمر بردِّها وَكَانَ قد عَوَّدها الدُّخُول إِلَيْهَا إِذا دخل إِلَى حُرَمه فأغفل ذَلِك يَوْمًا فَقَالَت
(أَهلِي سلوا ربَّكمُ العافيهْ ... فقد دهتني بعدكم داهيهْ)
(مَا لي أرى الأبصارَ بِي خافيهْ ... لم تلتفتْ منِّي إِلَى ناحيهْ)
(مَا ينظر النَّاس إِلَى المُبتلى ... وإنَّما الناسُ مَعَ العافيهْ)
وَمن شعرهَا
(إنِّي كثرتُ عَلَيْهِ فِي زيارته ... فملَّ والشيءُ مملولٌ إِذا كثرا)
(ورابني مِنْهُ أنِّي لَا أَزَال أرى ... فِي طرفه قِصَراً عنِّي إِذا نظرا)(22/229)
وَمِنْه
(كتمتُ اسمَ الحبيب عَن العبادِ ... وردَّدْتُ الصبابَةَ فِي فُؤَادِي)
(فواشوقي إِلَى نادٍ خَليٍّ ... لعلِّي باسمِ مَن أَهْوى أنادي)
وَمن قَوْلهَا فِي رشأ الْخَادِم تصحِّفه
(أضحى الْفُؤَاد بزينبا ... صبًّا كئيباً متعَبا)
(فجعلتُ زينبَ سُترةً ... وكتمتُ أمرا معجِبا)
)
وَمِنْه
(سلطانُ مَاذَا الغضبُ ... تظلمني وتعتبُ)
(مَا ليَ ذنبٌ فَإِذا ... شئتَ فإنِّي مذنبُ)
وَمِنْه
(تَعَالَوْا ثمَّ نصطبحُ ... ونلهو ثمَّ نقترحُ)
(ونجمعُ فِي لَذاذتنا ... فإنَّ القومَ قد جمحوا)
وَمِنْه
(لَيْت شعري مَتى يكون التلاقي ... قد براني وسلَّ جسمي اشتياقي)
(غَابَ عنِّي من لَا أُسمِّيه خوفًا ... ففؤادي مُعلَّقٌ بالتَّراقي)
وَمِنْه
(خلوتُ بِالرَّاحِ أُناجيها ... أخذتُ مِنْهَا وأُعاطيها)
(نادمتُها إذْ لم أجد صاحباً ... أرضاه أَن يَشْرَكَني فِيهَا)
قلتُ قَوْلهَا نادمتُها أكمل من قَول أبي نواس
(على مثلهَا مثلي يكون منادمي ... وَإِن لم يكن مثلي خلوتُ بهَا وحدي)
وَمن شعرهَا
(سَلِّمْ على ذَاك الغزا ... لِ الأغيدِ الحلوِ الدلالِ)
(سَلِّمْ عَلَيْهِ وقُلْ لَهُ ... يَا غُلَّ ألبابِ الرجالِ)
(خَلَّيتَ جسمي ضاحياً ... وسكنتَ فِي ظلِّ الحجالِ)
(وبلغتَ منِّي غَايَة ... لم أدرِ فِيهَا مَا احتيالي)(22/230)
وَمِنْه وَقد حجَّت مَعَ رشأ
(بَين الإزارين من المُحْرِمِ ... تَوْليهُ عقلِ الرجلِ المسلمِ)
(مرَّ إِلَى الركنِ فزاحمتُهُ ... فاستلمَ الرُّكْن وَلم يَلْثَمِ)
(وفاتَ بالسبقِ إِلَى زمزمٍ ... وكانتِ اللذاتُ فِي زمزمِ)
(شربتُ فِي الظلماءِ من بعده ... فلستُ أنسى طعمَه فِي فمِي)
وَمِنْه)
(قُم يَا نديمي إِلَى الشَّمولِ ... قد نمتَ فِي ليلك الطويلِ)
(أما ترى النجمَ قد تبدَّى ... وهمَّ بَهرامُ بالأفولِ)
(قد كنتَ عَضْبَ اللِّسَان عهدي ... فَرُحتَ ذَا منطقٍ كليلِ)
(مَن عاقرَ الراحَ أخرستْهُ ... وَلم يُجِبْ منطِقَ السَّؤولِ)
وَمِنْه
(أَتَانِي عنكِ سبُّكِ لي فَسُبِّي ... أليسَ جرة بفيكِ اسْمِي فحسبي)
(وقُولي مَا بدا لكِ أَن تقولي ... فَمَاذَا كلُّه إلاَّ لحبِّي)
(قُصاراكِ الرجوعُ إِلَى مرادي ... فَمَا تهوَين من تعذيبِ قلبِي)
وَمِنْه
(قلْ لذِي الطُّرَّةِ والأص ... داغِ والوجهِ المليحِ)
(وَلمن أشعلَ نَار ال ... حبِّ فِي قلبٍ قريحِ)
(مَا صحيحٌ فتكتْ عي ... ناكَ فِيهِ بصحيحِ)
وَمِنْه
(أَلْبِسِ الماءَ المداما ... واسقني حتَّى أناما)
(وأَفِضْ جودك فِي النا ... سِ تكنْ فيهم إِمَامًا)
(لعنَ اللهُ أَخا البخ ... لِ وَإِن صلَّى وصاما)
وَمِنْه
(إِذا كنتَ لَا يُسليك عمَّن تُحبُّه ... تناءٍ وَلَا يَشفيك طولُ تلاقي)
(فَهَل أنتَ إلاَّ مستعيرٌ حُشاشةً ... لمهجةِ نفسٍ آذنتْ بفراقِ)(22/231)
وَمِنْه
(صحائفُنا إشارتُنا ... وأكثرُ رُسْلنا الحَدَقُ)
(لأنَّ الكُتْبَ قد تُقْرا ... وَلَيْسَ برُسْلنا نَثِقُ)
(الألقاب)
ابْن عُليل اسْمه مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى
ابْن عُلَيَّة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم)
الْعِمَاد الْكَاتِب اسْمه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد
أَخُوهُ حَامِد بن مُحَمَّد بن الْعِمَاد
القَاضِي شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ اسْمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
وَابْنه عماد الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد
عماد الدولة بن بُويه عَليّ بن بُويه
(عَمَّار)
3 - (الصحابيّ رَضِي الله عَنهُ)
عَمَّار بن يَاسر بن عَامر المذحِجي أَبُو الْيَقظَان من نجباء الصَّحَابَة شهد بَدْرًا والمشاهد كلّها كَانَ من السَّابِقين عَاشَ ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة وتوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ لِلْهِجْرَةِ قُتل يَوْم صِفِّين مَعَ عليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ ممَّن عُذِّب فِي الله فِي أوَّل الْإِسْلَام وأُمُّه أوَّل شهيدةٍ فِي الْإِسْلَام طَعنهَا أَبُو جهلٍ فِي قُبُلِها قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحك يَا ابْن سُمَيَّةَ تقتلك الفئة الباغية
وعَمَّار مِمَّن هَاجر إِلَى الْحَبَشَة وصلَّى الْقبْلَتَيْنِ وأبلى بلَاء حسنا وَشهد الْيَمَامَة وأبلى فِيهَا أَيْضا بلَاء حسنا ويومئذٍ قُطعت أُذنه فَكَانَت تَذَبْذَبُ وَهُوَ يُقَاتل أشدَّ قتال وَعلا(22/232)
صَخْرَة فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا معشرَ الْمُسلمين أَمِنَ الجنَّة تفرُّون وَقَالَ عَمَّار كنت تِرْباً لرَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي سنِّه لم يكن أحدٌ أقربَ بِهِ سِنًّا منِّي ولمَّا أُنزِلَتْ أَوَمَن كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس قَالَ عَمَّار كَمَن مَثَلُه فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا
قَالَ أَبُو جهل بن هِشَام وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ عمَّاراً مُلئ إِيمَانًا إِلَى مُشاشِه ويُروى إِلَى أَخْمص قَدَمَيْهِ وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا من أحدٍ من أَصْحَاب رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم أشاءُ أَن أَقُول فِيهِ إلاَّ قلتُ إلاَّ عَمَّار بن يَاسر فإنِّي سمعتُ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم يَقُول مُلئ عَمَّار إِيمَانًا إِلَى أَخْمص قَدَمَيْهِ
وفضائله كَثِيرَة وَقَالَ يَوْم صِفِّين لهاشم بن عُتبة يَا هَاشم تقدَّم إِلَى الجنَّة تَحت الأبارقة ألْقى الأحبَّة غَدا محمَّداً وَحزبه وَالله لَو هزمونا حتَّى يبلغُوا بِنَا سَعَفاتِ هَجَر لعلمنا أنَّا على الحقّ وأنَّهم على الْبَاطِل ثمَّ قَالَ)
(نَحن ضربناكم على تنزيلهِ ... فاليومَ نَضْرِبكُمْ على تأويلهِ)
(ضربا يُزيل الهامَ عَن مَقيلهِ ... ويُذهل الخليلَ عَن خليلهِ)
أَو يَرْجعُ الحقُّ إِلَى سبيلهِ حمل عَلَيْهِ ابْن جَزْءٍ السَّكْسَكي وَأَبُو الغادية الفَزاري فأمَّا أَبُو الغادية فطعنه وأتى ابنُ جَزْءٍ فاحتزَّ رَأسه واستسقى عَمَّار حِين طُعن فأُتي بِشَربَة من لبن فَشرب وَقَالَ اليومَ ألْقى الأحبَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدَ إليَّ أنَّ آخِرَ شربةٍ أشربها من الدُّنْيَا شربة من لبن فَشرب وَقَالَ الْحَمد لله تَحت الأسنَّة
وتواترت الأَخبارُ بأنَّ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم قَالَ تقتل عَمَّاراً الفئة الباغية وَهَذَا الحديثُ من أَعْلَام النبوَّة وَهُوَ من إخْبَاره بِالْغَيْبِ وَمن أصحّ الْأَحَادِيث وَقيل أنَّهم قَالُوا لمعاوية أنْ نَحن بغاةٌ وأوردوا عَلَيْهِ الحَدِيث فَقَالَ نعم صَحِيح وَهل قَتله إلاَّ من جَاءَ بِهِ وَدَفنه عليّ رَضِي الله عَنهُ فِي ثِيَابه وَلم يغسلهُ وروى أهل الْكُوفَة أنَّه صلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبهم فِي الشُّهَدَاء أنَّهم يُصَلَّى عَلَيْهِم وَلَا يُغسلون
ولمَّا نَالَ غُلمانُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ من عَمَّار مَا نالوا من الضَّرْب حتَّى انفتق لَهُ فتقٌ فِي بَطْنه وَزَعَمُوا أنَّه انْكَسَرَ ضلعٌ من أضلاعه اجْتمع بَنو مَخْزُوم وَقَالُوا وَالله لَئِن مَاتَ لَا قتلْنا بِهِ أحدا غيرَ عُثْمَان لأنَّ أَبَاهُ ياسراً تزوَّج امْرَأَة من مَخْزُوم فَولدت لَهُ عمَّاراً وروى الجماعةُ كلُّهم لعمَّار رَضِي الله عَنهُ(22/233)
3 - (الضَّبِّيّ الْكُوفِي)
عَمَّار بن رُزَيق الضَّبي الْكُوفِي كَانَ عَالما كَبِير الْقدر توفِّي سنة تسع وَخمسين وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد والنَّسائي وَابْن ماجة
3 - (الدُّهْني البَجَلي الْكُوفِي)
عَمَّار الدُّهْني البَجَلي الكوفيّ ودُهْن هُوَ ابْن مُعَاوِيَة بن أسلم توفّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَمِائَة
وروى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة
3 - (الْخُرَاسَانِي الْمروزِي)
عَمَّار بن نصر أَبُو يَاسر الْخُرَاسَانِي الْمروزِي قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق وتوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ)
3 - (الاستراباذي التغلبي)
عَمَّار بن رَجَاء أَبُو يَاسر الاستراباذي التغلبي صَاحب المُسند رَحَل وَجمع وصنَّف وَتُوفِّي فِي حُدُود السّبْعين وَمِائَتَيْنِ
3 - (أَبُو نملة الْأنْصَارِيّ)
عمار بن زُرارة وَقيل عَمَّار بن معَاذ بن زُرَارَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي الظَّفري شهد بَدْرًا مَعَ أَبِيه وَشهد أُحُداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلَّها وقُتل لَهُ ابْنَانِ يَوْم الحَرَّة عبد الله وَمُحَمّد
وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ وكنيته نملة(22/234)
3 - (المغربي الشَّاعِر)
عَمَّار بن عَليّ بن جميل قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ شَاعِرًا قَادِرًا على الشّعْر متوسط الطَّبْع يحبُّ حوشيَّ الْكَلَام وعويص اللُّغَة يرى ذَلِك قوَّةً وفصاحة وَكَانَ مرَّ المذاق شرس الْأَخْلَاق يتشبَّه بِمُحَمد بن عبد الْملك الزيَّات فِي جَمِيع أَحْوَاله كتب إِلَيْهِ مُحَمَّد بن مغيث يعاتبه فِي تقعُّره وتكلُّفه وتأخُّره وتخلُّفه
(ليتَ شعري إِذا كتبتَ لنا الدَّيْ ... دَنَ والنَّوْس والوَزَى والجِرِشَّى)
(مَا يكون الْجَواب عنهنَّ يَا من ... نشَّ بحرُ العلومِ من فِيهِ نشَّا)
(أَنا لمَّا رأيتُ طِرسك عاين ... تُ شجاعاً وحيَّةً مِنْهُ رَقشا)
(كَانَ لمَّا أردتُ أنظرُ فِيهِ ... مثلَ شمسٍ بدتْ لألحاظِ أعشى)
(وكأَنَّ السطورَ فِي ذَلِك التع ... ريجِ عُرِّجْنَ عَن أناملِ رَعشا)
(وكأَنَّ المداد من مُقلة الأش ... هَل لما جرى وأحدث نقشا)
فاترُكَنْ ذَا الغريبَ وَيحك والتقعيرَ إنِّي عَلَيْك من ذَاك أخْشَى
(وتأمَّل شعري المليحَ تجدهُ ... زهرَ روضِ حُسْنٍ وثوباً يُوَشَّى)
(سلبَ الماءَ رقَّةً وصفاءً ... فِي مَعَانِيه فَهُوَ يُحبى ويُرشى)
(وادْفِنَنْ شعرَك الشريدَ ومِن قب ... لُ فقرِّبْ لَهُ حَنوطاً ونعشا)
فَأجَاب
(يَا أَبَا عبد الله قد كنتَ عِنْدِي ... يُرتجى علمُك الصحيحُ ويُخشى)
(وَإِذا رَبْعُكَ المخيَّلُ بالأن ... سِ من الْعلم قد غَدا مِنْهُ وحشا)
)
(لَيْت شعري إِذا نفيتَ من الْمَنّ ... ظوم والنثر ديدناً وجِرِشَّى)
(فِيمَا تمزجُ الكلامَ فيغدو ... من لغاتٍ موشَّحاً وموشَّى)
(لست تَدْرِي مَا بَين عرشٍ وعرشٍ ... دون أَن تستفيد عرشاً وعرشا)
(فَعَلَيْك السَّلَام فِي كلِّ علمٍ ... متناهٍ من كلِّ مَا هُوَ مُنْشا)
(أَنْت صفرٌ مِنْهُ وَلَو كنتَ مَا عش ... تَ بِهِ فِي الزمانِ تُؤتى وتُحشى)
(فدع الجِدّ للمزاح الَّذِي أَن ... تَ حفيظٌ عَلَيْهِ ترشو وتُرشى)
(لَيْسَ يخفى من الْفَتى مَا لَدَيْهِ ... كلُّ سرٍّ وَإِن تطاول يُفشى)(22/235)
3 - (الْموصِلِي الكحَّال)
عَمَّار بن عَليّ الْموصِلِي كَانَ كحَّالاً ومعالجاً مَذْكُورا لَهُ خبْرَة بمداواة الْعين وأمراضها ودربة بِعَمَل الْحَدِيد سَافر إِلَى مصر وَأقَام بهَا وَكَانَ فِي أَيَّام الْحَاكِم وَله كتاب الْمُنْتَخب فِي علم الْعين وعللها ومداواتها بالأدوية وَالْحَدِيد ألَّفه للْحَاكِم
3 - (فَخر الْملك)
عَمَّار بن مُحَمَّد بن عَمَّار القَاضِي فَخر الْملك وَلأبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي الخيَّاط الشَّاعِر فِيهِ أمداح مِنْهَا قَوْله
(أرى العلياءَ واضحةَ السبيلِ ... فَمَا للغُرِّ سائلةَ الحُجُولِ)
مِنْهَا
(أرى حُلَلَ النباهةِ قد أضلَّتْ ... تُنازعُ فيَّ أطمارَ الخُمولِ)
(فيا جَدِّي نهضتَ وَيَا زماني ... جنيتَ فكنتَ أحسنَ مستقبلِ)
(وَيَا فخري وفخر الْملك مُثْنٍ ... عليَّ لقد جريتُ بِلَا رسيلِ)
(تفنَّنَ فِي العطاءِ الجزلِ حتَّى ... حباني فِيهِ بالحمدِ الجزيلِ)
(سقاني الرِّيَّ من بِشْرٍ وجودٍ ... كَمَا رقص الحَبابُ على الشَّكولِ)
(الألقاب)
ابْن عَمَّار الْموصِلِي الْحسن بن عَليّ
ابْن عَمَّار الأندلسي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَمَّار
وَابْن عَمَّار الْكَاتِب اسْمه أَحْمد بن إِسْمَاعِيل)(22/236)
(عمَارَة)
3 - (نجم الدّين اليمني)
عُمارة بن عَليّ بن زَيْدَانَ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد الحَكَمي المذحِجي اليمني نجم الدّين الشَّافِعِي الفرضي الشَّاعِر الْمَشْهُور تفقَّه بزَبيد مُدَّة أَربع سِنِين فِي الْمدرسَة وحجَّ سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة ومولده سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة وصُلب سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
وسيَّره صَاحب مكَّة قَاسم بن هَاشم بن فُلَيْتة رَسُولا إِلَى الفائز خَليفَة مصر فامتدحه بقصيدته الميميَّة فوصله ثمَّ ردَّه إِلَى مَكَّة وَعَاد إِلَى زَبيد ثمَّ حجَّ فَأَعَادَهُ صَاحب مكَّة فِي الرُّسلية فاستوطن مصر وَكَانَ شافعيًّا شَدِيد التعصُّب للسُنَّة أديباً ماهراً وَلم يزل ماشيَ الْحَال فِي دولة المصريِّين إِلَى أَن ملك صَلَاح الدّين فمدحه كثيرا ومدح الْفَاضِل كثيرا ثمَّ إنَّه شرع فِي أُمور وَأخذ فِي اتِّفَاق مَعَ رُؤَسَاء الْبَلَد فِي التعصُّب للعُبَيْدِيِّين وإعادة أَمرهم فنُقل أَمرهم وَكَانُوا ثَمَانِيَة من الْأَعْيَان فَأمر صَلَاح الدّين بشنقهم فِي شهر رَمَضَان ونُسب إِلَيْهِ بيتٌ أظنُّه من وضع أعاديه عَلَيْهِ فإنِّي أحاشيه من قَول مثل هَذَا وَالله أعلم وَهُوَ
(وَكَانَ مبدأ هَذَا الدِّين من رجلٍ ... سعى فَأصْبح يُدعى سيِّدَ الأُممِ)
فَأفْتى الْفُقَهَاء بقتْله
وَيُقَال إنَّ السُّلْطَان صَلَاح الدّين لمَّا اسْتَشَارَ الفاضلَ فِي أَمر عُمارة قَالَ نسجنه فَقَالَ يُرجى خلاصه فَقَالَ نضربه عُقُوبَة فَقَالَ الكلبُ يُضربُ فيسكت ثمَّ ينبح فَقَالَ نشنقه فَقَالَ الْمُلُوك إِذا أَرَادوا شَيْئا فَعَلُوهُ ونهض قَائِما فَعلم السُّلْطَان أَن هَذَا هُوَ الرَّأْي
وَقيل أُحضر عُمارة فَأخذ الْفَاضِل فِي تلطيف أمره مَعَ السُّلْطَان بَينه وَبَينه فَقَالَ عُمارة بِاللَّه يَا مَوْلَانَا لَا تسمع مِنْهُ مَا يَقُوله فيَّ فَقَالَ السُّلْطَان نعم وَالله أعلمُ بِأَمْر الْفَاضِل وَأمر عُمارة رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ إِنَّه رسم فِيهِ مَا رسم فَقَالَ عُمارة للموكَّلين بِهِ بِاللَّه مُرُّوا بِي على بَاب القَاضِي الْفَاضِل لعلَّه يرقُّ لي فمرُّوا بِهِ وَكَانَ الْفَاضِل جَالِسا على بَاب دَاره فلمَّا رَآهُ مُقبلا دخل وأغلق الْبَاب فَقَالَ عمَارَة(22/237)
(عبدُ الرَّحِيم قد احتجب ... إنَّ الخلاصَ مِنَ العجبْ)
وَيُقَال إنَّه مرَّ قبلَ كائنته بيومين أَو ثَلَاثَة فَرَأى بَين القصرين مصلوباً فَقَالَ
(ومدَّ على صليبِ الصلبِ مِنْهُ ... يَمِينا لَا تطول إِلَى شمالِ)
)
(ونكَّسَ رأسَه لعتابِ قلبٍ ... دَعَاهُ إِلَى الغِوايةِ والضَّلالِ)
وَقَالَ بَعضهم عبرتُ بَين القصرين وَأَنا عائدٌ من دَار السُّلْطَان صَلَاح الدّين عشيَّةَ النَّهَار الَّذِي شُنق فِيهِ عُمارة اليمني فشاهدته هُنَاكَ مشنوقاً فَذكرت أبياتاً لَهُ عَملهَا فِي الصَّالح وَهِي
(إِذا قَدَرْتَ على العلياء بالغَلَبِ ... فَلَا تُعرِّجْ على سعيٍ وَلَا طلبِ)
(وَلَا ترِقَّنَّ لي إِن كُربةً عرضتْ ... فإنَّ قلبيَ مخلوقٌ من الكُرَبِ)
(واستخبِرِ الهولَ كم آنستُ وحشتَهُ ... وَكم وهبتُ لَهُ روحي وَلم أَهَبِ)
وَمن شعره القصيدة الَّتِي مدح بهَا الفائز بنصر الله خَليفَة مصر وَهِي
(الحمدُ للعيسِ بعدَ العزمِ والهممِ ... حمداً يقومُ بِمَا أولتْ من النَّعَمِ)
(لَا أجحد الحقَّ عِنْدِي للركاب يدٌ ... تمنَّتِ اللجمُ فِيهَا رُتبةَ الخُطُمِ)
(قرَّبْنَ بُعد مزارِ العينِ من نَظَرِي ... حتَّى رأيتُ إمامَ العصرِ فِي أَمَمِ)
(ورُحنَ من كعبة الْبَطْحَاء والحرمِ ... وَفْدًا إِلَى كعبة الْمَعْرُوف والكرمِ)
(فَهَل درى البيتُ أنِّي بعد فُرقته ... مَا سرتُ من حرمٍ إلاَّ إِلَى حَرَمِ)
(حيثُ الخلافةُ مضروبٌ سُرداقها ... بَين النَّقيضينِ من عفوٍ وَمن نَقَمِ)
(وللإمامة أنوارٌ مقدّسةٌ ... تجلو البغيضين من ظلمٍ وَمن ظُلَمِ)
(وللنبوَّة آياتٌ تُنصُّ لنا ... عَن الحقيقين من علمٍ وَمن حكمِ)
(وللمكارم أحكامٌ تُعلِّمنا ... مدحَ الجزيلين من بأسٍ وَمن كَرَمِ)
(وللعُلى ألسُنٌ تُثني محامدُها ... على الجديدين من فضلٍ وَمن شِيَمِ)
(ورايةُ الشّرف البذَّاخ ترفعُها ... يدُ الرفيعين من مجدٍ وَمن هِمَمِ)
(أقسمتُ بالفائزِ الْمَعْصُوم مُعتقداً ... نورَ النجاةِ وأجرَ البِرِّ فِي القَسَمِ)
(لقد حمى الدِّين وَالدُّنْيَا وأهلَهما ... وزيرُكَ الصالحُ الفراج للغمم)(22/238)
(الَّلابسُ الفخرَ لم تنسِج غلائله ... إلاَّ يدُ الصنعتين السَّيْف والقلمِ)
(وُجوده أوجد الأَيام مَا اقترحَتْ ... وَجُوده أعدم الشاكين للعَدَمِ)
(قد ملَّكتْه العوالي رِقَّ مملكةٍ ... يُعيرُ أنف الثريَّا عزَّةَ الشَّمَمِ)
(أَتَى مقَاما عظيمَ الشأنِ أوهمني ... فِي يقظتي أنَّه من جملَة الحُلُمِ)
)
(لَيْت الكواكبَ تَدْنُو لي فأنظمَها ... عقودَ دُرٍّ فَمَا أرْضى لكم كَلِمي)
(ترى الوزارةَ فِيهِ وَهِي باذلةٌ ... عِنْد الْخلَافَة نصحاً غيرَ مُتَّهَمِ)
(خلافةٌ ووزيرٌ مدَّ عدلُهما ... ظلاًّ على مفرِقِ الْإِسْلَام والأُممِ)
(زيادةُ النيلِ نقصٌ عِنْد فيضهما ... فَمَا عَسى تتعاطى منَّة الدِّيَمِ)
وَمِنْه يمدح الموفَّق بن الخلاّل
(مَا هاج مُزنةَ دمعهِ المترقرقِ ... إلاَّ تألُّقُ بارقٍ بالأَبرقِ)
(برقٌ يذكِّرني وميضَ مباسمٍ ... يسري الهَوَى فِي ضوئها المتألِّقِ)
(من كلِّ ثغرٍ مِنْك ثغر مخافةٍ ... عافٍ طريقُ رُضابه لم يُطرقِ)
(نسج العفافُ عَلَيْهِ ثوبَ صيانةٍ ... همُّ الخيانةِ عِنْدهَا لَا يرتقي)
(سقيا لأيام الشبابِ فإنَّها ... روضُ الحياةِ وزهرِها المستنشَقِ)
(أَيام يصطحب الغواني والغنى ... فِي ظلِّ أغصانِ الشبابِ المورقِ)
(ومواطنُ اللذاتِ خَالِيَة القذى ... تُثني على نِعَم الشبابِ المغدِقِ)
(والليلُ يخلعُ فوقهنَّ ممسَّكاً ... والصبحُ ينسجُ ثَوْبه بمخلَّقِ)
(وَيَد النَّعيم تخطُّ فَوق عراصها ... من لم يُقَضِّ بك الحياةَ فقد شقي)
(واللومُ يفرَق أَن يُلمَّ بمسمعي ... نَزِقٌ مَتى مَا لم يلاطَفْ ينزَقِ)
(تندى أسرَّةُ وَجهه فكأَنَّه ... ريَّانُ من ماءِ النضارةِ قد سُقي)
(كالبدرِ إلاَّ أنَّه مستوهبٌ ... نورَ المحيَّا من سوادِ المفرِقِ)
(عبثَ الفراقُ بشملهِ فتفرَّقتْ ... أثوابُ ذَاك العيشِ كلَّ ممزَّقِ)
(واعتاضَ بعد نمارقٍ مصفوفةٍ ... حرَّ الهواجرِ وافتراشَ النُّمْرُقِ)
(مستبدلاً بلذيذ عيشٍ مُونِقٍ ... وصدورِ أنديةٍ ظهورَ الأينق)(22/239)
(يَا حاديَ البُلْقِ النواجي قلْ لَهَا ... نُصِّي إِلَى صدرِ الزمانِ وأعتقي)
(وتجنَّبي ثَمَدَ النِّطافِ وأوردي ... هِيَمَ المنى بحرَ الموفَّقِ تستقي)
وَمِنْه
(بَات يرْعَى السُّهى مُؤرَّقْ ... وفؤادٍ من الغرام مُحَرَّقْ)
(لَيْت أَيَّامه السوالفَ يرجع ... نَ ويجمعن طيبَ عيشٍ تفرَّقْ)
)
(دِمَنٌ أنبتَ الجمالُ ثراها ... ورعى الشوقُ غصنَها حِين أورقْ)
(فتح الطلُّ زهرَها وتولَّى ... نشرهُ راحةُ النسيمِ الَّذِي رقْ)
وَمِنْه من قصيدة
(إِذا كَانَ هَذَا الدُّرُّ معدِنه فمي ... فصونوه عَن تقبيلِ راحةِ واهبِ)
(رأيتُ رجَالًا أصبحتْ فِي مآدبٍ ... لديكم وحالي أصبحتْ فِي نوادبِ)
(تأخَّرتُ لمَّا قدَّمتهم عُلاكُمُ ... عليَّ وتأبى الأُسْدُ سبقَ الثعالبِ)
(تُرى أَيْن كَانُوا فِي مواطنيَ الَّتِي ... غدوتُ لكم فيهنَّ أكرمَ نائبِ)
(لياليَ أتلو ذكركُمْ فِي مجالسٍ ... حديثُ الوَرَى فِيهَا بغمزِ الحواجبِ)
وَمِنْه قصيدة مدح بهَا صَلَاح الدّين وسمَّاها شكاية المتظلِّم ونكاية المتألِّم
(أَيا أُذُنَ الأيامِ إنْ قلتُ فاسمعي ... لنفثةِ مصدورٍ وأنَّةِ موجَعِ)
(وعِي كلَّ صوتٍ تسمعين نداءهُ ... فَلَا خيرَ فِي أُذُنٍ تُنادَى فَلَا تَعِي)
(تقاصر بِي خَطْوُ الزمانِ وباعُهُ ... فقصَّر من ذَرعي وقصَّر أذرُعي)
(وأخرجني من موضعٍ كنتُ أهلَهُ ... وأنزلني بالجور فِي غير موضِعِ)
(بسيفِ ابْن مهديٍّ وَأَبْنَاء فاتكٍ ... أقضَّ من الأوطان جَنْبي ومضجعي)
(تيمَّمتُ مصرا أطلبُ الجاه والغنى ... فنلتهما فِي ظلِّ عيشٍ مُمَنَّعِ)
(وزرتُ ملوكَ النِّيل أرتادُ نَيلهم ... فَأَحْمَد مُرتادي وأخصب مربعي)(22/240)
(وفزتُ بألفٍ من عطيةِ فائزٍ ... مواهبهُ للصنع لَا للتصنُّعِ)
(وَكم طرقتني من يدٍ عاضِديَّةٍ ... سَرتْ بَين يقظى من عيونٍ وهُجَّعِ)
(وجاد ابْن رُزِّيكٍ من الجاه والغنى ... بِمَا زَاد عَن عزمَيْ رجائي ومطمعي)
(وَأوحى إِلَى سَمْعِي ودائع شعره ... فخبّرتُه مني بأكرم مودَعِ)
(وَلَيْسَت أيادي شاوَرٍ بذميمةٍ ... وَلَا عهدُها عِنْدِي بعهدٍ مُضيَّعِ)
(ملوكٌ رعَوْا لي حُرْمةً صَار نبتُها ... هشيماً رعتْه النائباتُ وَمَا رُعي)
(ورُدَّت بهم شمسُ العطايا لوفدهمْ ... كَمَا قَالَ قومٌ فِي عليٍّ ويوشعِ)
(مذاهبهم فِي الْجُود مذهبُ سُنَّةٍ ... وَإِن خالفوني فِي اعتقادِ التشيُّعِ)
(فقُلْ لصلاحِ الدّين والعدلُ شأنهُ ... من الحاكمُ المُصغي إليَّ فأدَّعي)
)
(سكتُّ فَقَالَت ناطقاتُ ضرورتي ... إِذا حلقاتُ البابِ عُلِّقن فاقرعِ)
(فأدْللتُ إدلالَ المحبِّ وقلتُ مَا ... أَتَانِي بعفوِ الطبعِ لَا بالتطبُّعِ)
(وَعِنْدِي من الْآدَاب مَا لَو شرحتُهُ ... تيَقَّنتَ أَنِّي قدوةُ ابْن المقفَّعُ)
(أقمتُ لكم ضيفاً ثَلَاثَة أشهرٍ ... أَقُول لصدري كلّما ضَاقَ وسِّعِ)
(أُعَلِّلُ غلماني وخيلي ونسوتي ... بِمَا ضقتُ من ذرعٍ ضعيفٍ مُرقَّعِ)
(ونُوّابكم للوفد فِي كلِّ بلدةٍ ... تفرِّقُ شملَ السَّائِل المتورِّعِ)
(وَكم من ضيوف الْبَاب مِمَّن لسانُه ... إِذا قطعوه لَا يقوم بإصبعِ)
(مشارعُ من نعمائكم زرتُها وَقد ... تكدَّر بالإسكندرية مشرعي)
(فيا راعيَ الْإِسْلَام كَيفَ تركتنا ... فريقي ضياعٍ من عرايا وجُوَّعِ)
(دعوناك من قربٍ وبُعدٍ فَهَب لنا ... جوابك فالباري يجيبُ إِذا دُعي)
(إِلَى الله أَشْكُو من ليَالِي ضرورةٍ ... رَجعْنَا بهَا نَحْو الجنابِ المُرجَّعِ)
(قنعنا وَلم نَسْأَلك صبرا وعفَّةً ... إِلَى أَن عَدِمنا بُلغةَ المتقنِّعِ)
(ولمَّا أغصَّ الريقُ مجْرى حلوقنا ... أَتَيْنَاك نشكو غُصَّة المتجرِّعِ)
(ألم تَرْعَني للشافعيِّ فإنَّه ... أجلُّ شفيعٍ عِنْد أَعلَى مُشفِّعِ)
(ونصري لَهُ فِي حيثُ لَا أَنْت ناصري ... بضربِ صقيلاتٍ وَلَا طعن شُرَّع)
(لياليَ لَا وقتُ الْعرَاق بسَجْسَجٍ ... بمصرَ وَلَا ريحُ الشآمِ بزَعزعِ)(22/241)
(كأنّي بهَا من آل فرعونَ مؤمنٌ ... أُصارع عَن ديني وَإِن خَابَ مصرعي)
(أَمن حَسَنَات الدَّهْر أم سيِّئاته ... رضاك عَن الدُّنْيَا بِمَا فعلتْ معي)
(ملكتَ عنانَ النصرِ ثمَّ خذلتني ... وحالي بمرأى من عُلاك ومسمعِ)
(فَمَا لَك لم توسع عليَّ وتلتفت ... إليَّ التفاتَ المنعِم المتبرِّع)
(فإمّا لِأَنِّي لستُ دون معاشرٍ ... فتحتَ لَهُم بَاب العطايا الموسَّعِ)
(وإمّا لما أوضحتُهُ من زعازعٍ ... عصفنَ على ديني وَلم أتزعزعِ)
(ورَدِّي ألوفَ المالِ لم ألتفت لَهَا ... بعيني وَلم أحفل وَلم أتطلَّعِ)
(فَإِن سُمْتَني نظماً ظَفرت بمُفْلِقٍ ... وَإِن سمتني نثراً ظفرتَ بمِصْقعِ)
(طباعٌ وَفِي المطبوع من خطراته ... غنى عَن أفانين الْكَلَام المصنَّعِ)
)
(سألتُكَ فِي دَينٍ لياليك سُقْنَهُ ... وألزمتَنيه كَارِهًا غيرَ طيِّعِ)
(وهاجرتُ أَرْجُو منكَ إطلاقَ راتبٍ ... تقرَّرَ من أزمان كسْرَى وتُبَّعِ)
(وليتك مِمَّن أطلع الْبَرْق مطلعي ... لتعلمَ نبعي إِن عجمتَ وخِرْوعي)
(وَمَا أَنا إلاَّ قائمُ السَّيْف لم يُقَم ... بكفٍ ودُرٌّ لم يجد من مرصِّعِ)
(وياقوتةٌ فِي سلك عقدٍ مدارُهُ ... على خرزاتٍ من عقيقٍ مجزَّعِ)
(وَكم مَاتَ نضناض اللِّسَان من الظما ... وَكم شَرقَتْ بِالْمَاءِ أشداق ألكعِ)
(فيا وَاصل الأرزاق كَيفَ تَرَكتنِي ... أمدُّ إِلَى زند العُلا كفَّ أقطع)
(أعندكَ أَنِّي كلّما عطس امرُؤٌ ... بِذِي شَممٍ أقنى عطستُ بأجدَعِ)
(ظلامةُ مصدوع الْفُؤَاد فَهَل لَهَا ... سبيلٌ إِلَى جبر الْفُؤَاد المُصدَّعِ)
(وأقسمتُ لَو قَالَت لياليك للدجى ... أعِدْ غاربَ الجوزاء قَالَ لَهَا اطلُعي)
(غَدا الأمرُ فِي إِيصَال رِزْقِي وقطعه ... بحكمك فابذل كَيْفَمَا شئتَ واصنعِ)
(كَذَلِك أقدارُ الرِّجَال وَإِن غدتْ ... بأمرِك فاحفظ كيفَ شئتَ وضيِّعِ)
(فيا زارع الْإِحْسَان فِي كلِّ تربةٍ ... ظفرتَ بأرضٍ تُنبت الشُّكْر فازرعِ)
(فعندي إِذا مَا العُرْفُ ضَاعَ غريبُه ... ثناءٌ كعرفِ المسكةِ المتضوِّعِ)
(وَقد صدرتْ فِي طيِّ ذَا النّظم رقعةٌ ... عدا طمعي فِيهَا إِلَى غير مطمع)(22/242)
(أريدُ بهَا إطلاقَ دَيني وراتبي ... فأطلِقهما والأمرُ مِنْك فوقِّعِ)
(فبيني وَبَين الجاه والعزِّ والغنى ... وقائع أخشاها إِذا لم توقِّعِ)
(وَمَا هِيَ إلاَّ مدَّةٌ تستمدّها ... وَقد فُجَّتِ الأرزاقُ من كلِّ منبعِ)
(إِلَى هَاهُنَا أُنهي حَدِيثي وأنتهي ... وَمَا شئتَ فِي حقِّي من الْخَيْر فاصنعِ)
(فَإنَّك أهلُ الجودِ والبرِّ والتُّقى ... ووضعِ الأيادي البيضِ فِي كلِّ موضعِ)
قلتُ الَّذِي أظنُّه وتقضي بِهِ ألمعيَّتي أنَّ هَذِه القصيدة كَانَت أحد أَسبَاب شنقه وَالله أعلم لأنَّ الْمُلُوك لَا يخاطبون بِمثل هَذَا الْخطاب وَلَا يواجَهون بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ وَهَذَا الإدلال الَّذِي يؤدِّي إِلَى الإذلال وأظنُّ أَن هَذِه القصيدة مَا أجْدَت شَيْئا فَمَال عمَارَة حينئذٍ وانحرف وَقصد تَغْيِير الدولة وَالله أعلم وَكَانَ من أمره مَا كَانَ وعَلى الْجُمْلَة فَقتل مثل هَذَا الْفَاضِل قَبِيح من الْفَاضِل إِن كَانَ ذَلِك عَن رَأْيه وَمن شعر عمَارَة أَيْضا)
(أيُّها الناسُ والخطابُ إِلَى من ... هُوَ من حَيْثُ فضلُه إنسانُ)
(هَذِه خطْبَة إِلَى غير شخصٍ ... نَظَمتْ نثر عقدهَا الأوزانُ)
(لم أخصِّص بهَا فلَانا لأنّي ... فِي زمانٍ مَا فِي بنيه فلانُ)
(من يكنْ عِنْده مَزِيَّةُ فهمٍ ... فَلْيَكُن سَامِعًا فعندي لسانُ)
(لم يميِّز بَين البريَّةِ إلاَّ ... حسناتٌ يَزينها الإحسانُ)
(والخطايا مستورةٌ بالعطايا ... كم جميلٍ بِهِ المَساوي تصانُ)
(لَا يَغُرَّنَّكُم زيادةُ حالٍ ... فالزياداتُ بعْدهَا نقصانُ)
(وَإِذا الدوحُ لم يُظِلَّ من الشم ... سِ فَلَا أورقتْ لَهُ أغصانُ)
(وأحقُّ الْأَنَام بالذَّمِّ جيلٌ ... بَين أبنائه كريمٌ يهانُ)
(طُرُق الجودِ غيرُ مَا نَحن فِيهِ ... قد سمعنَا الدَّعْوَى فَأَيْنَ البيانُ)
(أصبح الجودُ قصَّة عِنْد قومٍ ... مستحيلٌ فِي حقِّها الإمكانُ)
(وعَدِمْنا نشراً يدلُّ عَلَيْهِ ... إِنَّمَا النارُ حيثُ نمَّ الدخانُ)
(كذَّبوني بواحدٍ يهب الأل ... ف وأنَّى من السَّماع العِيانُ)(22/243)
وَمِنْه
(إِذا كَانَ عمري رَأس مَالِي فَمَا الَّذِي ... دَعَاني إِلَى تبذيره فِي التعلُّلِ)
(وَهل لي وَقد شارفت سِتِّينَ حِجَّةً ... سوى شرفٍ آتيه أَو تُربِ جَنْدَلِ)
(وَلَا خيرَ فِي وِردِ الزُّلالِ على الظما ... إِذا لم يكن نهرُ المجرَّةِ جَدْولي)
وَمِنْه
(مصاحبتي إيّاكما يَا ابْن لاجئٍ ... مصاحبةُ الخُصْيَيْنِ للأير فاعْلما)
(هما يحْملَانِ الأيرَ حتَّى إِذا بَدَت ... لَهُ فرصةٌ خلاّهما وتقدَّما)
وَأما قصيدته اللاميَّة الَّتِي رثى بهَا أهل الْقصر فإنَّها تقدَّمت كَامِلَة فِي تَرْجَمَة العاضد
وَكَانَ عمَارَة يَغُضُّ من المهذَّب والرشيد وَلَدي الزُّبير وَقيل إِنَّه كَانَ مِمَّن سعى فِي قَتلهمَا وَبَالغ فِيمَا أدّى إِلَى إتلافهما وتعرّض عمَارَة للمهذَّب أيّام رُزِّيك وَعَابَ شعره فَبلغ الْمُهَذّب ذَلِك فَقَالَ
(قولا لذا الشَّاعِر الْفَقِيه ألن ... تبدي مقالَ النصيح إِن سمعا)
)
(وَيحك لَا تُكْثِرَنَّ من قَوْلك ال ... شعرَ وتطويله فَمَا نفعا)
(أَنا بشعري على ركاكته ... فِي كلِّ يَوْمَيْنِ ألبس الخِلَعا)
(مُذْهبَةً تُذهبُ الهموم عَن ال ... قلب إِذا برقُ طرِزها لمعا)
(هَذَا وغيري على تداقُنِهِ ... لَو رام فِي النّوم خرقَة صُفِعا)
وَبلغ الْمُهَذّب أَيْضا أنَّ عمَارَة عَابَ دقَّةَ جِسْمه ونحافته فَقَالَ
(وَذي حُمُق عَابَ مني نُحو ... لَ جسمي وَلم يَغدُ لي مُنصفا)
(وَمَا علم النَّذْلُ أنَّ الجفا ... ءَ مَا زالَ قطُّ حليفَ الجفا)
(وَمَا يعدمُ المُخْطَفُ الجسمِ أَن ... يرقَّ طباعاً وَأَن يظرفا)
(وَلَو أنَّني مثله للصفاع ... خُلقتُ لكنتُ غليظَ الْقَفَا)
(وَمَا زَالَ مُذ قطُّ فضلُ البزا ... ةِ فِي أَن تخفَّ وَأَن تلطفا)(22/244)
ونظم الشيخُ تاجُ الدّين اليمني فِي عمَارَة اليمني
(عُمارةُ فِي الإسلامِ أبدى جِنَايَة ... وبايعَ فِيهَا بيعَة وصليبا)
(وَكَانَ خَبِيث الْمُلْتَقى إِن عجمته ... تَجِد مِنْهُ عوداً فِي النفاقِ صليبا)
(وَأمسى شريكَ الشّرك فِي بُغْض أحمدٍ ... فَأصْبح فِي حبّ الصَّلِيب صليبا)
(سيلقى غَدا مَا كَانَ يسْعَى لأَجله ... ويُسقى صديداً فِي لظى وصليبا)
الصَّلِيب وَدَك الْعِظَام وَقيل هُوَ الصديد
3 - (ذُو كُبار)
عُمارة بن عبد الْأَكْبَر ويلقَّب ذَا كُبار همداني كُوفِي قَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ كَانَ ليِّن الشّعْر مَاجِنًا خِمِّيراً معاقراً للشراب قد حُدَّ فِيهِ مَرَّات وَكَانَ يَقُول شعرًا ظريفاً يُضحك من أَكْثَره وَله أَشْيَاء صَالِحَة وَكَانَ هُوَ وحمّاد الراوية ومُطيع بن إياسٍ يَجْتَمعُونَ على شَأْنهمْ لَا يفترقون وكلُّهم كَانَ يُتَّهم بالزندقة وَعمارَة مِمَّن نَشأ فِي دولة بني أُميَّة وَلم أسمع لَهُ بِخَبَر فِي الدولة العباسية وَكَانَ لَا ينتجع كلَّ أحدٍ وَلَا يبرح من الْكُوفَة لعشاء بَصَره وَضعف نظره
وَمن شعره
(حبَّذا أنتِ يَا سلا ... مةُ أَلفَيْنِ حبَّذا)
(أشتهي منكِ منكِ من ... كِ مَكَانا مُجَنْبَذا)
)
(مفعماً فِي قُبالةٍ ... بينَ رُكنين ربَّذا)
(فَدْغَماً ذَا مناكبٍ ... حَسَنَ القَدِّ مُحْتَذى)
(رابياً ذَا مَجَسَّةٍ ... أخنساً قد تقنفذا)
(لم ترَ العينُ مثلَه ... فِي مَنَام وَلَا كَذَا)
(تامكاً كالسنام إذْ ... بُذَّ عَنهُ مُقَذَّذا)
(مِلءَ كفَّيْ ضجيعِها ... نَالَ مِنْهَا تفخُّذا)
(لَو تأمَّلتَه دهش ... تَ وعاينت جِهْبِذا)
(طيّبُ العَرفِ والمجسَّ ... ةِ واللمسِ هِرْبِذا)(22/245)
(فأجا فِيهِ فِيهِ فِي ... هـ بأيرٍ كمثلِ ذَا)
(لَيْت أيري وليت حِرْ ... ك جَمِيعًا تآخَذا)
(فأخذُ ذَا بِشعر ذَا ... وأخذُ ذَا بِشعر ذَا)
استقدم الْوَلِيد حماداً الراوية واستنشده هَذِه الأبيات فأنشدها إِيَّاه فَأمر لَهُ بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ولعمارة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا أخْبرك بِشَيْء لَا ضَرَر عَلَيْك فِيهِ وَهُوَ أحبُّ لعمارة من الدُّنْيَا وَلَو سيقت إِلَيْهِ بحذافيرها قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ إِنَّه لَا يزَال ينْصَرف من الحانات وَهُوَ سَكرَان فترفعه الشُّرَط فَيَضْرِبُونَهُ الحدّ وَقد قُطِّع بالسياط وَهُوَ لَا يدع الشَّرَاب فَكتب إِلَى عَامله بالعراق أَلا يرفع أحدُ عمَارَة من الحرس فِي سكر وَلَا غَيره إلاَّ ضُرب الرّافع حدِّين وأُطلق عمَارَة
3 - (ابْن ابْن الزُّبير)
عُمارة بن حَمْزَة بن عبد الله بن الزبير بن العوّام بن خُوَيْلد يُقَال إِنَّه أعرق النَّاس فِي الْقَتْل لِأَن عمَارَة وَحَمْزَة قَتلهمَا الإباضية بقُدَيد وَعبد الله بن الزبير قَتله الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقفي على مَا تقدَّم وصلبه وَالزُّبَيْر قَتله عَمْرو بن جُرموز بوادي السبَاع على مَا تقدَّم والعوام قَتله بَنو كنَانَة وخويلد قَتله بَنو كَعْب بن عَمْرو من خُزَاعَة
3 - (الْكَاتِب التَّيّاه)
عمَارَة بن حَمْزَة الْكَاتِب من ولد عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَالْمِائَة
وَكَانَ أَعور ذَمِيمًا إلاَّ أنَّه كَانَ بليغاً كَاتبا صَدرا معظَّماً تيَّاهاً جواداً ممدَّحاً شَاعِرًا ولي عدَّة)
ولايات وَكَانَ الْمَنْصُور وَالْمهْدِي يعظّمانه ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته وكفايته وَوُجُوب حقّه جُمع لَهُ بَين ولَايَة الْبَصَر وَفَارِس والأهواز واليمامة والبحرين وَالْعرض(22/246)
كَانَ يَقُول مَا أعجب قَول النَّاس فلانٌ ربُّ الدَّار إنَّما هُوَ كلب الدَّار يخبز فِي دَاري كلَّ يومٍ ألفا رغيف يَأْكُل مِنْهَا ألف وتسع مائَة وتسع وَتسْعُونَ رغيفاً حَلَالا وآكل أَنا مِنْهَا رغيفاً وَاحِدًا حَرَامًا
أَرَادَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور يَوْمًا أَن يبْعَث بِهِ فَأمر بعض خدمه أَن يبْعَث بِهِ وَيقطع حمائل سَيْفه لينْظر أيأخذه أم لَا فَفعل بِهِ ذَلِك وَسقط السَّيْف فَمضى عُمارة وَلم يلْتَفت
وَكَانَ من تيهه إِذا أَخطَأ يمْضِي على خطأه ويتكبَّر عَن الرُّجُوع وَيَقُول نقضٌ وإبرام فِي سَاعَة وَاحِدَة الْخَطَأ أَهْون من هَذَا وَكَانَ يَوْمًا يمشي مَعَ الْمهْدي فِي أَيَّام الْمَنْصُور وَيَده فِي يَده فَقَالَ لَهُ رجل من هَذَا أيُّها الْأَمِير فَقَالَ أخي وَابْن عمِّي عُمارة بن حَمْزَة فَلَمَّا ولَّى الرجل ذكر الْمهْدي ذَلِك لعمارة كالمازح فَقَالَ عُمارة انتظرتُ أَن تَقول مولَايَ فأنفض وَالله يَدي من يدك فَضَحِك الْمهْدي
وَبلغ مُوسَى الْهَادِي حَال بنتٍ جميلةٍ لعمارة فراسلها فَقَالَت لأَبِيهَا فَقَالَ قولي لَهُ ليَأْتِي إِلَيْك وضعيه فِي مَوضِع يخفى أَثَره فَأرْسلت إِلَيْهِ فَحَضَرَ إِلَيْهَا فأدخلته حجرَة لَهُ قد أُعدَّت بالفرش الْجَمِيل فلمَّا صَار فِيهَا دخل إِلَيْهِ عُمارة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك أيُّها الْأَمِير مَاذَا تصنع هَاهُنَا اتَّخذناك وليَّ عهدٍ فِينَا أَو فحلاً لنسائنا ثمَّ أَمر بِهِ فبطح مَكَانَهُ وضربه عشْرين دِرَّةً خَفِيفَة وردَّه إِلَى منزله فحقدها عَلَيْهِ الْهَادِي فلمَّا ولي الْخلَافَة دسَّ عَلَيْهِ رجلا يدَّعي عَلَيْهِ أنَّه غصبه الضَّيْعَة الْفُلَانِيَّة بِالْكُوفَةِ وَكَانَ قيمتهَا ألف ألف دِرْهَم فَبينا الْهَادِي ذَات يَوْم جالسٌ للمظالم وَعمارَة بِحَضْرَتِهِ إذْ وثب الرجل وتظلَّم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْهَادِي قُم واجلس مَعَ خصمك وَأَرَادَ إهانته فَقَالَ إِن كَانَت الضَّيْعَة لي فَهِيَ لَهُ وَلَا أُساوي هَذَا النذل فِي الْمجْلس ثمَّ قَامَ وَانْصَرف مغضباً
وَكَرِهَهُ أهل الْبَصْرَة لتيهه وعجبه فَرفع أهل الْبَصْرَة إِلَى الْمهْدي أنَّه اختان مَالا كثيرا فَسَأَلَهُ الْمهْدي عَن ذَلِك فَقَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو كَانَت هَذِه الْأَمْوَال الَّتِي يذكرونها فِي جَانب بَيْتِي مَا نظرتُ إِلَيْهَا فَقَالَ الْمهْدي صدقت وَلم يُرَاجِعهُ فِيهَا وَقيل إنَّه كَانَ لَهُ ألف دُوَّاج بوبرٍ سوى مَا لَا وبر لَهُ)
وَكَانَ الْفضل بن يحيى بن برمك شَدِيد الْكبر عَظِيم التيه فعوتب على ذَلِك فَقَالَ هَيْهَات هَذَا شيءٌ حملت عَلَيْهِ نَفسِي لما رَأَيْته من عُمارة بن حمرَة فإنَّ أبي كَانَ يضمن فَارس من الْمهْدي فحلَّ عَلَيْهِ ألف ألف دِرْهَم فَأمر الْمهْدي أَبَا عون عبد الله بن يزِيد بمطالبته وَقَالَ لَهُ إِن أدَّى إِلَيْك المَال قبل أَن تغرب الشَّمْس من يَوْمنَا هَذَا وإلاّ فأتني بِرَأْسِهِ(22/247)
وَكَانَ متغضِّباً عَلَيْهِ وَكَانَت حيلته لَا تبلغ عشر المَال فَقَالَ يَا بنيّ إِن كَانَت لنا حِيلَة فَلَيْسَ إلاَّ من قبل عُمارة بن حَمْزَة وإلاّ فَأَنا هَالك فامضِ إِلَيْهِ فمضيت إِلَيْهِ فَلم يعرني الطّرف ثمَّ تقدَّم بِحمْل المَال فحُمل إِلَيْنَا فلمَّا مضى شَهْرَان جَمعنَا المَال فَقَالَ أبي امضِ إِلَى الشريف الحرّ الْكَرِيم فأدِّ إِلَيْهِ مَاله فلمَّا عرَّفته الْخَبَر غضب فَقَالَ وَيحك أكنتُ قسطاراً لأَبِيك فَقلت لَا ولكنَّك أحييته ومننت عَلَيْهِ وَهَذَا المَال وَقد اسْتغنى عَنهُ فَقَالَ هُوَ لَك فعدتُ إِلَى أبي فَقَالَ لَا وَالله مَا تطيب بِهِ نَفسِي لَك وَلَكِن لَك مِنْهُ مئتا ألف دِرْهَم فتشبَّهتُ بِهِ حتَّى صَار خلقا لَا أَسْتَطِيع مُفَارقَته
وَبعث أَبُو أيّوب المكّي بعض وَلَده إِلَى عُمارة فَأدْخلهُ الْحَاجِب قَالَ وأدناني إِلَى ستر مُسبل فَقَالَ ادخل فَدخلت فَإِذا هُوَ مُضْطَجع محوِّلٌ وَجهه إِلَى الْحَائِط فَقَالَ الْحَاجِب سلِّم فسلَّمت فَلم يردّ عليَّ فَقَالَ الْحَاجِب اذكر حَاجَتك فَقلت جعلني الله فداءك أَخُوك أَبُو أَيُّوب يُقْرِئك السَّلَام وَيذكر دينا بهضه وفتر وَجهه وَيَقُول لَك لولاه لَكُنْت مَكَان رَسُولي تسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ قَضَاءَهُ عنِّي فَقَالَ وَكم دين أَبِيك فَقلت ثَلَاث مائَة ألف دِرْهَم فَقَالَ أوَفي مثل هَذَا أكلِّم أَمِير الْمُؤمنِينَ يَا غُلَام احملها مَعَه وَلم يلْتَفت إليَّ وَلم يكلِّمني بِغَيْر هَذَا وَقَالَ الْفضل بن الرّبيع كَانَ أبي يَأْمُرنِي بملازمة عُمارة بن حَمْزَة فاعتلَّ عُمارة وَكَانَ الْمهْدي سيئ الرَّأْي فِيهِ فَقَالَ أبي يَوْمًا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَاك عُمارة بن حَمْزَة عليلٌ وَقد أفْضى إِلَى بيع فرشه وَكسوته فَقَالَ غفلنا عَنهُ وَمَا كنت أظنُّ حَاله بلغت إِلَى هَذَا احْمِلْ إِلَيْهِ خمس مائَة ألف دِرْهَم وأعلمه أنَّ لَهُ عِنْدِي بعْدهَا مَا يحبّ قَالَ فحملها أبي إِلَيْهِ من سَاعَته وَقَالَ لي اذْهَبْ بهَا إِلَى عمّك عُمارة فَقَالَ فَأَتَيْته وَوَجهه إِلَى الْحَائِط فسلَّمت فَقَالَ من أَنْت قلت ابْن أَخِيك الْفضل بن الرّبيع فَقَالَ مرْحَبًا بك فَقلت لَهُ أَخُوك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك أذكرتُ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمرك فَاعْتَذر من غفلته عَنْك وَأمر لَك بِهَذَا المَال فَقَالَ لي قد كَانَ طَال لزومك لنا وكنَّا نحبُّ أَن نكافئك على ذَلِك وَلم يمكنَّا قبل هَذَا الْوَقْت انْصَرف بِالْمَالِ)
فَهُوَ لَك قَالَ فهبته أَن أردَّ عَلَيْهِ فَتركت البغال على بَابه وانصرفتُ إِلَى أبي وأعلمته الْخَبَر قَالَ يَا بني خُذْهَا بَارك الله لَك فِيهَا فَلَيْسَ عُمارة ممَّن يراجَع
وَدخل عُمارة يَوْمًا على الْمهْدي فأعمه فلمَّا قَامَ قَالَ لَهُ رجلٌ من أهل الْمَدِينَة من القرشيين يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من هَذَا الرجل الَّذِي أعظمته هَذَا الإعظام كلَّه فَقَالَ لَهُ هَذَا عُمارة بن حَمْزَة مولَايَ فَسمع عُمارة كَلَام الْمهْدي فَرجع إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ(22/248)
جَعَلتني كبعض خبَّازيك وفرَّاشيك أَلا قلتَ هَذَا عُمارة بن حَمْزَة بن مَيْمُون مولى عبد الله بن عبَّاس ليعرف النَّاس مَكَاني مِنْك وأخرجت إِلَيْهِ يَوْمًا أمّ سَلمَة عقدا لَهُ قيمةٌ جليلة وَقَالَت للخادم أعلمهُ أنِّني أهديته إِلَيْهِ فَأَخذه بِيَدِهِ وشكر أَبَا الْعَبَّاس وَوَضعه بَين يَدَيْهِ ونهض فَقَالَت أمّ سَلمَة لأبي الْعَبَّاس إنَّما أُنسِيَه فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس للخادم الْحَقْهُ بِهِ وَقل لَهُ هَذَا لَك فَلم خلَّفته فلمَّا لحقه قَالَ مَا هُوَ لي فاردده فَقَالَ إنَّما هُوَ لَك فَقَالَ إِن كنت صَادِقا فَهُوَ لَك فَانْصَرف الْخَادِم بِالْعقدِ فاشترته أمّ سَلمَة من الْخَادِم بِعشْرين ألف دِينَار وأخباره فِي الْكَرم المفرط والتيه الزَّائِد كَثِيرَة وَهَذَا أُنموذج مِنْهَا
وَله تصانيف مِنْهَا كتاب رِسَالَة الْخَمِيس الَّتِي تُقرأ على بني الْعَبَّاس كتاب رسائله الْمَجْمُوعَة كتاب الرسَالَة الماهانية مَعْدُودَة فِي كتب الفصاحة الجيّدة وَقَالَ فِيهِ بعض شعراء أهل الْبَصْرَة
(أراكَ وَمَا ترى إلاَّ بعينٍ ... وعينُك لَا ترى إلاَّ قَلِيلا)
(وأنتَ إِذا نظرتَ بملءِ عينٍ ... فخذْ من عَيْنك الْأُخْرَى كَفِيلا)
(كأنِّي قد رأيتُك بعد شهرٍ ... بِبَطن الكفِّ تلتمس السبيلا)
وَمن شعر عُمارة بن حَمْزَة
(لَا تشكُوَنْ دهراً صححتَ بِهِ ... إنَّ الْغنى فِي صحّة الجسمِ)
(هبك الإمامَ أَكنت مُنْتَفعا ... بغضارة الدُّنْيَا مَعَ السُّقْمِ)
3 - (الْهَاشِمِي الصَّحَابِيّ)
عُمارة بن حَمْزَة بن عبد الْمطلب بن هَاشم أمّه خَوْلَة بنت قيس من بني النجّار وَبِه يُكْنى حَمْزَة وَقيل إِن حَمْزَة كَانَ يكنى بِأبي يَعْلَى ابنهِ وَقيل لَهُ كنيتان أَبُو يعلى وَأَبُو عمَارَة وَلَا عقب لِحَمْزَة وَتُوفِّي رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم ولعمارة ولد حَمْزَة ولأخيه يعلى أعوامٌ)
قَالَ ابْن عبد الْبر وَلَا أحفظ لأحد مِنْهُمَا رِوَايَة
3 - (الثَّقَفي الْكُوفِي)
عُمارة بن رُوَيْبَة الثَّقَفِيّ كوفيٌّ من الصَّحَابَة المعروفين روى(22/249)
عَنهُ ابْنه أَبُو بكر بن عمَارَة وَأَبُو إِسْحَاق السَّبيعي وحُصين وَعبد الْملك بن عُمير توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والنَّسائي
3 - (الْأنْصَارِيّ)
عُمارة بن حزم بن زيد بن لَوْذان الْأنْصَارِيّ الخزرجي أحد السّبْعين الَّذين بَايعُوا رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وآخى رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم بَينه وَبَين مُحْرز بن نَضْلة
وَشهد بَدْرًا وَلم يشهدها أَخُوهُ عَمْرو بن حزم وَشهد عمَارَة أُحُداً وَالْخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد وَكَانَت مَعَه راية بني مَالك ابْن النجّار فِي غَزْوَة الْفَتْح وَخرج مَعَ خَالِد لقِتَال أهل الردَّة فقُتل يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة لِلْهِجْرَةِ
3 - (الْأنْصَارِيّ)
عُمارة بن زِيَاد بن السَّكن بن رَافع الْأنْصَارِيّ الأشهَلي قُتل يومَ أُحُد شَهِيدا ووُجد بِهِ أَرْبَعَة عشر جرحا فوسَّده رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم قَدَمه فَمَا زَالَ مُوَسَّدَها حتَّى مَاتَ رَضِي الله عَنهُ
3 - (اللَّيْثِيّ الْكُوفِي)
عُمارة بن عُمير اللَّيْثِيّ الْكُوفِي روى عَن عَلْقَمَة وَالْأسود وشُرَيح القَاضِي والْحَارث بن سُوَيد وَأبي عطيّة الوَداعي وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَة لِلْهِجْرَةِ وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (اللَّيْثِيّ)
عُمارة بن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيّ شيخ الزُّهْري روى عَن أبي هُرَيْرَة وَلم يرو عَنهُ الزُّهْري توفّي سنة إِحْدَى وَمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة(22/250)
3 - (النَّوْفَلِي)
عُمارة بن الْوَلِيد بن عديّ بن الخِيار بن عديّ بن نَوْفَل بن عبد منَاف بن قُصَيّ بن كلاب بن مرَّة بن كَعْب بن لؤيْ بن غَالب كَانَ شَاعِرًا وَولده الْأسود ابْن عمَارَة شَاعِر وَقد تقدَّم ذكره فِي حرف الْهمزَة وَكَانَ يتولّى عمَارَة الْمَذْكُور بَيت المَال بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الْقَائِل لمُحَمد بن عبد)
الله بن كُثير بن الصَّلت
(عَهِدْتُك شُرْطيًّا فأصبحتَ قَاضِيا ... فصرتَ أَمِيرا أَبْشِرِي قَحَطانُ)
(أرى نَزواتٍ بينهنّ تفاوتٌ ... وللدهرِ أحداثٌ وَذَا حَدَثانُ)
(أرى حَدثا مَيْطانُ منقطعٌ لَهُ ... ومنقطعٌ من بعدِه وَرِقانُ)
(أقيمي بني عَمْرو بن عوفٍ أَو اربَعي ... لكلِّ أناسٍ دولةٌ وزمانُ)
وَمن شعره
(تِلْكَ هندٌ تَصُدُّ للبين صَدّا ... أدلالاً أم هجرُ هندٍ أجَدّا)
(أم لِتَنْكا بِهِ قروحَ فُؤَادِي ... أم أَرَادَت قَتْلِي ضِراراً وعمدا)
(قد براني وشفَّني الوجدُ حتَّى ... صرتُ مِمَّا ألْقى عظاماً وجِلدا)
(أيُّها الناصحُ الْأمين رَسُولا ... قل لهندٍ عنّي إِذا جئتَ هِندا)
(يعلمُ الله أَن قَدُ اوتيتِ مني ... غيرَ منٍّ بِذَاكَ نُصحاً وودّا)
(مَا تقرَّبتُ بالصفاء لأدنو ... منكِ إلاَّ نأيتِ وازدَدْتِ بُعْدا)
قَالَ الزبير وَمن لَا يعلم يَرُدُّ هَذَا الشّعْر لعمر بن أبي ربيعَة وَذَلِكَ غلط
3 - (الْأنْصَارِيّ)
عُمارة بن خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ روى عَن أَبِيه ذِي الشَّهَادَتَيْنِ وعمّه وَعُثْمَان بن حُنَيْف وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَتُوفِّي سنة خمس وَمِائَة وروى لَهُ الْأَرْبَعَة(22/251)
3 - (الضبّي الْكُوفِي)
عُمارة بن الْقَعْقَاع بن شُبْرُمة الضَّبِّي الْكُوفِي كَانَ أسنَّ من عمّه وثَّقه ابْن معِين وَتُوفِّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
3 - (الشَّاعِر من نسل جرير)
عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير بن عَطِيَّة بن الخَطَفي أَبُو عقيل كَانَ شَاعِرًا متقدِّماً فصيحاً يسكن بادية الْبَصْرَة ويمدح خلفاء بني الْعَبَّاس ويجزلون صلته ويمدح غَيرهم من القوّاد وَكَانَ نحاة الْبَصْرَة يَأْخُذُونَ عَنهُ اللُّغَة وَكَانَ المبرَّد يَقُول خُتمت الفصاحةُ فِي شعر الْمُحدثين بعمارة بن عقيل
حدَّث أَحْمد بن الحكم بن بشر بن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ أتيتُ عُمارة أسأله عَن شيءٍ)
أكتبه عَنهُ فَقَالَ لي من أَنْت قلتُ أَنا فلَان بن فلَان فَقَالَ كَانَ أَبوك صديقي ثمَّ أَنْشدني
(بَنَى لكمُ العلاءُ بناءَ صِدْقٍ ... وتَعْمُرُ ذَاك يَا حَكَمَ بن بِشْرِ)
(فَمَا مدحي لكم لأصيبَ مَالا ... وَلَكِن مدحُكُم زَيْنٌ لشعري)
وَقَالَ عُمارة يمدح خَالِد بن يزِيد
(تأبى خلائقُ خالدٍ وفعالُه ... أَن لَا تُجَنَّبَ كلَّ أمرِ عائبِ)
(وَإِذا حضرتُ البابَ عِنْد غدائه ... أذِنَ الغداءَ لنا برغمِ الحاجبِ)
فَلَقِيَهُ خَالِد فَقَالَ لَهُ أوْجَبْتَ عليَّ حقًّا مَا بقيتُ
(الألقاب)
ابْن أبي عِمَامَة عُثْمَان بن عَليّ
ابْن أبي عِمَامَة الْوَاعِظ المعمَّر بن عَليّ(22/252)
(عمر)
3 - (عُمر بن إِبْرَاهِيم)
3 - (ابنُ المُسلمِ العُكْبَريّ)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَبُو حَفْص الْمَعْرُوف بِابْن الْمُسلم من أهل عُكْبَرا صحب عمر بن بدر المَغازلي وَعبد الْعَزِيز غُلَام الخلاّل وَإِبْرَاهِيم بن شاقِلاّ وَأَبا عبد الله بن بَطَّة
وصنَّف كثيرا يُقَال إِنَّهَا تقَارب مصنفات أبي بكر عبد الْعَزِيز غُلَام الخلاّل وَله اختيارٌ فِي الْمَذْهَب وَسمع ببغداذ والكوفة وَالْبَصْرَة وحدَّث عَن جمَاعَة وَأكْثر عَن ابْن بَطَّة وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ قيّماً بالأصول وَالْفُرُوع لَهُ شرح الخِرَقي وكتابٌ فِي الْخلاف بَين أَحْمد وَمَالك
3 - (الْبَصْرِيّ الشَّاعِر)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن حبيب أَبُو حَفْص الْعَدوي الْبَصْرِيّ كَانَ جدُّه قَاضِيا بهَا وَكَانَ شَاعِرًا بسامرّاء يمدح ويهجو وَله فِي عُبيد الله بن يحيى بن خاقَان الْوَزير
(نعمةُ الله لَا تُعابُ وَلَكِن ... ربّما استُقبحتْ على أقوامِ)
(لَا يَلِيق الْغنى بِوَجْه أبي يع ... لى وَلَا نورُ بهجةِ الإسلامِ)
(وَسِخُ الثوبِ والملابس والبِرْ ... ذَوْن وَالْوَجْه والقفا والغلامِ)
)
(ومحالٌ مروءةٌ لبخيلٍ ... سِفْلَةٍ يَنْتَهِي إِلَى حَجّامِ)
3 - (الكَتّانيّ المُقرئ)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن كثير أَبُو حَفْص الكتّاني الْمُقْرِئ البغداذي الْمسند قَرَأَ على ابْن مُجَاهِد وَحمل عَنهُ كتاب السَّبْعَة وَسمع وروى وثَّقه الْخَطِيب توفّي سنة تسعين وَثَلَاث مائَة
3 - (المغيث بن الفائز)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَيُّوب الْملك المغيثُ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن الْملك الفائز سَابق الدّين بن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب روى بِالْإِجَازَةِ عَن عبد المُعِزّ بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَكتب عَنهُ الطلبةُ المصريّون وَمَات مسجونا فِي(22/253)
خزانَة البنود وَدفن فِي تربتهم بجوار ضريح الشَّافِعِي سنة إِحْدَى وَسبعين وست مائَة وَله ستٌ وَسِتُّونَ سنة
3 - (أَبُو البركات الْعلوِي الْكُوفِي)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن حَمْزَة بن يحيى بن الْحُسَيْن ذِي الدمعة بن زيد الإِمَام الشَّهِيد بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو البركات الْكُوفِي
من أَئِمَّة النَّحْو وَالْفِقْه والْحَدِيث مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وقُدِّر من صلّى عَلَيْهِ بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ ألفا ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة أَخذ النَّحْو عَن أبي الْقَاسِم زيد بن عَليّ الْفَارِسِي عَن أبي الْحُسَيْن بن عبد الْوَارِث عَن خَاله أبي عليّ الْفَارِسِي وَأخذ عَنهُ أَبُو السعادات الشَّجَري وَأَبُو مُحَمَّد ابْن بنت الشَّيْخ وَكَانَ خشنَ الْعَيْش صَابِرًا على الْفقر قانعاً ياليسير قَالَ السَّمْعَانِيّ سمعتُه يَقُول أَنا زيدي الْمَذْهَب لكني أُفتي على مَذْهَب السُّلْطَان يَعْنِي أَبَا حنيفَة
سمع الْخَطِيب وَأَبا الْحُسَيْن بن النَّقور وَأَبا الْفرج مُحَمَّد بن علاّن الخازن وَغَيره ورحل إِلَى الشَّام وَسمع من جمَاعَة وسلمت حواسُّه وَكَانَ يكْتب خطًّا مليحاً سَرِيعا على كبر سنّه قَالَ وسمعتُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلَّد يَقُول كنتُ أَقرَأ على الشريف عمر جُزْءا فَمر بِي حديثٌ فِيهِ ذكر عَائِشَة فَقلت رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ لي الشريف تَدْعُو لعدوّة عَليّ أَو تترضَّى على عدوّة عَليّ فَقلت حاشا وكلاّ مَا كَانَت عدوّة عَليّ(22/254)
وسمعتُ أَبَا الْغَنَائِم بن النَّرسي يَقُول كَانَ)
الشريف عمر جاروديَّ الْمَذْهَب لَا يرى الغُسْلَ من الجَنابة
وَله تصانيف مِنْهَا شرح اللُّمَع قَالَ أَبُو طَالب بن الهراس الدِّمَشْقِي وَكَانَ حجَّ مَعَ أبي البركات إنَّّ صرَّح بالْقَوْل بِالْقدرِ وَخلق الْقُرْآن فاستعظم ذَلِك أَبُو طَالب مِنْهُ وَقَالَ إنَّ الأئمَّة على غير ذَلِك فَقَالَ لَهُ إنَّ أهل الحقّ يُعرفون بِالْحَقِّ وَلَا يُعرف الحقُّ بأَهْله وَقد تقدَّم ذكر وَالِده إِبْرَاهِيم
3 - (جمال الدّين العقيقي)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن حُسين بن سَلامَة بن الْحُسَيْن الإِمَام الأديب الْمسند المعمَّر جمالُ الدّين أَبُو حَفْص الْأنْصَارِيّ العقيمي الرَّسعني ولد بِرَأْس عين سنة سِتّ وست مائَة وتوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة
ذكر أَن الْكِنْدِيّ أجَاز لَهُ وأنَّ الاستدعاء كَانَ بِخَط الموفَّق وإنَّما ذهبتْ مِنْهُ أيامَ هولاكو سمع عَلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين وَالْجَمَاعَة وَسمع من الْمجد الْقزْوِينِي وَابْن رُوزبَه وَأبي الْقَاسِم بن رَوَاحَة وَقدم دمشق مَعَ شبيبته وَسمع من ابْن الزَّبيدي وَعبد السَّلَام بن أبي عَصرون ومحمود بن قرقين والضياء الْحَافِظ وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة وبرع فِي الشّعْر والإنشاء كَانَ يُذكر فِي الْأَيَّام الناصرية ويُعَدُّ فِي الشُّعَرَاء وَكتب عَنهُ الصاحب كَمَال الدّين بن العديم وتنقَّل فِي الخدم وَكَانَ مَوْصُوفا بِالدّينِ وَالْأَمَانَة وانتهت إِلَيْهِ مشيخة الشّعْر وفنونه
روى عَنهُ الدِّمياطي فِي مُعْجَمه وَابْن الصَّيرفي والمُقاتلي وَطَائِفَة وعقيمة قَرْيَة من سِنْجار
اتّفق حُضُور شخصٍ من مصر يُعرف بشهاب الدّين بِلاخُصا وَولي نظر العمائر والسكّر وَكَانَ مُطَيلساً وَكَانَ عِنْده شابٌّ مليح يحمل دواته وَكَانَ يسكن جوَار الْملك الزَّاهِر بن صَاحب حمص فأفسد الزَّاهِر الشابَّ الْمَذْكُور ووعده بِخبْز فَترك شهَاب الدّين بِلاخُصا وخدم الزَّاهِر فلقي عِنْده كلَّ سوء وَلم يشْبع الْخبز فَقَالَ جمال الدّين العقيمي فِيهِ(22/255)
(يَا شادناً ضلَّ السبيلَ لرُشده ... وَعصى العذولَ سفاهةً فِيمَن عَصَى)
(قد كنتَ عِنْد بِلاخُصا فِي نعمةٍ ... فتركتهُ سَفَهاً وجئتَ إِلَى خُصَى)
وَمن شعره
(عيونَ المها منِّي إليكِ رسولُ ... نسيمٌ سرى بالواديين عليلُ)
(إِذا مَا انبرى يروي عَن الرَّوْض نشره ... يُقَبِّلُ بُرديه صَباً وقُبولُ)
)
(وَإِن هبَّ معتلاًّ لبثِّ صبابتي ... تَفَهَّمْ حَدِيث الوجد فَهُوَ يطولُ)
(وَإِن مالَ بانَ السفحُ عَن أَيمن الْحمى ... فَمَا مَال إلاَّ أنَّه ليقولُ)
(حَدِيثا رَوَاهُ البانُ عَن نسمَة الصَّبا ... وَمن حَزَني أنَّ النسيمَ رسولُ)
قلتُ عكس هَذَا الشَّاعِر الْمَعْنى لأنَّ الصِّبَا هِيَ الَّتِي تروي عَن البان
3 - (نجم الدّين البَهْنَسي)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن عِمران البهنسي نجم الدّين اشْتغل بِمصْر وَحضر مَعَ أَخِيه من أُمّه عماد الدّين المهلَّبي إِلَى قُوص وتولَّى الحكم بهُوّ وبإسنا وأُدفو وَكَانَ فَقِيها وَله أدبٌ وخطٌّ حسن ودرَّس بِالْمَدْرَسَةِ العزّيَّة بإسنا وَأقَام قَاضِيا بإسنا وأُدفو أَكثر من سبع سنينقال الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأُدفُوي على طَريقَة مرضيَّة ووقعتْ بإسنا تَرِكة عبد الْملك بن الجبان الكارمي فطُلب بِسَبَبِهَا إِلَى الْقَاهِرَة فَحصل لَهُ فوفٌ شَدِيد فَمَرض بالبُلْيَنا فَرجع إِلَى قوص وَتُوفِّي بهَا سنة عشر وَسبع مائَة وَله من الْعُمر ثمانٍ وَأَرْبَعُونَ سنة
3 - (النَّاسِخ)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بالناسخ ولد بدرب الديباج بِمصْر حادي عشر المحرَّم سنة ثَلَاث وَخمسين وست مائَة وَسمع من الْحَافِظ أبي حَامِد مُحَمَّد بن الصَّابُونِي
أجَاز لي بخطّه سنة ثمانٍ وَعشْرين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ
3 - (كَمَال الدّين بن العجمي)
عمر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الفاضلُ الْفَقِيه كَمَال الدّين أَبُو حَفْص بن(22/256)
تَقِيّ الدّين بن العجمي الْحلَبِي الشَّافِعِي ولد سنة أَربع وَسبع مائَة وَسمع سنة إِحْدَى عشرَة من أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد العجمي وَطلب بعد ذَلِك وَسمع الصَّحِيح من الحجَّار وَسمع بحماة من ابْن مُزَيْر وَسمع بِمصْر والإسكندرية وَأفْتى
3 - (عمر بن أَحْمد)
3 - (قَاضِي الحُوَيْزة)
عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو المفاخر الْأنْصَارِيّ قَاضِي الحويزة من خوزستان كَانَ باقعة زَمَانه وفريد عصره ويغلب عَلَيْهِ الهجو والخلاعة والمجون قدم بغداذ ومدح الْوَزير أَبَا الْقَاسِم عَليّ بن طِراد الزَّيْنَبِي هجا بدر بن مَعقِل الْأَسدي فَقبض على الْمَذْكُور وعَلى وَلَده وغرَّقهما بعد سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَمن شعره
(وذِمْرٍ من الْأَنْصَار لَيْسَ يُعَوَّق ... إِذا نَام عَن أنجاد حربٍ نصيرُها)
(دعوتُ فلبَّى والرماحُ شواجرٌ ... فحطَّمها والخيلُ تدمى نحورُها)
(نمتْهُ قُرومٌ من ذؤابةِ يعربٍ ... حُماةٌ إِذا وافى القبيلَ نذيرُها)
(أشاد الْمَعَالِي بالعوالي وَمن يرمْ ... جسامَ الْمَعَالِي فالنفوسُ مهورُها)
(يبيتُ دنيُّ الْقَوْم عَنْهَا بمعزلٍ ... وَلَا يركب الأخطار إلاَّ خطيرُها)
3 - (ابْن خلدون الْحَضْرَمِيّ الإشبيلي)
عمر بن أَحْمد بن خلدون أَبُو مُسلم الْحَضْرَمِيّ من أَشْرَاف أهل إشبيلية كَانَ من جملَة تلاميذ أبي الْقَاسِم المَجْريطي كَانَ متصرِّفاً فِي عُلُوم الفلسفة مَشْهُورا بالهندسة والنجوم والطبّ متشبِّهاً بالفلاسفة فِي إصْلَاح أخلاقه وتعديل سيرته وتقويم طَرِيقَته توفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمن أشهر تلاميذه أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الصفَّار الطَّبِيب
3 - (ابنُ ظافر سراجُ الدّين خطيب الْمَدِينَة الشَّافِعِي)
عمر بن أَحْمد بن الخَضِر بن(22/257)
ظافر الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمصْرِيّ سراج الدّين الشَّافِعِي ولد سنة سِتّ أَو سبع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وتوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة سمع من الرشيد العطَّار وتفقَّه أَولا على ابْن عبد السَّلَام ثمَّ على النَّصير بن الطبَّاع وَأَجَازَ لَهُ المُرسي والمُنذري وَسمع مِنْهُ البِرزالي وَابْن المطري وخطب بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعِينَ عَاما ثمَّ ولي الْقَضَاء بعد ذَلِك وَسَار إِلَى مصر ليتداوى فأدركه الْمَوْت بالسُّويس
3 - (الخطيبي الْوَاعِظ الشَّافِعِي)
عمر بن أَحْمد بن عمر بن رُوشَن بن عَليّ أَبُو حَفْص الخطيبي الزَّنجاني الْوَاعِظ كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة قَرَأَ على القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن عُثْمَان بن عُزير)
الزوزني صَاحب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وعَلى أبي عبد الله الْحُسَيْن بن هبة الله بن أَحْمد الفلاّكي
قدم بغداذ وحدَّث بهَا بِكِتَاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات للبيهقي عَن حافده عُبيد الله بن مُحَمَّد عَن جدّه
وَكَانَ مناظراً محقِّقاً فَاضلا فِي الْخلاف والأُصول فصيحَ اللِّسَان مليحَ المناظرة وعظ بالنظاميَّة مرَارًا وَكَانَ قدومه إِلَى بغداذ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
3 - (الصفَّار النَّيْسَابُورِي الشَّافِعِي)
عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حبيب بن عَبدُوس الصفَّار أَبُو حفصٍ الْفَقِيه الشَّافِعِي النَّيسابوري كَانَ خَتَن أبي نصر القُشيري على ابْنَتَيْهِ وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا فَقِيها فَاضلا مناظراً مبرِّزاً سمع الحَدِيث بإفادة جدّه لأمّه إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي من أبي المظفر مُوسَى بن عمرَان الْأنْصَارِيّ وَغَيره وَولد سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي بنيسابور يَوْم الْأَضْحَى سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة
3 - (الْحَافِظ ابْن شاهين)
عمر بن أَحْمد بن عُثْمَان بن أَحْمد بن أَيُّوب بن أزداذ(22/258)
الْحَافِظ أَبُو حَفْص بن شاهين الْوَاعِظ محدِّث بغداذ رَحل وَسمع وحدَّث وروى عَنهُ جمَاعَة قَالَ ابْن ماكُولا ثِقَة مَأْمُون سمع بِالشَّام وَالْعراق وَالْبَصْرَة وَفَارِس وَجمع الْأَبْوَاب والتراجم وصنف كثيرا وَقيل إنَّه صنَّ ثَلَاث مائَة وَثَلَاثِينَ مصنَّفاً أَحدهمَا التَّفْسِير الْكَبِير ألف جُزْء والمسند ألف وَثَلَاث مائَة جُزْء والتاريخ مائَة وَخَمْسُونَ جُزْءا والزهد مائَة جُزْء وَقد وثَّقوه قَالَ الْخَطِيب سَمِعت مُحَمَّد بن عَمْرو الدَّاودِيّ يَقُول كَانَ ابْن شاهين ثِقَة يشبه الشُّيُوخ إلاَّ أنَّه كَانَ لحَّاناً وَكَانَ لَا يعرف فِي الْفِقْه لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا
توفّي فِي ذِي الحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (الْحَافِظ العبدوي)
عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْدَوَيه بن سَدوس بن عَليّ بن عبد الله يَنْتَهِي إِلَى ابْن مَسْعُود العبدوي النَّيسابوري الْحَافِظ الْأَعْرَج قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة صَادِقا حَافِظًا ورعاً عَارِفًا مَاتَ يَوْم عيد الْفطر سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مائَة
3 - (الصاحب كَمَال الدّين بن العديم)
عمر بن أَحْمد بن أبي الْفضل هبة الله بن أبي غَانِم مُحَمَّد بن هبة الله ابْن قَاضِي حلب أبي)
الْحسن أَحْمد بن يحيى بن زُهَيْر بن هَارُون بن مُوسَى بن عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي جَرادة عَامر بن ربيعَة بن خُويلد بن عَوْف بن عَامر بن عُقيل الصاحبُ العلاّمة رَئِيس الشَّام كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم الهوازنيّ العُقَيليّ الحلبيّ الْمَعْرُوف بِابْن العديم ولد سنة ستٍ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائةٍ وتوفِّي سنة سِتِّينَ وست(22/259)
مائَة وَسمع من أَبِيه وَمن عَمه أبي غَانِم مُحَمَّد وَابْن طبرزد والافتخار والكندي وَابْن الحرستاني وَسمع جمَاعَة كَثِيرَة بِدِمَشْق وحلب والقدس والحجاز وَالْعراق وَكَانَ محدّثاً حَافِظًا مؤرخاً صَادِقا فَقِيها مفتياً منشئاً بليغاً كَاتبا مجوِّداً درَّس وَأفْتى وصنَّف وترسَّل عَن الْمُلُوك وَكَانَ رَأْسا فِي الخطِّ الْمَنْسُوب لَا سِيمَا النّسخ والحواشي أطنب الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي فِي وَصفه وَقَالَ ولي قَضَاء حلب خمسةٌ من آبَائِهِ متتالية وَله الْخط البديع والحظ الرفيع والتصانيف الرائقة مِنْهَا تَارِيخ حلب أَدْرَكته الْمنية قبل إِكْمَال تبييضه وروى عَنهُ الدَّواداري وَغَيره وَدفن بسفح المقطّم بِالْقَاهِرَةِ انْتهى
قلتُ وَقد مرَّ ذكر جمَاعَة من بَيته وَسَيَأْتِي ذكر من بَقِي مِنْهُم فِي الْأَمَاكِن اللائقة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ياقوت سَأَلته لمَ سُمِّيتم ببني العديم فَقَالَ سَأَلت جمَاعَة من أَهلِي عَن ذَلِك فَلم يعرفوه
وَقَالَ هُوَ اسْم مُحْدَث لم يكن آبَائِي القدماء يُعرفون بِهِ وَلم يكن فِي نسَاء أَهلِي من يُعرف بِهَذَا وَلَا أَحسب إلاَّ أنَّ جدّ جدِّي القَاضِي أَبُو الْفضل هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن زُهَيْر بن أبي جَرادة مَعَ ثروة وَاسِعَة ونعمة شَامِلَة كَانَ يكثر فِي شعره من ذكر العُدْو وشكوى الزَّمَان فسمّي بذلك فَإِن لم يكن هَذَا سَببه فَلَا أَدْرِي مَا سَببه
قَالَ ختمتُ الْقُرْآن ولي تسع سِنِين وقرأت بالعَشْر ولي عشر سِنِين وَلم أكتب على أحد مَشْهُور إلاَّ أَن تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن البرفطي البغداذي ورد إِلَيْنَا إِلَى حلب فكتبتُ عَلَيْهِ أَيَّامًا قَلَائِل لم يَحصُل مِنْهُ فِيهَا طائل
وَله كتاب الدراري فِي ذكر الذَّرَارِي جمعه للْملك الظَّاهِر وقدَّمه إِلَيْهِ يَوْم وُلد وَلَده الْملك الْعَزِيز وَكتاب ضوء الصَّباح فِي الحثّ على السماح صنَّفه للْملك الْأَشْرَف وَكتاب الْأَخْبَار المستفادة فِي ذكر بني أبي جَرادة كتابٌ فِي الخطّ وعلومه وَوصف آدابه وطروسه وأقلامه وَكتاب دفع التَّجَرِّي على أبي الْعَلَاء المعرِّي وَكتاب الْإِشْعَار بِمَا للملوك من النَّوَادِر والأشعار)
وممّن كتب إِلَيْهِ يسترفده خطَّه سعدُ الدّين مَنُوجَهر الْموصِلِي وَأمين الدّين ياقوت الْمَعْرُوف بالعالِم وَهُوَ صهر ياقوت الْكَاتِب الَّذِي يُضرب فِيهِ الْمثل وَكَانَ فِي بعض سفراته يركب فِي مِحَفَّة تُشدُّ لَهُ بَين بغلين وَيجْلس فِيهَا وَيكْتب وقَدِم إِلَى مصر رَسُولا وَإِلَى بغداذ وَكَانَ إِذا قدم مصر يلازمه أَبُو الْحُسَيْن الجزار(22/260)
فَقَالَ أهل الْعَصْر فِيهِ
(يَا ابنَ العديمِ عدِمتَ كلَّ فضيلةٍ ... وغدوتَ تحملُ رايةَ الإدبارِ)
(مَا إِن رأيتُ وَلَا سمعتُ بِمِثْلِهَا ... تَيْسًا يلوذ بِصُحْبَة الجزَّارِ)
وَمن أمداح الجزًّار فِيهِ قَوْله
(سَرَّ الفؤادَ طيفه لمَّا سَرى ... فمرحباً مِنْهُ بِمَا أهْدى الْكرَى)
(وافى إليَّ زَائِرًا فليتَه ... حقَّقَ فِي اليقظةِ لي مَا زوَّرا)
(ظبيٌ إِذا مَا ماسَ لاحَ وَجهه ... رأيتَ غصناً بالهلالِ مُثمرا)
(وَإِن بدتْ طاعتُه فِي ليلةٍ ... من شَعْرِه رأيتَ لَيْلًا مُقمرا)
(كم ليلةٍ جنيتُ من عِذاره ... آساً وَمن خدَّيه وردا أحمرا)
مِنْهَا
(يَا سَاحر الأجفان رفقا بفتًى ... سلبتَ مِنْهُ عقله وَمَا درى)
(غريمُه الشوق وَقد أضحى من ال ... صَبر الْجَمِيل مذ نأيتَ مُعْسرا)
(أجريتَ من أدمعه مَا قد كفى ... يَكْفِيك من أدمعه مَا قد جرى)
(حُزْتَ الجمالَ مِثْلَمَا حَاز العلى ال ... مولى كَمَال الدّين من دون الوَرَى)
(شيَّدَ مجداً لَو أَرَادَ النجمُ أَن ... يدركَ بعضَ شأوِهِ لقَصَّرا)
(وَلَو رأى البدرُ الْمُنِير وَجهه ... هلَّل إجلالاً لَهُ وكبَّرا)
(يَا من أُرَجِّي مالَه وجاهَه ... هَذَا أَوَان النفعِ فافعل مَا ترى)
(لم ألقَ فِي ذَا الدهرِ مَن أَشْكُو لهُ ... ريبَ الزمانِ إذْ تعدَّى وافترى)
(وطالما حدَّثتُ نَفسِي بالغنى ... مِنْك وَمَا كَانَ حَدِيثا مفترى)
(ولستُ أختارُ كَرِيمًا بعْدهَا ... عَنْك وكلُّ الصَّيْدِ فِي جَوف الفَرا)
(فخاطبِ السلطانَ فيَّ مرَّةً ... وَاحِدَة من قبلِ تَلْقَى السّفرا)
(فَهُوَ أَبُو بكرٍ وَأَرْجُو أنَّه ... فِي كلِّ أمرٍ لم يخالفْ عُمَرا)
)
وَمن شعر الصاحب كَمَال الدّين رَحمَه الله تَعَالَى
(وأهيفَ معسولِ المراشفِ خِلْتُهُ ... وَفِي وجنتيه للمدامة عاصرُ)
(يُسيل إِلَى فِيه اللذيذِ مدامةً ... رحيقاً وَقد مرَّت عَلَيْهِ الأعاصر)(22/261)
(فيسكر مِنْهُ عِنْد ذَاك قَوامُه ... فيهتزُّ تيهاً والعيونُ فواترُ)
(كأنَّ أَمِير النّوم يهوى جفونَه ... إِذا همَّ رفعا خالفته المحاجرُ)
(خلوتُ بِهِ من بعد مَا نَام أهلُه ... وَقد غارت الجوزاءُ والليلُ ساترُ)
(فوسَّدتهُ كفِّي وَبَات مُعانقي ... إِلَى أَن بدا ضوءٌ من الصبحِ سافرُ)
(فَقَامَ يجرُّ البُردَ مِنْهُ على تُقًى ... وقمتُ وَلم تُحْلَلْ لإثمٍ مآزرُ)
(كَذَلِك أحلى الحبِّ مَا كَانَ فرجُه ... عفيفاً ووصلاً لم تَشِنْه الجرائرُ)
وَمِنْه وَقد رأى فِي عَارضه شَعْرَة بَيْضَاء وعمره إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة
(أَلَيْسَ بياضُ الأُفق فِي الليلِ مُؤْذِناً ... بآخرِ عمرِ الليلِ إذْ هُوَ أسفرا)
(كَذَاك سوادُ النبت يُشبه يبسَه ... إِذا مَا بدا وسط الرياض مُنَوَّرا)
قَالَ ياقوت دخلتُ إِلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ أَلا ترى أَنا فِي السّنة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثِينَ من عمري وَقد وجدتُ الشعرات الْبيض فِي لحيتي فَقلت أَنا فِيهِ
(هَنِيئًا كَمَال الدّين فضلا حُبِيتَهُ ... ونعماءَ لم يُخصصْ بهَا أحدٌ قبلُ)
(لداتُكَ فِي شغلٍ بداعية الصِّبا ... وأنتَ لتَحْصِيل الْمَعَالِي بكَ الشُّغْلُ)
(بلغتَ لعشرٍ من سنِينِكَ رُتْبَة ... من الْمجد لَا يسطيعها الْكَامِل الكهلُ)
(ولمَّا أَتَاك الْحلم وَالْفِقْه ناشئاً ... أشابَك طفْلا كي يتمَّ لَك الفضلُ)
قلتُ أثبتَ ياقوتُ النونَ الْأَخِيرَة فِي سنينك والأفصح حذفهَا لأجل الْإِضَافَة وَقَول حَمْزَة بن بِيض أحسن من هَذَا
(بلغتَ لعشرٍ مَضَت من سنيِّ ... ك مَا يبلغ الرجلُ الأشيبُ)
(فهمُّك فِيهَا جسامُ الأمورِ ... وهمُّ لداتُكَ أَن يلعبوا)
3 - (زين الدّين بن حلاوات)
عمر بن أَحْمد القَاضِي زين الدّين رَئِيس ديوَان الْإِنْشَاء بطرابلس الصفديُّ الْمَعْرُوف بِابْن حلاوات توفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة بُكْرَةَ السبت رَابِع عشر شهر رَمَضَان)
بطرابلس
كَانَ هُوَ أَولا بصفد وَله أَخَوان تاجران أَحدهمَا برهَان الدّين إِبْرَاهِيم مُقيم بسوق البزّ بصفد وَالْآخر يُونُس تاجرٌ سفَّار تعلق زين الدّين هَذَا بِهَذِهِ الصِّنَاعَة وتردَّد إِلَى الشَّيْخ(22/262)
منجم الدّين بن الْكَمَال وَقَرَأَ عَلَيْهِ وتدرَّب بِهِ وَكَانَ ذهنه جيِّداً وَصَارَ يكْتب الدَّرجة عِنْده فلمَّا ورد الْأَمِير سيف الدّين بتْخاص إِلَى صفد نَائِبا كَانَ مَعَه الشَّيْخ شهَاب الدّين بن غَانِم فانضمَّ زين الدّين إِلَيْهِ فِي الْبَاطِن واستبدَّ بالوظيفة وَانْفَرَدَ الشَّيْخ نجم الدّين بالخطابة ثمَّ اتَّفقوا عَلَيْهِ وأخرجوه إِلَى دمشق وَمَا كَانَ إلاَّ قَلِيلا حتَّى اتَّفق القَاضِي شرف الدّين النُّهاوندي الْحَاكِم بصفد وزين الدّين على شهَاب الدّين بن غَانِم وأوقعا بَينه وَبَين الْأَمِير سيف الدّين بتْخاص فاعتقله وفصله من الْوَظِيفَة وَكتب إِلَى مصر فِي حقِّ زين الدّين بن حلاوات فجَاء توقيعه بتوقيع صفد وَانْفَرَدَ بالوظيفة وَكَانَ ذَا خبْرَة وسياسة ومداخلة فِي النواب واتّحادٍ بهم حتَّى لم يكن لأحد مَعَه حَدِيث وَكَانَ هُوَ المتصرِّف فِي المملكة وتقدَّم ورزق الوجاهة وحظي ونال الدُّنْيَا العريضة وَجمع بَين خطابة القلعة والتوقيع وَكَانَ فِيهِ مروءةٌ وسعة صدر فِي قَضَاء أشغال النَّاس والمبادرة إِلَى نجاز مُرَادهم ومساعدتهم على مَا يحاولونه وَأَنْشَأَ جمَاعَة وانْتهى إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين بن الْأَثِير فَمَال إِلَيْهِ ولمَّا جَاءَهُ خَبره من طرابلس بَكَى عَلَيْهِ وَلَو أنَّ زين الدّين كَانَ حيًّا لما انفلج القَاضِي عَلَاء الدّين بن الْأَثِير مَا كَانَ كَاتب السِّرّ بِمصْر غَيره لمحبَّته لَهُ وإيثاره لَهُ وَقَالَ للسُّلْطَان لمَّا قَالَ لَهُ من يصلح لهَذَا المنصب قَالَ أمَّا فِي مصر فَمَا أعرف أحدا وأمَّا فِي الشَّام فَمَا كنتُ أعرف من يصلح غير ابْن حلاوات وَقد مَاتَ
وَكَانَ ابْن حلاوات يداخل نوَّاب صفد كثيرا وَيَقَع بَين النوَّاب وَبَين الْأَمِير سيف الدّين تنكُز فعزل جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ لمَّا جاءها الْأَمِير سيف الدّين أرُقْطاي إِلَيْهَا نَائِبا وَقع بَينهمَا واتَّصلت الْقَضِيَّة بالسلطان وَهِي وَاقعَة طَوِيلَة فردَّ الْأَمر فِيهَا إِلَى تنكز فَطلب زين الدّين إِلَى دمشق وَهُوَ ممتلئٌ عَلَيْهِ غيظاً فلمَّا دخل عَلَيْهِ رَمَاه بسكِّينةٍ كَانَت بِيَدِهِ لَو أَصَابَته جرحته ورسم عَلَيْهِ وَأمر بمصادرته فوزن ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم فسعى لَهُ الْأَمِير سيف الدّين بكْتَمُر الْحَاجِب وَالْقَاضِي عَلَاء الدّين بن الْأَثِير عِنْد السُّلْطَان واتَّفق أَن مَاتَ فِي تِلْكَ الْأَثْنَاء موقّع طرابلس فَمَا كَانَ بعد ثَمَانِيَة أَيَّام تَقْرِيبًا حتَّى جَاءَ الْبَرِيد بالإفراج عَن زين الدّين وإعادة أُخذ مِنْهُ إِلَيْهِ وتجهيزه إِلَى طرابلس موقِّعاً وَكَانَ المرسوم مؤكَّداً فَمَا أمكن إلاَّ مَا رُسم بِهِ)
وتوجَّه رَئِيس ديوَان الْإِنْشَاء إِلَى طرابلس فَدخل إِلَيْهَا فِي مستهلِّ جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وَسبع مائَة فَأَقَامَ بهَا فِي وجاهة وَحُرْمَة وافرة إِلَى أَن توفّي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور
وَكَانَ خُرُوجه من صفد سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة فِيمَا أظنّ
وَكَانَ يدْرِي النِّجامة وَعلم الرمل وَله نظم وَلم يتَّفق لي بِهِ اجْتِمَاع خَاص بل رَأَيْته(22/263)
غير مرَّة وسمعتُ خطبَته كثيرا وَقَالَ لي من رَآهُ إنَّه كَانَ يتعذَّر عَلَيْهِ كِتَابَة اسْمه فَيكْتب صُورَة مر ثمَّ بعد ذَلِك يركِّب عَلَيْهَا حرف الْعين لتتكمَّل صُورَة عمر
وَيُقَال عَنهُ إنَّه كَانَ يرى مَا يُنسب إِلَى عفيف الدّين التلمساني وَغَيره من تِلْكَ الْمقَالة عَفا الله عَنهُ وَمن شعره فِي الْخمْرَة
(ولابسةِ البِلَّورِ ثوبا وجسمُها ... عقيقٌ وَقد حُفَّتْ بسمط لآلي)
(إِذا جُلِيَتْ عاينتَ شمساً منيرةً ... وبدراً حُلاه من نُجُوم ليَالِي)
ووجدتُ مَنْسُوبا إِلَيْهِ قَوْله
(خُصَّتْ يداك بستَّةٍ ممدوحةٍ ... محمودةٍ بالبأس والإحسانِ)
(قلمٍ ولثمٍ واصطناعِ مكارمٍ ... ومثقَّفٍ ومهنَّدٍ وعِنانِ)
وَأنْشد لَهُ يَوْمًا بَيْتا محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر لما فتح الْملك الْأَشْرَف قلعةَ الرّوم وهما
(أَلا أيُّها الحصنُ المنيعُ جنابُه ... تطهَّرْتَ من بعد النجاسةِ بالشركِ)
(وأمسيتَ تُجْلى بالخليلين دَائِما ... خليلِ إِلَه الْعَرْش والبطل التركي)
فَقَالَ زين الدّين الْمَذْكُور
(بالخليلين صرتَ تُجْلى مسَاء ... لعروسٍ زَادَت سنا وسناءَ)
(قلعةَ الْمُسلمين حُزْتِ جمالاً ... وكمالاً ورفعةً وبهاءَ)
قلت مَا كفته أَنه مَا قَالَ شَيْئا حتَّى لحن بِحَذْف النُّون من تجلين
3 - (عمر بن إِسْحَاق)
3 - (الْأَمِير عماد الدّين الخِلاطي)
عمر بن إِسْحَاق بن هبة الله الْأَمِير عماد الدّين الخِلاطي ولد بخِلاط سنة ثمانٍ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست مائَة(22/264)
كَانَ عَالما فَاضلا خَبِيرا حَسن التَّأنّي لطيف الحركات لَهُ حُرمة وافرة عِنْد الْمُلُوك وَكَانَ أَبُو الخيش لَا يقدّم عَلَيْهِ أحدا ويكرمه وَكَانَ أَبوهُ أصوليًّا واعظاً أديباً مصنِّفاً وليَ قَضَاء خِلاط وَتُوفِّي وَالِده الْمَذْكُور بإربل سنة سِتّ عشرَة وست مائَة ووفاة الْأَمِير عماد الدّين بحماة
3 - (القَاضِي شمس الدّين التنوخي)
عمر بن سعد بن المُنَجّا بن أبي البركات القَاضِي شمس الدّين أَبُو الْفَتْح التنوخي المعرِّي الأَصْل الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ مدرِّس المسماريّة وليَ قَضَاء حرّان مُدَّة وَكَذَا أَبوهُ وَكَانَ عَارِفًا بِالْقضَاءِ بَصيرًا بِالشُّرُوطِ توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست مائَة تفقَّه على وَالِده وَسمع من أبي الْمَعَالِي بن صابر وَأبي سعد بن أبي عَصْرون وَأبي الْفضل بن الشَّهْرَزوري قَاضِي دمشق وَابْن صَدَقَة الحرّاني ورحل هُوَ وَأَخُوهُ عزِّ الدّين وسمعا من يحيى بن بوش وَعبد الْوَهَّاب بن سُكَيْنة وَعبد الْوَهَّاب بن أبي حبَّة وروى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله البِرزالي ومجد الدّين بن العديم وَسعد الْخَيْر بن النابلسي وَأَبُو عَليّ ابْن الخلاّل وَجَمَاعَة وبالحضور أَبُو الْمَعَالِي بن البالسي وَآخر من حدَّث عَنهُ بنته المعمَّرة المسندة سِتُّ الوزراء
3 - (عمر بن إِسْمَاعِيل)
3 - (رشيد الدّين الفارقي)
عمر بن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود بن سعد بن سعيد بن أبي الْكَتَائِب الأديب العلاّمة رشيد الدّين أَبُو حَفْص الرَّبعي الفارقي الشَّافِعِي ولد سنة ثمانٍ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وست مائَة(22/265)
سمع جُزْء البانياسي من الْفَخر بن تيميَّة ظهر لَهُ بعد مَوته وَسمع من ابْن الزَّبيدي وَابْن باقا
وبرع فِي النّظم وَكتب فِي ديوَان الْإِنْشَاء عِنْد صَاحب مَيّافارقين وَعبد النَّاصِر يُوسُف ومدح السخاوي بقصيدة مليحة ومدحه السخاوي أَيْضا وَله يَد طولى فِي التَّفْسِير والبديع واللغة وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْأَدَب ووزَر وتقدّم وَأفْتى وناظر ودرَّس بالظاهريّة وَانْقطع بهَا وَله فِي النَّحْو مقدمتان كبرى وصغرى وَكَانَ حُلْو المناظرة مليح النادرة يُشَارك فِي الْأُصُول والطبّ وَغير ذَلِك ودرَّس بالناصريَّة مُدَّة قبل الظاهريَّة وروى شعره الدمياطي وَرَضي الدّين بن دَبُّوقا وَأَبُو الحجّاج المِزّي والبِرزالي وَآخَرُونَ وَكتب الْمَنْسُوب وانتفع بِهِ جمَاعَة وخُنق فِي بَيته بالظاهرية وأُخذ ذهبُه ودرَّس بعده عَلَاء الدّين ابْن بنت الأعَزّ نقلتُ من خطِّ شهَاب الدّين القوصي فِي مُعْجَمه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ وَكتب بهما إِلَى الْوَزير جمال الدّين عَليّ بن جرير إِلَى قَرْيَة القاسمية على يَد راجل اسمُه عليٌّ أَيْضا
(حسدتُ عليًّا على كَونه ... تَوجَّه دوني إِلَى القاسميَّهْ)
(وَمَا بِي شوقٌ إِلَى قريةٍ ... ولكنْ مراديَ ألْقى سَمِيَّهْ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَكتب بهما إِلَى شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين عمر بن حَمُّويَه
(من غَرْسِ نعْمَته وناظمِ مدحِهِ ... بَين الوَرَى وسَميِّه ووَليِّهِ)
(يشكو ظماه إِلَى السَّحاب لعلَّه ... يرويهِ من وَسْميِّهِ ووليهِ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَقد رَآنِي أتكلّم مَعَ شمس الدّين قَاضِي الْقُضَاة ابْن سنيِّ الدولة
(كلُّ شهابٍ يغيبُ عِنْد طلو ... عِ الشمسِ إلاَّ الشهابَ من قوصِ)
(وَهُوَ إِذا أشكلت مسائلنا ... قاضٍ وَفِي الحكم غيرُ منقوصِ)
قَالَ وأنشدني لَهُ وَقد أُنكر عَلَيْهِ تطويله فِي قصيدةٍ مدح بهَا الْأَشْرَف
(لقد اختصرتُ مديحَ مُوسَى عَالما ... أنَّ البليغ وَإِن طَال مُقَصِّرُ)
)
(لَكِن تأرَّجَ مدحُه فحسبتُه ... وردا ونفعُ الْورْد حِين يُكَرَّرُ)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَكتب بهما إِلَى محيي الدّين بن الزكي
(قَالُوا جفاك الإمامُ يحيى ... وأنتَ فِي حبِّه مُغالي)
(فقلتُ إِن بَاعَنِي رخيصاً ... فإنَّني أشتريه غالي)(22/266)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ
(خَوْدٌ تجمَّع فِيهَا كلُّ مُفْتَرِقٍ ... من الْمعَانِي الَّتِي تستغرق الكَلِما)
(عطتْ غزالاً سطتْ ليثاً خطتْ غُصُناً ... فاحتْ عبيراً رنتْ نَبْلاً بدتْ صَنَما)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ
(رأيتُ شِعريَ فِي الشِّعْرَى بمدحتهِ ... لأنَّ مَدحِيهِ عُلوِيٌّ إِذا نُظما)
(أَضَاء شمساً بدا بَدْرًا علا فلكاً ... سما هلالاً نمى نجماً همى دِيَما)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ وَقد عَاده فَخر الدّين عُثْمَان الكاملي
(قرَّتْ عيونُ العائدين لأنَّها ... نظرتْ إِلَى عثمانَ ذِي النُّورينِ)
(نورٌ بعينٍ لم تزل تستحقر ال ... دنيا ونورٌ قُرَّةٌ للعينِ)
قَالَ وأنشدني لَهُ فِي الْوَزير عليّ بن جرير
(إنَّ عليًّا خطبتْه العُلى ... من بَعْدَمَا هامت بِهِ حينا)
(كُفءٌ إِذا استرسل فِي فعله ... وَقَوله لم يخشَ تلحينا)
قَالَ وأنشدني لَهُ وَكتب بهَا إِلَى ابْن جرير وَقد فوَّض إِلَيْهِ المُنَيْبع
(فديتُ بناناً أَرَانِي النَّدى ... عِياناً وَكَانَ النَّدى يُسمعُ)
(وكفًّا حكى البحرَ جوداً ومِن ... أنامله صحَّ لي المنبعُ)
قَالَ وأنشدني لَهُ فِي الرضي بن الخَشْخاشي
(مازحتُه وحسبتُ فِيهِ رزانةً ... ونسيتُ نسبتَه إِلَى الخَشخاشِ)
قَالَ وأنشدني لَهُ وَكتب بهَا إِلَى المكرَّم بن بُصاقَةَ
(يَا جواداً جودُ رَاحَته ... أغنتِ الدُّنْيَا عَن الدِّيَمِ)
(ووفيًّا من سجيَّتهِ ... رَعْيُ أهلِ الوُدِّ والذِّممِ)
(إنِّني أصبحتُ ذَا ثقةٍ ... بكريمٍ غيرِ متَّهمِ)
)
(خُصَّ بِالْحَمْد اسْمه وَغدا ال ... نعتُ مشتقًّا من الكرمِ)
قَالَ وأنشدني لَهُ مُلغزاً فِي الْخَيْمَة
(مَا اسمٌ إِذا نصبتهُ ... رَفعتَ مَا يُنصبُ بهْ)
(وَلَا يتمُّ نصبهُ ... إلاَّ بجرِّ سببهْ)(22/267)
قَالَ وأنشدني مُلغزاً فِي السَّبْسَب
(مَا اسمٌ إِذا عكستهُ ... فَذَلِك اسمٌ للفلا)
(وَإِن تركتَ عكسهُ ... فَهُوَ المسمَّى أوَّلا)
قَالَ وأنشدني لَهُ
(أُعيذُك ذَا المجدِ المؤثَّلِ أَن يُرى ... جنابكَ منِّي ضيِّقاً وَهُوَ واسعُ)
(وأعجبُ مَا حُدِّثْتُهُ حِفظكَ العُلى ... ومثليَ فِي أَيَّام مثلكَ ضائعُ)
(لَئِن مطرتني من سجاياكَ مُزنةٌ ... حكتْ لي أرضي كَيفَ تزكو الصنائعُ)
قلتُ وَمن نظم الفارقي أَيْضا
(إنَّ فِي لحظِكَ معنى ... حدَّثَ النرجسُ عنهُ)
(ليتَ من جفنيك لي سه ... مَا فَفِي قلبيَ منهُ)
وَله اللغز الْمَشْهُور وَهُوَ
(مَا اسمٌ ثلاثيُّ الْحُرُوف فثلثُه ... مِثْلٌ لَهُ والثلثُ ضِعْفُ جميعهِ)
(والثُّلثُ الآخر جوهرٌ حَلَّتْ بِهِ ... الْأَعْرَاض جمعا فاعجبوا لبديعهِ)
(وَهُوَ المثلَّث جذرُه مِثلٌ لَهُ ... وَإِذا يُربَّعُ بَان فِي تربيعهِ)
(جزءٌ من الفَلَكِ العليِّ وإِنَّما ... بَاقِيه خوفٌ فِي أمانِ مَرُوعهِ)
(حيٌّ جمادٌ ساكنٌ متحرِّكٌ ... إِن كنتَ ذَا نظرٍ إِلَى تنويعهِ)
(وتراه مَعَ خُمسيه علَّةُ كَونه ... معلولةٌ سرًّا لغير مُذيعهِ)
(وَبِغير خمسيه جميعُ النَّحْو مو ... جودٌ ومحمولٌ على موضوعهِ)
(وبحاله فعلٌ مضى مُسْتَقْبلا ... حُمدتْ صناعتهُ لحمد صنيعهِ)
(قيدٌ لمطلقه خُصوصُ عمومهِ ... زيدٌ لمفردهِ على مجموعهِ)
(شيءٌ مقيمٌ فِي الرحيل وممكنٌ ... كالمستحيل بطيئهُ كسريعهِ)
)
(وأهمُّ مَا فِي الدِّين وَالشَّرْع اسمهُ ... ومضافهُ بأصوله وفروعهِ)
(ودقيقُ مَعْنَاهُ الجليلِ مناسبٌ ... علمَ الْخَلِيل وَلَيْسَ من تقطيعهِ)
(وَإِذا عَروضيٌّ تطلَّبَ حَلَّه ... ألفاه فِي المفروق أَو مجموعهِ)
(وَإِذا يرصِّعُه بدُرِّ فريدهِ ... عِقداً يزينُ الدُّرَّ فِي ترصيعه)(22/268)
(للمنطقي وللحكيم نتاجه ... وعلاجه بذهابه ورجوعهِ)
(وَله شعارٌ أشعريٌّ واعتقا ... دٌ حنبليٌّ فاعجبوا لوقوعهِ)
(وتمامُه فِي قَول شَاعِر كندةٍ ... مَا حافظٌ للْعهد مثلَ مضيعهِ)
(يرويك فِي ظمإٍ بدا بوروده ... ويُريك فِي ظُلَمٍ هُدًى بطلوعهِ)
(وَلَقَد حللت اللغز إِجْمَالا وَفِي ... تَفْصِيله تفصيلُ روضِ ربيعهِ)
(فاسْتَجْلِ بِكراً من وليٍّ بالحُلى ... يهدي لكُفْءِ الفضلِ بينَ رُبوعهِ)
وحلَّه العلاّمة تقيُّ الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي علم وَأجَاب عَنهُ بِمِائَة بَيت تَقْرِيبًا وأوَّلها
(بغزيرِ علمٍ وافتنانٍ واسعٍ ... ألغزتَ علما فِي فنونِ وسيعهِ)
3 - (ابْن الحسام الشَّاعِر)
عمر بن آقُوش هُوَ الشَّاعِر زين الدّين أَبُو حَفْص الشِّبليُّ الدِّمَشْقِي الذَّهَبِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن الحسام الافتخاري سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست مائَة اجتمعتُ بِهِ غير مرَّة وأنشدني كثيرا من شعره فِيهِ تودُّدٌ كثير وَحسن صُحْبَة وطهارة لِسَان سمع على الحجَّار وَغَيره أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(قد أثقلتني الْخَطَايَا ... فَكيف أخْلص مِنْهَا)
(يَا ربّ فَاغْفِر ذُنُوبِي ... واصفحْ بِفَضْلِك عَنْهَا)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(يَا من عَلَيْهِ اتِّكالي ... وَمن إِلَيْهِ مآبي)
(جُدْ لي بعفوكَ عنِّي ... إِذا أخذتُ كتابي)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(يَا سائلي كَيفَ حَالي فِي مراقبتي ... وَمَا العقيدةُ فِي سرِّي وإعلاني)
(أخافُ ذَنبي وَأَرْجُو الْعَفو عَن زللي ... فَانْظُر فَبين الرجا وَالْخَوْف تَلقانِي)(22/269)
)
وأنشدني لنَفسِهِ يودِّعني وَأَنا متوجِّهٌ إِلَى الرَّحبة سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة
(ولمَّا اعتنقنا للوداع عشيَّةً ... وَفِي الْقلب نيرانٌ لفرط غليلهِ)
(بكيتُ وَهل يُغني البكا عِنْد هائمٍ ... وَقد غَابَ عَن عَيْنَيْهِ وجهُ خليلهِ)
وأنشدني لنَفسِهِ
(يَا سيِّد الوزراءِ دعوةَ قائلٍ ... من بعدِ إفلاسٍ وَبيع أثاثِ)
(أبطتْ حوالتُكم عليَّ كأَنَّها ... تَأتي إِذا مَا صرتُ فِي الأجداثِ)
(فَإِذا أتتْ من بعدِ موتِي فاحْسِنوا ... بوصولها للأهل فِي ميراثي)
وأنشدني لنَفسِهِ مَا كتبه لشرف الدّين يَعْقُوب نَاظر طرابلس يشتكي من أيُّوب
(بُليتُ بالضُّرِّ من أيُّوبَ حِين غَدا ... يُنكِّدُ العيشَ فِي أكلٍ ومشروبِ)
(وَزَاد يَعْقُوب فِي حُزني لغيبته ... فضُرُّ أيُّوبَ لي مَعَ حُزن يعقوبِ)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(إِذا مَا جئتُكم لغناء فقري ... تَقول أبْشِرْ إِذا قدم الأميرُ)
(وَقد طَال المطالُ وخفتُ يَأْتِي ... أميرُكُمُ وَقد ماتَ الفقيرُ)
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثَانِي شهر رَمَضَان سنة تسعٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائةٍ فِي طاعون دمشق
3 - (الْعَبْدي الْموصِلِي)
عمر بن أيُّوب أَبُو حَفْص العبديّ الموصليّ كَانَ من أشدّ النَّاس حَيَاء توفِّي سنة ثمانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد والنَّسائي وَابْن ماجة وروى هُوَ عَن جَعْفَر بن بُرقان وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وأفلح بن حُمَيْد وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع المكِّي وعليّ بن حَرْب وَقَالَ ابْن مَعين ثقةٌ مَأْمُون وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمَّار مَا رَأَيْته يذكر الدُّنْيَا وَكَانَ من أشدِّ النَّاس حَيَاء(22/270)
3 - (الْملك المغيب بن الصَّالح أيُّوب)
عَليّ بن أيُّوب بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان الْملك المغيث جلال الدّين بن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين بن السُّلْطَان الْملك الْكَامِل ابْن الْعَادِل الْكَبِير توفّي شابًّا بقلعة دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة فِي حبس عمِّ وَالِده الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَكَانَ)
وَالِده لمَّا خرج إِلَى فلسطين استناب وَلَده هَذَا بقلعة دمشق فلمَّا ملك الصَّالح إِسْمَاعِيل دمشق اعتقله فَلم يزل إِلَى أَن توفّي فتألَّم أَبوهُ لمَوْته واتَّهم عمَّه أنَّه سقَاهُ وتجهَّز لَهُ وحاربه
3 - (عمر بن بدر)
3 - (ضِيَاء الدّين الْكرْدِي الْحَنَفِيّ)
عَليّ بن بدر بن سعيد المحدّث أَبُو حَفْص الْكرْدِي الْموصِلِي الْحَنَفِيّ لَهُ تصانيف ومجاميع
توفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة لم يزل يسمع إِلَى أَن مَاتَ لقبه ضِيَاء الدّين سمع ابْن كُليب وَمُحَمّد بن الْمُبَارك بن الحلاوي وَابْن الخُوزي وطبقتهم وحدَّث بحلب ودمشق وروى عَنهُ مجد الدّين بن العديم وَأُخْته شُهدة وَالْفَخْر عَليّ بن البُخَارِيّ وقبلهم الشهَاب القُوصي وَغَيره ووفاته بِدِمَشْق فِي البيمارستان النوري وَله بضع وَسِتُّونَ سنة
3 - (المغازلي الْحَنْبَلِيّ)
عَليّ بن بدر بن عبد الله أَبُو حَفْص المغازلي الْحَنْبَلِيّ البغداذي لَهُ تصانيف فِي الْمَذْهَب واختيارات سمع عَليّ بن مُحَمَّد بن بشار الزَّاهِد وَعمر بن مُحَمَّد ابْن بكار القافلاني وجعفر بن مُحَمَّد الصَّندلي وَعمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وَعمر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْمُسلم العُكبري وَتُوفِّي
3 - (موفق الدّين بن خطيب بَيت الْآبَار)
عَليّ بن أبي بكر بن يُوسُف بن يحيى العدلُ موفق الدّين بن خطيب بَيت الْآبَار إنسانٌ خيِّرٌ مُنْقَطع عَن النَّاس ملازم للْجَمَاعَة وَالذكر كَانَ قبل ذَلِك يخْدم فِي الدِّيوَان وَيشْهد على الْقُضَاة روى عَن الإرْبلي وَابْن(22/271)
اللَّتِّي وَجَمَاعَة وتوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وست مائَة
3 - (المغيث صَاحب الكرك)
عمر بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان الْملك المغيث فتح الدّين بن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل بن الْملك الْكَامِل بن الْعَادِل الْكَبِير ملك الكرك مدَّةً قتل أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فأُنزل إِلَى عمَّةِ أَبِيه فَنَشَأَ عِنْدهَا ولمَّا مَاتَ عمُّه الْملك الصَّالح أيُّوب أَرَادَ شيخ الشُّيُوخ ابْن حَمُّويَة أَن يسلطنه فَلم يتمَّ لَهُ ذَلِك ثمَّ حُبس بقلعة الْجَبَل ثمَّ نَقله ابْن عمّه المعظَّم لما قدم فَبعث بِهِ إِلَى الشَّوْبَك فاعتُقل بهَا وَكَانَ الصَّالح أيُّوب لما أَخذ الكرك من أَوْلَاد النَّاصِر استناب عَلَيْهَا وعَلى الشوبك الطَّواشي بدر الدّين الصَّوابي فلمَّا بلغ الصَّوابي موتُ)
المعظَّم أخرج المغيثَ وسلطنه بالكرك وَصَارَ أتابكه
وَكَانَ المغيث جواداً كَرِيمًا شجاعاً حسن السِّيرة فِي الرعيَّة غير أَنه مَا كَانَ لَهُ حزم ضيَّع الْأَمْوَال وَالدَّنَانِير الَّتِي بالكرك وألجأته الضَّرُورَة إِلَى الْخُرُوج مِنْهَا لأنَّ الْملك الظَّاهِر نزل على غزَّة فركبت إِلَيْهِ وَالِدَة المغيث فأكرمها وَبقيت الرُّسُل تتردَّد إِلَى المغيث وَهُوَ يقدِّم رِجلاً ويؤخِّر أُخْرَى خوفًا من الْقَبْض ثمَّ إنَّه جَاءَ إِلَى الظَّاهِر فَأكْرمه وَأَرَادَ أَن ينزل لَهُ فَمَنعه وسايره إِلَى بَاب الدهليز ثمَّ أُنزل فِي خركاة وأُحيط بِهِ وبُعث مَعَ الفارقاني إِلَى قلعة مصر وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ قَالَ قطب الدّين أَمر الظَّاهِر بخنقه وَأعْطى لمن خنقه ألف دِينَار فأفشى السرّ فأُخذ مِنْهُ الذَّهَب وقُتل وتوفِّي المغيث سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة وعمره نَحْو ثَلَاثِينَ سنة
3 - (القَاضِي كَمَال الدّين التَّفليسي الشَّافِعِي)
عمر بن بُندار بن عمر العلاّمة القَاضِي(22/272)
كال الدّين أَبُو حَفْص التَّفليسي الشَّافِعِي ولد بتفليس سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة تفقَّه وبرع فِي الْمَذْهَب والأصلين وَغير ذَلِك ودرَّس وَأفْتى وَكَانَ حسن السِّيرَة لمَّا ملكت التتار جَاءَهُ التَّقْلِيد من هولاكو بِقَضَاء الشَّام والجزيرة والموصل فباشره مُدَّة يسيرَة وَأحسن إِلَى النَّاس بكلِّ مُمكن وذبَّ عَن الرعيَّة وَكَانَ نَافِذ الْكَلِمَة عَزِيز الْمنزلَة عِنْد التتار لَا يخالفونه بِشَيْء فِي
وسعى فِي حقن الدِّمَاء وَلم يتدنَّس بِشَيْء فِي تِلْكَ المدَّة وَسَار محيي الدّين ابْن الزكي فجَاء بِالْقضَاءِ على الشَّام من التتار وتوجَّه كَمَال الدّين إِلَى قَضَاء حلب وسافر إِلَى مصر وَأفَاد وأشغل وَلم يستأثر مُدَّة قَضَائِهِ أَيَّام التتار بِشَيْء من الْمدَارِس وَكَانَ مدرِّس الْمدرسَة العادليَّة وتعصَّبوا عَلَيْهِ ونسبوا إِلَيْهِ أَشْيَاء برَّأهُ الله مِنْهَا وَنِهَايَة مَا نالوه مِنْهُ أَن ألزموه بِالسَّفرِ إِلَى الديار المصرية فسافر وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَمَا انْتفع النَّاس بالاشتغال عَلَيْهِ
3 - (المظفَّر بن الأمجد)
عَليّ بن بَهرام شاه بن فَرُّخشاه الْملك المظفَّر تقيّ الدّين بن الْملك الأمجد توفّي بِدِمَشْق سنة ثمانٍ وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَمن شعره
3 - (الثمانيني النَّحْوِيّ)
عَليّ بن ثَابت أَبُو الْقَاسِم الثمانيني النَّحْوِيّ الضَّرِير كَانَ إِمَامًا فَاضلا أديباً كَامِلا أَخذ عَن)
ابْن جنِّي وَكَانَ خواصُّ النَّاس يقرؤون فِي ذَلِك الْوَقْت على ابْن برهَان وعوامُّهم يقرؤون على الثمانيني وتوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وروى عَن ابْن جنِّي اللُّمع والتصريف وروى عَنهُ الشريف يحيى ابْن طَباطَبا وَإِسْمَاعِيل بن المؤمَّل الإسكافي وَمُحَمّد بن عقيل بن عبد الْوَاحِد الْكَاتِب الدَّسكري
وصنَّف شرح اللُّمع وَكتاب المقيَّد فِي النَّحْو وَشرح التصريف الملوكي وقرية ثَمَانِينَ بُلَيْدَة صَغِيرَة بِجَزِيرَة ابْن عمر بِأَرْض الْموصل نزلها الثَّمَانُونَ الَّذين كَانُوا(22/273)
فِي سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَهِيَ أوَّل بَلْدَة بُنيت بعد الطوفان
3 - (ابْن الشَّمَحْل البغداذي)
عمر بن ثَابت بن عَليّ الصيَّادُ أَبُو الْقَاسِم بن أبي مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الشَّمَحْل بالشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا مِيم وحاء مُهْملَة وَلَام البغداذي كَانَ يتولَّى بعض الْأَعْمَال الديوانية وعلت مرتبته وارتفع شَأْنه وَصَارَ لَهُ قربٌ من الدولة واختصاصٌ فَبنى مدرسة للحنابلة ودرَّس بهَا أَبُو حَكِيم النَّهرواني وَبعده ابْن الْجَوْزِيّ وَجعل فِيهَا خزانَة كتب نفيسة ثمَّ قُبض عَلَيْهِ وسُجن إِلَى أَن هلك سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَلم تثبت وقفيَّة تِلْكَ الْبقْعَة فبيعت وصارتْ دَارا لبَعض الْأُمَرَاء وأُخذت الْكتب الَّتِي كَانَت بهَا وَكَانَ قد سمع كثيرا من الحَدِيث من عَليّ بن مهْدي بن العلاّف وَغَيره
وَفِيه يَقُول الرئيس أَبُو المكارم بن الْآمِدِيّ يهجوه
(لستُ أهجوك يَا خبيثُ بشيءٍ ... غير قولي هَذَا الْفَتى ابنُ الشَّمَحْلِ)
(اسمُ سوءٍ فاحْذِف ثلثَ حُرُوف ... مِنْهُ أوْلى وقفْ على شَرِّ أصْلِ)
(ورَقيعٌ من يرتجي مِنْك خيرا ... يتندَّى بِهِ وأنتَ ابنُ مَحْلِ)
3 - (عمر بن جَعْفَر)
3 - (دُومى الزَّعفراني)
عَليّ بن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم الملقب بدُومى الزَّعفراني أحد أَعْيَان أهل الْأَدَب المخصَّصين بِمَعْرِِفَة الشّعْر وعروضه وقوافيه وَغير ذَلِك ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم وَكَانَ فِي عصره وَله كتاب الْعرُوض خمس مجلدات ضخمة قَالَ ياقوت رَأَيْتهَا بخطِّه فِي وقف جَامع حلب وَله كتاب القوافي وَكتاب اللُّغَات
3 - (أَبُو الْفَتْح الخُتَّلي)
عمر بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن سَلْم أَبُو الْفَتْح الخُتَّلي(22/274)
البغداذي أَخُو أَحْمد قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة صَالحا وتوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَثَلَاث مائَة
3 - (الْحَافِظ الْبَصْرِيّ)
عمر بن جَعْفَر بن عبد الله بن أبي السَّرِيّ الْحَافِظ أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ كتب النَّاس الْكثير بإفادته وتوفِّي سنة سبع وَخمسين وَثَلَاث مائَة
3 - (بهاء الدّين القوصي)
عمر بن حَامِد بن عبد الرَّحْمَن بن المُرَجَّى بن المؤمَّل بن مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بهاء الدّين أَبُو الْفَتْح وَأَبُو جَعْفَر الشُّروطي القوصي روى عَن ابْن طبرزد وحنبل والكندي وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة مِنْهُم عفيفة الفارفانية وأسعد بن رَوْح والمؤَّيَّد ابْن إخْوَة وحدَّث روى عَنهُ الدَّواداري والحافظ الدمياطي توفّي بِدِمَشْق سنة تسع وَسِتِّينَ وست مائَة
3 - (أَخُو جويريَة أُمِّ الْمُؤمنِينَ)
عَمْرو بن الْحَارِث بن أبي ضرار أَخُو أم الْمُؤمنِينَ جويريَة رَضِي الله عَنْهُمَا لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَتُوفِّي فِي حُدُود السّبْعين للهجر(22/275)
3 - (القَاضِي الْعَدوي الْبَصْرِيّ)
عمر بن حبيب القَاضِي الْحَنَفِيّ الْعَدوي الْبَصْرِيّ صدوقٌ صحيحُ النَّقْل توفّي بِالْبَصْرَةِ سنة سبع وَمِائَتَيْنِ وروى لَهُ ابنُ ماجة ولي ببغداذ قَضَاء الشرقية وَقَضَاء الْبَصْرَة قيل إِنَّه حضر مجْلِس الرشيد فجرت مسألةٌ نَازع فِيهَا الْخُصُوم واحتجَّ بَعضهم بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة فردَّ بَعضهم الحَدِيث وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة متَّهمٌ فِي رِوَايَته وصرَّحوا بكذبه وَمَال الرشيد إِلَى قَوْلهم)
وَنَصره قَالَ فقلتُ أَنا الحَدِيث صَحِيح عَن رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَأَبُو هُرَيْرَة صَدُوق فِي مَا يرويهِ فَنظر إليَّ الرشيد نظر مُغضب فَقُمْت وَمَا بلغتُ بَاب الْمنزل حتَّى طلبني فدخلتُ عَلَيْهِ وَالسيف بِيَدِهِ وَبَين يَدَيْهِ النَّطع فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا ابْن حبيب مَا لَقِيَنِي أحدٌ بالردّ بِمثل مَا لقيتني بِهِ فقلتُ إنَّ الَّذِي قلتَه وجادلتَ فِيهِ فِيهِ إزراء على رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وعَلى مَا جَاءَ بِهِ إِذا كَانَ أَصْحَابه كذَّابين فالشريعة بَاطِلَة وَالْأَحْكَام وَالْحُدُود مَرْدُودَة قَالَ فَرجع إِلَى نَفسه وفكَّر وَقَالَ أحييتني أحياك الله وردَّدها ثَلَاثًا وَأمر لي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
3 - (زين الدّين الكتَّاني الشَّافِعِي)
عمر بن أبي الحَرم الشَّيْخ الإِمَام العلاّمة شيخ الشَّافِعِيَّة زين الدّين أَبُو حَفْص الدِّمَشْقِي ابْن الكتَّاني ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وست مائَة وتفقَّه وناظر ثمَّ تحوَّل إِلَى مصر وَكَانَ تامَّ الشكل حسن الْهَيْئَة جيد الذِّهْن كثير النَّقْل لمَذْهَب الشَّافِعِي عَارِفًا بِهِ مائلاً إِلَى الحجَّة يُوهي بعض الْمسَائِل لضعف دليلها ويُلقي دروساً مفيدة ويزبُرُ من يُعَارضهُ قلَّ أَن يُفتي وَيَقُول لمن يَأْتِيهِ بفُتْيا أَنا مَا أكتب لَك عَلَيْهَا رُوحْ إِلَى الْقُضَاة وَإِلَى الَّذين لَهُم فِي الشَّهْر من الْمَعْلُوم كَذَا وَكَذَا
وَكَانَ فِيهِ دينٌ وتصوُّنٌ وَفِي خلقه زعارة وَله فِي ذَلِك حكايات مَشْهُورَة لَا يخضع لأمير وَلَا لقاض وربَّما تحيَّل عَلَيْهِ بعض النَّاس فِيمَا يرومه مِنْهُ بِأَن يستصحب مَعَه شابًّا(22/276)
حسن الصُّورَة فإنَّه كَانَ يمِيل إِلَى ذَلِك مَعَ عفاف وصون وَكَانَ قد أتقن الْفُرُوع والأصلين وفرَّط فِي علم الحَدِيث أَعنِي معرفَة الرِّوَايَة وأمَّا الدِّرَايَة فَلَا لأنَّه كَانَ المبتدئون من الطّلبَة يحْضرُون دروسه ويعيبون مَا يصحّفه من أَسمَاء الرِّجَال والرواة وَكَانَ عِنْده وَسْوَسَة فِي عقد النيَّة وَكَانَ الشَّيْخ فتح الدّين بن سيِّد النَّاس يَقُول لنا هَذَا تصنُّع مِنْهُ فَلَمَّا ولي خطابة الْجَامِع برَّا بابِ زُوَيْلَة بطلتْ تِلْكَ الوسوسة
وتفقَّه على الْبُرْهَان المَراغي وَقَرَأَ عَلَيْهِ التَّحْصِيل فِي الْأُصُول وَحفظه وَسمع من أبي الْيُسْر وأسعد بن القلانسي وَابْن أبي عمر وتولَّى قَضَاء دمياط والمحلَّة وبِلْبيس فحُمد ودرَّس بالفخريَّة وبالمنكوتمريَّة وخطب بِجَامِع الصَّالح وقلَّ من تفقَّه بِهِ لأخلاقه وزعارتها وَكَانَ يروي فِي دروسه الحَديثيَّة عَن ابْن عبد الدَّائِم بِالْإِجَازَةِ)
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا عَلمته تأهَّل واشتهر اسْمه وطار ذكره وذُكر للْقَضَاء وَسمع جُزْء الْأنْصَارِيّ وَامْتنع من الرِّوَايَة وعاش خمْسا وَثَمَانِينَ سنة وتوفِّي سنة ثمانٍ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (عمر بن الْحسن)
3 - (الباسيسي الغَرَّافي)
عمر بن أَحْمد الباسيسي أَبُو الْقَاسِم الغرَّافي كَانَ من الشُّهُود المُعَدَّلين وَكَانَ المظفَّر بن حمَّاد بن أبي الْجَبْر البَطِيحة يَثِق إِلَيْهِ ويعتمد فِي أشغاله عَلَيْهِ وَكَانَ فَاضلا أديباً لَهُ نظمٌ ونثر نُكب آخر أَيَّام المقتفي وَبَقِي مكسوراً إِلَى أَيَّام الْوَزير ابْن الْبَلَدِي فاختلق لَهُ جرما حَبسه بِهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي حَبسه غمًّا سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره
(إنَّ دائي فِي أَرض بغداذَ قد أش ... فيتُ فِيهَا لم ألقَ من يُشفيني)
(فَلَو أنِّي بجوِّ عالِجَ أَو يَبْ ... رين وافى معالجٌ يُبْريني)
وَمِنْه لغز فِي الخِلالة
(مَا ذَات رَأْسَيْنِ أُنثى ... بِغَيْر رأسٍ صغيرهْ)
(رشيقةٌ قد براها ال ... باري فَجَاءَت قصيرهْ)(22/277)
(تلازمُ الخِدر إِلاَّ ... فِي وجبةٍ للعشيرهْ)
(فتنثني بعد أسرٍ ... على الثنايا مُغيرهْ)
(مَا لامستْ كفَّ فحلٍ ... إِلاَّ وَرُدَّتْ كسيرهْ)
(فاكشف غِطاها فليستْ ... على الذكيِّ عسيرهْ)
3 - (الْحَافِظ بن دِحْيَة)
عمر بن حسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الجُميِّل بن فَرْح بِسُكُون الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة بن خلف بن قُومِس بن مَزْلال بن ملاّل بن أَحْمد بن بدر بن دِحْية ابْن خَليفَة كَذَا نسب نَفسه الْعَلامَة أَبُو الْخطاب بن دِحية الْكَلْبِيّ الدَّاني السَّبتي كَانَ يكْتب لنَفسِهِ ذُو النسبين بن دحْيَة وَالْحُسَيْن قَالَ أَبُو عبد الله بن الأبَّار كَانَ يذكر أنَّه من ولد دحْيَة الْكَلْبِيّ وأنَّه سِبط أبي البسَّام الحُسيني الفاطمي وَكَانَ يُكْنَى أَبَا الْفضل ثمَّ كنَّى نَفسه أَبَا الخطَّاب وَسمع بالأندلس وَكَانَ بَصيرًا بِالْحَدِيثِ معتنياً بتقييده مُكِبًّا على سَمَاعه حَسَن الخَطّ لَهُ حظٌّ وافرٌ من اللُّغَة ومشاركة فِي)
الْعَرَبيَّة وليَ قَضَاء دانِية مرَّتين وصُرف عَنْهَا ثمَّ حجَّ وَكتب بالمشرق عَن جمَاعَة بأصبهان ونيسابور وَعَاد إِلَى مصر فاستأدبه الْعَادِل لوَلَده الْكَامِل وَأَسْكَنَهُ الْقَاهِرَة فنال بذلك دنيا عريضة وَله مصنفات مِنْهَا النصُّ الْمُبين فِي المفاضلة بَين أهل صفِّين
وَكَانَ يَقُول إِنَّه حفظ صَحِيح مُسلم وَكَانَ ظاهريَّ الْمَذْهَب كثير الوقيعة فِي أئمَّة(22/278)
الْجُمْهُور وَفِي الْعلمَاء من السّلف قَالَ محبّ الدّين بن النجَّار وَكَانَ خَبِيث اللِّسَان أَحمَق شَدِيد الكِبَر قَلِيل النّظر فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة متهافتاً فِي دينه وَقَالَ قبل ذَلِك وَذكر أَنه سمع كتاب الصِّلَة لتاريخ الأندلس من ابْن بَشْكُوال وَأَنه سمع من أهل الأندلس غير أنِّي رَأَيْت النَّاس مُجمعين على كذبه وَضَعفه وادّعائه لِقَاء من لم يلقه وَسَمَاع مَا لم يسمعهُ وَكَانَت أَمَارَات ذَلِك لائحةً عَلَيْهِ وَكَانَ القلبُ يَأْبَى سَماع كَلَامه وَيشْهد بِبُطْلَان قَوْله وَكَانَ يُحكى من أَحْوَاله ويحرِّف فِي كَلَامه وصادف قبولاً من السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وَأَقْبل عَلَيْهِ إقبالاً عَظِيما وَكَانَ يُعظِّمه ويحترمه ويعتقد فِيهِ ويتبرَّك بِهِ وسمعتُ من يذكر أَنه كَانَ يُسَوِّي لَهُ المداس حِين يقوم
وَكَانَ صديقنا إِبْرَاهِيم السَّنْهوري المحدّث صَاحب الرحلة إِلَى الْبِلَاد قد دخل إِلَى بِلَاد الأندلس وَذكر لعلمائها ومشايخها أَن ابْن دحْيَة يدَّعي أَنه قَرَأَ على جمَاعَة من شُيُوخ الأندلس القدماء فأنكروا ذَلِك وأبطلوه وَقَالُوا لم يلقَ هَؤُلَاءِ وَلَا أدركهم وإنَّما اشْتغل بِالطَّلَبِ أخيراً وَلَيْسَ نسبه بِصَحِيح فِي مَا يَقُوله ودحية لم يُعْقِبْ فَكتب السَّنهوري مَحْضَراً وَأخذ خطوطهم فِيهِ بذلك وَقدم بِهِ ديار مصر فاشتكى إِلَى السُّلْطَان مِنْهُ فَقَالَ هَذَا يَأْخُذ من عرضي وَيُؤْذِينِي فَأمر السُّلْطَان بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وأُشهر على حمَار وأُخرج من ديار مصر وَأخذ ابْن دحْيَة الْمحْضر وخرَّقهُ
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وبسببه بنى السُّلْطَان دَار الحَدِيث بِالْقَاهِرَةِ وَجعله شيخها وَكَانَ يُرمى بشيءٍ من المجازفة وَقيل عَنهُ ذَلِك للكامل فَأمره بتعليق شيءٍ على الشهَاب فعلَّق كتابا تكلَّم فِيهِ على الْأَحَادِيث والأسانيد فلمَّا وقف عَلَيْهِ الْكَامِل قَالَ لَهُ بعد أَيَّام قد ضَاعَ منِّي ذَلِك الْكتاب فعلِّق لي مثله فَفعل فجَاء فِي الثَّانِي مناقضةُ الأول فَعلم الْكَامِل صحَّة مَا قيل عَنهُ
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين بن خلِّكان وَكَانَ أَبُو الخطَّاب بن دِحية عِنْد وُصُوله إِلَى إربل رأى اهتمام سلطانها الْملك المعظَّم مظفَّر الدّين بن زين الدّين بِعَمَل مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنَّف لَهُ كتابا سمَّاه التَّنْوِير فِي مدح السراج الْمُنِير وَفِي آخر الْكتاب قصيدةٌ طَوِيلَة)
مدح بهَا مظفَّر الدّين وأوَّلها
(لَوْلَا الوشاة وَهُمُ ... أعداؤنا مَا وَهِمُوا)
وَقَرَأَ الْكتاب وَالْقَصِيدَة عَلَيْهِ ورأيتُ هَذِه القصيدة بِعَينهَا فِي مَجْمُوع مَنْسُوب للأسعد بن مَمَّاتي فَقلت لعلَّ النَّاقِل غلط ثمَّ رَأَيْتهَا بعد ذَلِك فِي ديوَان الأسعد بكمالها مدح بهَا السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فقوي الظَّن ثمَّ إنِّي رَأَيْت أَبَا البركات بن المستوفي قد ذكر هَذِه(22/279)
القصيدة فِي تَارِيخ إربل عِنْد ذكر ابْن دحْيَة وَقَالَ سَأَلته عَن معنى قَوْله فِيهَا
(يَفديه من عَطا جُما ... دى كفِّه المُحَرَّمُ)
فَمَا أحار جَوَابا فقلتُ لعلَّه مثل قَول بَعضهم
(تسمَّى بأسماء الشُّهُور فكَفُّه ... جُمادى وَمَا ضمَّت عَلَيْهِ المُحَرَّمُ)
قَالَ فتبسَّم وَقَالَ هَذَا أردتُ وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَقد نيَّف على الثَّمَانِينَ وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَفِيه يَقُول شرف الدّين بن عُنَيْن
(دِحْيَةُ لم يُعْقِبْ فلِمْ تَعتري ... إِلَيْهِ بالبُهتان والإفكِ)
(مَا صحَّ عِنْد النَّاس شيءٌ سوى ... أنَّك من كلبٍ بِلَا شكِّ)
وَقد مرَّ فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ شيءٌ من ذكر ابْن دحْيَة هَذَا وَكَانَ شخصٌ من أدباء النَّصَارَى يتعصَّب لِابْنِ دحْيَة وَيَزْعُم أَن نسبه صَحِيح فَقَالَ فِيهِ تَاج العُلَى
(يَا أَيُّها العِيسِيُّ مَاذَا الَّذِي ... تروم أَن تُثبته فِي الصريحْ)
(إنَّ أَبَا الخطَّاب من دحيةٍ ... شِبه الَّذِي تذكره فِي المسيحْ)
(مَا فِيهِ من كلبٍ سوى أنَّه ... ينبح طولَ الدَّهْر لَا يستريحْ)
(أخْرَقُ لَا يُهدَى إِلَى رُشدِهِ ... كالنَّار شرًّا وكلامٌ كريحْ)
(فردَّه الله إِلَى غُرْبَةٍ ... أَو هَاهُنَا يستُرُه فِي الضريحْ)
فَقَالَ ابْن دحْيَة
(يَا ذَا الَّذِي يُعْزَى إِلَى هاشمٍ ... ذمُّك عِنْدِي فِي البرايا نَبِيحْ)
(ألستُ أَعلَى النَّاس فِي حفظ مَا ... يُسْنَدُ عَن جَدِّكُمُ فِي الصحيحْ)
(يكون حطِّي منكمُ طعنكم ... فِي نسبٍ زاكٍ عليَّ صريحْ)
(وأعجبُ الْأَمر شقائي بكم ... وأنَّني أُحْمَى بِقوم المسيحْ)
)
قلتُ وَالله إنَّ ابْن دحْيَة مَعْذُور فِي هَذَا القَوْل ولكنَّ حظَّ الأفاضل من الزَّمَان هَكَذَا سُبْحَانَ من لَهُ الْأَمر(22/280)
3 - (الدِّمَشْقِي محتسب حلب)
عمر بن حسن بن عمر بن حبيب العالمُ المحدِّث الْفَاضِل زين الدّين أَبُو حَفْص الدِّمَشْقِي مُحْتَسِب حلب ولد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وست مائَة تَقْرِيبًا وَسمع من ابْن البُخَارِيّ وَابْن شَيبَان وعليّ بن بَلَبان وَطَائِفَة وعُني بِالْحَدِيثِ ورحل وَسمع من ابْن حمدَان والأَبَرْقُوهي وسَيِّدة بنت دِرباس وَخلق وَنسخ وحصَّل الأَجزاء وخرَّج لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين معجماً عَن أزْيَدَ من خمس مائَة شيخ بِالسَّمَاعِ وَكَانَ كثير الأَسفار فَدخل فِي آخر عمره إِلَى الرّوم ثمَّ إِلَى مَراغة فَتوفي هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (الخطَّاط البغداذي)
عمر بن الْحُسَيْن الخطَّاط كَانَ كَاتبا جَلِيلًا مليح الخطّ يكْتب النَّاس عَلَيْهِ وَكَانَ يكْتب على طَريقَة ابْن البوَّاب ويجيد ذَلِك قَالَ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ بِيعَتْ آلَة الْكِتَابَة الَّتِي خلَّفها عمر الخطاط من الدُّوِيّ والسكاكين وَغير ذَلِك بتسع مائَة دِينَار أميرية وَتُوفِّي فِي بَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة وَدفن فِي دَاره وَفِيه يَقُول ابْن الْفضل الشَّاعِر
(عُمَيْرَةُ الخطَّاط أعجوبةٌ ... لكلِّ من يدْرِي وَلَا يدْرِي)
(لَا يُحْسِنُ الخطَّ وَلَا يحفظ ال ... قرآنَ وَهُوَ الْكَاتِب المُقْرِي)
3 - (الخِرَقي الْحَنْبَلِيّ)
عمر بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو الْقَاسِم الخِرَقي الْحَنْبَلِيّ كَانَ من أَعْيَان الْحَنَابِلَة وصنَّف فِي مذْهبه كثيرا من جملَة ذَلِك الْمُخْتَصر الَّذِي اشْتغل بِهِ أَكثر الْحَنَابِلَة وَلم تظهر مصنَّفاته لِأَنَّهُ خرج عَن بغداذ لمَّا ظهر بهَا سبُّ الصَّحَابَة وأودع كتبه فِي دَار فاحترقت
وَمَات وَهُوَ بِدِمَشْق ودُفن فِي مَقَابِر بَاب الصَّغِير سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ أَبوهُ من الْأَعْيَان أَيْضا(22/281)
3 - (أَبُو حفصٍ الْمدنِي)
عمر بن الحكم بن ثَوْبان أَبُو حَفْص الْمدنِي روى عَن سعد بن أبي وقَّاص وَأبي هُرَيرة وَأبي سعيد وَعبد الله بن عَمْرو وَجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة سبع عشرَة وَمِائَة وروى لَهُ مُسلم)
وَأَبُو دَاوُد والنَّسائي وَابْن ماجَة
3 - (الحَرَّاني)
عمر بن حَيَاة بن قيس بن حَيَاة الحرَّاني الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح توفّي رَحمَه الله سنة خمس وست مائَة عَن سبع وَسبعين سنة كعمر أَبِيه ذُكر أَن الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن الْملك النَّاصِر مرض بحرَّان فأُرسل إِلَيْهِ أنْ قد قيل إنَّ عافيتك أَن تشربَ شرابًا فِي مداس الشَّيْخ عمر ابْن الشَّيْخ حَيَاة فَقَالَ الشَّيْخ عمر هَذَا قَبِيح فَقَالَ لَا بُدَّ من هَذَا فغسلوها وطيَّبوها وحُملت إِلَيْهِ وَشرب فِيهَا فَعُوفِيَ بِإِذن الله تَعَالَى وَأقَام بعده فِي الزاوية أَخُوهُ أَبُو بكر عبد الله خمس عشرَة سنة وَمَات فِي سَابِع عشر ربيع الآخر سنة عشْرين وست مائَة عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَقد تقدَّم ذكر وَالِده الشَّيْخ حَيَاة بن قيس فِي مَكَانَهُ من حرف الْحَاء
3 - (كَمَال الدّين الدُّنيسِري الشَّافِعِي)
عمر بن الْخضر بن ألِلْمِش بن ألْدُزْمِش بن إِسْرَائِيل الْحَافِظ الْعَالم الْحَكِيم كَمَال الدّين الدُّنَيْسِري أَبُو حَفْص التركي الشَّافِعِي سمع ابْن الْجَوْزِيّ أَبَا الْفرج وَعبد الْمُنعم بن كُليب وَالْمبَارك بن المَعْطوش وطبقتهم ببغداذ وَابْن طَبَرْزَذ وباريك وجعفر بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بدُنَيْسِر وَكَانَ مولده سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وست مائَة وَسمع مِنْهُ جماعةٌ كَثِيرَة وَكَانَ عَارِفًا بالطبّ مجموعَ الْفَضَائِل وَجمع تَارِيخا لدُنَيْسِر
3 - (ابْن أبي زَائِدَة الهَمْداني)
عمر بن خَالِد بن مَيْمُون هُوَ ابْن أبي زَائِدَة الْهَمدَانِي(22/282)
الْكُوفِي وَهُوَ أكبر من أَخِيه زكريّاء
روى عَن قيس بن أبي حَازِم والشَّعبي وعِكرِمة وَأبي بُردة بن أبي مُوسَى وعَوْن بن أبي جُحَيْفة وَعبد الله بن أبي السَّفَر وروى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَإِسْحَاق بن مَنْصُور والسَّلُولي ومُسلم بن إِبْرَاهِيم والأصمعي وَعبد الله بن رَجاء والحَوْضي وَآخَرُونَ وثَّقه ابْن مَعين وعاش دهراً وَتُوفِّي بعد الْخمسين وَمِائَة وروى لَهُ البُخَارِيّ ومُسلم والنَّسائي
3 - (أَمِير الْمُؤمنِينَ)
عمر بن الخطَّاب بن نُفَيْل بن عبد العُزَّى بن رِياح بن عبد الله بن قُرْط بن رزَاح بن عدي بن كَعْب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو حَفْص الْقرشِي الْعَدوي أُمُّه حَنْتَمَة بنت هَاشم بن المُغيرة بن عبد)
الله بن عمر بن مَخْزُوم وَمن قَالَ بنت هِشَام بن الْمُغيرَة فقد أَخطَأ لأنَّها لَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ أُخت أبي جهل بن هِشَام والْحَارث بن هِشَام بن الْمُغيرَة وإنَّما هِيَ بنت عمّهما
ولد عمر رَضِي الله عَنهُ بعد الْفِيل بِثَلَاث عشرَة سنة فِي قَول وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش وَإِلَيْهِ كَانَت السَّفارة فِي الْجَاهِلِيَّة لأنَّه كَانَ إِذا وَقعت بَين قُرَيْش وَبَين غَيرهم حربٌ أَو منافرة أَو مفاخرة بعثوه سفيراً ومنافِراً ومفاخِراً وَرَضوا بِهِ ثمَّ أسلم بعد أَرْبَعِينَ رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة وَكَانَ إِسْلَامه عِزًّا ظهر بِهِ الْإِسْلَام بدعوة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ من الْمُهَاجِرين الأوَّلين وَشهد بيعَة الرضْوَان وكلَّ مشْهد شهده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنهُ راضٍ
ولي الْخلَافَة بعد أبي بكر بُويع لَهُ يَوْم مَاتَ أَبُو بكر باستخلافه سنة ثَلَاث عشرَة فَسَار بِأَحْسَن سيرة وَأنزل نَفسه من مَال الله منزلةَ رجلٍ من النَّاس وَفتح الله لَهُ الْفتُوح بِالشَّام(22/283)
وَالْعراق ومصر ودوَّن الدَّوَاوِين فِي الْعَطاء ورتَّبَ الناسَ فِيهِ على سوابقهم وَكَانَ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَهُوَ الَّذِي نوَّر شعرَ الصَّوْم بِصَلَاة الإشفاع فِيهِ وأرَّخ التَّارِيخ من الْهِجْرَة الَّذِي بأيدي النَّاس إِلَى الْيَوْم وَهُوَ أوَّل من تسمَّى بأمير الْمُؤمنِينَ وأوَّل من اتَّخذ الدِّرَّة وَكَانَ نقش خَاتمه كفى بِالْمَوْتِ واعظاً يَا عمر
وَكَانَ آدَمَ شَدِيد الأُدْمَة طُوالاً كثّ اللِّحْيَة أصلع أعسرَ يَسَرَ يخضب بالحِنَّاء والكَتَم كَانَ يَأْخُذ بِيَدِهِ اليُمنى أُذُنه اليُسرى ويثب على فرسه كأنَّما خُلق على ظَهره وَقَالَ أَبُو رَجَاء العُطاردي كَانَ طَويلا جسيماً أصلع شَدِيد الصلع أَبيض شَدِيد حمرَة الْعَينَيْنِ فِي عَارضه خفَّة سَبَلَتُه كَثِيرَة الشّعْر فِي أطرافها صُهْبة
قَالَ ابْن عبد البرّ وَقد ذكر الْوَاقِدِيّ من حَدِيث عَاصِم بن عُبيد الله عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ إِنَّمَا جاءتنا الأُدْمَةُ من قِبَلِ أخوالي بني مَظْعُون وَكَانَ أَبيض لَا يتزوَّج لشَهْوَة إِلاَّ لطلب الْوَلَد وَعَاصِم بن عُبيد الله لَا يُحْتَجُّ على حَدِيثه وَلَا بِأَحَادِيث الْوَاقِدِيّ
وَزعم الْوَاقِدِيّ أَن سُمْرَةَ عمر وأُدمته إِنَّمَا جَاءَت من أكله الزَّيْت عَام الرَّمادة وَهَذَا مُنكر من القَوْل وأصحُّ مَا فِي هَذَا الْبَاب وَالله أعلم حَدِيث سُفيان الثَّوري عَن عَاصِم بن بَهْدَلة عَن زِرّ بن حُبيش قَالَ رأيتُ عمر آدَمَ شَدِيد الأُدْمة قَالَ أنس كَانَ أَبُو بكر يخضب بالحنَّاء والكَتَم وَكَانَ عمر يخضب بالحنَّاء بحتاً قَالَ ابْن عبد البرّ والأَكثر أنَّهما رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَا)
يخضبان
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه وَنزل الْقُرْآن بموافقته فِي أُسارى بدر وَفِي الْحجاب وَفِي تَحْرِيم الْخمر وَفِي مقَام إِبْرَاهِيم وَفِي حَدِيث عُقبة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ لَو كَانَ بعدِي نبيٌّ لَكَانَ عمر
وَعَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم قد كَانَ فِي الْأُمَم قبلكُمْ محدّثون
فَإِن يكن فِي هَذِه الأمَّة أحد فعمر بن الْخطاب
وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم بَينا أَنا نائمٌ أُتِيتُ بقدح لبنٍ فشربتُ حتَّى رأيتُ الرِّيَّ يخرج بَين أظفاري ثمَّ أعطيتُ فضلي عمَر قَالُوا فَمَا أوَّلْتَ ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ الْعلم
وَعَن جَابر أَن رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم قَالَ دخلتُ الجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا دَارا أَو قَالَ قصراً وسمعتُ فِيهَا ضوضأة فَقلت لمن هَذِه فَقَالُوا لرجلٍ من قُرَيْش فَظَنَنْت أنِّي أَنا هُوَ فقلتُ(22/284)
من هُوَ فَقيل عمر بن الْخطاب فلولا غَيْرَتُك يَا أَبَا حَفْص لدخلتُه فَبكى عمر بن الْخطاب فَقَالَ أعليك يُغار أَو قَالَ أغار يَا رَسُول الله وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم رأيتُني فِي الْمَنَام وَالنَّاس يُعرَضون عليَّ عَلَيْهِم قُمُصُهُم قُمُص مِنْهَا إِلَى كَذَا وَمِنْهَا إِلَى كَذَا ومرَّ عليَّ عمر بن الخطَّاب يجرُّ قَمِيصه فَقيل يَا رَسُول الله مَا أوَّلت ذَلِك قَالَ الدّين
وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ خيرُ النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر وَقَالَ أَيْضا مَا كنَّا نبعد أَن السكينَة تنطق على لِسَان عمر وَقَالَ ابْن مَسْعُود مَا زلنا أعِزَّةً مُنْذُ أسلم عمر
وَقَالَ حُذَيفة كَانَ علمُ النَّاس كلَّهم قد دُسَّ فِي جُحر مَعَ علم عمر وَقَالَ ابْن مَسْعُود لَو وُضع علم أَحيَاء الْعَرَب فِي كفَّة ميزَان ووُضع علم عمر فِي كفَّة لرجح علم عمر وَلَقَد كَانُوا يرَوْنَ أَنه ذهبَ بِتِسْعَة أعشار الْعلم ولَمجلسٌ كنتُ أجلسه مَعَ عمر أوثق فِي نَفسِي من عَمَلِ سنة وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا سبقتُ أَبَا بكرٍ قطُّ إِلَى خير إِلاَّ سبقني إِلَيْهِ ولودِدْتُ أنِّي شعرةٌ فِي صدر أبي بكر)
وَذكر الزبير قَالَ قَالَ عمر لما ولي كَانَ أَبُو بكر يُقَال لَهُ خَليفَة رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فَكيف يُقَال لي خَليفَة خَليفَة يطول هَذَا فَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة بن شُعبة أَنْت أميرنا وَنحن الْمُؤْمِنُونَ فَأَنت أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَذَاك إِذن
وتزوَّج عمر رَضِي الله عَنهُ زَيْنَب بنت مَظْعُون فَولدت لَهُ عبد الله وَحَفْصَة وَعبد الرَّحْمَن
وتزوَّج مُليكة الخُزاعيَّة فَولدت لَهُ عُبيد الله وَقيل أمّه وَأم زيد الْأَصْغَر أم كُلْثُوم بنت جَرول
وتزوَّج بنت الْحَارِث هِشَام المخزوميَّة فَولدت لَهُ فَاطِمَة وتزوَّج جميلَة بنت عَاصِم بنت ثَابت فَولدت لَهُ عَاصِمًا وتزوَّج أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة الزهراء فَولدت لَهُ زيدا ورُقيَّة وتزوَّج عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نُفيل الَّتِي تزوَّجها بعده الزُّبير
واستُشهد عمر بن الخطَّاب رَضِي الله عَنهُ مُصْدِراً من الْحَج فِي آخر سنة ثَلَاث وَعشْرين لِلْهِجْرَةِ طعنه أَبُو لؤلؤة غلامُ الْمُغيرَة بن شُعبة بخنجر ذِي رَأْسَيْنِ نِصابه فِي وَسطه وَهُوَ كامن لَهُ قي زَوَايَا الْمَسْجِد بغَلَس وَطعن مَعَه اثْنَي عشر رجلا مَاتَ مِنْهُم(22/285)
سِتَّة وَألقى عَلَيْهِ رجل من أهل الْعرَاق ثوبا فلمَّا اغتمَّ قتل نَفسه
قَالَ سعيد بن المسيَّب قُبض عمر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ سِتِّينَ وَقَالَ قَتَادَة إِحْدَى وَسِتِّينَ
وَكَانَ إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنهُ فِي السّنة السادية من الْبعْثَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة وصلَّى عمر على أبي بكر حِين مَاتَ وصلّى صُهَيْب على عمر وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي انْصِرَافه من حجّته الَّتِي لم يحجّ بعْدهَا الْحَمد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله يُعْطي من يشاءَ مَا يَشَاء لقد كنتُ بِهَذَا الْوَادي يَعْنِي ضَجَنان أرعى غنما للخطَّاب وَكَانَ فظًّا غليظاً يُتعبني إِذا عملت ويعذِّبني إِذا قَصَّرت وَقد أصبحتُ وأمسيتُ وَلَيْسَ بيني وَبَين الله أحدٌ أخشاه ثمَّ تَمَثَّل
(لَا شيءَ ممَّا ترى تبقى بشاشته ... يبْقى الْإِلَه ويودي المَال وَالْولد)
(لم تغن عَن هُرْمُز يَوْمًا خزائنه ... والخلد قد حاولتْ عادٌ فَمَا خلدوا)
(وَلَا سليمانُ إِذْ تجْرِي الرياحُ لَهُ ... والإنسُ والجِنُّ فِيمَا بَينهَا بُرُدُ)
(أَيْن الْمُلُوك الَّتِي كَانَت لعزَّتها ... من كلِّ أوبٍ إِلَيْهَا وافدٌ يَفِدُ)
(حوضٌ هُنَالك مورودٌ بِلَا كَذِبٍ ... لَا بدَّ من وِرْدِه يَوْمًا كَمَا وردوا)
)
قَالَ ابْن عبد البرّ وروينا عَن عمر أَنه قَالَ فِي حِين احتُضر وَرَأسه فِي حجر ابْنه
(ظلومٌ لنَفْسي غير أنِّي مسلمٌ ... أصلِّي الصلاةَ كلَّها وأصومُ)
وَقَالَت عَائِشَة ناحت الجِنُّ على عمر قبل أَن يُقتل بِثَلَاث فَقَالَت
(أبعدَ قتيلٍ بالمدينَةِ أظلمتْ ... لَهُ الأَرضُ تهتزُّ الغَضاةُ بأَسْؤُقِ)
(جزى الله خيرا من إمامٍ وباركتْ ... يدُ الله فِي ذَاك الأديمِ المُمَزَّقِ)
(فَمن يسعَ أَو يركبْ جناحَيْ نعامةٍ ... ليدركَ مَا قدَّمْتَ بالأمسِ تَسْبِقِ)
(قضيتَ أُموراً ثمَّ غادرتَ بعْدهَا ... بوائقَ فِي أكمامها لم تُفَتَّقِ)
(وَمَا كنتُ أخْشَى أَن تكون وَفَاته ... بكفِّ سَبَنْتَى أَزْرَق العينِ مطرق)(22/286)
ذكرتُ هُنَا قَول عَلَاء الدّين الوداعي على لِسَان صديق لَهُ يهوى مليحاً فِي أُذُنه لؤلؤة
(قد قلتُ لمَّا مرَّ بِي ... مُقَرْطَقٌ يَحْكِي القَمَرْ)
(هَذَا أَبُو لؤلؤةٍ ... مِنْهُ خُذُوا ثأرَ عُمَرْ)
3 - (زين الدّين الصَّفَدِي)
عمر بن دَاوُد بن هَارُون بن يُوسُف زين الدّين أَبُو حَفْص الْمَعْرُوف بالصفدي أَصله من نَيْن قَرْيَة بمرج بني عَامر من أَعمال صفد وَهِي بنونين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف على وزن بَيْن ورد إِلَى صفد عَام سِتَّة عشر وَسبع مائَة فِيمَا أَظن وَقد عَذَّر وَكتب على الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي واشتغل عَلَيْهِ وتحرَّج بِهِ وَكتب الْإِنْشَاء عِنْده وَكَانَ بِهِ نباهةٌ وذكاء فأتقن كِتَابَة الترسُّل وبرع فِيهَا فَلَمَّا بَطل الشَّيْخ نجم الدّين من الْإِنْشَاء بصفد كتب هُوَ الدَّرج لعلم الدّين سَنْجَر الساقي لمَّا كَانَ مُشِدَّ الدَّوَاوِين وواليَ الْوُلَاة بصفد ولمَّا هرب علم الدّين الْمَذْكُور فارًّا من الْأَمِير سيف الدّين أَرُقْطاي نَائِب صفد كَانَ مَعَه فَحَضَرَ إِلَى دمشق وَأقَام زين الدّين بِدِمَشْق مدَّةً ثمَّ إنَّ ابْن مَنْصُور موقِّع غزَّة أَخذه مَعَه إِلَى غزَّة أَيَّام الْأَمِير علم الدّين الجاوْلي فأعجب الأميرَ علمَ الدّين فضلُه فخاف ابْن مَنْصُور من تقدّمه عَلَيْهِ فَعمل عَلَيْهِ فَأَعَادَهُ إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ إنَّ الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُز جهَّزه إِلَى توقيع الرَّحبة أَيَّام القَاضِي شمس الدّين بن شهَاب الدّين مَحْمُود فَأَقَامَ بهَا أَكثر من سنتَيْن فلمَّا توجَّه القَاضِي محيي الدّين وَولده القَاضِي شهَاب الدّين إِلَى مصر توجَّه جمال الدّين بن رزق الله إِلَى توقيع غزَّة فَذَكَرَاهُ للأمير سيف الدّين تنكز فرسم بإحضاره إِلَى دمشق موقِّعاً عِوَضاً عَن)
جمال الدّين بن رزق الله فَأَقَامَ بِدِمَشْق دون السّنة ثمَّ إنَّه طلبه القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله إِلَى مصر فَأَقَامَ يكْتب بَين يَدَيْهِ قَرِيبا من ثَمَانِي سِنِين إِلَى أَن لزم بَيته ثمَّ إنَّ طاجار الدوادار عمل عَلَيْهِ وَأخرجه إِلَى صفد فَأَقَامَ بهَا مدَّةً بطَّالاً
ولمَّا أُمسك الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَحضر القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق أحضرهُ إِلَى دمشق وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فَدخل بِهِ القَاضِي شهَاب الدّين إِلَى ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق أَيَّام الْأَمِير عَلَاء الدّين أَلطُنْبُغا الناصري وكتبتُ لَهُ توقيعاً بذلك وَهُوَ(22/287)
رُسِمَ بِالْأَمر العالي وَلَا زَالَ يزِيد الأولياءَ زَيْناً ويزين الأكفاءَ بِمن إِذا حلَّ صَدرا كَانَ عَيْناً ويرتجع لكلِّ مستحقٍّ مَا كَانَ لَهُ فِي ذمّة الزَّمَان دَيْناً أَن يستقرَّ الْمجْلس العالي الزينيُّ فِي كَذَا لأنَّه الْكَاتِب الَّذِي دبَّجَ المهارق ورقمَ طروسها فَكَانَ لَهَا نظراتُ الحَدَق ونضارة الحدائق وخطَّ سطورها الَّتِي إِذا رمَّلها غدتْ من الحسنِ كالرَّيحان تَحت الشقائق وصرع بهَا أطيار الْمعَانِي لِأَن دالات السطور قِسِيّ والنُّقط بَنَادِق وزان آفاقها بنجوم أسجاعه فَلم يصل أحد إِلَى دَرَجَات فصاحتها لِما فِيهَا من الدقائق وأصدرها فِي الرَّوْح والرَّوْع يُرَجَّى الحيا مِنْهَا وتُخشى الصَّوَاعِق وأودعها نفائس إنشائه فَأثْنى عَلَيْهَا أئمَّة البلاغة وَلَو سكتوا أثنت حقائب الْحَقَائِق
طالما كتب بالأبواب الشَّرِيفَة تقليداً وجهَّز فِي المهمَّاتِ كتبا مَلَأت الْبَحْر حَربًا والبرَّ بريدا ووشَّى أَمْثِلَة صدرت عَنْهَا فطارت فِي الْآفَاق وَلَكِن أوثقتها الأفهام تقييداً وَعَاد الْآن إِلَى الشَّام فنفَّس عَنْهَا خناق الوحشة بِقُرْبِهِ وتلقَّته بالرّحب علما بِأَنَّهَا تَغْنَى عَن الْكَتَائِب بكُتْبه وأحلَّتْه فِي رُتبةٍ يَسُرُّ فِيهَا الوليَّ بسلمه ويسوء العدوَّ بحربه شوقاً إِلَى أُنسٍ أَلِفَتْه من لطفه وعرفته من عُرْفه فِي نفح عَرفه فطاب بِهِ الواديان كِلَاهُمَا وتنافسا فِي أَخذ حظَّيْهما من قُربه فَمَا تسهلا تساهُماً فَهُوَ من الْقَوْم الَّذين تشقى الْبِقَاع بهم وتُسْعَد وَإِذا قربوا من مكانٍ تخطَّاهم السوء للأبعد وَإِذا قَامُوا بمهمٍّ كَانُوا بِهِ أقعد وَإِذا باشروا الْمَعَالِي كَانُوا أسعد النَّاس وأصعد وَإِذا كتبُوا كبتوا العِدى لأنَّ كَلَامهم لَمَعَ فأبرق وطِرسهم قَعْقَعَ فأرعد فليباشر ذَلِك على مَا عُهد من أدواته الْكَامِلَة وكلماته الَّتِي تركت محاسنَ البرايا بائرة وأزاهرَ الخمائل خاملة والوصايا الَّتِي تُملى كَثِيرَة وَكم شرَّع لَهَا قرطاسه وشرعها بأقلامه ونضَّد عقودها بإحكام أَحْكَامه وملأ بجيوشها صُدُور مَهامِه فَمَا يُلقى إِلَى بحره مِنْهَا دُرَّة وَلَا يُذكر لطود فَضله مِنْهَا ذرَّة وَلَا)
يطلع الْقَلَم فِي أفق فضلٍ كلُّه شُموسٌ من ذَلِك بَدْرَه وَلَا يُدلُّ مثله على صَوَاب فقبيح بالعَوان أَن تُعَلَّم الخِمرة وَلَكِن لَا بُد للقلم من لفتة جِيد وفلتةِ نفثٍ تكون كالخال فِي الوجنة ذَات التوريد وَهِي الذكرى بتقوى الله تَعَالَى الَّتِي من عَدِمَها فقد باءَ بخُسران متين وَمن لَزِمَهَا فقد جَاءَ بسُلْطَان مُبين وَالله يتولَّى رفْعَة مجده وسعة رفده والخطّ الْكَرِيم أَعْلَاهُ حُجَّة بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ
ومولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة وبيني وَبَينه مكاتبات كَثِيرَة تشْتَمل على نظم ونثر وَلم يَحضرني الْآن مِنْهَا شَيْء وذهنه جيّدٌ يتوقَّد ذكاءً وكتابته أصيلة منسوبة وعربيّته جيّدة وَقد أتقن مصطلح الدِّيوَان وحرَّره فَهُوَ الْآن من كتَّاب الزَّمَان(22/288)
وكتبتُ إِلَيْهِ وَهُوَ بِدِمَشْق وَأَنا بصفد
(إنَّ عَيْني مذ غابَ شخصك عَنْهَا ... يَأْمر السُّهْدُ فِي كراها ويَنْهَى)
(بدموعٍ كأَنهنّ الغوادي ... لَا تسلْ مَا جرى على الخدِّ مِنْهَا)
وكتبتُ إِلَيْهِ وَهُوَ بغزَّة مَعَ غلامٍ حَسَن الْوَجْه
(يَا نازحاً صَوَّرْتُه فِي خاطري ... فَرُميتُ للتصوير بالنّيرانِ)
(إِن لم يُبَلِّغْكَ النسيمُ تحيَّتي ... فَلَقَد أتاكَ بهَا قضيبُ البانِ)
وكتبتُ إِلَيْهِ وَقد تأخَّرت مكاتباته عنِّي وَهُوَ بِدِمَشْق
(يَا بارقاً سَالَ فِي عطف الدُّجى ذَهَبا ... أَذكرتَني زَمنا فِي جِلِّقٍ ذَهَبا)
(لَئِن حكيتَ فُؤَادِي فِي تَلَهُّبه ... فلست تحكيه لَا وجدا وَلَا حَرَبا)
(وَيَا نسيماً سرى والليلُ معتكرٌ ... وَهَبَّ وهْناً إِلَى أَن هزَّني طَرَبا)
(أراكَ تنفحُ عِطراً فِي صَباك فَهَل ... تركتَ ذيلاً على جَيْرُونَ مُنْسَحِبا)
(أم قد تحمَّلْتَ من صبحي تحيَّتَهم ... فَكَانَ ذَلِك فِي طيب الصَّبا سَببا)
(قومٌ عهدتُ الوفاءَ المحضَ شيمتَهم ... وَإِن شكَكْتَ سَلِ العلياء والأدبا)
(صرفتُ إِلاَّ عِناني عَن محبَّتهم ... وبِتُّ نِضواً خليفَ الشوق مكتئبا)
(لَا الدَّار تدنُو وَلَا السُّلوان يُنجدني ... وعزَّ ذَلِك مَطْلُوبا إِذا طُلبا)
(أحبابَنا إِن وَنَتْ عنِّي رسائلكم ... فلستُ أسألُ إِلاَّ الْفضل والحسبا)
(وحياتكم مَا لنَفْسي عنكُمُ بدلٌ ... كلاّ وَلَا اتَّخذتْ فِي غَيْركُمْ أرَبا)
)
(أُعيذُ ودَّكم من أَن يغيِّرهُ ... نأيٌ وَلَا جُرِّدَتْ من دون ذَاك ظُبَى)
(لعلَّ دهراً قضى بالبعد يجمعنا ... وقلَّما جاد دهرٌ بالَّذي سلبا)
(أرْضى بِحكم زماني وَهُوَ يظلمني ... فِيكُم وأجني ببعدي عَنْكُم التعبا)
(وَلنْ يُظَفِّرَني إِلاَّ بودَّكُمُ ... يَا حيرتي فيكمُ إِن ردَّ مَا وهبا)
(نسيتموني وَلم أَعتدْ سوى كَرَمٍ ... مِنْكُم يُبَوِّئُني من فَضلكُمْ رُتَبا)
(حاشاكمُ أَن تَرَوْا هجري بِلَا سَبَب ... أَو تجْعَلُوا الْبَين فِيمَا بَيْننَا حُجُبا)
(عاقبتموني وَلَا ذنبٌ أتيتُ بِهِ ... فَقُلْ عَن الصخر إِذْ يقسو وَلَا عجبا)
(عودوا إِلَى جبر كسري لَا فُجِعْتُ بكم ... فقد لقيتُ ببعدي عنكمُ نصبا)(22/289)
وَكتب هُوَ إليَّ وَأَنا بِدِمَشْق وَهُوَ بصفد وَقد ظنَّ أنِّي لمَّا كنت بِالْقَاهِرَةِ تمالأتُ عَلَيْهِ وَعلم الله كافٍ
(إِن كَانَ ظنُّكَ أنَّني لَك ظالمُ ... فارْحمْ لِأَن تُسْمَى بأنَّك راحمُ)
(حَسْبُ الْمُسِيء من الْقصاص بأَنَّه ... جرحٌ بجرحٍ والسعيد مسالمُ)
(كم قد حرصتُ على التَّنصُّلِ عِنْدَمَا ... وَقع العتابُ فَمَا أقالَ الحاكمُ)
(الله يعلم أنَّني لَك عاذرٌ ... وَالله منِّي بِالْبَرَاءَةِ عالمُ)
(هَا قد جرى لي مَا جرى لَك قبلهَا ... ووقعتُ فِي صفدٍ وأنفي راغمُ)
(إِن صحَّ لي فِيهَا عَلَيْك جنايةٌ ... فجزاؤها هَذَا العقابُ اللازمُ)
(فاقنعْ بِهِ وَاذْكُر قديمَ مودَّتي ... فالعهدُ فِيمَا بَيْننَا متقادِمُ)
(أَوَلَم يكنْ ذنبٌ وحالي مَا ترى ... فامدُدْ إليَّ يدا وجاهُك قائمُ)
(فَلَقَد تأتَّى مَا تُرِيدُ فوالِني ... مِنْك الجميلَ فأنَّه لَك دائمُ)
(جارَ الزمانُ على وليِّك واعتدى ... وَإِلَيْك للزمن الألدِّ يخاصِمُ)
(من كَانَ لَيْسَ بنادمٍ مُستدرِكٍ ... فَأَنا عَلَيْك إِلَى مماتي نادمُ)
(كانتْ هناةٌ وانقضتْ ومَنِ الَّذِي ... منَّا وَلَيْسَ لَهُ تُعَدُّ جرائمُ)
(إنَّ الَّذِي قَسَمَ الحظوظَ كَمَا يشا ... للرزقِ مَا بَين البرايا قاسمُ)
(قُلٌّ وكثرٌ وَلَيْسَ تبقى حالةٌ ... والدهر بَين النَّاس بانٍ هادمُ)
(يَا من لَهُ أخلصتُ كنْ لي مخلصاً ... فعلى مُجازينا كِلَانَا قادمُ)
)
(أعلنتُ بالشكوى لضُرٍّ مَسَّني ... لكنَّ وُدِّي فِي الْحَقِيقَة سالمُ)
(وَلَك السِّيَادَة حليةٌ ومكارمُ ... الأخلاقِ مِنْهَا فِي يَديك خواتمُ)
(فاقبلْ أخوَّتيَ الجديدةَ إنَّني ... فِيهَا لمجدك أَو لودِّك خادمُ)
(وَإِلَى الرِّضى عُدْ بِي وللحُسنى أَعِدْ ... حتَّى تقومَ على الصفاءِ علائمُ)
(والبَسْ رياستك السّنيَّة حُلَّة ... أبدا لَهَا من نسج سعدك راقمُ)
(واجعلْ لَهَا شكرا إقالةَ عثرةٍ ... من صاحبٍ قد صَدَّ عَنهُ العالمُ)
(أنتَ الخليلُ بل الخليُّ من الهَوَى ... وأخوَّتي قد جرَّها لَك آدمُ)
(فأَعِنْ أَخَاك بِحسن سعيك مرَّةً ... إنَّ المغارِمَ فِي الإخاء مغانمُ)(22/290)
وَلم يزل فِي كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق إِلَى أَن طلبه القَاضِي عَلَاء الدّين بن فضل الله إِلَى بَاب السُّلْطَان بمرسوم السُّلْطَان الْملك المظفَّر فتوجَّه هُوَ وَولده شهَاب الدّين أَحْمد إِلَى الديار المصرية فِي الْبَرِيد ورُتِّب زين الدّين الْمَذْكُور موقِّعاً فِي الدَّسْت الشريف بالأبواب السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ توجَّه من دمشق فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَأقَام هُنَاكَ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله وسامحه فِي ثامن عشْرين صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بعد مرض طَوِيل قاسى مِنْهُ شدَّة
ووقفتُ لَهُ على كتاب كَانَ قد كتبه من صفد بخطِّه إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن فضل الله وَهُوَ
(الناسُ هم بِالنَّاسِ فِي الدُّنْيَا فَذا ... عالٍ وَهَذَا دونَه يرجوهُ)
(والكلُّ عائلةُ الْإِلَه فبعضُهم ... يدعونَ خيرَهُمُ كَمَا يدعوهُ)
(وهمُ طباعٌ يقصدون كرامَها ... من بَينهم ومعادنٌ ووجوهُ)
(وَإِلَيْك هَذَا القولُ يسري فالهُ ... وَعَلَيْك معنى سرِّهِ أجْلوهُ)
يُقَبِّلُ الأرضَ ويُنهي أَن مطالعاته وتضرُّعاته ووسائله ورسائله وقصائده ومذاكراته تكرَّرتْ إِلَى بَيت يَدي المخدوم أدام الله أيَّامه وَأبقى رماحاً للدولة أقلامه وسيوفاً للهيجاء كَلَامه
وَهل سيتسقي الظمآن إِلاَّ الْغَمَام أَو يستصرخ العاني إِلاَّ بالسَّراة الْكِرَام أَو تقف الآمالُ إِلاَّ على الْوُجُوه الصِّباح أَو يجلو ظلمَة اللَّيْل البهيم إِلاَّ الْقَمَر إِذا لَاحَ أَو الصَّباح إِذا طلع بنوره الوضَّاح أَو يلوذ العبدُ إِلاَّ بسيِّده أَو يعوذ الْمُنْقَطع إِلاَّ بِمن سَبَبُ الِاتِّصَال فِي يَده والمملوك)
ظامْ وأفق سيِّدي المخدوم غمامٌ عامٍ وعان وَكَرمه قد مَلأ الدُّنيا بالإنعام وَله أملٌ وَوَجهه قد غطَّى على الشَّمْس بالإشراق وَفِي ليلٍ داج وَبَين عَيْنَيْهِ قمرٌ لَا يصل إِلَيْهِ مُحاق وَمن بِشْره صبحٌ يدلُّ فِي الْآفَاق ضالَّةَ الرفاق وعبدٌ وَأَنت السَّيِّد الْكَامِل ومنقطِع وَأَنت بِمَشِيئَة الله إِلَى المأمن حَامِل
(وَلَا تسْأَل عَن الإفلاس غَيْرِي ... فآخر مَا يُباع هِيَ الدفاترْ)
(وَمَا لي دفترٌ فأبيعَ مِنْهُ ... وَقد خَلَتِ الدفاترُ والمحابرْ)
(وَمَا ثَقَّلْتُ إِلاَّ بعد جهدٍ ... فَكُن لي مُسعفاً يَوْمًا وعاذرْ)
(وحالُ الْجِسْم منِّي مثلُ حَظِّي ... كطِرسي الكلُّ أشباهٌ نظائرْ)(22/291)
(وَلَا أَشْكُو لغير الله مَا بِي ... وَكم فِي الْعَالمين لنا بصائر)
(وَلَكِن أستقيل وَأَنت ناءٍ ... إِلَيْك كَمَا أكون وَأَنت حَاضر)
(فأدركْني إِذن لَا زلتَ تسخو ... بجاهٍ عِنْد رَيْبِ الدَّهْر ناصرْ)
(أكابرنا بَقِيتُمْ فِي مزيدٍ ... من العلياء يكتنف الأصاغرْ)
(وَلَا زَالَت تروح لنا وتغدو ... بشائرُ مِنْك تتلوها بشائرْ)
(وَإِن كسر الزمانُ لنا قلوباً ... لقيك مِنْك بِالْإِحْسَانِ جابرْ)
ونقلتُ من خطِّه أَيْضا نُسْخَة كتابٍ كتبه إِلَيْهِ أَيْضا وَهُوَ يُقَبِّلُ الأَرْض ويُنهي أَنه قد انْتهى الْأَمر إِلَى مَا علمه مَوْلَانَا من توجُّه أهل الْمَمْلُوك وَولده إِلَى دمشق وهم الْآن بهَا يسْأَلُون النَّاس الْقُوت والمملوكُ بصفد فِي مثل حَالهم والأمور كلّها بيد الله عزَّ وجلّ وَقد كَانَ الْمَمْلُوك يعْهَد لَهُ حظًّا من خاطر مَوْلَانَا ويرجو من لطف الله بَقَاء بعضه إِن لم يكن كلّه وحاشا نفسَه الشَّرِيفَة الطاهرة أَن يكون مبلغ رِضَاهُ بَين النَّاس أَن يكون هَذَا نصيب الْمَمْلُوك من جاه مَوْلَانَا وَهَذَا حَاله فِي أيَّام عزِّه وإقبال سعادته الَّتِي كَانَ الْمَمْلُوك يبشِّره بهَا ويلمح لَهُ بوادرها ويتوسَّم مقدِّماتها وَكم كَانَ مَوْلَانَا يُسلف المملوكَ وعودَ خَيره ومواثيق وفائه وعهود مواساته فَلَا يكن ذلّنا فِي عِزِّكَ الغَرضا
(وإنْ حننتَ للحمى وروضه ... فبالغضا ماءٌ وروضاتٌ أُخَرْ)
(هَل مِصْرُ إِلاَّ منزلٌ مفارَقٌ ... ووطنٌ فِي غَيره يُقضَى الوَطَرْ)
واللهِ إنَّ الْمَمْلُوك يسرُّه أَن يكون مَوْلَانَا فِي خير وَمَا يُنسبُ إِلَيْهِ إِلاَّ كلّ حَسَنٍ جميل فَلَا)
يتوقَّعُ من جِهَته إِلاَّ الْخَيْر وَلَا يعرف طباعه تقبل إِلاَّ الْخَيْر وَالْإِحْسَان وَلَا يُصغي إِلاَّ لمن يَقُول الْخَيْر ويُشير بِهِ
وَلَو تُرك القطا لَيْلًا لناما
(ولمَّا زَاد مَا ألْقى ... وَقَالَ الدهرُ أَن أَشْقَى)
(وعزَّ الحظُّ فِي الدُّنيا ... من الإخوان أَن يبْقى)
(وَكَاد الرّوح من ظمإٍ ... إِلَى الحلقومِ أَن يرقى)
(تجلَّى لي سحابٌ مُ ... دَّ حتَّى جَلَّلَ الأُفقا)
(فلمَّا أَن دَنا منِّي ... تعدَّاني وَمَا أسْقى)
والمملوكُ يعلم ويتحقَّق أَن مَوْلَانَا زَاده الله من فَضله لَا يتخلَّى عمَّن لَا لَهُ بِهِ تعلُّق(22/292)
فَكيف يتخلَّى عَن عبدٍ خدمَه وَصَارَ لَهُ إِلَيْهِ نِسْبة وَإِن كَانَ قد رضيَ أَن يكون هَذَا حظَّ الْمَمْلُوك مِن تَقَدُّمه وجاهه وعزِّه فالسمع وَألف طَاعَة وعَلى رَأس الْمَمْلُوك وعينه والمملوك هُوَ ملك مَوْلَانَا وَله أَن يتصرَّف فِي ملكه كَيفَ يَشَاء
(إِن كَانَ سُكَّان الغضا ... رَضُوا بقتلي فَرِضا)
(صرتُ لَهُم عبدا وَمَا ... للعبدِ أنْ يَعْتَرِضا)
واللهِ الْعَظِيم وَكفى بِاللَّه شَهِيدا إنَّ الْمَمْلُوك يَدْعُو لمولانا بكلِّ دعاءٍ صَالح وَمَا لَهُ أحدٌ من النَّاس غير الرَّحْمَة الَّتِي أسكنها الله فِي قلب مَوْلَانَا وعمَر بهَا خاطره وَمَا يتوَّسل إِلَيْهِ إِلاَّ بعهوده ومواثيقه ومطلوب الْمَمْلُوك الحجّ فِي هَذَا الْعَام فبالله بِاللَّه بِاللَّه يَا مَوْلَانَا لاحظ الْمَمْلُوك بعنايةٍ يتفرَّج بهَا كَرَبُ الْمَمْلُوك ويزولُ عَنهُ العائق بصفد فوَاللَّه قد ضَاقَ الْوَقْت بالمملوك عَن القُوت وَلَا حول وَلَا قوَّة إِلاَّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم وَلَوْلَا أنَّ المخدوم الناصري عزَّ نصرُه ابْن عمّ مَوْلَانَا افْتقدَ المملوكَ بشيءٍ وقاهُ من برد الشتَاء وَإِلَّا كَانَ قد هلك فِي هَذَا الْبرد والمملوك يسْأَل من مَوْلَانَا الحجَّ فِي هَذَا الْعَام لوجه الله عزّ وجلّ وَعَسَى أَن يوافيَني الأجَلُ فِي قُرْبةٍ يكون مَعهَا حسنُ الخاتمة فالدنيا قد فرغ مِنْهَا والمملوك مَا لَهُ أحدٌ يتوسَّل بِهِ غير مراحم مَوْلَانَا ووفائه وكرم نَفسه الشَّرِيفَة أُنهي ذَلِك
وَمن إنشائه رَحمَه الله تَعَالَى نُسْخَة كتاب كتبه تجربةً للخاطر يُقبِّلُ اليدَ الشَّرِيفَة الطاهرة الزكية المتواضعة العليَّة الَّتِي تُهدي الجَدا وتُجدي الْهدى وتورد)
الندى وتردُّ ببسطها إِلَى اللهِ الردى وَلَا زَالَت مُنْعِمة وللحسَّاد مُرغِمة وبالمعالي مُعْلَمَة وَبِمَا لَهَا من الْفضل مُعْلِمة وعَلى مَا شقَّ من أسبابِ السِّيَادَة مُقْدِمة وَإِلَى مَا نأى عَن الهمم من الغايات متقدِّمة وَلَا بَرَحَتْ بالقُبَل ملتثمة وبالأفواه مستلَمة وبالمآثر موسومة الْآثَار أحسن سِمَة وَيُنْهِي ورودَ المُشَرَّفِ الْكَرِيم ووقتُ الصَّوْم قد حَان وهلاله فِي عَنان السَّمَاء مُرخى العِنان يُشار إِلَيْهِ للْبَيَان بالبنان كأنَّها الطليعةُ وَهِي الرَّاء من أوَّل رَمَضَان أَو الساقةُ وَهِي النُّون من آخر شعْبَان أَو الخائفُ اختفى عَن العيان وترامته الْأَبْصَار فاستبان أَو طالبُ حاجةٍ مَعَ الشَّمْس أدْركهُ اللَّيْل فَوقف وِقفة الحيران أَو كوَّةٌ فِي غَار أَو قرينٌ غَار فغار أَو رقيبٌ وَلذَا اخْتَبَأَ ليطَّلع على مغيَّبات الْأَسْرَار أَو الحاجبُ لَا جَرَمَ أَنه حُجب على الأنظار أَو الواني ممَّا تمادت بِهِ الْأَسْفَار فِي الأقطار أَو كأنَّه مَا انهارَّ من جُرف النَّهَار أَو المِخلبُ الصَّائِل على النُّظَّار الصائدُ مَا جاوره من النُّجُوم ليتكمَّل فِيهِ الْأَنْوَار ويتمّ باجتماعها إِلَيْهِ فِي صُورَة الأقمار أَو المنجلُ الحاصد للأعمار القاصدُ جنيَ مَا على نهرِ المجرَّة من الْأَنْهَار أَو طوقٌ لم ينضمّ أَو مبدأُ عِمَامَة لمعتمّ أَو قرطٌ خانته العلاقة فَانْقَطع أَو مَا انخرم(22/293)
من شحمة الأُذن حِين وَقع أَو علامَةُ عضَّة أَو قُلامةٌ مُبيضَّة أَو قطعةٌ من سوار فضَّة أَو تشريفٌ من نوَّارةٍ غَضَّة أَو شفةُ فتاةٍ بَضَّة أَو حافرُ جواد حَلَّى أرضه أَو وطيةُ حافٍ خَلَّى من أثر كَعبه بعضه أَو درهمٌ فيع ثلمة أَو دينارٌ مخسوف الْجَانِب لحكمة أَو تمثالُ عُشْرٍ فِي خَتمة أَو نصفُ دَائِرَة من خطِّ بركار مَا أتَمَّه أَو عُرجونٌ قديم أَو مَا مَال من كأس نديم أَو شطرٌ من كرةٍ مقسومة أَو ضاحكٌ أَسْنَانه مهتومة أَو هالةٌ وارتْ قُطراً مِنْهَا غيمةٌ مركومة أَو لثامٌ على حَنَك أَو زورقٌ على وَرَق أَو ورقٌ حمولته من عنبر الحَلَك أَو حجلٌ نزع من سَاق أَو ورقٌ رَاجع من الأوراق أَو مَا انحلَّ عَن الخصر من النطاق أَو وقفٌ من عاج أَو صدعٌ فِي زجاج أَو جدولٌ منعطف أَو نعلٌ فِي فلاةٍ قد حُذف أَو لَبَّةُ فؤاد أَو غصنٌ أثقله الثَّمر فانآد وعقدَ سماءه بأرضه أَو كَاد أَو نُؤْيٌ محفور أَو ثغرةٌ فِي سور أَو فمُ قدحٍ مكسور أَو فخٌّ مَنْصُوب على طول الدهور أَو حلقةٌ منقوصة أَو أُذن ريم مقصوصة أَو ضفيرةٌ معقوصة أَو خاتمٌ زَالَ فَصُّه ففَغَر أَو مَا انداح من رمية فِي صفحة المَاء بِحجر أَو طيَّةٌ من أعكان أَو سُرَّةٌ مُحقٌقة فِي كشحٍ ريَّان أَو ذؤابة مَرْدُودَة أَو حزَّةٌ من بِطيخةٍ مقدودة أَو عُرفُ ديكٍ مفروش أَو ممَّا فِي ريش الطاووس من تخليق النقوش أَو قوسٌ محنيَّة القَرا أَو عروةٌ)
مفكوكةٌ من العُرى أَو فترٌ مَرْفُوع أَو طيلسانٌ مُقوَّر مرقوع أَو قبضةُ إبريق مخلوعة أَو آلةٌ لَا أَقُول مِجرفة للطيب مصنوعة أَو يدٌ التفَّتْ على عنَاق حبيب أَو شعرةُ مشيب نصلت من خضيب أَو مَا أحَاط من الإكليل بالجبين أَو محرابٌ لبَعض المصلِّين أَو سالفُ تَحْسِين أَو مَشْقَةُ قَاف أَو سين أَو مَا انْدفع من جؤجؤ السفين أَو أحدُ الحُقَّين أَو عِذارٌ حول الخدَّين أَو رأسٌ من كِتَابَة صَاد لم يلتحم أَو عينٌ أَو دَال مُنْقَلب أَو طاءٌ مُنْفَصِل الطَّرفَيْنِ سقط أَلفه المنتصب أَو منسِمٌ منقوب أَو تعريقةُ جِيم مَكْتُوب أَو قميصٌ انفرجت أزراره عَن صدر مكروب أَو عقربٌ شَائِلَة أَو شعلةُ نَار لعبت بهَا الرّيح الجائلة فَهِيَ مائلة أَو حيَّةٌ ملتوية أَو صولجانٌ مقصوف لم يبْق مِنْهُ سوى الحَنيَّة أَو ترقوةٌ بدا عظمها أَو إطارةُ غرضٍ خرق هيأتها سهمُها أَو فلكةُ مِغزل مُشظَّاة أَو دُفٌّ أَمْسَكت كفٌّ سوداءُ على أَعْلَاهُ أَو مَا تَحت تنفُّس الْمَرْأَة فِي الْمرْآة أَو قنطرةٌ منكوسة الْوَضع فِي الْبُنيان أَو طبقٌ قَائِم أُخذ من حافته شيءٌ فَبَان أَو غرَّةٌ فِي أدهمَ من الْخَيل صانعتْ بهَا الشمسُ عَن نفسِها لخاطف اللَّيْل أَو رداءٌ أسبله الشرقُ فكفَّ الغربُ مِنْهُ الذيل أَو صعدة أَو مكانُ ورقةٍ من وردة أَو قفلٌ على تجليد أَو إِحْدَى المطيفتين بالوريد أَو لَبَبٌ مركَّب أَو كُورٌ مُرتَّب أَو قَتَبٌ مُجرَّد أَو سرجٌ مؤكَّد أَو قَرْبوسٌ مِنْهُ مفرَد أَو واحدةٌ من خُشْكَنان أَو حدقةٌ نجلاءُ من إِنْسَان أَو طعنةٌ مثلُها بسنان أَو سيفٌ لَان فِي يَمِين ضَارب أَو مطرحُ القلادة من ترائب الكاعب أَو خيالُ الْمَمْلُوك ممَّا شفَّتْهُ الأشواق وصنعتْه بِهِ عوادي الْفِرَاق أَو مَا خدَّه فِي خَدّه الدمع(22/294)
المُهراق فَكَانَ الناسُ فِي اشْتِغَال باستقبال الْهلَال وقلبُ الْمَمْلُوك فِي اشتعال ممَّا عِنْده من البَلْبال وَمن ضنى جسده البال وَمن وجده الَّذِي غال مِنْهُ البال وحالت الْأَحْوَال وَمَا اسْتَحَالَ وَبَات وطرفه يتملَّى من المشرَّف الْكَرِيم خطًّا مَا لَهُ مِثَال ويتأمَّل لفظا بمعانيه تُضرب الْأَمْثَال ويُقلِّبُ وَجهه فِي أفقه الدالّ على دُرٍّ صحَّ فَلَيْسَ فِيهِ اعتلال ومحبَّةٍ حازت الْفضل بسبقها وعهدٍ تقادم فتأصَّل وتَبين أعراقُ الأصائل فِي عتقهَا ووالى فِيهِ قُبَلَه وَتَنَاول مِنْهُ السُّعُود الْمُقبلَة وعُلم جبرُ مَوْلَانَا لمحبَّة وعتبه عَلَيْهِ لانْقِطَاع كتبه وتسكينُه للوعة قلبه وتأمينُه لروعَةِ سِرْبِه وتذكاره بِمَا لم ينسه من حُقُوقه وبرُّه البريء من عُقوقه وسوالفهُ المرعيَّة وودُّه الَّذِي هُوَ مِنْهُ سجيَّة وإحسانه الَّذِي تستحيي مِنْهُ السحب السخيَّة وصحبته المبنيَّة على صدق النيَّة وكلُّ ذَلِك معتَقَدُ المملوكِ عَلَيْهِ ومصوَّرٌ لَهُ بَين عَيْنَيْهِ وَلَا يمِيل عَنهُ إِلاَّ إِلَيْهِ وَلَا يملّ مِنْهُ وَقد قدَّمه للنجاة بَين)
يَدَيْهِ فأهلاً بعتبه اللذيذ وأنسِه الَّذِي يعوذ بِهِ من جفوته المستعيذ وواردِه المُنبِّئ المُنبِّه وَعطفه المرفرف المُرَفِّه وَكتابه المنوِّل المنَوِّه وتسليته الَّتِي يستروِح إِلَيْهَا المتأوِّل المتأوِّه ومسامحته المرجُوَّة لرفع التثريب وملاحظته المدعوَّة لدفع مَا يريب وإنفاثِه المُنَفِّس عَن الباكي الكئيب ووفائه المناجي على الْبعد من قريب وطَوْلِه المُغْضي لمملوكه عَن التَّقْصِير وتأهيلِه الجابر مِنْهُ للعظم الكسير وإسعافه على قلّة المُواسي وتذكُّره على كَثْرَة مَا بَين النَّاس من النَّاسِي وهنَّأ الله مَوْلَانَا بصومه المقبول وشهره الْمَوْصُول بِحُصُول السُّول وَأَعَادَهُ لَهُ أعواماً تتبسَّم مواسمها وتتنسَّم كمائمها وتسايره بالمسرَّة أعيادُها وتُكاثرُ النجومَ أعدادها وَإِن سمح بمشرَّفاته المرقوبة ووارداته الْمَطْلُوبَة وفرائده المحبوبة ومخاطباته المخطوبة ودعواته الَّتِي هِيَ بِمَشِيئَة الله من سَعَادَة الْغَيْب محسوبة فعادةٌ من كرمه مألوفة وسُنَّة من تشريفه لعَبْدِهِ مَعْرُوفَة وافتقادٌ على انْتِظَاره العيونُ مَوْقُوفَة لَا زَالَ يفوت ابْتِدَاء وجوابا ويفوز بالأفضل مَآلًا ومآبا ويفوق إِذا أهْدى رِسَالَة أَو أنشأ كتابا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
3 - (المُرْهِبي الْوَاعِظ)
عمر بن ذَرّ بن عبد الله ب زُرارة الهَمْداني المُرْهِبي قَالَ العجليّ كَانَ ثِقَة بليغاً يرى الإرجاء وَكَانَ ليّن القَوْل فِيهِ وَكَانَ إِمَامًا واعظاً مُفَوَّهاً زاهداً(22/295)
ولمَّا حجَّ كَانَ بِالنَّاسِ يقطعون التَّلْبِيَة ليسمعوا صَوته بِالتَّلْبِيَةِ توفّي سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة وروى لَهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والنَّسائي وَكَانَ وَلَده ذرّ كثير البرّ بِهِ شَدِيد التوفّر على طَاعَته ولمَّا حَضرته الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ أَبوهُ عمر وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَقَالَ يَا بنيّ إِنَّه مَا علينا من موتك غَضاضة وَلَا بِنَا إِلَى أحدٍ بسوى الله حَاجَة فلمَّا قضى صلّى عَلَيْهِ وَدَفنه ووقف على قَبره وَقَالَ أما وَالله يَا ذرُّ لقد شغلَنا الْبكاء لَك عَن الْبكاء عَلَيْك لأنَّا لَا نَدْرِي مَا قلتَ وَمَا قيل لَك اللَّهُمَّ إِنِّي قد وهبتُ لَهُ مَا قصَّر فِيهِ ممَّا افترضْتَ عَلَيْهِ من حقِّي وَاجعَل ثوابي عَلَيْهِ لَهُ وزدني من فضلك إنِّي إِلَيْك من الراغبين
وَقيل لَهُ كَيفَ بَرُّ ابنِك بك فَقَالَ مَا مشيتُ قطُّ بنهار وَهُوَ معي إِلاَّ مَشى خَلْفي وَلَا بلَيْل إِلاَّ مَشى أَمَامِي وَلَا رقي سطحاً وَأَنا تَحْتَهُ
3 - (صَاحب الْيمن)
عمر بن رَسُول الْملك نور الدّين صَاحب الْيمن قَالَ سعد الدّين فِي سنة خمس وَأَرْبَعين)
وست مائَة فِي ذِي الْقعدَة وصلنا الْخَبَر أَنه مَاتَ
3 - (عمر بن سعد الله)
3 - (ابْن بُخَيْج)
عمر بن سعد الله بن بُخَيْج بباء موحَّدة مَضْمُومَة وخاءين معجمتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف الإِمَام الْمُفْتِي زين الدّين الحرَّاني الْحَنْبَلِيّ عالمٌ خيِّر متواضع وقور بَصِير بالفقه والعربية
ولد سنة بضع وَثَمَانِينَ وست مائَة وَسمع الْكثير وَحضر على الْفَخر وَولي مشيخة الصبَّابيَّة وَألقى دروساً مُحرَّرة تخرَّج بِابْن تيميَّة وَبِغَيْرِهِ وناب فِي الحكم بعد بُرهان الدّين الزُّرع لقَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين بن المنجّا وَكَانَ يرى رَأْي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تيميَّة فِي الْمسَائِل الَّتِي تفرَّد بهَا وَيحكم بهَا فَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السّبكي يتألَّم من ذَلِك وَمَا يُنفِّذُ مَا يحكم بِهِ ونازعه فِي ذَلِك مرَّاتٍ وَلم يرجع فَقَالَ يَوْمًا لقَاضِي الدّين عَلَاء الدّين بن المنجّا إِن كنت تَقول لي إِن هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي يحكم بهَا نائبك مذهبُ(22/296)